كتاب الغيبة للشيخ الطوسي

كتاب الغيبة

تأليف: العالم الرباني شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدّس سره)
تقديم وتحقيق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
الطبعة الأولى: 1444هـ

رقم الإصدار: 275

الفهرس

مقدَّمة المركز..................3
ترجمة شيخ الطائفة (قدّس سره) بقلم السيِّد حسين بحر العلوم (قدّس سره)..................15
مقدّمة المؤلِّف..................25
[الفصل الأوَّل]: [الكلام في الغيبة]..................27
[الدليل على وجوب الرئاسة]..................31
[اعتراض بعض على كلام المرتضى (رحمه الله) في الغيبة]..................31
[الجواب عن الاعتراض المزبور]..................32
[الدليل على وجوب عصمة الإمام]..................43
[الدليل على أنَّ الحقَّ لا يخرج عن الأُمَّة]..................43
[الدليل على فساد قول الكيسانيَّة]..................44
[الدليل على فساد قول الناووسيَّة]..................48
الكلام على الواقفة..................48
[نصُّ الإمام الكاظم (عليه السلام) على إمامة الإمام الرضا (عليه السلام)]..................58
[أخبار استُدِلَّ بها على أنَّ الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) هو القائم، وأنَّه حيٌّ لم يمت، والجواب عنها]..................73
[السبب الباعث لقوم على القول بالوقف]..................94
[الأخبار الواردة في طعن رواة الواقفة]..................99
[بعض معجزات الإمام الرضا (عليه السلام) التي لبعضها رجع بعض الواقفة عن الوقف]..................103
[احتمال التشكيك في ولادة الإمام الحجَّة (عجّل الله فرجه) والجواب عنه]..................108
[ردُّ سائر الفِرَق المخالفة للإماميَّة في الحجَّة (عجّل الله فرجه) من المحمّديَّة والفطحيَّة وغيرها]..................113
[ذكر أنَّ الغيبة لحكمة اقتضاها، ونعلم ذلك إجمالاً]..................117
[ذكر ما يمكن أنْ يكون حكمةً وسبباً للغيبة]..................121
[السؤال عن حكم الحدود حال الغيبة وجوابه]..................125
[السؤال عن طريق إصابة الحقِّ حال الغيبة وجوابه]..................126
[علَّة غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) من أوليائه]..................128
[ذكر أنَّ ستر ولادة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) ليس من خوارق العادات، وما لها من النظائر]..................136
[إثبات ولادة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) وإبطال ما أُورد عليه من الشُّبَه]..................138
[استبعاد أنَّ صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) منذ وُلِدَ لا يعرف أحد مكانه]..................139
[الجواب عن الاعتراض بطول عمره (عجّل الله فرجه) بما يزيد عن العمر الطبيعي، وكونه خارقاً للعادة، وذكر المعمَّرين]..................144
[الدليل على إمامة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) من روايات المخالفين في الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام)]..................159
[أخبار الخاصَّة على إمامة الاثني عشر (عليهم السلام)]..................171
[بيان صحَّة أخبار أنَّ الأئمَّة اثنا عشر، وأنَّ المراد منهم الأئمَّة الإماميَّة]..................193
[دليل آخر على أنَّ إمامة صاحب الأمر (عجّل الله فرجه) من جهة إخبار الأئمَّة السابقة عليه بغيبته، وصفة غيبته، وحوادث زمان غيبته]..................194
[الروايات الدالَّة على خروج المهدي (عجّل الله فرجه)]..................215
[الروايات الدالَّة على أنَّ المهدي (عجّل الله فرجه) من ولد عليٍّ (عليه السلام)]..................224
[الروايات الدالَّة على أنَّ المهدي (عجّل الله فرجه) من ولد الحسين (عليه السلام)]..................227
[إبطال قول السبائيَّة في أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) حيٌّ باقٍ بالأخبار وغيرها]..................231
[إبطال قول الكيسانيَّة في أنَّ محمّد بن الحنفيَّة حيٌّ وأنَّه القائم بالأخبار وغيرها]..................234
[إبطال قول الناووسيَّة في أنَّ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حيٌّ وأنَّه المهدي بالأخبار وغيرها]..................235
[إبطال قول الواقفة]..................236
[إبطال قول المحمّديَّة في أنَّ محمّد بن عليٍّ العسكري (عليه السلام) لم يمت وأنَّه المهدي بالأخبار وغيرها]..................236
[أخبار وفاة محمّد في حياة أبيه الإمام الهادي (عليه السلام)]..................238
[معجزات الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)]..................242
[الردُّ على من قال بأنَّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حيٌّ باقٍ]..................256
[الردُّ على من قال: إنَّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) يحيى بعد موته ويعيش وهو القائم]..................258
[الردُّ على من قال بالفترة بعد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)]..................259
[الردُّ على من قال بإمامة جعفر بن عليٍّ بعد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)]..................260
[الردُّ على من قال بأنَّه مشتبه في أنَّ للعسكري (عليه السلام) ولداً أم لا، فيتوقَّف]..................262
[ردُّ القول بأنَّ الإمامة انقطعت بعد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) كما انقطعت النبوَّة]..................263
[إبطال قول الفطحيَّة]..................264
[الأخبار الدالَّة على أنَّ الإمامة لا تجتمع في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)، وذمِّ جعفر بن عليٍّ الكذَّاب]..................264
[ردُّ القول بأنَّ الأئمَّة ثلاثة عشر، وأنَّ للحجَّة (عليه السلام) ولداً]..................267
[الفصل الثاني]: [الكلام في ولادة صاحب الزمان وصحَّتها]..................269
[الفصل الثالث]: [الأخبار المتضمِّنة لمن رآه (عليه السلام) وهو لا يعرفه أو عرفه فيما بعد]..................295
[الفصل الرابع]: [ظهور المعجزات الدالَّة على إمامة الحجَّة (عجّل الله فرجه)]..................323
[ظهور المعجزات الدالَّة على صحَّة إمامته (عجّل الله فرجه) في زمان الغيبة]..................325
[ظهور المعجزات من جهته (عجّل الله فرجه) من التوقيعات]..................329
[الفصل الخامس]: [في ذكر العلَّة المانعة من ظهور الحجَّة (عجّل الله فرجه)]..................369
[الأخبار الواردة في امتحان الشيعة في حال الغيبة، وصعوبة الأمر عليهم، واختبارهم للصبر عليه]..................377
[الفصل السادس]: [في ذكر طرف من أخبار السفراء الذين كانوا في حال الغيبة]..................387
[ذكر المحمودين من وكلاء الأئمَّة (عليهم السلام)]..................390
[ذكر المذمومين من وكلاء الأئمَّة (عليهم السلام)]..................395
[ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة]..................397
[أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله)]..................397
ذكر أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري، والقول فيه..................403
ذكر إقامة أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري أبا القاسم الحسين ابن روح (رضي الله عنهما) مقامه بعده بأمر الإمام (صلوات الله عليه)..................410
[صورة بعض توقيعات الحجَّة (عجّل الله فرجه)]..................416
[استعمال التقيَّة من قِبَل الحسين بن روح (رضي الله عنه)]..................425
[الأخبار المرويَّة عن الحسين بن روح (رضي الله عنه)]..................428
ذكر أمر أبي الحسن عليِّ بن محمّد السمري بعد الشيخ أبي القاسم الحسين ابن روح (رضي الله عنه)، وانقطاع الأعلام به وهم الأبواب..................433
ذكر المذمومين الذين ادَّعوا البابيَّة [والسفارة كذباً وافتراءً]..................436
[التوقيعات الواردة على أقوام ثقات في زمان السفراء المحمودين]..................453
[الفصل السابع]: [فيما ذُكِرَ في بيان عمره (عجّل الله فرجه)]..................457
[ذكر ما روي في أنَّ صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) يموت ثمّ يعيش أو يُقتَل ثمّ يعيش وتأويله وذكر معارضاته]..................462
[ذكر الأخبار الواردة في أنَّه لا تعيين لوقت خروجه (عجّل الله فرجه)]..................464
[ذكر ما ورد من توقيت زمان الظهور ببعض الأوقات ثمّ تغيَّر لمصلحة اقتضته، وبيان معنى البداء]..................467
ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام)..................472
[الفصل الثامن]: [في ذكر طرف من صفاته ومنازله وسيرته (عجّل الله فرجه)]..................507
المصادر والمراجع..................521

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدَّمة المركز:
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
وبعد..
فلا يخفى عظمة كتاب الغيبة لشيخ الطائفة (قدّس سره) على كلِّ من سمع به، وبكلمة واحدة نقول: إنَّه أجمع الكُتُب وأدقّها وأوسعها منهجاً وأضبطها فيما يرتبط بغيبة الإمام (عجّل الله فرجه)، والحديث عن هذا الكتاب العظيم وبشكل مختصر يقع في نقاط:
1 - اسم الكتاب:
* ذكر الشيخ (قدّس سره) في (الفهرست) عندما ترجم لنفسه قائلاً: (محمّد بن الحسن بن عليٍّ الطوسي، مصنِّف هذا الفهرست، له مصنَّفات، منها: كتاب تهذيب الأحكام، وهو يشتمل على عدَّة كُتُب من كُتُب الفقه...، وله كتاب مختصر أخبار المختار بن أبي عبيدة (رحمه الله)، وله كتاب الغيبة، وله كتاب المسائل الحائريَّة، نحو من ثلاثمائة مسألة، وله كتاب هداية المسترشد وبصيرة المتعبِّد، وله كتاب اختيار الرجال، وله كتاب المجالس في الأخبار، وله كتاب مقتل الحسين (عليه السلام)، وله كتاب في الأُصول كبير، خرج منه الكلام في التوحيد وبعض الكلام في العدل)(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفهرست (ص 240 - 242/ الرقم 714/129).

(٣)

* وكذلك عبَّر عنه الشيخ آغا بزرك الطهراني - سواء في كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة)(2) أو في المقدَّمة القيِّمة التي وضعها لهذا الكتاب - عبَّر عنه بـ(الغيبة).
* ولكن بعض الكُتَّاب(3) ادَّعى أنَّ الشيخ (قدّس سره) لم يضع له عنواناً، وهو كما ترى.
2 - موضوع الكتاب:
قال الشيخ (قدّس سره) في مقدَّمة الكتاب (ص 25): (...أمَّا بعد، فإنِّي مجيب إلى ما رسمه الشيخ الجليل، أطال الله بقاءه من إملاء كلام في غيبة صاحب الزمان، وسبب غيبته، والعلَّة التي لأجلها طالت غيبته، وامتداد استتاره، مع شدَّة الحاجة إليه وانتشار الحيل، ووقوع الهرج والمرج، وكثرة الفساد في الأرض، وظهوره في البرِّ والبحر، ولِمَ لم يظهر؟ وما المانع منه؟ وما المحوج إليه؟ والجواب عن كلِّ ما يُسئَل عن ذلك من شُبَه المخالفين، ومطاعن المعاندين. وأنا مجيب إلى ما سأله، وممتثل ما رسمه...).
من هو الشيخ الجليل؟
وقع خلاف في تحديد هويَّة هذا الشيخ:
* جاء في هامش بعض النُّسَخ المطبوعة لهذا الكتاب: إنَّ مراد المؤلِّف من عبارة (الشيخ الجليل) هو الشيخ المفيد (قدّس سره)(4).
ويردُّه: من الثابت أنَّ وفاة الشيخ المفيد (قدّس سره) في سنة (413هـ)، وكان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) اُنظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة (ج 16/ ص 79/ الرقم 399).
(3) كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي الجامع للمسائل العقليَّة والنقليَّة في موضوع الغيبة، عبَّاس إسماعيل زاده.
(4) المقال المتقدِّم.

(٤)

تأليف هذا الكتاب بتصريح الشيخ (قدّس سره) سنة (447هـ)، خاصَّةً وأنَّ الشيخ الطوسي يُعقِّب على هذا (الشيخ الجليل) بالدعاء له قائلاً: (أطال الله بقاءه)، الأمر الذي يحكي عن أنَّ هذا الشيخ قد كان حيًّا أثناء تأليف الشيخ الطوسي لهذا الكتاب.
* قيل: ... والذي يبدو - من خلال الالتفات إلى تاريخ وفيات مشايخ الطوسي - أنَّ بالإمكان تحديد المراد من عبارة (الشيخ الجليل)، فإنَّ الذي بقي على قيد الحياة من مجموع مشايخ الطوسي الثمانية والثلاثين(5) - على ما ذُكِرَ - في فترة تأليف هذا الكتاب، شيخان فقط(6)، وهما: القاضي أبو القاسم عليٌّ التنوخي (ت 447هـ)، وأبو العبَّاس أحمد بن عليٍّ النجاشي (قدّس سره) صاحب كتاب الرجال (ت 450هـ).
وعليه لا بدَّ أنْ يكون الشيخ الطوسي قد ألَّف هذا الكتاب نزولاً عند طلب أحد هذين الشيخين.
ولكن صاحب كتاب الرجال المعروف هو زميل الشيخ لا أُستاذه، نعم والد النجاشي في طبقة مشايخ الشيخ الطوسي (قدّس سره)، إلَّا أنَّه ليس له كتاب رجالي معروف.
إلَّا إذا قيل: إنَّ مراد المؤلِّف من (الشيخ الجليل) شخصاً من أقرانه في العلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) اُنظر: الشيخ الطوسي (ص 109) فما بعد. وقد ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني أنَّ عدد شيوخ الطوسي يصل إلى (40) شيخاً، إلَّا أنَّه لم يذكر منهم من كان حيًّا في (حياة الشيخ الطوسي) سوى (37) شيخاً فقط.
(6) وقد تمَّ ذكر تاريخ وفاة الكثير من هؤلاء المشايخ في المصدرين الآنفين، كما يمكن الحصول على تواريخ وفيات الآخرين من خلال الرجوع إلى: رجال عصر الشيخ الطوسي، في هزاره شيخ طوسي (ألفية الشيخ الطوسي) (ص 118). وفيما يتعلَّق بالعلماء الذين يرجع تاريخ وفاتهم إلى عام (447هـ) فما بعد، لا نرى من شيوخه غير هذين الشيخين.

(٥)

بيد أنَّ هذا الاحتمال يبدو ضعيفاً أيضاً، وذلك لأنَّ الشيخ الطوسي (قدّس سره) قد تولَّى زعامة الطائفة (الشيعيَّة) سنة (436هـ) بعد رحيل أُستاذه السيِّد المرتضى (قدّس سره)، ولم يرد في بيان سيرته أنَّ شخصاً كان من أقرانه في تلك الفترة، بل قيل في عظمته: إنَّه بلغ مرتبة أعطاه الخليفة في حينها كرسي الكلام(7).
وإنْ كان بالإمكان أنْ يكون خطاب الشيخ (قدّس سره) لهذا الرجل من باب الإجلال والتكريم سواء كان من أقرانه أو حتَّى من تلامذته، من باب التواضع وجميل الأدب كما هو المعهود من سيرة علمائنا نزولاً عند رغبة من يطلب منهم الكتابة في بعض الموضوعات المهمَّة.
ومع عدم القرينة على تحديد هويَّة الشيخ الجليل يبقى اسمه مجهولاً بالنسبة لنا، ولعلَّه الأرجح.
3 - أين ومتى تمَّ تأليف كتاب الغيبة؟
الراجح أنَّه تمَّ تأليف الكتاب في بغداد، وتوجد عدَّة شواهد تدلُّ عليه، فإنَّ الشيخ (قدّس سره) هاجر إلى النجف (448هـ) بينما تلك الشواهد تتحدَّث عن عام (447هـ)، منها:
* قوله (قدّس سره): (فإنْ قيل: ادِّعاؤكم طول عمر صاحبكم أمر خارق للعادات...، لأنَّه على قولكم له في هذا الوقت - الذي هو سنة سبع وأربعين وأربعمائة - مائة وإحدى وتسعون سنة)(8).
وإنْ كان يبدو من حساب عمر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مع سنة كتابة هذا المقطع من شيخ الطائفة (قدّس سره) أنَّ حساب الولادة هو سنة (256هـ) وليس (255هـ).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) اُنظر على سبيل المثال: الشيخ الطوسي وتراثه الحديثي (مجلَّة علوم الحديث/ العدد 6/ ص 125).
(8) اُنظر (ص 144).

(٦)

* قوله (قدّس سره): (قال محمّد بن الحسن - مصنِّف هذا الكتاب -: رأيت قبره في الموضع الذي ذكره...، وهو إلى يومنا هذا - وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة)(9)، جاء هذا في معرض حديثه عن زيارته لقبر عثمان بن سعيد (رضي الله عنه) السفير الأول للإمام (عجّل الله فرجه).
4 - الرجال والتوثيق:
يُعَدُّ كتاب الغيبة لشيخ الطائفة (قدّس سره) من المصادر المهمَّة في التوثيق الخاصِّ أو العامِّ، فقد تناول (قدّس سره) العديد من الموارد التي يُستفاد منها التوثيق، من قبيل:
* عنوان الوكالة: وقد صنَّف فيها الوكلاء إلى صنفين:
1 - أهل الصلاح والاستقامة، من قبيل: حمران بن أعين، والمفضَّل بن عمر، والمعلَّى بن خُنَيس، ونصر بن قابوس اللخمي، وصفوان بن يحيى، ومحمّد ابن سنان، وعليّ بن مهزيار الأهوازي، وأيُّوب بن نوح بن درَّاج وغيرهم، حيث كانوا من الوكلاء الصالحين(10).
2 - أهل الانحراف والضلال، من قبيل: صالح بن محمّد بن سهل، وفارس بن حاتم بن ماهويه القزويني، وأحمد بن هلال العبرتاتي، وأبي طاهر محمّد بن عليِّ بن بلال، حيث كانوا من المذمومين(11).
* المقالات والفِرَق:
يتحدَّث شيخ الطائفة (قدّس سره) عن العديد من الفِرَق وعن مقالاتهم وإبطالها كالسبئيَّة والكيسانيَّة والناووسيَّة والفطحيَّة والمحمّديَّة والواقفيَّة، ويتحدَّث من زاوية أُخرى عن انقراض هذه الفِرَق وعدم بقائها إلى زمان تأليف هذا الكتاب،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(9) اُنظر (ص 402 و403).
(10) اُنظر (ص 390).
(11) اُنظر (ص 395).

(٧)

وهذا له أهمّيَّة كبيرة كما ذكره المصنِّف في كتابه، وما قاله (قدّس سره): (على أنَّ هذه الفِرَق كلَّها قد انقرضت بحمد الله، ولم يبقَ قائل يقول بقولها، وذلك دليل على بطلان هذه الأقاويل)(12).
كما ويتحدَّث عن صنفين من الواقفة:
1 - من استمرَّ وقفهم إلى أنْ ماتوا عليه، من قبيل: زياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي، وغيرهم.
2 - من رجعوا عنه، من قبيل: عبد الرحمن بن الحجَّاج، ورفاعة بن موسى، ويونس بن يعقوب، وجميل بن درَّاج، وحمَّاد بن عيسى(13).
5 - المصادر التي اعتمد عليها الشيخ في كتابه:
أوَّلاً: المصادر التي اعتمد عليها في البحوث الكلامية والعقليَّة، وهي:
1 - تلخيص الشافي للمصنِّف (قدّس سره): قال (قدّس سره): (قد أجبنا عن هذا السؤال في (التلخيص) مستوفًى، وجملته أنَّ...)(14).
2 - شرح الجُمَل للمصنِّف (قدّس سره): قال (قدّس سره): (وأجبنا عن كلِّ ما يُسئَل عن ذلك مستوفًى في (تلخيص الشافي) و(شرح الجُمَل) لا نُطوِّل بذكره هاهنا)(15).
3 - الذخيرة للسيِّد المرتضى (قدّس سره): قال (قدّس سره): (الذي نقوله في هذا الباب ما ذكره المرتضى (رحمه الله) في (الذخيرة)...)(16).
4 - كُتُب ابن قبة الرازي (رحمه الله): والتي أورد معظمها الشيخ الصدوق (قدّس سره)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(12) اُنظر (ص 267).
(13) اُنظر (ص 103).
(14) اُنظر (ص 127).
(15) اُنظر (ص 31).
(16) اُنظر (ص 38).

(٨)

في (كمال الدِّين)، حيث نجد التطابق التامَّ في بعض الموارد، منها: معالجة بعض شُبُهات الغيبة، والردُّ على جماعة جعفر، وإنكار الولادة.
5 - الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد (قدّس سره): ولم يذكره صريحاً إلَّا أنَّه بالمقارنة مع المعلومات الواردة في الغيبة مع الواردة في الفصول نجد التطابق التامَّ أو التقارب الكبير، ومنها: الردُّ على فِرَق الواقفة، وطول عمر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وذكر بعض المعمَّرين.
6 - المقنع للسيِّد المرتضى (قدّس سره): أيضاً لم يذكره صريحاً، ويمكن استفادة التطابق التامِّ أو الجزئي في بعض المباحث.
ثانياً: المصادر التي اعتمد عليها في البحوث الروائيَّة والتاريخيَّة، وهي على أصناف أيضاً:
الصنف الأوَّل: المصادر المتداولة والمطبوعة، وهي:
1 - كتاب الكافي للشيخ الكليني (قدّس سره).
2 - الغيبة للشيخ النعماني (قدّس سره).
3 - كمال الدِّين وتمام النعمة للشيخ الصدوق (قدّس سره).
4 - كتاب مسائل عليِّ بن جعفر.
5 - كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي.
الصنف الثاني: المصادر غير الموجودة:
1 و2 - الرجعة وكتاب القائم (عجّل الله فرجه): للفضل بن شاذان النيشابوري.
3 - الغيبة أو ما يُسمَّى بكتاب إثبات الرجعة للفضل بن شاذان النيسابوري.
والمتتبِّع لهذا الكتاب يجد طُرُق الشيخ (قدّس سره) إلى هذه الكُتُب من خلال ملاحظة (الفهرست) وما يبدأ به أسانيد الروايات.

(٩)

4 - أخبار الأبواب: لأحمد بن عليِّ بن عبَّاس بن نوح، أبو العبَّاس السيرافي.
وطريق الشيخ الطوسي (رحمه الله) إلى كتاب الوكلاء، بواسطة (جماعة من أصحابنا) ، وهو هنا بواسطة (الحسين بن إبراهيم القمِّي)، الذي ينقل عنه عن الكتاب.
إنْ قلتَ: إنَّ الشيخ بنفسه يُصرِّح أنَّ كتاب السيرافي غير موجود، فكيف ينقل عنه؟ قال (قدّس سره) في (الفهرست): (أحمد بن محمّد بن نوح، يُكنَّى أبا العبَّاس السيرافي، سكن البصرة، واسع الرواية، ثقة في روايته، غير أنَّه حُكي عنه مذاهب فاسدة في الأُصول، مثل القول بالرؤية وغيرها. وله تصانيف، منها: كتاب الرجال الذين رووا عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وزاد على ما ذكره ابن عقدة كثيراً، وله كُتُب في الفقه على ترتيب الأُصول، وذكر الاختلاف فيها، وله كتاب أخبار الأبواب، غير أنَّ هذه الكُتُب كانت في المسودَّة ولم يوجد منها شيء. أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا بجميع رواياته، ومات عن قرب، إلَّا أنَّه كان بالبصرة ولم يتَّفق لقائي إيَّاه)(17).
قلتُ: يحتمل أنَّ النسخة وصلت له بعد تأليفه لكتاب (الفهرست) الذي ألَّفه متقدِّماً على كتاب الغيبة والعديد من كُتُبه، حيث ذكر في مقدَّمة (الفهرست): (ولـمَّا تكرَّر من الشيخ الفاضل (أدام الله تأييده)، الرغبة فيما يجري هذا المجرى، وتوالى منه الحثُّ على ذلك، ورأيته حريصاً عليه، عمدت إلى كتاب يشتمل على ذكر المصنَّفات والأُصول...)، وحيث إنَّ وفاة الشيخ المفيد (قدّس سره) هي في حدود (413هـ) فيكون كتاب الفهرست موجوداً قبل هذا الوقت بمدَّة.
على أنَّ له (قدّس سره) طريقاً إلى جميع رواياته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(17) الفهرست (ص 84 و85/ الرقم 117/55).

(١٠)

5 و6 - الأوصياء وكتاب الغيبة: لمحمّد بن عليِّ بن أبي العزاقر الشلمغاني.
7 - في نصرة الواقفة: لأبي محمّد عليِّ بن أحمد العلوي الموسوي.
وقد نقل عنه الشيخ الطوسي في غيبته ذيل (الكلام في الواقفة)، حيث نقل عدَّة روايات استدلُّوا بها على الوقف.
8 - كُتُب سعد بن عبد الله الأشعري القُمِّي.
الصنف الثالث: الروايات المتناثرة أو مجهولة المصدر: ومن مواردها وهي عديدة كالرواية الأُولى والثانية والثالثة، وهناك العديد من الموارد كما يقف عليها المتتبِّع.
كما تكرَّر من الشيخ ذكر جماعة وعدَّة في بداية الطُّرُق لبعض الروايات، وهذا ينبغي بحثه مفصَّلاً لضبط طُرُق الشيخ (قدّس سره) وأنْ لا يُرمى الحديث بالإرسال لمجرَّد عدم وجود الواسطة، فإنَّه (قدّس سره) يعتمد على طُرُقه في (الفهرست)، لتأخُّر هذا الكتاب عنها.
6 - منهج شيخ الطائفة (قدّس سره) الكلامي:
يُعَدُّ الشيخ الطوسي (قدّس سره) في طليعة علماء الكلام الشيعة، ومدرسته الكلاميَّة هي امتداد للمدارس السابقة عليه من أساتذته وشيوخه كالمرتضى والمفيد (قدّس سرهما)، بل تمتدُّ هذه المدرسة إلى هشام بن الحَكَم (رحمه الله) وغيره من علماء الكلام الشيعة.
وكيفما كان فمنهج شيخ الطائفة (قدّس سره) هو منهج كلامي في هذا الكتاب في طابعه العامِّ.
وعلم الكلام هو الذي اضطلع بمهمَّة الاستدلال على المسائل الكلاميَّة، فالمتكلِّم ينطلق في إثبات ما يعتقد به ابتداءً من التوحيد وانتهاءً بالمعاد وما بينهما من تفصيلات، فمهمَّة المتكلِّم هي الاستدلال على العقائد الدِّينيَّة وإثباتها بالأدلَّة

(١١)

العقليَّة والنقليَّة ومن ثَمَّ دفع الشُّبُهات المثارة حولها سواء كانت على مستوى الأُصول أو تفريعاتها.
7 - منهج شيخ الطائفة (قدّس سره) في الحديث:
الحديث عن منهج شيخ الطائفة (قدّس سره) في خبر الواحد تكمن أهمّيَّته في النظر إلى الروايات الموجودة في كتاب الغيبة، وعلى أيِّ أساس ومنهج تمَّ تدوينها، خصوصاً وأنَّ التدوين لهذا الكتاب جاء متأخِّراً بالنسبة لمؤلَّفات الشيخ (قدّس سره).
* قول شيخ الطائفة (قدّس سره) في خبر الواحد: قال (قدّس سره): (والذي أذهب إليه أنَّ خبر الواحد لا يوجب العلم، وأنَّه كان يجوز أنْ ترد العبادة بالعمل به عقلاً، وقد ورد جواز العمل به في الشرع)، ثمّ ذكر شروط العمل به.
ثمّ قال (قدّس سره): (فأمَّا ما اخترته من مذهب فهو: أنَّ خبر الواحد إذا كان وارداً من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة وكان ذلك مرويًّا عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو عن واحد من الأئمَّة (عليهم السلام)، وكان الراوي ممَّن لا يُطعَن في روايته، ويكون سديداً في نقله... جاز العمل به)(18).
هذا هو رأيه (قدّس سره) الذي يمكن اعتماده في كتابه، على أنَّه (قدّس سره) قد فصَّل في كيفيَّة اعتماده على خبر الواحد حتَّى في دائرة الإرسال، فقد قال (قدّس سره) ما نصُّه: (وإذا كان أحد الراويين مسنداً والآخر مرسَلاً، نُظِرَ في حال المرسِل، فإنْ كان ممَّن يُعلَم أنَّه لا يُرسِل إلَّا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوَّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، وغيرهم من الثقات الذين عُرفوا بأنَّهم لا يروون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(18) العدَّة في أُصول الفقه (ج 1/ ص 100 و126).

(١٢)

ولا يُرسِلون إلَّا عمَّن يُوثَق به وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم)(19).
فينبغي قبل الحكم على رواية ما في كتاب الغيبة الاطِّلاع على مبنى شيخ الطائفة في حجّيَّة خبر الواحد وطريقته (قدّس سره) في تلقِّي الأخبار، وهو ما نجده جليًّا واضحاً في كتابه القيِّم (العدَّة)، فراجع.
عملنا في الكتاب:
1 - اعتمدنا في تحقيق الكتاب على الكثير من النُّسَخ المخطوطة، وبعضها موجود في المكتبة الخطّيَّة لمركزنا، ولم نجد حاجة إلى بيان هويَّة كلِّ نسخة، لذا أشرنا إلى مواطن الاختلاف بعبارة: (في بعض النُّسَخ).
2 - لم نولِ أهمّيَّة للاختلاف في بعض الحروف بين النُّسَخ الخطّيَّة، وإنَّما لاحظنا الاختلاف - وأشرنا إليه في الهامش - بين الكلمات في حال اختلاف المعنى بينها.
3 - اخترنا العبارة التي نراها أنسب - من بين النُّسَخ الخطّيَّة في حال الاختلاف - ووضعناها في المتن، ولم نختر نسخة معيَّنة لنجعلها هي الأصل.
4 - قمنا بتحريك الآيات القرآنيَّة على ضوء القرآن الكريم.
5 - الإتيان بالأحاديث محرَّكة لتسهيل القراءة على القارئ الكريم.
6 - إضافة مصادر أُخرى في هامش الأحاديث الشريفة للكتاب.
7 - ضبط أسماء الأعلام والرواة اعتماداً على كُتُب الرجال، وترجمة بعضهم بما نراه مناسباً.
8 - شرح بعض المفردات اللغويَّة المبهمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(19) العدَّة في أُصول الفقه (ج 1/ ص 154).

(١٣)

9 - الإتيان بشروح بعض الأحاديث من الكُتُب التالية:
أ - شرح أُصول الكافي لمولى محمّد صالح المازندراني (ت 1081هـ)/ ضبط وتصحيح: السيِّد عليّ عاشور/ طبع ونشر دار إحياء التراث العربي/ ط 1/ 1421هـ.
ب - مرآة العقول في شرح أخبار الرسول للعلَّامة المجلسي (ت 1111هـ)/ نشر دار الكُتُب الإسلاميَّة/ ط 2/ 1404هـ.
ج - بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمَّة الأطهار للعلَّامة المجلسي (ت 1111)/ نشر مؤسَّسة الوفاء/ ط 2/ 1403هـ/ بيروت.
نسأل الله تعالى أنْ يتقبَّل منَّا هذا القليل ببركة المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)، وأنْ يُعجِّل في فرجه ويُسهِّل مخرجه ويجعلنا من شيعته وأنصاره والمستشهدين بين يديه.
وختاماً فقد جرت عادة المحقِّقين على كتابة ترجمة لصاحب الكتاب المحقَّق، ونحن نكتفي بترجمة السيِّد حسين بحر العلوم (قدّس سره) لشيخ الطائفة (قدّس سره) في كتاب (تلخيص الشافي)، وقد اختصرنا الترجمة حذراً من التطويل...

* * *

(١٤)

ترجمة شيخ الطائفة (قدّس سره) بقلم السيِّد حسين بحر العلوم (قدّس سره)

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين.
لقد كتب كثير من المؤرِّخين وعلماء الرجال عن هذه الشخصيَّة الإسلاميَّة الفذَّة، بما يجلُّ عن التعداد والإحصاء، فقلَّ أنْ تجد كتاباً أو بحثاً عن الشخصيَّات في التاريخ والتأليف لا يتعرَّض إلى ذكر شيخ الطائفة (قدّس سره)، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ ينبض به عرق الطائفيَّة البغيضة، فيسحق وجدانه - إنْ كان له وجدان - ويجتاز مرحلة التاريخ، بلا هوادة - كما يتجلَّى ذلك عند الخطيب البغدادي في تاريخه، والحموي في معجم البلدان -.
* في غرَّة رمضان المبارك من سنة (385هـ) وُلِدَ شيخ الطائفة - على الإطلاق - أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليِّ بن الحسن الطوسي (قدّس سره)، في بلاد (طوس) التي هي أقدم بلاد فارس، وأشهرها لدى المؤرِّخين والرحَّالة...
* وبقي شيخنا المترجَم في مسقط رأسه (طوس) مدَّة لا تقلُّ عن ربع قرن ينتهل مناهل العلم والأدب - على اختلاف فروعهما - من أفكار فطاحل العلماء والأُدباء - السُّنَّة والشيعة -، ونشأ - طيلة هذه المدَّة - نشأة علميَّة متواصلة حتَّى أصبح مشار البنان وملاك الألسن بالمدح والثناء بين أقرانه وذويه، الأمر الذي حفَّزه إلى أنْ يواصل سيره العلمي إلى أبعد غاية، وأرفع مستوى، وأعمق غوراً في عالم التحقيق والتدقيق.
ولم تكن بلاد (طوس) - يومئذٍ - ميداناً واسعاً للعلم بحيث يملأ طموح

(١٥)

شيخنا الطوسي، المتدفِّق العزم، المحلِّق الفكر، فعزم على الرحيل إلى (مدرسة بغداد) حيث الحياة الفكريَّة، ومهبط العلماء والفضلاء من جميع أقطار العالم المتحضِّر - في ذلك العهد -، وفعلاً تمَّ لشيخنا ذلك.
* ففي عام (408هـ) انتقل إلى بغداد (دار الرشيد) حيث مشتبك الآراء والأفكار من هنا وهناك - وهو بعد لم يتجاوز سنَّ الشباب والريعان -.
وكانت الزعامة الجعفريَّة الكبرى قد انحصرت في (شيخ الأُمَّة) ومعلِّمها الأوَّل وعلمها الخفَّاق الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (قدّس سره).
فنزل على مدرسته العلميَّة، ضيف العلم والأدب، وأخذ ينتهل من ينبوعه الثرِّ، ويتربَّى على سلوكه الإسلامي القويم، فكان المنطلق الأوَّل - في بغداد - لذهنيَّة شيخنا المترجَم، ثمّ امتدَّت حياته العلميَّة إلى أبعد من ذلك، فصحب من علماء بغداد ورجالاتها العظام العدد الكثير، حيث لمسوا فيه الشخصيَّة الطافحة والعقليَّة الجبَّارة، منهم شيخه الحسن بن عبد الله الغضائري (411هـ) وغيره، وقد شارك النجاشي - صاحب الرجال - في كثير من مشايخه.
ويشاء القدر الغاشم أنْ يختطف من وسط الميدان فارسه المعلَّم وكمّيَّه المقدام (شيخ الأُمَّة) سنة (413هـ)، وكان يوم وفاته في بغداد كيوم الحشر - كما يُعبِّر المؤرِّخون -.
ويشمت أعداؤه - كالخطيب البغدادي وأمثاله - ويحزن عليه العلم والعلماء والقلم والمنبر، ويرثيه واقعه الصريح بقوله:

لا صوَّت الناعي بفقدك أنَّه * * * يوم على آل الرسول عظيم
إنْ كنت قد غيَّبت في جدث الثرى * * * فالعدل والتوحيد فيك مقيم

ولكن اللطف الإلهي بواقع الأُمَّة أبى أنْ يتركها فلولاً بغير قيادة، فقيَّض

(١٦)

لها أجلّ تلامذة شيخها الراحل، وأكفأهم للزعامة المذهبيَّة في عنفوان التيَّار العقائدي، ذلك هو علم الهدى السيِّد المرتضى (قدّس سره).
فانتصب للفتيا والمنبر، والزعامة المذهبيَّة، وسار على غرار (شيخ الأُمَّة)، وارتقى نفس الكرسي الذي كان يجلس عليه أُستاذه للكلام حول المذاهب ومناقشتها وإعطاء الرأي الصحيح للواقع الإسلامي.
* وإذا بشيخنا المترجَم يحتلُّ نفس المكانة التي كان يحتلُّها - لدى أُستاذه الأوَّل - عند أُستاذه الجديد، وأبيه الروحي العطوف، ولم يأل سيِّدنا المرتضى جهداً في تقدير شيخنا الطوسي، وتقييم مواهبه النادرة، فقد أعلا مجلسه في مدرسته العلميَّة (دار العلم) ووضع تحت تصرُّفه مكتبته الضخمة الحاوية لجميع الفنون العلميَّة - كما يُعبِّر التاريخ -، وعيَّن له مرتَّباً شهريًّا كافياً، وداراً محترمة للسكنى، وهيَّأ له جميع مؤهِّلات التحصيل والتدريس والتأليف.
وعاش شيخنا أبو جعفر على هذا وشبهه في كنف أُستاذه الأكبر، وأبيه الحاني، ومربِّي سلوكه الخُلُقي طيلة (13 عاماً) لم يشعر بغربة الأهل والوطن طرفة عين.
حتَّى إذا تدحرج التاج عن مفرقه، وتحوَّلت مرحلة التاريخ، وتمخَّض القدر المحتوم عن واقعه الأليم، فإذا بسيِّدنا المرتضى يلفظ روحه الطاهرة في بغداد سنة (436هـ)، لينقل إلى مثواه الأخير بجوار جدِّه الحسين (عليه السلام).
* ولم يكن في بغداد - بعد هذين العلمين: المفيد والمرتضى - من يحمل اللواء ويملأ الدست، ويسير بالأُمَّة الإسلاميَّة إلى هدفها الأسمي، وغايتها المنشودة، أكفأ من شيخ الطائفة شيخنا الطوسي (قدّس سره)، فكان المرشَّح - طبيعيًّا - لرئاسة المذهب، وقيادة الأُمَّة الإسلاميَّة.
وهكذا سار شيخنا على خطى أُستاذيه الجليلين في إدارة المعهد العلمي

(١٧)

وقيادة المذهب الشاملة، وتسيير شؤون الناس الاجتماعيَّة والدِّينيَّة، فكانت داره الواسعة - كوسعة صدره - مأوى للوفود من شتَّى أقطار العالم يحلُّ مشاكلهم العامَّة والخاصَّة، ويُغذِّيهم العلم والأدب، ويخصب فيهم الأخلاق الفاضلة، ويهديهم إلى طُرُق الخير والصلاح.
حتَّى أطبقت كلمات المؤرِّخين في التعبير عن عظمة مجلسه العلمي بهذا المضمون: (كان يضمُّ مجلسه العلمي أكثر من ثلاثمائة مجتهد من الشيعة. أمَّا من العامَّة فالعدد الكثير...)، وبلغت به العظمة أوجها، والزعامة ذروتها حتَّى جعل له خليفة زمانه (القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد الخليفة العبَّاسي) كرسي الكلام والإفادة، كما كان لشيخه المفيد من قبل. وكان لهذا الكرسي - يومئذٍ - منزلة كبرى في المجتمع، إذ لم يُخصَّص إلَّا لمن تسامى في العلم وبرز فيه، فيُؤهِّله مقامه - تلقائيًّا - إلى ذلك التعظيم والتكريم.
وأخذ المذهب الجعفري - في عهد شيخنا الطوسي - يتربَّع على كرسي الزعامة المطلقة حتَّى كاد أنْ يطبق أُفُق بغداد - على سعته واختلاف مذاهبه يومئذٍ -، وذلك ببركة وعبقريَّة قائده المظفَّر وسياسته الحكميَّة.
ويشقُّ ذلك على ذوي الضمائر الملتوية، فيكفهرُّ الجوُّ، وتغلي مراجل وتجرح عواطف وتداس زعامات فارغة، كانت تعيش على موائد الدولة، وتُنغِّص على الشعب المسكين لقمة الدعة والاطمينان، وتحول بين أجفان عينيه المتعبتين عن الاستسلام إلى لذَّة النوم.
غليان الفتنة الطائفيَّة في بغداد على عهد طغرلبك واحتراق الشيعة بنارها:
فما كاد أنْ ينتهي عام (449هـ) حتَّى أُثيرت الفتن (الجانبيَّة) من كلِّ صوب وحدب، تعلَّق شرارتها بثقاب الحقد والحسد، فلا يروق (لمذاهب

(١٨)

المسلمين يومئذٍ) أنْ يبرز على مسرح الفكر مذهب الإمام الصادق (عليه السلام) خشية أنْ يختم به المطاف وتنتهي به المسرحيَّة.
وتأكل النار (نار الفتنة) كلَّ أخضر ويابس على عهد السفَّاح الأهوج (طغرلبك السلجوقي)، فتُباح بغداد لأيدي المستهترين بالعلم والكرامة، وهدَّت جوامع ومجامع، وفُرِّقت جماعات، وقُتِلَ كثير من العلماء، وهرب آخرون، وأحدق البلاء بشيخنا الطوسي أكثر لأنَّه في الصميم، وهو الهدف لسهام الفتنة المفضوحة، والغاية المنشودة لذوي الحقد والعداء.
وأُحرقت داره وكُتُبه، ومؤلَّفاته التي ألَّفها في بغداد، ونُهِبَت عامَّة كُتُب الشيعة ودورهم، وأُحرقت مكتبة الشيعة الضخمة (دار العلم) التي بناها سابور ابن أردشير وزير بهاء الدولة.
ونستطيع أنْ نتلمس مغزى الفتنة وما كان يُقصَد من ورائها ممَّا ينقله المؤرِّخون:
قال ابن الأثير في حوادث (451هـ): (... واحترقت فيه خزانة الكُتُب التي وقفها سابور بن أردشير الوزير... وكان سابور بن أردشير من وزراء (الشيعة للمَلِك الشيعي) أبي نصر بهاء الدولة...)(20).
وفي (لسان الميزان): (... قال ابن النجَّار: أُحرقت كُتُبه عدَّة نُوَب بمحضر من الناس في رحبة جامع النصر، واستتر هو خوفاً على نفسه بسبب ما يظهر عنه من انتقاص السلف...)(21).
وفي (المنتظم) لابن الجوزي في حوادث سنة (448هـ): (... وفي هذه السنة أُقيم الأذان في المشهد بمقابر قريش، ومشهد العتيقة، ومساجد الكرخ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(20) راجع: الكامل في التاريخ (ج 10/ ص 7).
(21) لسان الميزان (ج 5/ ص 135).

(١٩)

بـ (الصلاة خير من النوم)، وأُزيل ما كانوا يستعملونه في الأذان (حيَّ على خير العمل)، وقُلِعَ جميع ما كان على أبواب الدور والدروب من (محمّد وعليٍّ خير البشر)، ودخل إلى الكرخ منشدو أهل السُّنَّة من باب البصرة، فأنشدوا الأشعار في مدح الصحابة، وتقدَّم رئيس الرؤساء إلى ابن النسوي بقتل أبي عبد الله بن الجلَّاب شيخ البزَّازين بباب الطاق، لما كان يتظاهر به من الغلوِّ في الرفض، فقُتِلَ وصُلِبَ على باب دُكَّانه، وهرب أبو جعفر الطوسي، ونُهِبَت داره...).
وقال في موضع آخر: (وفي صفر هذه السنة كُبِسَت دار أبي جعفر الطوسي متكلِّم الشيعة بالكرخ، وأُخِذَ ما وُجِدَ من دفاتره، وكرسي كان يجلس عليه للكلام، وأُخرج ذلك إلى الكرخ، وأُضيف إليه ثلاثة مجانيق بيض كان الزوَّار من أهل الكرخ قديماً يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة، فأُحرق الجميع...)(22).
اتَّضح لنا - بجلاء - منبثق الفتنة، ومغزاها الأهوج، خصوصاً من كلام ابن الجوزي المكشوف. ولو استعرضت غير ما ذكرناه من أقوال المؤرِّخين لرأيت كلَّهم يشير أو يُصرِّح بأنَّ سبب القصَّة، ومسرحها، وأبطالها، وأهدافها كلَّ أُولئك من نسيج واحد، وعلى نول واحد، ألَا وهي الطائفيَّة الضيِّقة والتعصُّب المخزي. ولا أدري متى، وكيف ينحلُّ هذا الصراع، وإلى أين تسير بنا السفينة، وهل تصل - يوماً ما - إلى ميناء الإسلام والسلام؟

إلى أنْ يعود الماء في النهر جارياً * * * وتخضرُّ جنباه تموت الضفادع

* ولـمَّا رأى شيخنا (قدّس سره) توسُّع الفتنة في بغداد، وخشي الخطر على نفسه - بعد أنْ ذهبت جميع أمواله وكُتُبه ضحيَّة الحقد البغيض وأكلة لنار التعصُّب الطائفي - خرج بأهله وولده لاجئاً إلى قبر الإمام عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) في النجف الأشرف، وذلك سنة (450هـ).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(22) المنتظم في تاريخ الأُمَم والملوك (ج 16/ ح 8 و16).

(٢٠)

تاريخ النجف قاحل قبل ورود الشيخ لها (قدّس سره):
وكانت مدينة الإمام عليٍّ (عليه السلام) - قبل هذا التاريخ - قاحلة من كلِّ شيء، مقفرَّة من كلِّ أنيس، لو استثنينا بعض البيوتات البسيطة المحيطة بالحرم العلوي المقدَّس للتعيُّش من ذلك على أيدي بعض الزائرين والرحَّالين -. وتقع العين - أحياناً - على ذكوات بيض، وأكم من الرمل، وقبور قليلة، متفرِّقة الأمكنة تحيط بالصحن الشريف تبرُّكاً بحسن الجوار، فيحسبها الرائي - من بعيد - أنَّها أطناب وبيوت.
ولم يذكر لنا التاريخ - قبل هذه الفترة - عن هذه المدينة شيئاً يستحقُّ الإعجاب ويثير الانتباه إلَّا ما كان يتعلَّق بالحرم العلوي المطهَّر.
وبهذا يُعتذَر عن أُولئك الذين مرُّوا على تاريخ النجف - قبل تأسيسها على يد شيخنا الطوسي - مرُّ الكرام، إذ لم يشاهدوا بها ما يسترعي عنايتهم ويُطلِق إعجابهم سوى قبر الإمام عليٍّ (عليه السلام)، فتحدَّثوا عن ذلك فحسب بما أوحى لهم ضميرهم الملتوي، وانطلق بهم واقعهم المشوَّه، بغضِّ النظر عن شخصيَّة الإمام عليٍّ (عليه السلام)، أو التشكيك في مدفنه، أو غير ذلك ممَّا يبعث على الجهل - أحياناً -، والتجاهل - على الأكثر -.
ولكن النجف - بعد حين - أصبحت - ببركة هذا الرجل العظيم ومواصلة جهاده الإسلامي في ذات الله - مثاراً للإعجاب، ومناراً للعالم المحتضِّر، حيث جعل منها داراً للعلم، ومعهداً للتدريس، وجامعة إسلاميَّة كبرى تتحدَّى - بفضل الجهاد والمثابرة - العالم بأسره، في العلم والتحقيق، والانهماك في سبيل الحقِّ والواقعيَّة.
وانبرت تشرق حول أُفُقه السخي رُوَّاد الفضيلة والعلم من هنا وهناك حتَّى أصبحت - بعد فترة قليلة - عاصمة العلم وقدوة العلماء، ومنطلق التاريخ الإسلامي - رغم أنف الحقد - في كلِّ أدواره، ومن شتَّى منابعه.

(٢١)

شيخ الطائفة واضع الحجر الأساس لجامعة الإمام عليٍّ (عليه السلام):
ولشيخنا المترجَم - وحده، مستعينا بروح الإمام عليٍّ (عليه السلام) - فضل تمصير النجف - لا من الناحية العلميَّة فقط -، بل من شتَّى نواحي الحياة، فهو واضع الحجر الأساسي لجامعتها العلميَّة، وهو باعث الروح في تاريخها الواجم حتَّى أخذت هذه المدينة تساير القرون - بمركزها الحسَّاس -، وتضرب بجناحيها الآفاق رغم الحوادث التي مرَّت بها - ولا تزال تمرُّ عليها كلَّ حين -، واستمرَّ شيخنا الطوسي في جهاده العلمي حتَّى انتظم الوضع الدراسي على عهده بخطوات سريعة، فكانت الحوزة العلميَّة - يومئذٍ - تربو على المئات من رُوَّاد العلم، والطلبة الناشئين.
وتقدَّمت بخطوات أكثر في عصر الشيخ الجليل عليِّ بن حمزة بن محمّد بن شهريار (خازن الحرم المطهَّر يومئذٍ)، وذلك سنة (572هـ).
وبلغ الوضع الدراسي حينئذٍ أوج عنفوانه، وتكاثرت الهجرة - بلا انقطاع -، وظلَّ هكذا مستمرًّا حتَّى أوائل القرن السابع الهجري.
الشيخ يُودِّع النفس الأخير في النجف الأشرف، ويُدفَن في داره:

المرء بعد الموت أُحدوثة * * * يُفنى وتبقى منه آثاره
فأحسن الحالات حال امرئ * * * تطيب بعد الموت أخباره

ولم يزل شيخنا (قدّس سره) مشغولاً برعاية حقوله الخصيبة التي غرس بذورها بيده المباركة، وسقاها بروحه القدسيَّة، حتَّى أينعت وآتت أُكُلها كلَّ حين، فإذا بجامعة الإمام عليٍّ (عليه السلام) حديقة غنَّاء تنفح الآفاق الإسلاميَّة بعطر العلم ونسيم الحياة.
وفي غمرة من سخاء، وعلى فترة من واقعيَّة يُسدِّد القدر المحتوم رميته،

(٢٢)

فإذا بالرعيل يتراجع، وإذا بالفتوح تُطوى، وإذا بعميد الجامعة رهن جدثه الطاهر، فتعطَّلت حركة العلم برهة - غير قصيرة من الزمن -، وشُلَّت الخطوات السريعة، ولا عجب، فقد فَقَدَ العلم به صاحب اللواء، وزعيم المعسكر الأوَّل، ورائد الفكر والنضج الاجتماعي، وروعة النادي ومغزى حديثه وسمره، ذلك هو شيخ الطائفة - على الإطلاق - أبو جعفر الطوسي (غمر الله جدثه الطاهر برحمته ورضوانه).
لقد حسر عمره الشريف (75 عاماً) في سبيل إعلاء كلمة الحقِّ، وإحياء معالم الدِّين، وبعث الحياة والروح في أعصاب المجتمع الإسلامي، ليقف على قدميه في ميدان الصراع العقائدي، ويُثبِت للتأريخ والأجيال أنَّ سلاح العلم والإيمان أعمق وأشدّ مقاومةً من أيِّ سلاح آخر - مهما كانت نوعيَّته -.
ما أجلّ ذلك العمر المبارك الذي كان كلُّه سخاء ومعطيات في سبيل تدعيم المذهب الجعفري، رغم الطائفيَّة الهوجاء التي كانت تلعب دورها في ذلك الحين كما لمسناها من ثنايا فتنة بغداد المفضوحة.

مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
1444هـ

(٢٣)

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المؤلِّف:
الحمد لله الذي هدانا لحمده، وجعلنا من أهله، ووفَّقنا للتمسُّك بدينه والانقياد لسبيله، ولم يجعلنا من الجاحدين لنعمته، المنكرين لطوله وفضله ومن الذين ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المجادلة: 19].
وصلَّى الله على سيِّد أنبيائه وخاتم أصفيائه محمّد صلَّى الله عليه وعلى آله الطيِّبين، النجوم الزاهرة، والأعلام الظاهرة، الذين نتمسَّك بولايتهم، ونتعلَّق بعرى حبلهم، ونرجو الفوز بالتمسُّك بهم، وسلَّم تسليماً.
أمَّا بعد، فإنِّي مجيب إلى ما رسمه الشيخ الجليل(23)، أطال الله بقاءه من إملاء كلام في غيبة صاحب الزمان، وسبب غيبته، والعلَّة التي لأجلها طالت غيبته، وامتداد استتاره، مع شدَّة الحاجة إليه وانتشار الحيل، ووقوع الهرج والمرج، وكثرة الفساد في الأرض، وظهوره في البرِّ والبحر، ولِمَ لم يظهر؟ وما المانع منه؟ وما المحوج إليه؟ والجواب عن كلِّ ما يُسئَل عن ذلك من شُبَه المخالفين، ومطاعن المعاندين.
وأنا مجيب إلى ما سأله، وممتثل ما رسمه، مع ضيق الوقت، وشعث الفكر، وعوائق الزمان، وصوارف الحدثان، وأتكلَّم بجُمَل يزول معها الريب وتنحسم به الشُّبَه ولا أُطوِّل الكلام فيه فيُمَلُّ، فإنَّ كُتُبي فيما فُصِّل في الإمامة وكُتُب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(23) قيل: المراد به الشيخ المفيد (رحمه الله).

(٢٥)

شيوخنا مبسوطة في هذا المعنى في غاية الاستقصاء، وأتكلَّم عن كلِّ ما يُسئَل في هذا الباب من الأسئلة المختلفة، وأُردف ذلك بطرف من الأخبار الدالَّة على صحَّة ما نذكره، ليكون ذلك تأكيداً لما نذكره، وتأنيساً للمتمسِّكين بالأخبار، والمتعلِّقين بظواهر الأحوال، فإنَّ كثيراً من الناس يخفى عليهم الكلام اللطيف الذي يتعلَّق بهذا الباب، وربَّما لم يتبيَّنه، وأجعل للفريقين طريقاً إلى ما نختاره ونلتمسه، ومن الله تعالى أستمدُّ المعونة والتوفيق، فهما المرجوَّان من جهته، والمطلوبان من قِبَله، وهو حسبي ونعم الوكيل.

* * *

(٢٦)

فصل: في الكلام في الغيبة:
اعلم أنَّ لنا في الكلام في غيبة صاحب الزمان (عليه السلام) طريقين:
أحدهما: أنْ نقول: إذا ثبت وجوب الإمامة في كلِّ حالٍ، وأنَّ الخلق مع كونهم غير معصومين لا يجوز أنْ يخلو من رئيس في وقت من الأوقات، وأنَّ من شرط الرئيس أنْ يكون مقطوعاً على عصمته، فلا يخلو ذلك الرئيس من أنْ يكون ظاهراً معلوماً، أو غائباً مستوراً، فإذا علمنا أنَّ كلَّ من يُدَّعى له الإمامة ظاهراً ليس بمقطوع على عصمته، بل ظاهر أفعالهم وأحوالهم ينافي العصمة، علمنا أنَّ من يُقطَع على عصمته غائب مستور.
وإذا علمنا أنَّ كلَّ من يُدَّعى له العصمة قطعاً ممَّن هو غائب من الكيسانيَّة والناووسيَّة والفطحيَّة والواقفة وغيرهم قولهم باطل، علمنا بذلك صحَّة إمامة ابن الحسن (عليه السلام) وصحَّة غيبته وولايته، ولا نحتاج إلى تكلُّف الكلام في إثبات ولادته، وسبب غيبته، مع ثبوت ما ذكرناه، لأنَّ(24) الحقَّ لا يجوز خروجه عن الأُمَّة.
والطريق الثاني: أنْ نقول: الكلام في غيبة ابن الحسن (عليه السلام) فرع على ثبوت إمامته، والمخالف لنا إمَّا أنْ يُسلِّم لنا إمامته ويسأل عن سبب غيبته (عليه السلام) فنتكلَّف جوابه، أو لا يُسلِّم لنا إمامته فلا معنى لسؤاله عن غيبة من لم يثبت إمامته، ومتى نوزعنا في ثبوت إمامته دلَلنا عليها بأنْ نقول: قد ثبت وجوب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(24) في بعض النُّسَخ: (ولأنَّ).

(٢٩)

الإمامة مع بقاء التكليف على من ليس بمعصوم في جميع الأحوال والأعصار بالأدلَّة القاهرة، وثبت أيضاً أنَّ من شرط الإمام أنْ يكون مقطوعاً على عصمته، وعلمنا أيضاً أنَّ الحقَّ لا يخرج عن الأُمَّة.
فإذا ثبت ذلك وجدنا الأُمَّة بين أقوال:
بين قائل يقول: لا إمام، فما ثبت من وجوب الإمامة في كلِّ حالٍ يُفسِد قوله.
وقائل يقول بإمامة من ليس بمقطوع على عصمته، فقوله يبطل بما دلَلنا عليه من وجوب القطع على عصمة الإمام (عليه السلام).
ومن ادَّعى العصمة لبعض من يذهب إلى إمامته، فالشاهد يشهد بخلاف قوله، لأنَّ أفعالهم الظاهرة وأحوالهم تنافي العصمة، فلا وجه لتكلُّف القول فيما نعلم ضرورةً خلافه.
ومن ادُّعيت له العصمة وذهب قوم إلى إمامته كالكيسانيَّة القائلين بإمامة محمّد بن الحنفيَّة، والناووسيَّة القائلين بإمامة جعفر بن محمّد (عليه السلام) وأنَّه لم يمت، والواقفيَّة الذين قالوا: إنَّ موسى بن جعفر (عليه السلام) لم يمت، فقولهم باطل من وجوه سنذكرها.
فصار الطريقان محتاجين إلى فساد قول هذه الفِرَق ليتمَّ ما قصدناه، ويفتقران إلى إثبات الأُصول الثلاثة التي ذكرناها من وجوب الرئاسة، ووجوب القطع على العصمة، وأنَّ الحقَّ لا يخرج عن الأُمَّة، ونحن ندلُّ على كلِّ واحدٍ من هذه الأقوال بموجز من القول، لأنَّ استيفاء ذلك موجود في كُتُبي في الإمامة على وجه لا مزيد عليه.
والغرض بهذا الكتاب ما يختصُّ الغيبة دون غيرها، والله الموفِّق لذلك بمنِّه.

(٣٠)

[الدليل على وجوب الرئاسة]:
والذي يدلُّ على وجوب الرئاسة ما ثبت من كونها لطفاً في الواجبات العقليَّة فصارت واجبة، كالمعرفة التي لا يعرى مكلَّف من وجوبها عليه، ألَا ترى أنَّ من المعلوم أنَّ من ليس بمعصوم من الخلق متى خلوا من رئيس مهيب يردع المعاند، ويُؤدِّب الجاني، ويأخذ على يد المتغلِّب، ويمنع القويَّ من الضعيف، وأمنوا ذلك، وقع الفساد، وانتشر الحِيَل، وكثر الفساد، وقلَّ الصلاح، ومتى كان لهم رئيس هذه صفته كان الأمر بالعكس من ذلك، من شمول الصلاح وكثرته، وقلَّة الفساد ونزارته؟ والعلم بذلك ضروري لا يخفى على العقلاء، فمن دفعه لا يحسن مكالمته، وأجبنا عن كلِّ ما يُسئَل عن ذلك مستوفًى في (تلخيص الشافي)(25) و(شرح الجُمَل)(26) لا نُطوِّل بذكره هاهنا.
[اعتراض بعض على كلام المرتضى (رحمه الله) في الغيبة]:
ووجدت لبعض المتأخِّرين كلاماً اعترض به كلام المرتضى (رحمه الله) في الغيبة، وظنَّ أنَّه ظفر بطائل، فموَّه به على من ليس له قريحة ولا بصر بوجوه النظر، وأنا أتكلَّم عليه.
فقال: الكلام في الغيبة والاعتراض عليها من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّا نُلزِم الإماميَّة ثبوت وجه قبح فيها أو في التكليف معها، فيلزمهم أنْ يُثبِوا أنَّ الغيبة ليس فيها وجه قبح، لأنَّ مع ثبوت وجه القبح تقبح الغيبة، وإنْ ثبت فيها وجه حسن كما نقول في قبح تكليف ما لا يطاق إنَّ فيه وجه قبح وإنْ كان فيه وجه حسن بأنْ يكون لطفاً لغيره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(25) تلخيص الشافي (ج 1/ ص 69/ الطريقة الأُولى).
(26) شرح جُمَل العلم والعمل (ص 191 و192/ وجوب الإمامة في كلِّ زمان).

(٣١)

والثاني: أنَّ الغيبة تنقض طريق وجوب الإمامة في كلِّ زمان، لأنَّ كون الناس مع رئيس مهيب متصرِّف أبعد من القبيح لو اقتضى كونه لطفاً واجباً في كلِّ حالٍ، وقبح التكليف مع فقده لانتقض(27) بزمان الغيبة، لأنَّا في زمان الغيبة نكون مع رئيس هذه صفته(28) أبعد من القبيح، وهو دليل وجوب هذه الرئاسة، ولم يجب وجود رئيس هذه صفته(29) في زمان الغيبة ولا قبح التكليف مع فقده، فقد وُجِدَ الدليل ولا مدلول، وهذا نقض الدليل.
والثالث: أنْ يقال: إنَّ الفائدة بالإمامة هي كونه مبعِّداً من القبيح على قولكم، وذلك لا يحصل مع وجوده غائباً، فلم ينفصل وجوده من عدمه، وإذا لم يختصّ وجوده غائباً بوجه الوجوب الذي ذكروه لم يقتضِ دليلكم وجوب وجوده مع الغيبة، فدليلكم مع أنَّه منتقض حيث وُجِدَ مع انبساط اليد، ولم يجب انبساط اليد مع الغيبة، فهو غير متعلِّق بوجود إمام غير منبسط اليد، ولا هو حاصل في هذه الحال.
[الجواب عن الاعتراض المزبور]:
الكلام عليه أنْ نقول:
أمَّا الفصل الأوَّل من قوله: (إنَّا نُلزِم الإماميَّة أنْ يكون في الغيبة وجه قبح) وعيد منه محض لا يقترن به حجَّة، فكان ينبغي أنْ يتبيَّن وجه القبح الذي أراد إلزامه إيَّاهم لننظر فيه ولم يفعل، فلا يتوجَّه وعيده.
وإنْ قال ذلك سائلاً على وجه: ما أنكرتم أنْ يكون فيها وجه قبح؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(27) في بعض النُّسَخ: (لا ينقص)، وفي بعضها: (لا ينقض).
(28) في بعض النُّسَخ: (سبيله)، وفي بعضها: (سبيله) (صفته خ ل).
(29) في بعض النُّسَخ: (صفته) (سبيله خ ل).

(٣٢)

فإنَّا نقول: وجوه القبح معقولة من كون الشيء ظلماً وعبثاً وكذباً ومفسدةً وجهلاً، وليس شيء من ذلك موجوداً هاهنا، فعلمنا بذلك انتفاء وجوه القبح.
فإنْ قيل: وجه القبح أنَّه لم يزح علَّة المكلَّف على قولكم، لأنَّ انبساط يده الذي هو لطف في الحقيقة والخوف من تأديبه لم يحصل، فصار ذلك إخلالاً بلطف المكلِّف فقبح لأجله.
قلنا: قد بيَّنَّا في باب وجوب الإمامة بحيث أشرنا إليه أنَّ انبساط يده (عليه السلام) والخوف من تأديبه إنَّما فات المكلَّفين لما يرجع إليهم، لأنَّهم أحوجوه إلى الاستتار بأنْ أخافوه ولم يُمكِّنوه، فأتوا من قِبَل نفوسهم.
وجرى ذلك مجرى أنْ يقول قائل: (من لم يحصل له معرفة الله تعالى في تكليفه وجه قبح)، لأنَّه لم يحصل ما هو لطف له من المعرفة، فينبغي أنْ يقبح تكليفه.
فما يقولونه هاهنا من أنَّ الكافر أُتِيَ من قِبَل نفسه، لأنَّ الله قد نصب له الدلالة على معرفته ومكَّنه من الوصول إليها، فإذا لم ينظر ولم يعرف أُتِيَ في ذلك من قِبَل نفسه ولم يُقبح ذلك تكليفه، فكذلك نقول: انبساط يد الإمام وإنْ فات المكلَّف فإنَّما أُتِيَ من قِبَل نفسه، ولو مكَّنه لظهر وانبسطت يده فحصل لطفه فلم يقبح تكليفه، لأنَّ الحجَّة عليه لا له.
وقد استوفينا نظائر ذلك في الموضع الذي أشرنا إليه، وسنذكر فيما بعد إذا عرض ما يحتاج إلى ذكره.
وأمَّا الكلام في الفصل الثاني فهو مبنيٌّ على المغالطة، ولا نقول: إنَّه لم يفهم ما أورده، لأنَّ الرجل كان فوق ذلك لكن أراد التلبيس والتمويه (في قوله)(30): إنَّ دليل وجوب الرئاسة يُنتَقض بحال الغيبة، لأنَّ كون الناس مع رئيس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(30) بدل ما بين القوسين في بعض النُّسَخ: (وهو قوله).

(٣٣)

مهيب(31) متصرِّف أبعد من القبيح لو اقتضى كونه لطفاً واجباً على كلِّ حالٍ، وقبح التكليف مع فقده لانتقض(32) بزمان الغيبة، [لأنَّا في زمان الغيبة](33) فلم يقبح التكليف مع فقده، فقد وُجِدَ الدليل ولا مدلول وهذا نقض.
وإنَّما قلنا: إنَّه تمويه لأنَّه ظنَّ أنَّا نقول: إنَّ في حال الغيبة دليل وجوب الإمامة قائم ولا إمام فكان نقضاً، ولا نقول ذلك، بل دليلنا في حال وجود الإمام بعينه هو دليل حال غيبته، في أنَّ في الحالين الإمام لطف، فلا نقول: إنَّ زمان الغيبة خلا من وجوب رئيس، بل عندنا أنَّ الرئيس حاصل، وإنَّما ارتفع انبساط يده لما يرجع إلى المكلَّفين على ما بيَّنَّاه، لا لأنَّ انبساط يده خرج من كونه لطفاً، بل وجه اللطف به قائم، وإنَّما لم يحصل لما يرجع إلى غير الله.
فجرى مجرى أنْ يقول قائل: كيف يكون معرفة الله تعالى لطفاً مع أنَّ الكافر لا يعرف الله؟ فلمَّا كان التكليف على الكافر قائماً والمعرفة مرتفعة دلَّ على أنَّ المعرفة ليست لطفاً على كلِّ حالٍ، لأنَّها لو كانت كذلك لكان ذلك نقضاً.
وجوابنا في الإمامة كجوابهم في المعرفة من أنَّ الكافر لطفه قائم بالمعرفة، وإنَّما فوَّت نفسه بالتفريط في النظر المؤدِّي إليها، فلم يقبح تكليفه، فكذلك نقول:
الرئاسة لطف للمكلَّف في حال الغيبة، وما يتعلَّق بالله من إيجاده حاصل، وإنَّما ارتفع تصرُّفه وانبساط يده لأمر يرجع إلى المكلَّفين، فاستوى الأمران، والكلام في هذه المعنى مستوفًى أيضاً بحيث ذكرناه.
وأمَّا الكلام في الفصل الثالث من قوله: (إنَّ الفائدة بالإمامة هي كونه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(31) في بعض النُّسَخ: (موجب).
(32) في بعض النُّسَخ: (ينتقض) (لانتقض ظ).
(33) من بعض النُّسَخ.

(٣٤)

مبعِّداً من القبيح على قولكم، وذلك لم يحصل مع غيبته، فلم ينفصل وجوده من عدمه، فإذا لم يختصّ وجوده غائباً بوجه الوجوب الذي ذكروه لم يقتضِ دليلكم وجوب وجوده مع الغيبة، فدليلكم مع أنَّه منتقض حيث وُجِدَ مع انبساط اليد، ولم يجب انبساط اليد مع الغيبة، فهو غير متعلِّق بوجود إمام غير منبسط اليد ولا هو حاصل في هذه الحال).
فإنَّا نقول: إنَّه لم يفعل في هذا الفصل أكثر من تعقيد القول على طريقة المنطقيِّين من قلب المقدَّمات وردِّ بعضها على بعض، ولا شكَّ أنَّه قصد بذلك التمويه والمغالطة، وإلَّا فالأمر أوضح من أنْ يخفى.
ومتى قالت الإماميَّة: إنَّ انبساط يد الإمام لا يجب في حال الغيبة حتَّى يقول: دليلكم لا يدلُّ على وجوب إمام غير منبسط اليد، لأنَّ هذه حال الغيبة؟ بل الذي صرَّحنا به دفعة بعد أُخرى أنَّ انبساط يده واجب في الحالين، في حال ظهوره وحال غيبته، غير أنَّ حال ظهوره مُكِّن منه فانبسطت يده، وحال الغيبة لم يُمكَّن فانقبضت يده، لا أنَّ انبساط يده خرج من باب الوجوب. وبيَّنَّا أنَّ الحجة بذلك قائمة على المكلَّفين من حيث منعوه ولم يُمكِّنوه، فأتوا من قِبَل نفوسهم، وشبَّهنا ذلك بالمعرفة دفعة بعد أُخرى.
وأيضاً فإنَّا نعلم أنَّ نصب الرئيس واجب بعد الشرع لما في نصبه من اللطف، لتحمُّله للقيام بما لا يقوم به غيره، ومع هذا فليس التمكين واقعاً لأهل الحلِّ والعقد من نصب من يصلح لها خاصَّة على مذهب أهل العدل الذين كلامنا معهم، ومع هذا لا يقول أحد: إنَّ وجوب نصب الرئيس سقط الآن من حيث لم يقع التمكين منه.
فجوابنا في غيبة الإمام جوابهم في منع أهل الحلِّ والعقد من اختيار من يصلح للإمامة، ولا فرق بينهما، وإنَّما الخلاف بيننا أنَّا قلنا: علمنا ذلك عقلاً، وقالوا: ذلك معلوم شرعاً، وذلك فرق من غير موضع الجمع.

(٣٥)

فإنْ قيل: أهل الحلِّ والعقد إذا لم يُمكَّنوا من اختيار من يصلح للإمامة فإنَّ الله يفعل ما يقوم مقام ذلك من الألطاف فلا يجب إسقاط التكليف، وفي الشيوخ من قال: إنَّ الإمام يجب نصبه في الشرع لمصالح دنياويَّة، وذلك غير واجب أنْ يفعل لها اللطف.
قلنا: أمَّا من قال: نصب الإمام لمصالح دنياويَّة قوله يفسد: لأنَّه لو كان كذلك لما وجب إمامته، ولا خلاف بينهم في أنَّه يجب إقامة الإمام مع الاختيار.
على أنَّ ما يقوم به الإمام من الجهاد وتولية الأُمراء والقضاة وقسمة الفيء واستيفاء الحدود والقصاصات أُمور دينيَّة لا يجوز تركها، ولو كان لمصلحة دنياويَّة لما وجب ذلك، فقوله ساقط بذلك.
وأمَّا مَنْ قال: يفعل الله ما يقوم مقامه، باطل، لأنَّه لو كان كذلك لما وجب عليه إقامة الإمام مطلقاً على كلِّ حالٍ، ولكان يكون ذلك من باب التخيير، كما نقول في فروض الكفايات. وفي علمنا بتعيين ذلك ووجوبه على كلِّ حالٍ دليل على فساد ما قالوه.
على أنَّه يلزم على الوجهين جميعاً المعرفة.
بأنْ يقال: الكافر إذا لم يحصل له المعرفة يفعل الله له ما يقوم مقامها، فلا يجب عليه المعرفة على كلِّ حالٍ.
أو يقال: إنَّ ما يحصل من الانزجار عن فعل الظلم عند المعرفة أمر دنياوي لا يجب لها المعرفة، فيجب من ذلك إسقاط وجوب المعرفة.
ومتى قيل: إنَّه لا بدل للمعرفة.
قلنا: وكذلك لا بدل للإمام على ما مضى - وذكرناه في (تلخيص الشافي)(34)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(34) تلخيص الشافي (ج 1/ ص 87/ لا يقوم شيء من الألطاف مقام الإمامة).

(٣٦)

وكذلك إنْ بيَّنوا أنَّ الانزجار من القبيح عند المعرفة أمر ديني، قلنا مثل ذلك في وجود الإمام سواء.
فإنْ قيل: لا يخلو وجود رئيس مطاع منبسط اليد من أنْ يجب على الله جميع ذلك أو يجب علينا جميعه أو يجب على الله إيجاده وعلينا بسط يده.
فإنْ قلتم: يجب جميع ذلك على الله، فإنَّه يُنتَقض بحال الغيبة، لأنَّه لم يوجد إمام منبسط اليد، وإنْ وجب علينا جميعه فذلك تكليف ما لا يطاق، لأنَّا لا نقدر على إيجاده، وإنْ وجب عليه إيجاده وعلينا بسط يده وتمكينه فما دليلكم عليه؟ مع أنَّ فيه أنَّه يجب علينا أنْ نفعل ما هو لطف للغير، وكيف يجب على زيد بسط يد الإمام لتحصيل لطف عمرو؟ وهل ذلك إلَّا نقض الأُصول؟
قلنا: الذي نقوله: إنَّ وجود الإمام المنبسط اليد إذا ثبت أنَّه لطف لنا على ما دلَلنا عليه ولم يكن إيجاده في مقدورنا لم يحسن أنْ نُكلَّف إيجاده، لأنَّه تكليف ما لا يطاق، وبسط يده وتقوية سلطانه قد يكون في مقدورنا وفي مقدور الله، فإذا لم يفعل الله تعالى علمنا أنَّه غير واجب عليه وأنَّه واجب علينا، لأنَّه لا بدَّ من أنْ يكون منبسط اليد ليتمَّ الغرض بالتكليف، وبيَّنَّا بذلك أنَّ بسط يده لو كان من فعله تعالى لقهر الخلق عليه، والحيلولة بينه وبين أعدائه وتقوية أمره بالملائكة ربَّما أدَّى إلى سقوط الغرض بالتكليف، وحصول الإلجاء، فإذاً يجب علينا بسط يده على كلِّ حالٍ وإذا لم نفعله أتينا من قِبَل نفوسنا.
فأمَّا قولهم: في ذلك إيجاب اللطف علينا للغير، غير صحيح.
لأنَّا نقول: إنَّ كلَّ من يجب عليه نصرة الإمام وتقوية سلطانه له في ذلك مصلحة تخصُّه، وإنْ كانت فيه مصلحة يرجع إلى غيره كما نقوله في أنَّ الأنبياء يجب عليهم تحمُّل أعباء النبوَّة والأداء إلى الخلق ما هو مصلحة لهم، لأنَّ لهم في القيام بذلك مصلحة تخصُّهم وإنْ كانت فيها مصلحة لغيرهم.

(٣٧)

ويلزم المخالف في أهل الحلِّ والعقد بأنْ يقال: كيف يجب عليهم اختيار الإمام لمصلحة ترجع إلى جميع الأُمَّة؟ وهل ذلك إلَّا إيجاب الفعل عليهم لما يرجع إلى مصلحة غيرهم؟ فأيُّ شيء أجابوا به فهو جوابنا بعينه سواء.
فإنْ قيل: لِمَ زعمتم أنَّه يجب إيجاده في حال الغيبة؟ وهلَّا جاز أنْ يكون معدوماً؟
قلنا: إنَّما أوجبنا ذلك من حيث إنَّ تصرُّفه الذي هو لطفنا إذا لم يتمّ إلَّا بعد وجوده، وإيجاده لم يكن في مقدورنا، قلنا عند ذلك: إنَّه يجب على الله ذلك وإلَّا أدَّى إلى أنْ لا نكون مزاحي العلَّة بفعل اللطف، فنكون أتينا من قِبَله تعالى لا من قِبَلنا، وإذا أوجده ولم نُمكِّنه من انبساط يده أتينا من قِبَل نفوسنا، فحسن التكليف، وفي الأوَّل لم يحسن.
فإنْ قيل: ما الذي تريدون بتمكيننا إيَّاه؟ أتريدون أنْ نقصده ونشافهه، وذلك لا يتمُّ إلَّا مع وجوده.
قيل لكم: لا يصحُّ جميع ذلك إلَّا مع ظهوره وعلمنا أو علم بعضنا بمكانه.
وإنْ قلتم: نريد بتمكيننا أنْ نبخع لطاعته والشدِّ على يده، ونكفَّ عن نصرة الظالمين، ونقوم على نصرته متى دعانا إلى إمامته ودلَّنا عليها بمعجزته.
قلنا لكم: فنحن يمكننا ذلك في زمان الغيبة وإنْ لم يكن الإمام موجوداً فيه، فكيف قلتم لا يتمُّ ما كُلِّفناه من ذلك إلَّا مع وجود الإمام؟
قلنا: الذي نقوله في هذا الباب ما ذكره المرتضى (رحمه الله) في (الذخيرة)(35) وذكرناه في (تلخيص الشافي)(36) أنَّ الذي هو لطفنا من تصرُّف الإمام وانبساط يده لا يتمُّ إلَّا بأُمور ثلاثة:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(35) الذخيرة في علم الكلام (ص 415).
(36) تلخيص الشافي (ج 1/ ص 106).

(٣٨)

أحدها يتعلَّق بالله، وهو إيجاده.
والثاني يتعلَّق به من تحمُّل أعباء الإمامة والقيام بها.
والثالث يتعلَّق بنا من العزم على نصرته، ومعاضدته، والانقياد له، فوجوب تحمُّله عليه فرع على وجوده، لأنَّه لا يجوز أنْ يتناول التكليف المعدوم، فصار إيجاد الله إيَّاه أصلاً لوجوب قيامه، وصار وجوب نصرته علينا فرعاً لهذين الأصلين، لأنَّه إنَّما يجب علينا طاعته إذا وُجِدَ، وتحمَّل أعباء الإمامة وقام بها، فحينئذٍ يجب علينا طاعته، فمع هذا التحقيق كيف يقال: لِمَ لا يكون معدوماً؟
فإنْ قيل: فما الفرق بين أنْ يكون موجوداً مستتراً حتَّى إذا علم الله منَّا تمكينه أظهره، وبين أنْ يكون معدوماً حتَّى إذا علم منَّا العزم على تمكينه أوجده؟
قلنا: لا يحسن من الله تعالى أنْ يوجب علينا تمكين من ليس بموجود، لأنَّه تكليف ما لا يطاق، فإذاً لا بدَّ من وجوده.
فإنْ قيل: يوجده الله تعالى إذا علم أنَّا ننطوي على تمكينه بزمان واحد كما أنَّه يُظهِره عند مثل ذلك.
قلنا: وجوب تمكينه والانطواء على طاعته لازم في جميع أحوالنا، فيجب أنْ يكون التمكين من طاعته والمصير إلى أمره ممكناً في جميع الأحوال وإلَّا لم يحسن التكليف، وإنَّما كان يتمُّ ذلك لو لم نكن مكلَّفين في كلِّ حالٍ لوجوب طاعته والانقياد لأمره، بل كان يجب علينا ذلك عند ظهوره، والأمر عندنا بخلافه.
ثمّ يقال لمن خالفنا في ذلك وألزمنا عدمه على استتاره: لِمَ لا يجوز أنْ يُكلِّف الله تعالى المعرفة ولا ينصب عليها دلالة إذا علم أنَّا لا ننظر فيها، حتَّى إذا علم من حالنا أنَّا نقصد إلى النظر ونعزم على ذلك أوجد الأدلَّة ونصبها، فحينئذٍ ننظر ونقول: ما الفرق بين دلالة منصوبة لا ننظر فيها وبين عدمها حتَّى إذا عزمنا على النظر فيها أوجدها الله تعالى؟

(٣٩)

ومتى قالوا: نصب الأدلَّة من جملة التمكين الذي لا يحسن التكليف من دونه كالقدرة والآلة.
قلنا: وكذلك وجود الإمام (عليه السلام) من جملة التمكين من وجوب طاعته، ومتى لم يكن موجوداً لم تُمْكِنَّا طاعته، كما أنَّ الأدلَّة إذا لم تكن موجودة لم يُمْكِنَّا النظر فيها، فاستوى الأمران.
وبهذا التحقيق يسقط جميع ما يُورَد في هذا الباب من عبارات لا نرتضيها في الجواب وأسئلة المخالف عليها، وهذا المعنى مستوفًى في كُتُبي وخاصَّةً في (تلخيص الشافي)، فلا نُطوِّل بذكره.
والمثال الذي ذكره من أنَّه لو أوجب الله علينا أنْ نتوضَّأ من ماء بئر معيَّنة لم يكن لها حبل نستقي به، وقال لنا: إنْ دنوتم من البئر خلقت لكم حبلاً تستقون به [من] الماء، فإنَّه يكون مزيحاً لعلَّتنا، ومتى لم ندنُ من البئر كنَّا قد أتينا من قِبَل نفوسنا لا من قِبَله تعالى.
وكذلك لو قال السيِّد لعبده وهو بعيد منه: اشتر لي لحماً من السوق، فقال: لا أتمكَّن من ذلك، لأنَّه ليس معي ثمنه، فقال: إنْ دنوت أعطيتك ثمنه، فإنَّه يكون مزيحاً لعلَّته، ومتى لم يدنُ لأخذ الثمن يكون قد أُتِيَ من قِبَل نفسه لا من قِبَل سيِّده، وهذه حال ظهور الإمام مع تمكيننا، فيجب أنْ يكون عدم تمكيننا هو السبب في أنْ لم يظهر في هذه الأحوال لا عدمه، إذ كنَّا لو مكَّناه (عليه السلام) لوُجِدَ وظهر.
قلنا: هذا كلام من يظنُّ أنَّه يجب علينا تمكينه إذا ظهر ولا يجب علينا ذلك في كلِّ حالٍ، ورضينا بالمثال الذي ذكره، لأنَّه تعالى لو أوجب علينا الاستقاء في الحال لوجب أنْ يكون الحبل حاصلاً في الحال لأنَّ به تزاح العلَّة، لكن إذا قال: متى دنوتم من البئر خلقت لكم الحبل إنَّما هو مكلِّف للدنوِّ لا للاستقاء، فيكفي

(٤٠)

القدرة على الدنوِّ في هذه الحال، لأنَّه ليس بمكلَّف للاستقاء منها، فإذا دنا من البئر صار حينئذٍ مكلَّفا للاستقاء، فيجب عند ذلك أنْ يخلق له الحبل، فنظير ذلك أنْ لا يجب علينا في كلِّ حالٍ طاعة الإمام وتمكينه، فلا يجب عند ذلك وجوده، فلمَّا كانت طاعته واجبة في الحال ولم نقف على شرطه(37) ولا وقت منتظر وجب أنْ يكون موجوداً لتزاح العلَّة في التكليف ويحسن.
والجواب: عن مثال السيِّد مع غلامه مثل ذلك، لأنَّه إنَّما كلَّفه الدنوَّ منه لا الشراء، فإذا دنا منه وكلَّفه الشراء وجب عليه إعطاء الثمن.
ولهذا قلنا: إنَّ الله تعالى كلَّف من يأتي إلى يوم القيامة ولا يجب أنْ يكونوا موجودين مزاحي العلَّة، لأنَّه لم يُكلِّفهم الآن، فإذا أوجدهم وأزاح علَّتهم في التكليف بالقدرة والآلة ونصب الأدلَّة حينئذٍ تناولهم التكليف، فسقط بذلك هذه المغالطة.
على أنَّ الإمام إذا كان مكلَّفاً للقيام بالأمر وتحمُّل أعباء الإمامة كيف يجوز أنْ يكون معدوماً؟ وهل يصحُّ تكليف المعدوم عند عاقل؟ وليس لتكليفه ذلك تعلُّق بتمكيننا أصلاً، بل وجوب التمكين علينا فرع على تحمُّله على ما مضى القول فيه، وهذا واضح.
ثمّ يقال لهم: أليس النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اختفى في الشعب ثلاث سنين لم يصل إليه أحد، واختفى في الغار ثلاثة أيَّام؟ ولم يجز قياساً على ذلك أنْ يُعدِمه الله تعالى تلك المدَّة مع بقاء التكليف على الخلق الذين بعثه لطفاً لهم.
ومتى قالوا: إنَّما اختفى بعدما دعا إلى نفسه وأظهر نبوَّته فلمَّا أخافوه استتر.
قلنا: وكذلك الإمام لم يستتر إلَّا وقد أظهر آباؤه موضعه وصفته، ودلُّوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(37) في بعض النُّسَخ: (شرط).

(٤١)

عليه، ثمّ لـمَّا خاف عليه أبوه الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) أخفاه وستره، فالأمران إذاً سواء.
ثمّ يقال لهم: خبِّرونا لو علم الله من حال شخص أنَّ من مصلحته أنْ يبعث الله إليه نبيًّا معيَّناً يُؤدِّي إليه مصالحه، وعلم أنَّه لو بعثه لقتله هذا الشخص، ولو مُنِعَ من قتله قهراً كان فيه مفسدة له أو لغيره، هل يحسن أنْ يُكلِّف هذا الشخص ولا يبعث إليه ذلك النبيَّ، أو لا يُكلِّف؟
فإنْ قالوا: لا يُكلِّف.
قلنا: وما المانع منه وله طريق إلى معرفة مصالحه بأنْ يُمكِّن النبيَّ من الأداء إليه؟
وإنْ قلتم: يُكلِّفه ولا يبعث إليه.
قلنا: وكيف يجوز أنْ يُكلِّفه ولم يفعل به ما هو لطف له مقدور؟
فإنْ قالوا: أُتِيَ في ذلك من قِبَل نفسه.
قلنا: هو لم يفعل شيئاً وإنَّما علم أنَّه لا يُمكِّنه، وبالعلم لا يحسن تكليفه مع ارتفاع اللطف، ولو جاز ذلك لجاز أنْ يُكلِّف ما لا دليل عليه إذا علم أنَّه لا ينظر فيه، وذلك باطل، ولا بدَّ أنْ يقال: إنَّه يبعث إلى ذلك الشخص ويوجب عليه الانقياد له ليكون مزيحاً لعلَّته، فإمَّا أنْ يمنع منه بما لا ينافي التكليف، أو يجعله بحيث لا يتمكَّن من قتله، فيكون قد أُتِيَ من قِبَل نفسه في عدم الوصول إليه، وهذه حالنا مع الإمام في حال الغيبة سواء.
فإنْ قال: لا بدَّ أنْ يُعلِمه أنَّ له مصلحة في بعثة هذا الشخص إليه على لسان غيره ليعلم أنَّه قد أُتِيَ من قِبَل نفسه.
قلنا: وكذلك أعلمنا الله على لسان نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة من آبائه (عليهم السلام) موضعه، وأوجب علينا طاعته، فإذا لم يظهر لنا علمنا أنَّا أتينا من قِبَل نفوسنا، فاستوى الأمران.

(٤٢)

[الدليل على وجوب عصمة الإمام]:
وأمَّا الذي يدلُّ على الأصل الثاني وهو أنَّ من شأن الإمام أنْ يكون مقطوعاً على عصمته، فهو أنَّ العلَّة التي لأجلها احتجنا إلى الإمام ارتفاع العصمة، بدلالة أنَّ الخلق متى كانوا معصومين لم يحتاجوا إلى إمام، وإذا خلوا من كونهم معصومين احتاجوا إليه، علمنا عند ذلك أنَّ علَّة الحاجة هي ارتفاع العصمة، كما نقوله في علَّة حاجة الفعل إلى فاعل إنَّها الحدوث، بدلالة أنَّ ما يصحُّ حدوثه يحتاج إلى فاعل في حدوثه، وما لا يصحُّ حدوثه يستغني عن الفاعل، وحكمنا بذلك أنَّ كلَّ محدَث يحتاج إلى محدِث، فبمثل ذلك يجب الحكم بحاجة كلِّ من ليس بمعصوم إلى إمام وإلَّا انتقضت العلَّة، فلو كان الإمام غير معصوم لكانت علَّة الحاجة فيه قائمة واحتاج إلى إمام آخر، والكلام في إمامه كالكلام فيه، فيُؤدِّي إلى إيجاب أئمَّة لا نهاية لهم أو الانتهاء إلى معصوم وهو المراد.
وهذه الطريقة قد أحكمناها في كُتُبنا، فلا نُطوِّل بالأسئلة عليها، لأنَّ الغرض بهذا الكتاب غير ذلك، وفي هذا القدر كفاية.
[الدليل على أنَّ الحقَّ لا يـخرج عن الأمَّة]:
وأمَّا الأصل الثالث وهو أنَّ الحقَّ لا يخرج عن الأُمَّة، فهو متَّفق عليه بيننا وبين خصومنا وإنْ اختلفنا في علَّة ذلك.
لأنَّ عندنا أنَّ الزمان لا يخلو من إمام معصوم لا يجوز عليه الغلط على ما قلناه، فإذاً الحقُّ لا يخرج عن الأُمَّة لكون المعصوم فيهم.
وعند المخالف لقيام أدلَّة يذكرونها دلَّت على أنَّ الإجماع حجَّة، فلا وجه للتشاغل بذلك.
فإذا ثبتت هذه الأُصول ثبت إمامة صاحب الزمان (عليه السلام)، لأنَّ كلَّ من يقطع على ثبوت العصمة للإمام قطع على أنَّه الإمام، وليس فيهم من يقطع على

(٤٣)

عصمة الإمام ويخالف في إمامته إلَّا قوم دلَّ الدليل على بطلان قولهم كالكيسانيَّة والناووسيَّة والواقفة، فإذا أفسدنا أقوال هؤلاء ثبت إمامته (عليه السلام).
[الدليل على فساد قول الكيسانيَّة]:
[أقول](38): وأمَّا الذي يدلُّ على فساد قول الكيسانيَّة القائلين بإمامة محمّد ابن الحنفيَّة فأشياء:
منها: أنَّه لو كان إماماً مقطوعاً على عصمته لوجب أنْ يكون منصوصاً عليه نصًّا صريحاً، لأنَّ العصمة لا تُعلَم إلَّا بالنصِّ، وهم لا يدَّعون نصًّا صريحاً عليه وإنَّما يتعلَّقون بأُمور ضعيفة دخلت عليهم فيها شبهة لا تدلُّ على النصِّ، نحو إعطاء أمير المؤمنين (عليه السلام) إيَّاه الراية يوم البصرة، وقوله له: «أنت ابني حقًّا»، مع كون الحسن والحسين (عليهما السلام) ابنيه، وليس في ذلك دلالة على إمامته على وجه، وإنَّما يدلُّ على فضيلته ومنزلته.
على أنَّ الشيعة تروي أنَّه جرى بينه وبين عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) كلام في استحقاق الإمامة، فتحاكما إلى الحجر، فشهد الحجر لعليِّ بن الحسين (عليهما السلام) بالإمامة، فكان ذلك معجزاً له، فسلَّم له الأمر وقال بإمامته.
1 - وَاَلْخَبَرُ بِذَلِكَ مَشْهُورٌ عِنْدَ اَلْإِمَامِيَّةِ، لِأَنَّهُمْ رَوَوْا: أَنَّ مُحَمَّدَ اِبْنَ اَلْحَنَفِيَّةِ نَازَعَ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام) فِي اَلْإِمَامَةِ وَاِدَّعَى أَنَّ اَلْأَمْرَ أُفْضِيَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَخِيهِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَنَاظَرَهُ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) وَاِحْتَجَّ عَلَيْهِ بِآيٍ مِنَ اَلْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: ﴿وَأُولُوا الْأَرحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ [الأنفال: 75]، وَأَنَّ هَذِهِ اَلْآيَةَ جَرَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام) وَوُلْدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «أُحَاجُّكَ إِلَى اَلْحَجَرِ اَلْأَسْوَدِ».
فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تُحَاجُّنِي إِلَى حَجَرٍ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُجِيبُ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(38) من بحار الأنوار (ج 51/ ص 178).

(٤٤)

فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا، فَمَضَيَا حَتَّى اِنْتَهَيَا إِلَى اَلْحَجَرِ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) لِمُحَمَّدِ اِبْنِ اَلْحَنَفِيَّةِ: «تَقَدَّمْ فَكَلِّمْهُ».
فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ وَوَقَفَ حِيَالَهُ وَتَكَلَّمَ ثُمَّ أَمْسَكَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ اَلمَكْتُوبِ فِي سُرَادِقِ اَلْعَظَمَةِ»، ثُمَّ دَعَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: «لَـمَّا أَنْطَقْتَ هَذَا اَلْحَجَرَ»، ثُمَّ قَالَ: «أَسْأَلُكَ بِالَّذِي جَعَلَ فِيكَ مَوَاثِيقَ اَلْعِبَادِ(39) وَاَلشَّهَادَةَ لِمَنْ وَافَاكَ لَـمَّا أَخْبَرْتَ لِمَنِ اَلْإِمَامَةُ وَاَلْوَصِيَّةُ».
فَتَزَعْزَعَ اَلْحَجَرُ حَتَّى كَادَ أَنْ يَزُولَ، ثُمَّ أَنْطَقَهُ اَللهُ تَعَالَى فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، سَلِّمِ اَلْإِمَامَةَ لِعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، فَرَجَعَ مُحَمَّدٌ عَنْ مُنَازَعَتِهِ وَسَلَّمَهَا إِلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام)(40)،(41).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(39) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 290 و291): (إشارة إلى ما ثبت بالنصوص المعتبرة من أنَّ الله تعالى لـمَّا أخذ من ابن آدم الميثاق له بالربوبيَّة، ولمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالنبوَّة، ولأوصيائه بالإمامة جعل تلك المواثيق وديعة عند الحجر، وكان مَلَكاً عظيم الشأن، وكان شديد المحبَّة لمحمّد وآله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ جعله في صورة دُرَّة بيضاء ووضعه في ذلك المكان وأمر الخلق بإتيانه وتجديد العهد والميثاق عنده، وهو يجيء يوم القيامة وله لسان ناطق وعين ناظرة يشهد لكلِّ من وافاه إلى ذلك المكان وحفظ الميثاق).
(40) رواه بألفاظ متقاربة الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (522/ ج 10/ باب 17/ ح 3) بإسناده عن عليِّ ابن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 348/ باب ما يفصل بين دعوى المحقِّ والمبطل في أمر الإمامة/ ح 5) بإسناده عن أبي عبيدة وزرارة جميعاً عن أبي جعفر (عليه السلام)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 172 و173)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 1/ ص 485)، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 288) عن نوادر الحكمة لمحمّد بن يحيى مختصراً، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 257 و258/ ح 3)، وأحمد بن عليٍّ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 46 و47).
ويأتي الإشارة إلى هذا الحديث في (ص 234)، فانتظر.
(41) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 4/ ص 86 و87): (اعلم أنَّ الأخبار في حال محمّد بن الحنفيَّة مختلفة، فمنها ما يؤول على جلالة قدره كما هو المشهور عند الإماميَّة، ومنها ما يدلُّ على صدور بعض الزلَّات منه، وهذا الخبر منها، فإنَّ ادِّعاء الإمامة بغير حقٍّ كفر، لاسيّما مع العلم بالإمام، فإنَّه ظاهر أنَّه كان قد سمع مراراً من أبيه وأخويه (عليهم السلام) النصَّ على الاثني عشر (عليهم السلام)، وقد مرَّ أنَّه كان حاضراً عند وصيَّة أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد نصَّ على عليِّ بن الحسين (عليه السلام) بمحضره، وقد يُأوَّل هذا بأنَّ هذه الدعوى كان على سبيل المصلحة لئلَّا تنخدع ضعفة الشيعة بأنَّه أكبر وأقرب وأولى بالإمامة. وتأخُّره عن الحسين (صلوات الله عليه) أيضاً مما يُطعَن به فيه، ويحتمل أنْ يكون رخَّصه (عليه السلام) لبعض المصالح. وأمَّا ادِّعاء المختار وأصحابه من الكيسانيَّة إمامته ومهدويَّته وغيبته فالظاهر أنَّها كانت بغير رضاه، بل بغير خبره واطِّلاعه. وبالجملة حسن القول فيهم أو ترك التعرُّض لهم أحسن من القدح فيهم، والله يعلم. وروى الطبرسي وابن شهرآشوب عن المبرَّد في الكامل قال: قال أبو خالد الكابلي لمحمّد بن الحنفية: أتخاطب ابن أخيك بما لا يخاطبك بمثله؟ فقال: إنَّه حاكمني إلى الحجر الأسود وزعم أنَّه يُنطِقه، فصرت معه إلى الحجر فسمعت الحجر يقول: سلِّم الأمر إلى ابن أخيك فإنَّه أحقّ منك. فصار أبو خالد إماميًّا).

(٤٥)

ومنها: تواتر الشيعة الإماميَّة بالنصِّ عليه من أبيه وجدِّه، وهي موجودة في كُتُبهم في الأخبار لا نُطوِّل بذكرها الكتاب.
ومنها: الأخبار الواردة عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جهة الخاصَّة والعامَّة على ما سنذكره فيما بعد بالنصِّ على إمامة الاثني عشر، وكلُّ من قال بإمامتهم قطع على وفاة محمّد بن الحنفيَّة وسياقة الإمامة إلى صاحب الزمان (عليه السلام).
ومنها: انقراض هذه الفرقة فإنَّه لم يبقَ في الدنيا في وقتنا ولا قبله بزمان طويل قائل يقول به، ولو كان ذلك حقًّا لما جاز انقراضه.
فإنْ قيل: كيف يُعلَم انقراضهم؟ وهلَّا جاز أنْ يكون في بعض البلاد البعيدة وجزائر البحر وأطراف الأرض أقوام يقولون بهذا القول كما يجوز أنْ يكون في أطراف الأرض من يقول بمذهب الحسن(42) في أنَّ مرتكب الكبيرة منافق؟ فلا يمكن ادِّعاء انقراض هذه الفرقة، وإنَّما كان يمكن العلم بذلك لو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(42) أي الحسن البصري.

(٤٦)

كان المسلمون فيهم قلَّة والعلماء محصورين، فأمَّا وقد انتشر الإسلام وكثر العلماء، فمن أين يُعلَم ذلك؟
قلنا: هذا يُؤدِّي إلى أنْ لا يمكن العلم بإجماع الأُمَّة على قول ولا مذهب بأنْ يقال: لعلَّ في أطراف الأرض من يخالف ذلك، ويلزم أنْ يجوز أنْ يكون في أطراف الأرض من يقول: إنَّ البرد(43) لا يُنقِض الصوم، وإنَّه يجوز للصائم أنْ يأكل إلى طلوع الشمس، لأنَّ الأوَّل كان مذهب أبي طلحة الأنصاري، والثاني مذهب حذيفة والأعمش، وكذلك مسائل كثيرة من الفقه كان الخلف فيها واقعاً بين الصحابة والتابعين، ثمّ زال الخلف فيما بعد، واجتمع أهل الأعصار على خلافه، فينبغي أنْ يُشَكَّ في ذلك ولا نثق بالإجماع على مسألة سبق الخلاف فيها، وهذا طعن من يقول: إنَّ الإجماع لا يمكن معرفته ولا التوصُّل إليه، والكلام في ذلك لا يختصُّ هذه المسألة، فلا وجه لإيراده هنا.
ثمّ إنَّا نعلم أنَّ الأنصار طلبت الإمرة ودفعهم المهاجرون عنها، ثمّ رجعت الأنصار إلى قول المهاجرين على قول المخالف، فلو أنَّ قائلاً قال: يجوز عقد الإمامة لمن كان من الأنصار لأنَّ الخلاف سبق فيه، ولعلَّ في أطراف الأرض من يقول به، فما كان يكون جوابهم فيه؟ فأيُّ شيء قالوه فهو جوابنا بعينه، فلا نُطوِّل بذكره.
فإنْ قيل: إذا كان الإجماع عندكم إنَّما يكون حجَّة بكون المعصوم فيه، فمن أين تعلمون دخول قوله في جملة أقوال الأُمَّة؟ وهلَّا جاز أنْ يكون قوله منفرداً عنهم فلا تثقون بالإجماع؟
قلنا: المعصوم إذا كان من جملة علماء الأُمَّة فلا بدَّ من أنْ يكون قوله موجوداً في جملة أقوال العلماء، لأنَّه لا يجوز أنْ يكون منفرداً مظهراً للكفر فإنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(43) في بعض النُّسَخ: (التبرُّد) (البرد خ ل).

(٤٧)

ذلك لا يجوز عليه، فإذاً لا بدَّ [من] أنْ يكون قوله في جملة الأقوال، وإنْ شككنا في أنَّه الإمام.
فإذا اعتبرنا أقوال الأُمَّة ووجدنا بعض العلماء يخالف فيه، فإنْ كنَّا نعرفه ونعرف مولده ومنشأه لم نعتد بقوله، لعلمنا أنَّه ليس بإمام، وإنْ شككنا في نسبه لم تكن المسألة إجماعاً.
فعلى هذا أقوال العلماء من الأُمَّة اعتبرناها فلم نجد فيهم قائلاً بهذا المذهب الذي هو مذهب الكيسانيَّة أو الواقفة، وإنْ وجدنا فرضاً واحداً أو اثنين فإنَّا نعلم منشأه ومولده، فلا يُعتَد بقوله، واعتبرنا أقوال الباقين الذين نقطع على كون المعصوم فيهم، فسقطت هذه الشبهة على هذا التحرير وبان وهنها.
[الدليل على فساد قول الناووسيَّة]:
فأمَّا القائلون بإمامة جعفر بن محمّد (عليه السلام) من الناووسيَّة، وأنَّه حيٌّ لم يمت، وأنَّه المهدي، فالكلام عليهم ظاهر، لأنَّا نعلم موت جعفر بن محمّد (عليه السلام) كما نعلم موت أبيه وجدِّه (عليهما السلام)، وقتل عليٍّ (عليه السلام)، وموت النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلو جاز الخلاف فيه لجاز الخلاف في جميع ذلك، ويُؤدِّي إلى قول الغلاة والمفوِّضة الذين جحدوا قتل عليٍّ والحسين (عليهما السلام)، وذلك سفسطة.
وسنُشبِع الكلام في ذلك عند الكلام على الواقفة والناووسيَّة إنْ شاء الله تعالى.
الكلام على الواقفة:
وأمَّا الذي يدلُّ على فساد مذهب الواقفة الذين وقفوا في إمامة أبي الحسن موسى (عليه السلام) وقالوا: (إنَّه المهدي)، فقولهم باطل بما ظهر من موته (عليه السلام)، واشتهر واستفاض، كما اشتهر موت أبيه وجدِّه ومن تقدَّم من آبائه (عليهم السلام).

(٤٨)

ولو شككنا لم ننفصل من الناووسيَّة والكيسانيَّة والغلاة والمفوِّضة الذين خالفوا في موت من تقدَّم من آبائه (عليهم السلام).
على أنَّ موته اشتهر ما لم يشتهر موت أحد من آبائه (عليهم السلام)، لأنَّه أُظهر وأُحِضَر القضاة والشهود، ونودي عليه ببغداد على الجسر وقيل: (هذا الذي تزعم الرافضة أنَّه حيٌّ لا يموت مات حتف أنفه)، وما جرى هذا المجرى لا يمكن الخلاف فيه.
2 - فَرَوَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، قَالَ: حَضَرَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّوَّاسِيُّ جِنَازَةَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)، فَلَمَّا وُضِعَ عَلَى شَفِيرِ اَلْقَبْرِ، إِذَا رَسُولٌ مِنْ سِنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ قَدْ أَتَى أَبَا اَلمَضَا خَلِيفَتَهُ - وَكَانَ مَعَ اَلْجِنَازَةِ - أَنِ اِكْشِفْ وَجْهَهُ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ تَدْفِنَهُ حَتَّى يَرَوْهُ صَحِيحاً لَمْ يَحْدُثْ بِهِ حَدَثٌ.
قَالَ: وَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ مَوْلَايَ حَتَّى رَأَيْتُهُ وَعَرَفْتُهُ، ثُمَّ غُطِّي وَجْهُهُ وَأُدْخِلَ قَبْرَهُ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ).
3 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ اَلْعُبَيْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي رَحِيمُ(44) أُمُّ وَلَدِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ - وَكَانَتِ اِمْرَأَةً حُرَّةً فَاضِلَةً قَدْ حَجَّتْ نَيِّفاً وَعِشْرِينَ حِجَّةً -، عَنْ سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) - وَكَانَ يَخْدُمُهُ فِي اَلْحَبْسِ وَيَخْتَلِفُ فِي حَوَائِجِهِ - أَنَّهُ حَضَرَهُ حِينَ مَاتَ كَمَا يَمُوتُ اَلنَّاسُ مِنْ قُوَّةٍ إِلَى ضَعْفٍ إِلَى أَنْ قَضَى (عليه السلام).
4 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ اَلْبَرْقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ(45) اَلمُهَلَّبِيِّ، قَالَ: لَـمَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(44) في بعض النُّسَخ: (رحيمة).
(45) في بعض النُّسَخ: (عبَّاد) (غياث خ ل)، وفي بعضها: (غياث)، ولم نجد في كُتُب الرجال ترجمة لمحمّد بن غياث المهلبي، بل الموجود في تاريخ بغداد (ج 3/ ص 175/ الرقم 1197)، وسِيَر أعلام النبلاء (ج 10/ ص 189 و190/ الرقم 39)، والنجوم الزاهرة (ج 2/ ص 217)، والأنساب للسمعاني (ج 5/ ص 419)، ورغبة الأمل (ج 4/ ص 138): (محمّد بن عبَّاد بن عبَّاد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي محدِّث البصرة)، واختلفوا في تاريخ وفاته بين (214 و216 و223هـ)، وقال السمعاني: (إنَّ لمهلب بن أبي صفرة أمير خراسان عشرة أولاد، أحدهم المترجَم له، ولم يذكر منها محمّد بن غياث).

(٤٩)

حَبَسَ هَارُونُ اَلرَّشِيدُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ مُوسَى (عليه السلام) وَأَظْهَرَ اَلدَّلَائِلَ وَاَلمُعْجِزَاتِ وَهُوَ فِي اَلْحَبْسِ تَحَيَّرَ اَلرَّشِيدُ، فَدَعَا يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ اَلْبَرْمَكِيَّ(46)، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، أَمَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ اَلْعَجَائِبِ؟ أَلَا تُدَبِّرُ فِي أَمْرِ هَذَا اَلرَّجُلِ تَدْبِيراً يُرِيحُنَا مِنْ غَمِّهِ؟
فَقَالَ لَهُ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ اَلْبَرْمَكِيُّ: اَلَّذِي أَرَاهُ لَكَ يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ أَنْ تَمُنَّنَّ عَلَيْهِ وَتَصِلَ(47) رَحِمَهُ فَقَدْ - وَاَلله - أَفْسَدَ عَلَيْنَا قُلُوبَ شِيعَتِنَا. وَكَانَ يَحْيَى يَتَوَلَّاهُ، وَهَارُونُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ.
فَقَالَ هَارُونُ: اِنْطَلِقْ إِلَيْهِ وَأَطْلِقْ عَنْهُ اَلْحَدِيدَ، وَأَبْلِغْهُ عَنِّي اَلسَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ اِبْنُ عَمِّكَ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي فِيكَ يَمِينٌ عَنِّي لَا أُخَلِّيكَ حَتَّى تُقِرَّ لِي بِالْإِسَاءَةِ، وَتَسْأَلَنِي اَلْعَفْوَ عَمَّا سَلَفَ مِنْكَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ فِي إِقْرَارِكَ عَارٌ، وَلَا فِي مَسْأَلَتِكَ إِيَّايَ مَنْقَصَةٌ، وَهَذَا يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ (هُوَ)(48) ثِقَتِي وَوَزِيرِي وَصَاحِبُ أَمْرِي، فَسَلْهُ بِقَدْرِ مَا أَخْرُجُ مِنْ يَمِينِي وَاِنْصَرِفْ رَاشِداً(49).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(46) هو يحيى بن خالد بن برمك، أبو الفضل، الوزير السرِّي الجواد، سيِّد بني برمك وأفضلهم، وهو مؤدِّب رشيد العبَّاسي ومعلِّمه، وُلِدَ في سنة (120هـ)، وتُوفِّي سنة (190هـ).
راجع: الأعلام للزركلي (ج 8/ ص 144)، ووفيات الأعيان لابن خلِّكان (ج 6/ ص 219 - 229/ الرقم 806)، وتاريخ بغداد (ج 14/ ص 133 - 136/ الرقم 7459)، وغيرها من كُتُب التراجم.
(47) في بعض النُّسَخ: (وتصل عليه رحمه).
(48) ليس في بعض النُّسَخ.
(49) رواه ابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 408 و409) مختصراً.

(٥٠)

5 - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ(50): فَأَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ أَنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) قَالَ لِيَحْيَى: «يَا أَبَا عَلِيٍّ، أَنَا مَيِّتٌ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْ أَجَلِي أُسْبُوعٌ، اُكْتُمْ مَوْتِي وَاِئْتِنِي يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ عِنْدَ اَلزَّوَالِ، وَصَلِّ عَلَيَّ أَنْتَ وَأَوْلِيَائِي فُرَادَى، وَاُنْظُرْ إِذَا سَارَ هَذَا اَلطَّاغِيَةُ إِلَى اَلرَّقَّةِ، وَعَادَ إِلَى اَلْعِرَاقِ لَا يَرَاكَ وَلَا تَرَاهُ لِنَفْسِكَ، فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي نَجْمِكَ وَنَجْمِ وُلْدِكَ وَنَجْمِهِ أَنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ، فَاحْذَرُوهُ»، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا عَلِيٍّ، أَبْلِغْهُ عَنِّي: يَقُولُ لَكَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ: رَسُولِي يَأْتِيكَ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ فَيُخْبِرُكَ بِمَا تَرَى، وَسَتَعْلَمُ غَداً إِذَا جَاثَيْتُكَ بَيْنَ يَدَيِ اَلله مَنِ اَلظَّالِمُ وَاَلمُعْتَدِي عَلَى صَاحِبِهِ، وَاَلسَّلَامُ».
فَخَرَجَ يَحْيَى مِنْ عِنْدِهِ، وَاِحْمَرَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ اَلْبُكَاءِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى هَارُونَ فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ وَمَا رَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ هَارُونُ: إِنْ لَمْ يَدَّعِ اَلنُّبُوَّةَ بَعْدَ أَيَّامٍ فَمَا أَحْسَنَ حَالَنَا.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ اَلْجُمُعَةِ تُوُفِّيَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)، وَقَدْ خَرَجَ هَارُونُ إِلَى اَلمَدَائِنِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَأُخْرِجَ إِلَى اَلنَّاسِ حَتَّى نَظَرُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ دُفِنَ (عليه السلام) وَرَجَعَ اَلنَّاسُ، فَافْتَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةٌ تَقُولُ: مَاتَ، وَفِرْقَةٌ تَقُولُ: لَمْ يَمُتْ(51)،(52).
6 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبْدُونٍ(53) سَمَاعاً وَقِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو اَلْفَرَجِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(50) في بعض النُّسَخ: (عبَّاد) (غياث خ ل).
(51) أي فرقة تقول: مات حتف أنفه، وفرقة تقول: لم يمت بل قُتِلَ بالسُّمِّ.
(52) رواه ابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 409) مختصراً.
(53) قال النجاشي في رجاله (ص 87/ الرقم 211): (أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزَّاز، أبو عبد الله، شيخنا، المعروف بابن عبدون).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (413 و414/ الرقم 5988/69) فيمن لم يرو عنهم (عليهم السلام)، وترحَّم عليه في الفهرست (ص 169 و170/ الرقم 445/13) في ترجمة عبد الله بن أبي زيد الأنباري.

(٥١)

عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْأَصْبَهَانِيُّ(54)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله بْنِ عَمَّارٍ(55)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلنَّوْفَلِيُّ(56)، عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ اَلْأَصْبَهَانِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ اَلْحَسَنِ اَلْعَلَوِيُّ(57)، وَحَدَّثَنِي غَيْرُهُمَا بِبَعْضِ قِصَّتِهِ، وَجَمَعْتُ ذَلِكَ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ، قَالُوا: كَانَ اَلسَّبَبُ فِي أَخْذِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام) أَنَّ اَلرَّشِيدَ جَعَلَ اِبْنَهُ فِي حِجْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْأَشْعَثِ، فَحَسَدَهُ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ اَلْبَرْمَكِيُّ، وَقَالَ: إِنْ أَفْضَتِ اَلْخِلَافَةُ إِلَيْهِ زَالَتْ دَوْلَتِي وَدَوْلَةُ وُلْدِي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(54) قال المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 280 و281/ الرقم 899/78): (أبو الفرج الأصبهاني زيدي المذهب، له كتاب الأغاني كبير، ومقاتل الطالبيِّين، وغير ذلك من الكُتُب).
وهو عليُّ بن الحسين بن محمّد القرشي، أصبهاني الأصل بغدادي المنشأ، وُلِدَ في سنة (284هـ)، وتُوفِّي سنة (356هـ)، وقد نصَّ على تشيُّعه أكثر من ترجم له، كالذهبي في المغني في الضعفاء (ج 2/ص 82/الرقم 4249)، وفي ميزان الاعتدال (ج 3/ص 123 و124/الرقم 5825).
(55) في تاريخ بغداد (ج 5/ ص 6/ الرقم 2299): (أحمد بن عبيد الله بن عمَّار، أبو العبَّاس الثقفي الكاتب، المعروف بحمار العُزَير، له مصنَّفات في مقاتل الطالبيِّين وغير ذلك، وكان يتشيَّع...، تُوفِّي أبو العبَّاس أحمد بن عبيد الله بن محمّد بن عمَّار في شهر ربيع الأوَّل من سنة أربع عشرة وثلاثمائة).
وفي لسان الميزان (ج 1/ ص 219/ الرقم 682): (أحمد بن عبيد الله بن محمّد بن عمَّار المعروف بحمار العُزَير، من رؤوس الشيعة).
وفي هديَّة العارفين (ج 1/ ص 58): (أحمد بن عبيد الله بن محمّد بن عماد أبو العبَّاس الثقفي البغدادي، تُوفِّي سنة (319هـ))، وذكر له كُتُباً منها: كتاب المبيضَّة في أخبار مقاتل آل أبي طالب.
(56) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 60)، والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 388/ الرقم 5715/12) من أصحاب الهادي (عليه السلام).
(57) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله فيمن لم يرو عنهم (عليهم السلام) قائلاً: (يحيى بن الحسن العلوي، له كتاب نسب آل أبي طالب).
وفي بعض النُّسَخ: (محمّد بن الحسن العلوي)، ولم نجد له ترجمة في كُتُب الرجال، وما أثبتناه من مقاتل الطالبيِّين.

(٥٢)

فَاحْتَالَ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ - وَكَانَ يَقُولُ بِالْإِمَامَةِ - حَتَّى دَاخَلَهُ وَأَنِسَ إِلَيْهِ. وَكَانَ يُكْثِرُ غِشْيَانَهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَيَقِفُ عَلَى أَمْرِهِ، فَيَرْفَعُهُ إِلَى اَلرَّشِيدِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ بِمَا يَقْدَحُ فِي قَلْبِهِ. ثُمَّ قَالَ يَوْماً لِبَعْضِ ثِقَاتِهِ: تُعَرِّفُونَ لِي رَجُلاً مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ لَيْسَ بِوَاسِعِ اَلْحَالِ يُعَرِّفُنِي مَا أَحْتَاجُ [إِلَيْهِ](58)؟
فَدُلَّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَحَمَلَ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ مَالاً، وَكَانَ مُوسَى (عليه السلام) يَأْنَسُ إِلَيْهِ وَيَصِلُهُ، وَرُبَّمَا أَفْضَى إِلَيْهِ بِأَسْرَارِهِ كُلِّهَا، فَكَتَبَ لِيُشْخِصَ بِهِ، فَأَحَسَّ مُوسَى (عليه السلام) بِذَلِكَ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ: «إِلَى أَيْنَ يَا اِبْنَ أَخِي؟».
قَالَ: إِلَى بَغْدَادَ.
قَالَ: «مَا تَصْنَعُ؟».
قَالَ: عَلَيَّ دَيْنٌ، وَأَنَا مُمْلِقٌ(59).
قَالَ: «فَأَنَا أَقْضِي دَيْنَكَ وَأَفْعَلُ بِكَ وَأَصْنَعُ»، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى ذَلِكَ.
فَقَالَ لَهُ: «اُنْظُرْ يَا اِبْنَ أَخِي، لَا تُؤتِمْ أَوْلَادِي»، وَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا قَامَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) لِمَنْ حَضَرَهُ: «وَاَلله لَيَسْعَيَنَّ فِي دَمِي، وَيُؤتِمَنَّ أَوْلَادِي».
فَقَالُوا لَهُ: جَعَلَنَا اَللهُ فِدَاكَ، فَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا مِنْ حَالِهِ وَتُعْطِيهِ وَتَصِلُهُ؟!
فَقَالَ لَهُمْ: «نَعَمْ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّ اَلرَّحِمَ إِذَا قُطِعَتْ فَوُصِلَتْ قَطَعَهَا اَللهُ».
فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى أَتَى إِلَى يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، فَتَعَرَّفَ مِنْهُ خَبَرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(58) من مقاتل الطالبيِّين.
(59) في العين للفراهيدي (ج 5/ ص 174/ مادَّة ملق): (الإملاق: كثرة إنفاق المال والتبذير حتَّى يورث حاجة).

(٥٣)

مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) وَرَفَعَهُ إِلَى اَلرَّشِيدِ، وَزَادَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: إِنَّ اَلْأَمْوَالَ تُحْمَلُ إِلَيْهِ مِنَ اَلمَشْرِقِ وَاَلمَغْرِبِ، وَإِنَّ لَهُ بُيُوتَ أَمْوَالٍ، وَإِنَّهُ اِشْتَرَى ضَيْعَةً بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ فَسَمَّاهَا: اَلْيَسِيرَةَ، وَقَالَ لَهُ صَاحِبُهَا وَقَدْ أَحْضَرَ اَلمَالَ: لَا آخُذُ هَذَا اَلنَّقْدَ، وَلَا آخُذُ إِلَّا نَقْدَ كَذَا(60)، فَأَمَرَ بِذَلِكَ اَلمَالِ فَرُدَّ، وَأَعْطَاهُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ مِنَ اَلنَّقْدِ اَلَّذِي سَأَلَ بِعَيْنِهِ.
فَرَفَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ إِلَى اَلرَّشِيدِ، فَأَمَرَ لَهُ بِمِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ يُسَبَّبُ لَهُ(61) عَلَى بَعْضِ اَلنَّوَاحِي، فَاخْتَارَ كُوَرَ اَلمَشْرِقِ، وَمَضَتْ رُسُلُهُ لِتَقْبِضَ اَلمَالَ، وَدَخَلَ هُوَ فِي بَعْضِ اَلْأَيَّامِ إِلَى اَلْخَلَإِ فَزَحَرَ زَحْرَةً(62) خَرَجَتْ مِنْهَا حِشْوَتُهُ(63) [كُلُّهَا](64) فَسَقَطَ، وَجَهَدُوا فِي رَدِّهَا فَلَمْ يَقْدِرُوا، فَوَقَعَ لِمَا بِهِ وَجَاءَهُ اَلمَالُ وَهُوَ يَنْزِعُ، فَقَالَ: مَا أَصْنَعُ بِهِ وَأَنَا فِي اَلمَوْتِ؟
وَحَجَّ اَلرَّشِيدُ فِي تِلْكَ اَلسَّنَةِ، فَبَدَأَ بِقَبْرِ اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَلله، إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ شَيْءٍ أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَهُ، أُرِيدُ أَنْ أَحْبِسَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ اَلتَّشْتِيتَ بِأُمَّتِكَ وَسَفْكَ دِمَائِهَا.
ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُخِذَ مِنَ اَلمَسْجِدِ فَأُدْخِلَ إِلَيْهِ فَقَيَّدَهُ، وَأُخْرِجَ مِنْ دَارِهِ بَغْلَانِ عَلَيْهِمَا قُبَّتَانِ مُغَطَّاتَانِ هُوَ (عليه السلام) فِي إِحْدَاهُمَا، وَوَجَّهَ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَيْلاً،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(60) في بعض النُّسَخ: (كذا وكذا).
(61) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 48/ ص 235): (قوله: (يُسبَّب له): أي يُكتَب له فإنَّ الكتاب سبب لتحصيل المال).
وفي بعض النُّسَخ: (يسب له).
(62) في القاموس المحيط (ج 2/ص 38): (الزحير والزحار والزحارة: ... استطلاق البطن بشدَّة).
(63) في الصحاح للجوهري (ج 6/ ص 2313/ مادَّة حشا): (حشوة البطن وحشوته - بالكسر والضمِّ -: أمعاؤه).
(64) من مقاتل الطالبيِّين.

(٥٤)

فَأَخَذَ بِوَاحِدَةٍ عَلَى طَرِيقِ اَلْبَصْرَةِ، وَاَلْأُخْرَى عَلَى طَرِيقِ اَلْكُوفَةِ، لِيُعَمِّيَ عَلَى اَلنَّاسِ أَمْرَهُ، وَكَانَ فِي اَلَّتِي مَضَتْ إِلَى اَلْبَصْرَةِ، وَأَمَرَ اَلرَّسُولَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إِلَى عِيسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ اَلمَنْصُورِ، وَكَانَ عَلَى اَلْبَصْرَةِ حِينَئِذٍ، فَمَضَى بِهِ، فَحَبَسَهُ عِنْدَهُ سَنَةً.
ثُمَّ كَتَبَ إِلَى اَلرَّشِيدِ أَنْ خُذْهُ مِنِّي وَسَلِّمْهُ إِلَى مَنْ شِئْتَ وَإِلَّا خَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَقَدِ اِجْتَهَدْتُ بِأَنْ أَجِدَ عَلَيْهِ حُجَّةً، فَمَا أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى إِنِّي لَأَتَسَمَّعُ عَلَيْهِ إِذَا دَعَا لَعَلَّهُ يَدْعُو عَلَيَّ أَوْ عَلَيْكَ، فَمَا أَسْمَعُهُ يَدْعُو إِلَّا لِنَفْسِهِ يَسْأَلُ اَلرَّحْمَةَ وَاَلمَغْفِرَةَ.
فَوَجَّهَ مَنْ تَسَلَّمَهُ مِنْهُ، وَحَبَسَهُ عِنْدَ اَلْفَضْلِ بْنِ اَلرَّبِيعِ بِبَغْدَادَ، فَبَقِيَ عِنْدَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَأَرَادَ اَلرَّشِيدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ فَأَبَى، فَكَتَبَ بِتَسْلِيمِهِ إِلَى اَلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى، فَتَسَلَّمَهُ مِنْهُ، وَأَرَادَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَبَلَغَهُ أَنَّهُ عِنْدَهُ فِي رَفَاهِيَةٍ وَسَعَةٍ وَهُوَ حِينَئِذٍ بِالرَّقَّةِ، فَأَنْفَذَ مَسْرُورَ اَلْخَادِمِ إِلَى بَغْدَادَ عَلَى اَلْبَرِيدِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) فَيَعْرِفَ خَبَرَهُ، فَإِنْ كَانَ اَلْأَمْرُ عَلَى مَا بَلَغَهُ أَوْصَلَ كِتَاباً مِنْهُ إِلَى اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَمَرَهُ بِامْتِثَالِهِ، وَأَوْصَلَ كِتَاباً مِنْهُ آخَرَ إِلَى اَلسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ يَأْمُرُهُ بِطَاعَةِ اَلْعَبَّاسِ، فَقَدِمَ مَسْرُورٌ، فَنَزَلَ دَارَ اَلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا يُرِيدُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَوَجَدَهُ عَلَى مَا بَلَغَ اَلرَّشِيدَ، فَمَضَى مِنْ فَوْرِهِ إِلَى اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَاَلسِّنْدِيِّ، فَأَوْصَلَ اَلْكِتَابَيْنِ إِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَلْبَثِ اَلنَّاسُ أَنْ خَرَجَ اَلرَّسُولُ يَرْكُضُ إِلَى اَلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى، فَرَكِبَ مَعَهُ وَخَرَجَ مَشْدُوهاً دَهِشاً حَتَّى دَخَلَ عَلَى اَلْعَبَّاسِ، فَدَعَا بِسِيَاطٍ وَعُقَابَيْنِ(65)، فَوَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى اَلسِّنْدِيِّ، وَأَمَرَ بِالْفَضْلِ فَجُرِّدَ ثُمَّ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ، وَخَرَجَ مُتَغَيِّرَ اَللَّوْنِ خِلَافَ مَا دَخَلَ، فَأُذْهِبَتْ نَخْوَتُهُ، فَجَعَلَ يُسَلِّمُ عَلَى اَلنَّاسِ يَمِيناً وَشِمَالاً.
وَكَتَبَ مَسْرُورٌ بِالْخَبَرِ إِلَى اَلرَّشِيدِ، فَأَمَرَ بِتَسْلِيمِ مُوسَى (عليه السلام) إِلَى اَلسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ، وَجَلَسَ مَجْلِساً حَافِلاً، وَقَالَ: أَيُّهَا اَلنَّاسُ، إِنَّ اَلْفَضْلَ بْنَ يَحْيَى قَدْ عَصَانِي،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(65) في لسان العرب (ج 1/ ص 621/ مادَّة عقب): (العقابان: خشبتان يَشْبَحُ الرجلُ بينهما الجِلْدَ).

(٥٥)

وَخَالَفَ طَاعَتِي، وَرَأَيْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ فَالْعَنُوهُ، فَلَعَنَهُ اَلنَّاسُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَتَّى اِرْتَجَّ اَلْبَيْتُ وَاَلدَّارُ بِلَعْنِهِ.
وَبَلَغَ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ، فَرَكِبَ إِلَى اَلرَّشِيدِ، وَدَخَلَ مِنْ غَيْرِ اَلْبَابِ اَلَّذِي يَدْخُلُ اَلنَّاسُ مِنْهُ حَتَّى جَاءَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اِلْتَفِتْ إِلَيَّ يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ.
فَأَصْغَى إِلَيْهِ فَزِعاً، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ اَلْفَضْلَ حَدَثٌ، وَأَنَا أَكْفِيكَ مَا تُرِيدُ.
فَانْطَلَقَ وَجْهُهُ وَسُرَّ، وَأَقْبَلَ عَلَى اَلنَّاسِ فَقَالَ: إِنَّ اَلْفَضْلَ كَانَ عَصَانِي فِي شَيْءٍ فَلَعَنْتُهُ، وَقَدْ تَابَ وَأَنَابَ إِلَى طَاعَتِي فَتَوَلَّوْهُ.
فَقَالُوا لَهُ: نَحْنُ أَوْلِيَاءُ مَنْ وَالَيْتَ وَأَعْدَاءُ مَنْ عَادَيْتَ وَقَدْ تَوَلَّيْنَاهُ.
ثُمَّ خَرَجَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ بِنَفْسِهِ عَلَى اَلْبَرِيدِ حَتَّى أَتَى بَغْدَادَ، فَمَاجَ اَلنَّاسُ(66) وَأَرْجَفُوا بِكُلِّ شَيْءٍ، فَأَظْهَرَ أَنَّهُ وَرَدَ لِتَعْدِيلِ اَلسَّوَادِ وَاَلنَّظَرِ فِي أَمْرِ اَلْعُمَّالِ، وَتَشَاغَلَ بِبَعْضِ ذَلِكَ، وَدَعَا اَلسِّنْدِيَّ فَأَمَرَهُ فِيهِ بِأَمْرِهِ، فَامْتَثَلَهُ.
وَسَأَلَ مُوسَى (عليه السلام) اَلسِّنْدِيَّ عِنْدَ وَفَاتِهِ أَنْ يَحْضُرَهُ مَوْلًى لَهُ يَنْزِلُ عِنْدَ دَارِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي أَصْحَابِ اَلْقَصَبِ لِيُغَسِّلَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ.
قَالَ: سَأَلْتُهُ أَنْ يَأْذَنَ لِي أَنْ أُكَفِّنَهُ فَأَبَى، وَقَالَ: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ مُهُورُ نِسَائِنَا وَحَجُّ صَرُورَتِنَا(67) وَأَكْفَانُ مَوْتَانَا مِنْ طُهْرَةِ أَمْوَالِنَا، وَعِنْدِي كَفَنِي».
فَلَمَّا مَاتَ أَدْخَلَ عَلَيْهِ اَلْفُقَهَاءَ وَوُجُوهَ أَهْلِ بَغْدَادَ وَفِيهِمُ: اَلْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ وَغَيْرُهُ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ لَا أَثَرَ بِهِ، وَشَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ، وَأُخْرِجَ فَوُضِعَ عَلَى اَلْجِسْرِ بِبَغْدَادَ وَنُودِيَ: هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ قَدْ مَاتَ فَانْظُرُوا إِلَيْهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(66) قال الجوهري في الصحاح (ج 1/ ص 342/ مادَّة موج): (ماج البحر يموج موجاً: اضطربت أمواجه. وكذلك الناس يموجون).
(67) في الصحاح للجوهري (ج 2/ ص 711/ مادَّة صرر): (يقال: رجل صرورة للذي لم يحجّ...، وامرأة صرورة: لم تحجّ).

(٥٦)

فَجَعَلَ اَلنَّاسُ يَتَفَرَّسُونَ فِي وَجْهِهِ وَهُوَ مَيِّتٌ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ اَلطَّالِبِيِّينَ أَنَّهُ نُودِيَ عَلَيْهِ: هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ اَلَّذِي تَزْعُمُ اَلرَّافِضَةُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ فَانْظُرُوا إِلَيْهِ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ.
قَالُوا: وَحُمِلَ فَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ قُرَيْشٍ، فَوَقَعَ قَبْرُهُ إِلَى جَانِبِ رَجُلٍ مِنَ اَلنَّوْفَلِيِّينَ يُقَالُ لَهُ: عِيسَى بْنُ عَبْدِ اَلله(68).
7 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ(69)، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ(70) مِنْ أَهْلِ قَطِيعَةِ(71) اَلرَّبِيعِ مِنَ اَلْعَامَّةِ مِمَّنْ كَانَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، قَالَ: جَمَعَنَا اَلسِّنْدِيُّ بْنُ شَاهَكَ ثَمَانِينَ رَجُلاً مِنَ اَلْوُجُوهِ اَلمَنْسُوبِينَ إِلَى اَلْخَيْرِ، فَأَدْخَلَنَا عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام)، وَقَالَ لَنَا اَلسِّنْدِيُّ: يَا هَؤُلَاءِ، اُنْظُرُوا إِلَى هَذَا اَلرَّجُلِ هَلْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ؟ فَإِنَّ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ لَمْ يُرِدْ بِهِ سُوءاً، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ بِهِ أَنْ يَقْدِمَ لِيُنَاظِرَهُ(72)، وَهُوَ صَحِيحٌ مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ فَسَلُوهُ، وَلَيْسَ لَنَا هَمٌّ إِلَّا اَلنَّظَرُ إِلَى اَلرَّجُلِ فِي فَضْلِهِ وَسَمْتِهِ.
فَقَالَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عليه السلام): «أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ اَلتَّوْسِعَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَهُوَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(68) مقاتل الطالبيِّين (ص 333 فصاعداً)؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 239 - 243) مع تغيير ما، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 220) مرسَلاً كما في الإرشاد، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 441) مختصراً، وابن الصبَّاغ في الفصول المهمَّة (ج 2/ ص 956)، والشبلنجي في نور الأبصار (ص 307)، عن أحمد بن عبد الله بن عمَّار مختصراً.
(69) في بعض النُّسَخ: (بشناء)، وفي بعضها: (سنان).
(70) قال الحميري (رحمه الله) في قرب الإسناد (ص 334/ ذيل الحديث 1236)، والصدوق (رحمه الله) في أماليه (ص 213/ ذيل الحديث 237/21)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 91/ باب 8/ ذيل الحديث 2): (قال الحسن: وكان هذا الشيخ من خيار العامَّة، شيخ صدوق، مقبول القول، ثقة جدًّا عند الناس).
(71) في القاموس المحيط (ج 3/ ص 70): (القطيعة كشريفة: ... محال ببغداد أقطعها المنصور أُناساً من أعيان دولته، ليعمروها ويسكنوها).
(72) في بعض النُّسَخ: (فيناظره).

(٥٧)

عَلَى مَا ذَكَرَ، غَيْرَ أَنِّي أُخْبِرُكُمْ أَيُّهَا اَلنَّفَرُ أَنِّي قَدْ سُقِيتُ اَلسَّمَّ فِي سَبْعِ تَمَرَاتٍ، وَأَنَا غَداً أَخْضَرُّ وَبَعْدَ غَدٍ أَمُوتُ»، فَنَظَرْتُ إِلَى اَلسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ يَضْطَرِبُ وَيَرْتَعِدُ مِثْلَ اَلسَّعَفَةِ(73)،(74).
فموته (عليه السلام) أشهر من أنْ يحتاج إلى ذكر الرواية به، لأنَّ المخالف في ذلك يدفع الضرورات، والشكُّ في ذلك يُؤدِّي إلى الشكِّ في موت كلِّ واحدٍ من آبائه وغيرهم، فلا يُوثَق بموت أحد.
[نصُّ الإمام الكاظم (عليه السلام) على إمامة الإمام الرضا (عليه السلام)]:
على أنَّ المشهور عنه (عليه السلام) أنَّه وصَّى إلى ابنه عليِّ بن موسى (عليه السلام) وأسند إليه أمره بعد موته، والأخبار بذلك أكثر من أنْ تُحصى، نذكر منها طرفاً ولو كان حيًّا باقياً لما احتاج إليه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(73) الكافي (ج 1/ ص 258 و259/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) يعلمون متى يموتون.../ ح 2)؛ ورواه الحميري (رحمه الله) في قرب الإسناد (ص 333 و334/ ح 1236)، والصدوق (رحمه الله) في أماليه (ص 213/ ح 237/21)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 91/ باب 8/ ح 2)، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 217) عن الحسن بن محمّد بن بشَّار، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 441) عن الحسن بن محمّد بن بشَّار مختصراً.
(74) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 37 و38): (قوله: (من أهل قطيعة الربيع) القطيعة كشريعة محال ببغداد أقطعها المنصور أُناساً من أعيان دولته ليعمروها ويسكنوها. قوله: (جمعنا) على صيغة المجهول. وقوله: (ثمانين) حال عن ضمير المتكلِّم. ويحتمل أنْ يكون على صيغة المعلوم وثمانين مفعوله...، قوله: (ولم يرد به أمير المؤمنين سوءاً) أراد به هارون الرشيد (لعنه الله). قوله: (... فضله وسمته) المراد بالفضل آثاره، وبالسمت الهيأة الحسنة، وهي هيأة أهل الخير. قوله: (أيُّها النفر) النفر بالتحريك والتسكين، والنفرة والنفير الجماعة من الناس. قوله: (إنِّي قد سُقيت السَّمَّ في سبع تمرات)، قال الصدوق: سمَّه هارون الرشيد (لعنه الله) فقتله. وقال الشهيد الأوَّل: قُبِضَ مسموماً ببغداد في حبس السندي بن شاهك (لعنه الله) لستّ بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، وقيل: يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة إحدى وثمانين ومائة. قوله: (مثل السعفة) السعفة بالتحريك غصن النخل).

(٥٨)

8 - فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَعُبَيْدِ اَلله بْنِ اَلمَرْزُبَانِ(75)، عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) - مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْدَمَ اَلْعِرَاقَ بِسَنَةٍ - وَعَلِيٌّ اِبْنُهُ جَالِسٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، [أَمَا إِنَّهُ](76) سَيَكُونُ فِي هَذِهِ اَلسَّنَةِ حَرَكَةٌ فَلَا تَجْزَعْ لِذَلِكَ».
قَالَ: قُلْتُ: وَمَا يَكُونُ جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكَ؟ فَقَدْ أَقْلَقْتَنِي(77).
قَالَ: «أُصَيَّرُ إِلَى هَذِهِ اَلطَّاغِيَةِ، أَمَا إِنَّهُ لَا يَبْدَأُنِي مِنْهُ سُوءٌ وَمِنَ اَلَّذِي يَكُونُ بَعْدَهُ».
قَالَ: قُلْتُ: وَمَا يَكُونُ جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكَ(78)؟
قَالَ: «يُضِلُّ اَللهُ اَلظَّالِمِينَ، وَيَفْعَلُ اَللهُ مَا يَشَاءُ».
قَالَ: قُلْتُ: وَمَا ذَلِكَ، جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكَ؟
قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ اِبْنِي هَذَا حَقَّهُ وَجَحَدَهُ إِمَامَتَهُ مِنْ بَعْدِي كَانَ كَمَنْ ظَلَمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) إِمَامَتَهُ وَجَحَدَهُ حَقَّهُ(79) بَعْدَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
قَالَ: قُلْتُ: وَاَلله لَئِنْ مَدَّ اَللهُ لِي فِي اَلْعُمُرِ لَأُسَلِّمَنَّ لَهُ حَقَّهُ وَلَأُقِرَّنَّ بِإِمَامَتِهِ.
قَالَ: «صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ، يَمُدُّ اَللهُ فِي عُمُرِكَ وَتُسَلِّمُ لَهُ حَقَّهُ (عليه السلام)، وَتُقِرُّ لَهُ بِإِمَامَتِهِ وَإِمَامَةِ مَنْ يَكُونُ بَعْدَهُ».
قَالَ: قُلْتُ: وَمَنْ ذَاكَ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(75) كذا في الكافي والإرشاد، وفي بعض النُّسَخ: (محمّد بن عليِّ بن عبد الله بن المرزبان).
(76) من الكافي.
(77) في الكافي: (جُعلت فداك؟ فقد أقلقني ما ذكرت).
(78) في الكافي: (جُعلت فداك).
(79) في الكافي: (كمن ظلم عليَّ بن أبي طالب حقَّه وجحده إمامته).

(٥٩)

قَالَ: «اِبْنُهُ مُحَمَّدٌ».
قَالَ: قُلْتُ لَهُ: اَلرِّضَا وَاَلتَّسْلِيمُ(80)،(81).
9 - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبَّادٍ اَلْقَصْرِيِّ(82) جَمِيعاً، عَنْ دَاوُدَ اَلرَّقِّيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(80) الكافي (ج 1/ ص 319/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح 16)؛ ورواه الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج 2/ ص 796 و797/ ح 982)، والصدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 40 و41/ باب 4/ ح 29)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 252 و253) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 51 و52) عن محمّد بن يعقوب.
(81) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 203 و204): (قوله: (أصير إلى الطاغية) اللَّام للعهد إشارة إلى المهدي العبَّاسي، والتاء للمبالغة في طغيانه وتجاوزه عن الحدِّ. قوله: (لا يبدأني منه سوء) بدء كلِّ شيء أوَّله وابتداؤه، يعني لا يصلني ابتداءً منه سوء وهو القتل، ولا من الذي بعده وهو موسى بن المهدي، وقد قتله بعده هارون الرشيد بالسمِّ، وهذا من دلائل إمامته، إذ أخبر بما يكون، وقد وقع كما أخبر. قوله: (قال: قلت: وما يكون) سأل السائل عن مآل حاله مع الطواغيت، فأشار (عليه السلام) إلى أنَّه القتل بقوله: «يضلُّ الله الظالمين» أي يتركهم مع أنفسهم الطاغية، حتَّى يقتلوا نفساً معصومة، ولم يمنعهم جبراً، وهذا معنى إضلالهم، وإلى أنَّه ينصب مقامه إماماً آخر بقوله: «ويفعل الله ما يشاء». ولـمَّا كان هذا الفعل مجملاً بحسب الدلالة والخصوصيَّة سأل السائل عنه بقوله: (ما ذاك؟)، يعني وما ذاك الفعل؟ فأجاب (عليه السلام) بأنَّه نصب ابنه عليّ للإمامة والخلافة، ومن ظلم ابني هذا حقَّه، وجحده إمامته، كان كمن ظلم عليَّ بن أبي طالب حقَّه وجحده إمامته، وذلك لأنَّ من أنكر الإمام الآخر لم يؤمن بالإمام الأوَّل، ولأنَّهما صراط الحقِّ، فالتارك لأحدهما كان كالتارك للآخر في الخروج عنه قطعاً).

(٦٠)

إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام): جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي قَدْ كَبِرَ(83) سِنِّي فَخُذْ بِيَدِي (وَأَنْقِذْنِي)(84) مِنَ اَلنَّارِ، (مَنْ صَاحِبُنَا بَعْدَكَ)(85)؟
فَأَشَارَ إِلَى اِبْنِهِ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، فَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي»(86)،(87).
10 - عَنْهُ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ اِبْنِ عَبْدِ اَلله(88)، عَنِ اَلْحَسَنِ، عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ(89)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي اَلْحَسَنِ اَلْأَوَّلِ (عليه السلام): أَلَا تَدُلُّنِي عَلَى(90) مَنْ آخُذُ مِنْهُ دِينِي؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(82) كذا في الكافي، وهو الصحيح.
عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 352/ الرقم 5207/13) من أصحاب عليِّ بن موسى الرضا (عليه السلام)، وكذا البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 54).
وفي بعض النُّسَخ: (البصري).
(83) في بعض النُّسَخ: (كبرت).
(84) ليس في الكافي.
(85) بدل ما بين القوسين في الكافي: (قال).
(86) الكافي (ج 1/ ص 312/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح 3)؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 248) بإسناده عن الكليني، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 222) عن داود الرقِّي، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 44) عن محمّد بن يعقوب.
(87) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 3/ ص 342): (القصري نسبة إلى موضع. وفي القاموس: القصر عَلَم لسبعة وخمسين موضعاً. والرقِّي بفتح الراء وشدِّ القاف: نسبة إلى رقَّة وهي بلد على الفرات. (قد كبر سنِّي) أي طال عمري وأخاف أنْ أموت قبل أنْ أعرف الإمام بعدك، أو أخاف أنْ لا أتمكَّن من المجيء إلى بلدك بعد سماع خبر وفاتك. وفي الصحاح والقاموس والنهاية: السنُّ الضرس ومقدار العمر، مؤنَّثة، في الناس وغيرهم، انتهى. ولكن تأنيثها لـمَّا لم يكن حقيقيًّا يجوز في النسبة إليه التذكير والتأنيث، فلذا ورد في هذا الخبر على التذكير، وفي الخبر الآتي على التأنيث).
(88) هو أحمد بن محمّد بن عبد الله بن مروان الأنباري، روى عن الإمامين الرضا والجواد (عليهما السلام).
وفي بعض النُّسَخ: (أحمد بن محمّد بن عبيد الله).
(89) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 361/ الرقم 968): (محمّد بن إسحاق بن عمَّار بن حيَّان التغلبي الصيرفي، ثقة عين).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 344 و365/ الرقم 5129/30 و5410/23) من أصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام).
(90) في الكافي: (إلى).

(٦١)

فَقَالَ: «هَذَا اِبْنِي عَلِيٌّ، إِنَّ أَبِي أَخَذَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ اَللهَ قَالَ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]، وَإِنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) إِذَا قَالَ قَوْلاً وَفَى بِهِ»(91)،(92).
11 - عَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى(93)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ اَلْحَسَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ نُعَيْمٍ اَلصَّحَّافِ(94)، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَهِشَامُ بْنُ اَلْحَكَمِ وَعَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ(95) بِبَغْدَادَ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ: كُنْتُ عِنْدَ اَلْعَبْدِ اَلصَّالِحِ (عليه السلام) [جَالِساً فَدَخَلَ عَلَيْهِ اِبْنُهُ عَلِيٌّ](96)، فَقَالَ لِي: «يَا عَلِيَّ بْنِ يَقْطِينٍ، هَذَا عَلِيٌّ سَيِّدُ وُلْدِي، أَمَا إِنِّي [قَدْ] نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(91) الكافي (ج 1/ ص 312/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح 4)؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 248 و249) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 44 و45) عن محمّد بن يعقوب.
(92) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 3/ ص 343): ((ألَا) للعرض. (إلى من آخذ) أي بعد وفاتك. (فقال: هذا) خبر مبتدأ محذوف، أي هو هذا، أو مبتدأ خبره (ابني)، أي ابني حقيقةً القابل للإمامة كما مرَّ. (إلى قبر رسول الله) أي إلى ما يجاور قبره. ويدلُّ على أنَّ قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرضِ خَلِيفَةً﴾ معناه أنِّي أجعل ذلك أبداً ولا أُخلي الأرض من خليفة إلى يوم القيامة).
(93) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 353/ الرقم 946): (محمّد بن يحيى أبو جعفر العطَّار القمِّي شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة عين كثير الحديث).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 410 و411/ الرقم 5955/36) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام).
(94) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 53/ الرقم 120): (الحسين بن نعيم الصحَّاف مولى بني أسد، ثقة وأخواه عليٌّ ومحمّد).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 183/ الرقم 2208/65) من أصحاب الصادق (عليه السلام) مع توصيفه بالكوفي.
(95) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 273/ الرقم 715): (عليُّ بن يقطين بن موسى البغدادي سكنها، وهو كوفي الأصل...، وُلِدَ عليٌّ بالكوفة سنة (124هـ)...، مات سنة (182هـ) في أيَّام موسى بن جعفر (عليه السلام) ببغداد وهو محبوس في سجن هارون).
(96) ما بين المعقوفتين من الكافي، وكذا ما يأتي.

(٦٢)

فَضَرَبَ هِشَامٌ بِرَاحَتِهِ(97) جَبْهَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ كَيْفَ قُلْتَ؟
فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ: سَمِعْتُهُ وَاَلله مِنْهُ كَمَا قُلْتُ.
فَقَالَ هِشَامٌ: إِنَّ اَلْأَمْرَ (وَاَلله)(98) فِيهِ مِنْ بَعْدِهِ(99)،(100).
12 - عَنْهُ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ(101)، عَنْ نُعَيْمٍ اَلْقَابُوسِيِّ(102)، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(97) في بعض النُّسَخ: (براحة).
(98) ليس في الكافي.
(99) الكافي (ج 1/ ص 311/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح 1)؛ ورواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 202 و203) عن محمّد بن الحسين بن نعيم الصحَّاف وهشام بن الحَكَم باختلاف، والصدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 31 و32/ باب 4/ ح 3) باختلاف، والخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 271 و272) بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 249) بإسناده عن الكليني، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 222) مختصراً، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 43 و44) عن محمّد بن يعقوب.
(100) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 3/ ص 341): ((فقال لي) في بعض النُّسَخ (له) فالقائل الصحَّاف، والضمير راجع إلى ابن يقطين، وقيل: الضمير لابنه علىٍّ، واللَّام بمعنى (في)، وهو بعيد. (نحلته) أي أعطيته. والراحة: الكفُّ. والضرب للتعجُّب. ولعلَّه كان ظنَّ أنَّه القائم كما توهَّم غيره، أو للتأسُّف لإشعار الكلام بقرب وفاته (عليه السلام)، لاسيّما مع نحلة الكنية. (ويحك) قيل: منصوب بتقدير حرف النداء للتعجُّب، وقال الجوهري: ويح كلمة رحمة، وويل كلمة عذاب. وقال الزبيدي: هما بمعنى واحد، تقول: ويح لزيد وويل لزيد ترفعهما على الابتداء، ولك أنْ تقول: ويحاً لزيد وويلاً لزيد فتنصبهما بإضمار فعل).
(101) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 412/ الرقم 1098): (معاوية بن حُكَيم بن معاوية بن عمَّار الدهني ثقة، جليل في أصحاب الرضا (عليه السلام)).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 378/ الرقم 5606/22) من أصحاب الجواد (عليه السلام)، وفي (ص 392/ الرقم 5788/42) من أصحاب الهادي (عليه السلام) مع وصفه بالكوفي، وفي (ص 449/ الرقم 6384/134) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام).
(102) عدَّه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 248) من خاصَّة الإمام الكاظم (عليه السلام) وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته.

(٦٣)

[أَنَّهُ](103) قَالَ: «اِبْنِي عَلِيٌّ(104) أَكْبَرُ وُلْدِي وَآثَرُهُمْ(105) عِنْدِي وَأَحَبُّهُمْ إِلَيَّ، وَهُوَ يَنْظُرُ مَعِي فِي اَلْجَفْرِ، وَلَمْ يَنْظُرْ فِيهِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ»(106)،(107).
13 - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَعَلِيِّ بْنِ اَلْحَكَمِ جَمِيعاً، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ اَلمُخْتَارِ(108)، قَالَ: خَرَجَتْ إِلَيْنَا أَلْوَاحٌ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(103) من الكافي.
(104) في الكافي: (إنَّ ابني عليًّا).
(105) في الكافي: (وأبرُّهم).
(106) الكافي (ج 1/ ص 311 و312/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح 2)؛ ورواه الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 178 و179/ ج 3/ باب 14/ ح 24) بإسناده عن نعيم بن قابوس باختلاف، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 202) بإسناده عن نصر بن قابوس، والصدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 40/ باب 4/ ح 27) باختلاف، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 249 و250) بإسناده عن الكليني، وحسين بن عبد الوهَّاب في عيون المعجزات (ص 97) كما في إثبات الوصيَّة، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 44) عن محمّد بن يعقوب، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 897) مرسَلاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 476) عن نعيم القابوسي.
(107) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 3/ ص 342): ((إنَّ ابني علىٌّ) خبر (إنْ)، وكان حقُّه (إنَّ عليًّا ابني)، فقدَّم لإفادة الحصر مبالغةً، أي لشدَّة اختصاصه بي ومحبَّتي له كأنَّه ابني دون غيره، أو المراد بالابن الابن الذي يعرف فيه أبوه خَلْقه وخُلُقه وشمائله. و(أكبر) خبر مبتدأ محذوف، والجملة استيناف بيان للسابق. وفي إرشاد المفيد: (ابني عليٌّ) بدون (إنَّ)، فـ (عليٌّ) عطف بيان لـ (ابني)، و(أكبر) خبره، وهو أظهر. (وأبرُّهم بي) أي أوصلهم بي وأشدّهم إحساناً).
(108) هو الحسين بن المختار أبو عبد الله القلانسي، كوفي، عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 183/ الرقم 2211/68) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، وفي (ص 334/ الرقم 4972/3) من أصحاب الكاظم (عليه السلام).
وعدَّه الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 248) من خاصَّة الإمام الكاظم (عليه السلام)، وثقاته، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته.

(٦٤)

أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) - وَهُوَ فِي اَلْحَبْسِ -: «عَهْدِي إِلَى أَكْبَرِ وُلْدِي أَنْ يَفْعَلَ كَذَا وَأَنْ يَفْعَلَ كَذَا، وَفُلَانٌ لَا تُنِلْهُ شَيْئاً حَتَّى أَلْقَاكَ أَوْ يَقْضِيَ اَللهُ عَلَيَّ اَلمَوْتَ»(109)،(110).
14 - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ اَلْقَنْدِيِّ - [وَكَانَ مِنَ اَلْوَاقِفَةِ](111) -، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) وَعِنْدَهُ أَبُو اَلْحَسَنِ اِبْنُهُ، فَقَالَ لِي: «يَا زِيَادُ، هَذَا اِبْنِي عَلِيٌّ، إِنَّ(112) كِتَابَهُ كِتَابِي، وَكَلَامَهُ كَلَامِي، وَرَسُولَهُ رَسُولِي، وَمَا قَالَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ»(113)،(114).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(109) الكافي (ج 1/ ص 312 و313/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح 8)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 39/ باب 4/ ح 23 و24) مختصراً، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 250) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 46) عن محمّد بن يعقوب.
(110) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 3/ ص 345): (اللوح: ما يُكتَب فيه من خشب أو كتف أو قرطاس. والعهد: الوصيَّة والتقدُّم إلى المرء في الشيء. والظرف لغو متعلِّق بـ (عهدي)، أو مستقرّ خبر المبتدأ، وعلى الأوَّل (أنْ) مصدريَّة، والمصدر خبر المبتدأ، وعلى الثاني (أنْ) مفسِّرة لتضمُّن العهد معنى القول. وجملة (فلان) عطف على (عهدي)، أو على مدخول (أنْ) المفسِّرة، ولعلَّ المراد بـ (فلان) بعض أولاده، ويحتمل غيرهم. (لا تنله) أي لا تعطه. وهذا أيضاً يدلُّ على النصِّ كنايةً وبتقريب ما مرَّ، للإخبار بالموت).
(111) من الكافي.
(112) في الكافي: (هذا ابني فلان) بدل (هذا ابني عليٌّ، إنَّ).
(113) الكافي (ج 1/ ص 312/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح 6)؛ ورواه الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج 2/ ص 767/ ح 887) بإسناده عن أبي سعيد الزيَّات باختلاف، والصدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 39/ باب 4/ ح 25) باختلاف، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 250) بإسناده عن الكليني، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 222)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 45) عن محمّد بن يعقوب.
(114) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 183): (قوله: (عن زياد بن مروان القندي وكان من الواقفة) وقف في الرضا (عليه السلام)، وكان سبب وقفه مع سماعه النصَّ عن موسى ابن جعفر (عليهما السلام) على ابنه الرضا (عليه السلام) أنَّه كان عنده سبعون ألف دينار من مال موسى بن جعفر (عليه السلام)، فأنكر موته وإمامة الرضا (عليه السلام) لئلَّا يدفع المال إليه).

(٦٥)

15 - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ، عَنِ اَلمَخْزُومِيِّ(115) - وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ وُلْدِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -، قَالَ: بَعَثَ إِلَيْنَا أَبُو اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) فَجَمَعَنَا، ثُمَّ قَالَ [لَنَا](116): «أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ(117)؟».
فَقُلْنَا: لَا.
قَالَ: «اِشْهَدُوا أَنَّ اِبْنِي هَذَا وَصِيِّي، وَاَلْقَيِّمُ بِأَمْرِي، وَخَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي، مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدِي دَيْنٌ فَلْيَأْخُذْهُ مِنِ اِبْنِي هَذَا، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدِي عِدَةٌ فَلْيَتَنَجَّزْهَا مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ لِقَائِي فَلَا يَلْقَنِي إِلَّا بِكِتَابِهِ»(118)،(119).
16 - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ اَلْخَزَّازِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(115) عدَّه الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 248) من خاصَّة الإمام الكاظم (عليه السلام) وثقاته وأهل الورع والفقه من شيعته.
ويظهر من رواية عيون أخبار الرضا (عليه السلام) أنَّ المخزومي هو عبد الله بن الحارث.
(116) من الكافي.
(117) في الكافي: (لِمَ دعوتكم؟).
(118) الكافي (ج 1/ ص 312/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح 7)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 36/ باب 4/ ح 14) باختلاف، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 250 و251) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 45) عن محمّد بن يعقوب.
(119) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 3/ ص 344 و345): ((أنَّ ابني هذا) المراد الرضا (عليه السلام)، وفي العيون: (إنَّ عليًّا ابني هذا)، وعلى تقدير عدم معلوميَّة المشار إليه يُعلَم منه إمامة الرضا (عليه السلام)، إذ يدلُّ على وفاة موسى (عليه السلام) وأنَّ أحد أولاده إمام بعده، ولم يقل أحد بإمامة غيره بعده كما مرَّ. والتنجُّز طلب الوفاء بالوعد. واللَّقاء بالفتح مصدر لقي من باب علم. (إلَّا بكتابه) الضمير راجع إلى الرضا (عليه السلام)، أي إلَّا مع كتابه الدالّ على الإذن لشدَّة التقيَّة والخوف، ولأنَّه أعلم بمن ينبغي دخوله عليَّ ومن لا ينبغي، ويحتمل رجوع الضمير إلى الموصول، أي يبعث إليَّ كتابه ولا يدخل عليَّ فيكون إطلاق اللقاء عليه مجازاً، ولكن لا يخلو من بعد).

(٦٦)

عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ(120)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام): إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ وَلَا أَلْقَاكَ، فَأَخْبِرْنِي عَنِ اَلْإِمَامِ بَعْدَكَ.
فَقَالَ: «اِبْنِي فُلَانٌ» يَعْنِي أَبَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام)(121)،(122).
17 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اِبْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي اَلْجَهْمِ(123)، عَنْ نَصْرِ بْنِ قَابُوسَ(124)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام): إِنِّي سَأَلْتُ أَبَاكَ (عليه السلام): مَنِ اَلَّذِي يَكُونُ بَعْدَكَ؟ فَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ أَنْتَ هُوَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) ذَهَبَ اَلنَّاسُ يَمِيناً وَشِمَالاً(125) وَقُلْتُ بِكَ أَنَا وَأَصْحَابِي، فَأَخْبِرْنِي مَنِ اَلَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْدِكَ مِنْ وُلْدِكَ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(120) عدَّه الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 248) من خاصَّة الإمام الكاظم (عليه السلام) وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته.
(121) الكافي (ج 1/ ص 313/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح 11)؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 251) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 46) عن محمّد بن يعقوب.
(122) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 3/ ص 346): ((أنْ يحدث حدث) بالتحريك، أي حادثة كالحبس والقتل والموت. و(يعني) كلام الراوي أو راوي الراوي، والأخير أظهر، إذ الظاهر أنَّ الكناية من الراوي).
(123) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 179/ الرقم 472): (سعيد بن أبي الجهم القابوسي اللخمي، أبو الحسين، من ولد قابوس بن النعمان بن المنذر، كان سعيد ثقةً في حديثه، وجهاً بالكوفة، وآل أبي الجهم بيت كبير بالكوفة).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 215/ الرقم 2825/63) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(124) عدَّه الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 248) من خاصَّة الكاظم (عليه السلام) وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته.
(125) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 3/ ص 346): ((يميناً وشمالاً) أي إلى جهات مختلفة غير الصراط المستقيم).

(٦٧)

قَالَ: «اِبْنِي فُلَانٌ»(126).
18 - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ اَلضَّحَّاكِ بْنِ اَلْأَشْعَثِ(127)، عَنْ دَاوُدَ بْنِ زُرْبِيٍّ(128)، قَالَ: جِئْتُ إِلَى أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) بِمَالٍ، (قَالَ)(129): فَأَخَذَ بَعْضَهُ وَتَرَكَ بَعْضَهُ، فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اَللهُ لِأَيِّ شَيْءٍ تَرَكْتَهُ عِنْدِي.
فَقَالَ: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ يَطْلُبُهُ مِنْكَ»، فَلَمَّا جَاءَ نَعْيُهُ(130) بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) فَسَأَلَنِي ذَلِكَ اَلمَالَ، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ(131).
19 - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَكَمِ(132)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(126) الكافي (ج 1/ ص 313/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح 12)؛ ورواه الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج 2/ 747/ ح 849) باختلاف، والصدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 39 و40/ باب 4/ ح 26) باختلاف أيضاً، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 251) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 46) عن محمّد بن يعقوب.
(127) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 227/ الرقم 3072/2) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(128) في بعض النُّسَخ: (داود بن رزين)، قال السيِّد الخوئي (قدّس سره) في معجم رجال الحديث (ج 8/ ص 104/ الرقم 4394): في الطبعة المعرَّبة: (داود بن زربي) بدل (داود بن رزين)، وهو الصحيح الموافق للروضة، كذا في الطبعة القديمة (أي من الكافي) والمرآة والوافي أيضاً، وابن رزين ممَّن روى عنه يونس وابن أبي عمير، وابن زربي وثَّقه المفيد (رحمه الله) وغيره.
(129) ليس في الكافي والإرشاد.
(130) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 3/ ص 346): (النعي: الإخبار بالموت).
(131) الكافي (ج 1/ ص 313/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح 13)؛ ورواه الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج 2/ ص 601/ ح 565) بإسناده عن الضحَّاك بن الأشعث، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 251 و252) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 47) عن محمّد بن يعقوب.
(132) كذا في بعض النُّسَخ، ولكن في الكافي والإمامة والتبصرة وغيرهما: (أبي الحَكَم الأرمني)، ولم نجد له ذكر في كُتُب الرجال.

(٦٨)

عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(133)، عَنْ يَزِيدَ اِبْنِ سَلِيطٍ(134) فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ فِي اَلسَّنَةِ اَلَّتِي قُبِضَ (عليه السلام) فِيهَا: «إِنِّي أُوخَذُ فِي هَذِهِ اَلسَّنَةِ، وَاَلْأَمْرُ [هُوَ](135) إِلَى اِبْنِي عَلِيٍّ، سَمِيِّ عَلِيٍّ، فَأَمَّا عَلِيٌّ اَلْأَوَّلُ فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا (عَلِيٌّ)(136) اَلْآخَرُ فَعَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام)، أُعْطِيَ فَهْمَ اَلْأَوَّلِ وَحِلْمَهُ وَنَصْرَهُ وَوُدَّهُ وَذِمَّتَهُ [وَمِحْنَتَهُ](137) وَمِحْنَةَ اَلْآخَرِ، وَصَبْرَهُ عَلَى مَا يَكْرَهُ...» تَمَامَ اَلْخَبَرِ(138)،(139).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(133) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 216/ الرقم 562): (عبد الله بن إبراهيم بن محمّد بن عليِّ بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، أبو محمّد، ثقة، صدوق).
(134) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 48)، والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 345/ الرقم 5159/3) من أصحاب الكاظم (عليه السلام).
وعدَّه الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 248) من خاصَّة الكاظم (عليه السلام) وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته.
(135) من الكافي.
(136) ليس في الكافي.
(137) من الكافي، وفيه: (دينه) بدل (ذمَّته).
(138) الكافي (ج 1/ ص 315/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ضمن الحديث 14)؛ ورواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 80/ ضمن الحديث 68)، والصدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 33 - 35/ باب 4/ ح 9) باختلاف، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 252) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 50) عن الكليني وابن بابويه.
(139) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 3/ ص 356 و357): ((إنِّي أُوخذ) على بناء المجهول بقلب الهمزة واواً. ويقال: هو سميُّ فلان، إذا وافق اسمه اسمه. وقيل في قوله تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: 65]، أي نظيراً يستحقُّ مثل اسمه. (أُعطي فهم الأوَّل) أي أمير المؤمنين (عليه السلام). (وودَّه) أي الحبُّ الذي جعل الله له في قلوب المؤمنين، كما روي أنَّ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا﴾ [مريم: 96]، أُنزل في أمير المؤمنين (عليه السلام)...، (ومحنته) أي امتحانه وابتلاؤه بأذى المخالفين ومخالفتهم وخذلان أصحابه له. ثمّ اعلم أنَّه قد ثبت مساواة جميع الأئمَّة في جميع الكمالات كما مرَّ، فتخصيص بعضهم ببعضها لظهور هذا البعض منه أكثر من غيره بسبب المصالح المختصَّة بزمانه، كظهور الغزوات والشجاعة والفصاحة من أمير المؤمنين (عليه السلام)، والدعوات عن عليِّ بن الحسين (عليه السلام) لفراغه، وانتشار العلوم من الباقر والصادق (عليهما السلام) لقلَّة التقيَّة في زمانهما، وهكذا).

(٦٩)

20 - وَرَوَى أَبُو اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيُّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ وَاَلْحَسَنُ بْنُ مُوسَى اَلْخَشَّابُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحَسَنِ - فِي حَدِيثٍ لَهُ -، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام): أَسْأَلُكَ؟
فَقَالَ: «سَلْ إِمَامَكَ».
فَقُلْتُ: مَنْ تَعْنِي فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ إِمَاماً غَيْرَكَ؟
قَالَ: «هُوَ عَلِيٌّ اِبْنِي قَدْ نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي».
قُلْتُ: سَيِّدِي أَنْقِذْنِي مِنَ اَلنَّارِ، فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) قَالَ: إِنَّكَ أَنْتَ اَلْقَائِمُ بِهَذَا اَلْأَمْرِ.
قَالَ: «أَوَلَمْ أَكُنْ قَائِماً؟»، ثُمَّ قَالَ: «يَا حَسَنُ، مَا مِنْ إِمَامٍ يَكُونُ قَائِماً فِي أُمَّةٍ إِلَّا وَهُوَ قَائِمُهُمْ، فَإِذَا مَضَى عَنْهُمْ فَالَّذِي يَلِيهِ هُوَ اَلْقَائِمُ وَاَلْحُجَّةُ حَتَّى يَغِيبَ عَنْهُمْ، فَكُلُّنَا قَائِمٌ، فَاصْرِفْ جَمِيعَ مَا كُنْتَ تُعَامِلُنِي بِهِ إِلَى اِبْنِي عَلِيٍّ، [وَاَلله](140) وَاَلله مَا أَنَا فَعَلْتُ ذَاكَ بِهِ، بَلِ اَللهُ فَعَلَ بِهِ ذَاكَ حُبًّا».
21 - وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ(141)، عَنِ اَلْفَضْلِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(140) من بعض النُّسَخ.
(141) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 429/ الرقم 6159/2) فيمن لم يرو عنهم (عليهم السلام)، قائلاً: (عليُّ ابن محمّد القتيبي، تلميذ الفضل بن شاذان، نيسابوري، فاضل).
وقال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 259/ الرقم 678): (عليه اعتمد أبو عمرو الكشِّي في كتاب الرجال).

(٧٠)

اِبْنِ شَاذَانَ اَلنَّيْشَابُورِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى وَعُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)، فَقَالَ لِي: «إِنَّ جَعْفَراً (عليه السلام) كَانَ يَقُولُ: سَعِدَ اِمْرُؤٌ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَرَى خَلَفَهُ مِنْ نَفْسِهِ»، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى اِبْنِهِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: «هَذَا، وَقَدْ أَرَانِيَ اَللهُ خَلَفِي مِنْ نَفْسِي»(142).
22 - عَنْهُ(143)، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ اِبْنِ اَلْحَكَمِ وَعَلِيِّ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ نَافِعٍ(144)، عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ، قَالَ: قَالَ لِي هَارُونُ بْنُ سَعْدٍ اَلْعِجْلِيُّ(145): قَدْ مَاتَ إِسْمَاعِيلُ اَلَّذِي كُنْتُمْ تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْنَاقَكُمْ، وَجَعْفَرٌ شَيْخٌ كَبِيرٌ يَمُوتُ غَداً أَوْ بَعْدَ غَدٍ، فَتَبْقَوْنَ بِلَا إِمَامٍ، فَلَمْ أَدْرِ مَا أَقُولُ، فَأَخْبَرْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) بِمَقَالَتِهِ، فَقَالَ: «هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، أَبَى اَللهُ - وَاَلله - أَنْ يَنْقَطِعَ هَذَا اَلْأَمْرُ حَتَّى يَنْقَطِعَ اَللَّيْلُ وَاَلنَّهَارُ، فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَقُلْ لَهُ: هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ يَكْبَرُ وَنُزَوِّجُهُ وَيُولَدُ لَهُ فَيَكُونُ خَلَفاً إِنْ شَاءَ اَللهُ تَعَالَى»(146).
23 - وَفِي خَبَرٍ آخَرَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: «يَظْهَرُ صَاحِبُنَا وَهُوَ مِنْ صُلْبِ هَذَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) -، فَيَمْلَأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، وَتَصْفُو لَهُ اَلدُّنْيَا».
24 - وَرَوَى أَيُّوبُ بْنُ نُوحٍ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، قَالَ: سَمِعْتُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(142) رواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 204) عن محمّد بن سنان عن موسى بن بكر الواسطي، والخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 273) بإسناده عن بكر بن موسى الواسطي، والحسن بن الفضل الطبرسي (رحمه الله) في مكارم الأخلاق (ص 222) عن أبي إبراهيم (عليه السلام).
(143) الظاهر أنَّ الضمير يرجع إلى أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي.
(144) في كمال الدِّين: (عليّ بن الحسن بن نافع الورَّاق).
(145) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 318/ الرقم 4733/1) من أصحاب الصادق (عليه السلام). ويظهر من رجال الكشِّي أنَّه زيدي.
(146) رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 657/ باب 58/ ح 2).

(٧١)

عَلِيَّ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ أَخِي مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) - كَانَ وَاَلله حُجَّةَ اَلله فِي اَلْأَرْضِ بَعْدَ أَبِي (صَلَوَاتُ اَللهُ عَلَيْهِ) - إِذْ طَلَعَ اِبْنُهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ لِي: «يَا عَلِيُّ، هَذَا صَاحِبُكَ، وَهُوَ مِنِّي بِمَنْزِلَتِي مِنْ أَبِي، فَثَبَّتَكَ اَللهُ عَلَى دِينِهِ».
فَبَكَيْتُ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: نَعَى وَاَلله إِلَيَّ نَفْسَهُ.
فَقَالَ: «يَا عَلِيُّ، لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَمْضِيَ مَقَادِيرُ اَلله فِيَّ، وَلِي بِرَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أُسْوَةٌ، وَبِأَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ وَفَاطِمَةَ وَاَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ (عليهم السلام)».
وَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَهُ هَارُونُ اَلرَّشِيدُ فِي اَلمَرَّةِ اَلثَّانِيَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ... تَمَامَ اَلْخَبَرِ.
والأخبار في هذا المعنى أكثر من أنْ تُحصى، وهي موجودة في كُتُب الإماميَّة معروفة ومشهورة مَنْ أرادها وقف عليها من هناك، وفي هذا القدر هاهنا كفاية إنْ شاء الله تعالى.
فإنْ قيل: كيف تُعوِّلون على هذه الأخبار وتدَّعون العلم بموته، والواقفة تروي أخباراً كثيرة تتضمَّن أنَّه لم يمت، وأنَّه القائم المشار إليه، موجودة في كُتُبهم وكُتُب أصحابكم، فكيف تجمعون بينها؟ وكيف تدَّعون العلم بموته مع ذلك؟
قلنا: لم نذكر هذه [الأخبار] إلَّا على جهة الاستظهار والتبرُّع، لا لأنَّا احتجنا إليها في العلم بموته، لأنَّ العلم بموته حاصل لا يُشَكُّ فيه كالعلم بموت آبائه (عليهم السلام)، والمشكِّك في موته كالمشكِّك في موتهم وموت كلِّ من علمنا بموته.
وإنَّما استظهرنا بإيراد هذه الأخبار تأكيداً لهذا العلم، كما نروي أخباراً كثيرة فيما نعلم بالعقل والشرع وظاهر القرآن والإجماع وغير ذلك، فنذكر في ذلك أخباراً على وجه التأكيد.

(٧٢)

[أخبار استُدِلَّ بها على أنَّ الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) هو القائم، وأنَّه حيٌّ لم يمت، والجواب عنها]:
فأمَّا ما ترويه الواقفة فكلُّها أخبار آحاد لا يعضدها حجَّة، ولا يمكن ادِّعاء العلم بصحِّتها، ومع هذا فالرواة لها مطعون عليهم، لا يُوثَق بقولهم ورواياتهم، وبعد هذا كلِّه فهي متأوَّلة.
ونحن نذكر جُمَلاً ممَّا رووه ونُبيِّن القول فيها، فمن ذلك أخبار ذكرها أبو محمّد عليُّ بن أحمد العلوي الموسوي في كتابه (في نصرة الواقفة).
25 - قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ(147)، قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْحَسَنُ بْنُ سَمَاعَةَ(148)، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ اَلْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «لَا يَنْسِجُنِي وَاَلْقَائِمَ أَبٌ».
فهذا أوَّلاً خبر واحد لا يُدفَع المعلوم لأجله، ولا يُرجَع إلى مثله، وليس يخلو أنْ يكون المراد به أنَّه ليس بيني وبين القائم أب، أو أراد لا يلدني وإيَّاه أب، فإنْ أراد الأوَّل فليس فيه تصريح بأنَّ موسى هو القائم، ولِمَ لا يجوز أنْ يكون المراد غيره كما قالت الفطحيَّة: إنَّ الإمام بعد أبي عبد الله (عليه السلام) عبد الله الأفطح ابنه؟ وإذا احتُمِلَ ذلك سقط الاحتجاج به.
على أنَّا قد بيَّنَّا أنَّ كلَّ إمام يقوم بعد الأوَّل يُسمَّى قائماً، فعلى هذا يُسمَّى موسى قائماً ولا يجيء منه ما قالوه.
على أنَّه لا يمتنع أنْ يكون أراد ردًّا على الإسماعيليَّة الذين ذهبوا إلى إمامة محمّد بن إسماعيل بعد أبي عبد الله (عليه السلام) فإنَّ إسماعيل مات في حياته، فأراد: الذي يقوم مقامي ليس بيني وبينه أب بخلاف ما قالوه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(147) قال المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 231/ الرقم 671/86): (محمّد بن بشر له كتاب).
(148) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 40 - 42/ الرقم 84): (الحسن بن محمّد بن سماعة، أبو محمّد الكندي الصيرفي، من شيوخ الواقفة، كثير الحديث، فقيه، ثقة، وكان يعاند في الوقف ويتعصَّب...، تُوفِّي ليلة الخميس لخمس خلون من جمادى الأُولى سنة ثلاث وستِّين ومائتين بالكوفة).

(٧٣)

وإنْ أراد أنَّه لم يلده وإيَّاه أب نفياً للإمامة عن إخوته، فإنَّا نقول بذلك، مع أنَّه ليس ذلك قولاً لأحد.
26 - قَالَ اَلمُوسَوِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ خَلَفٍ اَلْأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلله بْنُ وَضَّاحٍ(149)، عَنْ يَزِيدَ اَلصَّائِغِ(150)، قَالَ: لَـمَّا وُلِدَ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام) عَمِلْتُ لَهُ أَوْضَاحاً(151) وَأَهْدَيْتُهَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا أَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) بِهَا قَالَ لِي: «يَا يَزِيدُ، أَهْدَيْتَهَا وَاَلله لِقَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
فهو مع كونه خبراً واحداً رجاله غير معروفين، ولو سُلِّم لكان الوجه فيه ما قلناه من أنَّه القائم من بعده بلا فصل على ما مضى القول فيه.
27 - قَالَ اَلمُوسَوِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ اَلْحَسَنِ اَلْمِيثَمِيُّ(152)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلمَدَائِنِيِّ(153)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اَللهَ اِسْتَنْقَذَ بَنِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(149) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 215/ الرقم 560): (عبد الله بن وضَّاح، أبو محمّد، كوفي، ثقة، من الموالي، صاحب أبا بصير يحيى بن القاسم كثيراً).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 340/ الرقم 5063/24) من أصحاب الكاظم (عليه السلام).
(150) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 12) من أصحاب الباقر (عليه السلام).
وقال الكشِّي (رحمه الله): (ذكر فضل بن شاذان في بعض كُتُبه أنَّ يزيد الصائغ من الكذَّابين المشهورين)، كما في خلاصة الأقوال (ص 419/ الرقم 2).
(151) في القاموس المحيط (ج 1/ ص 255): (الوضح: ... حلي من الفضَّة، جمعه أوضاح).
(152) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 74/ الرقم 179): (أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمَّار، مولى بني أسد، روى عن الرضا (عليه السلام)، ثقة، صحيح الحديث، معتمد عليه).
(153) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 43)، والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 326/ الرقم 4878/19) من أصحاب الصادق (عليه السلام).

(٧٤)

إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنِهَا بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَإِنَّ اَللهَ مُسْتَنْقِذٌ هَذِهِ اَلْأُمَّةَ مِنْ فِرْعَوْنِهَا بِسَمِيِّهِ».
فالوجه فيه أيضاً - مع أنَّه خبر واحد - أنَّ الله استنقذهم بأنْ دلَّهم على إمامته والإبانة عن حقِّه بخلاف ما ذهبت إليه الواقفة.
28 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَنَانُ بْنُ سَدِيرٍ، قَالَ: كَانَ أَبِي جَالِساً وَعِنْدَهُ عَبْدُ اَلله بْنُ سُلَيْمَانَ اَلصَّيْرَفِيُّ(154) وَأَبُو اَلمَرَاهِفِ وَسَالِمٌ اَلْأَشَلُّ(155)، فَقَالَ عَبْدُ اَلله بْنُ سُلَيْمَانَ لِأَبِي: يَا أَبَا اَلْفَضْلِ، أَعَلِمْتَ أَنَّهُ وُلِدَ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) غُلَامٌ فَسَمَّاهُ فُلَاناً؟ - يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ -.
فَقَالَ سَالِمٌ: إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ؟
فَقَالَ عَبْدُ اَلله: نَعَمْ.
فَقَالَ سَالِمٌ: وَاَلله لَأَنْ يَكُونَ حَقًّا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِي بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ وَإِنِّي مُحْتَاجٌ إِلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَعُودُ بِهَا عَلَى نَفْسِي وَعِيَالِي.
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اَلله بْنُ سُلَيْمَانَ: وَلِمَ ذَاكَ؟
قَالَ: بَلَغَنِي فِي اَلْحَدِيثِ أَنَّ اَللهَ عَرَضَ سِيرَةَ قَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، فَقَالَ: اَللَّهُمَّ اِجْعَلْهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ لَهُ: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، فَقَالَ: اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ، فَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، فَقَالَ: اَللَّهُمَّ اِجْعَلْهُ سَمِيِّي، فَقِيلَ لَهُ: أُعطِيتَ ذَلِكَ.
فلا أدري ما الشبهة في هذا الخبر، لأنَّه لم يسنده إلى إمام وقال: بلغني في الحديث كذا، وليس كلُّ ما يبلغه يكون صحيحاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(154) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 225/ الرقم 592): (عبد الله بن سليمان الصيرفي، مولى، كوفي، روى عن جعفر بن محمّد (عليه السلام)، له أصل رواه).
(155) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 137/ الرقم 1433/6) من أصحاب الباقر (عليه السلام)، قائلاً: (بيَّاع المصاحف)؛ والظاهر أنَّه سالم بن عبد الرحمن الأشلّ.

(٧٥)

وقد قلنا: إنَّ من يقوم بعد الإمام الأوَّل يُسمَّى قائماً، أو يلزمه من السيرة مثل سيرة الأوَّل سواء، فسقط القول به.
29 - قَالَ: وَرَوَى زَيْدٌ اَلشَّحَّامُ وَغَيْرُهُ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِماً يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اَللهَ تَعَالَى عَرَضَ سِيرَةَ قَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ...» وَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ.
وقد تكلَّمنا عليه مع تسليمه(156).
30 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَحْرُ بْنُ زِيَادٍ اَلطَّحَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّهُمْ يَرْوُونَ أَنَّ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ بِالْكُوفَةِ عَلَى اَلْمِنْبَرِ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اَللهُ ذَلِكَ اَلْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ اَللهُ رَجُلاً مِنِّي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «نَعَمْ».
قَالَ: فَأَنْتَ هُوَ؟
فَقَالَ: «لَا، ذَاكَ سَمِيُّ فَالِقِ اَلْبَحْرِ».
فالوجه فيه - بعد كونه خبراً واحداً - أنَّ لسميِّ فالق البحر أنْ يقوم بالأمر ويملأها قسطاً وعدلاً إنْ مُكِّن من ذلك، وإنَّما نفاه عن نفسه تقيَّةً من سلطان الوقت لا نفي استحقاقه للإمامة.
31 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ اَلصَّيْرَفِيُّ(157)، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سُلَيْمَانَ(158)، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(156) أي في (ح 28).
(157) الظاهر أنَّه الحسن بن عليٍّ الوشَّاء، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 39/ الرقم 80): (الحسن ابن عليِّ بن زياد الوشَّاء، بجلي، كوفي، قال أبو عمرو: ويُكنَّى بأبي محمّد الوشَّاء، وهو ابن بنت إلياس الصيرفي).
(158) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 183/ الرقم 2226/83) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (الحسين بن سليمان الكناني، كوفي، أبو عبد الله).

(٧٦)

ضُرَيْسٍ اَلْكُنَاسِيِّ(159)، عَنْ أَبِي خَالِدٍ اَلْكَابُلِيِّ(160)، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) وَهُوَ يَقُولُ: «إِنَّ قَارُونَ كَانَ يَلْبَسُ اَلثِّيَابَ اَلْحُمْرَ، وَإِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَلْبَسُ اَلسُّودَ وَيُرْخِي اَلشُّعُورَ، فَبَعَثَ اَللهُ عَلَيْهِمْ مُوسَى (عليه السلام)، وَإِنَّ بَنِي فُلَانٍ لَبِسُوا(161) اَلسَّوَادَ وَأَرْخَوُا اَلشُّعُورَ، وَإِنَّ اَللهَ تَعَالَى مُهْلِكُهُمْ بِسَمِيِّهِ».
32 - قَالَ: وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، قَالَ: تَذَاكَرْنَا عِنْدَهُ اَلْقَائِمَ، فَقَالَ: «اِسْمُهُ اِسْمٌ لِحَدِيدَةِ اَلْحَلَّاقِ».
فالوجه فيه - بعد كونه خبراً واحداً - ما قدَّمناه من أنَّ موسى هو المستحقُّ للقيام للأمر بعد أبيه.
ويحتمل أيضاً أنْ يريد أنَّ الذي يفعل ما تضمَّنه الخبر والذي له العدل(162) والقيام بالأمر يتمكَّن منه من ولد موسى، ردًّا على الذين قالوا ذلك في ولد إسماعيل وغيره، فأضافه إلى موسى (عليه السلام) لما كان ذلك في ولده، كما يقال: الإمامة في قريش، ويُراد بذلك في أولاد قريش وأولاد أولاد من يُنسَب إليه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(159) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 227/ الرقم 3076/6) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (ضريس بن عبد المَلِك بن أعين الشيباني الكوفي، أبو عمارة).
وقال الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج 2/ ص 601/ ح 566): (قال حمدويه: سمعت أشياخي يقولون: ضريس إنَّما سُمِّي الكناسي لأنَّ تجارته بالكناسة، وكان تحته بنت حمران، وهو خيِّر، فاضل، ثقة).
(160) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 119/ الرقم 1213/2) من أصحاب عليِّ بن الحسين (عليهما السلام)، قائلاً: (كنكر، يُكنَّى أبا خالد الكابلي، وقيل: إنَّ اسمه وردان)، وفي (ص 148/ الرقم 1642/5) من أصحاب الباقر (عليه السلام)، وفي (ص 317/ الرقم 4731/26) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(161) في بعض النُّسَخ: (للبسوا).
(162) في بعض النُّسَخ: (له بسط العدل).

(٧٧)

33 - قَالَ: وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ سَمَاعَةَ(163)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ اَلْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «اِبْنِي هَذَا - يَعْنِي أَبَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام) - هُوَ اَلْقَائِمُ، وَهُوَ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَهُوَ اَلَّذِي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
فالوجه فيه أيضاً ما قدَّمناه في غيره.
34 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اَلله بْنُ سَلَامٍ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «مِنَ اَلمَحْتُومِ أَنَّ اِبْنِي هَذَا قَائِمُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ، وَصَاحِبُ اَلسَّيْفِ» وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام).
فالوجه فيه أيضاً ما قدَّمنا[ه](164) في غيره سواء من أنَّ له ذلك استحقاقاً، أو يكون من ولده من يقوم بذلك فعلاً.
35 - قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ رِزْقِ اَلله، عَنْ أَبِي اَلْوَلِيدِ اَلطَّرَائِفِيِّ، قَالَ: كُنْتُ لَيْلَةً عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) إِذْ نَادَى غُلَامَهُ، فَقَالَ: «اِنْطَلِقْ فَادْعُ لِي سَيِّدَ وُلْدِي».
فَقَالَ لَهُ اَلْغُلَامُ: مَنْ هُوَ؟
فَقَالَ: «فُلَانٌ» يَعْنِي أَبَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام).
[قَالَ]: فَلَمْ أَلْبَثْ حَتَّى جَاءَ بِقَمِيصٍ بِغَيْرِ رِدَاءٍ...، إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى عَضُدِي وَقَالَ: «يَا أَبَا اَلْوَلِيدِ، كَأَنِّي بِالرَّايَةِ اَلسَّوْدَاءِ صَاحِبَةِ اَلرُّقْعَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(163) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 33) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 178/ الرقم 2132/70) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، وفي (ص 334/ الرقم 4969/9)، من أصحاب الكاظم (عليه السلام)، قائلاً: (واقفي).
واستظهر السيِّد الخوئي (قدّس سره) في معجم رجال الحديث (ج 5/ ص 37/ الرقم 2173) أنَّه جعفر ابن محمّد بن سماعة الذي وثَّقه النجاشي (رحمه الله).
(164) ما بين المعقوفتين من بعض النُّسَخ، وكذا ما يأتي.

(٧٨)

اَلْخَضْرَاءِ تَخْفِقُ فَوْقَ رَأْسِ هَذَا اَلْجَالِسِ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ يَهُدُّونَ جِبَالَ اَلْحَدِيدِ هَدًّا، لَا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا هَدُّوهُ».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، هَذَا؟
قَالَ: «نَعَمْ، هَذَا يَا أَبَا اَلْوَلِيدِ يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَعُدْوَاناً، يَسِيرُ فِي أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ بِسِيرَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، يَقْتُلُ أَعْدَاءَ اَلله حَتَّى يَرْضَى اَللهُ».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، هَذَا؟
قَالَ: «هَذَا»، ثُمَّ قَالَ: «فَاتَّبِعْهُ وَأَطِعْهُ وَصَدِّقْهُ وَأَعْطِهِ اَلرِّضَا مِنْ نَفْسِكَ فَإِنَّكَ سَتُدْرِكُهُ إِنْ شَاءَ اَللهُ».
فالوجه فيه أيضاً أنْ يكون قوله: «كأنِّي بالراية على رأس هذا» أي على رأس من يكون من ولد هذا، بخلاف ما يقول الإسماعيليَّة وغيرهم من أصناف المِلَل الذين يزعمون أنَّ المهدي منهم، فأضافه إليه مجازاً على ما مضى ذكر نظائره، ويكون أمره بطاعته وتصديقه وأنَّه يُدرك حال إمامته.
36 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اَلله بْنُ جَمِيلٍ(165)، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ اَلْقَمَّاطِ(166)، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اَلله بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: أَنْشَدْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) هَذِهِ اَلْقَصِيدَةَ:

فَإِنْ تَكُ أَنْتَ اَلمُرْتَجَى لِلَّذِي نَرَى * * * فَتِلْكَ اَلَّتِي مِنْ ذِي اَلْعُلَى فِيكَ نَطْلُبُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(165) لم نجد له ذكراً في كُتُب الرجال، فلعلَّ الصحيح: (عبد الله عن جميل)، والمراد من (الجميل) هو جميل بن درَّاج، ومن (عبد الله) إمَّا عبد الله بن جبلة، أو عبد الله بن حمَّاد، أو عبد الله بن المغيرة.
(166) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 199/ الرقم 529): (صالح بن سعيد، أبو سعيد القمَّاط، مولى بني أسد، كوفي).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 225/ الرقم 3039/17) من أصحاب الصادق (عليه السلام).

(٧٩)

فَقَالَ: «لَيْسَ أَنَا صَاحِبَ هَذِهِ اَلصِّفَةِ، وَلَكِنْ هَذَا صَاحِبُهَا» وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام).
فالوجه فيه أيضاً ما قلنا[ه] في الخبر الأوَّل من أنَّ صاحب هذا من ولده دون غيره ممَّن يُدَّعى له ذلك.
37 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اَلله لِذَاذٌ(167)، عَنْ صَارِمِ بْنِ عُلْوَانَ اَلْجَوْخِيِّ(168)، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَاَلمُفَضَّلُ وَيُونُسُ بْنُ ظَبْيَانَ وَاَلْفَيْضُ بْنُ اَلمُخْتَارِ وَاَلْقَاسِمُ(169) - شَرِيكُ اَلمُفَضَّلِ - عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) وَعِنْدَهُ إِسْمَاعِيلُ اِبْنُهُ، فَقَالَ اَلْفَيْضُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، نَتَقَبَّلُ مِنْ هَؤُلَاءِ اَلضِّيَاعَ فَنُقَبِّلُهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا نَتَقَبَّلُهَا.
فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ».
فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ اِبْنُهُ: لَمْ تَفْهَمْ، يَا أَبَهْ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «أَنَا لَمْ أَفْهَمْ؟ أَقُولُ لَكَ: اِلْزَمْنِي، فَلَا تَفْعَلُ».
فَقَامَ إِسْمَاعِيلُ مُغْضَباً، فَقَالَ اَلْفَيْضُ: إِنَّا نَرَى أَنَّهُ صَاحِبُ هَذَا اَلْأَمْرِ مِنْ بَعْدِكَ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «لَا وَاَلله مَا هُوَ كَذَلِكَ»، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا أَلْزَمُ لِي مِنْ ذَلِكَ» وَأَشَارَ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) وَهُوَ نَائِمٌ، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، فَنَامَ عَلَى صَدْرِهِ، فَلَمَّا اِنْتَبَهَ أَخَذَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) بِسَاعِدِهِ ثُمَّ قَالَ: «هَذَا وَاَلله اِبْنِي حَقًّا، هُوَ وَاَلله يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(167) في بعض النُّسَخ: (لزاز).
(168) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 227/ الرقم 3066/44) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
وفي بعض النُّسَخ: (الحضرمي (الجوخي خ ل))، وفي بعضها: (الحضرمي).
(169) هو القاسم بن عبد الرحمن الصيرفي، عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 271/ الرقم 3906/9) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، والبرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 16) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (القاسم بن عبد المَلِك).
وفي الكافي (ج 8/ ص 374/ ح 562): (وكان رجل صدق).

(٨٠)

فَقَالَ لَهُ قَاسِمٌ اَلثَّانِيَةَ: هَذَا، جُعِلْتُ فِدَاكَ؟
قَالَ: «إِي وَاَلله اِبْنِي هَذَا لَا يَخْرُجُ مِنَ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَمْلَأَ اَللهُ اَلْأَرْضَ بِهِ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، ثَلَاثَ أَيْمَانٍ يَحْلِفُ بِهَا.
فالوجه فيه أيضاً ما قلناه من أنَّ الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً يكون من ولده دون ولد إسماعيل على ما ذهب إليه قوم، فلذلك قرنه بالأيمان علماً منه بأنَّ قوماً يعتقدون في ولد إسماعيل هذا، فنفاه وقرنه بالأيمان لتزول الشبهة والشكُّ والريبة.
38 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَنَانُ بْنُ سَدِيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ اَلْبَزَّازِ(170)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ يَلِي اَلْوَصِيَّةَ وَهُوَ اِبْنُ عِشْرِينَ سَنَةً».
فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَوَاَلله مَا وَلِيَهَا أَحَدٌ قَطُّ كَانَ أَحْدَثَ مِنْهُ، وَإِنَّهُ لَفِي اَلسِّنِّ اَلَّذِي قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام).
فليس في هذا الخبر تصريح مَن الذي يقوم بهذا الأمر، وإنَّما قال: يكون ابن عشرين سنة، وحمله الراوي على ما أراد، وقول الراوي ليس بحجَّة، ولو حمل غيره على غيره لكان [قد](171) ساواه في التأويل، فبطل التعلُّق به.
39 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْحَذَّاءِ(172) وَغَيْرِهِ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ زُرْبِيٍّ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ (عليه السلام) - وَهُوَ فِي اَلْحَبْسِ -، فَقَالَ: «اِئْتِ هَذَا اَلرَّجُلَ - يَعْنِي يَحْيَى بْنَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(170) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 124/ الرقم 1244/16) من أصحاب الباقر (عليه السلام)، قائلاً: (إسماعيل بن زياد البزَّاز الكوفي الأسدي، تابعي، روى عنه وعن أبي عبد الله (عليهما السلام))، وعدَّه (رحمه الله) في (ص 159/ الرقم 1782/86) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(171) من بعض النُّسَخ.
(172) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 149/ الرقم 1651/3) من أصحاب الباقر (عليه السلام)، وفي (ص 346/ الرقم 5172/16) من أصحاب الكاظم (عليه السلام)، قائلاً: (واقفي).

(٨١)

خَالِدٍ -، فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ أَبُو فُلَانٍ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ أَخْرَجْتَنِي مِنْ بِلَادِي وَفَرَّقْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيَالِي».
فَأَتَيْتُهُ وَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: زُبَيْدَةُ طَالِقٌ، وَعَلَيْهِ أَغْلَظُ اَلْأَيْمَانِ، لَوَدِدْتُ أَنَّهُ غَرِمَ اَلسَّاعَةَ أَلْفَيْ أَلْفٍ، وَأَنْتَ خَرَجْتَ.
فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَأَبْلَغْتُهُ، فَقَالَ: «اِرْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ: وَاَلله لَتُخْرِجَنِّي أَوْ لَأَخْرُجَنَّ».
فلا أدري أيَّ تعلُّق في هذا الخبر ودلالة على أنَّه القائم بالأمر؟ وإنَّما فيه إخبار بأنَّه إنْ لم يُخرجه ليخرجنَّ - يعني من الحبس -، ومع ذلك فقد قرنه باليمين أنَّه إنْ لم يفعل به ليفعلنَّ، وكلاهما لم يوجد، فإذا لم يُخرجه يحيى كان ينبغي أنْ يخرج وإلَّا حنث في يمينه، وذلك لا يجوز عليه.
40 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَنْصُورٍ اَلزُّبَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخاً بِأَذْرِعَاتٍ - قَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ -، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا (عليه السلام) يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ اَلْكُوفَةِ: «كَأَنِّي بِابْنِ حَمِيدَةَ قَدْ مَلَأَهَا عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَهُوَ مِنْكَ، أَوْ مِنْ غَيْرِكَ؟
فَقَالَ: «لَا، بَلْ هُوَ رَجُلٌ مِنِّي».
فالوجه فيه أنَّ صاحب (هذا)(173) الأمر يكون من ولد حميدة وهي أُمُّ موسى بن جعفر (عليه السلام)، كما يقال: يكون من ولد فاطمة (عليها السلام)، وليس فيه أنَّه يكون منها لصلبها دون نسلها، كما لا يكون كذلك إذا نُسِبَ إلى فاطمة (عليها السلام)، وكما لا يلزم (أنْ يكون) ولده لصلبه وإنْ قال: إنَّه يكون منِّي، بل يكفي أنْ يكون من نسله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(173) ما بين القوسين ليس في بعض النُّسَخ، وكذا ما يأتي.

(٨٢)

41 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ اَلْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ اَلْعَلَوِيُّ(174)، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) فَسَأَلْتُهُ عَنْ صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ.
قَالَ: «صَاحِبُ اَلْبَهْمَةِ» وَأَبُو اَلْحَسَنِ فِي نَاحِيَةِ اَلدَّارِ وَمَعَهُ عَنَاقٌ مَكِّيَّةٌ وَيَقُولُ لَهَا: «اُسْجُدِي لِلهِ اَلَّذِي خَلَقَكِ».
ثُمَّ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ اَلَّذِي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
فأوَّل ما فيه أنَّه سأله عن مستحقِّ (هذا) الأمر بعده، فقال: «صاحب البهمة»، وهذا نصٌّ عليه بالإمامة.
وقوله: «أمَا إنَّه يملأها قسطاً وعدلاً (كما مُلِئَت ظلماً وجوراً)» لا يمتنع أنْ يكون المراد أنَّ من ولده من يملأها قسطاً وعدلاً، وإذا احتُمِلَ ذلك سقطت المعارضة.
42 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) وَذَكَرَ اَلْبِدَاءَ للهِ، فَقَالَ(175): «فَمَا أَخْرَجَ اَللهُ إِلَى اَلمَلَائِكَةِ، وَأَخْرَجَهُ اَلمَلَائِكَةُ إِلَى اَلرُّسُلِ، فَأَخْرَجَهُ اَلرُّسُلُ إِلَى اَلْآدَمِيِّينَ، فَلَيْسَ فِيهِ بِدَاءٌ، وَإِنَّ مِنَ اَلمَحْتُومِ أَنَّ اِبْنِي هَذَا هُوَ اَلْقَائِمُ».
فما يتضمَّن هذا الخبر من ذكر البداء معناه الظهور على ما بيَّنَّاه في غير موضع.
وقوله: «إنَّ المحتوم أنَّ ابنه هو القائم» معناه القائم بعده في موضع الإمامة والاستحقاق لها دون القيام بالسيف على ما مضى القول فيه.
43 - قَالَ: وَرَوَى بَقْبَاقَةُ - أَخُو بَنِينَ اَلصَّيْرَفِيِّ -، قَالَ: حَدَّثَنِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(174) في الإثبات: (أحمد بن إسحاق العلوي).
(175) في بعض النُّسَخ: (وذكر البداء فقال: لله البداء).

(٨٣)

اَلْإِصْطَخْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «كَأَنِّي بِابْنِ حَمِيدَةَ عَلَى أَعْوَادِهَا قَدْ دَانَتْ لَهُ شَرْقُ اَلْأَرْضِ وَغَرْبُهَا».
فالوجه فيه أيضاً أنَّه يكون من نسلها على ما مضى القول فيه.
44 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَطَاءٍ ضِرْغَامَةُ، عَنْ خَلَّادٍ اَللُّؤْلُؤِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ اَلمَكِّيُّ(176)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) - وَكَانَتْ لَهُ مَنْزِلَةٌ مِنْهُ -، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «يَا سَعِيدُ، [اَلْأَئِمَّةُ](177) اِثْنَا عَشَرَ إِذَا مَضَى سِتَّةٌ فَتَحَ اَللهُ عَلَى اَلسَّابِعِ، وَيَمْلِكُ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ خَمْسَةٌ، وَتَطْلُعُ اَلشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا عَلَى يَدِ اَلسَّادِسِ».
فهذا الخبر فيه تصريح بأنَّ الأئمَّة اثنا عشر، وما قال بعد ذلك من التفصيل يكون قول الراوي على ما يذهب إليه الإسماعيليَّة.
45 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَنَانُ بْنُ سَدِيرٍ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ اَلْأَبْرَصِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «عَلَى رَأْسِ اَلسَّابِعِ مِنَّا اَلْفَرَجُ».
يحتمل أنْ يكون السابع منه، لأنَّه الظاهر من قوله: «منَّا» إشارة إلى نفسه، وكذلك نقول: السابع منه [هو](178) القائم [بالأمر].
وليس في الخبر: (السابع من أوَّلنا)، وإذا احتُمِلَ ما قلناه سقطت المعارضة به.
46 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اَلله بْنُ جَبَلَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ جَنَاحٍ(179)، عَنْ حَازِمِ اِبْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): إِنَّ أَبَوَيَّ هَلَكَا، وَقَدْ أَنْعَمَ اَللهُ عَلَيَّ وَرَزَقَ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهُمَا وَأَحُجُّ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(176) سعيد المكّي يُطلَق على أربعة أشخاص كلّهم من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(177) من إثبات الهداة (ج 2/ ص 121/ ح 361).
(178) ما بين المعقوفتين من بعض النُّسَخ، وكذا ما يأتي.
(179) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 219/ الرقم 2911/149) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (سَلَمة بن جناح الكوفي).

(٨٤)

فَقَالَ: «نَعَمْ»، ثُمَّ قَالَ بِيَمِينِهِ: «يَا أَبَا حَازِمٍ، مَنْ جَاءَكَ يُخْبِرُكَ عَنْ صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ أَنَّهُ غَسَّلَهُ وَكَفَّنَهُ وَنَفَضَ اَلتُّرَابَ مِنْ قَبْرِهِ فَلَا تُصَدِّقْهُ»(180).
فإنَّما فيه أنَّ صاحب هذا الأمر لا يموت حتَّى يقوم بالأمر، ولم يذكر من هو، والفائدة فيه أنَّ في الناس من اعتقد أنَّه يموت ويبعثه الله ويحييه - على ما سنُبيِّنه -، فكان هذا ردًّا عليه، ولا شبهة فيه.
47 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ اَلصَّيْرَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ اَلْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو(181)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «كَأَنِّي بِابْنِي هَذَا - يَعْنِي أَبَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام) - قَدْ أَخَذَهُ بَنُو فُلَانٍ فَمَكَثَ فِي أَيْدِيهِمْ حِيناً وَدَهْراً، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَيَأْخُذُ بِيَدِ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهِ إِلَى جَبَلِ رَضْوَى(182)».
فهذا الخبر لو حُمِلَ على ظاهره لكان كذباً، لأنَّه حُبِسَ في الأولة وخرج ولم يفعل ما تضمَّنه، وفي الثانية لم يخرج.
ثمّ ليس فيه أنَّ من يأخذ بيد رجل من ولده حتَّى ينتهي إلى جبل رضوى أنَّه يكون القائم وصاحب السيف الذي يظهر على الأرض، فلا تعلُّق بمثل ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(180) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 176 و177/ باب 10/ فصل 4/ ح 6) باختلاف يسير.
ويأتي نحو ذيله في (ح 407).
(181) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 245/ الرقم 645): (عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي، مولاهم، كوفي، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ثمّ وقف على أبي الحسن (عليه السلام)، كان ثقة ثقة، عيناً، يُلقَّب كرَّاماً).
(182) في معجم البلدان (ج 3/ ص 51): (رضوى - بفتح أوَّله وسكون ثانيه -: ... جبل بالمدينة...، وهو من ينبع على مسيرة يوم، ومن المدينة على سبع مراحل، ميامنه طريق مكَّة، ومياسره طريق البريراء).

(٨٥)

48 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ(183)، عَنْ دَاوُدَ اَلصَّرْمِيِّ(184)، عَنْ عَلِيِّ اِبْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «مَنْ جَاءَكَ فَقَالَ لَكَ: إِنَّهُ مَرَّضَ اِبْنِي هَذَا وَأَغْمَضَهُ وَغَسَّلَهُ وَوَضَعَهُ فِي لَحْدِهِ وَنَفَضَ يَدَهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ، فَلَا تُصَدِّقْهُ».
فهذا الخبر رواه ابن أبي حمزة وهو مطعون عليه، وهو واقفي، وسنذكر(185) ما دعاه إلى القول بالوقف.
على أنَّه لا يمتنع أنْ يكون المراد به الردُّ على من ربَّما يدَّعي أنَّه تولَّى تمريضه وغسله ويكون في ذلك كاذباً، لأنَّه مرض في الحبس، ولم يصل إليه من يفعل ذلك، وتولَّى بعض مواليه - على ما قدَّمناه - غسله، وعند قوم من أصحابنا تولَّاه ابنه، فيكون قصد البيان عن بطلان قول من يدَّعي ذلك.
49 - قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ(186)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ لِي: «يَا عَلِيُّ، مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّهُ مَرَّضَنِي وَغَمَّضَنِي وَغَسَّلَنِي وَوَضَعَنِي فِي لَحْدِي وَنَفَضَ يَدَهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِي، فَلَا تُصَدِّقْهُ».
فالوجه فيه أيضاً ما قلناه في الخبر الأوَّل سواء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(183) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 333/ الرقم 4962/2) من أصحاب الكاظم (عليه السلام)، وفي (ص 384/ الرقم 5661/7) من أصحاب الهادي (عليه السلام).
(184) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 161/ الرقم 425): (داود بن مافنة الصرمي، مولى بني قرة، ثمّ بني صرمة منهم، كوفي، روى عن الرضا (عليه السلام)، يُكنَّى أبا سليمان، وبقي إلى أيَّام أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام)).
(185) يأتي في (ح 65) وما بعده.
(186) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 184/ الرقم 488): (سليمان بن داود المنقري، أبو أيُّوب الشاذكوني، بصري، ليس بالمتحقِّق بنا، غير أنَّه روى عن جماعة أصحابنا، من أصحاب جعفر بن محمّد (عليه السلام)، وكان ثقةً).

(٨٦)

50 - قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَعْيَنُ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَعْيَنَ(187)، قَالَ: بَعَثَنِي عَبْدُ اَلله اِبْنُ بُكَيْرٍ إِلَى عَبْدِ اَلله اَلْكَاهِلِيِّ سَنَةَ أُخِذَ اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ (عليه السلام) زَمَنَ اَلمَهْدِيِّ، فَقَالَ: أَقْرِئْهُ اَلسَّلَامَ وَسَلْهُ أَتَاهُ خَبَرٌ...، إِلَى أَنْ قَالَ: أَقْرِئْهُ اَلسَّلَامَ وَقُلْ لَهُ: حَدَّثَنِي أَبُو اَلْعَيْزَارِ(188) فِي مَسْجِدِكُمْ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «يُقْدَمُ بِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ اَلْعِرَاقَ مَرَّتَيْنِ، فَأَمَّا اَلْأُولَى فَيُعَجَّلُ سَرَاحُهُ وَيُحْسَنُ جَائِزَتُهُ، وَأَمَّا اَلثَّانِيَةُ فَيُحْبَسُ فَيَطُولُ حَبْسُهُ ثُمَّ يُخْرَجُ مِنْ أَيْدِيهِمْ عَنْوَةً».
فهذا الخبر مع أنَّه خبر واحد يحتمل أنْ يكون الوجه فيه أنَّه يخرج من أيديهم عنوة بأنْ ينقله الله إلى دار كرامته، ولا يبقى في أيديهم يُعذِّبونه ويُؤذونه.
على أنَّه ليس فيه مَنْ هو ذلك الشخص، وصاحب الأمر مشترك بينه وبين غيره، فلِمَ حُمِلَ عليه دون غيره؟
51 - قَالَ: وَأَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ وَحُمْرَانُ وَاَلْهَيْثَمُ بْنُ وَاقِدٍ اَلْجَزَرِيُّ(189)، عَنْ عَبْدِ اَلله اَلرَّجَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ (عليه السلام)، فَقَالَ: «يَا أَحْمَدُ، اِفْعَلْ كَذَا».
فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، اِسْمُهُ فُلَانٌ؟
فَقَالَ: «بَلِ اِسْمُهُ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ»، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا عَبْدَ اَلله، إِنَّ صَاحِبَ هَذَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(187) لم نجد له ذكراً في كُتُب الرجال، والظاهر أنَّه عبد الرحمن بن أعين الذي كان من أصحاب الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام).
(188) هو يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، أبو القاسم، كوفي، عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 322/ الرقم 4804/21) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(189) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 40) والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 320/ الرقم 4769/37) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
وقال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 436/ الرقم 1171): (روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب).

(٨٧)

اَلْأَمْرِ يُؤْخَذُ فَيُحْبَسُ فَيَطُولُ حَبْسُهُ، فَإِذَا هَمُّوا بِهِ دَعَا بِاسْمِ اَلله اَلْأَعْظَمِ فَأَفْلَتَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ».
فهذا أيضاً من جنس الأوَّل يحتمل أنْ يكون أراد بفلته الموت دون الحياة.
52 - قَالَ: [وَ]رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْبَزَّازِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مِنْهَالٍ اَلْقَمَّاطُ(190)، عَنْ حَدِيدٍ اَلسَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ لِأَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) غَيْبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا تَقِلُّ وَاَلْأُخْرَى تَطُولُ، حَتَّى يَجِيئَكُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ مَاتَ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ وَنَفَضَ تُرَابَ اَلْقَبْرِ مِنْ يَدِهِ، فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَاذِبٌ لَيْسَ يَمُوتُ وَصِيٌّ حَتَّى يُقِيمَ وَصِيًّا، وَلَا يَلِي اَلْوَصِيَّ إِلَّا اَلْوَصِيُّ، فَإِنْ وَلِيَهُ غَيْرُ وَصِيٍّ عَمِيَ».
وإنَّما فيه تكذيب من يدَّعي موته قبل أنْ يقيم وصيًّا، وهذا لعمري باطل، فأمَّا إذا أوصى وأقام غيره مقامه فإنَّه ليس فيه ذكره(191).
53 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اَلله بْنُ سَلَامٍ أَبُو هُرَيْرَةَ(192)، عَنْ زُرْعَةَ(193)، عَنْ مُفَضَّلٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، إِذْ جَاءَهُ أَبُو اَلْحَسَنِ وَمُحَمَّدٌ وَمَعَهُمَا عَنَاقٌ يَتَجَاذَبَانِهَا فَغَلَبَهُ مُحَمَّدٌ عَلَيْهَا، فَاسْتَحْيَا أَبُو اَلْحَسَنِ، فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(190) الظاهر أنَّه عمرو بن المنهال بن مقلاص القيسي، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 289 و290/ الرقم 776): (روى عن أبي عبد الله وأبو الحسن (عليهما السلام)، له ولدان: أحمد والحسن من أهل الحديث، له كتاب)، وقال (رحمه الله) في ترجمة ابنه الحسن (ص 57/ الرقم 133): (إنَّه كوفي، ثقة، هو وأبوه أيضاً).
(191) كذا، والظاهر أنَّ الصحيح: (نكرة).
(192) وقع في طريق النجاشي (رحمه الله) إلى كتاب خالد بن ماد القلانسي الكوفي.
راجع: رجال النجاشي (ص 149/ الرقم 388).
(193) هو زرعة بن محمّد، أبو محمّد الحضرمي الذي وثَّقه النجاشي (رحمه الله)، قال المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 337/ الرقم 5011/2).
وقال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 176/ الرقم 466): (إنَّه واقفي المذهب).

(٨٨)

جَانِبِي، فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ وَقَبَّلْتُهُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «أَمَا إِنَّهُ صَاحِبُكُمْ مَعَ أَنَّ بَنِي اَلْعَبَّاسِ يَأْخُذُونَهُ فَيَلْقَى مِنْهُمْ عَنَتاً، ثُمَّ يُفْلِتُهُ اَللهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ بِضَرْبٍ مِنَ اَلضُّرُوبِ، ثُمَّ يَعْمَى عَلَى اَلنَّاسِ أَمْرُهُ حَتَّى تَفِيضَ عَلَيْهِ اَلْعُيُونُ، وَتَضْطَرِبَ فِيهِ اَلْقُلُوبُ كَمَا تَضْطَرِبُ اَلسَّفِينَةُ فِي لُجَّةِ اَلْبَحْرِ وَعَوَاصِفِ اَلرِّيحِ، ثُمَّ يَأْتِي اَللهُ عَلَى يَدَيْهِ بِفَرَجٍ لِهَذِهِ اَلْأُمَّةِ لِلدِّينِ وَاَلدُّنْيَا».
فما تضمَّن هذا الخبر من أنَّ بني العبَّاس يأخذونه صحيح جرى الأمر فيه على ذلك، وأفلته الله منهم بالموت.
وقوله: «يَعْمَى عَلَى اَلنَّاسِ أَمْرُهُ» كذلك هو، لأنَّه اختُلِفَ فيه هذا الاختلاف، وفاضت عليه عيون عند موته.
وقوله: «ثُمَّ يَأْتِي اَللهُ عَلَى يَدَيْهِ» يعني على يدي من يكون من ولده بفرج لهذه الأُمَّة، وهو الحجَّة (عليه السلام)، وقد بيَّنَّا ذلك في نظائره.
54 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَنَانٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ اَلمَسْعُودِيِّ(194)، قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو(195)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله اَلنُّعْمَانِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «صَاحِبُ اَلْأَمْرِ يُسْجَنُ حِيناً، وَيَمُوتُ حِيناً، وَيَهْرُبُ حِيناً».
فأوَّل ما فيه أنَّه قال: «يموت حيناً»، وذلك خلاف مذهب الواقفة، فأمَّا الهرب فإنَّما صحَّ ذلك فيمن ندَّعيه نحن دون من يذهبون إليه، لأنَّ أبا الحسن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(194) عنونه المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 270/ الرقم 832/11)، قائلاً: (له كتاب)، وعدَّه (رحمه الله) في رجاله (ص 452/ الرقم 6419/20) فيمن لم يرو عنهم (عليهم السلام).
(195) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 105/ الرقم 1035/2) من أصحاب الحسين (عليه السلام)، وفي (ص 119/ الرقم 1216/3) من أصحاب عليِّ بن الحسين (عليه السلام)، وفي (ص 147/ الرقم 1630/61) من أصحاب الباقر (عليه السلام) بزيادة كلمة (مولاهم)، وفي (ص 306/ الرقم 4513/538) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (المنهال بن عمرو الأسدي، كوفي، روى عن عليِّ بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهم السلام)).

(٨٩)

موسى (عليه السلام) ما علمنا أنَّه هرب وإنَّما هو شيء يدَّعونه لا يوافقهم عليه أحد، ونحن يمكننا أنْ نتأوَّل قوله: «يموت حيناً» بأنْ نقول: يموت ذكره.
55 - قَالَ: وَرَوَى بَحْرُ بْنُ زِيَادٍ(196)، عَنْ عَبْدِ اَلله اَلْكَاهِلِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنْ جَاءَكُمْ مَنْ يُخْبِرُكُمْ بِأَنَّهُ مَرِضَ اِبْنِي هَذَا وَهُوَ شَهِدَهُ، وَهُوَ أَغْمَضَهُ وَغَسَّلَهُ وَأَدْرَجَهُ فِي أَكْفَانِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَوَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ، وَهُوَ حَثَا عَلَيْهِ اَلتُّرَابَ، فَلَا تُصَدِّقُوهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَا».
فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ اَلتَّمِيمِيُّ(197) - وَكَانَ حَاضِرَ اَلْكَلَامِ بِمَكَّةَ -: يَا أَبَا يَحْيَى، هَذِهِ وَاَلله فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ.
فَقَالَ لَهُ اَلْكَاهِلِيُّ: فَسَهْمُ اَلله فِيهِ أَعْظَمُ، يَغِيبُ عَنْهُمْ شَيْخٌ وَيَأْتِيهِمْ شَابٌّ فِيهِ سُنَّةٌ مِنْ يُونُسَ.
فليس فيه أكثر من تكذيب من يدَّعي أنَّه فعل ذلك وتولَّاه، لعلمه بأنَّه ربَّما ادَّعى ذلك من هو كاذب، لأنَّه لم يتولَّ أمره إلَّا ابنه عند قوم أو مولاه على المشهور، فأمَّا غير ذلك فمن ادَّعاه كان كاذباً.
وأمَّا ظهور صاحب هذا الأمر فلعمري يكون في صورة شابٍّ ويظنُّ قوم أنَّه شاخ، لأنَّه في سنِّ شيخ قد هرم.
56 - قَالَ: وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ اَلْحَارِثِ، رَفَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ قَدْ يَقُومُ اَلْقَائِمُ لَقَالَ اَلنَّاسُ: أَنَّى يَكُونُ هَذَا وَبَلِيَتْ عِظَامُهُ»(198).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(196) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 172/ الرقم 2013/64) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (بحر بن زياد البصري).
(197) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 313/ الرقم 4644/669) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (محمّد بن زياد التميمي، عربي، كوفي).
(198) روى نحوه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 156 و157/ باب 10/ فصل 1/ ح 13).
ويأتي نحوه في (ح 406).

(٩٠)

فإنَّما فيه أنَّ قوماً يقولون: إنَّه بليت عظامه لأنَّهم يُنكِرون أنْ يبقى هذه المدَّة الطويلة، وقد ادَّعى قوم أنَّ صاحب الزمان مات وغيَّبه الله، فهذا ردٌّ عليهم.
57 - قَالَ: وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «فِي صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ أَرْبَعُ سُنَنٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْبِيَاءَ: سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). أَمَّا [مِنْ](199) مُوسَى فَخَائِفٌ يَتَرَقَّبُ، وَأَمَّا [مِنْ] يُوسُفَ فَالسِّجْنُ، وَأَمَّا [مِنْ] عِيسَى فَيُقَالُ: مَاتَ، وَلَمْ يَمُتْ، وَأَمَّا [مِنْ] مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَالسَّيْفُ»(200).
فما تضمَّن هذا الخبر من الخصال كلّها حاصلة في صاحبنا.
فإنْ قيل: صاحبكم لم يُسجَن في الحبس.
قلنا: لم يُسجَن في الحبس وهو في معنى المسجون، لأنَّه بحيث لا يُوصَل إليه ولا يُعرَف شخصه على التعيين، فكأنَّه مسجون.
58 - قَالَ: وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ زُرْعَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُفَضَّلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ بَنِي اَلْعَبَّاسِ سَيَعْبَثُونَ بِابْنِي هَذَا، وَلَنْ يَصِلُوا إِلَيْهِ»، ثُمَّ قَالَ: «وَمَا صَائِحَةٌ تَصِيحُ، وَمَا سَاقَةٌ تَسْقُ، وَمَا مِيرَاثٌ يُقْسَمُ، وَمَا أَمَةٌ تُبَاعُ».
59 - [قَالَ](201): وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ اَلْحَجَّاجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ بَنِي فُلَانٍ يَأْخُذُونَنِي وَيَحْبِسُونَنِي»، وَقَالَ: «وَذَاكَ وَإِنْ طَالَ فَإِلَى سَلَامَةٍ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(199) ما بين المعقوفتين من إثبات الهداة (ج 5/ ص 117/ ح 276)، وكذا ما بعده.
(200) يأتي في (ح 408)، وله تخريجات نذكرها هناك.
(201) من إثبات الهداة (ج 4/ ص 247/ ح 38).

(٩١)

فالوجه في الخبر الأوَّل أنَّهم ما يصلون إلى دينه وفساد أمره، دون أنْ لا يصلوا إلى جسمه بالحبس، لأنَّ الأمر جرى على خلافه.
وكذلك قوله: «وَذَاكَ وَإِنْ طَالَ فَإِلَى سَلَامَةٍ» معناه إلى سلامة من دينه(202).
60 - قَالَ: وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ اَلمُسْتَنِيرِ، عَنِ اَلمُفَضَّلِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ [مِنَ اَلْأُخْرَى](203)، حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ، وَبَعْضٌ يَقُولُ: قُتِلَ، فَلَا يَبْقَى عَلَى أَمْرِهِ إِلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا يَطَّلِعُ أَحَدٌ عَلَى مَوْضِعِهِ وَأَمْرِهِ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا اَلمَوْلَى اَلَّذِي يَلِي أَمْرَهُ»(204).
فهذا الخبر صريح فيما(205) نذهب إليه في صاحبنا، لأنَّ له غيبتين، الأُولى كان يُعرَف فيها أخباره ومكاتباته، والثانية أطول انقطع ذلك فيها، وليس يطَّلع عليه أحد إلَّا من يختصُّه، وليس كذلك لأبي الحسن موسى (عليه السلام).
61 - قال: وروى عليُّ بن معاذ، قال: قلت لصفوان بن يحيى: بأيِّ شيء قطعت على عليٍّ(206)؟
قال: صلَّيت ودعوت الله واستخرت (عليه)(207) وقطعت عليه.
فهذا ليس فيه أكثر من التشنيع على رجل بالتقليد، وإنْ صحَّ ذلك فليس فيه حجَّة على غيره.
على أنَّ الرجل الذي ذُكِرَ ذلك عنه فوق هذه المنزلة، لموضعه وفضله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(202) في بعض النُّسَخ: (إلى سلامة في دينه).
(203) من إثبات الهداة (ج 5/ ص 118/ ح 279).
(204) يأتي في (ح 120)، وله تخريجات نذكرها هناك.
(205) في بعض النُّسَخ: (بما).
(206) ليس في بعض النُّسَخ.
(207) أي الإمام الرضا (عليه السلام).

(٩٢)

وزهده ودينه، فكيف يستحسن أنْ يقول لخصمه في مسألة علميَّة: إنَّه قال فيها بالاستخارة؟ اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يعتقد فيه من البله والغفلة ما يُخرجه عن التكليف، فيسقط المعارضة لقوله(208).
62 - ثمّ قال: وقال عليٌّ بقباقة: سألت صفوان بن يحيى وابن جندب وجماعة من مشيختهم - وكان الذي بينه وبينهم عظيم -: بأيِّ شيء قطعتم على هذا الرجل الشيء بان لكم فأقبل قولكم؟
قالوا كلُّهم: لا والله إلَّا أنَّه قال فصدَّقناه، وأحالوا جميعاً على البزنطي.
فقلت: سوءة لكم وأنتم مشيخة الشيعة، أترسلونني إلى ذلك الصبيِّ الكذَّاب فأقبل منه وأدعكم أنتم؟
والكلام في هذا الخبر مثل ما قلناه في الخبر الأوَّل سواء.
63 - قَالَ: وَسُئِلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِبَاطٍ(209): هَلْ سَمِعَ أَحَداً رَوَى عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: عَلِيٌّ اِبْنِي وَصِيِّي أَوْ إِمَامٌ بَعْدِي أَوْ بِمَنْزِلَتِي مِنْ أَبِي أَوْ خَلِيفَتِي أَوْ مَعْنَى هَذَا؟
قَالَ: لَا.
فليس فيه أكثر من أنَّ ابن رباط قال: إنَّه لم يسمع أحداً يقول ذلك، وإذا لم يسمع هو لا يدلُّ على أنَّ غيره لم يسمعه، وقد قدَّمنا طرفاً من الأخبار عمَّن سمع ذلك، فسقط الاعتراض به.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(208) كذا، والظاهر أنَّ الصحيح: (بقوله).
(209) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 251/ الرقم 659): (عليُّ بن الحسن بن رباط البجلي، أبو الحسن، كوفي، ثقة، معوَّل عليه).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 362/ الرقم 5374/60) من أصحاب الرضا (عليه السلام).
ويظهر من المؤلِّف (رحمه الله) في تهذيب الأحكام (ج 8/ ص 97/ ذيل الحديث 328/7)، والاستبصار (ج 3/ ص 317/ ذيل الحديث 1128/8) اعتماده عليه.

(٩٣)

64 - قال: وسأل أبو بكر الأرمني عبد الله بن المغيرة: بأيِّ شيء قطعت على عليٍّ؟
قال: أخبرتني سلمى(210) أنَّه لم يكن عند أبيه أحد بمنزلته.

فالوجه فيه أيضاً ما قلناه في غيره سواء.
ومن طرائف الأُمور أنْ يتوصَّل إلى الطعن على قوم أجلَّاء في الدِّين والعلم والورع بالحكايات عن أقوام لا يُعرَفون، ثمّ لا يقنع بذلك حتَّى يجعل ذلك دليلاً على فساد المذهب، إنَّ هذه لعصبيَّة ظاهرة وتحامل عظيم، ولولا أنَّ رجلاً منسوباً إلى العلم له صيت وهو من وجوه المخالفين لنا أورد هذه الأخبار وتعلَّق بها، لم يحسن إيرادها، لأنَّها كلُّها ضعيفة رواها من لا يُوثَق بقوله.
فأوَّل دليل على بطلانها أنَّه لم يثق قائل بها - على ما سنُبيِّنه -، ولولا صعوبة الكلام على المتعلِّق بها في الغيبة بعد تسليم الأُصول وضيق الأمر عليه فيه وعجزه عن الاعتراض عليه لما التجأ إلى هذه الخرافات، فإنَّ المتعلِّق بها يعتقد بطلانها كلَّها.
[السبب الباعث لقوم على القول بالوقف]:
وقد روي السبب الذي دعا قوماً إلى القول بالوقف.
65 - فروى الثقات أنَّ أوَّل من أظهر هذا الاعتقاد عليُّ بن أبي حمزة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(210) هي سالمة مولاة أبي عبد الله (عليه السلام) التي عدَّها المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 327/ الرقم 4910/2) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
وعدَّها البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 62) ممَّن روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قائلاً: (سلمى مولاة أبي عبد الله).
والمراد من (عليٍّ) الرضا (عليه السلام).

(٩٤)

البطائني، وزياد بن مروان القندي(211)، وعثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا في الدنيا، ومالوا إلى حطامها، واستمالوا قوماً فبذلوا لهم شيئاً ممَّا اختانوه من الأموال، نحو حمزة بن بزيع، وابن المكاري(212)، وكرَّام الخثعمي(213)، وأمثالهم.
66 - فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى اَلْعَطَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ اَلْفَضْلِ(214)، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، قَالَ: مَاتَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) وَلَيْسَ مِنْ قُوَّامِهِ أَحَدٌ إِلَّا وَعِنْدَهُ اَلمَالُ اَلْكَثِيرُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ وَقْفِهِمْ وَجَحْدِهِمْ مَوْتَهُ، طَمَعاً فِي اَلْأَمْوَالِ، كَانَ عِنْدَ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ اَلْقَنْدِيِّ سَبْعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ثَلَاثُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ وَتَبَيَّنْتُ اَلْحَقَّ وَعَرَفْتُ مِنْ أَمْرِ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) مَا عَلِمْتُ تَكَلَّمْتُ وَدَعَوْتُ اَلنَّاسَ إِلَيْهِ، فَبَعَثَا إِلَيَّ وَقَالَا: مَا يَدْعُوكَ إِلَى هَذَا؟ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ اَلمَالَ فَنَحْنُ نُغْنِيكَ، وَضَمِنَا لِي عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ، وَقَالَا [لِي](215): كُفَّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(211) قد ورد ترجمته في كُتُب الرجال وغيرها، وبحث عنه السيِّد الخوئي (قدّس سره) في معجم رجال الحديث (ج 8/ ص 326 - 331/ الرقم 4811) مفصَّلاً، ثمّ استظهر بأنَّه ثقة، لوجهين: وقوعه في أسانيد كامل الزيارات، وعدِّه الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد من خاصَّة الكاظم (عليه السلام) وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته في فصل ممَّن روى النصَّ على الرضا (عليه السلام) بالإمامة من أبيه.
(212) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 38/ الرقم 78): (الحسين بن أبي سعيد، هاشم بن حيَّان المكاري، أبو عبد الله، كان [هو] وأبوه وجهين في الواقفة، وكان الحسين ثقةً في حديثه).
(213) هو عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي المتقدِّم ذكره في (ح 47).
(214) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 332/ الرقم 4949/28) من أصحاب الكاظم (عليه السلام)، قائلاً: (واقفي).
وقال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 89/ الرقم 218): (له كتاب النوادر).
وقال الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج 2/ ص 830/ ح 1049): (ذكر بعض أشياخي أنَّ أحمد بن الفضل الخزاعي واقفي).
(215) من بحار الأنوار (ج 48/ ص 252).

(٩٥)

فَأَبَيْتُ، وَقُلْتُ لَهُمَا: إِنَّا رُوِّينَا عَنِ اَلصَّادِقِينَ (عليهم السلام) أَنَّهُمْ قَالُوا: «إِذَا ظَهَرَتِ اَلْبِدَعُ فَعَلَى اَلْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عِلْمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سُلِبَ نُورَ اَلْإِيمَانِ»، وَمَا كُنْتُ لِأَدَعَ اَلْجِهَادَ وَأَمْرَ اَلله عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَنَاصَبَانِي وَأَضْمَرَا لِيَ اَلْعَدَاوَةَ(216).
67 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ، عَنِ اَلصَّفَّارِ وَسَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيِّ جَمِيعاً، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ اَلْأَنْبَارِيِّ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، قَالَ: مَضَى أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) وَعِنْدَ زِيَادٍ اَلْقَنْدِيِّ سَبْعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى اَلرَّوَّاسِيِّ ثَلَاثُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَخَمْسُ جَوَارٍ، وَمَسْكَنُهُ بِمِصْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) أَنِ اِحْمِلُوا مَا قِبَلَكُمْ مِنَ اَلمَالِ وَمَا كَانَ اِجْتَمَعَ لِأَبِي عِنْدَكُمْ مِنْ أَثَاثٍ وَجَوَارٍ، فَإِنِّي وَارِثُهُ وَقَائِمٌ مَقَامَهُ، وَقَدِ اِقْتَسَمْنَا مِيرَاثَهُ، وَلَا عُذْرَ لَكُمْ فِي حَبْسِ مَا قَدِ اِجْتَمَعَ لِي وَلِوَارِثِهِ قِبَلَكُمْ» وَكَلَامٌ يُشْبِهُ هَذَا.
فَأَمَّا اِبْنُ أَبِي حَمْزَةَ فَإِنَّهُ أَنْكَرَهُ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِمَا عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ زِيَادٌ اَلْقَنْدِيُّ.
وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عِيسَى فَإِنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ أَبَاكَ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) لَمْ يَمُتْ، وَهُوَ حَيٌّ قَائِمٌ، وَمَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ مَاتَ فَهُوَ مُبْطِلٌ، وَأَعْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ مَضَى كَمَا تَقُولُ، فَلَمْ يَأْمُرْنِي بِدَفْعِ شَيْءٍ إِلَيْكَ، وَأَمَّا اَلْجَوَارِي فَقَدْ أَعْتَقْتُهُنَّ وَتُزُوِّجَتْ بِهِنَّ.
68 - وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عُقْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ اَلتَّيْمِيِّ(217)، قَالَ: سَمِعْتُ حَرْبَ بْنَ اَلْحَسَنِ اَلطَّحَّانَ(218) يُحَدِّثُ يَحْيَى بْنَ اَلْحَسَنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(216) رواه الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج2/ ص 786/ ح 946)، وفي (ج 2/ ص 706/ ح 759) بإسناده عن محمّد بن جمهور صدره، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 75/ صدر الحديث 66) بإسناده عن أحمد بن الفضل صدره، والصدوق (رحمه الله) في علل الشرائع (ج 1/ ص 235 و236/ باب 171/ ح 1)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 103/ باب 10/ ح 2).
(217) في بعض النُّسَخ: (التيملي).
(218) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 148/ الرقم 386): (كوفي، قريب الأمر في الحديث، له كتاب، عامِّي الرواية)؛ وفي بعض النُّسَخ: (حارث بن الحسن).

(٩٦)

اَلْعَلَوِيَّ(219) أَنَّ يَحْيَى بْنَ اَلمُسَاوِرِ(220) قَالَ: حَضَرَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ، وَكَانَ فِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: دَخَلَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام)، فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَأَجَابَهُ، ثُمَّ قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام): «يَا عَلِيُّ، صَاحِبُكَ يَقْتُلُنِي».
فَبَكَى عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ، وَقَالَ: يَا سَيِّدِي، وَأَنَا مَعَهُ؟
قَالَ: «لَا يَا عَلِيُّ لَا تَكُونُ مَعَهُ وَلَا تَشْهَدُ قَتْلِي».
قَالَ عَلِيٌّ: فَمَنْ لَنَا بَعْدَكَ، يَا سَيِّدِي؟
فَقَالَ: «عَلِيٌّ اِبْنِي هَذَا، هُوَ خَيْرُ مَنْ أُخْلِفُ بَعْدِي، هُوَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ أَبِي، هُوَ لِشِيعَتِي عِنْدَهُ عِلْمُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، سَيِّدٌ فِي اَلدُّنْيَا وَسَيِّدٌ فِي اَلْآخِرَةِ، وَإِنَّهُ لَمِنَ اَلمُقَرَّبِينَ».
فَقَالَ يَحْيَى بْنُ اَلْحَسَنِ لِحَرْبٍ: فَمَا حَمَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ عَلَى أَنْ بَرِئَ مِنْهُ وَحَسَدَهُ؟
قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ اَلمُسَاوِرِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: حَمَلَهُ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ مَالِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(219) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 450/ الرقم 6397/8) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام)، ثمّ قال: (له كتاب نسب آل أبي طالب). وقال (رحمه الله) في الفهرست (ص 263/ الرقم 803/14): (له كتاب المسجد).
وصرَّح النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 441 و442/ الرقم 1189) أنَّ من له كتاب المسجد وكتاب نسب آل أبي طالب رجل واحد، وهو يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين ابن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، أبو الحسين، العالم الفاضل الصدوق، روى عن الرضا (عليه السلام).
(220) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 322/ الرقم 4796/13) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (يحيى بن المساور، أبو زكريا التميمي، مولاهم، كوفي).
وعدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 31) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (يحيى بن المساور العابد).
وقد أدرك أربعة من الأئمَّة (عليهم السلام) من الباقر إلى الرضا (عليهم السلام).

(٩٧)

[اَلَّذِي](221) اِقْتَطَعَهُ، لِيُشْقِيَهُ اَللهُ فِي اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ. ثُمَّ دَخَلَ بَعْضُ بَنِي هَاشِمٍ وَاِنْقَطَعَ اَلْحَدِيثُ.
69 - وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ حُبْشِيِّ بْنِ قُونِيٍّ(222)، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ اَلْحَسَنِ اِبْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ(223)، قَالَ: كُنْتُ أَرَى عِنْدَ عَمِّي عَلِيِّ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ شَيْخاً مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، وَكَانَ يُهَازِلُ عَمِّي، فَقَالَ لَهُ يَوْماً: لَيْسَ فِي اَلدُّنْيَا شَرٌّ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ اَلشِّيعَةِ - أَوْ قَالَ: اَلرَّافِضَةِ -.
فَقَالَ لَهُ عَمِّي: وَلِمَ لَعَنَكَ اَللهُ؟
قَالَ: أَنَا زَوْجُ بِنْتِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بِشْرٍ اَلسَّرَّاجِ(224)، قَالَ لِي لَـمَّا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ: إِنَّهُ كَانَ عِنْدِي عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ وَدِيعَةً لِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَدَفَعْتُ اِبْنَهُ عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَشَهِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ، فَالله اَلله خَلِّصُونِي مِنَ اَلنَّارِ وَسَلِّمُوهَا إِلَى اَلرِّضَا (عليه السلام).
فَوَاَلله مَا أَخْرَجْنَا حَبَّةً، وَلَقَدْ تَرَكْنَاهُ يَصْلَى بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ(225).
وإذا كان أصل هذا المذهب أمثال هؤلاء، كيف يُوثَق برواياتهم أو يُعوَّل عليها؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(221) من بعض النُّسَخ.
(222) قال المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 163/ الرقم 428/55): (له كتاب الهدايا، أخبرنا به أحمد ابن عبدون، عنه)، وعدَّه (رحمه الله) في رجاله (ص 432/ الرقم 6189/32) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام)، قائلاً: (عليُّ بن حبشي بن قوني الكاتب)، وقد كنَّاه (رحمه الله) في بعض الروايات بأبي القاسم، كما في تهذيب الأحكام (ج 6/ ص 52/ ح 124/1).
(223) قد وقع بهذا العنوان في طريق المؤلِّف (رحمه الله) إلى سعد بن طريف في الفهرست (ص 137/ الرقم 321/6).
(224) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 75/ الرقم 181): (أحمد بن أبي بشر السرَّاج، كوفي، مولى، يُكنَّى أبا جعفر، ثقة في الحديث، واقف، روى عن موسى بن جعفر (عليه السلام)، له كتاب نوادر).
وقد ترجم له المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 62/ الرقم 64/2).
(225) رواه ابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 448) مختصراً.

(٩٨)

[الأخبار الواردة في طعن رواة الواقفة]:
وأمَّا ما روي من الطعن على رواة الواقفة فأكثر من أنْ يُحصى، وهو موجود في كُتُب أصحابنا نحن نذكر طرفاً منه.
70 - رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى اَلْأَشْعَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْخَشَّابِ(226)، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعُيَيْنَةُ بَيَّاعُ اَلْقَصَبِ(227) عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ اَلْبَطَائِنِيِّ - وَكَانَ رَئِيسَ اَلْوَاقِفَةِ -، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ لِي أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام): «إِنَّمَا أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ يَا عَلِيُّ أَشْبَاهُ اَلْحَمِيرِ».
فَقَالَ لِي عُيَيْنَةُ: أَسَمِعْتَ؟
قُلْتُ: إِي وَاَلله لَقَدْ سَمِعْتُ.
فَقَالَ: لَا وَاَلله، لَا أَنْقُلُ إِلَيْهِ قَدَمِي مَا حَيِيتُ.
71 - وَرَوَى اِبْنُ عُقْدَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ اِبْنِ يَزِيدَ(228) وَعَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ جَمِيعاً، قَالَا: قَالَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ عِيسَى اَلرَّوَّاسِيُّ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(226) هو الحسن بن موسى الخشَّاب الذي قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 42/ الرقم 85): (من وجوه أصحابنا، مشهور، كثير العلم والحديث، له مصنَّفات، منها: كتاب الردِّ على الواقفة).
وقد ترجم له المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 420/ الرقم 6068/3)، وفي الفهرست (ص 99/ الرقم 170/10).
(227) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 302/ الرقم 825): (عيينة بن ميمون، بيَّاع القصب، ثقة، عين، مولى بجيلة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 262/ الرقم 3733/642) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (عيينة بن ميمون البجلي، مولاهم القصباني، كوفي).
(228) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 366/ الرقم 5441/54) من أصحاب الرضا (عليه السلام)، وترجم له في الفهرست (ص 215/ الرقم 606/21) أيضاً.
وكذا ترجم له النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 364/ الرقم 981)، قائلاً: (محمّد بن عمر بن يزيد، بيَّاع السابري، روى عن أبي الحسن (عليه السلام)، له كتاب).

(٩٩)

حَدَّثَنِي زِيَادٌ اَلْقَنْدِيُّ وَاِبْنُ مُسْكَانَ، قَالَا: كُنَّا عِنْدَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) إِذْ قَالَ: «يَدْخُلُ عَلَيْكُمُ اَلسَّاعَةَ خَيْرُ أَهْلِ اَلْأَرْضِ».
فَدَخَلَ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) وَهُوَ صَبِيٌّ، فَقُلْنَا: خَيْرُ أَهْلِ اَلْأَرْضِ!
ثُمَّ دَنَا فَضَمَّهُ إِلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: «يَا بُنَيَّ، تَدْرِي مَا قَالَ ذَانِ؟».
قَالَ: «نَعَمْ يَا سَيِّدِي، هَذَانِ يَشُكَّانِ فِيَّ».
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَسْبَاطٍ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا اَلْحَدِيثِ اَلْحَسَنَ بْنَ مَحْبُوبٍ، فَقَالَ: بَتَرَ(229) اَلْحَدِيثَ، لَا وَلَكِنْ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ رِئَابٍ أَنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) قَالَ لَهُمَا: «إِنْ جَحَدْتُمَاهُ حَقَّهُ أَوْ خُنْتُمَاهُ فَعَلَيْكُمَا لَعْنَةُ اَلله وَاَلمَلَائِكَةِ وَاَلنَّاسِ أَجْمَعِينَ. يَا زِيَادُ، لَا تَنْجُبُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ أَبَداً».
قَالَ عَلِيُّ بْنُ رِئَابٍ: فَلَقِيتُ زِيَادَ اَلْقَنْدِيِّ، فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) قَالَ لَكَ كَذَا وَكَذَا.
فَقَالَ: أَحْسَبُكَ قَدْ خُولِطْتَ.
فَمَرَّ وَتَرَكَنِي، فَلَمْ أُكَلِّمْهُ وَلَا مَرَرْتُ بِهِ.
قَالَ اَلْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ: فَلَمْ نَزَلْ نَتَوَقَّعُ لِزِيَادٍ دَعْوَةَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) حَتَّى ظَهَرَ مِنْهُ أَيَّامَ اَلرِّضَا (عليه السلام) مَا ظَهَرَ، وَمَاتَ زِنْدِيقاً.
72 - وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي اَلْبِلَادِ، قَالَ: قَالَ اَلرِّضَا (عليه السلام): «مَا فَعَلَ اَلشَّقِيُّ حَمْزَةُ بْنُ بَزِيعٍ(230)؟».
قُلْتُ: هُوَ ذَا، هُوَ قَدْ قَدِمَ.
فَقَالَ: «يَزْعُمُ أَنَّ أَبِي حَيٌّ، هُمُ اَلْيَوْمَ شُكَّاكٌ، وَلَا يَمُوتُونَ غَداً إِلَّا عَلَى اَلزَّنْدَقَةِ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(229) بتر الحديث: أي جعله أبتراً وترك آخره، ثمّ ذكر ما تركه الراوي.
(230) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 356/ الرقم 5278/39) من أصحاب الرضا (عليه السلام).

(١٠٠)

قَالَ صَفْوَانُ: فَقُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: شُكَّاكٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَكَيْفَ يَمُوتُونَ عَلَى اَلزَّنْدَقَةِ؟! فَمَا لَبِثْنَا إِلَّا قَلِيلاً حَتَّى بَلَغَنَا عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ هُوَ كَافِرٌ بِرَبٍّ أَمَاتَهُ.
قَالَ صَفْوَانُ: فَقُلْتُ: هَذَا تَصْدِيقُ اَلْحَدِيثِ(231).
73 - وَرَوَى أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ(232)، قَالَ: قُلْتُ لِلْقَاسِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ اَلْقُرَشِيِّ(233) - وَكَانَ مَمْطُوراً(234) -: أَيَّ شَيْءٍ سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ أَبِي حَمْزَةَ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْهُ إِلَّا حَدِيثاً وَاحِداً.
قَالَ اِبْنُ رَبَاحٍ: ثُمَّ أَخْرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثاً كَثِيراً فَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ.
قَالَ اِبْنُ رَبَاحٍ: وَسَأَلْتُ اَلْقَاسِمَ هَذَا: كَمْ سَمِعْتَ مِنْ حَنَانٍ؟
فَقَالَ: أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ أَوْ خَمْسَةً.
قَالَ: ثُمَّ أَخْرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثاً كَثِيراً فَرَوَاهُ عَنْهُ.
74 - وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ(235)، قَالَ سَمِعْتُ اَلرِّضَا (عليه السلام) يَقُولُ فِي اِبْنِ أَبِي حَمْزَةَ: «أَلَيْسَ هُوَ اَلَّذِي يَرْوِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(231) رواه ابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 448) مختصراً.
(232) في بعض النُّسَخ: (عليّ بن رياح)، وكذا في بقيَّة موارد الحديث.
(233) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 436/ الرقم 6241/2) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام)، قائلاً: (القاسم بن إسماعيل القرشي، يُكنَّى أبا محمّد المنذر، روى عنه حميد بن زياد أُصولاً كثيرة).
(234) وكان ممطوراً: أي كان من الواقفة، لأنَّ الواقفة تُسمَّى بالكلاب الممطورة.
(235) هو إمَّا أحمد بن عمر بن أبي شيبة الذي وثَّقه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 98/ الرقم 245)، وقال: (روى عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وعن أبيه من قبل).
وإمَّا أحمد بن عمر الحلَّال الذي عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 352/ الرقم 5213/19) من أصحاب الرضا (عليه السلام)، قائلاً: (أحمد بن عمر الحلَّال، كان يبيع الحلِّ، كوفي، أنماطي، ثقة، ردي الأصل)، وفي (ص 412/ الرقم 5970/51) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام).

(١٠١)

أَنَّ رَأْسَ اَلمَهْدِيِّ(236) يُهْدَى إِلَى عِيسَى بْنِ مُوسَى، وَهُوَ صَاحِبُ اَلسُّفْيَانِيِّ؟ وَقَالَ: إِنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) يَعُودُ إِلَى ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ، فَمَا اِسْتَبَانَ لَهُمْ كَذِبُهُ؟».
75 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: ذُكِرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عِنْدَ اَلرِّضَا (عليه السلام)، فَلَعَنَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ أَرَادَ أَنْ لَا يُعْبَدَ اَللهُ فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ، فَأَبَى اَللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ اَلمُشْرِكُونَ، وَلَوْ كَرِهَ اَللَّعِينُ اَلمُشْرِكُ».
قُلْتُ: اَلمُشْرِكُ؟
قَالَ: «نَعَمْ وَاَلله وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُهُ كَذَلِكَ، [وَ](237) هُوَ فِي كِتَابِ اَلله: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ [التوبة: 32]، وَقَدْ جَرَتْ فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُطْفِئَ نُورَ اَلله».
والطعون على هذه الطائفة أكثر من أنْ تُحصى لا نُطوِّل بذكرها الكتاب، فكيف يُوثَق بروايات هؤلاء القوم وهذه أحوالهم وأقوال السلف الصالح فيهم؟
ولولا معاندة من تعلَّق بهذه الأخبار التي ذكروها لما كان ينبغي أنْ يُصغى إلى من يذكرها، لأنَّا قد بيَّنَّا من النصوص على الرضا (عليه السلام) ما فيه كفاية، ويُبطِل قولهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(236) قوله (عليه السلام): «إنَّ رَأْسَ اَلمَهْدِيِّ...» إلى آخره، المراد من المهدي هو محمّد بن الخليفة العبَّاسي المنصور المتولِّي للخلافة سنة (158هـ) بعهد من أبيه المتوفِّي سنة (169هـ) ، وكان جدُّه السفَّاح عقد الخلافة أوَّلاً لأخيه عبد الله المنصور، وجعله وليَّ عهده، ومن بعده لابن أخيه عيسى بن موسى بن محمّد بن عليٍّ، ولكن المنصور عهد في موته لابنه المهدي محمّد المزبور، ثمّ إنَّه أجبر عيسى بن موسى المذكور على الخلع، فخلع نفسه عن الخلافة، فجعلها المهدي لابنه الهادي موسى، وبعده لابنه الآخر هارون، هذا مجمل خبرهما، وإنَّما أراد الإمام (عليه السلام) الطعن على عليِّ بن أبي حمزة وتكذيبه في روايته أنَّ المهدي يُقتَل ويُحمَل رأسه إلى عيسى بن موسى.
(237) من بعض النُّسَخ.

(١٠٢)

[بعض معجزات الإمام الرضا (عليه السلام) التي لبعضها رجع بعض الواقفة عن الوقف]:
ويُبطِل ذلك أيضاً ما ظهر من المعجزات على يد الرضا (عليه السلام) الدالَّة على صحَّة إمامته، وهي مذكورة في الكُتُب.
ولأجلها رجع جماعة من القول بالوقف مثل: عبد الرحمن بن الحجَّاج، ورفاعة بن موسى، ويونس بن يعقوب، وجميل بن درَّاج، وحمَّاد بن عيسى وغيرهم، وهؤلاء من أصحاب أبيه الذين شكُّوا فيه ثمّ رجعوا.
وكذلك من كان في عصره، مثل: أحمد بن محمّد بن أبي نصر، والحسن بن عليٍّ الوشَّاء وغيرهم ممَّن (كان)(238) قال بالوقف، فالتزموا الحجَّة وقالوا بإمامته وإمامة من بعده من ولده.
76 - فَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ - وَهُوَ مِنْ آلِ مِهْرَانَ -، وَكَانُوا يَقُولُونَ بِالْوَقْفِ، وَكَانَ عَلَى رَأْيِهِمْ، فَكَاتَبَ(239) أَبَا اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) وَتَعَنَّتَ(240) فِي اَلمَسَائِلِ، فَقَالَ: كَتَبْتُ إِلَيْهِ كِتَاباً وَأَضْمَرْتُ فِي نَفْسِي أَنِّي مَتَى دَخَلْتُ عَلَيْهِ أَسْأَلُهُ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ مِنَ اَلْقُرْآنِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ﴾ [الزخرف: 40]، وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: 125]، وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القَصص: 56].
قَالَ أَحْمَدُ: فَأَجَابَنِي عَنْ كِتَابِي، وَكَتَبَ فِي آخِرِهِ اَلْآيَاتِ اَلَّتِي أَضْمَرْتُهَا فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(238) ليس في بعض النُّسَخ.
(239) في بعض النُّسَخ: (وكاتب).
(240) في بعض النُّسَخ: (وتعنّته).

(١٠٣)

نَفْسِي أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا وَلَمْ أَذْكُرْهَا فِي كِتَابِي إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَصَلَ اَلْجَوَابُ أُنْسِيتُ مَا كُنْتُ أَضْمَرْتُهُ، فَقُلْتُ: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا مِنْ جَوَابِي؟ ثُمَّ ذَكَرْتُ أَنَّهُ مَا أَضْمَرْتُهُ(241).
77 - وَكَذَلِكَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْوَشَّاءُ، وَكَانَ يَقُولُ بِالْوَقْفِ فَرَجَعَ، وَكَانَ سَبَبُهُ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى خُرَاسَانَ فِي تِجَارَةٍ لِي، فَلَمَّا وَرَدْتُهُ بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) يَطْلُبُ مِنِّي حِبَرَةً - وَكَانَتْ بَيْنَ ثِيَابِي قَدْ خَفِيَ عَلَيَّ أَمْرُهَا -، فَقُلْتُ: مَا مَعِي مِنْهَا شَيْءٌ، فَرَدَّ اَلرَّسُولَ وَذَكَرَ عَلَامَتَهَا وَأَنَّهَا فِي سَفَطِ كَذَا، فَطَلَبْتُهَا، فَكَانَ كَمَا قَالَ، فَبَعَثْتُ بِهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ كَتَبْتُ مَسَائِلَ أَسْأَلُهُ عَنْهَا، فَلَمَّا وَرَدْتُ بَابَهُ خَرَجَ إِلَيَّ جَوَابُ تِلْكَ اَلمَسَائِلِ اَلَّتِي أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ أَظْهَرْتُهَا.
فَرَجَعَ عَنِ اَلْقَوْلِ بِالْوَقْفِ إِلَى اَلْقَطْعِ عَلَى إِمَامَتِهِ(242).
78 - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ(243): قَالَ اِبْنُ اَلنَّجَاشِيِّ: مَنِ اَلْإِمَامُ بَعْدَ صَاحِبِكُمْ؟
فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «اَلْإِمَامُ بَعْدِي اِبْنِي»، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ يَجْرَأُ(244) أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ: اِبْنِي، وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ؟»(245).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(241) رواه ابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 448 و449) مختصراً.
(242) رواه حسين بن عبد الوهَّاب (رحمه الله) في عيون المعجزات (ص 98 و99) مفصَّلاً، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 53) باختلاف، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 449) مختصراً.
(243) في بحار الأنوار (ج 50/ ص 20/ ح 5): (جعفر بن محمّد بن مالك، عن ابن أبي الخطاب، عن البزنطي).
(244) في بعض النُّسَخ: (يتجرَّى).
(245) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 320/ باب الإشارة والنصِّ على أبي جعفر الثاني (عليه السلام)/ ح 5)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 277) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 93 و94) عن محمّد بن يعقوب باختلاف، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 449).

(١٠٤)

79 - وَرَوَى عَبْدُ اَلله بْنُ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى اَلْيَقْطِينِيِّ، قَالَ: لَـمَّا اِخْتَلَفَ اَلنَّاسُ فِي أَمْرِ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) جَمَعْتُ مِنْ مَسَائِلِهِ مِمَّا سُئِلَ عَنْهُ، وَأَجَابَ عَنْهُ خَمْسَ عَشْرَةَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ.
80 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْأَفْطَسِ(246)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى اَلمَأْمُونِ، فَقَرَّبَنِي وَحَيَّانِي، ثُمَّ قَالَ: رَحِمَ اَللهُ اَلرِّضَا (عليه السلام) مَا كَانَ أَعْلَمَهُ، لَقَدْ أَخْبَرَنِي بِعَجَبٍ، سَأَلْتُهُ لَيْلَةً وَقَدْ بَايَعَ لَهُ اَلنَّاسُ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَرَى لَكَ أَنْ تَمْضِيَ إِلَى اَلْعِرَاقِ وَأَكُونَ خَلِيفَتَكَ بِخُرَاسَانَ.
فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «لَا لَعَمْرِي وَلَكِنْ مِنْ دُونِ خُرَاسَانَ بِدَرَجَاتٍ، إِنَّ لَنَا هُنَا مَكْثاً، وَلَسْتُ بِبَارِحٍ حَتَّى يَأْتِيَنِي اَلمَوْتُ، وَمِنْهَا اَلمَحْشَرُ لَا مَحَالَةَ».
فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟
فَقَالَ: «عِلْمِي بِمَكَانِي كَعِلْمِي بِمَكَانِكَ».
قُلْتُ: وَأَيْنَ مَكَانِي أَصْلَحَكَ اَللهُ؟
فَقَالَ: «لَقَدْ بَعُدَتِ اَلشُّقَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، أَمُوتُ بِالمَشْرِقِ وَتَمُوتُ بِالمَغْرِبِ».
فَقُلْتُ: صَدَقْتَ، وَاَللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَآلُ مُحَمَّدٍ، فَجَهَدْتُ اَلْجَهْدَ كُلَّهُ وَأَطْمَعْتُهُ فِي اَلْخِلَافَةِ وَمَا سِوَاهَا فَمَا أَطْمَعَنِي فِي نَفْسِهِ(247).
81 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْحَسَنِ اَلْأَفْطَسُ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(246) هو محمّد بن عبد الله بن الحسن بن عليِّ بن عليٍّ زين العابدين (عليه السلام)، قال الأزوارقاني في الفخري في أنساب الطالبيِّين (ص 80): (وأمَّا عليُّ بن عليٍّ زين العابدين (عليه السلام) فعقبه من الحسن الأفطس وحده، وعقبه الصحيح من خمسة رجال، وعدَّ منهم عبد الله الشهيد)، وقال في (ص 83): (أمَّا عبد الله بن الحسن الأفطس، فعقبه الصحيح من محمّد وحده).
وروى في مقاتل الطالبيِّين (ص 381) رواية بأنَّ المعتصم ولي عهد المأمون (عليهما اللعنة) أجبره بشرب شربة مسمومة فشربه فمات من وقته.
(247) رواه ابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 449) باختلاف.

(١٠٥)

اَلمَأْمُونِ يَوْماً وَنَحْنُ عَلَى شَرَابٍ حَتَّى إِذَا أَخَذَ مِنْهُ اَلشَّرَابُ مَأْخَذَهُ صَرَفَ نُدَمَاءَهُ وَاِحْتَبَسَنِي، ثُمَّ أَخْرَجَ جَوَارِيَهُ، وَضَرَبْنَ وَتَغَنَّيْنَ، فَقَالَ لِبَعْضِهِنَّ: بِاللهِ لَـمَّا رَثَيْتِ مَنْ بِطُوسَ قَطَناً، فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

سُقْيَا لِطُوسٍ وَمَنْ أَضْحَى بِهَا قَطَناً * * * مِنْ عِتْرَةِ اَلمُصْطَفَى أَبْقَى لَنَا حَزَناً
أَعْنِي أَبَا حَسَنِ اَلمَأْمُونَ إِنَّ لَهُ * * * حَقًّا عَلَى كُلِّ مَنْ أَضْحَى بِهَا شَجَناً

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله: فَجَعَلَ يَبْكِي حَتَّى أَبْكَانِي، ثُمَّ قَالَ لِي: وَيْلَكَ يَا مُحَمَّدُ أَيُلْزِمُنِي(248) أَهْلُ بَيْتِي وَأَهْلُ بَيْتِكَ أَنْ أَنْصِبَ أَبَا اَلْحَسَنِ عَلَماً، وَاَلله أَنْ لَوْ أُخْرِجْتُ(249) مِنْ هَذَا اَلْأَمْرِ لَأَجْلَسْتُهُ مَجْلِسِي غَيْرَ أَنَّهُ عُوجِلَ، فَلَعَنَ اَللهُ عَبْدَ اَلله(250) وَحَمْزَةَ اِبْنَيِ اَلْحَسَنِ، فَإِنَّهُمَا قَتَلَاهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اَلله، وَاَلله لَأُحَدِّثَنَّكَ بِحَدِيثٍ عَجِيبٍ فَاكْتُمْهُ.
قُلْتُ: مَا ذَاكَ، يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: لَـمَّا حَمَلَتْ زَاهِرِيَّةُ بِبَدْرٍ أَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ، وَجَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ، وَاَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليهم السلام) كَانُوا يَزْجُرُونَ اَلطَّيْرَ وَلَا يُخْطِئُونَ، وَأَنْتَ وَصِيُّ اَلْقَوْمِ، وَعِنْدَكَ عِلْمُ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ، وَزَاهِرِيَّةُ حَظِيَّتِي وَمَنْ لَا أُقَدِّمُ عَلَيْهَا أَحَداً مِنْ جَوَارِيَّ، وَقَدْ حَمَلَتْ غَيْرَ مَرَّةٍ كُلَّ ذَلِكَ يَسْقُطُ، فَهَلْ عِنْدَكَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ نَنْتَفِعُ بِهِ؟
فَقَالَ: «لَا تَخْشَ مِنْ سِقْطِهَا، فَسَتَسْلَمُ وَتَلِدُ غُلَاماً صَحِيحاً مُسْلِماً أَشْبَهَ اَلنَّاسِ بِأُمِّهِ، قَدْ زَادَهُ اَللهُ فِي خَلْقِهِ مَرْتَبَتَيْنِ، فِي يَدِهِ اَلْيُمْنَى خِنْصِرٌ وَفِي رِجْلِهِ اَلْيُمْنَى خِنْصِرٌ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(248) في بعض النُّسَخ: (أيلومني).
(249) قوله: (لو أُخرجت...) مدخول (لو) محذوف، و(أُخرجت) جوابه، أي لو بقي وأمثاله، كما يدلُّ عليه: (غير أنَّه عوجل..). وفي بعض النُّسَخ: (لخرجت).
(250) في بعض النُّسَخ: (عبيد الله).

(١٠٦)

فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاَلله فُرْصَةٌ إِنْ لَمْ يَكُنِ اَلْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرَ خَلَعْتُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَتَوَقَّعُ أَمْرَهَا حَتَّى أَدْرَكَهَا اَلمَخَاضُ، فَقُلْتُ لِلْقَيِّمَةِ: إِذَا وَضَعَتْ فَجِيئِينِي بِوَلَدِهَا ذَكَراً كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَمَا شَعُرْتُ إِلَّا بِالْقَيِّمَةِ وَقَدْ أَتَتْنِي بِالْغُلَامِ كَمَا وَصَفَهُ زَائِدَ اَلْيَدِ وَاَلرِّجْلِ، كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ اَلْأَمْرِ يَوْمَئِذٍ وَأُسَلِّمَ مَا فِي يَدَيَّ إِلَيْهِ فَلَمْ تُطَاوِعْنِي نَفْسِي لَكِنِّي دَفَعْتُ إِلَيْهِ اَلْخَاتَمَ، فَقُلْتُ: دَبِّرِ اَلْأَمْرَ فَلَيْسَ عَلَيْكَ مِنِّي خِلَافٌ، وَأَنْتَ اَلمُقَدَّمُ، (وَ)بِاللهِ أَنْ لَوْ فَعَلَ لَفَعَلْتُ(251).
82 - وَقِصَّتُهُ مَعَ حَبَابَةَ اَلْوَالِبِيَّةِ صَاحِبَةِ اَلْحَصَاةِ اَلَّتِي طَبَعَ فِيهَا أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَقَالَ لَهَا: «مَنْ طَبَعَ فِيهَا فَهُوَ إِمَامٌ»، وَبَقِيَتْ إِلَى أَيَّامِ اَلرِّضَا (عليه السلام)، فَطَبَعَ فِيهَا، وَقَدْ شَهِدَتْ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) وَطَبَعُوا فِيهِ(252)، وَهُوَ (عليه السلام) آخِرُ مَنْ لَقِيَتْهُمْ، وَمَاتَتْ بَعْدَ لِقَائِهَا إِيَّاهُ، وَكَفَّنَهَا فِي قَمِيصِهِ(253).
83 - وَكَذَلِكَ قِصَّتُهُ مَعَ أُمِّ غَانِمٍ اَلْأَعْرَابِيَّةِ صَاحِبَةِ اَلْحَصَاةِ أَيْضاً - اَلَّتِي طَبَعَ فِيهَا أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَطَبَعَ بَعْدَهُ سَائِرُ اَلْأَئِمَّةِ إِلَى زَمَانِ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْعَسْكَرِيِّ (عليه السلام) - مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ(254).
فلو لم يكن لمولانا أبي الحسن الرضا (عليه السلام) والأئمَّة من ولده (عليهم السلام) غير هاتين الدلالتين في نصِّه من أمير المؤمنين على إمامتهم، لكان في ذلك كفاية لمن أنصف من نفسه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(251) رواه ابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 446) مختصراً.
(252) في بعض النُّسَخ: (فيها).
(253) روى هذه القصَّة الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 346 و347/ باب ما يفصل بين دعوى المحقِّ والمبطل في أمر الإمامة/ ح 3)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 536 و537/ باب 49/ ح 1).
(254) يأتي في (ح 171)، وله تخريجات نذكرها هناك.

(١٠٧)

[احتمال التشكيك في ولادة الإمام الحجَّة (عجّل الله فرجه) والجواب عنه]:
فإنْ قيل: قد مضى في كلامكم أنَّا نعلم موت موسى بن جعفر (عليهما السلام) كما نعلم موت أبيه وجدِّه (عليهما السلام)، فعليكم لقائل أنْ يقول: إنَّا نعلم أنَّه لم يكن للحسن بن عليٍّ ابن كما نعلم أنَّه لم يكن له عشرة بنين، وكما نعلم أنَّه لم يكن للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ابن لصلبه عاش بعد موته.
فإنْ قلتم: لو علمنا أحدهما كما نعلم الآخر لما جاز أنْ يقع فيه خلاف كما لا يجوز أنْ يقع الخلاف في الآخر.
قيل: لمخالفكم أنْ يقول: ولو علمنا موت محمّد بن الحنفيَّة، وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر (عليهم السلام) كما نعلم موت محمّد بن عليِّ بن الحسين (عليه السلام) لما وقع الخلاف في أحدهما كما لم يجز أنْ يقع في الآخر.
قلنا: نفي ولادة الأولاد من الباب الذي لا يصحُّ أنْ يُعلَم صدوره في موضع من المواضع، ولا يمكن أحداً أنْ يدَّعي فيمن لم يظهر له ولد أنْ يعلم أنَّه لا ولد له، وإنَّما يُرجَع في ذلك إلى غالب الظنِّ والأمارة، بأنَّه لو كان له ولد لظهر وعُرِفَ خبره، لأنَّ العقلاء قد تدعوهم الدواعي إلى كتمان أولادهم لأغراض مختلفة.
فمن الملوك من يخفيه خوفاً عليه وإشفاقاً، وقد وُجِدَ من ذلك كثير في عادة الأكاسرة والملوك الأُوَل، وأخبارهم معروفة.
وفي الناس من يُولَد له ولد من بعض سراياه أو ممَّن تزوَّج بها سرًّا، فيرمي به ويجحده خوفاً من وقوع الخصومة مع زوجته وأولاده الباقين، وذلك أيضاً يوجد كثيراً في العادة.
وفي الناس من يتزوَّج بامرأة دنيَّة في المنزلة والشرف وهو من ذوي الأقدار والمنازل، فيُولَد له، فيأنف من إلحاقه به، فيجحده أصلاً.

(١٠٨)

وفيهم من يتحرَّج، فيُعطيه شيئاً من ماله.
وفي الناس من يكون من أدونهم نسباً، فيتزوَّج بامرأة ذات شرف ومنزلة لهوى منها فيه بغير علم من أهلها، إمَّا بأنْ يُزوِّجه نفسها بغير وليٍّ على مذهب كثير من الفقهاء، أو تُولِّي أمرها الحاكم فيُزوِّجها على ظاهر الحال، فيُولَد له، فيكون الولد صحيحاً، وتنتفي منه أنفةً وخوفاً من أوليائها وأهلها.
وغير ذلك من الأسباب التي لا نُطوِّل بذكرها الكتاب.
فلا يمكن ادِّعاء نفي الولادة جملةً، وإنَّما نعلم ما نعلمه إذا كانت الأحوال سليمة، ونعلم أنَّه لا مانع من ذلك، فحينئذٍ نعلم انتفاءه.
فأمَّا علمنا بأنَّه لم يكن للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ابن عاش بعده، فإنَّما علمناه لما علمنا عصمته ونبوَّته، ولو كان له ولد لأظهره، لأنَّه لا مخافة عليه في إظهاره، وعلمنا أيضاً بإجماع الأُمَّة على أنَّه لم يكن له ابن عاش بعده.
ومثل ذلك لا يمكن أنْ يُدَّعى العلم به في ابن الحسن (عليه السلام)، لأنَّ الحسن (عليه السلام) كان كالمحجور عليه، وفي حكم المحبوس، وكان الولد يُخاف عليه، لما علم وانتشر من مذهبهم أنَّ الثاني عشر هو القائم بالأمر المؤمَّل لإزالة الدُّوَل، فهو مطلوب لا محالة، وخاف أيضاً من أهله كجعفر أخيه الذي طمع في الميراث والأموال، فلذلك أخفاه ووقعت الشبهة في ولادته.
ومثل ذلك لا يمكن ادِّعاء العلم به في موت من عُلِمَ موته، لأنَّ الميِّت مشاهد معلوم يُعرَف بشاهد الحال موته، وبالأمارات الدالَّة عليه يضطرُّ من رآه إلى ذلك، فإذا أخبر من لم يشاهده علمه واضطرَّ إليه، وجرى الفرق بين الموضعين.
مثل ما يقول الفقهاء في الأحكام الشرعيَّة من أنَّ البيِّنة إنَّما يمكن أنْ تقوم على إثبات الحقوق لا على نفيها، لأنَّ النفي لا يقوم عليه بيِّنة إلَّا إذا كان تحته إثبات، فبان الفرق بين الموضعين لذلك.

(١٠٩)

فإنْ قيل: العادة تسوَّى بين الموضعين، لأنَّ الموت قد يشاهد الرجل يحتضر كما تشاهد القوابل الولادة، وليس كلُّ أحد يشاهد احتضار غيره، كما أنَّه ليس كلُّ أحد يشاهد ولادة غيره، ولكن أظهر ما يمكن في علم الإنسان بموت غيره إذا لم يكن يشاهده أنْ يكون جاره ويعلم بمرضه ويتردَّد في عيادته، ثمّ يعلم بشدَّة مرضه ويشتدُّ الخوف من موته، ثمّ يسمع الواعية من داره ولا يكون في الدار مريض غيره، ويجلس أهله للعزاء وآثار الحزن والجزع عليهم ظاهرة، ثمّ يُقسَّم ميراثه، ثمّ يتمادى الزمان ولا يُشاهَد ولا يُعلَم لأهله غرض في إظهار موته وهو حيٌّ.
فهذه سبيل الولادة، لأنَّ النساء يشاهدن [الحمل] ويتحدَّثن بذلك سيّما إذا كانت حرمة رجل نبيه(255) يتحدَّث الناس بأحوال مثله إذا استسرَّ بجارية في بعض المواضع لم يخفَ تردُّده إليها، ثمّ إذا وُلِدَ المولود ظهر البشر والسرور في أهل الدار، وهنَّأهم الناس إذا كان المهنَّأ جليل القدر وانتشر ذلك، وتُحدِّث على حسب جلالة قدره، ويعلم الناس أنَّه قد وُلِدَ مولود سيّما إذا عُلِمَ أنَّه لا غرض في أنْ يُظهِر أنَّه وُلِدَ له ولد ولم يُولَد له.
فمتى اعتبرنا العادة وجدناها في الموضعين على سواء، وإنْ نقض الله العادة فإنَّه يمكن في أحدهما مثل ما يمكن في الآخر، فإنَّه قد يجوز أنْ يمنع الله ببعض الشواغل عن مشاهدة الحامل وعن أنْ يحضر ولادتها إلَّا عدد يؤمن مثلهم على كتمان أمره، ثمّ ينقله الله من مكان الولادة إلى قلَّة جبل أو برّيَّة لا أحد فيها ولا يطَّلع على ذلك الأمر إلَّا من لا يُظهِره إلَّا على المأمون مثله.
وكما يجوز ذلك فإنَّه يجوز أنْ يمرض الإنسان ويتردَّد إليه عوَّاده، فإذا اشتدَّ حاله وتُوقِّع موته، وكان يُؤيَس من حياته نقله الله إلى قلَّة جبل وصيَّر مكانه

(١١٠)

شخصاً ميِّتاً يشبهه كثيراً من الشبه، ثمّ يمنع بالشواغل وغيرها من مشاهدته إلَّا لمن يُوثَق به، ثمّ يُدفَن الشخص ويحضر جنازته من كان يتوقَّع موته ولا يرجو حياته، فيتوهم أنَّ المدفون هو ذاك العليل.
وقد يسكن نبض الإنسان وتنفُّسه، وينقض الله العادة ويُغيِّبه عنهم وهو حيٌّ، لأنَّ الحيَّ منَّا إنَّما يحتاج إليهما لإخراج البخارات المحترقة ممَّا حول القلب بإدخال هواءٍ باردٍ صافٍ ليُروِّح عن القلب، وقد يمكن أنْ يفعل الله من البرودة في الهواء المحدق بالقلب ما يجري هواء بارد يدخلها بالتنفُّس. فيكون الهواء المحدق بالقلب أبداً بارداً ولا يحترق منه شيء، لأنَّ الحرارة التي تحصل فيه تقوم بالبرودة.
والجواب أنَّا نقول: أوَّلاً: أنَّه لا يلتجئ من يتكلَّم في الغيبة إلى مثل هذه الخرافات إلَّا من كان مفلساً من الحجَّة عاجزاً عن إيراد شبهة قويَّة غير متمكِّن من الكلام عليها بما يرتضي مثله، فعند ذلك يلتجئ إلى مثل هذه التمويهات والتذليقات.
ونحن نتكلَّم على ذلك على ما به، فنقول:
إنَّ ما ذُكِرَ من الطريق الذي به يُعلَم موت الإنسان ليس بصحيح على كلِّ وجه، لأنَّه قد يتَّفق جميع ذلك وينكشف عن باطل بأنْ يكون لمن أظهر ذلك غرض حكمي، فيُظهِر التمارض ويتقدَّم إلى أهله بإظهار جميع ذلك ليختبر به أحوال غيره ممَّن له عليه طاعة أو إمرة، وقد سبق الملوك كثيراً والحكماء إلى مثل ذلك، وقد يدخل عليهم أيضاً شبهة بأنْ يلحقه علَّة سكتة، فيُظهِرون جميع ذلك ثمّ ينكشف عن باطل، وذلك أيضاً معلوم بالعادات. وإنَّما يُعلَم الموت بالمشاهدة وارتفاع الحسِّ وجمود النبض، ويستمرُّ ذلك أوقاتاً كثيرة ربَّما انضاف إلى ذلك أمارات معلومة بالعادة من جرَّب المرضى ومارسهم يعلم ذلك.

(١١١)

وهذه حالة موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فإنَّه أُظهِرَ للخلق الكثير الذين لا يخفى على مثلهم الحال، ولا يجوز عليهم دخول الشبهة في مثله.
وقوله: بأنَّه يجوز أنْ يُغيِّب اللهُ الشخصَ ويُحضِر شخصاً على شبهه على أصله لا يصحُّ، لأنَّ هذا يسدُّ باب الأدلَّة ويُؤدِّي إلى الشكِّ في المشاهدات، وأنَّ جميع ما نراه ليس هو الذي رأيناه بالأمس، ويلزم الشكُّ في موت جميع الأموات، ويجيء منه مذهب الغلاة والمفوِّضة الذين نفوا القتل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن الحسين (عليه السلام)، وما أدَّى إلى ذلك يجب أنْ يكون باطلاً.
وما قاله: إنَّ الله يفعل داخل الجوف حول القلب من البرودة ما ينوب مناب الهواء، ضرب من هوس الطبِّ، ومع ذلك يُؤدِّي إلى الشكِّ في موت جميع الأموات على ما قلناه.
على أنَّ على قانون الطبِّ حركات النبض والشريانات من القلب، وإنَّما يبطل ببطلان الحرارة الغريزيَّة، فإذا فُقِدَ حركات النبض عُلِمَ بطلان الحرارة وعُلِمَ عند ذلك موته، وليس ذلك بموقوف على التنفُّس، ولهذا يلتجئون إلى النبض عند انقطاع النفس أو ضعفه، فيبطل ما قالوه.
وحمله الولادة على ذلك وما ادَّعاه من ظهور الأمر فيه صحيح متى فرضنا الأمر على ما قاله من أنَّه يكون الحمل لرجل نبيه، وقد عُلِمَ إظهاره ولا مانع من ستره وكتمانه، ومتى فرضنا كتمانه وستره لبعض الأغراض التي قدَّمنا بعضها لا يجب العلم به ولا اشتهاره.
على أنَّ الولادة في الشرع قد استقرَّ أنْ يثبت بقول القابلة ويُحكَم بقولها في كونه حيًّا أو ميِّتاً، فإذا جاز ذلك كيف لا يُقبَل قول جماعة نقلوا ولادة صاحب الأمر (عليه السلام) وشاهدوه وشاهدوا من شاهده من الثقات؟!
ونحن نورد الأخبار في ذلك عمَّن رآه وحكى له.

(١١٢)

وقد أجاز صاحب السؤال أنْ يعرض في ذلك عارض يقتضي المصلحة، أنَّه إذا وُلِدَ أنْ ينقله الله إلى قلَّة جبل أو موضع يخفى فيه أمره ولا يطَّلع عليه [أحد]، وإنَّما ألزم على ذلك عارضاً في الموت، وقد بيَّنَّا الفصل بين الموضعين.
[ردُّ سائر الفِرَق المخالفة للإماميَّة في الحجَّة (عجّل الله فرجه) من المحمّديَّة والفطحيَّة وغيرها]:
وأمَّا من خالف من الفِرَق الباقية الذين قالوا بإمامة غيره كالمحمّديَّة الذين قالوا بإمامة محمّد بن عليِّ بن محمّد بن عليٍّ الرضا (عليهم السلام)، والفطحيَّة القائلة بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام)، وفي هذا الوقت بإمامة جعفر بن عليٍّ.
وكالفرقة القائلة: إنَّ صاحب الزمان حمل لم يُولَد بعد.
وكالذين قالوا: إنَّه مات ثمّ يعيش.
وكالذين قالوا بإمامة الحسن (عليه السلام) وقالوا: هو اليقين، ولم يصحّ لنا ولادة ولده، فنحن في فترة.
فقولهم ظاهر البطلان من وجوه:
أحدها: انقراضهم، فإنَّه لم يبقَ قائل يقول بشيء من هذه المقالات، ولو كان حقًّا لما انقرض.
ومنها: أنَّ محمّد بن عليٍّ العسكري مات في حياة أبيه موتاً ظاهراً، والأخبار في ذلك ظاهرة معروفة، من دفعه كمن دفع موت من تقدَّم من آبائه (عليهم السلام).
84 - فَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هَاشِمٍ دَاوُدُ بْنُ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ (عليه السلام) وَقْتَ وَفَاةِ اِبْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَقَدْ كَانَ أَشَارَ إِلَيْهِ وَدَلَّ عَلَيْهِ، وَإِنِّي لَأُفَكِّرُ فِي نَفْسِي وَأَقُولُ: هَذِهِ قِصَّةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) وَقِصَّةُ إِسْمَاعِيلَ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام) وَقَالَ: «نَعَمْ يَا أَبَا

(١١٣)

هَاشِمٍ، بَدَا لِلهِ فِي أَبِي جَعْفَرٍ(256) وَصَيَّرَ مَكَانَهُ أَبَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَدَا لَهُ فِي إِسْمَاعِيلَ بَعْدَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) وَنَصَبَهُ، وَهُوَ كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ وَإِنْ كَرِهَ اَلمُبْطِلُونَ، أَبُو مُحَمَّدٍ اِبْنِي اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي، عِنْدَهُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَمَعَهُ آلَةُ اَلْإِمَامَةِ، وَاَلْحَمْدُ للهِ»(257)،(258).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(255) في العين للفراهيدي (ج 4/ ص 60/ مادَّة نبه): (رجل نبيه: أي شريف).
(256) هو السيِّد محمّد المعروف، جلالته وعظم شأنه أكثر من أنْ يُذكَر، وقبره مزار معروف في (بلد) التي هي مدينة قديمة على يسار دجلة قرب سامرَّاء، والعامَّة والخاصَّة يُعظِّمون مشهده الشريف، ويُعبِّرون عنه بسبع الدجيل.
(257) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 327/ باب الإشارة والنصِّ على أبي محمّد (عليه السلام)/ ح 10)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 244) عن سعد بن عبد الله مختصراً باختلاف، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 319) بإسناده عن الكليني.
ويأتي في (ح 167) أيضاً.
(258) في هذه الرواية بعض ما لا يُمكن قبوله وفق قواعد مذهبنا، من أنَّ الله تعالى صيَّر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) إماماً بعد أنْ أمات أخاه محمّداً، وهذا مخالف لما ثبت من أنَّ الإمامة منصوصة من الله تعالى من لدن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبالأسماء.
ويبدو أنَّ هناك خطأً في النُّسَخ أو في النقل لهذه الرواية، فلو عدنا إلى ما رواه المفيد (رحمه الله) المتوفَّى سنة (413هـ) - قبل الطوسي بـ (47) سنة -، وإلى رواية الكليني (رحمه الله) المتوفَّى سنة (329هـ) - قبل الطوسي بـ (131) سنة -، نجد أنَّ نفس هذه الرواية وعن نفس الراوي، وقد رووها بما لا يلزم منه هذا الإشكال، إذ جاء في الكافي (ج 1/ ص 327/ باب الإشارة والنصِّ على أبي محمّد (عليه السلام)/ ح 10)، وفي الإرشاد (ج 2/ ص 318 و319)؛ واللفظ للكافي:
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) بَعْدَ مَا مَضَى اِبْنُه أَبُو جَعْفَرٍ، وَإِنِّي لَأُفَكِّرُ فِي نَفْسِي أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ: كَأَنَّهُمَا - أَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ وَأَبَا مُحَمَّدٍ - فِي هَذَا اَلْوَقْتِ كَأَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى وَإِسْمَاعِيلَ اِبْنَيْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام)، وَإِنَّ قِصَّتَهُمَا كَقِصَّتِهِمَا، إِذْ كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلمُرْجَى بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو اَلْحَسَنِ قَبْلَ أَنْ أَنْطِقَ، فَقَالَ: «نَعَمْ، يَا أَبَا هَاشِمٍ بَدَا لِله فِي أَبِي مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) مَا لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ لَه كَمَا بَدَا لَه فِي مُوسَى بَعْدَ مُضِيِّ إِسْمَاعِيلَ مَا كَشَفَ بِه عَنْ حَالِه، وَهُوَ كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ وَإِنْ كَرِه اَلمُبْطِلُونَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ اِبْنِي اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي، عِنْدَه عِلْمُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْه، وَمَعَه آلَةُ اَلْإِمَامَةِ».        
والرواية واضحة في أنَّ الله تعالى أبدى للناس ما لم يكن معلوماً لديهم من أنَّ الإمامة في موسى والحسن (عليهما السلام) لا في إسماعيل ومحمّد (رضوان الله عليهما)، وهذا متناسب جدًّا مع القول بأنَّ المقصود من البداء هنا هو بمعنى الإبداء وإظهار ما كان خافياً على الناس مع علمه (عزَّ وجلَّ) المسبق، وهو ما عبَّر عنه النصُّ: «بَدَا لِله فِي أَبِي مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) مَا لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ لَه».

(١١٤)

والأخبار بذلك كثيرة وبالنصِّ من أبيه على أبي محمّد (عليه السلام) لا نُطوِّل بذكرها الكتاب، وربَّما نذكر طرفاً منها فيما بعد إنْ شاء الله تعالى.
وأمَّا ما تضمَّنه الخبر من قوله: «بَدَا لِله فِيهِ» معناه بدا من الله فيه، وهكذا القول في جميع ما يُروى من أنَّه بدا لله في إسماعيل، معناه أنَّه بدا من الله، فإنَّ الناس كانوا يظنون في إسماعيل بن جعفر أنَّه الإمام بعد أبيه، فلمَّا مات علموا بطلان ذلك وتحقَّقوا إمامة موسى (عليه السلام)، وهكذا كانوا يظنُّون إمامة محمّد بن عليٍّ بعد أبيه، فلمَّا مات في حياة أبيه علموا بطلان ما ظنُّوه.
وأمَّا من قال: إنَّه لا ولد لأبي محمّد (عليه السلام) ولكن هاهنا حمل مشهور سيُولَد، فقوله باطل، لأنَّ هذا يُؤدِّي إلى خلوِّ الزمان من إمام يُرجَع إليه، وقد بيَّنَّا فساد ذلك.
على أنَّا سندلُّ على أنَّه قد وُلِدَ له ولد معروف، ونذكر الروايات في ذلك، فيبطل قول هؤلاء أيضاً.
وأمَّا من قال: إنَّ الأمر مشتبه، فلا يُدرى هل للحسن (عليه السلام) ولد أم لا؟ وهو مستمسِّك بالأوَّل حتَّى يتحقَّق ولادة ابنه، فقوله أيضاً يبطل بما قلناه من أنَّ الزمان لا يخلو من إمام، لأنَّ موت الحسن (عليه السلام) قد علمناه كما علمنا موت غيره، وسنُبيِّن ولادة ولده، فيبطل قولهم أيضاً.
وأمَّا من قال: إنَّه لا إمام بعد الحسن (عليه السلام)، فقوله باطل بما دلَلنا عليه من أنَّ الزمان لا يخلو من حجَّة لله عقلاً وشرعاً.

(١١٥)

وأمَّا من قال: إنَّ أبا محمّد (عليه السلام) مات ويحيى بعد موته، فقوله باطل بمثل ما قلناه، لأنَّه يُؤدِّي إلى خلوِّ الخلق من إمام من وقت وفاته (عليه السلام) إلى حين يُحييه الله تعالى.
واحتجاجهم بما روي من أنَّ صاحب هذه الأمر يُحيى بعدما يموت، وأنَّه سُمِّي قائماً لأنَّه يقوم بعدما يموت(259)، باطل، لأنَّ ذلك يحتمل - لو صحَّ الخبر - أنْ يكون أراد بعد أنْ مات ذكره(260) حتَّى لا يذكره إلَّا من يعتقد إمامته، فيُظهِره الله لجميع الخلق.
على أنَّا قد بيَّنَّا أنَّ كلَّ إمام يقوم بعد الإمام الأوَّل يُسمَّى قائماً.
وأمَّا القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر(261) من الفطحيَّة وجعفر بن عليٍّ(262)، فقولهم باطل بما دلَلنا عليه من وجوب عصمة الإمام، وهما لم يكونا معصومين، وأفعالهما الظاهرة التي تنافي العصمة معروفة نقلها العلماء، وهي موجودة في الكُتُب، فلا نُطوِّل بذكرها الكتاب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(259) يأتي في (ح 403) و(ح 489).
(260) كما صرَّح بذلك الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 378/ باب 36/ ح 3)، وفي معاني الأخبار (ص 65)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1171 و1172/ ح 66).
(261) هو عبد الله بن جعفر بن محمّد (عليه السلام). قال الكشِّي في رجاله (ج 2/ ص 524) بعد ترجمة عمَّار بن موسى الساباطي: (الفطحيَّة هم القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمّد. وسمُّوا بذلك لأنَّه قيل: إنَّه كان أفطح الرأس، وقال بعضهم: كان أفطح الرجلين)، وذكر شرح حاله أيضاً في ترجمة هشام بن سالم (ج 2/ ص 565).
وكذلك ذكره الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 210/ باب ذكر أولاد أبي عبد الله (عليه السلام))، وفي (ج 2/ ص 221/ باب ذكر طرف من دلائل أبي الحسن (عليه السلام))، والمؤلِّف (رحمه الله) في تلخيص الشافي (ج 4/ ص 200)، والنوبختي (رحمه الله) في فِرَق الشيعة (ص 78)، وغيرهم.
(262) هو الذي يُلقَّب بجعفر الكذَّاب لادِّعائه الإمامة بعد أخيه الحسن بن عليٍّ العسكري (عليهما السلام)، تُوفّي سنة (271هـ) وله (45) سنة، وقبره في دار أبيه بسامرَّاء.
وسيأتي شرح حاله في (ح 246).

(١١٦)

على أنَّ المشهور الذي لا مرية فيه بين الطائفة أنَّ الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)، فالقول بإمامة جعفر بعد أخيه الحسن يبطل بذلك.
فإذا ثبت بطلان هذه الأقاويل كلِّها لم يبقَ إلَّا القول بإمامة ابن الحسن (عليه السلام)، وإلَّا لأدَّى إلى خروج الحقِّ عن الأُمَّة، وذلك باطل.
[ذكر أنَّ الغيبة لحكمة اقتضاها، ونعلم ذلك إجمالاً]:
وإذا ثبتت إمامته بهذه السياقة ثمّ وجدناه غائباً عن الأبصار، علمنا أنَّه لم يغب مع عصمته وتعيُّن فرض(263) الإمامة فيه وعليه إلَّا لسبب سوَّغه ذلك وضرورة ألجأته إليه، وإنْ لم يُعلَم على وجه التفصيل.
وجرى ذلك مجرى الكلام في إيلام الأطفال والبهائم وخلق المؤذيات والصور المشينات ومتشابه القرآن إذا سُئِلنا عن وجهها بأنْ نقول: إذا علمنا أنَّ الله تعالى حكيم لا يجوز أنْ يفعل ما ليس بحكمة ولا صواب، علمنا أنَّ هذه الأشياء لها وجه حكمة وإنْ لم نعلمه معيَّناً.
وكذلك نقول في صاحب الزمان (عليه السلام)، فإنَّا نعلم أنَّه لم يستتر إلَّا لأمر حكمي يُسوِّغه ذلك وإنْ لم نعلمه مفصَّلاً.
فإنْ قيل: نحن نعترض قولكم في إمامته بغيبته بأنْ نقول: إذا لم يمكنكم بيان وجه حسنها دلَّ ذلك على بطلان القول بإمامته، لأنَّه لو صحَّ لأمكنكم بيان وجه الحسن فيه.
قلنا: إنْ لزمنا ذلك لزم جميع أهل العدل قول الملحدة إذا قالوا: إنَّا نتوصَّل بهذه الأفعال التي ليست بظاهرة(264) الحكمة إلى أنَّ فاعلها ليس بحكيم، لأنَّه لو كان حكيماً لأمكنكم بيان وجه الحكمة فيها، وإلَّا فما الفصل؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(263) في بعض النُّسَخ: (غرض).
(264) في بعض النُّسَخ: (بظاهر).

(١١٧)

فإذا قلتم: نتكلَّم أوَّلاً(265) في إثبات حكمته، فإذا ثبت(266) بدليل منفصل ثمّ وجدنا هذه الأفعال المشتبهة الظاهر حملناها على ما يطابق ذلك، فلا يُؤدِّي إلى نقض ما علمنا، ومتى لم يُسلِّموا لنا حكمته انتقلت المسألة إلى الكلام في حكمته.
قلنا: مثل ذلك ها هنا من أنَّ الكلام في غيبته فرع على إمامته، فإذا(267) علمنا إمامته بدليل، وعلمنا عصمته بدليل آخر، وعلمناه غاب، حملنا غيبته على وجه يطابق عصمته، فلا فرق بين الموضعين.
ثمّ يقال للمخالف في الغيبة: أتُجوِّز أنْ يكون للغيبة سبب صحيح اقتضاها، ووجه من الحكمة أوجبها، أم لا تُجوِّز ذلك؟
فإنْ قال: يجوز ذلك.
قيل له: فإذا كان ذلك جائزاً فكيف جعلت وجود الغيبة دليلاً على فقد الإمام في الزمان مع تجويزك لها سبباً لا ينافي وجود الإمام؟ وهل يجري ذلك إلَّا مجرى من توصل بإيلام الأطفال إلى نفي حكمة الصانع تعالى وهو معترف بأنَّه يجوز أنْ يكون في إيلامهم وجه صحيح لا ينافي الحكمة، أو من توصَّل بظاهر الآيات المتشابهات إلى أنَّه تعالى مشبه للأجسام وخالق لأفعال العباد مع تجويزه أنْ يكون لها وجوه صحيحة توافق [الحكمة و](268) العدل والتوحيد ونفي التشبيه؟
وإنْ قال: لا أُجوِّز ذلك.
قيل: هذا تحجُّر شديد فيما لا يُحاط بعلمه ولا يُقطَع على مثله، فمن أين قلت: إنَّ ذلك لا يجوز؟ وانفصل ممَّن قال: لا يجوز أنْ يكون للآيات المتشابهات وجوه صحيحة تطابق أدلَّة العقل، ولا بدَّ أنْ تكون على ظواهرها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(265) في بعض النُّسَخ: (نحن أوَّلاً نتكلَّم).
(266) في بعض النُّسَخ: (ثبتت).
(267) في بعض النُّسَخ: (وإذا).
(268) من بحار الأنوار (ج 51/ ص 87).

(١١٨)

ومتى قيل: نحن متمكِّنون من ذكر وجوه الآيات المتشابهات، وأنتم لا تتمكَّنون من ذكر سبب صحيح للغيبة.
قلنا: كلامنا على من يقول: لا أحتاج إلى العلم بوجوه الآيات المتشابهات مفصَّلاً، بل يكفيني علم الجملة، ومتى تعاطيت ذلك كان تبرُّعاً، وإنْ اقتنعتم لنفسكم بذلك فنحن أيضاً نتمكَّن من ذكر وجه صحَّة الغيبة وغرض حكمي لا ينافي عصمته، وسنذكر ذلك فيما بعد، وقد تكلَّمنا عليه مستوفًى في كتاب الإمامة.
ثمّ يقال: كيف يجوز أنْ يجتمع صحَّة إمامة ابن الحسن (عليه السلام) بما بيَّنَّاه من سياقة الأُصول العقليَّة، مع القول بأنَّ الغيبة لا يجوز أنْ يكون لها سبب صحيح، وهل هذا إلَّا تناقض؟ ويجري مجرى القول بصحَّة التوحيد والعدل، مع القطع على أنَّه لا يجوز أنْ يكون للآيات المتشابهات وجه يطابق هذه الأُصول.
ومتى قالوا: نحن لا نُسلِّم إمامة ابن الحسن (عليه السلام)، كان الكلام معهم في ثبوت الإمامة دون الكلام في سبب الغيبة، وقد تقدَّمت الدلالة على إمامته (عليه السلام) بما لا يُحتاج إلى إعادته.
وإنَّما قلنا ذلك لأنَّ الكلام في سبب غيبة الإمام (عليه السلام) فرع على ثبوت إمامته، فأمَّا قبل ثبوتها فلا وجه للكلام في سبب غيبته، كما لا وجه للكلام في وجوه الآيات المتشابهات وإيلام الأطفال وحسن التعبُّد بالشرائع قبل ثبوت التوحيد والعدل.
فإنْ قيل: ألا كان السائل بالخيار بين الكلام في إمامة ابن الحسن (عليه السلام) ليعرف صحَّتها من فسادها، وبين أنْ يتكلَّم في سبب الغيبة؟
قلنا: لا خيار في ذلك، لأنَّ من شكَّ في إمامة ابن الحسن (عليه السلام) يجب أنْ يكون الكلام معه في نصِّ إمامته والتشاغل بالدلالة عليها، ولا يجوز مع الشكِّ

(١١٩)

فيها أنْ نتكلَّم في سبب الغيبة، لأنَّ الكلام في الفروع لا يسوغ إلَّا بعد إحكام الأُصول لها، كما لا يجوز أنْ يُتكلَّم في سبب إيلام الأطفال قبل ثبوت حكمة القديم تعالى وأنَّه لا يفعل القبيح.
وإنَّما رجَّحنا الكلام في إمامته (عليه السلام) على الكلام في غيبته وسببها، لأنَّ الكلام في إمامته مبنيٌّ على أُمور عقليَّة لا يدخلها الاحتمال، وسبب الغيبة ربَّما غمض واشتُبِهَ، فصار الكلام في الواضح الجليِّ أولى من الكلام في المشتبه الغامض، كما فعلناه مع المخالفين للملَّة، فرجَّحنا الكلام في نبوَّة نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على الكلام على ادِّعائهم تأبيد شرعهم، لظهور ذلك وغموض هذا، وهذا بعينه موجود هاهنا.
ومتى عادوا إلى أنْ يقولوا: الغيبة فيها وجه من وجوه القبح، فقد مضى الكلام عليه(269). على أنَّ وجوه القبح معقولة، وهي كونه ظلماً أو كذباً أو عبثاً أو جهلاً أو استفساداً، وكلُّ ذلك ليس بحاصل هاهنا، فيجب أنْ لا يُدَّعى فيه وجه القبح.
فإنْ قيل: ألا منع اللهُ الخلقَ من الوصول إليه وحال بينهم وبينه ليقوم بالأمر ويحصل ما هو لطف لنا، كما نقول في النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذ بعثه الله تعالى، فإنَّ الله تعالى يمنع منه ما لم يُؤدِّ؟ فكان يجب أنْ يكون حكم الإمام مثله.
قلنا: المنع على ضربين:
أحدهما لا ينافي التكليف بأنْ لا يُلجِئ إلى ترك القبيح.
والآخر يُؤدِّي إلى ذلك.
فالأوَّل قد فعله الله تعالى من حيث منع من ظلمه بالنهي عنه، والحثِّ على وجوب طاعته، والانقياد لأمره ونهيه، وأنْ لا يُعصى في شيء من أوامره، وأنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(269) في (ص 32 و33).

(١٢٠)

يساعد على جميع ما يقوي أمره ويشيد سلطانه، فإنَّ جميع ذلك لا ينافي التكليف، فإذا عصى من عصى في ذلك ولم يفعل ما يتمُّ معه الغرض المطلوب، يكون قد أتي من قِبَل نفسه لا من قِبَل خالقه.
والضرب الآخر أنْ يحول بينهم وبينه بالقهر والعجز عن ظلمه وعصيانه، فذلك لا يصحُّ اجتماعه مع التكليف، فيجب أنْ يكون ساقطاً.
فأمَّا النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإنَّما نقول: يجب أنْ يمنع الله منه حتَّى يُؤدِّي الشرع، لأنَّه لا يمكن أنْ يُعلَم ذلك إلَّا من جهته، فلذلك وجب المنع منه.
وليس كذلك الإمام، لأنَّ علَّة المكلَّفين مزاحة فيما يتعلَّق بالشرع، والأدلَّة منصوبة على ما يحتاجون إليه، ولهم طريق إلى معرفتها من دون قوله، ولو فرضنا أنَّه ينتهي الحال إلى حدٍّ لا يُعرَف الحقُّ من الشرعيَّات إلَّا بقوله، لوجب أنْ يمنع الله تعالى منه ويُظهِره بحيث لا يُوصَل إليه مثل النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ونظير مسألة الإمام أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا أدَّى ثمّ عرض فيما بعد ما يوجب خوفه، لا يجب على الله تعالى المنع منه، لأنَّ علَّة المكلَّفين قد انزاحت بما أدَّاه إليهم، فلهم طريق إلى معرفة لطفهم.
اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يتعلَّق به أداء آخر في المستقبل، فإنَّه يجب المنع منه كما يجب في الابتداء، فقد سوَّينا بين النبيِّ والإمام.
[ذكر ما يمكن أنْ يكون حكمةً وسبباً للغيبة]:
فإنْ قيل: بينوا على كلِّ حالٍ - وإنْ لم يجب عليكم - وجه علَّة الاستتار وما يمكن أنْ يكون علَّة على وجه ليكون أظهر في الحجَّة وأبلغ في باب البرهان.
قلنا: ممَّا يُقطَع على أنَّه سبب لغيبة الإمام هو خوفه على نفسه بالقتل بإخافة الظالمين إيَّاه، ومنعهم إيَّاه من التصرُّف فيما جُعِلَ إليه التدبير والتصرُّف فيه، فإذا حيل بينه وبين مراده سقط فرض القيام بالإمامة، وإذا خاف على نفسه وجبت

(١٢١)

غيبته، ولزم استتاره كما استتر النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تارةً في الشعب، وأُخرى في الغار، ولا وجه لذلك إلَّا الخوف من المضارِّ الواصلة إليه.
وليس لأحدٍ أنْ يقول: إنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما استتر عن قومه إلَّا بعد أدائه إليهم ما وجب عليه أداؤه ولم يتعلَّق بهم إليه حاجة، وقولكم في الإمام بخلاف ذلك، وأيضاً فإنَّ استتار النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما طال ولا تمادى، واستتار الإمام قد مضت عليه الدهور، وانقرضت عليه العصور.
وذلك أنَّه ليس الأمر على ما قالوه، لأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنَّما استتر في الشِّعب والغار بمكَّة قبل الهجرة، وما كان أدَّى جميع الشريعة، فإنَّ أكثر الأحكام ومعظم القرآن نزل بالمدينة، فكيف أوجبتم أنَّه كان بعد الأداء؟
ولو كان الأمر على ما قالوه من تكامل الأداء قبل الاستتار، لما كان ذلك رافعاً للحاجة إلى تدبيره وسياسته وأمره ونهيه، فإنَّ أحداً لا يقول: إنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد أداء الشرع غير محتاج إليه ولا مُفتقَر إلى تدبيره، ولا يقول ذلك معاند.
وهو الجواب عن قول من قال: إنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما يتعلَّق من مصلحتنا قد أدَّاه، وما يُؤدِّي في المستقبل لم يكن في الحال مصلحة للخلق، فجاز ذلك الاستتار، وليس كذلك الإمام عندكم، لأنَّ تصرُّفه في كلِّ حالٍ لطف للخلق، فلا يجوز له الاستتار على وجه، ووجب تقويته والمنع منه ليظهر ويزاح علَّة المكلَّف.
لأنَّا قد بيَّنَّا أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع أنَّه أدَّى المصلحة التي تعلَّقت بتلك الحال فلم يُسْتَغْنَ عن أمره ونهيه وتدبيره بلا خلاف بين المحصِّلين، ومع هذا جاز له الاستتار، فكذلك الإمام.
على أنَّ أمر الله تعالى له بالاستتار بالشِّعب تارةً وفي الغار أُخرى ضرب من المنع منه، لأنَّه ليس كلُّ المنع أنْ يحول بينهم وبينه بالعجز أو بتقويته بالملائكة،

(١٢٢)

لأنَّه لا يمتنع أنْ يُفرَض(270) في تقويته بذلك مفسدة في الدِّين فلا يحسن من الله تعالى فعله، ولو كان خاليا من وجوه الفساد وعلم الله تعالى أنَّه تقتضيه المصلحة لقوَّاه بالملائكة، وحال بينهم وبينه، فلمَّا لم يفعل ذلك مع ثبوت حكمته ووجوب إزاحة علَّة المكلَّفين، علمنا أنَّه لم يتعلَّق به مصلحة بل مفسدة.
وكذلك نقول في الإمام (عليه السلام): إنَّ الله تعالى منع من قتله بأمره بالاستتار والغيبة، ولو علم أنَّ المصلحة تتعلَّق بتقويته بالملائكة لفعل، فلمَّا لم يفعل مع ثبوت حكمته ووجوه إزاحة علَّة المكلَّفين في التكليف، علمنا أنَّه لم يتعلَّق به مصلحة، بل ربَّما كان فيه مفسدة.
بل الذي نقول: إنَّ في الجملة يجب على الله تعالى تقوية يد الإمام بما يتمكَّن معه من القيام، ويبسط يده، ويُمكِّن ذلك بالملائكة وبالبشر، فإذا لم يفعله بالملائكة علمنا أنَّه لأجل أنَّه تعلَّق به مفسدة، فوجب أنْ يكون متعلِّقاً بالبشر، فإذا لم يفعلوه أتوا من قِبَل نفوسهم لا من قِبَله تعالى، فيبطل بهذا التحرير جميع ما يُورَد من هذا الجنس، وإذا جاز في النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنْ يستتر مع الحاجة إليه لخوف الضرر وكانت التبعة في ذلك لازمة لمخيفيه ومحوجيه إلى الغيبة، فكذلك غيبة الإمام (عليه السلام) سواء.
فأمَّا التفرقة بطول الغيبة وقصرها فغير صحيحة، لأنَّه لا فرق في ذلك بين القصير المنقطع والطويل الممتدِّ، لأنَّه إذا لم يكن في الاستتار لائمة على المستتر إذا أُحوج إليه، بل اللَّائمة على من أحوجه إليها، جاز أنْ يتطاول سبب الاستتار كما جاز أنْ يقصر زمانه.
فإنْ قيل: إذا كان الخوف أحوجه إلى الاستتار فقد كان آباؤه (عليهم السلام) عندكم على تقيَّة وخوف من أعدائهم، فكيف لم يستتروا؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(270) في بعض النُّسَخ: (أنْ يعرض).

(١٢٣)

قلنا: ما كان على آبائه (عليهم السلام) خوف من أعدائهم، مع لزوم التقيَّة والعدول عن التظاهر بالإمامة ونفيها عن نفوسهم، وإمام الزمان (عليه السلام) كلُّ الخوف عليه، لأنَّه يظهر بالسيف، ويدعو إلى نفسه، ويجاهد من خالفه عليه، فأيُّ نسبة بين خوفه من الأعداء وخوف آبائه (عليهم السلام) لولا قلَّة التأمُّل.
على أنَّ آباءه (عليهم السلام) متى قُتلوا أو ماتوا كان هناك من يقوم مقامهم ويسدُّ مسدَّهم يصلح للإمامة من أولاده، وصاحب الأمر (عليه السلام) بالعكس من ذلك، لأنَّ من المعلوم أنَّه لا يقوم أحد مقامه، ولا يسدُّ مسدَّه، فبان الفرق بين الأمرين.
وقد بيَّنَّا فيما تقدَّم الفرق بين وجوده غائباً لا يصل إليه أحد أو أكثرهم وبين عدمه حتَّى إذا كان المعلوم التمكُّن بالأمر يُوجِده.
وكذلك قولهم: ما الفرق بين وجوده بحيث لا يصل إليه أحد وبين وجوده في السماء؟
بأنْ قلنا: إذا كان موجوداً في السماء بحيث لا يخفى عليه أخبار أهل الأرض فالسماء كالأرض، وإنْ كان يخفى عليه أمرهم فذلك يجري مجرى عدمه، ثمّ نقلب عليهم في النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأنْ يقال: أيُّ فرق بين وجوده مستتراً وبين عدمه وكونه في السماء؟ فأيُّ شيء قالوه قلنا مثله، على ما مضى القول فيه.
وليس لهم أنْ يُفرِّقوا بين الأمرين بأنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما استتر من كلِّ أحد وإنَّما استتر من أعدائه، وإمام الزمان مستتر عن الجميع.
لأنَّا أوَّلاً لا نقطع على أنَّه مستتر عن جميع أوليائه، والتجويز في هذا الباب كافٍ.
على أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لـمَّا استتر في الغار كان مستتراً من أوليائه وأعدائه، ولم يكن معه إلَّا أبو بكر وحده، وقد كان يجوز أنْ يستتر بحيث لا يكون معه أحد من وليٍّ ولا عدوٍّ إذا اقتضت المصلحة ذلك.

(١٢٤)

[السؤال عن حكم الحدود حال الغيبة وجوابه]:
فإنْ قيل: فالحدود في حال الغيبة ما حكمها؟ فإنْ سقطت عن الجاني على ما يوجبها الشرع فهذا نسخ الشريعة، وإنْ كانت باقية فمن يقيمها؟
قلنا: الحدود المستحقَّة باقية في جنوب مستحقِّيها، فإنْ ظهر الإمام ومستحقُّوها باقون أقامها عليهم بالبيِّنة أو الإقرار، وإنْ كان فات ذلك بموته كان الإثم في تفويتها على من أخاف الإمام وألجأه إلى الغيبة، وليس هذا نسخاً لإقامة الحدود، لأنَّ الحدَّ إنَّما يجب إقامته مع التمكُّن وزوال المنع، ويسقط مع الحيلولة، وإنَّما يكون ذلك نسخاً لو سقط إقامتها مع الإمكان وزوال الموانع.
ويقال لهم: ما يقولون في الحال التي لا يتمكَّن أهل الحلِّ والعقد من اختيار الإمام، ما حكم الحدود؟
فإنْ قلتم: سقطت، فهذا نسخ على ما ألزمتمونا.
وإنْ قلتم: هي باقية في جنوب مستحقِّيها، فهو جوابنا بعينه.
فإنْ قيل: قد قال أبو عليٍّ(271): إنَّ في الحال التي لا يتمكَّن أهل الحلِّ والعقد من نصب الإمام يفعل الله ما يقوم مقام إقامة الحدود ويزاح(272) علَّة المكلَّف.
وقال أبو هاشم(273): إنَّ إقامة الحدود دنياويَّة لا تعلُّق لها بالدِّين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(271) هو محمّد بن عبد الوهَّاب بن سلام بن حمران بن أبان الجُبَّائي من أئمَّة المعتزلة، ورئيس علماء الكلام في عصره، كانت ولادته في سنة (235هـ)، وتُوفّي سنة (303هـ).
وقد تُرجِم له في: الأعلام للزركلي (ج 6/ ص 256)، ووفيات الأعيان لابن خلِّكان (ج 4/ ص 267/ الرقم 607)، والبداية والنهاية لابن كثير (ج 11/ ص 142)، وغيرها.
(272) في بعض النُّسَخ: (ينزاح).
(273) هو عبد السلام بن محمّد بن عبد الوهَّاب الجُبَّائي، ابن أبي عليٍّ المتقدِّم ذكره، شيخ المعتزلة ومصنِّف الكُتُب على مذاهبهم، سكن بغداد إلى حين وفاته، وُلِدَ في سنة (247هـ)، وتُوفّي سنة (321هـ)، عالم بالكلام، من كبار المعتزلة، له آراء انفرد بها وتبعته فرقة سُمّيت (البهشميَّة) نسبةً إلى كنية أبي هاشم.
راجع ترجمته في: تاريخ بغداد (ج 11/ ص 56/ الرقم 5735)، والأعلام للزركلي (ج 4/ ص 7)، ووفيات الأعيان لابن خلِّكان (ج 3/ ص 183/ الرقم 383)، والبداية والنهاية لابن كثير (ج 11/ ص 200)، وميزان الاعتدال للذهبي (ج 2/ ص 618/ الرقم 5061).

(١٢٥)

قلنا: أمَّا ما قاله أبو عليٍّ فلو قلنا مثله ما ضرَّنا، لأنَّ إقامة الحدود ليس هو الذي لأجله أوجبنا الإمام حتَّى إذا فات إقامتها انتقض دلالة الإمامة، بل ذلك تابع للشرع، وقد قلنا: إنَّه لا يمتنع أنْ يسقط فرض إقامتها في حال انقباض يد الإمام أو تكون باقية في جنوب أصحابها، وكما جاز ذلك جاز أيضاً أنْ يكون هناك ما يقوم مقامها، فإذا صرنا إلى ما قاله لم ينتقض علينا أصل.
وأمَّا ما قاله أبو هاشم من أنَّ ذلك لمصالح الدنيا، فبعيد، لأنَّ ذلك عبادة واجبة، ولو كان لمصلحة دنياويَّة لما وجبت.
على أنَّ إقامة الحدود عنده على وجه الجزاء والنكال جزء من العقاب، وإنَّما قُدِّم في دار الدنيا بعضه لما فيه من المصلحة، فكيف يقول مع ذلك: إنَّه لمصالح دنياويَّة؟ فبطل ما قالوه.
[السؤال عن طريق إصابة الحقِّ حال الغيبة وجوابه]:
فإنْ قيل: كيف الطريق إلى إصابة الحقِّ مع غيبة الإمام؟
فإنْ قلتم: لا سبيل إليها، جعلتم الخلق في حيرة وضلالة وشكٍّ في جميع أُمورهم.
وإنْ قلتم: يصاب الحقُّ بأدلَّته، قيل لكم: هذا تصريح بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلَّة.
قلنا: الحقُّ على ضربين: عقلي وسمعي، فالعقلي يُصاب بأدلَّته، والسمعي عليه أدلَّة منصوبة من أقوال النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونصوصه وأقوال الأئمَّة (عليهم السلام) من ولده، وقد بيَّنوا ذلك وأوضحوه، ولم يتركوا منه شيئاً لا دليل عليه.

(١٢٦)

غير أنَّ هذا وإنْ كان على ما قلناه، فالحاجة إلى الإمام قد بيَّنَّا ثبوتها، لأنَّ جهة الحاجة إليه المستمرَّة في كلِّ حالٍ وزمانٍ كونه لطفاً على ما تقدَّم القول فيه، ولا يقوم غيره مقامه، فالحاجة المتعلِّقة بالسمع أيضاً ظاهرة، لأنَّ النقل وإنْ كان وارداً عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعن آباء الإمام (عليهم السلام) بجميع ما يُحتاج إليه في الشريعة، فجائز على الناقلين العدول عنه، إمَّا تعمُّداً وإمَّا لشبهة، فينقطع النقل، أو يبقى فيمن لا حجَّة في نقله.
وقد استوفينا هذه الطريقة في (تلخيص الشافي)(274)، فلا نُطوِّل بذكرها الكتاب.
فإنْ قيل: لو فرضنا أنَّ الناقلين كتم بعض منهم بعض الشريعة واحتيج إلى بيان الإمام ولم يُعلَم الحقُّ إلَّا من جهته، وكان خوف القتل من أعدائه مستمرًّا، كيف يكون الحال؟
فإنْ قلتم: يظهر وإنْ خاف القتل، فيجب أنْ يكون خوف القتل غير مبيح له الاستتار ويلزم ظهوره.
وإنْ قلتم: لا يظهر وسقط التكليف في ذلك الشيء المكتوم عن الأُمَّة، خرجتم من الإجماع، لأنَّه منعقد على أنَّ كلَّ شيء شرَّعه النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأوضحه فهو لازم للأُمَّة إلى أنْ تقوم الساعة.
وإنْ قلتم: إنَّ التكليف لا يسقط، صرَّحتم بتكليف ما لا يُطاق، وإيجاب العمل بما لا طريق إليه.
قلنا: قد أجبنا عن هذا السؤال في (التلخيص)(275) مستوفًى، وجملته أنَّ الله تعالى لو علم أنَّ النقل ببعض الشرع المفروض ينقطع في حال يكون تقيَّة الإمام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(274) تلخيص الشافي (ج 1/ ص 136).
(275) تلخيص الشافي (ج 4/ ص 219).

(١٢٧)

فيها مستمرَّة، وخوفه من الأعداء باقياً، لأسقط ذلك عمَّن لا طريق له إليه، فإذا علمنا بالإجماع أنَّ تكليف الشرع مستمرٌّ ثابت على جميع الأُمَّة إلى قيام الساعة، علمنا عند ذلك أنَّه لو اتَّفق انقطاع النقل بشيء من الشرع لما كان ذلك إلَّا في حال يتمكَّن فيها الإمام (عليه السلام) من الظهور والبروز والإعلام والإنذار.
وكان المرتضى (رحمه الله) يقول أخيراً: لا يمتنع أنْ يكون هاهنا أُمور كثيرة غير واصلة إلينا هي مودعة عند الإمام (عليه السلام)، وإنْ كان قد كتمها الناقلون ولم ينقلوها، ولم يلزم مع ذلك سقوط التكليف عن الخلق، لأنَّه إذا كان سبب الغيبة خوفه على نفسه من الذين أخافوه، فمن أحوجه إلى الاستتار أُتي من قِبَل نفسه في فوت ما يفوته من الشرع، كما أنَّه أُتي من قِبَل نفسه فيما يفوته من تأديب الإمام وتصرُّفه من حيث أحوجه إلى الاستتار، ولو زال خوفه لظهر، فيحصل له اللطف بتصرُّفه، وتبيَّن له ما عنده ممَّا انكتم عنه، فإذا لم يفعل وبقي مستتراً(276) أُتي من قِبَل نفسه في الأمرين، وهذا قويٌّ تقتضيه الأُصول.
[علَّة غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) من أوليائه]:
وفي أصحابنا من قال: إنَّ علَّة الاستتار عن أوليائه خوفه من أنْ يشيعوا خبره، ويتحدَّثوا باجتماعهم معه سروراً به، فيُؤدِّي ذلك إلى الخوف من الأعداء وإنْ كان غير مقصود.
وهذا الجواب يضعف، لأنَّ عقلاء شيعته لا يجوز أنْ يخفى عليهم ما في إظهار اجتماعهم معه من الضرر عليه وعليهم، فكيف يُخبرون بذلك العامَّة مع علمهم بما عليه وعليهم فيه من المضرَّة العامَّة، وإنْ جاز هذا على الواحد والاثنين لا يجوز على جماعة شيعته الذين لا يظهر لهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(276) في بعض النُّسَخ: (مستمرًّا).

(١٢٨)

على أنَّ هذا يلزم عليه أنْ يكون شيعته قد عُدِموا الانتفاع به على وجه لا يتمكَّنون من تلافيه وإزالته، لأنَّه إذا عُلِّق الاستتار بما يُعلَم من حالهم أنَّهم يفعلونه، فليس في مقدورهم الآن ما يقتضي من ظهور الإمام (عليه السلام)، وهذا يقتضي سقوط التكليف الذي الإمام لطف فيه عنهم.
وفي أصحابنا من قال: علَّة استتاره عن الأولياء ما يرجع إلى الأعداء، لأنَّ انتفاع جميع الرعيَّة من وليٍّ وعدوٍّ بالإمام إنَّما يكون بأنْ ينفذ أمره ببسط يده، فيكون ظاهراً متصرِّفاً بلا دافع ولا منازع، وهذا ممَّا المعلوم أنَّ الأعداء قد حالوا دونه ومنعوا منه.
قالوا: ولا فائدة في ظهوره سرًّا لبعض أوليائه، لأنَّ النفع المبتغى من تدبير الأُمَّة لا يتمُّ إلَّا بظهوره للكلِّ ونفوذ الأمر، فقد صارت العلَّة في استتار الإمام على الوجه الذي هو لطف ومصلحة للجميع واحدة.
ويمكن أنْ يعترض هذا الجواب بأنْ يقال: إنَّ الأعداء وإنْ حالوا بينه وبين الظهور على وجه التصرُّف والتدبير، فلم يحولوا بينه وبين لقاء من شاء من أوليائه على سبيل الاختصاص، وهو يعتقد طاعته ويوجب اتِّباع أوامره، فإنْ كان لا نفع في هذا اللقاء لأجل الاختصاص لأنَّه غير نافذ الأمر للكلِّ، فهذا تصريح بأنَّه لا انتفاع للشيعة الإماميَّة بلقاء أئمَّتها من لدن وفاة أمير المؤمنين إلى أيَّام الحسن بن عليِّ أبي القائم (عليهم السلام) لهذه العلَّة.
ويوجب أيضاً أنْ يكون أولياء أمير المؤمنين (عليه السلام) وشيعته لم يكن لهم بلقائه انتفاع قبل انتقال الأمر إلى تدبيره وحصوله في يده، وهذا بلوغ من قائله إلى حدٍّ لا يبلغه متأمِّل.
على أنَّه لو سُلِّم أنَّ الانتفاع بالإمام لا يكون إلَّا مع الظهور لجميع الرعيَّة ونفوذ أمره فيهم لبطل قولهم من وجه آخر، وهو أنَّه يُؤدِّي إلى سقوط التكليف

(١٢٩)

الذي الإمام لطف فيه عن شيعته، لأنَّه إذا لم يظهر لهم لعلَّة لا يرجع إليهم ولا كان في قدرتهم وإمكانهم إزالته، فلا بدَّ من سقوط التكليف عنهم، لأنَّه لو جاز أنْ يمنع قوم من المكلَّفين غيرهم لطفهم، ويكون التكليف الذي ذلك اللطف لطف فيه مستمرًّا عليهم، لجاز أنْ يمنع بعض المكلَّفين غيره بقيد وما أشبهه من المشي على وجه لا يمكن(277) من إزالته، ويكون تكليف المشي مع ذلك مستمرًّا على الحقيقة.
وليس لهم أنْ يُفرِّقوا بين القيد وبين اللطف من حيث كان القيد يتعذَّر معه الفعل(278) ولا يُتوهَّم وقوعه، وليس كذلك فقد اللطف، لأنَّ أكثر أهل العدل على أنَّ فقد اللطف كفقد القدرة والآلة، وأنَّ التكليف مع فقد اللطف فيمن له لطف معلوم كالتكليف مع فقد القدرة والآلة ووجود الموانع، وأنَّ من لم يفعل له اللطف ممَّن له لطف معلوم غير مزاح العلَّة في التكليف، كما أنَّ الممنوع غير مزاح العلَّة.
والذي ينبغي أنْ يُجاب عن السؤال الذي ذكرناه عن المخالف أنْ نقول: إنَّا أوَّلاً لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه، بل يجوز أنْ يظهر لأكثرهم، ولا يعلم كلُّ إنسان إلَّا حال نفسه، فإنْ كان ظاهراً له فعلَّته مزاحة، وإنْ لم يكن ظاهراً له عُلِمَ(279) أنَّه إنَّما لم يظهر له لأمر يرجع إليه وإنْ لم يعلمه مفصَّلاً لتقصير من جهته،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(277) في بعض النُّسَخ: (لا يتمكَّن).
(278) في بعض النُّسَخ: (متعذِّر معه اللطف).
(279) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 214 و215) بعد نقل ما في المتن: (ولنتكلَّم فيما التزمه (رحمه الله) في ضمن أجوبة اعتراضات المخالف من كون كلِّ من خفي عليه الإمام من الشيعة في زمان الغيبة فهم مقصِّرون مذنبون. فنقول: يلزم عليه أنْ لا يكون أحد من الفرقة المحقَّة الناجية في زمان الغيبة موصوفاً بالعدالة، لأنَّ هذا الذنب الذي صار مانعاً لظهوره (عليه السلام)

(١٣٠)

 

من جهتهم إمَّا كبيرة أو صغيرة أصرُّوا عليها، وعلى التقديرين ينافي العدالة، فكيف كان يُحكَم بعدالة الرواة والأئمَّة في الجماعات؟ وكيف كان يُقبَل قولهم في الشهادات؟ مع أنَّا نعلم ضرورةً أنَّ كلَّ عصر من الأعصار مشتمل على جماعة من الأخيار لا يتوقَّفون مع خروجه (عليه السلام)، وظهور أدنى معجز منه في الإقرار بإمامته وطاعته. وأيضاً فلا شكَّ في أنَّ في كثير من الأعصار الماضية كان الأنبياء والأوصياء محبوسين ممنوعين عن وصول الخلق إليهم، وكان معلوماً من حال المقرِّين أنَّهم لم يكونوا مقصِّرين في ذلك، بل نقول: لـمَّا اختفى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الغار كان ظهوره لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وكونه معه لطفاً له، ولا يمكن إسناد التقصير إليه.
فالحقُّ في الجواب أنَّ اللطف إنَّما يكون شرطاً للتكليف إذا لم يكن مشتملاً على مفسدة، فإنا نعلم أنَّه تعالى إذا أظهر علامة مشيَّته عند ارتكاب المعاصي على المذنبين كأنْ يسود وجوههم مثلاً، فهو أقرب إلى طاعتهم وأبعد عن معصيتهم، لكن لاشتماله على كثير من المفاسد لم يفعله، فيمكن أنْ يكون ظهوره (عليه السلام) مشتملاً على مفسدة عظيمة للمقرِّين يوجب استئصالهم واجتياحهم، فظهوره (عليه السلام) مع تلك الحال ليس لطفاً لهم. وما ذكره (رحمه الله) من أنَّ التكليف مع فقد اللطف كالتكليف مع فقد الآلة، فمع تسليمه إنَّما يتمُّ إذا كان لطفاً وارتفعت المفاسد المانعة عن كونه لطفاً.
وحاصل الكلام أنَّ بعد ما ثبت من الحسن والقبح العقليَّين، وأنَّ العقل يحكم بأنَّ اللطف على الله تعالى واجب، وأنَّ وجود الإمام لطف باتِّفاق جميع العقلاء على أنَّ المصلحة في وجود رئيس يدعو إلى الصلاح ويمنع عن الفساد، وأنَّ وجوده أصلح للعباد وأقرب إلى طاعتهم، وأنَّه لا بدَّ أنْ يكون معصوماً، وأنَّ العصمة لا تُعلَم إلَّا من جهته تعالى، وأنَّ الإجماع واقع على عدم عصمة غير صاحب الزمان (عليه السلام)، يثبت وجوده.
وأمَّا غيبته عن المخالفين، فظاهر أنَّه مستند إلى تقصيرهم، وأمَّا عن المقرِّين فيمكن أنْ يكون بعضهم مقصِّرين، وبعضهم مع عدم تقصيرهم ممنوعين من بعض الفوائد التي تترتَّب على ظهوره (عليه السلام)، لمفسدة لهم في ذلك ينشأ من المخالفين، أو لمصلحة لهم في غيبته بأنْ يؤمنوا به مع خفاء الأمر وظهور الشُّبَه وشدَّة المشقَّة، فيكونوا أعظم ثواباً. مع أنَّ إيصال الإمام فوائده وهداياته لا يتوقَّف على ظهوره بحيث يعرفونه، فيمكن أنْ يصل منه (عليه السلام) إلى أكثر الشيعة ألطاف كثيرة لا يعرفونه، كما سيأتي عنه (عليه السلام) أنَّه في غيبته كالشمس تحت السحاب. على أنَّ في غيبات الأنبياء دليلاً بيِّناً على أنَّ في هذا النوع من وجود الحجَّة مصلحة وإلَّا لم يصدر منه تعالى.
وأمَّا الاعتراضات الموردة على كلٍّ من تلك المقدَّمات وأجوبتها فموكول إلى مظانِّه).

(١٣١)

وإلَّا لم يحسن تكليفه.
فإذا عُلِمَ بقاء تكليفه عليه واستتار الإمام عنه عُلِمَ أنَّه لأمر يرجع إليه، كما تقوله جماعتنا فيمن لم ينظر في طريق معرفة الله تعالى فلم يحصل له العلم، وجب أنْ يُقطَع على أنَّه إنَّما لم يحصل لتقصير يرجع إليه، وإلَّا وجب إسقاط تكليفه وإنْ لم يعلم ما الذي وقع تقصيره فيه.
فعلى هذا التقرير(280) أقوى ما يُعلَّل به ذلك أنَّ الإمام إذا ظهر ولا يُعلَم شخصه وعينه من حيث المشاهدة، فلا بدَّ من أنْ يظهر عليه علم معجز يدلُّ على صدقه، والعلم بكون الشيء معجزاً يحتاج إلى نظر يجوز أنْ يعترض فيه شبهة، فلا يمتنع أنْ يكون المعلوم من حال من لم يظهر له أنَّه متى ظهر وأظهر المعجز لم ينعم النظر فيدخل عليه فيه شبهة، فيعتقد أنَّه كذَّاب ويشيع خبره فيُؤدِّي إلى ما تقدَّم القول فيه.
فإنْ قيل: أيُّ تقصير وقع من الوليِّ الذي لم يظهر له الإمام لأجل هذا المعلوم من حاله؟ وأيُّ قدرة له على النظر فيما يُظهِر له الإمام معه؟ وإلى أيِّ شيء يُرجَع في تلافي ما يوجب غيبته؟
قلنا: ما أحلنا في سبب الغيبة عن الأولياء إلَّا على معلوم يظهر موضع التقصير فيه وإمكان تلافيه، لأنَّه غير ممتنع أنْ يكون من المعلوم من حاله أنَّه متى ظهر له الإمام قصَّر في النظر في معجزه، فإنَّما أُتي في ذلك لتقصيره الحاصل في العلم بالفرق بين المعجز والممكن، والدليل من ذلك والشبهة، ولو كان من ذلك على قاعدة صحيحة لم يجز أنْ يشتبه عليه معجز الإمام عند ظهوره له، فيجب عليه تلافي هذا التقصير واستدراكه.
وليس لأحدٍ أنْ يقول: هذا تكليف لما لا يطاق وحوالة على غيب، لأنَّ هذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(280) في بعض النُّسَخ: (التقدير).

(١٣٢)

الوليَّ ليس يعرف ما قصَّر فيه بعينه من النظر والاستدلال فيستدركه حتَّى يتمهَّد في نفسه ويتقرَّر، ونراكم تلزمونه ما لا يلزمه، وذلك أنَّ ما يلزم في التكليف قد يتميَّز تارةً ويشتبه أُخرى بغيره، وإنْ كان التمكُّن من الأمرين ثابتاً حاصلاً.
فالوليُّ على هذا إذا حاسب نفسه ورأى أنَّ الإمام لا يظهر له وأفسد أنْ يكون السبب في الغيبة ما ذكرناه من الوجوه الباطلة وأجناسها، علم أنَّه لا بدَّ من سبب يرجع إليه.
وإذا علم أنَّ أقوى العلل ما ذكرناه، علم أنَّ التقصير واقع من جهته في صفات المعجز وشروطه، فعليه معاودة النظر في ذلك عند ذلك، وتخليصه من الشوائب وما يوجب الالتباس، فإنَّه من اجتهد في ذلك حقَّ الاجتهاد ووفَّى النظر شروطه، فإنَّه لا بدَّ من وقوع العلم بالفرق بين الحقِّ والباطل، وهذه المواضع الإنسان فيها على نفسه بصيرة، وليس يمكن أنْ يُؤمَر فيها بأكثر من التناهي في الاجتهاد، والبحث والفحص والاستسلام للحقِّ، وقد بيَّنَّا أنَّ هذا نظير ما نقول لمخالفينا إذا نظروا في أدلَّتنا ولم يحصل لهم العلم سواء.
فإنْ قيل: لو كان الأمر على ما قلتم لوجب أنْ لا يعلم شيئاً من المعجزات في الحال، وهذا يُؤدِّي إلى أنْ لا يعلم النبوَّة وصدق الرسول، وذلك يُخرجه عن الإسلام فضلاً عن الإيمان.
قلنا: لا يلزم ذلك، لأنَّه لا يمتنع أنْ تدخل الشبهة في نوع من المعجزات دون نوع، وليس إذا دخلت الشبهة في بعضها دخل في سائرها، فلا يمتنع أنْ يكون المعجز الدالُّ على النبوَّة لم تدخل عليه فيه شبهة، فحصل له العلم بكونه معجزاً وعلم عند ذلك نبوَّة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والمعجز الذي يظهر على يد الإمام إذا ظهر يكون أمراً آخر يجوز أنْ يدخل عليه الشبهة في كونه معجزاً، فيشكُّ حينئذٍ في إمامته وإنْ كان عالماً بالنبوَّة.

(١٣٣)

وهذا كما نقول: إنَّ من علم نبوَّة موسى (عليه السلام) بالمعجزات الدالَّة على نبوَّته إذا لم ينعم النظر في المعجزات الظاهرة على عيسى ونبيِّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يجب أنْ يُقطَع على أنَّه ما عرف تلك المعجزات، لأنَّه لا يمتنع أنْ يكون عارفاً بها وبوجه دلالتها وإنْ لم يعلم هذه المعجزات واشتبه عليه وجه دلالتها.
فإنْ قيل: فيجب على هذا أنْ يكون كلُّ من لم يظهر له الإمام يقطع على أنَّه على كبيرة يلحق بالكفر، لأنَّه مقصِّر على ما فرضتموه فيما يوجب غيبة الإمام عنه ويقتضي فوت مصلحته، فقد لحق الوليُّ على هذا بالعدوِّ.
قلنا: ليس يجب في التقصير الذي أشرنا إليه أنْ يكون كفراً ولا ذنباً عظيماً، لأنَّه في هذه الحال ما اعتقد في الإمام أنَّه ليس بإمام، ولا أخافه على نفسه، وإنَّما قصَّر في بعض العلوم تقصيراً كان كالسبب في أنْ عُلِمَ من حاله أنَّ ذلك الشكَّ في الإمامة يقع منه مستقبلاً، والآن فليس بواقع، فغير لازم أنْ يكون كافراً، غير أنَّه وإنْ لم يلزم أن يكون كفراً ولا جارياً مجرى تكذيب الإمام والشكِّ في صدقه، فهو ذنب وخطأ لا ينافيان الإيمان واستحقاق الثواب، ولن يلحق الوليُّ بالعدوِّ على هذا التقدير، لأنَّ العدو في الحال معتقد في الإمام ما هو كفر وكبيرة، والوليُّ بخلاف ذلك.
وإنَّما قلنا: إنَّ ما هو كالسبب في الكفر لا يجب أنْ يكون كفراً في الحال أنَّ أحداً لو اعتقد في القادر منَّا بقدرة أنَّه يصحُّ أنْ يفعل في غيره من الأجسام مبتدئاً، كان ذلك خطأً وجهلاً ليس بكفر، ولا يمتنع أنْ يكون المعلوم من حال هذا المعتقِد أنَّه لو ظهر نبيٌّ يدعو إلى نبوَّته وجعل معجزه أنْ يفعل الله تعالى على يده فعلاً بحيث لا يصل إليه أسباب البشر أنَّه لا يقبله، وهذا لا محالة لو علم أنَّه معجز كان يقبله، وما سبق من اعتقاده في مقدور القدر كان كالسبب في هذا، ولم يلزم أنْ يجري مجراه في الكفر.

(١٣٤)

فإنْ قيل: إنَّ هذا الجواب أيضاً لا يستمرُّ على أصلكم، لأنَّ الصحيح من مذهبكم أنَّ من عرف الله تعالى بصفاته وعرف النبوَّة والإمامة وحصل مؤمناً لا يجوز أنْ يقع منه كفر أصلاً، فإذا ثبت هذا فكيف يمكنكم أنْ تجعلوا علَّة الاستتار عن الوليِّ أنَّ المعلوم من حاله أنَّه إذا ظهر الإمام فظهر على يده علم معجز شكَّ فيه ولا يعرفه إماماً، وإنَّ الشكَّ في ذلك كفر، وذلك ينقض أصلكم الذي صحَّحتموه.
قيل: هذا الذي ذكرتموه ليس بصحيح، لأنَّ الشكَّ مع المعجز الذي يظهر على يد الإمام ليس بقادح في معرفته لغير(281) الإمام على طريق الجملة، وإنَّما يقدح في أنَّ ما علم على طريق الجملة وصحَّت معرفته هل هو هذا الشخص أم لا؟ والشكُّ في هذا ليس بكفر، لأنَّه لو كان كفراً لوجب أنْ يكون كفراً وإنْ لم يُظهِر المعجز، فإنَّه لا محالة قبل ظهور هذا المعجز في يده شاكٌّ فيه، ويجوز كونه إماماً وكون غيره كذلك، وإنَّما يقدح في العلم الحاصل له على طريق الجملة أنْ لو شكَّ في المستقبل في إمامته على طريق الجملة، وذلك ممَّا يمنع من وقوعه منه مستقبلاً.
وكان المرتضى (رضي الله عنه) يقول: سؤال المخالف لنا - لِمَ لا يظهر الإمام للأولياء؟ - غير لازم، لأنَّه إنْ كان غرضه أنَّ لطف الوليِّ غير حاصل، فلا يحصل تكليفه فإنَّه لا يتوجَّه، فإنَّ لطف الوليِّ حاصل، لأنَّه إذا علم الوليُّ أنَّ له إماماً غائباً يتوقَّع ظهوره (عليه السلام) ساعة ساعة ويجوز انبساط يده في كلِّ حال، فإنَّ خوفه من تأديبه حاصل، وينزجر لمكانه عن المقبّحات، ويفعل كثيراً من الواجبات، فيكون حال غيبته كحال كونه في بلد آخر، بل ربَّما كان في حال الاستتار أبلغ، لأنَّه مع غيبته يجوز أنْ يكون معه في بلده وفي جواره، ويشاهده

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(281) في بعض النُّسَخ: (بغير).

(١٣٥)

من حيث لا يعرفه ولا يقف على أخباره، وإذا كان في بلد آخر ربَّما خفي عليه خبره، فصار حال الغيبة [و](282) الانزجار حاصلاً عن(283) القبيح على ما قلناه.
وإذا لم يكن قد فاتهم اللطف جاز استتاره عنهم وإنْ سُلِّم أنَّه يحصل ما هو لطف لهم، ومع ذلك يقال: لِمَ لا يظهر لهم؟ قلنا: ذلك غير واجب على كلِّ حالٍ، فسقط السؤال من أصله.
على أنَّ لطفهم بمكانه حاصل من وجه آخر، وهو أنَّ لمكانه يثقون بوصول جميع الشرع إليهم، ولولاه لما وثقوا بذلك وجوَّزوا أنْ يخفى عليهم كثير من الشرع وينقطع دونهم، وإذا علموا وجوده في الجملة أمنوا جميع ذلك، فكان اللطف بمكانه حاصلاً من هذا الوجه أيضاً.
[ذكر أنَّ ستر ولادة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) ليس من خوارق العادات، وما لها من النظائر]:
وقد ذكرنا فيما تقدَّم أنَّ ستر ولادة صاحب الزمان (عليه السلام) ليس بخارق للعادات، إذ جرى أمثال ذلك فيما تقدَّم من أخبار الملوك، وقد ذكره العلماء من الفرس ومن روى أخبار الدولتين.
من ذلك ما هو مشهور كقصَّة كيخسرو وما كان من ستر أُمِّه حملها وإخفاء ولادتها، وأُمُّه بنت ولد أفراسياب مَلِك الترك، وكان جدُّه كيقاوس أراد قتل ولده فسترته أُمُّه إلى أنْ ولدته، وكان من قصَّته ما هو مشهور في كُتُب التواريخ، ذكره الطبري(284).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(282) من بعض النُّسَخ.
(283) في بعض النُّسَخ: (من).
(284) تاريخ الطبري (ج 1/ ص 361 - 367).

(١٣٦)

وقد نطق القرآن بقصَّة إبراهيم (عليه السلام)، وأنَّ أُمَّه ولدته خفيًّا وغيَّبته في المغارة حتَّى بلغ، وكان من أمره ما كان(285).
وما كان من قصَّة موسى (عليه السلام)، فإنَّ أُمَّه ألقته في البحر خوفاً عليه وإشفاقاً من فرعون عليه، وذلك مشهور نطق به القرآن(286).
ومثل ذلك قصَّة صاحب الزمان (عليه السلام) سواء، فكيف يقال: إنَّ هذا خارج عن العادات.
ومن الناس من يكون له ولد من جارية يستتر بها(287) من زوجته برهة من الزمان حتَّى إذا حضرته الوفاة أقرَّ به.
وفي الناس من يستر أمر ولده خوفاً من أهله أنْ يقتلوه طمعاً في ميراثه، قد جرت العادات بذلك، فلا ينبغي أنْ يُتعجَّب من مثله في صاحب الزمان (عليه السلام)، وقد شاهدنا من هذا الجنس كثيراً وسمعنا منه غير قليل، فلا نُطوِّل بذكره، لأنَّه معلوم بالعادات.
وكم وجدنا من ثبت نسبه بعد موت أبيه بدهر طويل، ولم يكن أحد يعرفه إذا شهد بنسبه رجلان مسلمان، ويكون الأب أشهدهما على نفسه ستراً عن أهله وخوفاً من زوجته وأهله، فوصَّى به فشهدا بعد موته، أو شهدا بعقده على امرأة عقداً صحيحاً فجاءت بولد يمكن أنْ يكون منه، فوجب بحكم الشرع إلحاقه به.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(285) راجع: تاريخ الطبري (ج 1/ ص 164)، ومجمع البيان (ج 4/ ص 96).
(286) في سورة القَصص آية (7 - 13)، وقد ذكر قصَّته مفصَّلاً الفخر الرازي في تفسيره (ج 24/ ص 227 فصاعداً)، والطبري في تفسيره (ج 20/ ص 37 فصاعداً)، وفي تاريخه (ج 1/ ص 273 فصاعداً)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان (ج 7/ ص 416 فصاعداً).
(287) في بعض النُّسَخ: (يتسربها).

(١٣٧)

[إثبات ولادة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) وإبطال ما أُورد عليه من الشُّبَه]:
والخبر بولادة ابن الحسن (عليه السلام) وارد من جهات أكثر ممَّا يثبت به الأنساب في الشرع، ونحن نذكر طرفاً من ذلك فيما بعد إنْ شاء الله تعالى(288).
وأمَّا إنكار جعفر بن عليٍّ(289) - عمّ صاحب الزمان (عليه السلام) - شهادة الإماميَّة بولد لأخيه الحسن بن عليٍّ وُلِدَ في حياته، ودفعه بذلك وجوده بعده، وأخذه تركته وحوزه ميراثه، وما كان منه في حمل سلطان الوقت على حبس جواري الحسن (عليه السلام) واستبدالهنَّ بالاستبراء لهنَّ من الحمل ليتأكُّد نفيه لولد أخيه وإباحته دماء شيعتهم بدعواهم خلفاً له بعده كان أحقّ بمقامه، فليس بشبهة يعتمد على مثلها أحد من المحصِّلين، لاتِّفاق الكلِّ على أنَّ جعفراً لم يكن له عصمة كعصمة الأنبياء فيمتنع عليه لذلك إنكار حقٍّ ودعوى باطل، بل الخطأ جائز عليه، والغلط غير ممتنع منه(290).
وقد نطق القرآن بما كان من ولد يعقوب (عليه السلام) مع أخيهم يوسف (عليه السلام) وطرحهم إيَّاه في الجُبِّ، وبيعهم إيَّاه بالثمن البخس، وهم أولاد الأنبياء، وفي الناس من يقول: كانوا أنبياء.
فإذا جاز منهم مثل ذلك مع عظم الخطأ فيه، فلِمَ لا يجوز مثله من جعفر بن عليٍّ مع ابن أخيه، وأنْ يفعل معه من الجحد طمعاً في الدنيا ونيلها؟ وهل يمنع من ذلك أحد إلَّا مكابر معاند؟
فإنْ قيل: كيف يجوز أنْ يكون للحسن بن عليٍّ (عليه السلام) ولد مع إسناده وصيَّته في مرضه الذي تُوفّي فيه إلى والدته المسمَّاة بحديث، المكنَّاة بأُمِّ الحسن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(288) في الفصل الثاني.
(289) تقدَّم في (ص 116).
(290) راجع تفصيل ذلك في: الإرشاد (ج 2/ ص 336).

(١٣٨)

بوقوفه وصدقاته(291)، وأسند النظر إليها في ذلك، ولو كان له ولد لذكره في الوصيَّة.
قيل: إنَّما فعل ذلك قصداً إلى تمام ما كان غرضه في إخفاء ولادته، وستر حاله عن سلطان الوقت، ولو ذكر ولده أنْ أسند وصيَّته إليه لناقض غرضه خاصَّة وهو احتاج إلى الإشهاد عليها وجوه الدولة، وأسباب السلطان، وشهود القضاة ليتحرَّس بذلك وقوفه، ويتحفَّظ صدقاته، ويتمّ به الستر على ولده بإهمال ذكره وحراسة مهجته بترك التنبيه على وجوده، ومن ظنَّ أنَّ ذلك دليل على بطلان دعوى الإماميَّة في وجود ولد للحسن (عليه السلام)، كان بعيداً من معرفة العادات.
وقد فعل نظير ذلك الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام)(292) حين أسند وصيَّته إلى خمسة نفر أوَّلهم المنصور إذ كان سلطان الوقت، ولم يُفرِد ابنه موسى (عليه السلام) بها إبقاءً عليه، وأشهد معه الربيع وقاضي الوقت وجاريته أُمَّ ولده حميدة البربريَّة، وختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر (عليهما السلام) لستر أمره وحراسة نفسه، ولم يذكر مع ولده موسى أحداً من أولاده الباقين لعلمه كان فيهم من يدَّعي مقامه من بعده، ويتعلَّق بإدخاله في وصيَّته، ولو لم يكن موسى (عليه السلام) ظاهراً مشهوراً في أولاده معروف المكان منه، وصحَّة نسبه واشتهار فضله وعلمه، وكان مستوراً لما ذكره في وصيَّته ولاقتصر على ذكر غيره، كما فعل الحسن بن عليٍّ والد صاحب الزمان (عليه السلام).
[استبعاد أنَّ صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) منذ وُلِدَ لا يعرف أحد مكانه]:
فإنْ قيل: قولكم: إنَّه منذ وُلِدَ صاحب الزمان (عليه السلام) إلى وقتنا هذا مع طول المدَّة لا يعرف أحد مكانه، ولا يعلم مستقرَّه، ولا يأتي بخبره من يوثق بقوله،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(291) يأتي في (ح 196).
(292) يأتي في (ح 162).

(١٣٩)

خارج عن العادة، لأنَّ كلَّ من اتَّفق له الاستتار عن ظالم لخوف منه على نفس أو لغير ذلك من الأغراض يكون مدَّة استتاره قريبة ولا يبلغ عشرين سنة، ولا يخفى أيضاً على الكلِّ في مدَّة استتارة مكانه، ولا بدَّ من أنْ يعرف فيه بعض أوليائه وأهله مكانه، أو يخبر بلقائه، وقولكم بخلاف ذلك.
قلنا: ليس الأمر على ما قلتم، لأنَّ الإماميَّة تقول: إنَّ جماعة من أصحاب أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) قد شاهدوا وجوده في حياته(293)، وكانوا أصحابه وخاصَّته بعد وفاته، والوسائط بينه وبين شيعته معروفون ربَّما ذكرناهم فيما بعد، ينقلون إلى شيعته معالم الدِّين، ويُخرجون إليهم أجوبته في مسائلهم فيه، ويقبضون منهم حقوقه، وهم جماعة كان الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) عدَّلهم في حياته، واختصَّهم أُمناء له في وقته، وجعل إليهم النظر في أملاكه، والقيام بأُموره بأسمائهم وأنسابهم وأعيانهم، كأبي عمرو عثمان بن سعيد السمَّان، وابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد، وغيرهم ممَّن سنذكر أخبارهم فيما بعد إنْ شاء الله تعالى، وكانوا أهل عقل وأمانة، وثقة ظاهرة، ودراية وفهم، وتحصيل ونباهة، وكانوا معظَّمين عند سلطان الوقت لعظم أقدارهم وجلالة محلِّهم، مكرَّمين لظاهر أمانتهم واشتهار عدالتهم، حتَّى إنَّه كان يدفع عنهم ما يضيفه إليهم خصومهم، وهذا يُسقِط قولهم: إنَّ صاحبكم لم يرَه أحد، ودعواهم خلافه.
فأمَّا بعد انقراض أصحاب أبيه، فقد كان مدَّة من الزمان أخباره واصلة من جهة السفراء الذين بينه وبين شيعته، ويُوثَق بقولهم، ويُرجَع إليهم لدينهم وأمانتهم وما اختصُّوا به من الدِّين والنزاهة، وربَّما ذكرنا طرفاً من أخبارهم فيما بعد(294).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(293) يأتي في الفصل الثاني.
(294) يأتي فيما بعد عند ذكر السفراء.

(١٤٠)

وقد سبق الخبر عن آبائه (عليهم السلام) بأنَّ القائم (عليه السلام) له غيبتان، أُخراهما أطول من الأُولى(295)، فالأُولى يُعرَف فيها خبره، والأُخرى لا يُعرَف فيها خبره، فجاء ذلك موافقاً لهذه الأخبار، فكان ذلك دليلاً ينضاف إلى ما ذكرناه، وسنُوضِّح عن هذه الطريقة فيما بعد إنْ شاء الله تعالى.
فأمَّا خروج ذلك عن العادات، فليس الأمر على ما قالوه، ولو صحَّ لجاز أنْ ينقض الله تعالى العادة في ستر شخص، ويخفي أمره لضرب من المصلحة وحسن التدبير، لما يعرض من المانع من ظهوره.
وهذا الخضر (عليه السلام) موجود قبل زماننا من عهد موسى (عليه السلام) عند أكثر الأُمَّة وإلى وقتنا هذا باتِّفاق أهل السِّيَر لا يُعرَف مستقرُّه، ولا يعلم أحد له أصحاباً إلَّا ما جاء به القرآن من قصَّته مع موسى (عليه السلام)(296).
وما يذكره بعض الناس أنَّه يظهر أحياناً ولا يُعرَف ويظنُّ من يراه أنَّه بعض الزُّهَّاد، فإذا فارق مكانه توهَّمه المسمَّى بالخضر، ولم يكن عرفه بعينه في الحال، ولا ظنَّه فيها، بل اعتقد أنَّه بعض أهل الزمان.
وقد كان من غيبة موسى بن عمران (عليه السلام) عن وطنه وهربه من فرعون ورهطه ما نطق به القرآن، ولم يظفر بن أحد مدَّة من الزمان، ولا عرفه بعينه حتَّى بعثه الله نبيًّا ودعا إليه فعرفه الوليُّ والعدوُّ(297).
وقد كان من قصَّة يوسف بن يعقوب (عليه السلام) ما جاء به سورة في القرآن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(295) تقدَّم في (ح 60).
(296) سورة الكهف آية (60 - 82)، وراجع تفسيرها في: تفسير العيَّاشي (ج 2/ ص 329 فصاعداً)، وتفسير القمِّي (ج 2/ ص 37 - 40)، وتفسير البيضاوي (ج 3/ ص 507 فصاعداً)، وغيرها من كُتُب التفاسير والأخبار.
(297) تقدَّم في (ص 137).

(١٤١)

وتضمَّنت استتار خبره عن أبيه، وهو نبيُّ الله يأتيه الوحي صباحاً [ومساءً](298)، وما يخفى عليه خبر ولده، وعن ولده أيضاً حتى إنَّهم كانوا يدخلون عليه ويعاملونه ولا يعرفونه، وحتَّى مضت على ذلك السنون والأزمان، ثمّ كشف الله أمره وظهر خبره، وجمع بينه وبين أبيه وإخوته(299)، وإنْ لم يكن ذلك في عادتنا اليوم ولا سمعنا بمثله.
وكان من قصَّة يونس بن متَّى نبيِّ الله (عليه السلام) مع قومه وفراره منهم حين تطاول خلافهم له، واستخفافهم بحقوقه، وغيبته عنهم وعن كلِّ أحد حتَّى لم يعلم أحد من الخلق مستقرَّه، وستره الله تعالى في جوف السمكة، وأمسك عليه رمقه بضرب من المصلحة، إلى أنْ انقضت تلك المدَّة وردَّه الله تعالى إلى قومه، وجمع بينهم وبينه، وهذا أيضاً خارج عن عادتنا وبعيد من تعارفنا قد نطق به القرآن وأجمع عليه أهل الإسلام(300).
ومثل ما حكيناه أيضاً قصَّة أصحاب الكهف وقد نطق بها القرآن وتضمَّن شرح حالهم واستتارهم عن قومهم فراراً بدينهم(301).
ولولا ما نطق القرآن به لكان مخالفونا يجحدونه دفعاً لغيبة صاحب الزمان (عليه السلام)، وإلحاقهم به، لكن أخبر الله تعالى أنَّهم بقوا ثلاثمائة سنة مثل ذلك مستترين خائفين، ثمّ أحياهم الله تعالى فعادوا إلى قومهم، وقصَّتهم مشهورة في ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(298) من بحار الأنوار (ج 51/ ص 204).
(299) تقدَّم في (ص 138).
(300) سورة الصافَّات آية (139 - 148)، وسورة القلم آية (48 - 50)، وراجع: تاريخ الطبري (ج 1/ ص 457 - 462)، وبحار الأنوار (ج 14/ ص 379 - 406/ باب 26).
(301) سورة الكهف آية (9 - 26)، وذُكِرَت قصَّتهم في تاريخ الطبري (ج 1/ ص 454 - 457)، وقَصص الأنبياء للراوندي (ص 253/ ح 324)؛ وراجع: بحار الأنوار (ج 14/ ص 407 - 437/ باب 27).

(١٤٢)

وقد كان من أمر صاحب الحمار(302) الذي نزل بقصَّته القرآن وأهل الكتاب يزعمون أنَّه كان نبيًّا فأماته الله تعالى مائة عام ثمّ بعثه، وبقي طعامه وشرابه لم يتغيَّر(303).
وكان ذلك خارقاً للعادة.
وإذا كان ما ذكرناه معروفاً كائناً كيف يمكن مع ذلك إنكار غيبة صاحب الزمان (عليه السلام)؟ اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يكون المخالف دهريًّا معطِّلاً يُنكِر جميع ذلك ويحيله، فلا نتكلَّم معه في الغيبة، بل ننتقل معه إلى الكلام في أصل التوحيد، وأنَّ ذلك مقدور، وإنَّما نُكلِّم في ذلك من أقرَّ بالإسلام وجوَّز كون ذلك مقدوراً لله تعالى، فنُبيِّن لهم نظائره في العادات.
وأمثال ما قلناه كثيرة ممَّا رواه أصحاب السِّيَر والتواريخ من ملوك الفرس(304) وغيبتهم عن أصحابهم مدَّة لا يعرفون خبرهم، ثمّ عودهم وظهورهم لضرب من التدبير، وإنْ لم ينطق به القرآن فهو مذكور في التواريخ، وكذلك جماعة من حكماء الروم والهند(305) قد كانت لهم غيبات وأحوال خارجة عن العادات لا نذكرها، لأنَّ المخالف ربَّما جحدها على عادتهم جحد الأخبار وهو مذكور في التواريخ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(302) هو أرميا النبيُّ (عليه السلام)، راجع: تفسير العيَّاشي (ج 1/ ص 140/ ح 466)، وتفسير القمِّي (ج 1/ ص 90)؛ وذكره الطبري مفصَّلاً في تاريخه (ج 1/ ص 383 فصاعداً).
أو عُزَير كما في كمال الدِّين (ص 226/ باب 22/ قطعة من الحديث 20).
(303) يأتي في (ح 404 و405).
(304) يأتي في (ص 156).
(305) مثل ما رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 642) من أنَّه كان في الهند مَلِك عاش تسعمائة سنة وخمس وعشرين سنة، وأيضاً مثل قصَّة بلوهر ويوذاسف كما في كمال الدِّين (ص 577 - 638).

(١٤٣)

[الجواب عن الاعتراض بطول عمره (عجّل الله فرجه) بما يزيد عن العمر الطبيعي، وكونه خارقاً للعادة، وذكر المعمَّرين]:
فإنْ قيل: ادِّعاؤكم طول عمر صاحبكم أمر خارق للعادات مع بقائه على قولكم كامل العقل تامُّ القوة والشباب، لأنَّه على قولكم له في هذا الوقت - الذي هو سنة سبع وأربعين وأربعمائة - مائة وإحدى وتسعون سنة، لأنَّ مولده على قولكم سنة ست وخمسين ومائتين، ولم تجرِ العادة بأنْ يبقى أحد من البشر هذه المدَّة، فكيف انتقضت العادة فيه ولا يجوز انتقاضها إلَّا على يد الأنبياء؟
قلنا: الجواب عن ذلك من وجهين:
أحدهما: أنَّا لا نُسلِّم أنَّ ذلك خارق لجميع العادات، بل العادات فيما تقدَّم قد جرت بمثلها وأكثر من ذلك، وقد ذكرنا بعضها كقصَّة الخضر (عليه السلام)، وقصَّة أصحاب الكهف، وغير ذلك.
وقد أخبر الله تعالى عن نوح (عليه السلام) أنَّه لبث في قومه ألف سنة إلَّا خمسين عاماً(306)، وأصحاب السِّيَر يقولون: إنَّه عاش أكثر من ذلك(307)، وإنَّما دعا قومه إلى الله تعالى هذه المدَّة المذكورة بعد أنْ مضت عليه ستُّون من عمره.
85 - وروى أصحاب الأخبار أنَّ سلمان الفارسي (رضي الله عنه) لقي عيسى بن مريم (عليه السلام) وبقي إلى زمان نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وخبره مشهور(308).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(306) كما في سورة العنكبوت آية (14).
(307) كما في الكافي (ج 8/ ص 284/ ح 429)، وأمالي الصدوق (ص 602/ ح 836/7)، وكمال الدِّين (ص 523/ باب 46/ ح 1)، وقَصص الأنبياء للراوندي (ص 91/ ح 80).
(308) كما في السيرة النبويَّة لابن هشام (ج 1/ ص 146).
ويستفاد ممَّا رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 161 - 165/ باب 9/ ح 21) أنَّه (رضي الله عنه) عمَّر خمسمائة سنة، وأنَّ بين عيسى (عليه السلام) ونبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خمسمائة سنة.
ونقل النوري (رحمه الله) في نفس الرحمن (ص 650) عن الشافي بأنَّه روى أصحاب الأخبار أنَّ سلمان الفارسي عاش ثلاثمائة وخمسين سنة، وقال بعضهم: بل عاش أكثر من أربعمائة سنة، وقيل: إنَّه أدرك عيسى (عليه السلام).

(١٤٤)

وأخبار المعمَّرين من العرب والعجم معروفة مذكورة في الكُتُب والتواريخ(309).
86 - وروى أصحاب الحديث أنَّ الدجَّال موجود، وأنَّه كان في عصر النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّه باقٍ إلى الوقت الذي يخرج فيه، وهو عدوُّ الله(310).
فإذا جاز في عدوِّ الله لضرب من المصلحة، فكيف لا يجوز مثله في وليِّ الله؟ إنَّ هذا من العناد.
87 - وروى من ذكر أخبار العرب أنَّ لقمان بن عاد كان أطول الناس عمراً، وأنَّه عاش ثلاثة آلاف سنة وخمسمائة سنة، ويقال: إنَّه عاش عمر سبعة أنسر، وكان يأخذ فرخ النسر الذَّكَر فيجعله في الجبل فيعيش النسر ما عاش، فإذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(309) كتاريخ الطبري، والسيرة النبويَّة لابن هشام، وكتاب المعمَّرين لأبي حاتم السجستاني، وكمال الدِّين، وتقريب المعارف، وأمالي المرتضى، وكنز الفوائد للكراجكي، والفصول العشرة في الغيبة للمفيد (رحمه الله)، وغيرها.
(310) الظاهر أنَّه ابن الصيَّاد أو ابن الصائد، ذكره عبد الرزَّاق الصنعاني في مصنَّفه (ج 11/ ص 389/ باب الدجَّال)، وأحمد بن حنبل في مسنده (ج 2/ ص 148)، والبخاري في صحيحه (ج 8/ ص 158)، ومسلم في صحيحه (ج 4/ ص 192)، وغيرهم.
ويحتمل كونه الجساسة كما في مصنَّف ابن أبي شيبة (ج 8/ ص 674 و675/ ح 182)، ومسند أحمد (ج 6/ ص 417)، وصحيح مسلم (ج 8/ ص 204)، وسُنَن ابن ماجة (ج 2/ ص 1354 و1355/ ح 4074)، وغيرها من الكُتُب.
وقال الطبري في تاريخه (ج 1/ ص 12): (فأحسب أنَّ الذي ينتظرونه ويدَّعون أنَّ صفته في التوراة مثبتة هو الدجَّال الذي وصفه رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] لأُمَّته، وذكر لهم أنَّ عامَّة أتباعه اليهود، فإنْ كان ذلك هو عبد الله بن صيَّاد، فهو من نسل اليهود).

(١٤٥)

مات أخذ آخر فربَّاه حتَّى كان آخرها لبد، وكان أطولها عمراً، فقيل: (طال الأمد على لبد)، وفيه يقول الأعشى(311):

لنفسك إذ تختار سبعة أنسـر * * * إذا ما مضـى نسـر خلدت إلى نسـرِ
فعمَّر حتَّى خال أنَّ نسوره * * * خلود وهل يبقى النفوس على الدهرِ
وقال لأدناهنَّ إذ حلَّ ريشه * * * هلكت وأهلكت ابن عاد وما تدري(312)

ومنهم: ربيع بن ضبع بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عيس(313) بن فزارة، عاش ثلاثمائة سنة وأربعين سنة، فأدرك النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يسلم.
وروي أنَّه عاش إلى أيَّام عبد المَلِك بن مروان، وخبره معروف، فإنَّه قال له: فصِّل لي عمرك، قال: عشت مائتي سنة في فترة عيسى، وعشرين ومائة سنة في الجاهليَّة وستِّين في الإسلام، فقال له: لقد طلبك جدٌّ غير عاثر، وأخباره معروفة، وهو الذي يقول وقد طعن في ثلاثمائة سنة:

أصبح منِّي الشباب قد حسـرا * * * إنْ ينأ عنِّي فقد ثوى عصـرا

والأبيات معروفة، وهو الذي يقول:

إذا كان الشتاء فأدفؤني * * * فإنَّ الشيخ يهدمه الشتاء
فأمَّا حين يذهب كلُّ قرٍّ * * * فسـربال خفيف أو رداء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(311) هو ميمون بن قيس من سعد بن ضبيعة بن قيس، وكان أعمى، يُكنَّى أبا بصير.
راجع: طبقات الشعراء (ص 41).
(312) ذكر نحوه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 559)، وذكره أبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 449) مختصراً، والكراجكي (رحمه الله) في كنز الفوائد (ص 248) باختلاف.
(313) في بعض النُّسَخ: (عنبس).

(١٤٦)

إذا عاش الفتى مائتين عاماً * * * فقد أودى المسـرة والفتاء(314)،(315)

ومنهم: المستوغر بن ربيعة بن كعب بن زيد (بن)(316) مناة(317)، عاش ثلاثمائة وثلاثين سنة، حتَّى قال:

ولقد سئمت من الحياة وطولها * * * وعمَّرت من بعد السنين سنينا
مائة أتت من بعدها مائتان لي * * * وعمَّرت من عدد الشهور سنينا
هل ما بقي إلَّا كما قد فاتنا * * * يوم يكرُّ وليلة تحدونا(318)

ومنهم: أكثم بن صيفي الأسدي، عاش ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة، وكان ممَّن أدرك النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وآمن به، ومات قبل أنْ يلقاه، وله أخبار كثيرة، وحِكَم وأمثال، وهو القائل:

وإنْ امرءاً قد عاش تسعين حجَّة * * * إلى مائة لم يسأم العيش جاهل
خلت مائتان غير ستٍّ وأربع(319) * * * وذلك من عدِّ الليالي قلائل(320)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(314) في أمالي المرتضى (ج 1/ ص 184)، وكنز الفوائد للكراجكي (ص 249)، وخزانة الأدب للبغدادي (ج 7/ ص 354): (فقد ذهب اللذاذة والفتاء).
(315) ذكره مفصَّلاً الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 549/ باب 52/ ح 1)، والمرتضى (رحمه الله) في أماليه (ج 1/ ص 184).
(316) ليس في بعض النُّسَخ.
(317) هو عمرو بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر.
وفي تقريب المعارف (ص 450): (طلحة) بدل (طابخة).
(318) ذكره المرتضى (رحمه الله) في أماليه (ج 1/ ص 174) مفصَّلاً، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 451) باختلاف يسير، والكراجكي (رحمه الله) في كنز الفوائد (ص 249).
(319) في بعض النُّسَخ: (خلت مائتان بعد عشر وفاؤها)، وفي تقريب المعارف: (مضت مائتان بعد عشر وفازها).
(320) ذكره الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 570) مفصَّلاً، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 454).

(١٤٧)

وكان والده صيفي بن رياح بن أكثم أيضاً من المعمَّرين، عاش مائتين وسبعين سنة لا يُنكَر من عقله شيء، وهو المعروف بذي الحلم الذي قال فيه المتلمس اليشكري(321):

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا * * * وما علم الإنسان إلَّا ليعلما(322)

ومنهم: ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو، عاش مائتي سنة وعشرين سنة ولم يشب قطُّ، وأدرك الإسلام ولم يسلم.
وروى أبو حاتم والرياشي(323)، عن العتبي(324)، عن أبيه، قال: مات ضبيرة السهمي وله مائتا سنة وعشرون سنة، وكان أسود الشعر، صحيح الأسنان، ورثاه ابن عمِّه قيس بن عدي، فقال:

من يأمن الحدثان بعد * * * ضبيرة السهمي ماتا
سبقت منيَّته المشيب * * * وكان ميتته(325) افتلاتا
فتزوَّدوا لا تهلكوا * * * من دون أهلكم خفاتا(326)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(321) هو جرير بن عبد المسيح بن عبد الله بن دوفن، من بني ضبيعة، وأخواله بنو يشكر.
راجع: الأغاني (ج 24/ ص 358)، وطبقات الشعراء (ص 66).
(322) ذكره الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 570) مفصَّلاً، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 450).
(323) هو أبو الفضل العبَّاس بن الفرج الرياشي النحوي اللغوي، قُتِلَ في المسجد الجامع بالبصرة في أيَّام العلوي صاحب الزنج، في سنة (257هـ).
راجع: الأنساب للسمعاني (ج 3/ ص 111 و112).
(324) هو محمّد بن عبيد الله بن معاوية، أبو عبد الرحمن، العتبي الأخباري، من أهل البصرة، حدَّث عن أبيه، روى عنه أبو حاتم السجستاني، وأبو الفضل الرياشي، تُوفّي سنة (228هـ).
راجع: الأنساب للسمعاني (ج 4/ ص 149).
(325) في بعض النُّسَخ: (منيَّته).
(326) ذكره المفيد (رحمه الله) في الفصول العشرة (ص 99)، والحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 454)، والكراجكي (رحمه الله) في كنز الفوائد (ص 250)، وأبو حاتم في المعمَّرين (ص 20/ الرقم 11).

(١٤٨)

ومنهم: دريد بن الصمة الجشمي، عاش مائتي سنة، وأدرك الإسلام فلم يسلم، وكان أحد قوَّاد المشركين يوم حنين ومقدَّمتهم(327)، حضر حرب النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقُتِلَ يومئذٍ(328).
ومنهم: محصن بن غسَّان بن ظالم الزبيدي، عاش مائتي سنة وستًّا وخمسين سنة(329).
ومنهم: عمرو بن حممة الدوسي، عاش أربعمائة سنة، وهو الذي يقول:

كبرت وطال العمر حتَّى كأنَّني * * * سليم أفاع ليلة غير مودع
فما الموت أفناني ولكن تتابعت * * * عليَّ سنون من مصيف ومربع
ثلاث مئات قد مررن كواملا * * * وها أنا هذا أرتجي منه أربع(330)،(331)

ومنهم: الحارث بن مضاض الجرهمي، عاش أربعمائة سنة، وهو القائل:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * * * أنيس ولم يسمر بمكَّة سامر
بلى نحن كنَّا أهلها فأبادنا(332) * * * صروف الليالي والجدود العواثر(333)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(327) في الفصول العشرة: (مقدَّمهم).
(328) ذكره المفيد (رحمه الله) في الفصول العشرة (ص 100)، والكراجكي (رحمه الله) في كنز الفوائد (ص 250)، وأبو حاتم في المعمَّرين (ص 21/ الرقم 14).
(329) ذكره المفيد (رحمه الله) في الفصول العشرة (ص 100)، وأبو حاتم في المعمَّرين (ص 21/ الرقم 13)، وفيهما: (محصن بن عتبان...) إلى آخره.
(330) في الفصول العشرة وتقريب المعارف وكنز الفوائد: (وها أنا هذا أرتجي مرَّ أربع).
(331) ذكره المفيد (رحمه الله) في الفصول العشرة (ص 100)، والحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 450)، والكراجكي في كنز الفوائد (ص 250).
(332) في المعمَّرين: (فأزالنا).
(333) ذكره المفيد (رحمه الله) في الفصول العشرة (ص 101)، والحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 455)، والكراجكي (رحمه الله) في كنز الفوائد (ص 251)، وأبو حاتم في المعمَّرين (ص 42/ الرقم 41).

(١٤٩)

ومنهم: عبد المسيح بن بقيلة الغسَّاني، ذكر الكلبي(334) وأبو عبيدة(335) وغيرهما أنَّه عاش ثلاثمائة سنة وخمسين سنة، وأدرك الإسلام فلم يسلم، وكان نصرانيًّا، وخبره مع خالد بن الوليد - لـمَّا نزل على الحيرة - معروف، حتَّى قال له: كم أتى لك؟ قال: خمسون وثلاثمائة سنة، قال: فما أدركت؟ قال: أدركت سُفُن البحر ترفأ(336) إلينا في هذا الجرف(337)، ورأيت المرأة من أهل الحيرة تضع مكتلها على رأسها لا تُزوَّد إلَّا رغيفاً واحداً حتَّى تأتي الشام وقد أصبحت خراباً(338)، وذلك دأب الله في العباد والبلاد، وهو القائل:

والناس أبناء علات(339) فمن علموا * * * أنْ قد أقلَّ فمجفوٌّ ومحقور(340)
وهم بنون لأُمٍّ إنْ رأوا نشبا * * * فذاك بالغيب محفوظ ومحصور(341)،(342)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(334) هو أبو النضر محمّد بن السائب بن بشر بن كلب، الكلبي، صاحب التفسير، من أهل الكوفة، تُوفّي سنة (146هـ)، ويحتمل كون المراد منه ابنه أبو المنذر هشام بن محمّد، الكلبي، صاحب النسب، تُوفّي سنة (206هـ).
راجع: الأنساب للسمعاني (ج 5/ ص 86).
(335) هو معمر بن المثنَّى اللغوي البصري، أبو عبيدة، مولى بني تيم، تيم قريش، وُلِدَ سنة (110هـ)، ومات سنة (209هـ).
راجع: بغية الوعاة (ج2/ص294/الرقم2010)، وتاريخ بغداد (ج13/ص252/الرقم7210).
(336) في لسان العرب (ج 1/ ص 87/ مادَّة رفأ): (أرفأت السفينة: قربت من المرفأ).
(337) في الصحاح للجوهري (ج 4/ ص 1336/ مادَّة جرف): (الجرف: ما تجرفته السيول وأكلته من الأرض).
(338) في أمالي المرتضى: (خراباً يباباً).
(339) في لسان العرب (ج 11/ص 470/مادَّة علل): (إنَّ أبناء علات يُستَعمل في الجماعة المختلفين).
(340) في أمالي المرتضى: (ومهجور).
(341) في أمالي المرتضى: (ومخفور).
(342) ذكره المرتضى (رحمه الله) في أماليه (ج 1/ ص 188)، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 453)، وأبو حاتم في المعمَّرين (ص 37/ الرقم 34).

(١٥٠)

ومنهم: النابغة الجعدي من بني عامر بن صعصعة يُكنَّى أبا ليلى.
قال أبو حاتم السجستاني(343): كان النابغة الجعدي أسنّ من النابغة الذبياني، وروي أنَّه كان يفتخر ويقول: أتيت النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأنشدته:

بلغنا السماء مجدنا وجدودنا * * * وإنَّا لنرجو فوق ذلك مظهرا(344)

فقال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أين المظهر(345) يا أبا ليلى؟»، فقلت: الجنَّة يا رسول الله، فقال: «أجل إنْ شاء الله تعالى»، ثمّ أنشدته:

ولا خير في حلم إذا لم يكن له * * * بوادر تحمي صفوه أنْ يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له * * * حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

فقال له النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لا يُفضِض الله فاك».
وقيل: إنَّه عاش مائة وعشرين سنة ولم يسقط من فيه سنٌّ ولا ضرس.
وقال بعضهم: رأيته وقد بلغ الثمانين تزفُّ غروبه(346)، وكان كلَّما سقطت له

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(343) هو سهل بن محمّد بن عثمان بن يزيد الحشمي (الجشمي)، من كبار العلماء باللغة والشعر من أهل البصرة، كان المبرَّد يلازم القراءة عليه، وله عدَّة كُتُب منها كتاب (المعمَّرين من العرب)، تُوفّي سنة (250هـ).
راجع ترجمته في: هديَّة العارفين (ج 1/ ص 411)، والأعلام للزركلي (ج 3/ ص 143)، ومعجم المؤلِّفين (ج 4/ ص 285)، ووفيات الأعيان (ج 2/ ص 430 - 433/ الرقم 282)، والوافي بالوفيات (ج 16/ ص 10 و11/ الرقم 5252)، وغيرها من كُتُب التراجم.
(344) في بعض النُّسَخ: (مطهَّراً).
(345) في بعض النُّسَخ: (أين المطهَّر).
(346) تزفُّ: تلمع، قال الزبيدي في تاج العروس (ج 2/ ص 277): (وفي حديث النابغة: «تزفُّ غروبه»، هي جمع غرب، وهو ماء الفم وحدَّة الأسنان)، ومثله ما في النهاية لابن الأثير (ج 3/ ص 351)، وفيه: (ترف).
وفي أمالي المرتضى (ج 1/ ص 192): (ترف: معنى تبرق، وكأنَّ الماء يقطر منها).

(١٥١)

ثنية تنبت له أُخرى مكانها، وهو من أحسن الناس ثغراً(347).
ومنهم: أبو الطمحان القيني من بني كنانة بن القين.
قال أبو حاتم(348): عاش أبو الطمحان القيني من بني كنانة مائتي سنة.
وقال في ذلك:

حنتني حانيات الدهر حتَّى * * * كأنِّي خاتل(349) أدنو(350) لصيد
قصير الخطو يحسب من رآني * * * ولست مقيَّداً أنِّي بقيد(351)

وأخباره وأشعاره معروفة.
ومنهم: ذو الإصبع العدواني.
قال أبو حاتم(352): عاش ثلاثمائة سنة، وهو أحد حُكَّام العرب في الجاهليَّة، وأخباره وأشعاره وحِكَمه معروفة(353).
ومنهم: زهير بن جناب(354) الحميري، لم نذكر نسبه لطوله.
قال أبو حاتم: عاش زهير بن جناب مائتي سنة وعشرين سنة، وواقع مائتي وقعة، وكان سيِّداً مطاعاً عاش شريفاً في قومه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(347) ذكره المرتضى (رحمه الله) في أماليه (ج 1/ ص 190)، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 453)، وأبو حاتم في المعمَّرين (ص 64/ الرقم 65)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (ج 1/ ص 102 و103/ الرقم 17).
(348) المعمَّرون (ص 57/ الرقم 53).
(349) في لسان العرب (ج 11/ ص 199/ مادَّة ختل): (المخاتلة: مشي الصياد قليلاً قليلاً في خفية لئلَّا يسمع الصيد حسَّه).
(350) في المعمَّرين: (يدنو).
(351) ذكره المرتضى (رحمه الله) في أماليه (ج 1/ ص 185) مفصَّلاً.
(352) المعمَّرون (ص 90/ الرقم 110).
(353) ذكره المرتضى (رحمه الله) في أماليه (ج1/ص176) مفصَّلاً، والحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص452).
(354) هكذا في جميع المصادر، وفي بعض النُّسَخ: (حباب)، وفي بعضها: (خباب).

(١٥٢)

ويقال: كانت فيه عشر خصال لم يجتمعن في غيره من أهل زمانه، كان سيِّد قومه، وشريفهم، وخطيبهم، وشاعرهم، ووافدهم إلى الملوك، وطبيبهم - والطبُّ في ذلك الزمان شرف -، وحازي قومه - وهو الكاهن(355) -، وكان فارس قومه، وله البيت فيهم، والعدد منهم، وأوصى إلى بنيه، فقال:
يا بنيَّ، إنِّي كبرت سنِّي وبلغت حرساً من دهري (أي دهراً)(356)، فأحكمتني التجارب والأُمور تجربة واختبار(357)، فاحفظوا عنِّي ما أقول وعوا، وإيَّاكم والخور عند المصائب، والتواكل عند النوائب، فإنَّ ذلك داعية الغمِّ، وشماتة العدوِّ، وسوء الظنِّ بالربِّ، وإيَّاكم أنْ تكونوا بالأحداث مغترِّين، ولها آمنين، ومنها ساخرين، فإنَّه ما سخر قوم قطُّ إلَّا ابتلوا، ولكن توقَّعوها، فإنَّما الإنسان [في الدنيا](358) غرض تعاوره الزمان فمقصِّر دونه، ومجاوز موضعه، وواقع عن يمينه وشماله، ثمّ لا بدَّ أنْ يصيبه(359).
وأقواله معروفة، وكذلك أشعاره(360).
ومنهم: دويد بن نهد بن زيد بن أسود بن أسلُم(361) - بضمِّ اللَّام - بن ألحاف بن قضاعة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(355) في أمالي المرتضى والمعمَّرين: (والخزازة الكُهَّان).
(356) ليس في أمالي المرتضى.
(357) في أمالي المرتضى: (احتيال).
(358) من أمالي المرتضى.
(359) في أمالي المرتضى: (أنَّه مصيبه).
(360) ذكره المرتضى (رحمه الله) في أماليه (ج 1/ ص 172) مفصَّلاً، والحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 451)، والكراجكي (رحمه الله) في كنز الفوائد (ص 251)، وأبو حاتم في المعمَّرين (ص 24/ الرقم 19)، والجمحي في طبقات الشعراء (ص 37).
(361) هو دويد بن زيد بن نهد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن ألحاف بن قضاعة بن مالك بن مرَّة ابن مالك بن حمير.

(١٥٣)

قال أبو حاتم(362): عاش دويد بن زيد أربعمائة وستًّا وخمسين سنة، ووصيَّته معروفة، وأخباره مشهورة، ومن قوله:

ألقى عليَّ الدهر رجلاً ويدا * * * والدهر ما أصلح يوماً أفسدا

يفسد ما أصلحه اليوم غدا(363)

ومنهم: الحارث بن كعب بن عمرو بن وعلة المذحجي، ومذحج هي أُمُّ مالك بن أدد، وسُمّيت مذحجاً لأنَّها ولدت على أكمة تُسمَّى مذحجاً.
قال أبو حاتم(364): جمع الحارث بن كعبة(365) بنيه لـمَّا حضرته الوفاة، فقال: يا بنيَّ، قد أتت عليَّ ستُّون ومائة سنة ما صافحت يميني يمين غادر، ولا قنعت نفسي بحلَّة(366) فاجر، ولا صبوت بابنة عمٍّ ولا كنَّة(367)، ولا طرحت عندي مومسة قناعها، ولا بحت لصديق بسرٍّ(368)، وإنِّي لعلى دين شعيب النبيِّ (عليه السلام) وما عليه أحد من العرب غيري وغير أسد بن خزيمة وتميم بن مر، فاحفظوا وصيَّتي، وموتوا على شريعتي، إلهكم فاتَّقوه يكفكم المهمَّ من أُموركم ويُصلِح لكم أعمالكم، وإيَّاكم ومعصيته، لا يحلُّ بكم الدمار، ويوحش منكم الديار.
يا بنيَّ، كونوا جميعاً ولا تتفرَّقوا فتكونوا شِيَعاً، فإنَّ موتاً في عزٍّ خير من حياة في ذلٍّ وعجز، وكلُّ ما هو كائن كائن، وكلُّ جمع(369) إلى تبائن، الدهر ضربان،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(362) المعمَّرون (ص 20/ الرقم 12)، وفيه: (دويد بن نهد).
(363) ذكره المرتضى (رحمه الله) في أماليه (ج 1/ ص 171) مفصَّلاً، والحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 451)، والكراجكي (رحمه الله) في كنز الفوائد (ص 250)، وفيه: (دريد بن زيد).
(364) المعمَّرون والوصايا (ص 38 و39)، ونسب فيه هذا القول إلى مالك بن المنذر البجلي.
(365) كذا، والصحيح: (كعب).
(366) في أمالي المرتضى والمعمَّرين: (بخلة فاجر).
(367) في العين للفراهيدي (ج 5/ ص 281/ مادَّة كن): (الكنَّة: امرأة الابن أو الأخ).
(368) في المعمَّرين: (بسرِّي)، وفي بعض النُّسَخ: (بشر).
(369) في أمالي المرتضى: (جميع).

(١٥٤)

فضرب رجاء، وضرب بلاء(370)، واليوم يومان، فيوم حبرة(371)، ويوم عبرة، والناس رجلان، فرجل لك، ورجل عليك، تزوَّجوا الأكفاء، وليستعملنَّ في طيبهنَّ الماء، وتجنَّبوا الحمقاء، فإنَّ ولدها إلى أفن(372) ما يكون، ألَا إنَّه لا راحة لقاطع القرابة، وإذا اختلف القوم أمكنوا عدوَّهم، وآفة العدد اختلاف الكلمة، والتفضُّل بالحسنة يقي السيِّئة، والمكافأة بالسيِّئة الدخول فيها، والعمل بالسوء يزيل النعماء، وقطيعة الرحم تورث الهمَّ(373)، وانتهاك الحرمة يزيل النعمة، وعقوق الوالدين يورث(374) النكد، ويمحق العدد، ويخرب البلد، والنصيحة تجرُّ الفضيحة(375)، والحقد يمنع الرفد(376)، ولزوم الخطيئة يعقب البليَّة، وسوء الرعة(377) يقطع أسباب المنفعة، الضغائن تدعو إلى التبائن، ثمّ أنشأ يقول:

أكلتُ شبابي فأفنيته * * * وأفنيتُ(378) بعد دهور دهورا
ثلاثة أهلين صاحبتهم * * * فبادوا فأصبحت شيخاً كبيرا
قليل الطعام عسير القيام * * * قد ترك الدهر خطوي(379) قصيرا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(370) في المعمَّرين وأمالي المرتضى: (الدهر صرفان، فصرف رخاء وصرف بلاء).
(371) في لسان العرب (ج 4/ص 158/مادَّة حبر): (الحبور: السرور)؛ والمعنى: يوم سرور ويوم حزن.
وفي بعض النُّسَخ: (فيوم حيرة).
(372) أَفَن كفَلَس وفَرَس: ضعف الرأي. راجع: الصحاح للجوهري (ج 5/ص 2071/مادَّة أفن).
(373) في المعمَّرين: (تورث إلمام الهمِّ).
(374) في المعمَّرين وأمالي المرتضى: (يُعقِب النكد).
(375) في المعمَّرين: (النصيحة لا تهجم على الفضيحة).
(376) في الصحاح للجوهري (ج 2/ص 475/مادَّة رفد): (الرِّفد - بالكسر -: العطاء والصلة).
(377) في بعض النُّسَخ: (الدعة).
(378) في المعمَّرين: (وأمضيت).
(379) في المعمَّرين: (قيدي قصيراً).

(١٥٥)

أبيت أراعي نجوم السماء * * * أقلب أمري بطوناً ظهورا(380)

فهذا طرف من أخبار المعمَّرين من العرب واستيفاؤه في الكُتُب المصنَّفة في هذا المعنى موجود.
وأمَّا الفرس فإنَّها تزعم أنَّ فيما تقدَّم من ملوكها جماعة طالت أعمارهم، فيروون أنَّ الضحَّاك صاحب الحيِّتين عاش ألف سنة ومائتي سنة، وإفريدون العادل عاش فوق ألف سنة، ويقولون: إنَّ المَلِك الذي أحدث المهرجان عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة، استتر منها عن قومه ستّمائة سنة.
وغير ذلك ممَّا هو موجود في تواريخهم وكُتُبهم لا نُطوِّل بذكرها، فكيف يقال: إنَّ ما ذكرناه في صاحب الزمان خارج عن العادات؟
ومن المعمَّرين من العرب: يعرب بن قحطان، واسمه ربيعة أوَّل من تكلَّم بالعربيَّة، ملك مائتي سنة على ما ذكره أبو الحسن النسَّابة الأصفهاني في كتاب (الفرع والشجر)، وهو أبو اليمن كلِّها، وهو منها كعدنان إلَّا شاذًّا نادراً(381).
ومنهم: عمرو بن عامر مزيقيا، روى الأصفهاني عن عبد المجيد بن أبي عيس(382) الأنصاري، والشرقي بن قطامي أنَّه عاش ثمانمائة سنة، أربعمائة سنة سوقة في حياة أبيه، وأربعمائة سنة مَلِكاً، وكان في سني ملكه يلبس في كلِّ يوم حلَّتين، فإذا كان بالعشيِّ مُزِّقت الحلَّتان عنه لئلَّا يلبسهما غيره، فسُمِّي مزيقيا.
وقيل: إنَّما سُمِّي بذلك لأنَّ على عهده تمزَّقت الأزد فصاروا إلى أقطار الأرض، وكان ملك أرض سبأ فحدَّثته الكُهَّان بأنَّ الله يُهلِكها بالسيل العرم،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(380) ذكره المرتضى (رحمه الله) في أماليه (ج 1/ ص 167) باختلاف، والحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 450)، والكراجكي (رحمه الله) في كنز الفوائد (ص 251).
(381) راجع: التنبيه والإشراف (ص 70)، والأخبار الطوال (ص 7).
(382) في بعض النُّسَخ: (عبس).

(١٥٦)

فاحتال حتَّى باع ضياعه وخرج فيمن أطاعه من أولاده وأهله قبل السيل العرم، ومنه انتشرت الأزد كلُّها، والأنصار من ولده(383).
ومنهم: جلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن يعرب، ويقال لجلهمة: طيئ، وإليه تُنسَب طيئ كلُّها، وله خبر يطول شرحه، وكان له ابن أخ يقال له: يحابر بن مالك بن أدد، وكان قد أتى على كلِّ واحدٍ منهما خمسمائة سنة، وقع بينهما ملاحاة بسبب المرعى، فخاف جلهمة هلاك عشيرته، فرحل عنه، وطوى المنازل فسُمِّي طيئاً، وهو صاحب أجأ وسلمى - جبلين بطيئ(384) -، ولذلك خبر يطول، معروف.
ومنهم: عمرو بن لحي، وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقيا، في قول علماء خزاعة، كان رئيس خزاعة في حرب خزاعة وجرهم، وهو الذي سنَّ السائبة الوصيلة والحام، ونقل صنمين وهما: هُبَل ومناة من الشام إلى مكَّة فوضعهما للعبادة، فسلَّم هُبَل إلى خزيمة بن مدركة، فقيل: هُبَل خزيمة، وصعد على أبي قبيس ووضع مناة بالمسلل(385)، وقَدِمَ بالنرد، وهو أوَّل من أدخلها مكَّة، فكانوا يلعبون بها في الكعبة غدوةً وعشيَّةً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(383) ذكر نحوه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 560) مختصراً؛ وذُكِرَ شرح حاله في السيرة النبويَّة لابن هشام (ج 1/ ص 6 و7).
(384) قال الزمخشري: (أجأ وسلمى جبلان عن يسار سميراء). وقال أبو عبيد: (أجأ أحد جبلي طيئ وهو غربي فيد، وبينهما مسير ليلتين، وفيه قرى كثيرة).
راجع: معجم البلدان (ج 1/ ص 94).
(385) يبدو أنَّها منطقة بين مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة، ففي تحفة الأحوذي (ج 8/ ص 242): (اسم موضع قريب من قديد من جهة البحر...).
وقد يأتي بلفظ (المشلل) كما في معجم البلدان (ج 4/ ص 203) حيث قال ضمن كلام له: (غسَّان، ماء بالمشلل قريب من الجحفة).
راجع: معجم البلدان (ج 1/ ص 94).

(١٥٧)

88 - فَرُوِيَ عَنِ اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «رُفِعْتْ إِلَيَّ اَلنَّارُ فَرَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ رَجُلاً قَصِيراً أَحْمَرَ أَزْرَقَ يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي اَلنَّارِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ».
وكان يلي من أمر الكعبة ما كان يليه جرهم قبله حتَّى هلك وهو ابن ثلاث مائة سنة وخمس وأربعين سنة، وبلغ ولده وأعقابهم ألف مقاتل فيما يذكرون(386).
فإنْ كان المخالف لنا في ذلك من يحيل ذلك من المنجِّمين وأصحاب الطبائع، فالكلام معهم في أصل هذه المسألة، وأنَّ العالم مصنوع، وله صانع أجرى العادة بقصر الأعمار وطولها، وأنَّه قادر على إطالتها وعلى إفنائها، فإذا بُيِّن ذلك سهل الكلام.
وإنْ كان المخالف في ذلك من يُسلِّم ذلك غير أنَّه يقول: هذا خارج عن العادات، فقد بيَّنَّا أنَّه ليس بخارج عن جميع العادات.
ومتى قالوا: خارج عن عادتنا.
قلنا: وما المانع منه؟
فإنْ قيل: ذلك لا يجوز إلَّا في زمن الأنبياء.
قلنا: نحن ننازع في ذلك، وعندنا يجوز خرق العادات على يد الأنبياء والأئمَّة والصالحين، وأكثر أصحاب الحديث يُجوِّزون ذلك، وكثير من المعتزلة والحشويَّة، وإنْ سمُّوا ذلك كرامات، كان ذلك خلافاً في عبارة، وقد دلَلنا على جواز ذلك في كُتُبنا، وبيَّنَّا أنَّ المعجز إنَّما يدلُّ على صدق من يظهر على يده، ثمّ نعلمه نبيًّا أو إماماً أو صالحاً لقوله، وكلَّما يذكرونه من شُبَههم قد بيَّنَّا الوجه في كُتُبنا لا نُطوِّل بذكره هاهنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(386) رواه ابن هشام في السيرة النبويَّة (ج 1/ ص 50 و51).

(١٥٨)

89 - ووجدت بخطِّ الشريف الأجلّ الرضي أبي الحسن محمّد بن الحسين الموسوي (رضي الله عنه) تعليقاً في تقاويم جمعها مؤرَّخاً بيوم الأحد الخامس عشر من المحرَّم سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة أنَّه ذُكِرَ له حال شيخ في باب الشام قد جاوز المائة وأربعين سنة، فركبت إليه حتَّى تأمَّلته وحملته إلى القرب من داري بالكرخ، وكان أُعجوبة، شاهد الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليٍّ الرضا (عليهم السلام) أبا القائم (عليه السلام) ووصف صفته، إلى غير ذلك من العجائب التي شاهدها، هذه حكاية خطِّه بعينها.
فأمَّا ما يعرض من الهرم بامتداد الزمان وعلوِّ السنِّ وتناقض بنية الإنسان، فليس ممَّا لا بدَّ منه، وإنَّما أجرى الله العادة بأنْ يفعل ذلك عند تطاول الزمان ولا إيجاب هناك، وهو تعالى قادر أنْ لا يفعل ما أجرى العادة بفعله.
وإذا ثبتت هذه الجملة ثبت أنَّ تطاول العمر ممكن غير مستحيل، وقد ذكرنا فيما تقدَّم عن جماعة أنَّهم لم يتغيَّروا مع تطاول أعمارهم وعلوِّ سنِّهم، وكيف يُنكِر ذلك من يقرُّ بأنَّ الله تعالى يُخلِد المثابين في الجنَّة شُبَّاناً لا يبلون، وإنَّما يمكن أنْ ينازع في ذلك من يجحد ذلك ويسنده إلى الطبيعة وتأثير الكواكب الذي قد دلَّ الدليل على بطلان قولهم باتِّفاقٍ منَّا وممَّن خالفنا في هذه المسألة من أهل الشرع، فسقطت الشبهة من كلِّ وجه.
[الدليل على إمامة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) من روايات المخالفين في الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام)]:
دليل آخر: وممَّا يدل على إمامة صاحب الزمان ابن الحسن بن عليِّ بن محمّد ابن الرضا (عليهم السلام) وصحَّة غيبته ما رواه الطائفتان المختلفتان، والفرقتان المتباينتان العامَّة والإماميَّة أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون، وإذا ثبت ذلك فكلُّ من قال بذلك قطع على الأئمَّة الاثني عشر الذين نذهب إلى

(١٥٩)

إمامتهم، وعلى وجود ابن الحسن (عليه السلام) وصحَّة غيبته، لأنَّ من خالفهم في شيء من ذلك لا يقصر الإمامة على هذا العدد، بل يُجوِّز الزيادة عليها، وإذا ثبت بالأخبار التي نذكرها هذا العدد المخصوص ثبت ما أردناه.
فنحن نذكر جُمَلاً من ذلك، ونحيل الباقي على الكُتُب المصنَّفة في هذا المعنى، لئلَّا يطول به الكتاب إنْ شاء الله تعالى.
فممَّا روي في ذلك من جهة مخالفي الشيعة:
90 - مَا أَخْبَرَنِي بِهِ أَبُو عَبْدِ اَلله أَحْمَدُ بْنُ عُبْدُونٍ اَلمَعْرُوفُ بِابْنِ اَلْحَاشِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلشُّجَاعِيُّ اَلْكَاتِبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اَلله مُحَمَّدُ اِبْنُ إِبْرَاهِيمَ اَلمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي زَيْنَبَ اَلنُّعْمَانِيِّ اَلْكَاتِبِ(387)، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ اِبْنِ عَلَّانَ اَلذَّهَبِيُّ(388) اَلْبَغْدَادِيُّ بِدِمَشْقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ اَلْجَعْدِ(389)، قَالَ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ(390)، عَنْ زِيَادِ بْنِ خَيْثَمَةَ، عَنِ اَلْأَسْوَدِ بْنِ سَعِيدٍ اَلْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ(391) يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «يَكُونُ بَعْدِي اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(387) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 383/ الرقم 1043): (شيخ من أصحابنا، عظيم القدر، شريف المنزلة، صحيح العقيدة، كثير الحديث...، رأيت أبا الحسين محمّد بن عليٍّ الشجاعي الكاتب يُقرَأ عليه كتاب الغيبة تصنيف محمّد بن إبراهيم النعماني بمشهد العتيقة).
(388) في الغيبة للنعماني: (الدهني).
(389) هو عليُّ بن الجعد بن عبيد الجوهري البغدادي، وُلِدَ سنة (136هـ)، ومات سنة (230هـ).
راجع: تاريخ بغداد (ج 11/ ص 360/ الرقم 6215).
(390) هو زهير بن معاوية بن حديج أبو خيثمة الجعفي الكوفي، وُلِدَ سنة (100هـ)، ومات سنة (173هـ).
راجع: تقريب التهذيب (ج 1/ ص 317/ الرقم 2056).
(391) جابر بن سمرة بن جنادة السوائي، نزل الكوفة، ومات بها بعد سنة (70هـ).
راجع: تهذيب التهذيب (ج 2/ ص 35/ الرقم 63).

(١٦٠)

قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَتَتْهُ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: ثُمَّ يَكُونُ مَا ذَا؟
فَقَالَ: «ثُمَّ يَكُونُ اَلْهَرْجُ»(392).
91 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اِبْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ(393) وَسِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ(394) وَحُصَيْنِ اِبْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ(395)، كُلِّهِمْ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً».
ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ(396) لَمْ أَفْهَمْهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَأَلْتُ اَلْقَوْمَ، فَقَالُوا: [قَالَ](397): «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(398).
92 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اِبْنُ عَوْنٍ، عَنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(392) الغيبة للنعماني (ص 104/ باب 4/ ح 31)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 55/ ح 14)، وفي الخصال (ص 472/ ح 26)، والحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 418) عن زياد بن أبي خيثمة، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 25) عن أبي بكر بن أبي خيثمة، والراوندي (رحمه الله) في قَصص الأنبياء (ص 367/ ح 472) عن أبي بكر بن أبي خيثمة مختصراً، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ ص 250) مختصراً.
(393) قال الخزرجي في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 125): (زياد بن علاقة الثعلبي - بمثلَّثة -، أبو مالك الكوفي، تُوفِّي سنة (125هـ)).
(394) قال الخزرجي في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 155 و156): (سماك بن حرب بن أوس البكري الذهلي، أبو المغيرة الكوفي، مات سنة (123هـ)).
(395) قال الخزرجي في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 86): (الحصين بن عبد الرحمن السلمي، أبو الهذيل الكوفي، مات سنة (136هـ)).
(396) في الغيبة للنعماني والخصال: (بشيء).
(397) من الغيبة للنعماني والخصال.
(398) الغيبة للنعماني (ص 105/ باب 4/ ح 32)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في الخصال (ص 471/ ح 21) باختلاف يسير.

(١٦١)

اَلشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: ذَكَرَ أَنَّ اَلنَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ هَذَا اَلدِّينِ يُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ نَاوَاهُمْ إِلَى اِثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً».
فَجَعَلَ اَلنَّاسُ يَقُومُونَ وَيَقْعُدُونَ، وَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَمْ أَفْهَمْهَا، فَقُلْتُ لِأَبِي أَوْ لِأَخِي: أَيَّ شَيْءٍ قَالَ؟
فَقَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(399).
93 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اَلله بْنُ عُمَرَ(400)، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اِبْنُ عَوْنٍ(401)، عَنِ اَلشَّعْبِيِّ(402)، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: [ذَكَرَ](403) أَنَّ اَلنَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ [هَذَا] اَلدِّينِ يُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ نَاوَاهُمْ إِلَى اِثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً».
فَجَعَلَ اَلنَّاسُ يَقُومُونَ وَيَقْعُدُونَ، وَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَمْ أَفْهَمْهَا، فَقُلْتُ لِأَبِي أَوْ لِأَخِي: أَيَّ شَيْءٍ قَالَ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(399) رواه ابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ ص 250) بإسناده عن سماك بن حرب وزياد بن علاقة وحصين بن عبد الرحمن مختصراً.
ولم نجده بهذا الإسناد في الغيبة للنعماني.
(400) قال الخزرجي في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 252): (عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي، مولاهم، أبو شعيب البصري القواريري، مات سنة (235هـ)).
وفي بعض النُّسَخ: (عبد الله بن عمر).
(401) قال الخزرجي في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 209): (عبد الله بن عون بن أرطبان المزني، مولاهم، أبو عون الخزَّاز، روى عن جماعة منهم الشعبي، مات سنة (151هـ)).
(402) قال ابن حجر في تقريب التهذيب (ج 1/ ص 461/ الرقم 3103): (عامر بن شراحيل الشعبي، أبو عمرو، ثقة، مشهور، مات بعد المائة).
وفي خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 184): (عامر بن شراحيل الحميري الشعبي، أبو عمرو الكوفي، تُوفّي سنة (103هـ)).
(403) ما بين المعقوفتين من الغيبة للنعماني وبعض النُّسَخ، وكذا ما يأتي.

(١٦٢)

فَقَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(404).
94 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ(405)، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ(406)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلله بْنُ صَالِحٍ(407)، قَالَ: حَدَّثَنَا اَللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ(408)، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ(409)، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(404) الغيبة للنعماني (ص 105/ باب 4/ ح 33)؛ ورواه الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 418) عن الشعبي، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 25) عن سليمان بن أحمر، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 162).
(405) أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب بن شدَّاد، أبو بكر، أخذ علم الحديث عن يحيى بن معين، تُوفّي سنة (279هـ).
راجع: تاريخ بغداد (ج 4/ ص 384/ الرقم 2156).
(406) قال ابن حجر في تقريب التهذيب (ج 2/ ص 316/ الرقم 7679): (يحيى بن معين بن عون الغطفاني، مولاهم، أبو زكريَّا البغدادي، مات سنة (233هـ) بالمدينة المنوَّرة).
(407) قال ابن حجر في تقريب التهذيب (ج 1/ ص 501/ الرقم 3399): (عبد الله بن صالح بن محمّد بن مسلم الجهني، أبو صالح المصري، كاتب الليث، مات سنة (223هـ)).
(408) هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن، أبو الحارث الفهمي، أصله من أهل أصبهان، روى عنه جماعة منهم: عبد الله بن صالح، وروى عن جماعة منهم: خالد بن يزيد، تُوفّي سنة (175هـ).
راجع: سير أعلام النبلاء (ج 8/ ص 136/ الرقم 12)، وطبقات ابن سعد (ج 7/ ص 517)، وتاريخ بغداد (ج 13/ ص 4/ الرقم 6966)، ووفيات الأعيان (ج 4/ ص 127/ الرقم 549)، وميزان الاعتدال (ج 3/ ص 423/ الرقم 6998).
(409) في بعض النُّسَخ: (خلف بن يزيد)، وما أثبتناه من الغيبة للنعماني وكُتُب التراجم.
قال ابن حجر في تقريب التهذيب (ج 1/ ص 265/ الرقم 1696): (خالد بن يزيد الجمحي، ويقال: السكسكي، أبو عبد الرحيم المصري، مات سنة (139هـ)).
وقال الخزرجي في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 104): (روى عن عطاء والزهري، وعنه الليث، مات سنة (139هـ)).
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (ج 9/ ص 414 و415/ الرقم 142): (خالد بن يزيد، أبو عبد الرحيم المصري، ثقة، روى عنه الليث).

(١٦٣)

هِلَالٍ(410)، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ(411)، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ شُفَيٍّ اَلْأَصْبَحِيِّ(412)، فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اَلله بْنَ عُمَرَ(413) يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «يَكُونُ خَلْفِي اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»(414).
95- وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ(415)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(410) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 4/ ص 83 و84/ الرقم 159): (سعيد بن أبي هلال الليثي، مولاهم، أبو العلاء المصري، يقال: أصله من المدينة، روى عن جماعة منهم: ربيعة بن سيف، وروى عنه جماعة منهم: خالد بن يزيد المصري، وُلِدَ بمصر سنة (70هـ)، وتُوفّي سنة (135هـ) أو (133هـ)).
وراجع: خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 143)، وتقريب التهذيب (ج 1/ ص 366/ الرقم 2417)، وغيرهما.
(411) هو ربيعة بن سيف المعافري الإسكندراني، روى عنه جماعة منهم: سعيد بن أبي هلال، وروى عن جماعة منهم: شُفَي بن ماتع، تُوفّي قريباً من سنة (120هـ).
راجع: تهذيب التهذيب (ج 3/ ص 221/ الرقم 486)، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 116)، وتقريب التهذيب (ج 1/ ص 296/ الرقم 1911)، وغيرها.
(412) قال ابن حجر في تقريب التهذيب (ج 1/ ص 421/ الرقم 2823): (شُفَي - بالفاء مصغَّراً - ابن ماتع - بمثنَّاة -، الأصبحي، مات في خلافة هشام).
(413) في الغيبة للنعماني ومقتضب الأثر والعدد القويَّة: (عبد الله بن عمرو بن العاص).
(414) الغيبة للنعماني (ص 105/ باب 4/ ح 34، وص 125/ باب 6/ ح 23) عن محمّد بن عثمان؛ ورواه ابن عيَّاش في مقتضب الأثر (ص 5) بإسناده إلى يحيى بن معين، وأبوالصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 418) عن ربيعة بن سيف، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 25 و26) عن الليث، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 163)، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ ص 250) عن الليث بن سعد، وعليُّ بن يوسف المطهَّر الحلِّي في العدد القويَّة (ص 84/ ح 144) عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
(415) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 1/ ص 679/ الرقم 4641): (عفَّان بن مسلم بن عبد الله الصفَّار، أبو عثمان البصري، روى عنه جماعة منهم: أبو بكر بن أبي شيبة، وتُوفَي سنة (219هـ)).

(١٦٤)

وَيَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ اَلسَّيْلَحِينِيُّ(416)، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ(417)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلله بْنُ عُثْمَانَ(418)، عَنْ أَبِي اَلطُّفَيْلِ(419)، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اَلله بْنُ عُمَرَ(420): يَا أَبَا اَلطُّفَيْلِ، عُدَّ اِثْنَيْ عَشَرَ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ(421)، ثُمَّ يَكُونُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(416) كذا في كُتُب الرجال، وفي بعض النُّسَخ: (المالجيني)، وفي الغيبة للنعماني وبعض النُّسَخ: (السالحيني).
وهو يحيى بن إسحاق، أبو زكريَّا أو أبو بكر البجلي، المعروف بالسيلحيني، سمع من جماعة منهم: حمَّاد بن سَلَمة، مات سنة (210هـ) في خلافة المأمون.
راجع: تاريخ بغداد (ج 14/ ص 162/ الرقم 4770)، وتقريب التهذيب (ج 2/ ص 296/ الرقم 7526).
وقال في معجم البلدان (ج 3/ ص 172/ مادَّة سالحين): (والعامَّة تقول: صالحين، وكلاهما خطأ، وإنَّما هو السيلحين: قرية ببغداد).
(417) قال المزِّي في تهذيب الكمال (ج 7/ ص 253/ الرقم 1482): (حمَّاد بن سَلَمة بن دينار البصري، أبو سَلَمة بن أبي صخرة، مولى ربيعة بن مالك بن حنظلة من بني تميم، روى عن عبد الله بن عثمان بن خثيم وجماعة، وروى عنه عفَّان بن مسلم ويحيى بن إسحاق السيلحيني وجماعة، تُوفّي سنة (167هـ)).
(418) كذا في الغيبة للنعماني، وفي بعض النُّسَخ: (عبد الله بن عمر).
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 5/ ص 275/ الرقم 536): (عبد الله بن عثمان بن خثيم القاري المكّي، أبو عثمان، حليف بني زهرة. روى عن جماعة منهم: أبي الطفيل، وروى عنه جماعة منهم: حمَّاد بن سَلَمة، تُوفّي في آخر خلافة أبي العبَّاس وأوَّل خلافة أبي جعفر).
وراجع: تقريب التهذيب (ج 1/ ص 513/ الرقم 3477)، وميزان الاعتدال (ج 2/ ص 459/ الرقم 4442)، وطبقات ابن سعد (ج 5/ ص 487)، وغيرها.
(419) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 44/ الرقم 330/52) من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفي (ص 70/ الرقم 646/8) من أصحاب عليٍّ (عليه السلام)، قائلاً: (عامر بن واثلة، يُكنَّى أبا الطفيل، أدرك ثمان سنين من حياة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وُلِدَ عام أُحُد)، وفي (ص 95/ الرقم 941/3) من أصحاب الحسن (عليه السلام)، وفي (ص 118/ الرقم 1192/24) من أصحاب السجَّاد (عليه السلام)، قائلاً: (عامر بن واثلة الكناني، يُكنَّى أبا الطفيل).
(420) في الغيبة للنعماني: (عبد الله بن عمرو).
(421) هو من أجداد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إذ إنَّ نسبه الشريف: محمّد بن عبد الله بن عبد المطَّلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب...

(١٦٥)

اَلنَّقْفُ وَاَلنِّقَافُ(422)،(423).
96 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا (أَحْمَدُ)(424)، قَالَ: حَدَّثَنَا اَلمُقَدَّمِيُّ(425)، عَنْ عَاصِمِ [بْنِ عُمَرَ](426) بْنِ عَلِيِّ بْنِ مِقْدَامٍ أَبُو يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي(427)، عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ(428)، عَنْ أَبِي خَالِدٍ اَلْوَالِبِيِّ(429)، قَالَ: حَدَّثَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(422) في بعض النُّسَخ: (النفاق).
قال الجزري في النهاية (ج 5/ ص 109): (في حديث عبد الله بن عمر: «واعدد اثني عشر من بني كعب بن لؤي، ثمّ يكون النقف والنقاف» أي القتل والقتال. والنقف: هشم الرأس، أي: تهيج الفتن والحروب بعدهم)، وكذا في الفائق في غريب الحديث (ج 3/ ص 327).
(423) الغيبة للنعماني (ص 106/ باب 4/ ح 35، وص 125/ باب 6/ ح 24)؛ ورواه أبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 418 و419) عن حمَّاد بن سَلَمة، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ ص 250) باختلاف، والزمخشري في الفائق (ج 3/ ص 327)، وفيها: (اعدد) بدل (عد)، ورواه أيضاً الخطيب في تاريخ بغداد (ج 6/ ص 261)، وفيه: (إذا ملك) بدل (عد).
(424) ليس في الغيبة للنعماني.
(425) هو محمّد بن أبي بكر بن عليِّ بن عطاء بن مقدم المقدمي، أبو عبد الله الثقفي، مولاهم البصري، مات سنة (234هـ)، روى عن جماعة منهم: عمِّه عمر بن عليٍّ المقدمي.
راجع: تهذيب التهذيب (ج 9/ ص 68/ الرقم 98).
(426) من الغيبة للنعماني.
(427) هو عمر بن عليِّ بن عطاء بن مقدم الثقفي المقدمي، أبو حفص البصري، روى عنه جماعة منهم: ابن أخيه محمّد بن أبي بكر بن عليٍّ. قال ابنه عاصم: مات سنة (190هـ).
راجع: تهذيب التهذيب (ج 7/ ص 427/ الرقم 808)، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 285)، وغيرهما.
(428) هو: فطر بن خليفة، أبو بكر الكوفي المخزومي الحنَّاط، وثَّقة أحمد بن حنبل، وقال عنه مترجموه: ثقة، صالح الحديث، كيِّس إلَّا أنَّه رُمي بالتشيُّع، مات سنة (153هـ).
راجع: سير أعلام النبلاء (ج 7/ ص 30/ الرقم 14)، وطبقات ابن سعد (ج 6/ ص 364)، وميزان الاعتدال (ج 3/ ص 363/ الرقم 6779)، وغيرها.
(429) هو: هرمز، ويقال: هرم، روى عن جماعة منهم: جابر بن سمرة، وقال ابن سعد: أخبرنا محمّد بن عبيد، عن فطر، عن أبي خالد، مات سنة مائة. راجع: تهذيب التهذيب (ج 12/ص 74/الرقم 8409).

(١٦٦)

جَابِرُ اِبْنُ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «لَا يَزَالُ هَذَا اَلدِّينُ ظَاهِراً لَا يَضُرُّهُ مَنْ نَاوَاهُ حَتَّى يَقُومَ اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(430).
97 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلله بْنُ جَعْفَرٍ اَلرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ(431)، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ(432)، عَنِ اَلشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ(433)، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ اِبْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: حَدَّثَكُمْ(434) نَبِيُّكُمْ كَمْ يَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ اَلْخُلَفَاءِ؟
فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ، وَإِنَّكَ لَأَحْدَثُ اَلْقَوْمِ سِنًّا، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَكُونُ بَعْدِي عِدَّةُ نُقَبَاءِ مُوسَى (عليه السلام)، قَالَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(430) الغيبة للنعماني (ص 106/ باب 4/ ح 36)، وفيه: (الأمر) بدل (الدِّين)؛ وروى نحوه الطبراني في المعجم الكبير (ج 2/ ص 215 و216).
(431) هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، أبو عمرو، ويقال: أبو محمّد الكوفي، واسم أبي إسحاق عمرو بن عبد الله.
عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 258/ الرقم 3668/577) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، وفي (ص 340/ الرقم 5066/27) من أصحاب الكاظم (عليه السلام).
وعدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 49) من أصحاب الكاظم (عليه السلام).
تُوفّي سنة (191هـ) في خلافة هارون.
وراجع: سير أعلام النبلاء (ج 8/ ص 489/ الرقم 130)، وتهذيب التهذيب (ج 8/ ص 212/ الرقم 440)، وتاريخ بغداد (ج 11/ 153 - 157/ الرقم 5847)، وميزان الاعتدال (ج 3/ ص 328/ الرقم 6629)، وغيرها.
(432) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 10/ ص 36/ الرقم 65): (مجالد بن سعيد بن عمير بن بسطام، أبو عمرو، ويقال: أبو سعيد الكوفي، روى عن الشعبي، مات سنة (144هـ)).
(433) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 10/ ص 100/ الرقم 206): (مسروق بن الأجدع بن مالك... الهمداني، الوداعي، الكوفي، العابد، أبو عائشة، روى عن جماعة منهم: ابن مسعود، وروى عنه جماعة منهم: الشعبي، مات سنة (62هـ) أو (63هـ)).
(434) في الغيبة للنعماني: (أحدَّثكم)، وفي الخصال: (هل حدَّثكم).

(١٦٧)

اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً﴾ [المائدة: 12]»(435).
98 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ مُوسَى اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ(436)، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلمَعْرُوفُ بِابْنِ اَلْخَضِيبِ اَلرَّازِيِّ(437)، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ زَكَرِيَّا اَلتَّمِيمِيِّ(438)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى اَلطُّوسِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اَلله بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنِ اَلْأَعْمَشِ(439)، عَنْ أَبِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(435) الغيبة للنعماني (ص 106/ باب 4/ ح 37، وص 117 و118/ باب 6/ ح 1 - 3)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في الخصال (ص 468 و469/ ح 10)، وابن عيَّاش (رحمه الله) في مقتضب الأثر (ص 3) بإسناده إلى مسروق باختلاف، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 417) عن الشعبي، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 24) عن محمّد بن عثمان مع اختلاف في آخره، والراوندي (رحمه الله) في قَصص الأنبياء (ص 368/ ح 474) عن الشعبي باختلاف، والأحسائي (رحمه الله) في عوالي اللئالي (ج 4 / 90 و91/ ح 123) عن مسروق باختلاف، وأحمد بن حنبل في مسنده (ج 1/ ص 398) بإسناده عن المجالد باختلاف.
(436) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 439/ الرقم 1184): (هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد بن سعيد، أبو محمّد، التلعكبري، من بني شيبان، كان وجهاً في أصحابنا، ثقة، معتمداً، لا يُطعَن عليه).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 449/ الرقم 6386/1) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام)، قائلاً: (جليل القدر، عظيم المنزلة، واسع الرواية، عديم النظير، ثقة، مات سنة (385هـ)).
(437) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 97/ الرقم 240): (أحمد بن عليٍّ، أبو العباس الرازي الخضيب الأيادي، قال أصحابنا: لم يكن بذاك، وقيل: فيه غلوٌّ وترفُّع، وله كتاب الشفاء والجلاء في الغيبة، و...).
(438) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 147/ الرقم 380): (حنظلة بن زكريَّا بن حنظلة بن خالد بن العيار التميمي، أبو الحسن القزويني، لم يكن بذلك، له كتاب الغيبة).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 423/ الرقم 6095/30) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام).
(439) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 215/ الرقم 2834/72) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (سليمان بن مهران، أبو محمّد الأسدي، مولاهم، الأعمش الكوفي).
وعدَّه ابن داود (رحمه الله) في القسم الأوَّل (الموثَّقين) من رجاله (ص 106/ الرقم 729).
وفي تهذيب الكمال (ج 12/ ص 76/ الرقم 2570) أنَّه تُوفّي سنة (147هـ).

(١٦٨)

صَالِحٍ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَزَلَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) بِصَحِيفَةٍ مِنْ عِنْدِ اَلله عَلَى رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِيهَا اِثْنَا عَشَرَ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ اَللهَ تَعَالَى يَقْرَأُ عَلَيْكَ اَلسَّلَامَ وَيَأْمُرُكَ أَنْ تَدْفَعَ هَذِهِ اَلصَّحِيفَةَ إِلَى اَلنَّجِيبِ مِنْ أَهْلِكَ بَعْدَكَ، يَفُكُّ مِنْهَا أَوَّلَ خَاتَمٍ وَيَعْمَلُ بِمَا فِيهَا، فَإِذَا مَضَى دَفَعَهَا إِلَى وَصِيِّهِ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ اَلْأَوَّلُ يَدْفَعُهَا إِلَى اَلْآخَرِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ»، فَفَعَلَ اَلنَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مَا أُمِرَ بِهِ، فَفَكَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) أَوَّلُهَا وَعَمِلَ بِمَا فِيهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، فَفَكَّ خَاتَمَهُ وَعَمِلَ بِمَا فِيهَا، وَدَفَعَهَا بَعْدَهُ إِلَى اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، ثُمَّ دَفَعَهَا اَلْحُسَيْنُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، ثُمَّ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى آخِرِهِمْ (عليهم السلام).
99 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ(440)، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْقُوهِسْتَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عِيسَى بْنَ مُوسَى(441)، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ أَدْرَكْتَ مِنَ اَلتَّابِعِينَ؟
فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ، وَلَكِنِّي كُنْتُ بِالْكُوفَةِ فَسَمِعْتُ شَيْخاً فِي جَامِعِهَا يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «قَالَ لِي رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(440) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 379 و380/ الرقم 1032): (محمّد بن أبي بكر، همَّام بن سهيل الكاتب الإسكافي، شيخ أصحابنا ومتقدِّمهم، له منزلة عظيمة، مات يوم الخميس سنة (336هـ)، وكان مولده سنة (258هـ)).
وثَّقه المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 217/ الرقم 612/27)، وفي رجاله (ص 438 و439/ الرقم 6270/20).
(441) في الغيبة للنعماني: (أخبرنا محمّد بن همَّام، قال: حدَّثنا أبو عليٍّ الحسن بن عليِّ بن عيسى القوهستاني، قال: حدَّثنا بدر بن إسحاق بن بدر الأنماطي في سوق الليل بمكَّة - وكان شيخاً نفيساً من إخواننا الفاضلين، وكان من أهل قزوين - في سنة خمس وستِّين ومائتين، قال: حدَّثني أبي إسحاق بن بدر، قال: حدَّثني جدِّي بدر بن عيسى، قال: سألت أبي عيسى بن موسى...).

(١٦٩)

عَلِيُّ، اَلْأَئِمَّةُ اَلرَّاشِدُونَ اَلمَهْدِيُّونَ اَلمَغْصُوبُونَ حُقُوقَهُمْ مِنْ وُلْدِكَ أَحَدَ عَشَرَ إِمَاماً وَأَنْتَ...»، والحديث مختصر(442).
100 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ مُوسَى اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ(443) اَلله اَلْهَاشِمِيِّ(444)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ اِبْنِ عِيسَى بْنِ اَلمَنْصُورِ(445)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْعَسْكَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ اَلْحُسَيْنِ اِبْنِ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِمْ)، قَالَ: «قَالَ [لِي](446) عَلِيٌّ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ): قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اَللهَ (عزَّ وجلَّ) آمِناً مُطَهَّراً لَا يَحْزُنُهُ اَلْفَزَعُ اَلْأَكْبَرُ فَلْيَتَوَلَّكَ، وَلْيَتَوَلَّ بَنِيكَ اَلْحَسَنَ وَاَلْحُسَيْنَ، وَعَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، وَجَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَمُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ، وَعَلِيَّ بْنَ مُوسَى، وَمُحَمَّداً، وَعَلِيًّا، وَاَلْحَسَنَ، ثُمَّ اَلمَهْدِيَّ، وَهُوَ خَاتَمُهُمْ. وَلَيَكُونَنَّ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ قَوْمٌ يَتَوَلَّوْنَكَ يَا عَلِيُّ يَشْنَأُهُمُ(447)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(442) الغيبة للنعماني (ص 93 و94/ باب 4/ ح 23) عن محمّد بن همَّام، باختلاف يسير.
(443) في مناقب آل أبي طالب: (عبيد الله).
(444) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 391/ الرقم 5762/14) من أصحاب الهادي (عليه السلام)، وفي (ص 442/ الرقم 6309/59) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام)، قائلاً: (محمّد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بن المنصور، عبَّاسي، هاشمي).
(445) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 297/ الرقم 806): (عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور، أبو موسى السرَّ من رائي، روى عن أبي الحسن عليِّ بن محمّد (عليه السلام)).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 388/ الرقم 5705/2) من أصحاب الهادي (عليه السلام)، وقال (رحمه الله) في ترجمة محمّد بن أحمد بن عبيد الله (ص 442/ الرقم 6309/59): (يروي عن عمِّه أبي موسى عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور).
(446) من بعض النُّسَخ.
(447) شنأ الرجل: أبغضه مع عداوة وسوء خُلُق. راجع: لسان العرب (ج 1/ص 101/مادَّة شنأ).

(١٧٠)

اَلنَّاسُ، وَلَوْ أَحَبَّهُمْ كَانَ خَيْراً لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، يُؤْثِرُونَكَ وَوُلْدَكَ عَلَى اَلْآبَاءِ وَاَلْأُمَّهَاتِ وَاَلْإِخْوَةِ وَاَلْأَخَوَاتِ، وَعَلَى عَشَائِرِهِمْ وَاَلْقَرَابَاتِ، صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ اَلصَّلَوَاتِ، أُولَئِكَ يُحْشَرُونَ تَحْتَ لِوَاءِ اَلْحَمْدِ، يُتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ، وَيَرْفَعُ دَرَجَاتِهِمْ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(448).
[أخبار الخاصَّة على إمامة الاثني عشر (عليهم السلام)]:
فأمَّا ما روي من جهة الخاصَّة فأكثر من أنْ يُحصى، غير أنَّا نذكر طرفاً منها.
101 - رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلمُفَضَّلِ اَلشَّيْبَانِيِّ، عَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَيْضاً جَمَاعَةٌ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ أَبَانِ اِبْنِ أَبِي عَيَّاشٍ(449)، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اَلله بْنَ جَعْفَرٍ اَلطَّيَّارِ(450) يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ أَنَا وَاَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ (عليهما السلام) وَعَبْدُ اَلله بْنُ عَبَّاسٍ وَعُمَرُ بْنُ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَجَرَى بَيْنِي وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ كَلَامٌ، فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: سَمِعْتُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(448) رواه ابن شهرآشوب(رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ص 252)، إلى قوله (عليه السلام): «وَهُوَ خَاتَمُهُمْ».
(449) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 109/ الرقم 1067/10) من أصحاب السجَّاد (عليه السلام)، وفي (ص 126/ الرقم 1264/36) من أصحاب الباقر (عليه السلام)، قائلاً: (أبان بن أبي عيَّاش فيروز، تابعي، ضعيف)، وفي (ص 164/ الرقم 1885/189) مع إضافة كلمة (البصري) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
وذكره البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 9) من أصحاب السجَّاد والباقر (عليهما السلام).
(450) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 42/ الرقم 287/9) من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفي (ص 70/ الرقم 642/4) من أصحاب عليٍّ (عليه السلام)، وفي (ص 95/ الرقم 942/4) من أصحاب الحسن (عليه السلام)، قائلاً: (عبد الله بن جعفر بن أبي طالب).
وقال السيِّد الخوئي (قدّس سره) في معجم رجال الحديث (ج 11/ ص 147): (جلالة عبد الله بن جعفر الطيَّار بن أبي طالب بمرتبة لا حاجة معها إلى الإطراء).

(١٧١)

رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «أَنَا أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ أَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا اُسْتُشْهِدَ عَلِيٌّ فَالْحَسَنُ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا مَضَى اَلْحَسَنُ فَالْحُسَيْنُ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا اُسْتُشْهِدَ فَابْنُهُ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَسَتُدْرِكُهُ يَا عَلِيُّ، ثُمَّ اِبْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. يَا عَلِيُّ، ثُمَّ يُكْمِلُهُ اِثْنَا عَشَرَ إِمَاماً تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ».
قَالَ عَبْدُ اَلله بْنُ جَعْفَرٍ: اِسْتَشْهَدْتُ اَلْحَسَنَ وَاَلْحُسَيْنَ وَعَبْدَ اَلله بْنَ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ اِبْنَ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَشَهِدُوا لِي عِنْدَ مُعَاوِيَةَ.
قَالَ سُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ: وَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ سَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ وَاَلْمِقْدَادِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(451)،(452).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(451) كتاب سُلَيم بن قيس في كتابه (ص 361 - 365) مفصَّلاً؛ ورواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 529/ باب ما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 4)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 96 و97/ باب 4/ ح 27) باختلاف، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 270/ باب 24/ ح 15)، وفي الخصال (ص 477/ ح 41)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 52 و53/ باب 6/ ح 8)، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 420) عن سُلَيم بن قيس باختلاف يسير، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 179 و180) نقلاً عن ابن بابويه.
(452) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 6/ ص 216 و217): (قوله: (كنَّا عند معاوية)، قال بعض الأفاضل: حكاية لما وقع في زمان أحد الثلاثة، لأنَّ عمر بن أُمِّ سَلَمة قُتِلَ بصفِّين، انتهى. ولا يخفى ما فيه، لأنَّه ذكر ابن عبد البرِّ وغيره عمر بن أبي سَلَمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر القرشي المخزومي ربيب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أُمُّه أُمُّ سَلَمة المخزوميَّة أُمُّ المؤمنين، يُكنَّى أبا حفص، وُلِدَ في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة، وشهد مع عليٍّ (رحمه الله) يوم الجمل، واستعمله على فارس وعلى البحرين، وتُوفّي بالمدينة في خلافة عبد المَلِك بن مروان سنة ثلاث وثمانين. وقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (وستدركه يا عليُّ)، كان لعليِّ بن الحسين عند شهادة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) سنتان، لأنَّ شهادته كانت في سنة الأربعين من الهجرة، وولادة عليِّ بن الحسين في سنة ثمان وثلاثين، وكان للباقر عند شهادة الحسين (عليه السلام) أربع سنين تقريباً، لأنَّ الشهادة كانت في سنة إحدى وستِّين، وولادة الباقر (عليه السلام) في سنة سبع وخمسين...، وقوله: (ثمّ تكملة) كلام عبد الله بن جعفر، والتكملة التتمَّة، أي ثمّ ذكرت عند معاوية تتمَّتهم تفصيلاً، أو هو من كلام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أي ثمّ تكملتهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والأوَّل أظهر. وفي بعض النُّسَخ بالياء على صيغة المضارع، أي ثمّ يُكمِل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اثني عشر يُسمِّيهم).

(١٧٢)

102 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ(453) مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، [عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْعُصْفُرِيِّ](454)، عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ(455)، عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنِّي وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي وَأَنْتَ يَا عَلِيُّ زِرُّ اَلْأَرْضِ - أَعْنِي أَوْتَادَهَا وَجِبَالَهَا -، بِنَا أَوْتَدَ اَللهُ اَلْأَرْضَ أَنْ تَسِيخَ بِأَهْلِهَا، فَإِذَا ذَهَبَ اَلْاِثْنَا عَشَرَ مِنْ وُلْدِي سَاخَتِ اَلْأَرْضُ بِأَهْلِهَا وَلَمْ يُنْظَرُوا»(456)،(457).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(453) هذا محلُّ تأمُّل، إذ محمّد بن يحيى يروي عن الحميري ومحمّد بن أحمد بن يحيى، ولم نجد رواية الحميري عن محمّد بن أحمد بن يحيى. وقد روى محمّد بن أحمد بن يحيى عن الحميري في عدَّة موارد منها: تهذيب الأحكام (ج 6/ ص 382/ ح 1129/250، وج 7/ ص 321/ ح 1324/32، وج 9/ ص 393/ ح 1403/10)، فيحتمل أنْ يكون: (وعن).
(454) من الكافي.
وهو عبَّاد بن يعقوب الأسدي الرواجني، أبو سعيد الكوفي الشيعي، روى عن عمرو بن أبي المقدام، تُوفّي سنة (250هـ). راجع: تهذيب الكمال (ج 14/ ص 175/ الرقم 3104).
(455) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 290/ الرقم 777): (عمرو بن أبي المقدام ثابت بن هرمز الحدَّاد، مولى بني عجل).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 141/ الرقم 1508/43) من أصحاب الباقر (عليه السلام)، وفي (ص 248/ الرقم 3470/379) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (... مولاهم، كوفي، تابعي).
(456) الأُصول الستَّة عشر (ص 16/ أصل أبي سعيد عبَّاد العصفري)؛ ورواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 534/ باب ما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 17)، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 419) عن أبي الجارود، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص8) عن محمّد بن يحيى.
(457) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 36/ ص 259 و260): (قال الفيروزآبادي: رزت الجرادة ترز وترز: غرزت ذنبها في الأرض لتبيض، كأرزت، والرجل: طعنه، والباب: أصلح عليه الرزة، وهي حديدة يدخل فيها القفل، والشيء في الشيء: أثبته. وقال: ساخت الأرض: انخسفت، انتهى. وفي بعض النُّسَخ بتقديم المعجمة على المهملة، قال الجزري: في حديث أبي ذرٍّ: قال - يصف عليًّا (عليه السلام): «وإنَّه لعالم الأرض وزرُّها الذي تسكن إليه قوامها»، وأصله من زرِّ القلب، وهو عظم صغير يكون قوام القلب به، وأخرج الهروي هذا الحديث عن سلمان. أقول: لعلَّ سوخها كناية عن تزلزلها وعدم انتظامها وتبدُّل أوضاعها وسائر ما يكون قبل قيام الساعة. وروي هذا الخبر في الكافي عن محمّد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن محمّد بن الحسين، عن أبي سعيد الغضنفري، عن عمرو بن ثابت، إلى قوله: «إنِّي واثنا عشر من ولدي وأنت...» إلخ، فالاثنا عشر مع فاطمة (عليها السلام)، أو أطلق الولد على أمير المؤمنين (عليه السلام) تغليباً، وعطف (أنت) عليه من قبيل عطف الخاصِّ على العامِّ تأكيداً وتشريفاً، كعطف جبرئيل على الملائكة. وأقول: يظهر من هذا السند أنَّ الأشعري في سند الشيخ تصحيف الغضنفري، فتأمَّل).

(١٧٣)

103 - عَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَعْمَةَ اَلسَّلُولِيِّ، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ(458)، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي اَلسَّفَاتِجِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ (عليها السلام) وَبَيْنَ يَدَيْهَا [لَوْحٌ فِيهِ](459) أَسْمَاءُ اَلْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِهَا، فَعَدَدْتُ اِثْنَيْ عَشَرَ اِسْماً آخِرُهُمْ اَلْقَائِمُ، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ، وَثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ عَلِيٌّ(460).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(458) كذا في بعض النُّسَخ، وفي بعضها: (وهب بن جعفر).
قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 431/ الرقم 1159): (وهيب بن حفص، أبو عليٍّ الجريري، مولى بني أسد، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ووقف، وكان ثقةً).
(459) من بحار الأنوار (ج 36/ ص 201 و202/ ح 5).
(460) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 532/ باب ما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 9) بإسناده عن ابن محبوب، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 269/ باب 24/ ح 13، وص 311 و312 و313/ باب 28/ ح 3 و4)، وفي الخصال (ص ص 477 و478/ ح 42)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 52/ باب 6/ ح 6 و7)، وفي من لا يحضره الفقيه (ج 4/ ص 180/ ح 5408) بأسانيد مختلفة عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 346) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 166) عن محمّد بن يعقوب، والحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 421) عن جابر بن عبد الله الأنصاري، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 261) عن جابر، والشعيري (رحمه الله) في جامع الأخبار (ص 62/ ح 79/6) عن الحسن بن محبوب، وعليُّ بن يوسف الحلِّي (رحمه الله) في العدد القويَّة (ص 71/ ح 109 و110) مختصراً، والجويني في فرائد السمطين (ج 2/ ص 139/ ذيل الحديث 435) بإسناده عن الصدوق.
قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 6/ ص 228): (قوله: (من ولدها)، أي الأحد عشر، أو على المجاز والتغليب...، وعلى الأوَّل فقوله: (فعددت) الفاء فيه للتفريع، أي فضممت إليهم أباهم وأصلهم فصاروا معه اثنا عشر. (ثلاثة منهم) أي من الأولاد لا من الجميع، فإنَّ المسمى بعليٍّ من الجميع أربعة، والظاهر أنَّ التصحيف من النُّسَّاخ فإنَّه روى الصدوق في الإكمال والعيون والفقيه والشيخ في الغيبة بهذا الإسناد عن جابر، وفيها جميعاً وفي غيرها من الكُتُب: (وأربعة منهم عليٌّ)).

(١٧٤)

104 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ(461)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «يَكُونُ تِسْعَةُ أَئِمَّةٍ بَعْدَ اَلْحُسَيْنِ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ(462)»(463).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(461) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 181/ الرقم 479): (سعيد بن غزوان الأسدي، مولاهم، كوفي، أخو فضيل، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة، وابنه محمّد بن سعيد بن غزوان).
(462) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 6/ ص 231): ((قائمهم) يعني يقوم بالسيف ويجاهد حتى يغلب الحقُّ وأهله على الباطل وأهله).
(463) الكافي (ج 1/ ص 533/ باب ما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 15)؛ ورواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 95/ باب 4/ ح 25) عن محمّد بن يعقوب، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 268) بإسناده عن ابن أبي عمير باختلاف، والصدوق (رحمه الله) في الخصال (ص 419/ ح 12، وص 480/ ح 50) عن أبيه، عن عليِّ بن إبراهيم، وفي كمال الدِّين (ص 350/ باب 33/ ح 45) بإسناده عن ابن أبي عمير باختلاف يسير، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 453/ ح 431/35) بإسناده عن ابن أبي عمير باختلاف، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 347) بإسناده عن الكليني، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 425) عن أبي بصير، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 17) عن المفيد (رحمه الله)، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ ص 255).

(١٧٥)

105 - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ اَللهَ تَعَالَى أَرْسَلَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى اَلْجِنِّ وَاَلْإِنْسِ عَامَّةً، وَكَانَ مِنْ بَعْدِهِ اِثْنَا عَشَرَ وَصِيًّا، مِنْهُمْ مَنْ سَبَقَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ بَقِيَ، وَكُلُّ وَصِيٍّ جَرَتْ بِهِ اَلسُّنَّةُ وَاَلْأَوْصِيَاءُ اَلَّذِينَ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَلَى سُنَّةِ أَوْصِيَاءِ عِيسَى إِلَى مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَكَانُوا اِثْنَيْ عَشَرَ، وَكَانَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَلَى سُنَّةِ اَلمَسِيحِ»(464)،(465).
106 - عَنْهُ، عَنْ أَبِي اَلْحُسَيْنِ(466). وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(464) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 532/ باب ما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 10) بإسناده عن محمّد بن عيسى، والصدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 59/ باب 6/ ح 21)، وفي الخصال (ص 478/ ح 43)، وفي كمال الدِّين (ص 326/ باب 32/ ح 4) بأسانيده عن محمّد بن الفضيل، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 269) عن محمّد بن عيسى، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 345) بإسناده عن الكليني، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 420) عن أبي حمزة الثمالي، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 17) عن المفيد، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 261) مرسَلاً، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 166 و167) عن محمّد بن يعقوب.
(465) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 7/ ص 376): (قوله: (وكلُّ وصىٍّ جرت به سُنَّة) منهم من جرت به العبادة، ومنهم من جرت به الشهادة، ومنهم من جرت به نشر العلوم، ومنهم من جرت المجاهدة والقتال وإظهار الدِّين، كلُّ ذلك لمصلحة ظاهرة وخفيَّة لا يعلمها إلَّا هو. قوله: (وكان أمير المؤمنين على سُنَّة المسيح) هي إمَّا ترك الدنيا بالكلّيَّة، أو افتراق الناس فيه ثلاث فِرَق: الناصبي، والغالي، والشيعي).
(466) هو محمّد بن جعفر الأسدي الآتي ذيلاً، وقد روى المؤلِّف (رحمه الله) عنه أيضاً بثلاثة وسائط على ما يأتي في (ح 115).
قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 373/ الرقم 1020): (محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، أبو الحسين الكوفي، ساكن الريِّ، يقال له: محمّد بن أبي عبد الله، كان ثقةً، صحيح الحديث).
وقال المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 229/ الرقم 660/75): (محمّد بن جعفر الأسدي، يُكنَّى أبا الحسين).

(١٧٦)

عَنْ أَبِي اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ اَلْآدَمِيِّ، عَنِ اَلْحَسَنِ اِبْنِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ اَلْحَرِيشِ اَلرَّازِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلثَّانِي (عليه السلام): «أَنَّ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ لَيْلَةَ اَلْقَدْرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ(467)، وَإِنَّهُ يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةِ أَمْرُ اَلسَّنَةِ، وَلِذَلِكَ اَلْأَمْرِ وُلَاةٌ بَعْدَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ هُمْ؟ فَقَالَ: أَنَا وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ صُلْبِي أَئِمَّةٌ مُحَدَّثُونَ»(468).
107 - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(467) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 3/ ص 77): (لا خلاف بين الإماميَّة في أنَّ ليلة القدر وفضلها باقية بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى انقراض الدنيا، وفي كلٍّ منها يكون تنزل الملائكة والروح، وإليه ذهب أكثر العامَّة).
(468) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 532 و533/ باب ما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 11) بإسناده عن الحسن بن العبَّاس، وفي (ص 247/ باب في شأن إنَّا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها/ قطعة من الحديث 2) بإسناده عن الحسن بن العبَّاس بن الحريش، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 68/ باب 4/ ح 3) عن محمّد بن يعقوب، والصدوق (رحمه الله) في الخصال (ص 479 و480/ ح 47)، وفي كمال الدِّين (ص 304 و305/ باب 26/ ح 19) بإسناديه عن الحسن بن العبَّاس ابن الحريش، والخزَّاز (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 220 و221) عن الصدوق، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 346) بإسناده عن الكليني، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 425) عن الحسن بن العبَّاس بن الحريش، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 13 و14) عن المفيد، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 261) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 172) عن محمّد بن يعقوب.

(١٧٧)

اَلْعَبَرْتَائِيِّ(469)، عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - فِي حَدِيثٍ لَهُ -: «إِنَّ اَللهَ اِخْتَارَ مِنَ اَلنَّاسِ اَلْأَنْبِيَاءَ [وَاِخْتَارَ مِنَ اَلْأَنْبِيَاءِ](470) اَلرُّسُلَ، وَاِخْتَارَنِي مِنَ اَلرُّسُلِ، وَاِخْتَارَ مِنِّي عَلِيًّا، وَاِخْتَارَ مِنْ عَلِيٍّ اَلْحَسَنَ وَاَلْحُسَيْنَ، وَاِخْتَارَ مِنَ اَلْحُسَيْنِ اَلْأَوْصِيَاءَ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُهُمْ وَبَاطِنُهُمْ(471)»(472).
108 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ(473)، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ وَعَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيِّ، عَنْ أَبِي اَلْخَيْرِ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ اَلرَّازِيِّ(474) وَاَلْحَسَنِ بْنِ ظَرِيفٍ جَمِيعاً، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(469) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 83/ الرقم 199): (أحمد بن هلال، أبو جعفر العبرتائي، صالح الرواية، يُعرَف منها ويُنكَر، وقد روي فيه ذموم من سيِّدنا أبي محمّد العسكري (عليه السلام)...، قال أبو عليّ بن همَّام: وُلِدَ أحمد بن هلال سنة (180هـ)، ومات سنة (267هـ)).
ويأتي ذمُّه في (ح 313 و374 ).
(470) من بعض النُّسَخ، ودلائل الإمامة.
(471) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 36/ ص 256): (قوله: (وهو ظاهرهم) أي يظهر ويغلب على الأعادي، (وهو باطنهم) أي يبطن ويغيب عنهم زماناً).
(472) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 73/ باب 4/ ذيل الحديث 7) بإسناديه عن أحمد بن هلال باختلاف، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 281/ باب 24/ ذيل الحديث 32) بإسناده عن عبد الله بن جعفر باختلاف، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 225 و226) عن الحميري باختلاف يسير، وابن عيَّاش (رحمه الله) في مقتضب الأثر (ص 9 و10)، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 453 و454/ ح 432/36) عن أبو الحسين عليِّ بن هبة الله، عن ابن بابويه، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 419 و420) عن أبي بصير كما في إثبات الوصيَّة، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 8 و9) عن ابن أبي عمير باختلاف.
(473) روى بعنوان أبو جعفر محمّد بن الحسين بن سفيان البزوفري عن أحمد بن إدريس، ذكره المؤلِّف (رحمه الله) في مشيخة تهذيب الأحكام (ج 10/ شرح مشيخة التهذيب ص 35) في طريقه إلى أحمد بن إدريس.
(474) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 198/ الرقم 526): (صالح بن أبي حمَّاد، أبو الخير الرازي، واسم أبي الخير زاذويه، لقى أبا الحسن العسكري (عليه السلام)، وكان أمره ملبساً (ملتبساً) يُعرَف ويُنكَر).

(١٧٨)

أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «قَالَ أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْأَنْصَارِيِّ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَمَتَى يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ أَخْلُوَ بِكَ فَأَسْأَلَكَ عَنْهَا؟
قَالَ لَهُ جَابِرٌ: فِي أَيِّ اَلْأَوْقَاتِ أَحْبَبْتَ.
فَخَلَا بِهِ أَبِي فِي بَعْضِ اَلْأَوْقَاتِ، فَقَالَ لَهُ: يَا جَابِرُ، أَخْبِرْنِي عَنِ اَللَّوْحِ اَلَّذِي رَأَيْتَهُ فِي يَدِ أُمِّي فَاطِمَةَ (عليها السلام)، وَمَا أَخْبَرَتْكَ بِهِ أُمِّي أَنَّهُ فِي ذَلِكَ اَللَّوْحِ مَكْتُوبٌ.
فَقَالَ جَابِرٌ: أَشْهَدُ بِاللهِ أَنِّي دَخَلْتُ عَلَى أُمِّكَ فَاطِمَةَ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهَا) فِي حَيَاةِ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَهَنَّأْتُهَا بِوِلَادَةِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، وَرَأَيْتُ فِي يَدِهَا لَوْحاً أَخْضَرَ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ زُمُرُّدٌ، وَرَأَيْتُ فِيهِ كِتَاباً أَبْيَضَ شِبْهَ نُورِ اَلشَّمْسِ، فَقُلْتُ لَهَا: بِأَبِي وَأُمِّي يَا اِبْنَةَ(475) رَسُولِ اَلله، مَا هَذَا اَللَّوْحُ؟ فَقَالَتْ: هَذَا اَللَّوْحُ أَهْدَاهُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَى رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فِيهِ اِسْمُ أَبِي وَاِسْمُ بَعْلِي وَاِسْمُ اِبْنَيَّ(476) وَأَسْمَاءُ اَلْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي، فَأَعْطَانِيهِ أَبِي لِيَسُرَّنِي بِذَلِكَ.
قَالَ جَابِرٌ: فَأَعْطَتْنِيهِ أُمُّكَ فَاطِمَةُ (عليها السلام)، فَقَرَأْتُهُ، فَاسْتَنْسَخْتُهُ(477).
قَالَ لَهُ أَبِي: فَهَلْ لَكَ يَا جَابِرُ أَنْ تَعْرِضَهُ عَلَيَّ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَمَشَى مَعَهُ أَبِي حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى مَنْزِلِ جَابِرٍ، فَأَخْرَجَ أَبِي صَحِيفَةً مِنْ رَقٍّ، وَقَالَ: يَا جَابِرُ، اُنْظُرْ فِي كِتَابِكَ لِأَقْرَأَ أَنَا عَلَيْكَ، فَنَظَرَ جَابِرٌ فِي نُسْخَتِهِ وَقَرَأَهُ أَبِي، فَمَا خَالَفَ حَرْفٌ حَرْفاً.
قَالَ جَابِرٌ: فَأَشْهَدُ بِاللهِ أَنِّي هَكَذَا رَأَيْتُ فِي اَللَّوْحِ مَكْتُوباً: بِسْمِ اَلله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنَ اَلله اَلْعَزِيزِ اَلْحَكِيمِ لِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَنُورِهِ وَسَفِيرِهِ وَحِجَابِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(475) في بعض النُّسَخ: (بنت).
(476) في بعض النُّسَخ: (وأسماء بني).
(477) في بعض النُّسَخ: (واستنسخته).

(١٧٩)

وَدَلِيلِهِ، نَزَلَ بِهِ اَلرُّوحُ اَلْأَمِينُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ، عَظِّمْ يَا مُحَمَّدُ أَسْمَائِي، وَاُشْكُرْ نَعْمَائِي، وَلَا تَجْحَدْ آلَائِي، إِنِّي أَنَا اَللهُ لَا إِلَهَ أَنَا، قَاصِمُ اَلْجَبَّارِينَ، وَمُدِيلُ اَلمَظْلُومِينَ، وَدَيَّانُ اَلدِّينِ، إِنِّي أَنَا اَللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، مَنْ رَجَا غَيْرَ فَضْلِي، أَوْ خَافَ غَيْرَ عَدْلِي، عَذَّبْتُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ اَلْعَالَمِينَ، فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ، وَعَلَيَّ فَتَوَكَّلْ، إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيًّا فَكَمَلَتْ أَيَّامُهُ وَاِنْقَضَتْ مُدَّتُهُ إِلَّا جَعَلْتُ لَهُ وَصِيًّا، وَإِنِّي فَضَّلْتُكَ عَلَى اَلْأَنْبِيَاءِ، وَفَضَّلْتُ وَصِيَّكَ عَلِيًّا عَلَى اَلْأَوْصِيَاءِ، وَأَكْرَمْتُكَ بِشِبْلَيْكَ بَعْدَهُ وَسِبْطَيْكَ اَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ، فَجَعَلْتُ حَسَناً مَعْدِنَ عِلْمِي بَعْدَ اِنْقِضَاءِ مُدَّةِ أَبِيهِ، وَجَعَلْتُ حُسَيْناً خَازِنَ عِلْمِي، وَأَكْرَمْتُهُ بِالشَّهَادَةِ، وَخَتَمْتُ لَهُ بِالسَّعَادَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مَنِ اُسْتُشْهِدَ، وَأَرْفَعُ اَلشُّهَدَاءِ دَرَجَةً، جَعَلْتُ كَلِمَتِيَ اَلتَّامَّةَ مَعَهُ، وَحُجَّتِيَ اَلْبَالِغَةَ عِنْدَهُ، بِعِتْرَتِهِ(478) أُثِيبُ وَأُعَاقِبُ. أَوَّلُهُمْ عَلِيٌّ سَيِّدُ اَلْعَابِدِينَ، وَزَيْنُ أَوْلِيَاءِ اَلمَاضِينَ، وَاِبْنُهُ شَبِيهُ جَدِّهِ اَلمَحْمُودِ مُحَمَّدٌ اَلْبَاقِرُ، بَاقِرُ عِلْمِي، وَاَلمَعْدِنُ لِحِكْمَتِي، سَيَهْلِكُ اَلمُرْتَابُونَ فِي جَعْفَرٍ، اَلرَّادُّ عَلَيْهِ كَالرَّادِّ عَلَيَّ، حَقَّ اَلْقَوْلُ مِنِّي لَأُكْرِمَنَّ مَثْوَى جَعْفَرٍ، وَلَأَسُرَّنَّهُ فِي أَشْيَاعِهِ وَأَنْصَارِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، أُنْتِجَ(479) بَعْدَهُ فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ حِنْدِسٌ(480)، لِأَنَّ خَيْطَ فَرْضِي لَا يَنْقَطِعُ، وَحُجَّتِي لَا تَخْفَى، وَإِنَّ أَوْلِيَائِي لَا يَشْقَوْنَ، أَلَا وَمَنْ جَحَدَ وَاحِداً مِنْهُمْ فَقَدْ جَحَدَ نِعْمَتِي، وَمَنْ غَيَّرَ آيَةً مِنْ كِتَابِي فَقَدِ اِفْتَرَى عَلَيَّ، وَوَيْلٌ لِلْمُفْتَرِينَ اَلْجَاحِدِينَ عِنْدَ اِنْقِضَاءِ مُدَّةِ عَبْدِي مُوسَى وَحَبِيبِي وَخِيَرَتِي. إِنَّ اَلمُكَذِّبَ بِالثَّامِنِ مُكَذِّبٌ بِكُلِّ أَوْلِيَائِي، وَعَلِيٌّ وَلِيِّي وَنَاصِرِي، وَمَنْ أَضَعُ عَلَيْهِ أَعْبَاءَ اَلنُّبُوَّةِ، وَأُمَتِّعُهُ(481) بِالْاِضْطِلَاعِ بِهَا، يَقْتُلُهُ عِفْرِيتٌ مُسْتَكْبِرٌ، يُدْفَنُ فِي اَلمَدِينَةِ اَلَّتِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(478) في بعض النُّسَخ: (بعزَّته).
(479) في بعض النُّسَخ: (أفتح)، وفي الكافي والاختصاص والغيبة للنعماني وإعلام الورى: (أُتيحت)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام): (انتخبت)، وفي الاحتجاج: (أُتيح).
(480) في لسان العرب (ج 6/ ص 58/ مادَّة حندس): (الحندس: الظلمة).
(481) في بعض النُّسَخ وعيون أخبار الرضا (عليه السلام): (أمنحه).

(١٨٠)

بَنَاهَا اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ إِلَى جَنْبِ شَرِّ خَلْقِي، حَقَّ اَلْقَوْلُ مِنِّي لَأُقِرَّنَّ عَيْنَيْهِ بِمُحَمَّدٍ اِبْنِهِ وَخَلِيفَتِهِ وَوَارِثِ عِلْمِهِ، فَهُوَ مَعْدِنُ عِلْمِي، وَمَوْضِعُ سِرِّي، وَحُجَّتِي عَلَى خَلْقِي، جَعَلْتُ اَلْجَنَّةَ مَثْوَاهُ، وَشَفَّعْتُهُ فِي سَبْعِينَ أَلْفٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدِ اِسْتَوْجَبُوا اَلنَّارَ، وَأَخْتِمُ بِالسَّعَادَةِ لاِبْنِهِ عَلِيٍّ، وَلِيِّي وَنَاصِرِي، وَاَلشَّاهِدِ فِي خَلْقِي، وَأَمِينِي عَلَى وَحْيِي، أُخْرِجُ مِنْهُ اَلدَّاعِيَ إِلَى سَبِيلي، وَاَلْخَازِنَ لِعِلْمِيَ اَلْحَسَنَ. ثُمَّ أُكْمِلُ ذَلِكَ بِابْنِهِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، عَلَيْهِ كَمَالُ مُوسَى، وَبَهَاءُ عِيسَى، وَصَبْرُ أَيُّوبَ، سَيَذِلُّ أَوْلِيَائِي فِي زَمَانِهِ، وَيُتَهَادَى رُؤُوسُهُمْ كَمَا يُتَهَادَى رُؤُوسُ اَلتُّرْكِ وَاَلدَّيْلَمِ، فَيُقْتَلُونَ وَيُحْرَقُونَ وَيَكُونُونَ خَائِفِينَ مَرْعُوبِينَ وَجِلِينَ، تُصْبَغُ اَلْأَرْضُ بِدِمَائِهِمْ، وَيَفْشُو اَلْوَيْلُ وَاَلرَّنَّةُ فِي نِسَائِهِمْ، أُولَئِكَ أَوْلِيَائِي حَقًّا، بِهِمْ أَدْفَعُ كُلَّ فِتْنَةٍ عَمْيَاءَ حِنْدِسٍ، وَبِهِمْ أَكْشِفُ اَلزَّلَازِلَ، وَأَرْفَعُ اَلآصَارَ وَاَلْأَغْلَالَ، ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 157]».
قَالَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ سَالِمٍ: قَالَ لِي أَبُو بَصِيرٍ: لَوْ لَمْ تَسْمَعْ فِي دَهْرِكَ إِلَّا هَذَا اَلْحَدِيثَ لَكَفَاكَ، فَصُنْهُ إِلَّا عَنْ أَهْلِهِ(482).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(482) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 527 و528/ باب ما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 3) باختلاف، والخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 364 - 366) بإسناده عن أبي بصير باختلاف، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 168 - 170) عن جابر بن عبد الله الأنصاري باختلاف، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 69 - 72/ باب 4/ ح 5) بأسانيد مختلفة عن بكر بن صالح باختلاف يسير، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 308 - 311/ باب 28/ ح 1)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 48 - 50/ باب 6/ ح 2)، والمفيد (رحمه الله) في الاختصاص (ص 210 - 212) باختلاف، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 421 و422)، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 18 و19) عن المفيد بإسناده عن صالح بن أبي حمَّاد مختصراً، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 174 - 177)، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ ص 255 و256)، وأحمد بن عليٍّ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 1/ ص 84 - 87) باختلاف، وابن شاذان (رحمه الله) في الفضائل (ص 113 و114) مرفوعاً عن أبي بصير صدره باختلاف، والشعيري (رحمه الله) في جامع الأخبار (ص 62 - 66/ ح 82/9) نقلاً عن ابن بابويه، والديلمي (رحمه الله) في إرشاد القلوب (ج 2/ ص 290 - 292) باختلاف، والبرسي (رحمه الله) في مشارق أنوار اليقين (ص 159 و160) مختصراً، والجويني في فرائد السمطين (ج 2/ ص 136 - 139/ ح 432) بإسناده عن الصدوق.
قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 36/ ص 198 - 200): (الرقُّ - بالفتح والكسر -: الجلد الرقيق الذي يُكتَب فيه...، والسفير: الرسول المصلح بين القوم، وأُطلق الحجاب عليه لأنَّه واسطة بين الله وبين الخلق كالحجاب الواسطة بين المحجوب والمحجوب عنه، أو لأنَّ له وجهين: وجهاً إلى الله، ووجهاً إلى الخلق. والمراد بالأسماء إمَّا أسماء ذاته المقدَّسة أو الأئمَّة (عليهم السلام)...، والنعماء مفرد بمعنى النعمة العظيمة، وهي النبوَّة وما يلزمها ويلحقها. وبالآلاء سائر النِّعَم والأوصياء (عليهم السلام)...، والإدالة: إعطاء الدولة والغلبة. والمظلومون: الأئمَّة وشيعتهم الذين ينصرهم الله في آخر الزمان. وديان الدِّين أي المجازي لكلِّ مكلَّف ما عمل من خير وشرٍّ يوم الدِّين. وفي القاموس: الدِّين - بالكسر -: الجزاء والإسلام والعبادة والطاعة والحساب والقهر والسلطان والحكم والقضاء، والديَّان: القهَّار والقاضي والحاكم والحاسب والمجازي. (فمن رجا غير فضلي): كأنَّ المعنى أنَّ كلَّ ما يرجوه العباد من ربِّهم فليس جزاء لأعمالهم بحيث يجب على الله ذلك، بل هو من فضله سبحانه، وأعمالهم لا تكافئ عشراً من أعشار ما أنعم عليهم قبلها، بل هي أيضاً من نِعَمه تعالى، وإنْ لزم عليه سبحانه إعطاء الثواب بمقتضى وعده، فبعده أيضاً من فضله. وذهب الأكثر إلى أنَّ المعنى: رجا فضل غيري، ولا يخفى بعده لفظاً ومعنًى، ويُؤيِّد ما ذكرنا قوله: (أو خاف غير عدلي) إذ العقوبات التي يخافها العباد إنَّما هي من عدله، وإنَّ من اعتقد أنَّها ظلم فقد كفر. (عذَّبته عذاباً): أي تعذيباً، ويجوز أنْ يُجعَل مفعولاً به على السعة. (لا أُعذِّبه) الضمير للمصدر، أو للعذاب إنْ أُريد به ما يُعذَّب به على حذف حرف الجرِّ كما ذكره البيضاوي. (بشبليك): أي ولديك تشبيهاً لهما بولد الأسد في الشجاعة، أو له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالأسد فيها، أو الأعمّ، أو المعنى: ولدي أسدك، تشبيهاً لأمير المؤمنين (عليه السلام) بالأسد. وفي القاموس: الشبل - بالكسر -: ولد الأسد).

(١٨١)

109 - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ اَلْإِيَادِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سِنَانٍ اَلمَوْصِلِيِّ اَلْعَدْلِ، عَنْ

(١٨٢)

أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْخَلِيليِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ اَلْهَمْدَانِيِّ(483)، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ زِيَادِ(484) بْنِ مُسْلِمٍ وَعَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ(485)، عَنْ سَلَّامٍ(486)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلْمَى(487) رَاعِيَ اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «سَمِعْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلَى اَلسَّمَاءِ، قَالَ اَلْعَزِيزُ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ): ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾.
قُلْتُ: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: 284].
قَالَ: صَدَقْتَ. يَا مُحَمَّدُ، مَنْ خَلَّفْتَ لِأُمَّتِكَ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(483) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 402/ الرقم 5900/18) من أصحاب العسكري (عليه السلام)، قائلاً: (محمّد بن صالح بن محمّد الهمداني، وكيل، الدهقان).
وقال الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج 2/ ص 847/ ضمن الحديث 1088) في ترجمة إسحاق بن إسماعيل: (خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمّد (عليه السلام) توقيع، وفيه: «فإذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان، وكيلنا وثقتنا والذي يقبض من موالينا»).
(484) في بعض النُّسَخ: (الذمال)، وفي بعضها: (الذبال)، وفي مقتضب الأثر: (الريَّان)، وكلُّها تصحيف. وما أثبتناه من المائة منقبة، ومقتل الخوارزمي، وفرائد السمطين، والطرائف.
قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 171 و172/ الرقم 452): (زياد بن أبي غياث، واسم أبي غياث مسلم، مولى آل دغش، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ذكره ابن عقدة وابن نوح، ثقة سليم).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 208/ الرقم 2687/33) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (زياد بن مسلم، أبو عتاب الكوفي).
(485) هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، أبو عتبة، الشامي الداراني، ثقة، مات سنة (154هـ) وهو ابن بضع وثمانين سنة، تُرجِم له في: تقريب التهذيب (ج 1/ ص 595/ الرقم 4055)، وطبقات ابن سعد (ج 7/ ص 466)، وغيرهما من كُتُب الرجال.
(486) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 189/ الرقم 502): (سلَّام بن أبي عمرة الخراساني، ثقة، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، سكن الكوفة، له كتاب).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 218/ الرقم 2891/129) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(487) يقال: اسمه حريث، كوفي، وقيل: شامي، وهو خادم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
راجع: أُسد الغابة (ج 1/ ص 76)، والإصابة (ج 1/ ص 369/ الرقم 525).

(١٨٣)

قُلْتُ: خَيْرَهَا.
قَالَ: عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)؟
قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَبِّ.
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي اِطَّلَعْتُ عَلَى اَلْأَرْضِ اِطِّلَاعَةً فَاخْتَرْتُكَ مِنْهَا، فَشَقَقْتُ لَكَ اِسْماً مِنْ أَسْمَائِي، فَلَا أُذْكَرُ فِي مَوْضِعٍ إِلَّا وَذُكِرْتَ مَعِي، فَأَنَا اَلمَحْمُودُ وَأَنْتَ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ اِطَّلَعْتُ اَلثَّانِيَةَ فَاخْتَرْتُ مِنْهَا عَلِيًّا، وَشَقَقْتُ لَهُ اِسْماً مِنْ أَسْمَائِي، فَأَنَا اَلْأَعْلَى وَهُوَ عَلِيٌّ. يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي خَلَقْتُكَ وَخَلَقْتُ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَاَلْحَسَنَ وَاَلْحُسَيْنَ مِنْ شَبَحِ نُورٍ مِنْ نُورِي(488)، وَعَرَضْتُ وَلَايَتَكُمْ عَلَى أَهْلِ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرَضِينَ، فَمَنْ قَبِلَهَا كَانَ عِنْدِي مِنَ اَلمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ جَحَدَهَا كَانَ عِنْدِي مِنَ اَلْكَافِرِينَ. يَا مُحَمَّدُ، لَوْ أَنَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِي عَبَدَنِي حَتَّى يَنْقَطِعَ وَيَصِيرَ مِثْلَ اَلشَّنِّ اَلْبَالِي، ثُمَّ أَتَانِي جَاحِداً بِوَلَايَتِكُمْ مَا غَفَرْتُ لَهُ حَتَّى يُقِرَّ بِوَلَايَتِكُمْ. يَا مُحَمَّدُ، أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهُمْ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَبِّ.
فَقَالَ: اِلْتَفِتْ عَنْ يَمِينِ اَلْعَرْشِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَاَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ وَمُحَمَّدٍ وَجَعْفَرٍ وَمُوسَى وَعَلِيٍّ وَمُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَاَلْحَسَنِ وَاَلمَهْدِيِّ (عليهم السلام) فِي ضَحْضَاحٍ(489) مِنْ نُورٍ، قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وَاَلمَهْدِيُّ فِي وَسْطِهُمْ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَؤُلَاءِ اَلْحُجَجُ، وَهَذَا اَلثَّائِرُ مِنْ عِتْرَتِكَ. يَا مُحَمَّدُ، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي إِنَّهُ اَلْحُجَّةُ اَلْوَاجِبَةُ لِأَوْلِيَائِي، وَاَلمُنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِي»(490).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(488) في المائة منقبة: (من سنخ نوري)؛ وسنخ الشيء: أصله.
(489) في لسان العرب (ج 2/ ص 524/ مادَّة ضحح): (الضحضاح: [ما] ينتشر على وجه الأرض).
(490) رواه فرات الكوفي (رحمه الله) في تفسيره (ص 74 و75/ ح 48/23) بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وابن عيَّاش (رحمه الله) في مقتضب الأثر (ص 10 و11)، ومحمّد بن أحمد القمِّي (رحمه الله) في مائة منقبة (ص 37 - 40/ المنقبة 17) بإسناده عن عليِّ بن سنان الموصلي باختلاف، وابن طاوس (رحمه الله) في الطرائف (ص 172 و173/ ح 270)، والأسترآبادي (رحمه الله) في تأويل الآيات الظاهرة (ج 1/ ص 98 و99/ ح 90) بإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، والخوارزمي في مقتل الحسين (عليه السلام) (ج 1/ ص 146 و147/ ح 23)، والجويني في فرائد السمطين (ج 2/ ص 319 و320/ ح 571)، والقندوزي في ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 380 و381/ ح 2).

(١٨٤)

110 - وَرَوَى جَابِرٌ اَلْجُعْفِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ تَأْوِيلِ قَوْلِ اَلله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36]، قَالَ: فَتَنَفَّسَ سَيِّدِي اَلصُّعَدَاءَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا جَابِرُ، أَمَّا السَّنَةُ فَهِيَ جَدِّي رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَشُهُورُهَا اِثْنَا عَشَرَ شَهْراً، فَهُوَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (وَ)(491) إلَيَّ، وَإِلَى اِبْنِي جَعْفَرٍ، وَاِبْنِهِ مُوسَى، وَاِبْنِهِ عَلِيٍّ، وَاِبْنِهِ مُحَمَّدٍ، وَاِبْنِهِ عَلِيٍّ، وَإِلَى اِبْنِهِ اَلْحَسَنِ، وَإِلَى اِبْنِهِ مُحَمَّدٍ اَلْهَادِي اَلمَهْدِيِّ، اِثْنَا عَشَرَ إِمَاماً، حُجَجُ اَلله فِي خَلْقِهِ، وَأُمَنَاؤُهُ عَلَى وَحْيِهِ وَعِلْمِهِ. وَاَلْأَرْبَعَةُ اَلْحُرُمُ اَلَّذِينَ هُمُ اَلدِّينُ اَلْقَيِّمُ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ يَخْرُجُونَ بِاسْمٍ وَاحِدٍ: عَلِيٌّ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ، وَأَبِي عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، وَعَلِيُّ بْنُ مُوسَى، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)، فَالْإِقْرَارُ بِهَؤُلَاءِ هُوَ اَلدِّينُ اَلْقَيِّمُ، ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ أَيْ قُولُوا بِهِمْ جَمِيعاً تَهْتَدُوا»(492).
111 - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ(493)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سِنَانٍ اَلمَوْصِلِيِّ اَلْعَدْلِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْخَلِيلِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْمِصْرِيِّ(494)، عَنْ عَمِّهِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(491) ليس في بعض النُّسَخ.
(492) رواه ابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ ص 244) مختصراً.
(493) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 68/ الرقم 162): (الحسين بن عليِّ بن سفيان بن خالد بن سفيان، أبو عبد الله البزوفري، شيخ، ثقة، جليل من أصحابنا).
(494) هو جعفر بن أحمد بن عليِّ بن بيان بن زيد بن سيابة، أبو الفضل الغافقي المصري، ويُعرَف بابن أبي العلاء، مات سنة (304هـ)، وكان رافضيًّا. راجع: لسان الميزان (ج 2/ ص 108/ الرقم 442).

(١٨٥)

أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ اَلْبَاقِرِ، عَنْ أَبِيهِ ذِي اَلثَّفِنَاتِ(495) سَيِّدِ اَلْعَابِدِينَ، عَنْ أَبِيهِ اَلْحُسَيْنِ اَلزَّكِيِّ اَلشَّهِيدِ، عَنْ أَبِيهِ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - فِي اَللَّيْلَةِ اَلَّتِي كَانَتْ فِيهَا وَفَاتُهُ - لِعَلِيٍّ (عليه السلام): «يَا أَبَا اَلْحَسَنِ، أَحْضِرْ صَحِيفَةً وَدَوَاةً»، فَأَمْلَأَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَصِيَّتَهُ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى هَذَا اَلمَوْضِعِ، فَقَالَ: «يَا عَلِيُّ، إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي اِثْنَا عَشَرَ إِمَاماً، وَمِنْ بَعْدِهِمْ اِثْنَا عَشَرَ مَهْدِيًّا، فَأَنْتَ يَا عَلِيُّ أَوَّلُ اَلْاِثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً، سَمَّاكَ اَللهُ تَعَالَى فِي سَمَائِهِ: عَلِيًّا اَلمُرْتَضَى، وَأَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ، وَاَلصِّدِّيقَ اَلْأَكْبَرَ، وَاَلْفَارُوقَ اَلْأَعْظَمَ، وَاَلمَأْمُونَ، وَاَلمَهْدِيَّ، فَلَا تَصِحُّ هَذِهِ اَلْأَسْمَاءُ لِأَحَدٍ غَيْرِكَ. يَا عَلِيُّ، أَنْتَ وَصِيِّي عَلَى أَهْلِ بَيْتِي حَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ، وَعَلَى نِسَائِي، فَمَنْ ثَبَّتَّهَا لَقِيَتْنِي غَداً، وَمَنْ طَلَّقْتَهَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهَا، لَمْ تَرَنِي(496) وَلَمْ أَرَهَا فِي عَرْصَةِ اَلْقِيَامَةِ، وَأَنْتَ خَلِيفَتِي عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي، فَإِذَا حَضَرَتْكَ اَلْوَفَاةُ فَسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِيَ اَلْحَسَنِ اَلْبَرِّ اَلْوَصُولِ(497)، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِيَ اَلْحُسَيْنِ اَلشَّهِيدِ اَلزَّكِيِّ اَلمَقْتُولِ، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ سَيِّدِ اَلْعَابِدِينَ ذِي اَلثَّفِنَاتِ عَلِيٍّ، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ مُحَمَّدٍ اَلْبَاقِرِ(498)، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ جَعْفَرٍ اَلصَّادِقِ، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ مُوسَى اَلْكَاظِمِ، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ عَلِيٍّ اَلرِّضَا، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ مُحَمَّدٍ اَلثِّقَةِ اَلتَّقِيِّ، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ عَلِيٍّ اَلنَّاصِحِ، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(495) في بحار الأنوار (ج 36/ هامش ص 260): (الثفنة من البعير ما يقع على الأرض من أعضائه إذا استناخ وغلظ كالركبتين. ولعلَّ وجه إطلاق (ذو الثفنات) على السجَّاد (عليه السلام) كثرة سجوده بحيث صار مواضع سجوده ذا ثفنة).
(496) في بعض النُّسَخ: (لم ترثني).
(497) الوصول: كثير الإعطاء.
(498) في بعض النُّسَخ: (باقر العلم).

(١٨٦)

اَلْحَسَنِ اَلْفَاضِلِ، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ مُحَمَّدٍ اَلمُسْتَحْفَظِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)، فَذَلِكَ اِثْنَا عَشَرَ إِمَاماً، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ اِثْنَا عَشَرَ مَهْدِيًّا، فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ أَوَّلِ اَلمُقَرَّبِينَ، لَهُ ثَلَاثَةُ أَسَامِيَ: اِسْمٌ كَاسْمِي وَاِسْمِ أَبِي وَهُوَ عَبْدُ اَلله، وَأَحْمَدُ، وَاَلْاِسْمُ اَلثَّالِثُ اَلمَهْدِيُّ، هُوَ أَوَّلُ اَلمُؤْمِنِينَ»(499).
112 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ اَلْأَشْعَرِيِّ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مُوسَى اَلْخَشَّابِ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ رِبَاطٍ، عَنِ اِبْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «اَلْاِثْنَا عَشَرَ اَلْإِمَامَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ كُلُّهُمْ مُحَدَّثٌ [مِنْ](500) وُلْدِ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَوُلْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، فَرَسُولُ اَلله وَعَلِيٌّ (عليهما السلام) هُمَا اَلْوَالِدَانِ»(501).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(499) سند هذه الرواية في غاية الضعف، لاشتماله على عدَّة مجاهيل وضعفاء، فإنَّ (عليَّ بن سنان الموصلي العدل) و(أحمد بن محمّد بن الخليل) و(جعفر بن أحمد المصري) و(عمَّه الحسن بن عليٍّ، عن أبيه) كلُّهم مجاهيل، فلا تصلح رواية وردوا في طريقها للاستدلال.
اُنظر: الردُّ القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم للشيخ عليٍّ آل محسن (ص 28 - 34).
ولو تنزَّلنا، فهي لا تدلُّ على أكثر من أنَّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) يُسلِّم الأمر إلى ولده عند قرب وفاته، ممَّا يعني أنَّها لو صحَّت فهي متعلِّقة بما بعد ظهوره (عجَّل الله فرجه) لا في زمن الغيبة، هذا فضلاً عن معارضتها بالروايات الدالَّة على أنَّ الذي يحكم الأرض بعده (عجَّل الله فرجه) هو الإمام الحسين (عليه السلام).
(500) ما أثبتناه من الكافي وبعض النُّسَخ، وفي بعضها: (هم المحدَّثون)، وفي بعضها: (هم محدَّثون).
(501) رواه الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 340/ ج 7/ باب 5/ ح 5)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 533/ باب ما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 14)، وفي (ص 531/ ح 7) باختلاف، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 347) بإسناده عن الكليني باختلاف يسير، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 425) عن زرارة باختلاف يسير، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 16 و17) عن المفيد (رحمه الله)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 171) عن محمّد بن يعقوب، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 1/ ص 256) عن ابن أُذينة مختصراً.
قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 7/ ص 370 و371): (قوله: (كلُّهم محدَّث) مبتدأ وخبر، وإفراد الخبر باعتبار لفظ الكلِّ. وقوله: (من ولد رسول الله ومن ولد علىٍّ) خبر بعد خبر على الظاهر. وهذا الحكم باعتبار الأكثر، والقرينة علم المخاطب به. وقوله: (ورسول الله وعليٌّ هما الوالدان) وكما أنَّهما والدان للأئمَّة صورةً ومعنًى، كذلك هما والدان للأُمَّة معنًى حيث إنَّهما ولدا العلم وورثا الحكمة).

(١٨٧)

113 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ [بْنِ] اَلْحُسَيْنِ(502)، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام). وَمُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى اَلمَدَنِيِّ(503)، عَنْ أَبِي هَارُونَ اَلْعَبْدِيِّ(504)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ حَاضِراً لَـمَّا هَلَكَ أَبُو بَكْرٍ وَاِسْتَخْلَفَ عُمَرَ أَقْبَلَ يَهُودِيٌّ مِنْ عُظَمَاءِ يَثْرِبَ يَزْعُمُ يَهُودُ اَلمَدِينَةِ أَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ حَتَّى رُفِعَ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ، إِنِّي جِئْتُكَ أُرِيدُ اَلْإِسْلَامَ، فَإِنْ خَبَّرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ فَأَنْتَ أَعْلَمُ أَصْحَابِ هَذَا اَلْكِتَابِ وَاَلسُّنَّةِ وَجَمِيعِ مَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكَ، لَكِنِّي أُرْشِدُكَ إِلَى مَنْ هُوَ أَعْلَمُ أُمَّتِنَا بِالْكِتَابِ وَاَلسُّنَّةِ وَجَمِيعِ مَا قَدْ تَسْأَلُ عَنْهُ، وَهُوَ ذَاكَ - وَأَوْمَأَ إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام) -.
فَقَالَ لَهُ اَلْيَهُودِيُّ: يَا عُمَرُ، إِنْ كَانَ هَذَا كَمَا تَقُولُ فَمَا لَكَ وَبِيعَةَ(505) اَلنَّاسِ، وَإِنَّمَا ذَاكَ أَعْلَمُكُمْ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(502) هو محمّد بن الحسين بن أبي الخطَّاب، أبو جعفر الزيَّات الهمداني، الذي قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 334/ الرقم 897): (جليل من أصحابنا، عظيم القدر، كثير الرواية، ثقة، عين).
(503) هو إبراهيم بن محمّد بن أبي يحيى المدني، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، وكان خصِّيصاً بهما، والعامَّة - بهذه العلَّة - تُضعِّفه.
راجع: رجال النجاشي (ص 14/ الرقم 12)، ورجال الطوسي (ص 156/ الرقم 1720/24)، والفهرست (ص 34/ الرقم 1/1).
(504) هو عمارة بن جوين، قال الذهبي في ميزان الاعتدال (ج 3/ ص 173/ الرقم 6018): (تابعي ليِّن بمرَّة...)، إلى أنْ قال: (وقال الدارقطني: متلوِّن، خارجي وشيعي، مات سنة (134هـ)).
(505) في بعض النُّسَخ: (لبيعة).

(١٨٨)

فَزَبَرَهُ(506) عُمَرُ.
ثُمَّ إِنَّ اَلْيَهُودِيَّ قَامَ إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَقَالَ: أَنْتَ كَمَا ذَكَرَ عُمَرُ؟
فَقَالَ: «وَمَا قَالَ عُمَرُ؟».
فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: فَإِنْ كُنْتَ كَمَا قَالَ عُمَرُ سَأَلْتُكَ عَنْ أَشْيَاءَ أُرِيدُ أَنْ أَعْلَمَ هَلْ يَعْلَمُهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ فَأَعْلَمَ أَنَّكُمْ فِي دَعْوَاكُمْ خَيْرُ اَلْأُمَمِ وَأَعْلَمُهَا صَادِقُونَ؟ وَمَعَ ذَلِكَ أَدْخُلُ فِي دِينِكُمُ اَلْإِسْلَامِ.
فَقَالَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «نَعَمْ، أَنَا كَمَا ذَكَرَ لَكَ عُمَرُ، سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ أُخْبِرْكَ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اَللهُ تَعَالَى».
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَوَاحِدَةٍ.
قَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «يَا يَهُودِيٌّ، لِمَ لَمْ تَقُلْ: أَخْبِرْنِي عَنْ سَبْعٍ؟».
فَقَالَ اَلْيَهُودِيُّ: إِنَّكَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِالثَّلَاثِ سَأَلْتُكَ عَنِ اَلثَّلَاثِ وَإِلَّا كَفَفْتُ، وَإِنْ أَجَبْتَنِي فِي هَذِهِ اَلسَّبْعِ فَأَنْتَ أَعْلَمُ أَهْلِ اَلْأَرْضِ وَأَفْضَلُهُمْ وَأَوْلَى اَلنَّاسِ بِالنَّاسِ.
فَقَالَ: «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ يَا يَهُودِيُّ».
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَوَّلِ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ، وَأَوَّلِ شَجَرَةٍ غُرِسَتْ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ، وَأَوَّلِ عَيْنٍ نَبَعَتْ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ، فَأَخْبَرَهُ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام).
ثُمَّ قَالَ لَهُ اَلْيَهُودِيُّ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ كَمْ لَهَا مِنْ إِمَامِ هُدًى؟ وَأَخْبِرْنِي عَنْ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ أَيْنَ مَنْزِلُهُ فِي اَلْجَنَّةِ؟ وَأَخْبِرْنِي مَنْ مَعَهُ فِي اَلْجَنَّةِ؟
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «إِنَّ لِهَذِهِ اَلْأُمَّةِ اِثْنَيْ عَشَرَ إِمَامَ هُدًى مِنْ ذُرِّيَّةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(506) في الصحاح للجوهري (ج 2/ ص 667/ مادَّة زبر): (الزبر - بالفتح -: الزجر والمنع، يقال: زبره يزبره بالضمِّ زبراً، إذا انتهره).

(١٨٩)

نَبِيِّهَا، وَهُمْ مِنِّي. وَأَمَّا مَنْزِلُ نَبِيِّنَا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي اَلْجَنَّةِ فَهُوَ أَفْضَلُهَا وَأَشْرَفُهَا جَنَّةُ عَدْنٍ. وَأَمَّا مَنْ مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ مِنْهَا فَهَؤُلَاءِ اَلْاِثْنَا عَشَرَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَأُمُّهُمْ وَجَدَّتُهُمْ - أُمُّ أُمِّهِمْ - وَذَرَارِيُّهُمْ، لَا يَشْرَكُهُمْ فِيهَا أَحَدٌ»(507)،(508).
114 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(507) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 531 و532/ باب ما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 8)، والصدوق (رحمه الله) مفصَّلاً باختلاف في كمال الدِّين (ص 294 - 296/ باب 26/ ح 3، وص 300 - 302/ باب 26/ ح 8)، وفي الخصال (ص 476 و477/ ح 40)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 56 - و57/ باب 6/ ح 19)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 166 - 168) عن محمّد بن يعقوب.
(508) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 7/ ص 372 و373): (قوله: (قال: لـمَّا هلك أبو بكر) لا حاجة إلى (قال)، فكأنَّه للتأكيد، أو عطف على (قال) بحذف العاطف، ونظير ذلك كثير. قوله: (يهود يثرب) يثرب اسم للمدينة، قال الآبي: روي أنَّ لها في التوراة أحد عشر اسماً: المدينة، وطابة، وطيبة، والسكينة، وجابرة، والمحفَّة، والمحبوبة، والقاصدة، والمجبورة، والعذراء، والمرحومة. وقال السهيلي: إنَّما سُمّيت يثرب باسم رجل من العمالقة، وهو أوَّل من نزلها منهم، وهو يثرب بن قابد بن عقيل بن هلايل بن عوض بن عملاق بن ولاد بن إرم بن سام بن نوح (عليه السلام)، ولـمَّا دخلها النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كره لها هذا الاسم لما فيه من لفظ التثريب، وسمَّاها طيبة، وطابة، والمدينة. فإنْ قيل: قد سمَّاها الله تعالى به في القرآن، فالجواب: إنَّما سمَّاها به حاكياً ذلك عن المنافقين في قوله: ﴿وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ...﴾ الآية [الأحزاب: 13]، فنبَّه بما حكى عنهم أنَّهم رغبوا عمَّا سمَّاها الله تعالى ورسوله، وأبوا إلَّا ما كانوا عليه في الجاهليَّة، والله سبحانه وتعالى قد سمَّاها المدينة في قوله تعالى: ﴿لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ﴾ [التوبة: 120]، وقال القرطبي: كره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اسمها يثرب لما فيه من الثراب، وكانت الجاهليَّة تُسمّيها بذلك باسم موضع منها كان اسمها يثرب. قوله: (لست هناك) أي لست في هذه المرتبة التي ذكرتها. قوله: (أُريد أنْ أعلم هل يعلمه أحد منكم) أشار بذلك إلى أنَّه كان عالماً بهذه الأشياء وإنَّما يسألها للامتحان والاختبار ليعلم ثبوت هذه الشريعة وحقيقتها...، قوله: (من ذرّيَّة نبيِّها) هذا باعتبار الأكثريَّة في التغليب، وكذا في قوله: (من ذرّيَّته). قوله: (وأُمُّهم وجدَّتهم) لعلَّ المراد بأُمِّهم فاطمة (عليها السلام)، وبجدَّتهم خديجة (عليها السلام) دون جميع الأُمَّهات والجدَّات وإنِ احتُمِلَ).

(١٩٠)

أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْبَرْقِيِّ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلثَّانِي (عليه السلام)، قَالَ: «أَقْبَلَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَمَعَهُ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ سَلْمَانَ، فَدَخَلَ اَلمَسْجِدَ اَلْحَرَامَ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ اَلْهَيْأَةِ وَاَللِّبَاسِ، فَسَلَّمَ عَلَى أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فَرَدَّ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ، فَجَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ، أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهِنَّ عَلِمْتُ أَنَّ اَلْقَوْمَ قَدْ رَكِبُوا مِنْ أَمْرِكَ مَا قُضِيَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ لَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ، وَإِنْ تَكُنِ اَلْأُخْرَى عَلِمْتُ أَنَّكَ وَهُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ.
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ اَلرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ؟ وَعَنِ اَلرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ وَيَنْسَى؟ وَعَنِ اَلرَّجُلِ يُشْبِهُ وَلَدُهُ اَلْأَعْمَامَ وَاَلْأَخْوَالَ.
فَالْتَفَتَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) إِلَى اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَجِبْهُ، فَأَجَابَهُ اَلْحَسَنُ (عليه السلام).
فَقَالَ اَلرَّجُلُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَلله، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اَلله، وَاَلْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ - وَأَشَارَ إِلَى أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) -، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَاَلْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ - وَأَشَارَ إِلَى اَلْحَسَنِ -، وَأَشْهَدُ أَنَّ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَصِيُّ أَبِيهِ وَاَلْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ بَعْدَكَ، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ أَنَّهُ اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ اَلْحُسَيْنِ بَعْدَهُ، وَأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، وَأَشْهَدُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَشْهَدُ عَلَى مُوسَى أَنَّهُ اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَشْهَدُ عَلَى اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَشْهَدُ

(١٩١)

عَلَى رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ اَلْحَسَنِ لَا يُكَنَّى وَلَا يُسَمَّى حَتَّى يَظْهَرَ أَمْرُهُ فَيَمْلَأَهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، وَاَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اَلله وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ قَامَ فَمَضَى.
فَقَالَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، اِتَّبِعْهُ اُنْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ؟
فَخَرَجَ اَلْحَسَنُ (عليه السلام)، فَقَالَ (لَهُ)(509): مَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ خَارِجاً مِنَ اَلمَسْجِدِ فَمَا دَرَيْتُ أَيْنَ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ اَلله، فَرَجَعْتُ إِلَى أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَأَعْلَمْتُهُ.
فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَتَعْرِفُهُ؟
فَقُلْتُ: اَللهُ وَرَسُولُهُ وَأَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ.
فَقَالَ (عليه السلام): هُوَ اَلْخَضِرُ (عليه السلام)»(510).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(509) ليس في بعض النُّسَخ.
(510) الكافي (ج 1/ 525 و526/ باب ما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح 1)؛ ورواه البرقي (رحمه الله) في المحاسن (ج 2/ ص 332 و333/ ح 99) مختصراً باختلاف، والقمِّي (رحمه الله) في تفسيره (ج 2/ ص 44 و45) مرسَلاً باختلاف، وفي (ص 249 و250) عن أبيه، عن أبي هاشم مختصراً، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 160 - 162) مرسَلاً عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 66 - 68/ باب 4/ ح 2) بإسناده عن أحمد بن محمّد بن خالد باختلاف مفصَّلاً، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 313 - 315/ باب 29/ ح 1)، وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 67 - 69/ باب 6/ ح 35)، وفي علل الشرائع (ج 1/ ص 96 - 98/ باب 85/ ح 6) بإسناده عن البرقي، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 174 - 176/ ح 95/26) بإسناده عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) مفصَّلاً باختلاف، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 421) مختصراً، والكراجكي (رحمه الله) في الاستنصار (ص 31 - 33) عن المفيد بإسناده عن محمّد بن يعقوب، ولم نجده في كُتُب المفيد (رحمه الله)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 191 - 193)، وأحمد بن عليٍّ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 1/ ص 395 - 398) عن أبي هاشم، وفي (ص 39 و40/ ح 9) عن تفسير القمِّي.

(١٩٢)

فهذا طرف من الأخبار قد أوردناها، ولو شرعنا في إيراد (ما)(511) من جهة الخاصَّة في هذا المعنى لطال به الكتاب، وإنَّما أوردنا ما أوردنا منها ليصحَّ ما قلناه من نقل الطائفتين المختلفتين، ومن أراد الوقوف(512) على ذلك فعليه بالكُتُب المصنَّفة في ذلك فإنَّه يجد من ذلك شيئاً كثيراً حسب ما قلناه.
[بيان صحَّة أخبار أنَّ الأئمَّة اثنا عشر، وأنَّ المراد منهم الأئمَّة الإماميَّة]:
فإنْ قيل: دلُّوا أوَّلاً على صحَّة هذه الأخبار، فإنَّها [أخبار](513) آحاد لا يُعوَّل عليها فيما طريقه العلم، وهذه مسألة علميَّة. ثمّ دلُّوا على أنَّ المعنيَّ بها مَنْ تذهبون إلى إمامته، فإنَّ الأخبار التي رويتموها عن مخالفيكم وأكثر ما رويتموها من جهة الخاصَّة إذا سُلِّمت، فليس فيها صحَّة ما تذهبون إليه، لأنَّها تتضمَّن العدد فحسب، ولا تتضمَّن غير ذلك، فمن أين لكم أنَّ أئمَّتكم هم المرادون بها دون غيرهم؟
قلنا: أمَّا الذي يدلُّ على صحَّتها فإنَّ الشيعة الإماميَّة يروونها على وجه التواتر خلفاً عن سلف، وطريقة تصحيح ذلك موجودة في كُتُب الإماميَّة النصوص(514) على أمير المؤمنين (عليه السلام)، والطريقة واحدة.
وأيضاً فإنَّ نقل الطائفتين المختلفتين المتباينتين في الاعتقاد يدلُّ على صحَّة ما قد اتَّفقوا على نقله، لأنَّ العادة جارية أنَّ كلَّ من اعتقد مذهباً وكان الطريق إلى صحَّة ذلك النقل، فإنَّ دواعيه تتوفَّر إلى نقله، وتتوفَّر دواعي من خالفه إلى إبطال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(511) ليس في بعض النُّسَخ.
(512) في بعض النُّسَخ: (التوقيف).
(513) من بعض النُّسَخ.
(514) في بعض النُّسَخ: (والنصوص).

(١٩٣)

ما نقله أو الطعن(515) عليه، والإنكار لروايته، بذلك جرت العادات في مدائح الرجال وذمِّهم وتعظيمهم والنقص منهم.
ومتى رأينا الفرقة المخالفة لهذه الفرقة قد نقلت مثل نقلها ولم تتعرَّض للطعن على نقله ولم تُنكِر متضمَّن الخبر دلَّ ذلك على أنَّ الله تعالى قد تولَّى نقله وسخَّرهم لروايته، وذلك دليل على صحَّة ما تضمَّنه الخبر.
وأمَّا الدليل على أنَّ المراد بالأخبار والمعنيَّ بها أئمَّتنا (عليهم السلام)، فهو أنَّه إذا ثبت بهذه الأخبار أنَّ الإمامة محصورة في الاثني عشر إماماً، وأنَّهم لا يزيدون ولا ينقصون، ثبت ما ذهبنا إليه، لأنَّ الأُمَّة بين قائلين: قائل يعتبر العدد الذي ذكرناه فهو يقول: إنَّ المراد بها من يذهب إلى إمامته، ومن خالف في إمامتهم لا يعتبر هذا العدد، فالقول - مع اعتبار العدد - إنَّ المراد غيرهم خروج عن الإجماع، وما أدَّى إلى ذلك وجب القول بفساده.
[دليل آخر على أنَّ إمامة صاحب الأمر (عجّل الله فرجه) من جهة إخبار الأئمَّة السابقة عليه بغيبته، وصفة غيبته، وحوادث زمان غيبته]:
ويدلُّ أيضاً على إمامة ابن الحسن (عليه السلام) وصحَّة غيبته ما ظهر وانتشر من الأخبار الشائعة الذائعة عن آبائه (عليهم السلام) قبل هذه الأوقات بزمان طويل من أنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، وصفة غيبته وما يجري فيها من الاختلاف، ويحدث فيها من الحوادث، وأنَّه يكون له غيبتان إحداهما أطول من الأُخرى، وأنَّ الأُولى يُعرَف فيها خبره، والثانية لا يُعرَف فيها أخباره، فوافق ذلك على ما تضمَّنته الأخبار.
ولولا صحَّتها وصحَّة إمامته لما وافق ذلك، لأنَّ ذلك لا يكون إلَّا بإعلام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(515) في بعض النُّسَخ: (والطعن).

(١٩٤)

الله تعالى على لسان نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذه أيضاً طريقة معتمدة اعتمدها الشيوخ قديماً.
ونحن نذكر من الأخبار التي تضمَّنت ذلك طرفاً ليُعلَم صحَّة ما قلناه، لأنَّ استيفاء جميع ما روي في هذا المعنى يطول، وهو موجود في كُتُب الأخبار، من أراده وقف عليه من هناك.
115 - فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ اِبْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنْ مُوسَى اِبْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ(516)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) فِي قَوْلِ اَلله تَعَالَى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: 30]، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي اَلْإِمَامِ، فَقَالَ: (إِنْ)(517) أَصْبَحَ إِمَامُكُمْ غَائِباً عَنْكُمْ فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِإِمَامٍ ظَاهِرٍ يَأْتِيكُمْ بِأَخْبَارِ اَلسَّمَاءِ وَاَلْأَرْضِ وَبِحَلَالِ اَلله تَعَالَى وَحَرَامِهِ»، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا وَاَلله مَا جَاءَ تَأْوِيلُ هَذِهِ اَلْآيَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَجِيءَ تَأْوِيلُهَا»(518).
116 - سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ(519)، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(516) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 405/ الرقم 1075): (موسى بن عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل، مولى بني نهد، أبو عليٍّ...، له كتاب طرائف النوادر، وكتاب النوادر).
(517) ليس في بعض النُّسَخ.
(518) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 115 و116) عن سعد بن عبد الله، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 325 و326/ باب 32/ ح 3).
(519) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 355/ الرقم 5261/22) من أصحاب الرضا (عليه السلام)، قائلاً: (ثقة).
وفي كمال الدِّين: (أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد)، وقد ترجم له النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 83/ الرقم 200)، وقال: (ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)).
وفي الكافي والغيبة للنعماني: (أحمد بن الحسن، عن عمر بن يزيد).

(١٩٥)

اِبْنِ أَبِي اَلرَّبِيعِ اَلمَدَائِنِيِّ(520)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَسِيدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) فَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اَلله تَعَالَى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ [التكوير: 15 و16].
فَقَالَ: «إِمَامٌ يَخْنِسُ فِي زَمَانِهِ عِنْدَ اِنْقِطَاعٍ(521) مِنْ عِلْمِهِ عِنْدَ اَلنَّاسِ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ اَلْوَقَّادِ، فَإِنْ أَدْرَكْتِ ذَلِكَ قَرَّتْ عَيْنُكِ(522)»(523)،(524).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(520) في الكافي: (الحسن بن الربيع الهمداني)، وفي الغيبة للنعماني: (الحسن بن أبي الربيع الهمداني)، وفي كمال الدِّين: (الحسين بن الربيع المدائني)، وفي بعض النُّسَخ: (الحسن بن أبي الربيع المدائني)، وأيٌّ ما كان لم نجد له ترجمة.
(521) في كمال الدِّين: (انقضاء).
(522) في كمال الدِّين: (عيناكِ).
(523) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 119/ ح 113) عن سعد بن عبد الله وعبد الله ابن جعفر الحميري، الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 341/ باب في الغيبة/ ح 23) بإسناده عن سعد بن عبد الله، وفي (ح 22) بإسناده عن الحسن بن أبي الربيع باختلاف، والخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 362) بإسناده عن الحسن بن أبي الربيع الهمداني مختصراً باختلاف، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 265) بإسناده عن الحسن بن أبي الربيع الهمداني باختلاف، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 151/ باب 10/ ح 6) بإسناده عن محمّد بن إسحاق باختلاف، وفي (ص 151 و152/ ذيل الحديث 6) عن محمّد بن يعقوب بإسناده عن الحسن بن أبي الربيع باختلاف، وفي (ص 152/ باب 10/ ح 7) عن محمّد بن يعقوب بإسناده عن سعد بن عبد الله باختلاف يسير، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 324 و325/ باب 32/ ح 1) بإسناده عن أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد، والنيلي (رحمه الله) في منتخب الأنوار المضيئة (ص 38 و39)، والأسترآبادي (رحمه الله) في تأويل الآيات الظاهرة (ج 2/ ص 769 و770/ ح 16) بإسناده عن الحسن بن الربيع باختلاف.
(524) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 267 و268): (قوله: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾، قالوا: الخُنَّس جمع خانس، وهي الكواكب، لأنَّها تغيب بالنهار وتظهر بالليل، وقيل: هي الكواكب الخمسة السيَّارة: زحل، والمشتري، والمرِّيخ، والزهرة، وعطارد، يريد به مسيرها ورجوعها، لقوله: ﴿الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾، ولا يرجع من الكواكب غيرها. والكُنَّس جمع كانس، وهي الكواكب التي تغيب وترجع، من كنس الظبي إذا تغيَّب واستتر في كناسة، وهو الموضع الذي يأوي إليه، وفسَّره (عليه السلام) بإمام يخنس أي يغيب سنة ستِّين ومائتين، وهي سنة مات أبوه (عليه السلام)، ثمّ يظهر ويرجع من أُفُق الحقِّ كالشهاب المتوقِّد في الليلة الظلماء يعرف كلُّ أحد أنَّه الإمام العادل. وإرادة الواحد من الجمع إمَّا للتعظيم، أو لأجل أنَّه داخل فيه ومن آحاده، لأنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) كلُّهم موصوفون بهذه الصفة سيّما على القول بالرجعة).

(١٩٦)

117 - سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ قَاسِمٍ اَلْبَجَلِيِّ(525) وَأَبِي قَتَادَةَ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ(526)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا تَأْوِيلُ قَوْلِ اَلله تَعَالَى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: 30]؟
فَقَالَ: «إِذَا فَقَدْتُمْ إِمَامَكُمْ فَلَمْ تَرَوْهُ فَمَا ذَا تَصْنَعُونَ؟»(527).
118 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(525) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 405/ الرقم 1073): (موسى بن القاسم بن معاوية بن وهب البجلي، أبو عبد الله، يُلقَّب المجلي، ثقة ثقة، جليل، واضح الحديث، حسن الطريقة).
روى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى، وروى بعنوان موسى بن القاسم عن عليِّ بن جعفر.
وفي كمال الدِّين: (موسى بن القاسم، عن معاوية بن وهب البجلي)، وكلاهما أيضاً ثقتان.
(526) كذا في كمال الدِّين (ج 51/ ص 151/ ح 5)، وفي بعض النُّسَخ: (وأبي قتادة معاً، عن عليِّ بن حفص)، والظاهر أنَّه سهو، إذ عليُّ بن محمّد بن حفص هو أبو قتادة.
قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 272/ الرقم 713): (عليُّ بن محمّد بن حفص بن عبيد بن حميد، مولى السائب بن مالك الأشعري، أبو قتادة القمِّي، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وعمَّر، وكان ثقةً، وابنه الحسن بن أبي قتادة الشاعر، وأحمد بن أبي قتادة، أعقب).
(527) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 125/ ح 124) عن سعد بن عبد الله، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 181 و182/ باب 10/ فصل 4/ ح 17) عن محمّد بن همَّام باختلاف، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 267)، وفيه: (قدمتم) بدل (فقدتم)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 360/ باب 34/ ح 3) عن أبيه، عن سعد بن عبد الله.

(١٩٧)

أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ اَلشَّاذَانِ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ(528)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «إِنْ بَلَغَكُمْ عَنْ صَاحِبِكُمْ غَيْبَةٌ فَلَا تُنْكِرُوهَا»(529)،(530).
119 - مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيُّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلصَّيْرَفِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ اَلمُثَنَّى اَلْعَطَّارِ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «يَفْقِدُ اَلنَّاسُ إِمَامَهُمْ فَيَشْهَدُ اَلمَوْسِمَ فَيَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنَهُ»(531).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(528) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 20/ الرقم 25): (إبراهيم بن عيسى، أبو أيُّوب الخزَّاز، وقيل: إبراهيم بن عثمان، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ذكر ذلك أبو العبَّاس في كتابه، ثقة، كبير المنزلة).
ووثَّقه المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 41/ الرقم 13/13)، والكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج 2/ ص 661/ ح 679).
(529) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 340/ باب في الغيبة/ ح 15) بسنده عن محمّد بن مسلم، وفي (ص 338/ ح 10) بسند آخر عن محمّد بن مسلم أيضاً باختلاف يسير، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 194/ باب 10/ فصل 4/ ح 42).
(530) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 260): (قوله: (إنْ بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تُنكِروها) لأنَّ غيبته حقٌّ ثابت وأمر محتوم، والمنكر لها القائل بعدم وجوده كالمنكر لإمامة عليٍّ (عليه السلام)، كما دلَّ عليه بعض الروايات من أنَّه كيف يؤمن بالأوَّل من لا يؤمن بالآخر. ولا وجه للإنكار أصلاً، لأنَّ سببه إمَّا استبعاد أنْ يكون الهادي للخلائق غائباً عنهم، وهو باطل، لتحقُّق الغيبة لجميع الأنبياء والأوصياء كما دلَّ عليه تصفُّح الأخبار وتتبُّع الآثار. وإمَّا طول الزمان واستبعاد أنْ يكون لأحد هذا العمر الطويل، وهو أيضاً باطل، لتحقُّقه في كثير من الخلائق).

(531) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 337 و338/ باب في الغيبة/ ح 6، وص 339/ ح 12)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 180/ باب 10/ فصل 4/ ح 13) بسنده عن يحيى بن المثنَّى باختلاف، و(ص 180 و181/ ح 14) عن الكليني، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 346/ باب 33/ ح 33) بسنده عن جعفر بن محمّد بن مالك، وفي (ص 351/ ح 49) بسنده عن يحيى بن المثنَّى، وفي (ص 440/ باب 43/ ح 7) عن أبيه عن سعد، وفي (ص 181/ ح 16) عن الكليني باختلاف، والطبري (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 482/ ح 477/81) بإسناده عن يحيى بن المثنَّى العطَّار، وفي (ص 531/ ح 509/113) عن الحسن ابن محمّد بن سماعة الصيرفي، عن الحسين بن مثنَّى العطَّار، والحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 432) عن عبيد بن زرارة.
قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 4/ ص 42): (لعلَّ المراد يعرفهم ولا يعرفونه كما روى الصدوق عن محمّد بن عثمان العمري، قال: والله إنَّ صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كلَّ سنة فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه. فيشمل الغيبتين، أو هو مختصٌّ بالكبرى، إذ في الصغرى كان يعرفه بعض الناس، وعلى الثاني يحتمل أنْ تكون الرؤية بمعناها).

(١٩٨)

120 - أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلمُسْتَنِيرِ(532)، عَنِ اَلمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا تَطُولُ حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ: مَاتَ، وَيَقُولَ بَعْضُهُمْ: قُتِلَ، وَيَقُولَ بَعْضُهُمْ: ذَهَبَ، حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَى أَمْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ، لَا يَطَّلِعُ عَلَى مَوْضِعِهِ أَحَدٌ مِنْ وُلْدِهِ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا اَلمَوْلَى اَلَّذِي يَلِي أَمْرَهُ»(533).
121 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ اَلنَّيْشَابُورِيِّ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، (عَنْ أَبِي بَصِيرٍ)(534)، عَنْ أَبِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(532) في الغيبة للنعماني وكتابنا هذا في (ح 60): (إبراهيم بن المستنير)، ولم نجد له ترجمة في كُتُب الرجال لا بعنوان (إبراهيم) ولا بعنوان (عبد الله).
(533) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 176/ باب 10/ فصل 4/ ح 5)، والنيلي (رحمه الله) في منتخب الأنوار المضيئة (ص 155) عن أبي عبد الله محمّد المفيد، ولكن لم نجده في كُتُبه الموجودة عندنا، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 134) عن أبي عبد الله الحسين بن عليٍّ (عليه السلام) مختصراً. وتقدَّم في (ح 60).
(534) ليس في بعض النُّسَخ.

(١٩٩)

جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ مِنْ عُزْلَةٍ، وَلَا بُدَّ فِي عُزْلَتِهِ مِنْ قُوَّةٍ، وَمَا بِثَلَاثِينَ مِنْ وَحْشَةٍ، وَنِعْمَ اَلمَنْزِلُ طَيْبَةُ»(535)،(536).
122 - سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلزَّيْتُونِيِّ(537)، عَنِ اَلزُّهْرِيِّ اَلْكُوفِيِّ، عَنْ بُنَانِ بْنِ حَمْدَوَيْهِ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ (عليه السلام) مُضِيُّ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)(538)، فَقَالَ: «ذَاكَ إِلَيَّ مَا دُمْتُ حَيًّا بَاقِياً، وَلَكِنْ كَيْفَ بِهِمْ إِذَا فَقَدُوا مَنْ بَعْدِي؟».
123 - وَأَخْبَرَنَا اِبْنُ أَبِي جِيدٍ اَلْقُمِّيُّ(539)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(535) روي مضمونه في الكافي (ج 1/ ص 340/ باب في الغيبة/ ح 16)، والغيبة للنعماني (ص 194/ باب 10/ فصل 4/ ح 41)، وغيرهما.
(536) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 265): (قوله: (ولا بدَّ له في غيبته من عزلة) إشارة إلى الغيبة الكبرى، لأنَّه يعتزل فيها الناس جميعاً، وفي بعض النُّسَخ: (ولا له في غيبته من عزلة)، وله وجه أيضاً، لأنَّه بين الناس ويراهم ولا يرونه مع ظهور آثاره عليهم ووصول فوائده إليهم كما مرَّ. قوله: (ونعم المنزل طيبة) طيبة بفتح الطاء، وقد يقال: طابة، سمَّى النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بذلك المدينة من الطيب وهو الطهارة، وقيل: الطيب العيش بها، وقيل: الطيب أرضها، قال الفاضل الأمين الأسترآبادي: يعني أنَّ طيبة وهي المدينة المعروفة منزله (عليه السلام)، وكان يستأنس بثلاثين من أوليائه، ويحتمل أنْ يكون هذا حاله في الصغرى. أقول: وممَّا يُؤيِّد هذا ما مرَّ في باب الإشارة إلى صاحب الزمان عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي محمّد (عليه السلام): جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أنْ أسألك؟ فقال: «سَلْ»، قلت: يا سيِّدي، هل لك ولد؟ فقال: «نعم»، قلت: فإنْ حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال: «بالمدينة». وقيل: كان طيبة اسم محلٍّ هو منزله (عليه السلام) مع ثلاثين من أصحابه وهو ليس بمستوحش معهم، وقيل: يحتمل أنْ يكون المراد أنَّه (عليه السلام) على هيأة مَنْ سنُّه ثلاثون سنة أبداً، وما في هذا السنِّ من وحشة، والله أعلم).
(537) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 62/ الرقم 143): (الحسن بن عليٍّ الزيتوني الأشعري، أبو محمّد، له كتاب نوادر).
(538) لعلَّ المراد به محمّد ابن الإمام عليٍّ النقي (عليه السلام).
(539) هو عليُّ بن أحمد بن محمّد بن أبي جيد، قال الحرُّ العاملي (رحمه الله) في الوسائل (ج 30/ ص 529): (يعدُّون حديثه صحيحاً وحسناً).
وقال السيِّد الخوئي (قدّس سره) في معجم رجال الحديث (ج 12/ ص 277/ الرقم 7912): (ثقة، لأنَّه من مشايخ النجاشي).

(٢٠٠)

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ اَلصَّفَّارِ، عَنِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ حَمْدَوَيْهِ اِبْنِ اَلْبَرَاءِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ اَلْأَعْلَى مَوْلَى آلِ سَامٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، فَلَمَّا نَزَلْنَا اَلرَّوْحَاءَ نَظَرَ إِلَى جَبَلِهَا مُطلّاً عَلَيْهَا، فَقَالَ لِي: «تَرَى هَذَا اَلْجَبَلَ؟ هَذَا جَبَلٌ يُدْعَى رَضْوَى مِنْ جِبَالِ فَارِسَ أَحَبَّنَا فَنَقَلَهُ اَللهُ إِلَيْنَا، أَمَا إِنَّ فِيهِ كُلَّ شَجَرَةٍ مُطْعِمٍ، وَنِعْمَ أَمَانٌ لِلْخَائِفِ مَرَّتَيْنِ، أَمَا إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ فِيهِ غَيْبَتَيْنِ، وَاحِدَةٌ قَصِيرَةٌ، وَاَلْأُخْرَى طَوِيلَةٌ».
124 - أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْعَلَاءِ(540)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «لَـمَّا دَخَلَ سَلْمَانُ (رضي الله عنه) اَلْكُوفَةَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا ذَكَرَ مَا يَكُونُ مِنْ بَلَائِهَا، حَتَّى ذَكَرَ مُلْكَ بَنِي أُمَيَّةَ وَاَلَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَالْزَمُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى يَظْهَرَ اَلطَّاهِرُ بْنُ اَلطَّاهِرِ اَلمُطَهَّرُ ذُو اَلْغَيْبَةِ اَلشَّرِيدُ اَلطَّرِيدُ».
125 - وَرَوَى أَبُو بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «فِي اَلْقَائِمِ شَبَهٌ مِنْ يُوسُفَ».
قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: «اَلْحَيْرَةُ وَاَلْغَيْبَةُ».
126 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلمُفَضَّلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْقَاسِمِ، عَنِ اَلمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) عَنْ تَفْسِيرِ جَابِرٍ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(540) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 52/ الرقم 117): (الحسين بن أبي العلاء الخفَّاف، أبو عليٍّ الأعور، مولى بني أسد...، إلى أنْ قال: وقال أحمد بن الحسين (رحمه الله): هو مولى بني عامر، وأخواه عليٌّ، وعبد الحميد، روى الجميع عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وكان الحسين أوجههم).

(٢٠١)

فَقَالَ: «لَا تُحَدِّثْ بِهِ اَلسُّفْلَ(541) فَيُذِيعُونَهُ، أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اَلله: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ [المدَّثِّر: 8]، إِنَّ مِنَّا إِمَاماً مُسْتَتِراً، فَإِذَا أَرَادَ اَللهُ إِظْهَارَ أَمْرِهِ نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً فَظَهَرَ فَقَامَ بِأَمْرِ اَلله تَعَالَى»(542)،(543).
127 - وَرَوَى عَبْدُ اَلله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ اَلْكُوفِيُّ(544)، عَنْ مُنْذِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَابُوسَ(545)، عَنْ نَصْرِ بْنِ اَلسِّنْدِيِّ(546)، عَنْ أَبِي دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بْنِ سُفْيَانَ اَلمُسْتَرِقِّ، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(541) في رجال الكشِّي: (السفلة).
(542) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 123/ ح 121) عن عبد الله بن جعفر الحميري باختلاف يسير، والكليني (رحمه الله) الكافي (ج 1/ ص 343/ ح 30) بإسناده عن عبد الله بن القاسم باختلاف في أوَّله، والكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج 2/ ص 437/ ح 338) بسنده عن المفضَّل بن عمر باختلاف يسير، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 228) عن محمّد بن الحسين باختلاف، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 187/ ح 40) عن محمّد بن يعقوب، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 349/ ح 42) بإسناده عن عبد الله بن جعفر الحميري باختلاف يسير، والأسترآبادي (رحمه الله) في تأويل الآيات الظاهرة (ج 2/ ص 732/ ح 1).
(543) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 271): (قوله: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ أي فإذا نُفِخَ في الصور وصُوِّت فيه، والناقور فاعول من النقر بمعنى التصويت، والنفخ وهو ما يُنفَخ ويُصوَّت فيه مثل القرن وغيره، وقد شبَّه (عليه السلام) به قلب المنتظَر، ففي الكلام مكنيَّة وتخييليَّة).
(544) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 219/ الرقم 572): (عبد الله بن أبي عبد الله محمّد بن خالد ابن عمر الطيالسي، أبو العبَّاس التميمي، رجل من أصحابنا، ثقة، سليم الجنبة، وكذلك أخوه أبو محمّد الحسن).
(545) كذا في الكافي وكمال الدِّين ودلائل الإمامة وإثبات الوصيَّة وظاهر الاختصاص، ولكن في بعض النُّسَخ: (منذر بن محمّد، عن قابوس)، وفي الغيبة للنعماني: (نصر بن محمّد بن قابوس).
قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 418/ الرقم 1118): (منذر بن محمّد بن المنذر بن سعيد بن أبي الجهم القابوسي، أبو القاسم، من ولد قابوس بن النعمان بن المنذر ناقلة إلى الكوفة، ثقة، من أصحابنا، من بيت جليل).
ولم نجد للقابوس في هذه الطبقة ذكراً في كُتُب الرجال، فلعلَّ ما في بعض النُّسَخ سهو، وكذا لم نجد بعنوان نصر بن محمّد بن قابوس، نعم نصر بن قابوس ونصر بن محمّد مذكوران في كُتُب الرجال.
(546) كذا في الاختصاص وإثبات الوصيَّة؛ وفي الكافي والغيبة للنعماني: (منصور بن السندي)، وفي دلائل الإمامة: (نضر بن السندي)، وفي كمال الدِّين: (النصر بن أبي السري)، وعلى كلِّ حالٍ لم نجد له ترجمة في كُتُب الرجال.

(٢٠٢)

ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ(547)، عَنْ مَالِكٍ اَلْجُهَنِيِّ(548)، عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ اَلمُغِيرَةِ(549)، عَنِ اَلْأَصْبَغِ اِبْنِ نُبَاتَةَ. وَرَوَاهُ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مَالِكٍ اَلْجُهَنِيِّ، عَنِ اَلْأَصْبَغِ اِبْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَوَجَدْتُهُ يَنْكُتُ فِي اَلْأَرْضِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ، مَا لِي أَرَاكَ مُفَكِّراً تَنْكُتُ فِي اَلْأَرْضِ، أَرَغْبَةً مِنْكَ فِيهَا؟
قَالَ(550): «لَا وَاَلله مَا رَغِبْتُ فِيهَا وَلَا فِي اَلدُّنْيَا قَطُّ، وَلَكِنِّي تَفَكَّرْتُ فِي مَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ ظَهْرِي(551)، اَلْحَادِي عَشَرَ مِنْ وُلْدِي هُوَ اَلمَهْدِيُّ اَلَّذِي يَمْلَأُهَا عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، يَكُونُ لَهُ حَيْرَةٌ وَغَيْبَةٌ تَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَيَهْتَدِي فِيهَا آخَرُونَ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(547) كذا في الكافي والغيبة للنعماني والاختصاص وكمال الدِّين ودلائل الإمامة، وفي بعض النُّسَخ وإثبات الوصيَّة: (داود بن ثعلبة بن ميمون)، ولم نجد له ذكراً في كُتُب الرجال، فالظاهر أنَّه سهو.
(548) هكذا في جميع المصادر، وفي بعض النُّسَخ: (أبي مالك الجهني)، والظاهر أنَّه سهو، بقرينة طبقة الرواة.
(549) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 139/ الرقم 361): (حارث بن المغيرة النصري، من نصر بن معاوية، بصري، روى عن أبي جعفر وجعفر وموسى بن جعفر وزيد بن عليٍّ (عليهم السلام)، ثقة ثقة، له كتاب).
(550) في بعض النُّسَخ: (فقال).
(551) المصادر نقلت الرواية بلفظ (من ظهري) من قبيل: الإمامة والتبصرة (ص 120/ ح 115)، والكافي (ج 1/ ص 338/ باب في الغيبة/ ح7)، وكمال الدِّين (ص 289/ باب 26/ ح 1) بنفس السند بلفظ (من ظهري)، وغيرها من المصادر، وحتَّى في العديد من النُّسَخ الخطّيَّة لغيبة الطوسي، فما وقع من نسخة (ظهر) من خطأ النُّسَّاخ، وما استدلَّ به أتباع أحمد الگاطع مدَّعي اليمانيَّة من أنَّه المقصود من المولود من ظهر الحادي عشر من ولد أمير المؤمنين (عليه السلام) أوهى من بيت العنكبوت.

(٢٠٣)

قُلْتُ: يَا مَوْلَايَ، فَكَمْ تَكُونُ اَلْحَيْرَةُ وَاَلْغَيْبَةُ؟
قَالَ: «سِتَّةُ أَيَّامٍ، أَوْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، أَوْ سِتُّ سِنِينَ».
فَقُلْتُ: وَإِنَّ هَذَا اَلْأَمْرَ لَكَائِنٌ؟
فَقَالَ: «نَعَمْ كَمَا أَنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَأَنَّى لَكَ بِهَذَا اَلْأَمْرِ يَا أَصْبَغُ، أُولَئِكَ خِيَارُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ مَعَ أَبْرَارِ هَذِهِ اَلْعِتْرَةِ».
قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ؟
قَالَ: «ثُمَّ يَفْعَلُ اَللهُ مَا يَشَاءُ، فَإِنَّ لَهُ بَدَاءَاتٍ وَإِرَادَاتٍ وَغَايَاتٍ وَنِهَايَاتٍ»(552)،(553).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(552) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 120 و121/ ح 115) عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمّد بن يحيى العطَّار وأحمد بن إدريس باختلاف، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 338/ باب في الغيبة/ ح 7) عن عليِّ بن محمّد عن عبد الله بن محمّد بن خالد باختلاف، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 270) عن الحميري عن عبد الله بن محمّد بن خالد الكوفي باختلاف يسير، وفي (ص 265 و266) عن سعد بن عبد الله يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة مختصراً، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 68 و69/ باب 4/ ح 4) عن محمّد بن يعقوب، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 288 و289/ باب 26/ح 1) بإسناده عن عبد الله بن محمّد الطيالسي، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 529 و530/ ح 504/108) بإسناده عن عبد الله بن محمّد بن خالد الكوفي باختلاف، والخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 219) عن الصدوق، والخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 362) بإسناده عن الأصبغ بن نباتة، والمفيد (رحمه الله) في الاختصاص (ص 209) بإسناده عن محمّد بن خالد الطيالسي باختلاف، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 429) عن الأصبغ بن نباتة، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 228) عن الحارث بن المغيرة، وابن طاوس (رحمه الله) في الملاحم والفتن (ص 353 و354/ ح 520) صدره عن الأصبغ بن نباتة مختصراً.
ويأتي صدره في (ح 282).
(553) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 4/ ص 42 و43): (في النهاية: فيه: بينا هو ينكت إذ انتبه، أي يُفكِّر ويُحدِّث نفسه، وأصله من النكت بالحصى ونكت الأرض بالقضيب، وهو أنْ يُؤثِّر فيها بطرفه فعل المفكِّر المهموم، ومنه الحديث: فجعل ينكت بقضيب، أي يضرب الأرض بطرفه، انتهى. (أرغبة) أي أتنكت لرغبة، وضمير (فيها) راجع إلى الأرض. ومعلوم أنَّه ليس هذا الفعل لرغبة في نفس الأرض، بل المعنى أنَّ اهتمامك وتفكُّرك لأنْ تملك الأرض وتصير والياً فيها، ويحتمل إرجاع الضمير إلى الخلافة، وربَّما يُحمَل الكلام على المطايبة. (من ظهر الحادي عشر) كذا في أكثر النُّسَخ، فالمعنى من ظهر الإمام الحادي عشر. و(من ولدي) نعت (مولود)، وربَّما يُقرَأ ظهر بالتنوين أي وراء، والمراد أنَّه يُولَد بعد هذا الدهر، والحادي عشر مبتدأ خبره المهدي، وفي إكمال الدِّين وغيره وبعض نُسَخ الكتاب: ظهري، فلا يحتاج إلى تكلُّف. والعدل والقسط متقاربان وكذا الظلم والجور، فالعطف فيهما للتفسير والتأكيد، والعدل نقيض الظلم والقسط الإنصاف وهو ضدُّ الجور. (له حيرة) لعلَّ المراد بها التحيُّر في المساكن وأنَّه كلَّ زمان في بلدة وناحية. (يضلُّ فيها) أي في الغيبة والحيرة وضلالتهم إنكارهم لوجود الإمام ورجوعهم عن مذهب الإماميَّة).

(٢٠٤)

128 - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عِيسَى اَلْعَلَوِيِّ(554)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام)، قَالَ(555): قَالَ لِي: «يَا بُنَيَّ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(554) راجع ترجمته مع شرح حال من بعده في باب عقب عليٍّ العريضي ابن جعفر الصادق (عليه السلام) من كتابي الفخري في أنساب الطالبيِّين (ص 29)، والمجدي في أنساب الطالبيِّين (ص 332).
(555) في هذه الرواية إرباك من جهتين:
الجهة الأُولى: أنَّ صدر الرواية جاء بلفظ: (عن أبيه عليِّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: قال لي: يا بُنَيَّ...)، وربَّما يُستَبْعَد أنْ يُخاطب الإمام الكاظم (عليه السلام) أخاه عليًّا بخطاب: (يا بُنَيَّ...)، ومعه لعلَّ الصحيح هو أنَّ النصَّ بلفظ: (عن أبيه عليِّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: قال لي أبي: يا بُنَيَّ...)، ليكون الخطاب من الإمام الصادق (عليه السلام) للإمام الكاظم (عليه السلام)، خصوصاً وأنَّ الرواية فيما بعد صريحة في سؤال الإمام الكاظم لأبيه الصادق (عليهما السلام).
الجهة الثانية: أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) حسب سياق الرواية يقول لولده أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) أنَّ عقولهم تصغر عن الغيبة وفهمها، وهو لا يتناسب مع ما نعتقده في المعصوم من علمه بالغيبة وتحمُّله لها وإيمانه بها، ولذا لا بدَّ أنْ تُحمَل الرواية على ما يصحُّ معه الخطاب بهذه الطريقة، كأنْ يُقال: إنَّ كلام الإمام الصادق (عليه السلام) كان مع جميع أولاده، بقرينة سياق النصِّ (أديانكم، آباؤكم وأجدادكم، عقولكم، أحلامكم، تعيشوا، تُدركوه)، ولا شكَّ أنَّ فيهم من لا يتحمَّل الغيبة ومحنتها، ويخرج حينها الإمام الكاظم (عليه السلام) تخصيصاً عن هذا الحكم.

(٢٠٥)

إِذَا فُقِدَ اَلْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ اَلسَّابِعِ مِنَ اَلْأَئِمَّةِ فَاللهَ اَللهَ فِي أَدْيَانِكُمْ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ يَغِيبُهَا حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا اَلْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ. يَا بُنَيَّ، إِنَّمَا هِيَ مِحْنَةٌ مِنَ اَلله اِمْتَحَنَ بِهَا خَلْقَهُ، لَوْ عَلِمَ آبَاؤُكُمْ وَأَجْدَادُكُمْ دِيناً أَصَحَّ مِنْ هَذَا اَلدِّينِ لَاتَّبَعُوهُ».
قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، مَنِ اَلْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ اَلسَّابِعِ؟
قَالَ: «يَا بُنَيَّ، عُقُولُكُمْ تَصْغُرُ عَنْ هَذَا، وَأَحْلَامُكُمْ تَضِيقُ عَنْ حَمْلِهِ، وَلَكِنْ إِنْ تَعِيشُوا تُدْرِكُوهُ»(556)،(557).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(556) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج ١/ ص ٣٣٦/ باب في الغيبة/ ح 2) عن عليِّ بن محمّد، عن الحسن بن عيسى بن محمّد بن عليِّ بن جعفر، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 113/ ح 100) عن سعد بن عبد الله، والخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص ٣٦١) عن الحسن بن عيسى باختلاف مع زيادة في آخره، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 265) عن سعد بن عبد الله)، وفي (ص 270 و271) عن الحسن بن عيسى العلوي باختلاف، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 155 و156/ باب 10/ فصل 1/ ح 11) عن محمّد بن يعقوب، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص ٣٥٩ و360/ باب 34/ ح ١) عن أبيه وابن الوليد، وفي علل الشرائع (ج 1/ ص ٢٤٤ و245/ باب 178/ ح ٤) عن أبيه عن سعد بن عبد الله، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 534/ ح 516/120) عن أبي محمّد الحسن بن عيسى باختلاف، والخزَّاز (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 268 و269) بإسناده عن سعد بن عبد الله باختلاف.
(557) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 250 و251): (قوله: (فالله الله في أديانكم): (الله) منصوب بفعل مضمر، والتكرير للتأكيد، أي احفظوا الله، أو أطيعوا في طاعتكم أو في أُموركم أو في سُبُلكم وطرائقكم، لأنَّ كلَّ ما جاء به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهو سبيل وطريق إلى الله تعالى، و(الدِّين) يُطلَق على كلِّ واحدٍ كما يُطلَق على المجموع، والمقصود هو الأمر برعاية جانب الله (عزَّ شأنه) فيها وطلب رضاه...، قوله: (يا بَنِيَّ) بفتح الباء وكسر النون على صيغة الجمع بقرينة قوله: (ولو علم آباؤكم) وهو خطاب مع أولاده، وليس على صيغة الإفراد خطاباً مع أخيه عليِّ بن جعفر، لإباء السياق، وعدم صحَّته بدون التجوُّز. قوله: (إنَّما هي محنة) المحنة بكسر الميم واحدة المِحَن التي يُمتحَن بها الإنسان من بليَّة وشدَّة محنة، وامتحنته أي اختبرته، والاسم المحنة، وقد جرت كلمة الله تعالى على اختبار الناس بأنواع المِحَن والبلايا ليُميِّز الجيِّد من الردي ويظهر الصابر وغيره، كما قال (جلَّ شأنه): ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ الله﴾ [البقرة: 214]، وقال: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: 2]، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة. فإنْ قلت: حقيقة الاختبار طلب الخبر بالشيء ومعرفته لمن لا يكون عارفاً به، والله سبحانه عالم بمضمرات القلوب وخفيَّات الغيوب، فالمطيع في علمه متميِّز من العاصي، فما معنى الاختبار في حقِّه؟ قلنا: اختباره تعالى ليس إلَّا ليعلم غيره من خلقه طاعة من يطيع وعصيان من يعصي، ويتميَّز ذلك عنده، فهو من باب الكناية، لأنَّ التميُّز من لوازم الاختبار وعوارضه فأُطلق الملزوم وأُريد به اللازم، كما هو شأن الكناية. أو قلنا: اختباره تعالى استعارة بتشبيه فعله هذا ليُثيب المطيع ثواباً جزيلاً ويُعذِّب العاصي عذاباً وبيلاً باختبار الإنسان لعبيده ليتميَّز عنده المطيع والعاصي ليُثيب المطيع ويكرمه ويُعذِّب العاصي ويهينه، فأُطلق على فعله تعالى الاختبار مجازاً. قوله: (ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحَّ من هذا لاتَّبعوه) دلَّ على أنَّ هذا الدِّين أصحّ الأديان، وليس دين أصحّ منه وإلَّا لاتَّبعه الصالحون المطهَّرون الذين شأنهم طلب الأصحّ والأفضل واتِّباع الأشرف والأكمل. ولعلَّ التفضُّل هنا مجرَّد عن معناه، فلا يلزم ثبوت الصحَّة لغير هذا الدِّين، وفيه حثٌّ على التمسُّك به وعدم مفارقته...، قوله: (من ولد السابع) كأنَّه سأل عن حقيقته وحقيقة صفاته المختصَّة به لا عن اسمه واسم أبيه، ولذلك أجاب (عليه السلام) بأنَّ عقولكم قاصرة عن إدراكه على هذا الوجه، لأنَّ حقيقة الإمام وصفاته لا يعلمها إلَّا الله سبحانه...، قوله: (يا بَنِيَّ) الظاهر أنَّه على صيغة الجمع، وأنَّ عليَّ بن جعفر يدخل في الخطاب على سبيل التغليب. قوله: (ولكن إنْ تعيشوا فسوف تُدرِكونه)، لا يقال: كيف يُدرِكونه مع فقده؟ لأنَّا نقول: معناه: فسوف تُدرِكون زمانه، أو فسوف تُدرِكونه قبل فقده وغيبته، أو نقول: معناه: إنْ تعيشوا وتبقوا على هذا الدِّين فسوف تُدرِكونه بعد الظهور بالرجعة، وفيه بعد، والله أعلم).

(٢٠٦)

129 - أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلمُفَضَّلِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اَلله اِبْنِ اَلمُطَّلِبِ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرِ بْنِ سَهْلٍ اَلشَّيْبَانِيُّ اَلرُّهْنِيُّ(558)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(558) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 384/ الرقم 1044): (محمّد بن بحر الرهني، أبو الحسين الشيباني، ساكن نرماشير من أرض كرمان، قال بعض أصحابنا: إنَّه كان في مذهبه ارتفاع، وحديثه قريب من السلامة، ولا أدري من أين قيل ذلك).
وعنونه المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 208/ الرقم 598/13)، قائلاً: (كان متكلِّماً، عالماً بالأخبار، فقيهاً، إلَّا أنَّه متَّهم بالغلوِّ).

(٢٠٧)

قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحَارِثِ، عَنْ سَعْدِ(559) بْنِ اَلمَنْصُورِ اَلْجَوَاشِنِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْبُدَيْلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ سَدِيرٍ اَلصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَاَلمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ وَدَاوُدُ بْنُ كَثِيرٍ اَلرَّقِّيُّ وَأَبُو بَصِيرٍ وَأَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ عَلَى مَوْلَانَا اَلصَّادِقِ (عليه السلام)، فَرَأَيْنَاهُ جَالِساً عَلَى اَلتُّرَابِ، وَعَلَيْهِ مِسْحٌ(560) خَيْبَرِيٌّ مِطْرَفٌ(561) بِلَا جَيْبٍ مُقَصَّرُ اَلْكُمَّيْنِ، وَهُوَ يَبْكِي بُكَاءَ اَلْوَالِهَةِ اَلثَّكْلَى ذَاتِ اَلْكَبِدِ اَلْحَرَّى، قَدْ نَالَ اَلْحُزْنُ مِنْ وَجْنَتَيْهِ وَشَاعَ اَلتَّغَيُّرُ فِي عَارِضَيْهِ وَأَبْلَى اَلدَّمْعُ مَحْجِرَيْهِ(562)، وَهُوَ يَقُولُ: «سَيِّدِي غَيْبَتُكَ نَفَتْ رُقَادِي، وَضَيَّقَتْ عَلَيَّ مِهَادِي، وَاِبْتَزَّتْ مِنِّي رَاحَةَ فُؤَادِي، سَيِّدِي غَيْبَتُكَ أَوْصَلَتْ مَصَائِبِي(563) بِفَجَائِعِ اَلْأَبَدِ، وَفَقْدَ(564) اَلْوَاحِدِ بَعْدَ اَلْوَاحِدِ بِفَنَاءِ اَلْجَمْعِ وَاَلْعَدَدِ، فَمَا أُحِسُّ بِدَمْعَةٍ تَرْقَأُ مِنْ عَيْنِي، وَأَنِينٍ يُفْشَا مِنْ صَدْرِي(565)».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(559) في كمال الدِّين: (سعيد بن المنصور)، قال الكشِّي في رجاله (ج 2/ ص 499/ ح 420): (كان من رؤساء الزيديَّة).
(560) في لسان العرب (ج 2/ ص 596/ مادَّة مسح): (المِسح - بكسر الميم -: الكساء من الشعر).
(561) في كمال الدِّين وبعض النُّسَخ: (مطوَّق).
(562) قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط (ج 2/ ص 5): (المحجر كمجلس ومنبر: الحديقة، ومن العين ما دار بها وبدا من البرقع أو ما يظهر من نقابها، وعمامته إذا اعتمَّ، وما حول القرية).
(563) في كمال الدِّين وبعض النُّسَخ: (مصابي).
(564) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 223): (قوله (عليه السلام): «وفقد»، لعلَّه معطوف على الفجائع أو على الأبد، أي أوصلت مصابي بما أصابني قبل ذلك من فقد واحد بعد واحد بسبب فناء الجمع والعدد، وفي بعض النُّسَخ: (يفنى)، فالجملة معترضة أو حاليَّة).
(565) في كمال الدِّين هنا زيادة: (عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا إلَّا مثل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها، وبواقي أشدّها وأنكرها، ونوائب مخلوطة بغضبك، ونوازل معجونة بسخطك).

(٢٠٨)

قَالَ سَدِيرٌ: فَاسْتَطَارَتْ عُقُولُنَا وَلَهاً، وَتَصَدَّعَتْ قُلُوبُنَا جَزَعاً مِنْ ذَلِكَ اَلْخَطْبِ اَلْهَائِلِ وَاَلْحَادِثِ اَلْغَائِلِ(566)، فَظَنَنَّا أَنَّهُ سَمَتَ(567) لِمَكْرُوهَةٍ قَارِعَةً، أَوْ حَلَّتْ بِهِ مِنَ اَلدَّهْرِ بَائِقَةٌ، فَقُلْنَا: لَا أَبْكَى اَللهُ عَيْنَيْكَ يَا اِبْنَ خَيْرِ اَلْوَرَى، مِنْ أَيَّةِ حَادِثَةٍ تَسْتَذْرِفُ(568) دَمْعَتَكَ، وَتَسْتَمْطِرُ عَبْرَتَكَ؟ وَأَيَّةُ حَالَةٍ حَتَمَتْ عَلَيْكَ هَذَا اَلمَأْتَمَ؟
قَالَ: فَزَفَرَ(569) اَلصَّادِقُ (عليه السلام) زَفْرَةً اِنْتَفَخَ مِنْهَا جَوْفُهُ، وَاِشْتَدَّ مِنْهَا خَوْفُهُ، فَقَالَ: «وَيْكَمُ(570) إِنِّي نَظَرْتُ صَبِيحَةَ هَذَا اَلْيَوْمِ فِي كِتَابِ اَلْجَفْرِ اَلمُشْتَمِلِ عَلَى عِلْمِ اَلْبَلَايَا وَاَلمَنَايَا وَعِلْمِ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ اَلَّذِي خَصَّ اَللهُ تَقَدَّسَ اِسْمُهُ بِهِ مُحَمَّداً وَاَلْأَئِمَّةَ مِنْ بَعْدِهِ (عليهم السلام)، وَتَأَمَّلْتُ فِيهِ مَوْلِدَ قَائِمِنَا (عليه السلام) وَغَيْبَتَهُ وَإِبْطَاءَهُ وَطُولَ عُمُرِهِ وَبَلْوَى اَلمُؤْمِنِينَ مِنْ بَعْدِهِ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ، وَتَوَلُّدَ اَلشُّكُوكِ فِي قُلُوبِ اَلشِّيعَةِ مِنْ طُولِ غَيْبَتِهِ، وَاِرْتِدَادِ أَكْثَرِهِمْ عَنْ دِينِهِ، وَخَلْعِهِمْ رِبْقَةَ اَلْإِسْلَامِ مِنْ أَعْنَاقِهِمُ اَلَّتِي قَالَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ [الإسراء: 13]، يَعْنِي اَلْوَلَايَةَ، فَأَخَذَتْنِي اَلرِّقَّةُ، وَاِسْتَوْلَتْ عَلَيَّ اَلْأَحْزَانُ».
فَقُلْنَا: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله، كَرِّمْنَا وَفَضِّلْنَا بِإِشْرَاكِكَ إِيَّانَا فِي بَعْضِ مَا أَنْتَ تَعْلَمُهُ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ.
قَالَ: «إِنَّ اَللهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَدَارَ فِي اَلْقَائِمِ مِنَّا ثَلَاثَةً أَدَارَهَا لِثَلَاثَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ، قَدَّرَ مَوْلِدَهُ تَقْدِيرَ مَوْلِدِ مُوسَى (عليه السلام)، وَقَدَّرَ غَيْبَتَهُ تَقْدِيرَ غَيْبَةِ عِيسَى (عليه السلام)، وَقَدَّرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(566) في لسان العرب (ج 11/ ص 507/ مادَّة غول): (الغوائل: الدواهي).
(567) في لسان العرب (ج 2/ ص 46/ مادَّة سمت): (سمت لهم يسمت سمتاً: إذا هيَّأ لهم وجه العمل ووجه الكلام والرأي).
(568) في كمال الدِّين: (تستنزف)، وهو بمعنى استخراج الدم كلِّه.
(569) في لسان العرب (ج 4/ ص 324/ مادَّة زفر): (الزفرة: التنفُّس).
(570) في هامش بعض النُّسَخ: (ويكم: مخفَّف ويحكم، وهو زجر للمشرف على الهلكة).

(٢٠٩)

إِبْطَاءَهُ تَقْدِيرَ إِبْطَاءِ نُوحٍ (عليه السلام)، وَجَعَلَ(571) لَهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عُمُرَ اَلْعَبْدِ اَلصَّالِحِ - أَعْنِي اَلْخَضِرَ (عليه السلام) - دَلِيلاً عَلَى عُمُرِهِ».
فَقُلْنَا: اِكْشِفْ لَنَا يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَنْ وُجُوهِ هَذِهِ اَلمَعَانِي.
قَالَ: «أَمَّا مَوْلِدُ مُوسَى (عليه السلام)، فَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَـمَّا وَقَفَ عَلَى أَنَّ زَوَالَ مُلْكِهِ عَلَى يَدِهِ، أَمَرَ بِإِحْضَارِ اَلْكَهَنَةِ، فَدَلُّوا عَلَى نَسَبِهِ وَأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمْ يَزَلْ يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِشَقِّ بُطُونِ اَلْحَوَامِلِ مِنْ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى قُتِلَ فِي طَلَبِهِ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ مَوْلُودٍ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ اَلْوُصُولُ إِلَى قَتْلِ مُوسَى (عليه السلام) بِحِفْظِ اَلله تَعَالَى إِيَّاهُ. كَذَلِكَ بَنُو أُمَيَّةَ وَبَنُو اَلْعَبَّاسِ لَـمَّا أَنْ وَقَفُوا عَلَى أَنَّ [بِهِ](572) زَوَالَ مَمْلَكَةِ(573) اَلْأُمَرَاءِ وَاَلْجَبَابِرَةِ مِنْهُمْ عَلَى يَدَيِ اَلْقَائِمِ مِنَّا، نَاصَبُونَا لِلْعَدَاوَةِ، وَوَضَعُوا سُيُوفَهُمْ فِي قَتْلِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَإِبَادَةِ نَسْلِهِ، طَمَعاً مِنْهُمْ فِي اَلْوُصُولِ إِلَى قَتْلِ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)، فَأَبَى اَللهُ أَنْ يَكْشِفَ أَمْرَهُ لِوَاحِدٍ مِنَ اَلظَّلَمَةِ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ اَلمُشْرِكُونَ.
وَأَمَّا غَيْبَةُ عِيسَى (عليه السلام) فَإِنَّ اَلْيَهُودَ وَاَلنَّصَارَى اِتَّفَقَتْ(574) عَلَى أَنَّهُ قُتِلَ، فَكَذَّبَهُمُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: 157]، كَذَلِكَ غَيْبَةُ اَلْقَائِمِ فَإِنَّ اَلْأُمَّةَ سَتُنْكِرُهَا لِطُولِهَا، فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يُولَدْ، وَقَائِلٍ يَفْتَرِي بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ وُلِدَ وَمَاتَ، وَقَائِلٍ يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ حَادِيَ عَشَرَنَا كَانَ عَقِيماً، وَقَائِلٍ يَمْرُقُ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ يَتَعَدَّى إِلَى ثَالِثَ عَشَرَ فَصَاعِداً، وَقَائِلٍ يَعْصِي اَللهَ بِدَعْوَاهُ أَنَّ رُوحَ اَلْقَائِمِ (عليه السلام) يَنْطِقُ فِي هَيْكَلِ غَيْرِهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(571) في بعض النُّسَخ: (حصل).
(572) من بعض النُّسَخ.
(573) في كمال الدِّين: (زوال ملكهم وملك الأُمراء).
(574) في بعض النُّسَخ: (اتَّفقوا).
(575) في بعض النُّسَخ: (مع تسع).

(٢١٠)

وَأَمَّا إِبْطَاءُ نُوحٍ (عليه السلام) فَإِنَّهُ لَـمَّا اِسْتَنْزَلَ اَلْعُقُوبَةَ مِنَ اَلسَّمَاءِ بَعَثَ اَللهُ إِلَيْهِ جَبْرَئِيلَ (عليه السلام) مَعَهُ سَبْعُ(575) نَوَيَاتٍ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اَلله، إِنَّ اَللهَ جَلَّ اِسْمُهُ يَقُولُ لَكَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ خَلَائِقِي وَعِبَادِي لَسْتُ أُبِيدُهُمْ بِصَاعِقَةٍ مِنْ صَوَاعِقِي إِلَّا بَعْدَ تَأْكِيدِ اَلدَّعْوَةِ وَإِلْزَامِ اَلْحُجَّةِ، فَعَاوِدِ اِجْتِهَادَكَ فِي اَلدَّعْوَةِ لِقَوْمِكَ فَإِنِّي مُثِيبُكَ عَلَيْهِ، وَاِغْرِسْ هَذَا اَلنَّوَى فَإِنَّ لَكَ فِي نَبَاتِهَا وَبُلُوغِهَا وَإِدْرَاكِهَا إِذَا أَثْمَرَتْ اَلْفَرَجَ وَاَلْخَلَاصَ، وَبَشِّرْ بِذَلِكَ مَنْ تَبِعَكَ مِنَ اَلمُؤْمِنِينَ. فَلَمَّا نَبَتَتِ اَلْأَشْجَارُ وَتَأَزَّرَتْ وَتَسَوَّقَتْ وَأَغْصَنَتْ وَزَهَا اَلثَّمَرُ عَلَيْهَا(576) بَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ اُسْتُنْجِزَ مِنَ اَلله اَلْعِدَةُ، فَأَمَرَهُ اَللهُ تَعَالَى أَنْ يَغْرِسَ مِنْ نَوَى تِلْكَ اَلْأَشْجَارِ، وَيُعَاوِدَ اَلصَّبْرَ وَاَلْاِجْتِهَادَ، وَيُؤَكِّدَ اَلْحُجَّةَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ اَلطَّوَائِفَ اَلَّتِي آمَنَتْ بِهِ، فَارْتَدَّ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ نُوحٌ حَقًّا لَمَا وَقَعَ فِي عِدَتِهِ خُلْفٌ. ثُمَّ إِنَّ اَللهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ يَأْمُرُهُ عِنْدَ إِدْرَاكِهَا كُلَّ مَرَّةٍ أَنْ يَغْرِسَ(577) تَارَةً بَعْدَ أُخْرَى إِلَى أَنْ غَرَسَهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَمَا زَالَتْ تِلْكَ اَلطَّوَائِفُ مِنَ اَلمُؤْمِنِينَ تَرْتَدُّ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ بَعْدَ طَائِفَةٍ إِلَى أَنْ عَادُوا إِلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ رَجُلاً، فَأَوْحَى اَللهُ (عزَّ وجلَّ) عِنْدَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَقَالَ: اَلْآنَ أَسْفَرَ اَلصُّبْحُ عَنِ اَللَّيْلِ لِعَيْنِكَ(578) حِينَ صَرَحَ اَلْحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ وَصَفَا اَلْأَمْرُ لِلْإِيمَانِ مِنَ اَلْكَدَرِ بِارْتِدَادِ كُلِّ مَنْ كَانَتْ طِينَتُهُ خَبِيثَةً، فَلَوْ أَنِّي أَهْلَكْتُ اَلْكُفَّارَ وَأَبْقَيْتُ مَنِ اِرْتَدَّ مِنَ اَلطَّوَائِفِ اَلَّتِي كَانَتْ آمَنَتْ بِكَ لَمَا كُنْتُ صَدَّقْتُ وَعْدِيَ اَلسَّابِقَ لِلْمُؤْمِنِينَ اَلَّذِينَ أَخْلَصُوا لِيَ اَلتَّوْحِيدَ مِنْ قَوْمِكَ وَاِعْتَصَمُوا بِحَبْلِ نُبُوَّتِكَ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(576) في هامش كمال الدِّين: (أي تقوَّت الشجرة وتقوَّى ساقها وكثرت أغصانها. وزهو الثمرة: احمرارها واصفرارها).
(577) في بعض النُّسَخ: (بأنْ يغرس)، وفي كمال الدِّين: (بأنْ يغرسها).
(578) في بعض النُّسَخ: (لغيبتك).

(٢١١)

بِأَنْ أَسْتَخْلِفَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ، وَأُمَكِّنَ لَهُمْ دِينَهُمْ، وَأُبَدِّلَ خَوْفَهُمْ بِالْأَمْنِ، لِكَيْ(579) تَخْلُصَ اَلْعِبَادَةُ لِي بِذَهَابِ اَلشَّكِّ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَكَيْفَ يَكُونُ اَلْاِسْتِخْلَافُ وَاَلتَّمْكِينُ وَبَدَلُ اَلْخَوْفِ بِالْأَمْنِ مِنِّي لَهُمْ، مَعَ مَا كُنْتُ أَعْلَمُ مِنْ ضَعْفِ يَقِينِ اَلَّذِينَ اِرْتَدُّوا وَخُبْثِ طِينَتِهِمْ وَسُوءِ سَرَائِرِهِمُ اَلَّتِي كَانَتْ نَتَائِجَ اَلنِّفَاقِ وَسُنُوخِ(580) اَلضَّلَالَةِ؟ فَلَوْ أَنَّهُمْ تَنَسَّمُوا(581) مِنَ اَلمُلْكِ اَلَّذِي أُوتِيَ اَلمُؤْمِنُونَ وَقْتَ اَلْاِسْتِخْلَافِ إِذَا هَلَكَتْ(582) أَعْدَاؤُهُمْ (لَنَشَقُوا)(583) رَوَائِحَ صِفَاتِهِ(584)، وَلَاسْتَحْكَمَ (سَرَائِرُ) نِفَاقِهِمْ، وَتَأَبَّدَ خَبَالُ ضَلَالَةِ قُلُوبِهِمْ، وَلَكَاشَفُوا إِخْوَانَهُمْ بِالْعَدَاوَةِ، وَحَارَبُوهُمْ عَلَى طَلَبِ اَلرِّئَاسَةِ، وَاَلتَّفَرُّدِ بِالْأَمْرِ وَاَلنَّهْيِ عَلَيْهِمْ، وَكَيْفَ يَكُونُ اَلتَّمْكِينُ فِي اَلدِّينِ وَاِنْتِشَارُ اَلْأَمْرِ فِي اَلمُؤْمِنِينَ مَعَ إِثَارَةِ اَلْفِتَنِ وَإِيقَاعِ اَلْحُرُوبِ؟ كُلَّا، فَـ ﴿اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ [هود: 37]».
قَالَ اَلصَّادِقُ (عليه السلام): «وَكَذَلِكَ اَلْقَائِمُ (عليه السلام) فَإِنَّهُ تَمْتَدُّ غَيْبَتُهُ لِيَصْرَحَ اَلْحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ، وَيَصْفُوَ اَلْإِيمَانُ مِنَ اَلْكَدَرِ بِارْتِدَادِ كُلِّ مَنْ كَانَتْ طِينَتُهُ خَبِيثَةً مِنَ اَلشِّيعَةِ اَلَّذِينَ يُخْشَى عَلَيْهِمُ اَلنِّفَاقُ إِذَا أَحَسُّوا بِالْاِسْتِخْلَافِ وَاَلتَّمْكِينِ وَاَلْأَمْنِ اَلمُنْتَشِرِ فِي عَهْدِ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)».
قَالَ اَلمُفَضَّلُ: فَقُلْتُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله، فَإِنَّ اَلنَّوَاصِبَ تَزْعُمُ (أَنَّ)(585) هَذِهِ اَلْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(579) في بعض النُّسَخ: (لكن).
(580) السنوخ: الرسوخ؛ وفي كمال الدِّين: (سنوح)، ومعناه: العروض.
(581) أي تشمَّموا؛ وفي كمال الدِّين: (تسنَّموا)، أي ركبوا.
(582) في كمال الدِّين: (أهلكت).
(583) ما بين القوسين ليس في بعض النُّسَخ، وكذا ما يأتي.
(584) في بعض النُّسَخ: (صفائه).
(585) ليس في بعض النُّسَخ. والمراد من الآية قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ...﴾ (النور: 55).

(٢١٢)

فَقَالَ: «لَا هَدَى اَللهُ قُلُوبَ اَلنَّاصِبَةِ، مَتَى كَانَ اَلدِّينُ اَلَّذِي اِرْتَضَاهُ [اَللهُ وَرَسُولُهُ](586) مُتَمَكِّناً بِانْتِشَارِ اَلْأَمْنِ فِي اَلْأُمَّةِ، وَذَهَابِ اَلْخَوْفِ مِنْ قُلُوبِهَا، وَاِرْتِفَاعِ اَلشَّكِّ مِنْ صُدُورِهَا فِي عَهْدِ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ فِي عَهْدِ عَلِيٍّ (عليه السلام)، مَعَ اِرْتِدَادِ اَلمُسْلِمِينَ وَاَلْفِتَنِ اَلَّتِي كَانَتْ تَثُورُ فِي أَيَّامِهِمْ، وَاَلْحُرُوبِ وَاَلْفِتَنِ اَلَّتِي كَانَتْ تَشُبُّ بَيْنَ(587) اَلْكُفَّارِ وَبَيْنَهُمْ؟»، ثُمَّ تَلَا اَلصَّادِقُ (عليه السلام) هَذِهِ اَلْآيَةَ مَثَلاً لِإِبْطَاءِ اَلْقَائِمِ (عليه السلام): «﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا...﴾ اَلْآيَةَ [يوسف: 110].
وَأَمَّا اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ - أَعْنِي اَلْخَضِرَ (عليه السلام) - فَإِنَّ اَللهَ تَعَالَى مَا طَوَّلَ عُمُرَهُ لِنُبُوَّةٍ قَرَّرَهَا(588) لَهُ، وَلَا لِكِتَابٍ نَزَّلَ(589) عَلَيْهِ، وَلَا لِشَرِيعَةٍ يَنْسِخُ بِهَا شَرِيعَةَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ اَلْأَنْبِيَاءِ (عليهم السلام)، وَلَا لِإِمَامَةٍ يُلْزِمُ عِبَادَهُ اَلْاِقْتِدَاءَ بِهَا، وَلَا لِطَاعَةٍ يَفْرِضُهَا، بَلَى إِنَّ اَللهَ تَعَالَى لَـمَّا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنْ يُقَدِّرَ مِنْ عُمُرِ اَلْقَائِمِ (عليه السلام) فِي أَيَّامِ غَيْبَتِهِ مَا يُقَدِّرُهُ(590)، وَعَلِمَ مَا يَكُونُ مِنْ إِنْكَارِ عِبَادِهِ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ اَلْعُمُرِ فِي اَلطُّولِ، طَوَّلَ عُمُرَ اَلْعَبْدِ اَلصَّالِحِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ إِلَّا لِعِلَّةِ اَلْاِسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى عُمُرِ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)، لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ حُجَّةَ اَلمُعَانِدِينَ، ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ﴾ [النساء: 165]»(591).
والأخبار في هذا المعنى أكثر من أنْ تُحصى ذكرنا طرفاً منها لئلَّا يطول به الكتاب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(586) من كمال الدِّين و بعض النُّسَخ.
(587) في كمال الدِّين: (تنشب)، وفي بعض النُّسَخ: (تنشب من).
(588) في كمال الدِّين و بعض النُّسَخ: (قدرها).
(589) في كمال الدِّين: (ينزله)، وفي بعض النُّسَخ: (ينزل).
(590) في كمال الدِّين: (يقدر).
(591) رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 352 - 357/ باب 33/ ح 50).

(٢١٣)

فإنْ قيل: هذه كلُّها أخبار آحاد لا يُعوَّل على مثلها في هذه المسألة، لأنَّها مسألة علميَّة.
قلنا: موضع الاستدلال من هذه الأخبار ما تضمَّن الخبر بالشيء قبل كونه، فكان كما تضمَّنه، فكان ذلك دلالة على صحَّة ما ذهبنا إليه من إمامة ابن الحسن، لأنَّ العلم بما يكون لا يحصل إلَّا من جهة علَّام الغيوب، فلو لم يرو إلَّا خبر واحد ووافق مخبره ما تضمَّنه الخبر لكان ذلك كافياً، ولذلك كان ما تضمَّنه القرآن من الخبر بالشيء قبل كونه دليلاً على صدق النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّ القرآن من قِبَل الله تعالى، وإنْ كانت المواضع التي تضمَّنت ذلك محصورة، ومع ذلك مسموعة من مخبر واحد، لكن دلَّ على صدقه من الجهة التي قلناها.
على أنَّ هذه الأخبار متواتر بها لفظاً ومعنًى.
فأمَّا اللفظ فإنَّ الشيعة تواترت بكلِّ خبر منه، وأمَّا المعنى فإنَّ كثرة الأخبار، واختلاف جهاتها، وتباين طُرُقها، وتباعد رواتها، يدلُّ على صحَّتها، لأنَّه لا يجوز أنْ يكون كلُّها باطلة، ولذلك يُستَدلُّ في مواضع كثيرة على معجزات النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) التي هي سوى القرآن وأُمور كثيرة في الشرع تتواتر معنًى، وإنْ كان كلُّ لفظ منها منقولاً من جهة الآحاد، وذلك معتمد عند من خالفنا في هذه المسألة، فلا ينبغي أنْ يتركوه وينسوه إذا جئنا إلى الكلام في الإمامة، والعصبيَّة لا ينبغي أنْ تنتهي بالإنسان إلى حدٍّ يجحد الأُمور المعلومة.
وهذا الذي ذكرناه معتبر في مدائح الرجال وفضائلهم، ولذلك استُدِلَّ على سخاء حاتم وشجاعة عمرو وغير ذلك بمثل ذلك وإنْ كان كلُّ واحد ممَّا يُروى من عطاء حاتم ووقوف عمرو في موقف من المواقف من جهة الآحاد، وهذا واضح.
وممَّا يدلُّ أيضاً على إمامة ابن الحسن (عليهما السلام) زائداً على ما مضى أنَّه لا خلاف

(٢١٤)

بين الأُمَّة أنَّه سيخرج في هذه الأُمَّة مهدي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، وإذا بيَّنَّا أنَّ ذلك المهدي من ولد الحسين (عليه السلام)، وأفسدنا قول كلِّ من يدَّعي ذلك من ولد الحسين سوى ابن الحسن (عليه السلام) ثبت أنَّ المراد به هو (عليه السلام).
[الروايات الدالَّة على خروج المهدي (عجّل الله فرجه)]:
والأخبار المرويَّة في ذلك أكثر من أنْ تُحصى، غير أنَّا نذكر طرفاً من ذلك.
فممَّا روي من أنَّه لا بدَّ من خروج مهدي في هذه الأُمَّة:
130 - رَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَالِكٍ اَلْفَزَارِيِّ، عَنْ حَيْدَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْفَزَارِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنِ اَلْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: 22]، قَالَ: هُوَ خُرُوجُ اَلمَهْدِيِّ (عليه السلام)(592).
131 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾: يَعْنِي يُصْلِحُ اَلْأَرْضَ بِقَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ، مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا يَعْنِي مِنْ بَعْدِ جَوْرِ أَهْلِ مَمْلَكَتِهَا، ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ﴾ بِقَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الحديد: 17](593).
132 - وَأَخْبَرَنَا اَلشَّرِيفُ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلمُحَمَّدِيُّ (رحمه الله)(594)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(592) رواه النيلي (رحمه الله) في منتخب الأنوار المضيئة (ص 31).
(593) رواه النيلي (رحمه الله) في منتخب الأنوار المضيئة (ص 31 و32) باختلاف يسير.
(594) ذكره المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 443/ الرقم 6318/68) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام) في ترجمة محمّد بن أحمد بن عبد الله، مع توصيفه بأبي محمّد العلوي المحمّدي.
ووصفه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 265 و266/ الرقم 691) بالشريف أبي محمّد المحمّدي في ترجمة عليِّ بن أحمد أبي القاسم الكوفي.
وقال المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 208/ الرقم 599/14) في ترجمة محمّد بن أحمد بن عبد الله: (له كُتُب أخبرنا بها جماعة منهم الشريف أبو محمّد الحسن بن القاسم المحمّدي).

(٢١٥)

تَمَّامٍ(595)، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْقِطَعِيِّ(596)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَاتِمٍ اَلْبَزَّازِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنِ اَلْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْعَبَّاسِ فِي قَوْلِ اَلله تَعَالَى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَ رَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ [الذاريات: 22 و23]، قَالَ: قِيَامُ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)، وَمِثْلُهُ: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ [البقرة: 148]، قَالَ: أَصْحَابُ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)، يَجْمَعُهُمُ اَللهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.
133 - مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ اَلمُقْرِي(597)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْعَبَّاسِ اَلمُقَانِعِيِّ(598)، عَنْ بَكَّارِ بْنِ أَحْمَدَ(599)، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ سُفْيَانَ اَلْجَرِيرِيِّ(600)، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَاشِمٍ اَلطَّائِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ(601) فِي هَذِهِ اَلْآيَةِ: ﴿فَوَ رَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ [الذاريات: 23]، قَالَ: قِيَامُ قَائِمٍ (عليه السلام) مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(595) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 385/ الرقم 1046): (محمّد بن عليِّ بن الفضل بن تمام بن سكين...)، إلى أنْ قال: (وكان ثقةً، عيناً، صحيح الاعتقاد، جيِّد التصنيف).
(596) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 67/ الرقم 160): (الحسين بن محمّد بن الفرزدق بن بجير بن زياد الفزاري، أبو عبد الله، المعروف بالقطعي، كان يبيع الخرق، ثقة، له كُتُب، منها: كتاب فضائل الشيعة).
(597) يأتي سند المؤلِّف (رحمه الله) إليه في (ح 150).
(598) قال المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 164/ الرقم 430/57): (عليُّ بن العبَّاس المقانعي، له كتاب فضل الشيعة).
(599) قال المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 87/ الرقم 129/4): (بكار بن أحمد، له كتاب الجنائز، أخبرنا به أحمد بن عبدون، عن عليِّ بن محمّد بن الزبير القرشي...، عن عليِّ بن العبَّاس، عنه).
(600) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 220/ الرقم 2932/170) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (سفيان بن إبراهيم بن مرثد الأزدي الجريري، مولى، كوفي).
(601) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 162/ الرقم 1829/133) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (إسحاق بن عبد الله بن عليِّ بن الحسين المدني).

(٢١٦)

قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ [النور: 55]، قَالَ: نَزَلَتْ فِي اَلمَهْدِيِّ (عليه السلام)(602).
134 - وَأَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ اَلنَّيْشَابُورِيِّ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ اَلنَّيْشَابُورِيِّ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنِ اَلمُثَنَّى اَلْحَنَّاطِ(603)، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اَلصَّيْقَلِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اَلْقَائِمَ لَا يَقُومُ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ اَلسَّمَاءِ تَسْمَعُ اَلْفَتَاةُ فِي خِدْرِهَا وَيَسْمَعُ أَهْلُ اَلمَشْرِقِ وَاَلمَغْرِبِ، وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: 4]»(604).
135 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ مُوسَى اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَلِيِّ اَلرَّازِيِّ، عَنِ اِبْنِ أَبِي دَارِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْعَبَّاسِ اَلسِّنْدِيِّ اَلمُقَانِعِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَاشِمٍ اَلْقَيْسِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ تَمَّامٍ اَلْبَصْرِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ اَلْقَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ(605)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اَلمَهْدِيُّ يَخْرُجُ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(602) رواه الأسترآبادي (رحمه الله) في تأويل الآيات الظاهرة (ج 2/ ص 615/ ح 4) إلَّا أنَّ فيه: (إسحاق بن عبد الله، عن عليِّ بن الحسين (عليهما السلام))، والقندوزي في ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 252/ ح 51).
(603) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 414/ الرقم 1106): (مثنَّى بن الوليد الحنَّاط، مولى، كوفي، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)).
وقال الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج 2/ ص 629/ ح 623): (قال عليُّ بن الحسن: سلام والمثنَّى بن الوليد والمثنَّى بن عبد السلام كلُّهم حنَّاطون، كوفيُّون، لا بأس بهم).
(604) رواه النيلي (رحمه الله) في منتخب الأنوار المضيئة (ص 34 - 36) باختلاف.
(605) هو منذر النضري، عدَّه المؤلِّف(رحمه الله) في رجاله (ص 82/الرقم 823/27) من أصحاب عليٍّ(عليه السلام).
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (ج 4/ ص 181/ الرقم 8762): (المنذر بن مالك، أبو نضرة العبدي البصري، من ثقات التابعين...، تُوفّي سنة (108هـ)).

(٢١٧)

136 - مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ اَلمُقْرِي، عَنِ اَلمُقَانِعِيِّ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنِ اَلمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ، عَنِ اَلْعَلَاءِ بْنِ بَشِيرٍ اَلمُرَادِيِّ، عَنْ أَبِي اَلصِّدِّيقِ اَلنَّاجِي(606)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أُبَشِّرُكُمْ بِالمَهْدِيِّ يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اِخْتِلَافٍ مِنَ اَلنَّاسِ وَزِلْزَالٍ، يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ اَلسَّمَاءِ وَسَاكِنُ اَلْأَرْضِ»(607).
137 - عَنْهُ، عَنِ اَلمُقَانِعِيِّ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ تَلِيدٍ(608)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(606) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 1/ ص 426/ الرقم 894): (بكر بن عمرو، وقيل: ابن قيس، أبو الصدِّيق الناجي، روى عن ابن عمر وأبي سعيد وعائشة، وعنه قتادة وعاصم الأحول والعلاء بن بشير المزني...، تُوفّي سنة (108هـ)).
(607) رواه القاضي المغربي في شرح الأخبار (ج 3/ ص 362 و363/ ح 1232)، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 471 و472/ ح 463/67) بإسناده عن أبي الصدِّيق باختلاف مع زيادة في آخره، وابن طاوس (رحمه الله) في الملاحم والفتن (ص 322 و323/ ح 465)، والإربلي (رحمه الله) في كشف الغمَّة (ج 3/ ص 270 و284)، وأحمد بن حنبل في مسنده (ج 17/ ص 426 و427/ ح 11326، وج 18/ ص 61 و62/ ح 11484)، وابن المنادي في الملاحم (ص 183 و184/ ح 128/15)، والكنجي في البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 505)، والمقدسي في عقد الدُّرَر (ص 156 و164)، والجويني في فرائد السمطين (ج 2/ ص 310 و311/ ح 561)، والهيثمي في مجمع الزوائد (ج 7/ ص 313 و314)، وابن الصبَّاغ في الفصول المهمَّة (ج 2/ ص 1116)، والسيوطي في العرف الوردي (ص 46/ ح 1)، والصالحي الشامي في سُبُل الهدى والرشاد (ج 10/ ص 171)، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة (ص 166)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 14/ ص 261 و262/ ح 38653)، والقندوزي في ينابيع المودَّة (ج 3/ ص 344).
(608) هو تليد بن سليمان، أبو إدريس المحاربي، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، كما في رجال النجاشي (ص 115/ الرقم 295).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 173/ الرقم 2045/1) من أصحاب الصادق (عليه السلام) مع توصيفه بالكوفي.
وقال المزِّي في تهذيب الكمال (ج 4/ ص 320/ الرقم 798): (روى عن أبي الجحَّاف، وروى عنه حسن بن حسين العرني الكوفي).
وذكره العلَّامة الحلِّي (رحمه الله) في القسم الثاني من خلاصة الأقوال (ص 329/ الرقم 2)، وقال: (لم يقف أحد من علمائنا على جرحه ولا على تعديله، لكن قال ابن عقدة: حدَّثنا أحمد، قال: حدَّثنا محمّد بن عبد الله بن سليمان، قال: سمعت ابن نمير يقول: أبو الجحَّاف ثقة، ولست أعتمد بما يروي عنه تليد).

(٢١٨)

عَنْ أَبِي اَلْجَحَّافِ(609)، [عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اَلمَلِكِ، عَنْ مَطَرٍ اَلْوَرَّاقِ، عَنِ اَلنَّاجِي يَعْنِي أَبَا اَلصِّدِّيقِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ](610)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَبْشِرُوا بِالمَهْدِيِّ - قَالَ ثَلَاثاً -، يَخْرُجُ عَلَى حِينِ اِخْتِلَافٍ مِنَ اَلنَّاسِ وَزِلْزَالٍ شَدِيدٍ، يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، يَمْلَأُ قُلُوبَ عِبَادِهِ عِبَادَةً، وَيَسَعُهُمْ عَدْلُهُ»(611).
138 - مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ اَلمُقْرِي، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْعَبَّاسِ اَلمُقَانِعِيِّ، عَنْ بَكَّارِ اِبْنِ أَحْمَدَ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ سُفْيَانَ اَلْجَرِيرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اَلمُؤْمِنِ(612)، عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ جُوَيْنٍ اَلْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ عَلَى اَلْمِنْبَرِ: «إِنَّ اَلمَهْدِيَّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ، يَنْزِلُ لَهُ مِنَ اَلسَّمَاءِ قَطْرُهَا، وَتُخْرِجُ لَهُ اَلْأَرْضُ بَذْرَهَا، فَيَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مَلَأَهَا اَلْقَوْمُ ظُلْماً وَجَوْراً».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(609) هو داود بن أبي عوف البرجمي، قال العلَّامة الحلِّي (رحمه الله) في خلاصة الأقوال (ص 306/ فصل الكنى من القسم الأوَّل/ الرقم 43): (قال ابن عقدة: إنَّه ثقة)، وكذا وثَّقه ابن داود (رحمه الله) في رجاله (ص 215/ فصل الكنى من القسم الأوَّل/ الرقم 13).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 201/ الرقم 2565/7) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(610) من دلائل الإمامة.
(611) رواه الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 482/ ح 476/80) بإسناده عن أبي الحجاف، وابن المنادي في (ص 183 و184/ ح 128/15) بإسناده عن أبي الصدِّيق الناجي مفصَّلاً.
(612) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 249/ الرقم 655): (عبد المؤمن بن القاسم بن قيس بن قيس ابن قهد الأنصاري، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، ثقة هو وأخوه...، تُوفّي سنة (147هـ) وهو ابن (81) سنة، له كتاب يرويه جماعة منهم سفيان بن إبراهيم بن مرثد الحارثي).

(٢١٩)

139 - عَنْهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْعَبَّاسِ اَلمُقَانِعِيِّ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ مُصَبِّحٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اَللهُ ذَلِكَ اَلْيَوْمَ حَتَّى يُخْرِجَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(613).
140 - عَنْهُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ بَكَّارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ قَادِمٍ(614)، عَنْ فِطْرٍ(615)، عَنْ عَاصِمٍ(616)، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ(617)، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اَللهُ تَعَالَى ذَلِكَ اَلْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ رَجُلاً مِنِّي يُوَاطِئُ اِسْمُهُ اِسْمِي وَاِسْمُ أَبِيهِ اِسْمَ أَبِي(618)، يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(613) كفاية الأثر (ص 165) بسند آخر عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفيه: (قائمنا) بدل (رجل من أهل بيتي).
ويأتي في (ح 410) مرسَلاً عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفيه: (من ولدي) بدل (من أهل بيتي).
(614) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 7/ ص 327/ الرقم 606): (عليُّ بن قادم الخزاعي، أبو الحسن الكوفي، روى عن جماعة منهم: فطر بن خليفة، مات سنة (212هـ)).
(615) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 8/ ص 270/ الرقم 550): (فطر بن خليفة القرشي المخزومي، مولاهم، أبو بكر الحنَّاط الكوفي، روى عن جماعة منهم: عاصم بن بهدلة، وروى عنه جماعة منهم: عليّ بن قادم، مات سنة (153هـ)).
وقد مرَّ في (ص 166)، فراجع.
(616) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 5/ ص 35/ الرقم 67): (عاصم بن بهدلة، وهو ابن أبي النجود الأسدي، مولاهم الكوفي، أبو بكر المقري، روى عن زرِّ بن حبيش وغيره، مات سنة (127هـ)).
(617) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 3/ ص 277/ الرقم 597): (زرُّ بن حبيش بن حباشة ابن أوس بن بلال، وقيل: هلال الأسدي، أبو مريم، ويقال: أبو مطرف الكوفي، مخضرم، أدرك الجاهليَّة. روى عن جماعة منهم: ابن مسعود، وروى عنه جماعة منهم عاصم بن بهدلة، مات سنة (81هـ) وهو ابن (127) سنة).
(618) لهذا الخبر في مؤلَّفات العامَّة والخاصَّة وأخبارهم طُرُق متعدِّدة، وقوله: (اسم أبيه اسم أبي) من الزيادات في بعضها، وليس في بعضها الأُخرى.
وقد تعرَّض له من علماء الفريقين جماعة، وقيل فيه وجوه:
الأوَّل: ما عن كشف الغمَّة (ج 3/ ص 277)، قال: (أمَّا أصحابنا الشيعة فلا يُصحِّحون هذا الحديث، لما ثبت عندهم من اسمه واسم أبيه (عليهما السلام)).
الثاني: ما عن كشف الغمَّة أيضاً (ج 3/ ص 277)، قال: (وأمَّا الجمهور فقد نقلوا أنَّ زائدة كان يزيد في الأحاديث، فوجب المصير إلى أنَّه من زيادته، ليكون جمعاً بين الأقوال والروايات).
الثالث: ذكره في كشف الغمَّة أيضاً (ج 3/ ص 277) نقلاً من بيان الكنجي (ص 483) من احتمال أنْ يكون قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (واسم أبيه اسم ابني) أي الحسن (عليه السلام)، فإنَّ تعبيره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عنه بابني، وعنه وعن أخيه الحسين (عليهما السلام) بابني في نهاية الكثرة في أخبار الفريقين، فتوهَّم فيه الراوي فصحَّف (ابني) بـ (أبي).
الرابع: ما في بحار الأنوار (ج 51/ ص 103 و104): (أقول: ذكر بعض المعاصرين فيه وجهاً آخر، وهو: أنَّ كنية الحسن العسكري (عليه السلام) أبو محمد، وعبد الله أبو النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كنيته أبو محمّد، فتتوافق الكنيتان، والكنية داخلة تحت الاسم، والأظهر كون (أبي) مصحَّف (ابني)).
الخامس: ما في كشف الغمَّة أيضاً (ج 3/ ص 240) نقلاً من ابن طلحة في مطالب السؤول (ص 487 و488) من أنَّه مهَّد مقدَّمتين:
الأُولى: أنَّه سايغ شايع في لسان العرب إطلاق لفظة (الأب) على الجدِّ الأعلى كقوله تعالى في سورة (الحجّ: 78): ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾، وقوله تعالى حكايةً عن يوسف (عليه السلام) في سورة (يوسف: 38): ﴿اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾، وفي حديث الإسراء كما في تفسير القمِّي (ج 2/ ص 9) أنَّ جبرئيل (عليه السلام) قال: (هذا أبوك إبراهيم).
والثانية: أنَّ لفظة (الاسم) تُطلَق على الكنية وعلى الصفة كما روى البخاري في صحيحه (ج 6/ ص 115/ ح 3307)، ومسلم أيضاً في صحيحه (ج 7/ ص 124)، وعنهما بحار الأنوار (ج 35/ ص 65) أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سمَّى عليًّا (عليه السلام) أبا تراب، ولم يكن اسم أحبّ إليه منه، فأطلق لفظ الاسم على الكنية.
ثمّ قال: ولـمَّا كان الحجَّة الخلف الصالح محمّد (عليه السلام) من ولد أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، أطلق النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على الكنية لفظ الاسم إشارةً إلى أنَّه من ولد الحسين (عليه السلام)، بطريق جامع موجز.

(٢٢٠)

مُلِئَتْ ظُلْماً»(619).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(619) رواه أبو داود في سُنَنه (ج 2/ ص 309 و310/ ح 4282) بإسناده عن فطر، وابن طلحة في مطالب السؤول (ص 482)، والكنجي في البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 482) بسند آخر عن زائدة، والسيوطي في العرف الوردي (ص 83/ ح 9) عن عبد الله بن مسعود.

(٢٢١)

141 - وَعَنْهُ، عَنِ اَلمُقَانِعِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلزُّهْرِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ اَلرَّبِيعِ(620) وَغَيْرِهِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا تَذْهَبُ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَلِيَ أُمَّتِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقَالُ لَهُ: اَلمَهْدِيُّ»(621).
142 - مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ(622)، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ اَلسَّمَّاكِ(623)، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْهَاشِمِيِّ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْفَضْلِ اَلْبُوصَرَائِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلْحَمِيدِ اَلْأَنْصَارِيِّ(624)، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ زِيَادٍ اَلْيَمَامِيِّ(625)، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ(626)، عَنْ إِسْحَاقَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(620) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 143/ الرقم 1558/5) من أصحاب الباقر (عليه السلام)، قائلاً: (قيس بن الربيع، بتري)، وفي (ص 272/ الرقم 3917/20) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (قيس بن الربيع الأسدي، أبو محمّد الكوفي).
(621) رواه البلخي في البدء والتاريخ (ج 2/ ص 180 و181)، والجويني في فرائد السمطين (ج 2/ ص 328/ح 578) بإسناده عن عاصم عن زرٍّ، وفيهما: (يواطئ اسمه اسمي) بدل (يقال له: المهدي).
(622) يأتي سند المؤلِّف (رحمه الله) إلى محمّد بن عليٍّ هذا في (ح 148).
(623) قال الذهبي في ميزان الاعتدال (ج 3/ ص 31/ الرقم 5486): (عثمان بن أحمد بن السماك، أبو عمر الدقَّاق، صدوق في نفسه، مات سنة (344هـ)).
(624) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 3/ ص 414/ الرقم 887): (سعد بن عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحَكَم بن رافع بن سنان الأنصاري، أبو معاذ المدني، سكن بغداد، روى عن جماعة منهم: عليّ بن زياد اليمامي، قيل: إنَّه مات سنة (219هـ)).
(625) في تهذيب التهذيب (ج 7/ ص 283/ الرقم 544): (عليُّ بن زياد اليمامي، عن عكرمة بن عمَّار، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس حديث: «نحن ولد عبد المطَّلب سادة أهل الجنَّة...» الحديث)، ثمّ قال: (روى حديثه ابن ماجة، عن هدبة بن عبد الوهَّاب، عن سعد بن عبد الحميد بن جعفر، عنه. والصواب أنَّه عبد الله بن زياد، فقد ذكره البخاري وأبو حاتم فقالا: روى عن عكرمة بن عمَّار، وعنه سعد بن عبد الحميد...)، إلى أنْ قال: (قلت: هو أبو العلاء عبد الله بن زياد، فلعلَّه كان في الأصل: ثنا أبو العلاء بن زياد، فتغيَّرت فصارت: عليُّ بن زياد).
(626) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 7/ ص 232/ الرقم 475): (عكرمة بن عمَّار العجلي، أبو عمَّار اليمامي، بصري الأصل، روى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وغيره، مات في سنة (159هـ)).

(٢٢٢)

اِبْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ أَبِي طَلْحَةَ(627)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «نَحْنُ بَنُو عَبْدِ اَلمُطَّلِبِ سَادَةُ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ: أَنَا، وَعَلِيٌّ، وَحَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَاَلْحَسَنُ، وَاَلْحُسَيْنُ، وَاَلمَهْدِيُّ»(628).
143 - عَنْهُ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْقِطَعِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ مَرْوَانَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ يَحْيَى اَلثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ(629)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ (عليه السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(627) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 1/ ص 210/ الرقم 448): (إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري النجَّاري المدني، روى عن أبيه وأنس و...، مات سنة (132هـ)).
(628) رواه الصدوق (رحمه الله) في أماليه (ص 562 و563/ ح 757/15)، والفتَّال النيسابوري (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 269)، وابن بطريق (رحمه الله) في عمدة عيون صحاح الأخبار (ص 52/ ح 48، وص 430/ ح 900)، وابن ماجة في سُنَنه (ج 2/ ص 1368/ ح 4087) عن هدبة بن عبد الوهَّاب عن سعد بن عبد الحميد، وابن حبَّان في طبقات المحدِّثين بأصبهان (ج 2/ ص 291)، والحاكم في المستدرك (ج 3/ ص 211)، والثعلبي في تفسيره (ج 8/ ص 312) بإسناده عن سعد ابن عبد الحميد، وابن المغازلي في مناقب عليِّ بن أبي طالب (ص 60 و61/ ح 69)، والخوارزمي في مقتل الحسين (عليه السلام) (ج 1/ ص 161 و162/ ح 64) بإسناده عن أنس، وابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول (ص 483)، والكنجي الشافعي في البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 488)، والمحبُّ الطبري في ذخائر العقبى (ص 15 و89) عن أنس بن مالك، والجويني في فرائد السمطين (ج 2/ ص 32/ ح 370) بإسناده عن الثعلبي، وابن خلدون في تاريخه (ج 1/ ص 319)، وابن الصبَّاغ في الفصول المهمَّة (ج 2/ ص 1110) عن الثعلبي، والباعوني في جواهر المطالب (ج 1/ ص 228)، والصالحي الشامي في سُبُل الهدى والرشاد (ج 11/ ص 7 و8)، والسيوطي في العرف الوردي (ص 82/ ح 7)، وابن حجر الهيتمي في القول المختصر (ص 116)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 12/ ص 97/ ح 34162).
(629) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 276/ الرقم 3984/9) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (محمّد بن الحسين بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، أبو عبد الله، أسند عنه، مدني، نزل الكوفة، مات سنة (181هـ) وله سبع وستُّون سنة).

(٢٢٣)

الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القَصص: 5]، قَالَ: «هُمْ آلُ مُحَمَّدٍ يَبْعَثُ اَللهُ مَهْدِيَّهُمْ بَعْدَ جَهْدِهِمْ فَيُعِزُّهُمْ وَيُذِلُّ عَدُوَّهُمْ»(630).
والأخبار في هذا المعنى أكثر من أنْ تُحصى لا نُطوِّل بذكرها الكتاب.
[الروايات الدالَّة على أنَّ المهدي (عجّل الله فرجه) من ولد عليٍّ (عليه السلام)]:
فأمَّا الذي يدلُّ على أنَّ المهدي يكون من ولد عليٍّ (عليه السلام) ثمّ من ولد الحسين (عليه السلام):
144 - مَا أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ اَلنَّيْشَابُورِيِّ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ اِبْنِ لَهِيعَةَ(631)، عَنْ أَبِي قُبَيْلٍ(632)، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ عَمْرِو بْنِ اَلْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: «فَعِنْدَ ذَلِكَ خُرُوجُ اَلمَهْدِيِّ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ هَذَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) -، بِهِ يَمْحَقُ اَللهُ اَلْكَذِبَ، وَيُذْهِبُ اَلزَّمَانَ اَلْكَلِبَ، وَبِهِ يُخْرِجُ ذُلَّ اَلرِّقِّ مِنْ أَعْنَاقِكُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ، وَاَلمَهْدِيُّ أَوْسَطُهَا، وَعِيسَى آخِرُهَا، وَبَيْنَ ذَلِكَ شَيْخٌ أَعْوَجُ(633)».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(630) رواه النيلي (رحمه الله) في منتخب الأنوار المضيئة (ص 30) باختلاف.
(631) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 5/ ص 327/ الرقم 648): (عبد الله بن لهيعة بن عقبة ابن فرعان بن ربيعة بن ثوبان الحضرمي، روى عن جماعة منهم: أبي قبيل المعافري، مات سنة (173هـ)).
(632) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 3/ ص 64/ ذيل الرقم 140): (حي بن هانئ بن ناضر ابن يمنع، أبو قبيل المعافري المصري، روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره، وروى عنه جماعة منهم: ابن لهيعة، مات سنة (128هـ)).
(633) في الصحاح للجوهري (ج 1/ ص 331/ مادَّة عوج): (رجل أعوج بيِّن العوج، أي سيِّئ الخُلُق).

(٢٢٤)

145 - مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ اَلسَّمَّاكِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْهَاشِمِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ اَلمَرْوَزِيِّ، عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ اَلْوَلِيدِ(634)، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ(635)، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ يَعْقُوبَ اَلرُّخَامِيِّ(636)، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ(637)، عَنْ أَبِي اَلمَلِيحِ(638)، عَنْ زِيَادِ بْنِ بَيَانٍ(639)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ(640)، عَنْ سَعِيدِ بْنِ اَلمُسَيَّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(634) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 1/ ص 416/ الرقم 878): (بقيَّة بن الوليد بن صائد ابن كعب بن حريز الكلاعي الميتمي، أبو يحمد الحمصي، روى عن جماعة منهم: أبي بكر بن أبي مريم، مات سنة (197هـ)).
(635) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 12/ ص 26/ الرقم 8303): (أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغسَّاني الشامي، قيل: اسمه بكير، وقيل: عبد السلام. روى عن جماعة منهم: بقيَّة بن الوليد، مات سنة (198هـ)).
(636) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 8/ ص 259/ الرقم 530): (الفضل بن يعقوب بن إبراهيم بن موسى الرخامي، أبو العبَّاس البغدادي، روى عن عبد الله بن جعفر وغيره، مات سنة (258هـ)).
(637) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 5/ ص 151/ الرقم 296): (عبد الله بن جعفر بن غيلان الرقِّي، أبو عبد الرحمن القرشي، مولاهم، روى عن أبي المليح وغيره، وروى عنه جماعة منهم: الفضل بن يعقوب الرخامي، مات سنة (220هـ)).
(638) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 2/ ص 267/ الرقم 535): (الحسن بن عمر ويقال: ابن عمرو بن يحيى الفزاري، مولاهم أبو المليح الرقِّي، وقيل: كنيته أبو عبد الله وغلب عليه أبو المليح، روى عن زياد بن بيان وعليِّ بن نفيل وغيرهما، وروى عنه جماعة منهم: عبد الله بن جعفر الرقِّي، مات سنة (181هـ)).
(639) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 3/ ص 307/ الرقم 655): (زياد بن بيان الرقِّي، روى عن عليِّ بن نفيل، وروى عنه أبو المليح الرقِّي).
(640) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 7/ ص 342/ الرقم 633): (عليُّ بن نفيل بن زرَّاع النهدي، أبو محمّد الجزري الحرَّاني، روى عن سعيد بن المسيّب، وروى عنه زياد بن بيان والثوري وأبو المليح الرقِّي، مات سنة (125هـ)).

(٢٢٥)

«اَلمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ»(641).
146 - أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ مُصَبِّحٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، عَمَّنْ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ(642) يَقُولُ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا وَهْبُ، ثُمَّ يَخْرُجُ اَلمَهْدِيُّ، قُلْتُ: مِنْ وُلْدِكَ؟ قَالَ: لَا وَاَلله مَا هُوَ مِنْ وُلْدِي، وَلَكِنْ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ (عليه السلام)، وَطُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ زَمَانَهُ، وَبِهِ يُفَرِّجُ اَللهُ عَنِ اَلْأُمَّةِ حَتَّى يَمْلَأَهَا قِسْطاً وَعَدْلاً... إِلَى آخِرِ اَلْخَبَرِ.
147 - أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ(643)، عَنِ اَلمُنَخَّلِ بْنِ جَمِيلٍ، عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «اَلمَهْدِيُّ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ، وَهُوَ رَجُلٌ آدَمُ».
148 - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ اَلسَّمَّاكِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ اَلْعَلَاءِ(644) اَلْهَاشِمِيِّ، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(641) رواه ابن بطريق (رحمه الله) في عمدة عيون صحاح الأخبار (ص 433/ ح 909، وص 436/ ح 920)، وأبو داود في سُنَنه (ج 2/ ص 310/ ح 4284)، وابن طلحة في مطالب السؤول (ص 482)، والكنجي في البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 486)، والمقدسي في عقد الدُّرَر (ص 15)، والذهبي في ميزان الاعتدال (ج 2/ ص 87)، وابن الصبَّاغ في الفصول المهمَّة (ج 2/ ص 1109)، والسيوطي في العرف الوردي (ص 81/ ح 6)، وابن حجر الهيتمي في القول المختصر (ص 116)، والمتَّقي الهندي في كنز العُمَّال (ج 14/ ص 264/ ح 38662).
(642) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 11/ ص 147/ الرقم 288): (وهب بن منبه بن كامل ابن سيح بن ذي كناز اليماني، روى عن ابن عبَّاس وغيره، مات سنة (110هـ)).
(643) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 291/ الرقم 780): (عمَّار بن مروان، مولى بني ثوبان بن سالم، مولى يشكر، وأخوه عمرو، ثقتان، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب، أخبرنا محمّد بن جعفر، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدَّثنا محمّد بن المفضَّل بن إبراهيم، عن محمّد ابن سنان، عنه بالكتاب).
(644) في بعض النُّسَخ: (عبد الله).

(٢٢٦)

أَبِي اَلمَلِيحِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ بَيَانٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ اَلمُسَيَّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «اَلمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ».
149 - أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْفَضْلِ(645)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ(646)، عَنْ يَحْيَى بْنِ اَلْعَلَاءِ اَلرَّازِيِّ(647)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «يُنْتِجُ اَللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ اَلْأُمَّةِ رَجُلاً مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، يَسُوقُ اَللهُ تَعَالَى بِهِ بَرَكَاتِ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ، فَيُنْزِلُ اَلسَّمَاءُ قَطْرَهَا، وَيُخْرِجُ اَلْأَرْضُ بَذْرَهَا، وَتَأْمَنُ وُحُوشُهَا وَسِبَاعُهَا، وَيَمْلَأُ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، وَيَقْتُلُ حَتَّى يَقُولَ اَلْجَاهِلُ: لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لَرَحِمَ».
[الروايات الدالَّة على أنَّ المهدي (عجّل الله فرجه) من ولد الحسين (عليه السلام)]:
وأمَّا الذي يدلُّ على أنَّه يكون من ولد الحسين (عليه السلام)، فالأخبار التي أوردناها في أنَّ الأئمَّة اثنا عشر، وذكر تفاصيلهم هي متضمِّنة لذلك، ولأنَّ كلَّ من اعتبر العدد الذي ذكرناه قال: المهدي من ولد الحسين (عليه السلام)، وهو من أشرنا إليه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(645) في بعض النُّسَخ: (عليّ بن المفضَّل).
(646) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 98/ الرقم 243): (أحمد بن رزق الغمشاني، بجلي، ثقة، له كتاب).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 155/ الرقم 1708/12) من أصحاب الصادق (عليه السلام) مع توصيفه بالكوفي.
(647) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 444/ الرقم 1198): (يحيى بن العلاء البجلي الرازي، أبو جعفر، ثقة، أصله كوفي).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 321/ الرقم 4790/7) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (يحيى بن العلاء بن خالد البجلي، كوفي، يقال له: الرازي).

(٢٢٧)

ويزيد ذلك وضوحاً:
150 - مَا أَخْبَرَنِي بِهِ جَمَاعَةٌ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ اَلمُقْرِئِ(648)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْعَبَّاسِ اَلمُقَانِعِيِّ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ سُفْيَانَ اَلْجَرِيرِيِّ، عَنِ اَلْفُضَيْلِ بْنِ اَلزُّبَيْرِ(649)، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ (عليه السلام) يَقُولُ: هَذَا اَلمُنْتَظَرُ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي ذُرِّيَّةِ اَلْحُسَيْنِ وَفِي عَقِبِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، وَهُوَ اَلمَظْلُومُ اَلَّذِي قَالَ اَللهُ تَعَالَى: ﴿مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ﴾، قَالَ: وَلِيُّهُ رَجُلٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ عَقِبِهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: 28]. ﴿سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾ [الإسراء: 33]، قَالَ: سُلْطَانُهُ حُجَّتُهُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ خَلَقَ اَللهُ تَعَالَى حَتَّى يَكُونَ لَهُ اَلْحُجَّةُ عَلَى اَلنَّاسِ، وَلَا يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حُجَّةٌ.
151 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ سُفْيَانَ اَلْجَرِيرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى(650) يَقُولُ: وَاَلله لَا يَكُونُ اَلمَهْدِيُّ أَبَداً إِلَّا مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام).
152 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ اَلْحَكَمِ بْنِ ظُهَيْرٍ(651)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(648) هو محمّد بن إسحاق بن مهران أبو بكر المقرئ، يُعرَف بشاموخ، قال الخطيب في تاريخ بغداد (ج 1/ ص 274/ الرقم 88): (مات أبو بكر المعروف بشاموخ سنة (352هـ)).
(649) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 143/ الرقم 1546/2) من أصحاب الباقر (عليه السلام)، وفي (ص 269/ الرقم 3875/22) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (الفضيل بن الزبير الأسدي، مولاهم، كوفي، الرسَّان).
(650) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 288/ الرقم 4185/210) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري القاضي الكوفي، مات سنة (148هـ)).
(651) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 15/ الرقم 15) والمؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 35/ الرقم 4/4): (إبراهيم بن الحَكَم بن ظهير الفزاري، أبو إسحاق ابن صاحب التفسير عن السُّدِّي، له كُتُب).

(٢٢٨)

عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ(652)، عَنِ اَلْأَعْمَشِ(653)، عَنْ أَبِي وَائِلٍ(654)، قَالَ: نَظَرَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) إِلَى اِبْنِهِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَقَالَ: «إِنَّ اِبْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ [رَسُولُ](655) اَلله سَيِّداً، وَسَيُخْرِجُ اَللهُ تَعَالَى مِنْ صُلْبِهِ رَجُلاً بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ، فَيُشْبِهُهُ فِي اَلْخَلْقِ وَاَلْخُلُقِ، يَخْرُجُ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنَ اَلنَّاسِ، وَإِمَاتَةٍ مِنَ اَلْحَقِّ، وَإِظْهَارٍ مِنَ اَلْجَوْرِ، وَاَلله لَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، يَفْرَحُ (لِخُرُوجِهِ) أَهْلُ اَلسَّمَاءِ وَسُكَّانُهَا، يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً...» تَمَامَ اَلْخَبَرِ(656).
153 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ(657)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُذَافِرٍ(658)، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ يُونُسَ(659)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(652) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 159/ الرقم 1787/91) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (إسماعيل بن عيَّاش النصري).
(653) هو سليمان بن مهران الأعمش المتقدِّم في (ح 98).
(654) هو شقيق بن سَلَمة الأسدي، تأتي ترجمته في (ح 463).
(655) من الغيبة للنعماني.
(656) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 222 و223/ باب 13/ ح 2) بإسناده عن إبراهيم بن الحَكَم ابن ظهير. وابن بطريق (رحمه الله) في عمدة عيون صحاح الأخبار (ص 434/ ح 912) نقلاً من الجمع بين الصحاح الستَّة عن أبي إسحاق، عن عليٍّ (عليه السلام). وروى صدره أبو داود في سُنَنه (ج 2/ ص 311/ ح 4290) بإسناد آخر عن عليٍّ (عليه السلام) باختلاف.
(657) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 287/ الرقم 766): (عمرو بن عثمان الثقفي الخزَّاز، وقيل: الأزدي، أبو عليٍّ، كوفي، ثقة...، كان عمرو بن عثمان نقيَّ الحديث، صحيح الحكايات، له كُتُب).
(658) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 291/ الرقم 4247/272) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (محمّد بن عذافر بن عيسى الخزاعي الصيرفي)، وفي (ص 343/ الرقم 5113/14) من أصحاب الكاظم (عليه السلام)، وقال: (محمّد بن عذافر، له كتاب، ثقة).
(659) هو عقبة بن يونس الأسدي، ذُكِرَ في: لسان الميزان (ج 4/ ص 180/ الرقم 463)، وميزان الاعتدال (ج 3/ ص 88/ الرقم 5698)، وغيرهما.

(٢٢٩)

عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ شَرِيكٍ(660) فِي حَدِيثٍ لَهُ اِخْتَصَرْنَاهُ، قَالَ: مَرَّ اَلْحُسَيْنُ (عليه السلام) عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي مَسْجِدِ اَلرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: «أَمَا وَاَلله لَا تَذْهَبُ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَبْعَثَ اَللهُ مِنِّي رَجُلاً يَقْتُلُ مِنْكُمْ أَلْفاً وَمَعَ اَلْأَلْفِ أَلْفاً وَمَعَ اَلْأَلْفِ أَلْفاً».
فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ أَوْلَادُ كَذَا وَكَذَا لَا يَبْلُغُونَ هَذَا.
فَقَالَ: «وَيْحَكَ إِنَّ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ يَكُونُ لِلرَّجُلِ مِنْ صُلْبِهِ كَذَا وَكَذَا رَجُلاً، وَإِنَّ مَوْلَى اَلْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ».
154 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ اَلْأَهْوَازِيِّ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عُلْوَانَ(661)، عَنْ أَبِي هَارُونَ اَلْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ فِي حَدِيثٍ لَهُ طَوِيلٍ اِخْتَصَرْنَاهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لِفَاطِمَةَ (عليها السلام): «يَا بُنَيَّةِ، إِنَّا أُعْطِينَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ سَبْعاً لَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ قَبْلَنَا: نَبِيُّنَا خَيْرُ اَلْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ أَبُوكِ، وَوَصِيُّنَا خَيْرُ اَلْأَوْصِيَاءِ وَهُوَ بَعْلُكِ، وَشَهِيدُنَا خَيْرُ اَلشُّهَدَاءِ وَهُوَ عَمُّ أَبِيكَ حَمْزَةُ، وَمِنَّا مَنْ لَهُ جَنَاحَانِ خَضِيبَانِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي اَلْجَنَّةِ وَهُوَ اِبْنُ عَمِّكَ جَعْفَرٌ، وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ اَلْأُمَّةِ وَهُمَا اِبْنَاكَ اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ، وَمِنَّا وَاَلله اَلَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَهْدِيُّ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ اَلَّذِي يُصَلِّي خَلْفَهُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ»، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَقَالَ: «مِنْ هَذَا» ثَلَاثاً(662).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(660) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 234/ الرقم 620) في ترجمة عبيد بن كثير بن محمّد العامري: (إنَّ عبد الله بن شريك العامري روى عن عليِّ بن الحسين وأبي جعفر (عليهما السلام)، وكان يُكنَّى أبا المحجل، وكان عندهما وجيهاً مقدَّماً).
(661) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 52/ الرقم 116): (الحسين بن علوان الكلبي، مولاهم، كوفي، عامِّي، وأخوه الحسن، يُكنَّى أبا محمد، ثقة، رويا عن أبي عبد الله (عليه السلام)).
(662) رواه ابن عقدة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) (ص 25 و26/ ح 18) بسنده عن جعفر بن سليمان، والقاضي المغربي في شرح الأخبار (ج 1/ ص 118 و119/ ح 43) مرفوعاً عن أبي أيُّوب الأنصاري، والكنجي في البيان في أخبار صاحب الزمان (ص 502 و503) بسند آخر عن أبي سعيد الخدري مفصَّلاً باختلاف، وابن الصبَّاغ في الفصول المهمَّة (ج 2/ ص 1113 و1114) عن الدارقطني، وروى ذيله الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 443/ ح 416/20) بإسناده عن أبي سعيد الخدري، وحسين بن عبد الوَّهاب (رحمه الله) في عيون المعجزات (ص 56).

(٢٣٠)

فإنْ قيل: أليس قد خالف جماعة، فيهم من قال: المهدي من ولد عليٍّ(عليه السلام)، فقال: هو محمّد بن الحنفيَّة، وفيهم من قال من السبائيَّة(663): هو عليٌّ (عليه السلام) لم يمت، وفيهم من قال: جعفر بن محمّد لم يمت، وفيهم من قال: موسى بن جعفر لم يمت، وفيهم من قال الحسن بن علي العسكري لم يمت، وفيهم من قال: المهدي هو، أخوه محمّد بن عليٍّ(664)، وهو حيٌّ باقٍ لم يمت.
ما الذي يُفسِد قول هؤلاء؟
قلنا في نسخة: هذه الأقوال كلُّها أفسدناها بما دلَلنا عليه من موت من ذهبوا إلى حياته.
وبما بيَّنَّا أنَّ الأئمَّة اثنا عشر.
وبما دلَلنا على صحَّة إمامة ابن الحسن (عليه السلام) من الاعتبار.
وبما سنذكره من صحَّة ولادته وثبوت معجزاته الدالَّة على إمامته، غير أنَّا نشير إلى إبطال هذه الأقوال بجُمَل من الأخبار، ولا نُطوِّل بذكرها، لئلَّا يطول به الكتاب ويملّه القارئ.
[إبطال قول السبائيَّة في أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) حيٌّ باقٍ بالأخبار وغيرها]:
فأمَّا من خالف في موت أمير المؤمنين، وذكر أنَّه حيٌّ باقٍ فهو مكابر، لأنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(663) وهم فرقة من الغلاة أصحاب عبد الله بن سبأ الذي قال لعليٍّ (عليه السلام): أنت الإله حقًّا، فنفاه عليٌّ (عليه السلام) إلى المدائن. راجع: أقرب الموارد (ج 2/ ص 608).
(664) هو محمّد بن عليٍّ الهادي (عليه السلام).

(٢٣١)

العلم بموته وقتله أظهر وأشهر من قتل كلِّ أحد وموت كلِّ إنسان، والشكُّ في ذلك يُؤدِّي إلى الشكِّ في موت النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وجميع أصحابه.
ثمّ ما ظهر من وصيَّته وإخبار النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إيَّاه أنَّك تُقتَل وتُخضَب لحيتك من رأسك يُفسِد ذلك أيضاً، وذلك أشهر من أنْ يحتاج إلى أنْ يُروى فيه الأخبار.
155 - أَخْبَرَنَا اِبْنُ أَبِي جِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْبَرْقِيِّ(665)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَبِي سَمِينَةَ اَلْكُوفِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ(666)، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ اَلْهِلَالِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْأَنْصَارِيِّ، عَنْ(667) عَبْدِ اَلله بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي وَصِيَّتِهِ لِأَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «يَا عَلِيُّ، إِنَّ قُرَيْشاً سَتَظَاهَرُ(668) عَلَيْكَ، وَتَجْتَمِعُ كَلِمَتُهُمْ عَلَى ظُلْمِكَ وَقَهْرِكَ، فَإِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَجَاهِدْهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ يَدَكَ وَاِحْقِنْ دَمَكَ، فَإِنَّ اَلشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ، لَعَنَ اَللهُ قَاتِلَكَ»(669).
156 - أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عليهما السلام) بِهَذِهِ اَلْوَصِيَّةِ مَعَ اَلْأُخْرَى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(665) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 353/ الرقم 947): (محمّد بن أبي القاسم عبيد الله بن عمران الجنابي البرقي، أبو عبد الله، الملقَّب ماجيلويه، وأبو القاسم يُلقَّب بندار، سيِّد من أصحابنا القمِّيِّين، ثقة، عالم، فقيه، عارف بالأدب والشعر والغريب).
(666) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 20/ الرقم 26): (إبراهيم بن عمر اليماني الصنعاني، شيخ من أصحابنا، ثقة، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)).
(667) كذا؛ وفي بعض النُّسَخ: (و).
(668) في بعض النُّسَخ: (ستتظاهر).
(669) يأتي في (ح 280).

(٢٣٢)

157 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبْدُونٍ، عَنِ اِبْنِ أَبِي اَلزُّبَيْرِ اَلْقُرَشِيِّ(670)، عَنْ عَلِيِّ اِبْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ زُرَارَةَ، عَمَّنْ رَوَاهُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «هَذِهِ وَصِيَّةُ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) [إِلَى اَلْحَسَنِ (عليه السلام)]».
وَهِيَ نُسْخَةُ كِتَابِ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ اَلْهِلَالِيِّ رَفَعَهَا إِلَى أَبَانٍ وَقَرَأَهَا عَلَيْهِ. قَالَ أَبَانٌ: وَقَرَأْتُهَا عَلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام)، فَقَالَ: «صَدَقَ سُلَيْمٌ (رحمه الله)».
قَالَ سُلَيْمٌ: فَشَهِدْتُ وَصِيَّةَ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) حِينَ أَوْصَى إِلَى اِبْنِهِ اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، وَأَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ اَلْحُسَيْنَ (عليه السلام) وَمُحَمَّداً(671) وَجَمِيعَ وُلْدِهِ وَرُؤَسَاءَ شِيعَتِهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَقَالَ: «يَا بُنَيَّ، أَمَرَنِي رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنْ أُوصِيَ إِلَيْكَ، وَأَنْ أَدْفَعَ إِلَيْكَ كُتُبِي وَسِلَاحِي»، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «يَا بُنَيَّ، أَنْتَ وَلِيُّ اَلْأَمْرِ وَوَلِيُّ اَلدَّمِ، فَإِنْ عَفَوْتَ فَلَكَ، وَإِنْ قَتَلْتَ فَضَرْبَةً مَكَانَ ضَرْبَةٍ وَلَا تَأْثَمْ».
ثُمَّ ذَكَرَ اَلْوَصِيَّةَ إِلَى آخِرِهَا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ وَصِيَّتِهِ قَالَ: «حَفِظَكُمُ اَللهُ وَحَفِظَ فِيكُمْ نبيَّكم، أَسْتَوْدِعُكُمُ اَللهَ وَأَقْرَأُ عَلَيْكُمُ اَلسَّلَامَ وَرَحْمَةَ اَلله»، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ» حَتَّى قُبِضَ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَكَانَ ضُرِبَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ(672).
158 - وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ قُبِضَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَضُرِبَ لَيْلَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وهي الأظهر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(670) قال المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 430 و431/ الرقم 6179/22) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام): (عليُّ بن محمّد بن الزبير القرشي الكوفي، روى عن عليِّ بن الحسن بن فضَّال جميع كُتُبه، وروى أكثر الأُصول، روى عنه التلعكبري، وأخبرنا عنه أحمد بن عبدون، ومات ببغداد سنة (348هـ)).
(671) أي محمّد بن الحنفيَّة.
(672) رواه سُلَيم بن قيس (ص 444 - 447/ ح 69) مفصَّلاً، والصدوق (رحمه الله) في من لا يحضره الفقيه (ج 4/ ص 189 - 192/ ح 5433) عن سُلَيم بن قيس.

(٢٣٣)

[إبطال قول الكيسانيَّة في أنَّ محمّد بن الحنفيَّة حيٌّ وأنَّه القائم بالأخبار وغيرها]:
وأمَّا وفاة محمّد بن عليِّ بن الحنفيَّة وبطلان قول من ذهب إلى إمامته، فقد بيَّنَّاه فيما مضى من الكتاب(673)، وعلى هذه الطريقة إذا بيَّنَّا أنَّ المهدي من ولد الحسين (عليه السلام) بطل قول المخالف في إمامته (عليه السلام).
ويزيده بياناً:
159 - مَا رَوَاهُ اَلْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنِ اَلْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «لَـمَّا تَوَجَّهَ اَلْحُسَيْنُ (عليه السلام) إِلَى اَلْعِرَاقِ دَفَعَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اَلْوَصِيَّةَ وَاَلْكُتُبَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهَا: إِذَا أَتَاكِ أَكْبَرُ وُلْدِي فَادْفَعِي إِلَيْهِ مَا قَدْ دَفَعْتُ إِلَيْكِ، فَلَمَّا قُتِلَ اَلْحُسَيْنُ (عليه السلام) أَتَى عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) أُمَّ سَلَمَةَ، فَدَفَعَتْ إِلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَاهَا اَلْحُسَيْنُ (عليه السلام)».
160 - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ اِبْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «لَا تَعُودُ اَلْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ اَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام)، وَلَا يَكُونُ بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) إِلَّا فِي اَلْأَعْقَابِ وَأَعْقَابِ اَلْأَعْقَابِ»(674).
وما جرى بين محمّد بن الحنفيَّة وعليِّ بن الحسين (عليه السلام) ومحاكمتهما إلى الحجر معروف(675) لا نُطوِّل بذكره هاهنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(673) في (ص 44 - 46).
(674) روى نحوه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 285 و286/ باب ثبات الإمامة في الأعقاب.../ ح 1)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 414/ باب 40/ ح 1)، وفي علل الشرائع (ج 1/ ص 208/ باب 156/ ح 9).
(675) راجع ما ذكرناه في (ح 1).

(٢٣٤)

[إبطال قول الناووسيَّة في أنَّ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حيٌّ وأنَّه المهدي بالأخبار وغيرها]:
وأمَّا الناووسيَّة الذين وقفوا على أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام)، وقالوا: هو المهدي.
قد بيَّنَّا أيضاً فساد قولهم بما علمناه من موته واشتهار الأمر فيه، ولصحَّة إمامة ابنه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، وبما ثبت من إمامة الاثني عشر (عليهم السلام)، ويُؤكِّد ذلك ما ثبت من صحَّة وصيَّته إلى من أوصى إليه، وظهور الحال في ذلك.
161 - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ اِبْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَحْمَرَ(676)، عَنْ سَالِمَةَ مَوْلَاةِ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)(677)، قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَلله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) حِينَ حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ، وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: «أَعْطُوا اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ - وَهُوَ اَلْأَفْطَسُ - سَبْعِينَ دِينَاراً، وَأَعْطُوا فُلَاناً كَذَا، وَفُلَاناً كَذَا».
فَقُلْتُ: أَتُعْطِي رَجُلاً حَمَلَ عَلَيْكَ بِالشَّفْرَةِ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ؟
قَالَ: «تُرِيدِينَ أَنْ لَا أَكُونَ مِنَ اَلَّذِينَ قَالَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾ [الرعد: 21]، نَعَمْ يَا سَالِمَةُ إِنَّ اَللهَ تَعَالَى خَلَقَ اَلْجَنَّةَ فَطَيَّبَهَا وَطَيَّبَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفَيْ عَامٍ، وَلَا يَجِدُ رِيحَهَا عَاقٌّ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(676) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 319/ الرقم 4752/20) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (هشام بن أحمر الكوفي، روى عن أبي الحسن (عليه السلام) أيضاً).
وهو الذي بعثه أبو الحسن (عليه السلام) ليشتري أُمَّ الرضا (عليه السلام) فاشتراها.
راجع: الكافي (ج 1/ ص 486 و487/ باب مولد أبي الحسن الرضا (عليه السلام)/ ح 1).
(677) عدَّها المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 327/ الرقم 4910/2) من أصحاب الصادق (عليه السلام).

(٢٣٥)

162 - وَرَوَى أَبُو أَيُّوبَ اَلْخُوزِيُّ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ اَلمَنْصُورُ فِي جَوْفِ اَللَّيْلِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ شَمْعَةٌ وَفِي يَدِهِ كِتَابٌ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ رَمَى اَلْكِتَابَ إِلَيَّ وَهُوَ يَبْكِي، وَقَالَ: هَذَا كِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ يُخْبِرُنَا أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - ثَلَاثاً -، وَأَيْنَ مِثْلُ جَعْفَرٍ؟! ثُمَّ قَالَ لِي: اُكْتُبْ، فَكَتَبْتُ صَدْرَ اَلْكِتَابِ، ثُمَّ قَالَ: اُكْتُبْ إِنْ كَانَ قَدْ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَقَدِّمْهُ وَاِضْرِبْ عُنُقَهُ.
قَالَ: فَرَجَعَ اَلْجَوَابُ إِلَيْهِ: أَنَّهُ قَدْ أَوْصَى إِلَى خَمْسَةٍ، أَحَدُهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ اَلمَنْصُورُ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدِ اَلله وَمُوسَى اِبْنَيْ جَعْفَرٍ، وَحَمِيدَةَ.
فَقَالَ اَلمَنْصُورُ: لَيْسَ إِلَى قَتْلِ هَؤُلَاءِ سَبِيلٌ(678).
[إبطال قول الواقفة]:
وأمَّا الواقفة الذين وقفوا على موسى بن جعفر (عليهما السلام)، وقالوا: هو المهدي، فقد أفسدنا أقوالهم بما دلَلنا عليه من موته، واشتهار الأمر فيه، وثبوت إمامة ابنه الرضا (عليه السلام)، وفي ذلك كفاية لمن أنصف.
[إبطال قول المحمّديَّة في أنَّ محمّد بن عليٍّ العسكري (عليه السلام) لم يمت وأنَّه المهدي بالأخبار وغيرها]:
وأمَّا المحمّديَّة الذين قالوا بإمامة محمّد بن عليٍّ العسكري(679)، وإنَّه حيٌّ لم يمت، فقولهم باطل لما دلَلنا به على إمامة أخيه الحسن بن عليٍّ أبي القائم (عليهم السلام)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(678) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 310/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن موسى (عليه السلام)/ ح 13) بإسناده إلى أبي أيُّوب النحوي باختلاف يسير، وفي (ص 310 و1311/ ح 14) باختلاف، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 13 و14)، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 434 و345)، وابن طاوس (رحمه الله) في مهج الدعوات (ص 212).
(679) قد ذكرنا في ما تقدَّم بأنَّه السيِّد محمّد المعروف المدفون بقرب سامرَّاء.

(٢٣٦)

وأيضاً فقد مات محمّد في حياة أبيه (عليه السلام) موتاً ظاهراً، كما مات أبوه وجدُّه، فالمخالف في ذلك مخالف في الضرورات.
ويزيد ذلك بياناً:
163 - مَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ سَيَّارٍ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْبَصْرِيِّ(680)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ اَلنَّوْفَلِيِّ(681)، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ (عليه السلام) فِي دَارِهِ، فَمَرَّ عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا صَاحِبُنَا؟
فَقَالَ: «لَا، صَاحِبُكُمْ اَلْحَسَنُ»(682).
164 - وَعَنْهُ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ سَعْدَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَجَا صَاحِبِ اَلتُّرْكِ، قَالَ: قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام): «اَلْحَسَنُ اِبْنِي اَلْقَائِمُ مِنْ بَعْدِي»(683).
165 - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى اَلْعَلَوِيِّ مِنْ وُلْدِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) بِصَرْيَا(684)، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا نَحْنُ بِأَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(680) في الكافي: (بشَّار بن أحمد البصري)، وفي إثبات الوصيَّة: (سنان بن محمّد البصري).
(681) عدَّه ابن شهرآشوب (رحمه الله) في المناقب (ج 3/ ص 524/ باب إمامة أبي محمّد الحسن (عليه السلام)) من رواة النصِّ على أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام).
وفي بعض النُّسَخ: (عليّ بن عمرو النوفلي).
(682) رواه باختلاف الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 325 و326/ باب الإشارة والنصِّ على أبي محمّد (عليه السلام)/ ح 2) بإسناده عن جعفر بن محمّد الكوفي، والخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 386)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 245 و246) عن الحميري عن جعفر بن محمّد، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 314 و1315) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 133) عن محمّد بن يعقوب.
(683) رواه باختلاف المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 244) عن سعد بن عبد الله.
(684) صريا - بالصاد المهملة، ثمّ الياء المثنَّاة التحتانيَّة بعدها الألف -، قال ابن شهرآشوب (رحمه الله) في المناقب (ج 3/ ص 489/ باب إمامة أبي جعفر الثاني (عليه السلام)): (هي قرية أسَّسها موسى بن جعفر (عليه السلام) على ثلاثة أميال من المدينة).

(٢٣٧)

مُحَمَّدٍ قَدْ دَخَلَا، فَقُمْنَا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ لِنُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام): «لَيْسَ هَذَا صَاحِبَكُمْ، عَلَيْكُمْ بِصَاحِبِكُمْ» وَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام).
166 - وَرَوَى يَحْيَى بْنُ بَشَّارٍ اَلْقَنْبَرِيُّ(685)، قَالَ: أَوْصَى أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام) إِلَى اِبْنِهِ اَلْحَسَنِ (عليه السلام) قَبْلَ مُضِيِّهِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَأَشْهَدَنِي عَلَى ذَلِكَ وَجَمَاعَةً مِنَ اَلمَوَالِي(686)،(687).
[أخبار وفاة محمّد في حياة أبيه الإمام الهادي (عليه السلام)]:
وأمَّا موت محمّد في حياة أبيه (عليه السلام):
167 - فَقَدْ رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هَاشِمٍ دَاوُدُ اِبْنُ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) وَقْتَ وَفَاةِ اِبْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ - وَقَدْ كَانَ أَشَارَ إِلَيْهِ وَدَلَّ عَلَيْهِ -، فَإِنِّي لَأُفَكِّرُ فِي نَفْسِي وَأَقُولُ: هَذِهِ قَضِيَّةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَقَضِيَّةُ إِسْمَاعِيلَ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، فَقَالَ: «نَعَمْ يَا أَبَا هَاشِمٍ بَدَا لِلهِ تَعَالَى فِي أَبِي جَعْفَرٍ وَصَيَّرَ مَكَانَهُ أَبَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَدَا لِلهِ فِي إِسْمَاعِيلَ بَعْدَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) وَنَصَبَهُ، وَهُوَ كَمَا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسُكَ وَإِنْ كَرِهَ اَلمُبْطِلُونَ، أَبُو مُحَمَّدٍ اِبْنِي اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي، عِنْدَهُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَمَعَهُ آلَةُ اَلْإِمَامَةِ، وَاَلْحَمْدُ لِلهِ»(688).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(685) عدَّه ابن شهرآشوب (رحمه الله) في المناقب (ج 3/ ص 524/باب إمامة أبي محمّد العسكري (عليه السلام)) من رواة النصِّ على أبي محمّد العسكري من أبيه (عليهما السلام).
وفي الكافي: (يحيى بن يسار).
(686) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 325/ باب الإشارة والنصِّ على أبي محمّد (عليه السلام)/ ح 1)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 314) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 136) عن محمّد بن يعقوب.
(687) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 3/ ص 387): ((قبل مضيِّه) أي وفاته، أو خروجه إلى سُرَّ من رأى، والأوَّل أظهر. و(الموالي) العجم الملحقون بالعرب، أو الشيعة المخلصون).
(688) تقدَّم في (ح 84)، وله تخريجات ذكرناها هناك.

(٢٣٨)

168 - سَعْدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْكُلَيْنِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلنَّخَعِيِّ(689)، عَنْ شَاهَوَيْهِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْجَلَّابِ(690)، قَالَ: كُنْتُ رُوِّيتُ عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ (عليه السلام) فِي أَبِي جَعْفَرٍ اِبْنِهِ رِوَايَاتٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا مَضَى أَبُو جَعْفَرٍ قَلِقْتُ لِذَلِكَ، وَبَقِيتُ مُتَحَيِّراً لَا أَتَقَدَّمُ وَلَا أَتَأَخَّرُ، وَخِفْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَلَا أَدْرِي مَا يَكُونُ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ أَسْأَلُهُ اَلدُّعَاءَ وَأَنْ يُفَرِّجَ اَللهُ تَعَالَى عَنَّا فِي أَسْبَابٍ مِنْ قِبَلِ اَلسُّلْطَانِ كُنَّا نَغْتَمُّ بِهَا فِي غِلْمَانِنَا، فَرَجَعَ اَلْجَوَابُ بِالدُّعَاءِ وَرَدِّ اَلْغِلْمَانِ عَلَيْنَا، وَكَتَبَ فِي آخِرِ اَلْكِتَابِ: «أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ عَنِ اَلْخَلَفِ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ، وَقَلِقْتَ لِذَلِكَ، فَلَا تَغْتَمَّ، فَإِنَّ اَللهَ لَا ﴿يُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة: 115]، صَاحِبُكُمْ بَعْدِي أَبُو مُحَمَّدٍ اِبْنِي، وَعِنْدَهُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، يُقَدِّمُ اَللهُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ، ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِها﴾ [البقرة: 106]، قَدْ كَتَبْتُ بِمَا فِيهِ بَيَانٌ وَقِنَاعٌ لِذِي عَقْلٍ يَقْظَانَ»(691).
قال محمّد بن الحسن(692): ما تضمَّن الخبر المتقدِّم من قوله: «بَدَا لِله فِي مُحَمَّدٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(689) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 73/ الرقم 177): (إسحاق بن محمّد بن أحمد بن أبان بن مرار ابن عبد الله - يُعرَف عبد الله عقبة وعقاب - بن الحرث النخعي، أخو الأشتر، وهو معدن التخليط).
(690) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 387/ الرقم 5702/1) من أصحاب الهادي (عليه السلام)، وفي (ص 399/ الرقم 5853/1) من أصحاب العسكري (عليه السلام)، قائلاً: (شاهويه بن عبد الله الجلَّاب، وصالح أخوه).
(691) روى ذيله الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 328/ باب الإشارة والنصِّ على أبي محمّد (عليه السلام)/ ح 12)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 319 و320) بإسناده عن الكليني، ورواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 246) مختصراً عن علَّان الكلابي باختلاف في السند والمتن، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 135) عن محمّد بن يعقوب والإرشاد، وابن حمزة (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 548/ ح 490/8).
(692) أي المؤلِّف (رحمه الله).

(٢٣٩)

كَمَا بَدَا لَهُ فِي إِسْمَاعِيلَ»، معناه: ظهر من الله وأمره في أخيه الحسن ما زال الريب والشكَّ في إمامته، فإنَّ جماعة من الشيعة كانوا يظنُّون أنَّ الأمر في محمّد من حيث كان الأكبر، كما كان يظنُّ جماعة أنَّ الأمر في إسماعيل بن جعفر دون موسى(عليه السلام)، فلمَّا مات محمّد ظهر من أمر الله فيه، وأنَّه لم ينصبه إماماً، كما ظهر في إسماعيل مثل ذلك، لا أنَّه كان نصَّ عليه ثمّ بدا له في النصِّ على غيره، فإنَّ ذلك لا يجوز على الله تعالى العالم بالعواقب.
169 - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْعَلَوِيِّ(693)، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيَّ (عليه السلام) يَقُولُ: «اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي اَلْحَسَنُ، فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ اَلْخَلَفِ؟».
فَقُلْتُ: وَلِمَ، جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكَ؟
فَقَالَ: «لِأَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ».
فَقُلْتُ: فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ؟
فَقَالَ: «قُولُوا: اَلْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(694).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(693) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 303/ الرقم 828) في ترجمة العمركي: (روى عنه محمّد بن أحمد بن إسماعيل العلوي).
(694) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمام والتبصرة (ص 118/ ح 112)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 328/ باب الإشارة والنصِّ على أبي محمّد (عليه السلام)/ ح 13، وص 332 و333/ باب في النهي عن الاسم/ ح 1) بإسناده عن محمّد بن أحمد العلوي، والخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 360)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 245 و264) عن سعد بن عبد الله، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 381/ باب 37/ ح 5) عن ابن الوليد عن سعد، وفي (ص 648/ باب 56/ ح 4)، وفي علل الشرائع (ج 1/ ص 245/ باب 179/ ح 5) عن أبيه عن سعد، والخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 288 و289) باسناده عن سعد باختلاف يسير، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 320 و349) بإسناده عن الكليني، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 426 و427 و432) عن أبي هاشم الجعفري، وحسين بن عبد الوهَّاب (رحمه الله) في عيون المعجزات (ص 130)، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 262)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 136) نقلاً من كتاب ابن عيَّاش بإسناده عن سعد.
قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 225): (قوله: (فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف) المراد بالخلف الأوَّل الحجَّة، وبالخلف الثاني الحسن العسكري (عليهم السلام)، و(كيف) للإنكار، أي لا يكون لكم العلم بالخلف بعد الخلف بشخصه، أو بمكانه، أو لا يجوز لكم التسمية باسمه. قوله: (لا ترون شخصه) لعلَّ المراد نفي الرؤية عن جماعة، أو كلِّ ما أرادوا، أو في زمان الغيبة، أو كناية عن غيبته، وإلَّا فقد رآه جماعة...، والله أعلم. قوله: (ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه) دلَّ على أنَّه لا يجوز تسميته باسمه مطلقاً، ولا يبعد تخصيصه بالغيبة الصغرى، أو بمحلِّ الخوف والتقيَّة كما يُشعِر به بعض الروايات الآتية، وربما يُشعِر به لفظ (لكم)، ويُؤيِّده وقوع التصريح باسمه في بعض الأدعية المأثورة، والاحتياط أمر آخر).

(٢٤٠)

170 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنِ اِبْنِ أَبِي اَلصُّهْبَانِ(695)، قَالَ: لَـمَّا مَاتَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى (عليهم السلام) وُضِعَ لِأَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) كُرْسِيٌّ فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) قَائِماً فِي نَاحِيَةٍ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ غُسْلِ أَبِي جَعْفَرٍ اِلْتَفَتَ أَبُو اَلْحَسَنِ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: «يَا بُنَيَّ أَحْدِثْ لِلهِ شُكْراً، فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً»(696).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(695) قال المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 225/ الرقم 630/45): (محمّد بن أبي الصهبان، واسم أبي الصهبان عبد الجبَّار، له روايات)، وعدَّه (رحمه الله) في رجاله (ص 378/ الرقم 5612/28) من أصحاب الجواد (عليه السلام)، قائلاً: (محمّد بن عبد الجبَّار)، وفي (ص 391/ الرقم 5765/17) من أصحاب الهادي (عليه السلام)، قائلاً: (محمّد بن عبد الجبَّار، وهو ابن أبي الصهبان، قمِّي، ثقة)، وفي (ص 401/ الرقم 5887/5) من أصحاب العسكري (عليه السلام) قائلاً: (محمّد بن أبي الصهبان، قمِّي، ثقة)، وفي (ص 448/ الرقم 6366/116) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام)، قائلاً: (محمّد بن أبي الصهبان عبد الجبَّار).
(696) رواه باختلاف يسير الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 492 و493/ ج 10/ باب 1/ ح 13) بإسناده عن عليِّ بن عبد الله بن مروان الأنباري، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 326/ باب الإشارة والنصِّ على أبي محمّد (عليه السلام)/ ح 5)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 316) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 134) عن محمّد بن يعقوب.
قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 219): (قوله: (فقد أحدث فيك أمراً) حيث أمات محمّداً وقد ظنَّ الشيعة أنَّه إمام بعد أبيه فأظهر الإمامة فيك وخصَّها بك ورفع الاختلاف بينهم، وهذه نعمة عظيمة توجب الشكر).

(٢٤١)

[معجزات الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)]:
وأمَّا معجزاته الدالَّة على إمامته فأكثر من أنْ تُحصى، منها:
171 - مَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيُّ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) فَاسْتُؤْذِنَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ اَلْيَمَنِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ طَوِيلٌ جَسِيمٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْوَلَايَةِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَيْتَ شِعْرِي مَنْ هَذَا؟
فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «هَذَا مِنْ وُلْدِ اَلْأَعْرَابِيَّةِ صَاحِبَةِ اَلْحَصَاةِ اَلَّتِي طَبَعَ فِيهَا آبَائِي بِخَوَاتِيمَ فَانْطَبَعَتْ»، ثُمَّ قَالَ: «هَاتِهَا».
فَأَخْرَجَ حَصَاةً، وَفِي جَانِبٍ مِنْهَا مَوْضِعٌ أَمْلَسُ(697)، فَطَبَعَ فِيهَا فَانْطَبَعَ، وَكَأَنِّي أَقْرَأُ نَقْشَ خَاتَمِهِ اَلسَّاعَةَ: (اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ).
ثُمَّ نَهَضَ اَلرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: رَحْمَةُ اَلله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ اَلْبَيْتِ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، أَشْهَدُ أَنَّ حَقَّكَ اَلْحَقُّ اَلْوَاجِبُ كَوُجُوبِ حَقِّ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ وَاَلْأَئِمَّةِ (عليهم السلام)، وَإِلَيْكَ اِنْتَهَتِ اَلْحِكْمَةُ وَاَلْوَلَايَةُ، وَأَنَّكَ وَلِيُّ اَلله اَلَّذِي لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي اَلْجَهْلِ بِكَ.
فَسَأَلْتُهُ عَنِ اِسْمِهِ، فَقَالَ: اِسْمِي مِهْجَعُ بْنُ اَلصَّلْتِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ سِمْعَانَ بْنِ غَانِمِ اِبْنِ أُمِّ غَانِمٍ، وَهِيَ الْأَعْرَابِيَّةُ اَلْيَمَانِيَّةُ صَاحِبَةُ اَلْحَصَاةِ اَلَّتِي خَتَمَ فِيهَا أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)... تَمَامَ اَلْحَدِيثِ(698).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(697) أي موضع ليس بها شيء.
(698) رواه باختلاف الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 347/ باب ما يفصل بين دعوى المحقِّ والمبطل في أمر الإمامة/ ح 4)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 248) بإسناده عن أبي هاشم الجعفري مختصراً باختلاف، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 138 و139) عن ابن عيَّاش بسنده عن سعد، وابن حمزة الطوسي (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 561 و562/ ح 500/1) عن أبي هاشم كما في الكافي، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 428/ ح 7) عن أبي هاشم الجعفري، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 540).
وقد تقدَّمت الإشارة إلى هذه القصَّة في (ح 83).

(٢٤٢)

172 - وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ اَلصَّيْمَرِيُّ(699)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي أَحْمَدَ عُبَيْدِ اَلله بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ طَاهِرٍ وَ بَيْنَ يَدَيْهِ رُقْعَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فِيهَا: «إِنِّي نَازَلْتُ اَللهَ(700) فِي هَذَا اَلطَّاغِي - يَعْنِي اَلمُسْتَعِينَ -، وَهُوَ آخِذُهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ»، فَلَمَّا كَانَ اَلْيَوْمُ اَلثَّالِثُ خُلِعَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى أَنْ قُتِلَ(701).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(699) كذا في إثبات الوصيَّة، قائلاً: (صهر جعفر بن محمود الوزير على ابنة أُمِّ أحمد، وكان رجلاً من وجوه الشيعة وثقاتهم ومقدَّماً في الكتابة والأدب والعلم والمعرفة).
وقد عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 389/ الرقم 5729/24) من أصحاب الهادي (عليه السلام)، قائلاً: (عليُّ بن محمّد بن زياد الصيمري)، وفي (ص 400/ الرقم 5858/3) من أصحاب العسكري (عليه السلام)، قائلاً: (عليُّ بن محمّد الصيمري).
وذكره البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 58 و61) من أصحاب الهادي والعسكري (عليهما السلام) بمثل ما ذكره المؤلِّف (رحمه الله).
وفي بعض النُّسَخ: (عمر بن محمّد بن ريَّان الصيمري)، وفي بعضها: (عمر بن محمّد بن زياد الصيمري).
(700) قال ابن الأثير في النهاية (ج 5/ ص 43): (نازلت ربِّي في كذا، أي راجعته، وسألته مرَّة بعد مرَّة. وهو مفاعلة من النزول عن الأمر، أو من النزال في الحرب، وهو تقابل القرنين).
(701) رواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 248) عن محمّد بن عمر الكاتب عن عليِّ بن محمّد بن زياد الصيمري باختلاف في آخره، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 428/ ح 393/10)، وفي نوادر المعجزات (ص 192/ ح 4) باختلاف، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 429 و430/ ح 8) عن عليِّ بن محمّد بن زياد الصيمري، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 530)، وابن طاوس (رحمه الله) في مهج الدعوات (ص 273 و274) عن الصيمري.

(٢٤٣)

173 - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مَحْبُوساً مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) فِي حَبْسِ اَلمُهْتَدِي بْنِ اَلْوَاثِقِ، فَقَالَ لِي: «يَا بَا هَاشِمٍ، إِنَّ هَذَا اَلطَّاغِيَ أَرَادَ أَنْ يَعْبَثَ(702) بِاللهِ فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ، وَقَدْ بَتَرَ اَللهُ عُمُرَهُ وَجَعَلَهُ لِلْقَائِمِ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي وَلَدٌ، وَسَأُرْزَقُ وَلَداً».
قَالَ أَبُو هَاشِمٍ: فَلَمَّا أَصْبَحْنَا شُغِبَ(703) اَلْأَتْرَاكُ عَلَى اَلمُهْتَدِي فَقَتَلُوهُ، وَوَلِيَ اَلمُعْتَمِدُ مَكَانَهُ، وَسَلَّمَنَا اَللهُ تَعَالَى(704).
174 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ رَزِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو اَلْحَسَنِ اَلمُوسَوِيُّ اَلْخَيْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ يَغْشَى أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) بِسُرَّ مَنْ رَأَى كَثِيراً، وَأَنَّهُ أَتَاهُ يَوْماً فَوَجَدَهُ وَقَدْ قُدِّمَتْ إِلَيْهِ دَابَّتُهُ لِيَرْكَبَ إِلَى دَارِ اَلسُّلْطَانِ، وَهُوَ مُتَغَيِّرُ اَللَّوْنِ مِنَ اَلْغَضَبِ، وَكَانَ يَجِيئُهُ رَجُلٌ مِنَ اَلْعَامَّةِ، فَإِذَا رَكِبَ دَعَا لَهُ وَجَاءَ بِأَشْيَاءَ يُشَيِّعُ بِهَا عَلَيْهِ، فَكَانَ (عليه السلام) يَكْرَهُ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ اَلْيَوْمُ زَادَ اَلرَّجُلُ فِي اَلْكَلَامِ وَأَلَحَّ، فَسَارَ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى مَفْرَقِ اَلطَّرِيقَيْنِ، وَضَاقَ عَلَى اَلرَّجُلِ أَحَدُهُمَا مِنَ اَلدَّوَابِّ، فَعَدَلَ إِلَى طَرِيقٍ يَخْرُجُ مِنْهُ وَيَلْقَاهُ فِيهِ، فَدَعَا (عليه السلام) بِبَعْضِ خَدَمِهِ وَقَالَ لَهُ: «اِمْضِ فَكَفِّنْ هَذَا»، فَتَبِعَهُ اَلْخَادِمُ، فَلَمَّا اِنْتَهَى (عليه السلام) إِلَى اَلسُّوقِ وَنَحْنُ مَعَهُ، خَرَجَ اَلرَّجُلُ مِنَ اَلدَّرْبِ لِيُعَارِضَهُ، وَكَانَ فِي اَلمَوْضِعِ بَغْلٌ وَاقِفٌ، فَضَرَبَهُ اَلْبَغْلُ فَقَتَلَهُ، وَوَقَفَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(702) في بعض النُّسَخ: (يتعبَّث).
(703) في العين للفراهيدي (ج 4/ ص 361/ مادَّة شغب): (الشغب: تهييج الشرِّ).
(704) رواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 252 و253) عن سعد باختلاف مع زيادة في آخره، والرواندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 431/ ح 9)، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 530) مختصراً، وابن طاوس (رحمه الله) في مهج الدعوات (ص 274 و275) باختلاف.
ويأتي في (ح 187) أيضاً.

(٢٤٤)

اَلْغُلَامُ فَكَفَّنَهُ كَمَا أَمَرَهُ، وَسَارَ (عليه السلام) وَسِرْنَا مَعَهُ(705).
175 - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَاسِمٍ اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: «إِذَا قَامَ اَلْقَائِمُ يَهْدِمُ اَلمَنَارَ(706) وَاَلمَقَاصِيرَ اَلَّتِي فِي اَلمَسَاجِدِ».
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لِأَيِّ مَعْنَى هَذَا؟
فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «مَعْنَى هَذَا أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ مُبْتَدَعَةٌ لَمْ يَبْنِهَا نَبِيٌّ وَلَا حُجَّةٌ»(707).
176 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «مِنَ اَلذُّنُوبِ اَلَّتِي لَا تُغْفَرُ قَوْلُ اَلرَّجُلِ: لَيْتَنِي لَا أُؤَاخَذُ إِلَّا بِهَذَا».
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنَّ هَذَا لَهُوَ اَلدَّقِيقُ، يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَفَقَّدَ مِنْ أَمْرِهِ وَمِنْ نَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ.
فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: «يَا أَبَا هَاشِمٍ، صَدَقْتَ فَالْزَمْ مَا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسُكَ، فَإِنَّ اَلْإِشْرَاكَ فِي اَلنَّاسِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ اَلذَّرِّ عَلَى اَلصَّفَا فِي اَللَّيْلَةِ اَلظَّلْمَاءِ، وَمِنْ دَبِيبِ اَلذَّرِّ عَلَى اَلْمِسْحِ(708) اَلْأَسْوَدِ»(709).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(705) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 783 و784/ ح 109)، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 530 و531) مختصراً.
(706) في بعض النُّسَخ: (أمر بهدم المنار).
(707) رواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 253) عن سعد باختلاف في أوَّله، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 142) نقلاً من كتاب ابن عيَّاش بإسناده عن أبي هاشم الجعفري، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 453/ ح 38) باختلاف يسير، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 536) عن أبي هاشم باختلاف.
(708) في حاشية بعض النُّسَخ: (المِسح - بكسر الميم -: البلاس، وهو البساط من شعر يُقعَد عليه).
(709) رواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 249 و250) عن الحميري عن أبي هاشم، الصدوق (رحمه الله) في الخصال (ص 24/ ح 83) بإسناده عن الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) صدره، والطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 143) نقلاً من كتاب ابن عيَّاش بإسناده عن أبي هاشم الجعفري، وابن حمزة الطوسي (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 567 و568/ ح 509/9) عن أبي هاشم الجعفري باختلاف يسير، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 688/ ح 11)، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 538)، والشيخ ورَّام (رحمه الله) في تنبيه الخواطر (ج 2/ ص 326)، والمشغري (رحمه الله) في الدُّرِّ النظيم (ص 745).

(٢٤٥)

177 - سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ(710)، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْهَيْثَمِ بْنُ سَيَابَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ - لَـمَّا أَمَرَ اَلمُعْتَزُّ بِدَفْعِهِ إِلَى سَعِيدٍ اَلْحَاجِبِ عِنْدَ مُضِيِّهِ إِلَى اَلْكُوفَةِ وَأَنْ يُحَدِّثَ فِيهِ مَا يُحَدِّثُ بِهِ اَلنَّاسَ بِقَصْرِ اِبْنِ هُبَيْرَةَ -: جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكَ، بَلَغَنَا خَبَرٌ قَدْ أَقْلَقَنَا وَأَبْلَغَ مِنَّا، فَكَتَبَ (عليه السلام) إِلَيْهِ: «بَعْدَ ثَالِثٍ يَأْتِيكُمُ اَلْفَرَجُ»، فَخُلِعَ اَلمُعْتَزُّ اَلْيَوْمَ اَلثَّالِثَ.
178 - أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلمُفَضَّلِ اَلشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَحْرِ بْنِ سَهْلٍ اَلشَّيْبَانِيِّ اَلرُّهْنِي(711)، قَالَ: قَالَ بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ اَلنَّخَّاسُ - وَهُوَ مِنْ وُلْدِ أَبِي أَيُّوبَ اَلْأَنْصَارِيِّ أَحَدُ مَوَالِي أَبِي اَلْحَسَنِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) وَجَارُهُمَا بِسُرَّ مَنْ رَأَى -: أَتَانِي كَافُورٌ اَلْخَادِمُ(712)، فَقَالَ: مَوْلَانَا أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْعَسْكَرِيُّ (عليهما السلام) يَدْعُوكَ إِلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لِي: «يَا بِشْرُ، إِنَّكَ مِنْ وُلْدِ اَلْأَنْصَارِ، وَهَذِهِ اَلمُوَالَاةُ لَمْ تَزَلْ فِيكُمْ يَرِثُهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ، وَأَنْتُمْ ثِقَاتُنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ، وَإِنِّي مُزَكِّيكَ وَمُشَرِّفُكَ بِفَضِيلَةٍ تَسْبِقُ بِهَا اَلشِّيعَةَ فِي اَلمُوَالَاةِ بِهَا بِسِرٍّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(710) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 83/ الرقم 200): (أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد الصيقل، أبو جعفر، كوفي، ثقة، من أصحابنا، جدُّه عمر بن يزيد بيَّاع السابري، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)).
(711) في بعض النُّسَخ: (الدهني).
(712) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 390/ الرقم 5746/1) من أصحاب الهادي (عليه السلام)، قائلاً: (كافور الخادم، ثقة).

(٢٤٦)

أُطْلِعُكَ عَلَيْهِ، وَأُنْفِذُكَ فِي اِبْتِيَاعِ أَمَةٍ»، فَكَتَبَ كِتَاباً لَطِيفاً بِخَطٍّ رُومِيٍّ وَلُغَةٍ رُومِيَّةٍ، وَطَبَعَ عَلَيْهِ خَاتَمَهُ، وَأَخْرَجَ شَقِيقَةً(713) صَفْرَاءَ فِيهَا مِائَتَانِ وَعِشْرُونَ دِينَاراً، فَقَالَ: «خُذْهَا وَتَوَجَّهْ بِهَا إِلَى بَغْدَادَ، وَاحْضُرْ مَعْبَرَ اَلْفُرَاتِ ضَحْوَةَ يَوْمِ كَذَا، فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى جَانِبِكَ زَوَارِيقُ اَلسَّبَايَا، وَتَرَى اَلْجَوَارِيَ فِيهَا، سَتَجِدُ طَوَائِفَ اَلمُبْتَاعِينَ مِنْ وُكَلَاءِ قُوَّادِ بَنِي اَلْعَبَّاسِ وَشِرْذِمَةً مِنْ فِتْيَانِ اَلْعَرَبِ، فَإِذَا رَأَيْتَ ذَلِكَ فَأَشْرِفْ مِنَ اَلْبُعْدِ عَلَى اَلمُسَمَّى عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ اَلنَّخَّاسَ عَامَّةَ نَهَارِكَ إِلَى أَنْ تُبْرَزَ لِلْمُبْتَاعِينَ جَارِيَةٌ صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا، لَابِسَةٌ حَرِيرَيْنِ صَفِيقَيْنِ(714)، تَمْتَنِعُ مِنَ اَلْعَرْضِ وَلَمسِ اَلمُعْتَرِضِ وَاَلْاِنْقِيَادِ لِمَنْ يُحَاوِلُ لَمسَهَا، وَتَسْمَعُ صَرْخَةً رُومِيَّةً مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ رَقِيقٍ، فَاعْلَمْ أَنَّهَا تَقُولُ: وَا هَتْكَ سِتْرَاهْ، فَيَقُولُ بَعْضُ اَلمُبْتَاعِينَ: عَلَيَّ ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ، فَقَدْ زَادَنِي اَلْعَفَافُ فِيهَا رَغْبَةً، فَتَقُولُ لَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: لَوْ بَرَزْتَ فِي زِيِّ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ وَعَلَى شِبْهِ مُلْكِهِ مَا بَدَتْ لِي فِيكَ رَغْبَةٌ، فَأَشْفِقْ عَلَى مَالِكَ، فَيَقُولُ اَلنَّخَّاسُ: فَمَا اَلْحِيلَةُ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعِكِ، فَتَقُولُ اَلْجَارِيَةُ: وَمَا اَلْعَجَلَةُ؟ وَلَا بُدَّ مِنِ اِخْتِيَارِ مُبْتَاعٍ يَسْكُنُ قَلْبِي إِلَيْهِ وَإِلَى وَفَائِهِ وَأَمَانَتِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قُمْ إِلَى عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ اَلنَّخَّاسِ(715)، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ مَعَكَ كِتَاباً مُلْصَقاً(716) لِبَعْضِ اَلْأَشْرَافِ كَتَبَهُ بِلُغَةٍ رُومِيَّةٍ وَخَطٍّ رُومِيٍّ وَوَصَفَ فِيهِ كَرَمَهُ وَوَفَاءَهُ وَنُبْلَهُ وَسَخَاءَهُ، فَنَاوِلْهَا لِتَتَأَمَّلَ مِنْهُ أَخْلَاقَ صَاحِبِهِ، فَإِنْ مَالَتْ إِلَيْهِ وَرَضِيَتْهُ فَأَنَا وَكِيلُهُ فِي اِبْتِيَاعِهَا مِنْكَ».
قَالَ بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: فَامْتَثَلْتُ جَمِيعَ مَا حَدَّهُ لِي مَوْلَايَ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام) فِي أَمْرِ اَلْجَارِيَةِ، فَلَمَّا نَظَرَتْ فِي اَلْكِتَابِ بَكَتْ بُكَاءً شَدِيداً، وَقَالَتْ لِعُمَرَ(717) بْنِ يَزِيدَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(713) الشقيقة تصغير شقَّة، وهو بالكسر والضمِّ، وهو ما شُقَّ من ثوب ونحوه.
(714) الصفيق من الثوب ما كثف نسجه.
(715) في بعض النُّسَخ: (عمرو بن يزيد النخَّاس).
(716) في بعض النُّسَخ: (ملطفة).
(717) في بعض النُّسَخ: (عمرو بن يزيد).

(٢٤٧)

بِعْنِي مِنْ صَاحِبِ هَذَا اَلْكِتَابِ، وَحَلَفَتْ بِالمُحَرَّجَةِ وَاَلمُغَلَّظَةِ(718) أَنَّهُ مَتَى اِمْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا مِنْهُ قَتَلَتْ نَفْسَهَا، فَمَا زِلْتُ أُشَاحُّهُ فِي ثَمَنِهَا حَتَّى اِسْتَقَرَّ اَلْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مِقْدَارِ مَا كَانَ أَصْحَبَنِيهِ مَوْلَايَ (عليه السلام) مِنَ اَلدَّنَانِيرِ، فَاسْتَوْفَاهُ مِنِّي، وَتَسَلَّمْتُ اَلْجَارِيَةَ ضَاحِكَةً مُسْتَبْشِرَةً، وَاِنْصَرَفْتُ بِهَا إِلَى اَلْحُجَيْرَةِ اَلَّتِي كُنْتُ آوِي إِلَيْهَا بِبَغْدَادَ، فَمَا أَخَذَهَا اَلْقَرَارُ حَتَّى أَخْرَجَتْ كِتَابَ مَوْلَانَا (عليه السلام) مِنْ جَيْبِهَا وَهِيَ تَلْثِمُهُ وَتُطْبِقُهُ عَلَى جَفْنِهَا وَتَضَعُهُ عَلَى خَدِّهَا وَتَمْسَحُهُ عَلَى بَدَنِهَا(719).
فَقُلْتُ تَعَجُّباً مِنْهَا: تَلْثِمِينَ كِتَاباً لَا تَعْرِفِينَ صَاحِبَهُ.
فَقَالَتْ: أَيُّهَا اَلْعَاجِزُ اَلضَّعِيفُ اَلمَعْرِفَةِ بِمَحَلِّ أَوْلَادِ اَلْأَنْبِيَاءِ، أَعِرْنِي(720) سَمْعَكَ وَفَرِّغْ لِي قَلْبَكَ، أَنَا مَلَيْكَةُ بِنْتُ يَشُوعَا بْنِ قَيْصَرَ مَلِكِ اَلرُّومِ، وَأُمِّي مِنْ وُلْدِ اَلْحَوَارِيِّينَ تُنْسَبُ إِلَى وَصِيِّ اَلمَسِيحِ شَمْعُونَ، أُنَبِّئُكَ بِالْعَجَبِ.
إِنَّ جَدِّي قَيْصَرَ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَنِي مِنِ اِبْنِ أَخِيهِ وَأَنَا مِنْ بَنَاتِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَجَمَعَ فِي قَصْرِهِ مِنْ نَسْلِ اَلْحَوَارِيِّينَ مِنَ اَلْقِسِّيسِينَ وَاَلرُّهْبَانِ ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ، وَمِنْ ذَوِي اَلْأَخْطَارِ مِنْهُمْ سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ، وَجَمَعَ مِنْ أُمَرَاءِ اَلْأَجْنَادِ وَقُوَّادِ اَلْعَسْكَرِ وَنُقَبَاءِ اَلْجُيُوشِ وَمُلُوكِ اَلْعَشَائِرِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَأَبْرَزَ مِنْ بَهِيِّ مُلْكِهِ عَرْشاً مَصْنُوعاً(721) مِنْ أَصْنَافِ اَلْجَوْهَرِ إِلَى صَحْنِ اَلْقَصْرِ، وَرَفَعَهُ(722) فَوْقَ أَرْبَعِينَ مِرْقَاةً، فَلَمَّا صَعِدَ اِبْنُ أَخِيهِ، وَأَحْدَقَتِ اَلصُّلُبُ(723)، وَقَامَتِ اَلْأَسَاقِفَةُ عُكَّفاً، وَنُشِرَتْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(718) في هامش بحار الأنوار (ج 51/ ص 7): (المغلَّظة: المؤكَّدة من اليمين، والمحرَّجة: اليمين التي تُضيِّق مجال الحالف بحيث لا يبقى له مندوحة عن برِّ قسمه).
(719) في بعض النُّسَخ: (يديها).
(720) من الإعارة، أي أعطيني سمعك عاريةً.
(721) في بعض النُّسَخ: (مصاغاً).
(722) في بعض النُّسَخ: (فرفعه).
(723) في بعض النُّسَخ: (بالصُّلَب).

(٢٤٨)

أَسْفَارُ اَلْإِنْجِيلِ، تَسَافَلَتِ اَلصُّلُبُ مِنَ اَلْأَعْلَى فَلَصِقَتْ بِالْأَرْضِ، وَتَقَوَّضَتْ أَعْمِدَةُ اَلْعَرْشِ، فَانْهَارَتْ إِلَى اَلْقَرَارِ، وَخَرَّ اَلصَّاعِدُ مِنَ اَلْعَرْشِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَتَغَيَّرَتْ أَلْوَانُ اَلْأَسَاقِفَةِ، وَاِرْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُمْ، فَقَالَ كَبِيرُهُمْ لِجَدِّي: أَيُّهَا اَلمَلِكُ أَعْفِنَا مِنْ مُلَاقَاةِ هَذِهِ اَلنُّحُوسِ اَلدَّالَّةِ عَلَى زَوَالِ دَوْلَةِ هَذَا اَلدِّينِ اَلمَسِيحِيِّ وَاَلمَذْهَبِ اَلمَلِكَانِيِّ، فَتَطَيَّرَ جَدِّي مِنْ ذَلِكَ تَطَيُّراً شَدِيداً، وَقَالَ لِلْأَسَاقِفَةِ: أَقِيمُوا هَذِهِ اَلْأَعْمِدَةَ وَاِرْفَعُوا اَلصُّلْبَانَ وَأَحْضِرُوا أَخَا هَذَا اَلمُدْبِرِ اَلْعَاثِرِ(724) اَلمَنْكُوسِ جَدُّهُ لِأُزَوِّجَهُ هَذِهِ اَلصَّبِيَّةَ، فَيُدْفَعَ(725) نُحُوسُهُ عَنْكُمْ بِسُعُودِهِ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ حَدَثَ عَلَى اَلثَّانِي مِثْلُ مَا حَدَثَ عَلَى اَلْأَوَّلِ، وَتَفَرَّقَ اَلنَّاسُ، وَقَامَ جَدِّي قَيْصَرُ مُغْتَمًّا، فَدَخَلَ مَنْزِلَ اَلنِّسَاءِ، وَأُرْخِيَتِ اَلسُّتُورُ، وَأُرِيتُ فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةِ كَأَنَّ اَلمَسِيحَ وَشَمْعُونَ وَعِدَّةً مِنَ اَلْحَوَارِيِّينَ قَدِ اِجْتَمَعُوا فِي قَصْرِ جَدِّي، وَنَصَبُوا فِيهِ مِنْبَراً مِنْ نُورٍ يُبَارِي اَلسَّمَاءَ عُلُوًّا وَاِرْتِفَاعاً فِي اَلمَوْضِعِ اَلَّذِي كَانَ نَصَبَ جَدِّي فِيهِ عَرْشَهُ، وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَخَتَنُهُ وَوَصِيُّهُ (عليه السلام) وَعِدَّةٌ مِنْ أَبْنَائِهِ (عليهم السلام).
فَتَقَدَّمَ اَلمَسِيحُ إِلَيْهِ فَاعْتَنَقَهُ، فَيَقُولُ لَهُ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَا رُوحَ اَلله، إِنِّي جِئْتُكَ خَاطِباً مِنْ وَصِيِّكَ شَمْعُونَ فَتَاتَهُ مُلَيْكَةَ لاِبْنِي هَذَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ(عليه السلام) اِبْنِ صَاحِبِ هَذَا اَلْكِتَابِ -»، فَنَظَرَ اَلمَسِيحُ إِلَى شَمْعُونَ وَقَالَ لَهُ: قَدْ أَتَاكَ اَلشَّرَفُ، فَصِلْ رَحِمَكَ رَحِمَ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَصَعِدَ ذَلِكَ اَلْمِنْبَرَ، فَخَطَبَ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَزَوَّجَنِي مِنِ اِبْنِهِ، وَشَهِدَ اَلمَسِيحُ (عليه السلام)، وَشَهِدَ أَبْنَاءُ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) وَاَلْحَوَارِيُّونَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(724) في بعض النُّسَخ: (العاهر)، وقال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (ج 4/ ص 228): (العين والثاء والراء أصلان صحيحان يدلُّ أحدهما على الاطِّلاع على الشيء والآخر على الإثارة للغبار، فالأوَّل عثر يعثر عثوراً، وعثر الفرس يعثر عثاراً، وذلك إذا سقط لوجهه).
(725) في بعض النُّسَخ: (فيرفع).

(٢٤٩)

فَلَمَّا اِسْتَيْقَظْتُ أَشْفَقْتُ أَنْ أَقُصَّ هَذِهِ اَلرُّؤْيَا عَلَى أَبِي وَجَدِّي مَخَافَةَ اَلْقَتْلِ، فَكُنْتُ أُسِرُّهَا وَلَا أُبْدِيهَا لَهُمْ، وَضَرَبَ صَدْرِي بِمَحَبَّةِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) حَتَّى اِمْتَنَعْتُ مِنَ اَلطَّعَامِ وَاَلشَّرَابِ، فَضَعُفَتْ نَفْسِي، وَدَقَّ(726) شَخْصِي، وَمَرِضْتُ مَرَضاً شَدِيداً، فَمَا بَقِيَ فِي مَدَائِنِ اَلرُّومِ طَبِيبٌ إِلَّا أَحْضَرَهُ جَدِّي، وَسَأَلَهُ عَنْ دَوَائِي، فَلَمَّا بَرِحَ بِهِ اَلْيَأْسُ قَالَ: يَا قُرَّةَ عَيْنِي، وَهَلْ يَخْطُرُ بِبَالِكِ شَهْوَةٌ فَأُزَوِّدَكِهَا فِي هَذِهِ اَلدُّنْيَا؟ فَقُلْتُ: يَا جَدِّي، أَرَى أَبْوَابَ اَلْفَرَجِ عَلَيَّ مُغْلَقَةً، فَلَوْ كَشَفْتَ اَلْعَذَابَ عَمَّنْ فِي سِجْنِكَ مِنْ أُسَارَى اَلمُسْلِمِينَ، وَفَكَكْتَ عَنْهُمُ اَلْأَغْلَالَ، وَتَصَدَّقْتَ عَلَيْهِمْ، وَمَنَّيْتَهُمُ اَلْخَلَاصَ، رَجَوْتُ أَنْ يَهَبَ لِيَ اَلمَسِيحُ وَأُمُّهُ عَافِيَةً.
فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ تَجَلَّدْتُ فِي إِظْهَارِ اَلصِّحَّةِ مِنْ بَدَنِي قَلِيلاً، وَتَنَاوَلْتُ يَسِيراً مِنَ اَلطَّعَامِ، فَسَّرَ بِذَلِكَ، وَأَقْبَلَ عَلَى إِكْرَامِ اَلْأُسَارَى وَإِعْزَازِهِمْ، فَأُرِيتُ أَيْضاً بَعْدَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً كَأَنَّ سَيِّدَةَ نِسَاءِ اَلْعَالَمِينَ فَاطِمَةَ (عليها السلام) قَدْ زَارَتْنِي وَمَعَهَا مَرْيَمُ اِبْنَةُ عِمْرَانَ وَأَلْفٌ مِنْ وَصَائِفِ اَلْجِنَانِ، فَتَقُولُ لِي مَرْيَمُ: هَذِهِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ اَلْعَالَمِينَ أُمُّ زَوْجِكِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَأَتَعَلَّقُ بِهَا وَأَبْكِي وَأَشْكُو إِلَيْهَا اِمْتِنَاعَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مِنْ زِيَارَتِي.
فَقَالَتْ سَيِّدَةُ اَلنِّسَاءِ (عليها السلام): «إِنَّ اِبْنِي أَبَا مُحَمَّدٍ لَا يَزُورُكِ وَأَنْتِ مُشْرِكَةٌ بِاللهِ عَلَى مَذْهَبِ اَلنَّصَارَى، وَ هَذِهِ أُخْتِي مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ تَبْرَأُ إِلَى اَلله تَعَالَى مِنْ دِينِكِ، فَإِنْ مِلْتِ إِلَى رِضَى اَلله وَرِضَى اَلمَسِيحِ وَمَرْيَمَ (عليهما السلام) وَزِيَارَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ إِيَّاكِ، فَقُولِي: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ، وَأَنَّ أَبِي مُحَمَّداً رَسُولُ اَلله»، فَلَمَّا تَكَلَّمْتُ بِهَذِهِ اَلْكَلِمَةِ ضَمَّتْنِي إِلَى صَدْرِهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ اَلْعَالَمِينَ (عليها السلام)، وَطَيَّبَتْ نَفْسِي، وَقَالَتْ: «اَلْآنَ تَوَقَّعِي زِيَارَةَ أَبِي مُحَمَّدٍ، فَإِنِّي مُنْفِذَتُهُ إِلَيْكِ»، فَانْتَبَهْتُ وَأَنَا أَنُولُ(727) وَأَتَوَقَّعُ لِقَاءَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(726) في بعض النُّسَخ: (ورقَّ).
(727) في لسان العرب (ج 11/ ص 684/ مادَّة نول): (نالت المرأة بالحديث أو الحاجة نوالاً: سمحت أو همَّت). وفي بعض النُّسَخ: (أقول)، وما أثبتناه من بحار الأنوار (ج 51/ ص 9).

(٢٥٠)

فَلَمَّا كَانَ فِي اَللَّيْلَةِ اَلْقَابِلَةِ رَأَيْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، وَكَأَنِّي أَقُولُ لَهُ: جَفَوْتَنِي يَا حَبِيبِي بَعْدَ أَنْ أَتْلَفَتْ نَفْسِي مُعَالَجَةُ حُبِّكَ، فَقَالَ: «مَا كَانَ تَأَخُّرِي عَنْكِ إِلَّا لِشِرْكِكِ، فَقَدْ أَسْلَمْتِ، وَأَنَا زَائِرُكِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إِلَى أَنْ يَجْمَعَ اَللهُ تَعَالَى شَمْلَنَا فِي اَلْعَيَانِ»، فَمَا قَطَعَ عَنِّي زِيَارَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى هَذِهِ اَلْغَايَةِ.
قَالَ بِشْرٌ: فَقُلْتُ لَهَا: وَكَيْفَ وَقَعْتِ فِي اَلْأُسَارَى؟
فَقَالَتْ: أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) لَيْلَةً مِنَ اَللَّيَالِي أَنَّ جَدَّكِ سَيُسَيِّرُ جَيْشاً إِلَى قِتَالِ اَلمُسْلِمِينَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ يَتْبَعُهُمْ، فَعَلَيْكِ بِاللِّحَاقِ بِهِمْ مُتَنَكِّرَةً فِي زِيِّ اَلْخَدَمِ مَعَ عِدَّةٍ مِنَ اَلْوَصَائِفِ مِنْ طَرِيقِ كَذَا، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَوَقَعَتْ عَلَيْنَا طَلَايِعُ اَلمُسْلِمِينَ حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا رَأَيْتَ وَشَاهَدْتَ، وَمَا شَعَرَ بِأَنِّي اِبْنَةُ مَلِكِ اَلرُّومِ إِلَى هَذِهِ اَلْغَايَةِ أَحَدٌ سِوَاكَ، وَذَلِكَ بِإِطْلَاعِي إِيَّاكَ عَلَيْهِ، وَلَقَدْ سَأَلَنِي اَلشَّيْخُ اَلَّذِي وَقَعْتُ إِلَيْهِ فِي سَهْمِ اَلْغَنِيمَةِ عَنِ اِسْمِي، فَأَنْكَرْتُهُ وَقُلْتُ: نَرْجِسُ، فَقَالَ: اِسْمُ اَلْجَوَارِي.
قُلْتُ: اَلْعَجَبُ أَنَّكِ رُومِيَّةٌ وَلِسَانُكِ عَرَبِيٌّ.
قَالَتْ: نَعَمْ مِنْ وُلُوعِ جَدِّي وَحَمْلِهِ إِيَّايَ عَلَى تَعَلُّمِ اَلْآدَابِ أَنْ أَوْعَزَ(728) إِلَيَّ اِمْرَأَةً تَرْجُمَانَةً لِي(729) فِي اَلْاِخْتِلَافِ إِلَيَّ، وَكَانَتْ تَقْصُدُنِي صَبَاحاً وَمَسَاءً، وَتُفِيدُنِي اَلْعَرَبِيَّةَ حَتَّى اِسْتَمَرَّ لِسَانِي عَلَيْهَا وَاِسْتَقَامَ.
قَالَ بِشْرٌ: فَلَمَّا اِنْكَفَأْتُ(730) بِهَا إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى دَخَلَتْ عَلَى مَوْلَايَ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، فَقَالَ: «كَيْفَ أَرَاكِ اَللهُ عِزَّ اَلْإِسْلَامِ وَذُلَّ اَلنَّصْرَانِيَّةِ وَشَرَفَ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ (عليهم السلام)؟»، قَالَتْ: كَيْفَ أَصِفُ لَكَ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(728) أوعز إليه في كذا، أي تقدَّم.
(729) في بعض النُّسَخ: (له).
(730) انكفأت: أي رجعت.

(٢٥١)

مِنِّي؟ قَالَ: «فَإِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكِ، فَمَا أَحَبُّ إِلَيْكِ، عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ أَمْ بُشْرَى لَكِ بِشَرَفِ اَلْأَبَدِ؟»، قَالَتْ: بُشْرَى بِوَلَدٍ لِي، قَالَ لَهَا: «أَبْشِرِي بِوَلَدٍ يَمْلِكُ اَلدُّنْيَا شَرْقاً وَغَرْباً، وَيَمْلَأُ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، قَالَتْ: مِمَّنْ؟ قَالَ: «مِمَّنْ خَطَبَكِ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لَهُ لَيْلَةَ كَذَا فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا بِالرُّومِيَّةِ؟»، قَالَتْ: مِنَ اَلمَسِيحِ وَوَصِيِّهِ، قَالَ لَهَا: «مِمَّنْ زَوَّجَكِ اَلمَسِيحُ (عليه السلام) وَوَصِيُّهُ؟»، قَالَتْ: مِنِ اِبْنِكَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: «هَلْ تَعْرِفِينَهُ؟»، قَالَتْ: وَهَلْ خَلَتْ لَيْلَةٌ لَمْ يَرَنِي فِيهَا مُنْذُ اَللَّيْلَةِ اَلَّتِي أَسْلَمْتُ عَلَى يَدِ سَيِّدَةِ اَلنِّسَاءِ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهَا)؟
قَالَ: فَقَالَ مَوْلَانَا: «يَا كَافُورُ، اُدْعُ أُخْتِي حَكِيمَةَ»، فَلَمَّا دَخَلَتْ قَالَ لَهَا: «هَا هِيَهْ»، فَاعْتَنَقَتْهَا طَوِيلاً، وَسُرَّتْ بِهَا كَثِيراً، فَقَالَ لَهَا أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام): «يَا بِنْتَ رَسُولِ اَلله، خُذِيهَا إِلَى مَنْزِلِكِ وَعَلِّمِيهَا اَلْفَرَائِضَ وَاَلسُّنَنَ، فَإِنَّهَا زَوْجَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَأُمُّ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)»(731).
179 - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ مُوسَى اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ (رحمه الله)، قَالَ: كُنْتُ فِي دِهْلِيزِ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ (رحمه الله) عَلَى دَكَّةٍ إِذْ مَرَّ بِنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ دُرَّاعَةٌ، فَسَلَّمَ عَلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ هَمَّامٍ، فَرَدَّ عَلَيْهِ اَلسَّلَامَ وَمَضَى.
فَقَالَ لِي: أَتَدْرِي مَنْ هُوَ هَذَا؟
فَقُلْتُ: لَا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(731) رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 417 - 423/ باب 41/ ح 1) بإسناده عن أبي الحسين محمّد بن بحر الشيباني باختلاف، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 489 - 496/ ح 488/92) عن أبي المفضَّل باختلاف، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 252 - 255) عن بشر بن سليمان، وابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 538 - 540) عن بشر بن سليمان النخَّاس مختصراً.

(٢٥٢)

فَقَالَ: هَذَا شَاكِرِيٌّ(732) لِسَيِّدِنَا أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، أَفَتَشْتَهِي أَنْ تَسْمَعَ مِنْ أَحَادِيثِهِ عَنْهُ شَيْئاً؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ لِي: مَعَكَ شَيْءٌ تُعْطِيهِ؟
فَقُلْتُ لَهُ: مَعِي دِرْهَمَانِ صَحِيحَانِ.
فَقَالَ: هُمَا يَكْفِيَانِهِ.
فَمَضَيْتُ خَلْفَهُ فَلَحِقْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَبُو عَلِيٍّ يَقُولُ لَكَ تَنْشَطُ لِلْمَصِيرِ(733) إِلَيْنَا؟
فَقَالَ: نَعَمْ.
فَجِئْنَا إِلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ هَمَّامٍ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَغَمَزَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَنْ أُسَلِّمَ إِلَيْهِ اَلدِّرْهَمَيْنِ، فَسَلَّمْتُهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: مَا يَحْتَاجُ(734) إِلَى هَذَا، ثُمَّ أَخَذَهُمَا.
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ هَمَّامٍ: يَا بَا عَبْدِ اَلله مُحَمَّدٌ، حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مَا رَأَيْتَ.
فَقَالَ: كَانَ أُسْتَاذِي صَالِحاً مِنْ بَيْنِ اَلْعَلَوِيِّينَ لَمْ أَرَ قَطُّ مِثْلَهُ، وَكَانَ يَرْكَبُ بِسَرْجٍ صفته بُزْيُونٌ(735) مِسْكِيٌّ وَأَزْرَقُ، قَالَ: وَكَانَ يَرْكَبُ إِلَى دَارِ اَلْخِلَافَةِ بِسُرَّ مَنْ رَأَى فِي كُلِّ اِثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، قَالَ: وَكَانَ يَوْمَ اَلنَّوْبَةِ يَحْضُرُ مِنَ اَلنَّاسِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، وَيَغُصُّ اَلشَّارِعُ بِالدَّوَابِّ وَاَلْبِغَالِ وَاَلْحَمِيرِ وَاَلضَّجَّةِ، فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مَوْضِعٌ يَمْشِي وَلَا يَدْخُلُ بَيْنَهُمْ.
قَالَ: فَإِذَا جَاءَ أُسْتَاذِي سَكَنَتِ اَلضَّجَّةُ، وَهَدَأَ صَهِيلُ اَلْخَيْلِ وَنُهَاقُ اَلْحَمِيرِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(732) في القاموس المحيط (ج 2/ ص 63): (الشاكري: الأجير والمستخدم، معرَّب چاكر).
(733) في بعض النُّسَخ: (تبسط المصير).
(734) في بعض النُّسَخ: (ما نحتاج).
(735) في هامش بعض النُّسَخ: (البزيون كالعصفور: السندس)، وفي بعض النُّسَخ: (وينغض).

(٢٥٣)

قَالَ: وَتَفَرَّقَتِ اَلْبَهَائِمُ حَتَّى يَصِيرَ اَلطَّرِيقُ وَاسِعاً لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَوَقَّى مِنَ اَلدَّوَابِّ تَحُفُّهُ لِيَزْحَمَهَا، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَجْلِسُ فِي مَرْتَبَتِهِ اَلَّتِي جُعِلَتْ لَهُ، فَإِذَا أَرَادَ اَلْخُرُوجَ وَصَاحَ اَلْبَوَّابُونَ: هَاتُوا دَابَّةَ أَبِي مُحَمَّدٍ، سَكَنَ صِيَاحُ اَلنَّاسِ وَصَهِيلُ اَلْخَيْلِ، فَتَفَرَّقَتِ اَلدَّوَابُّ حَتَّى يَرْكَبَ وَيَمْضِيَ.
وَقَالَ اَلشَّاكِرِيُّ: وَاِسْتَدْعَاهُ يَوْماً اَلْخَلِيفَةُ، وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَخَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَعَى بِهِ إِلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَحْسُدُهُ عَلَى مَرْتَبَتِهِ مِنَ اَلْعَلَوِيِّينَ وَاَلْهَاشِمِيِّينَ، فَرَكِبَ وَمَضَى إِلَيْهِ، فَلَمَّا حَصَلَ فِي اَلدَّارِ قِيلَ لَهُ: إِنَّ اَلْخَلِيفَةَ قَدْ قَامَ، وَلَكِنِ اِجْلِسْ فِي مَرْتَبَتِكَ أَوِ اِنْصَرِفْ، قَالَ: فَانْصَرَفَ، وَجَاءَ إِلَى سُوقِ اَلدَّوَابِّ وَفِيهَا مِنَ اَلضَّجَّةِ وَاَلمُصَادَمَةِ وَاِخْتِلَافِ اَلنَّاسِ شَيْءٌ كَثِيرٌ.
فَلَمَّا دَخَلَ إِلَيْهَا سَكَنَ اَلنَّاسُ وَهَدَأَتِ اَلدَّوَابُّ، قَالَ: وَجَلَسَ إِلَى نَخَّاسٍ كَانَ يَشْتَرِي لَهُ اَلدَّوَابَّ، قَالَ: فَجِيءَ لَهُ بِفَرَسٍ كَبُوسٍ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ، قَالَ: فَبَاعُوهُ إِيَّاهُ بِوَكْسٍ(736)، فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، قُمْ فَاطْرَحِ اَلسَّرْجَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَقُلْتُ(737): إِنَّهُ لَا يَقُولُ لِي مَا يُؤْذِينِي، فَحَلَلْتُ اَلْحِزَامَ وَطَرَحْتُ اَلسَّرْجَ عَلَيْهِ، فَهَدَأَ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ، وَجِئْتُ بِهِ لِأَمْضِيَ بِهِ، فَجَاءَ اَلنَّخَّاسُ فَقَالَ لِي: لَيْسَ يُبَاعُ، فَقَالَ لِي: «سَلِّمْهُ إِلَيْهِمْ»، قَالَ: فَجَاءَ اَلنَّخَّاسُ لِيَأْخُذَهُ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ اِلْتِفَاتَةً ذَهَبَ مِنْهُ مُنْهَزِماً.
قَالَ: وَرَكِبَ وَمَضَيْنَا، فَلَحِقَنَا اَلنَّخَّاسُ فَقَالَ: صَاحِبُهُ يَقُولُ: أَشْفَقْتُ أَنْ يَرُدَّ، فَإِنْ كَانَ [قَدْ] عَلِمَ مَا فِيهِ مِنَ اَلْكَبْسِ فَلْيَشْتَرِهِ، فَقَالَ لِي(738) أُسْتَادِي: «قَدْ عَلِمْتُ»، فَقَالَ: قَدْ بِعْتُكَ، فَقَالَ لِي: «خُذْهُ»، فَأَخَذْتُهُ.
[قَالَ]: فَجِئْتُ بِهِ إِلَى اَلْإِصْطَبْلِ، فَمَا تَحَرَّكَ وَلَا آذَانِي بِبَرَكَةِ أُسْتَاذِي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(736) الوكس: النقص.
(737) في بعض النُّسَخ: (فقمت فعلمت).
(738) في بعض النُّسَخ: (له).

(٢٥٤)

فَلَمَّا نَزَلَ جَاءَ إِلَيْهِ وَأَخَذَ أُذُنَهُ اَلْيُمْنَى فَرَقَاهُ، ثُمَّ أَخَذَ أُذُنَهُ اَلْيُسْرَى فَرَقَاهُ، فَوَاَلله لَقَدْ كُنْتُ أَطْرَحُ اَلشَّعِيرَ لَهُ فَأُفَرِّقُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَتَحَرَّكُ، هَذَا بِبَرَكَةِ أُسْتَاذِي.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ هَمَّامٍ: هَذَا اَلْفَرَسُ يُقَالُ لَهُ: اَلصَّؤُولُ(739)، قَالَ: يَرْجُمُ بِصَاحِبِهِ حَتَّى يَرْجُمَ بِهِ اَلْحِيطَانَ، وَيَقُومُ عَلَى رِجْلَيْهِ وَيَلْطِمُ صَاحِبَهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ اَلشَّاكِرِيُّ: كَانَ أُسْتَاذِي أَصْلَحَ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ اَلْعَلَوِيِّينَ وَاَلْهَاشِمِيِّينَ، مَا كَانَ يَشْرَبُ هَذَا اَلنَّبِيذَ، كَانَ يَجْلِسُ فِي اَلْمِحْرَابِ وَيَسْجُدُ، فَأَنَامُ وَأَنْتَبِهُ وَأَنَامُ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَكَانَ قَلِيلَ اَلْأَكْلِ، كَانَ يَحْضُرُهُ اَلتِّينُ وَاَلْعِنَبُ وَاَلْخَوْخُ وَمَا شَاكَلَهُ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ اَلْوَاحِدَةَ وَاَلثِّنْتَيْنِ، وَيَقُولُ: «شُلْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ إِلَى صِبْيَانِكَ»، فَأَقُولُ: هَذَا كُلَّهُ؟ فَيَقُولُ: «خُذْهُ»، مَا رَأَيْتُ قَطُّ أَسْدَى مِنْهُ(740).
فهذه بعض دلائله، ولو استوفيناها لطال به الكتاب، وكان مع إمامته من أكرم الناس وأجودهم.
180 - أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْإِيَادِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيُّ (رضي الله عنه) أَنَّ أَبَا طَاهِرِ بْنَ بُلْبُلٍ حَجَّ فَنَظَرَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْهَمَانِيِّ(741)، وَهُوَ يُنْفِقُ اَلنَّفَقَاتِ اَلْعَظِيمَةَ، فَلَمَّا اِنْصَرَفَ كَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَوَقَّعَ فِي رُقْعَتِهِ: «قَدْ كُنَّا أَمَرْنَا لَهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ أَمَرْنَا لَهُ بِمِثْلِهَا فَأَبَى قَبُولَهَا إِبْقَاءً عَلَيْنَا، مَا لِلنَّاسِ وَاَلدُّخُولِ فِي أَمْرِنَا فِيمَا لَمْ نُدْخِلْهُمْ فِيهِ؟»(742).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(739) قال الجوهري في الصحاح (ج 5/ ص 1747/ مادَّة صول): (قال أبو زيد: صؤل البعير - بالهمز - يصؤل صآلةً: إذا صار يقتل الناس ويعدو عليهم، فهو جمل صؤول).
(740) رواه الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 428 - 431/ ح 395/12) باختلاف.
(741) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 388/ الرقم 5717/14) من أصحاب الهادي (عليه السلام)، قائلاً: (عليُّ بن جعفر، وكيل، ثقة)، وفي (ص 400/ الرقم 5856/1) من أصحاب العسكري (عليه السلام)، قائلاً: (عليُّ بن جعفر، قيِّم لأبي الحسن (عليه السلام)، ثقة).
(742) يأتي في (ح 308) باختلاف.

(٢٥٥)

[الردُّ على من قال بأنَّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حيٌّ باقٍ]:
فأمَّا القائلون بأنَّ الحسن بن عليٍّ لم يمت، وهو حيٌّ باقٍ، وهو المهدي، فقولهم باطل بما علمنا موته، كما علمنا موت من تقدَّم من آبائه، والطريقة واحدة، والكلام عليهم واحد، هذا مع انقراض القائلين به واندراسهم، ولو كانوا محقِّين لما انقرضوا.
ويدلُّ أيضاً على صحَّة وفاته:
181 - مَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عُبَيْدِ اَلله بْنِ خَاقَانَ(743) - وَهُوَ عَامِلُ اَلسُّلْطَانِ بِقُمَّ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ اِخْتَصَرْنَاهُ، قَالَ: لَـمَّا اِعْتَلَّ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام) بَعَثَ إِلَى أَبِي أَنَّ اِبْنَ اَلرِّضَا قَدِ اِعْتَلَّ، فَرَكِبَ مُبَادِراً إِلَى دَارِ اَلْخِلَافَةِ، ثُمَّ رَجَعَ مُسْتَعْجِلاً وَمَعَهُ خَمْسَةٌ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ مِنْ ثِقَاتِهِ وَخَاصَّتِهِ، مِنْهُمْ نِحْرِيرٌ، فَأَمَرَهُمْ بِلُزُومِ دَارِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَتَعَرُّفِ خَبَرِهِ وَحَالِهِ، وَبَعَثَ إِلَى نَفَرٍ مِنَ اَلمُتَطَبِّبِينَ، فَأَمَرَهُمْ بِالْاِخْتِلَافِ إِلَيْهِ وَتَعَهُّدِهِ صَبَاحاً وَمَسَاءً.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ، فَرَكِبَ حَتَّى نَظَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ اَلمُتَطَبِّبِينَ بِلُزُومِهِ، وَبَعَثَ إِلَى قَاضِي اَلْقُضَاةِ فَأَحْضَرَهُ مَجْلِسَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ أَصْحَابِهِ عَشَرَةً، فَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى دَارِ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَأَمَرَهُمْ بِلُزُومِهِ لَيْلاً وَنَهَاراً.
فَلَمْ يَزَالُوا هُنَاكَ حَتَّى تُوُفِّيَ (عليه السلام) لِأَيَّامٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، فَصَارَتْ سُرَّ مَنْ رَأَى ضَجَّةً وَاحِدَةً: مَاتَ اِبْنُ اَلرِّضَا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(743) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 87/ الرقم 213): (أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان، ذكره أصحابنا في المصنِّفين، وأنَّ له كتاباً يصف فيه سيِّدنا أبا محمّد (عليه السلام)، لم أرَ هذا الكتاب).
وذكره المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 82/ الرقم 102/40)، وفي رجاله (ص 413/ الرقم 5977/58) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام).

(٢٥٦)

ثُمَّ أَخَذُوا فِي تَهْيِئَتِهِ، وَعُطِّلَتِ اَلْأَسْوَاقُ، وَرَكِبَ أَبِي وَبَنُو هَاشِمٍ وَسَائِرُ اَلنَّاسِ إِلَى جَنَازَتِهِ، وَأَمَرَ اَلسُّلْطَانُ أَبَا عِيسَى بْنَ اَلمُتَوَكِّلِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا وُضِعَتِ اَلْجِنَازَةُ دَنَا أَبُو عِيسَى فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وَعَرَضَهُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ مِنَ اَلْعَلَوِيَّةِ وَاَلْعَبَّاسِيَّةِ وَاَلْقُوَّادِ وَاَلْكُتَّابِ وَاَلْقُضَاةِ وَاَلْفُقَهَاءِ اَلمُعَدَّلِينَ(744)، وَقَالَ: هَذَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلرِّضَا، مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، حَضَرَهُ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ مِنْ ثِقَاتِهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، ثُمَّ غَطَّى وَجْهَهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ خَمْساً(745)، وَأَمَرَ بِحَمْلِهِ، فَحُمِلَ مِنْ وَسَطِ دَارِهِ، وَدُفِنَ فِي اَلْبَيْتِ اَلَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ(746).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(744) في بعض النُّسَخ: (والمعدَّلين).
(745) هذا الخبر من حيث اشتماله على وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) موافق للأخبار المعتبرة الأُخرى، ولأجله نقله المؤلِّف (رحمه الله) في المقام. وأمَّا من حيث اشتماله على صلاة أبي عيسى بن المتوكِّل عليه فهو شاذٌّ لا يُعتَمد عليه، وفي طريقه أحمد بن عبيد الله بن خاقان الذي هو من عُمَّال الخلفاء العبَّاسيَّة، ومعارض بأخبار كثيرة شهيرة معتبرة دالَّة على أنَّ جعفر بن عليٍّ تقدَّم للصلاة عليه، فخرج الحجَّة بن الحسن (عليه السلام) من الدار وأمر جعفراً بالتأخُّر، فتأخَّر جعفر وتقدَّم الحجَّة (عليه السلام) وصلَّى على أبيه، وحمله على صلاة أُخرى ظاهريَّة ممكن. ولا منافاة بين هذا الخبر وسائر الأخبار الدالَّة على خلافه، فإنَّه يمكن أنْ تكون صلاة أبي عيسى في الظاهر كصلاة المأمون على الرضا (عليه السلام)، وصلاة السندي بن شاهك على الكاظم (عليه السلام)، كما ذكره الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 37 و38)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 1/ ص 91 و92/ ح 3). هذا مع أنَّ الخبر المذكور معارض بما اشتهر من أنَّ الإمام لا يُصلِّي عليه إلَّا الإمام، ويُجاب عنه بما ذكرناه، وورد مثل ذلك فيما ذكره الرضا (عليه السلام) قبل وفاته والجواب عنه، إذ سُئِلَ عنه واعترض عليه المأمون.
(746) رواه باختلاف الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ 503 - 506/ باب مولد أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليه السلام)/ ح 1)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 40 - 44) عن أبيه وابن الوليد معاً عن سعد ابن عبد الله، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 321 - 325) بإسناده عن الكليني، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 249 - 251) عن الحسن بن محمّد الأشعري ومحمّد بن يحيى وغيرهما، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 147 - 150) عن محمّد بن يعقوب.

(٢٥٧)

[الردُّ على من قال: إنَّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) يحيى بعد موته ويعيش وهو القائم]:
وأمَّا من قال: إنَّ الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) يعيش بعد موته، وإنَّه القائم بالأمر، وتعلُّقهم بما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: «إنَّما سُمِّي القائم [قائماً](747) لأنَّه يقوم بعدما يموت»(748).
فقوله باطل بما دلَلنا عليه من موته، وادِّعاؤهم أنَّه يعيش يحتاج إلى دليل، ولو جاز لهم ذلك لجاز أنْ تقول الواقفة: إنَّ موسى بن جعفر (عليهما السلام) يعيش بعد موته.
على أنَّ هذا يُؤدِّي إلى خلوِّ الزمان من إمام بعد موت الحسن (عليه السلام) إلى حين يحيى، وقد دلَلنا بأدلَّة عقليَّة على فساد ذلك.
ويدلُّ على فساد ذلك أيضاً:
182 - مَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْن بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ، قاَلَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): أَتَبْقَى اَلْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟
فَقَالَ: «لَوْ بَقِيَتِ اَلْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ سَاعَةً لَسَاخَتْ»(749).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(747) من بعض النُّسَخ.
(748) يأتي في (ح 403 و489).
(749) رواه الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 508/ ج 10/ باب 12/ ح 2) عن محمّد بن عيسى عن محمّد بن الفضيل، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 30/ ح 12) عن سعد، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 179/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح 10) عن عليِّ ابن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 139/ باب 8/ ح 8) عن محمّد ابن يعقوب، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 201/ باب 21/ ح 1) بإسناده عن سعد، وفي علل الشرائع (ج 1/ ص 196 و198/ باب 153/ ح 6 و16 و18) بأسانيد مختلفة.
قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 5/ ص 126): (قوله: (لساخت) أي لغاصت في الماء وغابت، ولعلَّه كناية عن هلاك البشر وفنائهم، ويحتمل أنْ يريد الحقيقة، لأنَّ الغرض الأصلي من انكشاف بعض الأرض هو أنْ يكون مسكناً لهم، وكونه مسكناً لغيرهم من الحيوانات المتنفِّسة إنَّما هو بالعرض، فإذا فات الغرض الأصلي عاد إلى وضعه الطبيعي).

(٢٥٨)

183 - وَقَوْلُ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «اَللَّهُمَّ إِنَّكَ لَا تُخْلِي اَلْأَرْضَ مِنْ حُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً أَوْ خَائِفاً مَغْمُوراً»(750) يدلُّ على ذلك.
على أنَّ قوله: «يقوم بعدما يموت» لو صحَّ الخبر احتمل أنْ يكون أراد: يقوم(751) بعدما يموت ذكره، ويخمل ولا يُعرَف، وهذا جائز في اللغة.
وما دلَلنا به على أنَّ الأئمَّة اثنا عشر يُبطِل هذا المقال، لأنَّ الحسن بن عليٍّ (عليه السلام) هو الحادي عشر، فيبطل قولهم.
على أنَّ القائلين بذلك قد انقرضوا ولله الحمد، ولو كان حقًّا لما انقرض القائلون به.
[الردُّ على من قال بالفترة بعد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)]:
وأمَّا من ذهب إلى الفترة بعد الحسن بن عليٍّ (عليه السلام) وخلوِّ الزمان من إمام، فقولهم باطل بما دلَلنا عليه من أنَّ الزمان لا يخلو من إمام في حال من الأحوال، بأدلَّة عقليَّة وشرعيَّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(750) رواه بألفاظ متقاربة الصفَّار (رحمه الله) في بصائر الدرجات (ص 506/ ج 10/ باب 10/ ح 15) بإسناده عن أبي إسحاق الهمداني، وابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 26/ ح 4)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 335/ باب نادر في حال الغيبة/ ح 3)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 289 - 294/ باب 26/ ح 2) بعدَّة طُرُق، وفي علل الشرائع (ج 1/ ص 195/ باب 153/ ح 2)، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 438/ ح 410/14) بإسناده عن عليِّ بن الحسين بن بابويه، والشريف الرضي (رحمه الله) في نهج البلاغة (ص 495 - 497/ ح 147).
(751) في بعض النُّسَخ: (أنْ يقوم)؛ وقد ذكرنا أنَّه صرَّح بذلك الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 378/ باب 36/ ح 3) وغيره.

(٢٥٩)

وتعلُّقهم بالفترات بين الرُّسُل باطل، لأنَّ الفترة عبارة عن خلوِّ الزمان من نبيٍّ، ونحن لا نوجب النبوَّة في كلِّ حالٍ، وليس في ذلك دلالة على خلوِّ الزمان من إمام.
على أنَّ القائلين بذلك قد انقرضوا ولله الحمد، فسقط هذا القول أيضاً.
[الردُّ على من قال بإمامة جعفر بن عليٍّ بعد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)]:
وأمَّا القائلون بإمامة جعفر بن عليٍّ بعد أخيه (عليه السلام)، فقولهم باطل بما دلَلنا عليه من أنَّه يجب أنْ يكون الإمام معصوماً لا يجوز عليه الخطأ، وأنَّه يجب أنْ يكون أعلم الأُمَّة بالأحكام، وجعفر لم يكن معصوماً بلا خلاف، وما ظهر من أفعاله التي تنافي العصمة أكثر من أنْ يُحصى، لا نُطوِّل بذكرها الكتاب، وإنْ عرض فيما بعد ما يقتضي ذكر بعضها ذكرناه.
وأمَّا كونه عالماً فإنَّه كان خالياً منه، فكيف تثبت إمامته؟
على أنَّ القائلين بهذه المقالة قد انقرضوا أيضاً ولله الحمد والمنَّة.
وأمَّا من قال: لا ولد لأبي محمّد (عليه السلام)، فقوله يبطل بما دلَلنا عليه من إمامة الاثني عشر، وسياقة الأمر فيهم.
ويزيده بياناً:
184 - مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى اَلْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام): قَدْ بَلَغْتَ مَا بَلَغْتَ وَلَيْسَ لَكَ وَلَدٌ.
فَقَالَ: «يَا عُقْبَةَ بْنَ جَعْفَرٍ، إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَرَى وَلَدَهُ

(٢٦٠)

مِنْ بَعْدِهِ»(752).
185 - عَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْخَزَّازِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ(753)، عَنِ اَلْحَسَنِ(754) بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «يَا أبَا حَمْزَةَ، إِنَّ اَلْأَرْضَ لَنْ تَخْلُوَ إِلَّا وَفِيهَا عَالِمٌ مِنَّا، فَإِنْ زَادَ اَلنَّاسُ قَالَ: قَدْ زَادُوا، وَإِنْ نَقَصُوا قَالَ: قَدْ نَقَصُوا، وَلَنْ يُخْرِجَ اَللهُ ذَلِكَ اَلْعَالِمَ حَتَّى يرى فِي وُلْدِهِ مَنْ يَعْلَمُ مِثْلَ عِلْمِهِ، أَوْ مَا شَاءَ اَللهُ»(755).
186 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيُّ رَفَعَهُ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) - حِينَ وُلِدَ اَلْحُجَّةُ (عليه السلام) -: «زَعَمَ اَلظَّلَمَةُ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَنِي لِيَقْطَعُوا(756) هَذَا اَلنَّسْلَ، فَكَيْفَ رَأَوْا قُدْرَةَ اَلله؟»، وَسَمَّاهُ: اَلمُؤَمَّلَ(757).
187 - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مَحْبُوساً مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) فِي حَبْسِ اَلمُهْتَدِي بْنِ اَلْوَاثِقِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(752) رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 229/ باب 22/ ح 25) بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى، والخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 278 و279) بإسناده عن الحميري، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 435/ ح 404/8)، وفي نوادر المعجزات (ص 195 و196/ ح 3).
(753) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 285/ الرقم 759): (عمر بن أبان الكلبي، أبو حفص، مولى، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب).
(754) في بعض النُّسَخ: (الحسين بن أبي حمزة).
(755) رواه الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 434/ ح 400/4)، وفي نوادر المعجزات (ص 195/ ح 2) بإسناده عن الحسين بن أبي حمزة عن أبيه.
(756) في بعض النُّسَخ: (ليقطع).
(757) رواه الكاتب البغدادي (رحمه الله) في تاريخ الأئمَّة (ص 22) باختلاف يسير، وابن طاوس (رحمه الله) في مهج الدعوات (ص 276 و277) عن نصر بن عليٍّ الجهضمي.
ويأتي الإشارة إلى هذا الحديث في (ح 197).

(٢٦١)

فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا هَاشِمٍ، إِنَّ هَذَا اَلطَّاغِيَ أَرَادَ أَنْ يَعْبَثَ(758) بِاللهِ فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ، وَقَدْ بَتَرَ اَللهُ تَعَالَى عُمُرَهُ، وَقَدْ جَعَلَهُ اَللهُ لِلْقَائِمِ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي وَلَدٌ، وَسَأُرْزَقُ وَلَداً».
قَالَ أَبُو هَاشِمٍ: فَلَمَّا أَصْبَحْنَا [وَطَلَعَتِ اَلشَّمْسُ] شَغَبَ(759) اَلْأَتْرَاكُ عَلَى اَلمُهْتَدِي فَقَتَلُوهُ، وَوُلِّيَ اَلمُعْتَمِدُ مَكَانَهُ، وَسَلَّمَنَا اَللهُ(760).
[الردُّ على من قال بأنَّه مشتبه في أنَّ للعسكري (عليه السلام) ولداً أم لا، فيتوقَّف]:
فأمَّا من زعم أنَّ الأمر قد اشتبه عليه، فلا يدري هل لأبي محمّد (عليه السلام) ولد أم لا، إلَّا أنَّهم متمسِّكون بالأوَّل حتَّى يصحَّ لهم الآخر.
فقوله باطل بما دلَلنا عليه من صحَّة إمامة ابن الحسن، وبما بيَّنَّا من أنَّ الأئمَّة اثنا عشر، ومع ذلك لا ينبغي التوقُّف، بل يجب القطع على إمامة ولده.
وبما قدَّمناه أيضاً من أنَّه لا يمضي إمام حتَّى يُولَد له ويرى عقبه(761).
ويُؤكِّد ذلك:
188 - مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ رَشِيدٍ(762)، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْخَزَّازِ، قَالَ: دَخَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ إِمَامٌ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(758) في بعض النُّسَخ: (يتعبَّث).
(759) من بعض النُّسَخ، وفيها: (سعت) بدل (شغب).
(760) تقدَّم في (ح 173)، وله تخريجات ذكرناها هناك.
(761) راجع الحديث (184).
(762) عدَّه من أصحاب الهادي (عليه السلام) البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 58)، والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 388/ الرقم 5710/7)، قائلاً: (عليُّ بن سليمان بن رشيد، بغدادي).

(٢٦٢)

قَالَ: «نَعَمْ».
فَقَالَ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) يَقُولُ: «لَا يَكُونُ اَلْإِمَامُ إِلَّا وَلَهُ عَقِبٌ».
فَقَالَ: «أَنَسِيتَ يَا شَيْخُ أَوْ تَنَاسَيْتَ(763)؟ لَيْسَ هَكَذَا قَالَ جَعْفَرٌ (عليه السلام)، إِنَّمَا قَالَ جَعْفَرٌ (عليه السلام): لَا يَكُونُ اَلْإِمَامُ إِلَّا وَلَهُ عَقِبٌ إِلَّا اَلْإِمَامُ اَلَّذِي يَخْرُجُ عَلَيْهِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَإِنَّهُ لَا عَقِبَ لَهُ».
فَقَالَ لَهُ: صَدَقْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ، هَكَذَا سَمِعْتُ جَدَّكَ يَقُولُ(764).
وما دلَلنا عليه من أنَّ الزمان لا يخلو من إمام عقلاً وشرعاً يُفسِد هذا القول أيضاً.
189 - فأمَّا تمسُّكهم بما روي: «تَمَسَّكُوا بِالْأَوَّلِ حَتَّى يَصِحَّ لَكُمُ اَلْآخِرُ»(765)، فهو خبر واحد، ومع هذا فقد تأوَّله سعد بن عبد الله بتأويل قريب، قال: قوله: «تَمَسَّكُوا بِالْأَوَّلِ حَتَّى يَظْهَرَ لَكُمُ اَلْآخِرُ»، هو دليل على إيجاب الخلف، لأنَّه يقتضي وجوب التمسُّك بالأوَّل، ولا يبحث عن أحوال الآخر إذا كان مستوراً غائباً في تقيَّة حتَّى يأذن الله في ظهوره، ويكون الذي يُظهِر أمره ويُشهِر نفسه.
على أنَّ القائلين بذلك قد انقرضوا والحمد لله.
[ردُّ القول بأنَّ الإمامة انقطعت بعد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) كما انقطعت النبوَّة]:
وأمَّا(766) من قال بإمامة الحسن(عليه السلام)، وقالوا: انقطعت الإمامة كما انقطعت النبوَّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(763) في بعض النُّسَخ: (أم تناسيت).
(764) رواه الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 435 و436/ح 405/9) باختلاف يسير.
(765) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 161/ باب 10/ فصل 2/ ح 2) باختلاف.
(766) في بعض النُّسَخ: (فأمَّا).

(٢٦٣)

فقولهم باطل بما دلَلنا عليه من أنَّ الزمان لا يخلو عن(767) إمام عقلاً وشرعاً، وبما بيَّنَّاه من أنَّ الأئمَّة اثنا عشر، وسنُبيِّن(768) صحَّة ولادة القائم (عليه السلام) بعده، فسقط قولهم من كلِّ وجه.
على أنَّ هؤلاء قد انقرضوا بحمد الله.
[إبطال قول الفطحيَّة]:
وقد بيَّنَّا فساد قول الذاهبين إلى إمامة جعفر بن عليٍّ من الفطحيَّة الذين قالوا بإمامة عبد الله بن جعفر [لـمَّا مات](769) الصادق (عليه السلام)، فلمَّا مات عبد الله ولم يُخلِف ولداً رجعوا إلى القول بإمامة موسى بن جعفر، ومن بعده إلى الحسن بن عليٍّ (عليهم السلام)، فلمَّا مات الحسن (عليه السلام) قالوا بإمامة جعفر، وقول هؤلاء يبطل من وجوه أفسدناها(770)، ولأنَّه لا خلاف بين الإماميَّة أنَّ الإمامة لا تجتمع في أخوين بعد الحسن والحسين، وقد رووا في ذلك أخباراً كثيرة(771)، منها:
[الأخبار الدالَّة على أنَّ الإمامة لا تجتمع في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)، وذمِّ جعفر بن عليٍّ الكذَّاب]:
190 - مَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْوَلِيدِ اَلْخَزَّازِ، عَنْ يُونُسَ اِبْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «أَبَى اَللهُ أَنْ يَجْعَلَ اَلْإِمَامَةَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(767) في بعض النُّسَخ: (من).
(768) في بعض النُّسَخ: (سنُبيِّن أيضاً).
(769) من بحار الأنوار (ج 51/ ص 213).
(770) كذا في بعض النُّسَخ، ولعلَّه من سهو القلم بدل (بيَّنَّاها) ونحوه، أو الضمير راجع إلى إمامة جعفر (عليه السلام) والجملة مستأنفة.
(771) راجع: بحار الأنوار (ج 25/ ص 249 - 261/ باب 9).

(٢٦٤)

لِأَخَوَيْنِ بَعْدَ اَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام)»(772).
191 - عَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى اَلْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «لَا تَجْتَمِعُ اَلْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ اَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام)، إِنَّمَا هِيَ فِي اَلْأَعْقَابِ وَأَعْقَابِ اَلْأَعْقَابِ»(773).
192 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «لَا تَعُودُ اَلْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ اَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام) أَبَداً، إِنَّهَا جَرَتْ مِنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام) كَمَا قَالَ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَأُولُوا الْأَرحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ﴾ [الأحزاب: 6]، فَلَا تَكُونُ بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام) إِلَّا فِي اَلْأَعْقَابِ وَأَعْقَابِ اَلْأَعْقَابِ»(774).
ومنها أنَّه لا خلاف أنَّه لم يكن معصوماً، وقد بيَّنَّا أنَّ من شرط الإمام أنْ يكون معصوماً، وما ظهر من أفعاله ينافي العصمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(772) رواه باختلاف يسير ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 57/ ح 41) عن سعد، وفي (ص 58/ ح 43) بإسناده عن يونس بن يعقوب، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 286/ باب ثبات الإمامة في الأعقاب.../ ح 2) بإسناده عن محمّد بن الوليد، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 415/ باب 40/ ح 3).
(773) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 57/ ح 42)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 286/ باب ثبات الإمامة في الأعقاب.../ ح 4)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 414/ باب 40/ ح 2).
(774) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 285 و286/ باب ثبات الإمامة في الأعقاب/ ح 1) عن عليِّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 414/ باب 40/ ح 1) بإسناده عن محمّد بن عيسى بن عبيد، وفيه: (لا تكون) بدل (لا تعود).

(٢٦٥)

193 - وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَـمَّا وُلِدَ لِأَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) جَعْفَرٌ هَنَّئُوهُ بِهِ، فَلَمْ يَرَوْا بِهِ سُرُوراً، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: «هَوِّنْ عَلَيْكَ أَمْرَهُ، سَيُضِلُّ خَلْقاً كَثِيراً»(775).
194 - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو هَاشِمٍ دَاوُدُ اِبْنُ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيُّ، وَاَلْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْعَبَّاسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اَلْعَمْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ كَانَ حُبِسَ بِسَبَبِ قَتْلِ عَبْدِ اَلله بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْعَبَّاسِيِّ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَأَخَاهُ جَعْفَراً دَخَلَا عَلَيْهِمْ لَيْلاً.
قَالُوا: كُنَّا لَيْلَةً مِنَ اَللَّيَالِي جُلُوساً نَتَحَدَّثُ إِذْ سَمِعْنَا حَرَكَةَ بَابِ اَلسِّجْنِ فَرَاعَنَا ذَلِكَ، وَكَانَ أَبُو هَاشِمٍ عَلِيلاً، فَقَالَ لِبَعْضِنَا: اِطَّلِعْ وَاُنْظُرْ مَا تَرَى، فَاطَّلَعَ إِلَى مَوْضِعِ اَلْبَابِ فَإِذَا اَلْبَابُ فُتِحَ، وَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ قَدْ أُدْخِلَا إِلَى اَلسِّجْنِ وَرُدَّ اَلْبَابُ وَأُقْفِلَ، فَدَنَا مِنْهُمَا، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: نَحْنُ قَوْمٌ مِنَ اَلطَّالِبِيَّةِ حُبِسْنَا، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ: «أَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَهَذَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ»، فَقَالَ لَهُمَا: جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكُمَا إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَدْخُلَا اَلْبَيْتَ، وَبَادَرَ إِلَيْنَا وَإِلَى أَبِي هَاشِمٍ فَأَعْلَمَنَا وَدَخَلَا.
فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمَا أَبُو هَاشِمٍ قَامَ عَنْ مِضْرَبَةٍ(776) كَانَتْ تَحْتَهُ، فَقَبَّلَ وَجْهَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَأَجْلَسَهُ عَلَيْهَا، وَجَلَسَ جَعْفَرٌ قَرِيباً مِنْهُ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: وَا شَطْنَاهُ، بِأَعْلَى صَوْتِهِ - يَعْنِي جَارِيَةً لَهُ -، فَزَجَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَقَالَ لَهُ: «اُسْكُتْ»، وَإِنَّهُمْ رَأَوْا فِيهِ آثَارَ اَلسُّكْرِ، وَأَنَّ اَلنَّوْمَ غَلَبَهُ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَهُمْ، فَنَامَ عَلَى تِلْكَ اَلْحَالِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(775) رواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 239)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 321)، وحسين بن عبد الوهَّاب (رحمه الله) في عيون المعجزات (ص 121).
(776) المضربة بفتح الميم وتُكسَر راؤها وتُضَمُّ في الأخير: القطعة من القطن. راجع: القاموس المحيط (ج 1/ ص 95 و96)، ولعلَّ المراد منه ما يُطرَح على الأرض ويُقعَد عليه.

(٢٦٦)

وما روي فيه وله من الأفعال والأقوال الشنيعة أكثر من أنْ تُحصى نُنزِّه كتابنا عن ذلك.
[ردُّ القول بأنَّ الأئمَّة ثلاثة عشر، وأنَّ للحجَّة (عليه السلام) ولداً]:
فأمَّا من قال: إنَّ للخلف ولداً، وإنَّ الأئمَّة ثلاثة عشر، فقولهم يفسد بما دلَلنا عليه من أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) اثنا عشر، فهذا القول يجب إطراحه.
على أنَّ هذه الفِرَق كلَّها قد انقرضت بحمد الله، ولم يبقَ قائل يقول بقولها، وذلك دليل على بطلان هذه الأقاويل.

* * *

(٢٦٧)

فصل:
فأمَّا الكلام في ولادة صاحب الزمان وصحَّتها فأشياء اعتباريَّة وأشياء إخباريَّة، فأمَّا الاعتباريَّة فهو أنَّه إذا ثبت إمامته بما دلَلنا عليه من الأقسام، وإفساد كلِّ قسم منها إلَّا القول بإمامته، ثبتت إمامته، وعلمنا بذلك صحَّة ولادته إنْ لم يُرْوَ فيه خبر أصلاً.
وأيضاً ما دلَلنا عليه من أنَّ الأئمَّة اثنا عشر يدلُّ على صحَّة ولادته، لأنَّ العدد لا يكون إلَّا لموجود.
وما دلَلنا على أنَّ صاحب الأمر لا بدَّ له من غيبتين يُؤكِّد ذلك، لأنَّ كلَّ ذلك مبنيٌّ على صحَّة ولادته.
وأمَّا تصحيح ولادته من جهة الأخبار فسنذكر في هذا الكتاب طرفاً ممَّا روي فيه جملةً وتفصيلاً، ونذكر بعد ذلك جملة من أخبار من شاهده ورآه، لأنَّ استيفاء ما روي في هذا المعنى يطول به الكتاب.
195 - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ مُوسَى اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنِ اَلثِّقَةِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اَلله بْنُ اَلْعَبَّاسِ اَلْعَلَوِيُّ - وَمَا رَأَيْتُ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْهُ، وَكَانَ خَالَفَنَا(777) فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ -، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو اَلْفَضْلِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ اَلْحَسَنِ اَلْعَلَوِيُّ(778)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) بِسُرَّ مَنْ رَأَى، فَهَنَّأْتُهُ بِسَيِّدِنَا صَاحِبِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(777) في بعض النُّسَخ: (كان يخالفنا).
(778) عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص 420/ الرقم 6070/5) فيمن لم يرو عنهم (عليهم السلام)، قائلاً: (الحسين بن الحسن الحسيني الأسود، فاضل، يُكنَّى أبا عبد الله، رازي).

(٢٧١)

اَلزَّمَانِ (عليه السلام) لَـمَّا وُلِدَ.
196 - مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَكِيمَةَ(779) بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلرِّضَا (عليه السلام) سَنَةَ اِثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، فَكَلَّمْتُهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَسَأَلْتُهَا عَنْ دِينِهَا، فَسَمَّتْ لِي مَنْ تَأْتَمُّ بِهِمْ، قَالَتْ: فُلَانٌ اِبْنُ اَلْحَسَنِ، فَسَمَّتْهُ. فَقُلْتُ لَهَا: جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكِ، مُعَايَنَةً أَوْ خَبَراً؟ فَقَالَتْ: خَبَراً عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) كَتَبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ، قُلْتُ لَهَا: فَأَيْنَ اَلْوَلَدُ؟ قَالَتْ: مَسْتُورٌ، فَقُلْتُ: إِلَى مَنْ تَفْزَعُ اَلشِّيعَةُ؟ قَالَتْ: إِلَى اَلْجَدَّةِ أُمِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقُلْتُ: أَقْتَدِي بِمَنْ وَصِيَّتُهُ إِلَى اِمْرَأَةٍ؟ فَقَالَتْ: اِقْتَدِ بِالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) أَوْصَى إِلَى أُخْتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ (عليه السلام) فِي اَلظَّاهِرِ، وَكَانَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام) مِنْ عِلْمٍ يُنْسَبُ إِلَى زَيْنَبَ سَتْراً عَلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام). ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّكُمْ قَوْمٌ أَصْحَابُ أَخْبَارٍ، أَمَا رَوَيْتُمْ أَنَّ اَلتَّاسِعَ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) يُقْسَمُ مِيرَاثُهُ وَهُوَ فِي اَلْحَيَاةِ؟
وَرَوَى هَذَا اَلْخَبَرَ اَلتَّلَّعُكْبَرِيُّ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلنَّهَاوَنْدِيِّ(780)، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُسْلِمٍ اَلْحَنَفِيِّ، عَنْ أَبِي حَامِدٍ اَلمَرَاغِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ حَكِيمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ أُخْتَ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ(781).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(779) في بعض النُّسَخ: (خديجة)، والصحيح ما أثبتناه.
(780) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 48 و49/ الرقم 102): (الحسن بن محمّد النهاوندي، أبو عليٍّ، متكلِّم جيِّد الكلام، له كُتُب).
(781) رواه باختلاف الخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 366 و367) بإسناده عن الأسدي، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 271 و272) عن أبي الحسن محمّد بن جعفر الأسدي، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 501/ باب 45/ ح 27، وص 506 و507/ باب 45/ ح 36) بإسناده عن محمّد بن جعفر.

(٢٧٢)

197 - وَقَدْ تَقَدَّمَتِ اَلرِّوَايَةُ(782) مِنْ قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) حِينَ وُلِدَ لَهُ: «وَزَعَمَتِ اَلظَّلَمَةُ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَنِي لِيَقْطَعُوا هَذَا اَلنَّسْلَ، فَكَيْفَ رَأَوْا قُدْرَةَ اَلله؟»، وَسَمَّاهُ: اَلمُؤَمَّلَ.
198 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْأَشْعَرِيِّ، عَنِ اَلمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: خَرَجَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) حِينَ قُتِلَ اَلزُّبَيْرِيُّ: «هَذَا جَزَاءُ مَنِ اِفْتَرَى عَلَى اَلله وَعَلَى أَوْلِيَائِهِ، زَعَمَ أَنَّهُ يَقْتُلُنِي وَلَيْسَ لِي عَقِبٌ، فَكَيْفَ رَأَى قُدْرَةَ اَلله؟»، وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ، وَسَمَّاهُ: مُحَمَّداً، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ(783)،(784).
199 - أَبُو هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام): جَلَالَتُكَ تَمْنَعُنِي عَنْ مَسْأَلَتِكَ، فَتَأْذَنُ لِي فِي أَنْ أَسْأَلَكَ؟ قَالَ: «سَلْ»، قُلْتُ: يَا سَيِّدِي، هَلْ لَكَ وَلَدٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَإِنْ حَدَثَ حَدَثٌ فَأَيْنَ أَسْأَلُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: «بِالمَدِينَةِ»(785).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(782) في (ح 186).
(783) الكافي (ج 1/ ص 329/ باب الإشارة والنصِّ إلى صاحب الدار/ ح 5، وص 514/ باب مولد الصاحب (عليه السلام)/ ح 1)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 430/ باب 42/ ح 3) عن جعفر بن محمّد بن مسرور عن الحسين بن محمّد، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 349) بإسناده عن الكليني، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 426) عن أحمد بن محمد ابن عبيد الله، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 251) عن محمّد بن يعقوب.
(784) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 4): (ربَّما يُجمَع بينه وبين ما ورد من خمس وخمسين بكون السنة في هذا الخبر ظرفاً لـ (خرج) أو (قُتِلَ)، أو إحداهما على الشمسيَّة والأُخرى على القمريَّة).
نقول: والحمل الأخير لا وجه له، إذ تفاوت الشمسيَّة والقمريَّة في مدَّة ستٍّ وخمسين ومائتي سنة يكون بما يقرب من ثمان سنين لا سنة واحدة.
(785) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 328/ باب الإشارة والنصِّ إلى صاحب الدار (عليه السلام)/ ح 2)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 348) بإسناده عن الكليني، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 262)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 251) عن محمّد بن يعقوب.      
قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 226 و227): (قوله: (قال بالمدينة) لعلَّ المراد بالمدينة مدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفيه دلالة على أنَّ إقامته حال الغيبة فيها أكثر، وقد نُقِلَ أنَّ أبا هاشم رآه، ويحتمل أنْ يُراد بالمدينة سُرَّ من رأى، والله أعلم).

(٢٧٣)

200 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، رَفَعَهُ عَنْ نَسِيمٍ اَلْخَادِمِ، وَخَادِمِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) بَعْدَ مَوْلِدِهِ بِعَشْرِ لَيَالٍ، فَعَطَسْتُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: «يَرْحَمُكِ اَللهُ»، فَفَرِحْتُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «أَلَا أُبَشِّرُكِ فِي اَلْعُطَاسِ؟ هُوَ أَمَانٌ مِنَ اَلمَوْتِ ثَلَاثَ أَيَّامٍ»(786).
201 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ عَلِيٍّ اَلْقَيْسِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَيَّةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «إِذَا اِجْتَمَعَ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ: مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَاَلْحَسَنُ، فَالرَّابِعُ اَلْقَائِمُ (عليه السلام)»(787).
202 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ ضَوْءِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْعِجْلِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ - سَمَّاهُ -، قَالَ: أَتَيْتُ سُرَّ مَنْ رَأَى، وَلَزِمْتُ بَابَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَدَعَانِي مِنْ غَيْرِ أَنِ اسْتَأْذَنْتُ(788)، فَلَمَّا دَخَلْتُ فَسَلَّمْتُ قَالَ لِي: «يَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(786) رواه الخصيبي (رحمه الله) في الهدايةالكبرى (ص 358) عن غيلان الكلابي عن نسيم، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 261) عن علَّان عن نسيم باختلاف، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 430/ باب 42/ ذيل الحديث 5) بإسناده عن نسيم الخادم باختلاف، وفي (ص 441/ باب 43/ ح 11) بسند آخر عن نسيم خادمة أبي محمّد (عليه السلام) باختلاف، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 217)، وابن حمزة الطوسي (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 203/ ح 180/9) عن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله عن نسيم باختلاف، وحسن بن الفضل الطبرسي (رحمه الله) في مكارم الأخلاق (ص 354)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 465 و466/ ح 11، وج 2/ ص 693 و694/ ح 7).
(787) رواه باختلاف يسير ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 113 و114/ ح 101)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 268)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 333 و334/ باب 33/ ح 2)، والخزَّاز القمِّي (رحمه الله) في كفاية الأثر (ص 284 و285)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 234).
(788) في بعض النُّسَخ: (أستأذن).

(٢٧٤)

فُلَانُ، كَيْفَ حَالُكَ؟»، ثُمَّ قَالَ: «اُقْعُدْ، يَا فُلَانُ»، ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ مِنْ أَهْلِي، ثُمَّ قَالَ لِي: «مَا اَلَّذِي أَقْدَمَكَ؟».
قُلْتُ: رَغْبَةٌ فِي خِدْمَتِكَ.
قَالَ: «فَالْزَمِ اَلدَّارَ».
قَالَ: فَكُنْتُ فِي اَلدَّارِ مَعَ اَلْخَدَمِ، ثُمَّ صِرْتُ أَشْتَرِي لَهُمُ اَلْحَوَائِجَ مِنَ اَلسُّوقِ، وَكُنْتُ أَدْخُلُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ إِذَا كَانَ فِي دَارِ اَلرِّجَالِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْماً وَهُوَ فِي دَارِ اَلرِّجَالِ، فَسَمِعْتُ حَرَكَةً فِي اَلْبَيْتِ، وَنَادَانِي: «مَكَانَكَ لَا تَبْرَحْ»، فَلَمْ أَجْسُرْ أَخْرُجُ وَلَا أَدْخُلُ، فَخَرَجَتْ عَلَيَّ جَارِيَةٌ مَعَهَا شَيْءٌ مُغَطًّى، ثُمَّ نَادَانِي: «اُدْخُلْ»، فَدَخَلْتُ، ثُمَّ نَادَى اَلْجَارِيَةَ، فَرَجَعَتْ، فَقَالَ لَهَا: «اِكْشِفِي عَمَّا مَعَكِ»، فَكَشَفَتْ عَنْ غُلَامٍ أَبْيَضَ، حَسَنِ اَلْوَجْهِ، فَكَشَفَ عَنْ بَطْنِهِ، فَإِذَا شَعْرٌ نَابِتٌ مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ، أَخْضَرُ لَيْسَ بِأَسْوَدَ، فَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ»، ثُمَّ أَمَرَهَا، فَحَمَلَتْهُ، فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام).
فَقَالَ ضَوْءُ بْنُ عَلِيٍّ: قُلْتُ لِلْفَارِسِيِّ: كَمْ كُنْتَ تُقَدِّرُ لَهُ مِنَ اَلسِّنِينَ؟ قَالَ: سَنَتَيْنِ. قَالَ اَلْعَبْدِيُّ(789): فَقُلْتُ لِضَوْءٍ: كَمْ تُقَدِّرُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو عَبْدِ اَلله(790): وَنَحْنُ نُقَدِّرُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً(791).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(789) هو عليُّ بن عبد الرحمن العبدي راوي الخبر عن ضوء بن عليٍّ.
(790) أبو عليٍّ وأبو عبد الله هما محمّد والحسن ابنا عليِّ بن إبراهيم، روياه عن العبدي، على ما في سند الخبر في الكافي وغيره.
(791) الكافي (ج 1/ ص 514 و515/ باب مولد الصاحب (عليه السلام)/ ح 2)، وفي (ج 1/ ص 329/ باب الإشارة والنصِّ إلى صاحب الدار (عليه السلام)/ ح 6) إلى قوله: (حتَّى مضى أبو محمّد (عليه السلام))؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 435 و436/ باب 43/ ح 4) بإسناده عن الكليني، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 427) عن نصر بن عليٍّ العجلي، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 957 - 959) عن ضوء بن عليٍّ العجلي.
قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 7/ ص 336 و337): (قوله: (عن رجل من أهل فارس سمَّاه قال: أتيت سُرَّ من رأى) لعلَّ إخباره كان في حياة أبي محمّد (عليه السلام) كما سنشير إليه. قوله: (كم كنت تُقدِّر له من السنين) أي من حين الولادة إلى الآن، وهو آن الإخبار، فقوله: (سنتين) دلَّ على أنَّ الإخبار كان في حال حياة أبيه (عليهما السلام)، يظهر ذلك لمن نظر في تاريخ تولُّده وتاريخ وفاة أبيه. وجعل مبدأ السنتين ومنتهاهما الوفاة وزمان الإخبار، أو جعل مبدئهما التولُّد ومنتهاهما زمان الرؤية بعيد جدًّا. قوله: (كم تُقدِّر له أنت؟ قال: أربع عشرة) أي أربع عشرة سنة، وذلك بأنْ مضى من زمان الفارسي اثنتا عشرة سنة...، قوله: (قال أبو عليٍّ وأبو عبد الله) هما محمّد والحسن ابنا عليِّ بن إبراهيم، وتقديرهما لسنِّه (عليه السلام) عند الإخبار بإحدى وعشرين سنة لا يوافق ما مرَّ من سنة تسع وسبعين إلَّا على قول من قال: إنَّ مولده في الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين كما نقله بعض أرباب السِّيَر، فليُتأمَّل).

(٢٧٥)

203 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ عَمْرٍو اَلْأَهْوَازِيِّ، قَالَ: أَرَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) اِبْنَهُ، وَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي»(792).
204 - وَأَخْبَرَنِي اِبْنُ أَبِي جِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ، عَنِ اَلصَّفَّارِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ اَلْقُمِّيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله اَلمُطَهَّرِيِّ، عَنْ حَكِيمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ اِبْنِ عَلِيٍّ اَلرِّضَا، قَالَتْ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَقَالَ: «يَا عَمَّةِ، اِجْعَلِي اَللَّيْلَةَ إِفْطَارَكِ عِنْدِي، فَإِنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) سَيَسُرُّكِ بِوَلِيِّهِ وَحُجَّتِهِ عَلَى خَلْقِهِ، خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي»، قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَتَدَاخَلَنِي لِذَلِكَ سُرُورٌ شَدِيدٌ، وَأَخَذْتُ ثِيَابِي عَلَيَّ وَخَرَجْتُ مِنْ سَاعَتِي حَتَّى اِنْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، وَهُوَ جَالِسٌ فِي صَحْنِ دَارِهِ، وَجَوَارِيهِ حَوْلَهُ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا سَيِّدِي، اَلْخَلَفُ مِمَّنْ هُوَ؟ قَالَ: «مِنْ سَوْسَنَ»، فَأَدَرْتُ طَرْفِي فِيهِنَّ، فَلَمْ أَرَ جَارِيَةً عَلَيْهَا أَثَرٌ غَيْرَ سَوْسَنَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(792) الكافي (ج 1/ ص 328/ باب الإشارة والنصِّ إلى صاحب الدار (عليه السلام)/ ح 3)؛ ورواه باختلاف يسير المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 348)، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 427)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 252).

(٢٧٦)

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمَّا أَنْ صَلَّيْتُ اَلمَغْرِبَ وَاَلْعِشَاءَ اَلْآخِرَةَ أُتِيتُ بِالمَائِدَةِ، فَأَفْطَرْتُ أَنَا وَسَوْسَنُ، وَبَايَتُّهَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَغَفَوْتُ غَفْوَةً(793)، ثُمَّ اِسْتَيْقَظْتُ، فَلَمْ أَزَلْ مُفَكِّرَةً فِيمَا وَعَدَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مِنْ أَمْرِ وَلِيِّ اَلله (عليه السلام)، فَقُمْتُ قَبْلَ اَلْوَقْتِ اَلَّذِي كُنْتُ أَقُومُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِلصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ اَللَّيْلِ حَتَّى بَلَغْتُ إِلَى اَلْوَتْرِ، فَوَثَبَتْ سَوْسَنُ فَزِعَةً، وَخَرَجْتُ فَزِعَةً وَ[خَرَجَتْ](794) وَأَسْبَغَتِ اَلْوُضُوءَ، ثُمَّ عَادَتْ فَصَلَّتْ صَلَاةَ اَللَّيْلِ، وَبَلَغَتْ إِلَى اَلْوَتْرِ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّ اَلْفَجْرَ (قَدْ)(795) قَرُبَ، فَقُمْتُ لِأَنْظُرَ، فَإِذَا بِالْفَجْرِ اَلْأَوَّلِ قَدْ طَلَعَ، فَتَدَاخَلَ قَلْبِيَ اَلشَّكُّ مِنْ وَعْدِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَنَادَانِي مِنْ حُجْرَتِهِ: «لَا تَشُكِّي، وَكَأَنَّكِ(796) بِالْأَمْرِ اَلسَّاعَةَ قَدْ رَأَيْتِهِ إِنْ شَاءَ اَللهُ تَعَالَى».
قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، وَمِمَّا وَقَعَ فِي قَلْبِي، وَرَجَعْتُ إِلَى اَلْبَيْتِ وَأَنَا خَجِلَةٌ، فَإِذَا هِيَ قَدْ قَطَعَتِ اَلصَّلَاةَ وَخَرَجَتْ فَزِعَةً، فَلَقِيتُهَا عَلَى بَابِ اَلْبَيْتِ، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتِ (وَأُمِّي)(797)، هَلْ تُحِسِّينَ شَيْئاً؟ قَالَتْ: نَعَمْ يَا عَمَّةِ، إِنِّي لَأَجِدُ أَمْراً شَدِيداً، قُلْتُ: لَا خَوْفٌ عَلَيْكِ إِنْ شَاءَ اَللهُ تَعَالَى، وَأَخَذْتُ وِسَادَةً فَأَلْقَيْتُهَا فِي وَسَطِ اَلْبَيْتِ، وَأَجْلَسْتُهَا عَلَيْهَا، وَجَلَسْتُ مِنْهَا حَيْثُ تَقْعُدُ اَلمَرْأَةُ مِنَ اَلمَرْأَةِ لِلْوِلَادَةِ، فَقَبَضَتْ عَلَى كَفِّي، وَغَمَزَتْ غَمْزَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً، وَتَشَهَّدَتْ، وَنَظَرْتُ تَحْتَهَا، فَإِذَا أَنَا بِوَلِيِّ اَلله (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) مُتَلَقِّياً اَلْأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ، فَأَخَذْتُ بِكَتِفَيْهِ، فَأَجْلَسْتُهُ فِي حَجْرِي، فَإِذَا هُوَ نَظِيفٌ مَفْرُوغٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(793) في تهذيب اللغة (ج 8/ ص 178/ مادَّة غفا): (غفا: يقال: أغفي الرجل وغيره، إذا نام نومة خفيفة).
(794) ما بين المعقوفتين من بعض النُّسَخ، وكذا ما يأتي.
(795) ليس في بعض النُّسَخ.
(796) في بعض النُّسَخ: (فكأنَّك).
(797) ليس في بعض النُّسَخ.

(٢٧٧)

مِنْهُ، فَنَادَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «يَا عَمَّةِ، هَلُمِّي فَأْتِينِي بِابْنِي»، فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَتَنَاوَلَهُ، وَأَخْرَجَ لِسَانَهُ، فَمَسَحَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ، فَفَتَحَهَا(798)، ثُمَّ أَدْخَلَهُ فِي فِيهِ، فَحَنَّكَهُ، ثُمَّ [أَدْخَلَهُ] فِي أُذُنَيْهِ وَأَجْلَسَهُ فِي رَاحَتِهِ اَلْيُسْرَى، فَاسْتَوَى وَلِيُّ اَلله جَالِساً، فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ لَهُ: «يَا بُنَيَّ، اِنْطِقْ بِقُدْرَةِ اَلله»، فَاسْتَعَاذَ وَلِيُّ اَلله (عليه السلام) مِنَ اَلشَّيْطَانِ اَلرَّجِيمِ، وَاِسْتَفْتَحَ: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القَصص: 5 و6]، وَصَلَّى عَلَى رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَعَلَى أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ وَاَلْأَئِمَّةِ(عليهم السلام) وَاحِداً وَاحِداً حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى أَبِيهِ، فَنَاوَلَنِيهِ(799) أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَقَالَ: «يَا عَمَّةِ، رُدِّيهِ إِلَى أُمِّهِ حَتَّى ﴿تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القَصص: 13]، فَرَدَدْتُهُ إِلَى أُمِّهِ وَقَدِ اِنْفَجَرَ اَلْفَجْرُ اَلثَّانِي، فَصَلَّيْتُ اَلْفَرِيضَةَ وَعَقَّبْتُ إِلَى أَنْ طَلَعَتِ اَلشَّمْسُ، ثُمَّ وَدَّعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَاِنْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ اِشْتَقْتُ إِلَى وَلِيِّ اَلله، فَصِرْتُ إِلَيْهِمْ، فَبَدَأْتُ بِالْحُجْرَةِ اَلَّتِي كَانَتْ سَوْسَنُ فِيهَا، فَلَمْ أَرَ أَثَراً وَلَا سَمِعْتُ ذِكْراً، فَكَرِهْتُ أَنْ أَسْأَلَ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَبْدَأَهُ بِالسُّؤَالِ، فَبَدَأَنِي، فَقَالَ: «هُوَ يَا عَمَّةِ فِي كَنَفِ اَلله وَحِرْزِهِ وَسِتْرِهِ وَغَيْبِهِ حَتَّى يَأْذَنَ اَللهُ لَهُ، فَإِذَا غَيَّبَ اَللهُ شَخْصِي وَتَوَفَّانِي وَرَأَيْتِ شِيعَتِي قَدِ اِخْتَلَفُوا فَأَخْبِرِي اَلثِّقَاتَ مِنْهُمْ، وَلْيَكُنْ عِنْدَكِ وَعِنْدَهُمْ مَكْتُوماً، فَإِنَّ وَلِيَّ اَلله يُغَيِّبُهُ اَللهُ عَنْ خَلْقِهِ وَيَحْجُبُهُ عَنْ عِبَادِهِ، فَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ حَتَّى يُقَدِّمَ لَهُ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) فَرَسَهُ، ﴿لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً﴾ [الأنفال: 42]».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(798) في بعض النُّسَخ: (ففتحتهما).
(799) في بعض النُّسَخ: (وناولنيه).

(٢٧٨)

205 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى اَلْعَطَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّوَيْهِ اَلرَّازِيِّ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رِزْقِ اَلله، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ(800)، قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَكِيمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) بِمِثْلِ مَعْنَى اَلْحَدِيثِ اَلْأَوَّلِ إِلَّا أَنَّهَا قَالَتْ: فَقَالَ لِي أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «يَا عَمَّةِ، إِذَا كَانَ اَلْيَوْمُ اَلسَّابِعُ فَأْتِينَا»، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ جِئْتُ لِأُسَلِّمَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، وَكَشَفْتُ عَنِ اَلسِّتْرَ لِأَتَفَقَّدَ سَيِّدِي، فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا فَعَلَ سَيِّدِي؟ فَقَالَ: «يَا عَمَّةِ، اِسْتَوْدَعْنَاهُ اَلَّذِي اِسْتَوْدَعَتْ أُمُّ مُوسَى»، فَلَمَّا كَانَ اَلْيَوْمُ اَلسَّابِعُ جِئْتُ فَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ، فَقَالَ: «هَلُمُّوا اِبْنِي»، فَجِيءَ بِسَيِّدِي وَهُوَ فِي خِرَقٍ صُفْرٍ، فَفَعَلَ بِهِ كَفِعْلِهِ(801) اَلْأَوَّلِ، ثُمَّ أَدْلَى لِسَانَهُ فِي فِيهِ كَأَنَّمَا يُغَذِّيهِ لَبَناً وَعَسَلاً، ثُمَّ قَالَ: «تَكَلَّمْ، يَا بُنَيَّ»، فَقَالَ (عليه السلام): «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ»، وَثَنَّى بِالصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى اَلْأَئِمَّةِ (عليهم السلام) حَتَّى وَقَفَ عَلَى أَبِيهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ...﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القَصص: 5 و6](802).
206 - أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَمِيعِ بْنِ بُنَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي اَلدَّارِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ رَوْحٍ اَلْأَهْوَازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَكِيمَةَ بِمِثْلِ مَعْنَى اَلْحَدِيثِ اَلْأَوَّلِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَالَتْ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) لَيْلَةَ اَلنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(800) هو موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، كما في كمال الدِّين.
(801) في بعض النُّسَخ: (كفعاله).
(802) رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 424 - 426/ باب 42/ ح 1) مفصَّلاً، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 256 و257) مرسَلاً، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 214 - 217)، وابن حمزة الطوسي (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 203/ ح 179/8) عن موسى بن محمّد بن القاسم مختصراً.

(٢٧٩)

رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَتْ: وَقُلْتُ لَهُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله، مَنْ أُمُّهُ؟ قَالَ: «نَرْجِسُ»، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ فِي اَلْيَوْمِ اَلثَّالِثِ اِشْتَدَّ شَوْقِي إِلَى وَلِيِّ اَلله، فَأَتَيْتُهُمْ عَائِدَةً، فَبَدَأْتُ بِالْحُجْرَةِ اَلَّتِي فِيهَا اَلْجَارِيَةُ، فَإِذَا أَنَا بِهَا جَالِسَةً فِي مَجْلِسِ اَلمَرْأَةِ اَلنُّفَسَاءِ، وَعَلَيْهَا أَثْوَابٌ صُفْرٌ، وَهِيَ مُعَصَّبَةُ اَلرَّأْسِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهَا، وَاِلْتَفَتُّ إِلَى جَانِبِ اَلْبَيْتِ وَإِذَا بِمَهْدٍ عَلَيْهِ أَثْوَابٌ خُضْرٌ، فَعَدَلْتُ إِلَى اَلمَهْدِ وَرَفَعْتُ عَنْهُ اَلْأَثْوَابَ، فَإِذَا أَنَا بِوَلِيِّ اَلله نَائِمٌ عَلَى قَفَاهُ غَيْرَ مَحْزُومٍ وَلَا مَقْمُوطٍ، فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَجَعَلَ يَضْحَكُ وَيُنَاجِينِي بِإِصْبَعِهِ(803)، فَتَنَاوَلْتُهُ وَأَدْنَيْتُهُ إِلَى فَمِي لِأُقَبِّلَهُ، فَشَمِمْتُ مِنْهُ رَائِحَةً مَا شَمِمْتُ قَطُّ أَطْيَبَ مِنْهَا، وَنَادَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «يَا عَمَّتِي، هَلُمِّي فَتَايَ إِلَيَّ»، فَتَنَاوَلَهُ وَقَالَ(804): «يَا بُنَيَّ، اِنْطِقْ»، وَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ.
قَالَتْ: ثُمَّ تَنَاوَلْتُهُ مِنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: «يَا بُنَيَّ، أَسْتَوْدِعُكَ اَلَّذِي اِسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى، كُنْ فِي دَعَةِ اَلله وَسِتْرِهِ وَكَنَفِهِ وَجِوَارِهِ»، وَقَالَ: «رُدِّيهِ إِلَى أُمِّهِ يَا عَمَّةِ، وَاُكْتُمِي خَبَرَ هَذَا اَلمَوْلُودِ عَلَيْنَا، وَلَا تُخْبِرِي بِهِ أَحَداً حَتَّى يَبْلُغَ اَلْكِتَابُ أَجَلَهُ»، فَأَتَيْتُ أُمَّهُ، وَوَدَّعْتُهُمْ، وَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ.
أحمد بن عليٍّ الرازي، عن محمّد بن عليٍّ، عن حنظلة بن زكريَّا، قال: حدَّثني الثقة، عن محمّد بن عليِّ بن بلال(805)، عن حكيمة، بمثل ذلك.
207 - وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ اَلشُّيُوخِ أَنَّ حَكِيمَةَ حَدَّثَتْ بِهَذَا اَلْحَدِيثِ، وَذَكَرَتْ أَنَّهُ كَانَ لَيْلَةَ اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَأَنَّ أُمَّهُ نَرْجِسُ، وَسَاقَتِ اَلْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهَا: فَإِذَا أَنَا بِحِسِّ سَيِّدِي وَبِصَوْتِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَهُوَ يَقُولُ: «يَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(803) في بعض النُّسَخ: (بإصبعيه).
(804) في بعض النُّسَخ: (وقال له).
(805) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 394/ الرقم 5812/13) في الكنى من أصحاب الهادي (عليه السلام)، قائلاً: (أبو طاهر محمّد وأبو الحسن وأبو الطيِّب بنو عليِّ بن بلال)، وفي (ص 401/ الرقم 5886/4) من أصحاب العسكري (عليه السلام)، قائلاً: (محمّد بن عليِّ بن بلال، ثقة).

(٢٨٠)

عَمَّتِي، هَاتِي اِبْنِي إِلَيَّ»، فَكَشَفْتُ عَنْ سَيِّدِي، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ مُتَلَقِّياً اَلْأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ، وَعَلَى ذِرَاعِهِ اَلْأَيْمَنِ مَكْتُوبٌ: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾ [الإسراء: 81]، فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ، فَوَجَدْتُهُ مَفْرُوغاً مِنْهُ، فَلَفَّفْتُهُ فِي ثَوْبٍ وَحَمَلْتُهُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام).
وَذَكَرُوا اَلْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَلله، وَأَنَّ عَلِيًّا أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ حَقًّا»، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَعُدُّ اَلسَّادَةَ اَلْأَوْصِيَاءَ إِلَى أَنْ بَلَغَ إِلَى نَفْسِهِ، وَدَعَا لِأَوْلِيَائِهِ بِالْفَرَجِ عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ أَحْجَمَ.
وَقَالَتْ: ثُمَّ رُفِعَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) كَالْحِجَابِ، فَلَمْ أَرَ سَيِّدِي، فَقُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ: يَا سَيِّدِي، أَيْنَ مَوْلَايَ؟ فَقَالَ: «أَخَذَهُ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْكَ وَمِنَّا».
ثُمَّ ذَكَرُوا اَلْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، وَزَادُوا فِيهِ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَإِذَا مَوْلَانَا اَلصَّاحِبُ يَمْشِي فِي اَلدَّارِ، فَلَمْ أَرَ وَجْهاً أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِهِ، وَلَا لُغَةً أَفْصَحَ مِنْ لُغَتِهِ، فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «هَذَا اَلمَوْلُودُ اَلْكَرِيمُ عَلَى اَلله (عزَّ وجلَّ)»، فَقُلْتُ: سَيِّدِي أَرَى مِنْ أَمْرِهِ مَا أَرَى وَلَهُ أَرْبَعُونَ يَوْماً، فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: «يَا عَمَّتِي، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّا مَعَاشِرَ اَلْأَئِمَّةِ نَنْشَأُ فِي اَلْيَوْمِ مَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي اَلسَّنَةِ»، فَقُمْتُ فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَاِنْصَرَفْتُ، ثُمَّ عُدْتُ وَتَفَقَّدْتُهُ، فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام): مَا فَعَلَ مَوْلَانَا؟ فَقَالَ: «يَا عَمَّةِ، اِسْتَوْدَعْنَاهُ اَلَّذِي اِسْتَوْدَعَتْ أُمُّ مُوسَى»(806).
208 - أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ بِلَالِ بْنِ دَاوُدَ اَلْكَاتِبُ، وَكَانَ عَامِّيًّا بِمَحَلٍّ مِنَ اَلنَّصْبِ لِأَهْلِ اَلْبَيْتِ (عليهم السلام)، يُظْهِرُ ذَلِكَ وَلَا يَكْتُمُهُ، وَكَانَ صَدِيقاً لِي يُظْهِرُ مَوَدَّةً بِمَا فِيهِ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(806) رواه الخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 355 - 357)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 257 - 260)، وحسين بن عبد الوهَّاب (رحمه الله) في عيون المعجزات (ص 127 - 130).

(٢٨١)

طَبْعِ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ، فَيَقُولُ - كُلَّمَا لَقِيَنِي -: لَكَ عِنْدِي خَبَرٌ تَفْرَحُ بِهِ وَلَا أُخْبِرُكَ بِهِ، فَأَتَغَافَلُ عَنْهُ، إِلَى أَنْ جَمَعَنِي وَإِيَّاهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ، فَاسْتَقْصَيْتُ عَنْهُ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُخْبِرَنِي بِهِ، فَقَالَ: كَانَتْ دُورُنَا بِسُرَّ مَنْ رَأَى مُقَابِلَ دَارِ اِبْنِ اَلرِّضَا - يَعْنِي أَبَا مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليه السلام) -، فَغِبْتُ عَنْهَا دَهْراً طَوِيلاً إِلَى قَزْوِينَ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قُضِيَ لِيَ اَلرُّجُوعُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا وَافَيْتُهَا وَقَدْ كُنْتُ فَقَدْتُ جَمِيعَ مَنْ خَلَّفْتُهُ مِنْ أَهْلِي وَقَرَابَاتِي إِلَّا عَجُوزاً كَانَتْ رَبَّتْنِي، وَلَهَا بِنْتٌ مَعَهَا، وَكَانَتْ مِنْ طَبْعِ اَلْأَوَّلِ(807) مَسْتُورَةً صَائِنَةً لَا تُحْسِنُ اَلْكَذِبَ، وَكَذَلِكَ مَوَالِيَاتٌ لَنَا بَقِينَ فِي اَلدَّارِ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُنَّ أَيَّاماً ثُمَّ عَزَمْتُ اَلْخُرُوجَ، فَقَالَتِ اَلْعَجُوزَةُ: كَيْفَ تَسْتَعْجِلُ اَلاِنْصِرَافَ وَقَدْ غِبْتَ زَمَاناً؟ فَأَقِمْ عِنْدَنَا لِنَفْرَحَ بِمَكَانِكَ، فَقُلْتُ لَهَا عَلَى جِهَةِ اَلْهُزْءِ: أُرِيدُ أَنْ أَصِيرَ إِلَى كَرْبَلَاءَ، وَكَانَ اَلنَّاسُ لِلْخُرُوجِ فِي اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ لِيَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، أُعِيذُكَ بِالله أَنْ تَسْتَهِينَ مَا ذَكَرْتَ أَوْ تَقُولَهُ عَلَى وَجْهِ اَلْهُزْءِ، فَإِنِّي أُحَدِّثُكَ بِمَا رَأَيْتُهُ بعيني بَعْدَ خُرُوجِكَ مِنْ عِنْدِنَا بِسَنَتَيْنِ.
كُنْتُ فِي هَذَا اَلْبَيْتِ نَائِمَةً بِالْقُرْبِ مِنَ اَلدِّهْلِيزِ، وَمَعِي اِبْنَتِي، وَأَنَا بَيْنَ اَلنَّائِمَةِ وَاَلْيَقْظَانَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ حَسَنُ اَلْوَجْهِ نَظِيفُ اَلثِّيَابِ طَيِّبُ اَلرَّائِحَةِ، فَقَالَ: يَا فُلَانَةُ، يَجِيئُكِ اَلسَّاعَةَ مَنْ يَدْعُوكِ فِي اَلْجِيرَانِ، فَلَا تَمْتَنِعِي مِنَ اَلذَّهَابِ مَعَهُ، وَلَا تَخَافِي، فَفَزِعْتُ، فَنَادَيْتُ اِبْنَتِي، وَقُلْتُ لَهَا: هَلْ شَعَرْتِ بِأَحَدٍ دَخَلَ اَلْبَيْتَ؟ فَقَالَتْ: لَا، فَذَكَرْتُ اَللهَ وَقَرَأْتُ وَنِمْتُ، فَجَاءَ اَلرَّجُلُ بِعَيْنِهِ، وَقَالَ لِي مِثْلَ قَوْلِهِ، فَفَزِعْتُ وَصِحْتُ بِابْنَتِي، فَقَالَتْ: لَمْ يَدْخُلِ اَلْبَيْتَ، فَاذْكُرِي اَللهَ وَلَا تَفْزَعِي، فَقَرَأْتُ وَنِمْتُ.
فَلَمَّا كَانَ فِي اَلثَّالِثَةِ جَاءَ اَلرَّجُلُ وَقَالَ: يَا فُلَانَةُ، قَدْ جَاءَكِ مَنْ يَدْعُوكِ وَيَقْرَعُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(807) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 22): (قوله: (من طبع الأوَّل) أي كانت من طبع الخلق الأوَّل هكذا، أي كانت مطبوعة على تلك الخصال في أوَّل عمرها).

(٢٨٢)

اَلْبَابَ، فَاذْهَبِي مَعَهُ، وَسَمِعْتُ دَقَّ اَلْبَابِ، فَقُمْتُ وَرَاءَ اَلْبَابِ وَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: اِفْتَحِي وَلَا تَخَافِي، فَعَرَفْتُ كَلَامَهُ وَفَتَحْتُ اَلْبَابَ، فَإِذَا خَادِمٌ مَعَهُ إِزَارٌ، فَقَالَ: يَحْتَاجُ إِلَيْكِ بَعْضُ اَلْجِيرَانِ لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ، فَادْخُلِي، وَلَفَّ رَأْسِي بِالمُلَاءَةِ وَأَدْخَلَنِي اَلدَّارَ وَأَنَا أَعْرِفُهَا، فَإِذَا بِشِقَاقٍ(808) مَشْدُودَةٍ وَسَطَ اَلدَّارِ وَرَجُلٌ قَاعِدٌ بِجَنْبِ اَلشِّقَاقِ، فَرَفَعَ اَلْخَادِمُ طَرَفَهُ، فَدَخَلْتُ وَإِذَا اِمْرَأَةٌ قَدْ أَخَذَهَا اَلطَّلْقُ وَاِمْرَأَةٌ قَاعِدَةٌ خَلْفَهَا كَأَنَّهَا تَقْبَلُهَا.
فَقَالَتِ اَلمَرْأَةُ: تُعينينا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَعَالَجْتُهَا بِمَا يُعَالَجُ بِهِ مِثْلُهَا، فَمَا كَانَ إِلَّا قَلِيلاً حَتَّى سَقَطَ غُلَامٌ، فَأَخَذْتُهُ عَلَى كَفِّي وَصِحْتُ: غُلَامٌ غُلَامٌ، وَأَخْرَجْتُ رَأْسِي مِنْ طَرَفِ اَلشِّقَاقِ أُبَشِّرُ اَلرَّجُلَ اَلْقَاعِدَ، فَقِيلَ لِي: لَا تَصِيحِي، فَلَمَّا رَدَدْتُ وَجْهِي إِلَى اَلْغُلَامِ قَدْ كُنْتُ فَقَدْتُهُ مِنْ كَفِّي، فَقَالَتْ لِيَ اَلمَرْأَةُ اَلْقَاعِدَةُ: لَا تَصِيحِي، وَأَخَذَ اَلْخَادِمُ بِيَدِي وَلَفَّ رَأْسِي بِالمُلَاءَةِ وَأَخْرَجَنِي مِنَ اَلدَّارِ وَرَدَّنِي إِلَى دَارِي وَنَاوَلَنِي صُرَّةً، وَقَالَ: لَا تُخْبِرِي بِمَا رَأَيْتِ أَحَداً.
فَدَخَلْتُ اَلدَّارَ وَرَجَعْتُ إِلَى فِرَاشِي فِي هَذَا اَلْبَيْتِ وَاِبْنَتِي نَائِمَةٌ بَعْدُ، فَأَنْبَهْتُهَا وَسَأَلْتُهَا: هَلْ عَلِمْتِ بِخُرُوجِي وَرُجُوعِي؟ فَقَالَتْ: لَا، وَفَتَحْتُ اَلصُّرَّةَ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ وَإِذَا فِيهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ عَدَداً، وَمَا أَخْبَرْتُ بِهَذَا أَحَداً إِلَّا فِي هَذَا اَلْوَقْتِ لَـمَّا تَكَلَّمْتَ بِهَذَا اَلْكَلَامِ عَلَى حَدِّ(809) اَلْهُزْءِ، فَحَدَّثْتُكَ إِشْفَاقاً عَلَيْكَ، فَإِنَّ لِهَؤُلَاءِ اَلْقَوْمِ عِنْدَ اَلله (عزَّ وجلَّ) شَأْناً وَمَنْزِلَةً، وَكُلُّ مَا يَدَّعُونَهُ حَقٌّ.
قَالَ: فَعَجِبْتُ(810) مِنْ قَوْلِهَا وَصَرَفْتُهُ إِلَى اَلسُّخْرِيَّةِ وَاَلْهُزْءِ وَلَمْ أَسْأَلْهَا عَنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(808) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 22): (الشقاق جمع الشِّقَّة بالكسر، وهي من الثوب ما شُقَّ مستطيلاً).
وفي بعض النُّسَخ: (فإذا شقاق).
(809) في بعض النُّسَخ: (على جهة (حدٍّ خ ل)).
(810) في بعض النُّسَخ: (فتعجَّبت).
 

(٢٨٣)

اَلْوَقْتِ غَيْرَ أَنِّي أَعْلَمُ يَقِيناً أَنِّي غِبْتُ عَنْهُمْ فِي سَنَةِ نَيِّفٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ وَرَجَعْتُ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى فِي وَقْتٍ أَخْبَرَتْنِي اَلْعَجُوزَةُ بِهَذَا اَلْخَبَرِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي وِزَارَةِ عُبَيْدِ اَلله بْنِ سُلَيْمَانَ(811) لَـمَّا قَصَدْتُهُ.
قَالَ حَنْظَلَةُ: فَدَعَوْتُ بِأَبِي اَلْفَرَجِ اَلمُظَفَّرِ بْنِ أَحْمَدَ حَتَّى سَمِعَ مَعِي [مِنْهُ] هَذَا اَلْخَبَرَ.
209 - مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيِّ، قَالَ: اِجْتَمَعْتُ وَاَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدٍ اَلْأَشْعَرِيِّ، فَغَمَزَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ اَلْخَلَفِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَمْرٍو، إِنِّي لَأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ وَمَا أَنَا بِشَاكٍّ فِيمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ، فَإِنَّ اِعْتِقَادِي وَدِينِي أَنَّ اَلْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ إِلَّا إِذَا كَانَ قَبْلَ اَلْقِيَامَةِ بِأَرْبَعِينَ يَوْماً (رُفِعَ اَلْحُجَّةَ وَغُلِقَ بَابُ اَلتَّوْبَةِ فلم يكن ينفع)(812) ﴿نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾ [الأنعام: 158]، فَأُولَئِكَ شِرَارُ [مَنْ](813) خَلَقَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ)، وَهُمُ اَلَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ اَلْقِيَامَةُ، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَزْدَادَ يَقِيناً، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ كَيْفَ يُحْيِي اَلمَوْتَى، ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: 260].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(811) هو أبو القاسم عبيد الله بن سليمان بن وهب، كان وزيراً للمعتضد استوزره في سنة (279هـ) بعد أنْ مات المعتمد وبويع له، وهو قد خالف المعتضد في لعن معاوية (عليه لعنة الله) وأنَّه - بعد أنْ أمر المعتضد بإخراج الكتاب الذي كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية وأنْ يُقرَأ الكتاب بعد صلاة الجمعة على المنبر - أحضر يوسف بن يعقوب القاضي وأمره أنْ يعمل الحيلة في إبطال ما عزم عليه المعتضد، وبعد أنْ صار الكلام بين المعتضد ويوسف بن يعقوب أمسك المعتضد فلم يردّ عليه جواباً ولم يأمر في الكتاب بعده بشيء. راجع: تاريخ الطبري (ج 8/ ص 182 - 190).
وفي بعض النُّسَخ: (عبد الله).
(812) بدل ما بين القوسين في الكافي: (فإذا كان ذلك رُفِعَت الحجَّة وأُغلق باب التوبة فلم يكُ ينفع).
(813) من الكافي، وكذا ما يأتي.

(٢٨٤)

وَقَدْ أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا اَلْحَسَنِ صَاحِبَ اَلْعَسْكَرِ (عليه السلام)، وَقَالَ: مَنْ أُعَامِلُ، وَعَمَّنْ آخُذُ، وَقَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ؟ فَقَالَ [لَهُ]: «اَلْعَمْرِيُّ ثِقَتِي، فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ فَعَنِّي يُؤَدِّي، وَمَا قَالَ لَكَ فَعَنِّي يَقُولُ، فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ، فَإِنَّهُ اَلثِّقَةُ اَلمَأْمُونُ».
وَأَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: «اَلْعَمْرِيُّ وَاِبْنُهُ ثِقَتَانِ، فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ، وَمَا قَالَا فَعَنِّي يَقُولَانِ، فَاسْمَعْ لَهُمَا وَأَطِعْهُمَا فَإِنَّهُمَا اَلثِّقَتَانِ اَلمَأْمُونَانِ»، فَهَذَا قَوْلُ إِمَامَيْنِ قَدْ مَضَيَا فِيكَ.
[قَالَ]: فَخَرَّ أَبُو عَمْرٍو سَاجِداً وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: سَلْ حَاجَتَكَ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ رَأَيْتَ اَلْخَلَفَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)؟ فَقَالَ: إِي وَاَلله، وَرَقَبَتُهُ مِثْلُ هَذَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ -، فَقُلْتُ: بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ، فَقَالَ: هَاتِ، قُلْتُ: اَلاِسْمُ، قَالَ: مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَنْ ذَلِكَ، وَلَا أَقُولُ هَذَا مِنْ عِنْدِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُحَلِّلَ وَلَا أُحَرِّمَ وَلَكِنْ عَنْهُ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ)، فَإِنَّ اَلْأَمْرَ عِنْدَ اَلسُّلْطَانِ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مَضَى وَلَمْ يُخَلِّفْ وَلَداً، وَقَسَّمَ مِيرَاثَهُ وَأَخَذَ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ، فَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ ذَا عُمَّالُهُ يَجُولُونَ، فَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْسُرُ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَيْهِمْ وَيَسْأَلَهُمْ شَيْئاً، وَإِذَا وَقَعَ اَلاِسْمُ وَقَعَ اَلطَّلَبُ، فَاللهَ اَللهَ، اِتَّقُوا اَللهَ وَأَمْسِكُوا عَنْ ذَلِكَ(814)،(815).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(814) الكافي (ج 1/ ص 329 و330/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 1)، عنه إعلام الورى (ج 2/ ص 218 و219).
ويأتي في (ح 322)، وله تخريج نذكره هناك.
(815) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 230 - 232): (قوله: (والشيخ أبو عمرو) هو عثمان [بن] سعيد العمري، وهو أوَّل وكيل من الوكلاء الأربعة، وأوَّل سفير منهم. قوله: (أحمد بن إسحاق) هو أحد المذكورين سابقاً. قوله: (فغمزني أحمد بن إسحاق) الغمز العصر والكبس باليد، والإشارة كالرمز بالعين أو الحاجب أو اليد، يقال: غمزت الشيء بيدي، وغمزته بعيني. قوله: (رُفِعَت الحجَّة وأُغلق باب التوبة) المراد بالحجَّة القرآن وصاحب ←

(٢٨٥)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ الزمان (عليه السلام)، وظاهر قوله: (أُغلق باب التوبة) وظاهر الآية يُشعِران بسقوط التكليف في ذلك الزمان، وظاهر قوله: (فاُولئك شرار من خلق الله) يُشعِر ببقائه، ولم يحضرني من الأخبار ما يدلُّ على أحدهما، ويمكن أنْ يُرجَّح الأوَّل بما دلَّ من الأخبار على أنَّه «لو بقي في الأرض اثنان لكان أحدهما الحجَّة»، وعلى أنَّه «لو بقيت الأرض بغير حجَّة لساخت» بتخصيص هذه الأخبار بزمان التكليف، وبذلك يندفع التنافي بينها وبين هذا القول، ويمكن رفع التنافي أيضاً بتخصيصها بغير الأربعين وإنْ وقع التكليف في الأربعين أيضاً لعدم الاعتداد به، ولكنَّه بعيد جدًّا فليُتأمَّل. قوله: (فلم يكن ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً)، (إيمانها) فاعل (ينفع)، و(لم تكن آمنت) صفة لـ (نفساً)، و(أو كسبت) عطف على (آمنت)، يعني إذا تحقَّقت هذه الآية التي هي من آيات قيام القيامة أعني رفع الحجَّة وسدَّ باب التوبة لا ينفع الإيمان حينئذٍ نفساً لم تؤمن قبل هذه الآية أو آمنت ولم تكسب في إيمانها خيراً من قبل، لأنَّ هذا الزمان لـمَّا كان من مقدَّمات يوم القيامة كان حكمه حكم يوم القيامة في أنَّه لا ينفع الإيمان والعمل فيه، وهذا حجَّة لمن ذهب إلى أنَّ الإيمان المجرَّد عن العمل لا ينفع، وأمَّا من ذهب إلى أنَّه ينفع فهو إمَّا أنْ يُخصِّص عدم النفع بذلك الزمان، أو يجعل العطف على (لم تكن آمنت) ليصير المعنى: لا ينفع الإيمان حينئذٍ نفساً كسبت في إيمانها خيراً فكيف إذ لم يكسبه. قوله: (فأُولئك شرار من خلق الله) أي أُولئك الذين بقوا في الأرض بعد رفع الحجَّة منه وسدِّ باب التوبة عليهم شرار من خلق الله لفقد الخير فيهم، ولا بدَّ من تخصيصهم بمن لم يؤمن ولم يعمل خيراً قبل الرفع والسدِّ، والشِّرار بالكسر خلاف الخيار. قوله: (تقوم عليهم القيامة) بعد إماتتهم جميعاً. قوله: (ولكنِّي أحببت أنْ أزداد يقيناً) اليقين هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، وله درجات متفاوتة ومراتب متباعدة يحصل بسبب التفاوت في رفع المزاحمات الخياليَّة والتوهُّمات الوهميَّة التي لا تقدح في أصل اليقين حتَّى يبلغ إلى مرتبة عين اليقين، وإليه يشير قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «لو كُشِفَ الغطاء ما ازددت يقيناً»، ولو لم يكن اليقين متفاوتاً لما كان بينه (عليه السلام) وبين غيره في ذلك تفاوت، وأيضاً الفرق الضروري بين يقين الأنبياء والأوصياء ويقين غيرهم قاضٍ بذلك، وتفاوت درجات الإيمان أيضاً مؤيِّد له. قوله: (وإنَّ إبراهيم (عليه السلام)) استشهاد لأنَّ سؤاله ليس بسبب الشكِّ فيما يسأله، بل لأجل أنْ يحصل له زيادة بصيرة وكمال يقين وسكون قلب كسؤال إبراهيم (عليه السلام)...، قوله: (فخرَّ أبو عمرو ساجداً وبكى) سجد لشكر النعمة، وبكى لموت الإمامين...، قوله: (فإنَّ الأمر عند السلطان) أراد بالسلطان المعتمد العبَّاسي (لعنه الله)، وهذا التعليل دلَّ صريحاً على أنَّ حرمة التصريح باسمه في زمان الغيبة، إلَّا أنَّ صاحب (كشف الغمَّة) قال: قد جاء في الأخبار أنَّه لا يحلُّ لأحد أنْ يُسمِّيه باسمه ولا أنْ يُكنِّيه بكنيته إلى أنْ يُزيِّن الله الأرض بظهور دولته، ومال إليه جماعة من الأصحاب، والله أعلم. قوله: (يجولون) جال واجتال: جاء وذهب، وفي بعض النُّسَخ: (يحولون) من التحويل، والظاهر أنَّه تصحيف. قوله: (ليس أحد يجسر أنْ يتعرَّف إليهم) أي ليس أحد يجسر أنْ يجعل نفسه معروفاً لهم يعرفونه بالمحبَّة والولاية أنْ ينيلهم ويعطيهم شيئاً يسدُّ حاجتهم خوفاً من السلطان وتبعته).

(٢٨٦)

210 - وَرُوِيَ: أَنَّ بَعْضَ أَخَوَاتِ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام) كَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ رَبَّتْهَا تُسَمَّى: نَرْجِسَ، فَلَمَّا كَبِرَتْ دَخَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: أَرَاكَ يَا سَيِّدِي تَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَقَالَ: «إِنِّي مَا نَظَرْتُ إِلَيْهَا إِلَّا مُتَعَجِّباً، أَمَا إِنَّ اَلمَوْلُودَ اَلْكَرِيمَ عَلَى اَلله تَعَالَى يَكُونُ مِنْهَا»، ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تَسْتَأْذِنَ أَبَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام) فِي دَفْعِهَا إِلَيْهِ، فَفَعَلَتْ، فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ(816).

211 - وَرَوَى عَلَّانٌ اَلْكُلَيْنِيُّ(817)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلنَّيْشَابُورِيِّ اَلدَّقَّاقِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام)، عَنِ اَلسَّيَّارِيِّ(818)، قَالَ: حَدَّثَنِي نَسِيمٌ وَمَارِيَةُ، قَالَتْ(819): لَـمَّا خَرَجَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ سَقَطَ جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ، رَافِعاً سَبَّابَتَهُ نَحْوَ اَلسَّمَاءِ، ثُمَّ عَطَسَ فَقَالَ: «اَلْحَمْدُ لِله رَبِّ اَلْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اَللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ عَبْداً دَاخِراً لِله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(816) رواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 257)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 426 - 430/ باب 42/ ح 2) مفصَّلاً، وحسين بن عبد الوهَّاب في عيون المعجزات (ص 127 - 130) باختلاف، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 257 و258).
(817) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 260 و261/ الرقم 682): (عليُّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني، المعروف بعلَّان، يُكنَّى أبا الحسن، ثقة، عين، له كتاب أخبار القائم (عليه السلام)).
(818) هو أحمد بن محمّد بن سيَّار السيَّاري. راجع: رجال النجاشي (ص 80/ الرقم 192).
(819) كذا في بعض النُّسَخ، والأظهر أنَّه سهو والصحيح: (قالتا).

(٢٨٧)

غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ وَلَا مُسْتَكْبِرٍ»، ثُمَّ قَالَ: «زَعَمَتِ اَلظَّلَمَةُ أَنَّ حُجَّةَ اَلله دَاحِضَةٌ، وَلَوْ أُذِنَ لَنَا فِي اَلْكَلَامِ لَزَالَ اَلشَّكُّ»(820).
212 - وَرَوَى عَلَّانٌ بِإِسْنَادِهِ: أَنَّ اَلسَّيِّدَ (عليه السلام) وُلِدَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ مِنَ اَلْهِجْرَةِ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي اَلْحَسَنِ بِسَنَتَيْنِ(821).
213 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلشَّلْمَغَانِيُّ فِي كِتَابِ (اَلْأَوْصِيَاءِ)، قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ نَصْرٍ غُلَامُ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَـمَّا وُلِدَ اَلسَّيِّدُ (عليه السلام) تَبَاشَرَ أَهْلُ اَلدَّارِ بِذَلِكَ، فَلَمَّا نَشَأَ خَرَجَ إِلَيَّ اَلْأَمْرُ أَنْ أَبْتَاعَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَعَ اَللَّحْمِ قَصَبَ مُخٍّ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا لِمَوْلَانَا اَلصَّغِيرِ (عليه السلام)(822).
214 - وَعَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي اَلثِّقَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِدْرِيسَ(823)، قَالَ: وَجَّهَ إِلَيَّ مَوْلَايَ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) بِكَبْشٍ وَقَالَ: «عُقَّهُ عَنِ اِبْنِي فُلَانٍ، وَكُلْ وَأَطْعِمْ أَهْلَكَ»، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لِي: «اَلمَوْلُودُ اَلَّذِي وُلِدَ لِي مَاتَ»، ثُمَّ وَجَّهَ إِلَيَّ بِكَبْشَيْنِ، وَكَتَبَ: «بِسْمِ اَلله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، عُقَّ هَذَيْنِ اَلْكَبْشَيْنِ عَنْ مَوْلَاكَ، وَكُلْ هَنَّأَكَ اَللهُ وَأَطْعِمْ إِخْوَانَكَ»، فَفَعَلْتُ، وَلَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَا ذَكَرَ لِي شَيْئاً(824).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(820) رواه الخصيبي في الهداية الكبرى (ص 357 و358) عن غيلان الكلابي، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 260) عن علَّان الكلابي، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 430/ باب 42/ ح 5) بإسناده عن محمّد بن يحيى العطَّار، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 217)، وابن حمزة الطوسي (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 584/ ح 532/1)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 457/ ح 2).
(821) رواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 2560) عن علَّان، وفيه: (خمس وخمسين ومائتين)، و(بنحو سنتين) بدل (بسنتين).
(822) رواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 260) عن حمزة بن نصر.
(823) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 59)، والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 383/ الرقم 5638/9) من أصحاب الهادي (عليه السلام).
(824) رواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 260 و261) عن الثقة من إخوانه.

(٢٨٨)

215 - وَرَوَى عَلَّانٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي ظَرِيفٌ أَبُو نَصْرٍ اَلْخَادِمُ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ - يَعْنِي صَاحِبَ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) -، فَقَالَ لِي: «عَلَيَّ بِالصَّنْدَلِ اَلْأَحْمَرِ»، فَقَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَقَالَ (عليه السلام): «أَتَعْرِفُنِي؟»، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟»، فَقُلْتُ: أَنْتَ سَيِّدِي وَاِبْنُ سَيِّدِي، فَقَالَ: «لَيْسَ عَنْ هَذَا سَأَلْتُكَ»، قَالَ ظَرِيفٌ: فَقُلْتُ: جَعَلَنِيَ اَللهُ فِدَاكَ، فَسِّرْ لِي، فَقَالَ: «أَنَا خَاتَمُ اَلْأَوْصِيَاءِ، وَبِي يَدْفَعُ اَللهُ اَلْبَلَاءَ عَنْ أَهْلِي وَشِيعَتِي»(825).
216 - جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اَلله(826)، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: وَجَّهَ قَوْمٌ مِنَ اَلمُفَوِّضَةِ وَاَلمُقَصِّرَةِ كَامِلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ اَلمَدَنِيَّ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، قَالَ كَامِلٌ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَسْأَلُهُ لَا يَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَ مَعْرِفَتِي وَقَالَ بِمَقَالَتِي، قَالَ: فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) نَظَرْتُ إِلَى ثِيَابٍ بَيَاضٍ نَاعِمَةٍ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ فِي نفْسِي: وَلِيُّ اَلله وَحُجَّتُهُ يَلْبَسُ اَلنَّاعِمَ مِنَ اَلثِّيَابِ وَيَأْمُرُنَا نَحْنُ بِمُوَاسَاةِ اَلْإِخْوَانِ وَيَنْهَانَا عَنْ لُبْسِ مِثْلِهِ، فَقَالَ مُتَبَسِّماً: «يَا كَامِلُ» وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَإِذَا مِسْحٌ أَسْوَدُ خَشِنٌ عَلَى جِلْدِهِ، فَقَالَ: «هَذَا لِله، وَهَذَا لَكُمْ»، فَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ إِلَى بَابٍ عَلَيْهِ سِتْرٌ مُرْخًى، فَجَاءَتِ اَلرِّيحُ فَكَشَفَتْ طَرَفَهُ، فَإِذَا أَنَا بِفَتًى كَأَنَّهُ فِلْقَةُ قَمَرٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ مِثْلِهَا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(825) رواه الخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 358) عن غيلان الكلابي، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 261)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 441/ باب 43/ ح 12) بإسناده عن طريف أبو نصر، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 458/ ح 3) عن علَّان.
(826) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 394/ الرقم 1054): (محمّد بن جعفر بن محمد بن عبد الله النحوي أبو بكر المؤدِّب، حسن العلم بالعربيَّة والمعرفة بالحديث، له كتاب الموازنة لمن استبصر في إمامة الاثني عشر (عليهم السلام)).
وعدَّه العلَّامة (رحمه الله) في القسم الأوَّل من خلاصة الأقوال (ص 269/ الرقم 167)، وكذا ابن داود (رحمه الله) في رجاله (ص 168/ الرقم 1339).

(٢٨٩)

فَقَالَ لِي: «يَا كَامِلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ»، فَاقْشَعْرَرْتُ مِنْ ذَلِكَ وَأُلْهِمْتُ أَنْ قُلْتُ: لَبَّيْكَ، يَا سَيِّدِي، فَقَالَ: «جِئْتَ إِلَى وَلِيِّ اَلله وَحُجَّتِهِ وَبَابِهِ تَسْأَلُهُ: هَلْ يَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَ مَعْرِفَتَكَ وَقَالَ بِمَقَالَتِكَ؟»، فَقُلْتُ: إِي وَاَلله، قَالَ: «إِذَنْ وَاَلله يَقِلُّ دَاخِلُهَا، وَاَلله إِنَّهُ لَيَدْخُلُهَا قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمُ: اَلْحَقِّيَّةُ»، قُلْتُ: يَا سَيِّدِي، وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: «قَوْمٌ مِنْ حُبِّهِمْ لِعَلِيٍّ يَحْلِفُونَ بِحَقِّهِ وَلَا يَدْرُونَ مَا حَقُّهُ وَفَضْلُهُ».
ثُمَّ سَكَتَ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) عَنِّي سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «وَجِئْتَ تَسْأَلُهُ عَنْ مَقَالَةِ اَلمُفَوِّضَةِ، كَذَبُوا بَلْ قُلُوبُنَا أَوْعِيَةٌ لِمَشِيَّةِ اَلله، فَإِذَا شَاءَ شِئْنَا، وَاَللهُ يَقُولُ: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾ [الإنسان: 30]»، ثُمَّ رَجَعَ اَلسِّتْرُ إِلَى حَالَتِهِ، فَلَمْ أَسْتَطِعْ كَشْفَهُ، فَنَظَرَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مُتَبَسِّماً، فَقَالَ: «يَا كَامِلُ، مَا جُلُوسُكَ وَقَدْ أَنْبَأَكَ بِحَاجَتِكَ اَلْحُجَّةُ مِنْ بَعْدِي؟»، فَقُمْتُ وَخَرَجْتُ وَلَمْ أُعَايِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَلَقِيتُ كَامِلاً، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا اَلْحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِي بِهِ.
وروى هذا الخبر أحمد بن عليٍّ الرازي، عن محمّد بن عليٍّ، عن عليِّ بن عبد الله بن عائذ الرازي، عن الحسن بن وجناء النصيبي(827)، قال: سمعت أبا نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري، وذكر مثله(828).
217 - مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ اَلنَّضْرِ(829)، عَنِ اَلْقَنْبَرِيِّ - مِنْ وُلْدِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(827) هو الحسن بن محمّد بن الوجناء أبو محمّد النصيبي ، روى عن أبي محمّد (عليه السلام)، وروى عنه الصفواني، ذكره النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 346/ الرقم 935) في ترجمة محمّد بن أحمد بن عبد الله بن مهران.
(828) رواه باختلاف الخصيبي في الهداية الكبرى (ص 359)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 261 و262)، وفيه: (المدائني) بدل (المدني)، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 505 و506/ ح 491/95) بإسناده عن جعفر بن محمّد، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 458 و459/ ح 4) مختصراً.
(829) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 98/ الرقم 244): (أحمد بن النضر الخزَّاز أبو الحسن الجعفي، مولى، كوفي ، ثقة).

(٢٩٠)

قَنْبَرٍ اَلْكَبِيرِ - مَوْلَى أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام)، قَالَ: جَرَى حَدِيثُ جَعْفَرٍ، فَشَتَمَهُ، فَقُلْتُ: فَلَيْسَ غَيْرُهُ، فَهَلْ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: لَمْ أَرَهُ، وَلَكِنْ رَآهُ غَيْرِي، قُلْتُ: وَمَنْ رَآهُ؟ قَالَ: رَآهُ جَعْفَرٌ مَرَّتَيْنِ، وَلَهُ حَدِيثٌ(830)،(831).
218 - وَحَدَّثَ عَنْ رَشِيقٍ صَاحِبِ اَلمَادَرَايِ(832)، قَالَ: بَعَثَ إِلَيْنَا اَلمُعْتَضِدُ(833) وَنَحْنُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فَأَمَرَنَا أَنْ يَرْكَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا فَرَساً وَنَجْنُبَ(834) آخَرَ وَنَخْرُجَ مُخِفِّينَ(835) لَا يَكُونُ مَعَنَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إِلَّا عَلَى اَلسَّرْجِ مُصَلًّى(836)، وَقَالَ لَنَا: اِلْحَقُوا بِسَامِرَّةَ، وَوَصَفَ لَنَا مَحَلَّةً وَدَاراً، وَقَالَ: إِذَا أَتَيْتُمُوهَا تَجِدُونَ عَلَى اَلْبَابِ خَادِماً أَسْوَدَ، فَاكْبِسُوا(837) اَلدَّارَ، وَمَنْ رَأَيْتُمْ فِيهَا فَأْتُونِي بِرَأْسِهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(830) الكافي (ج 1/ ص 331/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 9)، ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 353) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 220) عن محمّد بن يعقوب.
(831) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 234): (قوله: (من ولد قنبر الكبير) لعلَّ المراد بقنبر الكبير قنبر مولى أمير المؤمنين (عليه السلام)، والوصف بالكبير للمدح والإيضاح لا للاحتراز. وقوله: (مولى أبي الحسن الرضا (عليه السلام)) بيان أو بدل لـ (رجل). قوله: (قال جرى) فاعل (قال) و(قلت) أحمد، وفاعل (ذمَّه) وضمير (له) وغيره راجع إلى القنبري، ومفعول (ذمَّه) راجع إلى جعفر بن عليٍّ، وهو المشهور بالكذَّاب، وضمير المفعول في (رأيته) راجع إلى صاحب الزمان (عليه السلام)).
(832) الظاهر أنَّه أحمد بن الحسن المادراني الذي ذكره الشيخ القمِّي (رحمه الله) في الكنى والألقاب (ج 3/ ص 130)، وله بيان فراجع.
(833) هكذا في النُّسَخ والمصادر، والظاهر أنَّه تصحيف (المعتمد)، حيث بويع أبو العبَّاس أحمد بن طلحة المعتضد بالله في اليوم الذي مات فيه المعتمد على الله عمُّه، وهو يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة (279هـ)، بينما قُبِضَ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في سنة (260هـ). راجع: مروج الذهب (ج 4/ ص 143).
(834) من باب الإفعال، أي نجعله جنبه.
(835) من باب الإفعال أيضاً، أي جاعلين ما معهم شيئاً خفيفاً.
(836) في حاشية بعض النُّسَخ: (مُصَلًّى: أي فرشاً خفيفاً يُصلَّى عليه، ويكون حمله على السرج).
(837) أي اُدخلوها باقتحام.

(٢٩١)

فَوَافَيْنَا سَامِرَّةَ، فَوَجَدْنَا اَلْأَمْرَ كَمَا وَصَفَهُ، وَفِي اَلدِّهْلِيزِ خَادِمٌ أَسْوَدُ وَفِي يَدِهِ تِكَّةٌ يَنْسِجُهَا، فَسَأَلْنَاهُ عَنِ اَلدَّارِ وَمَنْ فِيهَا، فَقَالَ: صَاحِبُهَا، فَوَاَلله مَا اِلْتَفَتَ إِلَيْنَا وَقَلَّ اِكْتِرَاثُهُ بِنَا، فَكَبَسْنَا اَلدَّارَ كَمَا أَمَرَنَا، فَوَجَدْنَا دَاراً سَرِيَّةً، وَمُقَابِلُ اَلدَّارِ سِتْرٌ مَا نَظَرْتُ قَطُّ إِلَى أَنْبَلَ(838) مِنْهُ، كَأَنَّ اَلْأَيْدِيَ رُفِعَتْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي اَلدَّارِ أَحَدٌ.
فَرَفَعْنَا اَلسِّتْرَ، فَإِذَا بَيْتٌ كَبِيرٌ كَأَنَّ بَحْراً فِيهِ مَاءٌ، وَفِي أَقْصَى اَلْبَيْتِ حَصِيرٌ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَلَى اَلمَاءِ، وَفَوْقَهُ رَجُلٌ مِنْ أَحْسَنِ اَلنَّاسِ هَيْأَةً قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْنَا وَلَا إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِنَا، فَسَبَقَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اَلله لِيَتَخَطَّى اَلْبَيْتَ، فَغَرِقَ فِي اَلمَاءِ، وَمَا زَالَ يَضْطَرِبُ حَتَّى مَدَدْتُ يَدِي إِلَيْهِ فَخَلَّصْتُهُ وَأَخْرَجْتُهُ وَغُشِيَ عَلَيْهِ وَبَقِيَ سَاعَةً، وَعَادَ صَاحِبِيَ اَلثَّانِي إِلَى فِعْلِ ذَلِكَ اَلْفِعْلِ، فَنَالَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَبَقِيتُ مَبْهُوتاً، فَقُلْتُ لِصَاحِبِ اَلْبَيْتِ: اَلمَعْذِرَةُ إِلَى اَلله وَإِلَيْكَ، فَوَاَلله مَا عَلِمْتُ كَيْفَ اَلْخَبَرُ، وَلَا إِلَى مَنْ أَجِيءُ، وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اَلله، فَمَا اِلْتَفَتَ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا قُلْنَا، وَمَا اِنْفَتَلَ عَمَّا كَانَ فِيهِ، فَهَالَنَا ذَلِكَ، وَاِنْصَرَفْنَا عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ اَلمُعْتَضِدُ يَنْتَظِرُنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِلَى اَلْحُجَّابِ إِذَا وَافَيْنَاهُ أَنْ نَدْخُلَ عَلَيْهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، فَوَافَيْنَاهُ فِي بَعْضِ اَللَّيْلِ، فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ، فَسَأَلَنَا عَنِ اَلْخَبَرِ، فَحَكَيْنَا لَهُ مَا رَأَيْنَا، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ لَقِيَكُمْ أَحَدٌ قَبْلِي، وَجَرَى مِنْكُمْ إِلَى أَحَدٍ سَبَبٌ أَوْ قَوْلٌ؟ قُلْنَا: لَا، فَقَالَ: أَنَا نَفِيٌّ(839) مِنْ جَدِّي، وَحَلَفَ بِأَشَدِّ أَيْمَانٍ لَهُ أَنَّهُ رَجُلٌ إِنْ بَلَغَهُ هَذَا اَلْخَبَرُ لَيَضْرِبَنَّ أَعْنَاقَنَا، فَمَا جَسَرْنَا أَنْ نُحَدِّثَ بِهِ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ(840).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(838) في بعض النُّسَخ: (أنيل).
(839) نفي من جدِّي أي منفيٌّ من جدِّي، ويريد بجدِّه العبَّاس، أي لست من بني العبَّاس لو لم أضرب أعناقكم إنْ بلغني عنكم هذا الخبر.
وفي بعض النُّسَخ (لغي) أي لزنيَّة منفيًّا من جدِّي.
(840) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 460 و461/ ح 5) عن رشيق حاجب المادراني مختصراً، وعنه ابن طاوس (رحمه الله) في فرج المهموم (ص 248).

(٢٩٢)

219 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْفَرَجِ اَلمُؤَذِّنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَسَنٍ اَلْكَرْخِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هَارُونَ - رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِنَا - يَقُولُ: رَأَيْتُ صَاحِبَ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) وَوَجْهُهُ يُضِيءُ كَأَنَّهُ اَلْقَمَرُ لَيْلَةَ اَلْبَدْرِ، وَرَأَيْتُ عَلَى سُرَّتِهِ شَعْراً يَجْرِي كَالْخَطِّ، وَكَشَفْتُ اَلثَّوْبَ عَنْهُ فَوَجَدْتُهُ مَخْتُوناً، فَسَأَلْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «هَكَذَا وُلِدَ، وَهَكَذَا وُلِدْنَا، وَلَكِنَّا سَنُمِرُّ اَلمُوسَى عَلَيْهِ لِإِصَابَةِ اَلسُّنَّةِ»(841).
220 - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلمُفَضَّلِ اَلشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ نَصْرِ بْنِ عِصَامِ بْنِ اَلمُغِيرَةِ اَلْفِهْرِيِّ اَلمَعْرُوفِ بِقَرْقَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ اَلمَرَاغِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) عَنْ صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ، أَي إِنَّهُ حَيٌّ غَلِيظُ اَلرَّقَبَةِ.
221 - أَخْبَرَنِي اِبْنُ أَبِي جِيدٍ اَلْقُمِّيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)، عَنْ أَبِي اَلْفَضْلِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ اَلْحَسَنِ(842) بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، قَالَ: وَرَدْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) بِسُرَّ مَنْ رَأَى، فَهَنَّأْتُهُ بِوِلَادَةِ اِبْنِهِ (عليه السلام)(843).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(841) كمال الدِّين (ص 434 و435/ باب 43/ ح 1)، ورواه الشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 220) عن محمّد بن يعقوب، ولكن لم نجده في الكافي، فلعلَّ ما نقله إمَّا عن غير الكافي، أو ضمير (عنه) سهو من النُّسَّاخ، والصحيح عن أبي جعفر بن بابويه، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 957) عن ابن بابويه.
(842) في بعض النُّسَخ: (أبي الفضل الحسين بن الحسن بن الحسين بن الحسن بن عليِّ بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)).
(843) كمال الدِّين (ص 434/ ذيل باب 42/ ح 1).

(٢٩٣)

222 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ اَلمُتَوَكِّلِ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ (رضي الله عنه)، فَقُلْتُ لَهُ: رَأَيْتَ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَآخِرُ عَهْدِي بِهِ عِنْدَ بَيْتِ اَلله اَلْحَرَامِ وَهُوَ يَقُولُ: «اَللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ (رَضِيَ اَلله عَنْهُ وَأَرْضَاهُ): وَرَأَيْتُهُ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقاً بِأَسْتَارِ اَلْكَعْبَةِ فِي اَلمُسْتَجَارِ وَهُوَ يَقُولُ: «اَللَّهُمَّ اِنْتَقِمْ لِي مِنْ أَعْدَائِكَ»(844).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(844) من لا يحضره الفقيه (ج 2/ ص 520/ ذيل الحديث 3115)، وكمال الدِّين (ص 440/ باب 43/ ح 9 و10 )، وفيه: (من أعدائي) بدل (من أعدائك).
ويأتي في (ح 330).

(٢٩٤)

فصل:
وأمَّا ما روي من الأخبار المتضمِّنة لمن رآه (عليه السلام) وهو لا يعرفه أو عرفه فيما بعد، فأكثر من أنْ تُحصى غير أنَّا نذكر طرفاً منها:
223 - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ مُوسَى اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ وَرَدَ اَلرَّيَّ عَلَى أَبِي اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيِّ، فَرَوَى لَهُ حَدِيثَيْنِ فِي صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) وَسَمِعْتُهُمَا مِنْهُ كَمَا سَمِعَ، وَأَظُنُّ ذَلِكَ قَبْلَ سَنَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ أَوْ قَرِيباً مِنْهَا، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اَلْفَدَكِيُّ، قَالَ: قَالَ اَلْأَوْدِيُّ(845): بَيْنَا أَنَا فِي اَلطَّوَافِ قَدْ طُفْتُ سِتَّةً وَأُرِيدُ أَنْ أَطُوفَ اَلسَّابِعَةَ فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ عَنْ يَمِينِ اَلْكَعْبَةِ وَشَابٌّ حَسَنُ اَلْوَجْهِ، طَيِّبُ اَلرَّائِحَةِ، هَيُوبٌ، وَمَعَ هَيْبَتِهِ مُتَقَرِّبٌ إِلَى اَلنَّاسِ، فَتَكَلَّمَ فَلَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْ كَلَامِهِ، وَلَا أَعْذَبَ مِن مَنْطِقِهِ فِي حُسْنِ جُلُوسِهِ، فَذَهَبْتُ أُكَلِّمُهُ، فَزَبَرَنِي اَلنَّاسُ، فَسَأَلْتُ بَعْضَهُمْ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: اِبْنُ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَظْهَرُ لِلنَّاسِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْماً لِخَوَاصِّهِ فَيُحَدِّثُهُمْ وَيُحَدِّثُونَهُ، فَقُلْتُ: مُسْتَرْشِدٌ أَتَاكَ، فَأَرْشِدْنِي هَدَاكَ اَللهُ، قَالَ: فَنَاوَلَنِي حَصَاةً، فَحَوَّلْتُ وَجْهِي، فَقَالَ لِي بَعْضُ جُلَسَائِهِ: مَا اَلَّذِي دَفَعَ إِلَيْكَ اِبْنُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(845) في كمال الدِّين والخرائج والجرائح: (الأزدي).
قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 80/ الرقم 193): (أحمد بن الحسين بن عبد المَلِك أبو جعفر الأزدي، كوفي، ثقة).
وقال المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 67/ الرقم 71/9): (أحمد بن الحسين بن عبد المَلِك أبو جعفر الأودي، كوفي، ثقة)، وعدَّه (رحمه الله) في رجاله (ص 415/ الرقم 6008/89) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام).

(٢٩٧)

رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ فَقُلْتُ: حَصَاةً، فَكَشَفْتُ عَنْ يَدِي، فَإِذَا أَنَا بِسَبِيكَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، [فَذَهَبْتُ](846) وَإِذَا أَنَا بِهِ قَدْ لَحِقَنِي، فَقَالَ: «ثَبَتَتْ عَلَيْكَ اَلْحُجَّةُ، وَظَهَرَ لَكَ اَلْحَقُّ، وَذَهَبَ عَنْكَ اَلْعَمَى، أَتَعْرِفُنِي؟»، فَقُلْتُ: اَللَّهُمَّ لَا، فَقَالَ: «أَنَا اَلمَهْدِيُّ، أَنَا قَائِمُ اَلزَّمَانِ، أَنَا اَلَّذِي أَمْلَأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، إِنَّ اَلْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ، وَلَا يَبْقَى اَلنَّاسُ فِي فَتْرَةٍ أَكْثَرَ مِنْ تِيهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ ظَهَرَ أَيَّامُ خُرُوجِي، فَهَذِهِ أَمَانَةٌ فِي رَقَبَتِكَ فَحَدِّثْ بِهَا إِخْوَانَكَ مِنْ أَهْلِ اَلْحَقِّ»(847).
224 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ خَلَفٍ، قَالَ: نَزَلْنَا مَسْجِداً فِي اَلمَنْزِلِ اَلمَعْرُوفِ بِالْعَبَّاسِيَّةِ - عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ فُسْطَاطِ مِصْرَ -، وَتَفَرَّقَ غِلْمَانِي فِي اَلنُّزُولِ، وَبَقِيَ مَعِي فِي اَلمَسْجِدِ غُلَامٌ أَعْجَمِيٌّ، فَرَأَيْتُ فِي زَاوِيَتِهِ شَيْخاً كَثِيرَ اَلتَّسْبِيحِ، فَلَمَّا زَالَتِ اَلشَّمْسُ رَكَعْتُ وَسَجَدْتُ وَصَلَّيْتُ اَلظُّهْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَدَعَوْتُ بِالطَّعَامِ، وَسَأَلْتُ اَلشَّيْخَ أَنْ يَأْكُلَ مَعِي، فَأَجَابَنِي.
فَلَمَّا طَعِمْنَا سَأَلْتُ عَنِ اِسْمِهِ وَاِسْمِ أَبِيهِ، وَعَنْ بَلَدِهِ وَحِرْفَتِهِ وَمَقْصَدِهِ، فَذَكَرَ أَنَّ اِسْمَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ قُمَّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَسِيحُ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً فِي طَلَبِ اَلْحَقِّ وَيَتَنَقَّلُ فِي اَلْبُلْدَانِ وَاَلسَّوَاحِلِ، وَأَنَّهُ أَوْطَنَ مَكَّةَ وَاَلمَدِينَةَ نَحْوَ عِشْرِينَ سَنَةً يَبْحَثُ عَنِ اَلْأَخْبَارِ وَيَتَّبِعُ اَلْآثَارَ.
فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ طَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ صَارَ إِلَى مَقَامِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(846) من بحار الأنوار (ج 52/ ص 2).
(847) رواه باختلاف يسير الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 444 و445/ باب 43/ ح 18) بإسناده عن الأزدي، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 267 و268) نقلاً عن الشيخ أبو جعفر بن بابويه، وابن حمزة الطوسي (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 613 و614/ ح 559/7)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 784 و785/ ح 110) عن عليِّ ابن إبراهيم الفدكي، وابن طاوس (رحمه الله) في فرج المهموم (ص 258) عن الخرائج.

(٢٩٨)

إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)، فَرَكَعَ فِيهِ، وَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، فَأَنْبَهَهُ صَوْتُ دُعَاءٍ لَمْ يَجْرِ فِي سَمْعِهِ مِثْلُهُ، قَالَ: فَتَأَمَّلْتُ اَلدَّاعِيَ، فَإِذَا هُوَ شَابٌّ أَسْمَرُ لَمْ أَرَ قَطُّ فِي حُسْنِ صُورَتِهِ وَاِعْتِدَالِ قَامَتِهِ، ثُمَّ صَلَّى فَخَرَجَ وَسَعَى، فَاتَّبَعْتُهُ، وَأَوْقَعَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي نَفْسِي أَنَّهُ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ (عليه السلام).
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ قَصَدَ بَعْضَ اَلشِّعَابِ، فَقَصَدْتُ أَثَرَهُ، فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْهُ إِذْ أَنَا بِأَسْوَدَ(848) مِثْلِ اَلْفَنِيقِ(849) قَدِ اِعْتَرَضَنِي، فَصَاحَ بِي بِصَوْتٍ لَمْ أَسْمَعْ أَهْوَلَ مِنْهُ: مَا تُرِيدُ، عَافَاكَ اَللهُ؟ فَأُرْعِدْتُ وَوَقَفْتُ، وَزَالَ اَلشَّخْصُ عَنْ بَصَرِي وَبَقِيتُ مُتَحَيِّراً.
فَلَمَّا طَالَ بِيَ اَلْوُقُوفُ وَاَلْحَيْرُةُ اِنْصَرَفْتُ أَلُومُ نَفْسِي وَأَعْذِلُهَا بِانْصِرَافِي بِزَجْرَةِ اَلْأَسْوَدِ، فَخَلَوْتُ بِرَبِّي (عزَّ وجلَّ) أَدْعُوهُ وَأَسْأَلُهُ بِحَقِّ رَسُولِهِ وَآلِهِ (عليهم السلام) أَنْ لَا يُخَيِّبَ سَعْيِي، وَأَنْ يُظْهِرَ لِي مَا يَثْبُتُ بِهِ قَلْبِي وَيَزِيدُ فِي بَصَرِي.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سِنِينَ زُرْتُ قَبْرَ اَلمُصْطَفَى (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَبَيْنَا أَنَا أُصَلِّي فِي اَلرَّوْضَةِ اَلَّتِي بَيْنَ اَلْقَبْرِ وَاَلْمِنْبَرِ إِذْ غَلَبَتْنِي عَيْنِي، فَإِذَا مُحَرِّكٌ يُحَرِّكُنِي، فَاسْتَيْقَظْتُ، فَإِذَا أَنَا بِالْأَسْوَدِ، فَقَالَ: مَا خَبَرُكَ؟ وَكَيْفَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: اَلْحَمْدُ لِله(850)، وَأَذُمُّكَ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي أُمِرْتُ بِمَا خَاطَبْتُكَ بِهِ، وَقَدْ أَدْرَكْتَ خَيْراً كَثِيراً، فَطِبْ نَفْساً وَاِزْدَدْ مِنَ اَلشُّكْرِ لِله (عزَّ وجلَّ) مَا أَدْرَكْتَ وَعَايَنْتَ، مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ وَسَمَّى بَعْضَ إِخْوَانِيَ اَلمُسْتَبْصِرِينَ، فَقُلْتُ: بِبُرْقَةَ، فَقَالَ: صَدَقْتَ، فَفُلَانٌ، وَسَمَّى رَفِيقاً لِي مُجْتَهِداً فِي اَلْعِبَادَةِ، مُسْتَبْصِراً فِي اَلدِّيَانَةِ، فَقُلْتُ: بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، حَتَّى سَمَّى لِي عِدَّةً مِنْ إِخْوَانِي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(848) إذ أنا بأسود، أي برجل أسود.
(849) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 5): (الفنيق: الفحل المكرَّم من الإبل لا يُؤذى لكرامته على أهله ولا يُركب، والتشبيه في العظم والكبر).
(850) في بعض النُّسَخ: (أحمد الله).

(٢٩٩)

ثُمَّ ذَكَرَ اِسْماً غَرِيباً، فَقَالَ: مَا فَعَلَ نُقْفُورُ؟ قُلْتُ: لَا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ: كَيْفَ تَعْرِفُهُ وَهُوَ رُومِيٌّ يَهْدِيهِ اَللهُ فَيَخْرُجُ نَاصِراً مِنْ قُسْطَنْطِينِيَّةَ؟ ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ رَجُلٍ آخَرَ، فَقُلْتُ: لَا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هِيتَ مِنْ أَنْصَارِ مَوْلَايَ (عليه السلام)، اِمْضِ إِلَى أَصْحَابِكَ، فَقُلْ لَهُمْ: نَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أَذِنَ اَللهُ فِي اَلاِنْتِصَارِ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ وَفِي اَلاِنْتِقَامِ مِنَ اَلظَّالِمِينَ، وَلَقَدْ لَقِيتُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِي وَأَدَّيْتُ إِلَيْهِمْ وَأَبْلَغْتُهُمْ مَا حُمِّلْتُ وَأَنَا مُنْصَرِفٌ وَأُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَتَلَبَّسَ بِمَا يَثْقُلُ بِهِ ظَهْرُكَ وَيَتْعَبُ بِهِ جِسْمُكَ، وَأَنْ تَحْبِسَ نَفْسَكَ عَلَى طَاعَةِ رَبِّكَ، فَإِنَّ اَلْأَمْرَ قَرِيبٌ إِنْ شَاءَ اَللهُ تَعَالَى.
فَأَمَرْتُ خَازِنِي، فَأَحْضَرَ لِي خَمْسِينَ دِينَاراً، وَسَأَلْتُهُ قَبُولَهَا، فَقَالَ: يَا أَخِي، قَدْ حَرَّمَ اَللهُ عَلَيَّ أَنْ آخُذَ مِنْكَ مَا أَنَا مُسْتَغْنٍ عَنْهُ كَمَا أَحَلَّ لِي أَنْ آخُذَ مِنْكَ اَلشَّيْءَ إِذَا اِحْتَجْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ سَمِعَ هَذَا اَلْكَلَامَ مِنْكَ أَحَدٌ غَيْرِي مِنْ أَصْحَابِ اَلسُّلْطَانِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، (أَخُوكَ)(851) أَحْمَدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْهَمَدَانِيُّ اَلمَدْفُوعُ عَنْ نِعْمَتِهِ بِآذَرْبِيجَانَ، وَقَدِ اِسْتَأْذَنَ لِلْحَجِّ تَأْمِيلاً أَنْ يَلْقَى مَنْ لَقِيتَ، فَحَجَّ أَحْمَدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْهَمَدَانِيُّ (رحمه الله) فِي تِلْكَ اَلسَّنَةِ، فَقَتَلَهُ ذِكْرَوَيْهِ بْنُ مَهْرَوَيْهِ، وَاِفْتَرَقْنَا وَاِنْصَرَفْتُ إِلَى اَلثَّغْرِ.
ثُمَّ حَجَجْتُ، فَلَقِيتُ بِالمَدِينَةِ رَجُلاً اِسْمُهُ طَاهِرٌ(852) مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ اَلْأَصْغَرِ(853)، يُقَالُ: إِنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ هَذَا اَلْأَمْرِ شَيْئاً، فَثَابَرْتُ عَلَيْهِ حَتَّى أَنِسَ بِي،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(851) ليس في بعض النُّسَخ.
(852) هو طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر ابن الإمام عليِّ ابن الحسين (عليهما السلام)، قال الأزوارقاني في الفخري في أنساب الطالبيِّين (ص 58): (طاهر أبو القاسم العالي المحدِّث بالمدينة شيخ الحجاز، وهو بطن).
(853) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 112/ الرقم 1098/5) من أصحاب السجَّاد (عليه السلام)، وفي (ص 130/ الرقم 1328/7) من أصحاب الباقر (عليه السلام)، وفي (ص 182/ الرقم 2197/54) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (عمُّ أبي عبد الله (عليه السلام)، تابعي، مدني، مات سنة سبع وخمسين ومائة).
وقال المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 174): (كان الحسين بن عليِّ بن الحسين فاضلاً ورعاً، وروى حديثاً كثيراً عن أبيه عليِّ بن الحسين، وعمَّته فاطمة بنت الحسين، وأخيه أبي جعفر (عليهم السلام)).

(٣٠٠)

وَسَكَنَ لِي(854)، وَوَقَفَ عَلَى صِحَّةِ عَقِيدَتِي، فَقُلْتُ لَهُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله، بِحَقِّ آبَائِكَ اَلطَّاهِرِينَ (عليهم السلام) لَـمَّا جَعَلْتَنِي مِثْلَكَ فِي اَلْعِلْمِ بِهَذَا اَلْأَمْرِ، فَقَدْ شَهِدَ(855) عِنْدِي مَنْ تُوَثِّقُهُ بِقَصْدِ اَلْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ وَهْبٍ(856) إِيَّايَ لِمَذْهَبِي وَاِعْتِقَادِي، وَأَنَّهُ أَغْرَى بِدَمِي مِرَاراً، فَسَلَّمَنِيَ اَللهُ مِنْهُ.
فَقَالَ: يَا أَخِي، اُكْتُمْ مَا تَسْمَعُ مِنِّي اَلْخَبَرَ فِي هَذِهِ اَلْجِبَالِ، وَإِنَّمَا يَرَى اَلْعَجَائِبَ اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ اَلزَّادَ فِي اَللَّيْلِ وَيَقْصِدُونَ بِهِ مَوَاضِعَ يَعْرِفُونَهَا، وَقَدْ نُهِينَا عَنِ اَلْفَحْصِ وَاَلتَّفْتِيشِ، فَوَدَّعْتُهُ وَاِنْصَرَفْتُ عَنْهُ.
225 - وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُبْدُونٍ اَلمَعْرُوفُ بِابْنِ اَلْحَاشِرِ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلشُّجَاعِيِّ اَلْكَاتِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ اَلنُّعْمَانِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَحْمَدَ (مُحَمَّدٍ خ ل)(857) اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: حَجَجْتُ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَجَاوَرْتُ بِمَكَّةَ تِلْكَ اَلسَّنَةَ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ عَنْهَا مُنْصَرِفاً إِلَى اَلشَّامِ، فَبَيْنَا أَنَا فِي بَعْضِ اَلطَّرِيقِ وَقَدْ فَاتَتْنِي صَلَاةُ اَلْفَجْرِ، فَنَزَلْتُ مِنَ اَلمَحْمِلِ وَتَهَيَّأْتُ لِلصَّلَاةِ، فَرَأَيْتُ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ فِي مَحْمِلٍ، فَوَقَفْتُ أَعْجَبَ مِنْهُمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: مِمَّ تَعْجَبُ؟ تَرَكْتَ صَلَاتَكَ، وَخَالَفْتَ مَذْهَبَكَ.
فَقُلْتُ لِلَّذِي يُخَاطِبُنِي: وَمَا عِلْمُكَ بِمَذْهَبِي؟ فَقَالَ: تُحِبُّ أَنْ تَرَى صَاحِبَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(854) في بعض النُّسَخ: (إليَّ).
(855) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 5): (غرضه بيان أنَّه مضطرٌّ في الخروج خوفاً من القاسم لئلَّا يبطأ عليه بالخبر، أو أنَّه من الشيعة قد عرفه بذلك المخالف والمؤالف).
(856) في بعض النُّسَخ: (القاسم بن عبيد الله بن سليمان وهب)، وفي بعضها: (القاسم بن عبد الله (عبيد الله خ ل)).
(857) ليس في بعض النُّسَخ، وكذا ما يأتي.

(٣٠١)

زَمَانِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَوْمَأَ إِلَى أَحَدِ اَلْأَرْبَعَةِ، فَقُلْتُ (لَهُ): إِنَّ لَهُ دَلَائِلَ وَعَلَامَاتٍ، فَقَالَ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَنْ تَرَى اَلْجَمَلَ وَمَا عَلَيْهِ صَاعِداً إِلَى اَلسَّمَاءِ، أَوْ تَرَى اَلمَحْمِلَ صَاعِداً إِلَى اَلسَّمَاءِ؟ فَقُلْتُ: أَيُّهُمَا كَانَ فَهِيَ دَلَالَةٌ، فَرَأَيْتُ اَلْجَمَلَ وَمَا عَلَيْهِ يَرْتَفِعُ إِلَى اَلسَّمَاءِ، وَكَأَنَّ اَلرَّجُلَ أَوْمَأَ إِلَى رَجُلٍ بِهِ سُمْرَةٌ، وَكَانَ لَوْنُهُ اَلذَّهَبَ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ سَجَّادَةٌ(858).
226 - أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ(859)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ اَلْأَنْصَارِيِّ(860) اَلْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْهَاشِمِيِّ مِنْ وُلْدِ اَلْعَبَّاسِ، قَالَ: حَضَرْتُ دَارَ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) بِسُرَّ مَنْ رَأَى يَوْمَ تُوُفِّيَ، وَأُخْرِجَتْ جَنَازَتُهُ وَوُضِعَتْ، وَنَحْنُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلاً قُعُودٌ نَنْتَظِرُ، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا(861) غُلَامٌ عُشَارِيٌّ حَافٍ عَلَيْهِ رِدَاءٌ قَدْ تَقَنَّعَ بِهِ، فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ قُمْنَا هَيْبَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعْرِفَهُ، فَتَقَدَّمَ وَقَامَ اَلنَّاسُ فَاصْطَفُّوا خَلْفَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَمَشَى، فَدَخَلَ بَيْتاً غَيْرَ اَلَّذِي خَرَجَ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله اَلْهَمَدَانِيُّ: فَلَقِيتُ بِالمَرَاغَةِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ تَبْرِيزَ يُعْرَفُ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلتَّبْرِيزِيِّ، فَحَدَّثَنِي بِمِثْلِ حَدِيثِ اَلْهَاشِمِيِّ لَمْ يُخْرَمْ مِنْهُ شَيْءٌ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(858) رواه ابن حمزة الطوسي (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 614 و615/ ح 562/10)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 466 و467/ ح 13).
(859) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 385/ الرقم 1046): (محمّد بن عليِّ بن الفضل بن تمام بن سكين بن بندار بن داذمهر بن فرخ زاذ بن مياذرماه بن شهريار الأصغر، وكان لُقِّب بسكين بسبب إعظامهم له، وكان ثقةً، عيناً، صحيح الاعتقاد، جيِّد التصنيف).
وعنونه المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 240/ الرقم 713/128)، قائلاً: (محمّد بن عليِّ بن الفضل بن تمام الكوفي الدهقان، يُكنَّى أبا الحسين، كثير الرواية).
(860) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 445/ الرقم 6330/80) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام)، قائلاً: (محمّد بن عبد ربِّه الأنصاري، أجاز التلعكبري جميع حديثه).
(861) في بعض النُّسَخ: (علينا).

(٣٠٢)

قَالَ: فَسَأَلْتُ اَلْهَمَدَانِيَّ، فَقُلْتُ: غُلَامٌ عُشَارِيُّ اَلْقَدِّ أَوْ عُشَارِيُّ اَلسِّنِّ؟ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ اَلْوِلَادَةَ كَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَتْ غَيْبَةُ(862) أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) سَنَةَ سِتّين وَمِائَتَيْنِ بَعْدَ اَلْوِلَادَةِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ. فَقَالَ: لَا أَدْرِي، هَكَذَا سَمِعْتُ، فَقَالَ لِي شَيْخٌ مَعَهُ حَسَنُ اَلْفَهْمِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لَهُ رِوَايَةٌ وَعِلْمٌ: عُشَارِيُّ اَلْقَدِّ(863).
227 - عَنْهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَائِذٍ اَلرَّازِيِّ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ وَجْنَاءَ اَلنَّصِيبِيِّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كُنْتُ حَاضِراً عِنْدَ اَلمُسْتَجَارِ بِمَكَّةَ وَجَمَاعَةٌ زُهَاءَ ثَلَاثِينَ رَجُلاً لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مُخْلِصٌ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْعَلَوِيِّ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ فِي اَلْيَوْمِ اَلسَّادِسِ مِنْ ذِي اَلْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا شَابٌّ مِنَ اَلطَّوَافِ عَلَيْهِ إِزَارَانِ تاختج(864) مُحْرِمٌ بِهِمَا، وَفِي يَدِهِ نَعْلَانِ.
فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ قُمْنَا جَمِيعاً هَيْبَةً لَهُ، وَلَمْ يَبْقَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا قَامَ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَجَلَسَ مُتَوَسِّطاً وَنَحْنُ حَوْلَهُ، ثُمَّ اِلْتَفَتَ يَمِيناً وَشِمَالاً، ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا كَانَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ فِي دُعَاءِ اَلْإِلْحَاحِ؟»، قُلْنَا: وَمَا كَانَ يَقُولُ؟، قَالَ: «كَانَ يَقُولُ: اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ اَلَّذِي بِهِ تَقُومُ اَلسَّمَاءُ، وَبِهِ تَقُومُ اَلْأَرْضُ، وَبِهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(862) المراد بغيبته وفاته (عليه السلام)، وكانت في تلك السنة كما صرَّحت به التواريخ والروايات، وفي تلك السنة وقعت الغيبة الكبرى.
(863) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 6): (يقال: ما خرمت منه شيئاً، أي ما نقصت. وعشاري القدِّ هو أنْ يكون له عشرة أشبار).
(864) في المجموع اللفيف (ص 132): (التاختج: لفظ فارسي، وهو ضرب من النسيج يُصنَع في نيسابور).
ولم ترد هذه الكلمة في رواية بحار الأنوار (ج 52/ ص 6/ ح 5)، رغم أنَّه نقلها عن غيبة الشيخ الطوسي، وبعض أبدلها بكلمة (ناصح)، وبعض (راجح)، وبعض (تاضح)، والصحيح ما أثبتناه من المخطوطات.

(٣٠٣)

اَلْحَقِّ وَاَلْبَاطِلِ، وَبِهِ تَجْمَعُ بَيْنَ اَلمُتَفَرِّقِ، وَبِهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ اَلمُجْتَمِعِ، وَبِهِ أَحْصَيْتَ عَدَدَ اَلرِّمَالِ، وَزِنَةَ اَلْجِبَالِ، وَكَيْلَ اَلْبِحَارِ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَجْعَلَ لِي مِنْ أَمْرِي فَرَجاً».
ثُمَّ نَهَضَ وَدَخَلَ اَلطَّوَافَ، فَقُمْنَا لِقِيَامِهِ حَتَّى اِنْصَرَفَ، وَأُنْسِينَا أَنْ نَذْكُرَ أَمْرَهُ، وَأَنْ نَقُولَ: مَنْ هُوَ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ؟ إِلَى اَلْغَدِ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا مِنَ اَلطَّوَافِ، فَقُمْنَا لَهُ كَقِيَامِنَا بِالْأَمْسِ، وَجَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ مُتَوَسِّطاً، فَنَظَرَ يَمِيناً وَشِمَالاً، وَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا كَانَ يَقُولُ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) بَعْدَ صَلَاةِ اَلْفَرِيضَةِ؟»، فَقُلْنَا: وَمَا كَانَ يَقُولُ؟ قَالَ: «كَانَ يَقُولُ: إِلَيْكَ رُفِعَتِ اَلْأَصْوَاتُ، [وَدُعِيَتِ اَلدَّعَوَاتُ، وَلَكَ](865) عَنَتِ اَلْوُجُوهُ، وَلَكَ وُضِعَتِ(866) اَلرِّقَابُ، وَإِلَيْكَ اَلتَّحَاكُمُ فِي اَلْأَعْمَالِ، يَا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ، وَيَا خَيْرَ مَنْ أَعْطَى، يَا صَادِقُ يَا بَارِئُ، يَا مَنْ لَا يُخْلِفُ اَلْمِيعَادَ ، يَا مَنْ أَمَرَ بِالدُّعَاءِ وَوَعَدَ بِالْإِجَابَةِ، يَا مَنْ قَالَ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]، يَا مَنْ قَالَ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، وَيَا مَنْ قَالَ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، هَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ اَلمُسْرِفُ، وَأَنْتَ اَلْقَائِلُ: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾ [الزمر: 53]»، ثُمَّ نَظَرَ يَمِيناً وَشِمَالاً بَعْدَ هَذَا اَلدُّعَاءِ، فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا كَانَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُولُ فِي سَجْدَةِ اَلشُّكْرِ؟»، فَقُلْنَا: وَمَا كَانَ يَقُولُ؟ قَالَ: «كَانَ يَقُولُ: يَا مَنْ لَا يَزِيدُهُ كَثْرَةُ اَلدُّعَاءِ إِلَّا سَعَةً وَعَطَاءً، يَا مَنْ لَا تَنْفَدُ خَزَائِنُهُ، يَا مَنْ لَهُ خَزَائِنُ اَلسَّمَاوَاتِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(865) من بحار الأنوار (ج 52/ ص 7).
(866) في بعض النُّسَخ: (وخضعت).

(٣٠٤)

وَاَلْأَرْضِ، يَا مَنْ لَهُ خَزَائِنُ مَا دَقَّ وَجَلَّ، لَا تَمْنَعُكَ(867) إِسَاءَتِي مِنْ إِحْسَانِكَ، أَنْتَ تَفْعَلُ بِيَ اَلَّذِي أَنْتَ أَهْلُهُ، (فَإِنَّكَ) أَنْتَ أَهْلُ اَلْكَرَمِ وَاَلْجُودِ، وَاَلْعَفْوِ وَاَلتَّجَاوُزِ، يَا رَبِّ يَا اَللهُ، لَا تَفْعَلْ بِيَ اَلَّذِي أَنَا أَهْلُهُ، فَإِنِّي أَهْلُ اَلْعُقُوبَةِ وَقَدِ اِسْتَحْقَقْتُهَا، لَا حُجَّةَ لِي وَلَا عُذْرَ لِي عِنْدَكَ، أَبُوءُ لَكَ بِذُنُوبِي كُلِّهَا، وَأَعْتَرِفُ بِهَا كَيْ تَعْفُوَ عَنِّي، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهَا مِنِّي، أَبُوءُ لَكَ بِكُلِّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتُهُ، وَكُلِّ خَطِيئَةٍ اِحْتَمَلْتُهَا، وَكُلِّ سَيِّئَةٍ عَمِلْتُهَا، رَبِّ اِغْفِرْ وَاِرْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ اَلْأَعَزُّ اَلْأَكْرَمُ».
وَقَامَ وَدَخَلَ اَلطَّوَافَ، فَقُمْنَا لِقِيَامِهِ، وَعَادَ مِنَ اَلْغَدِ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ، فَقُمْنَا لِإِقْبَالِهِ كَفِعْلِنَا فِيمَا مَضَى، فَجَلَسَ مُتَوَسِّطاً وَنَظَرَ يَمِيناً وَشِمَالاً، فَقَالَ: «كَانَ عَلِيُّ اِبْنُ اَلْحُسَيْنِ سَيِّدُ اَلْعَابِدِينَ (عليه السلام) يَقُولُ فِي سُجُودِهِ فِي هَذَا اَلمَوْضِعِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى اَلْحِجْرِ تَحْتَ اَلْمِيزَابِ -: عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ، سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ، يَسْأَلُكَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُكَ»، ثُمَّ نَظَرَ يَمِيناً وَشِمَالاً، وَنَظَرَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ اَلْقَاسِمِ مِنْ بَيْنِنَا، فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدَ بْنَ اَلْقَاسِمِ، أَنْتَ عَلَى خَيْرٍ إِنْ شَاءَ اَللهُ تَعَالَى»، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْقَاسِمِ يَقُولُ بِهَذَا اَلْأَمْرِ، ثُمَّ قَامَ وَدَخَلَ اَلطَّوَافَ، فَمَا بَقِيَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ أُلْهِمَ مَا ذَكَرَهُ مِنَ اَلدُّعَاءِ، وَأُنْسِينَا أَنْ نَتَذَاكَرَ أَمْرَهُ إِلَّا فِي آخِرِ يَوْمٍ.
فَقَالَ لَنَا أَبُو عَلِيٍّ اَلمَحْمُودِيُّ: يَا قَوْمِ، أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ هَذَا وَاَلله صَاحِبُ زَمَانِكُمْ، فَقُلْنَا: وَكَيْفَ عَلِمْتَ، يَا أَبَا عَلِيٍّ؟ فَذَكَرَ أَنَّهُ مَكَثَ سَبْعَ سِنِينَ يَدْعُو رَبَّهُ وَيَسْأَلُهُ مُعَايَنَةَ صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)، قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ يَوْماً عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَإِذَا بِالرَّجُلِ بِعَيْنِهِ يَدْعُو بِدُعَاءٍ وَعَيْتُهُ، فَسَأَلْتُهُ مِمَّنْ هُوَ؟ فَقَالَ: «مِنَ اَلنَّاسِ»، قُلْتُ: مِنْ أَيِّ اَلنَّاسِ؟ قَالَ: «مِنْ عَرَبِهَا»، قُلْتُ: مِنْ أَيِّ عَرَبِهَا؟ قَالَ: «مِنْ أَشْرَفِهَا»، قُلْتُ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: «بَنُو هَاشِمٍ»، قُلْتُ: [وَ](868) مِنْ أَيِّ بَنِي هَاشِمٍ؟ فَقَالَ: «مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(867) في بعض النُّسَخ: (لا يمنعك).
(868) من بعض النُّسَخ.

(٣٠٥)

أَعْلَاهَا ذِرْوَةً وَأَسْنَاهَا»، قُلْتُ: مِمَّنْ؟ قَالَ: «مِمَّنْ فَلَقَ اَلْهَامَ، وَأَطْعَمَ اَلطَّعَامَ، وَصَلَّى وَاَلنَّاسُ نِيَامٌ»، قَالَ: فَعَلِمْتُ أَنَّهُ عَلَوِيٌّ، فَأَحْبَبْتُهُ عَلَى اَلْعَلَوِيَّةِ، ثُمَّ اِفْتَقَدْتُهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، فَلَمْ أَدْرِ كَيْفَ مَضَى، فَسَأَلْتُ اَلْقَوْمَ اَلَّذِينَ كَانُوا حَوْلَهُ: تَعْرِفُونَ هَذَا اَلْعَلَوِيَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، يَحُجُّ مَعَنَا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَاشِياً، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اَلله وَاَلله مَا أَرَى بِهِ أَثَرَ مَشْيٍ، قَالَ: فَانْصَرَفْتُ إِلَى اَلمُزْدَلِفَةِ كَئِيباً حَزِيناً عَلَى فِرَاقِهِ، وَنِمْتُ مِنْ لَيْلَتِي تِلْكَ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: «يَا أَحْمَدُ(869)، رَأَيْتَ طَلِبَتَكَ؟»، فَقُلْتُ: وَمَنْ ذَاكَ، يَا سَيِّدِي، فَقَالَ: «اَلَّذِي رَأَيْتَهُ فِي عَشِيَّتِكَ، وَهُوَ صَاحِبُ زَمَانِكَ».
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْهُ عَاتَبْنَاهُ أَنْ لَا يَكُونَ أَعْلَمَنَا ذَلِكَ، فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يُنْسَى أَمْرَهُ إِلَى وَقْتِ مَا حَدَّثَنَا بِهِ.
وأخبرنا جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري، عن أبي عليٍّ محمّد بن همَّام، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، عن محمّد بن جعفر بن عبد الله، عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري، وساق الحديث بطوله(870).
228 - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ رَجُلٍ - ذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ قَزْوِينَ لَمْ يَذْكُرِ اِسْمَهُ -، عَنْ حَبِيبِ اِبْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ بْنِ شَاذَانَ اَلصَّنْعَانِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ اَلْأَهْوَازِيِّ(871)، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آلِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: يَا أَخِي، لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ، حَجَجْتُ عِشْرِينَ حِجَّةً كُلًّا أَطْلُبُ بِهِ عِيَانَ اَلْإِمَامِ فَلَمْ أَجِدْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً، فَبَيْنَا أَنَا لَيْلَةً نَائِمٌ فِي مَرْقَدِي إِذْ رَأَيْتُ قَائِلاً يَقُولُ: يَا عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(869) في بعض النُّسَخ: (يا أبا أحمد).
(870) رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 470 - 473/ باب 43/ ح 24) بأسانيد مختلفة، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 542 - 545/ ح 523/127)، والحلواني (رحمه الله) في نزهة الناظر (ص 147 - 151)، وابن طاوس (رحمه الله) في فلاح السائل (ص 179 - 182).
(871) في بعض النُّسَخ: (بالأهواز).

(٣٠٦)

قَدْ أَذِنَ اَلله لَكَ فِي اَلْحَجِّ، فَلَمْ أَعْقِلْ لَيْلَتِي حَتَّى أَصْبَحْتُ فَأَنَا مُفَكِّرٌ فِي أَمْرِي أَرْقُبُ اَلمَوْسِمَ لَيْلِي وَنَهَارِي.
فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ اَلمَوْسِمِ أَصْلَحْتُ أَمْرِي، وَخَرَجْتُ مُتَوَجِّهاً نَحْوَ اَلمَدِينَةِ، فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ حَتَّى دَخَلْتُ يَثْرِبَ، فَسَأَلْتُ عَنْ آلِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَلَمْ أَجِدْ لَهُ أَثَراً وَلَا سَمِعْتُ لَهُ خَبَراً، فَأَقَمْتُ مُفَكِّراً فِي أَمْرِي حَتَّى خَرَجْتُ مِنَ اَلمَدِينَةِ أُرِيدُ مَكَّةَ، فَدَخَلْتُ اَلْجُحْفَةَ وَأَقَمْتُ بِهَا يَوْماً، وَخَرَجْتُ مِنْهَا مُتَوَجِّهاً نَحْوَ اَلْغَدِيرِ، وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنَ اَلْجُحْفَةِ، فَلَمَّا أَنْ دَخَلْتُ اَلمَسْجِدَ صَلَّيْتُ وَعَفَّرْتُ وَاِجْتَهَدْتُ فِي اَلدُّعَاءِ وَاِبْتَهَلْتُ إِلَى اَلله لَهُمْ، وَخَرَجْتُ أُرِيدُ عُسْفَانَ، فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ حَتَّى دَخَلْتُ مَكَّةَ، فَأَقَمْتُ بِهَا أَيَّاماً أَطُوفُ اَلْبَيْتَ وَاِعْتَكَفْتُ.
فَبَيْنَا أَنَا لَيْلَةً فِي اَلطَّوَافِ إِذَا أَنَا بِفَتًى حَسَنِ اَلْوَجْهِ، طَيِّبِ اَلرَّائِحَةِ، يَتَبَخْتَرُ فِي مِشْيَتِهِ، طَائِفٌ حَوْلَ اَلْبَيْتِ، فَحَسَّ قَلْبِي بِهِ، فَقُمْتُ نَحْوَهُ فَحَكَكْتُهُ، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ اَلرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ، فَقَالَ: مِنْ أَيِّ اَلْعِرَاقِ؟ قُلْتُ: مِنَ اَلْأَهْوَازِ، فَقَالَ لِي: تَعْرِفُ بِهَا اَلْخَصِيبَ؟ فَقُلْتُ: رَحِمَهُ اَللهُ، دُعِيَ فَأَجَابَ، فَقَالَ: رَحِمَهُ اَللهُ، فَمَا كَانَ أَطْوَلَ لَيْلَتَهُ وَأَكْثَرَ تَبَتُّلَهُ وَأَغْزَرَ دَمْعَتَهُ، أَفَتَعْرِفُ عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ اِبْنِ اَلمَازِيَارِ(872)؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: حَيَّاكَ اَللهُ أَبَا اَلْحَسَنِ، مَا فَعَلْتَ بِالْعَلَامَةِ اَلَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام)؟ فَقُلْتُ: مَعِي، قَالَ: أَخْرِجْهَا، فَأَدْخَلْتُ يَدِي فِي جَيْبِي فَاسْتَخْرَجْتُهَا، فَلَمَّا أَنْ رَآهَا لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ تَغَرْغَرَتْ(873) عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ، وَبَكَى مُنْتَحِباً حَتَّى بَلَّ أَطْمَارَهُ، ثُمَّ قَالَ: أُذِنَ لَكَ اَلْآنَ يَا اِبْنَ مَازِيَارَ، صِرْ إِلَى رَحْلِكَ وَكُنْ عَلَى أُهْبَةٍ مِنْ أَمْرِكَ حَتَّى إِذَا لَبِسَ اَللَّيْلُ جِلْبَابَهُ وَغَمَرَ اَلنَّاسَ ظَلَامُهُ سِرْ إِلَى شِعْبِ بَنِي عَامِرٍ، فَإِنَّكَ سَتَلْقَانِي هُنَاكَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(872) ينبئ كلامه هذا أنَّ مهزيار أصله مازيار، فتحرَّر.
(873) في تهذيب اللغة (ج 8/ ص 20): (يقال: تغرغرت عينه بالدمع إذا تردَّد فيها الماء).

(٣٠٧)

فَسِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَلَمَّا أَنْ أَحْسَسْتُ بِالْوَقْتِ أَصْلَحْتُ رَحْلِي وَقَدَّمْتُ رَاحِلَتِي وَعَكَمْتُهُ(874) شَدِيداً، وَحَمَلْتُ وَصِرْتُ فِي مَتْنِهِ، وَأَقْبَلْتُ مُجِدًّا فِي اَلسَّيْرِ حَتَّى وَرَدْتُ اَلشِّعْبَ، فَإِذَا أَنَا بِالْفَتَى قَائِمٌ يُنَادِي: يَا أَبَا اَلْحَسَنِ إِلَيَّ، فَمَا زِلْتُ(875) نَحْوَهُ، فَلَمَّا قَرُبْتُ بَدَأَنِي بِالسَّلَامِ وَقَالَ لِي: سِرْ بِنَا يَا أَخِي، فَمَا زَالَ يُحَدِّثُنِي وَأُحَدِّثُهُ حَتَّى تَخَرَّقْنَا(876) جِبَالَ عَرَفَاتٍ، وَسِرْنَا إِلَى جِبَالِ مِنًى، وَاِنْفَجَرَ اَلْفَجْرُ اَلْأَوَّلُ وَنَحْنُ قَدْ تَوَسَّطْنَا جِبَالَ اَلطَّائِفِ.
فَلَمَّا أَنْ كَانَ هُنَاكَ أَمَرَنِي بِالنُّزُولِ، وَقَالَ لِي: اِنْزِلْ فَصَلِّ صَلَاةَ اَللَّيْلِ، فَصَلَّيْتُ، وَأَمَرَنِي بِالْوَتْرِ فَأَوْتَرْتُ، وَكَانَتْ فَائِدَةً مِنْهُ، ثُمَّ أَمَرَنِي بِالسُّجُودِ وَاَلتَّعْقِيبِ، ثُمَّ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَرَكِبَ وَأَمَرَنِي بِالرُّكُوبِ، وَسَارَ وَسِرْتُ مَعَهُ حَتَّى عَلَا ذِرْوَةَ اَلطَّائِفِ، فَقَالَ: هَلْ تَرَى شَيْئاً؟ قُلْتُ: نَعَمْ، أَرَى كَثِيبَ رَمْلٍ عَلَيْهِ بَيْتُ شَعْرٍ يَتَوَقَّدُ اَلْبَيْتُ نُوراً.
فَلَمَّا أَنْ رَأَيْتُهُ طَابَتْ نَفْسِي، فَقَالَ لِي: هُنَاكَ اَلْأَمَلُ وَاَلرَّجَاءُ، ثُمَّ قَالَ: سِرْ بِنَا يَا أَخِي، فَسَارَ وَسِرْتُ بِمَسِيرِهِ إِلَى أَنِ اِنْحَدَرَ مِنَ اَلذِّرْوَةِ وَسَارَ فِي أَسْفَلِهِ، فَقَالَ: اِنْزِلْ، فَهَاهُنَا يَذِلُّ كُلُّ صَعْبٍ، وَيَخْضَعُ كُلُّ جَبَّارٍ، ثُمَّ قَالَ: خَلِّ عَنْ زِمَامِ اَلنَّاقَةِ، قُلْتُ: فَعَلَى مَنْ أُخَلِّفُهَا؟ فَقَالَ: حَرَمُ اَلْقَائِمِ (عليه السلام) لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يَخْرُجُ(877) مِنْهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، فَخَلَّيْتُ مِنْ زِمَامِ رَاحِلَتِي، وَسَارَ وَسِرْتُ مَعَهُ إِلَى أَنْ دَنَا مِنْ بَابِ اَلْخِبَاءِ، فَسَبَقَنِي بِالدُّخُولِ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقِفَ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيَّ، ثُمَّ قَالَ لِي: اُدْخُلْ هَنَأَكَ اَلسَّلَامَةُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(874) الضمير راجع إلى الراحلة، والراحلة تُؤنَّث وتُذكَّر.
(875) فما زلت نحوه، أي أنحو نحوه.
(876) تخرَّقنا - بالخاء المعجمة والراء المشدَّدة -، أي قطعنا.
(877) في بعض النُّسَخ: (ولا يخرجه).

(٣٠٨)

فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِهِ جَالِسٌ، قَدِ اِتَّشَحَ بِبُرْدِهِ وَاِتَّزَرَ بِأُخْرَى، وَقَدْ كَسَرَ بُرْدَتَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَهُوَ كَأُقْحُوَانَةِ أُرْجُوَانٍ قَدْ تَكَاثَفَ عَلَيْهَا اَلنَّدَى وَأَصَابَهَا أَلَمُ اَلْهَوَى، وَإِذَا هُوَ كَغُصْنِ بَانٍ أَوْ قَضِيبِ رَيْحَانٍ، سَمْحٌ سَخِيٌّ تَقِيٌّ نَقِيٌّ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ اَلشَّامِخِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ اَللَّازِقِ، بَلْ مَرْبُوعُ اَلْقَامَةِ، مُدَوَّرُ اَلْهَامَةِ، صَلْتُ اَلْجَبِينِ، أَزَجُّ اَلْحَاجِبَيْنِ، أَقْنَى اَلْأَنْفِ، سَهْلُ اَلْخَدَّيْنِ، عَلَى خَدِّهِ اَلْأَيْمَنِ خَالٌ كَأَنَّهُ فُتَاتُ مِسْكٍ عَلَى رَضْرَاضَةِ عَنْبَرٍ.
فَلَمَّا أَنْ رَأَيْتُهُ بَدْأَتُهُ بِالسَّلَامِ، فَرَدَّ عَلَيَّ أَحْسَنَ مَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَشَافَهَنِي وَسَأَلَنِي عَنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ، فَقُلْتُ: سَيِّدِي، قَدْ أُلْبِسُوا جِلْبَابَ اَلذِّلَّةِ، وَهُمْ بَيْنَ اَلْقَوْمِ أَذِلَّاءُ، فَقَالَ لِي: «يَا اِبْنَ اَلمَازِيَارِ، لَتَمْلِكُونَهُمْ كَمَا مَلَكُوكُمْ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَذِلَّاءُ»، فَقُلْتُ: سَيِّدِي، لَقَدْ بَعُدَ اَلْوَطَنُ وَطَالَ اَلمَطْلَبُ، فَقَالَ: «يَا اِبْنَ اَلمَازِيَارِ، (أَبِي)(878) أَبُو مُحَمَّدٍ عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ لَا أُجَاوِرَ قَوْماً غَضِبَ اَللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَلَهُمُ اَلْخِزْيُ فِي اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْكُنَ مِنَ اَلْجِبَالِ إِلَّا وَعْرَهَا، وَمِنَ اَلْبِلَادِ إِلَّا عَفْرَهَا(879)، وَاَللهُ مَوْلَاكُمْ أَظْهَرَ اَلتَّقِيَّةَ فَوَكَلَهَا بِي، فَأَنَا فِي اَلتَّقِيَّةِ إِلَى يَوْمٍ يُؤْذَنُ لِي فَأَخْرُجُ»، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، مَتَى يَكُونُ هَذَا اَلْأَمْرُ؟ فَقَالَ: «إِذَا حِيلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ سَبِيلِ اَلْكَعْبَةِ، وَاِجْتَمَعَ اَلشَّمْسُ وَاَلْقَمَرُ(880)، وَاِسْتَدَارَ بِهِمَا(881) اَلْكَوَاكِبُ وَاَلنُّجُومُ»، فَقُلْتُ: مَتَى، يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله؟ فَقَالَ لِي: «فِي سَنَةِ كَذَا وَكَذَا تَخْرُجُ دَابَّةُ اَلْأَرْضِ مِنْ بَيْنِ اَلصَّفَا وَاَلمَرْوَةِ، وَمَعَهُ عَصَا مُوسَى وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ، يَسُوقُ اَلنَّاسَ إِلَى اَلمَحْشَرِ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(878) ليس في بعض النُّسَخ.
(879) في بعض النُّسَخ: (أقفرها)، وفي بعضها: (قفرها).
(880) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 13): (لا يبعد أنْ يكون الشمس والقمر والنجوم كنايات عن الرسول وأمير المؤمنين والأئمَّة صلوات الله عليهم أجمعين، ويحتمل أنْ يكون المراد قرب الأمر بقيام الساعة التي يكون فيها ذلك، ويمكن حمله على ظاهره).
(881) في بعض النُّسَخ: (بها).

(٣٠٩)

قَالَ: فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ أَيَّاماً، وَأَذِنَ لِي بِالْخُرُوجِ بَعْدَ أَنِ اِسْتَقْصَيْتُ لِنَفْسِي، وَخَرَجْتُ نَحْوَ مَنْزِلِي، وَاَلله لَقَدْ سِرْتُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى اَلْكُوفَةِ وَمَعِي غُلَامٌ يَخْدُمُنِي، فَلَمْ أَرَ إِلَّا خَيْراً، وَصَلَّى اَللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً(882).
229 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ وَغَيْرِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ بَعْضِ جَلَاوِزَةِ اَلسَّوَادِ(883)، قَالَ: شَهِدْتُ نَسِيماً(884) آنِفاً بِسُرَّ مَنْ رَأَى، وَقَدْ كَسَرَ بَابَ اَلدَّارِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ طَبَرْزِينٌ، فَقَالَ: «مَا تَصْنَعُ فِي دَارِي؟»، قَالَ نَسِيمٌ: إِنَّ جَعْفَراً زَعَمَ أَنَّ أَبَاكَ مَضَى وَلَا وَلَدَ لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ دَارَكَ فَقَدِ اِنْصَرَفْتُ عَنْكَ، فَخَرَجَ عَنِ اَلدَّارِ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ قَيْسٍ: فَقَدِمَ عَلَيْنَا غُلَامٌ مِنْ خُدَّامِ اَلدَّارِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا اَلْخَبَرِ، فَقَالَ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا؟ قُلْتُ: حَدَّثَنِي بَعْضُ جَلَاوِزَةِ اَلسَّوَادِ، فَقَالَ لِي: لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَى اَلنَّاسِ شَيْءٌ(885).
230 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام)(886)، وَكَانَ أَسَنَّ شَيْخٍ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قَالَ: رَأَيْتُهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(882) روى نحوه الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 539 - 542/ ح 522/126)، ورواه باختصار الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 785 - 788/ ح 111).
(883) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 234 و235): (قوله: (عن بعض جلاوزة السواد) السواد بالفتح قرى المدينة، وعامَّة الناس وأوباشهم، وكلُّ عدد كثير. والجلاوزة جمع الجلواز بالكسر، وهو الشرطي والأرذل والمتابع للشرطي والعون للسلطان يكون معه بلا رزق).
(884) قوله: (شهدت نسيماً)، هكذا في نُسَخ الكتاب، ولكن في الكافي: (سيماء) بدون نون، وكذا في شرح أُصول الكافي للمولى المازندراني (رحمه الله) (ج 6/ ص 235)، قال: (هو واحد من عبيد جعفر الكذَّاب).
(885) الكافي (ج 1/ ص 331 و332/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 11).
(886) هو محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر (عليه السلام).

(٣١٠)

بَيْنَ اَلمَسْجِدَيْنِ(887) وَهُوَ غُلَامٌ(888).
231 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ خَادِمٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ اَلنَّيْسَابُورِيِّ(889)، قَالَ: كُنْتُ وَاقِفاً مَعَ إِبْرَاهِيمَ عَلَى اَلصَّفَا، فَجَاءَ غُلَامٌ(890) حَتَّى وَقَفَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَقَبَضَ عَلَى كِتَابِ مَنَاسِكِهِ وَحَدَّثَهُ بِأَشْيَاءَ(891).
232 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِدْرِيسَ(892)، قَالَ: رَأَيْتُهُ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) حِينَ أَيْفَعَ(893)، وَقَبَّلْتُ يَدَيْهِ وَرَأْسَهُ(894).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(887) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 13): (لعلَّ المراد بالمسجدين مسجدي: مكَّة والمدينة).
(888) الكافي (ج 1/ ص 330/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 2)؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 351) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 218) عن محمّد بن يعقوب.
(889) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 384/ الرقم 5646/19) من أصحاب الهادي (عليه السلام)، وفي (ص 397/ الرقم 5823/7) من أصحاب العسكري (عليه السلام).
وورد في التوقيع الذي خرج لإسحاق بن إسماعيل: «وَأَنْتَ رَسُولِي يَا إِسْحَاقُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ وَفَّقَهُ اَللهُ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا وَرَدَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِي...» إلى أنْ قال: «وَعَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ سَلَامُ اَلله وَرَحْمَتُهُ، وَعَلَيْكَ يَا إِسْحَاقُ». (رجال الكشِّي: ج 2/ ص 847/ ح 1088).
(890) في الكافي: (فجاء (عليه السلام))، وهو الأظهر.
(891) الكافي (ج 1/ ص 331/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 6)؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 352) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 219 و220) عن محمّد بن يعقوب.
(892) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 59)، والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 383/ الرقم 5638/9) من أصحاب الهادي (عليه السلام).
(893) في مجمع البحرين (ج 4/ ص 412): (أيفع الغلام، إذا شارف الاحتلام ولم يحتلم).
(894) الكافي (ج 1/ ص 331/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 7)؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 353) بإسناده عن الكليني، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 220) عن محمّد بن يعقوب.

(٣١١)

233 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ بْنِ مُطَهَّرٍ(895)، قَالَ: رَأَيْتُهُ، وَوَصَفَ قَدَّهُ(896).
234 - أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سُورَةَ - وَهُوَ مُحَمَّدُ اِبْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلتَّمِيمِيُّ - وَكَانَ زَيْدِيًّا -، قَالَ: سَمِعْتُ هَذِهِ اَلْحِكَايَةَ عَنْ جَمَاعَةٍ يَرْوُونَهَا عَنْ أَبِي (رحمه الله) أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى اَلْحَيْرِ، قَالَ: فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى اَلْحَيْرِ إِذَا شَابٌّ حَسَنُ اَلْوَجْهِ يُصَلِّي، ثُمَّ إِنَّهُ وَدَّعَ وَوَدَّعْتُ، وَخَرَجْنَا فَجِئْنَا إِلَى اَلمَشْرَعَةِ، فَقَالَ لِي: «يَا بَا سُورَةَ، أَيْنَ تُرِيدُ؟»، فَقُلْتُ: اَلْكُوفَةَ، فَقَالَ لِي: «مَعَ مَنْ؟»، قُلْتُ: مَعَ اَلنَّاسِ، قَالَ لِي: «لَا تُرِيدُ نَحْنُ جَمِيعاً نَمْضِي؟»، قُلْتُ: وَمَنْ مَعَنَا؟ فَقَالَ: «لَيْسَ نُرِيدُ مَعَنَا أَحَداً»، قَالَ: فَمَشَيْنَا لَيْلَتَنَا، فَإِذَا نَحْنُ عَلَى مَقَابِرِ مَسْجِدِ اَلسَّهْلَةِ، فَقَالَ لِي: «هُوَ ذَا مَنْزِلُكَ، فَإِنْ شِئْتَ فَامْضِ»، ثُمَّ قَالَ لِي: «تَمُرُّ إِلَى اِبْنِ اَلزُّرَارِيِّ(897) عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى، فَتَقُولُ لَهُ يُعْطِيكَ اَلمَالَ اَلَّذِي عِنْدَهُ»، فَقُلْتُ لَهُ: لَا يَدْفَعُهُ إِلَيَّ، فَقَالَ لِي: «قُلْ لَهُ: بِعَلَامَةِ أَنَّهُ كَذَا وَكَذَا دِينَاراً، وَكَذَا وَكَذَا دِرْهَماً، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، وَعَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا مُغَطًّى»، فَقُلْتُ لَهُ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ بْنُ اَلْحَسَنِ(898)»، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنِّي وَطُولِبْتُ بِالدِّلَالَةِ؟ فَقَالَ: «أَنَا وَرَاكَ»، قَالَ: فَجِئْتُ إِلَى اِبْنِ اَلزُّرَارِيِّ، فَقُلْتُ لَهُ، فَدَفَعَنِي، فَقُلْتُ لَهُ اَلْعَلَامَاتِ اَلَّتِي قَالَ لِي، وَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قَالَ لِي: «أَنَا وَرَاكَ»، فَقَالَ: لَيْسَ بَعْدَ هَذَا شَيْءٌ، وَقَالَ: لَمْ يَعْلَمْ بِهَذَا إِلَّا اَللهُ تَعَالَى، وَدَفَعَ إِلَيَّ اَلمَالَ(899).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(895) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 60) من أصحاب الهادي (عليه السلام)، قائلاً: (أحمد بن محمّد بن مطهَّر)، ووصفه الصدوق (رحمه الله) في مشيخة من لا يحضره الفقيه (ج 4/ ص 508) بصاحب أبي محمّد (عليه السلام).
(896) الكافي (ج 1/ ص 331/ باب في تسمية من رآه (عليه السلام)/ ح 5) باختلاف؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 352) بإسناده عن الكليني.
(897) في بعض النُّسَخ: (ابن الدراري)، وكذا في ما يأتي.
(898) أي المهدي (عجَّل الله فرجه).
(899) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 470 و471/ ح 15) مختصراً.
 

(٣١٢)

235 - وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْهُ، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ أَبُو سُورَةَ: فَسَأَلَنِي اَلرَّجُلُ عَنْ حَالِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِضِيقِي(900) وَبِعَيْلَتِي، فَلَمْ يَزَلْ يُمَاشِينِي حَتَّى اِنْتَهَيْنَا إِلَى اَلنَّوَاوِيسِ فِي اَلسَّحَرِ، فَجَلَسْنَا، ثُمَّ حَفَرَ بِيَدِهِ، فَإِذَا اَلمَاءُ قَدْ خَرَجَ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ قَالَ لِي: «اِمْضِ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى، فَاقْرَأْ عَلَيْهِ اَلسَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ اَلرَّجُلُ: اِدْفَعْ إِلَى أَبِي سُورَةَ مِنَ اَلسَّبْعِ مِائَةِ دِينَارٍ اَلَّتِي مَدْفُونَةٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا مِائَةَ دِينَارٍ»، وَإِنِّي مَضَيْتُ مِنْ سَاعَتِي إِلَى مَنْزِلِهِ، فَدَقَقْتُ اَلْبَابَ، فَقَالَ(901): مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: قَوْلِي لِأَبِي اَلْحَسَنِ: هَذَا أَبُو سُورَةَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا لِي وَلِأَبِي سُورَةَ؟ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ اَلْخَبَرَ، فَدَخَلَ وَأَخْرَجَ إِلَيَّ مِائَةَ دِينَارٍ، فَقَبَضْتُهَا، فَقَالَ لِي: صَافَحْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَخَذَ يَدِي فَوَضَعَهَا عَلَى عَيْنَيْهِ وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ.
قال أحمد بن عليٍّ: وقد روي هذا الخبر عن محمّد بن عليٍّ الجعفري وعبد الله بن الحسن بن بشر الخزَّاز وغيرهما، وهو مشهور عندهم(902).
236 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ رَفَعَهُ، عَنِ اَلزَّهَرِيِّ، قَالَ: طَلَبْتُ هَذَا اَلْأَمْرَ طَلَباً شَاقًّا حَتَّى ذَهَبَ لِي فِيهِ مَالٌ صَالِحٌ، فَوَقَعْتُ إِلَى اَلْعَمْرِيِّ وَخَدَمْتُهُ وَلَزِمْتُهُ، وَسَأَلْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)، فَقَالَ لِي: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ وُصُولٌ، فَخَضَعْتُ، فَقَالَ لِي: بَكِّرْ بِالْغَدَاةِ، فَوَافَيْتُ(903)، فَاسْتَقْبَلَنِي وَمَعَهُ شَابٌّ مِنْ أَحْسَنِ اَلنَّاسِ وَجْهاً، وَأَطْيَبِهِمْ رَائِحَةً بِهَيْأَةِ اَلتُّجَّارِ، وَفِي كُمِّهِ شَيْءٌ كَهَيْأَةِ اَلتُّجَّارِ، فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ دَنَوْتُ مِنَ اَلْعَمْرِيِّ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ(904)، فَعَدَلْتُ إِلَيْهِ وَسَأَلْتُهُ، فَأَجَابَنِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(900) في بعض النُّسَخ: (بصنعتي)، وفي بعضها: (بضيعتي (بضيقي خ ل)).
(901) لعلَّ هنا سقطاً، والصحيح: (فقالت جارية: من هذا؟).
(902) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 471 و472/ ذيل الحديث 15) مختصراً.
(903) في بعض النُّسَخ: (فوافقت).
(904) أي أومأ إليَّ أنَّه الحجَّة (عجَّل الله فرجه).

(٣١٣)

عَنْ كُلِّ مَا أَرَدْتُ، ثُمَّ مَرَّ لِيَدْخُلَ اَلدَّارَ - وَكَانَتْ مِنَ اَلدُّورِ اَلَّتِي لَا يُكْتَرَثُ(905) لَهَا -، فَقَالَ اَلْعَمْرِيُّ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ سَلْ، فَإِنَّكَ لَا تَرَاهُ بَعْدَ ذَا، فَذَهَبْتُ لِأَسْأَلَ، فَلَمْ يَسْمَعْ وَدَخَلَ اَلدَّارَ، وَمَا كَلَّمَنِي بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالَ: «مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ أَخَّرَ اَلْعِشَاءَ إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ اَلنُّجُومُ(906)، مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ أَخَّرَ اَلْغَدَاةَ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ اَلنُّجُومُ(907)»، وَدَخَلَ اَلدَّارَ(908).
237 - أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَاقَانَ اَلدِّهْقَانِ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ دَادِ بْنِ غَسَّانَ(909) اَلْبَحْرَانِيِّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي سَهْلٍ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ اَلنَّوْبَخْتِيِّ(910)، قَالَ: مَوْلِدُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ اِبْنِ عَلِيٍّ اَلرِّضَا بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ اَلصَّادِقِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْبَاقِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ اِبْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ): وُلِدَ (عليه السلام) بِسَامِرَّاءَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، أُمُّهُ صَقِيلُ، وَيُكَنَّى أَبَا اَلْقَاسِمِ، بِهَذِهِ اَلْكُنْيَةِ أَوْصَى اَلنَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «اِسْمُهُ كَاسْمِي(911)، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي»، لَقَبُهُ اَلمَهْدِيُّ، وَهُوَ اَلْحُجَّةُ، وَهُوَ اَلمُنْتَظَرُ، وَهُوَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ (عليه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(905) في حاشية بعض النُّسَخ: (لا يُكترَث لها، أي لا يُعبَأ ولا يُبالي بها).
(906) لعلَّ لفظ (العشاء) مصحَّف، والصحيح (المغرب)، وذلك لأنَّ وقته المسنون يبتدئ من سقوط الحمرة إلى سقوط الشفق المساوق لاشتباك النجوم، فمن أخَّر صلاة المغرب عن اشتباك النجوم خالف السُّنَّة.
(907) المراد: إلى أنْ تغيب النجوم.
(908) رواه أحمد بن عليٍّ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 297 و298) عن الكليني.
(909) في بعض النُّسَخ: (عنان).
(910) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 31/ الرقم 68): (إسماعيل بن عليِّ بن إسحاق بن أبي سهل ابن نوبخت، كان شيخ المتكلِّمين من أصحابنا وغيرهم، له جلالة في الدنيا، يجري مجرى الوزراء في جلالة الكتاب).
وعنونه المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 49/ الرقم 36/7) وكنَّاه بأبي سهل.
(911) في بعض النُّسَخ: (اسمه اسمي).

(٣١٤)

قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) فِي اَلمَرْضَةِ اَلَّتِي مَاتَ فِيهَا، وَأَنَا عِنْدَهُ إِذْ قَالَ لِخَادِمِهِ عَقِيدٍ - وَكَانَ اَلْخَادِمُ أَسْوَدَ نُوبِيًّا قَدْ خَدَمَ مِنْ قَبْلِهِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ رَبَّى اَلْحَسَنَ (عليه السلام) -، فَقَالَ لَهُ: «يَا عَقِيدُ، أَغْلِ لِي مَاءً بِمُصْطَكِيِّ»، فَأَغْلَى لَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ صَقِيلُ اَلْجَارِيَةُ أُمُّ اَلْخَلَفِ (عليه السلام)، فَلَمَّا صَارَ اَلْقَدَحُ فِي يَدَيْهِ وَهَمَّ بِشُرْبِهِ فَجَعَلَتْ يَدُهُ تَرْتَعِدُ حَتَّى ضَرَبَ اَلْقَدَحَ ثَنَايَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، فَتَرَكَهُ مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ لِعَقِيدٍ: «اُدْخُلِ اَلْبَيْتَ، فَإِنَّكَ تَرَى صَبِيًّا سَاجِداً، فَأْتِنِي بِهِ».
قَالَ أَبُو سَهْلٍ: قَالَ عَقِيدٌ: فَدَخَلْتُ أَتَحَرَّى، فَإِذَا أَنَا بِصَبِيٍّ سَاجِدٍ رَافِعٍ سَبَّابَتَهُ نَحْوَ اَلسَّمَاءِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَأَوْجَزَ فِي صَلَاتِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّ سَيِّدِي يَأْمُرُكَ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِ، إِذَا جَاءَتْ أُمُّهُ صَقِيلُ، فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ وَأَخْرَجَتْهُ إِلَى أَبِيهِ اَلْحَسَنِ (عليه السلام).
قَالَ أَبُو سَهْلٍ: فَلَمَّا مَثُلَ اَلصَّبِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ سَلَّمَ، وَإِذَا هُوَ دُرِّيُّ اَللَّوْنِ، وَفِي شَعْرِ رَأْسِهِ قَطَطٌ، مُفَلَّجُ اَلْأَسْنَانِ، فَلَمَّا رَآهُ اَلْحَسَنُ (عليه السلام) بَكَى وَقَالَ: «يَا سَيِّدَ أَهْلِ بَيْتِهِ، اِسْقِنِي اَلمَاءَ فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي»، وَأَخَذَ اَلصَّبِيُّ اَلْقَدَحَ اَلمَغْلِيَّ بِالمُصْطُكِيِّ بِيَدِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ، ثُمَّ سَقَاهُ، فَلَمَّا شَرِبَهُ قَالَ: «هَيِّئُونِي لِلصَّلَاةِ»، فَطُرِحَ فِي حِجْرِهِ مِنْدِيلٌ، فَوَضَّأَهُ اَلصَّبِيُّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَدَمَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «أَبْشِرْ يَا بُنَيَّ، فَأَنْتَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ، وَأَنْتَ اَلمَهْدِيُّ، وَأَنْتَ حُجَّةُ اَلله عَلَى أَرْضِهِ، وَأَنْتَ وَلَدِي وَوَصِيِّي وَأَنَا وَلَدْتُكَ، وَأَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ اِبْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)، وَلَدَكَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَأَنْتَ خَاتَمُ [اَلْأَوْصِيَاءِ] اَلْأَئِمَّةِ اَلطَّاهِرِينَ، وَبَشَّرَ بِكَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَسَمَّاكَ وَكَنَّاكَ، وَبِذَلِكَ عَهِدَ إِلَيَّ أَبِي عَنْ آبَائِكَ اَلطَّاهِرِينَ، صَلَّى اَللهُ عَلَى أَهْلِ اَلْبَيْتِ رَبُّنَا إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»، وَمَاتَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ وَقْتِهِ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)(912).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(912) رواه النيلي (رحمه الله) في منتخب الأنوار المضيئة (ص 258 - 260) عن أحمد بن محمّد الأيادي يرفعه إلى إسماعيل بن عليٍّ باختلاف يسير.

(٣١٥)

238 - عَنْهُ، عَنْ أَبِي اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ اَلْأَشْعَرِيُّ اَلْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ اَلضَّرَّابُ اَلْغَسَّانِيُّ - فِي مُنْصَرَفِهِ مِنْ أَصْفَهَانَ -، قَالَ: حَجَجْتُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكُنْتُ مَعَ قَوْمٍ مُخَالِفِينَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ تَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ، فَاكْتَرَى لَنَا دَاراً فِي زُقَاقٍ بَيْنَ سُوقِ اَللَّيْلِ، وَهِيَ دَارُ خَدِيجَةَ (عليها السلام)، تُسَمَّى دَارَ اَلرِّضَا (عليه السلام)، وَفِيهَا عَجُوزٌ سَمْرَاءُ، فَسَأَلْتُهَا - لَـمَّا وَقَفْتُ عَلَى أَنَّهَا دَارُ اَلرِّضَا (عليه السلام) -: مَا تَكُونِينَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ اَلدَّارِ؟ وَلِمَ سُمِّيَتْ دَارَ اَلرِّضَا؟ فَقَالَتْ: أَنَا مِنْ مَوَالِيهِمْ، وَهَذِهِ دَارُ اَلرِّضَا عَلِيِّ بْنِ مُوسَى (رحمه الله)، أَسْكَنِيهَا(913) اَلْحَسَنُ اِبْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، فَإِنِّي كُنْتُ مِنْ خَدَمِهِ.
فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْهَا أَنِسْتُ بِهَا، وَأَسْرَرْتُ اَلْأَمْرَ عَنْ رُفَقَائِيَ اَلمُخَالِفِينَ، فَكُنْتُ إِذَا اِنْصَرَفْتُ مِنَ اَلطَّوَافِ بِاللَّيْلِ أَنَامُ مَعَهُمْ فِي رِوَاقٍ فِي اَلدَّارِ، وَنُغْلِقُ اَلْبَابَ وَنُلْقِي خَلْفَ اَلْبَابِ حَجَراً كَبِيراً كُنَّا نُدِيرُ خَلْفَ اَلْبَابِ.
فَرَأَيْتُ غَيْرَ لَيْلَةٍ ضَوْءَ اَلسِّرَاجِ فِي اَلرِّوَاقِ اَلَّذِي كُنَّا فِيهِ شَبِيهاً بِضَوْءِ اَلمَشْعَلِ، وَرَأَيْتُ اَلْبَابَ قَدِ اِنْفَتَحَ وَلَا أَرَى أَحَداً فَتَحَهُ مِنْ أَهْلِ اَلدَّارِ، وَرَأَيْتُ رَجُلاً رَبْعَةً(914)، أَسْمَرَ إِلَى اَلصُّفْرَةِ(915)، مَا هُوَ قَلِيلَ اَللَّحْمِ، فِي وَجْهِهِ سَجَّادَةٌ، عَلَيْهِ قَمِيصَانِ، وَإِزَارٌ رَقِيقٌ قَدْ تَقَنَّعَ بِهِ، وَفِي رِجْلِهِ نَعْلٌ طَاقٌ(916)، فَصَعِدَ إِلَى اَلْغُرْفَةِ فِي اَلدَّارِ حَيْثُ كَانَتِ اَلْعَجُوزُ تَسْكُنُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(913) في بعض النُّسَخ: (أسكننيها).
(914) في الصحاح للجوهري (ج 3/ ص 1214/ مادَّة ربع): (رجل ربعة، أي مربوع الخلق لا طويل ولا قصير).
(915) في حاشية بعض النُّسَخ: (أي يميل إليها، وما هو قليل اللحم أي متوسِّط بين الهزل والسمن، وقيل: إنَّ (ما هو) من تتمَّة سابقه، و(إلى الصفرة ما هو) بمعنى يميل إليها قليلاً وما هو بأصفر، وهو تعبير شائع).
(916) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 23): (قوله: (في رجله نعل طاق) أي من غير أنْ يلبس تحته شيئاً من جورب).

(٣١٦)

وَكَانَتْ تَقُولُ لَنَا: إِنَّ فِي اَلْغُرْفَةِ اِبْنَةً، لَا تَدَعُ أَحَداً يَصْعَدُ إِلَيْهَا، فَكُنْتُ أَرَى اَلضَّوْءَ اَلَّذِي رَأَيْتُهُ يُضِيءُ فِي اَلرِّوَاقِ عَلَى اَلدَّرَجَةِ عِنْدَ صُعُودِ اَلرَّجُلِ إِلَى اَلْغُرْفَةِ اَلَّتِي يَصْعَدُهَا، ثُمَّ أَرَاهُ فِي اَلْغُرْفَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَرَى اَلسِّرَاجَ بِعَيْنِهِ، وَكَانَ اَلَّذِينَ مَعِي يَرَوْنَ مِثْلَ مَا أَرَى، فَتَوَهَّمُوا أَنْ يَكُونَ هَذَا اَلرَّجُلُ يَخْتَلِفُ إِلَى اِبْنَةِ اَلْعَجُوزِ، وَأَنْ يَكُونَ قَدْ تَمَتَّعَ بِهَا.
فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ اَلْعَلَوِيَّةُ يَرَوْنَ اَلمُتْعَةَ، وَهَذَا حَرَامٌ لَا يَحِلُّ فِيمَا زَعَمُوا. وَكُنَّا نَرَاهُ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ، وَنَجِيءُ إِلَى اَلْبَابِ وَإِذَا اَلْحَجَرُ عَلَى حَالِهِ اَلَّذِي تَرَكْنَاهُ، وَكُنَّا نُغْلِقُ هَذَا اَلْبَابَ خَوْفاً عَلَى مَتَاعِنَا، وَكُنَّا لَا نَرَى أَحَداً يَفْتَحُهُ وَلَا يُغْلِقُهُ، وَاَلرَّجُلُ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَاَلْحَجَرُ خَلْفَ اَلْبَابِ إِلَى وَقْتِ نُنَحِّيهِ إِذَا خَرَجْنَا.
فَلَمَّا رَأَيْتُ هَذِهِ اَلْأَسْبَابَ ضَرَبَ عَلَى قَلْبِي، وَوَقَعَتْ فِي قَلْبِي فِتْنَةٌ، فَتَلَطَّفْتُ اَلْعَجُوزَ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَقِفَ عَلَى خَبَرِ اَلرَّجُلِ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا فُلَانَةُ، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْأَلَكِ وَأُفَاوِضَكِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ مَنْ مَعِي فَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَأَنَا أُحِبُّ إِذَا رَأَيْتِنِي فِي اَلدَّارِ وَحْدِي أَنْ تَنْزِلِي إِلَيَّ لِأَسْأَلَكِ عَنْ أَمْرٍ، فَقَالَتْ لِي مُسْرِعَةً: وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُسِرَّ إِلَيْكَ شَيْئاً فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لِي ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ مَنْ مَعَكَ، فَقُلْتُ: مَا أَرَدْتِ أَنْ تَقُولِي؟ فَقَالَتْ: يَقُولُ(917) لَكَ - وَلَمْ تَذْكُرْ أَحَداً -: لَا تُخَاشِنْ(918) أَصْحَابَكَ وَشُرَكَاءَكَ وَلَا تُلَاحِهِمْ(919)، فَإِنَّهُمْ أَعْدَاؤُكَ، وَدَارِهِمْ، فَقُلْتُ لَهَا: مَنْ يَقُولُ؟ فَقَالَتْ: أَنَا أَقُولُ، فَلَمْ أَجْسُرْ لِمَا دَخَلَ قَلْبِي مِنَ اَلْهَيْبَةِ أَنْ أُرَاجِعَهَا، فَقُلْتُ: أَيَّ أَصْحَابِي تَعْنِينَ؟ فَظَنَنْتُ أَنَّهَا تَعْنِي رُفَقَائِيَ اَلَّذِينَ كَانُوا حُجَّاجاً مَعِي، قَالَتْ: شُرَكَاؤُكَ اَلَّذِينَ فِي بَلَدِكَ وَفِي اَلدَّارِ مَعَكَ، وَكَانَ جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَ اَلَّذِينَ مَعِي فِي اَلدَّارِ عَنَتٌ فِي اَلدِّينِ، فَسَعَوْا بِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(917) في بعض النُّسَخ: (يقول - أي المولى سلام الله عليه -).
(918) خاشنه: ضدّ لاينه.
(919) الملاحاة: المنازعة والمعاداة.

(٣١٧)

حَتَّى هَرَبْتُ وَاِسْتَتَرْتُ بِذَلِكَ اَلسَّبَبِ، فَوَقَفْتُ عَلَى أَنَّهَا عَنَتْ أُولَئِكَ، فَقُلْتُ لَهَا: مَا تَكُونِينَ أَنْتِ مِنَ اَلرِّضَا؟ فَقَالَتْ: كُنْتُ خَادِمَةً لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، فَلَمَّا اِسْتَيْقَنْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: لَأَسْأَلَنَّهَا عَنِ اَلْغَائِبِ (عليه السلام)، فَقُلْتُ: بِالله عَلَيْكِ رَأَيْتِهِ بِعَيْنِكِ؟ فَقَالَتْ: يَا أَخِي، لَمْ أَرَهُ بِعَيْنِي، فَإِنِّي خَرَجْتُ وَأُخْتِي حُبْلَى وَبَشَّرَنِي اَلْحَسَنُ اِبْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام) بِأَنِّي سَوْفَ أَرَاهُ فِي آخِرِ عُمُرِي، وَقَالَ لِي: «تَكُونِينَ لَهُ كَمَا كُنْتِ لِي»، وَأَنَا اَلْيَوْمَ مُنْذُ كَذَا بِمِصْرَ، وَإِنَّمَا قُدِّمْتُ اَلْآنَ بِكِتَابِةٍ وَنَفَقَةٍ وَجَّهَ بِهَا إِلَيَّ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ لَا يُفْصِحُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ دِينَاراً، وَأَمَرَنِي أَنْ أَحُجَّ سَنَتِي هَذِهِ، فَخَرَجْتُ رَغْبَةً مِنِّي فِي أَنْ أَرَاهُ(920)، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّ اَلرَّجُلَ اَلَّذِي كُنْتُ أَرَاهُ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ هُوَ هُوَ.
فَأَخَذْتُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صِحَاحاً فِيهَا سِتَّةٌ رَضَوِيَّةٌ مِنْ ضَرْبِ اَلرِّضَا (عليه السلام) قَدْ كُنْتُ خَبَأْتُهَا لِأُلْقِيَهَا فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام)، وَكُنْتُ نَذَرْتُ وَنَوَيْتُ ذَلِكَ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَدْفَعُهَا إِلَى قَوْمٍ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ (عليها السلام) أَفْضَلُ مِمَّا أُلْقِيهَا فِي اَلمَقَامِ وَأَعْظَمُ ثَوَاباً، فَقُلْتُ لَهَا: اِدْفَعِي هَذِهِ اَلدَّرَاهِمَ إِلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ (عليها السلام)، وَكَانَ فِي نِيَّتِي أَنَّ اَلَّذِي رَأَيْتُهُ هُوَ اَلرَّجُلُ، وَإِنَّمَا تَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، فَأَخَذَتِ اَلدَّرَاهِمَ وَصَعِدَتْ، وَبَقِيَتْ سَاعَةً ثُمَّ نَزَلَتْ، فَقَالَتْ: يَقُولُ لَكَ: «لَيْسَ لَنَا فِيهَا حَقٌّ، اِجْعَلْهَا فِي اَلمَوْضِعِ اَلَّذِي نَوَيْتَ، وَلَكِنْ هَذِهِ اَلرَّضَوِيَّةُ خُذْ مِنَّا بَدَلَهَا وَأَلْقِهَا فِي اَلمَوْضِعِ اَلَّذِي نَوَيْتَ»، فَفَعَلْتُ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: اَلَّذِي أُمِرْتُ بِهِ عَنِ اَلرَّجُلِ.
ثُمَّ كَانَ مَعِي نُسْخَةُ تَوْقِيعٍ خَرَجَ إِلَى اَلْقَاسِمِ بْنِ اَلْعَلَاءِ بِآذَرْبِيجَانَ، فَقُلْتُ لَهَا: تَعْرِضِينَ هَذِهِ اَلنُّسْخَةَ عَلَى إِنْسَانٍ قَدْ رَأَى تَوْقِيعَاتِ اَلْغَائِبِ، فَقَالَتْ: نَاوِلْنِي فَإِنِّي أَعْرِفُهَا، فَأَرَيْتُهَا اَلنُّسْخَةَ، وَظَنَنْتُ أَنَّ اَلمَرْأَةَ تُحْسِنُ أَنْ تَقْرَأَ، فَقَالَتْ: لَا يُمْكِنُنِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(920) إلى هنا انتهى كلام المرأة، وقوله: (فوقع في قلبي...) إلخ من كلام يوسف بن يعقوب الراوي.

(٣١٨)

أَنْ أَقْرَأَ فِي هَذَا اَلمَكَانِ، فَصَعِدَتِ اَلْغُرْفَةَ ثُمَّ أَنْزَلَتْهُ، فَقَالَتْ: صَحِيحٌ، وَفِي اَلتَّوْقِيعِ: «أُبَشِّرُكُمْ بِبُشْرَى مَا بَشَّرْتُ بِهِ إِيَّاهُ» وَغَيْرَهُ.
ثُمَّ قَالَتْ: يَقُولُ لَكَ: «إِذَا صَلَّيْتَ عَلَى نَبِيِّكَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كَيْفَ تُصَلِّي عَلَيْهِ؟»، فَقُلْتُ: أَقُولُ: اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَأَفْضَلِ مَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
فَقَالَ: «لَا، إِذَا صَلَّيْتَ عَلَيْهِمْ فَصَلِّ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ وَسَمِّهِمْ»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَلَمَّا كَانَتْ مِنَ اَلْغَدِ نَزَلَتْ وَمَعَهَا دَفْتَرٌ صَغِيرٌ، فَقَالَتْ: يَقُولُ لَكَ: «إِذَا صَلَّيْتَ عَلَى اَلنَّبِيِّ فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْصِيَائِهِ عَلَى هَذِهِ اَلنُّسْخَةِ»، فَأَخَذْتُهَا، وَكُنْتُ أَعْمَلُ بِهَا، وَرَأَيْتُ عِدَّةَ لَيَالٍ قَدْ نَزَلَ مِنَ اَلْغُرْفَةِ وَضَوْءُ اَلسِّرَاجِ قَائِمٌ.
وَكُنْتُ أَفْتَحُ اَلْبَابَ وَأَخْرُجُ عَلَى أَثَرِ اَلضَّوْءِ وَأَنَا أَرَاهُ - أَعْنِي اَلضَّوْءَ - وَلَا أَرَى أَحَداً حَتَّى يَدْخُلَ اَلمَسْجِدَ، وَأَرَى جَمَاعَةً مِنَ اَلرِّجَالِ مِنْ بُلْدَانٍ شَتَّى يَأْتُونَ بَابَ هَذِهِ اَلدَّارِ، فَبَعْضُهُمْ يَدْفَعُونَ إِلَى اَلْعَجُوزِ رِقَاعاً مَعَهُمْ، وَرَأَيْتُ اَلْعَجُوزَ قَدْ دَفَعَتْ إِلَيْهِمْ كَذَلِكَ اَلرِّقَاعَ، فَيُكَلِّمُونَهَا وَتُكَلِّمُهُمْ وَلَا أَفْهَمُ عَنْهُمْ، وَرَأَيْتُ مِنْهُمْ فِي مُنْصَرَفِنَا جَمَاعَةً فِي طَرِيقِي إِلَى أَنْ قَدِمْتُ بَغْدَادَ.
نُسْخَةُ اَلدَّفْتَرِ اَلَّذِي خَرَجَ: «بِسْمِ اَلله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ اَلمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمِ اَلنَّبِيِّينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ، اَلمُنْتَجَبِ فِي اَلْمِيثَاقِ، اَلمُصْطَفَى فِي اَلظِّلَالِ، اَلمُطَهَّرِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ، اَلْبَرِيءِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، اَلمُؤَمَّلِ لِلنَّجَاةِ، اَلمُرْتَجَى لِلشَّفَاعَةِ، اَلمُفَوَّضِ إِلَيْهِ دِينُ اَلله، اَللَّهُمَّ شَرِّفْ بُنْيَانَهُ، وَعَظِّمْ بُرْهَانَهُ، وَأَفْلِجْ حُجَّتَهُ، وَاِرْفَعْ دَرَجَتَهُ، وَأَضِئْ نُورَهُ، وَبَيِّضْ وَجْهَهُ، وَأَعْطِهِ اَلْفَضْلَ وَاَلْفَضِيلَةَ، وَاَلدَّرَجَةَ وَاَلْوَسِيلَةَ اَلرَّفِيعَةَ، وَاِبْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً، يَغْبِطُهُ بِهِ اَلْأَوَّلُونَ وَاَلْآخِرُونَ.
وَصَلِّ عَلَى أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ اَلْغُرِّ اَلمُحَجَّلِينَ، وَسَيِّدِ اَلْوَصِيِّينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ

(٣١٩)

اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى اَلْخَلَفِ اَلصَّالِحِ اَلْهَادِي اَلمَهْدِيِّ، إِمَامِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَارِثِ اَلمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ. اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، اَلْأَئِمَّةِ اَلْهَادِينَ اَلمَهْدِيِّينَ، اَلْعُلَمَاءِ اَلصَّادِقِينَ، اَلْأَبْرَارِ اَلمُتَّقِينَ، دَعَائِمِ دِينِكَ، وَأَرْكَانِ تَوْحِيدِكَ، وَتَرَاجِمَةِ وَحْيِكَ، وَحُجَجِكَ عَلَى خَلْقِكَ، وَخُلَفَائِكَ فِي أَرْضِكَ، اَلَّذِينَ اِخْتَرْتَهُمْ لِنَفْسِكَ، وَاِصْطَفَيْتَهُمْ عَلَى عِبَادِكَ، وَاِرْتَضَيْتَهُمْ لِدِينِكَ، وَخَصَصْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ، وَجَلَّلْتَهُمْ بِكَرَامَتِكَ، وَغَشَّيْتَهُمْ بِرَحْمَتِكَ، وَرَبَّيْتَهُمْ بِنِعْمَتِكَ، وَغَذَّيْتَهُمْ بِحِكْمَتِكَ، وَأَلْبَسْتَهُمْ نُورَكَ، وَرَفَعْتَهُمْ فِي مَلَكُوتِكَ، وَحَفَفْتَهُمْ بِمَلَائِكَتِكَ، وَشَرَّفْتَهُمْ بِنَبِيِّكَ.
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِمْ صَلَاةً كَثِيرَةً دَائِمَةً طَيِّبَةً، لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَسَعُهَا إِلَّا عِلْمُكَ، وَلَا يُحْصِيهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ.
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى وَلِيِّكَ، اَلمُحْيِي سُنَّتَكَ، اَلْقَائِمِ بِأَمْرِكَ، اَلدَّاعِي إِلَيْكَ، اَلدَّلِيلِ عَلَيْكَ، وَحُجَّتِكَ عَلَى خَلْقِكَ، وَخَلِيفَتِكَ فِي أَرْضِكَ، وَشَاهِدِكَ عَلَى عِبَادِكَ.

(٣٢٠)

اَللَّهُمَّ أَعِزَّ نَصْرَهُ، وَمُدَّ فِي عُمُرِهِ، وَزَيِّنِ اَلْأَرْضَ بِطُولِ بَقَائِهِ.
اَللَّهُمَّ اِكْفِهِ بَغْيَ اَلْحَاسِدِينَ، وَأَعِذْهُ مِنْ شَرِّ اَلْكَائِدِينَ، وَاِدْحَرْ عَنْهُ إِرَادَةَ اَلظَّالِمِينَ، وَتَخَلَّصْهُ مِنْ أَيْدِي اَلْجَبَّارِينَ.
اَللَّهُمَّ أَعْطِهِ فِي نَفْسِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَشِيعَتِهِ وَرَعِيَّتِهِ وَخَاصَّتِهِ وَعَامَّتِهِ وَعَدُوِّهِ وَجَمِيعِ أَهْلِ اَلدُّنْيَا مَا تُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ، وَبَلِّغْهُ أَفْضَلَ أَمَلِهِ فِي اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
اَللَّهُمَّ جَدِّدْ بِهِ مَا مُحِيَ مِنْ دِينِكَ، وَأَحْيِ بِهِ مَا بُدِّلَ مِنْ كِتَابِكَ، وَأَظْهِرْ بِهِ مَا غُيِّرَ مِنْ حُكْمِكَ، حَتَّى يَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ غَضًّا جَدِيداً، خَالِصاً مُخْلَصاً لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ مَعَهُ، وَلَا بَاطِلَ عِنْدَهُ، وَلَا بِدْعَةَ لَدَيْهِ.
اَللَّهُمَّ نَوِّرْ بِنُورِهِ كُلَّ ظُلْمَةٍ، وَهُدَّ بِرُكْنِهِ كُلَّ بِدْعَةٍ، وَاهْدِمْ بِعِزَّتِهِ كُلَّ ضَلَالَةٍ، وَاِقْصِمْ(921) بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ، وَأَخْمِدْ بِسَيْفِهِ(922) كُلَّ نَارٍ، وَأَهْلِكْ بِعَدْلِهِ كُلَّ جَبَّارٍ، وَأَجْرِ حُكْمَهُ عَلَى كُلِّ حُكْمٍ، وَأَذِلَّ لِسُلْطَانِهِ(923) كُلَّ سُلْطَانٍ.
اَللَّهُمَّ أَذِلَّ كُلَّ مَنْ نَاوَاهُ، وَأَهْلِكْ كُلَّ مَنْ عَادَاهُ، وَاُمْكُرْ بِمَنْ كَادَهُ، وَاِسْتَأْصِلْ مَنْ(924) جَحَدَ حَقَّهُ، وَاِسْتَهَانَ بِأَمْرِهِ، وَسَعَى فِي إِطْفَاءِ نُورِهِ، وَأَرَادَ إِخْمَادَ ذِكْرِهِ.
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ اَلمُصْطَفَى، وَعَلِيٍّ اَلمُرْتَضَى، وَفَاطِمَةَ اَلزَّهْرَاءِ، وَاَلْحَسَنِ اَلرِّضَا، وَاَلْحُسَيْنِ اَلمُصْطَفَى، وَجَمِيعِ اَلْأَوْصِيَاءِ، مَصَابِيحِ اَلدُّجَى، وَأَعْلَامِ اَلْهُدَى، وَمَنَارِ اَلتُّقَى، وَاَلْعُرْوَةِ اَلْوُثْقَى، وَاَلْحَبْلِ اَلمَتِينِ، وَاَلصِّرَاطِ اَلمُسْتَقِيمِ، وَصَلِّ عَلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(921) في بعض النُّسَخ: (أقصر).
(922) في بعض النُّسَخ: (بنوره).
(923) في بعض النُّسَخ: (بسلطانه).
(924) في بعض النُّسَخ: (كلَّ مَنْ).

(٣٢١)

وَلِيِّكَ، وَوُلَاةِ عَهْدِهِ، وَاَلْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ، وَمُدَّ فِي أَعْمَارِهِمْ، وَأَزِدْ(925) فِي آجَالِهِمْ، وَبَلِّغْهُمْ أَقْصَى آمَالِهِمْ [دِيناً](926)، دُنْيَا وَآخِرَةً، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(927).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(925) في بعض النُّسَخ: (وزد).
(926) من بعض النُّسَخ.
(927) رواه الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 545 - 551/ ح 524/128) بإسناده عن الحسين بن محمّد، وابن المشهدي (رحمه الله) في المزار (ص 666 - 670) مختصراً، وابن طاوس (رحمه الله) في جمال الأُسبوع (ص 301 - 306) بإسناده إلى المؤلِّف (رحمه الله).

(٣٢٢)

فصل: [ظهور المعجزات الدالَّة على صحَّة إمامته (عجّل الله فرجه) في زمان الغيبة]:
وأمَّا ظهور المعجزات الدالَّة على صحَّة إمامته في زمان الغيبة، فهي أكثر من أنْ تُحصى، غير أنَّا نذكر طرفاً منها:
239 - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلْقَاسِمِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، رَفَعَهُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ، قَالَ: شَكَكْتُ عِنْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، وَكَانَ اِجْتَمَعَ عِنْدَ أَبِي مَالٌ جَلِيلٌ، فَحَمَلَهُ وَرَكِبَ اَلسَّفِينَةَ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ مُشَيِّعاً لَهُ، فَوُعِكَ وَعْكاً شَدِيداً، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، رُدَّنِي (رُدَّنِي)(928)، فَهُوَ اَلمَوْتُ، وَاِتَّقِ اَللهَ فِي هَذَا اَلمَالِ، وَأَوْصَى إِلَيَّ وَمَاتَ.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَمْ يَكُنْ أَبِي لِيُوصِيَ بِشَيْءٍ غَيْرِ صَحِيحٍ، أَحْمِلُ هَذَا اَلمَالَ إِلَى اَلْعِرَاقِ، وَأَكْتَرِي دَاراً عَلَى اَلشَّطِّ، وَلَا أُخْبِرُ أَحَداً، فَإِنْ وَضَحَ لِي شَيْءٌ كَوُضُوحِهِ أَيَّامَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) أَنْفَذْتُهُ، وَإِلَّا تَصَدَّقْتُ بِهِ(929).
فَقَدِمْتُ اَلْعِرَاقَ، وَاِكْتَرَيْتُ دَاراً عَلَى اَلشَّطِّ، وَبَقِيتُ أَيَّاماً، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولٍ مَعَهُ رُقْعَةٌ فِيهَا: «يَا مُحَمَّدُ، مَعَكَ كَذَا (وَكَذَا) فِي جَوْفِ كَذَا وَكَذَا»، حَتَّى قَصَّ عَلَيَّ جَمِيعَ مَا مَعِي مِمَّا لَمْ أُحِطْ بِهِ عِلْماً، فَسَلَّمْتُ اَلمَالَ إِلَى اَلرَّسُولِ، وَبَقِيتُ أَيَّاماً لَا يُرْفَعُ بِي(930) رَأْسٌ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(928) ما بين القوسين ليس في بعض النُّسَخ، وكذا ما يأتي.
(929) في الكافي: (وإلَّا قصفت به).
(930) في بعض النُّسَخ: (لي).

(٣٢٥)

فَاغْتَمَمْتُ، فَخَرَجَ إِلَيَّ: «قَدْ أَقَمْنَاكَ مَقَامَ أَبِيكَ، فَاحْمَدِ اَللهَ»(931)،(932).
240 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْفَضْلِ بْنِ يَزِيدَ(933) اَلْيَمَانِيِّ، قَالَ: كَتَبْتُ فِي مَعْنَيَيْنِ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَكْتُبَ فِي اَلثَّالِثِ، وَاِمْتَنَعْتُ مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ، فَوَرَدَ جَوَابُ اَلمَعْنَيَيْنِ وَاَلثَّالِثِ اَلَّذِي طَوَيْتُهُ مُفَسَّراً(934).
241 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ بَدْرٍ - غُلَامِ أَحْمَدَ بْنِ اَلْحَسَنِ -، قَالَ: وَرَدْتُ اَلْجَبَلَ وَأَنَا لَا أَقُولُ بِالْإِمَامَةِ، أُحِبُّهُمْ جُمْلَةً، إِلَى أَنْ مَاتَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اَلمَلِكِ(935)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(931) الكافي (ج 1/ ص 518/ باب مولد الصاحب (عليه السلام)/ ح 5)؛ ورواه الخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 367 و368) عن محمّد بن جمهور عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار باختلاف يسير، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 355 و356) بإسناده عن الكليني، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 433)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 261) عن محمّد بن يعقوب، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 462 و463/ ح 7).
(932) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 6/ ص 180 و181): (محمّد بن إبراهيم هو وأبوه من وكلاء الناحية كما ذكره في ربيع الشيعة وإعلام الورى. (شككت) أي في القائم (عليه السلام). وفي القاموس: الوعك شدَّة الحرِّ وأذى الحُمَّى ووجعها ومغثها في البدن، ورجل وعك ووعك وموعوك، ووعكه كوعده دكَّه. (فهو الموت) أي مرض الموت. (وأوصى إليَّ) أي بإيصال هذا المال إليه (عليه السلام) أو الأعمّ...، (لا يرفع لي رأس) كناية عن عدم التوجُّه والاستخبار من الناحية المقدَّسة، فإنَّ من يلتفت إلى غيره يرفع إليه رأسه، وقيل: أي لا أرفع رأسي من الغمِّ والفكر، وما ذكرنا أظهر).
(933) في بعض النُّسَخ: (زيد).
(934) الكافي (ج 1/ ص 521/ باب مولد الصاحب (عليه السلام)/ ضمن الحديث 13)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 490/ باب 45/ ضمن الحديث 13) باختلاف، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 361)، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 435)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 264)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 704 و705/ ذيل الحديث 21).
(935) في الكافي والإرشاد: (يزيد بن عبد الله).

(٣٢٦)

فَأَوْصَى إِلَيَّ فِي عِلَّتِهِ أَنْ يُدْفَعَ اَلشِّهْرِيُّ(936) اَلسَّمَنْدُ(937) وَسَيْفُهُ وَمِنْطَقَتُهُ إِلَى مَوْلَاهُ، فَخِفْتُ إِنْ لَمْ أَدْفَعِ اَلشِّهْرِيَّ إِلَى إِذْكُوتَكِينَ نَالَنِي مِنْهُ اِسْتِخْفَافٌ، فَقَوَّمْتُ اَلدَّابَّةَ وَاَلسَّيْفَ وَاَلْمِنْطَقَةَ بِسَبْعِمِائَةِ دِينَارٍ فِي نَفْسِي، وَلَمْ أُطْلِعْ عَلَيْهِ(938) أَحَداً، فَإِذَا اَلْكِتَابُ قَدْ وَرَدَ عَلَيَّ مِنَ اَلْعِرَاقِ أَنْ «وَجِّهِ اَلسَّبْعَمِائَةِ دِينَارٍ اَلَّتِي لَنَا قِبَلَكَ مِنْ ثَمَنِ اَلشَّهْرِيِّ اَلسَّمَنْدِ وَاَلسَّيْفِ وَاَلْمِنْطَقَةِ»(939).
242 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ عَلِيٍّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، قَالَ: وُلِدَ لِي مَوْلُودٌ، فَكَتَبْتُ أَسْتَأْذِنُ فِي تَطْهِيرِهِ (فِي)(940) اَلْيَوْمِ اَلسَّابِعِ، فَوَرَدَ: «لَا تَفْعَلْ»، فَمَاتَ اَلْيَوْمَ اَلسَّابِعَ أَوِ اَلثَّامِنَ، ثُمَّ كَتَبْتُ بِمَوْتِهِ، فَوَرَدَ: «سَيُخْلِفُ اَللهُ غَيْرَهُ وَتُسَمِّيهِ أَحْمَدَ، وَمِنْ بَعْدِ أَحْمَدَ جَعْفَرٌ»، فَجَاءَ كَمَا قَالَ(941).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(936) في القاموس المحيط (ج 2/ ص 66): (الشِّهرية - بالكسر -: ضرب من البراذين).
(937) في القاموس المحيط (ج 1/ ص 303): (السمند: الفرس، فارسيَّة).
(938) في بعض النُّسَخ: (عليها)، ولفظ (عليه) ليس في بعض النُّسَخ.
(939) الكافي (ج 1/ ص 522/ باب مولد الصاحب (عليه السلام)/ ح 16)؛ ورواه الخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 369) مع زيادة في آخره، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 363) بإسناده عن الكليني، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 436)، وحسين بن عبد الوهَّاب (رحمه الله) في عيون المعجزات (ص 132 و133) مفصَّلاً باختلاف، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 265)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 464 و465/ ح 9).
(940) ليس في بعض النُّسَخ.
(941) الكافي (ج 1/ ص 522/ باب مولد الصاحب (عليه السلام)/ صدر الحديث 17)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 489/ باب 45/ ضمن الحديث 12) بإسناده عن محمّد بن صالح عن أبي جعفر باختلاف، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 527/ ح 502/106)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 363) بإسناده عن الكليني، وابن حمزة الطوسي (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 611 و612/ ح 557/5)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 704/ ح 21)، وابن طاوس (رحمه الله) في فرج المهموم (ص 244 و245) عن الشيخ أبي جعفر الطبري والشيخ أبي العبَّاس الحميري.

(٣٢٧)

243 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ عِيسَى بْنِ نَصْرٍ قَالَ: كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ اَلصَّيْمَرِيُّ يَلْتَمِسُ كَفَناً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: «إِنَّكَ تَحْتَاجُ [إِلَيْهِ](942) فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ»، فَمَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالْكَفَنِ قَبْلَ مَوْتِهِ(943).
244 - مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: خَرَجَ نَهْيٌ عَنْ زِيَارَةِ مَقَابِرِ قُرَيْشٍ وَاَلْحَيْرِ(944)، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَشْهُرٍ دَعَا اَلْوَزِيرُ اَلْبَاقَطَانِيَّ(945) فَقَالَ لَهُ: اِلْقَ بَنِي اَلْفُرَاتِ وَاَلْبُرْسِيِّينَ(946) وَقُلْ لَهُمْ: لَا تَزُورُوا مَقَابِرَ قُرَيْشٍ، فَقَدْ أَمَرَ اَلْخَلِيفَةُ أَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(942) من بعض النُّسَخ.
(943) الكافي (ج 1/ ص 524/ باب مولد الصاحب (عليه السلام)/ ح 27)؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 366) بإسناده عن الكليني، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 437)، وحسين بن عبد الوهَّاب (رحمه الله) في عيون المعجزات (ص 135) باختلاف يسير، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 266) عن محمّد بن يعقوب، وابن حمزة الطوسي (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 590/ ح 535/1)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 463 و464/ ح 8).
ويأتي نحوه في (ح 253)، وله تخريجات نذكرها هناك.
(944) كذا في النُّسَخ، ويحتمل أنْ يكون رسم خطٍّ للحائر، كالحرث والقسم في الحارث والقاسم.
وفي القاموس المحيط (ج 2/ ص 16) في معاني الحائر، قال: (وكربلاء كالحيراء موضع بها).
وفي الخرائج والجرائح: (وقبر الحسين (عليه السلام)) بدل (والحير).
(945) في الكافي: (الباقطائيَّ).
(946) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 312): (بنو الفرات رهط الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر بن فرات، كان من وزراء بني العبَّاس، وهو الذي صحَّح طريق الخطبة الشقشقيَّة، ويحتمل أنْ يكون المراد النازلين بشطِّ الفرات. وبرس قرية بين الحلَّة والكوفة. والمراد بزيارة مقابر قريش زيارة الكاظمين (عليهما السلام)).
وقال (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 6/ ص 201 و202): (وقيل: الوزير هو أبو الفتح فضل بن جعفر بن الفرات، وهو مرفوع بالفاعليَّة، والباقطاني منصوب بالمفعوليَّة. وبنو الفرات رهط الوزير، وكانوا من الشيعة...، والبرس قرية بين الكوفة والحلَّة. (أنْ يُتفقَّد) على بناء المجهول، أي يُستعلَم. وقيل: إنَّ هذه الواقعة والتي في السابق من أسباب الغيبة الكبرى التي وقعت في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة).

(٣٢٨)

يُتَفَقَّدَ كُلُّ مَنْ زَارَ فَيُقْبَضَ عَلَيْهِ(947).
[ظهور المعجزات من جهته (عجّل الله فرجه) من التوقيعات]:
وأمَّا ما ظهر من جهته (عليه السلام) من التوقيعات فكثيرة، نذكر طرفاً منها:
245 - أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ(948) اَلْقُمِّيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بُنَانِ اَلطَّلْحِيُّ اَلْآبِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَةَ اَلنَّيْسَابُورِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اَلرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي اَلشَّيْخُ اَلمَوْثُوقُ(949) بِهِ بِمَدِينَةِ اَلسَّلَامِ، قَالَ: تَشَاجَرَ اِبْنُ أَبِي غَانِمٍ اَلْقَزْوِينِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ فِي اَلْخَلَفِ، فَذَكَرَ اِبْنُ أَبِي غَانِمٍ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مَضَى وَلَا خَلَفَ لَهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ كَتَبُوا فِي ذَلِكَ كِتَاباً وَأَنْفَذُوهُ إِلَى اَلنَّاحِيَةِ، وَأَعْلَمُوهُ بِمَا تَشَاجَرُوا فِيهِ، فَوَرَدَ جَوَابُ كِتَابِهِمْ بِخَطِّهِ (عَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ اَلسَّلَامُ):
«بِسْمِ اَلله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، عَافَانَا اَللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ اَلضَّلَالَةِ(950) وَاَلْفِتَنِ، وَوَهَبَ لَنَا وَلَكُمْ رُوحَ اَلْيَقِينِ، وَأَجَارَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ سُوءِ اَلمُنْقَلَبِ، إِنَّهُ أُنْهِيَ إِلَيَّ اِرْتِيَابُ جَمَاعَةٍ مِنْكُمْ فِي اَلدِّينِ، وَمَا دَخَلَهُمْ مِنَ اَلشَّكِّ وَاَلْحَيْرَةِ فِي وُلَاةِ أُمُورِهِمْ، فَغَمَّنَا ذَلِكَ لَكُمْ لَا لَنَا، وَسَاءَنَا فِيكُمْ لَا فِينَا، لِأَنَّ اَللهَ مَعَنَا وَلَا فَاقَةَ بِنَا إِلَى غَيْرِهِ، وَاَلْحَقُّ مَعَنَا فَلَنْ يُوحِشَنَا مَنْ قَعَدَ عَنَّا، وَنَحْنُ صَنَائِعُ رَبِّنَا، وَاَلْخَلْقُ بَعْدُ صَنَائِعُنَا. يَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(947) الكافي (ج 1/ ص 525/ باب مولد الصاحب (عليه السلام)/ ح 31)؛ ورواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 267) بإسناده عن الكليني، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 438)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 267)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 465/ ح 10).
(948) في بعض النُّسَخ: (الحسين بن محمّد القمِّي).
(949) في بعض النُّسَخ: (الموثق).
(950) في بعض النُّسَخ: (من الضلال).

(٣٢٩)

هَؤُلَاءِ، مَا لَكُمْ فِي اَلرَّيْبِ تَتَرَدَّدُونَ، وَفِي اَلْحَيْرَةِ تَنْعَكِسُونَ(951)؟ أَوَ مَا سَمِعْتُمُ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]؟ أَوَ مَا عَلِمْتُمْ مَا جَاءَتْ بِهِ اَلْآثَارُ مِمَّا يَكُونُ وَيَحْدُثُ فِي أَئِمَّتِكُمْ عَنِ(952) اَلمَاضِينَ وَاَلْبَاقِينَ مِنْهُمْ (عليهم السلام)؟ أَوَ مَا رَأَيْتُمْ كَيْفَ جَعَلَ اَللهُ لَكُمْ مَعَاقِلَ تَأْوُونَ إِلَيْهَا، وَأَعْلَاماً تَهْتَدُونَ بِهَا مِنْ لَدُنْ آدَمَ (عليه السلام) إِلَى أَنْ ظَهَرَ اَلمَاضِي (عليه السلام)، كُلَّمَا غَابَ عَلَمٌ بَدَا عَلَمٌ، وَإِذَا أَفَلَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ؟ فَلَمَّا قَبَضَهُ اَللهُ إِلَيْهِ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اَللهَ تَعَالَى أَبْطَلَ دِينَهُ، وَقَطَعَ اَلسَّبَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، كَلَّا مَا كَانَ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ حَتَّى تَقُومَ اَلسَّاعَةُ، وَيَظْهَرَ أَمْرُ اَلله سُبْحَانَهُ وَهُمْ كَارِهُونَ.
وَإِنَّ اَلمَاضِيَ (عليه السلام) مَضَى سَعِيداً فَقِيداً عَلَى مِنْهَاجِ آبَائِهِ (عليهم السلام) حَذْوَ اَلنَّعْلِ بِالنَّعْلِ، وَفِينَا وَصِيَّتُهُ وَعِلْمُهُ، وَمَنْ هُوَ خَلَفُهُ، وَمَنْ هُوَ يَسُدُّ مَسَدَّهُ، لَا يُنَازِعُنَا مَوْضِعَهُ إِلَّا ظَالِمٌ آثِمٌ، وَلَا يَدَّعِيهِ دُونَنَا إِلَّا جَاحِدٌ كَافِرٌ، وَلَوْ لَا أَنَّ أَمْرَ اَلله تَعَالَى لَا يُغْلَبُ، وَسِرَّهُ لَا يُظْهَرُ وَلَا يُعْلَنُ، لَظَهَرَ لَكُمْ مِنْ حَقِّنَا مَا تَبَيَّنَ(953) مِنْهُ عُقُولُكُمْ، وَيُزِيلُ شُكُوكَكُمْ، لَكِنَّهُ مَا شَاءَ اَللهُ كَانَ، وَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ.
فَاتَّقُوا اَللهَ، وَسَلِّمُوا لَنَا، وَرُدُّوا اَلْأَمْرَ إِلَيْنَا، فَعَلَيْنَا اَلْإِصْدَارُ كَمَا كَانَ مِنَّا اَلْإِيرَادُ، وَلَا تُحَاوِلُوا كَشْفَ مَا غُطِّيَ عَنْكُمْ، وَلَا تَمِيلُوا عَنِ اَلْيَمِينِ وَتَعْدِلُوا إِلَى اَلشِّمَالِ، وَاِجْعَلُوا قَصْدَكُمْ إِلَيْنَا بِالمَوَدَّةِ عَلَى اَلسُّنَّةِ اَلْوَاضِحَةِ، فَقَدْ نَصَحْتُ لَكُمْ، وَاَللهُ شَاهِدٌ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ، وَلَوْ لَا مَا عِنْدَنَا مِنْ مَحَبَّةِ صَلَاحِكُمْ وَرَحْمَتِكُمْ وَاَلْإِشْفَاقِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(951) كذا في بعض النُّسَخ والاحتجاج، والظاهر: (تنتكسون). وفي هامش بحار الأنوار (ج 53/ ص 179): (يقال: انتكس أي وقع على رأسه، وانقلب على رأسه حتَّى جعل أسفله أعلاه ومقدَّمه مؤخَّره).
(952) في بعض النُّسَخ: (على).
(953) في بعض النُّسَخ: (ابتهر)، وفي بعضها: (تبهر).

(٣٣٠)

عَلَيْكُمْ لَكُنَّا عَنْ مُخَاطَبَتِكُمْ فِي شُغُلٍ فِيمَا قَدِ اُمْتُحِنَّا بِهِ مِنْ مُنَازَعَةِ اَلظَّالِمِ اَلْعُتُلِّ(954) اَلضَّالِّ اَلمُتَتَابِعِ فِي غَيِّهِ، اَلمُضَادِّ لِرَبِّهِ، اَلدَّاعِي مَا لَيْسَ لَهُ، اَلْجَاحِدِ حَقَّ مَنِ اِفْتَرَضَ اَللهُ طَاعَتَهُ، اَلظَّالِمِ اَلْغَاصِبِ، وَفِي اِبْنَةِ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لِي أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَسَيُرْدِي اَلْجَاهِلَ رَدَاءَةُ(955) عَمَلِهِ، وَسَيَعْلَمُ اَلْكَافِرُ لِمَنْ عُقْبَى اَلدَّارِ، عَصَمَنَا اَللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ اَلمَهَالِكِ وَاَلْأَسْوَاءِ وَاَلْآفَاتِ وَاَلْعَاهَاتِ كُلِّهَا بِرَحْمَتِهِ، فَإِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ، وَاَلْقَادِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَكَانَ لَنَا وَلَكُمْ وَلِيًّا وَحَافِظاً، وَاَلسَّلَامُ عَلَى جَمِيعِ اَلْأَوْصِيَاءِ وَاَلْأَوْلِيَاءِ وَاَلمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اَلله وَبَرَكَاتُهُ، وَصَلَّى اَللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً»(956).
246 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيِّ (رضي الله عنه)، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا اَلشَّيْخُ اَلصَّدُوقُ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدٍ اَلْأَشْعَرِيُّ (رحمه الله) أَنَّهُ جَاءَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُعْلِمُهُ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ عَلِيٍّ كَتَبَ إِلَيْهِ كِتَاباً يُعَرِّفُهُ فِيهِ نَفْسَهُ، وَيُعْلِمُهُ أَنَّهُ اَلْقَيِّمُ بَعْدَ أَخِيهِ، وَأَنَّ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ اَلْحَلَالِ وَاَلْحَرَامِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اَلْعُلُومِ كُلِّهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا قَرَأْتُ اَلْكِتَابَ كَتَبْتُ إِلَى صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)، وَصَيَّرْتُ كِتَابَ جَعْفَرٍ فِي دَرْجِهِ، فَخَرَجَ اَلْجَوَابُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ:
«بِسْمِ اَلله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، أَتَانِي كِتَابُكَ أَبْقَاكَ اَللهُ، وَاَلْكِتَابُ اَلَّذِي أَنْفَذْتَهُ دَرْجَهُ، وَأَحَاطَتْ مَعْرِفَتِي بِجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَهُ عَلَى اِخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ، وَتَكَرُّرِ اَلْخَطَإِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(954) في القاموس المحيط (ج 4/ ص 11 و12): (العتلُّ - بضمَّتين مشدَّدة اللَّام -: الأكول المنيع الجافي الغليظ).
وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 53/ ص 180): ((الظالم العتلّ) جعفر الكذَّاب، ويحتمل خليفة ذلك الزمان).
(955) في لسان العرب (ج 14/ ص 316/ مادَّة ردي): (الرَّدى: الهلاكُ. رَدِيَ - بالكسر - يَرْدى رَديً: هَلَكَ، فهو رَدٍ. والرَّدِي: الهالِكُ. وأَرْداه الله وأَرْدَيْتُه أَي أَهلكتُه).
(956) رواه أحمد بن عليٍّ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 277 - 279).

(٣٣١)

فِيهِ، وَلَوْ تَدَبَّرْتَهُ لَوَقَفْتَ عَلَى بَعْضِ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَاَلْحَمْدُ لِله رَبِّ اَلْعَالَمِينَ، حَمْداً لَا شَرِيكَ لَهُ عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَيْنَا، وَفَضْلِهِ عَلَيْنَا، أَبَى اَللهُ (عزَّ وجلَّ) لِلْحَقِّ إِلَّا إِتْمَاماً، وَلِلْبَاطِلِ إِلَّا زُهُوقاً، وَهُوَ شَاهِدٌ عَلَيَّ بِمَا أَذْكُرُهُ، وَلِي عَلَيْكُمْ بِمَا أَقُولُهُ إِذَا اِجْتَمَعْنَا لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَيَسْأَلُنَا عَمَّا نَحْنُ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ، إِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِصَاحِبِ اَلْكِتَابِ عَلَى اَلمَكْتُوبِ إِلَيْهِ وَلَا عَلَيْكَ وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنَ اَلْخَلْقِ جَمِيعاً إِمَامَةً مُفْتَرَضَةً، وَلَا طَاعَةً وَلَا ذِمَّةً، وَسَأُبَيِّنُ لَكُمْ جُمْلَةً تَكْتَفُونَ بِهَا إِنْ شَاءَ اَللهُ تَعَالَى.
يَا هَذَا، يَرْحَمُكَ اَللهُ، إِنَّ اَللهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقِ اَلْخَلْقَ عَبَثاً، وَلَا أَهْمَلَهُمْ سُدًى، بَلْ خَلَقَهُمْ بِقُدْرَتِهِ، وَجَعَلَ لَهُمْ أَسْمَاعاً وَأَبْصَاراً وَقُلُوباً وَأَلْبَاباً، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمُ اَلنَّبِيِّينَ (عليهم السلام) مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ، يَأْمُرُونَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَيُعَرِّفُونَهُمْ مَا جَهِلُوهُ مِنْ أَمْرِ خَالِقِهِمْ وَدِينِهِمْ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً، وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَائِكَةً يَأْتِينَ(957) بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ بَعَثَهُمْ إِلَيْهِمْ بِالْفَضْلِ اَلَّذِي جَعَلَهُ لَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَمَا آتَاهُمْ مِنَ اَلدَّلَائِلِ اَلظَّاهِرَةِ، وَاَلْبَرَاهِينِ اَلْبَاهِرَةِ، وَاَلْآيَاتِ اَلْغَالِبَةِ.
فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ اَلنَّارَ عَلَيْهِ بَرْداً وَسَلَاماً، وَاِتَّخَذَهُ خَلِيلاً، وَمِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَهُ تَكْلِيماً، وَجَعَلَ عَصَاهُ ثُعْبَاناً مُبِيناً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَحْيَا اَلمَوْتَى بِإِذْنِ اَلله، وَأَبْرَأَ اَلْأَكْمَهَ، وَاَلْأَبْرَصَ بِإِذْنِ اَلله، وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّمَهُ مَنْطِقَ اَلطَّيْرِ، وَأُوتِيَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ بَعَثَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَتَمَّمَ بِهِ نِعْمَتَهُ، وَخَتَمَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ، وَأَرْسَلَهُ إِلَى اَلنَّاسِ كَافَّةً، وَأَظْهَرَ مِنْ صِدْقِهِ مَا أَظْهَرَ، وَبَيَّنَ مِنْ آيَاتِهِ وَعَلَامَاتِهِ مَا بَيَّنَ، ثُمَّ قَبَضَهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حَمِيداً فَقِيداً سَعِيداً، وَجَعَلَ اَلْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى أَخِيهِ وَاِبْنِ عَمِّهِ وَوَصِيِّهِ وَوَارِثِهِ عَلِيِّ اِبْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، ثُمَّ إِلَى اَلْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِهِ وَاحِداً وَاحِداً، أَحْيَا بِهِمْ دِينَهُ، وَأَتَمَّ بِهِمْ نُورَهُ، وَجَعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِهِمْ وَبَنِي عَمِّهِمْ وَاَلْأَدْنَيْنِ فَالْأَدْنَيْنِ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(957) في بعض النُّسَخ: (بائن).

(٣٣٢)

ذَوِي أَرْحَامِهِمْ فُرْقَاناً(958) بَيِّناً يُعْرَفُ بِهِ اَلْحُجَّةُ مِنَ اَلمَحْجُوجِ، وَاَلْإِمَامُ مِنَ اَلمَأْمُومِ، بِأَنْ عَصَمَهُمْ مِنَ اَلذُّنُوبِ، وَبَرَّأَهُمْ مِنَ اَلْعُيُوبِ، وَطَهَّرَهُمْ مِنَ اَلدَّنَسِ، وَنَزَّهَهُمْ مِنَ اَللَّبْسِ، وَجَعَلَهُمْ خُزَّانَ عِلْمِهِ، وَمُسْتَوْدَعَ حِكْمَتِهِ، وَمَوْضِعَ سِرِّهِ، وَأَيَّدَهُمْ بِالدَّلَائِلِ، وَلَوْ لَا ذَلِكَ لَكَانَ اَلنَّاسُ عَلَى سَوَاءٍ، وَلَادَّعَى أَمْرَ اَلله (عزَّ وجلَّ) كُلُّ أَحَدٍ، وَلَمَا عُرِفَ اَلْحَقُّ مِنَ اَلْبَاطِلِ، وَلَا اَلْعَالِمُ مِنَ اَلْجَاهِلِ.
وَقَدِ اِدَّعَى هَذَا اَلمُبْطِلُ اَلمُفْتَرِي عَلَى اَلله اَلْكَذِبَ بِمَا اِدَّعَاهُ، فَلَا أَدْرِي بِأَيَّةِ حَالَةٍ هِيَ لَهُ رَجَاءَ أَنْ يُتِمَّ دَعْوَاهُ، أَبِفِقْهٍ فِي دِينِ اَلله؟ فَوَاَلله مَا يَعْرِفُ حَلَالاً مِنْ حَرَامٍ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ خَطَإٍ وَصَوَابٍ، أَمْ بِعِلْمٍ؟ فَمَا يَعْلَمُ حَقًّا مِنْ بَاطِلٍ، وَلَا مُحْكَماً مِنْ مُتَشَابِهٍ، وَلَا يَعْرِفُ حَدَّ اَلصَّلَاةِ وَوَقْتَهَا، أَمْ بِوَرَعٍ؟ فَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى تَرْكِهِ اَلصَّلَاةَ اَلْفَرْضَ أَرْبَعِينَ يَوْماً، يَزْعُمُ ذَلِكَ لِطَلَبِ اَلشَّعْوَذَةِ(959)، وَلَعَلَّ خَبَرَهُ قَدْ تَأَدَّى إِلَيْكُمْ، وَهَاتِيكَ ظُرُوفُ مُسْكِرِهِ مَنْصُوبَةٌ، وَآثَارُ عِصْيَانِهِ لِله (عزَّ وجلَّ) مَشْهُورَةٌ قَائِمَةٌ، أَمْ بِآيَةٍ؟ فَلْيَأْتِ بِهَا، أَمْ بِحُجَّةٍ؟ فَلْيُقِمْهَا، أَمْ بِدَلَالَةٍ؟ فَلْيَذْكُرْهَا، قَالَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي كِتَابِهِ: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَا ذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: 1 - 6].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(958) في بعض النُّسَخ: (فرقاً).
(959) في العين للفراهيدي (ج 1/ ص 244/ مادَّة شعذ): (الشعوذة خفَّة في اليد، وأخذ كالسحر يرى غير ما عليه الأصل من عجائب يفعلها كالسحر في رأي العين).

(٣٣٣)

فَالْتَمِسْ تَوَلَّى اَللهُ تَوْفِيقَكَ مِنْ هَذَا اَلظَّالِمِ مَا ذَكَرْتُ لَكَ، وَاِمْتَحِنْهُ، وَسَلْهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اَلله يُفَسِّرْهَا، أَوْ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ يُبَيِّنْ حُدُودَهَا وَمَا يَجِبُ فِيهَا، لِتَعْلَمَ حَالَهُ وَمِقْدَارَهُ، وَيَظْهَرَ لَكَ عُوَارُهُ(960) وَنُقْصَانُهُ، وَاَللهُ حَسِيبُهُ.
حَفِظَ اَللهُ اَلْحَقَّ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَقَرَّهُ فِي مُسْتَقَرِّهِ، وَقَدْ أَبَى اَللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنْ تَكُونَ اَلْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ اَلْحَسَنِ وَاَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام)، وَإِذَا أَذِنَ اَللهُ لَنَا فِي اَلْقَوْلِ ظَهَرَ اَلْحَقُّ، وَاِضْمَحَلَّ اَلْبَاطِلُ، وَاِنْحَسَرَ عَنْكُمْ، وَإِلَى اَلله أَرْغَبُ فِي اَلْكِفَايَةِ، وَجَمِيلِ اَلصُّنْعِ وَاَلْوَلَايَةِ، وَحَسْبُنَا اَللهُ وَنِعْمَ اَلْوَكِيلُ، وَصَلَّى اَللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ»(961).
247 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ وَأَبِي غَالِبٍ اَلزُّرَارِيِّ (وَغَيْرِهِمَا)(962)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيَّ (رحمه الله) أَنْ يُوصِلَ لِي كِتَاباً قَدْ سَأَلْتُ فِيهِ عَنْ مَسَائِلَ أَشْكَلَتْ عَلَيَّ، فَوَرَدَ اَلتَّوْقِيعُ بِخَطِّ مَوْلَانَا صَاحِبِ اَلدَّارِ (عليه السلام)(963): «أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ - أَرْشَدَكَ اَللهُ وَثَبَّتَكَ - مِنْ أَمْرِ اَلمُنْكِرِينَ لِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِنَا وَبَنِي عَمِّنَا، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ اَلله (عزَّ وجلَّ) وَبَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ، وَمَنْ أَنْكَرَنِي فَلَيْسَ مِنِّي، وَسَبِيلُهُ سَبِيلُ اِبْنِ نُوحٍ (عليه السلام)، وَأَمَّا سَبِيلُ عَمِّي جَعْفَرٍ وَوُلْدِهِ فَسَبِيلُ إِخْوَةِ يُوسُفَ (عَلَى نَبِيِّنَا وَآلِهِ وَعَلَيْهِ اَلسَّلَامُ)، وَأَمَّا اَلْفُقَّاعُ فَشُرْبُهُ حَرَامٌ، وَلَا بَأْسَ بِالشَّلْمَابِ(964)، وَأَمَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(960) في الصحاح للجوهري (ج 2/ ص 761/ مادَّة عور): (العوار: العيب، يقال: سلعة ذات عوار بفتح العين وقد تُضَمُّ).
(961) رواه أحمد بن عليٍّ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 279 - 281) باختلاف يسير.
ويأتي الإشارة إلى هذا الحديث في (ح 321).
(962) ليس في بعض النُّسَخ.
(963) في بعض النُّسَخ: (صاحب الزمان (عليه السلام)).
(964) في هامش كمال الدِّين (ص 484): (شراب يُتَّخذ من الشيلم، وهو الزوان الذي يكون في البُرِّ، قال أبو حنيفة: الشيلم حبٌّ صغار مستطيل أحمر قائم كأنَّه في خلقة سوس الحنطة ولا يُسكِر، ولكنَّه يمرُّ الطعام إمراراً شديداً. وقال مرَّة: نبات الشيلم سُطاح، وهو يذهب على الأرض، وورقته كورقة الخلاف البلخي شديدة الخضرة رطبة، قال: والناس يأكلون ورقه إذا كان رطباً وهو طيِّب لا مرارة له وحبُّه أعقى من الصبر. (تاج العروس: ج 16/ ص 391/ مادَّة شلم). وقال أُستاذنا الشعراني في هامش الوسائل (ج 17/ ص 291): (إنَّ الشلماب شراب يُتَّخذ من الشيلم، وهو حبٌّ شبيه بالشعير، وفيه تخدير نظير البنج، وإنْ اتَّفق وقوعه في الحنطة وعُمِلَ منه الخبز أورث السدر والدوار والنوم، ويكثر نباته في مزرع الحنطة، ويُتوهَّم حرمته لمكان التخدير واشتباه التخدير بالإسكار عند العوامِّ).

(٣٣٤)

أَمْوَالُكُمْ فَمَا نَقْبَلُهَا إِلَّا لِتُطَهَّرُوا، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصِلْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْطَعْ، فَمَا آتَانَا اَللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ، وَأَمَّا ظُهُورُ اَلْفَرَجِ فَإِنَّهُ إِلَى اَلله (عزَّ وجلَّ)، كَذَبَ(965) اَلْوَقَّاتُونَ، وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اَلْحُسَيْنَ (عليه السلام) لَمْ يُقْتَلْ فَكُفْرٌ وَتَكْذِيبٌ وَضَلَالٌ، وَأَمَّا اَلْحَوَادِثُ اَلْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا، فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ، وَأَنَا حُجَّةُ اَلله (عَلَيْكُمْ)(966)، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيُّ (رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ وَعَنْ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ)، فَإِنَّهُ ثِقَتِي وَكِتَابُهُ كِتَابِي، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ اَلْأَهْوَازِيُّ فَسَيُصْلِحُ اَللهُ قَلْبَهُ، وَيُزِيلُ عَنْهُ شَكَّهُ، وَأَمَّا مَا وَصَلْتَنَا بِهِ فَلَا قَبُولَ عِنْدَنَا إِلَّا لِمَا طَابَ وَطَهُرَ، وَثَمَنُ اَلمُغَنِّيَةِ حَرَامٌ، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ بْنِ نُعَيْمٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ مِنْ شِيعَتِنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ، وَأَمَّا أَبُو اَلْخَطَّابِ مُحَمَّدُ بْنُ (أَبِي)(967) زَيْنَبَ اَلْأَجْدَعُ مَلْعُونٌ وَأَصْحَابُهُ مَلْعُونُونَ، فَلَا تُجَالِسْ أَهْلَ مَقَالَتِهِمْ، وَإِنِّي مِنْهُمْ بَرِيءٌ، وَآبَائِي (عليهم السلام) مِنْهُمْ بُرَآءُ، وَأَمَّا اَلمُتَلَبِّسُونَ بِأَمْوَالِنَا فَمَنِ اِسْتَحَلَّ مِنْهَا شَيْئاً فَأَكَلَهُ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ اَلنِّيرَانَ، وَأَمَّا اَلْخُمُسُ(968) فَقَدْ أُبِيحَ لِشِيعَتِنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(965) في بعض النُّسَخ: (وكذب).
(966) ليس في بعض النُّسَخ.
(967) ليس في بعض النُّسَخ.
(968) ذهب فقهاؤنا إلى أنَّ المقصود من روايات التحليل للخُمُس هو حمل نصوص التحليل على ما انتقل إلى الشيعة من الأموال ممَّن لا يعتقد الخُمُس أو ممَّن لا يُخمِّس وإنِ اعتقد به، وذلك جمعاً بينها وبين عشرات الروايات الناصَّة والصريحة في وجوب الخُمُس، ويدلُّ على هذا التفصيل بعض النصوص، منها ما رواه الشيخ الطوسي والصدوق (رحمهما الله) بإسنادهما عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ اَلْقَمَّاطِينَ، فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، تَقَعُ فِي أَيْدِينَا اَلْأَرْبَاحُ وَاَلْأَمْوَالُ وَتِجَارَاتٌ نَعْرِفُ أَنَّ حَقَّكَ فِيهَا ثَابِتٌ وَإِنَّا عَنْ ذَلِكَ مُقَصِّرُونَ، فَقَالَ (عليه السلام): «مَا أَنْصَفْنَاكُمْ إِنْ كَلَّفْنَاكُمْ ذَلِكَ اَلْيَوْمَ». (من لا يحضره الفقيه: ج 2/ ص 44/ ح 1659، تهذيب الأحكام: ج 4/ ص 138/ ح 389/11)، فهي واضحة على عدم وجوب الخُمُس في الأموال غير المخمَّسة التي انتقلت إلى الشيعة.
وهناك بحوث مفصَّلة في هذا الشأن لفقهائنا يمكن مراجعتها، مثل ما أفاده السيِّد محمود الهاشمي (قدّس سره) في كتاب الخُمُس الجزء الثاني في موسوعته الفقهيَّة.

(٣٣٥)

وَجُعِلُوا مِنْهُ فِي حِلٍّ إِلَى وَقْتِ ظُهُورِ أَمْرِنَا، لِتَطِيبَ وِلَادَتُهُمْ وَلَا تَخْبُثَ، وَأَمَّا نَدَامَةُ قَوْمٍ قَدْ شَكُّوا فِي دِينِ اَلله عَلَى مَا وَصَلُونَا بِهِ، فَقَدْ أَقَلْنَا مَنِ اِسْتَقَالَ، وَلَا حَاجَةَ لَنَا فِي صِلَةِ اَلشَّاكِّينَ، وَأَمَّا عِلَّةُ مَا وَقَعَ مِنَ اَلْغَيْبَةِ فَإِنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: 101]، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ آبَائِي إِلَّا وَقَدْ وَقَعَتْ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لِطَاغِيَةِ زَمَانِهِ، وَإِنِّي أَخْرُجُ حِينَ أَخْرُجُ وَلَا بَيْعَةَ لِأَحَدٍ مِنَ اَلطَّوَاغِيتِ فِي عُنُقِي، وَأَمَّا وَجْهُ اَلاِنْتِفَاعِ فِي غَيْبَتِي فَكَالاِنْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ إِذَا غَيَّبَتْهَا عَنِ اَلْأَبْصَارِ اَلسَّحَابُ، وَإِنِّي لَأَمَانُ أَهْلِ اَلْأَرْضِ كَمَا أَنَّ اَلنُّجُومَ أَمَانٌ لِأَهْلِ اَلسَّمَاءِ، فَأَغْلِقُوا اَلسُّؤَالَ عَمَّا لَا يَعْنِيكُمْ، وَلَا تَتَكَلَّفُوا عَلَى مَا قَدْ كُفِيتُمْ، وَأَكْثِرُوا اَلدُّعَاءَ بِتَعْجِيلِ اَلْفَرَجِ، فَإِنَّ ذَلِكَ فَرَجُكُمْ، وَاَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا إِسْحَاقَ بْنَ يَعْقُوبَ، وَعَلَى مَنِ اِتَّبَعَ اَلْهُدَى»(969).
248 - وَأَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ(970)، عَنْ أَبِي اَلْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(969) رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 483 - 485/ باب 45/ ح 4) عن ابن عصام عن الكليني باختلاف، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 270 - 272) عن محمّد ابن يعقوب، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1113 - 1115/ ح 30) عن ابن بابويه، وأحمد بن عليٍّ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 281 - 284) عن الكليني.
(970) هو إمَّا الحسين بن إبراهيم القزويني الذي ذكره المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 114/الرقم 235/32) في ترجمة الحسين بن أبي غندر، أو الحسين بن إبراهيم القمِّي المعروف بابن الخيَّاط: فاضل، جليل، من رجال الخاصَّة، الذي ذكره العلَّامة (رحمه الله) في إجازته الكبيرة لبني زهرة، وكنَّاه بأبي عبد الله. راجع: بحار الأنوار (ج 104/ ص 137).
ويأتي في (ح 335) بعنوان الحسين بن إبراهيم القمِّي.

(٣٣٦)

نُوحٍ(971)، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اَلله بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْكَاتِبِ(972)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو اَلْحَسَنِ أَحْمَدُ اِبْنُ مُحَمَّدِ بْنِ تربك(973) اَلرُّهَاوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ اِبْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ - أَوْ قَالَ: أَبُو اَلْحَسَنِ (عَلِيُّ بْنُ)(974) أَحْمَدَ اَلدَّلَّالُ اَلْقُمِّيُّ، قَالَ:
اِخْتَلَفَ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ فِي أَنَّ اَلله (عزَّ وجلَّ) فَوَّضَ إِلَى اَلْأَئِمَّةِ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيهِم) أَنْ يَخْلُقُوا أَوْ يَرْزُقُوا؟ فَقَالَ قَوْمٌ: هَذَا مُحَالٌ، لَا يَجُوزُ عَلَى اَلله تَعَالَى، لِأَنَّ اَلْأَجْسَامَ لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِهَا غَيْرُ اَلله (عزَّ وجلَّ)، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ اَللهُ تَعَالَى أَقْدَرَ اَلْأَئِمَّةَ عَلَى ذَلِكَ، وَفَوَّضَهُ إِلَيْهِمْ، فَخَلَقُوا وَرَزَقُوا، وَتَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ تَنَازُعاً شَدِيداً، فَقَالَ قَائِلٌ: مَا بَالُكُمْ لَا تَرْجِعُونَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ، فَتَسْأَلُونَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَيُوَضِّحَ(975) لَكُمُ اَلْحَقَّ فِيهِ، فَإِنَّهُ اَلطَّرِيقُ إِلَى صَاحِبِ اَلْأَمْرِ (عجّل الله فرجه)؟ فَرَضِيَتِ اَلْجَمَاعَةُ بِأَبِي جَعْفَرٍ وَسَلَّمَتْ وَأَجَابَتْ إِلَى قَوْلِهِ، فَكَتَبُوا اَلمَسْأَلَةَ وَأَنْفَذُوهَا إِلَيْهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ جِهَتِهِ تَوْقِيعٌ نُسْخَتُهُ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(971) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 86/ الرقم 209): (أحمد بن عليِّ بن العبَّاس بن نوح السيرافي، نزيل البصرة، كان ثقةً في حديثه، متقناً لما يرويه، فقيهاً، بصيراً بالحديث والرواية، وهو أُستاذنا وشيخنا ومن استفدنا منه).
(972) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 440/ الرقم 1185): (هبة الله بن أحمد بن محمّد الكاتب أبو نصر، المعروف بابن برنية، كان يذكر أنَّ أُمَّه أُمُّ كلثوم بنت أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري، سمع حديثاً كثيراً).
(973) في بعض النُّسَخ: (تريك).
(974) ليس في بعض النُّسَخ.
(975) في بعض النُّسَخ: (ليُوضِّح).

(٣٣٧)

«إِنَّ اَللهَ تَعَالَى هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلْأَجْسَامَ وَقَسَمَ اَلْأَرْزَاقَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا حَالٌّ فِي جِسْمٍ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ، وَأَمَّا(976) اَلْأَئِمَّةُ (عليهم السلام) فَإِنَّهُمْ يَسْأَلُونَ اَللهَ تَعَالَى فَيَخْلُقُ، وَيَسْأَلُونَهُ فَيَرْزُقُ، إِيجَاباً لِمَسْأَلَتِهِمْ، وَإِعْظَاماً لِحَقِّهِمْ»(977).
249 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اَلله بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي نَوْبَخْتَ، مِنْهُمْ: أَبُو اَلْحَسَنِ اِبْنُ كَثِيرٍ اَلنَّوْبَخْتِيُّ(978) (رحمه الله)، وَحَدَّثَتْنِي بِهِ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه) أَنَّهُ حَمَلَ إِلَى أَبِي [جَعْفَرٍ](979) (رضي الله عنه) فِي وَقْتٍ مِنَ اَلْأَوْقَاتِ مَا يُنْفِذُهُ إِلَى صَاحِبِ اَلْأَمْرِ (عليه السلام) مِنْ قُمَّ وَنَوَاحِيهَا، فَلَمَّا وَصَلَ اَلرَّسُولُ إِلَى بَغْدَادَ وَدَخَلَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَأَوْصَلَ إِلَيْهِ مَا دُفِعَ إِلَيْهِ وَوَدَّعَهُ وَجَاءَ لِيَنْصَرِفَ، قَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: قَدْ بَقِيَ شَيْءٌ مِمَّا اُسْتُودِعْتَهُ، فَأَيْنَ هُوَ؟ فَقَالَ لَهُ اَلرَّجُلُ: لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يَا سَيِّدِي فِي يَدِي إِلَّا وَقَدْ سَلَّمْتُهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: بَلَى، قَدْ بَقِيَ شَيْءٌ، فَارْجَعْ إِلَى مَا مَعَكَ وَفَتِّشْهُ وَتَذَكَّرْ مَا دُفِعَ إِلَيْكَ، فَمَضَى اَلرَّجُلُ، فَبَقِيَ أَيَّاماً يَتَذَكَّرُ وَيَبْحَثُ وَيُفَكِّرُ، فَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً، وَلَا أَخْبَرَهُ مَنْ كَانَ فِي جُمْلَتِهِ، فَرَجَعَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَقَالَ لَهُ: لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ فِي يَدِي مِمَّا سُلِّمَ إِلَيَّ وَقَدْ حَمَلْتُهُ إِلَى حَضْرَتِكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِنَّهُ يُقَالُ لَكَ: «اَلثَّوْبَانِ اَلسَّرْدَانِيَّانِ(980) اَللَّذَانِ دَفَعَهُمَا إِلَيْكَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مَا فَعَلَا؟»، فَقَالَ لَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(976) في بعض النُّسَخ: (فأمَّا).
(977) رواه أحمد بن عليٍّ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 284 و285) باختلاف.
(978) الظاهر أنَّه أبو الحسن بن كبرياء النوبختي الآتي ذكره في (ح 348).
وفي بعض النُّسَخ: (أبو الحسن بن زكريَّا النوبختي).
(979) من بعض النُّسَخ.
(980) في القاموس المحيط (ج 1/ ص 301): (سردانيَّة جزيرة كبيرة ببحر المغرب)؛ ولعلَّ الثوب السرداني منسوب إلى هذه الجزيرة.

(٣٣٨)

اَلرَّجُلُ: إِي وَاَلله يَا سَيِّدِي لَقَدْ نَسِيتُهُمَا حَتَّى ذَهَبَا عَنْ قَلْبِي، وَلَسْتُ أَدْرِي اَلْآنَ أَيْنَ وَضَعْتُهُمَا، فَمَضَى اَلرَّجُلُ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ كَانَ مَعَهُ إِلَّا فَتَّشَهُ وَحَلَّهُ(981)، وَسَأَلَ مَنْ حَمَلَ إِلَيْهِ شَيْئاً مِنَ اَلمَتَاعِ أَنْ يُفَتِّشَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقِفْ لَهُمَا عَلَى خَبَرٍ، فَرَجَعَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يُقَالُ لَكَ: «اِمْضِ إِلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ اَلْقَطَّانِ اَلَّذِي حَمَلْتَ إِلَيْهِ اَلْعِدْلَيْنِ اَلْقُطْنَ فِي دَارِ اَلْقُطْنِ، فَافْتُقْ أَحَدَهُمَا وَهُوَ اَلَّذِي عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّهُمَا فِي جَانِبِهِ»، فَتَحَيَّرَ اَلرَّجُلُ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَمَضَى لِوَجْهِهِ إِلَى اَلمَوْضِعِ، فَفَتَقَ اَلْعِدْلَ اَلَّذِي قَالَ لَهُ: اُفْتُقْهُ، فَإِذَا اَلثَّوْبَانِ فِي جَانِبِهِ قَدِ اِنْدَسَّا مَعَ اَلْقُطْنِ، فَأَخَذَهُمَا وَجَاءَ (بِهِمَا) إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَسَلَّمَهُمَا إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: لَقَدْ نَسِيتُهُمَا، لِأَنِّي لَـمَّا شَدَدْتُ اَلمَتَاعَ بَقِيَا، فَجَعَلْتُهُمَا فِي جَانِبِ اَلْعِدْلِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَحْفَظَ لَهُمَا.
وَتَحَدَّثَ اَلرَّجُلُ بِمَا رَآهُ وَأَخْبَرَهُ بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ عَجِيبِ اَلْأَمْرِ اَلَّذِي لَا يَقِفُ إِلَيْهِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ إِمَامٌ مِنْ قِبَلِ اَلله اَلَّذِي يَعْلَمُ اَلسَّرَائِرَ وَمَا تُخْفِي اَلصُّدُورُ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا اَلرَّجُلُ يَعْرِفُ أَبَا جَعْفَرٍ، وَإِنَّمَا أُنْفِذَ عَلَى يَدِهِ كَمَا يُنْفِذُ اَلتُّجَّارُ إِلَى أَصْحَابِهِمْ عَلَى يَدِ مَنْ يَثِقُونَ بِهِ، وَلَا كَانَ مَعَهُ تَذْكِرَةٌ سَلَّمَهَا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَلَا كِتَابٌ، لِأَنَّ اَلْأَمْرَ كَانَ حَادًّا جِدًّا فِي زَمَانِ اَلمُعْتَضِدِ، وَاَلسَّيْفُ يَقْطُرُ دَماً كَمَا يُقَالُ، وَكَانَ سِرًّا بَيْنَ اَلْخَاصِّ مِنْ أَهْلِ هَذَا اَلشَّأْنِ، وَكَانَ مَا يُحْمَلُ بِهِ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ لَا يَقِفُ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى خَبَرِهِ وَلَا حَالِهِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: اِمْضِ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَسَلِّمْ مَا مَعَكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْعَرَ بِشَيْءٍ، وَلَا يُدْفَعَ إِلَيْهِ كِتَابٌ، لِئَلَّا يُوقَفَ عَلَى مَا تَحْمِلُهُ مِنْهُ.
250 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى اَلدَّقَّاقُ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اَلسِّنَانِيُّ وَاَلْحُسَيْنُ بْنُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(981) في بعض النُّسَخ: (إلَّا وفتَّشه وحمله).

(٣٣٩)

إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ هِشَامٍ اَلمُؤَدِّبُ، عَنْ أَبِي اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيِّ اَلْكُوفِيِّ (رضي الله عنه) أَنَّهُ وَرَدَ عَلَيْهِ فِيمَا وَرَدَ مِنْ جَوَابِ مَسَائِلِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ (قدّس سره): «وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنَ اَلصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ اَلشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، فَلَئِنْ كَانَ كَمَا يَقُولُ اَلنَّاسُ: إِنَّ اَلشَّمْسَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَتَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، فَمَا أُرْغِمَ أَنْفُ اَلشَّيْطَانِ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ اَلصَّلَاةِ(982)، فَصَلِّهَا وَأَرْغِمْ [أَنْفَ](983) اَلشَّيْطَانِ»(984).
251 - وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ بَابَوَيْهِ فِي اَلْخَبَرِ اَلَّذِي رُوِيَ(985) فِيمَنْ أَفْطَرَ يَوْماً فِي(986) شَهْرِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّداً إنَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ: فَإِنِّي أُفْتِي بِهِ فِيمَنْ أَفْطَرَ بِجِمَاعٍ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ، أَوْ بِطَعَامٍ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ، لِوُجُودِ ذَلِكَ فِي رِوَايَاتِ أَبِي اَلْحُسَيْنِ اَلْأَسَدِيِّ(987) فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنَ اَلشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه)(988).
252 - أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَعَلَى خَاتَمِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلسَّمَّانِ (رضي الله عنه): (لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ اَلمَلِكُ اَلْحَقُّ اَلمُبِينُ)، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ - يَعْنِي صَاحِبَ اَلْعَسْكَرِ (عليه السلام)، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(982) في بعض النُّسَخ: (فصلِّيها) بدل (فصلِّها).
(983) من بحار الأنوار (ج 53/ ص 182).
(984) كمال الدِّين (ص 520/ باب 45/ قطعة من الحديث 49)، من لا يحضره الفقيه (ج 1/ ص 498/ ح 1427)؛ ورواه المؤلِّف (رحمه الله) في تهذيب الأحكام (ج 2/ ص 175/ ح 697/155)، وفي الاستبصار (ج 1/ ص 291/ ح 1067/10)، وأحمد بن عليٍّ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 298).
(985) رواه ابن عيسى الأشعري في نوادره (ص 68/ ح 140)، والمؤلِّف (رحمه الله) في تهذيب الأحكام (ج4/ ص 208/ ح 604/11)، وفي الاستبصار (ج 2/ ص 97/ ح 315/6).
(986) في بعض النُّسَخ: (من).
(987) هو محمّد بن جعفر بن عون الأسدي.
(988) من لا يحضره الفقيه (ج 2/ ص 118/ ذيل الحديث 1892)، عنه الاحتجاج (ج 2/ ص 300).

(٣٤٠)

آبَائِهِ (عليهم السلام)، أَنَّهُمْ قَالُوا: «كَانَ لِفَاطِمَةَ (عليها السلام) خَاتَمٌ فَصُّهُ عَقِيقٌ، فَلَمَّا حَضَرَتْهَا اَلْوَفَاةُ دَفَعَتْهُ إِلَى اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ دَفَعَهُ إِلَى اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)، قَالَ اَلْحُسَيْنُ (عليه السلام): فَاشْتَهَيْتُ أَنْ أَنْقُشَ عَلَيْهِ شَيْئاً، فَرَأَيْتُ فِي اَلنَّوْمِ اَلمَسِيحَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ (عَلَى نَبِيِّنَا وَآلِهِ وَعَلَيْهِ اَلسَّلَامُ)، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رُوحَ اَلله، مَا أَنْقُشُ عَلَى خَاتَمِي هَذَا؟ قَالَ: اُنْقُشْ عَلَيْهِ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ اَلمَلِكُ اَلْحَقُّ اَلمُبِينُ)، فَإِنَّهُ أَوَّلُ اَلتَّوْرَاةِ، وَآخِرُ اَلْإِنْجِيلِ».
253 - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اَلله اِبْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام)(989)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْكُلَيْنِيُّ، قَالَ: كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ اَلصَّيْمَرِيُّ يَسْأَلُ صَاحِبَ اَلزَّمَانِ (عجّل الله فرجه) كَفَناً يَتَيَمَّنُ بِمَا يَكُونُ مِنْ عِنْدِهِ، فَوَرَدَ: «إِنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ»، فَمَاتَ (رحمه الله) فِي هَذَا اَلْوَقْتِ اَلَّذِي حَدَّهُ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالْكَفَنِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ(990).
254 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَيَّاشٍ(991)، قَالَ: حَدَّثَنِي اِبْنُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(989) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 64/ الرقم 150): (الحسن بن حمزة بن عليِّ بن عبد الله بن محمّد بن الحسن بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، أبو محمّد الطبري، يُعرَف بالمرعش، كان من أجلَّاء هذه الطائفة وفقهائها، قَدِمَ بغداد ولقيه شيوخنا في سنة ستٍّ وخمسين وثلاثمائة، ومات في سنة ثماني وخمسين وثلاثمائة، له كُتُب، منها ... كتاب في الغيبة).
(990) رواه باختلاف الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 501/ باب 45/ ح 26) عن عليِّ بن محمّد الصيمري، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 524/ ح 494/98).
وتقدَّم نحو هذا الخبر في (ح 243) بسند آخر عن عليِّ بن زياد الصيمري، ولا يبعد تعدُّد القضيَّة.
(991) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 85/ الرقم 207): (أحمد بن محمّد بن عبيد الله بن الحسن بن عيَّاش ابن إبراهيم بن أيُّوب الجوهري، أبو عبد الله...، كان سمع الحديث وأكثر، واضطرب في آخر عمره).
وعنونه المؤلِّف (رحمه الله) أيضاً في الفهرست (ص 79 و80/ الرقم 99/37)، وفي رجاله (ص413/ الرقم 5983/64) وقال: (مات سنة إحدى وأربعمائة).

(٢٤١)

مَرْوَانَ اَلْكُوفِيُّ(992)، قَالَ: حَدَّثَنِي اِبْنُ أَبِي سُورَةَ، قَالَ: كُنْتُ بِالْحَائِرِ زَائِراً عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَخَرَجْتُ مُتَوَجِّهاً عَلَى طَرِيقِ اَلْبَرِّ، فَلَمَّا اِنْتَهَيْتُ [إِلَى](993) اَلمُسَنَّاةِ جَلَسْتُ إِلَيْهَا مُسْتَرِيحاً، ثُمَّ قُمْتُ أَمْشِي وَإِذَا رَجُلٌ عَلَى ظَهْرِ اَلطَّرِيقِ، فَقَالَ لِي: «هَلْ لَكَ فِي اَلرِّفْقَةِ؟»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَمَشَيْنَا مَعاً يُحَدِّثُنِي وَأُحَدِّثُهُ، وَسَأَلَنِي عَنْ حَالِي، فَأَعْلَمْتُهُ أَنِّي مُضَيَّقٌ لَا شَيْءَ مَعِي وَلَا فِي يَدِي، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ لِي: «إِذَا دَخَلْتَ اَلْكُوفَةَ فَائْتِ أبا طَاهِرٍ اَلزُّرَارِيِّ فَاقْرَعْ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ إِلَيْكَ(994) وَفِي يَدِهِ دَمُ اَلْأُضْحِيَّةِ، فَقُلْ لَهُ: يُقَالُ لَكَ: أَعْطِ هَذَا اَلرَّجُلَ اَلصُّرَّةَ اَلدَّنَانِيرَ اَلَّتِي عِنْدَ رِجْلِ اَلسَّرِيرِ»، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ هَذَا، ثُمَّ فَارَقَنِي وَمَضَى لِوَجْهِهِ لَا أَدْرِي أَيْنَ سَلَكَ.
وَدَخَلْتُ اَلْكُوفَةَ، فَقَصَدْتُ أَبَا طَاهِرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ اَلزُّرَارِيِّ(995)، فَقَرَعْتُ بَابَهُ كَمَا قَالَ لِي، وَخَرَجَ إِلَيَّ وَفِي يَدِهِ دَمُ اَلْأُضْحِيَّةِ، فَقُلْتُ لَهُ: يُقَالُ لَكَ: أَعْطِ هَذَا اَلرَّجُلَ اَلصُّرَّةَ اَلدَّنَانِيرَ اَلَّتِي عِنْدَ رِجْلِ اَلسَّرِيرِ، فَقَالَ: سَمْعاً وَطَاعَةً، وَدَخَلَ فَأَخْرَجَ إِلَيَّ اَلصُّرَّةَ فَسَلَّمَهَا إِلَيَّ، فَأَخَذْتُهَا وَاِنْصَرَفْتُ.
255 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلزُّرَارِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اَلله مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مَرْوَانَ(996)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْجَعْفَرِيُّ وَأَبُو اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلرَّقَّامِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو سُورَةَ - قَالَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(992) هو أبو عبد الله محمّد بن زيد بن مروان الآتي ذكره في (ح 255).
(993) من بحار الأنوار (ج 51/ ص 318).
(994) في المصدر: (عليك).
(995) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 347/ الرقم 937): (محمّد بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين، أبو طاهر الزراري، حسن الطريقة، ثقة، عين، وله إلى مولانا أبي محمّد (عليه السلام) مسائل والجوابات...، مات في سنة إحدى وثلاثمائة، وكان مولده سنة سبع وثلاثين ومائتين).
(996) قال الذهبي في العبر في خبر من غبر (ج 3/ ص 6): (محمّد بن زيد بن عليِّ بن جعفر بن مروان، أبو عبد الله البغدادي، نزيل الكوفة، روى عن عبد الله بن ناجية وحامد بن شعيب).

(٣٤٢)

أَبُو غَالِبٍ: وَقَدْ رَأَيْتُ اِبْناً لِأَبِي سُورَةَ، وَكَانَ أَبُو سُورَةَ أَحَدَ مَشَايِخِ اَلزَّيْدِيَّةِ اَلمَذْكُورِينَ -، قَالَ أَبُو سُورَةَ: خَرَجْتُ إِلَى قَبْرِ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أُرِيدُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَعَرَّفْتُ(997) يَوْمَ عَرَفَةَ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ عِشَاءِ اَلْآخِرَةِ صَلَّيْتُ وَقُمْتُ، فَابْتَدَأْتُ أَقْرَأُ مِنَ اَلْحَمْدِ وَإِذَا شَابٌّ حَسَنُ اَلْوَجْهِ عَلَيْهِ جُبَّةٌ سَيْفِيٌّ، فَابْتَدَأَ أَيْضاً مِنَ اَلْحَمْدِ وَخَتَمَ قَبْلِي أَوْ خَتَمْتُ قَبْلَهُ، فَلَمَّا كَانَ اَلْغَدَاةُ خَرَجْنَا جَمِيعاً مِنْ بَابِ اَلْحَائِرِ، فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى شَاطِئِ اَلْفُرَاتِ قَالَ لِيَ اَلشَّابُّ: «أَنْتَ تُرِيدُ اَلْكُوفَةَ، فَامْضِ»، فَمَضَيْتُ طَرِيقَ اَلْفُرَاتِ، وَأَخَذَ اَلشَّابُّ طَرِيقَ اَلْبَرِّ.
قَالَ أَبُو سُورَةَ: ثُمَّ أَسِفْتُ عَلَى فِرَاقِهِ، فَاتَّبَعْتُهُ، فَقَالَ لِي: «تَعَالَ»، فَجِئْنَا جَمِيعاً إِلَى أَصْلِ حِصْنِ اَلمُسَنَّاةِ، فَنِمْنَا جَمِيعاً، وَاِنْتَبَهْنَا فَإِذَا نَحْنُ عَلَى اَلْعَوْفِيِّ(998) عَلَى جَبَلِ اَلْخَنْدَقِ، فَقَالَ لِي: «أَنْتَ مُضَيَّقٌ وَعَلَيْكَ عِيَالٌ، فَامْضِ إِلَى أَبِي طَاهِرٍ اَلزُّرَارِيِّ، فَيَخْرُجُ إِلَيْكَ(999) مِنْ مَنْزِلِهِ وَفِي يَدِهِ اَلدَّمُ مِنَ اَلْأُضْحِيَّةِ(1000)، فَقُلْ لَهُ: شَابٌّ مِنْ صِفَتِهِ كَذَا يَقُولُ: لَكَ صُرَّةٌ فِيهَا عِشْرُونَ دِينَاراً جَاءَكَ بِهَا بَعْضُ إِخْوَانِكَ، فَخُذْهَا مِنْهُ».
قَالَ أَبُو سُورَةَ: فَصِرْتُ إِلَى أَبِي طَاهِرِ اَلزُّرَارِيِّ كَمَا قَالَ اَلشَّابُّ، وَوَصَفْتُهُ لَهُ، فَقَالَ: اَلْحَمْدُ لِله، وَرَأَيْتُهُ، فَدَخَلَ وَأَخْرَجَ إِلَيَّ اَلصُّرَّةَ اَلدَّنَانِيرَ، فَدَفَعَهَا إِلَيَّ وَاِنْصَرَفْتُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مَرْوَانَ - وَهُوَ أَيْضاً مِنْ أَحَدِ مَشَايِخِ اَلزَّيْدِيَّةِ -: حَدَّثْتُ بِهَذَا اَلْحَدِيثِ أَبَا اَلْحَسَنِ مُحَمَّدَ بْنَ عُبَيْدِ اَلله اَلْعَلَوِيَّ وَنَحْنُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(997) عرَّفت من باب التفعيل، أي أدركت عرفة عند قبره (عليه السلام).
(998) في الخرائج: (الغريِّ).
(999) في الخرائج: (فسيخرج).
(1000) في بعض النُّسَخ: (دم الأُضحية).

(٣٤٣)

نُزُولٌ بِأَرْضِ اَلْهِرِّ، فَقَالَ: هَذَا حَقٌّ، جَاءَنِي رَجُلٌ شَابٌّ فَتَوَسَّمْتُ(1001) فِي وَجْهِهِ سِمَةً، فَانْصَرَفَ(1002) اَلنَّاسُ كُلُّهُمْ، وَقُلْتُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ اَلْخَلَفِ (عليه السلام) إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِ بِبَغْدَادَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَعَكَ رَاحِلَةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ فِي دَارِ اَلطَّلْحِيِّينَ، فَقُلْتُ لَهُ: قُمْ فَجِئْ بِهَا، وَوَجَّهْتُ مَعَهُ غُلَاماً، فَأَحْضَرَ رَاحِلَتَهُ وَأَقَامَ عِنْدِي يَوْمَهُ ذَلِكَ، وَأَكَلَ مِنْ طَعَامِي، وَحَدَّثَنِي بِكَثِيرٍ مِنْ سِرِّي وَضَمِيرِي، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: عَلَى أَيِّ طَرِيقٍ تَأْخُذُ؟ قَالَ: أَنْزِلُ إِلَى هَذِهِ اَلنَّجَفَةِ، ثُمَّ آتِي وَادِيَ اَلرَّمْلَةِ، ثُمَّ آتِي اَلْفُسْطَاطَ، (وَأَتَّبِعُ اَلرَّاحِلَةَ)(1003)، فَأَرْكَبُ إِلَى اَلْخَلَفِ (عليه السلام) إِلَى اَلمَغْرِبِ.
قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله: فَلَمَّا كَانَ مِنَ اَلْغَدِ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَرَكِبْتُ مَعَهُ حَتَّى صِرْنَا إِلَى قَنْطَرَةِ دَارِ صَالِحٍ، فَعَبَرَ اَلْخَنْدَقَ وَحْدَهُ وَأَنَا أَرَاهُ حَتَّى نَزَلَ اَلنَّجَفَ وَغَابَ عَنْ عَيْنِي.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ: فَحَدَّثْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي دَارِمٍ اَلْيَمَامِيَّ(1004) - وَهُوَ مِنْ أَحَدِ مَشَايِخِ اَلْحَشْوِيَّةِ - بِهَذَيْنِ اَلْحَدِيثَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا حَقٌّ، جَاءَنِي مُنْذُ سُنَيَّاتٍ اِبْنُ أُخْتِ أَبِي بَكْرِ بْنِ اَلنُّخَالِيِّ اَلْعَطَّارِ - وَهُوَ صُوفِيٌّ يَصْحَبُ اَلصُّوفِيَّةَ -، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ وَأَيْنَ كُنْتَ؟ فَقَالَ لِي: أَنَا مُسَافِرٌ مُنْذُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَقُلْتُ لَهُ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1001) في الصحاح للجوهري (ج 5/ ص 2052/ مادَّة وسم): (توسَّمت فيه الخير، أي تفرَّست).
وفي بعض النُّسَخ: (فتأسَّمت).
(1002) في بعض النُّسَخ: (فصرفت الناس).
(1003) ليس في بعض النُّسَخ.
(1004) في بعض النُّسَخ: (التميمي)؛ والظاهر أنَّه أحمد بن محمّد بن السري بن يحيى بن أبي دارم المحدِّث، أبو بكر الكوفي.
قال الذهبي في ميزان الاعتدال (ج 1/ ص 139/ الرقم 552): (مات في أوَّل سنة سبع وخمسين وثلاثمائة)، وقال في تذكرة الحُفَّاظ (ج 3/ ص 884/ الرقم 852): (الحافظ المسند الشيعي، أحمد بن محمّد...، محدِّث الكوفة، جمع في الحطِّ على الصحابة، وكان يترفَّض...، تُوفّي في المحرم سنة اثنتين وخمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة).

(٣٤٤)

فَأَيش(1005) أَعْجَبُ مَا رَأَيْتَ؟ فَقَالَ: نَزَلْتُ فِي اَلْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فِي خَانٍ يَنْزِلُهُ اَلْغُرَبَاءُ، وَكَانَ فِي وَسَطِ اَلْخَانِ مَسْجِدٌ يُصَلِّي فِيهِ أَهْلُ اَلْخَانِ، وَلَهُ إِمَامٌ وَكَانَ شَابٌّ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتٍ لَهُ أَوْ غُرْفَةٍ، فَيُصَلِّي خَلْفَ اَلْإِمَامِ وَيَرْجِعُ مِنْ وَقْتِهِ إِلَى بَيْتِهِ، وَلَا يَلْبَثُ مَعَ اَلْجَمَاعَةِ.
قَالَ: فَقُلْتُ - لَـمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ وَرَأَيْتُ مَنْظَرَهُ شَابٌّ نَظِيفٌ عَلَيْهِ عَبَاءٌ -: أَنَا وَاَلله أُحِبُّ خِدْمَتَكَ وَاَلتَّشَرُّفَ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ: «شَأْنَكَ»، فَلَمْ أَزَلْ أَخْدُمُهُ حَتَّى أَنِسَ بِيَ اَلْأُنْسَ اَلتَّامَّ، فَقُلْتُ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ: مَنْ أَنْتَ أَعَزَّكَ اَللهُ؟ قَالَ: «أَنَا صَاحِبُ اَلْحَقِّ»، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، مَتَى تَظْهَرُ؟ فَقَالَ: «لَيْسَ هَذَا أَوَانَ ظُهُورِي، وَقَدْ بَقِيَ مُدَّةٌ مِنَ اَلزَّمَانِ»، فَلَمْ أَزَلْ عَلَى خِدْمَتِهِ تِلْكَ وَهُوَ عَلَى حَالَتِهِ مِنْ صَلَاةِ اَلْجَمَاعَةِ وَتَرْكِ اَلْخَوْضِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، إِلَى أَنْ قَالَ: «أَحْتَاجُ إِلَى اَلسَّفَرِ»، فَقُلْتُ لَهُ: أَنَا مَعَكَ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، مَتَى يَظْهَرُ أَمْرُكَ؟ قَالَ: «عَلَامَةُ ظُهُورِ أَمْرِي(1006) كَثْرَةُ اَلْهَرْجِ وَاَلمَرْجِ وَاَلْفِتَنِ، وَآتِي مَكَّةَ، فَأَكُونُ فِي اَلمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ، فَيَقُولُ اَلنَّاسُ: اِنْصِبُوا لَنَا إِمَاماً، وَيَكْثُرُ اَلْكَلَامُ حَتَّى يَقُومَ رَجُلٌ مِنَ اَلنَّاسِ فَيَنْظُرَ فِي وَجْهِي ثُمَّ يَقُولَ: يَا مَعْشَرَ اَلنَّاسِ، هَذَا المَهْدِيُّ، اُنْظُرُوا إِلَيْهِ، فَيَأْخُذُونَ بِيَدِي وَيَنْصِبُونِّي بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلمَقَامِ، فَيُبَايِعُ اَلنَّاسُ عِنْدَ إِيَاسِهِمْ عَنِّي(1007)»، قَالَ: وَسِرْنَا إِلَى سَاحِلِ اَلْبَحْرِ، فَعَزَمَ عَلَى رُكُوبِ اَلْبَحْرِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، أَنَا وَاَلله أَفْرَقُ مِنْ رُكُوبِ اَلْبَحْرِ، فَقَالَ: «وَيْحَكَ تَخَافُ وَأَنَا مَعَكَ؟»، فَقُلْتُ: لَا وَلَكِنْ أَجْبُنُ، قَالَ: فَرَكِبَ اَلْبَحْرَ، وَاِنْصَرَفْتُ عَنْهُ(1008).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1005) لغة عامّيَّة بمعنى (أيّ شيء)، وكأنَّها مخفَّفة من ذلك.
(1006) في بعض النُّسَخ: (ظهوري من).
(1007) في بعض النُّسَخ: (منِّي).
(1008) روى صدره ابن الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 470 - 472/ ح 15)، وابن حمزة الطوسي (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 596/ ح 538/2) باختلاف.

(٣٤٥)

256 -أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ اَلزُّرَارِيِّ، قَالَ: قَدِمْتُ مِنَ اَلْكُوفَةِ وَأَنَا شَابٌّ إِحْدَى قَدَمَاتِي وَمَعِي رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِنَا قَدْ ذَهَبَ(1009) عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله اِسْمُهُ، وَذَلِكَ(1010) فِي أَيَّامِ اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رحمه الله) وَاِسْتِتَارِهِ وَنَصْبِهِ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ اَلمَعْرُوفَ بِالشَّلْمَغَانِيِّ، وَكَانَ مُسْتَقِيماً لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ اَلْكُفْرِ وَاَلْإِلْحَادِ، وَكَانَ اَلنَّاسُ يَقْصِدُونَهُ وَيَلْقَوْنَهُ، لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ، سَفِيراً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فِي حَوَائِجِهِمْ وَمُهِمَّاتِهِمْ.
فَقَالَ لِي صَاحِبِي: هَلْ لَكَ أَنْ تَلْقَى أَبَا جَعْفَرٍ وَتُحْدِثَ بِهِ عَهْداً؟ فَإِنَّهُ اَلمَنْصُوبُ اَلْيَوْمَ لِهَذِهِ اَلطَّائِفَةِ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ شَيْئاً مِنَ اَلدُّعَاءِ يَكْتُبُ بِهِ إِلَى اَلنَّاحِيَةِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: نَعَمْ، فَدَخَلْنَا إِلَيْهِ، فَرَأَيْنَا عِنْدَهُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَجَلَسْنَا، فَأَقْبَلَ عَلَى صَاحِبِي، فَقَالَ: مَنْ هَذَا اَلْفَتَى مَعَكَ؟ فَقَالَ لَهُ: رَجُلٌ مِنْ آلِ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: مِنْ أَيِّ زُرَارَةَ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، أَنَا مِنْ وُلْدِ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ أَخِي زُرَارَةَ، فَقَالَ: أَهْلُ بَيْتٍ جَلِيلٍ عَظِيمِ اَلْقَدْرِ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ صَاحِبِي، فَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدَنَا، أُرِيدُ اَلمُكَاتَبَةَ فِي شَيْءٍ مِنَ اَلدُّعَاءِ، فَقَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا اِعْتَقَدْتُ أَنْ أَسْأَلَ أَنَا أَيْضاً مِثْلَ ذَلِكَ، وَكُنْتُ اِعْتَقَدْتُ فِي نَفْسِي مَا لَمْ أُبْدِهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اَلله حَالَ وَالِدَةِ أَبِي اَلْعَبَّاسِ اِبْنِي، وَكَانَتْ كَثِيرَةَ اَلْخِلَافِ وَاَلْغَضَبِ عَلَيَّ، وَكَانَتْ مِنِّي بِمَنْزِلَةٍ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَسْأَلُ اَلدُّعَاءَ لِي فِي أَمْرٍ قَدْ أَهَمَّنِي وَلَا أُسَمِّيهِ، فَقُلْتُ: أَطَالَ اَللهُ بَقَاءَ سَيِّدِنَا، وَأَنَا أَسْأَلُ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: اَلدُّعَاءَ لِي بِالْفَرَجِ مِنْ أَمْرٍ قَدْ أَهَمَّنِي، قَالَ: فَأَخَذَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1009) يقال: ذهب عليه كذا أي نسيه، فالذهاب إذا عُدّي بـ (على) يفيد معنى النسيان.
(1010) في بعض النُّسَخ: (فذلك).

(٣٤٦)

دَرْجاً بَيْنَ يَدَيْهِ كَانَ أَثْبَتَ فِيهِ حَاجَةَ اَلرَّجُلِ، فَكَتَبَ: وَاَلزُّرَارِيُّ يَسْأَلُ اَلدُّعَاءَ لَهُ فِي أَمْرٍ قَدْ أَهَمَّهُ.
قَالَ: ثُمَّ طَوَاهُ، فَقُمْنَا وَاِنْصَرَفْنَا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ قَالَ لِي صَاحِبِي: أَلَا نَعُودُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ فَنَسْأَلَهُ عَنْ حَوَائِجِنَا اَلَّتِي كُنَّا سَأَلْنَاهُ؟ فَمَضَيْتُ مَعَهُ، وَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَحِينَ جَلَسْنَا عِنْدَهُ أَخْرَجَ اَلدَّرْجَ، وَفِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ قَدْ أُجِيبَ فِي تَضَاعِيفِهَا، فَأَقْبَلَ عَلَى صَاحِبِي فَقَرَأَ عَلَيْهِ جَوَابَ مَا سَأَلَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ وَهُوَ يَقْرَأُ: «وَأَمَّا اَلزُّرَارِيُّ وَحَالُ اَلزَّوْجِ وَاَلزَّوْجَةِ فَأَصْلَحَ اَللهُ ذَاتَ بَيْنِهِمَا»، قَالَ: فَوَرَدَ عَلَيَّ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَقُمْنَا فَانْصَرَفْنا، فَقَالَ لِي: قَدْ وَرَدَ عَلَيْكَ هَذَا اَلْأَمْرُ، فَقُلْتُ: أَعْجَبُ مِنْهُ، قَالَ: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ؟ فَقُلْتُ: لِأَنَّهُ سِرٌّ لَمْ يَعْلَمْهُ إِلَّا اَللهُ تَعَالَى وَغَيْرِي فَقَدْ أَخْبَرَنِي بِهِ، فَقَالَ: أَتَشُكُّ فِي أَمْرِ اَلنَّاحِيَةِ؟ أَخْبِرْنِي اَلْآنَ مَا هُوَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَعَجِبَ مِنْهُ.
ثُمَّ قَضَى أَنْ عُدْنَا إِلَى اَلْكُوفَةِ، فَدَخَلْتُ دَارِي وَكَانَتْ أُمُّ أَبِي اَلْعَبَّاسِ مُغَاضِبَةً لِي فِي مَنْزِلِ أَهْلِهَا، فَجَاءَتْ إِلَيَّ فَاسْتَرْضَتْنِي، وَاِعْتَذَرَتْ وَوَافَقَتْنِي وَلَمْ تُخَالِفْنِي حَتَّى فَرَّقَ اَلمَوْتُ بَيْنَنَا.
257 - وَأَخْبَرَنِي بِهَذِهِ اَلْحِكَايَةِ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي غَالِبٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ اَلزُّرَارِيِّ (رحمه الله) إِجَازَةً، وَكَتَبَ عَنْهُ بِبَغْدَادَ أَبُو اَلْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ اَلمُظَفَّرِ فِي مَنْزِلِهِ بِسُوَيْقَةِ غَالِبٍ فِي يَوْمِ اَلْأَحَدِ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي اَلْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: كُنْتُ تَزَوَّجْتُ بِأُمِّ وَلَدِي وَهِيَ أَوَّلُ اِمْرَأَةٍ تَزَوَّجْتُهَا، وَأَنَا حِينَئِذٍ حَدَثُ اَلسِّنِّ وَسِنِّي إذْ ذَاكَ دُونَ اَلْعِشْرِينَ سَنَةً، فَدَخَلْتُ بِهَا فِي مَنْزِلِ أَبِيهَا، فَأَقَامَتْ فِي مَنْزِلِ أَبِيهَا سِنِينَ وَأَنَا أَجْتَهِدُ بِهِمْ فِي أَنْ يُحَوِّلُوهَا إِلَى مَنْزِلِي وَهُمْ لَا يُجِيبُونِّي إِلَى ذَلِكَ، فَحَمَلَتْ مِنِّي فِي هَذِهِ اَلمُدَّةِ، وَوَلَدَتْ بِنْتاً، فَعَاشَتْ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَتْ، وَلَمْ أَحْضُرْ فِي وِلَادَتِهَا وَلَا فِي مَوْتِهَا وَلَمْ أَرَهَا مُنْذُ وُلِدَتْ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَتْ لِلشُّرُورِ اَلَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ.

(٣٤٧)

ثُمَّ اِصْطَلَحْنَا عَلَى أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَهَا إِلَى مَنْزِلِي، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِمْ فِي مَنْزِلِهِمْ وَدَافَعُونِي فِي نَقْلِ اَلمَرْأَةِ إِلَيَّ، وَقُدِّرَ أَنْ حَمَلَتِ اَلمَرْأَةُ مَعَ هَذِهِ اَلْحَالِ، ثُمَّ طَالَبْتُهُمْ بِنَقْلِهَا إِلَى مَنْزِلِي عَلَى مَا اِتَّفَقْنَا عَلَيْهِ، فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، فَعَادَ اَلشَّرُّ بَيْنَنَا، وَاِنْتَقَلْتُ عَنْهُمْ، وَوَلَدَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا بِنْتاً، وَبَقِينَا عَلَى حَالِ اَلشَّرِّ وَاَلمُضَارَمَةِ(1011) سِنِينَ لَا آخُذُهَا.
ثُمَّ دَخَلْتُ بَغْدَادَ، وَكَانَ اَلصَّاحِبَ(1012) بِالْكُوفَةِ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اَلزجوزجيُّ (رحمه الله)، وَكَانَ لِي كَالْعَمِّ أَوِ اَلْوَالِدِ، فَنَزَلْتُ عِنْدَهُ بِبَغْدَادَ، وَشَكَوْتُ إِلَيْهِ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ اَلشُّرُورِ اَلْوَاقِعَةِ بَيْنِي وَبَيْنَ اَلزَّوْجَةِ وَبَيْنَ اَلْأَحْمَاءِ، فَقَالَ لِي: تَكْتُبُ رُقْعَةً وَتَسْأَلُ اَلدُّعَاءَ فِيهَا، فَكَتَبْتُ رُقْعَةً وَذَكَرْتُ فِيهَا حَالِي وَمَا أَنَا فِيهِ مِنْ خُصُومَةِ اَلْقَوْمِ لِي وَاِمْتِنَاعِهِمْ مِنْ حَمْلِ اَلمَرْأَةِ إِلَى مَنْزِلِي، وَمَضَيْتُ بِهَا أَنَا وَأَبُو جَعْفَرٍ (رحمه الله) إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ اَلْوَاسِطَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، وَهُوَ إِذْ ذَاكَ اَلْوَكِيلُ، فَدَفَعْنَاهَا إِلَيْهِ وَسَأَلْنَاهُ إِنْفَاذَهَا، فَأَخَذَهَا مِنِّي، وَتَأَخَّرَ اَلْجَوَابُ عَنِّي أَيَّاماً، فَلَقِيتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ سَاءَنِي تَأَخُّرُ اَلْجَوَابِ عَنِّي، فَقَالَ لِي: لَا يَسُوءُكَ هَذَا فَإِنَّهُ أَحَبُّ لِي وَلَكَ، وَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنَّ اَلْجَوَابَ إِنْ قَرُبَ كَانَ مِنْ جِهَةِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، وَإِنْ تَأَخَّرَ كَانَ مِنْ جِهَةِ اَلصَّاحِبِ (عليه السلام)، فَانْصَرَفْتُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ - وَلَا أَحْفَظُ اَلمُدَّةَ إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ قَرِيبَةً -، فَوَجَّهَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ الزجوزجيُّ (رحمه الله) يَوْماً مِنَ اَلْأَيَّامِ، فَصِرْتُ إِلَيْهِ، فَأَخْرَجَ لِي فَصْلاً مِنْ رُقْعَةٍ، وَقَالَ لِي: هَذَا جَوَابُ رُقْعَتِكَ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَنْسَخَهُ فَانْسَخْهُ وَرُدَّهُ، فَقَرَأْتُهُ، فَإِذَا فِيهِ: «وَاَلزَّوْجُ وَاَلزَّوْجَةُ فَأَصْلَحَ اَللهُ ذَاتَ بَيْنِهِمَا»، وَنَسَخْتُ اَللَّفْظَ وَرَدَدْتُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1011) المضارمة المغاضبة، من قولهم: تضرَّم عليَّ أي تغضَّب.
(1012) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 323): (قوله: (وكان الصاحب) أي صاحبي، أو ملجأ الشيعة وكبيرهم، أو صاحب الحكم من قِبَل السلطان، والأوسط أظهر).

(٣٤٨)

عَلَيْهِ اَلْفَصْلَ، وَدَخَلْنَا اَلْكُوفَةَ فَسَهَّلَ اَللهُ لِي نَقْلَ اَلمَرْأَةِ بِأَيْسَرِ كُلْفَةٍ، وَأَقَامَتْ مَعِي سِنِينَ كَثِيرَةً وَرُزِقَتْ مِنِّي أَوْلَاداً، وَأَسَأْتُ إِلَيْهَا إِسَاءَاتٍ وَاِسْتَعْمَلْتُ مَعَهَا كُلَّ مَا لَا تَصْبِرُ اَلنِّسَاءُ عَلَيْهِ، فَمَا وَقَعَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهَا لَفْظَةُ شَرٍّ وَلَا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا إِلَى أَنْ فَرَّقَ اَلزَّمَانُ بَيْنَنَا.
قَالُوا: قَالَ أَبُو غَالِبٍ (رحمه الله): وَكُنْتُ قَدِيماً قَبْلَ هَذِهِ اَلْحَالِ قَدْ كَتَبْتُ رُقْعَةً أَسْأَلُ فِيهَا أَنْ يَقْبَلَ ضَيْعَتِي، وَلَمْ يَكُنْ اِعْتِقَادِي فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ اَلتَّقَرُّبَ إِلَى اَلله (عزَّ وجلَّ) بِهَذِهِ اَلْحَالِ، وَإِنَّمَا كَانَ شَهْوَةٌ مِنِّي لِلاِخْتِلَاطِ بِالنَّوْبَخْتِيِّينَ وَاَلدُّخُولِ مَعَهُمْ فِيمَا كَانُوا فِيهِ مِنَ اَلدُّنْيَا، فَلَمْ أُجَبْ إِلَى ذَلِكَ، وَأَلْحَحْتُ فِي ذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيَّ: «أَنِ اِخْتَرْ مَنْ تَثِقُ بِهِ، فَاكْتُبِ اَلضَّيْعَةَ بِاسْمِهِ، فَإِنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهَا»، فَكَتَبْتُهَا بِاسْمِ أَبِي اَلْقَاسِمِ مُوسَى بْنِ اَلْحَسَنِ اَلزجوزجيِّ اِبْنِ أَخِي أَبِي جَعْفَرٍ (رحمه الله)، لِثِقَتِي بِهِ وَمَوْضِعِهِ مِنَ اَلدِّيَانَةِ وَاَلنِّعْمَةِ.
فَلَمْ تَمْضِ اَلْأَيَّامُ حَتَّى أَسَرُونِي اَلْأَعْرَابُ وَنَهَبُوا اَلضَّيْعَةَ اَلَّتِي كُنْتُ أَمْلِكُهَا، وَذَهَبَ مِنِّي فِيهَا مِنْ غَلَّاتِي وَدَوَابِّي وَآلَتِي نَحْوٌ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَقَمْتُ فِي أَسْرِهِمْ مُدَّةً إِلَى أَنِ اِشْتَرَيْتُ نَفْسِي بِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلَزِمَنِي فِي أُجْرَةِ اَلرُّسُلِ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَخَرَجْتُ وَاِحْتَجْتُ إِلَى اَلضَّيْعَةِ، فَبِعْتُهَا.
258 - وَأَخْبَرَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُدَ اَلْقُمِّيِّ (رحمه الله)، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ بْنِ هَمَّامٍ، قَالَ: أَنْفَذَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلشَّلْمَغَانِيُّ اَلْعَزَاقِرِيُّ إِلَى اَلشَّيْخِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يُبَاهِلَهُ، وَقَالَ: أَنَا صَاحِبُ اَلرَّجُلِ، وَقَدْ أُمِرْتُ بِإِظْهَارِ اَلْعِلْمِ، وَقَدْ أَظْهَرْتُهُ بَاطِناً وَظَاهِراً، فَبَاهِلْنِي، فَأَنْفَذَ إِلَيْهِ اَلشَّيْخُ (رضي الله عنه) فِي جَوَابِ ذَلِكَ: أَيُّنَا تَقَدَّمَ صَاحِبَهُ فَهُوَ اَلمَخْصُومُ، فَتَقَدَّمَ اَلْعَزَاقِرِيُّ فَقُتِلَ وَصُلِبَ وَأُخِذَ مَعَهُ اِبْنُ أَبِي عَوْنٍ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ(1013).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1013) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1122/ ح 39) عن أبي عليٍّ بن همَّام.

(٣٤٩)

259 - قَالَ اِبْنُ نُوحٍ: وَأَخْبَرَنِي جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ نُوحٍ(1014) (رضي الله عنه)، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ صَالِحٍ اَلصَّيْمَرِيُّ، قَالَ: لَـمَّا أَنْفَذَ اَلشَّيْخُ أَبُو اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحٍ (رضي الله عنه) اَلتَّوْقِيعَ فِي لَعْنِ اِبْنِ أَبِي اَلْعَزَاقِرِ أَنْفَذَهُ مِنْ مَحْبَسِهِ فِي دَارِ اَلمُقْتَدِرِ إِلَى شَيْخِنَا أَبِي عَلِيٍّ بْنِ هَمَّامٍ (رحمه الله) فِي ذِي اَلْحِجَّةِ سَنَةَ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَأَمْلَاهُ أَبُو عَلِيٍّ (رحمه الله) عَلَيَّ، وَعَرَّفَنِي أَنَّ أَبَا اَلْقَاسِمِ (رضي الله عنه) رَاجَعَ فِي تَرْكِ إِظْهَارِهِ، فَإِنَّهُ فِي يَدِ اَلْقَوْمِ وَفِي حَبْسِهِمْ، فَأُمِرَ بِإِظْهَارِهِ وَأَنْ لَا يَخْشَى وَيَأْمَنَ، فَتَخَلَّصَ فَخَرَجَ مِنَ اَلْحَبْسِ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَاَلْحَمْدُ لِله.
260 - قَالَ: وَوَجَدْتُ فِي أَصْلٍ عَتِيقٍ كُتِبَ بِالْأَهْوَازِ فِي اَلمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ: أَبُو عَبْدِ اَلله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ اِبْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ اَلْجُرْجَانِيُّ، قَالَ: كُنْتُ بِمَدِينَةِ قُمَّ، فَجَرَى بَيْنَ إِخْوَانِنَا كَلَامٌ فِي أَمْرِ رَجُلٍ أَنْكَرَ وَلَدَهُ، فَأَنْفَذُوا رَجُلاً إِلَى اَلشَّيْخِ (صَانَهُ اَللهُ)، وَكُنْتُ حَاضِراً عِنْدَهُ (أَيَّدَهُ اَللهُ)، فَدَفَعَ إِلَيْهِ اَلْكِتَابَ، فَلَمْ يَقْرَأْهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اَلله اَلْبَزَوْفَرِيِّ(1015) (أَعَزَّهُ اَللهُ)، لِيُجِيبَ عَنِ اَلْكِتَابِ، فَصَارَ إِلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ، فَقَالَ [لَهُ](1016) أَبُو عَبْدِ اَلله: اَلْوَلَدُ وَلَدُهُ، وَوَاقَعَهَا فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَقُلْ لَهُ: فَيَجْعَلُ اِسْمَهُ مُحَمَّداً، فَرَجَعَ اَلرَّسُولُ إِلَى اَلْبَلَدِ وَعَرَّفَهُمْ وَوَضَحَ عِنْدَهُمُ اَلْقَوْلُ، وَوُلِدَ اَلْوَلَدُ وَسُمِّيَ مُحَمَّداً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1014) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 446/ الرقم 6342/92) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام)، قائلاً: (محمّد بن أحمد بن العبَّاس بن نوح، جدُّ أبي العبَّاس بن نوح، روى عنه أبو العبَّاس).
(1015) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 325): (يظهر منه أنَّ البزوفري (رحمه الله) كان من السفراء، ولم يُنقَل، ويمكن أنْ يكون وصل ذلك إليه بتوسُّط السفراء، أو بدون توسُّطهم في خصوص الواقعة).
(1016) من بعض النُّسَخ.

(٣٥٠)

261 - قَالَ اِبْنُ نُوحٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اَلله اَلْحُسَيْنُ مُحَمَّدُ بْنُ سَوْرَةَ اَلْقُمِّيُّ (رحمه الله) حِينَ قَدِمَ عَلَيْنَا حَاجًّا، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ يُوسُفَ اَلصَّائِغُ اَلْقُمِّيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلصَّيْرَفِيُّ اَلمَعْرُوفُ بِابْنِ اَلدَّلَّالِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ مَشَايِخِ أَهْلِ قُمَّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ عَمِّهِ مُحَمَّدِ اِبْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ، فَلَمْ يُرْزَقْ مِنْهَا وَلَداً، فَكَتَبَ إِلَى اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ اِبْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) أَنْ يَسْأَلَ اَلْحَضْرَةَ أَنْ يَدْعُوَ اَللهَ أَنْ يَرْزُقَهُ أَوْلَاداً فُقَهَاءَ، فَجَاءَ اَلْجَوَابُ: «إِنَّكَ لَا تُرْزَقُ مِنْ هَذِهِ، وَسَتَمْلِكُ جَارِيَةً دَيْلَمِيَّةً وَتُرْزَقُ مِنْهَا وَلَدَيْنِ فَقِيهَيْنِ».
قَالَ: وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَلله بْنُ سَوْرَةَ (حَفَظَهُ اَللهُ): وَلِأَبِي اَلْحَسَنِ بْنِ بَابَوَيْهِ (رحمه الله) ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ: مُحَمَّدٌ وَاَلْحُسَيْنُ فَقِيهَانِ مَاهِرَانِ فِي اَلْحِفْظِ، وَيَحْفَظَانِ مَا لَا يَحْفَظُ غَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ قُمَّ، وَلَهُمَا أَخٌ اِسْمُهُ اَلْحَسَنُ، وَهُوَ اَلْأَوْسَطُ مُشْتَغِلٌ بِالْعِبَادَةِ وَاَلزُّهْدِ، لَا يَخْتَلِطُ بِالنَّاسِ، وَلَا فِقْهَ لَهُ.
قَالَ اِبْنُ سَوْرَةَ: كُلَّمَا رَوَى أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَبْدِ اَلله اِبْنَا عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ شَيْئاً يَتَعَجَّبُ اَلنَّاسُ مِنْ حِفْظِهِمَا، وَيَقُولُونَ لَهُمَا: هَذَا اَلشَّأْنُ خُصُوصِيَّةٌ لَكُمَا بِدَعْوَةِ اَلْإِمَامِ لَكُمَا، وَهَذَا أَمْرٌ مُسْتَفِيضٌ فِي أَهْلِ قُمَّ(1017).
262 - قالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله بْنَ سَوْرَةَ اَلْقُمِّيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَرْوَراً - وَكَانَ رَجُلاً عَابِداً مُجْتَهِداً لَقِيتُهُ بِالْأَهْوَازِ غَيْرَ أَنِّي نَسِيتُ نَسَبَهُ - يَقُولُ: كُنْتُ أَخْرَسَ لَا أَتَكَلَّمُ، فَحَمَلَنِي أَبِي وَعَمِّي فِي صِبَايَ، وَسِنِّي إِذْ ذَاكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ إِلَى اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، فَسَأَلَاهُ أَنْ يَسْأَلَ اَلْحَضْرَةَ أَنْ يَفْتَحَ اَللهُ لِسَانِي، فَذَكَرَ اَلشَّيْخُ أَبُو اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحٍ أَنَّكُمْ أُمِرْتُمْ بِالْخُرُوجِ إِلَى اَلْحَائِرِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1017) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 790/ ح 113) مختصراً، عنه فرج المهموم (ص 258).

(٣٥١)

قَالَ سَرْوَرٌ: فَخَرَجْنَا أَنَا وَأَبِي وَعَمِّي إِلَى اَلْحَائِرِ، فَاغْتَسَلْنَا وَزُرْنَا، قَالَ: فَصَاحَ بِي أَبِي وَعَمِّي: يَا سَرْوَرُ، فَقُلْتُ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ: لَبَّيْكَ، فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ تَكَلَّمْتَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله بْنُ سَوْرَةَ: وَكَانَ سَرْوَرٌ هَذَا رَجُلاً لَيْسَ بِجَهْوَرِيِّ اَلصَّوْتِ(1018).
263 - أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلنُّعْمَانِ وَاَلْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ أَحْمَدَ اَلصَّفْوَانِيِّ (رحمه الله)، قَالَ: رَأَيْتُ اَلْقَاسِمَ بْنَ اَلْعَلَاءِ(1019) وَقَدْ عُمِّرَ مِائَةَ سَنَةٍ وَسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، مِنْهَا ثَمَانُونَ سَنَةً صَحِيحَ اَلْعَيْنَيْنِ، لَقِيَ مَوْلَانَا أَبَا اَلْحَسَنِ وَأَبَا مُحَمَّدٍ اَلْعَسْكَرِيَّيْنِ (عليهما السلام)، وَحُجِبَ بَعْدَ اَلثَّمَانِينَ، وَرُدَّتْ عَلَيْهِ عَيْنَاهُ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ.
وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ مُقِيماً عِنْدَهُ بِمَدِينَةِ اَلرَّانِ مِنْ أَرْضِ آذَرْبَايِجَانَ، وَكَانَ لَا تَنْقَطِعُ تَوْقِيعَاتُ مَوْلَانَا صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) عَلَى يَدِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ، وَبَعْدَهُ عَلَى يَدِ أَبِي اَلْقَاسِمِ [اَلْحُسَيْنِ] بْنِ رَوْحٍ (قَدَّسَ اَللهُ رُوحَهُمَا)، فَانْقَطَعَتْ عَنْهُ اَلمُكَاتَبَةُ نَحْواً مِنْ شَهْرَيْنِ، فَقَلِقَ (رحمه الله) لِذَلِكَ.
فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ نَأْكُلُ إِذْ دَخَلَ اَلْبَوَّابُ مُسْتَبْشِراً، فَقَالَ لَهُ: فَيْجُ اَلْعِرَاقِ لَا يُسَمَّى بِغَيْرِهِ، فَاسْتَبْشَرَ اَلْقَاسِمُ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى اَلْقِبْلَةِ فَسَجَدَ، وَدَخَلَ كَهْلٌ قَصِيرٌ يُرَى أَثَرُ اَلْفُيُوجِ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِصْرِيَّةٌ، وَفِي رِجْلِهِ نَعْلٌ مَحَامِلِيٌّ، وَعَلَى كَتِفِهِ مِخْلَاةٌ، فَقَامَ اَلْقَاسِمُ فَعَانَقَهُ وَوَضَعَ اَلْمِخْلَاةَ عَنْ عُنُقِهِ، وَدَعَا بِطَشْتٍ وَمَاءٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1018) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1122 و1123/ ح 40) عن أبي عبد الله ابن سورة.
(1019) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 446/ ضمن الرقم 6341/91) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام)، قائلاً: (القاسم بن العلاء الهمداني، روى عنه الصفواني).

(٣٥٢)

فَغَسَلَ يَدَهُ وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ، فَأَكَلْنَا وَغَسَلْنَا أَيْدِيَنَا، فَقَامَ اَلرَّجُلُ فَأَخْرَجَ كِتَاباً أَفْضَلَ مِنَ اَلنِّصْفِ اَلمُدَرَّجِ(1020)، فَنَاوَلَهُ اَلْقَاسِمَ، فَأَخَذَهُ وَقَبَّلَهُ وَدَفَعَهُ إِلَى كَاتِبٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ: اِبْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَأَخَذَهُ أَبُو عَبْدِ اَلله فَفَضَّهُ وَقَرَأَهُ حَتَّى أَحَسَّ اَلْقَاسِمُ بِنِكَايَةٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اَلله خَيْرٌ، فَقَالَ: خَيْرٌ، فَقَالَ: وَيْحَكَ خَرَجَ فِيَّ شَيْءٌ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله: مَا تَكْرَهُ فَلَا، قَالَ اَلْقَاسِمُ: فَمَا هُوَ؟ قَالَ: نَعْيُ اَلشَّيْخِ إِلَى نَفْسِهِ بَعْدَ وُرُودِ هَذَا اَلْكِتَابِ بِأَرْبَعِينَ يَوْماً، وَقَدْ حُمِلَ إِلَيْهِ سَبْعَةُ أَثْوَابٍ، فَقَالَ اَلْقَاسِمُ: فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينِي؟ فَقَالَ: فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينِكَ، فَضَحِكَ (رحمه الله)، فَقَالَ: مَا أُؤَمِّلُ بَعْدَ هَذَا اَلْعُمُرِ؟
فَقَامَ اَلرَّجُلُ اَلْوَارِدُ فَأَخْرَجَ مِنْ مِخْلَاتِهِ ثَلَاثَةَ أُزُرٍ وَحِبَرَةً يَمَانِيَّةً حَمْرَاءَ وَعِمَامَةً وَثَوْبَيْنِ وَمِنْدِيلاً، فَأَخَذَهُ اَلْقَاسِمُ، وَكَانَ عِنْدَهُ قَمِيصٌ خَلَعَهُ عَلَيْهِ مَوْلَانَا اَلرِّضَا أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، وَكَانَ لَهُ صَدِيقٌ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْبَدْرِيُّ(1021)، وَكَانَ شَدِيدَ اَلنَّصْبِ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اَلْقَاسِمِ (نَضَّرَ اَللهُ وَجْهَهُ) مَوَدَّةٌ فِي أُمُورِ اَلدُّنْيَا شَدِيدَةٌ، وَكَانَ اَلْقَاسِمُ يَوَدُّهُ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ وَافَى إِلَى اَلدَّارِ لِإِصْلَاحٍ بَيْنَ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ حُمْدُونٍ اَلْهَمْدَانِيِّ وَبَيْنَ خَتَنِهِ اِبْنِ اَلْقَاسِمِ.
فَقَالَ اَلْقَاسِمُ لِشَيْخَيْنِ مِنْ مَشَايِخِنَا اَلمُقِيمَيْنِ مَعَهُ، أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ: أَبُو حَامِدٍ عِمْرَانُ بْنُ اَلمُفَلَّسِ، وَاَلْآخَرُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ جَحْدَرٍ: أَنْ أَقْرِئَا هَذَا اَلْكِتَابَ عَبْدَ اَلرَّحْمَنِ اِبْنَ مُحَمَّدٍ، فَإِنِّي أُحِبُّ هِدَايَتَهُ، وَأَرْجُو [أَنْ](1022) يَهْدِيَهُ اَللهُ بِقِرَاءَةِ هَذَا اَلْكِتَابِ، فَقَالَا لَهُ: اَللهَ اَللهَ اَللهَ فَإِنَّ هَذَا اَلْكِتَابَ لَا يَحْتَمِلُ مَا فِيهِ خَلْقٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ، فَكَيْفَ عَبْدُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1020) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 316): ((أفضل من النصف) يصف كبره، أي كان أكبر من نصف ورق مدرج، أي مطوي).
(1021) في بعض النُّسَخ: (السينيزي) بدل (البدري).
(1022) من بحار الأنوار (ج 51/ ص 314).

(٣٥٣)

اَلرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ أَنِّي مُفْشٍ لِسِرٍّ لَا يَجُوزُ لِي إِعْلَانُهُ، لَكِنْ مِنْ مَحَبَّتِي لِعَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَشَهْوَتِي أَنْ يَهْدِيَهُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) لِهَذَا اَلْأَمْرِ هُوَ ذَا أُقْرِئُهُ اَلْكِتَابَ.
فَلَمَّا مَرَّ فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ - وَكَانَ يَوْمُ اَلْخَمِيسِ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَجَبٍ - دَخَلَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَ اَلْقَاسِمُ اَلْكِتَابَ، فَقَالَ لَهُ: اِقْرَأْ هَذَا اَلْكِتَابِ وَاُنْظُرْ لِنَفْسِكَ، فَقَرَأَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ اَلْكِتَابَ، فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى مَوْضِعِ اَلنَّعْيِ رَمَى اَلْكِتَابَ عَنْ يَدِهِ وَقَالَ لِلْقَاسِمِ: يَا أبَا مُحَمَّدٍ، اِتَّقِ اَللهَ فَإِنَّكَ رَجُلٌ فَاضِلٌ فِي دِينِكَ، مُتَمَكِّنٌ مِنْ عَقْلِكَ، وَاَللهُ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَا ذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان: 34]، وَقَالَ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً﴾، فَضَحِكَ اَلْقَاسِمُ وَقَالَ لَهُ: أَتِمَّ اَلْآيَةَ، ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجنّ: 26 و27]، وَمَوْلَايَ (عليه السلام) هُوَ اَلرِّضَا مِنَ اَلرَّسُولِ، وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا، وَلَكِنْ أَرِّخِ اَلْيَوْمَ، فَإِنْ أَنَا عِشْتُ بَعْدَ هَذَا اَلْيَوْمِ اَلمُؤَرَّخِ فِي هَذَا اَلْكِتَابِ فَاعْلَمْ أَنِّي لَسْتُ عَلَى شَيْءٍ، وَإِنْ أَنَا مِتُّ فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ، فَوَرَّخَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ اَلْيَوْمَ وَاِفْتَرَقُوا.
وَحُمَّ اَلْقَاسِمُ يَوْمَ اَلسَّابِعِ مِنْ وُرُودِ اَلْكِتَابِ، وَاِشْتَدَّتْ بِهِ فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ اَلْعِلَّةُ، وَاِسْتَنَدَ فِي فِرَاشِهِ إِلَى اَلْحَائِطِ، وَكَانَ اِبْنُهُ اَلْحَسَنُ بْنُ اَلْقَاسِمِ مُدْمِناً عَلَى شُرْبِ اَلْخَمْرِ، وَكَانَ مُتَزَوِّجاً إِلَى أَبِي عَبْدِ اَلله بْنِ حُمْدُونٍ اَلْهَمْدَانِيِّ، وَكَانَ جَالِساً وَرِدَاؤُهُ مَسْتُورٌ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ اَلدَّارِ، وَأَبُو حَامِدٍ فِي نَاحِيَةٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ بْنُ جَحْدَرٍ وَأَنَا وَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَلَدِ نَبْكِي، إِذِ اِتَّكَى اَلْقَاسِمُ عَلَى يَدَيْهِ إِلَى خَلْفٍ وَجَعَلَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، يَا عَلِيُّ، يَا حَسَنُ، يَا حُسَيْنُ، يَا مَوَالِيَّ كُونُوا شُفَعَائِي إِلَى اَلله (عزَّ وجلَّ)، وَقَالَهَا اَلثَّانِيَةَ، وَقَالَهَا اَلثَّالِثَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ فِي اَلثَّالِثَةِ: يَا مُوسَى، يَا عَلِيُّ، تَفَرْقَعَتْ أَجْفَانُ عَيْنَيْهِ كَمَا يُفَرْقِعُ اَلصِّبْيَانُ شَقَائِقَ اَلنُّعْمَانِ، وَاِنْتَفَخَتْ(1023) حَدَقَتُهُ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1023) في بعض النُّسَخ: (انفتحت).

(٣٥٤)

وَجَعَلَ يَمْسَحُ بِكُمِّهِ عَيْنَيْهِ(1024)، وَخَرَجَ مِنْ عَيْنَيْهِ شَبِيهٌ بِمَاءِ اَللَّحْمِ، مَدَّ طَرْفَهُ إِلَى اِبْنِهِ، فَقَالَ: يَا حَسَنُ إِلَيَّ، يَا أبَا حَامِدٍ [إِلَيَّ]، يَا أبَا عَلِيٍّ إِلَيَّ، فَاجْتَمَعْنَا حَوْلَهُ، وَنَظَرْنَا إِلَى اَلْحَدَقَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو حَامِدٍ: تَرَانِي؟ وَجَعَلَ يَدَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا.
وَشَاعَ اَلْخَبَرُ فِي اَلنَّاسِ وَاَلْعَامَّةِ، وَاِنْتَابَهُ اَلنَّاسُ مِنَ اَلْعَوَامِّ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَرَكِبَ اَلْقَاضِي إِلَيْهِ، وَهُوَ أَبُو اَلسَّائِبِ عُتْبَةُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله(1025) اَلمَسْعُودِيُّ، وَهُوَ قَاضِي اَلْقُضَاةِ بِبَغْدَادَ(1026)، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا بَا مُحَمَّدٍ، مَا هَذَا اَلَّذِي بِيَدِي؟ وَأَرَاهُ خَاتَماً فَصُّهُ فَيْرُوزَجٌ، فَقَرَّبَهُ مِنْهُ، فَقَالَ: عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ، فَتَنَاوَلَهُ اَلْقَاسِمُ (رحمه الله)، فَلَمْ يُمْكِنْهُ قِرَاءَتُهُ، وَخَرَجَ اَلنَّاسُ مُتَعَجِّبِينَ يَتَحَدَّثُونَ بِخَبَرِهِ، وَاِلْتَفَتَ اَلْقَاسِمُ إِلَى اِبْنِهِ اَلْحَسَنِ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ اَللهَ مُنَزِّلُكَ مَنْزِلَةً وَمُرَتِّبُكَ مَرْتَبَةً، فَاقْبَلْهَا بِشُكْرٍ، فَقَالَ لَهُ اَلْحَسَنُ: يَا أَبَهْ، قَدْ قَبِلْتُهَا، قَالَ اَلْقَاسِمُ: عَلَى مَا ذَا؟ قَالَ: عَلَى مَا تَأْمُرُنِي بِهِ، يَا أَبَةِ، قَالَ: عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ شُرْبِ اَلْخَمْرِ، قَالَ اَلْحَسَنُ: يَا أَبَهْ، وَحَقِّ مَنْ أَنْتَ فِي ذِكْرِهِ لَأَرْجِعَنَّ عَنْ شُرْبِ اَلْخَمْرِ، وَمَعَ اَلْخَمْرِ أَشْيَاءَ لَا تَعْرِفُهَا، فَرَفَعَ اَلْقَاسِمُ يَدَهُ إِلَى اَلسَّمَاءِ وَقَالَ: اَللَّهُمَّ أَلْهِمِ اَلْحَسَنَ طَاعَتَكَ، وَجَنِّبْهُ مَعْصِيَتَكَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ دَعَا بِدَرْجٍ، فَكَتَبَ وَصِيَّتَهُ بِيَدِهِ (رحمه الله)، وَكَانَتِ اَلضِّيَاعُ اَلَّتِي فِي يَدِهِ لِمَوْلَانَا وَقْفٌ وَقَفَهُ أَبُوهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1024) في بعض النُّسَخ: (عينه)، وكذا ما بعده.
(1025) في بعض النُّسَخ: (عبد الله)، وفي بعضها: (عبد الله (عبيد الله خ ل))؛ وهو قاضي القضاة أبو السائب عتبة بن عبيد الله بن موسى بن عبيد الله الهمداني الشافعي، تولَّى مهامَّ القضاء في مراغة، ثمّ في ممالك آذربيجان، ثمّ ولي قضاء همذان، ثمّ بغداد، تُوفّي سنة (350هـ).
راجع: طبقات الشافعيَّة الكبرى للسبكي (ج 3/ ص 343 و344/ الرقم 218).
(1026) في حاشية بعض النُّسَخ: (قوله: (وهو قاضي القضاة ببغداد)، لعلَّه يعني أنَّه قاضي القضاة ببغداد حين حكاية هذه القضيَّة، لا أنَّه كان كذلك حال وقوع القضيَّة، وهو لا يناسب محلَّ الواقعة، إذ الحكاية إنَّما وقعت في ران، وهي من أرض آذربيجان كما تقدَّم في أوَّل الخبر، فتأمَّل).

(٣٥٥)

وَكَانَ(1027) فِيمَا أَوْصَى اَلْحَسَنَ أَنْ قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنْ أُهِّلْتَ(1028) لِهَذَا اَلْأَمْرِ - يَعْنِي اَلْوَكَالَةَ لِمَوْلَانَا - فَيَكُونُ قُوتُكَ مِنْ نِصْفِ ضَيْعَتِيَ اَلمَعْرُوفَةِ بِفَرْجِيذَةَ، وَسَائِرُهَا مِلْكٌ لِمَوْلَايَ، وَإِنْ لَمْ تُؤَهَّلْ لَهُ فَاطْلُبْ خَيْرَكَ مِنْ حَيْثُ يَتَقَبَّلُ اَللهُ، وَقَبِلَ اَلْحَسَنُ وَصِيَّتَهُ عَلَى ذَلِكَ.
فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْمِ اَلْأَرْبَعِينَ وَقَدْ طَلَعَ اَلْفَجْرُ مَاتَ اَلْقَاسِمُ (رحمه الله)، فَوَافَاهُ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ يَعْدُو فِي اَلْأَسْوَاقِ حَافِياً حَاسِراً، وَهُوَ يَصِيحُ: وَا سَيِّدَاهْ، فَاسْتَعْظَمَ اَلنَّاسُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَجَعَلَ اَلنَّاسُ يَقُولُونَ: مَا اَلَّذِي تَفْعَلُ بِنَفْسِكَ؟ فَقَالَ: اسْكِنُوا فَقَدْ رَأَيْتُ مَا لَمْ تَرَوْهُ(1029)، وَتَشَيَّعَ وَرَجَعَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَوَقَفَ اَلْكَثِيرَ مِنْ ضِيَاعِهِ.
وَتَوَلَّى أَبُو عَلِيِّ بْنُ جَحْدَرٍ غُسْلَ اَلْقَاسِمِ، وَأَبُو حَامِدٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ اَلمَاءَ، وَكُفِّنَ فِي ثَمَانِيَةِ أَثْوَابٍ عَلَى بَدَنِهِ قَمِيصُ مَوْلَاهُ(1030) أَبِي اَلْحَسَنِ، وَمَا يَلِيهِ اَلسَّبْعَةُ اَلْأَثْوَابِ اَلَّتِي جَاءَتْهُ مِنَ اَلْعِرَاقِ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ وَرَدَ كِتَابُ تَعْزِيَةٍ عَلَى اَلْحَسَنِ مِنْ مَوْلَانَا (عليه السلام)، فِي آخِرِهِ دُعَاءٌ: «أَلْهَمَكَ اَللهُ طَاعَتَهُ، وَجَنَّبَكَ مَعْصِيَتَهُ»، وَهُوَ اَلدُّعَاءُ اَلَّذِي كَانَ دَعَا بِهِ أَبُوهُ، وَكَانَ آخِرُهُ: «قَدْ جَعَلْنَا أَبَاكَ إِمَاماً لَكَ، وَفَعَالَهُ(1031) لَكَ مِثَالاً»(1032).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1027) في بعض النُّسَخ: (فكان).
(1028) في بعض النُّسَخ: (إنْ وهلت).
(1029) في بعض النُّسَخ: (ما لا ترون).
(1030) في بعض النُّسَخ: (مولانا).
(1031) في معجم مقاييس اللغة (ج 4/ ص 511): (الفَعال: الكرم وما يُفعَل من حسن).
(1032) رواه باختلاف ابن حمزة الطوسي (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 590 - 593/ ح 536/2) عن أبي عبد الله الصفواني، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 467 - 470/ ح 14) عن المفيد عن الصفواني، وابن طاوس (رحمه الله) في فرج المهموم (ص 248 - 253) عن الخرائج.
قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 316): (قوله: (وحُجِبَ) أي عن الرؤية. و(الفيج) بالفتح معرَّب (پيك). قوله: (لا يُسمَّى بغيره) أي كان هذا الرسول لا يُسمَّى إلَّا بفيج العراق، أو أنَّه لم يسمعه المبشَّر، بل هكذا عبَّر عنه. قوله: (أفضل من النصف) يصف كبره، أي كان أكبر من نصف ورق مدرج أي مطوي. وقال الجزري: يقال: نكيت في العدوِّ أنكى نكاية، إذا أكثرت فيهم الجراح والقتل فوهنوا لذلك، ويقال: نكأت القرحة أنكؤها، إذا قشَّرتها).

(٣٥٦)

264 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اَلصَّفْوَانِيِّ، قَالَ: وَافَى اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْوَجْنَاءُ اَلنَّصِيبِيُّ(1033) سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَمَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْفَضْلِ اَلمَوْصِلِيُّ، وَكَانَ رَجُلاً شِيعِيًّا غَيْرَ أَنَّهُ يُنْكِرُ وَكَالَةَ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ اَلْأَمْوَالَ تُخْرَجُ فِي غَيْرِ حُقُوقِهَا.
فَقَالَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْوَجْنَاءُ لِمُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ: يَا ذَا اَلرَّجُلُ، اِتَّقِ اَللهَ فَإِنَّ صِحَّةَ وَكَالَةِ أَبِي اَلْقَاسِمِ كَصِحَّةِ وَكَالَةِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ، وَقَدْ كَانَا نَزَلَا بِبَغْدَادَ عَلَى اَلزَّاهِرِ(1034)، وَكُنَّا حَضَرْنَا لِلسَّلَامِ عَلَيْهِمَا، وَكَانَ قَدْ حَضَرَ هُنَاكَ شَيْخٌ لَنَا يُقَالُ لَهُ: أَبُو اَلْحَسَنِ بْنُ ظَفَرٍ، وَأَبُو اَلْقَاسِمِ بْنُ اَلْأَزْهَرِ، فَطَالَ اَلْخِطَابُ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ وَبَيْنَ اَلْحَسَنِ (بْنِ عَلِيٍّ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْفَضْلِ لِلْحَسَنِ)(1035): مَنْ لِي بِصِحَّةِ مَا تَقُولُ وَتُثبِتُ وَكَالَةَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ؟ فَقَالَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْوَجْنَاءُ: أُبَيِّنُ لَكَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ يَثْبُتُ فِي نَفْسِكَ، وَكَانَ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ دَفْتَرٌ كَبِيرٌ فِيهِ وَرَقٌ طَلْحِيٌّ مُجَلَّدٌ بِأَسْوَدَ فِيهِ حُسْبَانَاتُهُ، فَتَنَاوَلَ اَلدَّفْتَرَ اَلْحَسَنُ وَقَطَعَ مِنْهُ نِصْفَ وَرَقَةٍ كَانَ فِيهِ بَيَاضٌ، وَقَالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ: اِبْرُوا لِي قَلَماً، فَبَرَى قَلَماً، وَاِتَّفَقَا عَلَى شَيْءٍ بَيْنَهُمَا لَمْ أَقِفْ أَنَا عَلَيْهِ، وَأَطْلَعَ عَلَيْهِ أَبَا اَلْحَسَنِ بْنَ ظَفَرٍ، وَتَنَاوَلَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْوَجْنَاءُ اَلْقَلَمَ، وَجَعَلَ يَكْتُبُ مَا اِتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي تِلْكَ اَلْوَرَقَةِ بِذَلِكَ اَلْقَلَمِ اَلمَبْرِيِّ بِلَا مِدَادٍ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1033) استظهر السيِّد الخوئي (قدّس سره) في المعجم (ج 6/ ص 141/ ذيل الرقم 3130) بأنَّه متَّحد مع الحسن بن محمّد بن الوجناء النصيبي، وقد تقدَّم ترجمته في ذيل (ح 216).
وفي بعض النُّسَخ: (الحسن بن عليِّ بن الوجناء النصيبي).
(1034) في بعض النُّسَخ: (الداهر).
(1035) ليس في بعض النُّسَخ.

(٣٥٧)

حَتَّى مَلَأَ اَلْوَرَقَةَ، ثُمَّ خَتَمَهُ وَأَعْطَاهُ لِشَيْخٍ كَانَ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ أَسْوَدَ يَخْدُمُهُ، وَأَنْفَذَ بِهَا إِلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ، وَمَعَنَا اِبْنُ اَلْوَجْنَاءِ لَمْ يَبْرَحْ، وَحَضَرَتْ صَلَاةُ اَلظُّهْرِ فَصَلَّيْنَا هُنَاكَ، وَرَجَعَ اَلرَّسُولُ فَقَالَ: قَالَ لِي: اِمْضِ فَإِنَّ اَلْجَوَابَ يَجِيءُ، وَقُدِّمَتِ اَلمَائِدَةُ، فَنَحْنُ فِي اَلْأَكْلِ إِذْ وَرَدَ اَلْجَوَابُ فِي تِلْكَ اَلْوَرَقَةِ(1036) مَكْتُوبٌ بِمِدَادٍ عَنْ فَصْلٍ فَصْلٍ، فَلَطَمَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْفَضْلِ وَجْهَهُ وَلَمْ يَتَهَنَّأْ بِطَعَامِهِ، وَقَالَ لاِبْنِ اَلْوَجْنَاءِ: قُمْ مَعِي، فَقَامَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، وَبَقِيَ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَا سَيِّدِي، أَقِلْنِي أَقَالَكَ اَللهُ، فَقَالَ أَبُو اَلْقَاسِمِ: يَغْفِرُ اَللهُ لَنَا وَلَكَ إِنْ شَاءَ اَللهُ.
265 - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى اَلْعَلَوِيُّ اِبْنُ أَخِي طَاهِرٍ(1037) بِبَغْدَادَ طَرَفَ سُوقِ اَلْقُطْنِ(1038) فِي دَارِهِ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلْعَقِيقِيُّ(1039) بَغْدَادَ(1040) إِلَى عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ الجَرَّاحِ(1041) - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ وَزِيرٌ - فِي أَمْرِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1036) في بعض النُّسَخ: (الرقعة).
(1037) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 64/ الرقم 149): (الحسن بن محمّد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، أبو محمّد، المعروف بابن أخي طاهر...، ومات في شهر ربيع الأوَّل سنة ثماني وخمسين وثلاثمائة).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 422/ الرقم 6086/23) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام)، قائلاً: (صاحب النسب، ابن أخي طاهر).
(1038) في بعض النُّسَخ: (سوق العطس).
(1039) قال المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 162/ الرقم 424/51): (عليُّ بن أحمد العلوي العقيقي، له كُتُب)، وعدَّه (رحمه الله) في رجاله (ص 434/ الرقم 6217/60) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام).
(1040) في كمال الدِّين: (ببغداد في سنة ثمان وتسعين ومائتين).
(1041) هو أبو الحسن عليُّ بن عيسى بن داود بن الجرَّاح البغدادي الكاتب، وزر مرَّات للمقتدر ثمّ للقاهر، وكان محدِّثاً عالماً، وُلِدَ في سنة (245هـ)، وتُوفّي حوالي سنة (335هـ).
راجع: العبر في خبر من غبر (ج 2/ ص 244)، والبداية والنهاية (ج 11/ ص 245 و246).

(٣٥٨)

ضَيْعَةٍ لَهُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَهْلَ بَيْتِكَ فِي هَذَا اَلْبَلَدِ كَثِيرٌ، فَإِنْ ذَهَبْنَا نُعْطِي كُلَّمَا سَأَلُونَا طَالَ ذَلِكَ، أَوْ كَمَا قَالَ، فَقَالَ لَهُ اَلْعَقِيقِيُّ: فَإِنِّي أَسْأَلُ مَنْ فِي يَدِهِ قَضَاءُ حَاجَتِي، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى: مَنْ هُوَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اَللهُ (جَلَّ ذِكْرُهُ)، فَخَرَجَ وَهُوَ مُغْضَبٌ، قَالَ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا أَقُولُ: فِي اَلله عَزَاءٌ مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرَكٌ مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، قَالَ: فَانْصَرَفْتُ، فَجَاءَنِي اَلرَّسُولُ مِنْ عِنْدِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ، فَذَهَبَ مِنْ عِنْدِي، فَأَبْلَغَهُ، فَجَاءَنِي اَلرَّسُولُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَدَد وَوَزْن مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَمِنْدِيلٍ وَشَيْءٍ مِنْ حَنُوطٍ وَأَكْفَانٍ، وَقَالَ لِي: مَوْلَاكَ يُقْرِئُكَ اَلسَّلَامَ، وَيَقُولُ: «إِذَا هَمَّكَ أَمْرٌ أَوْ غَمٌّ فَامْسَحْ بِهَذَا اَلْمِنْدِيلِ وَجْهَكَ، فَإِنَّ هَذَا مِنْدِيلُ مَوْلَاكَ، وَخُذْ هَذِهِ اَلدَّرَاهِمَ وَهَذَا اَلْحَنُوطَ وَهَذِهِ اَلْأَكْفَانَ، وَسَتُقْضَى حَاجَتُكَ فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ، فَإِذَا قَدِمْتَ إِلَى مِصْرَ مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ مِنْ قَبْلِكَ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ مِتَّ بَعْدَهُ، فَيَكُونُ هَذَا كَفَنَكَ، وَهَذَا حَنُوطَكَ، وَهَذَا جَهَازَكَ، فَأَخَذْتُ ذَلِكَ وَحَفِظْتُهُ وَاِنْصَرَفَ اَلرَّسُولُ، وَإِذَا أَنَا بِالمَشَاعِلِ عَلَى بَابِي وَاَلْبَابُ يُدَقُّ، فَقُلْتُ لِغُلَامِي خَيْرٍ: يَا خَيْرُ، اُنْظُرْ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ ذَا؟ فَقَالَ: هَذَا غُلَامُ حُمَيْدِ(1042) بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْكَاتِبِ اِبْنِ عَمِّ اَلْوَزِيرِ، فَأَدْخَلَهُ إِلَيَّ، فَقَالَ لِي: قَدْ طَلَبَكَ اَلْوَزِيرُ، وَيَقُولُ لَكَ مَوْلَايَ حُمَيْدٌ: اِرْكَبْ إِلَيَّ، فَرَكِبْتُ وَفُتِحَتِ اَلشَّوَارِعُ وَاَلدُّرُوبُ، وَجِئْتُ إِلَى شَارِعِ اَلْوَزَّانِينَ، فَإِذَا بِحُمَيْدٍ قَاعِدٌ يَنْتَظِرُنِي، فَلَمَّا رَآنِي أَخَذَ بِيَدِي وَرَكِبْنَا فَدَخَلْنَا عَلَى اَلْوَزِيرِ، فَقَالَ لِيَ اَلْوَزِيرُ: يَا شَيْخُ، قَدْ قَضَى اَللهُ حَاجَتَكَ، وَاِعْتَذَرَ إِلَيَّ، وَدَفَعَ إِلَيَّ اَلْكُتُبَ مَكْتُوبَةً مَخْتُومَةً قَدْ فَرَغَ مِنْهَا، قَالَ: فَأَخَذْتُ ذَلِكَ وَخَرَجْتُ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: فَحَدَّثَنَا أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ اَلْعَقِيقِيُّ بِنَصِيبِينَ بِهَذَا، وَقَالَ لِي: مَا خَرَجَ هَذَا اَلْحَنُوطُ إِلَّا إِلَى عَمَّتِي فُلَانَةَ(1043)، فَلَمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1042) في بعض النُّسَخ: (حمد بن محمّد الكاتب)، وكذا فيما يأتي.
(1043) يحتمل أنْ تكون عمَّته في بيت الحسين بن روح (رحمه الله).

(٣٥٩)

يُسَمِّهَا، وَقَدْ نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَقَدْ قَالَ لِيَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحٍ (رحمه الله): إِنِّي أَمْلِكُ اَلضَّيْعَةَ، وَقَدْ كُتِبَ(1044) لِي بِالَّذِي أَرَدْتُ، فَقُمْتُ(1045) إِلَيْهِ وَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَعَيْنَيْهِ، وَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، أَرِنِي اَلْأَكْفَانَ وَاَلْحَنُوطَ وَاَلدَّرَاهِمَ، قَالَ: فَأَخْرَجَ لِيَ اَلْأَكْفَانَ، فَإِذَا فِيهِ بُرْدُ حِبَرٍ مُسَهَّمٌ(1046) مِنْ نَسْجِ اَلْيَمَنِ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ مَرْوِيٌّ(1047) وَعِمَامَةٌ، وَإِذَا اَلْحَنُوطُ فِي خَرِيطَةٍ، فَأَخْرَجَ اَلدَّرَاهِمَ فَوَزْنُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَدَدُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، هَبْ لِي مِنْهَا دِرْهَماً أَصُوغُهُ خَاتَماً، فَقَالَ: وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ خُذْ مِنْ عِنْدِي مَا شِئْتَ، فَقُلْتُ: أُرِيدُ مِنْ هَذِهِ، وَأَلْحَحْتُ عَلَيْهِ، وَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَعَيْنَيْهِ، فَأَعْطَانِي دِرْهَماً شَدَدْتُهُ فِي مِنْدِيلِي وَجَعَلْتُهُ فِي كُمِّي، فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى اَلْخَانِ فَتَحْتُ زِنْفِيلَجَةً(1048) مَعِي، وَجَعَلْتُ اَلْمِنْدِيلَ فِي اَلزِّنْفِيلَجَةِ وَفِيهِ اَلدِّرْهَمُ مَشْدُودٌ، وَجَعَلْتُ كُتُبِي وَدَفَاتِرِي فِيهَا، وَأَقَمْتُ أَيَّاماً، ثُمَّ جِئْتُ أَطْلُبُ اَلدِّرْهَمَ، فَإِذَا اَلصُّرَّةُ مَصْرُورَةٌ بِحَالِهَا وَلَا شَيْءَ فِيهَا، فَأَخَذَنِي شِبْهُ اَلْوَسْوَاسِ، فَصِرْتُ إِلَى بَابِ اَلْعَقِيقِيِّ، فَقُلْتُ لِغُلَامِهِ خَيْرٍ: أُرِيدُ اَلدُّخُولَ إِلَى اَلشَّيْخِ، فَأَدْخَلَنِي إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: مَا لَكَ، يَا سَيِّدِي؟ فَقُلْتُ: اَلدِّرْهَمُ اَلَّذِي أَعْطَيْتَنِي مَا أَصَبْتُهُ فِي اَلصُّرَّةِ، فَدَعَا بِزِنْفِيلَجَةٍ وَأَخْرَجَ اَلدَّرَاهِمَ، فَإِذَا هِيَ مِائَةٌ عَدَداً وَوَزْناً، وَلَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ أَتَّهِمُهُ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1044) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 339): (قوله: (وقد كُتِبَ) على بناء المجهول ليكون حالاً عن ضمير (أملك)، أو تصديقاً لما أخبر به، أو على بناء المعلوم فالضمير المرفوع راجع إلى الحسين، أي وقد كان كتب مطلبي إلى القائم (عليه السلام)، فلمَّا خرج أخبرني به قبل ردِّ الضيعة).
(1045) هذا من كلام أبي محمّد العلوي.
(1046) في الصحاح للجوهري (ج 5/ ص 1956/ مادَّة سهم): (المسهَّم: البرد المخطَّط).
(1047) نسبة إلى مدينة مرو من بلاد خراسان، ولم يقل: (مروزي)، لأنَّ الزاي تسقط عند نسبة غير العاقل إلى (مرو) وتثبت في العاقل، فيقال: (رجل مروزي) و(ثوب مروي).
(1048) في القاموس المحيط (ج 1/ ص 192): (الزنفيلجة بكسر الزاي وفتح اللَّام، والزنفالجة والزنفليجة كقسطبيلة، شبيه بالكِنف، معرَّب زن بيلة).

(٣٦٠)

فَسَأَلْتُهُ رَدَّهُ إِلَيَّ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مِصْرَ وَأَخَذَ اَلضَّيْعَةَ، وَمَاتَ قَبْلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بِعَشَرَةٍ كَمَا قِيلَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ (رحمه الله) وَكُفِّنَ فِي اَلْأَكْفَانِ اَلَّتِي دُفِعَتْ إِلَيْهِ(1049).
266 - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى اِبْنِ بَابَوَيْهِ وَأَبِي عَبْدِ اَلله اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ أَخِيهِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْأَسْوَدُ(1050) (رحمه الله)، قَالَ: سَأَلَنِي عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ (رضي الله عنه) بَعْدَ مَوْتِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ (قدّس سره) أَنْ أَسْأَلَ أَبَا اَلْقَاسِمِ اَلرَّوْحِيَّ (قَدَّسَ اَللهُ رُوحَهُ) أَنْ يَسْأَلَ مَوْلَانَا صَاحِبَ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) أَنْ يَدْعُوَ اَللهَ أَنْ يَرْزُقَهُ وَلَداً ذَكَراً.
قَالَ: فَسَأَلْتُهُ، فَأَنْهَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَخْبَرَنِي بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَنَّهُ قَدْ دَعَا لِعَلِيِّ اِبْنِ اَلْحُسَيْنِ (رحمه الله)، فَإِنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ مُبَارَكٌ يَنْفَعُ اَللهُ بِهِ، وَبَعْدَهُ أَوْلَادٌ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْأَسْوَدُ: وَسَأَلْتُهُ فِي أَمْرِ نَفْسِي أَنْ يَدْعُوَ لِي أَنْ أُرْزَقَ وَلَداً (ذَكَراً)، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَيْهِ، وَقَالَ لِي: لَيْسَ إِلَى هَذَا سَبِيلٌ.
قَالَ: فَوُلِدَ لِعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (رضي الله عنه) تِلْكَ اَلسَّنَةَ اِبْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَبَعْدَهُ أَوْلَادٌ، وَلَمْ يُولَدْ لِي.
قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ بَابَوَيْهِ: وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْأَسْوَدُ كَثِيراً مَا يَقُولُ لِي - إِذَا رَآنِي أَخْتَلِفُ إِلَى مَجْلِسِ شَيْخِنَا مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ (رضي الله عنه) وَأَرْغَبُ فِي كَتْبِ اَلْعِلْمِ وَحِفْظِهِ -: لَيْسَ بِعَجَبٍ أَنْ تَكُونَ لَكَ هَذِهِ اَلرَّغْبَةُ فِي اَلْعِلْمِ وَأَنْتَ وُلِدْتَ بِدُعَاءِ اَلْإِمَامِ (عليه السلام)(1051).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1049) كمال الدِّين (ص 505 و506/ باب 45/ ح 36).
(1050) في بعض النُّسَخ: (أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن الأسود).
(1051) كمال الدِّين (ص 502 و503/ باب 45/ ح 31)؛ ورواه الشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 268 و269) عن ابن بابويه، وابن حمزة الطوسي (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 614/ ح 560/8) صدره، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1124/ ح 43) مختصراً.

(٣٦١)

267 - وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله بْنُ بَابَوَيْهِ: عَقَدْتُ اَلمَجْلِسَ وَلِي دُونَ اَلْعِشْرِينَ سَنَةً، فَرُبَّمَا كَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْأَسْوَدُ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَى إِسْرَاعِي فِي اَلْأَجْوِبَةِ فِي اَلْحَلَالِ وَاَلْحَرَامِ يُكْثِرُ اَلتَّعَجُّبَ لِصِغَرِ سِنِّي، ثُمَّ يَقُولُ: لَا عَجَبَ لِأَنَّكَ وُلِدْتَ بِدُعَاءِ اَلْإِمَامِ (عليه السلام).
268 - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَتيل، قَالَ: كَانَتِ اِمْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا: زَيْنَبُ مِنْ أَهْلِ آبَةَ، وَكَانَتِ اِمْرَأَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عِبْدِيلٍ(1052) اَلْآبِيِّ، مَعَهَا ثَلَاثُمِائَةِ دِينَارٍ، فَصَارَتْ إِلَى عَمِّي جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَتيل، وَقَالَتْ: أُحِبُّ أَنْ يُسَلَّمَ هَذَا اَلمَالُ مِنْ يَدِي إِلَى يَدِ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: فَأَنْفَذَنِي مَعَهَا أُتَرْجِمُ عَنْهَا، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) أَقْبَلَ عَلَيْهَا بِلِسَانٍ آبِيٍّ فَصِيحٍ، فَقَالَ لَهَا: (زينب چونا چون بدا(1053) كوليه جونسته)، وَمَعْنَاهُ: كَيْفَ أَنْتِ؟ وَكَيْفَ كُنْتِ؟ وَمَا خَبَرُ صِبْيَانِكِ؟ فَاسْتَغْنَتْ مِنَ اَلتَّرْجُمَةِ، وَسَلَّمَتِ اَلمَالَ وَرَجَعَتْ(1054).
269 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى اِبْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ اَلطَّالَقَانِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) مَعَ جَمَاعَةٍ فِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى اَلْقَصْرِيُّ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ لَهُ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ، وَذَكَرَ مَسَائِلَ ذَكَرْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا اَلمَوْضِعِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1052) في بعض النُّسَخ: (غنديل)؛ والآبي نسبة إلى آبة بلدة المرأة المذكورة، وهي قرية من قرى ساوه. راجع: معجم البلدان (ج 1/ ص 50).
(1053) في بعض النُّسَخ: (چوني چون بدى)، وهو الأصحّ، وفي كمال الدِّين: (چوني چونا چويدا كواندچون استه).
(1054) كمال الدِّين (ص 503 و504/ باب 45/ ح 34)، عنه الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1121/ ح 38).

(٣٦٢)

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ: فَعُدْتُ إِلَى اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) مِنَ اَلْغَدِ، وَأَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي: أَتَرَاهُ ذَكَرَ لَنَا أَمْسِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ؟ فَابْتَدَأَنَا فَقَالَ: يَا مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، لَئِنْ أَخِرَّ مِنَ اَلسَّمَاءِ فَتَخْطَفَنِي اَلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِيَ اَلرِّيحُ مِنْ مَكَانٍ سَحِيقٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ فِي دِينِ اَلله (عزَّ وجلَّ) بِرَأْيِي وَمِنْ عِنْدِ نَفْسِي، بَلْ ذَلِكَ عَنِ اَلْأَصْلِ، وَمَسْمُوعٌ مِنَ اَلْحُجَّةِ (عليه السلام)(1055).
270 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا اَلمُقِيمِينَ كَانُوا بِبَغْدَادَ فِي اَلسَّنَةِ اَلَّتِي خَرَجَتِ اَلْقَرَامِطَةُ(1056) عَلَى اَلْحَاجِّ، وَهِيَ سَنَةُ تَنَاثُرِ اَلْكَوَاكِبِ أَنَّ وَالِدِي (رضي الله عنه) كَتَبَ إِلَى اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) يَسْتَأْذِنُ فِي اَلْخُرُوجِ إِلَى اَلْحَجِّ، فَخَرَجَ فِي اَلْجَوَابِ: «لَا تَخْرُجْ فِي هَذِهِ اَلسَّنَةِ»، فَأَعَادَ، فَقَالَ: هُوَ نَذْرٌ وَاجِبٌ، أَفَيَجُوزُ لِيَ اَلْقُعُودُ عَنْهُ؟ فَخَرَجَ اَلْجَوَابُ: «إِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَكُنْ فِي اَلْقَافِلَةِ اَلْأَخِيرَةِ»، فَكَانَ فِي اَلْقَافِلَةِ اَلْأَخِيرَةِ فَسَلِمَ بِنَفْسِهِ وَقُتِلَ مَنْ تَقَدَّمَهُ فِي اَلْقَوَافِلِ اَلْأُخَرِ.
271 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَمَّارُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ إِسْحَاقَ اَلْأُسْرُوشَنِيُّ(1057)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اَلْعَبَّاسِ أَحْمَدُ اِبْنُ اَلْحَسَنِ(1058) بْنِ أَبِي صَالِحٍ اَلْخُجَنْدِيُّ(1059) وَكَانَ قَدْ أَلَحَّ فِي اَلْفَحْصِ وَاَلطَّلَبِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1055) يأتي بتمامه في (ح 273).
(1056) هم فرقة من الشيعة الإسماعيليَّة المباركيَّة، فرقة باطنيَّة نظَّمت نفسها تنظيماً دقيقاً. قالوا بأنَّ الإمام بعد جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) هو محمّد بن إسماعيل بن جعفر، وهو الإمام القائم المهدي، وهو رسول، وهو حيٌّ لم يمت، وأنَّه في بلاد الروم، وأنَّه من أُولي العزم، تمكَّنوا من إنشاء دولتهم في البحرين، ثمّ توسَّعوا غرباً حتَّى وصلوا إلى بلاد الشام في سنة (288هـ).
(1057) في بعض النُّسَخ: (الأسروسني)، وفي بعضها: (الأشروسي).
(1058) في بعض النُّسَخ: (الحسن).
(1059) في بعض النُّسَخ: (الجحدري خ ل).

(٣٦٣)

وَسَارَ فِي اَلْبِلَادِ، وَكَتَبَ عَلَى يَدِ اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) إِلَى اَلصَّاحِبِ (عليه السلام) يَشْكُو تَعَلُّقَ قَلْبِهِ وَاِشْتِغَالَهُ بِالْفَحْصِ وَاَلطَّلَبِ، وَيَسْأَلُ اَلْجَوَابَ بِمَا تَسْكُنُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، وَيَكْشِفُ لَهُ عَمَّا يَعْمَلُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيَّ تَوْقِيعٌ نُسْخَتُهُ: «مَنْ بَحَثَ فَقَدْ طَلَبَ، وَمَنْ طَلَبَ فَقَدْ دَلَّ(1060)، وَمَنْ دَلَّ فَقَدْ أَشَاطَ، وَمَنْ أَشَاطَ فَقَدْ أَشْرَكَ»، قَالَ: فَكَفَفْتُ عَنِ اَلطَّلَبِ، وَسَكَنَتْ نَفْسِي، وَعُدْتُ إِلَى وَطَنِي مَسْرُوراً، وَاَلْحَمْدُ لِله(1061).
272 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلزُّرَارِيِّ، قَالَ: جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدَةِ أَبِي اَلْعَبَّاسِ - يَعْنِي اِبْنَهُ - مِنَ اَلْخُصُومَةِ وَاَلشَّرِّ أَمْرٌ عَظِيمٌ مَا لَا يَكَادُ أَنْ يَتَّفِقَ، وَتَتَابَعَ ذَلِكَ وَكَثُرَ إِلَى أَنْ ضَجِرْتُ بِهِ، وَكَتَبْتُ عَلَى يَدِ أَبِي جَعْفَرٍ أَسْأَلُ اَلدُّعَاءَ، فَأَبْطَأَ عَنِّي اَلْجَوَابُ مُدَّةً، ثُمَّ لَقِيَنِي أَبُو جَعْفَرٍ فَقَالَ: قَدْ وَرَدَ جَوَابُ مَسْأَلَتِكَ، فَجِئْتُهُ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ مُدْرَجاً، فَلَمْ يَزَلْ يُدْرِجُهُ إِلَى أَنْ أَرَانِي فَصْلاً مِنْهُ، فِيهِ: «وَأَمَّا اَلزَّوْجُ وَاَلزَّوْجَةُ فَأَصْلَحَ اَللهُ بَيْنَهُمَا»، فَلَمْ تَزَلْ عَلَى حَالِ اَلاِسْتِقَامَةِ، وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَنَا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ يَجْرِي، وَقَدْ كُنْتُ أَتَعَمَّدُ مَا يُسْخِطُهَا فَلَا يَجْرِي [فِيهِ](1062) مِنْهَا شَيْءٌ، هَذَا مَعْنَى لَفْظِ أَبِي غَالِبٍ (رضي الله عنه) أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ.
قَالَ اِبْنُ نُوحٍ: وَكَانَ عِنْدِي أَنَّهُ كَتَبَ عَلَى يَدِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ أَبِي اَلْعَزَاقِرِ - قَبْلَ تَغَيُّرِهِ وَخُرُوجِ لَعْنِهِ عَلَى مَا حَكَاهُ اِبْنُ عَيَّاشٍ - إِلَى أَنْ حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ (سَمِعَ ذَلِكَ مَعِي)(1063) أَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى أَبَا جَعْفَرٍ اَلزجوزجيَّ (رضي الله عنه)، وَأَنَّ اَلْكِتَابَ إِنَّمَا كَانَ مِنَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1060) في بعض النُّسَخ: (ذلَّ).
(1061) كمال الدِّين (ص 509/ باب 45/ ح 39) باختلاف.
(1062) من بعض النُّسَخ.
(1063) ليس في بعض النُّسَخ.

(٣٦٤)

اَلْكُوفَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا غَالِبٍ قَالَ لَنَا: كُنَّا نَلْقَى أَبَا اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنَ بْنَ رَوْحٍ (رضي الله عنه) قَبْلَ أَنْ يُقْضَى(1064) اَلْأَمْرُ إِلَيْهِ صِرْنَا نَلْقَى أَبَا جَعْفَرِ بْنَ اَلشَّلْمَغَانِيَّ وَلَا نَلْقَاهُ.
وحدَّثنا بهاتين الحكايتين مذاكرةً لم أُقيِّدهما بالكتابة وقيدهما غيري، إلَّا أنَّه كان يُكثِر ذكرهما والحديث بهما حتَّى سمعتهما منه ما لا أُحصي، والحمد لله شكراً دائماً، وصلَّى الله على محمّد وآله وسلَّم(1065).
273 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ اَلطَّالَقَانِيُّ (رحمه الله)، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) مَعَ جَمَاعَةٍ، [مِنْهُمْ](1066) عَلِيُّ بْنُ عِيسَى اَلْقَصْرِيُّ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ لَهُ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ، فَقَالَ اَلرَّجُلُ: أَخْبِرْنِي عَنِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) أَهُوَ وَلِيُّ اَلله؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَاتِلِهِ (لَعَنَهُ اَللهُ) أَهُوَ عَدُوُّ اَلله؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ اَلرَّجُلُ: فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّطَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) عَدُوَّهُ عَلَى وَلِيِّهِ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو اَلْقَاسِمِ (قدّس سره): اِفْهَمْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ، اِعْلَمْ أَنَّ اَللهَ تَعَالَى لَا يُخَاطِبُ اَلنَّاسَ بِمُشَاهَدَةِ اَلْعَيَانِ، وَلَا يُشَافِهُهُمْ بِالْكَلَامِ، وَلَكِنَّهُ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ رُسُلاً(1067) مِنْ أَجْنَاسِهِمْ وَأَصْنَافِهِمْ بَشَراً مِثْلَهُمْ، وَلَوْ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رُسُلاً مِنْ غَيْرِ صِفَتِهِمْ وَصُوَرِهِمْ لَنَفَرُوا عَنْهُمْ وَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُمْ، فَلَمَّا جَاءُوهُمْ وَكَانُوا مِنْ جِنْسِهِمْ يَأْكُلُونَ وَيَمْشُونَ فِي اَلْأَسْواقِ، قَالُوا لَهُمْ: أَنْتُمْ مِثْلُنَا لَا نَقْبَلُ مِنْكُمْ حَتَّى تَأْتُوا بِشَيْءٍ نَعْجِزُ عَنْ أَنْ نَأْتِيَ بِمِثْلِهِ، فَنَعْلَمَ أَنَّكُمْ مَخْصُوصُونَ دُونَنَا بِمَا لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) لَهُمُ اَلمُعْجِزَاتِ اَلَّتِي يَعْجِزُ اَلْخَلْقُ عَنْهَا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1064) في بعض النُّسَخ: (يفضي).
(1065) تقدَّم ما يشبه القضيَّة في (ح 257).
(1066) ليس في بعض النُّسَخ.
(1067) في بعض النُّسَخ: (رسولاً).

(٣٦٥)

فَمِنْهُمْ مَنْ جَاءَ بِالطُّوفَانِ بَعْدَ اَلْإِعْذَارِ وَاَلْإِنْذَارِ، فَفَرَّقَ جَمِيعَ مَنْ طَغَى وَتَمَرَّدَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أُلْقِيَ فِي اَلنَّارِ فَكَانَتْ عَلَيْهِ بَرْداً وَسَلَاماً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخْرَجَ مِنَ اَلْحَجَرِ اَلصَّلْدِ اَلنَّاقَةَ وَأَجْرَى مِنْ ضَرْعِهَا لَبَناً، وَمِنْهُمْ مَنْ فَلَقَ لَهُ اَلْبَحْرَ، وَفَجَّرَ لَهُ (مِنَ اَلْحَجَرِ) اَلْعُيُونَ، وَجَعَلَ لَهُ اَلْعَصَا اَلْيَابِسَةَ ثُعْبَاناً تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْرَأَ اَلْأَكْمَهَ وَاَلْأَبْرَصَ، وَأَحْيَا اَلمَوْتَى بِإِذْنِ اَلله، وَأَنْبَأَهُمْ بِمَا يَأْكُلُونَ وَمَا يَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنِ اِنْشَقَّ لَهُ اَلْقَمَرُ، وَكَلَّمَتْهُ اَلْبَهَائِمُ مِثْلَ اَلْبَعِيرِ وَاَلذِّئْبِ وَغَيْرِ ذلك.
فَلَمَّا أَتَوْا بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَعَجَزَ اَلْخَلْقُ مِنْ أُمَمِهِمْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ كَانَ مِنْ تَقْدِيرِ اَلله (جلَّ جلاله) وَلُطْفِهِ بِعِبَادِهِ وَحِكْمَتِهِ أَنْ جَعَلَ أَنْبِيَاءَهُ مَعَ هَذِهِ اَلمُعْجِزَاتِ فِي حَالٍ غَالِبِينَ وَأُخْرَى مَغْلُوبِينَ، وَفِي حَالٍ قَاهِرِينَ وَأُخْرَى مَقْهُورِينَ، وَلَوْ جَعَلَهُمْ (عزَّ وجلَّ) فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ غَالِبِينَ وَقَاهِرِينَ وَلَمْ يَبْتَلِهِمْ وَلَمْ يَمْتَحِنْهُمْ لَاتَّخَذَهُمُ اَلنَّاسُ آلِهَةً مِنْ دُونِ اَلله (عزَّ وجلَّ)، وَلَمَا عُرِفَ فَضْلُ صَبْرِهِمْ عَلَى اَلْبَلَاءِ وَاَلْمِحَنِ وَاَلاِخْتِبَارِ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ أَحْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ كَأَحْوَالِ غَيْرِهِمْ، لِيَكُونُوا فِي حَالِ اَلْمِحْنَةِ وَاَلْبَلْوَى صَابِرِينَ، وَفِي حَالِ اَلْعَافِيَةِ وَاَلظُّهُورِ عَلَى اَلْأَعْدَاءِ شَاكِرِينَ، وَيَكُونُوا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ مُتَوَاضِعِينَ غَيْرَ شَامِخِينَ وَلَا مُتَجَبِّرِينَ، وَلِيَعْلَمَ اَلْعِبَادُ أَنَّ لَهُمْ (عليهم السلام) إِلَهاً هُوَ خَالِقُهُمْ وَمُدَبِّرُهُمْ، فَيَعْبُدُوهُ وَيُطِيعُوا رُسُلَهُ، وَيَكُونُوا حُجَّةً لِله ثَابِتَةً عَلَى مَنْ تَجَاوَزَ اَلْحَدَّ فِيهِمْ وَاِدَّعَى لَهُمُ اَلرُّبُوبِيَّةَ، أَوْ عَانَدَ وَخَالَفَ وَعَصَى، وَجَحَدَ بِمَا أَتَتْ بِهِ اَلْأَنْبِيَاءُ وَاَلرُّسُلُ، وَ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: 42].
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ (رضي الله عنه): فَعُدْتُ إِلَى اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (قدّس سره) مِنَ اَلْغَدِ وَأَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي: أَتَرَاهُ ذَكَرَ لَنَا يَوْمَ أَمْسِ [مِنْ] عِنْدِ نَفْسِهِ؟ فَابْتَدَأَنِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، لَئِنْ أَخِرَّ مِنَ اَلسَّمَاءِ فَتَخْطَفَنِي اَلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِيَ اَلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ فِي دِينِ اَلله بِرَأْيِي

(٣٦٦)

وَمِنْ عِنْدِ نَفْسِي، بَلْ ذَلِكَ مِنَ اَلْأَصْلِ، وَمَسْمُوعٌ مِنَ اَلْحُجَّةِ (صَلَوَاتُ اَلله وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ)(1068).
وقد ذكرنا طرفاً من الأخبار الدالَّة على إمامة ابن الحسن (عليه السلام) وثبوت غيبته ووجود عينه، لأنَّها أخبار تضمَّنت الإخبار بالغايبات وبالشيء قبل كونه على وجه خارق للعادة، لا يعلم ذلك إلَّا من أعلمه الله على لسان نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ووصل إليه مِن جهة مَن دلَّ الدليل على صدقه، ولولا صدقهم لما كان كذلك، لأنَّ المعجزات لا تظهر على يد الكذَّابين، وإذا ثبت صدقهم دلَّ على وجود من أسندوا ذلك إليه، ولم نستوفِ ما ورد في هذا المعنى لئلَّا يطول به الكتاب، وهو موجود في الكُتُب.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1068) كمال الدِّين (ص 507 - 509/ باب 45/ ح 37)، علل الشرائع (ج 1/ ص 241 - 243/ باب 177/ ح 1)، عنه الاحتجاج (ج 2/ ص 285 - 288).
وتقدَّم قطعة منه في (ح 269).

(٣٦٧)

فصل: في ذكر العلَّة المانعة لصاحب الأمر (عليه السلام) من الظهور:
لا علَّة تمنع من ظهوره إلَّا خوفه على نفسه من القتل، لأنَّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار، وكان يتحمَّل المشاقَّ والأذى، فإنَّ منازل الأئمَّة وكذلك الأنبياء (عليهم السلام) إنَّما تعظم لتحمُّلهم المشاقَّ العظيمة في ذات الله تعالى.
فإنْ قيل: هلَّا منع الله من قتله بما يحول بينه وبين من يريد قتله؟
قلنا: المنع الذي لا ينافي التكليف هو النهي عن خلافه، والأمر بوجوب اتِّباعه ونصرته، والتزام الانقياد له، وكلُّ ذلك فعله تعالى، وأمَّا الحيلولة بينهم وبينه فإنَّه ينافي التكليف، وينقض الغرض به، لأنَّ الغرض بالتكليف استحقاق الثواب، والحيلولة ينافي ذلك، وربَّما كان في الحيلولة والمنع من قتله بالقهر مفسدة للخلق، فلا يحسن من الله فعلها.
وليس هذا كما قال بعض أصحابنا: إنَّه لا يمتنع أنْ يكون في ظهوره مفسدة وفي استتاره مصلحة، لأنَّ الذي قاله يُفسِد طريق وجوب الرسالة في كلِّ حال، وتطرُّق(1069) القول بأنَّها تجري مجرى الألطاف التي تتغيَّر بالأزمان والأوقات، والقهر والحيلولة ليس كذلك. ولا يمتنع أنْ يقال: [إنَّ] في ذلك مفسدة، ولا يُؤدِّي إلى إفساد(1070) وجوب الرئاسة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1069) في بعض النُّسَخ: (يطرق).
(1070) في بعض النُّسَخ: (فساد).

(٣٧١)

إنْ قيل: أليس آباؤه (عليهم السلام) كانوا ظاهرين ولم يخافوا ولا صاروا بحيث لا يصل إليهم أحد؟
قلنا: آباؤه (عليهم السلام) حالهم بخلاف حاله، لأنَّه كان المعلوم من حال آبائه لسلاطين الوقت وغيرهم أنَّهم لا يرون الخروج عليهم، ولا يعتقدون أنَّهم يقومون بالسيف ويزيلون الدول، بل كان المعلوم من حالهم أنَّهم ينتظرون مهديًّا لهم، وليس يضرُّ السلطان اعتقاد من يعتقد إمامتهم إذا أمنوهم على مملكتهم ولم يخافوا جانبهم.
وليس كذلك صاحب الزمان (عليه السلام)، لأنَّ المعلوم منه أنَّه يقوم بالسيف ويزيل الممالك ويقهر كلَّ سلطان ويبسط العدل ويميت الجور، فمن هذه صفته يُخاف جانبه ويُتَّقى فورته، فيُتتبَّع ويُرصَد، ويُوضَع العيون عليه، ويُعنى به خوفاً من وثبته وريبةً(1071) من تمكُّنه، فيخاف حينئذٍ، ويُحوَج إلى التحرُّز والاستظهار بأنْ يُخفي شخصه عن كلِّ من لا يأمنه من وليٍّ وعدوٍّ إلى وقت خروجه.
وأيضاً فآباؤه (عليهم السلام) إنَّما ظهروا لأنَّه كان المعلوم أنَّه لو حدث بهم حادث لكان هناك من يقوم مقامه ويسدُّ مسدَّه من أولادهم، وليس كذلك صاحب الزمان (عليه السلام)، لأنَّ المعلوم أنَّه ليس بعده من يقوم مقامه قبل حضور وقت قيامه بالسيف، فلذلك وجب استتاره وغيبته، وفارق حاله حال آبائه (عليهم السلام)، وهذا واضح بحمد الله.
فإنْ قيل: بأيِّ شيء يعلم زوال الخوف وقت ظهوره، أبوحي من الله؟ فالإمام لا يُوحى إليه، أو بعلم ضروري؟ فذلك ينافي التكليف، أو بأمارة توجب عليه الظنَّ؟ ففي ذلك تغرير بالنفس.
قلنا: عن ذلك جوابان:
أحدهما: أنَّ الله تعالى أعلمه على لسان نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأوقفه عليه من جهة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1071) في بعض النُّسَخ: (رهبته).

(٣٧٢)

آبائه (عليهم السلام) زمان غيبته المخوفة، وزمان زوال الخوف عنه، فهو يتَّبع في ذلك ما شُرِّع له وأُوقف(1072) عليه، وإنَّما أُخفي ذلك عنَّا لما فيه من المصلحة، فأمَّا هو فهو عالم(1073) به لا يرجع [فيه] إلى الظنِّ.
والثاني: أنَّه لا يمتنع أنْ يغلب على ظنِّه بقوَّة الأمارات بحسب العادة قوَّة سلطانه، فيظهر عند ذلك، ويكون قد أُعلم أنَّه متى غلب في(1074) ظنِّه كذلك وجب عليه، ويكون الظنُّ شرطاً والعمل عنده معلوماً، كما نقوله في تنفيذ الحكم عند شهادة الشهود(1075)، والعمل على جهات القبلة بحسب الأمارات والظنون(1076)، وإنْ كان وجوب التنفيذ للحكم والتوجُّه إلى القبلة معلومين، وهذا واضح بحمد الله.
وقد ورد بهذه الجملة التي ذكرناها أيضاً أخبار تعضد ما قلناه، نذكر طرفاً منها ليُستأنس به إنْ شاء الله تعالى:
274 - أَخْبَرَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ اَلنَّيْشَابُورِيِّ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: إِنَّ لِلْقَائِمِ غَيْبَةً قَبْلَ ظُهُورِهِ، قُلْتُ: [وَ](1077) لِمَ؟ قَالَ: يَخَافُ اَلْقَتْلَ(1078).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1072) في بعض النُّسَخ: (وقف).
(1073) في بعض النُّسَخ: (فعالم) بدل (فهو عالم).
(1074) في بعض النُّسَخ: (على ظنِّه).
(1075) راجع: وسائل الشيعة (ج 18/ أبواب كيفيَّة الحكم وأحكام الدعوى).
(1076) راجع: وسائل الشيعة (ج 3/ أبواب القبلة).
(1077) من بعض النُّسَخ.
(1078) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 183/ باب 10/ فصل 4/ ح 21) بإسناده عن زرارة باختلاف وزيادة، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 481/ باب 44/ ح 7 و9) بإسناده عن زرارة، وفي علل الشرائع (ج 1/ ص 246/ باب 179/ ح 9) بإسناده عن ابن محبوب.

(٣٧٣)

275 - وَرُوِيَ أَنَّ فِي صَاحِبِ اَلْأَمْرِ (عليه السلام) سُنَّةً مِنْ مُوسَى (عليه السلام)، قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: دَامَ خَوْفُهُ وَغَيْبَتُهُ مَعَ اَلْوُلَاةِ إِلَى أَنْ أَذِنَ اَللهُ تَعَالَى بِنَصْرِهِ(1079).
وَلِمِثْلِ ذَلِكَ اِخْتَفَى رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي اَلشِّعْبِ تَارَةً، وَأُخْرَى فِي اَلْغَارِ، وَقَعَدَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَنِ اَلمُطَالَبَةِ بِحَقِّهِ.
276 - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «اِكْتَتَمَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِمَكَّةَ مُسْتَخْفِياً خَائِفاً خَمْسَ سِنِينَ، لَيْسَ يَظْهَرُ، وَعَلِيٌّ (عليه السلام) مَعَهُ وَخَدِيجَةُ، ثُمَّ أَمَرَهُ اَللهُ تَعَالَى أَنْ يَصْدَعَ بِمَا يُؤْمَرُ(1080)، فَظَهَرَ وَأَظْهَرَ(1081) أَمْرَهُ(1082).
277 - سَعْدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اَلله بْنِ عَلِيٍّ اَلْحَلَبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «مَكَثَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِمَكَّةَ بَعْدَمَا جَاءَهُ اَلْوَحْيُ عَنِ اَلله تَعَالَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، مِنْهَا ثَلَاثُ سِنِينَ مُسْتَخْفِياً خَائِفاً لَا يَظْهَرُ حَتَّى أَمَرَهُ اَللهُ تَعَالَى أَنْ يَصْدَعَ بِمَا يُؤْمَرُ، فَأَظْهَرَ حِينَئِذٍ اَلدَّعْوَةَ»(1083).
278 - وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى اَلْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1079) هذه الرواية مضمون ما رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 327 و328/ باب 32/ ح 7).
(1080) في بعض النُّسَخ: (تؤمر).
(1081) في بعض النُّسَخ: (ظهر).
(1082) رواه باختلاف العيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 2/ ص 253/ ح 47) عن محمّد بن عليٍّ الحلبي، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 344/ باب 33/ ح 28) بإسناده عن صفوان بن يحيى.
(1083) رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 344 و345/ باب 33/ ح 29) بإسناده عن الحسن بن محبوب.

(٣٧٤)

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى اَلْخَثْعَمِيِّ(1084)، عَنْ ضُرَيْسٍ اَلْكُنَاسِيِّ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ اَلْكَابُلِيِّ فِي حَدِيثٍ لَهُ اِخْتَصَرْنَاهُ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنْ يُسَمِّيَ اَلْقَائِمَ حَتَّى أَعْرِفَهُ بِاسْمِهِ، فَقَالَ: «يَا بَا خَالِدٍ، سَأَلْتَنِي عَنْ أَمْرٍ لَوْ أَنَّ بَنِي فَاطِمَةَ عَرَفُوهُ لَحَرَصُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعُوهُ بَضْعَةً بَضْعَةً»(1085).
279 - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ خَالِدِ بْنِ نَجِيحٍ(1086)، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله(عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْغُلَامِ(1087) غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ»، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: «يَخَافُ - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى بَطْنِهِ -»، ثُمَّ قَالَ: «يَا زُرَارَةُ، وَهُوَ اَلمُنْتَظَرُ، وَهُوَ اَلَّذِي يَشُكُّ اَلنَّاسُ فِي وِلَادَتِهِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِذَا مَاتَ أَبُوهُ فَلَا خَلَفَ لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ حَمْلٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ غَائِبٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: [مَا وُلِدَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ](1088): قَدْ وُلِدَ قَبْلَ وَفَاةِ أَبِيهِ بِسَنَتَيْنِ، وَهُوَ اَلمُنْتَظَرُ غَيْرَ أَنَّ اَللهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يَمْتَحِنَ اَلشِّيعَةَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَابُ اَلمُبْطِلُونَ».
قَالَ: فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَإِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ اَلزَّمَانَ فَأَيَّ شَيْءٍ أَعْمَلُ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1084) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 359/ الرقم 963): (محمّد بن يحيى بن سلمان (سليمان) الخثعمي، أخو مغلس، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب).
(1085) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 299 و300/ باب 16/ ح 2) بإسناده عن محمّد بن سنان.
وهذا الخبر يدلُّ على أنَّه (عليه السلام) علم من عند الله تعالى أنَّ الناس لا ينتظرون دولة القائم (عجَّل الله فرجه)، بل أكثرهم يبغضون شخصه فضلاً عن دولته وسلطانه حتَّى إنَّ في بني فاطمة (عليها السلام) جماعة لو عرفوه باسمه لقتلوه.
(1086) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 150/ الرقم 391): (خالد بن نجيح الجوان، مولى، كوفي، يُكنَّى أبا عبد الله، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)).
عنونه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 31)، والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 198/ الرقم 2492/7).
(1087) في بعض النُّسَخ: (للغلام (للقائم خ ل)).
(1088) من كمال الدِّين.

(٣٧٥)

فَقَالَ: «يَا زُرَارَةُ، إِنْ أَدْرَكْتَ ذَلِكَ اَلزَّمَانَ فَادْعُ بِهَذَا اَلدُّعَاءِ: اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ...» إِلَى آخِرِهِ(1089)،(1090).
280 - وَرَوَى سُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ اَلْهِلَالِيُّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْأَنْصَارِيِّ وَعَبْدِ اَلله بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي وَصِيَّتِهِ لِأَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ: «يَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1089) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 337 و342/ باب في الغيبة/ ح 5 و29)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 170 و171/ باب 10/ فصل 3/ ح 6) بسندين، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 342 و343/ باب 33/ ح 24) بأسانيد ثلاثة، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 237 و238) عن أحمد بن محمّد بن عيسى.
(1090) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 254): (قوله: (حمل) أي هو حمل عند موت أبيه كما روي أنَّ السلطان وكَّل القوابل على نساء الحسن العسكري (عليه السلام) وإمائه بعد موته ليعرفن الحوامل. قوله: (ومنهم من يقول: إنَّه وُلِدَ قبل موت أبيه بسنتين) الذي يظهر من تاريخ تولُّده وتاريخ موت أبيه (عليهما السلام) أنَّه وُلِدَ قبل موت أبيه بثلاث سنين وسبعة أشهر إلَّا ثمانية أيَّام. قوله: (فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة، إذا أدركت ذلك الزمان) المراد بالمبطلين المائلون إلى البطلان والفساد، وهم الذين قلوبهم مريضة، وعقولهم عليلة، وإيمانهم مستودع، وميثاقهم متزلزل، وعقائدهم كبيت نسجته العنكبوت يخرقها ريح البليَّات ويُطيِّرها صرصر الشُّبُهات. وفي بعض النُّسَخ المصحَّحة: (فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة، قال: قلت: جُعلت فداك، إنْ أدركت ذلك الزمان أيَّ شيء أعمل؟ قال: يا زرارة إذا أدركت ذلك الزمان...) إلى آخره. قوله: (اللَّهُمَّ عرِّفني نفسك فإنَّك إنْ لم تُعرِّفني نفسك لم أعرف نبيَّك) سيأتي الدعاء في حال الغيبة عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): «اللَّهُمَّ عرِّفني نفسك فإنَّك إنْ لم تُعرِّفني نفسك لم أعرفك، اللَّهُمَّ عرِّفني نبيَّك فإنَّك إنْ لم تُعرِّفني نبيَّك لم أعرفه قطُّ، اللَّهُمَّ عرِّفني حجَّتك فإنَّك إنْ لم تُعرِّفني حجَّتك ضللتُ عن ديني»، وهذا أظهر من المذكور، ولا بدَّ في الجمع من القول باختلاف القضيَّة بأنْ يكون أحدهما مرويًّا في وقت غير وقت الآخر، أو القول بأنَّ الاختلاف وقع من جهة الراوي، ولعلَّ الوجه في الأوَّل أنَّ معرفة الربِّ إنَّما يتحقَّق بمعرفته على وجه يليق به، وهي معرفته بصفات ذاته وأفعاله ومن جملتها إرسال النبيِّ، فلو لم يُعرِّف الربُّ نفسه للعبد لم يعرف العبد نبيَّه كما لم يعرف الله، وقس عليه ما يتلوه، وفيه دلالة على أنَّ المعرفة موهبيَّة، كما دلَّ عليه أيضاً صريح بعض الروايات وقد أوضحناه سابقاً).

(٣٧٦)

أَخِي، إِنَّ قُرَيْشاً سَتَظَاهَرُ عَلَيْكَ، وَتَجْتَمِعُ(1091) كَلِمَتُهُمْ عَلَى ظُلْمِكَ وَقَهْرِكَ، فَإِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَجَاهِدْهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ يَدَكَ وَاِحْقِنْ دَمَكَ، فَإِنَّ اَلشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ»(1092).
[الأخبار الواردة في امتحان الشيعة في حال الغيبة، وصعوبة الأمر عليهم، واختبارهم للصبر عليه]:
وأمَّا ما روي من الأخبار من امتحان الشيعة في حال الغيبة، وصعوبة الأمر عليهم، واختبارهم للصبر عليه، فالوجه فيها الإخبار عمَّا يتَّفق من ذلك من الصعوبة والمشاقِّ، لا أنَّ الله تعالى غيَّب الإمام ليكون ذلك، وكيف يريد الله ذلك، وما ينال المؤمنين من جهة الظالمين ظلم منهم لهم ومعصية، والله تعالى لا يريد ذلك.
بل سبب الغيبة هو الخوف على ما قلناه، وأخبروا بما يتَّفق في هذه الحال، وما للمؤمن من الثواب على الصبر على ذلك، والتمسُّك بدينه إلى أنْ يُفرِّج الله تعالى عنهم.
وأنا أذكر طرفاً من الأخبار الواردة في هذا المعنى:
281 - أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ اِبْنِ شَاذَانَ اَلنَّيْشَابُورِيِّ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) جَمَاعَةً نَتَحَدَّثُ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: «فِي أَيِّ شَيْءٍ أَنْتُمْ؟ أَيْهَاتَ أَيْهَاتَ(1093)، لَا وَاَلله لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ حَتَّى تُغَرْبَلُوا، لَا وَاَلله لَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1091) في بعض النُّسَخ: (وليجتمع).
(1092) تقدَّم في (ح 155) مسنداً.
(1093) في تاج العروس (ج 19/ ص 121/ مادَّة هيه): (هيهات وقد تُبدَّل الهاء همزةً فيقال: أيهات، مثل هراق وأراق، قاله الجوهري. وقال ابن سيِّده: وعندي أنَّهما لغتان وليست إحداهما بدلاً من الأُخرى، وشاهد (هيهات) قول جرير:

فهيهات هيهات العقيق وأهله * * * وهيهات خِلٌّ بالعقيق نحاوله

وشاهد (أيهات) قول الشاعر: (أيهات منك الحياة أيهاتاً)).

(٣٧٧)

يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ حَتَّى تُمَيَّزُوا، لَا وَاَلله لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ حَتَّى يَتَمَحَّصُوا، لَا وَاَلله لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ إِلَّا بَعْدَ إِيَاسٍ، لَا وَاَلله لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ حَتَّى يَشْقَى مَنْ شَقِيَ وَيَسْعَدَ مَنْ سَعَدَ»(1094).
282 - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مَالِكٍ اَلْجُهَنِيِّ، عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فَوَجَدْتُهُ مُتَفَكِّراً(1095) يَنْكُتُ فِي اَلْأَرْضِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ، مَا لِي أَرَاكَ مُتَفَكِّراً تَنْكُتُ فِي اَلْأَرْضِ، أَرَغْبَةً مِنْكَ فِيهَا؟
فَقَالَ: «لَا وَاَلله مَا رَغِبْتُ فِيهَا وَلَا فِي اَلدُّنْيَا يَوْماً قَطُّ، وَلَكِنْ فَكَّرْتُ فِي مَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ ظَهْرِي(1096)، اَلْحَادِي عَشَرَ مِنْ وُلْدِي(1097) هُوَ اَلمَهْدِيُّ، اَلَّذِي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، تَكُونُ لَهُ حَيْرَةٌ وَغَيْبَةٌ يَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَيَهْتَدِي فِيهَا آخَرُونَ»(1098).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1094) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 370 و371/ باب التمحيص والامتحان/ ح 6)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 216 و217/ باب 12/ ح 16)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 346/ باب 33/ ح 32) مختصراً باختلاف.
(1095) في بعض النُّسَخ: (مفكِّراً)، وكذا في ما يأتي.
(1096) مرَّ التعليق على هذه الرواية في (ح 127).
(1097) قوله: (من ولدي) صفة لـ (مولود)، لا أنَّه متعلِّق بـ (الحادي عشر)، أي مولود من ولدي من ظهر الحادي عشر من الأئمَّة (عليهم السلام).
(1098) تقدَّم في (ح 127) مع زيادة في آخره، له تخريجات ذكرناها هناك.

(٣٧٨)

283 - أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام): «أَمَا وَاَلله لَا يَكُونُ اَلَّذِي تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ حَتَّى تُمَيَّزُوا أَوْ تُمَحَّصُوا، حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا اَلْأَنْدَرُ»، ثُمَّ تَلَا: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ﴾ [التوبة: 16] وَيَعْلَمَ اَلصَّابِرِينَ»(1099).
284 - سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عِيسَى اَلْعَلَوِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام)، قَالَ: «إِذَا فُقِدَ اَلْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ اَلسَّابِعِ مِنَ اَلْأَئِمَّةِ فَاللهَ اَللهَ فِي أَدْيَانِكُمْ، لَا يُزِيلَنَّكُمْ عَنْهَا أَحَدٌ. يَا بُنَيَّ، إِنَّهُ لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا اَلْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ، إِنَّمَا هِيَ مِحْنَةٌ مِنَ اَللَّهِ اِمْتَحَنَ اَللهُ تَعَالَى بِهَا خَلْقَهُ»(1100).
285 - أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسَاوِرٍ، عَنِ اَلمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَاَلتَّنْوِيهَ، أَمَا وَاَلله لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ سِنِينَ مِنْ دَهْرِكُمْ، وَلَيُمَحَّصَنَّ(1101) حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ، قُتِلَ، هَلَكَ، بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟ وَلَتَدْمَعَنَّ عَلَيْهِ عُيُونُ اَلمُؤْمِنِينَ، وَلَتُكْفَأُنَّ كَمَا تُكْفَأُ اَلسُّفُنُ بِأَمْوَاجِ اَلْبَحْرِ، فَلَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اَللهُ مِيثَاقَهُ، وَكَتَبَ فِي قَلْبِهِ اَلْإِيمَانَ، وَأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ، وَلَتُرْفَعَنَّ اِثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1099) رواه باختلاف الحميري (رحمه الله) في قرب الإسناد (ص 369/ ح 1321) عن البزنطي، عن الرضا، عن الصادق (عليهما السلام)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1170).
(1100) تقدَّم بتمامه في (ح 128)، وله تخريجات ذكرناها هناك.
(1101) في بعض نُسَخ الكافي على بناء المجهول المخاطب، من التفعيل مؤكَّداً بالنون، وهو أظهر، وفي الغيبة للنعماني: (وليخملن)، وكذا في الكافي. وفي بعض النُّسَخ: (ليمحصنَّ (ليخملنَّ خ ل)).

(٣٧٩)

قَالَ: فَبَكَيْتُ، وَقُلْتُ: فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟
فَقَالَ: «يَا بَا عَبْدِ اَلله»، وَنَظَرَ إِلَى اَلشَّمْسِ دَاخِلَةً إِلَى اَلصُّفَّةِ، قَالَ: «فَتَرَى هَذِهِ اَلشَّمْسَ؟».
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: «وَاَلله لَأَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ اَلشَّمْسِ»(1102)،(1103).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1102) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 125 و126/ ح 125)، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 336/ باب في الغيبة/ ح 3)، والخصيبي (رحمه الله) في الهداية الكبرى (ص 360 و361) باختلاف، والسمعودي إثبات الوصيَّة (ص 264 و265) باختلاف، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 153 و154/ باب 10/ ح 9 و10) باختلاف، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 347/ باب 33/ ح 35)، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 532 و533/ ح 512/116) باختلاف يسير.
(1103) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 251 و252): (قوله: (إيَّاكم والتنويه) لعلَّ المراد تنويه أمره وغيبته وتشهيرها عند المخالفين. قوله: (ولتمحِّصنَّ) محَّصت الذهب بالنار إذا أخلصته ممَّا يشوبه من الغشِّ، والتمحيص بالصاد المهملة الابتلاء والاختبار، والمقصود أنَّكم تُختَبرون بغيبته ليتميَّز الخبيث من الطيِّب. قوله: (حتَّى يقال: مات) الظاهر أنَّ هذا قول الشيعة المفتونين بطول الغيبة أو أنَّ ما نزل عليهم من البؤس والقنوط ومشقَّة انتظار الفرج وإصابة البلاء والشدَّة وبعد رجاء الخلاص منه بظهور المنتظر، وفيه إشارة إلى ما يقع في آخر الزمان عند قرب ظهور الحجَّة من الهرج والمرج وانتشار الظلم والجور والسبي والنهب والقتل والغارة وارتفاع الشبهة عن الخلق. قوله: (ولتكفأنَّ) يقال: كفأت الإناء أي كببته وقلبته فهو مكفوء، وقيل: جاء اكفأت، والتشبيه من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس لزيادة الإيضاح. قوله: (فلا ينجو إلَّا من أخذ الله ميثاقه) فإنَّ من قبل ولايته وإمامته عند أخذ العهد والميثاق ينجو من أمواج بحار الفتن ويبقى على دينه ويصبر على الشدائد بعون الله. قوله: (وكتب في قلبه الإيمان) أي أثبته فيه حتَّى صار مستقرًّا لا يزول بالشُّبُهات ونزول النوائب والبليَّات بخلاف الإيمان المستودع فإنَّه كثيراً ما يزول بتوارد الشكوك والتدليسات. قوله: (وأيَّده بروح منه) الضمير راجع إلى الله تعالى، والمراد بالروح المَلَك الموكَّل بالقلب أو نوره وهو نور إلهي يرى به صور المعقولات الحسنة والقبيحة فيتَّبع الأُولى ويجتنَّب عن الثانية، فلا تزلُّ قدمه بعد ثبوتها، أو القرآن فإنَّه روح القلب وحياته، يتميَّز به بين الحقِّ والباطل، أو البصيرة على ما ينفع وما يضرُّ، ويحتمل أنْ يعود الضمير إلى الإيمان فإنَّه سبب لحياة القلب ولذلك سمَّاه روحه. قوله: (ولترفعنَّ اثنتا عشرة راية) هذا من علامات القائم (عليه السلام)، وعند هذه يقع الفساد في الخلق وانقطاع نظامهم بالكلّيَّة وتضيق الأُمور عليهم، ولعلَّ المراد باشتباه تلك الرايات ادِّعاء صاحب كلِّ واحد أنَّه حقٌّ وغيره باطل، فيقع الاشتباه فيها ويتحيَّر الخلائق في أمر دينهم ودنياهم حتَّى لا يُدرى أيُّ رجل من أيِّ راية لتبُّدد النظام فيهم وانقطاع عنان الاجتماع وسلسلة الانضمام عنهم. ويحتمل أنْ يُراد باشتباهها تداخل بعضها على بعض حتَّى لا يُدرى أيُّ راية من أيِّ رجل، والله أعلم. قوله: (فكيف نصنع) عند ارتفاع تلك الرايات؟ وبِمَ نُميِّز بين المحقِّ والمبطل؟ فأجاب (عليه السلام) بأنَّ أمرنا عند ظهور الدولة القاهرة أظهر من الشمس أو في قلوب المؤمنين فلا يقع الالتباس بين الحقِّ والباطل كما لا يقع الالتباس بين النور والظلمة، فالعارفون عارفون بحقِّنا إيماناً وتصديقاً والمنكرون منكرون لحقِّنا حسداً وعناداً).

(٣٨٠)

286 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْآدَمِيِّ(1104)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَأَبِي بَصِيرٍ، قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «لَا يَكُونُ هَذَا اَلْأَمْرُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا اَلنَّاسِ».
فَقُلْنَا: إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اَلنَّاسِ فَمَنْ يَبْقَى؟
فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا فِي اَلثُّلُثِ اَلْبَاقِي؟»(1105).
287 - وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): مَتَى يَكُونُ فَرَجُكُمْ؟
فَقَالَ: «هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، لَا يَكُونُ فَرَجُنَا حَتَّى تُغَرْبَلُوا، ثُمَّ تُغَرْبَلُوا، ثُمَّ تُغَرْبَلُوا - يَقُولُهَا ثَلَاثاً -، حَتَّى يُذْهِبَ اَللهُ تَعَالَى اَلْكَدِرَ وَيُبْقِيَ اَلصَّفْوَ».
288 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَعْقُوبَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1104) هو سهل بن زياد الآدمي.
(1105) رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 655 و656/ باب 57/ ح 29) باختلاف يسير.

(٣٨١)

اِبْنِ يَزِيدَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ اَلْيَمَانِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «وَاَلله لَتُمَحَّصُنَّ يَا مَعْشَرَ اَلشِّيعَةِ شِيعَةِ آلِ مُحَمَّدٍ كَمَخِيضِ(1106) اَلْكُحْلِ فِي اَلْعَيْنِ، لِأَنَّ صَاحِبَ اَلْكُحْلِ يَعْلَمُ مَتَى يَقَعُ فِي اَلْعَيْنِ وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَذْهَبُ، فَيُصْبِحُ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ أَمْرِنَا فَيُمْسِي وَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا، وَيُمْسِي وَهُوَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ أَمْرِنَا فَيُصْبِحُ وَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا(1107).
289 - وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ اَلرَّبِيعِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلمُسْلِيِّ(1108)، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «وَاَلله لَتُكْسَرُنَّ كَسْرَ اَلزُّجَاجِ، وَإِنَّ اَلزُّجَاجَ يُعَادُ فَيَعُودُ كَمَا كَانَ، وَاَلله لَتُكْسَرُنَّ كَسْرَ اَلْفَخَّارِ، وَإِنَّ اَلْفَخَّارَ لَا يَعُودُ كَمَا كَانَ، وَاَلله لَتُمَيَّزُنَّ، وَاَلله لَتُمَحَّصُنَّ، وَاَلله لَتُغَرْبَلُنَّ كَمَا يُغَرْبَلُ اَلزُّؤَانُ(1109) مِنَ اَلْقَمْحِ»(1110).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1106) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 101): (محص الذهب: أخلصه ممَّا يشوبه، والتمحيص: الاختبار والابتلاء. ومخض اللبن: أخذ زبده، فلعلَّه شبَّه ما يبقى من الكحل في العين باللبن الذي يمخض، لأنَّها تقذفه شيئاً فشيئاً، وفي رواية النعماني: تمحيص الكحل).
(1107) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 214/ باب 12/ ح 12) باختلاف.
(1108) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 164/ الرقم 433): (ربيع بن محمّد بن عمر بن حسَّان الأصمّ المسلي، ومسلية قبيلة من مذحج، وهي مسلية بن عامر بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك بن أدد، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ذكره أصحاب الرجال في كُتُبهم).
(1109) في لسان العرب (ج 13/ ص 193/ مادَّة زأن): (الزُّؤَانُ: حَبٌّ يكون في الطعام، واحدته زُؤَانة، وقد زُئِنَ. والزُّؤان أَيضاً: رديء الطعام وغيره. والزُّؤان الذي يُخالِط البُرَّ، وهي حبَّة تُسْكِرُ، وهي الدَّنْقة أَيضاً).
(1110) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 215/ باب 12/ ح 13) بإسناده عن العبَّاس بن عامر، عن الربيع بن محمّد المسلمي - من بني مسلية -، عن مهزم بن أبي بردة الأسدي وغيره، عن الصادق (عليه السلام) باختلاف في آخره.

(٣٨٢)

290 - وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ اَلْكُوفِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ أَحْنَفَ(1111)، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَذَكَرَ اَلْقَائِمَ (عليه السلام)، فَقَالَ: «لَيَغِيبَنَّ عَنْهُمْ حَتَّى يَقُولَ اَلْجَاهِلُ: مَا لله فِي آلِ مُحَمَّدٍ حَاجَةٌ»(1112).
291 - عَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ اِبْنِ بَزِيعٍ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ اَلْأَصَمِّ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ سَيَابَةَ(1113)، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مِيثَمٍ(1114)، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ اَلْأَسَدِيِّ(1115)، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1111) في كمال الدِّين: (عن فرات بن أحنف، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام))، وهو الصحيح، لأنَّ الراوي عن الأصبغ هو ابن طريف. وفيه أيضاً بسند آخر عن فرات بن أحنف، عن ابن نباتة.
وفي الغيبة للنعماني: (عن فرات بن أحنف، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن آبائه (عليهم السلام)، عن عليٍّ (عليه السلام)).
(1112) رواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 265) بإسناده عن إبراهيم بن هاشم، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 143/ باب 10/ ح 1)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 302/ باب 26/ ح 9) بإسناده عن جعفر بن محمّد بن مالك، وفي (ص 303/ باب 26/ ح 15) بإسناده عن إسحاق بن محمّد الصيرفي عن هشام عن فرات بن أحنف عن الأصبغ بن نباتة عنه (عليه السلام) باختلاف يسير، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 534 و535/ ح 517/121) بإسناده عن أبي هاشم باختلاف يسير، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 430) عن فرات بن أحنف، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 228) عن سعد بن طريف.
(1113) عدَّه من أصحاب الصادق (عليه السلام) البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 24)، قائلاً: (عبد الرحمن بن سيابة، بيَّاع السابري، كوفي)، والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 235/ الرقم 3209/118)، قائلاً: (عبد الرحمن بن سيابة الكوفي البجلي البزَّاز، مولى).
(1114) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 292/ الرقم 785): (عمران بن ميثم بن يحيى الأسدي، مولى، ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي جعفر (عليهما السلام)).
(1115) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 5) من خواصِّ أصحاب عليٍّ (عليه السلام).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 95/ الرقم 939/1) من أصحاب الحسن (عليه السلام)، قائلاً: (عباية ابن عمرو بن ربعي).

(٣٨٣)

اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُولُ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا بَقِيتُمْ بِلَا إِمَامٍ هُدًى، وَلَا عَلَمٍ يُرَى، يَبْرَأُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ؟».
292 - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام): «يَا عَلِيُّ، (إِنَّ) اَلشِّيعَةَ تُرَبَّى بِالْأَمَانِيِّ مُنْذُ مِائَتَيْ سَنَةٍ».
وَقَالَ يَقْطِينٌ لاِبْنِهِ عَلِيٍّ: مَا بَالُنَا قِيلَ لَنَا فَكَانَ، وَقِيلَ لَكُمْ فَلَمْ يَكُنْ؟
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنَّ اَلَّذِي قِيلَ لَكُمْ وَلَنَا مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ، غَيْرَ أَنَّ أَمْرَكُمْ حَضَرَكُمْ فَأُعْطِيتُمْ مَحْضَهُ وَكَانَ كَمَا قِيلَ لَكُمْ، وَإِنَّ أَمْرَنَا لَمْ يَحْضُرْ فَعُلِّلْنَا بِالْأَمَانِيِّ، وَلَوْ قِيلَ لَنَا: إِنَّ هَذَا اَلْأَمْرَ لَا يَكُونُ إِلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ أَوْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ لَقَسَتِ اَلْقُلُوبُ، وَلَرَجَعَتْ(1116) عَامَّةُ اَلنَّاسِ عَنِ اَلْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ قَالُوا: مَا أَسْرَعَهُ، وَمَا أَقْرَبَهُ، تَأَلُّفاً لِقُلُوبِ اَلنَّاسِ، وَتَقْرِيباً لِلْفَرَجِ(1117)،(1118).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1116) في بعض النُّسَخ: (ولرجع).
(1117) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ص 369/ باب كراهية التوقيت/ ح 6)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 305 و306/ باب 16/ ح 14) عن الكليني.
(1118) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص 334 و335): (قوله: (الشيعة تُربى بالأماني) أراد بتربيتهم إصلاح حالهم وتثبيت قلوبهم بالوعد القريب لظهور صاحب الأمر (عليه السلام) واستيلائه على العباد والبلاد، ولو تحقَّق الوعد البعيد حصل لهم اليأس من لقائه، واضطربت نفوسهم، وفسدت عقائدهم. قوله: (منذ مائتي سنة) (منذ) مبنيٌّ على الضمِّ، و(مذ) مبنيٌّ على السكون، وكلُّ واحدٍ منهما يصلح أنْ تكون حرف جرٍّ فتجرُّ ما بعدهما، وتجري بهما مجرى (في)، ولا تُدخِلهما حينئذٍ إلَّا على زمان أنت فيه فتقول: ما رأيته مذ الليلة. ويصلح أنْ يكونا اسمين، فترفع ما بعدهما على التاريخ، أو على التوقيت، وتقول في التاريخ: ما رأيته مذ يوم الجمعة، أي أوَّل انقطاع الرؤية يوم الجمعة، وتقول في التوقيت: ما رأيته مذ سنة، أي أمد ذلك سنة. ولا يقع هاهنا إلَّا نكرة، لأنَّك لا تقول: مذ سنة كذا، وإنَّما تقول: مذ سنة. والأوَّل هو المراد هنا، لأنَّ الليلة كما جُعِلَ مجموعها حالاً مع أنَّ بعض أجزائها ماضٍ وبعضها مستقبل، كذلك مائتي سنة. قوله: (قال: وقال يقطين لابنه) لـمَّا دلَّ قول عليِّ بن يقطين على أنَّ المخبر عنه وهو ظهور هذا الأمر لم يُقطَع على نحو ما أخبروا ووفق ما أظهروا من زمان قريب، سأله أبوه يقطين امتحاناً واختباراً بأنَّه هل يعلم سبب الإخبار بقرب ظهوره وسرِّه أم لا، حيث قال: (ما بالنا) يعني ما حالنا (قيل لنا) من الأُمور الغائبة مطلقاً، أو من الخلافة العبَّاسيَّة من دولة آل يقطين، (أمر فكان) ذلك الأمر كما قيل، (وقيل لكم) منها أمر من قرب ظهور صاحب الأمر (فلم يكن) على نحو ما قيل عن قريب، فأشار عليٌّ إلى الجواب على سبيل الإجمال بأنَّ ما قيل لنا ولكم كلاهما حقٌّ ومخرجهما واحد، لصدورهما من أهل العصمة (عليهم السلام)، فوجب علينا التصديق والتسليم. وعلى سبيل التفصيل بأنَّ بين ما قيل لنا وما قيل لكم فرقاً، وهو أنَّ ما قيل لكم أمر حضر وقته وقرب زمانه فأعطيتم محضه وخالصه الذي غير مشوب باحتمال غيره، فلذلك كان ذلك الأمر كما قيل لكم، بخلاف ما قيل لنا من الأمر فإنَّه لم يحضر وقته ولم يقرب زمانه فأُلهينا بالأماني، وقيل لنا: إنَّ هذا الأمر ظهوره قريب تألُّفاً لقلوبنا وإمالةً لها إلى قبوله، فإنَّه لو قيل لنا: هذا الأمر لا يكون إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة أو أكثر من ذلك لقست قلوب أكثر الناس وارتدُّوا عن الإسلام. وبالجملة القول بأنَّ وقوع ذلك الأمر قريب محتمل لأقرب الأوقات إلينا وأبعده، لأنَّ ما يقع في أبعد الأوقات لكونه متحقِّق الوقوع قريب أيضاً، ولذلك حكم (جلَّ شأنه) بقرب قيام القيامة في مواضع عديدة من القرآن، ومن هذه الجهة صدر هذا القول ليحمل المخاطب على أقرب الأوقات ليطمئنَّ قلبه ويستقيم، وإذا مضى الأقرب ولم يظهر حمله على الأقرب وهكذا دائماً وإنْ كان مراد القائل أبعد الأوقات، ففي هذا القول الإجمالي مصلحة عظيمة ومنفعة جليلة، وهم (عليهم السلام) حكماء لا يتركون أمثال هذه المصالح. قوله: (فعُلِّلنا بالأماني) علَّله بالشيء أي ألهاه به كما يُعلَّل الصبيُّ بشيء من الطعام يتجزَّى به عن اللبن، وعلَّه يعلُّه ويعلُّه، أي سقاه السقية الثانية، وعلَّ بنفسه يتعدَّى ولا يتعدَّى، وأعلَّ القوم شربت إبلهم العلل، والتعليل سقي بعد سقي، والمعنى الأوَّل أنسب هنا، أي أُلهينا بالأماني وشُغلنا بها في تلك المدَّة. والثاني أيضاً محتمل، أي سُقينا بالأماني مرَّة بعد أُخرى على سبيل المكنيَّة والتخييليَّة).

(٣٨٤)

293 - وَرَوَى اَلشَّلْمَغَانِيُّ فِي كِتَابِ (اَلْأَوْصِيَاءِ): أَبُو جَعْفَرٍ اَلمَرْوَزِيُّ، قَالَ: خَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍ[و](1119) وَجَمَاعَةٌ إِلَى اَلْعَسْكَرِ(1120)، وَرَأَوْا أَيَّامَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) فِي اَلْحَيَاةِ، وَفِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ طَنِينٍ(1121)، فَكَتَبَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1119) من بعض النُّسَخ.
(1120) عسكر سامرَّاء: يُنسَب إلى المعتصم، وقد نُسِبَ إليه قوم من الأجلَّاء، منهم: عليُّ بن محمّد الهادي، وابنه الحسن بن عليٍّ. راجع: معجم البلدان (ج 4/ ص 123).
(1121) في بعض النُّسَخ: (ظنين).

(٣٨٥)

عَمْرٍو يَسْتَأْذِنُ فِي اَلدُّخُولِ إِلَى اَلْقَبْرِ(1122)، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: لَا تَكْتُبْ اِسْمِي فَإِنِّي لَا أَسْتَأْذِنُ، فَلَمْ يَكْتُبْ اِسْمَهُ، فَخَرَجَ إِلَى جَعْفَرٍ: «اُدْخُلْ أَنْتَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ»(1123).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1122) المراد بالقبر هي المقبرة المطهَّرة للإمامين العسكريَّين (عليهما السلام).
(1123) رواه باختلاف الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 498/ باب 45/ ح 21) بإسناده عن أبي جعفر المروزي عن جعفر بن عمرو، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1131 و1132/ ح 50) عن جعفر بن عمرو.

(٣٨٦)

فصل: في ذكر طرف من أخبار السفراء الذين كانوا في حال الغيبة:
وقبل ذكر من كان سفيراً حال الغيبة نذكر طرفاً من أخبار من كان يختصُّ بكلِّ إمام، ويتولَّى له الأمر على وجه من الإيجاز، ونذكر من كان ممدوحاً منهم حسن الطريقة، ومن كان مذموماً سيِّئ المذهب، ليُعرَف الحال في ذلك.
294 - وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ اَلْأَخْبَارِ أَنَّهُمْ (عليهم السلام) قَالُوا: «خُدَّامُنَا وَقُوَّامُنَا شِرَارُ خَلْقِ اَلله».
وهذا ليس على عمومه، وإنَّما قالوا لأنَّ فيهم من غيَّر وبدَّل وخان على ما سنذكره.
295 - وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ اَلْهَمَدَانِيِّ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) أَنَّ أَهْلَ بَيْتِي يُؤْذُونِّي وَيُقَرِّعُونِّي بِالْحَدِيثِ اَلَّذِي رُوِيَ عَنْ آبَائِكَ (عليهم السلام) أَنَّهُمْ قَالُوا: «خُدَّامُنَا وَقُوَّامُنَا شِرَارُ خَلْقِ اَلله».
فَكَتَبَ: «وَيْحَكُمْ مَا تَقْرَءُونَ مَا قَالَ اَللهُ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً﴾ [سبأ: 18]، فَنَحْنُ وَاَلله اَلْقُرَى اَلَّتِي بَارَكَ اَللهُ فِيهَا، وَأَنْتُمُ اَلْقُرَى اَلظَّاهِرَةُ»(1124).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1124) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 140/ ح 161) عن عبد الله بن جعفر الحميري عن محمّد بن صالح الهمداني، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 483/ باب 45/ ح 2) عن أبيه وابن الوليد معاً عن الحميري، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 272) عن أبي جعفر بن بابويه.

(٣٨٩)

[ذكر المحمودين من وكلاء الأئمَّة (عليهم السلام)]:
فمن المحمودين: حمران بن أعين:
296 - أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) - وَذَكَرْنَا حُمْرَانَ بْنَ أَعْيَنَ -، فَقَالَ: «لَا يَرْتَدُّ وَاَلله أَبَداً»، ثُمَّ أَطْرَقَ هُنَيْئَةً، ثُمَّ قَالَ: «أَجَلْ لَا يَرْتَدُّ وَاَلله أَبَداً».
ومنهم: المفضَّل بن عمر:
297 - بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْمِنْقَرِيِّ، عَنْ أَسَدِ بْنِ أَبِي عَلَاءٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَحْمَرَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ اَلمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، وَهُوَ فِي ضَيْعَةٍ لَهُ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ اَلْحَرِّ، وَاَلْعَرَقُ يَسِيلُ عَلَى صَدْرِهِ، فَابْتَدَأَنِي، فَقَالَ: «نِعْمَ - وَاَلله اَلَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ - اَلرَّجُلُ اَلمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ اَلْجُعْفِيُّ، نِعْمَ - وَاَلله اَلَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ - اَلرَّجُلُ (هُوَ)(1125) اَلمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ اَلْجُعْفِيُّ»، حَتَّى أَحْصَيْتُ بِضْعاً وَثَلَاثِينَ مَرَّةً يُكَرِّرُهَا، وَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ وَالِدٌ بَعْدَ وَالِدٍ».
298 - وَرُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ أَحْمَرَ، قَالَ: حَمَلْتُ إِلَى أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) إِلَى اَلمَدِينَةِ أَمْوَالاً، فَقَالَ: «رُدَّهَا فَادْفَعْهَا إِلَى اَلمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ»، فَرَدَدْتُهَا إِلَى جُعْفِيٍّ، فَحَطَطْتُهَا عَلَى بَابِ اَلمُفَضَّلِ».
299 - وَرُوِيَ عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي خِدْمَةِ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، فَلَمْ أَكُنْ أَرَى شَيْئاً يَصِلُ إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ نَاحِيَةِ اَلمُفَضَّلِ، وَلَرُبَّمَا رَأَيْتُ اَلرَّجُلَ يَجِيءُ بِالشَّيْءِ فَلَا يَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَيَقُولُ: «أَوْصِلْهُ إِلَى اَلمُفَضَّلِ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1125) ليس في بعض النُّسَخ.

(٣٩٠)

ومنهم: المعلَّى بن خُنَيس:
وكان من قوَّام أبي عبد الله (عليه السلام)، وإنَّما قتله داود بن عليٍّ بسببه، وكان محموداً عنده، ومضى على منهاجه، وأمره مشهور.
300 - فَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: لَـمَّا قَتَلَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلمُعَلَّى بْنَ خُنَيْسٍ فَصَلَبَهُ، عَظُمَ ذَلِكَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، وَاِشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: «يَا دَاوُدُ، عَلَى مَا قَتَلْتَ مَوْلَايَ وَقَيِّمِي فِي مَالِي وَعَلَى عِيَالِي؟ وَاَلله إِنَّهُ لَأَوْجَهُ عِنْدَ اَلله مِنْكَ»، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
301 - وَفِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ: «أَمَا وَاَلله لَقَدْ دَخَلَ اَلْجَنَّةَ»(1126).
ومنهم: نصر بن قابوس اللخمي:
302 - فروي أنَّه كان وكيلاً لأبي عبد الله عشرين سنة، ولم يُعلَم أنَّه وكيل، وكان خيِّراً فاضلاً.
[ومنهم: عبد الرحمن بن الحجَّاج]:
وكان عبد الرحمن بن الحجَّاج وكيلاً لأبي عبد الله (عليه السلام)، ومات في عصر الرضا (عليه السلام) على ولايته.
ومنهم: عبد الله بن جندب البجلي:
وكان وكيلاً لأبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا (عليهما السلام)، وكان عابداً رفيع المنزلة لديهما، على ما روي في الأخبار(1127).
ومنهم: [صفوان بن يحيى، ومحمّد بن سنان، وزكريَّا بن آدم، وسعد بن سعد]:
303 - مَا رَوَاهُ أَبُو طَالِبٍ اَلْقُمِّيُّ(1128)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1126) رواه الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج 2/ ص 675 و679/ ح 706 و714).
(1127) راجع: رجال الكشِّي (ج 2/ ص 851 و852/ ح 1096 - 1098).
(1128) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 217/ الرقم 564): (عبد الله بن الصلت أبو طالب القمِّي، مولى بني تيم اللَّات بن ثعلبة، ثقة، مسكون إلى روايته، روى عن الرضا (عليه السلام)، يُعرَف، له كتاب التفسير).

(٣٩١)

اَلثَّانِي (عليه السلام) فِي آخِرِ عُمُرِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «جَزَى اَللهُ صَفْوَانَ بْنَ يَحْيَى، وَمُحَمَّدَ بْنَ سِنَانٍ، وَزَكَرِيَّا بْنَ آدَمَ، وَسَعْدَ بْنَ سَعْدٍ عَنِّي خَيْراً، فَقَدْ وَفَوْا لِي».
وَكَانَ زَكَرِيَّا بْنُ آدَمَ مِمَّنْ تَوَلَّاهُمْ، وَخَرَجَ فِيهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): «ذَكَرْتَ مَا جَرَى مِنْ قَضَاءِ اَلله فِي اَلرَّجُلِ اَلمُتَوَفَّى رَحِمَهُ اَللهُ تَعَالَى يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا، فَقَدْ عَاشَ أَيَّامَ حَيَاتِهِ عَارِفاً بِالْحَقِّ، قَائِلاً بِهِ، صَابِراً مُحْتَسِباً (لِلْحَقِّ)، قَائِماً بِمَا يَجِبُ لِله وَلِرَسُولِهِ عَلَيْهِ، وَمَضَى (رحمه الله) غَيْرَ نَاكِثٍ وَلَا مُبَدِّلٍ، فَجَزَاهُ اَللهُ أَجْرَ نِيَّتِهِ، وَأَعْطَاهُ جَزَاءَ سَعْيِهِ».
وأمَّا محمّد بن سنان:
304 - فَإِنَّه رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ اَلثَّانِيَ (عليه السلام) يَذْكُرُ مُحَمَّدَ بْنَ سِنَانٍ بِخَيْرٍ، وَيَقُولُ: «رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ بِرِضَائِي عَنْهُ، فَمَا خَالَفَنِي، وَمَا خَالَفَ أَبِي قَطُّ».
ومنهم: عبد العزيز بن المهتدي القمِّي الأشعري:
305 - خَرَجَ فِيهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): «قبضت وَاَلْحَمْدُ لِله وَقَدْ عَرَفْت اَلْوُجُوهَ اَلَّتِي صَارَتْ إِلَيْكَ مِنْهَا، غَفَرَ اَللهُ لَكَ وَلَهُمُ اَلذُّنُوبَ، وَرَحِمَنَا وَإِيَّاكُمْ».
وَخَرَجَ فِيهِ: «غَفَرَ اَللهُ لَكَ ذَنْبَكَ، وَرَحِمَنَا وَإِيَّاكَ، وَرَضِيَ عَنْكَ بِرِضَائِي عَنْكَ»(1129).
ومنهم: عليُّ بن مهزيار الأهوازي:
وكان محموداً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1129) روى ذيله الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج 2/ ص 795/ الرقم 975)، ولكن رواه بلفظ أوضح: عَنْ عَبْدِ اَلْعَزِيزِ أَوْ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَيْهِ أَنَّ لَكَ مَعِي شَيْئاً، فَمُرْنِي بِأَمْرِكَ فِيهِ إِلَى مَنْ أَدْفَعُهُ، فَكَتَبَ: «إِنِّي قَبَضْتُ مَا فِي هَذِهِ اَلرُّقْعَةِ وَاَلْحَمْدُ لِله، وَغَفَرَ اَللهُ ذَنْبَكَ، وَرَحِمَنَا وَإِيَّاكَ، وَرَضِيَ اَللهُ عَنْكَ بِرِضَايَ عَنْكَ».

(٣٩٢)

306 - أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْبَلْخِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَابُنْدَارَ اَلْإِسْكَافِيِّ، عَنِ اَلْعَلَاءِ اَلنَّدَارِيِّ(1130)، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ، قَالَ: قَرَأْتُ هَذِهِ اَلرِّسَالَةَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلثَّانِي بِخَطِّهِ:
«بِسْمِ اَلله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، يَا عَلِيُّ، أَحْسَنَ اَللهُ جَزَاكَ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، وَمَنَعَكَ مِنَ اَلْخِزْيِ فِي اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ، وَحَشَرَكَ اَللهُ مَعَنَا. يَا عَلِيُّ، قَدْ بَلَوْتُكَ وَخَبَرْتُكَ(1131) فِي اَلنَّصِيحَةِ وَاَلطَّاعَةِ وَاَلْخِدْمَةِ وَاَلتَّوْقِيرِ وَاَلْقِيَامِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْكَ، فَلَوْ قُلْتُ: إِنِّي لَمْ أَرَ مِثْلَكَ، لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ صَادِقاً، فَجَزَاكَ اَللهُ جَنَّاتِ اَلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً ، فَمَا خَفِيَ عَلَيَّ مَقَامِكَ، وَلَا خِدْمَتِكَ فِي اَلْحَرِّ وَاَلْبَرْدِ، فِي اَللَّيْلِ وَاَلنَّهَارِ، فَأَسْأَلُ اَللهَ إِذَا جَمَعَ اَلْخَلَائِقَ لِلْقِيَامَةِ أَنْ يَحْبُوَكَ بِرَحْمَةٍ تُغْتَبَطُ بِهَا، إِنَّهُ سَمِيعُ اَلدُّعَاءِ».
ومنهم: أيُّوب بن نوح بن درَّاج:
307 - ذَكَرَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ اَلمَدَائِنِيُّ - وَكَانَ فَطَحِيًّا -، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ (عليه السلام) بِصَرْيَا(1132)، إِذْ دَخَلَ أَيُّوبُ بْنُ نُوحٍ وَوَقَفَ قُدَّامَهُ، فَأَمَرَهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ اِنْصَرَفَ، وَاِلْتَفَتَ إِلَيَّ أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام) وَقَالَ: «يَا عَمْرُو، إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ فَانْظُرْ إِلَى هَذَا».
ومنهم: عليُّ بن جعفر الهماني:
وكان فاضلاً مرضيًّا من وكلاء أبي الحسن وأبي محمّد (عليهما السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1130) في بحار الأنوار (ج 50/ ص 1ذ05): (المذاري)؛ والمذار في ميسان بين واسط والبصرة، وكانت بالمذار وقعة لمصعب بن الزبير على أحمد بن سميط النخلي. راجع: معجم البلدان (ج 5/ ص 88).
(1131) في بعض النُّسَخ: (خيرتك).
(1132) قد ذكرنا في (ح 165) أنَّها قرية أسَّسها موسى بن جعفر (عليه السلام).

(٣٩٣)

308 - رَوَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّازِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ اَلْإِيَادِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيُّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَجَّ أَبُو طَاهِرِ بْنُ بِلَالٍ(1133)، فَنَظَرَ إِلَى عَلِيِّ اِبْنِ جَعْفَرٍ وَهُوَ يُنْفِقُ اَلنَّفَقَاتِ اَلْعَظِيمَةَ، فَلَمَّا اِنْصَرَفَ كَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَوَقَّعَ فِي رُقْعَتِهِ: «قَدْ كُنَّا أَمَرْنَا لَهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ أَمَرْنَا لَهُ بِمِثْلِهَا فَأَبَى قَبُولَهُ(1134) إِبْقَاءً عَلَيْنَا، مَا لِلنَّاسِ وَاَلدُّخُولِ فِي أَمْرِنَا فِيمَا لَمْ نُدْخِلْهُمْ فِيهِ؟».
قَالَ: وَدَخَلَ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ (عليه السلام)، فَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ.
ومنهم: أبو عليٍّ بن راشد:
309 - أَخْبَرَنِي اِبْنُ أَبِي جِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ، عَنِ اَلصَّفَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: كَتَبَ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيُّ (عليه السلام) إِلَى اَلمَوَالِي بِبَغْدَادَ وَاَلمَدَائِنِ وَاَلسَّوَادِ وَمَا يَلِيهَا: «قَدْ أَقَمْتُ أَبَا عَلِيِّ بْنَ رَاشِدٍ(1135) مَقَامَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ(1136) وَمَنْ قِبَلَهُ مِنْ وُكَلَائِي، وَقَدْ أَوْجَبْتُ فِي طَاعَتِهِ طَاعَتِي، وَفِي عِصْيَانِهِ اَلْخُرُوجَ إِلَى عِصْيَانِي، وَكَتَبْتُ بِخَطِّي».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1133) هو محمّد بن عليِّ بن بلال.
(1134) في بعض النُّسَخ: (قبولها).
(1135) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 375/ الرقم 5545/8) من أصحاب الجواد (عليه السلام)، قائلاً: (الحسن بن راشد، يُكنَّى أبا عليٍّ، مولى لآل المهلب، بغدادي، ثقة)، وعدَّه أيضاً في (ص 385/ الرقم 5673/10) من أصحاب الهادي (عليه السلام).
وعدَّه الشيخ المفيد (رحمه الله) في جوابات أهل الموصل (ص 44) من الفقهاء الأعلام، ورؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام، الذين لا يُطعَن عليهم بشيء، ولا طريق لذمِّ واحدٍ منهم.
(1136) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 58)، والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 388/ الرقم 5707/4) من أصحاب الهادي (عليه السلام).
ويظهر من ترجمة الحسن بن راشد أنَّه كان وكيلاً لأبي محمّد العسكري (عليه السلام).

(٣٩٤)

310 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، رَفَعَهُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ فَرَجٍ(1137)، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَيْهِ أَسْأَلُهُ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ رَاشِدٍ، وَعَنْ عِيسَى بْنِ جَعْفَرِ [بْنِ عَاصِمٍ](1138)، وَعَنِ اِبْنِ بَنْدٍ، وَكَتَبَ إِلَيَّ: «ذَكَرْتَ اِبْنَ رَاشِدٍ (رحمه الله)، فَإِنَّهُ عَاشَ سَعِيداً وَمَاتَ شَهِيداً»، وَدَعَا لاِبْنِ بَنْدٍ وَاَلْعَاصِمِيِّ(1139)، وَاِبْنُ بَنْدٍ ضُرِبَ بِعَمُودٍ وَقُتِلَ، وَاِبْنُ عَاصِمٍ ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ عَلَى اَلْجِسْرِ ثَلَاثَمِائَةِ سَوْطٍ وَرُمِيَ بِهِ فِي اَلدِّجْلَةِ(1140).
فهؤلاء جماعة المحمودين، وتركنا ذكر استقصائهم لأنَّهم معروفون مذكورون في الكُتُب.
[ذكر المذمومين من وكلاء الأئمَّة (عليهم السلام)]:
فأمَّا المذمومون منهم، فجماعة:
311 - فَرَوَى عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ اَلثَّانِي (عليه السلام) إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ اَلْهَمَدَانِيُّ - وَكَانَ يَتَوَلَّى لَهُ -، فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، اِجْعَلْنِي مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فِي حِلٍّ، فَإِنِّي أَنْفَقْتُهَا.
فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: «أَنْتَ فِي حِلٍّ».
فَلَمَّا خَرَجَ صَالِحٌ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «أَحَدُهُمْ يَثِبُ عَلَى (أَمْوَالِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1137) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 371/ الرقم 1014): (محمّد بن الفرج الرخجي، روى عن أبي الحسن (عليه السلام)، له كتاب مسائل).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 364/ الرقم 5396/9) من أصحاب الرضا (عليه السلام)، قائلاً: (محمّد بن الفرج الرخجي، ثقة)، وفي (ص 377/ الرقم 5586/2) من أصحاب الجواد (عليه السلام)، وفي (ص 390/ الرقم 5749/3) من أصحاب الهادي (عليه السلام).
(1138) من بعض النُّسَخ.
(1139) العاصمي هو عيسى بن جعفر بن عاصم، وابن عاصم أيضاً هو العاصمي المزبور.
(1140) رواه الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج 2/ ص 863/ ح 1122).

(٣٩٥)

حَقِّ)(1141) آلِ مُحَمَّدٍ وَفُقَرَائِهِمْ وَمَسَاكِينِهِمْ وَأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ، فَيَأْخُذُهُ ثُمَّ يَقُولُ: اِجْعَلْنِي فِي حِلٍّ، أَتَرَاهُ ظَنَّ بِي أَنِّي أَقُولُ لَهُ: لَا أَفْعَلُ؟ وَاَلله لَيَسْأَلَنَّهُمُ اَللهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عَنْ ذَلِكَ سُؤَالاً حَثِيثاً»(1142)،(1143).
ومنهم: عليُّ بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي:
كلُّهم كانوا وكلاء لأبي الحسن موسى (عليه السلام)، وكان عندهم أموال جزيلة، فلمَّا مضى أبو الحسن موسى (عليه السلام) وقفوا طمعاً في الأموال، ودفعوا إمامة الرضا (عليه السلام) وجحدوه، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى، فلا نُطوِّل بإعادته(1144).
ومنهم: فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني:
312 - على ما رَوَاهُ عَبْدُ اَلله بْنُ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: كَتَبَ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيُّ (عليه السلام) إِلَى عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍو اَلْقَزْوِينِيِّ(1145) بِخَطِّهِ: «اِعْتَقِدْ فِيمَا تَدِينُ اَللهَ تَعَالَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1141) ليس في بعض النُّسَخ، وفي بعضها: (على مال آل محمّد).
(1142) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 548/ باب الفيء والأنفال.../ ح 27)، والمفيد (رحمه الله) في المقنعة (ص 284 و285)، والمؤلِّف (رحمه الله) في تهذيب الأحكام (ج 4/ ص 140/ ح 397/19)، وفي الاستبصار (ج 2/ ص 60/ ح 197/11).
(1143) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 7/ ص 416): (قوله: (أتراه ظنَّ أنِّي أقول: لا أفعل) دلَّ ذلك ظاهراً على أنَّ الخُمُس كلَّه حقُّ الإمام إلَّا أنَّه يُصرَف بعضه في الوجوه المذكورة، ويحتمل أنْ يكون بعضه حقًّا للأصناف المذكورين إلَّا أنَّ الإمام أولى بهم من أنفسهم، فلذلك كان له أنْ يُحِلَّ المتصرِّف في حقوقهم أيضاً. ثمّ قوله: (ليسألنَّهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً) دل ظاهراً على أنَّ من أحلَّ له الإمام أيضاً مسؤول، وهو بعيد جدًّا، ولا يبعد تخصيص السؤال بمن عداه، والله أعلم).
(1144) قد مضى في (ح 65 - 75).
(1145) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 59)، والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 388/ الرقم 5718/15)، قائلاً: (عليُّ بن عمرو العطَّار القزويني).
وعدَّه ابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 524) ممَّن روى النصَّ على أبي محمّد العسكري (عليه السلام).

(٣٩٦)

بِهِ أَنَّ اَلْبَاطِنَ عِنْدِي حَسَبَ مَا أَظْهَرْتُ لَكَ فِيمَنِ اِسْتَنْبَأْتَ عَنْهُ، وَهُوَ فَارِسٌ (لَعَنَهُ اَللهُ)، فَإِنَّهُ لَيْسَ يَسَعُكَ إِلَّا اَلاِجْتِهَادُ فِي لَعْنِهِ، وَقَصْدُهُ وَمُعَادَاتُهُ، وَاَلمُبَالَغَةُ فِي ذَلِكَ بِأَكْثَرِ مَا تَجِدُ اَلسَّبِيلَ إِلَيْهِ، مَا كُنْتُ آمُرُ أَنْ يُدَانَ اَللهُ بِأَمْرٍ غَيْرِ صَحِيحٍ، فَجِدَّ وَشُدَّ فِي لَعْنِهِ، وَهَتْكِهِ، وَقَطْعِ أَسْبَابِهِ، وَصَدِّ أَصْحَابِنَا عَنْهُ، وَإِبْطَالِ أَمْرِهِ، وَأَبْلِغْهُمْ ذَلِكَ مِنِّي، وَاِحْكِهِ لَهُمْ عَنِّي، وَإِنِّي سَائِلُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اَلله عَنْ هَذَا اَلْأَمْرِ اَلمُؤَكَّدِ، فَوَيْلٌ لِلْعَاصِي وَلِلْجَاحِدِ، وَكَتَبْتُ بِخَطِّي لَيْلَةَ اَلثَّلَاثَاءِ لِتِسْعِ لَيَالٍ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَأَنَا أَتَوَكَّلُ عَلَى اَلله، وَأَحْمَدُهُ كَثِيراً».
ومنهم: أحمد بن هلال العبرتائي(1146):
313 - رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: خَرَجَ إِلَى اَلْعَمْرِيِّ فِي تَوْقِيعٍ طَوِيلٍ اِخْتَصَرْنَاهُ: «وَنَحْنُ نَبْرَأُ إِلَى اَلله تَعَالَى مِنِ اِبْنِ هِلَالٍ لَا رَحِمَهُ اَلله، وَمِمَّنْ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ، فَأَعْلِمِ اَلْإِسْحَاقِيَّ وَأَهْلَ بَلَدِهِ مِمَّا أَعْلَمْنَاكَ مِنْ حَالِ هَذَا اَلْفَاجِرِ، وَجَمِيعِ مَنْ كَانَ سَأَلَكَ وَيَسْأَلُكَ عَنْهُ».
ومنهم: أبو طاهر محمّد بن عليِّ بن بلال وغيرهم:
ممَّا لا نُطوِّل بذكرهم، لأنَّ ذلك مشهور موجود في الكُتُب.
[ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة]:
فأمَّا السفراء الممدوحون في زمان الغيبة:
[أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله)]:
فأوَّلهم: من نصبه أبو الحسن عليُّ بن محمّد العسكري وأبو محمّد الحسن بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1146) نسبة إلى عبرتا، وهي قرية كبيرة من أعمال بغداد من نواحي النهروان بين بغداد وواسط. راجع: معجم البلدان (ج 4/ ص 77 و78).

(٣٩٧)

عليِّ بن محمّد ابنه (عليهم السلام)، وهو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله)، وكان أسديًّا، وإنَّما سُمِّي العمري..
314 - لِمَا رَوَاهُ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ(1147) اَلْكَاتِبُ اِبْنُ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيِّ (رحمه الله)(1148)، قَالَ أَبُو نَصْرٍ: كَانَ أَسَدِيًّا فَنُسِبَ إِلَى جَدِّهِ، فَقِيلَ: اَلْعَمْرِيُّ.
وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ: إِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليه السلام) قَالَ: «لَا يُجْمَعُ عَلَى اِمْرِئٍ عُثْمَانَ وَأَبُو عَمْرٍو(1149)»، وَأَمَرَ بِكَسْرِ كُنْيَتِهِ، فَقِيلَ: اَلْعَمْرِيُّ.
وَيُقَالُ لَهُ: اَلْعَسْكَرِيُّ أَيْضَاً، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ عَسْكَرِ سُرَّ مَنْ رَأَى.
وَيُقَالُ لَهُ: اَلسَّمَّانُ، لِأَنَّهُ كَانَ يَتَّجِرُ فِي السَّمْنِ تَغْطِيَةً عَلَى الْأَمْرِ، وَكَانَ اَلشِّيعَةُ إِذَا حَمَلُوا إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ حَمْلُهُ مِنَ اَلْأَمْوَالِ أَنْفَذُوا إِلَى أَبِي عَمْرٍو، فَيَجْعَلُهُ فِي جِرَابِ اَلسَّمْنِ وَزِقَاقِهِ وَيَحْمِلُهُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) تَقِيَّةً وَخَوْفاً.
315 - فَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ اَلْإِسْكَافِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلله بْنُ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدٍ اَلْقُمِّيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) فِي يَوْمٍ مِنَ اَلْأَيَّامِ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، أَنَا أَغِيبُ وَأَشْهَدُ، وَلَا يَتَهَيَّأُ لِيَ اَلْوُصُولُ إِلَيْكَ إِذَا شَهِدْتُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَقَوْلَ مَنْ نَقْبَلُ، وَأَمْرَ مَنْ نَمْتَثِلُ؟
فَقَالَ لِي (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ): «هَذَا أَبُو عَمْرٍو اَلثِّقَةُ اَلْأَمِينُ، مَا قَالَهُ لَكُمْ فَعَنِّي يَقُولُهُ، وَمَا أَدَّاهُ إِلَيْكُمْ فَعَنِّي يُؤَدِّيهِ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1147) تقدَّم في (ح 248) عن النجاشي (رحمه الله) أنَّه هبة الله بن أحمد بن محمّد.
(1148) هو على ما في كُتُب الرجال ويأتي في بعض الأخبار أيضاً ابن بنت أُمِّ كلثوم بنت أبي جعفر العمري، فهو إمَّا من باب إضافة البنت إلى الجدِّ، أو إضافة الابن إلى الجدَّة، وذلك لأنَّ عمراً جدُّه، وهو عثمان بن سعيد بن عمرو، ويأتي بهذا العنوان في بعض الأخبار الآتية.
(1149) في بعض النُّسَخ: (قال له: لا تجمع على أمرين عثمان وأبو عمرو).

(٣٩٨)

فَلَمَّا مَضَى أَبُو اَلْحَسَنِ (عليه السلام) وَصَلْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اِبْنِهِ اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ(1150) (عليه السلام) ذَاتَ يَوْمٍ، فَقُلْتُ لَهُ (عليه السلام) مِثْلَ قَوْلِي لِأَبِيهِ.
فَقَالَ لِي: «هَذَا أَبُو عَمْرٍو اَلثِّقَةُ اَلْأَمِينُ، ثِقَةُ اَلمَاضِي وَثِقَتِي فِي اَلمَحْيَا وَاَلمَمَاتِ، فَمَا قَالَهُ لَكُمْ فَعَنِّي يَقُولُهُ، وَمَا أَدَّى(1151) إِلَيْكُمْ فَعَنِّي يُؤَدِّيهُ».
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ هَارُونُ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: قَالَ أَبُو اَلْعَبَّاسِ اَلْحِمْيَرِيُّ: فَكُنَّا كَثِيراً مَا نَتَذَاكَرُ هَذَا اَلْقَوْلَ، وَنَتَوَاصَفُ جَلَالَةَ مَحَلِّ أَبِي عَمْرٍو.
316 - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَجَجْنَا فِي بَعْضِ اَلسِّنِينَ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَدَخَلْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بِمَدِينَةِ اَلسَّلَامِ، فَرَأَيْتُ أَبَا عَمْرٍو عِنْدَهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا اَلشَّيْخَ - وَأَشَرْتُ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ -، وَهُوَ عِنْدَنَا اَلثِّقَةُ اَلمَرْضِيُّ، حَدَّثَنَا فِيكَ بِكَيْتَ وَكَيْتَ، وَاِقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ - يَعْنِي مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ فَضْلِ أَبِي عَمْرٍو وَمَحَلِّهِ -، وَقُلْتُ: أَنْتَ اَلْآنَ مِمَّنْ(1152) لَا يُشَكُّ فِي قَوْلِهِ وَصِدْقِهِ، فَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ اَلله وَبِحَقِّ اَلْإِمَامَيْنِ اَللَّذَيْنِ وَثَّقَاكَ، هَلْ رَأَيْتَ اِبْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلَّذِي هُوَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)؟
فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: عَلَى أَنْ لَا تُخْبِرَ بِذَلِكَ أَحَداً وَأَنَا حَيٌّ.
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: قَدْ رَأَيْتُهُ (عليه السلام) وَعُنُقُهُ هَكَذَا - يُرِيدُ أَنَّهَا أَغْلَظُ اَلرِّقَابِ حُسْناً وَتَمَاماً -.
قُلْتُ: فَالاِسْمُ.
قَالَ: نُهِيتُمْ عَنْ هَذَا.
317 - وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نُوحٍ أَبُو اَلْعَبَّاسِ اَلسِّيرَافِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1150) في بعض النُّسَخ: (صاحب العسكر).
(1151) في بعض النُّسَخ: (أدَّاه).
(1152) في بعض النُّسَخ: (من).

(٣٩٩)

نَصْرٍ هِبَةُ اَلله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلمَعْرُوفُ بِابْنِ بُرَيْنَةَ اَلْكَاتِبِ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ اَلشُّرَّافِ مِنَ اَلشِّيعَةِ اَلْإِمَامِيَّةِ أَصْحَابِ اَلْحَدِيثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْعَبَّاسُ اِبْنُ أَحْمَدَ اَلصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ اَلْخَصِيبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اَلله اَلْحَسَنِيَّانِ، قَالَا: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ (عليه السلام) بِسُرَّ مَنْ رَأَى وَبَيْنَ يَدَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَشِيعَتِهِ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ بَدْرٌ خَادِمُهُ، فَقَالَ: يَا مَوْلَايَ، بِالْبَابِ قَوْمٌ شُعْثٌ غُبْرٌ.
فَقَالَ لَهُمْ: «هَؤُلَاءِ نَفَرٌ مِنْ شِيعَتِنَا بِالْيَمَنِ» فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ يَسُوقَانِهِ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى أَنْ قَالَ اَلْحَسَنُ (عليه السلام) لِبَدْرٍ: «فَامْضِ فَائْتِنَا بِعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ اَلْعَمْرِيِّ»، فَمَا لَبِثْنَا إِلَّا يَسِيراً حَتَّى دَخَلَ عُثْمَانُ، فَقَالَ لَهُ سَيِّدُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «اِمْضِ يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّكَ اَلْوَكِيلُ وَاَلثِّقَةُ اَلمَأْمُونُ عَلَى مَالِ اَلله، وَاِقْبِضْ مِنْ هَؤُلَاءِ اَلنَّفَرِ اَلْيَمَنِيِّينَ مَا حَمَلُوهُ مِنَ اَلمَالِ».
ثُمَّ سَاقَ اَلْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَا: ثُمَّ قُلْنَا بِأَجْمَعِنَا: يَا سَيِّدَنَا، وَاَلله إِنَّ عُثْمَانَ لَمِنْ خِيَارِ شِيعَتِكَ، وَلَقَدْ زِدْتَنَا عِلْماً بِمَوْضِعِهِ مِنْ خِدْمَتِكَ، وَأَنَّهُ وَكِيلُكَ وَثِقَتُكَ عَلَى مَالِ اَلله تَعَالَى.
قَالَ: «نَعَمْ، وَاِشْهَدُوا عَلَى أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ سَعِيدٍ اَلْعَمْرِيَّ وَكِيلِي، وَأَنَّ اِبْنَهُ مُحَمَّداً وَكِيلُ اِبْنِي مَهْدِيِّكُمْ».
318 - عَنْهُ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اَلله [بْنِ مُحَمَّدِ](1153) بْنِ أَحْمَدَ اَلْكَاتِبِ اِبْنِ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيِّ (قَدَّسَ اَللهُ رُوحَهُ وَأَرْضَاهُ)، عَنْ شُيُوخِهِ أَنَّهُ لَـمَّا مَاتَ اَلْحَسَنُ اِبْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام) حَضَرَ غُسْلَهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ (رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ)، وَتَوَلَّى جَمِيعَ أَمْرِهِ فِي تَكْفِينِهِ وَتَحْنِيطِهِ وَتَقْبِيرِهِ، مَأْمُوراً بِذَلِكَ لِلظَّاهِرِ مِنَ اَلْحَالِ اَلَّتِي لَا يُمْكِنُ جَحْدُهَا وَلَا دَفْعُهَا إِلَّا بِدَفْعِ حَقَائِقِ اَلْأَشْيَاءِ فِي ظَوَاهِرِهَا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1153) من بعض النُّسَخ.

(٤٠٠)

وَكَانَتْ تَوْقِيعَاتُ صَاحِبِ اَلْأَمْرِ (عليه السلام) تَخْرُجُ عَلَى يَدَيْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ وَاِبْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ إِلَى شِيعَتِهِ وَخَوَاصِّ أَبِيهِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) بِالْأَمْرِ وَاَلنَّهْيِ وَاَلْأَجْوِبَةِ عَمَّا يَسْأَلُ اَلشِّيعَةُ عَنْهُ إِذَا اِحْتَاجَتْ إِلَى اَلسُّؤَالِ فِيهِ بِالْخَطِّ اَلَّذِي كَانَ يَخْرُجُ فِي حَيَاةِ اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، فَلَمْ تَزَلِ اَلشِّيعَةُ مُقِيمَةً عَلَى عَدَالَتِهِمَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ (رَحِمَهُ اَللهُ وَرَضِيَ عَنْهُ)، وَغَسَّلَهُ اِبْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَتَوَلَّى اَلْقِيَامَ بِهِ، وَحَصَلَ اَلْأَمْرُ كُلُّهُ مَرْدُوداً إِلَيْهِ، وَاَلشِّيعَةُ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى عَدَالَتِهِ وَثِقَتِهِ وَأَمَانَتِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنَ اَلنَّصِّ عَلَيْهِ بِالْأَمَانَةِ وَاَلْعَدَالَةِ، وَاَلْأَمْرِ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ فِي حَيَاةِ اَلْحَسَنِ (عليه السلام) وَبَعْدَ مَوْتِهِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عُثْمَانَ (رَحْمَةُ اَلله عَلَيْهِ).
319 - قَالَ: وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ اَلْفَزَارِيُّ اَلْبَزَّازُ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ اَلشِّيعَةِ مِنْهُمْ: عَلِيُّ بْنُ بِلَالٍ(1154)، وَأَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَكِيمٍ(1155)، وَاَلْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ(1156)، فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ مَشْهُورٍ، قَالُوا جَمِيعاً: اِجْتَمَعْنَا إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) نَسْأَلُهُ عَنِ اَلْحُجَّةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَفِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1154) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 278/ الرقم 730): (عليُّ بن بلال، بغدادي انتقل إلى واسط، روى عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام)).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 377/ الرقم 5578/17) من أصحاب الجواد (عليه السلام)، قائلاً: (عليُّ بن بلال، بغدادي، ثقة)، وفي (ص 388/ الرقم 5708/5) من أصحاب الهادي (عليه السلام)، وفي (ص 400/ الرقم 5859/4) من أصحاب العسكري (عليه السلام).
(1155) قال السيِّد بحر العلوم (رحمه الله) في الفوائد الرجاليَّة (ج 1/ ص 398): (محمّد بن معاوية بن حكيم ابن معاوية بن عمَّار، وهو من أصحاب العسكري (عليه السلام)، وممَّن روى النصَّ على الحجَّة القائم (عليه السلام)، وعلى توكيل عثمان بن سعيد العمرى (رحمه الله)، وقد روي أنَّه كان في الشهود على ذلك أربعون رجلاً من رؤساء الشيعة، ويُعطي ذلك جلالة محمّد ورئاسته).
(1156) عنونه الوحيد (رحمه الله) في تعليقة على منهج المقال (ص 118)، وقال: (سيجيء في آخر الكتاب ما يشير إلى كونه من رؤساء الشيعة).

(٤٠١)

مَجْلِسِهِ (عليه السلام) أَرْبَعُونَ رَجُلاً، فَقَامَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو اَلْعَمْرِيُّ، فَقَالَ لَهُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله، أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ أَمْرٍ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي.
فَقَالَ لَهُ: «اِجْلِسْ، يَا عُثْمَانُ»، فَقَامَ مُغْضَباً لِيَخْرُجَ، فَقَالَ: «لَا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ»، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنَّا أَحَدٌ إِلَى أَنْ كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ، فَصَاحَ (عليه السلام) بِعُثْمَانَ، فَقَامَ عَلَى قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: «أُخْبِرُكُمْ بِمَا جِئْتُمْ؟».
قَالُوا: نَعَمْ، يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله.
قَالَ: «جِئْتُمْ تَسْأَلُونِّي عَنِ اَلْحُجَّةِ مِنْ بَعْدِي؟».
قَالُوا: نَعَمْ.
فَإِذَا غُلَامٌ كَأَنَّهُ قِطَعُ قَمَرٍ أَشْبَهُ اَلنَّاسِ بِأَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: «هَذَا إِمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي، وَخَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ، أَطِيعُوهُ وَلَا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِي فَتَهْلِكُوا فِي أَدْيَانِكُمْ، أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُ مِنْ بَعْدِ يَوْمِكُمْ هَذَا حَتَّى يَتِمَّ لَهُ عُمُرٌ، فَاقْبَلُوا مِنْ عُثْمَانَ مَا يَقُولُهُ، وَاِنْتَهُوا إِلَى أَمْرِهِ، وَاِقْبَلُوا قَوْلَهُ، فَهُوَ خَلِيفَةُ إِمَامِكُمْ، وَاَلْأَمْرُ إِلَيْهِ» فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ(1157).
320 - قال أبو نصر هبة الله بن محمّد: وقبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة السلام، في شارع الميدان، في أوَّل الموضع المعروف [في الدرب المعروف](1158) بدرب جبلة في مسجد الدرب يمنة الداخل إليه، والقبر في نفس قبلة المسجد (رحمه الله).
قال محمّد بن الحسن مصنِّف هذا الكتاب: رأيت قبره في الموضع الذي ذكره، وكان بُنِيَ في وجهه حائط، وبه محراب المسجد، وإلى جنبه باب يدخل إلى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1157) رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 435/ باب 43/ ح 2)، وعنه الشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 252).
(1158) من بحار الأنوار (ج 51/ ص 347).

(٤٠٢)

موضع القبر في بيت ضيِّق مظلم، فكنَّا ندخل إليه ونزوره مشاهرةً، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد، وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيِّف وثلاثين وأربعمائة، ثمّ نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمّد بن الفرج، وأبرز القبر إلى برَّا(1159)، وعمل عليه صندوقاً، وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره، ويتبرَّك جيران المحلَّة بزيارته، ويقولون: هو رجل صالح، وربَّما قالوا: هو ابن داية الحسين (عليه السلام)، ولا يعرفون حقيقة الحال فيه، وهو إلى يومنا هذا - وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة - على ما هو عليه(1160).
ذكر أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري، والقول فيه:
فلمَّا مضى أبو عمرو عثمان بن سعيد قام ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان مقامه بنصِّ أبي محمّد (عليه السلام) عليه ونصِّ أبيه عثمان عليه بأمر القائم (عليه السلام).
321 - فأخبرني جماعة، عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن داود القمِّي وابن قولويه، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، قال: حدَّثنا الشيخ الصدوق أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري (رحمه الله)، وذكر الحديث الذي قدَّمنا ذكره(1161).
322 - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلْقَاسِمِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ وَأَبِي غَالِبٍ اَلزُّرَارِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، كُلِّهِمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيِّ (رَحِمَهُ اَللهُ تَعَالَى)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلله وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيِّ، قَالَ: اِجْتَمَعْتُ أَنَا وَاَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدٍ اَلْأَشْعَرِيِّ اَلْقُمِّيِّ، فَغَمَزَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ اَلْخَلَفِ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا بَا عَمْرٍو، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ، وَمَا أَنَا بِشَاكٍّ فِيمَا أُرِيدُ أَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1159) إلى برَّا، أي إلى خارج؛ ولعلَّ الألف في آخره زيادة من النُّسَّاخ.
(1160) ولكنَّه اليوم مشيَّد معروف في بغداد يُزار ويُتبرَّك به.
(1161) تقدَّم ذكره في (ح 246).

(٤٠٣)

أَسْأَلَكَ عَنْهُ، فَإِنَّ اِعْتِقَادِي وَدِينِي أَنَّ اَلْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ إِلَّا إِذَا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ بِأَرْبَعِينَ يَوْماً، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ وَقَعَتِ(1162) اَلْحُجَّةُ وَغُلِّقَ بَابُ اَلتَّوْبَةِ، فَلَمْ يَكُنْ يَنْفَعُ ﴿نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾ [الأنعام: 158]، فَأُولَئِكَ أَشْرَارٌ مِنْ خَلْقِ اَلله (عزَّ وجلَّ)، وَهُمُ اَلَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ اَلْقِيَامَةُ، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَزْدَادَ يَقِيناً، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ كَيْفَ يُحْيِي اَلمَوْتَى، فَقَالَ: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: 260]، وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، قَالَ: سَأَلْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: لِمَنْ أُعَامِلُ، وَعَمَّنْ آخُذُ، وَقَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ؟ فَقَالَ لَهُ: «اَلْعَمْرِيُّ ثِقَتِي، فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ فَعَنِّي يُؤَدِّي، وَمَا قَالَ لَكَ فَعَنِّي يَقُولُ، فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ، فَإِنَّهُ اَلثِّقَةُ اَلمَأْمُونُ».
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: «اَلْعَمْرِيُّ وَاِبْنُهُ ثِقَتَانِ، فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ، وَمَا قَالَا لَكَ فَعَنِّي يَقُولَانِ، فَاسْمَعْ لَهُمَا وَأَطِعْهُمَا فَإِنَّهُمَا اَلثِّقَتَانِ اَلمَأْمُونَانِ»، فَهَذَا قَوْلُ إِمَامَيْنِ قَدْ مَضَيَا فِيكَ.
قَالَ: فَخَرَّ أَبُو عَمْرٍو سَاجِداً وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: سَلْ.
فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ رَأَيْتَ اَلْخَلَفَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)؟
فَقَالَ: إِي وَاَلله، وَرَقَبَتُهُ مِثْلُ ذَا - وَأَوْمَأَ بِيَدَيْهِ -.
فَقُلْتُ لَهُ: فَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ.
فَقَالَ لِي: هَاتِ.
قُلْتُ: فَالاِسْمُ.
قَالَ: مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَنْ ذَلِكَ، وَلَا أَقُولُ هَذَا مِنْ عِنْدِي، وَلَيْسَ لِي أَنْ أُحَلِّلَ وَأُحَرِّمَ، وَلَكِنْ عَنْهُ (عليه السلام)، فَإِنَّ اَلْأَمْرَ عِنْدَ اَلسُّلْطَانِ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ (عليه السلام) مَضَى وَلَمْ يُخَلِّفْ وَلَداً، وَقَسَّمَ مِيرَاثَهُ، وَأَخَذَهُ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ، وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1162) في بعض النُّسَخ: (رفعت).

(٤٠٤)

ذَا عِيَالُهُ يَجُولُونَ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْسُرُ أَنْ يَتَعَرَّفَ إِلَيْهِمْ أَوْ يُنِيلَهُمْ شَيْئاً، وَإِذَا وَقَعَ اَلاِسْمُ وَقَعَ اَلطَّلَبُ، فَاتَّقُوا اَللهَ وَأَمْسِكُوا عَنْ ذَلِكَ.
قال الكليني: وحدَّثني شيخ من أصحابنا ذهب عنِّي اسمه أنَّ أبا عمرو سُئِلَ عن أحمد بن إسحاق عن مثل هذا، فأجاب بمثل هذا، وقد قدَّمنا هذه الرواية فيما مضى من الكتاب(1163).
323 - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هَارُونَ اَلْفَامِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ اَلتَّوْقِيعُ إِلَى اَلشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ اَلْعَمْرِيِّ (قَدَّسَ اَللهُ رُوحَهُ) فِي اَلتَّعْزِيَةِ بِأَبِيهِ (رَضِيَ اَللهُ تَعَالَى عَنْهُ)، وَفِي فَصْلٍ مِنَ اَلْكِتَابِ: «إِنَّا لِله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، تَسْلِيماً لِأَمْرِهِ وَرِضًى بِقَضَائِهِ، عَاشَ أَبُوكَ سَعِيداً وَمَاتَ حَمِيداً، فَرَحِمَهُ اَللهُ وَأَلْحَقَهُ بِأَوْلِيَائِهِ وَمَوَالِيهِ (عليهم السلام)، فَلَمْ يَزَلْ مُجْتَهِداً فِي أَمْرِهِمْ، سَاعِياً فِيمَا يُقَرِّبُهُ إِلَى اَلله (عزَّ وجلَّ) وَإِلَيْهِمْ، نَضَّرَ اَللهُ وَجْهَهُ، وَأَقَالَهُ عَثْرَتَهُ».
وَفِي فَصْلٍ آخَرَ: «أَجْزَلَ اَللهُ لَكَ اَلثَّوَابَ، وَأَحْسَنَ لَكَ اَلْعَزَاءَ، رُزِئْتَ وَرُزِئْنَا، وَأَوْحَشَكَ فِرَاقُهُ وَأَوْحَشَنَا، فَسَرَّهُ اَللهُ فِي مُنْقَلَبِهِ، [وَ](1164) كَانَ مِنْ كَمَالِ سَعَادَتِهِ أَنْ رَزَقَهُ اَللهُ تَعَالَى وَلَداً مِثْلَكَ يَخْلُفُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَيَقُومُ مَقَامَهُ بِأَمْرِهِ، وَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ. وَأَقُولُ: اَلْحَمْدُ لِله، فَإِنَّ اَلْأَنْفُسَ طَيِّبَةٌ بِمَكَانِكَ، وَمَا جَعَلَهُ اَللهُ (عزَّ وجلَّ) فِيكَ وَعِنْدَكَ، أَعَانَكَ اَللهُ وَقَوَّاَك، وَعَضَدَكَ وَوَفَّقَكَ، وَكَانَ لَكَ وَلِيًّا وَحَافِظاً وَرَاعِياً وَكَافِياً»(1165).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1163) تقدَّم في (ح 209) عن محمّد بن يعقوب، وله تخريجات ذكرناها هناك.
(1164) من كمال الدِّين.
(1165) كمال الدِّين (ص 510/ باب 45/ ح 41)؛ ورواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1112/ح 28) مختصراً، وأحمد بن عليٍّ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 300 و301).

(٤٠٥)

324 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اَلله بْنُ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ: لَـمَّا مَضَى أَبُو عَمْرٍو (رَضِيَ اَللهُ تَعَالَى عَنْهُ) أَتَتْنَا اَلْكُتُبُ بِالْخَطِّ اَلَّذِي كُنَّا نُكَاتِبُ بِهِ بِإِقَامَةِ أَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) مَقَامَهُ.
325 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّوَيْهِ بْنِ عَبْدِ اَلْعَزِيزِ اَلرَّازِيُّ فِي سَنَةَ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ اَلْأَهْوَازِيُّ(1166) أَنَّهُ خَرَجَ إِلَيْهِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي عَمْرٍو: «وَاَلاِبْنُ (وَقَاهُ اَللهُ) لَمْ يَزَلْ ثِقَتَنَا فِي حَيَاةِ اَلْأَبِ (رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَنَضَّرَ وَجْهَهُ)، يَجْرِي عِنْدَنَا مَجْرَاهُ، وَيَسُدُّ مَسَدَّهُ، وَعَنْ أَمْرِنَا يَأْمُرُ اَلاِبْنُ، وَبِهِ يَعْمَلُ (تَوَلَّاهُ اَللهُ)، فَانْتَهِ إِلَى قَوْلِهِ، وَعَرِّفْ مُعَامِلَتَنَا(1167) ذَلِكَ».
326 - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلْقَاسِمِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ وَأَبِي غَالِبٍ اَلزُّرَارِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، كُلِّهِمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ إِسْحَاقَ اِبْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيَّ (رحمه الله) أَنْ يُوصِلَ لِي كِتَاباً قَدْ سَأَلْتُ فِيهِ عَنْ مَسَائِلَ أَشْكَلَتْ عَلَيَّ، فَوَرَدَ اَلتَّوْقِيعُ بِخَطِّ مَوْلَانَا صَاحِبِ اَلدَّارِ (عليه السلام) - وَذَكَرْنَا اَلْخَبَرَ فِيمَا تَقَدَّمَ -: «وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيُّ فَرَضِيَ اَللهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنْ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، فَإِنَّهُ ثِقَتِي، وَكِتَابُهُ كِتَابِي»(1168).
327 - قَالَ أَبُو اَلْعَبَّاسِ: وَأَخْبَرَنِي هِبَةُ اَلله بْنُ مُحَمَّدٍ اِبْنِ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه)، عَنْ شُيُوخِهِ، قَالُوا: لَمْ تَزَلِ اَلشِّيعَةُ مُقِيمَةً عَلَى عَدَالَةِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ رَحِمَهُمَا اَللهُ تَعَالَى إِلَى أَنْ تُوُفِّي أَبُو عَمْرو عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ رَحِمَهُ اَللهُ تَعَالَى، وَغَسَّلَهُ اِبْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، وَتَوَلَّى اَلْقِيَامَ بِهِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1166) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 402/ الرقم 5897/15) من أصحاب العسكري (عليه السلام).
(1167) في بعض النُّسَخ: (معاملينا).
(1168) تقدَّم بتمامه في (ح 247)، وله تخريجات ذكرناها هناك.

(٤٠٦)

وَجُعِلَ اَلْأَمْرُ كُلُّهُ مَرْدُوداً إِلَيْهِ، وَاَلشِّيعَةُ مُجْمِعَةٌ عَلَى عَدَالَتِهِ وَثِقَتِهِ وَأَمَانَتِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنَ اَلنَّصِّ عَلَيْهِ بِالْأَمَانَةِ وَاَلْعَدَالَةِ، وَاَلْأَمْرِ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ فِي حَيَاةِ اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، وَبَعْدَ مَوْتِهِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ، لَا يَخْتَلِفُ فِي عَدَالَتِهِ، وَلَا يَرْتَابُ بِأَمَانَتِهِ، وَاَلتَّوْقِيعَاتُ تَخْرُجُ عَلَى يَدِهِ إِلَى اَلشِّيعَةِ فِي اَلمُهِمَّاتِ طُولَ حَيَاتِهِ بِالْخَطِّ اَلَّذِي كَانَتْ تَخْرُجُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عُثْمَانَ، لَا يَعْرِفُ اَلشِّيعَةُ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ غَيْرَهُ، وَلَا يَرْجِعُ إِلَى أَحَدٍ سِوَاهُ.
وَقَدْ نُقِلَتْ عَنْهُ دَلَائِلُ كَثِيرَةٌ، وَمُعْجِزَاتُ اَلْإِمَامِ ظَهَرَتْ عَلَى يَدِهِ، وَأُمُورٌ أَخْبَرَهُمْ بِهَا عَنْهُ زَادَتْهُمْ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ بَصِيرَةً، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ اَلشِّيعَةِ.
وقد قدَّمنا طرفاً منها، فلا نُطوِّل بإعادتها، فإنَّ في ذلك كفاية للمنصف إنْ شاء الله تعالى.
328 - قَالَ اِبْنُ نُوحٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله اِبْنُ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيِّ، قَالَ: كَانَ لِأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ كُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ فِي اَلْفِقْهِ مِمَّا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، وَمِنَ اَلصَّاحِبِ (عليه السلام)، وَمِنْ أَبِيهِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام)، فِيهَا كُتُبٌ تَرْجَمَتُهَا كُتُبُ اَلْأَشْرِبَةِ.
ذَكَرَتِ اَلْكَبِيرَةُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنها) أَنَّهَا وَصَلَتْ إِلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) عِنْدَ اَلْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ، وَكَانَتْ فِي يَدِهِ.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ: وَأَظُنُّهَا قَالَتْ: وَصَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ اَلسَّمُرِيِّ (رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ).
329 - قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ بَابَوَيْهِ: رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ (قدّس سره) أَنَّهُ قَالَ: وَاَلله إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ لَيَحْضُرُ اَلمَوْسِمَ كُلَّ سَنَةٍ، يَرَى اَلنَّاسَ وَيَعْرِفُهُمْ، وَيَرَوْنَهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ»(1169).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1169) كمال الدِّين (ص 440/ باب 43/ ح 8) عن ابن المتوكِّل، عن الحميري، عن محمّد بن عثمان العمري، من لا يحضره الفقيه (ج 2/ ص 520/ ذيل الحديث 3115).

(٤٠٧)

330 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ اَلمُتَوَكِّلِ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ (رضي الله عنه)، فَقُلْتُ لَهُ: رَأَيْتَ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَآخِرُ عَهْدِي بِهِ عِنْدَ بَيْتِ اَلله اَلْحَرَامِ، وَهُوَ (عليه السلام) يَقُولُ: «اَللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ (رضي الله عنه): وَرَأَيْتُهُ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقاً بِأَسْتَارِ اَلْكَعْبَةِ فِي اَلمُسْتَجَارِ، وَهُوَ يَقُولُ: «اَللَّهُمَّ اِنْتَقِمْ لِي مِنْ أَعْدَائِكَ»(1170).
331 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ اَلزُّرَارِيُّ(1171)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَدَقَةَ اَلْقُمِّيِّ (رحمه الله)(1172)، قَالَ: خَرَجَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه) اِبْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ: «لِيُخْبِرَ اَلَّذِينَ يَسْأَلُونَ عَنِ اَلاِسْمِ إِمَّا اَلسُّكُوتَ وَاَلْجَنَّةَ، وَإِمَّا اَلْكَلَامَ وَاَلنَّارَ، فَإِنَّهُمْ إِنْ وَقَفُوا عَلَى اَلاِسْمِ أَذَاعُوهُ، وَإِنْ وَقَفُوا عَلَى اَلمَكَانِ دَلُّوا عَلَيْهِ».
332 - قَالَ اِبْنُ نُوحٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي [أَبُو](1173) عَلِيِّ بْنُ أَبِي جِيدٍ اَلْقُمِّيُّ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ اَلدَّلَّالُ اَلْقُمِّيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ (رضي الله عنه) يَوْماً لِأُسَلِّمَ عَلَيْهِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1170) تقدَّم في (ح 222) مع تخريجاته.
(1171) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 260 / الرقم 681): (عليُّ بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير ابن أعين، أبو الحسن الزراري، كان له اتِّصال بصاحب الأمر (عليه السلام)، وخرجت إليه توقيعات، وكانت له منزلة في أصحابنا، وكان ورعاً، ثقةً، فقيهاً، لا يُطعَن عليه بشيء، له كتاب النوادر).
(1172) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 277/ الرقم 728): (عليُّ بن مهدي بن صدقة بن هشام بن غالب بن محمّد بن عليٍّ الرقي الأنصاري، أبو الحسن، له كتاب عن الرضا (عليه السلام)).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 360/ الرقم 5329/15) من أصحاب الرضا (عليه السلام).
(1173) ما بين المعقوفتين من بعض النُّسَخ، وكذا ما يأتي.

(٤٠٨)

فَوَجَدْتُهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ سَاجَةٌ وَنَقَّاشٌ يَنْقُشُ عَلَيْهَا، وَيَكْتُبُ آياً مِنَ اَلْقُرْآنِ، وَأَسْمَاءَ اَلْأَئِمَّةِ (عليهم السلام) عَلَى حَوَاشِيهَا(1174)، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، مَا هَذِهِ اَلسَّاجَةُ؟
فَقَالَ لِي: هَذِهِ لِقَبْرِي تَكُونُ فِيهِ أُوضَعُ عَلَيْهَا - أَوْ قَالَ: أُسْنَدُ إِلَيْهَا -، وَقَدْ فَرِغْتُ مِنْهُ، وَأَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ أَنْزِلُ فِيهِ فَأَقْرَأُ جُزْءاً مِنَ اَلْقُرْآنِ فِيهِ فَأَصْعَدُ - وَأَظُنُّهُ قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَرَانِيهِ -، فَإِذَا كَانَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا وَكَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا وَكَذَا صِرْتُ إِلَى اَلله (عزَّ وجلَّ) وَدُفِنْتُ فِيهِ وَهَذِهِ اَلسَّاجَةُ مَعِي.
فَلَمَّا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ أَثْبَتُّ مَا ذَكَرَهُ، وَلَمْ أَزَلْ مُتَرَقِّباً بِهِ ذَلِكَ، فَمَا تَأَخَّرَ اَلْأَمْرُ حَتَّى اِعْتَلَّ أَبُو جَعْفَرٍ، فَمَاتَ فِي اَلْيَوْمِ اَلَّذِي ذَكَرَهُ مِنَ اَلشَّهْرِ اَلَّذِي قَالَهُ مِنَ اَلسَّنَةِ اَلَّتِي ذَكَرَهَا، وَدُفِنَ فِيهِ.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله: وَقَدْ سَمِعْتُ هَذَا اَلْحَدِيثَ مِنْ غَيْرِ [أَبِي] عَلِيٍّ، وَحَدَّثَتْنِي بِهِ أَيْضاً أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أَبِي جَعْفَرٍ (رَضِيَ اَللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا).
333 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْأَسْوَدِ اَلْقُمِّيُّ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيَّ (قدّس سره) حَفَرَ لِنَفْسِهِ قَبْراً وَسَوَّاهُ بِالسَّاجِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لِلنَّاسِ أَسْبَابٌ، وَسَأَلْتُهُ(1175) عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَمْرِي، فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَهْرَيْنِ (رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ)(1176).
334 - وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله: وَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي غَالِبٍ اَلزُّرَارِيِّ (رَحِمَهُ اَللهُ وَغَفَرَ لَهُ) أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيَّ (رحمه الله) مَاتَ فِي آخِرِ جُمَادِي اَلْأُولَى سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1174) (جوانبها خ ل).
(1175) في بعض النُّسَخ: (ثمّ سألته)، وكذا في كمال الدِّين.
(1176) كمال الدِّين (ص 502/ باب 45/ ح 29)؛ ورواه عنه الشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 268)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1120/ ح 36) مختصراً.

(٤٠٩)

وَذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله [بْنُ](1177) مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيَّ (رحمه الله) مَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَأَنَّهُ كَانَ يَتَوَلَّى هَذَا اَلْأَمْرَ نَحْواً مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً، يَحْمِلُ اَلنَّاسُ إِلَيْهِ أَمْوَالَهُمْ، وَيُخْرِجُ إِلَيْهِمُ اَلتَّوْقِيعَاتِ بِالْخَطِّ اَلَّذِي كَانَ يَخْرُجُ فِي حَيَاةِ اَلْحَسَنِ (عليه السلام) إِلَيْهِمْ بِالمُهِمَّاتِ فِي أَمْرِ اَلدِّينِ وَاَلدُّنْيَا وَفِيمَا يَسْأَلُونَهُ(1178) مِنَ اَلمَسَائِلِ بِالْأَجْوِبَةِ اَلْعَجِيبَةِ (رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ).
قَالَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله: إِنَّ قَبْرَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ عِنْدَ وَالِدَتِهِ فِي شَارِعِ بَابِ اَلْكُوفَةِ فِي اَلمَوْضِعِ اَلَّذِي كَانَتْ دُورُهُ وَمَنَازِلُهُ فِيهِ، وَهُوَ اَلْآنَ فِي وَسَطِ اَلصَّحْرَاءِ (قدّس سره)(1179).
ذكر إقامة أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري أبا القاسم الحسين ابن روح (رضي الله عنهما) مقامه بعده بأمر الإمام (صلوات الله عليه):
335 - أَخْبَرَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اَلْقُمِّيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْعَبَّاسِ أَحْمَدُ اِبْنُ عَلِيِّ بْنِ نُوحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيُّ (رحمه الله)(1180)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اَلله جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ(1181) اَلمَدَائِنِيُّ اَلمَعْرُوفُ بِابْنِ قَزْدَا فِي مَقَابِرِ قُرَيْشٍ(1182)، قَالَ: كَانَ مِنْ رَسْمِي إِذَا حَمَلْتُ اَلمَالَ اَلَّذِي فِي يَدِي إِلَى اَلشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ (قدّس سره) أَنْ أَقُولَ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَسْتَقْبِلُهُ بِمِثْلِهِ: هَذَا اَلمَالُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1177) من بحار الأنوار (ج 51/ ص 352).
(1178) في بعض النُّسَخ: (يسألون).
(1179) يُعرَف الشيخ محمّد بن عثمان العمري (رحمه الله) عند أهل بغداد بالشيخ الخلَّاني، وقبره في بغداد اليوم معروف يزوره الناس للتبرُّك به، وفيه عمارة مشيَّدة.
(1180) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 410/ الرقم 5954/35) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام)، قائلاً: (أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري، يُكنَّى أبا عليٍّ، ابن عمِّ أبي عبد الله، روى عنه التلعكبري وسمع منه سنة خمس وستِّين وثلاثمائة، وله منه إجازة).
(1181) في بعض النُّسَخ: (عثمان) بدل (محمّد).
(1182) مقابر قريش يُطلَق على مشهد الكاظمين (عليهما السلام)، وعلى جهة خاصَّة من صحنهما الشريف.

(٤١٠)

وَمَبْلَغُهُ كَذَا وَكَذَا لِلْإِمَامِ (عليه السلام)، فَيَقُولُ لِي: نَعَمْ، دَعْهُ، فَأُرَاجِعُهُ، فَأَقُولُ لَهُ: تَقُولُ لِي: إِنَّهُ لِلْإِمَامِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، لِلْإِمَامِ (عليه السلام)، فَيَقْبِضُهُ، فَصِرْتُ إِلَيْهِ آخِرَ عَهْدِي بِهِ (قدّس سره) وَمَعِي أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ، فَقُلْتُ لَهُ عَلَى رَسْمِي.
فَقَالَ لِي: اِمْضِ بِهَا إِلَى اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ.
فَتَوَقَّفْتُ، فَقُلْتُ: تَقْبِضُهَا أَنْتَ مِنِّي عَلَى اَلرَّسْمِ.
فَرَدَّ عَلَيَّ كَالمُنْكِرِ لِقَوْلِي، وَقَالَ: قُمْ عَافَاكَ اَللهُ، فَادْفَعْهَا إِلَى اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ.
فَلَمَّا رَأَيْتُ فِي وَجْهِهِ غَضَباً خَرَجْتُ وَرَكِبْتُ دَابَّتِي، فَلَمَّا بَلَغْتُ بَعْضَ اَلطَّرِيقِ رَجَعْتُ كَالشَّاكِّ، فَدَقَقْتُ اَلْبَابَ، فَخَرَجَ إِلَيَّ اَلْخَادِمُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟
فَقُلْتُ: أَنَا فُلَانٌ، فَاسْتَأْذِنْ لِي، فَرَاجَعَنِي وَهُوَ مُنْكِرٌ لِقَوْلِي وَرُجُوعِي، فَقُلْتُ لَهُ: اُدْخُلْ فَاسْتَأْذِنْ لِي فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لِقَائِهِ، فَدَخَلَ، فَعَرَّفَهُ خَبَرَ رُجُوعِي، وَكَانَ قَدْ دَخَلَ إِلَى دَارِ اَلنِّسَاءِ، فَخَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ وَرِجْلَاهُ فِي اَلْأَرْضِ، وَفِيهِمَا نَعْلَانِ يَصِفُ حُسْنَهُمَا(1183) وَحُسْنَ رِجْلَيْهِ.
فَقَالَ لِي: مَا اَلَّذِي جَرَّأَكَ عَلَى اَلرُّجُوعِ؟ وَلِمَ لَمْ تَمْتَثِلْ مَا قُلْتُهُ لَكَ؟
فَقُلْتُ: لَمْ أَجْسُرْ عَلَى مَا رَسَمْتَهُ لِي.
فَقَالَ لِي - وَهُوَ مُغْضَبٌ -: قُمْ عَافَاكَ اَللهُ، فَقَدْ أَقَمْتُ أَبَا اَلْقَاسِمِ حُسَيْنَ بْنَ رَوْحٍ مَقَامِي، وَنَصَبْتُهُ مَنْصَبِي.
فَقُلْتُ: بِأَمْرِ اَلْإِمَامِ؟
فَقَالَ: قُمْ عَافَاكَ اَللهُ كَمَا أَقُولُ لَكَ.
فَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي غَيْرُ اَلمُبَادَرَةِ، فَصِرْتُ إِلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ وَ هُوَ فِي دَارٍ ضَيِّقَةٍ، فَعَرَّفْتُهُ مَا جَرَى، فَسُرَّ بِهِ وَشَكَرَ اَللهَ (عزَّ وجلَّ)، وَدَفَعْتُ إِلَيْهِ اَلدَّنَانِيرَ، وَمَا زِلْتُ أَحْمِلُ إِلَيْهِ مَا يَحْصُلُ فِي يَدِي بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ اَلدَّنَانِيرِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1183) لعلَّ هذه الجملة من البزوفري، يعني: يصف ابن قزدا حسنهما وحسن رجليه.

(٤١١)

336 - قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ بِلَالِ بْنِ مُعَاوِيَةَ اَلمُهَلَّبِيَّ(1184) يَقُولُ فِي حَيَاةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْقَاسِمِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ اَلْقُمِّيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ مَتيل اَلْقُمِّيَّ يَقُولُ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيُّ (رضي الله عنه) لَهُ مَنْ يَتَصَرَّفُ لَهُ بِبَغْدَادَ نَحْوٌ مِنْ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ، وَأَبُو اَلْقَاسِمِ بْنُ رَوْحٍ (رضي الله عنه) فِيهِمْ، وَكُلُّهُمْ كَانُوا أَخَصَّ بِهِ مِنْ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ إِذَا اِحْتَاجَ إِلَى حَاجَةٍ أَوْ إِلَى سَبَبٍ يُنَجِّزُهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ لِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تِلْكَ اَلْخُصُوصِيَّةُ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) وَقَعَ اَلاِخْتِيَارُ عَلَيْهِ، وَكَانَتِ اَلْوَصِيَّةُ إِلَيْهِ.
337 - قَالَ: وَقَالَ مَشَايِخُنَا: كُنَّا لَا نَشُكُّ أَنَّهُ إِنْ كَانَتْ كَائِنَةٌ مِنْ [أَمْرِ](1185) أَبِي جَعْفَرٍ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ إِلَّا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَتيل أَوْ أَبُوهُ، لِمَا رَأَيْنَا مِنَ اَلْخُصُوصِيَّةِ بِهِ وَكَثْرَةِ كَيْنُونَتِهِ فِي مَنْزِلِهِ، حَتَّى بَلَغَ أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ لَا يَأْكُلُ طَعَاماً إِلَّا مَا أُصْلِحَ فِي مَنْزِلِ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَتيل وَأَبِيهِ بِسَبَبٍ وَقَعَ لَهُ، وَكَانَ طَعَامُهُ اَلَّذِي يَأْكُلُهُ فِي مَنْزِلِ جَعْفَرٍ وَأَبِيهِ.
وَكَانَ أَصْحَابُنَا لَا يَشُكُّونَ إِنْ كَانَتْ حَادِثَةٌ لَمْ تَكُنِ اَلْوَصِيَّةُ إِلَّا إِلَيْهِ مِنَ اَلْخُصُوصِيَّةِ بِهِ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ ذَلِكَ [وَ]وَقَعَ اَلاِخْتِيَارُ عَلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ سَلَّمُوا وَلَمْ يُنْكِرُوا، وَكَانُوا مَعَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا كَانُوا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنه)، وَلَمْ يَزَلْ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَتيل فِي جُمْلَةِ أَبِي اَلْقَاسِمِ (رضي الله عنه) وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَتَصَرُّفِهِ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي جَعْفَرٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1184) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 265/ الرقم 690): (عليُّ بن بلال بن أبي معاوية، أبو الحسن المهلبي الأزدي، شيخ أصحابنا بالبصرة، ثقة، سمع الحديث فأكثر)، وذكره (رحمه الله) في ترجمة الحسين بن سعيد (ص 60)، وفيه: (حدَّثني أبو الحسن عليُّ بن بلال بن معاوية بن أحمد المهلبي بالبصرة).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 434/ الرقم 6215/58) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام)، قائلاً: (عليُّ بن بلال المهلبي، روى عنه ابن حاشر).
(1185) ما بين المعقوفتين من بعض النُّسَخ، وكذا ما يأتي.

(٤١٢)

اَلْعَمْرِيِّ إِلَى أَنْ مَاتَ (رضي الله عنه)، فَكُلُّ مَنْ طَعَنَ عَلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ فَقَدْ طَعَنَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ، وَطَعَنَ عَلَى اَلْحُجَّةِ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ).
338 - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْأَسْوَدُ (رحمه الله)، قَالَ: كُنْتُ أَحْمِلُ اَلْأَمْوَالَ اَلَّتِي تَحْصُلُ فِي بَابِ اَلْوَقْفِ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ (رحمه الله)، فَيَقْبِضُهَا مِنِّي، فَحَمَلْتُ إِلَيْهِ يَوْماً شَيْئاً مِنَ اَلْأَمْوَالِ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ سِنِينَ، فَأَمَرَنِي بِتَسْلِيمِهِ إِلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْرَّوْحِيِّ (رضي الله عنه)، فَكُنْتُ أُطَالِبُهُ بِالْقُبُوضِ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنه)، فَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُطَالِبَهُ بِالْقُبُوضِ، وَقَالَ: كُلُّ مَا وَصَلَ إِلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ فَقَدْ وَصَلَ إِلَيَّ، فَكُنْتُ أَحْمِلُ بَعْدَ ذَلِكَ اَلْأَمْوَالَ إِلَيْهِ وَلَا أُطَالِبُهُ بِالْقُبُوضِ(1186).
339 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ(1187) بْنِ مَتيل، عَنْ عَمِّهِ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَتيل، قَالَ: لَـمَّا حَضَرَتْ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيَّ (رضي الله عنه) اَلْوَفَاةُ كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ رَأْسِهِ أَسْأَلُهُ وَأُحَدِّثُهُ، وَأَبُو اَلْقَاسِمِ بْنُ رَوْحٍ عِنْدَ رِجْلَيْهِ.
فَالْتَفَتَ إِلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أُوصِيَ إِلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ.
قَالَ: فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ، وَأَخَذْتُ بِيَدِ أَبِي اَلْقَاسِمِ وَأَجْلَسْتُهُ فِي مَكَانِي، وَتَحَوَّلْتُ إِلَى عِنْدِ رِجْلَيْهِ(1188).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1186) كمال الدِّين (ص 501 و502/ باب 45/ ح 28).
(1187) في بعض النُّسَخ: (أحمد)؛ وعدَّه النوري (رحمه الله) في خاتمة المستدرك (ج 5/ص 475/الرقم 98) بهذا العنوان من مشايخ الصدوق (رحمه الله).
(1188) كمال الدِّين (ص 503/ باب 45/ ح 33 )، عنه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1120 و1121/ ح 37).

(٤١٣)

340 - وَقَالَ اِبْنُ نُوحٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اَلله اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ اَلْقُمِّيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا اَلْبَصْرَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: سَمِعْتُ علوية(1189) اَلصَّفَّارَ وَاَلْحُسَيْنَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ (رضي الله عنهما) يَذْكُرَانِ هَذَا اَلْحَدِيثَ، وَذَكَرَا أَنَّهُمَا حَضَرَا بَغْدَادَ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ وَشَاهَدَا ذَلِكَ.
341 - وَأَخْبَرَنَا (جَمَاعَةٌ)(1190)، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ (رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ) أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيَّ (قَدَّسَ اَللهُ رُوحَهُ) جَمَعَنَا قَبْلَ مَوْتِهِ، وَكُنَّا وُجُوهَ اَلشِّيعَةِ وَشُيُوخَهَا، فَقَالَ لَنَا: إِنْ حَدَثَ عَلَيَّ حَدَثُ اَلمَوْتِ فَالْأَمْرُ إِلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ اَلنَّوْبَخْتِيِّ، فَقَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَجْعَلَهُ فِي مَوْضِعِي بَعْدِي، فَارْجِعُوا إِلَيْهِ، وَعَوِّلُوا فِي أُمُورِكُمْ عَلَيْهِ.
342 - وَأَخْبَرَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ اِبْنِ نُوحٍ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اَلله اِبْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِي أَبُو إِبْرَاهِيمَ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ اَلنَّوْبَخْتِيُّ، قَالَ: قَالَ لِي أَبِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَمِّي أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اَلله بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِنَا - يَعْنِي بَنِي نَوْبَخْتَ -: إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيَّ لَـمَّا اِشْتَدَّتْ حَالُهُ اِجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ وُجُوهِ اَلشِّيعَةِ، مِنْهُمْ: أَبُو عَلِيٍّ بْنُ هَمَّامٍ، وَأَبُو عَبْدِ اَلله بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْكَاتِبُ، وَأَبُو عَبْدِ اَلله اَلْبَاقَطَانِيُّ(1191)، وَأَبُو سَهْلٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ اَلنَّوْبَخْتِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اَلله بْنُ اَلْوَجْنَاءُ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ اَلْوُجُوهِ (وَ)(1192) اَلْأَكَابِرِ، فَدَخَلُوا عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنه)، فَقَالُوا لَهُ: إِنْ حَدَثَ أَمْرٌ فَمَنْ يَكُونُ مَكَانَكَ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1189) ضبطه العلَّامة الحلِّي (رحمه الله) في إيضاح الاشتباه (ص 213/ الرقم 366) بتشديد اللَّام المضمومة والياء المنقَّطة تحتها نقطتين بعد الواو، ابن متوية بالتاء المنقَّطة فوقها نقطتين المشدَّدة، ابن عليِّ بن سعد بغير ياء، أخي أبي الآثار بالثاء المنقَّطة فوقها ثلاث نُقَط، القزداني بالقاف المفتوحة والزاي المشدَّدة والدال المهملة والنون بعد الألف.
(1190) ليس في بعض النُّسَخ.
(1191) في بعض النُّسَخ: (الباقطائي).
(1192) ليس في بعض النُّسَخ.

(٤١٤)

فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا أَبُو اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحِ بْنِ أَبِي بَحْرٍ اَلنَّوْبَخْتِيُّ اَلْقَائِمُ مَقَامِي، وَاَلسَّفِيرُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ صَاحِبِ اَلْأَمْرِ (عليه السلام)، وَاَلْوَكِيلُ لَهُ، وَاَلثِّقَةُ اَلْأَمِينُ، فَارْجِعُوا إِلَيْهِ فِي أُمُورِكُمْ، وَعَوِّلُوا عَلَيْهِ فِي مُهِمَّاتِكُمْ، فَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَقَدْ بَلَّغْتُ.
343 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ هِبَةِ اَلله بْنِ مُحَمَّدٍ اِبْنِ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنه)، قَالَتْ: كَانَ أَبُو اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحٍ (رضي الله عنه) وَكِيلاً لِأَبِي جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) سِنِينَ كَثِيرَةً يَنْظُرُ لَهُ فِي أَمْلَاكِهِ، وَيُلْقِي بِأَسْرَارِهِ اَلرُّؤَسَاءَ مِنَ اَلشِّيعَةِ، وَكَانَ خِصِّيصاً بِهِ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُهُ بِمَا يَجْرِي بَيْنَهُ وَ بَيْنَ جَوَارِيهِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَأُنْسِهِ.
قَالَتْ: وَكَانَ يَدْفَعُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ دِينَاراً رِزْقاً لَهُ، غَيْرَ مَا يَصِلُ إِلَيْهِ مِنَ اَلْوُزَرَاءِ وَاَلرُّؤَسَاءِ مِنَ اَلشِّيعَةِ - مِثْلِ آلِ اَلْفُرَاتِ وَغَيْرِهِمْ - لِجَاهِهِ وَلِمَوْضِعِهِ وَجَلَالَةِ مَحَلِّهِ عِنْدَهُمْ، فَحَصَّلَ فِي أَنْفُسِ اَلشِّيعَةِ مُحَصَّلاً جَلِيلاً لِمَعْرِفَتِهِمْ بِاخْتِصَاصِ أَبِي إِيَّاهُ وَتَوْثِيقِهِ عِنْدَهُمْ، وَنَشْرِ فَضْلِهِ وَدِينِهِ وَمَا كَانَ يَحْتَمِلُهُ مِنْ هَذَا اَلْأَمْرِ، فَتَمَهَّدَتْ لَهُ اَلْحَالُ فِي طُولِ حَيَاةِ أَبِي إِلَى أَنِ اِنْتَهَتِ اَلْوَصِيَّةُ إِلَيْهِ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي أَمْرِهِ وَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ أَحَدٌ إِلَّا جَاهِلٌ بِأَمْرِ أَبِي أَوَّلاً، مَعَ مَا لَسْتُ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَداً مِنَ اَلشِّيعَةِ شَكَّ فِيهِ.
وَقَدْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي نَوْبَخْتَ (رحمهم الله) مِثْلِ أَبِي اَلْحَسَنِ بْنِ كِبْرِيَاءَ، وَغَيْرِهِ.
344 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلْعَبَّاسِ بْنِ نُوحٍ، قَالَ: وَجَدْتُ بِخَطِّ مُحَمَّدِ اِبْنِ نَفِيسٍ فِيمَا كَتَبَهُ بِالْأَهْوَازِ: أَوَّلَ كِتَابٍ وَرَدَ مِنْ أَبِي اَلْقَاسِمِ (رضي الله عنه): «نَعْرِفُهُ عَرَّفَهُ اَللهُ اَلْخَيْرَ كُلَّهُ وَرِضْوَانَهُ، وَأَسْعَدَهُ بِالتَّوْفِيقِ، وَقَفْنَا عَلَى كِتَابِهِ، وَثِقَتُنَا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ عِنْدَنَا بِالمَنْزِلَةِ وَاَلمَحَلِّ اَللَّذَيْنِ يَسُرَّانِهِ، زَادَ اَللهُ فِي إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ، إِنَّهُ وَلِيُّ قَدِيرٌ، وَاَلْحَمْدُ لِله لَا شَرِيكَ لَهُ، وَصَلَّى اَللهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً».

(٤١٥)

وَرَدَتْ هَذِهِ اَلرُّقْعَةُ يَوْمَ اَلْأَحَدِ لِسِتِّ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
[صورة بعض توقيعات الحجَّة (عجّل الله فرجه)]:
345 - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُدَ اَلْقُمِّيِّ، قَالَ: وَجَدْتُ بِخَطِّ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ اَلنَّوْبَخْتِيِّ، وَإِمْلَاءِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) عَلَى ظَهْرِ كِتَابٍ فِيهِ جَوَابَاتٌ وَمَسَائِلُ أُنْفِذَتْ مِنْ قُمَّ يَسْأَلُ عَنْهَا: هَلْ هِيَ جَوَابَاتُ اَلْفَقِيهِ (عليه السلام) أَوْ جَوَابَاتُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلشَّلْمَغَانِيِّ؟ لِأَنَّهُ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ اَلمَسَائِلُ أَنَا أَجَبْتُ عَنْهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ عَلَى ظَهْرِ كِتَابِهِمْ:
«بِسْمِ اَلله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، قَدْ وَقَفْنَا عَلَى هَذِهِ اَلرُّقْعَةِ وَمَا تَضَمَّنَتْهُ، فَجَمِيعُهُ جَوَابُنَا عَنِ اَلمَسَائِلِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْمَخْذُولِ اَلضَّالِّ اَلمُضِلِّ اَلمَعْرُوفِ بِالْعَزَاقِرِيِّ (لَعَنَهُ اَللهُ) فِي حَرْفٍ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَتْ أَشْيَاءُ خَرَجَتْ إِلَيْكُمْ عَلَى يَدَيْ أَحْمَدَ بْنِ بِلَالٍ(1193) وَغَيْرِهِ مِنْ نُظَرَائِهِ، وَكَانَ(1194) مِنِ اِرْتِدَادِهِمْ عَنِ اَلْإِسْلَامِ مِثْلُ مَا كَانَ مِنْ هَذَا (عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اَلله وَغَضَبُهُ)».
فَاسْتَثْبَتُّ قَدِيماً فِي ذَلِكَ، فَخَرَجَ اَلْجَوَابُ: «أَلَا مَنِ اِسْتَثْبَتَّ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي خُرُوجِ مَا خَرَجَ عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ».
وَرُوِيَ قَدِيماً عَنْ بَعْضِ اَلْعُلَمَاءِ (عَلَيْهِمُ اَلسَّلَامُ وَاَلصَّلَاةُ وَاَلرَّحْمَةُ) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مِثْلِ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي بَعْضِ مَنْ غَضِبَ اَللهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ (عليه السلام): «اَلْعِلْمُ عِلْمُنَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْكُمْ مِنْ كُفْرِ مَنْ كَفَرَ، فَمَا صَحَّ لَكُمْ مِمَّا خَرَجَ عَلَى يَدِهِ بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ لَهُ مِنَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1193) كذا؛ ولعلَّه تحريف من (ابن هلال) لأنَّ ابن بلال وإنْ كان من السفراء المذمومين، ولكنَّه ليس مسمَّى بأحمد بل بمحمّد، وهو المكنَّى بأبي طاهر محمّد بن عليِّ بن بلال الذي يأتي أنَّه وأحمد بن هلال العبرتائي الكرخي من المذمومين.
(1194) في بعض النُّسَخ: (فكان).

(٤١٦)

اَلثِّقَاتِ (رحمهم الله) فَاحْمَدُوا اَللهَ وَاِقْبَلُوهُ، وَمَا شَكَكْتُمْ فِيهِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ إِلَّا عَلَى يَدِهِ فَرُدُّوهُ إِلَيْنَا لِنُصَحِّحَهُ أَوْ نُبْطِلَهُ، وَاَللهُ (تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ) وَلِيُّ تَوْفِيقِكُمْ، وَحَسْبُنَا فِي أُمُورِنَا كُلِّهَا، وَنِعْمَ اَلْوَكِيلُ».
وَقَالَ اِبْنُ نُوحٍ: أَوَّلُ مَنْ حَدَّثَنَا بِهَذَا اَلتَّوْقِيعِ أَبُو اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ تَمَّامٍ: وَذَكَرَ أَنَّهُ كَتَبَهُ مِنْ ظَهْرِ اَلدَّرْجِ اَلَّذِي عِنْدَ أَبِي اَلْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو اَلْحَسَنِ بْنُ دَاوُدَ وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، ذَكَرَ أَنَّ هَذَا اَلدَّرْجَ بِعَيْنِهِ كَتَبَ بِهِ أَهْلُ قُمَّ إِلَى اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ، فَأَجَابَهُمْ عَلَى ظَهْرِهِ بِخَطِّ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ اَلنَّوْبَخْتِيِّ، وَحَصَلَ اَلدَّرْجُ عِنْدَ أَبِي اَلْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ.
نُسْخَةُ اَلدَّرْجِ:
مَسَائِلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيِّ: بِسْمِ اَلله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، أَطَالَ اَللهُ بَقَاءَكَ، وَأَدَامَ عِزَّكَ وَتَأْيِيدَكَ وَسَعَادَتَكَ وَسَلَامَتَكَ، وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ، وَزَادَ فِي إِحْسَانِهِ إِلَيْكَ، وَجَمِيلِ مَوَاهِبِهِ لَدَيْكَ، وَفَضْلِهِ عِنْدَكَ، وَجَعَلَنِي مِنَ اَلسُّوءِ(1195) فِدَاكَ، وَقَدَّمَنِي قِبَلَكَ، اَلنَّاسُ يَتَنَافَسُونَ فِي اَلدَّرَجَاتِ، فَمَنْ قَبِلْتُمُوهُ كَانَ مَقْبُولاً، وَمَنْ دَفَعْتُمُوهُ كَانَ وَضِيعاً، وَاَلْخَامِلُ مَنْ وَضَعْتُمُوهُ، وَنَعُوذُ بِالله مِنْ ذَلِكَ، وَبِبَلَدِنَا (أَيَّدَكَ اَللهُ) جَمَاعَةٌ مِنَ اَلْوُجُوهِ يَتَسَاوَوْنَ وَيَتَنَافَسُونَ فِي اَلمَنْزِلَةِ.
وَوَرَدَ (أَيَّدَكَ اَللهُ) كِتَابُكَ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ فِي أَمْرٍ أَمَرْتَهُمْ بِهِ مِنْ مُعَاوَنَةِ (ص)(1196)، وَأُخْرِجَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مَالِكٍ اَلمَعْرُوفُ بادوكة، وَهُوَ خَتَنُ (ص) (رحمهم الله) مِنْ بَيْنِهِمْ، فَاغْتَمَّ بِذَلِكَ، وَسَأَلَنِي (أَيَّدَكَ اَللهُ) أَنْ أُعْلِمَكَ مَا نَالَهُ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1195) في بعض النُّسَخ: (من كلِّ سوء).
(1196) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 53/ ص 154): (وعبَّر عن المُعان برمز (ص) للمصلحة، وحاصل جوابه (عليه السلام): أنَّ هؤلاء كاتبوني وسألوني فأجبتهم، وهو لم يكاتبني من بينهم، فلذا لم أُدخله فيهم، وليس ذلك من تقصير وذنب).

(٤١٧)

ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَنْبٍ اِسْتَغْفَرَ اَللهَ مِنْهُ، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ عَرَّفْتَهُ مَا يَسْكُنُ نَفْسُهُ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اَللهُ.
اَلتَّوْقِيعُ: «لَمْ نُكَاتِبْ إِلَّا مَنْ كَاتَبَنَا».
وَقَدْ عَوَّدْتَنِي (أَدَامَ اَللهُ عِزَّكَ) مِنْ تَفَضُّلِكَ مَا أَنْتَ أَهْلٌ أَنْ تُجْرِيَنِي(1197) عَلَى اَلْعَادَةِ، وَقِبَلَكَ (أَعَزَّكَ اَللهُ) فُقَهَاءُ، أَنَا مُحْتَاجٌ إِلَى أَشْيَاءَ تَسْأَلُ لِي عَنْهَا.
فَرُوِيَ لَنَا عَنِ اَلْعَالِمِ (عليه السلام) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ إِمَامِ قَوْمٍ صَلَّى بِهِمْ بَعْضَ صَلَاتِهِمْ وَحَدَثَتْ عَلَيْهِ حَادِثَةٌ، كَيْفَ يَعْمَلُ مَنْ خَلْفَهُ؟ فَقَالَ: «يُؤَخَّرُ وَيُقَدَّمُ بَعْضُهُمْ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُمْ وَيَغْتَسِلُ مَنْ مَسَّهُ».
اَلتَّوْقِيعُ: «لَيْسَ عَلَى مَنْ نَحَّاهُ إِلَّا غَسْلُ اَلْيَدِ، وَإِذَا لَمْ تَحْدُثْ حَادِثَةٌ تَقْطَعُ اَلصَّلَاةَ تَمَّمَ صَلَاتَهُ مَعَ اَلْقَوْمِ».
وَرُوِيَ عَنِ اَلْعَالِمِ (عليه السلام): إِنْ مَسَّ مَيِّتاً بِحَرَارَتِهِ غَسَلَ يَدَيْهِ، وَمَنْ مَسَّهُ وَقَدْ بَرَدَ فَعَلَيْهِ اَلْغُسْلُ، وَهَذَا اَلْإِمَامُ فِي هَذِهِ اَلْحَالَةِ لَا يَكُونُ مَسُّهُ إِلَّا بِحَرَارَتِهِ، وَاَلْعَمَلُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ، وَلَعَلَّهُ يُنَحِّيهِ بِثِيَابِهِ وَلَا يَمَسُّهُ، فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ اَلْغُسْلُ؟
اَلتَّوْقِيعُ: «إِذَا مَسَّهُ عَلَى هَذِهِ اَلْحَالَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلَّا غَسْلُ يَدِهِ».
وَعَنْ صَلَاةِ جَعْفَرٍ إِذَا سَهَا فِي اَلتَّسْبِيحِ فِي(1198) قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ وَذَكَرَهُ فِي حَالَةٍ أُخْرَى قَدْ صَارَ فِيهَا مِنْ هَذِهِ اَلصَّلَاةِ، هَلْ يُعِيدُ مَا فَاتَهُ مِنْ ذَلِكَ اَلتَّسْبِيحِ فِي اَلْحَالَةِ اَلَّتِي ذَكَرَهَا أَمْ يَتَجَاوَزُ فِي صَلَاتِهِ؟
اَلتَّوْقِيعُ: «إِذَا سَهَا(1199) فِي حَالَةٍ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ فِي حَالَةٍ أُخْرَى قَضَى مَا فَاتَهُ فِي اَلْحَالَةِ اَلَّتِي ذَكَرَ[هُ](1200)».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1197) في بعض النُّسَخ: (تجزيني).
(1198) في بعض النُّسَخ: (أو قيام).
(1199) في بعض النُّسَخ: (إذا هو سها).
(1200) من الاحتجاج وبعض النُّسَخ.

(٤١٨)

وَعَنِ اَلمَرْأَةِ يَمُوتُ زَوْجُهَا، هَلْ يَجُوزُ أَنْ تَخْرُجَ فِي جَنَازَتِهِ أَمْ لَا؟
اَلتَّوْقِيعُ: «تَخْرُجُ فِي جَنَازَتِهِ».
وَهَلْ يَجُوزُ لَهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا أَنْ تَزُورَ قَبْرَ زَوْجِهَا أَمْ لَا؟
اَلتَّوْقِيعُ: «تَزُورُ قَبْرَ زَوْجِهَا، وَلَا تَبِيتُ عَنْ بَيْتِهَا».
وَهَلْ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي قَضَاءِ حَقٍّ يَلْزَمُهَا أَمْ لَا تَبْرَحُ مِنْ بَيْتِهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا؟
اَلتَّوْقِيعُ: «إِذَا كَانَ حَقٌّ خَرَجَتْ وَقَضَتْهُ، وَإِذَا كَانَتْ لَهَا حَاجَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْ يَنْظُرُ فِيهَا خَرَجَتْ لَهَا حَتَّى تُقْضَى، وَلَا تَبِيتُ عَنْ مَنْزِلِهَا».
وَرُوِيَ فِي ثَوَابِ اَلْقُرْآنِ فِي اَلْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا أَنَّ اَلْعَالِمَ (عليه السلام) قَالَ: «عَجَباً لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي صَلَاتِهِ ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ كَيْفَ تُقْبَلُ صَلَاتُهُ؟»، وَرُوِيَ: «مَا زَكَتْ صَلَاةٌ لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا بِـ ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾»، وَرُوِيَ أَنَّ «مَنْ قَرَأَ فِي فَرَائِضِهِ اَلْهُمَزَةَ أُعْطِيَ مِنَ اَلدُّنْيَا»، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ اَلْهُمَزَةَ وَيَدَعَ هَذِهِ اَلسُّوَرَ اَلَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَعَ مَا قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ وَلَا تَزْكُو إِلَّا بِهِمَا؟
اَلتَّوْقِيعُ: «اَلثَّوَابُ فِي اَلسُّوَرِ عَلَى مَا قَدْ رُوِيَ، وَإِذَا تَرَكَ سُورَةً مِمَّا فِيهَا اَلثَّوَابُ وَقَرَأَ ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ وَ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾ لِفَضْلِهِمَا، أُعْطِيَ ثَوَابَ مَا قَرَأَ وَثَوَابَ اَلسُّورَةِ اَلَّتِي تَرَكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَ هَاتَيْنِ اَلسُّورَتَيْنِ وَتَكُونُ صَلَاتُهُ تَامَّةً وَلَكِنْ يَكُونُ قَدْ تَرَكَ اَلْفَضْلَ».
وَعَنْ وَدَاعِ شَهْرِ رَمَضَانَ مَتَى يَكُونُ؟ فَقَدِ اِخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا، فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: يُقْرَأُ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْهُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ إِذَا رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ.
اَلتَّوْقِيعُ: «اَلْعَمَلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي لَيَالِيهِ، وَاَلْوَدَاعُ يَقَعُ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْهُ، فَإِنْ خَافَ أَنْ يَنْقُصَ جَعَلَهُ فِي لَيْلَتَيْنِ».

(٤١٩)

وَعَنْ قَوْلِ اَلله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [الحاقَّة: 40]، أَنَّ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اَلمَعْنِيُّ بِهِ، ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ﴾ مَا هَذِهِ اَلْقُوَّةُ؟ ﴿مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ [التكوير: 20 و21]، مَا هَذِهِ اَلطَّاعَةُ؟ وَأَيْنَ هِيَ؟
فَرَأْيُكَ أَدَامَ اَللهُ عِزَّكَ بِالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِمَسْأَلَةِ مَنْ تَثِقُ بِهِ مِنَ اَلْفُقَهَاءِ عَنْ هَذِهِ اَلمَسَائِلِ، وَإِجَابَتِي عَنْهَا مُنْعِماً، مَعَ مَا تَشْرَحُهُ لِي مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مَالِكٍ اَلمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ بِمَا يَسْكُنُ إِلَيْهِ، وَيَعْتَدُّ بِنِعْمَةِ اَلله عِنْدَهُ، وَتَفَضَّلْ عَلَيَّ بِدُعَاءٍ جَامِعٍ لِي وَلِإِخْوَانِي لِلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ، فَعَلْتَ مُثَاباً إِنْ شَاءَ اَللهُ تَعَالَى.
اَلتَّوْقِيعُ: «جَمَعَ اَللهُ لَكَ وَلِإِخْوَانِكَ خَيْرَ اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ».
أَطَالَ اَللهُ بَقَاءَكَ، وَأَدَامَ عِزَّكَ وَتَأْيِيدَكَ وَكَرَامَتَكَ وَسَعَادَتَكَ وَسَلَامَتَكَ، وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ، وَزَادَ فِي إِحْسَانِهِ إِلَيْكَ، وَجَمِيلِ مَوَاهِبِهِ لَدَيْكَ، وَفَضْلِهِ عِنْدَكَ، وَجَعَلَنِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ فِدَاكَ، وَقَدَّمَنِي قِبَلَكَ، اَلْحَمْدُ لِله رَبِّ اَلْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اَللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ(1201)،(1202).
346 - مِنْ كِتَابٍ آخَرَ: فَرَأْيُكَ (أَدَامَ اَللهُ عِزَّكَ) فِي تَأَمُّلِ رُقْعِتي، وَاَلتَّفَضُّلِ بِمَا يُسَهِّلُ، لِأُضِيفَهُ إِلَى سَائِرِ أَيَادِيكَ عَلَيَّ، وَاِحْتَجْتُ (أَدَامَ اَللهُ عِزَّكَ) أَنْ تَسْأَلَ لِي بَعْضَ اَلْفُقَهَاءِ عَنِ اَلمُصَلِّي إِذَا قَامَ مِنَ اَلتَّشَهُّدِ اَلْأَوَّلِ لِلرَّكْعَةِ اَلثَّالِثَةِ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1201) رواه أحمد بن عليٍّ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 301 - 303) إلى قوله: «ولإخوانك خير الدنيا والآخرة».

(1202) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 53/ ص 154): (قوله: (فاستثبتُ) من تتمَّة ما كتب السائل، أي كنت قديماً أطلب إثبات هذه التوقيعات، هل هي منكم أو لا؟ ولـمَّا كان جواب هذه الفقرة مكتوباً تحتها أفردها للإشعار بذلك. قوله: (نسخة الدرج) أي نسخة الكتاب المدرج المطوي، كتبه أهل قم وسألوا عن بيان صحَّته، فكتب (عليه السلام) أنَّ جميعه صحيح...، قوله: (وقبلك أعزَّك الله) خطاب للسفير المتوسِّط بينه وبين الإمام (عليه السلام)، أو للإمام تقيَّةً. وقول: (أطال الله بقاءك) آخراً كلام الحميري ختم به كتابه).

(٤٢٠)

أَنْ يُكَبِّرَ؟ فَإِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اَلتَّكْبِيرُ، وَيُجْزِيهِ أَنْ يَقُولَ: بِحَوْلِ اَلله وَقُوَّتِهِ أَقُومُ وَأَقْعُدُ.
اَلجَوَابُ: قَالَ: «إِنَّ فِيهِ حَدِيثَيْنِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ إِذَا اِنْتَقَلَ مِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى فَعَلَيْهِ تَكْبِيرٌ، وَأَمَّا اَلْآخَرُ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ اَلسَّجْدَةِ اَلثَّانِيَةِ فَكَبَّرَ ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ قَامَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلْقِيَامِ بَعْدَ اَلْقُعُودِ تَكْبِيرٌ، وَكَذَلِكَ اَلتَّشَهُّدُ اَلْأَوَّلُ يَجْرِي هَذَا اَلمَجْرَى، وَبِأَيِّهِمَا أَخَذْتَ مِنْ جِهَةِ اَلتَّسْلِيمِ كَانَ صَوَاباً».
وَعَنِ اَلْفَصِّ اَلْخُمَاهَنِ(1203) هَلْ تَجُوزُ فِيهِ اَلصَّلَاةُ إِذَا كَانَ فِي إِصْبَعِهِ؟
اَلجَوَابُ: «فِيهِ كَرَاهَةٌ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، وَفِيهِ إِطْلَاقٌ، وَاَلْعَمَلُ عَلَى اَلْكَرَاهِيَةِ(1204)».
وَعَنْ رَجُلٍ اِشْتَرَى هَدْياً لِرَجُلٍ غَائِبٍ عَنْهُ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَنْحَرَ عَنْهُ هَدْياً بِمِنًى، فَلَمَّا أَرَادَ نَحْرَ اَلْهَدْيِ نَسِيَ اِسْمَ اَلرَّجُلِ وَنَحَرَ اَلْهَدْيَ، ثُمَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَيُجْزِي عَنِ اَلرَّجُلِ أَمْ لَا؟
اَلجَوَابُ: «لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْ صَاحِبِهِ».
وَعِنْدَنَا حَاكَةٌ مَجُوسٌ يَأْكُلُونَ اَلمَيْتَةَ وَلَا يَغْتَسِلُونَ مِنَ اَلْجَنَابَةِ، وَيَنْسِجُونَ لَنَا ثِيَاباً، فَهَلْ تَجُوزُ اَلصَّلَاةُ فِيهَا [مِنْ](1205) قَبْلِ أَنْ تُغْسَلَ؟
اَلجَوَابُ: «لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1203) في هامش بحار الأنوار (ج 53/ ص 154): (خماهن ويقال: خماهان، حجر صلب في غاية الصلابة، أغبر يضرب إلى الحمرة، وقيل: إنَّه نوع من الحديد يُسمَّى بالعربيَّة الحجر الحديدي والصندل الحديدي، وقيل: إنَّه حجر أبلق يُصنَع منه الفصوص).
(1204) الظاهر أنَّ المراد: فيه روايتان: إحداهما كراهة أنْ يُصلِّى فيه، والأُخرى إطلاق، والعمل على رواية الكراهة.
وفي بعض النُّسَخ: (الكراهة) بدل (الكراهية).
(1205) من الاحتجاج.

(٤٢١)

وَعَنِ اَلمُصَلِّي يَكُونُ فِي صَلَاةِ اَللَّيْلِ فِي ظُلْمَةٍ، فَإِذَا سَجَدَ يَغْلَطُ بِالسَّجَّادَةِ وَيَضَعُ جَبْهَتَهُ عَلَى مِسْحٍ(1206) أَوْ نَطْعٍ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ وَجَدَ اَلسَّجَّادَةَ، هَلْ يَعْتَدُّ بِهَذِهِ اَلسَّجْدَةِ أَمْ لَا يَعْتَدُّ بِهَا؟
اَلجَوَابُ: «مَا لَمْ يَسْتَوِ جَالِساً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي رَفْعِ رَأْسِهِ لِطَلَبِ اَلْخُمْرَةِ(1207)».
وَعَنِ اَلمُحْرِمِ يَرْفَعُ اَلظِّلَالَ، هَلْ يَرْفَعُ خَشَبَ اَلْعَمَّارِيَّةِ أَوِ اَلْكَنِيسَةِ(1208) وَيَرْفَعُ اَلْجَنَاحَيْنِ أَمْ لَا؟
اَلجَوَابُ: «لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ، وَجَمِيعِ اَلْخَشَبِ».
وَعَنِ اَلمُحْرِمِ يَسْتَظِلُّ مِنَ اَلمَطَرِ بِنَطْعٍ أَوْ غَيْرِهِ جذراً عَلَى ثِيَابِهِ وَمَا فِي مَحْمِلِهِ أَنْ يَبْتَلَّ، فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟
اَلجَوَابُ: «إِذَا فَعَلَ (ذَلِكَ)(1209) فِي اَلمَحْمِلِ فِي طَرِيقِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ».
وَاَلرَّجُلُ يَحُجُّ عَنْ أُجْرَةٍ(1210)، هَلْ يَحْتَاجُ أَنْ يَذْكُرَ اَلَّذِي حَجَّ عَنْهُ عِنْدَ عَقْدِ إِحْرَامِهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَذْبَحَ عَمَّنْ حَجَّ عَنْهُ وَعَنْ نَفْسِهِ أَمْ يُجْزِيهِ هَدْيٌ وَاحِدٌ؟
اَلجَوَابُ: «يَذْكُرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا بَأْسَ(1211)».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1206) (المسح - بكسر الميم - ثوب غليظ يُقعَد عليه، يُعبَّر عنه: بلاس. والنطع: بساط من الأديم).
(1207) في مجمع البحرين (ج 3/ ص 292): (قد تكرَّر في الحديث ذكر الخمرة والسجود عليها، وهي بالضمِّ سجَّادة صغيرة تُعمَل من سعف النخل وتُزمَّل بالخيوط).
(1208) في مجمع البحرين (ج 4/ ص 100): (هي شيء يُغرَز في المحمل أو في الرحل ويُلقى عليه ثوب يستظلُّ به الراكب ويستتر به).
(1209) ليس في بعض النُّسَخ.
(1210) في بعض النُّسَخ: (عن آخر).
(1211) لم يقع الجواب عن المسألة الثانية، وهكذا في جميع النُّسَخ، ولكن جاء في الاحتجاج هكذا: (الجواب: قد يجزيه هدي واحد، وإنْ لم يفعل فلا بأس).

(٤٢٢)

وَهَلْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُحْرِمَ فِي كِسَاءِ خَزٍّ أَمْ لَا؟
اَلجَوَابُ: «لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَقَدْ فَعَلَهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ(1212)».
وَهَلْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ وَفِي رِجْلَيْهِ بَطِيطٌ(1213) لَا يُغَطِّي اَلْكَعْبَيْنِ أَمْ لَا يَجُوزُ؟
اَلجَوَابُ: «جَائِزٌ».
وَيُصَلِّي اَلرَّجُلُ وَمَعَهُ فِي كُمِّهِ أَوْ سَرَاوِيلِهِ سِكِّينٌ أَوْ مِفْتَاحُ حَدِيدٍ، هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟
اَلجَوَابُ: «جَائِزٌ».
وَعَنِ اَلرَّجُلِ يَكُونُ مَعَ بَعْضِ هَؤُلَاءِ وَمُتَّصِلاً بِهِمْ يَحُجُّ وَيَأْخُذُ عَلَى اَلْجَادَّةِ، وَلَا يُحْرِمُونَ هَؤُلَاءِ مِنَ اَلمَسْلَخِ، فَهَلْ يَجُوزُ لِهَذَا اَلرَّجُلِ أَنْ يُؤَخِّرَ إِحْرَامَهُ إِلَى ذَاتِ عِرْقٍ(1214) فَيُحْرِمَ مَعَهُمْ لِمَا يَخَافُ اَلشُّهْرَةَ أَمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ إِلَّا مِنَ اَلمَسْلَخِ؟
اَلجَوَابُ: «يُحْرِمُ مِنْ مِيقَاتِهِ، ثُمَّ يَلْبَسُ اَلثِّيَابَ وَيُلَبِّي فِي نَفْسِهِ، فَإِذَا بَلَغَ إِلَى مِيقَاتِهِمْ أَظْهَرَ».
وَعَنْ لُبْسِ اَلنَّعْلِ اَلمَعْطُونِ(1215)، فَإِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَذْكُرُ أَنَّ لُبْسَهُ كَرِيهٌ.
(اَلجَوَابُ: «جَائِزٌ ذَلِكَ، وَلَا بَأْسَ بِهِ»).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1212) الظاهر أنَّ المراد من (قوم صالحين) الأئمَّة (عليهم السلام)، راجع: الوسائل (ج 3/ باب 8 من أبواب لباس المصلِّي).
(1213) في القاموس المحيط (ج 2/ ص 351): (البطيط: ... رأس الخفِّ بلا ساق).
(1214) في شرائع الإسلام (ج 1/ ص 177): (المواقيت ستَّة: لأهل العراق: العقيق وأفضله المسلخ، ويليه غمرة، وآخره ذات عرق).
(1215) في القاموس المحيط (ج 4/ ص 248): (عطن الجلد كفرح وانعطن: وضع في الدباغ وترك فأفسد وأنتن، أو نضح عليه الماء فدفنه فاسترخى شعره لينتف. وعطنه يعطنه ويعطنه فهو معطون).

(٤٢٣)

وَعَنِ اَلرَّجُلِ مِنْ وُكَلَاءِ اَلْوَقْفِ يَكُونُ مُسْتَحِلًّا لِمَا فِي يَدِهِ لَا يَرِعُ(1216) عَنْ أَخْذِ مَالِهِ، رُبَّمَا نَزَلْتُ فِي قَرْيَةٍ وَهُوَ فِيهَا، أَوْ أَدْخُلُ مَنْزِلَهُ وَقَدْ حَضَرَ طَعَامُهُ، فَيَدْعُونِي إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ آكُلْ مِنْ طَعَامِهِ عَادَانِي عَلَيْهِ، وَقَالَ: فُلَانٌ لَا يَسْتَحِلُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِنَا، فَهَلْ يَجُوزُ لِي أَنْ آكُلَ مِنْ طَعَامِهِ وَأَتَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ؟ وَكَمْ مِقْدَارُ اَلصَّدَقَةِ؟ وَإِنْ أَهْدَى هَذَا اَلْوَكِيلُ هَدِيَّةً إِلَى رَجُلٍ آخَرَ، فَأَحْضُرُ فَيَدْعُونِي أَنْ أَنَالَ مِنْهَا، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ اَلْوَكِيلَ لَا يَرِعُ عَنْ أَخْذِ مَا فِي يَدِهِ، فَهَلْ عَلَيَّ فِيهِ شَيْءٌ إِنْ أَنَا نِلْتُ مِنْهَا؟
اَلجَوَابُ: «إِنْ كَانَ لِهَذَا اَلرَّجُلِ مَالٌ أَوْ مَعَاشٌ غَيْرُ مَا فِي يَدِهِ فَكُلْ طَعَامَهُ وَاِقْبَلْ بِرَّهُ، وَإِلَّا فَلَا».
وَعَنِ اَلرَّجُلِ مِمَّنْ يَقُولُ بِالْحَقِّ، وَيَرَى اَلمُتْعَةَ، وَيَقُولُ بِالرَّجْعَةِ، إِلَّا أَنَّ لَهُ أَهْلاً مُوَافِقَةً لَهُ فِي جَمِيعِ أَمْرِهِ، وَقَدْ عَاهَدَهَا أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا [وَلَا يَتَمَتَّعَ] وَلَا يَتَسَرَّى(1217)، وَقَدْ فَعَلَ هَذَا مُنْذُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَوَفَى بِقَوْلِهِ، فَرُبَّمَا غَابَ عَنْ مَنْزِلِهِ اَلْأَشْهُرَ فَلَا يَتَمَتَّعُ وَلَا تَتَحَرَّكُ نَفْسُهُ أَيْضاً لِذَلِكَ، وَيَرَى أَنَّ وُقُوفَ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَخٍ وَوَلَدٍ وَغُلَامٍ وَوَكِيلٍ وَحَاشِيَةٍ مِمَّا يُقَلِّلُهُ فِي أَعْيُنِهِمْ، وَيُحِبُّ اَلمُقَامَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مَحَبَّةً لِأَهْلِهِ وَمَيْلاً إِلَيْهَا وَصِيَانَةً لَهَا وَلِنَفْسِهِ، لَا يُحَرِّمُ اَلمُتْعَةَ، بَلْ يَدِينُ اَللهَ بِهَا، فَهَلْ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ ذَلِكَ مَأْثَمٌ أَمْ لَا؟
اَلجَوَابُ فِي ذَلِكَ: «يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُطِيعَ اَللهَ تَعَالَى [بِالمُتْعَةِ](1218) لِيَزُولَ عَنْهُ اَلْحَلْفُ عَلَى اَلمَعْرِفَةِ(1219) وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1216) من الورع، وهو التقوى. والضمير في (ماله) يرجع إلى (الوقف)، أي لا يتورَّع عن أخذ مال الوقف.
(1217) تسرَّى فلان: اتَّخذ سريَّة؛ في الصحاح للجوهري (ج 2/ ص 682/ مادَّة سرر): (والسريَّة: الأَمَة التي بوَّأتها بيتاً، وهو فعليَّة منسوبة إلى السرِّ، وهو الجماع أو الإخفاء، لأنَّ الإنسان كثيراً ما يسرُّها ويسترها عن حرَّته).
(1218) من الاحتجاج.
(1219) في بعض النُّسَخ: (عن المعرفة)، وفي الاحتجاج: (الحلف في المعصية).

(٤٢٤)

فَإِنْ رَأَيْتَ (أَدَامَ اَللهُ عِزَّكَ) أَنْ تَسْأَلَ لِي عَنْ ذَلِكَ وَتَشْرَحَهُ لِي، وَتُجِيبَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ بِمَا اَلْعَمَلُ بِهِ، وَتُقَلِّدَنِي اَلْمِنَّةَ فِي ذَلِكَ، جَعَلَكَ اَللهُ اَلسَّبَبَ فِي كُلِّ خَيْرٍ وَأَجْرَاهُ عَلَى يَدِكَ، فَعَلْتَ مُثَاباً إِنْ شَاءَ اَللهُ.
أَطَالَ اَللهُ بَقَاءَكَ، وَأَدَامَ عِزَّكَ وَتَأْيِيدَكَ وَسَعَادَتَكَ وَسَلَامَتَكَ وَكَرَامَتَكَ، وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ، وَزَادَ فِي إِحْسَانِهِ إِلَيْكَ، وَجَعَلَنِي مِنَ اَلسُّوءِ فِدَاكَ، وَقَدَّمَنِي عَنْكَ وَقَبْلَكَ، اَلْحَمْدُ لِله رَبِّ اَلْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اَللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ اَلنَّبِيِّ وَآلِهِ، وَسَلَّمَ كَثِيراً.
قَالَ اِبْنُ نُوحٍ: نَسَخْتُ هَذِهِ اَلنُّسْخَةَ مِنَ اَلمُدْرَجَيْنِ اَلْقَدِيمَيْنِ اَلَّذَيْنِ فِيهِمَا اَلْخَطُّ وَاَلتَّوْقِيعَاتُ(1220).
[استعمال التقيَّة من قبل الحسين بن روح (رضي الله عنه)]:
وكان أبو القاسم (رحمه الله) من أعقل الناس عند المخالف والموافق، ويستعمل التقيَّة.
347 - فَرَوَى أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اَلله بْنُ غَالِبٍ(1221) حَمْوُ أَبِي اَلْحَسَنِ بْنِ أَبِي اَلطِّيبِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مَنْ هُوَ أَعْقَلُ مِنَ اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ، وَلَعَهْدِي بِهِ يَوْماً فِي دَارِ اِبْنِ يَسَارٍ(1222)، وَكَانَ لَهُ مَحَلٌّ عِنْدَ اَلسَّيِّدِ(1223) وَاَلمُقْتَدِرِ عَظِيمٌ، وَكَانَتِ اَلْعَامَّةُ أَيْضاً تُعَظِّمُهُ، وَكَانَ أَبُو اَلْقَاسِمِ يَحْضُرُ تَقِيَّةً وَخَوْفاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1220) رواه أحمد بن عليٍّ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 303 - 306).
(1221) الظاهر أنَّه محمّد بن عبد الله بن غالب أبو عبد الله الأنصاري البزَّاز، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 340/ الرقم 913): (ثقة في الرواية على مذهب الواقفة، له كتاب النوادر).
(1222) في بعض النُّسَخ: (ابن بشَّار)؛ والظاهر أنَّه محمّد بن القاسم بن محمّد بن بشَّار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فروة بن قطن بن دعامة أبو بكر الأنباري، تُوفّي سنة (328هـ) ليلة عيد النحر. راجع: وفيات الأعيان (ج 4/ ص 341 و342/ الرقم 642).
(1223) في بعض النُّسَخ: (السيِّدة)، وهي أُمُّ المتوكِّل.

(٤٢٥)

وَعَهْدِي بِهِ وَقَدْ تَنَاظَرَ اِثْنَانِ، فَزَعَمَ وَاحِدٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ اَلنَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عَلِيٌّ، وَقَالَ اَلْآخَرُ: بَلْ عَلِيٌّ أَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ، فَزَادَ اَلْكَلَامُ بَيْنَهُمَا.
فَقَالَ أَبُو اَلْقَاسِمِ (رضي الله عنه): اَلَّذِي اِجْتَمَعَتِ اَلصَّحَابَةُ عَلَيْهِ هُوَ تَقْدِيمُ اَلصِّدِّيقِ، ثُمَّ بَعْدَهُ اَلْفَارُوقِ، ثُمَّ بَعْدَهُ عُثْمَانُ ذُو اَلنُّورَيْنِ، ثُمَّ عَلِيٌّ اَلْوَصِيُّ، وَأَصْحَابُ اَلْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ اَلصَّحِيحُ عِنْدَنَا، فَبَقِيَ مَنْ حَضَرَ اَلمَجْلِسَ مُتَعَجِّباً مِنْ هَذَا اَلْقَوْلِ، وَكَانَ اَلْعَامَّةُ اَلْحُضُورُ يَرْفَعُونَهُ عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَكَثُرَ اَلدُّعَاءُ لَهُ وَاَلطَّعْنُ عَلَى مَنْ يَرْمِيهِ بِالرَّفْضِ.
فَوَقَعَ عَلَيَّ اَلضَّحِكُ، فَلَمْ أَزَلْ أَتَصَبَّرُ وَأَمْنَعُ نَفْسِي وَأَدُسُّ كُمِّي فِي فَمِي، فَخَشِيتُ أَنْ أَفْتَضِحَ، فَوَثَبْتُ عَنِ اَلمَجْلِسِ، وَنَظَرَ إِلَيَّ فَفَطَنَ بِي، فَلَمَّا حَصَلْتُ فِي مَنْزِلِي فَإِذَا بِالْبَابِ يَطْرُقُ، فَخَرَجْتُ مُبَادِراً، فَإِذَا بِأَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) رَاكِباً بَغْلَتَهُ قَدْ وَافَانِي مِنَ اَلمَجْلِسِ قَبْلَ مُضِيِّهِ إِلَى دَارِهِ.
فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اَلله، أَيَّدَكَ اَللهُ، لِمَ ضَحِكْتَ فَأَرَدْتَ(1224) أَنْ تَهْتِفَ بِي كَأَنَّ اَلَّذِي قُلْتُهُ عِنْدَكَ لَيْسَ بِحَقٍّ؟
فَقُلْتُ: كَذَاكَ هُوَ عِنْدِي.
فَقَالَ لِي: اِتَّقِ اَللهَ أَيُّهَا اَلشَّيْخُ، فَإِنِّي لَا أَجْعَلُكَ فِي حِلٍّ، تَسْتَعْظِمُ هَذَا اَلْقَوْلَ مِنِّي؟
فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، رَجُلٌ يَرَى بِأَنَّهُ صَاحِبُ اَلْإِمَامِ وَوَكِيلُهُ يَقُولُ ذَلِكَ اَلْقَوْلَ لَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ وَ[لَا](1225) يُضْحَكُ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا؟
فَقَالَ لِي: وَحَيَاتِكَ لَئِنْ عُدْتَ لَأَهْجُرَنَّكَ، وَوَدَّعَنِي وَاِنْصَرَفَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1224) في بعض النُّسَخ: (وأردت).
(1225) من بحار الأنوار (ج 51/ ص 357).

(٤٢٦)

348 - قَالَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنِي أَبُو اَلْحَسَنِ بْنُ كِبْرِيَاءَ اَلنَّوْبَخْتِيُّ(1226)، قَالَ: بَلَغَ اَلشَّيْخَ أَبَا اَلْقَاسِمِ (رضي الله عنه) أَنَّ بَوَّاباً كَانَ لَهُ عَلَى اَلْبَابِ اَلْأَوَّلِ قَدْ لَعَنَ مُعَاوِيَةَ وَشَتَمَهُ، فَأَمَرَ بِطَرْدِهِ وَصَرْفِهِ عَنْ خِدْمَتِهِ، فَبَقِيَ مُدَّةً طَوِيلَةً يَسْأَلُ فِي أَمْرِهِ، فَلَا وَاَلله مَا رَدَّهُ إِلَى خِدْمَتِهِ، وَأَخَذَهُ بَعْضُ اَلْأَهْلِ فَشَغَلَهُ مَعَهُ، كُلُّ ذَلِكَ لِلتَّقِيَّةِ.
349 - قَالَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله: وَحَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ دَرَانَوَيْهِ(1227) اَلْأَبْرَصُ اَلَّذِي كَانَتْ دَارُهُ فِي دَرْبِ اَلْقَرَاطِيسِ، قَالَ: قَالَ لِي: إِنِّي(1228) كُنْتُ أَنَا وَإِخْوَتِي نَدْخُلُ إِلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) نُعَامِلُهُ، قَالَ: وَكَانُوا بَاعَةً، وَنَحْنُ مَثَلاً عَشْرَةٌ تِسْعَةٌ نَلْعَنُهُ وَوَاحِدٌ يُشَكِّكُ، فَنَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ بَعْدَ مَا دَخَلْنَا إِلَيْهِ تِسْعَةٌ نَتَقَرَّبُ إِلَى اَلله بِمَحَبَّتِهِ وَوَاحِدٌ وَاقِفٌ، لِأَنَّهُ كَانَ يُجَارِينَا مِنْ فَضْلِ اَلصَّحَابَةِ مَا رَوَيْنَاهُ وَمَا لَمْ نَرْوِهِ، فَنَكْتُبُهُ لِحُسْنِهِ عَنْهُ (رضي الله عنه).
350 - وَأَخْبَرَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي اَلْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نُوحٍ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اَلله بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْكَاتِبِ اِبْنِ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه) أَنَّ قَبْرَ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ فِي اَلنَّوْبَخْتِيَّةِ فِي اَلدَّرْبِ اَلَّذِي كَانَتْ فِيهِ دَارُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ اَلنَّوْبَخْتِيِّ اَلنَّافِذِ إِلَى اَلتَّلِّ وَإِلَى اَلدَّرْبِ اَلْآخَرِ وَإِلَى قَنْطَرَةِ اَلشَّوْكِ (رضي الله عنه).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1226) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 407/ الرقم 1080): (موسى بن الحسن بن محمّد بن العبَّاس ابن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت، أبو الحسن، المعروف بابن كبرياء، وكان حسن المعرفة بالنجوم، وله فيها كلام كثير، وكان مفوَّهاً عالماً، وكان مع هذا يتديَّن، حسن الاعتقاد، وله مصنَّفات في النجوم، وكان أبو الحسن بن كبرياء هذا مع معرفته بعلم النجوم حسن العبادة والدِّين، وله كتاب الكافي في أحداث الأزمنة، يقال: إنَّ اسم أبي سهل بن نوبخت طيماوث).
(1227) في بعض النُّسَخ: (أبو أحمد بن درانويه).
(1228) في بعض النُّسَخ: (قال لي أبي).

(٤٢٧)

قَالَ: وَقَالَ لِي أَبُو نَصْرٍ: مَاتَ أَبُو اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحٍ (رضي الله عنه) فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَ عِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَقَدْ رَوَيْتُ عَنْهُ أَخْبَاراً كَثِيرَةً(1229).
[الأخبار المرويَّة عن الحسين بن روح (رضي الله عنه)]:
351 - مِنْهَا مَا أَخْبَرَنِي بِهِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنِي اَلشَّيْخُ أَبُو اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: اِخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اَلتَّفْوِيضِ وَغَيْرِهِ، فَمَضَيْتُ إِلَى أَبِي طَاهِرِ بْنِ بِلَالٍ(1230) فِي أَيَّامِ اِسْتِقَامَتِهِ، فَعَرَّفْتُهُ اَلْخِلَافَ، فَقَالَ: أَخِّرْنِي، فَأَخَّرْتُهُ أَيَّاماً، فَعُدْتُ إِلَيْهِ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ حَدِيثاً بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «إِذَا أَرَادَ [اَللهُ](1231) أَمْراً عَرَضَهُ عَلَى رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثُمَّ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) [وَسَائِرِ اَلْأَئِمَّةِ](1232) وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى اَلدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اَلمَلَائِكَةُ أَنْ يَرْفَعُوا إِلَى اَلله (عزَّ وجلَّ) عَمَلاً عُرِضَ عَلَى صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) ثُمَّ يَخْرُجُ عَلَى وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ إِلَى أَنْ يُعْرَضَ عَلَى رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثُمَّ يُعْرَضُ عَلَى اَلله (عزَّ وجلَّ)، فَمَا نَزَلَ مِنَ اَلله فَعَلَى أَيْدِيهِمْ، وَمَا عُرِجَ إِلَى اَلله فَعَلَى أَيْدِيهِمْ، وَمَا اِسْتَغْنَوْا عَنِ اَلله (عزَّ وجلَّ) طَرْفَةَ عَيْنٍ».
352 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلصَّفْوَانِيِّ(1233)، قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1229) في بعض النُّسَخ: (رُويت عنه أخبار كثيرة).
(1230) هو أبو طاهر محمّد بن عليِّ بن بلال المتقدِّم ذكره في ذيل (ح 206).
(1231) من بعض النُّسَخ؛ وفيها: (أنْ يُحدِث أمراً).
(1232) من مستدرك الوسائل (ج 12/ ص 165).
(1233) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 393/ الرقم 1050): (محمّد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة ابن صفوان بن مهران الجمَّال، مولى بني أسد، أبو عبد الله، شيخ الطائفة، ثقة، فقيه، فاضل).
وعنونه المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 208/ الرقم 599/14) وعدَّ له عدَّة كُتُب، ثمّ قال: (أخبرنا بها جماعة منهم الشريف أبو محمّد الحسن بن القاسم المحمّدي والشيخ المفيد، عنه)، وذكره (رحمه الله) في رجاله (ص 443/ الرقم 6318/68) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام)، قائلاً: (محمّد بن أحمد... المعروف بالصفواني).
وفي بعض النُّسَخ: (أحمد بن محمّد)، والظاهر أنَّه سهو، وقد تقدَّم في (ح 263) بعنوان محمّد بن أحمد الصفواني).

(٤٢٨)

حَدَّثَنِي اَلشَّيْخُ اَلْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحٍ (رضي الله عنه) أَنَّ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ سَمَّ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عليهما السلام) فِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ رُطَبَةً، وَبِهَا مَاتَ، وَأَنَّ اَلنَّبِيَّ وَاَلْأَئِمَّةَ (عليهم السلام) مَا مَاتُوا إِلَّا بِالسَّيْفِ أَوِ اَلسَّمِّ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) أَنَّهُ سُمَّ، وَكَذَلِكَ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ.
353 - وَسَأَلَهُ(1234) بَعْضُ اَلمُتَكَلِّمِينَ وَهُوَ اَلمَعْرُوفُ بِتُرْكٍ اَلْهَرَوِيِّ(1235)، فَقَالَ لَهُ: كَمْ بَنَاتُ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
فَقَالَ: أَرْبَعٌ.
قَالَ(1236): فَأَيُّهُنَّ أَفْضَلُ؟
فَقَالَ: فَاطِمَةُ.
فَقَالَ: وَلِمَ صَارَتْ أَفْضَلَ وَكَانَتْ أَصْغَرَهُنَّ سِنًّا، وَأَقَلَّهُنَّ صُحْبَةً لِرَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
قَالَ: لِخَصْلَتَيْنِ خَصَّهَا اَللهُ بِهِمَا تَطَوُّلاً عَلَيْهَا وَتَشْرِيفاً وَإِكْرَاماً لَهَا، إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا وَرِثَتْ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَلَمْ يَرِثْ غَيْرُهَا مِنْ وُلْدِهِ، وَاَلْأُخْرَى أَنَّ اَللهَ تَعَالَى أَبْقَى نَسْلَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مِنْهَا وَلَمْ يُبْقِهِ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَمْ يُخَصِّصْهَا بِذَلِكَ إِلَّا لِفَضْلِ إِخْلَاصٍ عَرَفَهُ مِنْ نِيَّتِهَا.
قَالَ اَلْهَرَوِيُّ: فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً تَكَلَّمَ وَأَجَابَ فِي هَذَا اَلْبَابِ بِأَحْسَنَ وَلَا أَوْجَزَ مِنْ جَوَابِهِ(1237).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1234) يعني الحسين بن روح (رضي الله عنه).
(1235) في مناقب آل أبي طالب: (بذل الهروي)، وفي القاموس المحيط (ج 3/ ص 333): (بديل بن أحمد الهروي، محدِّث).
(1236) في بعض النُّسَخ: (فقال له).
(1237) رواه ابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 105) إلى قوله: (من نيَّتها).

(٤٢٩)

354 - وَأَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ اَلمُحَمَّدِيُّ(1238) (رضي الله عنه)، عَنْ أَبِي اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ بْنِ تَمَّامٍ (رحمه الله)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ اَلْزَّكُوزَكِيَّ (رحمه الله) - وَقَدْ ذَكَرْنَا كِتَابَ (اَلتَّكْلِيفِ)، وَكَانَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ غَالٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَا كَتَبْنَا اَلْحَدِيثَ -، فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: وَأَيْشٍ كَانَ لاِبْنِ أَبِي اَلْعَزَاقِرِ فِي كِتَابِ (اَلتَّكْلِيفِ)؟ إِنَّمَا كَانَ يُصْلِحُ اَلْبَابَ وَيُدْخِلُهُ إِلَى اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، فَيَعْرِضُهُ عَلَيْهِ وَيُحَكِّكُهُ، فَإِذَا صَحَّ اَلْبَابُ خَرَجَ فَنَقَلَهُ وَأَمَرَنَا بِنُسْخَةٍ، يَعْنِي أَنَّ اَلَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحٍ (رضي الله عنه).
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَتَبْتُهُ فِي اَلْإِدْرَاجِ بِخَطِّي بِبَغْدَادَ.
قَالَ اِبْنُ تَمَّامٍ: فَقُلْتُ لَهُ: تَفَضَّلْ يَا سَيِّدِي فَادْفَعْهُ إِلَيَّ حَتَّى أَكْتُبَهُ مِنْ خَطِّكَ.
فَقَالَ لِي: قَدْ خَرَجَ عَنْ يَدِي.
فَقَالَ اِبْنُ تَمَّامٍ: فَخَرَجْتُ وَأَخَذْتُ مِنْ غَيْرِهِ فَكَتَبْتُ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ هَذِهِ اَلْحِكَايَةَ.
355 - وَقَالَ أَبُو اَلْحُسَيْنِ بْنُ تَمَّامٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اَلله اَلْكُوفِيُّ خَادِمُ اَلشَّيْخِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: سُئِلَ اَلشَّيْخُ - يَعْنِي أَبَا اَلْقَاسِمِ (رضي الله عنه) - عَنْ كُتُبِ اِبْنِ أَبِي اَلْعَزَاقِرِ بَعْدَ مَا ذُمَّ وَخَرَجَتْ فِيهِ اَللَّعْنَةُ، فَقِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ نَعْمَلُ بِكُتُبِهِ وَبُيُوتُنَا مِنْهَا مِلَاءٌ؟ فَقَالَ: أَقُولُ فِيهَا مَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِمَا) وَقَدْ سُئِلَ عَنْ كُتُبِ بَنِي فَضَّالٍ، فَقَالُوا كَيْفَ نَعْمَلُ بِكُتُبِهِمْ وَبُيُوتُنَا مِنْهَا مِلَاءٌ؟ فَقَالَ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ): «خُذُوا بِمَا رَوَوْا، وَذَرُوا مَا رَأَوْا».
356 - وَسَأَلَ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلْإِيَادِيُّ (رحمه الله) أَبَا اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنَ بْنَ رَوْحٍ (رضي الله عنه):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1238) هو الشريف أبو محمّد الحسن بن أحمد بن القاسم المحمّدي المتقدِّم ذكره في (ح 132)، وهو شيخ المؤلِّف (رحمه الله).

(٤٣٠)

لِمَ كُرِهَ اَلمُتْعَةُ بِالْبِكْرِ؟ فَقَالَ: قَالَ اَلنَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اَلْحَيَاءُ مِنَ اَلْإِيمَانِ(1239)، وَاَلشُّرُوطُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا، فَإِذَا حَمَلْتَهَا عَلَى أَنْ تُنْعِمَ فَقَدْ خَرَجَتْ عَنِ اَلْحَيَاءِ وَزَالَ اَلْإِيمَانُ»، فَقَالَ لَهُ: فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ زَانٍ؟ قَالَ: «لَا».
357 - وَأَخْبَرَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُدَ اَلْقُمِّيِّ(1240)، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَامَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ(1241)، قَالَ: أَنْفَذَ اَلشَّيْخُ اَلْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحٍ (رضي الله عنه) كِتَابَ (اَلتَّأْدِيبِ) إِلَى قُمَّ، وَكَتَبَ إِلَى جَمَاعَةِ اَلْفُقَهَاءِ بِهَا، وَقَالَ لَهُمْ: اُنْظُرُوا فِي هَذَا اَلْكِتَابِ، وَاُنْظُرُوا فِيهِ شَيْءٌ يُخَالِفُكُمْ؟
فَكَتَبُوا إِلَيْهِ أَنَّهُ كُلَّهُ صَحِيحٌ، وَمَا فِيهِ شَيْءٌ يُخَالِفُ إِلَّا قَوْلُهُ فِي اَلصَّاعِ فِي اَلْفِطْرَةِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، وَاَلطَّعَامُ عِنْدَنَا مِثْلُ اَلشَّعِيرِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ صَاعٌ.
358 - قَالَ اِبْنُ نُوحٍ: وَسَمِعْتُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا بِمِصْرَ يَذْكُرُونَ أَنَّ أَبَا سَهْلٍ اَلنَّوْبَخْتِيَّ(1242) سُئِلَ، فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ صَارَ هَذَا اَلْأَمْرُ إِلَى اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ دُونَكَ؟ فَقَالَ: هُمْ أَعْلَمُ وَمَا اِخْتَارُوهُ، وَلَكِنْ أَنَا رَجُلٌ أَلْقَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1239) يعني أنَّ بناء المتعة في الغالب على أنْ يكون مقاولتها وشروطها وإيجابها وقبولها بين الزوج والزوجة بدون اطِّلاع شهود وأولياء، وهذا لا يتأتَّى من البكر إلَّا بوقاحة وسلب حياء، والحياء يتفاوت بالنسبة، فمن الثيِّب لا يكون مباشرة ما ذُكِرَ منافياً للحياء، كما يكون من البكر منافياً له.
(1240) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 384/ الرقم 1045 و1046): (محمّد بن أحمد بن داود بن عليٍّ، أبو الحسن، شيخ هذه الطائفة وعالمها، وشيخ القمّيِّين في وقته وفقيههم، حكى أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله أنَّه لم يرَ أحداً أحفظ منه ولا أفقه ولا أعرف بالحديث، وأُمُّه أُخت سلامة بن محمّد الأرزني...، مات أبو الحسن بن داود سنة ثمان وستِّين وثلاثمائة).
(1241) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 192/ الرقم 514): (سلامة بن محمّد بن إسماعيل بن عبد الله ابن موسى بن أبي الأكرم، أبو الحسن الأرزني، خال أبي الحسن بن داود، شيخ من أصحابنا، ثقة، جليل...، ومات سلامة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة).
(1242) هو إسماعيل بن عليٍّ النوبختي المتقدِّم ذكره في (ح 237).

(٤٣١)

اَلْخُصُومَ وَأُنَاظِرُهُمْ، وَلَوْ عَلِمْتُ بِمَكَانِهِ كَمَا عَلِمَ أَبُو اَلْقَاسِمِ وَضَغَطَتْنِي اَلْحُجَّةُ عَلَى مَكَانِهِ لَعَلِّي كُنْتُ أَدُلُّ عَلَى مَكَانِهِ، وَأَبُو اَلْقَاسِمِ فَلَوْ كَانَتِ اَلْحُجَّةُ تَحْتَ ذَيْلِهِ وَقُرِّضَ بِالمَقَارِيضِ مَا كَشَفَ اَلذَّيْلَ عَنْهُ، أَوْ كَمَا قَالَ.
359 - وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي اَلْعَزَاقِرِ اَلشَّلْمَغَانِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ (اَلْغَيْبَةِ) اَلَّذِي صَنَّفَهُ: وَأَمَّا مَا بَيْنِي وَبَيْنَ اَلرَّجُلِ اَلمَذْكُورِ (زَادَ اَللهُ فِي تَوْفِيقِهِ)، فَلَا مَدْخَلَ لِي فِي ذَلِكَ إِلَّا لِمَنْ أَدْخَلْتَهُ فِيهِ، لِأَنَّ اَلْجِنَايَةَ عَلَيَّ فَإِنِّي وَلِيُّهَا.
360 - وَقَالَ فِي فَصْلٍ آخَرَ: وَمَنْ عَظُمَتْ مِنَّتُهُ(1243) عَلَيْهِ تَضَاعَفَتِ اَلْحُجَّةُ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ اَلصِّدْقُ فِيمَا سَاءَهُ وَسَرَّهُ، وَلَيْسَ يَنْبَغِي فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اَلله إِلَّا اَلصِّدْقُ عَنْ أَمْرِهِ مَعَ عِظَمِ جِنَايَتِهِ، وَهَذَا اَلرَّجُلُ مَنْصُوبٌ لِأَمْرٍ مِنَ اَلْأُمُورِ لَا يَسَعُ اَلْعِصَابَةَ اَلْعُدُولُ عَنْهُ فِيهِ، وَحُكْمُ اَلْإِسْلَامِ مَعَ ذَلِكَ جَارٍ عَلَيْهِ كَجَرْيِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ اَلمُؤْمِنِينَ، وَذَكَرَهُ.
361 - وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ هَارُونُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَلِيٍّ بْنُ اَلْجُنَيْدِ(1244): قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلشَّلْمَغَانِيُّ: مَا دَخَلْنَا مَعَ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه) فِي هَذَا اَلْأَمْرِ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ فِيمَا دَخَلْنَا فِيهِ، لَقَدْ كُنَّا نَتَهَارَشُ عَلَى هَذَا اَلْأَمْرِ كَمَا تَتَهَارَشُ اَلْكِلَابُ عَلَى اَلْجِيَفِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمْ تَلْتَفِتِ اَلشِّيعَةُ إِلَى هَذَا اَلْقَوْلِ، وَأَقَامَتْ عَلَى لَعْنِهِ وَاَلْبَرَاءَةِ مِنْهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1243) في بعض النُّسَخ: (منة الله).
(1244) هو محمّد بن أحمد بن الجنيد أبو عليٍّ الكاتب الإسكافي، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 385/ الرقم 1047): (وجه في أصحابنا، ثقة، جليل القدر، صنَّف فأكثر).
وعنونه المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 209 و210/ الرقم 601/16)، وعدَّ له كُتُباً.
وقيل: تُوفّي سنة (381هـ).

(٤٣٢)

ذكر أمر أبي الحسن عليِّ بن محمّد السمري بعد الشيخ أبي القاسم الحسين ابن روح (رضي الله عنه)، وانقطاع الأعلام به وهم الأبواب:
362 - أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زَكَرِيَّا بِمَدِينَةِ اَلسَّلَامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اَلله مُحَمَّدُ بْنُ خَلِيلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّهِ عَتَّابٍ - مِنْ وُلْدِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ -، قَالَ: وُلِدَ اَلْخَلَفُ اَلمَهْدِيُّ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ، وَأُمُّهُ رَيْحَانَةُ، وَيُقَالُ لَهَا: نَرْجِسُ، وَيُقَالُ لَهَا: صَقِيلُ، وَيُقَالُ لَهَا: سَوْسَنُ، إِلَّا أَنَّهُ قِيلَ بِسَبَبِ اَلْحَمْلِ: صَقِيلُ(1245).
وَكَانَ مَوْلِدُهُ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَوَكِيلُهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، فَلَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ أَوْصَى إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ (رحمه الله)، وَأَوْصَى أَبُو جَعْفَرٍ إِلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، وَأَوْصَى أَبُو اَلْقَاسِمِ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلسَّمُرِيِّ (رضي الله عنه)، فَلَمَّا حَضَرَتِ اَلسَّمُرِيَّ اَلْوَفَاةُ سُئِلَ أَنْ يُوصِيَ، فَقَالَ: لِله أَمْرٌ هُوَ بَالِغُهُ.
فَالْغَيْبَةُ اَلتَّامَّةُ هِيَ اَلَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَ مُضِيِّ اَلسَّمُرِيِّ (رضي الله عنه)(1246).
363 - وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلنُّعْمَانِ وَاَلْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلصَّفْوَانِيِّ(1247)، قَالَ: أَوْصَى اَلشَّيْخُ أَبُو اَلْقَاسِمِ (رضي الله عنه) إِلَى أَبِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1245) نُسَخ الكتاب، وكذلك نُسَخ تلك الرواية عن غير هذا الكتاب، وكذلك غير تلك الرواية مختلفة في ذكر صيقل وصقيل بتقديم الياء على القاف وعكسه، وفي القاموس المحيط (ج 4/ ص 2): (صقله: جلاه، فهو مصقول وصقيل...، والصيقل: شحَّاذ السيوف وجلَّاؤها).
قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 51/ ص 15): (إنَّما سُمّي صقيلاً لما اعتراه من النور والجلاء بسبب الحمل المنوَّر).
(1246) كمال الدِّين (ص 432 و433/ باب 42/ ح 12).
(1247) في بعض النُّسَخ: (أحمد بن محمّد)، وقد ذكرنا في (ح 352) أنَّه سهو.

(٤٣٣)

اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلسَّمُرِيِّ (رضي الله عنه)، فَقَامَ بِمَا كَانَ إِلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ حَضَرَتِ اَلشِّيعَةُ عِنْدَهُ، وَسَأَلَتْهُ عَنِ اَلمُوَكَّلِ بَعْدَهُ، وَلِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَلَمْ يُظْهِرْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِأَنْ يُوصِيَ إِلَى أَحَدٍ بَعْدَهُ فِي هَذَا اَلشَّأْنِ.
364 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى اِبْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اَلْحَسَنِ(1248) صَالِحُ بْنُ شُعَيْبٍ اَلطَّالَقَانِيُّ (رحمه الله) فِي ذِي اَلْقَعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اَلله أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَضَرْتُ بَغْدَادَ عِنْدَ اَلمَشَايِخِ (رحمهم الله)، فَقَالَ اَلشَّيْخُ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلسَّمُرِيُّ (قدّس سره) اِبْتِدَاءً مِنْهُ: رَحِمَ اَللهُ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ اَلْقُمِّيَّ.
قَالَ: فَكَتَبَ اَلمَشَايِخُ تَأْرِيخَ ذَلِكَ اَلْيَوْمِ، فَوَرَدَ اَلْخَبَرُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ.
وَمَضَى أَبُو اَلْحَسَنِ اَلسَّمُرِيُّ (رضي الله عنه) بَعْدَ ذَلِكَ فِي اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ(1249).
365 - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ اَلمُكَتِّبُ، قَالَ: كُنْتُ بِمَدِينَةِ اَلسَّلَامِ فِي اَلسَّنَةِ اَلَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا اَلشَّيْخُ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلسَّمُرِيُّ (قدّس سره)، فَحَضَرْتُهُ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِأَيَّامٍ، فَأَخْرَجَ إِلَى اَلنَّاسِ تَوْقِيعاً نُسْخَتُهُ:
«بِسْمِ اَلله اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ اَلسَّمُرِيَّ، أَعْظَمَ اَللهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَاجْمَعْ أَمْرَكَ وَلَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ فَيَقُومَ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ اَلْغَيْبَةُ اَلتَّامَّةُ، فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1248) في كمال الدِّين: (أبو الحسين).
(1249) كمال الدِّين (ص 503/ باب 45/ ح 32)؛ ورواه الشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 269) عن الصدوق، وابن حمزة الطوسي (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 614/ ح 561/9) عن أحمد بن إبراهيم بن مخلد مختصراً، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1128/ ح 45) عن ابن بابويه.

(٤٣٤)

اَلله تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ اَلْأَمَدِ، وَقَسْوَةِ اَلْقُلُوبِ، وَاِمْتِلَاءِ اَلْأَرْضِ جَوْراً. وَسَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي اَلمُشَاهَدَةَ، أَلَا فَمَنِ اِدَّعَى اَلمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ اَلسُّفْيَانِيِّ وَاَلصَّيْحَةِ فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله اَلْعَلِيِّ اَلْعَظِيمِ».
قَالَ: فَنَسَخْنَا هَذَا اَلتَّوْقِيعَ، وَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا كَانَ اَلْيَوْمُ اَلسَّادِسُ عُدْنَا إِلَيْهِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَنْ وَصِيُّكَ مِنْ بَعْدِكَ؟ فَقَالَ: لِله أَمْرٌ هُوَ بَالِغُهُ، وَقَضَى، فَهَذَا آخِرُ كَلَامٍ سُمِعَ مِنْهُ (رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ)(1250).
366 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ اَلْقُمِّيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ (قُمَّ، مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ قُمَّ)(1251) مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِمْرَانَ اَلصَّفَّارُ وَقَرِيبُهُ(1252) عَلَوِيَّةُ اَلصَّفَّارُ وَاَلْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ(1253) (رحمهم الله)، قَالُوا: حَضَرْنَا بَغْدَادَ فِي اَلسَّنَةِ اَلَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا أَبِي عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ، وَكَانَ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلسَّمُرِيُّ (قدّس سره) يَسْأَلُنَا كُلَّ قَرِيبٍ عَنْ خَبَرِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (رحمه الله)، فَنَقُولُ: قَدْ وَرَدَ اَلْكِتَابُ بِاسْتِقْلَالِهِ، حَتَّى كَانَ اَلْيَوْمُ اَلَّذِي قُبِضَ فِيهِ، فَسَأَلَنَا عَنْهُ، فَذَكَرْنَا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَنَا: آجَرَكُمُ اَللهُ فِي عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، فَقَدْ قُبِضَ فِي هَذِهِ اَلسَّاعَةِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1250) كمال الدِّين (ص 516/ باب 45/ ح 44)؛ ورواه الشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 260) عن الصدوق، وابن حمزة في الثاقب في المناقب (ص 603 و604/ ح 551/15) عن الحسن بن أحمد المكتِّب، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1128 و1129/ ح 46) عن ابن بابويه، وأحمد بن عليٍّ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ص 297).
(1251) ما بين القوسين ليس في بعض النُّسَخ، وهو الأصحّ.
(1252) في بعض النُّسَخ: (قرينه).
(1253) في بعض النُّسَخ: (منهم عمران الصفَّار وقريبه علوية الصفَّار والحسين بن أحمد بن عليِّ بن أحمد ابن إدريس)، وما أثبتناه من بعض النُّسَخ.
وقد عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 425/ ح 6113/48) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام)، قائلاً: (الحسين بن أحمد بن إدريس، روى عنه محمّد بن عليِّ بن الحسين بن بابويه).

(٤٣٥)

قَالُوا: فَأَثْبَتْنَا تَأْرِيخَ اَلسَّاعَةِ وَاَلْيَوْمِ وَاَلشَّهْرِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْماً أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً وَرَدَ اَلْخَبَرُ أَنَّهُ قُبِضَ فِي تِلْكَ اَلسَّاعَةِ اَلَّتِي ذَكَرَهَا اَلشَّيْخُ أَبُو اَلْحَسَنِ (قدّس سره).
367 - وَأَخْبَرَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي اَلْعَبَّاسِ بْنِ نُوحٍ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اَلله بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْكَاتِبِ أَنَّ قَبْرَ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلسَّمُرِيِّ (رضي الله عنه) فِي اَلشَّارِعِ اَلمَعْرُوفِ بِشَارِعِ اَلْخَلَنْجِيِّ مِنْ رُبُعِ بَابِ اَلمُحَوَّلِ قَرِيبٌ مِنْ شَاطِئِ نَهَرِ أَبِي عَتَّابٍ.
وَذَكَرَ أَنَّهُ مَاتَ (رضي الله عنه) فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
ذكر المذمومين الذين ادَّعوا البابيَّة(1254) [والسفارة كذباً وافتراءً] (1255) لعنهم الله:
أوَّلهم: المعروف بالشريعي:
368 - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ، قَالَ: كَانَ اَلشَّرِيعِيُّ يُكَنَّى بِأَبِي مُحَمَّدٍ.
قَالَ هَارُونُ: وَأَظُنُّ اِسْمَهُ كَانَ اَلْحَسَنَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ اِبْنِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بَعْدَهُ (عليهما السلام)، وَهُوَ أَوَّلُ مَنِ اِدَّعَى مَقَاماً لَمْ يَجْعَلْهُ اَللهُ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَهْلاً لَهُ، وَكَذَبَ عَلَى اَلله وَعَلَى حُجَجِهِ (عليهم السلام)، وَنَسَبَ إِلَيْهِمْ مَا لَا يَلِيقُ بِهِمْ، وَمَا هُمْ مِنْهُ بِرَاءٌ، فَلَعَنَتْهُ اَلشِّيعَةُ وَتَبَرَّأَتْ مِنْهُ، وَخَرَجَ تَوْقِيعُ اَلْإِمَامِ(عليه السلام) بِلَعْنِهِ وَاَلْبَرَاءَةِ مِنْهُ.
قَالَ هَارُونُ: ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُ اَلْقَوْلُ بِالْكُفْرِ وَاَلْإِلْحَادِ.
قَالَ: وَكُلُّ هَؤُلَاءِ اَلمُدَّعِينَ إِنَّمَا يَكُونُ كَذِبُهُمْ أَوَّلاً عَلَى اَلْإِمَامِ وَأَنَّهُمْ وُكَلَاؤُهُ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1254) في بعض النُّسَخ: (البابيَّة ( النيابة خ ل)).
(1255) من بحار الأنوار (ج 51/ ص 367).

(٤٣٦)

فَيَدْعُونَ اَلضَّعَفَةَ بِهَذَا اَلْقَوْلِ إِلَى مُوَالَاتِهِمْ، ثُمَّ يَتَرَقَّى اَلْأَمْرُ بِهِمْ إِلَى قَوْلِ اَلْحَلَّاجِيَّةِ، كَمَا اِشْتَهَرَ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلشَّلْمَغَانِيِّ وَنُظَرَائِهِ عَلَيْهِمْ جَمِيعاً لَعَائِنُ اَلله تَتْرَى.
ومنهم: محمّد بن نصير النميري:
369 - قَالَ اِبْنُ نُوحٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ اِبْنُ نُصَيْرٍ اَلنُّمَيْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو مُحَمَّدٍ اِدَّعَى مَقَامَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّهُ صَاحِبُ إِمَامِ اَلزَّمَانِ، وَاِدَّعَى لَهُ اَلْبَابِيَّةَ، وَفَضَحَهُ اَلله تَعَالَى بِمَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ اَلْإِلْحَادِ وَاَلْجَهْلِ وَلَعْنِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ اِبْنِ عُثْمَانَ لَهُ، وَتَبَرِّيهِ مِنْهُ، وَاِحْتِجَابِهِ عَنْهُ.
وَاِدَّعَى ذَلِكَ اَلْأَمْرَ بَعْدَ اَلشَّرِيعِيِّ.
370 - قَالَ أَبُو طَالِبٍ اَلْأَنْبَارِيُّ: لَـمَّا ظَهَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ بِمَا ظَهَرَ لَعَنَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) وَتَبَرَّأَ مِنْهُ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، فَقَصَدَ أَبَا جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) لِيَعْطِفَ بِقَلْبِهِ عَلَيْهِ أَوْ يَعْتَذِرَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ، وَحَجَبَهُ، وَرَدَّهُ خَائِباً.
371 - وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ اَلنُّمَيْرِيُّ يَدَّعِي أَنَّهُ رَسُولُ نَبِيٍّ، وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) أَرْسَلَهُ، وَكَانَ يَقُولُ بِالتَّنَاسُخِ، وَ يَغْلُو فِي أَبِي اَلْحَسَنِ (عليه السلام)، وَيَقُولُ فِيهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَيَقُولُ بِالْإِبَاحَةِ لِلْمَحَارِمِ، وَتَحْلِيلِ نِكَاحِ اَلرِّجَالِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً فِي أَدْبَارِهِمْ، وَيَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اَلتَّوَاضُعِ وَاَلْإِخْبَاتِ وَاَلتَّذَلُّلِ فِي اَلمَفْعُولِ بِهِ، وَأَنَّهُ مِنَ اَلْفَاعِلِ إِحْدَى اَلشَّهَوَاتِ وَاَلطَّيِّبَاتِ، وَأَنَّ اَللهَ (عزَّ وجلَّ) لَا يُحَرِّمُ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ.
وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْفُرَاتِ يُقَوِّي أَسْبَابَهُ وَيَعْضُدُهُ.
372 - أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ اِبْنِ خَاقَانَ أَنَّهُ رَآهُ عِيَاناً وَغُلَامٌ لَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، قَالَ: فَلَقِيتُهُ، فَعَاتَبْتُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا مِنَ اَللَّذَّاتِ، وَهُوَ مِنَ اَلتَّوَاضُعِ لِله وَتَرْكِ اَلتَّجَبُّرِ.

(٤٣٧)

373 - قَالَ سَعْدٌ: فَلَمَّا اِعْتَلَّ مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ اَلْعِلَّةَ اَلَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا، قِيلَ لَهُ وَهُوَ مُثْقَلُ اَللِّسَانِ: لِمَنْ هَذَا اَلْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ؟
فَقَالَ بِلِسَانٍ ضَعِيفٍ مُلَجْلَجٍ: أَحْمَدَ.
فَلَمْ يَدْرُوا مَنْ هُوَ، فَافْتَرَقُوا بَعْدَهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ، قَالَتْ فِرْقَةٌ: إِنَّهُ أَحْمَدُ اِبْنُهُ، وَفِرْقَةٌ قَالَتْ: هُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ اَلْفُرَاتِ، وَفِرْقَةٌ قَالَتْ: إِنَّهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي اَلْحُسَيْنِ بْنِ بِشْرِ بْنِ يَزِيدَ، فَتَفَرَّقُوا، فَلَا يَرْجِعُونَ إِلَى شَيْءٍ.
ومنهم: أحمد بن هلال الكرخي:
374 - قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ هَمَّامٍ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَاجْتَمَعَتِ اَلشِّيعَةُ عَلَى وَكَالَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ (رضي الله عنه) بِنَصِّ اَلْحَسَنِ (عليه السلام) فِي حَيَاتِهِ(1256)، وَلَـمَّا مَضَى اَلْحَسَنُ (عليه السلام) قَالَتِ اَلشِّيعَةُ اَلْجَمَاعَةُ لَهُ: أَلَا تَقْبَلُ أَمْرَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ وَتَرْجِعُ إِلَيْهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ اَلْإِمَامُ اَلمُفْتَرَضُ اَلطَّاعَةُ؟
فَقَالَ لَهُمْ: لَمْ أَسْمَعْهُ يَنُصُّ عَلَيْهِ بِالْوَكَالَةِ، وَلَيْسَ أُنْكِرُ أَبَاهُ - يَعْنِي عُثْمَانَ بْنَ سَعِيدٍ -، فَأَمَّا أَنْ أَقْطَعَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ وَكِيلُ صَاحِبِ اَلزَّمَانِ فَلَا أَجْسُرُ عَلَيْهِ.
فَقَالُوا له: قَدْ سَمِعَهُ غَيْرُكَ.
فَقَالَ: أَنْتُمْ وَمَا سَمِعْتُمْ.
وَوَقَفَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَلَعَنُوهُ وَتَبَرَّءُوا مِنْهُ، ثُمَّ ظَهَرَ اَلتَّوْقِيعُ عَلَى يَدِ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ بِلَعْنِهِ وَاَلْبَرَاءَةِ مِنْهُ فِي جُمْلَةِ مَنْ لَعَنَ.
ومنهم: أبو طاهر محمّد بن عليِّ بن بلال:
وقصَّته معروفة(1257) فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1256) في بعض النُّسَخ: (في حياته عليه).
(1257) تأتي ذيلاً.

(٤٣٨)

(نضَّر الله وجهه)، وتمسُّكه بالأموال التي كانت عنده للإمام، وامتناعه من تسليمها، وادِّعائه أنَّه الوكيل حتَّى تبرَّأت الجماعة منه ولعنوه، وخرج فيه من صاحب الزمان (عليه السلام) ما هو معروف.
375 - وَحَكَى أَبُو غَالِبٍ اَلزُّرَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو اَلْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى اَلمُعَاذِيُّ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَدِ اِنْضَوَى إِلَى أَبِي طَاهِرِ بْنِ بِلَالٍ(1258) بَعْدَ مَا وَقَعَتِ اَلْفُرْقَةُ، ثُمَّ إِنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَصَارَ فِي جُمْلَتِنَا، فَسَأَلْنَاهُ عَنِ اَلسَّبَبِ.
قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي طَاهِرِ بْنِ بِلَالٍ يَوْماً وَعِنْدَهُ أَخُوهُ أَبُو اَلطَّيِّبِ(1259) وَاِبْنُ حِرْزٍ(1260) وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، إِذْ دَخَلَ اَلْغُلَامُ فَقَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيُّ عَلَى اَلْبَابِ.
فَفَزِعَتِ اَلْجَمَاعَةُ لِذَلِكَ، وَأَنْكَرْتُهُ لِلْحَالِ اَلَّتِي كَانَتْ جَرَتْ، وَقَالَ: يَدْخُلُ.
فَدَخَلَ أَبُو جَعْفَرٍ (رضي الله عنه)، فَقَامَ لَهُ أَبُو طَاهِرٍ وَاَلْجَمَاعَةُ، وَجَلَسَ فِي صَدْرِ اَلمَجْلِسِ، وَجَلَسَ أَبُو طَاهِرٍ كَالْجَالِسِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَمْهَلَهُمْ إِلَى أَنْ سَكَتُوا، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا طَاهِرٍ، نَشَدْتُكَ اَلله - أَوْ نَشَدْتُكَ بِالله -، أَلَمْ يَأْمُرْكَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) بِحَمْلِ مَا عِنْدَكَ مِنَ اَلمَالِ إِلَيَّ؟
فَقَالَ: اَللَّهُمَّ نَعَمْ.
فَنَهَضَ أَبُو جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) مُنْصَرِفاً، وَوَقَعَتْ عَلَى اَلْقَوْمِ سَكْتَةٌ، فَلَمَّا تَجَلَّتْ عَنْهُمْ قَالَ لَهُ أَخُوهُ أَبُو اَلطَّيِّبِ: مِنْ أَيْنَ رَأَيْتَ صَاحِبَ اَلزَّمَانِ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1258) هو محمّد بن عليِّ بن بلال المتقدِّم ذكره في ذيل (ح 206).
(1259) هو أبو الطيِّب بن عليِّ بن بلال، عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 394/ الرقم 5812/13) من أصحاب الهادي (عليه السلام).
(1260) في بعض النُّسَخ: (ابن خرز).

(٤٣٩)

فَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ: أَدْخَلَنِي أَبُو جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) إِلَى بَعْضِ دُورِهِ، فَأَشْرَفَ عَلَيَّ مِنْ عُلُوِّ دَارِهِ، فَأَمَرَنِي بِحَمْلِ مَا عِنْدِي مِنَ اَلمَالِ إِلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو اَلطَّيِّبِ: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّهُ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ (عليه السلام)؟
قَالَ: قَدْ وَقَعَ عَلَيَّ مِنَ اَلْهَيْبَةِ لَهُ، وَدَخَلَنِي مِنَ اَلرُّعْبِ مِنْهُ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ (عليه السلام).
فَكَانَ هَذَا سَبَبَ اِنْقِطَاعِي عَنْهُ.
ومنهم: الحسين بن منصور الحلَّاج:
376 - أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي اَلْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نُوحٍ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اَلله بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْكَاتِبِ اِبْنِ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيِّ، قَالَ: لَـمَّا أَرَادَ اَللهُ تَعَالَى أَنْ يَكْشِفَ أَمْرَ اَلْحَلَّاجِ وَيُظْهِرَ فَضِيحَتَهُ وَيُخْزِيَهُ، وَقَعَ لَهُ أَنَّ أَبَا سَهْلٍ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَلِيٍّ اَلنَّوْبَخْتِيَّ (رضي الله عنه) مِمَّنْ تُجَوَّزُ عَلَيْهِ مَخْرَقَتُهُ(1261) وَتَتِمُّ عَلَيْهِ حِيلَتُهُ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ يَسْتَدْعِيهِ، وَظَنَّ أَنَّ أَبَا سَهْلٍ كَغَيْرِهِ مِنَ اَلضُّعَفَاءِ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ بِفَرْطِ جَهْلِهِ، وَقَدَرَ أَنْ يَسْتَجِرَّهُ إِلَيْهِ فَيَتَمَخْرَقَ بِهِ وَيَتَسَوَّفَ بِانْقِيَادِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَسْتَتِبَّ لَهُ مَا قَصَدَ إِلَيْهِ مِنَ اَلْحِيلَةِ وَاَلْبَهْرَجَةِ عَلَى اَلضَّعَفَةِ، لِقَدْرِ أَبِي سَهْلٍ فِي أَنْفُسِ اَلنَّاسِ، وَمَحَلِّهِ مِنَ اَلْعِلْمِ وَاَلْأَدَبِ أَيْضاً عِنْدَهُمْ، وَيَقُولُ لَهُ فِي مُرَاسَلَتِهِ إِيَّاهُ: إِنِّي وَكِيلُ صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) - وَبِهَذَا أَوَّلاً كَانَ يَسْتَجِرُّ اَلْجُهَّالَ ثُمَّ يَعْلُو مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ -، وَقَدْ أُمِرْتُ بِمُرَاسَلَتِكَ وَإِظْهَارِ مَا تُرِيدُهُ مِنَ اَلنُّصْرَةِ لَكَ لِتُقَوِّيَ نَفْسَكَ وَلَا تَرْتَابَ بِهَذَا اَلْأَمْرِ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو سَهْلٍ (رضي الله عنه) يَقُولُ لَهُ: إِنِّي أَسْأَلُكَ أَمْراً يَسِيراً يَخِفُّ مِثْلُهُ عَلَيْكَ فِي جَنْبِ مَا ظَهَرَ عَلَى يَدَيْكَ مِنَ اَلدَّلَائِلِ وَاَلْبَرَاهِينِ، وَهُوَ أَنِّي رَجُلٌ أُحِبُّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1261) في تاج العروس (ج 13/ ص 439): (المخرقة: إظهار الخُرْق توصُّلاً إلى حيلة، وقد مَخْرَق، والممخرق المموّه).

(٤٤٠)

اَلْجَوَارِيَ وَأَصْبُو إِلَيْهِنَّ، وَلِي مِنْهُنَّ عِدَّةٌ أَتَحَظَّاهُنَّ، وَاَلشَّيْبُ يُبْعِدُنِي عَنْهُنَّ، وَيُبْغِضُنِي إِلَيْهِنَّ، وَأَحْتَاجُ أَنْ أَخْضِبَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَأَتَحَمَّلُ مِنْهُ مَشَقَّةً شَدِيدَةً لِأَسْتُرَ عَنْهُنَّ ذَلِكَ، وَإِلَّا اِنْكَشَفَ أَمْرِي عِنْدَهُنَّ، فَصَارَ اَلْقُرْبُ بُعْداً، وَاَلْوِصَالُ هَجْراً، وَأُرِيدُ أَنْ تُغْنِيَنِي عَنِ اَلْخِضَابِ، وَتَكْفِيَنِي مَؤُنَتَهُ، وَتَجْعَلَ لِحْيَتِي سَوْدَاءَ، فَإِنِّي طَوْعُ يَدَيْكَ، وَصَائِرٌ إِلَيْكَ، وَقَائِلٌ بِقَوْلِكَ، وَدَاعٍ إِلَى مَذْهَبِكَ، مَعَ مَا لِي فِي ذَلِكَ مِنَ اَلْبَصِيرَةِ، وَلَكَ مِنَ اَلمَعُونَةِ.
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ اَلْحَلَّاجُ مِنْ قَوْلِهِ وَجَوَابِهِ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ فِي مُرَاسَلَتِهِ، وَجَهِلَ فِي اَلْخُرُوجِ إِلَيْهِ بِمَذْهَبِهِ، وَأَمْسَكَ عَنْهُ، وَلَمْ يَرُدَّ إِلَيْهِ جَوَاباً، وَلَمْ يُرْسِلْ إِلَيْهِ رَسُولاً، وَصَيَّرَهُ أَبُو سَهْلٍ (رضي الله عنه) أُحْدُوثَةً وَضُحْكَةً وَيَطْنِزُ(1262) بِهِ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ، وَشَهَّرَ أَمْرَهُ عِنْدَ اَلصَّغِيرِ وَاَلْكَبِيرِ، وَكَانَ هَذَا اَلْفِعْلُ سَبَباً لِكَشْفِ أَمْرِهِ، وَتَنْفِيرِ اَلْجَمَاعَةِ عَنْهُ.
377 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ أَنَّ اِبْنَ اَلْحَلَّاجِ(1263) صَارَ إِلَى قُمَّ، وَكَاتَبَ قَرَابَةَ(1264) أَبِي اَلْحَسَنِ(1265) يَسْتَدْعِيهِ وَيَسْتَدْعِي أَبَا اَلْحَسَنِ أَيْضاً، وَيَقُولُ: أَنَا رَسُولُ اَلْإِمَامِ وَوَكِيلُهُ.
قَالَ: فَلَمَّا وَقَعَتِ اَلمُكَاتَبَةُ فِي يَدِ أَبِي (رضي الله عنه) خَرَقَهَا، وَقَالَ لِمُوصِلِهَا إِلَيْهِ: مَا أَفْرَغَكَ لِلْجَهَالَاتِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1262) في لسان العرب (ج 5/ ص 369/ مادَّة طنز): (طنز يطنز طنزاً: كلَّمه باستهزاء).
(1263) في هامش بعض النُّسَخ: (المعروف الدائر على الألسنة والمضبوط في الكُتُب أنَّ الحلَّاج لقب للحسين نفسه كما مرَّ في الحكاية الأُولى أيضاً من قوله: (أنْ يكشف أمر الحلَّاج)، وتعبيره عنه في هذا المقام بـ (ابن الحلَّاج) يُفهَم منه أنَّ الحلَّاج لقب لوالده، وهو خلاف المعروف، ولعلَّ الحلَّاج لقب للوالد والولد كليهما، أو أنَّ (الابن) زائد، ولكن النُّسَخ من هذا الكتاب والمنقول منه في كُتُب أُخرى متَّفقة على وجود (الابن)، والله العالم).
(1264) في بعض النُّسَخ: (كانت قرابة لأبيه) بدل (كاتب قرابة).
(1265) هو عليُّ بن الحسين بن بابويه والد الصدوق (رحمهما الله).

(٤٤١)

فَقَالَ لَهُ اَلرَّجُلُ - وَأَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ اِبْنُ عَمَّتِهِ أَوِ اِبْنُ عَمِّهِ -: فَإِنَّ اَلرَّجُلَ قَدِ اِسْتَدْعَانَا، فَلِمَ خَرَقْتَ مُكَاتَبَتَهُ؟
وَضَحِكُوا مِنْهُ، وَهَزَءُوا بِهِ، ثُمَّ نَهَضَ إِلَى دُكَّانِهِ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَغِلْمَانِهِ.
قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ إِلَى اَلدَّارِ اَلَّتِي كَانَ فِيهَا دُكَّانُهُ نَهَضَ لَهُ مَنْ كَانَ هُنَاكَ جَالِساً غَيْرَ رَجُلٍ رَآهُ جَالِساً فِي اَلمَوْضِعِ، فَلَمْ يَنْهَضْ لَهُ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ أَبِي، فَلَمَّا جَلَسَ وَأَخْرَجَ حِسَابَهُ وَدَوَاتَهُ كَمَا يَكُونُ اَلتُّجَّارُ أَقْبَلَ عَلَى بَعْضِ مَنْ كَانَ حَاضِراً فَسَأَلَهُ عَنْهُ، فَأَخْبَرَهُ، فَسَمِعَهُ اَلرَّجُلُ يَسْأَلُ عَنْهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: تَسْأَلُ عَنِّي وَأَنَا حَاضِرٌ؟
فَقَالَ لَهُ أَبِي: أَكْبَرْتُكَ أَيُّهَا اَلرَّجُلُ، وَأَعْظَمْتُ قَدْرَكَ أَنْ أَسْأَلَكَ.
فَقَالَ لَهُ: تَخْرِقُ رُقْعَتِي وَأَنَا أُشَاهِدُكَ تَخْرِقُهَا.
فَقَالَ لَهُ أَبِي: فَأَنْتَ اَلرَّجُلُ إِذًا.
ثُمَّ قَالَ: يَا غُلَامُ، بِرِجْلِهِ وَبِقَفَاهُ، فَخَرَجَ مِنَ اَلدَّارِ اَلْعَدُوُّ لِله وَلِرَسُولِهِ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَتَدَّعِي اَلمُعْجِزَاتِ عَلَيْكَ لَعْنَةُ اَلله؟ - أَوْ كَمَا قَالَ -.
فَأُخْرِجَ بِقَفَاهُ، فَمَا رَأَيْنَاهُ بَعْدَهَا بِقُمَّ.
ومنهم: ابن أبي العزاقر:
378 - أَخْبَرَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ هِبَةِ اَلله بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْكَاتِبِ اِبْنِ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه)، قَالَ: حَدَّثَتْنِي اَلْكَبِيرَةُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه)، قَالَتْ: كَانَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ أَبِي اَلْعَزَاقِرِ وَجِيهاً عِنْدَ بَنِي بِسْطَامَ، وَذَاكَ أَنَّ اَلشَّيْخَ أَبَا اَلْقَاسِمِ (رَضِيَ اَللهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَاهُ) كَانَ قَدْ جَعَلَ لَهُ عِنْدَ اَلنَّاسِ مَنْزِلَةً وَجَاهاً، فَكَانَ عِنْدَ اِرْتِدَادِهِ يَحْكِي كُلَّ كَذِبٍ وَبَلَاءٍ وَكُفْرٍ لِبَنِي بِسْطَامَ وَيُسْنِدُهُ عَنِ اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ، فَيَقْبَلُونَهُ مِنْهُ وَيَأْخُذُونَهُ عَنْهُ، حَتَّى اِنْكَشَفَ ذَلِكَ لِأَبِي اَلْقَاسِمِ (رضي الله عنه) فَأَنْكَرَهُ

(٤٤٢)

وَأَعْظَمَهُ وَنَهَى بَنِي بِسْطَامَ عَنْ كَلَامِهِ وَأَمَرَهُمْ بِلَعْنِهِ وَاَلْبَرَاءَةِ مِنْهُ، فَلَمْ يَنْتَهُوا وَأَقَامُوا عَلَى تَوَلِّيهِ، وَذَاكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّنِي أَذَعْتُ اَلسِّرَّ وَقَدْ أُخِذَ عَلَيَّ اَلْكِتْمَانُ، فَعُوقِبْتُ بِالْإِبْعَادِ بَعْدَ اَلاِخْتِصَاصِ، لِأَنَّ اَلْأَمْرَ عَظِيمٌ لَا يَحْتَمِلُهُ إِلَّا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ أَوْ مُؤْمِنٌ مُمْتَحَنٌ، فَيُؤَكِّدُ فِي نُفُوسِهِمْ عِظَمَ اَلْأَمْرِ وَجَلَالَتَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا اَلْقَاسِمِ (رضي الله عنه)، فَكَتَبَ إِلَى بَنِي بِسْطَامَ بِلَعْنِهِ وَاَلْبَرَاءَةِ مِنْهُ وَمِمَّنْ تَابَعَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَأَقَامَ عَلَى تَوَلِّيهِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِمْ أَظْهَرُوهُ عَلَيْهِ، فَبَكَى بُكَاءً عَظِيماً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ لِهَذَا اَلْقَوْلِ بَاطِناً عَظِيماً، وَهُوَ أَنَّ اَللَّعْنَةَ اَلْإِبْعَادُ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: (لَعَنَهُ اَللهُ) أَيْ بَاعَدَهُ اَللهُ عَنِ اَلْعَذَابِ وَاَلنَّارِ، وَاَلْآنَ قَدْ عَرَفْتُ مَنْزِلَتِي، وَمَرَّغَ خَدَّيْهِ عَلَى اَلتُّرَابِ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْكِتْمَانِ لِهَذَا اَلْأَمْرِ.
قَالَتِ اَلْكَبِيرَةُ (رضي الله عنها): وَقَدْ كُنْتُ أَخْبَرْتُ اَلشَّيْخَ أَبَا اَلْقَاسِمِ أَنَّ أُمَّ أَبِي جَعْفَرِ اِبْنِ بِسْطَامَ قَالَتْ لِي يَوْماً وَقَدْ دَخَلْنَا إِلَيْهَا فَاسْتَقْبَلَتْنِي وَأَعْظَمَتْنِي وَزَادَتْ فِي إِعْظَامِي حَتَّى اِنْكَبَّتْ عَلَى رِجْلِي تُقَبِّلُهَا، فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ، وَقُلْتُ لَهَا: مَهْلاً، يَا سِتِّي، فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَاِنْكَبَبْتُ عَلَى يَدِهَا.
فَبَكَتْ ثُمَّ قَالَتْ: كَيْفَ لَا أَفْعَلُ بِكِ هَذَا وَأَنْتِ مَوْلَاتِي فَاطِمَةُ؟
فَقُلْتُ لَهَا: وَكَيْفَ ذَاكِ، يَا سِتِّي؟
فَقَالَتْ لِي: إِنَّ اَلشَّيْخَ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ خَرَجَ إِلَيْنَا بِالسِّرِّ.
قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهَا: وَمَا اَلسِّرُّ؟
قَالَتْ: قَدْ أَخَذَ عَلَيْنَا كِتْمَانَهُ، وَأَفْزَعُ إِنْ أَنَا أَذَعْتُهُ عُوقِبْتُ.
قَالَتْ: وَأَعْطَيْتُهَا مَوْثِقاً أَنِّي لَا أَكْشِفُهُ لِأَحَدٍ، وَاِعْتَقَدْتُ فِي نَفْسِي اَلاِسْتِثْنَاءَ بِالشَّيْخِ (رضي الله عنه)، يَعْنِي أَبَا اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنَ بْنَ رَوْحٍ.
قَالَتْ: إِنَّ اَلشَّيْخَ أَبَا جَعْفَرٍ قَالَ لَنَا: إِنَّ رُوحَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اِنْتَقَلَتْ إِلَى أَبِيكِ يَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ (رضي الله عنه)، وَرُوحَ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) اِنْتَقَلَتْ إِلَى

(٤٤٣)

بَدَنِ اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ، وَرُوحَ مَوْلَاتِنَا فَاطِمَةَ (عليها السلام) اِنْتَقَلَتْ إِلَيْكِ، فَكَيْفَ لَا أُعَظِّمُكِ يَا سِتَّنَا؟
فَقُلْتُ لَهَا: مَهْلاً لَا تَفْعَلِي، فَإِنَّ هَذَا كَذِبٌ، يَا سِتَّنَا.
فَقَالَتْ لِي: هُوَ سِرٌّ عَظِيمٌ، وَقَدْ أَخَذَ عَلَيْنَا أَنَّنَا لَا نَكْشِفُ هَذَا لِأَحَدٍ، فَاللهَ اَللهَ فِيَّ، لَا يَحِلُّ بي اَلْعَذَابُ. وَيَا سِتِّي، فَلَوْ لَا أَنَّكِ حَمَلْتِينِي عَلَى كَشْفِهِ مَا كَشَفْتُهُ لَكِ وَلَا لِأَحَدٍ غَيْرِكِ.
قَالَتِ اَلْكَبِيرَةُ أُمُّ كُلْثُومٍ (رضي الله عنها): فَلَمَّا اِنْصَرَفْتُ مِنْ عِنْدِهَا دَخَلْتُ إِلَى اَلشَّيْخِ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ (رضي الله عنه)، فَأَخْبَرْتُهُ بِالْقِصَّةِ، وَكَانَ يَثِقُ بِي وَيَرْكَنُ إِلَى قَوْلِي.
فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّةُ، إِيَّاكِ أَنْ تَمْضِيَ إِلَى هَذِهِ اَلمَرْأَةِ بَعْدَ مَا جَرَى مِنْهَا، وَلَا تَقْبَلِي لَهَا رُقْعَةً إِنْ كَاتَبَتْكِ، وَلَا رَسُولاً إِنْ أَنْفَذَتْهُ (إِلَيْكِ)، وَلَا تَلْقَيْهَا بَعْدَ قَوْلِهَا، فَهَذَا كُفْرٌ بِالله تَعَالَى وَإِلْحَادٌ، قَدْ أَحْكَمَهُ هَذَا اَلرَّجُلُ اَلمَلْعُونُ فِي قُلُوبِ هَؤُلَاءِ اَلْقَوْمِ، لِيَجْعَلَهُ طَرِيقاً إِلَى أَنْ يَقُولَ لَهُمْ بِأَنَّ اَللهَ تَعَالَى اِتَّحَدَ بِهِ وَحَلَّ فِيهِ، كَمَا يَقُولُ اَلنَّصَارَى فِي اَلمَسِيحِ (عليه السلام)، وَيَعْدُو إِلَى قَوْلِ اَلْحَلَّاجِ (لَعَنَهُ اَللهُ).
قَالَتْ: فَهَجَرْتُ بَنِي بِسْطَامَ، وَتَرَكْتُ اَلمُضِيَّ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ أَقْبَلْ لَهُمْ عُذْراً، وَلَا لَقِيتُ أُمَّهُمْ بَعْدَهَا، وَشَاعَ فِي بَنِي نَوْبَخْتَ اَلْحَدِيثُ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ اَلشَّيْخُ أَبُو اَلْقَاسِمِ وَكَاتَبَهُ بِلَعْنِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلشَّلْمَغَانِيِّ وَاَلْبَرَاءَةِ مِنْهُ وَمِمَّنْ يَتَوَلَّاهُ وَرَضِيَ بِقَوْلِهِ أَوْ كَلَّمَهُ فَضْلاً عَنْ مُوَالَاتِهِ.
ثُمَّ ظَهَرَ اَلتَّوْقِيعُ مِنْ صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) بِلَعْنِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَاَلْبَرَاءَةِ مِنْهُ وَمِمَّنْ تَابَعَهُ وَشَايَعَهُ وَرَضِيَ بِقَوْلِهِ وَأَقَامَ عَلَى تَوَلِّيهِ بَعْدَ اَلمَعْرِفَةِ بِهَذَا اَلتَّوْقِيعِ.
وله حكايات قبيحة وأُمور فظيعة نُنزِّه كتابنا عن ذكرها، ذكرها ابن نوح وغيره.

(٤٤٤)

وكان سبب قتله أنَّه لـمَّا أظهر لعنه أبو القاسم بن روح (رضي الله عنه)، واشتهر أمره وتبرَّأ منه وأمر جميع الشيعة بذلك، لم يمكنه التلبيس، فقال - في مجلس حافل فيه رؤساء الشيعة، وكلٌّ يحكي عن الشيخ أبي القاسم لعنه والبراءة منه -: أجمعوا بيني وبينه حتَّى آخذ يده ويأخذ بيدي، فإنْ لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه وإلَّا فجميع ما قاله فيَّ حقٌّ، ورقي ذلك إلى الراضي - لأنَّه كان ذلك في دار ابن مقلة -، فأمر بالقبض عليه وقتله، فقُتِلَ واستراحت الشيعة منه.
379 - وَقَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُدَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلشَّلْمَغَانِيُّ اَلمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي اَلْعَزَاقِرِ (لَعَنَهُ اَللهُ) يَعْتَقِدُ اَلْقَوْلَ بِحَمْلِ اَلضِّدِّ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ إِظْهَارُ فَضِيلَةٍ لِلْوَلِيِّ إِلَّا بِطَعْنِ اَلضِّدِّ فِيهِ، لِأَنَّهُ يَحْمِلُ سَامِعِي(1266) طَعْنِهِ عَلَى طَلَبِ فَضِيلَتِهِ، فَإِذاً هُوَ أَفْضَلُ مِنَ اَلْوَلِيِّ، إِذْ لَا يَتَهَيَّأُ إِظْهَارُ اَلْفَضْلِ إِلَّا بِهِ، وَسَاقُوا اَلمَذْهَبَ مِنْ وَقْتِ آدَمَ اَلْأَوَّلِ إِلَى آدَمَ اَلسَّابِعِ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: سَبْعُ عَوَالِمَ وَسَبْعُ أَوَادِمَ، وَنَزَلُوا إِلَى مُوسَى وَفِرْعَوْنَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَمُعَاوِيَةَ.
وَأَمَّا فِي اَلضِّدِّ(1267) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اَلْوَلِيُّ يَنْصِبُ اَلضِّدَّ وَيَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ اَلظَّاهِرِ(1268): إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ(عليه السلام) نَصَبَ أَبَا بَكْرٍ فِي ذَلِكَ اَلمَقَامِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا، وَلَكِنْ هُوَ قَدِيمٌ مَعَهُ لَمْ يَزَلْ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1266) في بعض النُّسَخ: (السامع).
(1267) في بعض النُّسَخ: (فاختلفوا في الضدِّ).
(1268) هم جماعة ينتحلون مذهب داود بن عليٍّ الأصبهاني الملقَّب بالظاهري، تُنسَب إليه الطائفة الظاهريَّة، وسُمّيت بذلك لأخذها بظاهر الكتاب والسُّنَّة وإعراضها عن التأويل والرأي والقياس، وكان داود بن عليٍّ أوَّل من جهر بهذا القول، وتُوفّي سنة (270هـ).
راجع: وفيات الأعيان (ج 2/ ص 255 - 257/ الرقم 223)، والأنساب للسمعاني (ج 4/ ص 99 و100)، وميزان الاعتدال (ج 2/ ص 14 - 16/ الرقم 2634)، وتاريخ بغداد (ج 8/ ص 366 - 371/ الرقم 4473)، وطبقات الشافعيَّة الكبرى للسبكي (ج 2/ ص 284 - 293/ الرقم 62)، وفهرست ابن النديم (ص 271 و272).

(٤٤٥)

قَالُوا: وَاَلْقَائِمُ اَلَّذِي ذَكَرُوا أَصْحَابُ اَلظَّاهِرِ أَنَّهُ مِنْ وُلْدِ اَلْحَادِي عَشَرَ فَإِنَّهُ يَقُومُ، مَعْنَاهُ إِبْلِيسُ، لِأَنَّهُ قَالَ: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ [الحجر: 30 و31]، فَلَمْ يَسْجُدْ(1269)، ثُمَّ قَالَ: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الأعراف: 16]، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَائِماً فِي وَقْتِ مَا أُمِرَ بِالسُّجُودِ ثُمَّ قَعَدَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: «يَقُومُ (اَلْقَائِمُ» إِنَّمَا هُوَ ذَلِكَ اَلْقَائِمُ)(1270) اَلَّذِي أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَأَبَى، وَهُوَ إِبْلِيسُ (لَعَنَهُ اَللهُ).
وَقَالَ شَاعِرُهُمْ (لَعَنَهُمُ اَللهُ):

يَا لَاعِناً لِلضِّدِّ مِنْ عَدِيٍّ * * * مَا اَلضِّدُّ إِلَّا ظَاهِرُ اَلْوَلِيِّ
وَاَلْحَمْدُ لِلْمُهَيْمِنِ اَلْوَفِيِّ * * * لَسْتَ عَلَى حَالٍ كَحَمَّامِيٍّ(1271)
وَلَا حِجَامِيٍّ وَلَا جُغْدِيٍّ * * * قَدْ فُقْتَ مِنْ قَوْلٍ عَلَى اَلْفَهْدِيِّ(1272)
نَعَمْ وَجَاوَزْتَ(1273) مَدَى اَلْعَبْدِيِّ * * * فَوْقَ عَظِيمٍ لَيْسَ بِالمَجُوسِي
لِأَنَّهُ اَلْفَرْدُ بِلَا كَيْفِيٍّ * * * مُتَّحِدٌ(1274) بِكُلِّ أَوْحَدِيٍّ
مُخَالِطُ اَلنُّورِ(يِّ)(1275) وَاَلظُّلْمِيِّ * * * يَا طَالِباً مِنْ بَيْتِ هَاشِمِيٍّ
وَجَاحِداً مِنْ بَيْتِ كَسْـرَوِيٍّ * * * قَدْ غَابَ فِي نِسْبَةِ أَعْجَمِيٍّ
فِي اَلْفَارِسِيِّ اَلْحَسَبِ اَلرِّضِيِّ * * * كَمَا اِلْتَوَى فِي اَلْعُرْبِ مِنْ لَوِيٍّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1269) في بعض النُّسَخ: (أبى ولم يسجد).
(1270) ليس في بعض النُّسَخ.
(1271) في بعض النُّسَخ: (كهمامي).
(1272) في بعض النُّسَخ: (فدفعت من قولي على القهري)، وفي بعضها: (قولي) بدل (قول).
(1273) في بعض النُّسَخ: (جاورت).
(1274) في بعض النُّسَخ: (متحمِّل).
(1275) ليس في بعض النُّسَخ.

(٤٤٦)

380 - وَقَالَ اَلصَّفْوَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ بْنَ هَمَّامٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ اَلْعَزَاقِرِيَّ اَلشَّلْمَغَانِيَّ يَقُولُ: اَلْحَقُّ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ قُمُصُهُ، فَيَوْمٌ يَكُونُ فِي أَبْيَضَ، وَيَوْمٌ يَكُونُ فِي أَحْمَرَ، وَيَوْمٌ يَكُونُ فِي أَزْرَقَ.
قَالَ اِبْنُ هَمَّامٍ: فَهَذَا أَوَّلُ مَا أَنْكَرْتُهُ مِنْ قَوْلِهِ، لِأَنَّهُ قَوْلُ أَصْحَابِ اَلْحُلُولِ(1276).
381 - وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ اِبْنِ هَمَّامٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ اَلشَّلْمَغَانِيَّ لَمْ يَكُنْ قَطُّ بَاباً إِلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ، وَلَا طَرِيقاً لَهُ، وَلَا نَصَبَهُ أَبُو اَلْقَاسِمِ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ وَلَا سَبَبٍ، وَمَنْ قَالَ بِذَلِكَ فَقَدْ أَبْطَلَ، وَإِنَّمَا كَانَ فَقِيهاً مِنْ فُقَهَائِنَا وَخَلَّطَ وَظَهَرَ عَنْهُ مَا ظَهَرَ، وَاِنْتَشَرَ اَلْكُفْرُ وَاَلْإِلْحَادُ عَنْهُ، فَخَرَجَ فِيهِ اَلتَّوْقِيعُ عَلَى يَدِ أَبِي اَلْقَاسِمِ بِلَعْنِهِ وَاَلْبَرَاءَةِ مِنْهُ مِمَّنْ تَابَعَهُ وَشَايَعَهُ وَقَالَ بِقَوْلِهِ.
382 - وَأَخْبَرَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نُوحٍ، عَنْ أَبِي نصْرٍ هِبَةِ اَلله بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اَلله اَلْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ اَلْحَامِدِيُّ اَلْبَزَّازُ اَلمَعْرُوفُ بِغُلَامِ أَبِي عَلِيٍّ بْنِ جَعْفَرٍ اَلمَعْرُوفُ بِابْنِ زُهُومَةَ(1277) اَلنَّوْبَخْتِيِّ - وَكَانَ شَيْخاً مَسْتُوراً -، قَالَ: سَمِعْتُ رَوْحَ بْنَ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ رَوْحٍ يَقُولُ: لَـمَّا عَمِلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلشَّلْمَغَانِيُّ كِتَابَ (اَلتَّكْلِيفِ) قَالَ [اَلشَّيْخُ] يَعْنِي أَبَا اَلْقَاسِمِ (رضي الله عنه): اُطْلُبُوهُ إِلَيَّ لِأَنْظُرَهُ، فَجَاءُوا بِهِ، فَقَرَأَهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، فَقَالَ: مَا فِيهِ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ رُوِيَ عَنِ اَلْأَئِمَّةِ إِلَّا مَوْضِعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، فَإِنَّهُ كَذَبَ عَلَيْهِمْ فِي رِوَايَتِهَا (لَعَنَهُ اَللهُ).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1276) في المقالات والفِرَق (ص 63/ الرقم 125): (زعموا أنَّ كلَّ من انتسب إلى أنَّه من آل أحمد برًّا كان أو فاجراً فالله حالٌّ فيه، وهم جميعاً مساكنه، لأنَّهم الحُجُب، وأبطلوا ولاداتهم، وزعموا أنَّ ذلك تلبيس، وأنَّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليًّا (عليه السلام) لم يلدا ولم يولدا).
(1277) في بعض النُّسَخ: (المعروف بابن رهومة).

(٤٤٧)

383 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُدَ وَأَبِي عَبْدِ اَلله اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ أَنَّهُمَا قَالَا: مِمَّا أَخْطَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ فِي اَلمَذْهَبِ فِي بَابِ اَلشَّهَادَةِ أَنَّهُ رَوَى عَنِ اَلْعَالِمِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا كَانَ لِأَخِيكَ اَلمُؤْمِنِ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَدَفَعَهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ اَلْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ إِلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ، وَكَانَ اَلشَّاهِدُ ثِقَةً رَجَعْتَ إِلَى اَلشَّاهِدِ فَسَأَلْتَهُ عَنْ شَهَادَتِهِ، فَإِذَا أَقَامَهَا عِنْدَكَ شَهِدْتَ مَعَهُ عِنْدَ اَلْحَاكِمِ عَلَى مِثْلِ مَا يَشْهَدُهُ عِنْدَهُ، لِئَلَّا يُتْوَى(1278) حَقُّ اِمْرِئٍ مُسْلِمٍ»(1279)، وَاَللَّفْظُ لاِبْنِ بَابَوَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا كَذِبٌ مِنْهُ، وَلَسْنَا نَعْرِفُ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: كَذَبَ فِيهِ.
نسخة التوقيع الخارج في لعنه:
384 - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ هَارُونَ بْن مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ اِبْنُ هَمَّام، قَالَ: خَرَجَ عَلَى يَدِ الشَّيْخ أَبِي الْقَاسِم الْحُسَيْن بْن رَوْح (رضي الله عنه) فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ فِي لَعْنِ ابْن أَبِي الْعَزَاقِر وَالْمِدَادُ رَطْبٌ لَمْ يَجُفَّ.
وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَن ابْن دَاوُدَ، قَالَ: خَرَجَ التَّوْقِيعُ مِنَ الْحُسَيْن بْن رَوْح فِي الشَّلْمَغَانِيِّ، وَأَنْفَذَ نُسْخَتَهُ إِلَى أبِي عَلِيٍّ بْن هَمَّام فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
قَالَ ابْنُ نُوح: وَحَدَّثَنَا أَبُو الْفَتْح أَحْمَدُ بْنُ ذَكَا مَوْلَى عَلِيِّ بْن مُحَمَّدِ بْن الْفُرَاتِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بْن هَمَّام بْن سُهَيْلٍ بِتَوْقِيع خَرَجَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَن بْن جَعْفَر بْن إِسْمَاعِيلَ بْن صَالِح الصَّيْمَريُّ: أَنْفَذَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1278) في القاموس المحيط (ج 4/ ص 307): (توي توى كرضي: هلك).
(1279) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في فقه الرضا (ص 308)، والأحسائي (رحمه الله) في عوالي اللئالي (ج 1/ ص 315/ ح 36) عن كتاب التكليف لابن أبي العزاقر.

(٤٤٨)

الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْح (رضي الله عنه) مِنْ مَحْبَسِهِ فِي دَار المُقْتَدِر إِلَى شَيْخِنَا أَبِي عَلِيٍّ بْن هَمَّام فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَأَمْلَاهُ أَبُو عَلِيٍّ [عَلَيَّ](1280) وَعَرَّفَنِي أَنَّ أَبَا الْقَاسِم (رضي الله عنه) رَاجَعَ فِي تَرْكِ إِظْهَارهِ، فَإنَّهُ فِي يَدِ الْقَوْم وَحَبْسِهِمْ، فَأُمِرَ بِإظْهَارهِ وَأَنْ لَا يَخْشَى وَيَأمَنَ، فَتَخَلَّصَ وَخَرَجَ مِنَ الْحَبْس بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَالْحَمْدُ للهِ.
التَّوْقِيعُ:
«عَرِّفْ»، قَالَ الصَّيْمَريُّ(1281): «عَرَّفَكَ اللهُ الْخَيْرَ، أَطَالَ اللهُ بَقَاءَكَ وَعَرَّفَكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ وَخَتَمَ بِهِ عَمَلَكَ، مَنْ تَثِقُ بِدِينهِ وَتَسْكُنُ إِلَى نِيَّتِهِ مِنْ إِخْوَانِنَا أَسْعَدَكُمُ اللهُ»، وَقَالَ ابْنُ دَاوُدَ: «أَدَامَ اللهُ سَعَادَتَكُمْ مَنْ تَسْكُنُ إِلَى دِينهِ وَتَثِقُ بِنِيَّتهِ جَمِيعاً(1282) بِأَنَّ مُحَمَّدَ ابْنَ عَلِيٍّ المَعْرُوفَ الشَّلْمَغَانِيَّ»، زَادَ ابْنُ دَاوُدَ: «وَهُوَ مِمَّنْ عَجَّلَ اللهُ لَهُ النَّقِمَةَ وَلَا أَمْهَلَهُ قَدِ ارْتَدَّ عَن الْإسْلَام وَفَارَقَهُ»، اتَّفَقُوا «وَأَلْحَدَ فِي دِين اللهِ، وَادَّعَى مَا كَفَرَ مَعَهُ بِالْخَالِقِ»، قَالَ هَارُونُ: «فِيهِ بِالْخَالِقِ(1283) جَلَّ وَتَعَالَى، وَافْتَرَى كَذِباً وَزُوراً، وَقَالَ بُهْتَاناً وَإِثْماً عَظِيماً(1284)»، قَالَ هَارُونُ: «وَأَمْراً عَظِيماً، كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِاللهِ وَضَلُّوا ضَلَالاً بَعِيداً وَخَسِرُوا خُسْراناً مُبِيناً، وَإِنَّنَا قَدْ بَرئْنَا إِلَى اللهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِمْ بِمَنِّهِ وَلَعَنَّاهُ عَلَيْهِ لَعَائِنُ اللهِ»، اتَّفَقُوا(1285)، زَادَ ابْنُ دَاوُدَ: «تَتْرَى، فِي الظَّاهِر مِنَّا وَالْبَاطِن فِي السِّرِّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1280) من بحار الأنوار (ج 51/ ص 376).
(1281) الظاهر أنَّ المراد أنَّ التوقيع برواية غير الصيمري: (عرِّف من تثق بدينه...) إلخ، وفي رواية الصيمري زيادة، وهي هكذا: (عرِّف عرَّفك الله الخير...) إلخ.
(1282) الظاهر أنَّ المراد أنَّ الرواة اتَّفقوا جميعاً في نقل قوله (عليه السلام): (بأنَّ محمّد بن عليٍّ المعروف بالشلمغاني)، وهكذا الحال في سائر الفقرات. ويحتمل أنْ يكون صفة لـ (من تسكن).
(1283) يعني أنَّ هارون جاء بفقرة (فيه بالخالق) بدل (معه بالخالق).
(1284) في بعض النُّسَخ: (إثماً مبيناً).
(1285) يعني اتَّفقوا على الفقرات المتقدِّمة، وزاد ابن داود بعد قوله: (عليه لعائن الله) كلمة (تترى).
وفي بعض النُّسَخ: (تبرأ) بدل (تترى).

(٤٤٩)

وَالْجَهْر وَفِي كُلِّ وَقْتٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، وَعَلَى مَنْ شَايَعَهُ وَتَابَعَهُ أَوْ بَلَغَهُ هَذَا الْقَوْلُ مِنَّا وَأَقَامَ عَلَى تَوَلِّيهِ بَعْدَهُ، وَأَعْلِمْهُمْ»، قَالَ الصَّيْمَريُّ: «تَوَلَّاكُمُ اللهُ(1286)»، قَالَ ابْنُ ذَكَا: «أَعَزَّكُمُ اللهُ، أَنَّا مِنَ التَّوَقِّي»، وَقَالَ ابْنُ دَاوُدَ: «اعْلَمْ أَنَّنَا مِنَ التَّوَقِّي لَهُ»، قَالَ هَارُونُ: «وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّنَا فِي التَّوَقِّي وَالمُحَاذَرَةِ مِنْهُ»، قَالَ ابْنُ دَاوُدَ وَهَارُونُ: «عَلَى مِثْل مَا كَانَ مِمَّنْ تَقَدَّمَنَا لِنُظَرَائِهِ»، قَالَ الصَّيْمَريُّ: «عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ نُظَرَائِهِ»، وَقَالَ ابْنُ ذَكَا: «عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مَنْ تَقَدَّمَنَا لِنُظَرَائِهِ»، اتَّفَقُوا «مِنَ الشَّريعِيِّ وَالنُّمَيْريِّ وَالْهِلَالِيِّ وَالْبِلَالِيِّ وَغَيْرهِمْ، وَعَادَةُ اللهِ»، قَالَ ابْنُ دَاوُدَ وَهَارُونُ: «جَلَّ ثَنَاؤُهُ» وَاتَّفَقُوا «مَعَ ذَلِكَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ عِنْدَنَا جَمِيلَةٌ، وَبهِ نَثِقُ، وَإِيَّاهُ نَسْتَعِينُ، وَهُوَ حَسْبُنَا فِي كُلِّ أُمُورنَا وَنعْمَ الْوَكِيلُ».
قَالَ هَارُونُ: وَأَخَذَ أَبُو عَلِيٍّ هَذَا التَّوْقِيعَ، وَلَمْ يَدَعْ أَحَداً مِنَ الشُّيُوخ إِلَّا وَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ، وَكُوتِبَ مَنْ بَعُدَ مِنْهُمْ بِنُسْخَتِهِ فِي سَائِر الْأَمْصَار، فَاشْتَهَرَ ذَلِكَ فِي الطَّائِفَةِ، فَاجْتَمَعَتْ(1287) عَلَى لَعْنِهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ(1288).
وَقُتِلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّلْمَغَانِيُّ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
ذكر أمر أبي بكر البغدادي ابن أخي الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري، وأبي دلف المجنون:
385 - أَخْبَرَنِي اَلشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اَلله مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلنُّعْمَانِ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ بِلَالٍ اَلمُهَلَّبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْقَاسِمِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ يَقُولُ: أَمَّا أَبُو دُلَفَ اَلْكَاتِبُ (لَا حَاطَهُ اَللهُ) فَكُنَّا نَعْرِفُهُ مُلْحِداً، ثُمَّ أَظْهَرَ اَلْغُلُوَّ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1286) لا يخفى أنَّ كلَّ ما جاء بعد أقوال الرواة من الكلمات فإنَّما هي من زياداتهم في التوقيع حسب رواياتهم وسماعاتهم.
(1287) في بعض النُّسَخ: (واجتمعت).
(1288) رواه أحمد بن عليٍّ الطبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج (ج 2/ ص 290).

(٤٥٠)

ثُمَّ جُنَّ وَسُلْسِلَ، ثُمَّ صَارَ مُفَوِّصاً، وَمَا عَرَفْنَاهُ قَطُّ إِذَا حَضَرَ فِي مَشْهَدٍ إِلَّا اِسْتُخِفَّ بِهِ، وَلَا عَرَفَتْهُ اَلشِّيعَةُ إِلَّا مُدَّةً يَسِيرَةً، وَاَلْجَمَاعَةُ تَتَبَرَّأُ(1289) مِنْهُ وَمِمَّنْ يُومِي إِلَيْهِ وَيُنَمِّسُ بِهِ. وَقَدْ كُنَّا وَجَّهْنَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ اَلْبَغْدَادِيِّ لَـمَّا اِدَّعَى لَهُ هَذَا مَا اِدَّعَاهُ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَحَلَفَ عَلَيْهِ، فَقَبِلْنَا ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ مَالَ إِلَيْهِ وَعَدَلَ عَنِ اَلطَّائِفَةِ وَأَوْصَى إِلَيْهِ لَمْ نَشُكَّ أَنَّهُ عَلَى مَذْهَبِهِ، فَلَعَنَّاهُ وَبَرِئْنَا مِنْهُ، لِأَنَّ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنِ اِدَّعَى اَلْأَمْرَ بَعْدَ اَلسَّمُرِيِّ (رحمه الله) فَهُوَ كَافِرٌ مُنَمِّسٌ ضَالٌّ مُضِلٌّ، وَبِالله اَلتَّوْفِيقُ.
386 - وَذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ اَلسُّكَّرِيُّ، قَالَ: لَـمَّا قَدِمَ اِبْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ اَلْقُمِّيُّ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَ اَلْجَمَاعَةُ [عَلَى أَبِي بَكْرٍ اَلْبَغْدَادِيِّ](1290) وَسَأَلُوهُ عَنِ اَلْأَمْرِ اَلَّذِي حُكِيَ فِيهِ مِنَ اَلنِّيَابَةِ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَيْسَ إِلَيَّ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، وَعُرِضَ عَلَيْهِ مَالٌ فَأَبَى، وَقَالَ: مُحَرَّمٌ عَلَيَّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ إِلَيَّ مِنْ هَذَا اَلْأَمْرِ شَيْءٌ، وَلَا اِدَّعَيْتُ شَيْئاً مِنْ هَذَا، وَكُنْتُ حَاضِراً لِمُخَاطَبَتِهِ إِيَّاهُ بِالْبَصْرَةِ.
387 - وَذَكَرَ اِبْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: اِجْتَمَعْتُ يَوْماً مَعَ أَبِي دُلَفَ، فَأَخَذْنَا فِي ذِكْرِ أَبِي بَكْرٍ اَلْبَغْدَادِيِّ، فَقَالَ لِي: تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ كَانَ فَضْلُ سَيِّدِنَا اَلشَّيْخِ (قَدَّسَ اَللهُ رُوحَهُ وَقُدِّسَ بِهِ) عَلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ وَعَلَى غَيْرِهِ؟
فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَعْرِفُ.
قَالَ: لِأَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ قَدَّمَ اِسْمَهُ عَلَى اِسْمِهِ فِي وَصِيَّتِهِ.
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَالمَنْصُورُ [إِذاً] أَفْضَلُ مِنْ مَوْلَانَا أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام).
قَالَ: وَكَيْفَ؟
قُلْتُ: لِأَنَّ اَلصَّادِقَ (عليه السلام) قَدَّمَ اِسْمَهُ عَلَى اِسْمِهِ فِي اَلْوَصِيَّةِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1289) في بعض النُّسَخ: (تبرأ).
(1290) ما بين المعقوفتين من بعض النُّسَخ، وكذا ما يأتي.

(٤٥١)

فَقَالَ لِي: أَنْتَ تَتَعَصَّبُ عَلَى سَيِّدِنَا وَتُعَادِيهِ.
فَقُلْتُ(1291): وَاَلْخَلْقُ كُلُّهُمْ تُعَادِي أَبَا بَكْرٍ اَلْبَغْدَادِيَّ وَتَتَعَصَّبُ عَلَيْهِ غَيْرُكَ وَحْدَكَ، وَكِدْنَا نَتَقَاتَلُ وَنَأْخُذُ بِالْأَزْيَاقِ(1292).
وأمر أبي بكر البغدادي في قلَّة العلم والمروَّة أشهر، وجنون أبي دُلَف أكثر من أنْ يُحصى لا نُشغِل كتابنا بذلك، ولا نُطوِّل بذكره، وذكر ابن نوح طرفاً من ذلك.
388 - وَرَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ هَارُونُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحِيمِ اَلْأَبْرَاروريِّ(1293)، قَالَ: أَنْفَذَنِي أَبِي عَبْدُ اَلرَّحِيمِ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه) فِي شَيْءٍ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَحَضَرْتُ مَجْلِسَهُ وَفِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ شَيْئاً مِنَ اَلرِّوَايَاتِ وَمَا قَالَهُ اَلصَّادِقُونَ (عليهم السلام) حَتَّى أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ اَلمَعْرُوفُ بِالْبَغْدَادِيِّ اِبْنُ أَخِي أَبِي جَعْفَرٍ اَلْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه)، فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) قَالَ لِلْجَمَاعَةِ: أَمْسِكُوا، فَإِنَّ هَذَا اَلْجَائِيَ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكُمْ.
389 - وَحُكِيَ أَنَّهُ تَوَكَّلَ لِلْيَزِيدِيِّ بِالْبَصْرَةِ، فَبَقِيَ فِي خِدْمَتِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَجَمَعَ مَالاً عَظِيماً، فَسُعِيَ بِهِ إِلَى اَلْيَزِيدِيِّ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ وَصَادَرَهُ وَضَرَبَهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ حَتَّى نَزَلَ اَلمَاءُ فِي عَيْنَيْهِ، فَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ ضَرِيراً.
390 - وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اَلله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْكَاتِبُ اِبْنُ بِنْتِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِيِّ (رضي الله عنه): إِنَّ أَبَا دُلَفَ مُحَمَّدَ بْنَ مُظَفَّرٍ اَلْكَاتِبَ كَانَ فِي اِبْتِدَاءِ أَمْرِهِ مُخَمِّساً مَشْهُوراً بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ كَانَ تَرْبِيَةَ اَلْكَرْخِيِّينَ وَتِلْمِيذَهُمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1291) في بعض النُّسَخ: (فقلت له).
(1292) في القاموس المحيط (ج 3/ ص 243): (زيق القميص - بالكسر -: ما أحاط بالعنق منه).
(1293) في بعض النُّسَخ: (الأبراردوري).

(٤٥٢)

وَصَنِيعَتَهُمْ، وَكَانَ اَلْكَرْخِيُّونَ مُخَمِّسَةً(1294) لَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو دُلَفَ يَقُولُ ذَلِكَ وَيَعْتَرِفُ بِهِ، وَيَقُولُ: نَقَلَنِي سَيِّدُنَا اَلشَّيْخُ اَلصَّالِحُ (قَدَّسَ اَللهُ رُوحَهُ، وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ) عَنْ مَذْهَبِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْكَرْخِيِّ إِلَى اَلمَذْهَبِ اَلصَّحِيحِ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ اَلْبَغْدَادِيَّ.
وجنون أبي دُلَف وحكايات فساد مذهبه أكثر من أنْ تُحصى، فلا نُطوِّل بذكرها الكتاب هاهنا.
قد ذكرنا جُمَلاً من أخبار السفراء والأبواب في زمان الغيبة، لأنَّ صحَّة ذلك مبنيٌّ على ثبوت إمامة صاحب الزمان (عليه السلام) وفي ثبوت وكالتهم، وظهور المعجزات على أيديهم دليل واضح على إمامة من انتمَوا إليه، فلذلك ذكرنا هذا.
فليس لأحدٍ أنْ يقول: ما الفائدة في ذكر أخبارهم فيما يتعلَّق بالكلام في الغيبة، لأنَّا قد بيَّنَّا فائدة ذلك، فسقط هذا الاعتراض.
[التوقيعات الواردة على أقوام ثقات في زمان السفراء المحمودين]:
وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قِبَل المنصوبين للسفارة من الأصل.
منهم: أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي (رحمه الله):
391 - أَخْبَرَنَا أَبُو اَلْحُسَيْنِ بْنُ أَبِي جِيدٍ اَلْقُمِّيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْوَلِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى اَلْعَطَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى(1295)، عَنْ صَالِحِ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1294) هم فرقة من الغلاة قالوا: إنَّ الخمسة: سلمان، وأبو ذرٍّ، والمقداد، وعمَّار، وعمرو بن أُميَّة الضمري هم الموكَّلون من قِبَل الربِّ بإدارة مصالح العالم، وسلمان رئيسهم في هذا الأمر. راجع: المقالات والفِرَق (ص 56 - 60/ الرقم 111 - 114).
(1295) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 348/ الرقم 939): (محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري القمِّي، أبو جعفر، كان ثقةً في الحديث).

(٤٥٣)

أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: سَأَلَنِي بَعْضُ اَلنَّاسِ فِي سَنَةِ تِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ قَبْضَ شَيْءٍ، فَامْتَنَعْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَتَبْتُ أَسْتَطْلِعُ اَلرَّأْيَ، فَأَتَانِي اَلْجَوَابُ: «بِالرَّيِّ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ اَلْعَرَبِيُّ، فَلْيُدْفَعْ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ مِنْ ثِقَاتِنَا».
392 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ اَلشَّاشِيِّ(1296)، قَالَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ اَلْكَاتِبُ اَلمَرْوَزِيُّ: وَجَّهْتُ إِلَى حَاجِزٍ اَلْوَشَّاءِ مِائَتَيْ دِينَارٍ، وَكَتَبْتُ إِلَى اَلْغَرِيمِ(1297) بِذَلِكَ، فَخَرَجَ اَلْوُصُولُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ [لَهُ](1298) قِبَلِي أَلْفَ دِينَارٍ، وَأَنِّي وَجَّهْتُ إِلَيْهِ مِائَتَيْ دِينَارٍ، وَقَالَ: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُعَامِلَ أَحَداً فَعَلَيْكَ بِأَبِي اَلْحُسَيْنِ اَلْأَسَدِيِّ بِالرَّيِّ».
فَوَرَدَ اَلْخَبَرُ بِوَفَاةِ حَاجِزٍ (رضي الله عنه) بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، فَأَعْلَمْتُهُ بِمَوْتِهِ، فَاغْتَمَّ، فَقُلْتُ لَهُ: لَا تَغْتَمَّ، فَإِنَّ لَكَ فِي اَلتَّوْقِيعِ إِلَيْكَ دَلَالَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا إِعْلَامُهُ إِيَّاكَ أَنَّ اَلمَالَ أَلْفُ دِينَارٍ، وَاَلثَّانِيَةُ أَمْرُهُ إِيَّاكَ بِمُعَامَلَةِ أَبِي اَلْحُسَيْنِ اَلْأَسَدِيِّ، لِعِلْمِهِ بِمَوْتِ حَاجِزٍ(1299).
393 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نَوْبَخْتَ، قَالَ: عَزَمْتُ عَلَى اَلْحَجِّ وَتَأَهَّبْتُ(1300)، فَوَرَدَ عَلَيَّ: «نَحْنُ لِذَلِكَ كَارِهُونَ»، فَضَاقَ صَدْرِي وَاِغْتَمَمْتُ وَكَتَبْتُ: أَنَا مُقِيمٌ بِالسَّمْعِ وَاَلطَّاعَةِ، غَيْرَ أَنِّي مُغْتَمٌّ بِتَخَلُّفِي عَنِ اَلْحَجِّ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1296) قال السمعاني في الأنساب (ج 3/ ص 375): (الشاشي بالألف الساكنة بين الشينين المعجمتين، هذه النسبة إلى مدينة وراء نهر سيحون، يقال لها: الشاش، وهي من ثغور الترك).
وفي الخرائج والجرائح: (محمّد بن يوسف الشاشي).
(1297) قال الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 362): (هذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديماً بينها، ويكون خطابها عليه للتقيَّة).
(1298) من بعض النُّسَخ.
(1299) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 695 و696/ ح 10) عن محمّد بن يوسف الشاشي مفصَّلاً باختلاف.
(1300) في بعض النُّسَخ: (تهيَّأت).

(٤٥٤)

فَوَقَّعَ: «لَا يَضِيقَنَّ صَدْرُكَ، فَإِنَّكَ تَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ»، فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلٍ اِسْتَأْذَنْتُ، فَوَرَدَ اَلْجَوَابُ، فَكَتَبْتُ: إِنِّي عَادَلْتُ(1301) مُحَمَّدَ بْنَ اَلْعَبَّاسِ، وَأَنَا وَاثِقٌ بِدِيَانَتِهِ وَصِيَانَتِهِ، فَوَرَدَ اَلْجَوَابُ: «اَلْأَسَدِيُّ نِعْمَ اَلْعَدِيلُ، فَإِنْ قَدِمَ فَلَا تَخْتَرْ عَلَيْهِ»، قَالَ: فَقَدِمَ اَلْأَسَدِيُّ، فَعَادَلْتُهُ.
394 - مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ اَلنَّيْشَابُورِيِّ، قَالَ: اِجْتَمَعَ عِنْدِي خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ يَنْقُصُ عِشْرُونَ دِرْهَماً، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ يَنْقُصَ هَذَا اَلْمِقْدَارُ، فَوَزَنْتُ مِنْ عِنْدِي عِشْرِينَ دِرْهَماً وَدَفَعْتُهَا إِلَى اَلْأَسَدِيِّ وَلَمْ أَكْتُبْ بِخَبَرِ نُقْصَانِهَا وَأَنِّي أَتْمَمْتُهَا مِنْ مَالِي، فَوَرَدَ اَلْجَوَابُ: «قَدْ وَصَلَتِ اَلْخَمْسُمِائَةِ اَلَّتِي لَكَ فِيهَا عِشْرُونَ»(1302).
ومات الأسدي على ظاهر العدالة لم يتغيَّر ولم يُطعَن عليه في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.
ومنهم: أحمد بن إسحاق وجماعة خرج التوقيع في مدحهم:
395 - رَوَى أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1301) المعادلة هي ركوب شخصين متقابلين في محمل واحد، وعادلته كناية عن المرافقة في طريق الحجِّ والمصاحبة، سأله عن ذلك لضرورة الرفيق الصالح في سفر الحجِّ. راجع: الفرج بعد الشدَّة (ج 3/ هامش ص73)، ولسان العرب (ج 11/ ص 432/ مادَّة عدل).
(1302) الكافي (ج 1/ ص 523 و524/ باب مولد الصاحب (عليه السلام)/ ح 23) باختلاف يسير؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 485 و486/ باب 45/ ح 5) بإسناده عن علَّان الكليني باختلاف، وفي (ص 509/ باب 45/ ح 38) بإسناده عن محمّد بن شاذان بن نعيم الشاذاني، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 525/ ح 497/101) بإسناده عن علَّان الكليني باختلاف يسير، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 365) بإسناده إلى الكليني، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 436 و437) عن محمّد بن شاذان النيسابوري، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 265) عن محمّد بن يعقوب، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 697 و698/ ح 14) باختلاف.

(٤٥٥)

اَلرَّازِيِّ، قَالَ: كُنْتُ وَأَحْمَدَ بْنَ أَبِي عَبْدِ اَلله بِالْعَسْكَرِ، فَوَرَدَ عَلَيْنَا رَسُولٌ مِنْ قِبَلِ اَلرَّجُلِ، فَقَالَ: «أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ اَلْأَشْعَرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْهَمَدَانِيُّ، وَأَحْمَدُ اِبْنُ حَمْزَةَ بْنِ اَلْيَسَعِ ثِقَاتٌ».

* * *

(٤٥٦)

فصل: فيما ذُكِرَ في بيان(1303) عمره (عليه السلام):
قد بيَّنَّا بالأخبار الصحيحة بأنَّ مولد صاحب الزمان (عليه السلام) كان في سنة ستٍّ وخمسين ومائتين، وأنَّ أباه (عليه السلام) مات في سنة ستِّين(1304)، فكانت له حينئذٍ أربع سنين، فيكون عمره إلى حين خروجه ما يقتضيه الحساب، ولا ينافي ذلك الأخبار التي رويت في مقدار سنِّه مختلفة الألفاظ.
396 - نَحْوَ مَا رُويَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ صَاحِبُ هَذَا اَلْأَمْرِ (مَنْ جَازَ مِنْ أَرْبَعِينَ)(1305)، صَاحِبُ هَذَا اَلْأَمْرِ اَلْقَوِيُّ اَلمُشَمِّرُ»(1306).
وما أشبه ذلك من الأخبار التي وردت مختلفة الألفاظ متباينة المعاني(1307)، فالوجه فيها - إنْ صحَّت - أنْ نقول: إنَّه يظهر في صورة شابٍّ من أبناء أربعين سنة أو ما جانسه، لا أنَّه يكون عمره كذلك، لتسلم الأخبار.
397 - وَيُقَوِّي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ اِبْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ طَرْخَانَ(1308)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1303) في بعض النُّسَخ: (مقدار).
(1304) أي في سنة ستِّين بعد المائتين؛ وفي بعض النُّسَخ: (وكان) بدل (فكانت).
(1305) في بعض النُّسَخ: (جاز الأربعين) بدل ما بين القوسين.
(1306) المشمِّر: أي المرفوع؛ وفي بعض النُّسَخ: (المستتر (الشمر خ ل)).
(1307) راجع: بصائر الدرجات (ص 208 و209/ ج 4/ باب 4/ ح 56)، والخرائج والجرائح (ج 2/ ص 691/ ح 2).
(1308) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 430/ الرقم 6175/18) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام)، قائلاً: (روى عنه حميد كتاب أبي يحيى المكفوف).

(٤٥٩)

عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ(1309)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ وَلِيَّ اَلله يُعَمَّرُ عُمُرَ إِبْرَاهِيمَ اَلْخَلِيلِ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ(1310)، وَيَظْهَرُ فِي صُورَةِ فَتًى مُوَفَّقٍ(1311) اِبْنِ ثَلَاثِينَ سَنَةً»(1312).
398 - وَعَنْهُ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْعَاقُولِيِّ(1313)، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ خَرَجَ اَلْقَائِمُ لَقَدْ أَنْكَرَهُ اَلنَّاسُ، يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَابًّا مُوَفَّقاً، فَلَا يَلْبَثُ(1314) عَلَيْهِ إِلَّا كُلُّ مُؤْمِنٍ أَخَذَ اَللهُ مِيثَاقَهُ فِي اَلذَّرِّ اَلْأَوَّلِ»(1315).
399 - وَرُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّ فِي صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (عليه السلام) شَبَهاً مِنْ يُونُسَ، رُجُوعُهُ مِنْ غَيْبَتِهِ بِشَرْخِ(1316) اَلشَّبَابِ(1317).
400 - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «مَا تُنْكِرُونَ أَنْ يَمُدَّ اَللهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1309) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 244/ الرقم 3376/285) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (عليُّ بن عمر بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، المدني).
(1310) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 287): (لعلَّ المراد عمره في ملكه وسلطنته، أو هو مما بدا لله فيه).
وفي بعض النُّسَخ: (عمَّر عمر إبراهيم الخليل).
(1311) في تاج العروس (ج 13/ ص 487/ مادَّة وفق): (إنَّ فلاناً موفَّق، أي رشيد).
(1312) رواه باختلاف النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 195/ باب 10/ فصل 4/ ح 44)، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 481 و482/ ح 475/79).
(1313) هو الحسن بن عليِّ بن سهل أبو محمّد العاقولي، كما في أمالي الطوسي (ص 497 و508/ ح 1090/59 و1111/18).
(1314) في بعض النُّسَخ: (فلا يثبت).
(1315) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 194/ باب 10/ فصل 4/ ح 43، وص 219/ باب 12/ ح 20) بإسناده عن أبي حمزة عن أبي عبد الله (عليه السلام) باختلاف.
(1316) في العين للفراهيدي (ج 4/ ص 169/ مادَّة شرخ): (شرخ الشباب: أوَّله).
(1317) رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 327/ باب 32/ ح 7) بإسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) باختلاف.

(٤٦٠)

لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ فِي اَلْعُمُرِ كَمَا مَدَّ لِنُوحٍ (عليه السلام) فِي اَلْعُمُرِ»(1318).
ولو لم ترد هذه الأخبار أيضاً لكان ذلك مقدوراً لله تعالى بلا خلاف بين الأُمَّة، وإنَّما يخالف فيها أصحاب الطبائع والمنجِّمون، وأصحاب الشرائع كلُّهم على جواز ذلك.
401 - وَيَرْوِي اَلنَّصَارَى أَنَّ فِيمَنْ تَقَدَّمَ(1319) مَنْ عَاشَ سَبِعْمَائَةَ سَنَةٍ وَأَكْثَرَ(1320).
402 - وَرَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ اَلمُثَنَّى اَلْبَصْرِيُّ اَلتَّيْمِيُّ(1321)، قَالَ: كَانَتْ فِي غَطَفَانَ خَلَّةٌ(1322) أَشْهَرَتْهُمْ بِهَا اَلْعَرَبُ، كَانَ مِنْهُمْ نَصْرُ بْنُ دَهْمَانَ، وَكَانَ مِنْ سَادَةِ غَطَفَانَ وَقَادَتِهَا حَتَّى خَرِفَ وَحَنَّاهُ اَلْكِبَرُ، وَعَاشَ تِسْعِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ، فَاعْتَدَلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَابًّا، وَاِسْوَدَّ شَعْرُهُ، فَلَا يُعْرَفُ فِي اَلْعَرَبِ أُعْجُوبَةٌ مِثْلُهَا(1323).
وقد ذكرنا من أخبار المعمَّرين قطعة فيها كفاية، فلا معنى للتعجُّب من ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1318) رواه النيلي (رحمه الله) في منتخب الأنوار المضيئة (ص 330) عن أحمد بن محمّد الأيادي يرفعه إلى أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) باختلاف يسير.
(1319) في بعض النُّسَخ: (فيمن تقدَّم من رهبانهم).
(1320) راجع: كنز الفوائد (ص 245).
(1321) قال المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 1/ ص 239): (روى أوَّل خطبة خطبها أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد بيعة الناس له على الأمر، وهو ممَّن لا يتَّهمه خصوم الشيعة في روايته).
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 10/ ص 221/ الرقم 444): (مولاهم البصري النحوي...، كان من أعلم الناس بأنساب العرب وأيَّامهم، مات سنة تسع ومائتين)، وقد تقدَّم عند ذكر المعمَّرين.
(1322) في العين للفراهيدي (ج 4/ ص 141/ مادَّة خل): (الخلَّة: الخصلة).
(1323) ذكره الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 555 و556)، وذكر قصَّته السجستاني في المعمَّرين (ص 63 و64/ الرقم 62).

(٤٦١)

وكذلك أصحاب السِّيَر ذكروا أنَّ زليخا امرأة العزيز رجعت شابَّة طريَّة، وتزوَّجها يوسف (عليه السلام)(1324)، وقصَّتها في ذلك معروفة(1325).
[ذكر ما روي في أنَّ صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) يموت ثمّ يعيش أو يُقتَل ثمّ يعيش وتأويله وذكر معارضاته]:
وأمَّا ما روي من الأخبار التي تتضمَّن أنَّ صاحب الزمان يموت ثمّ يعيش، أو يُقتَل ثمّ يعيش، نحو ما رواه:
403 - اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ قَاسِمٍ اَلْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُرَاسَانِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَ اَلْقَائِمُ؟
قَالَ: «لِأَنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَا يَمُوتُ، إِنَّهُ يَقُومُ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، يَقُومُ بِأَمْرِ اَلله سُبْحَانَهُ»(1326).
404 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَعْقُوبَ اِبْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَكَمِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «مَثَلُ أَمْرِنَا فِي كِتَابِ اَلله مَثَلُ صَاحِبِ اَلْحِمَارِ، أَمَاتَهُ اَللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ»(1327).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1324) منهم القمِّي (رحمه الله) في تفسيره (ج 1/ ص 357).
(1325) ذكر قصَّة تزوُّجه (عليه السلام) إيَّاها وكونها بكراً الطبري في تاريخه (ج 1/ ص 243)، وفي تفسيره (ج 13/ ص 9)، ومكِّي بن حموش في الهداية إلى بلوغ النهاية (ج 5/ ص 3585)، وابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الأُمَم والملوك (ج 1/ ص 315)، وابن عطيَّة الأندلسي في المحرَّر الوجيز (ج 3/ ص 256)، والثعالبي في تفسيره (ج 3/ ص 334)، وابن كثير في قَصص الأنبياء (ج 1/ ص 336)، والسيوطي في الدُّرِّ المنثور (ج 4/ ص 25)، وغيرهم.
(1326) يأتي بكامله في (ح 489).
(1327) قد ذكرنا في (ص 143) أنَّ المراد من صاحب الحمار إمَّا إرميا أو عُزَير (عليهما السلام).

(٤٦٢)

405 - وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْكُوفِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ اَلرَّبِيعِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَطَّابٍ، عَنْ مُؤَذِّنِ مَسْجِدِ اَلْأَحْمَرِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام): هَلْ فِي كِتَابِ اَلله مَثَلٌ لِلْقَائِمِ (عليه السلام)؟
فَقَالَ: «نَعَمْ، آيَةُ صَاحِبِ اَلْحِمَارِ، أَمَاتَهُ اَللهُ (مِائَةَ عَامٍ)(1328) ثُمَّ بَعَثَهُ».
406 - وَرَوَى اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفُضَيْلِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَبْدِ اَلْكَرِيمِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «إِنَّ اَلْقَائِمَ (عليه السلام) إِذَا قَامَ قَالَ اَلنَّاسُ: أَنَّى يَكُونُ هَذَا وَقَدْ بَلِيَتْ عِظَامُهُ مُنْذُ دَهْرٍ طَوِيلٍ؟»(1329).
فالوجه في هذه الأخبار وما شاكلها أنْ نقول: يموت ذكره(1330)، ويعتقد أكثر الناس أنَّه بُلي عظامه، ثمّ يُظهِره الله كما أظهر صاحب الحمار بعد موته الحقيقي.
وهذا وجه قريب في تأويل هذه الأخبار، على أنَّه لا يُرجَع بأخبار آحاد لا توجب علماً عمَّا دلَّت العقول عليه، وساق الاعتبار الصحيح إليه، وعضده الأخبار المتواترة التي قدَّمناها، بل الواجب التوقُّف في هذه والتمسُّك بما هو معلوم، وإنَّما تأوَّلناها بعد تسليم صحَّتها على ما يُفعَل في نظائرها، ويعارض هذه الأخبار ما ينافيها.
407 - رَوَى اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ جَنَاحٍ اَلْجُعْفِيِّ، عَنْ حَازِمِ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «يَا حَازِمُ، إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ، يَظْهَرُ فِي اَلثَّانِيَةِ، إِنْ جَاءَكَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ نَفَضَ يَدَهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ، فَلَا تُصَدِّقْهُ»(1331).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1328) ليس في بعض النُّسَخ.
(1329) تقدَّم في (ح 56).
(1330) راجع ما ذكرناه في (ص 116).
(1331) تقدَّم في ذيل (ح 46).

(٤٦٣)

408 - وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ اَلْمِنْقَرِيِّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «فِي صَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ أَرْبَعُ سُنَنٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْبِيَاءَ: سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى (عليه السلام)، وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى (عليه السلام)، وَسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ (عليه السلام)، وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). فَأَمَّا سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى (عليه السلام) فَخَائِفٌ يَتَرَقَّبُ، وَأَمَّا سُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ (عليه السلام) فَالْغَيْبَةُ(1332)، وَأَمَّا سُنَّةٌ مِنْ عِيسَى (عليه السلام) فَيُقَالُ: مَاتَ، وَلَمْ يَمُتْ، وَأَمَّا سُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَالسَّيْفُ»(1333).
409 - وَرَوَى اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى اَلْعَلَوِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «صَاحِبُ هَذَا اَلْأَمْرِ مِنْ وُلْدِي اَلَّذِي يُقَالُ: مَاتَ، قُتِلَ، لَا بَلْ هَلَكَ، لَا بَلْ بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟»(1334).
[ذكر الأخبار الواردة في أنَّه لا تعيين لوقت خروجه (عجّل الله فرجه)]:
وأمَّا وقت خروجه (عليه السلام) فليس بمعلوم لنا على وجه التفصيل، بل هو مغيَّب عنَّا إلى أنْ يأذن الله بالفرج.
410 - كَمَا رُوِيَ عَنِ اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) [أَنَّهُ قَالَ](1335): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1332) في الإمامة والتبصرة وكمال الدِّين: (فالسجن)، وفي الغيبة للنعماني: (السجن والغيبة).
(1333) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 93 و94/ ح 84)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 267) باختلاف، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 167 و168/ باب 10/ فصل 3/ ح 5) مفصَّلاً باختلاف، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 152 و153/ باب 6/ ح 16، وص 326 و327/ باب 32/ ح 6)، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 532/ ح 511/115) عن زيد الكناسي باختلاف، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 431) باختلاف يسير، والكراجكي (رحمه الله) في كنز الفوائد (ص 175 و176) عن الباقر (عليه السلام) باختلاف يسير، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 232).
وتقدَّم في (ح 57).
(1334) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 158/ باب 10/ فصل 1/ ح 18) باختلاف يسير.
(1335) من بعض النُّسَخ.

(٤٦٤)

وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اَللهُ ذَلِكَ اَلْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي فَيَمْلَأَ اَلْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(1336).
411 - وَأَخْبَرَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ(1337)، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(1338) وَعُبَيْسِ بْنِ هِشَامٍ(1339)، عَنْ كَرَّامٍ(1340)، عَنِ اَلْفُضَيْلِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام): هَلْ لِهَذَا اَلْأَمْرِ وَقْتٌ؟
فَقَالَ: «كَذَبَ اَلْوَقَّاتُونَ، كَذَبَ اَلْوَقَّاتُونَ، كَذَبَ اَلْوَقَّاتُونَ»(1341).
412 - اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ اَلصَّحَّافِ، عَنْ مُنْذِرٍ اَلْجَوَّازِ(1342)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «كَذَبَ اَلمُوَقِّتُونَ، مَا وَقَّتْنَا فِيمَا مَضَى، وَلَا نُوَقِّتُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1336) رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 317 و318/ باب 31/ ح 4) بإسناده عن الإمام الحسين (عليه السلام)، والكراجكي (رحمه الله) في كنز الفوائد (ص 113) عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفيه: (يظهر) بدل (يخرج) مع زيادة (اسمه اسمي)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 231) عن يحيى بن وثاب، عن عبد الله بن عمر، والنظَّام الأعرج في تفسيره (ج 1/ ص 149) باختلاف.
وتقدَّم في (ح 139) مسنداً، وفيه: (من أهل بيتي) بدل (من ولدي).
(1337) هو عليُّ بن محمّد بن قتيبة المتقدِّم ذكره في (ح 21).
(1338) هو أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، الثقة المعروف.
(1339) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 280/ الرقم 741): (العبَّاس بن هشام أبو الفضل الناشري الأسدي، عربي، ثقة، جليل في أصحابنا، كثير الرواية، كُسِرَ اسمه فقيل: عبيس...، مات عبيس (رحمه الله) سنة عشرين ومائتين أو قبلها بسنة).
(1340) هو عبد الكريم بن عمرو الخثعمي المتقدِّم ذكره في (ح 47).
(1341) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 368/ باب كراهية التوقيت/ ح 5) بإسناده عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي عن الفضيل بن يسار مع زيادة في آخره، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 305/ باب 16/ ح 13) عن محمّد بن يعقوب.
(1342) في بعض النُّسَخ: (منذر بن الجوَّاز).

(٤٦٥)

413 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ مِهْزَمٌ اَلْأَسَدِيُّ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي جُعِلْتُ فِدَاكَ مَتَى هَذَا اَلْأَمْرُ اَلَّذِي تَنْتَظِرُونَهُ فَقَدْ طَالَ(1343)؟
فَقَالَ: «يَا مِهْزَمُ، كَذَبَ اَلْوَقَّاتُونَ، وَهَلَكَ اَلمُسْتَعْجِلُونَ، وَنَجَا اَلمُسَلِّمُونَ، وَإِلَيْنَا يَصِيرُونَ»(1344).
414 - اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ اَلْخَزَّازِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «مَنْ وَقَّتَ لَكَ مِنَ اَلنَّاسِ شَيْئاً فَلَا تَهَابَنَّ أَنْ تُكَذِّبَهُ، فَلَسْنَا نُوَقِّتُ لِأَحَدٍ وَقْتاً»(1345).
415 - اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ(1346) اَلْبَجَلِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ اَلْهَمْدَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَنَفِيَّةِ - فِي حَدِيثٍ اِخْتَصَرْنَا مِنْهُ مَوْضِعَ اَلْحَاجَةِ - أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ لِبَنِي فُلَانٍ(1347) مُلْكاً مُؤَجَّلاً،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1343) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 333): (سأله عن تعيين الوقت لظهور هذا الأمر، فأجاب (عليه السلام) بأنَّ الموقِّت له والمخبر بأنَّ وقته كذا كاذب، إمَّا لعدم علمه به، أو لأنَّ كلَّ وقتٍ فُرِضَ فهو في معرض البداء، وبأنَّ المستعجل لظهوره هالك، لعدم رضائه بالقضاء الإلهي والتقدير الأزلي، وبأنَّ المسلِّم لظهوره والقائل به في وقت ما ناجٍ لاعتقاده بالحقِّ من وجهين: أحدهما ظهوره، وثانيهما عدم الاستعجال المستلزم لتفويض الأمر إليه تعالى والرضا بقضائه وتقديره).
(1344) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 95/ ح 87) بسند آخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) باختلاف، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 368/ باب كراهية التوقيت/ ح 2) بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 204/ باب 11/ ح 8) بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير، وفي (ص 294/ باب 16/ ح 11) عن محمّد بن يعقوب.
(1345) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 300/ باب 16/ ح 3) باختلاف يسير.
(1346) في بعض النُّسَخ: (سلم)، وفي بعضها: (مسلم (أسلم وسلم خ ل)).
(1347) هم إمَّا بنو أُميَّة، أو بنو العبَّاس.

(٤٦٦)

حَتَّى إِذَا أَمِنُوا وَاِطْمَأَنُّوا وَظَنُّوا أَنَّ مُلْكَهُمْ لَا يَزُولُ صِيحَ فِيهِمْ صَيْحَةً(1348)، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ رَاعٍ يَجْمَعُهُمْ، وَلَا وَاعٍ(1349) يَسْمَعُهُمْ، وَذَلِكَ قَوْلُ اَلله (عزَّ وجلَّ): ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [يونس: 24]».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، هَلْ لِذَلِكَ وَقْتٌ؟
قَالَ: «لَا، لِأَنَّ عِلْمَ اَلله غَلَبَ عِلْمَ(1350) اَلمُوَقِّتِينَ، إِنَّ اَللهَ تَعَالَى وَعَدَ مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتَمَّهَا بِعَشْرٍ لَمْ يَعْلَمْهَا مُوسَى وَلَمْ يَعْلَمْهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا جَاوَزَ اَلْوَقْتَ قَالُوا: غَرَّنَا مُوسَى، فَعَبَدُوا اَلْعِجْلَ، وَلَكِنْ إِذَا كَثُرَتِ اَلْحَاجَةُ وَاَلْفَاقَةُ فِي اَلنَّاسِ، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَوَقَّعُوا أَمْرَ اَلله صَبَاحاً وَمَسَاءً»(1351).
[ذكر ما ورد من توقيت زمان الظهور ببعض الأوقات ثمّ تغيَّر لمصلحة اقتضته، وبيان معنى البداء]:
وأمَّا ما روي من الأخبار التي تنافي ذلك في الظاهر، مثل ما رواه:
416 - اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَلِهَذَا اَلْأَمْرِ أَمَدٌ نُرِيحُ إِلَيْهِ أَبْدَانَنَا وَنَنْتَهِي إِلَيْهِ؟
قَالَ: «بَلَى، وَلَكِنَّكُمْ أَذَعْتُمْ فَزَادَ اَللهُ فِيهِ»(1352).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1348) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 104): (الصيحة كناية عن نزول الأمر بهم فجاءة).
(1349) في بعض النُّسَخ: (داعٍ)، وفي بعضها: (داعٍ (واعٍ خ ل)).
(1350) في بعض النُّسَخ: (وقت).
(1351) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 302 و303/ باب 16/ ح 7) مفصَّلاً باختلاف.
(1352) يأتي في (ح 422).

(٤٦٧)

417 - وَعَنْهُ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): إِنَّ عَلِيًّا (عليه السلام) كَانَ يَقُولُ: «إِلَى اَلسَّبْعِينَ بَلَاءٌ»، وَكَانَ يَقُولُ: «بَعْدَ اَلْبَلَاءِ رَخَاءٌ»، وَقَدْ مَضَتِ اَلسَّبْعُونَ وَلَمْ نَرَ رَخَاءً.
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «يَا ثَابِتُ، إِنَّ اَللهَ تَعَالَى كَانَ وَقَّتَ هَذَا اَلْأَمْرَ فِي اَلسَّبْعِينَ، فَلَمَّا قُتِلَ اَلْحُسَيْنُ (عليه السلام) اِشْتَدَّ غَضَبُ اَللَّهِ عَلَى أَهْلِ اَلْأَرْضِ فَأَخَّرَهُ إِلَى أَرْبَعِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ، فَحَدَّثْنَاكُمْ فَأَذَعْتُمُ اَلْحَدِيثَ وَكَشَفْتُمْ قِنَاعَ اَلسِّرِّ(1353) فَأَخَّرَهُ(1354) اَللهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَقْتاً، ﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: 39]».
قَالَ أَبُو حَمْزَةَ: وَقُلْتُ ذَلِكَ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام).
فَقَالَ: «قَدْ كَانَ ذَاكَ»(1355)،(1356).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1353) في بعض النُّسَخ: (الستر).
(1354) في بعض النُّسَخ: (فأخذه الله).
(1355) رواه العيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 2/ ص 218/ ح 69) عن أبي حمزة باختلاف يسير، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 368/ باب كراهية التوقيت/ ح 1)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 303 و304/ باب 16/ ح 10) عن محمّد بن يعقوب من قوله (عليه السلام): (يا ثابت) باختلاف يسير، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 1/ ص 178 و179/ ذيل الحديث 11).
(1356) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 332): (توقيت ظهور هذا الأمر في السبعين من الغيبة على الظاهر، أو من الهجرة على احتمال بعيد - حتَّى يرجع الخلق إلى دين واحد - توقيت بدائي، فلذلك جرى فيه البداء. أو غُيِّر السبعون إلى ضعفه وهو مائة وأربعون، ثمّ غُيِّر ضعفه إلى ما شاء الله. قوله: (فكشفتم قناع السرِّ) القناع والمقنع والمقنعة بالكسر في الجميع ما تُقنِّع به المرأة رأسها إلَّا أنَّ القناع أوسع. والسرُّ واحد الأسرار، وهو ما يُكتَم، وإضافة القناع إليه لاميَّة، وفيه مكنيَّة وتخييليَّة وترشيح. قوله: (ولم يجعل الله) عطف على محذوف دلَّ عليه ظاهر الحال، بل ظاهر المقال، أي فحدَّثناكم حديثاً ينبغي كتمانه فأذعتم الحديث كما فتَّشتموه فكشفتم قناع السرِّ فأخَّره الله عن الأربعين ومائة. (ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتاً عندنا) أي لم يجعل لنا توقيته بعد ذلك، ولا يجوز لنا إظهار وقته، ويحتمل أنْ يكون المراد أنَّه لم يجعل لنا علماً بوقته بعد ذلك. قوله: (و﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ﴾) أي يمحو الله ما يشاء محوه كالسبعين وضعفه، ﴿وَيُثْبِتُ﴾ ما يشاء إثباته كما زاد عليهما، ﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ وهو اللوح المحفوظ على أشهر الأقوال، وقد كتب فيه جميع ذلك).

(٤٦٨)

418 - وَرَوَى اَلْفَضْلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ(1357)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى اَلتَّمْتَامِ اَلسُّلَمِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ اَلنَّوَّا(1358)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «كَانَ هَذَا اَلْأَمْرُ فِيَّ فَأَخَّرَهُ اَللهُ، وَيَفْعَلُ(1359) بَعْدُ فِي ذُرِّيَّتِي مَا يَشَاءُ».
فالوجه في هذه الأخبار أنْ نقول - إنْ صحَّت -: إنَّه لا يمتنع أنْ يكون الله تعالى قد وقَّت هذا الأمر في الأوقات التي ذُكِرَت، فلمَّا تجدَّد ما تجدَّد تغيَّرت المصلحة واقتضت تأخيره إلى وقت آخر، وكذلك فيما بعد، ويكون الوقت الأوَّل وكلُّ وقت يجوز أنْ يُؤخَّر(1360) مشروطاً بأنْ لا يتجدَّد ما يقتضي المصلحة تأخيره إلى أنْ يجيء الوقت الذي لا يُغيِّره شيء فيكون محتوماً.
وعلى هذا يُتأوَّل ما روي في تأخير الأعمار عن أوقاتها والزيادة فيها عند الدعاء(1361)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1357) لم نجد رواية الفضل بن شاذان عن محمّد بن إسماعيل في غير هذا المورد، والظاهر أنَّه سهو، إذ روى محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان في موارد عديدة، وروى أيضاً الفضل عن محمّد ابن سنان بلا واسطة في عدَّة موارد، فإذاً يحتمل أنْ يكون الصحيح: الفضل ومحمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن سنان، والله العالم.
(1358) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 259/ الرقم 3684/593) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، ووصفه بالكوفي.
(1359) في بعض النُّسَخ: (ويفعل الله).
(1360) في بعض النُّسَخ: (لا يُؤخِّره).
(1361) روى ابن طاوس (رحمه الله) في فلاح السائل (ص 167 و168) بسنده عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدِي، عَلَتْ سِنِّي، وَمَاتَ أَقَارِبِي، وَإِنِّي خَائِفٌ أَنْ يُدْرِكَنِي اَلمَوْتُ وَلَيْسَ لِي مَنْ آنَسُ بِهِ وَأَرْجِعُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: «مِنْ إِخْوَانِكَ اَلمُؤْمِنِينَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ نَسَباً أَوْ سَبَباً وَأُنْسُكَ بِهِ خَيْرٌ مِنْ أُنْسِكَ بِقَرِيبٍ، وَمَعَ هَذَا فَعَلَيْكَ بِالدُّعَاءِ...» إلى أنْ قال: قَالَ اَلرَّجُلُ: وَاَلله عِشْتُ حَتَّى سَئِمْتُ اَلْحَيَاةَ.

(٤٦٩)

[والصدقات](1362)،(1363) وصلة الأرحام(1364)، وما روي في تنقيص الأعمار عن أوقاتها إلى ما قبله عند فعل الظلم(1365) وقطع الرحم(1366) وغير ذلك، وهو تعالى وإنْ كان عالماً بالأمرين، فلا يمتنع أنْ يكون أحدهما معلوماً بشرط والآخر بلا شرط، وهذه الجملة لا خلاف فيها بين أهل العدل.
وعلى هذا يُتأوَّل أيضاً ما روي من أخبارنا المتضمِّنة للفظ البداء(1367)، ويُبيِّن أنَّ معناها النسخ على ما يريده جميع أهل العدل فيما يجوز فيه النسخ، أو تغيُّر شروطها إنْ كان طريقها الخبر عن الكائنات، لأنَّ البداء في اللغة هو الظهور، فلا يمتنع أنْ يظهر لنا من أفعال الله تعالى ما كنَّا نظنُّ خلافه، أو نعلم ولا نعلم شرطه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1362) من بعض النُّسَخ.
(1363) روى الصدوق (رحمه الله) في ثواب الأعمال (ص 141) بسنده عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ غَالِبٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «الْبِرُّ وَالصَّدَقَةُ يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْعُمُرِ، وَيَدْفَعَانِ عَنْ صَاحِبِهَا سَبْعِينَ مِيتَةَ سَوْءٍ».
(1364) روى المؤلِّف (رحمه الله) في أماليه (ص 480 و481/ ح 1049/18) بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «صِلَةُ اَلرَّحِمِ تَعْمُرُ اَلدِّيَارَ، وَتَزِيدُ فِي اَلْأَعْمَارِ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُهَا غَيْرَ أَخْيَارٍ».
(1365) روى الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 271/ ح 400) بسنده عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْجُرْجَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) جَعَلَ لِمَنْ جَعَلَ لَه سُلْطَاناً أَجَلاً وَمُدَّةً مِنْ لَيَالٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينَ وَشُهُورٍ، فَإِنْ عَدَلُوا فِي النَّاسِ أَمَرَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) صَاحِبَ الْفَلَكِ أَنْ يُبْطِئَ بِإِدَارَتِه، فَطَالَتْ أَيَّامُهُمْ وَلَيَالِيهِمْ وَسِنِينُهُمْ وَشُهُورُهُمْ، وَإِنْ جَارُوا فِي النَّاسِ وَلَمْ يَعْدِلُوا أَمَرَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى صَاحِبَ الْفَلَكِ فَأَسْرَعَ بِإِدَارَتِه، فَقَصُرَتْ لَيَالِيهِمْ وَأَيَّامُهُمْ وَسِنِينُهُمْ وَشُهُورُهُمْ، وَقَدْ وَفَى لَهُمْ (عزَّ وجلَّ) بِعَدَدِ اللَّيَالِي وَالشُّهُورِ».
(1366) روى العيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 2/ ص 220/ ح 75) عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَعْفَرِ اِبْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَّ اَلمَرْءَ لَيَصِلُ رَحِمَهُ وَمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا ثَلَاثُ سِنِينَ فَيَمُدُّهَا اَللهُ إِلَى ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَإِنَّ اَلمَرْءَ لَيَقْطَعُ رَحِمَهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً فَيُقَصِّرُهَا اَللهُ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَدْنَى».
(1367) راجع: بحار الأنوار (ج 4/ ص 92 - 134/ باب 3 البداء والنسخ).

(٤٧٠)

419 - فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ اَلْأَسَدِيُّ (رحمه الله)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ اَلرَّيَّانِ بْنِ اَلصَّلْتِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) يَقُولُ: «مَا بَعَثَ اَللهُ نَبِيًّا إِلَّا بِتَحْرِيمِ اَلْخَمْرِ، وَأَنْ يُقِرَّ لِله بِالْبَدَاءِ، ﴿إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحجّ: 18]، وَأَنْ يَكُونَ فِي تُرَاثِهِ اَلْكُنْدُرُ»(1368).
420 - وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام)، قَالَ: «قَالَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَبْلَهُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام): كَيْفَ لَنَا بِالْحَدِيثِ مَعَ هَذِهِ اَلْآيَةِ: ﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: 39]؟ فَأَمَّا مَنْ قَالَ بِأَنَّ اَللهَ تَعَالَى لَا يَعْلَمُ بِشَيْءٍ(1369) إِلَّا بَعْدَ كَوْنِهِ، فَقَدْ كَفَرَ وَخَرَجَ عَنِ اَلتَّوْحِيدِ».
421 - وَقَدْ رَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: سَأَلَ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ اَلْأَرْمَنِيُّ(1370) أَبَا مُحَمَّدٍ اَلْعَسْكَرِيَّ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ اَلله (عزَّ وجلَّ): ﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: 39]، فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: «وَهَلْ يَمْحُو إِلَّا مَا كَانَ وَيُثْبِتُ إِلَّا مَا لَمْ يَكُنْ؟».
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا خِلَافُ مَا يَقُولُ هِشَامُ بْنُ اَلْحَكَمِ: إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ اَلشَّيْءَ حَتَّى يَكُونَ.
فَنَظَرَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: «تَعَالَى اَلْجَبَّارُ اَلْعَالِمُ بِالْأَشْيَاءِ قَبْلَ كَوْنِهَا»، والحديث مختصر(1371).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1368) رواه القمِّي (رحمه الله) في تفسيره (ج 1/ ص 194) عن ياسر عن الرضا (عليه السلام)، والصدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 2/ ص 17/ باب 30/ ح 33).
(1369) في بعض النُّسَخ: (الشيء).
(1370) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 402/ الرقم 5906/24) من أصحاب العسكري (عليه السلام).
(1371) رواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 249)، وابن حمزة الطوسي (رحمه الله) في الثاقب في المناقب (ص 566 و567/ ح 507/7)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 2/ ص 687 و688/ ح 10).

(٤٧١)

422 - اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَلِهَذَا اَلْأَمْرِ أَمَدٌ نُرِيحُ أَبْدَانَنَا وَنَنْتَهِي إِلَيْهِ؟
قَالَ: «بَلَى، وَلَكِنَّكُمْ أَذَعْتُمْ فَزَادَ اَللهُ فِيهِ»(1372).
والوجه في هذه الأخبار ما قدَّمنا ذكره من تغيُّر المصلحة فيه، واقتضائها تأخير الأمر إلى وقت آخر على ما بيَّنَّاه، دون ظهور الأمر له تعالى، فإنَّا لا نقول به ولا نُجوِّزه، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً.
فإنْ قيل: هذا يُؤدِّي إلى أنْ لا نثق بشيء من إخبار الله تعالى.
قلنا: الإخبار على ضربين:
ضرب لا يجوز فيه التغيُّر في مخبراته، فإنَّا نقطع عليها، لعلمنا بأنَّه لا يجوز أنْ يتغيَّر المخبر في نفسه، كالإخبار عن صفات الله تعالى، وعن الكائنات فيما مضى، وكالإخبار بأنَّه يثيب المؤمنين.
والضرب الآخر هو ما يجوز تغيُّره في نفسه لتغيُّر المصلحة عند تغيُّر شروطه، فإنَّا نُجوِّز جميع ذلك، كالإخبار عن الحوادث في المستقبل، إلَّا أنْ يرد الخبر على وجه يُعلَم أنَّ مخبره لا يتغيَّر، فحينئذٍ نقطع بكونه، ولأجل ذلك قُرِنَ الحتم بكثير من المخبرات، فأعلمنا أنَّه ممَّا لا يتغيَّر أصلاً، فعند ذلك نقطع به.
ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عليه السلام):
423 - أَخْبَرَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اَلله، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ اَلنَّيْشَابُورِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ اَلصَّبَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخاً يَذْكُرُهُ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ اَلمَنْصُورِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ اِبْتِدَاءً مِنْ نَفْسِهِ: يَا سَيْفَ اِبْنَ عَمِيرَةَ، لَا بُدَّ مِنْ مُنَادٍ يُنَادِي بِاسْمِ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ اَلسَّمَاءِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1372) تقدَّم في (ح 416).

(٤٧٢)

فَقُلْتُ: يَرْوِيهِ أَحَدٌ مِنَ اَلنَّاسِ؟
قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ فَسمع أُذُنِي مِنْهُ يَقُولُ: «لَا بُدَّ مِنْ مُنَادٍ يُنَادِي بِاسْمِ رَجُلٍ مِنَ اَلسَّمَاءِ».
قُلْتُ: يَا أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا اَلْحَدِيثَ مَا سَمِعْتُ بِمِثْلِهِ قَطُّ.
فَقَالَ: يَا سَيْفُ(1373)، إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ نُجِيبُهُ(1374)، أَمَا إِنَّهُ أَحَدُ بَنِي عَمِّنَا.
قُلْتُ: أَيُّ بَنِي عَمِّكُمْ؟
قَالَ: رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ (عليها السلام)، ثُمَّ قَالَ: يَا سَيْفُ، لَوْ لَا أَنِّي سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ [يُحَدِّثُنِي بِهِ](1375) ثُمَّ حَدَّثَنِي بِهِ أَهْلُ اَلدُّنْيَا مَا قَبِلْتُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام)(1376).
424 - وَأَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ اَلسَّمَّاكِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْهَاشِمِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي طَالِبٍ(1377)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ(1378)، عَنْ عَطَاءِ بْنِ اَلسَّائِبِ(1379)، عَنْ أَبِيهِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1373) في بعض النُّسَخ: (يا شيخ) بدل (يا سيف)، وكذا في ما يأتي؛ والظاهر أنَّه تصحيف.
(1374) في الكافي وغيره من المصادر: (يُجيبه).
(1375) من بحار الأنوار (ج 52/ ص 288).
(1376) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 209 و210/ ح 255) باختلاف يسير، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 370 و371) باختلاف، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1157) مختصراً، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 110 و111) باختلاف.
(1377) قال الذهبي في ميزان الاعتدال (ج 4/ ص 386 و387/ الرقم 9547): (يحيى بن أبي طالب جعفر ابن الزبرقان، محدِّث، مشهور...، تُوفّي سنة خمس وسبعين ومائتين عن خمس وتسعين سنة).
(1378) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 7/ ص 302 - 305/ الرقم 572): (عليُّ بن عاصم بن صهيب الواسطي، أبو الحسن التيمي، مولاهم، روى عن سليمان التيمي وحميد الطويل وعطاء بن السائب...، روى عنه ... ويحيى بن أبي طالب، ومات سنة (201هـ)... وهو ابن (94) سنة).
(1379) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 7/ ص 183 - 186/ الرقم 386): (عطاء بن السائب ابن مالك...، روى عن أبيه و...، مات سنة (137هـ) أو نحوها).

(٤٧٣)

عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا تَقُومُ اَلسَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ نَحْوٌ مِنْ سِتِّينَ كَذَّاباً كُلُّهُمْ يَقُولُ: أَنَا نَبِيٌّ»(1380).
425 - أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) كَانَ يَقُولُ: «خُرُوجُ اَلسُّفْيَانِيِّ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَاَلنِّدَاءُ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَطُلُوعُ اَلشَّمْسِ مِنَ اَلمَغْرِبِ مِنَ اَلمَحْتُومِ»، وَأَشْيَاءُ كَانَ يَقُولُهَا مِنَ اَلمَحْتُومِ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «وَاِخْتِلَافُ بَنِي فُلَانٍ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَقَتْلُ اَلنَّفْسِ اَلزَّكِيَّةِ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَخُرُوجُ اَلْقَائِمِ مِنَ اَلمَحْتُومِ».
قُلْتُ: وَكَيْفَ يَكُونُ اَلنِّدَاءُ؟
قَالَ: يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ اَلسَّمَاءِ أَوَّلَ اَلنَّهَارِ يَسْمَعُهُ كُلُّ قَوْمٍ بِأَلْسِنَتِهِمْ: أَلَا إِنَّ اَلْحَقَّ فِي عَلِيٍّ وَشِيعَتِهِ، ثُمَّ يُنَادِي إِبْلِيسُ فِي آخِرِ اَلنَّهَارِ مِنَ اَلْأَرْضِ: أَلَا إِنَّ اَلْحَقَّ فِي عُثْمَانَ(1381) وَشِيعَتِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَابُ اَلمُبْطِلُونَ»(1382).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1380) رواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 371)، وفيه: (يخرج المهدي من ولدي، ولا يخرج المهدي حتَّى يخرج ستُّون)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 279) كما في الإرشاد، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1149) إلى قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (كذَّاباً)، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 18) عن حذيفة، وفي (ص 64) عن عبد الله بن عمر.
(1381) قيل: إنَّ المراد بـ (عثمان) في أمثال هذه الأخبار هو السفياني الذي اسمه عثمان بن عنبسة.
(1382) رواه باختلاف الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 310/ ح 484) بسند آخر عن أبي عبد الله (عليه السلام)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 652/ 57/ ح 14)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 371 و372) عن الفضل بن شاذان عمَّن رواه عن أبي حمزة، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 279) كما في الإرشاد، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1161 و1162/ ح 63).

(٤٧٤)

426 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ(1383)، عَنِ اِبْنُ فَضَّالٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ اَلمُخْتَارِ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، عَنْ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «عَشْرٌ قَبْلَ اَلسَّاعَةِ لَا بُدَّ مِنْهَا: اَلسُّفْيَانِيُّ، وَاَلدَّجَّالُ، وَاَلدُّخَانُ، وَاَلدَّابَّةُ، وَخُرُوجُ اَلْقَائِمِ، وَطُلُوعُ اَلشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولُ عِيسَى (عليه السلام)، وَخَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ اَلْعَرَبِ، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنٍ تَسُوقُ اَلنَّاسَ إِلَى اَلمَحْشَرِ»(1384).
427 - وَبِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اِبْنِ فَضَّالٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ(1385)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «خَمْسٌ قَبْلَ قِيَامِ اَلْقَائِمِ مِنَ اَلْعَلَامَاتِ: اَلصَّيْحَةُ، وَاَلسُّفْيَانِيُّ، وَاَلْخَسْفُ بِالْبَيْدَاءِ، وَخُرُوجُ اَلْيَمَانِيِّ، وَقَتْلُ اَلنَّفْسِ اَلزَّكِيَّةِ»(1386).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1383) أي بالسند المذكور في (ح 422) عن الفضل بن شاذان، عن ابن فضَّال، بقرينة روايته عن الحسن بن عليِّ بن فضَّال في مختصر إثبات الرجعة (ص 62/ ح 15).
(1384) رواه باختلاف أبو داود الطيالسي في مسنده (ص 143 و144) عن حذيفة بن أسيد، وأحمد في مسنده (ج 26/ ص 63 و26/ ح 16141 و16144) عن حذيفة بن أسيد، وفي (ص 66/ ح 16143، وج 39/ ص 305/ ح 23878) عن أبي سريحة، ومسلم في صحيحه (ج 8/ ص 179) عن حذيفة بن أسيد، وابن ماجة في سُنَنه (ج 2/ ص 1341 و1347/ ح 4041 و4055) عن حذيفة بن أسيد، وأبو نعيم في حلية الأولياء (ج 1/ ص 355) عن حذيفة بن أسيد، والحاكم في المستدرك (ج 4/ ص 428) عن واثلة بن الأسقع.
(1385) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 142/ الرقم 1529/64) من أصحاب الباقر (عليه السلام)، قائلاً: (عمر يُكنَّى أبا صخر، وعلىٌّ ابنا حنظلة، كوفيَّان عجليَّان)، وفي (ص 252/ الرقم 3542/451) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (عمر بن حنظلة العجلي البكري الكوفي).
(1386) رواه باختلاف يسير الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 310/ صدر الحديث 483)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 261/ باب 14/ ح 9)، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 650/ باب 57/ ح 7)، والمتَّقي الهندي في البرهان في علامات مهدي آخر الزمان (ص 114/ ح 10) عن أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 111) عن أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أيضاً، والظاهر أنَّهما اشتبها به أبي عبد الله الصادق (عليه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1387) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 98 و99/ الرقم 246): (أحمد بن عائذ بن حبيب الأحمسي البجلي، مولى، ثقة، كان صحب أبا خديجة سالم بن مكرم، وأخذ عنه).
(1388) رواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 372)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 280)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1162).
(1389) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 14)، والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 150/ الرقم 1676/10) من أصحاب الباقر (عليه السلام).
(1390) عدَّها المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 89/ الرقم 916/2) من أصحاب عليٍّ (عليه السلام)، قائلاً: (عمرة بنت نفيل).
(1391) في بعض النُّسَخ: (فقال).
(1392) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 213/ باب 12/ ح 9) بإسناده عن عبد الله بن جبلة باختلاف يسير، وفيه: (الحسين بن عليٍّ) بدل (الحسن بن عليٍّ)، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 63 و64) عن الحسين بن عليٍّ (عليه السلام) باختلاف، ومرعي المقدسي الحنبلي في فرائد فوائد الفكر (ص 267 و268) مرسَلاً عن الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) باختلاف يسير، والظاهر أنَّهما اشتبها به أبي عبد الله الصادق (عليه السلام).

(٤٧٥)

428 - اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْوَشَّاءِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ(1387)، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «لَا يَخْرُجُ اَلْقَائِمُ حَتَّى يَخْرُجَ اِثْنَا عَشَرَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كُلُّهُمْ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ»(1388).
429 - وَعَنْهُ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ(1389)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي اَلمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ شَرِيكٍ اَلْعَامِرِيِّ، عَنْ عَمِيرَةَ بِنْتِ نُفَيْلٍ(1390)، قَالَتْ: سَمِعْتُ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليهما السلام) يَقُولُ: «لَا يَكُونُ هَذَا اَلْأَمْرُ اَلَّذِي تَنْتَظِرُونَ حَتَّى يَبْرَأَ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَيَلْعَنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَيَتْفُلَ بَعْضُكُمْ فِي وَجْهِ بَعْضٍ، وَحَتَّى يَشْهَدَ بَعْضُكُمْ بِالْكُفْرِ عَلَى بَعْضٍ».
قُلْتُ: مَا فِي ذَلِكَ خَيْرٌ؟
قَالَ(1391): «اَلْخَيْرُ كُلُّهُ فِي ذَلِكَ، عِنْدَ ذَلِكَ يَقُومُ قَائِمُنَا، فَيَرْفَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ»(1392).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1387) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 98 و99/ الرقم 246): (أحمد بن عائذ بن حبيب الأحمسي البجلي، مولى، ثقة، كان صحب أبا خديجة سالم بن مكرم، وأخذ عنه).
(1388) رواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 372)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 280)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1162).
(1389) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 14)، والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 150/ الرقم 1676/10) من أصحاب الباقر (عليه السلام).
(1390) عدَّها المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 89/ الرقم 916/2) من أصحاب عليٍّ (عليه السلام)، قائلاً: (عمرة بنت نفيل).
(1391) في بعض النُّسَخ: (فقال).
(1392) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 213/ باب 12/ ح 9) بإسناده عن عبد الله بن جبلة باختلاف يسير، وفيه: (الحسين بن عليٍّ) بدل (الحسن بن عليٍّ)، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 63 و64) عن الحسين بن عليٍّ (عليه السلام) باختلاف، ومرعي المقدسي الحنبلي في فرائد فوائد الفكر (ص 267 و268) مرسَلاً عن الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) باختلاف يسير، والظاهر أنَّهما اشتبها به أبي عبد الله الصادق (عليه السلام).

(٤٧٦)

430 - وَرَوَى اَلْفَضْلُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي اَلْبِلَادِ(1393)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْأَوْدِيِّ(1394)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «بَيْنَ يَدَيِ اَلْقَائِمِ مَوْتٌ أَحْمَرُ، وَمَوْتٌ أَبْيَضُ، وَجَرَادٌ فِي حِينِهِ، وَجَرَادٌ فِي غَيْرِ حِينِهِ، أَحْمَرُ كَأَلْوَانِ اَلدَّمِ، فَأَمَّا اَلمَوْتُ اَلْأَحْمَرُ فَالسَّيْفُ، وَأَمَّا اَلمَوْتُ اَلْأَبْيَضُ فَالطَّاعُونُ»(1395).
431 - سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلزَّيْتُونِيِّ وَعَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ لَلْحِمْيَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ اَلْعَبَرْتَائِيِّ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام) - فِي حَدِيثٍ لَهُ طَوِيلٍ اِخْتَصَرْنَا(1396) مِنْهُ مَوْضِعَ اَلْحَاجَةِ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا بُدَّ مِنْ فِتْنَةٍ صَمَّاءَ(1397) صَيْلَمٍ(1398) يَسْقُطُ فِيهَا كُلُّ بِطَانَةٍ وَوَلِيجَةٍ(1399)، وَذَلِكَ عِنْدَ فِقْدَانِ اَلشِّيعَةِ اَلثَّالِثَ مِنْ وُلْدِي، يَبْكِي عَلَيْهِ أَهْلُ اَلسَّمَاءِ وَأَهْلُ اَلْأَرْضِ، وَكَمْ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1393) لم نجد له ذكراً في كُتُب الرجال؛ وفي الغيبة للنعماني: (إبراهيم بن أبي البلاد) الذي وثَّقه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 22/ الرقم 32)، والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 352/ الرقم 5212/18).
(1394) في الغيبة للنعماني: (عليّ بن محمّد بن الأعلم الأزدي)، وفي الإرشاد: (عليّ بن محمّد الأزدي).
(1395) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 286/ باب 14/ ح 61) بإسناده عن إبراهيم بن أبي البلاد، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 372)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 281)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1152)، والمشغري (رحمه الله) في الدُّرِّ النظيم (ص 758)، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 65) عن عليِّ بن محمّد الأودي.
(1396) في بعض النُّسَخ: (اقتصرنا منه).
(1397) قال ابن الأثير في النهاية (ج 3/ ص 54): (ومنه الحديث: «الفتنة الصمَّاء العمياء»، هي التي لا سبيل إلى تسكينها لتناهيها في دهائها، لأنَّ الأصمَّ لا يسمع الاستغاثة، فلا يقلع عمَّا يفعله. وقيل: هي كالحيَّة الصمَّاء التي لا تقبل الرقيَّ).
(1398) في تهذيب اللغة (ج 12/ ص 139/ مادَّة صلم): (الصيلم: الداهية).
(1399) في مجمع البحرين (ج 6/ ص 214): (وفي حديث غيبة القائم (عليه السلام): «لا بدَّ من أنْ تكون فتنة يسقط فيها كلُّ بطانة ووليجة»، البطانة: السريرة والصاحب، والوليجة: الدخيلة وخاصَّتك من الناس).

(٤٧٧)

مُؤْمِنٍ مُتَأَسِّفٍ حَرَّانَ(1400) حَزِينٍ عِنْدَ فَقْدِ اَلمَاءِ اَلمَعِينِ(1401)، كَأَنِّي بِهِمْ أَسَرَّ مَا يَكُونُونَ وَقَدْ نُودُوا نِدَاءً يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ، يَكُونُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَعَذَاباً لِلْكَافِرِينَ».
فَقُلْتُ: وَأَيُّ نِدَاءٍ هُوَ؟
قَالَ: «يُنَادَونَ فِي رَجَبٍ ثَلَاثَةَ أَصْوَاتٍ مِنَ اَلسَّمَاءِ، صَوْتاً مِنْهَا: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: 18]، وَاَلصَّوْتُ اَلثَّانِي: ﴿أَزِفَتِ الْآزِفَةُ(1402) [النجم: 57] يَا مَعْشَرَ اَلمُؤْمِنِينَ، وَاَلصَّوْتُ اَلثَّالِثُ - يَرَوْنَ بَدَناً بَارِزاً نَحْوَ عَيْنِ اَلشَّمْسِ -: هَذَا أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ قَدْ كَرَّ فِي هَلَاكِ اَلظَّالِمِينَ».
وَفِي رِوَايَةِ اَلْحِمْيَرِيِّ: «وَاَلصَّوْتُ [اَلثَّالِثُ](1403) بَدَنٌ يُرَى فِي قَرْنِ اَلشَّمْسِ يَقُولُ: إِنَّ اَللهَ بَعَثَ فُلَاناً، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا».
وَقَالَا(1404) جَمِيعاً: «فَعِنْدَ ذَلِكَ يَأْتِي اَلنَّاسَ اَلْفَرَجُ، وَتَوَدُّ الأَمْواتُ(1405) لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً، وَيَشْفِي اَللهُ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ»(1406).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1400) في لسان العرب (ج 13/ ص 111/ مادَّة حرن): (حَرُن بالمكان حُرونةً: إذا لزمه فلم يفارقه).
وفي بعض النُّسَخ: (حيران) بدل (حرَّان).
(1401) في بعض النُّسَخ: (عند فقدان المعين).
(1402) في مجمع البحرين (ج 5/ ص 23): (قوله تعالى: ﴿أَزِفَتِ الْآزِفَةُ﴾ أي قربت القيامة ودنت، سُمّيت بذلك لقربها، لأنَّ كلَّ ما هو آتٍ قريب).
(1403) من بعض النُّسَخ.
(1404) أي الحسن بن محبوب والحميري؛ وفي بعض النُّسَخ: (وفاءً لا تمنعا) بدل (وقالا جميعاً).
(1405) في بعض النُّسَخ: (الناس).
(1406) رواه باختلاف المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 268) عن الحميري مختصراً، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 186/ باب 10/ فصل 4/ ح 28) بإسناده عن أحمد بن هلال، والصدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج 2/ ص 9 و10/ باب 30/ ح 14)، وفي كمال الدِّين (ص 370 و371/ باب 35/ ح 3) بإسناده عن العبرتائي صدره مفصَّلاً، والطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 460 و461/ ح 441/45) بإسناده عن أحمد بن هلال، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ 1168 و1169/ ح 65).

(٤٧٨)

432 - اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ اِبْنِ لَهِيعَةَ(1407)، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ رَزِينٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرِ (رضي الله عنه) أَنَّهُ قَالَ: دَعْوَةُ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ، فَالْزَمُوا اَلْأَرْضَ وَكُفُّوا حَتَّى تَرَوْا قَادَتَهَا، فَإِذَا خَالَفَ اَلتُّرْكُ اَلرُّومَ، وَكَثُرَتِ اَلْحُرُوبُ فِي اَلْأَرْضِ، يُنَادِي مُنَادٍ عَلَى سُورِ دِمَشْقَ: وَيْلٌ لَازِمٌ مِنْ شَرٍّ قَدِ اِقْتَرَبَ، وَيَخْرَبُ(1408) حَائِطُ مَسْجِدِهَا.
433 - اَلْفَضْلُ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: قَدْ طَالَ هَذَا اَلْأَمْرُ حَتَّى مَتَى؟
قَالَ: فَحَرَّكَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ وَلَمْ يَعَضَّ اَلزَّمَانُ؟ أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ وَلَمْ يَجْفُوا اَلْإِخْوَانُ؟ أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ وَلَمْ يَظْلِمِ اَلسُّلْطَانُ؟ أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُمِ اَلزِّنْدِيقُ مِنْ قَزْوِينَ فَيَهْتِكَ سُتُورَهَا، وَيُكَفِّرَ صُدُورَهَا، وَيُغَيِّرَ سُورَهَا، وَيُذْهِبَ بَهْجَتَهَا؟ مَنْ فَرَّ مِنْهُ أَدْرَكَهُ، وَمَنْ حَارَبَهُ قَتَلَهُ، وَمَنِ اِعْتَزَلَهُ اِفْتَقَرَ، وَمَنْ تَابَعَهُ كَفَرَ، حَتَّى يَقُومَ بَاكِيَانِ: بَاكٍ يَبْكِي عَلَى دِينِهِ، وَبَاكٍ يَبْكِي عَلَى دُنْيَاهُ.
434 - اَلْفَضْلُ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي اَلْمِقْدَامِ، عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «اِلْزَمِ اَلْأَرْضَ وَلَا تُحَرِّكْ يَداً وَلَا رِجْلاً حَتَّى تَرَى عَلَامَاتٍ أَذْكُرُهَا لَكَ، وَمَا أَرَاكَ تُدْرِكُ: اِخْتِلَافَ بَنِي فُلَانٍ(1409)، وَمُنَادٍ يُنَادِي مِنَ اَلسَّمَاءِ، وَيَجِيئُكُمُ اَلصَّوْتُ مِنْ نَاحِيَةِ دِمَشْقَ بِالْفَتْحِ، وَخَسْفِ قَرْيَةٍ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1407) هو عبد الله بن لهيعة المتقدِّم ذكره في (ح 144).
(1408) في بعض النُّسَخ: (يخرّ)، وفي بعضها: (يخرّ (يخرب خ ل)).
(1409) في الغيبة للنعماني والإرشاد وغيرهما: (بني العبَّاس).

(٤٧٩)

قُرَى اَلشَّامِ تُسَمَّى اَلْجَابِيَةَ(1410)، وَسَتُقْبِلُ إِخْوَانُ اَلتُّرْكِ حَتَّى يَنْزِلُوا اَلْجَزِيرَةَ، وَسَتُقْبِلُ مَارِقَةُ اَلرُّومِ حَتَّى يَنْزِلُوا اَلرَّمْلَةَ(1411)، فَتِلْكَ اَلسَّنَةَ فِيهَا اِخْتِلَافٌ كَثِيرٌ فِي كُلِّ أَرْضٍ مِنْ نَاحِيَةِ اَلمَغْرِبِ، فَأَوَّلُ أَرْضٍ تَخْرَبُ اَلشَّامُ، يَخْتَلِفُونَ عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثِ رَايَاتٍ: رَايَةِ اَلأَصْهَبِ، وَرَايَةِ اَلْأَبْقَعِ، وَرَايَةِ اَلسُّفْيَانِيِّ»(1412).
435 - أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّازِيُّ، عَنِ اَلمُقَانِعِيِّ(1413)، عَنْ بَكَّارِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ حَسَنِ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اَلمَلِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ اَلْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: اَلسَّنَةُ اَلَّتِي يَقُومُ فِيهَا اَلمَهْدِيُّ تَمْطُرُ أَرْبَعاً وَعِشْرِينَ مَطْرَةً، يُرَى أَثَرُهَا وَبَرَكَتُهَا(1414).
436 - وَرُوِيَ عَنْ كَعْبِ اَلْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا مَلَكَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي اَلْعَبَّاسِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1410) في مراصد الاطِّلاع (ج 1/ ص 304 و305): (الجابية - بكسر الباء وياء خفيفة -: قرية من أعمال دمشق، ثمّ من عمل الجيدور من ناحية الجولان...، وبالقرب منها تلٌّ يُسَمُّونه: تلُّ الجابية، كثير الحيَّات، ويقال لها: جابية الجولان).
(1411) في مراصد الاطِّلاع (ج 2/ ص 633): (مدينة بفلسطين، كانت قصبتها، وكانت رباطاً للمسلمين، وبينها وبين بيت المقدس اثنا عشر ميلاً، وهي كورة منها).
(1412) رواه باختلاف العيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 1/ ص 64/ صدر الحديث 117) عن جابر الجعفي، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 288 و289/ باب 14/ ح 67) بأسانيد ثلاثة عن جابر مفصَّلاً، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 372 و373) عن الحسن بن محبوب، وفي الاختصاص (ص 255 و256) عن عمرو بن أبي المقدام عن جابر الجعفي، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 281 و282) كما في الإرشاد، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1156 و1157/ح 62) مرسَلاً عن الباقر (عليه السلام)، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 49).
(1413) هو عليُّ بن العبَّاس المقانعي المتقدِّم ذكره في (ح 133).
(1414) رواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 373) عن عبد الله بن بكير، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 285) كما في الإرشاد.

(٤٨٠)

يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اَلله، وَهُوَ ذُو اَلْعَيْنِ(1415) بِهَا اِفْتَتَحُوا وَبِهَا يَخْتِمُونَ، وَهُوَ مِفْتَاحُ اَلْبَلَاءِ وَسَيْفُ اَلْفَنَاءِ(1416)، فَإِذَا قُرِئَ لَهُ كِتَابٌ بِالشَّامِ: مِنْ عَبْدِ اَلله عَبْدِ اَلله أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ لَمْ تَلْبَثُوا أَنْ يَبْلُغَكُمْ أَنَّ كِتَاباً قُرِئَ عَلَى مِنْبَرِ مِصْرَ: مِنْ عَبْدِ اَلله عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ: اَلمُلْكُ لِبَنِي اَلْعَبَّاسِ حَتَّى يَبْلُغَكُمْ كِتَابٌ قُرِئَ بِمِصْرَ: مِنْ عَبْدِ اَلله عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَهُوَ زَوَالُ مُلْكِهِمْ وَاِنْقِطَاعُ مُدَّتِهِمْ، فَإِذَا قُرِئَ عَلَيْكُمْ أَوَّلَ اَلنَّهَارِ لِبَنِي اَلْعَبَّاسِ: مِنْ عَبْدِ اَلله عَبْدِ اَلله أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ، فَانْتَظِرُوا كِتَاباً يُقْرَأُ عَلَيْكُمْ [مِنْ آخِرِ اَلنَّهَارِ](1417): مِنْ عَبْدِ اَلله عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ، وَوَيْلٌ لِعَبْدِ اَلله مِنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ.
437 - وَرَوَى حَذْلَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عليهما السلام): صِفْ لِي خُرُوجَ اَلمَهْدِيِّ، وَعَرِّفْنِي دَلَائِلَهُ وَعَلَامَاتِهِ.
فَقَالَ: «يَكُونُ قَبْلَ خُرُوجِهِ خُرُوجُ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: عَوْفٌ اَلسُّلَمِيُّ بِأَرْضِ اَلْجَزِيرَةِ، وَيَكُونُ مَأْوَاهُ تِكْرِيتٌ(1418)، وَقَتْلُهُ بِمَسْجِدِ دِمَشْقَ، ثُمَّ يَكُونُ خُرُوجُ شُعَيْبِ اِبْنِ صَالِحٍ مِنْ سَمَرْقَنْدَ، ثُمَّ يَخْرُجُ اَلسُّفْيَانِيُّ اَلمَلْعُونُ مِنَ اَلْوَادِي اَلْيَابِسِ، وَهُوَ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1415) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 213): (قوله: (وهو ذو العين) أي في أوَّل اسمه العين، كما كان أوَّلهم أبو العبَّاس عبد الله بن محمّد بن عليِّ بن عبد الله بن العبَّاس، وكان آخرهم عبد الله بن [المنصور] المستنصر الملقَّب بالمستعصم [المتوفَّى سنة 656ه]، وسائر أجزاء الخبر لا يهمُّنا تصحيحه، لكونه مرويًّا عن كعب غير متَّصل بالمعصوم).
(1416) في بعض النُّسَخ: (الفقار).
(1417) من بعض النُّسَخ.
(1418) في مراصد الاطِّلاع (ج 1/ ص 268): (تكريت - بفتح التاء - والعامَّة تكسرها: بلد مشهور بين بغداد والموصل).
وفي بعض النُّسَخ: (بكريت)، وهو اسم لعدَّة مواضع.

(٤٨١)

وُلْدِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَإِذَا ظَهَرَ اَلسُّفْيَانِيُّ اِخْتَفَى اَلمَهْدِيُّ، ثُمَّ يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ»(1419).
438 - وَرُوِيَ عَنِ اَلنَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «يَخْرُجُ بِقَزْوِينَ رَجُلٌ اِسْمُهُ اِسْمُ نَبِيٍّ، يُسْرِعُ اَلنَّاسُ إِلَى طَاعَتِهِ، اَلمُشْرِكُ وَاَلمُؤْمِنُ، يَمْلَأُ اَلْجِبَالَ خَوْفاً»(1420).
439 - اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ، عَنْ بَدْرِ بْنِ اَلْخَلِيلِ اَلْأَزْدِيِّ(1421)، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «آيَتَانِ تَكُونَانِ قَبْلَ اَلْقَائِمِ لَمْ تَكُونَا مُنْذُ هَبَطَ آدَمُ (عليه السلام) إِلَى اَلْأَرْضِ، تَنْكَسِفُ اَلشَّمْسُ فِي اَلنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَاَلْقَمَرُ فِي آخِرِهِ».
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَلله، تَنْكَسِفُ اَلشَّمْسُ فِي آخِرِ اَلشَّهْرِ، وَاَلْقَمَرُ فِي اَلنِّصْفِ.
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «إِنِّي لَأَعْلَمُ بِمَا تَقُولُ(1422)، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ لَمْ تَكُونَا مُنْذُ هَبَطَ آدَمُ (عليه السلام)»(1423).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1419) رواه باختلاف يسير الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1155 ح 61) عن عليِّ بن الحسين (عليهما السلام).
(1420) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1148) عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(1421) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 128/ الرقم 1301/25) من أصحاب الباقر (عليه السلام)، قائلاً: (بدر بن الخليل الأسدي، أبو الخليل الكوفي، روى عنه وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفي (ص 172/ الرقم 2019/70) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(1422) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج 26/ ص 132): (أي أنت تقول: إنَّ هذا خلاف المعهود وما يحكم به المنجِّمون، ولقد قلت: إنَّها من الآيات الغريبة التي لم يُعهَد وقوعها).
(1423) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 8/ ص 212/ ح 258) بإسناده عن البزنطي، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 279 و20/ باب 14/ ح 45) بإسناده عن ثعلبة بن ميمون باختلاف، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 374) عن الفضل بن شاذان باختلاف، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 285) كما في الإرشاد، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 65) عن يزيد ابن الخليل الأسدي باختلاف.
قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ١٢/ ص 281 و282): (قوله: (تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان والقمر في آخره، فقال رجل: يا ابن رسول الله، تنكسف الشمس في آخر الشهر، والقمر في النصف) وذلك لأنَّ كسوف الشمس على ما هو المعروف بتوسُّط جرم القمر بينها وبين الناظرين، ولا يتحقَّق التوسُّط إلَّا في آخر الشهر، لأنَّ الشمس والقمر في آخر الشهر يجتمعان في درجة واحدة، وأمَّا في غيره فهما متفارقان. والقمر ينكسف في النصف، لأنَّ نوره مستفاد من الشمس، وفي النصف قد تقع الأرض واسطة بين مركزيهما فتمنع من وصول نور الشمس إليه. وعلى هذا فكسوف الشمس في النصف والقمر في الآخرة علامة من علامات قيام الصاحب (عليه السلام)، ولعلَّ الكسوف حينئذٍ أثر يخلقه الله تعالى في جرمهما من غير سبب ولا ربط كما هو مذهب طائفة في كسوفهما، أو لإزالة الفلك من مجراه فيدخل الشمس والقمر في البحر الذي بين السماء والأرض فيطمس ضوءهما كما نُقِلَ ذلك عن سيِّد العابدين (عليه السلام)).

(٤٨٢)

440 - اَلْفَضْلُ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ، عَنْ شُعَيْبٍ اَلْحَدَّادِ(1424)، عَنْ صَالِحٍ(1425)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «لَيْسَ بَيْنَ قِيَامِ اَلْقَائِمِ وَبَيْنَ قَتْلِ اَلنَّفْسِ اَلزَّكِيَّةِ إِلَّا خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً»(1426).
441 - وَعَنْهُ، عَنْ نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): مَتَى يَكُونُ هَذَا اَلْأَمْرُ؟
فَقَالَ (عليه السلام): «أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ يَا جَابِرُ وَلَـمَّا تَكْثُرِ اَلْقَتْلَى بَيْنَ اَلْحِيرَةِ وَاَلْكُوفَةِ؟!»(1427).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1424) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 195/ الرقم 521): (شعيب بن أعين الحدَّاد، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)).
ووثَّقه المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 145/ الرقم 353/3).
(1425) هو صالح بن ميثم التمَّار الذي عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 15 و16)، والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 138/ الرقم 1457/2، وص 225/ الرقم 3024/2) من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام).
(1426) رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 649/ باب 57/ ح 2) بإسناده عن ثعلبة بن ميمون، وفيه: (ليس بين قيام قائم آل محمّد (عليهم السلام))، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 374) عن ثعلبة ابن ميمون باختلاف يسير، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 281) كما في كمال الدِّين، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1162) عن الصادق (عليه السلام).
(1427) رواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 374 و375) عن عمرو بن شمر، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1161) عن الباقر (عليه السلام).

(٤٨٣)

442 - عَنْهُ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ اَلمُخْتَارِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «إِذَا هُدِمَ حَائِطُ مَسْجِدِ اَلْكُوفَةِ مُؤَخَّرُهُ مِمَّا يَلِي دَارَ عَبْدِ اَلله بْنِ مَسْعُودٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ زَوَالُ (مُلْكِ)(1428) بَنِي فُلَانٍ، أَمَا إِنَّ هَادِمَهُ لَا يَبْنِيهِ»(1429).
443 - وَعَنْهُ(1430)، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْأَزْدِيِّ(1431)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «خُرُوجُ اَلثَّلَاثَةِ: اَلْخُرَاسَانِيِّ وَاَلسُّفْيَانِيِّ وَاَلْيَمَانِيِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ فِيهَا رَايَةٌ بِأَهْدَى مِنْ رَايَةِ اَلْيَمَانِيِّ، يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ»(1432).
444 - عَنْهُ، عَنِ اِبْنِ فَضَّالٍ، عَنِ اِبْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: يَخْرُجُ قَبْلَ اَلسُّفْيَانِيِّ مِصْرِيٌّ وَيَمَانِيٌّ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1428) ليس في بعض النُّسَخ.
(1429) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 285/ باب 14/ ح 57) بإسناده عن محمّد بن سنان عن الحسن بن المختار، عن خالد القلانسي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 375) عن محمّد بن سنان باختلاف، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1163) مرسَلاً عن الصادق (عليه السلام)، والمشغري (رحمه الله) في الدُّرِّ النظيم (ص 758)، وعليُّ بن يوسف المطهَّر الحلِّي في العدد القويَّة (ص 77/ ح 129)، وفيهما: (ملك بني العبَّاس) بدل (ملك بني فلان)، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرر (ص 51) عن أبي عبد الله الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام)، وفيه: (وعند زواله خروج المهدي) بدل (أمَا إنَّ هادمه لا يبنيه)، والمتَّقي الهندي في البرهان في علامات مهدي آخر الزمان (ص 115/ ح 12) كما في عقد الدُّرَر.
(1430) مرجع الضمير في مختصر إثبات الرجعة (ص 65/ ح 17) هو محمّد بن أبي عمير، والظاهر أنَّه الصحيح، إذ الفضل لم يرو عن سيف بن عميرة، بل يروي عن ابن أبي عمير في موارد كثيرة.
(1431) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 108/ الرقم 273): (بكر بن محمّد بن عبد الرحمن بن نعيم الأزدي الغامدي، أبو محمّد، وجه في هذه الطائفة، من بيت جليل بالكوفة).
(1432) رواه باختلاف يسير المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 375) عن سيف بن عميرة، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 284) كما في الإرشاد، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1163) عن الصادق (عليه السلام).

(٤٨٤)

445 - عَنْهُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنْ عَمَّارِ اِبْنِ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَوْتَ عَبْدِ اَلله أَضْمَنْ لَهُ اَلْقَائِمَ»، ثُمَّ قَالَ: «إِذَا مَاتَ عَبْدُ اَلله لَمْ يَجْتَمِعِ اَلنَّاسُ بَعْدَهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَمْ يَتَنَاهَ هَذَا اَلْأَمْرُ دُونَ صَاحِبِكُمْ إِنْ شَاءَ اَللهُ، وَيَذْهَبُ مُلْكُ اَلسِّنِينَ وَيَصِيرُ مُلْكُ اَلشُّهُورِ وَاَلْأَيَّامِ».
فَقُلْتُ: يَطُولُ ذَلِكَ؟
قَالَ: «كَلَّا»(1433).
446 - عَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ عَبْدِ اَلله(1434)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ حَرْبٍ(1435)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «لَا يَكُونُ فَسَادُ مُلْكِ بَنِي فُلَانٍ حَتَّى يَخْتَلِفَ سَيْفَا بَنِي فُلَانٍ، فَإِذَا اِخْتَلَفَا كَانَ عِنْدَ ذَلِكَ فَسَادُ مُلْكِهِمْ»(1436).
447 - اَلْفَضْلُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ مِنْ عَلَامَاتِ اَلْفَرَجِ حَدَثاً يَكُونُ بَيْنَ اَلْحَرَمَيْنِ».
قُلْتُ: وَأَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ اَلْحَدَثُ؟
فَقَالَ: «عَصَبِيَّةٌ تَكُونُ بَيْنَ اَلْحَرَمَيْنِ، وَيَقْتُلُ فُلَانٌ مِنْ وُلْدِ فُلَانٍ خَمْسَةَ عَشَرَ كَبْشاً»(1437).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1433) روى صدره الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1163) مرسَلاً عن الصادق (عليه السلام)، وعليُّ بن يوسف المطهَّر الحلِّي (رحمه الله) في العدد القويَّة (ص 77/ ح 130) عن الصادق (عليه السلام).
(1434) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 189/ الرقم 503): (سلام بن عبد الله الهاشمي، له كتاب صغير، رواه أبو سمينة).
(1435) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 170/ الرقم 1984/35) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (بكر بن حرب الشيباني، مولاهم، كوفي).
(1436) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1164) مرسَلاً عن الصادق (عليه السلام).
(1437) رواه الحميري (رحمه الله) في قرب الإسناد (ص 371 و372) عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن البزنطي باختلاف، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 375 و376) عن الفضل بن شاذان، وفيه: (مسجدين) بدل (حرمين)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1169 و1170) عن البزنطي باختلاف يسير.

(٤٨٥)

448 - وَعَنْهُ، عَنِ اِبْنِ فَضَّالٍ وَاِبْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ اَلْيَمَانِيِّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «لَا يَذْهَبُ مُلْكُ هَؤُلَاءِ حَتَّى يَسْتَعْرِضُوا(1438) اَلنَّاسَ بِالْكُوفَةِ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ، لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رُءُوسٍ تُنْدَرُ(1439) فِيمَا بَيْنَ اَلمَسْجِدِ وَأَصْحَابِ اَلصَّابُونِ»(1440).
449 - وَعَنْهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْجَهْمِ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام) عَنِ اَلْفَرَجِ، فَقَالَ: «مَا تُرِيدُ، اَلْإِكْثَارَ أَوْ أُجْمِلُ لَكَ؟
فَقَالَ(1441): أُرِيدُ تُجْمِلُهُ لِي.
فَقَالَ: «إِذَا تَحَرَّكَتْ رَايَاتُ قَيْسٍ بِمِصْرَ وَرَايَاتُ كِنْدَةَ بِخُرَاسَانَ - أَوْ ذَكَرَ غَيْرَ كِنْدَةَ -»(1442).
450 - عَنْهُ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ قُدَّامَ اَلْقَائِمِ لَسَنَةً غَيْدَاقَةً(1443) يَفْسُدُ اَلتَّمْرُ فِي اَلنَّخْلِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1438) في القاموس المحيط (ج 2/ ص 336): (واستعرضهم: قتلهم، ولم يسأل عن حال أحد).
(1439) في القاموس المحيط (ج 2/ ص 140): (ندر الشيء ندوراً: سقط من جوف شيء، أو من بين أشياء فظهر).
(1440) رواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 376) عن حمَّاد بن عيسى، وفيه: (فيما بين باب الفيل) بدل (فيما بين المسجد).
(1441) كذا في الإرشاد و بعض النُّسَخ، وفي بعضها: (فقلت)، والظاهر أنَّه تصحيف.
(1442) رواه باختلاف المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 3/ ص 376 و377)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 284)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1165).
(1443) قال ابن الأثير في النهاية (ج 3/ ص 345): (في حديث الاستسقاء: «اسقنا غيثاً غدقاً مغدقاً»: الغدق - بفتح الدال -: المطر الكبار القطر)، وسنة غيداقة: أي كثيرة المطر.

(٤٨٦)

فَلَا تَشُكُّوا فِي ذَلِكَ»(1444).
451 - وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ اَلرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي لَبِيدٍ، قَالَ: تُغِيرُ اَلْحَبَشَةُ اَلْبَيْتَ فَيَكْسِرُونَهُ، وَيُؤْخَذُ اَلْحَجَرُ فَيُنْصَبُ فِي مَسْجِدِ اَلْكُوفَةِ.
452 - وَعَنْهُ، عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اَلسُّفْيَانِيَّ يَمْلِكُ بَعْدَ ظُهُورِهِ عَلَى اَلْكُوَرِ اَلْخَمْسِ حَمْلَ اِمْرَأَةٍ»، ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «أَسْتَغْفِرُ اَللهَ، حَمْلَ جَمَلٍ، وَهُوَ مِنَ اَلْأَمْرِ اَلمَحْتُومِ اَلَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ».
453 - عَنْهُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ اَلْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «كَأَنِّي بِالسُّفْيَانِيِّ أَوْ لِصَاحِبِ(1445) اَلسُّفْيَانِيِّ قَدْ طَرَحَ رَحْلَهُ فِي رَحْبَتِكُمْ بِالْكُوفَةِ، فَنَادَى مُنَادِيهِ: مَنْ جَاءَ بِرَأْسِ رَجُلٍ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ فَلَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَيَثِبُ اَلْجَارُ عَلَى جَارِهِ يَقُولُ: هَذَا مِنْهُمْ، فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ وَيَأْخُذُ أَلْفَ دِرْهَمٍ. أَمَا إِنَّ إِمَارَتَكُمْ يَوْمَئِذٍ لَا تَكُونُ إِلَّا لِأَوْلَادِ اَلْبَغَايَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى صَاحِبِ اَلْبُرْقُعِ».
قُلْتُ: وَمَنْ صَاحِبُ اَلْبُرْقُعِ؟
فَقَالَ: «رَجُلٌ مِنْكُمْ يَقُولُ بِقَوْلِكُمْ، يَلْبَسُ اَلْبُرْقُعَ، فَيَحُوشُكُمْ(1446)، فَيَعْرِفُكُمْ وَلَا تَعْرِفُونَهُ، فَيَغْمِزُ(1447) بِكُمْ رَجُلاً رَجُلاً، أَمَا إِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا اِبْنَ بَغِيٍّ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1444) رواه باختلاف يسير المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 377)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 283 و284)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1164).
(1445) في بعض النُّسَخ: (بصاحب السفياني).
(1446) في القاموس المحيط (ج 2/ ص 270): (حاش الصيد: جاءه من حواليه).
(1447) في الصحاح للجوهري (ج 3/ ص 889/ مادَّة غمز): (أغمزت في فلان، إذا عبته وصغَّرت من شأنه).

(٤٨٧)

454 - عَنْهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَكَمِ، عَنِ اَلمُثَنَّى، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «لَيَنْصُرَنَّ اَللهُ هَذَا اَلْأَمْرَ بِمَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ(1448)، وَلَوْ قَدْ جَاءَ أَمْرُنَا لَقَدْ خَرَجَ مِنْهُ(1449) مَنْ هُوَ اَلْيَوْمَ مُقِيمٌ عَلَى عِبَادَةِ اَلْأَوْثَانِ».
455 - وَعَنْهُ، عَنِ اَلْحِمَّانِيِّ(1450)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفُضَيْلِ(1451)، عَنِ اَلْأَجْلَحِ(1452)، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ [أَبِي] اَلْهُذَيْلِ(1453)، قَالَ: لَا تَقُومُ اَلسَّاعَةُ حَتَّى يَجْتَمِعَ كُلُّ مُؤْمِنٍ بِالْكُوفَةِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1448) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 329 و330): (لعلَّ المراد أنَّ أكثر أعوان الحقِّ وأنصار التشيُّع في هذا اليوم جماعة لا نصيب لهم في الدِّين، ولو ظهر الأمر وخرج القائم [(عليه السلام)] يخرج من هذا الدِّين من يعلم الناس أنَّه كان مقيماً على عبادة الأوثان حقيقةً أو مجازاً، وكان الناس يحسبونه مؤمناً، أو أنَّه عند ظهور القائم [(عليه السلام)] يشتغل بعبادة الأوثان).
(1449) لم يستبعد العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 330) أنْ يكون في الأصل: (لقد خرج معه).
(1450) هو يحيى بن عبد الحميد الحمَّاني الذي عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 450/ الرقم 6394/5) في من لم يرو عنهم (عليهم السلام).
وعنونه ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 11/ ص 213 - 218/ الرقم 399)، قائلاً: (يحيى ابن عبد الحميد بن عبد الله بن ميمون بن عبد الرحمن الحمَّاني...، مات في رمضان سنة ثمان وعشرين ومائتين).
(1451) هو محمّد بن الفضيل بن غزوان الضبي الذي ذكره المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 292/ الرقم 4257/282) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (مولاهم، أبو عبد الرحمن، ثقة).
(1452) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 323/ الرقم 4824/41) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (يحيى بن عبد الله بن معاوية الكندي الأجلح، أبو حجيَّة).
وقال النوري (رحمه الله) في خاتمة المستدرك (ج 7/ ص 131/ الرقم 81): (قال الشيخ المفيد في كتاب الكافية في إبطال توبة الخاطئة بعد ذكر حديث سنده هكذا: (أبان بن عثمان، عن الأجلح...: فهذا الحديث صحيح الإسناد، واضح الطريق، جليل الرواة).
وعنونه المزِّي في تهذيب الكمال (ج 2/ ص 275 - 280/ الرقم 282)، وقال: (روى عنه جعفر بن عون...، ومحمّد بن فضيل بن غزوان...، مات سنة خمس وأربعين ومائة).
(1453) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 6/ ص 57/ الرقم 122): (عبد الله بن أبي الهذيل العنزي، أبو المغيرة الكوفي...، روى عنه إسماعيل بن رجاء...، والأجلح بن عبد الله الكندي).

(٤٨٨)

456 - أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ اَلمُقْرِئِ، عَنِ اَلمُقَانِعِيِّ(1454)، عَنْ بَكَّارٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سَعِيدٍ اَلْأَسَدِيِّ، عَنْ (أَبِيهِ)(1455)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «عَامَ أَوْ سَنَةَ اَلْفَتْحِ يَنْشَقُّ(1456) اَلْفُرَاتُ حَتَّى يَدْخُلَ أَزِقَّةَ اَلْكُوفَةِ»(1457).
457 - اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ(1458)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ اَلسَّمَّاكِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اَلله اَلْهَاشِمِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ(1459)، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ(1460)، عَنْ سَعِيدٍ أَبِي عُثْمَانَ(1461)، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «تَنْزِلُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1454) هو عليُّ بن العبَّاس المقانعي المتقدِّم ذكره في (ح 133).
(1455) ليس في بعض النُّسَخ.
(1456) في الإرشاد وبعض النُّسَخ: (ينبثق).
(1457) رواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 377)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 284)، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1164).
(1458) الظاهر وقوع سهو في هذا السند، لأنَّ عثمان بن أحمد السمَّاك تُوفّي سنة (344هـ) على ما ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال (ج 3/ ص 31/ الرقم 5486) وابن حجر في لسان الميزان (ج 4/ ص 131 و132/ الرقم 299)، والفضل بن شاذان تُوفّي سنة (260هـ)، فيحتمل قويًّا كونه شخصاً آخر.
وقد عدَّ ابن حجر في لسان الميزان في جملة من روى عن ابن السمَّاك، أبو عليِّ بن شاذان، وهو الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمّد بن شاذان المتوفَّى سنة (425هـ) كما في الوافي بالوفيات (ج 11/ ص 303).
(1459) قال الخطيب في تاريخ بغداد (ج 6/ ص 201 - 203/ الرقم 3261): (إبراهيم بن هاني، أبو إسحاق النيسابوري، كان أحد الأبدال...، تُوفّي يوم الأربعاء لأربع خلون من ربيع الآخر سنة خمس وستِّين ومائتين).
(1460) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 10/ ص 409/ الرقم 833): (نعيم بن حمَّاد بن معاوية ابن الحارث بن همَّام بن سَلَمة بن مالك الخزاعي، أبو عبد الله المروزي الفارض، سكن مصر...، مات فس السجن سنة ثمان وعشرين ومائتين).
(1461) في بعض النُّسَخ: (سعيد، عن أبي عثمان).

(٤٨٩)

اَلرَّايَاتُ اَلسُّودُ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى اَلْكُوفَةِ، فَإِذَا ظَهَرَ اَلمَهْدِيُّ (عليه السلام) بَعَثَ إِلَيْهِ بِالْبَيْعَةِ»(1462).
458 - اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْكُوفِيِّ، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «إِنَّ اَلْقَائِمَ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) يُنَادَى اِسْمُهُ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَيَقُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ قُتِلَ فِيهِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام)»(1463).
459 - اَلْفَضْلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ حَيِّ بْنِ مَرْوَانَ(1464)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ(1465)، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام)(1466): «كَأَنِّي بِالْقَائِمِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ اَلسَّبْتِ قَائِماً بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلمَقَامِ، بَيْنَ يَدَيْهِ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام)(1467)، يُنَادِي: اَلْبَيْعَةَ لِله، فَيَمْلَأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(1468).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1462) الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص 190) باختلاف يسير؛ ورواه باختلاف يسير أيضاً الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1158) عن الإمام الباقر (عليه السلام)، وابن طاوس (رحمه الله) في الملاحم والفتن (ص 123/ ح 122)، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 129) عن أبي جعفر محمّد بن عليٍّ (عليهما السلام)، والسيوطي في العرف الوردي (ص 125/ ح 109)، والمتَّقي الهندي في البرهان في علامات مهدي آخر الزمان (ص 150/ ح 12).
(1463) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 291/ باب 14/ ح 68) بإسناده عن أبي بصير مختصراً باختلاف، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 379) باختلاف يسير، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 263) عن الصادق (عليه السلام)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 286) كما في الإرشاد.
(1464) في بعض النُّسَخ: (حسن بن مروان (بهرام خ ل)).
(1465) في بعض النُّسَخ: (عليُّ بن مهرام)، ولم نجد له ذكراً في كُتُب الرجال.
(1466) هو أبو جعفر الثاني (عليه السلام)، لأنَّ عليَّ بن مهزيار لم يلقَ الإمام الباقر (عليه السلام)، بل كان من أصحاب الرضا والجواد والهادي (عليهم السلام).
وفي بعض النُّسَخ: (أبو عبد الله (عليه السلام)).
(1467) في بعض النُّسَخ: (يد جبرئيل على يديه).
(1468) رواه باختلاف يسير الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1159) عن الباقر (عليه السلام).

(٤٩٠)

460 - [اَلْفَضْلُ، عَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «لَا يَخْرُجُ اَلْقَائِمُ إِلَّا فِي وَتْرٍ مِنَ اَلسِّنِينَ، تِسْعٍ وَثَلَاثٍ وَخَمْسٍ وَإِحْدَى»](1469).
461 - اَلْفَضْلُ، عَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «خُرُوجُ اَلْقَائِمِ مِنَ اَلمَحْتُومِ».
قُلْتُ: وَكَيْفَ يَكُونُ اَلنِّدَاءُ؟
قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ اَلسَّمَاءِ أَوَّلَ اَلنَّهَارِ: أَلَا إِنَّ اَلْحَقَّ فِي عَلِيٍّ وَشِيعَتِهِ، ثُمَّ يُنَادِي إِبْلِيسُ (لَعَنَهُ اَللهُ) فِي آخِرِ اَلنَّهَارِ: أَلَا إِنَّ اَلْحَقَّ فِي عُثْمَانَ وَشِيعَتِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَابُ اَلمُبْطِلُونَ»(1470).
462 - وَعَنْهُ، عَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ اَلسَّمَاءِ بِاسْمِ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)، فَيَسْمَعُ مَا بَيْنَ اَلمَشْرِقِ إِلَى اَلمَغْرِبِ، فَلَا يَبْقَى رَاقِدٌ إِلَّا قَامَ، وَلَا قَائِمٌ إِلَّا قَعَدَ، وَلَا قَاعِدٌ إِلَّا قَامَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ اَلصَّوْتِ، وَهُوَ صَوْتُ جَبْرَئِيلَ اَلرُّوحِ اَلْأَمِينِ(1471).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1469) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 270/ باب 14/ ح 22) بإسناده عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) باختلاف، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 378 و379) عن الحسن بن محبوب، وفيه: (سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع)، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 263) عن الصادق (عليه السلام)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 286) كما في الإرشاد، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1161/ ح 63) عن الصادق (عليه السلام) باختلاف يسير، والمشغري (رحمه الله) في الدُّرِّ النظيم (ص 758) عن الصادق (عليه السلام)، وعليُّ بن يوسف المطهَّر الحلِّي (رحمه الله) في العدد القويَّة (ص 76 و77/ ح 128) عن الصادق (عليه السلام).
والحديث أثبتناه من بعض النُّسَخ.
(1470) قد تقدَّم بتمامه في (ح 425) بسند آخر، وله تخريجات ذكرناها هناك.
(1471) رواه باختلاف المقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (107) عن أبي جعفر (عليه السلام)، وابن حجر في القول المختصر (ص 85/ الرقم 54) مضمراً، والمتَّقي الهندي في البرهان في علامات مهدي آخر الزمان (ص 109/ ذيل الحديث 21) عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام).

(٤٩١)

463 - وَعَنْهُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ اَلْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ(1472)، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَذَكَرَ اَلمَهْدِيَّ فَقَالَ: «إِنَّهُ يُبَايَعُ بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلمَقَامِ، اِسْمُهُ أَحْمَدُ وَعَبْدُ اَلله وَاَلمَهْدِيُّ، فَهَذِهِ أَسْمَاؤُهُ ثَلَاثَتُهَا»(1473).
464 - عَنْهُ، عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْر وَاِبْنِ بَزِيعٍ(1474)، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ(1475)، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ اَلْكَابُلِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «إِذَا دَخَلَ اَلْقَائِمُ اَلْكُوفَةَ لَمْ يَبْقَ مُؤْمِنٌ إِلَّا وَهُوَ بِهَا أَوْ يَجِيءُ(1476) إِلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)(1477)، وَيَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: سِيرُوا بِنَا إِلَى هَذِهِ اَلطَّاغِيَةِ، فَيَسِيرُ إِلَيْهِ»(1478).
465 - سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله اَلْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ هَانِئٍ اَلتَّمَّارِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ غَيْبَةً اَلمُتَمَسِّكُ فِيهَا بِدِينِهِ كَالْخَارِطِ لِلْقَتَادِ بِيَدَيْهِ - ثُمَّ قَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ -،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1472) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 4/ ص 317/ الرقم 619): (شقيق بن سَلَمة الأسدي، أبو وائل الكوفي، أدرك النبيَّ [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] ولم يرَه...، قال خليفة بن خيَّاط: مات بعد الجماجم سنة (82)، وقال الواقدي: مات في خلافة عمر بن عبد العزيز).
(1473) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1149/ ضمن الحديث 58) عن حذيفة.
ويأتي في (ح 486).
(1474) هو أبو جعفر محمّد بن إسماعيل بن بزيع الذي قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 330/ الرقم 893) في حقِّه: (كان من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم، كثير العمل).
(1475) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 413/ الرقم 1100): (منصور بن يونس بزرج، أبو يحيى، وقيل: أبو سعيد، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)).
(1476) في بعض النُّسَخ: (يحنُّ).
(1477) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 330): ((وهو قول أمير المؤمنين) من كلام أبي جعفر (عليه السلام)، ويحتمل الرواة، وفاعل (يقول) القائم (عليه السلام)، ولعلَّ المراد بالطاغية السفياني).
(1478) روى صدره الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1159).

(٤٩٢)

فَأَيُّكُمْ يُمْسِكُ شَوْكَ اَلْقَتَادِ بِيَدِهِ؟»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ غَيْبَةً، فَلْيَتَّقِ اَللهَ عَبْدٌ وَلْيَتَمَسَّكْ بِدِينِهِ»(1479)،(1480).
466 - عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ(1481)، عَنْ أَيْمَنَ بْنِ مُحْرِزٍ(1482)، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ مُوسَى وَمُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1479) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 126 و127/ ح 127) عن الحميري، عن محمّد بن عيسى، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 335 و336/ باب في الغيبة/ ح 1) بإسناده عن صالح بن خالد، عن يمان التمَّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 267) عن الحميري عن محمّد بن عيسى عن صالح بن محمّد عن أبي عبد الله (عليه السلام) مختصراً باختلاف، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 173 و174/ باب 10/ فصل 3/ ح 11) بإسناده عن محمّد بن عيسى باختلاف، وفي (ص 174/ ذيل الحديث 11) عن محمّد بن يعقوب، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 343/ باب 33/ ح 25) بإسناده عن محمّد بن عيسى مختصراً، وفي (ص 346 و347/ ح 34) بإسناده عن محمّد بن عيسى باختلاف، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 432) عن يمان التمَّار.
(1480) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 249): (قوله: (كالخارط للقتاد) القتاد شجر له شوك، وهو القتاد الأعظم، وأمَّا القتاد الأصغر فهي التي ثمرتها نفاخة كنفاخة العشر، وخرطه أنْ يمسك أعلاه بيده ويمرَّها إلى أسفله، وهذا مثل يُضرَب لكلِّ أمر مشكل. قوله: (ثمّ قال هكذا بيده) أي ضرب بها على الخشب وأظهر صورة العمل، ثمّ قال على سبيل الإنكار: (فأيُّكم يمسك شوك القتاد بيده ويمرُّها إلى أسفله؟)، وفيه مبالغة على أنَّه لا يصبر على دينه حينئذٍ إلَّا الصابرون على جميع أنحاء المشاقِّ...، قوله: (فليتَّقِ الله) أمر أوَّلاً باتِّقاء الله تعالى، لأنَّ التمسُّك بدين الحقِّ حينئذٍ لا يمكن بدون التقوى الحاملة للنفس على الصبر وتحمُّل المشاقِّ وتجرُّع المكاره).
(1481) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 26/ الرقم 49): (إسماعيل بن مهران بن أبي نصر السكوني، واسم أبي نصر زيد، يُكنَّى أبا يعقوب، ثقة، معتمد عليه، روى عن جماعة من أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ذكره أبو عمرو في أصحاب الرضا (عليه السلام)).
وقال المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 46/ الرقم 32/3): (إسماعيل بن مهران بن محمّد بن أبي نصر السكوني...، ولقي الرضا (عليه السلام) وروى عنه).
(1482) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 49) من أصحاب الكاظم (عليه السلام).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 166/ الرقم 1920/224، وص 331/ الرقم 4930/9) من أصحاب الصادق والكاظم (عليهما السلام).

(٤٩٣)

قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ قَائِمَ أَهْلِ بَيْتِي وَهُوَ مُقْتَدٍ بِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ، يَتَوَلَّى وَلِيَّهُ وَيَتَبَرَّأُ مِنْ عَدُوِّهِ، وَيَتَوَلَّى اَلْأَئِمَّةَ اَلْهَادِيَةَ مِنْ قَبْلِهِ، أُولَئِكَ رُفَقَائِي وَذَوُو وُدِّي وَمَوَدَّتِي، وَأَكْرَمُ أُمَّتِي عَلَيَّ»، قَالَ رِفَاعَةُ: «وَأَكْرَمُ خَلْقِ اَلله عَلَيَّ»(1483).
467 - عَنْهُ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): سَيَأْتِي قَوْمٌ مِنْ بَعْدِكُمْ اَلرَّجُلُ اَلْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَهُ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اَلله، نَحْنُ كُنَّا مَعَكَ بِبَدْرٍ وَأُحُدٍ وَحُنَيْنٍ، وَنَزَلَ فِينَا اَلْقُرْآنُ.
فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَوْ تَحْمِلُونَ(1484) لِمَا حُمِّلُوا لَمْ تَصْبِرُوا صَبْرَهُمْ»(1485).
468 - سَعْدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ اَلْبَرْقِيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ(1486)، عَنِ اَلمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ اَلْجُعْفِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ اَلْعِبَادُ مِنَ اَلله وَأَرْضَى مَا يَكُونُ عَنْهُمْ إِذَا اِفْتَقَدُوا حُجَّةَ اَلله فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ وَلَمْ يَعْلَمُوا بِمَكَانِهِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَمْ تَبْطُلْ حُجَّةُ اَلله وَلَا مِيثَاقُهُ، فَعِنْدَهَا تَوَقَّعُوا اَلْفَرَجَ صَبَاحاً وَمَسَاءً، فَإِنَّ أَشَدَّ مَا يَكُونُ غَضَبُ اَلله عَلَى أَعْدَائِهِ إِذَا اِفْتَقَدُوا حُجَّتَهُ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ لَا يَرْتَابُونَ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَرْتَابُونَ مَا غَيَّبَ عَنْهُمْ حُجَّتَهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى رَأْسِ أَشْرَارِ(1487) اَلنَّاسِ»(1488).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1483) رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 286/ باب 25/ ح 2) بإسناده عن معاوية بن وهب عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفي (ص 286 و287/ ح 3) بإسناد آخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) باختلاف.
(1484) في النُّسَخ: (لو تحملوا)، والظاهر أنَّه تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.
(1485) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1149) مرسَلاً عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(1486) في كمال الدِّين وإعلام الورى: (محمّد بن سنان).
(1487) في الكافي والغيبة للنعماني وكمال الدِّين: (شرار الناس).
(1488) رواه ابن بابويه (رحمه الله) في الإمامة والتبصرة (ص 123/ ح 120) عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن ←

(٤٩٤)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ جعفر الحميري، والكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 333/ باب نادر في حال الغيبة/ ح 1) بإسناده عن محمّد بن خالد، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 165/ باب 10/ فصل 3/ ح 1) بإسناده عن محمّد ابن خالد، وفي (ص 165 و166/ ح 2) عن محمّد بن يعقوب، والصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 337 و338 و339/ باب 33/ ح 10 و16 و17) عن أبيه ومحمّد بن الحسن عن سعد بن عبد الله والحميري، وأبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) في تقريب المعارف (ص 430) عن المفضَّل بن عمر، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 235 و236) عن محمّد بن خالد البرقي.
قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج 6/ ص 238 و239): (قوله: (أقرب ما يكون العباد) دلَّ على أنَّ أقرب العباد منه تعالى في زمان غيبة الإمام إذا كانوا عارفين بحقِّه أزيد وأكمل، ورضاه تعالى عنهم، وإضافة الرحمة عليهم إذا كانوا تابعين له أعظم وأشمل، وذلك ليتمهم وانتظارهم وتحسُّرهم وأسرهم وخوفهم على الأنفس والأموال من تغلُّب الكُفَّار وتسلُّط الأشرار عليهم، ولأنَّ الإيمان بالغيب دلَّ على ضياء عقولهم ولطف قرائحهم ولينة طبائعهم وصفاء عقيدتهم وكمال هدايتهم، وكلُّ ذلك موجب لزيادة القرب من الحقِّ وكمال رضاه. وفي طُرُق العامَّة عن ابن مسعود، قال: إنَّ أمر محمّد كان بيِّناً لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب، ثمّ تلا قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 3]، قال الطيبي: معنى هذا الحديث مخرج في سُنَن الدارمي عن أبي عبيدة بن الجرَّاح قال: يا رسول الله، أحد خير منَّا؟ أسلمنا وجاهدنا معك، قال: «نعم هم قوم يكونون بعدكم يؤمنون بي ولا يروني»، وأنت خبير بأنَّ هذا الحكم غير مختصٍّ بالنبيِّ، بل يجري في إمام بعده. قوله: (يعلمون أنَّه لم تبطل حجَّة الله) أي يعلمون بالبراهين العقليَّة والأحاديث النبويَّة أنَّه لم تبطل حجَّة الله (عزَّ ذكره) في الأرض ولا ميثاقه وعهده في الحجَّة، بل هما باقيان في الخلق ودائمان فيهم ما دامت الدنيا، فلذلك يؤمنون بالإمام وإنْ لم يروه، ويعتقدون بوجوده وإنْ لم يشاهدوه. قوله: (فتوقَّعوا الفرج صباحاً ومساءً) لوجوب ظهوره في وقت ما لدفع الظلم والجور ونصرة دين الحقِّ وأهله، ولكن لـمَّا لم نعلم ذلك الوقت بخصوصه واحتمل كلُّ جزء من أجزاء الزمان أنْ يكون ذلك الوقت لا بدَّ لنا من توقُّع الفرج في جميع الأوقات، وإنَّما ذكر الصباح والمساء لشيوعهما في التعارف وإحاطتهما بسائر الأوقات. قوله: (فإنَّ أشدَّ ما يكون) دليل لتوقُّع الفرج، ولعلَّ وجه ذلك مع أنَّ الظاهر أنْ يكون الغضب عليهم عند ظهور الحجَّة وعدم ايمانهم به أشدّ وأجدر ولحوق النكال بهم أحرى وأظهر لكون الحجَّة عليهم حينئذٍ أقوى وأكمل من عدم ظهوره بسبب سوء صنيعهم واعوجاج طبيعتهم حتَّى حرم المستعدُّون للهداية والقابلون للفهم والدراية عن مشاهدة جماله وملاحظة كماله، فلذلك كان الغضب عليهم حال الغيبة أشدّ. قوله: (وقد علم أنَّ أولياءه) أي أولياء الحجَّة، وهذا دفع لما عسى أنْ يقال من أنَّ إخفاء الحجَّة موجب لإضلال الخلق ورفع اللطف عنهم ولا يجوز شيء من ذلك، ووجه الدفع ظاهر، وحاصله أنَّ ذلك إنَّما يلزم لو كان أحد من أوليائه يرتاب فيه بعد الغيبة، وليس كذلك، فلا مفسدة في الغيبة وإنَّما هي محض المصلحة، وهي حفظ النفس المعصومة أو غيرها. قوله: (ولا يكون ذلك إلَّا على رأس شرار الناس) دلَّ على أنَّ ظهوره لا يكون إلَّا عند فشو الشرِّ في الناس وبعد الخير عنهم، وقد دلَّ على ذلك أيضاً بل على تعيين الشرور والمفاسد بعض الروايات).

(٤٩٥)

469 - اَلْفَضْلُ، عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ خَالِدٍ اَلْعَاقُولِيِّ(1489)، فِي حَدِيثٍ لَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «فَمَا تَمُدُّونَ أَعْيُنَكُمْ؟ فَمَا تَسْتَعْجِلُونَ؟ أَلَسْتُمْ آمِنِينَ؟ أَلَيْسَ اَلرَّجُلُ مِنْكُمْ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ فَيَقْضِي حَوَائِجَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ لَمْ يُخْتَطَفْ؟ إِنْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ [مَنْ هُوَ](1490) عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَيُؤْخَذُ اَلرَّجُلُ مِنْهُمْ فَتُقْطَعُ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَيُصْلَبُ عَلَى جُذُوعِ اَلنَّخْلِ وَيُنْشَرُ بِالْمِنْشَارِ، ثُمَّ لَا يَعْدُو ذَنْبَ نَفْسِهِ(1491)»، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ اَلْآيَةَ: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214](1492).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1489) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 31)، والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 201/ الرقم 2553/68) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قالا: (خالد العاقولي، وهو أبو إسماعيل الخيَّاط).
(1490) من بعض النُّسَخ، وفي بعضها: (ممَّن هو).
(1491) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 130): (قوله: (ثمّ لا يعدو ذنب نفسه) أي لا ينسب تلك المصائب إلَّا إلى نفسه وذنبه، أو لا يلتفت مع تلك البلايا إلَّا إلى إصلاح نفسه وتدارك ذنبه).
(1492) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1155 و1156) عن عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) مختصراً.

(٤٩٦)

470 - اَلْفَضْلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ(1493)، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عُمَارَةَ(1494)، عَنِ اَلمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: ذَكَرْنَا اَلْقَائِمَ (عليه السلام) وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِنَا يَنْتَظِرُهُ، فَقَالَ لَنَا أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «إِذَا قَامَ أُتِيَ اَلمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ فَيُقَالُ لَهُ: يَا هَذَا، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ صَاحِبُكَ، فَإِنْ تَشَأْ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ فَالْحَقْ، وَإِنْ تَشَأْ أَنْ تُقِيمَ فِي كَرَامَةِ رَبِّكَ فَأَقِمْ»(1495).
471 - عَنْهُ، عَنِ اِبْنِ أَسْبَاطٍ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْجَهْمِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ (عليه السلام) عَنْ شَيْءٍ مِنَ اَلْفَرَجِ، فَقَالَ: «أَوَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ اِنْتِظَارَ اَلْفَرَجِ مِنَ اَلْفَرَجِ؟».
قُلْتُ: لَا أَدْرِي إِلَّا أَنْ تُعَلِّمَنِي.
فَقَالَ: «نَعَمْ، اِنْتِظَارُ اَلْفَرَجِ مِنَ اَلْفَرَجِ».
472 - عَنْهُ، عَنِ اِبْنِ فَضَّالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: اِعْرِفْ إِمَامَكَ، فَإِنَّكَ إِذَا عَرَفْتَهُ لَمْ يَضُرَّكَ تَقَدَّمَ هَذَا اَلْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ، وَمَنْ عَرَفَ إِمَامَهُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى هَذَا اَلْأَمْرَ ثُمَّ خَرَجَ اَلْقَائِمُ (عليه السلام) كَانَ لَهُ مِنَ اَلْأَجْرِ كَمَنْ كَانَ مَعَ اَلْقَائِمِ فِي فُسْطَاطِهِ»(1496).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1493) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 119/ الرقم 304): (جعفر بن بشير، أبو محمّد البجلي الوشَّاء، من زُهَّاد أصحابنا، وعُبَّادهم، ونُسَّاكهم، وكان ثقةً...، ومات جعفر (رحمه الله) بالأبواء سنة ثمان ومائتين).
وقال المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 92/ الرقم 142/2): جعفر بن بشير البجلي، ثقة، جليل القدر، له كتاب).
(1494) في بعض النُّسَخ: (خالد أبي عمارة).
(1495) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1166) عن موسى بن جعفر (عليهما السلام).
(1496) رواه باختلاف الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 1/ ص 371/ باب أنَّه من عرف إمام زمانه لم يضرَّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر/ ح 2) بسند آخر عن أبي عبد الله (عليه السلام)، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 350 و351/ باب 25/ ح 2) عن محمّد بن يعقوب.

(٤٩٧)

473 - عَنْهُ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ(1497)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِخُرُوجِ اَلْقَائِمِ؟ فَوَاَلله مَا لِبَاسُهُ إِلَّا اَلْغَلِيظُ، وَمَا طَعَامُهُ إِلَّا اَلشَّعِيرُ اَلْجَشِبُ(1498)، وَمَا هُوَ إِلَّا اَلسَّيْفُ وَاَلمَوْتُ تَحْتَ ظِلِّ اَلسَّيْفِ»(1499).
474 - عَنْهُ، عَنِ اِبْنِ فَضَّالٍ، عَنِ اَلمُثَنَّى اَلْحَنَّاطِ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ عَجْلَانَ(1500)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «مَنْ عَرَفَ هَذَا اَلْأَمْرَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ اَلْقَائِمُ (عليه السلام) كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ قُتِلَ مَعَهُ».
475 - اِبْنُ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «حَقِيقٌ عَلَى اَلله أَنْ يُدْخِلَ اَلضُّلَّالَ اَلْجَنَّةَ».
فَقَالَ زُرَارَةُ: كَيْفَ ذَلِكَ، جُعِلْتُ فِدَاكَ؟
قَالَ: «يَمُوتُ اَلنَّاطِقُ وَلَا يَنْطِقُ اَلصَّامِتُ، فَيَمُوتُ اَلمَرْءُ بَيْنَهُمَا، فَيُدْخِلُهُ اَللهُ اَلْجَنَّةَ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1497) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 236/ الرقم 623): (عبد الرحمن بن محمّد بن أبي هاشم البجلي، أبو محمّد، جليل من أصحابنا، ثقة ثقة).
(1498) الجشب: ما غلظ من الطعام، أو ما كان بلا إدام. راجع: القاموس المحيط (ج 1/ ص 46).
(1499) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 239/ باب 13/ ح 20) بإسناده عن عليِّ بن أبي حمزة، وفي (ص 239/ ذيل الحديث 21) بإسناده عن عليِّ بن أبي حمزة عن أبيه ووهيب عن أبي بصير، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1155/ ح 61) عن عليِّ بن الحسين (عليهما السلام)، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 228) عن أبي عبد الله الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام).
(1500) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 10 و22) في أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام) مع توصيفه بالكندي، وكذا المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 139/ الرقم 1475/10، وص 264/ الرقم 3781/690).
وعدَّه ابن شهرآشوب (رحمه الله) في مناقب آل أبي طالب (ج 3/ ص 400) من خواصِّ أصحاب الصادق (عليه السلام)، وهذا ظاهر عبارة الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج 2/ ص 512) أيضاً.

(٤٩٨)

476 - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي اَلمُفَضَّلِ اَلشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ نَصْرِ بْنِ عِصَامِ بْنِ اَلمُغِيرَةِ اَلْعَمْرِيِّ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ عَمْرٍو قَرْقَارَةَ اَلْكَاتِبِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْأَسَدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ(1501)، عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ حُكَيْمٍ(1502)، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَعِيدٍ(1503)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ اِبْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)(1504): «إِذَا اِخْتَلَفَ رُمْحَانِ بِالشَّامِ فَهُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اَلله تَعَالَى».
قِيلَ: ثُمَّ مَهْ؟
قَالَ: «ثُمَّ رَجْفَةٌ تَكُونُ بِالشَّامِ يَهْلِكُ فِيهَا مِائَةُ أَلْفٍ يَجْعَلُهَا اَللهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَعَذَاباً عَلَى اَلْكَافِرِينَ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَانْظُرُوا إِلَى أَصْحَابِ اَلْبَرَاذِينِ(1505) اَلشُّهْبِ، وَاَلرَّايَاتِ اَلصُّفْرِ تُقْبِلُ مِنَ اَلمَغْرِبِ حَتَّى تَحُلَّ بِالشَّامِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَانْتَظِرُوا خَسْفاً بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى اَلشَّامِ يُقَالُ لَهَا: حَرَسْتَا(1506)، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَانْتَظِرُوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1501) كذا في بعض النُّسَخ والغيبة للنعماني، وفي بعض النُّسَخ: (إسماعيل بن عبَّاس).
(1502) في بعض النُّسَخ: (مهاجر بن حَكَم).
(1503) في الغيبة للنعماني: (المغيرة بن سعيد)، وهو من أصحاب الباقر (عليه السلام).
(1504) في بعض النُّسَخ: (قال: قال لي عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام))، والظاهر أنَّه سهو، والصحيح ما أثبتناه من بعض النُّسَخ.
(1505) في مجمع البحرين (ج 3/ ص 178): (البرذون - بكسر الباء الموحَّدة والذال المعجمة -: هو من الخيل الذي أبواه أعجميَّان، والأُنثى برذونة، والجمع براذين).
(1506) في مراصد الاطِّلاع (ج 1/ ص 392): (حرستا - بالتحريك، وسكون السين، وتاء فوقها نقطتان -: قرية كبيرة عامرة في وسط بساتين دمشق على طريق حمص، بينها وبين دمشق أكثر من فرسخ).
في بعض النُّسَخ: (خرشنا)، وهو بلد قرب ملطية من بلاد الروم. راجع: معجم البلدان (ج 2/ ص 359)، وما في المتن كما في كتاب الإشاعة (ص 186).

(٤٩٩)

اِبْنَ آكِلَةِ اَلْأَكْبَادِ(1507) بِوَادِي اَلْيَابِسِ»(1508).
477 - قَرْقَارَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفٍ(1509)، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ اَلْأَسْوَدِ(1510)، عَنْ عَبْدِ اَلْجَبَّارِ بْنِ اَلْعَبَّاسِ اَلْهَمْدَانِيِّ(1511)، عَنْ عَمَّارٍ اَلدُّهْنِيِّ(1512)، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «كَمْ تَعُدُّونَ بَقَاءَ اَلسُّفْيَانِيِّ فِيكُمْ؟».
قَالَ: قُلْتُ: حَمْلَ اِمْرَأَةٍ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ.
قَالَ: «مَا أَعْلَمَكُمْ يَا أَهْلَ اَلْكُوفَةِ»(1513)،(1514).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1507) الظاهر أنَّ المراد به السفياني.
(1508) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 317/ باب 18/ ح 16) بإسناده عن إسماعيل بن عيَّاش باختلاف، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1151) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، والمشغري (رحمه الله) في الدُّرِّ النظيم (ص 758) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) باختلاف، وعليُّ بن يوسف المطهَّر الحلِّي (رحمه الله) في العدد القويَّة (ص 76/ ح 127) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) باختلاف، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 53 و54) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) باختلاف.
(1509) في بعض النُّسَخ: (محمّد بن عليِّ بن خلف).
(1510) ذكره ابن حبَّان في الثقات (ج 8/ص 169)، فقال: (الحسن بن صالح بن أبي الأسود الليثي).
(1511) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 242/ الرقم 3342/251) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (عبد الجبَّار بن العبَّاس الهمداني الشبامي).
وذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 6/ ص 93/ الرقم 209)، قائلاً: (... الهمداني، الكوفي، وشبام جبل باليمن).
وذكره العقيلي في كتاب الضعفاء الكبير (ج 3/ ص 88/ الرقم 1058)، وقال: (كان يتشيَّع)، ثمّ نقل أنَّه كوفي ليس به بأس.
(1512) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 411/ الرقم 1096) في ترجمة ابنه معاوية بن عمَّار بن أبي معاوية خبَّاب بن عبد الله الدهني: (وكان أبوه عمَّار ثقةً في العامَّة، وجهاً، يُكنَّى أبا معاوية وأبا القاسم وأبا حكيم).
(1513) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1159) عن الإمام الباقر (عليه السلام).
(1514) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 216): (يحتمل أنْ يكون بعض أخبار مدَّة السفياني محمولاً على التقيَّة لكونه مذكوراً في رواياتهم، أو على أنَّه ممَّا يحتمل أنْ يقع فيه البداء فيحتمل هذه المقادير، أو يكون المراد مدَّة استقرار دولته، وذلك ممَّا يختلف بحسب الاعتبار).

(٥٠٠)

478 - عَنْهُ، عَنْ أَبِي اَلنَّصْرِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ مَيْمُونِ بْنِ عَبْدِ اَلْحَمِيدِ اِبْنِ أَبِي اَلرِّجَالِ اَلْعِجْلِيِّ(1515)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدٍ اَلْكَاهِلِيُّ(1516)، عَنِ اَلْأَعْمَشِ، عَنْ بِشْرِ بْنِ غَالِبٍ(1517)، قَالَ: يُقْبِلُ اَلسُّفْيَانِيُّ مِنْ بِلَادِ اَلرُّومِ مُتَنَصِّراً(1518) فِي عُنُقِهِ صَلِيبٌ، وَهُوَ صَاحِبُ اَلْقَوْمِ.
479 - قَرْقَارَةُ، عَنْ نَصْرِ بْنِ اَللَّيْثِ اَلمَرْوَزِيِّ، عَنِ اِبْنِ طَلْحَةَ اَلْجَحْدَرِيِّ(1519)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلله بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ(1520)، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ رَزِينٍ(1521)، عَنْ عَمَّارِ اِبْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ دَوْلَةَ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ، وَلَهَا أَمَارَاتٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَالْزَمُوا اَلْأَرْضَ وَكُفُّوا حَتَّى تَجِيءَ أَمَارَاتُهَا، فَإِذَا اِسْتَثَارَتْ عَلَيْكُمُ اَلرُّومُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1515) ذكره الخطيب في تاريخ بغداد (ج 6/ ص 279 و280/ الرقم 3314)، وقال: (تُوفّي أبو النضر المروزي إسماعيل بن أخي نوح المضروب المعروف بالفقيه... ليلة الاثنين ودُفِنَ يوم الاثنين لثلاث وعشرين خلت من شعبان سنة سبعين ومائتين، وقد بلغ أربعاً وثمانين سنة فيما ذُكِرَ).
(1516) ذكره ابن حبَّان في الثقات (ج 6/ ص 137)، وقال: (جعفر بن سعد بن عبيد الله الكاهلي، يروي عن الأعمش وأبيه وسلام الكاهلي).
(1517) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 8 و9) من أصحاب أمير المؤمنين والحسنين والسجَّاد (عليهم السلام).
وعدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 99/ الرقم 962/1) من أصحاب الحسين (عليه السلام)، وفي (ص 110/ الرقم 1077/1) من أصحاب السجَّاد (عليه السلام) مع توصيفه بالأسدي الكوفي.
(1518) في بعض النُّسَخ: (منتصراً)، والظاهر أنَّه تصحيف.
(1519) في بعض النُّسَخ: (كليب بن طلحة الجحدري).
(1520) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 12/ ص 89/ الرقم 8439): (أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، قيل: اسمه هرم...، رأى عليًّا [(عليه السلام)]).
(1521) في سُنَن الداني: (عبد الله بن زرير الغافقي)؛ قال ابن سعد في الطبقات الكبرى (ج 7/ ص 510): (وكان ثقةً، له أحاديث...، وشهد مع عليٍّ (عليه السلام) صفِّين، ومات سنة إحدى وثمانين).

(٥٠١)

وَاَلتُّرْكُ، وَجُهِّزَتِ اَلْجُيُوشُ، وَمَاتَ خَلِيفَتُكُمُ اَلَّذِي يَجْمَعُ اَلْأَمْوَالَ، وَاُسْتُخْلِفَ بَعْدَهُ رَجُلٌ صَحِيحٌ، فَيُخْلَعُ بَعْدَ سِنِينَ مِنْ بَيْعَتِهِ، وَيَأْتِي هَلَاكُ مُلْكِهِمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأَ(1522)، وَيَتَخَالَفُ اَلتُّرْكُ وَاَلرُّومُ، وَتَكْثُرُ اَلْحُرُوبُ فِي اَلْأَرْضِ، وَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ(1523) سُورِ دِمَشْقَ: وَيْلٌ لِأَهْلِ اَلْأَرْضِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اِقْتَرَبَ، وَيُخْسَفُ بِغَرْبِيِّ مَسْجِدِهَا حَتَّى يَخِرَّ حَائِطُهَا، وَيَظْهَرُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ بِالشَّامِ كُلُّهُمْ يَطْلُبُ اَلمُلْكَ، رَجُلٌ أَبْقَعُ، وَرَجُلٌ أَصْهَبُ، وَرَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ أَبِي سُفْيَانَ يَخْرُجُ فِي كَلَبٍ، وَيَحْضُرُ اَلنَّاسُ بِدِمَشْقَ، وَيَخْرُجُ أَهْلُ اَلْغَرْبِ إِلَى مِصْرَ، فَإِذَا دَخَلُوا(1524) فَتِلْكَ أَمَارَةُ اَلسُّفْيَانِيِّ، وَيَخْرُجُ قَبْلَ ذَلِكَ مَنْ يَدْعُو لآِلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)، وَتَنْزِلُ اَلتُّرْكُ اَلْحِيرَةَ، وَتَنْزِلُ اَلرُّومُ فِلَسْطِينَ، وَيَسْبِقُ عَبْدُ اَلله عَبْدَ اَلله حَتَّى يَلْتَقِيَ جُنُودُهُمَا بِقِرْقِيسِيَاءَ(1525) عَلَى اَلنَّهْرِ، وَيَكُونُ قِتَالٌ عَظِيمٌ، وَيَسِيرُ صَاحِبُ اَلمَغْرِبِ فَيَقْتُلُ اَلرِّجَالَ وَيَسْبِي اَلنِّسَاءَ، ثُمَّ يَرْجِعُ فِي قَيْسٍ حَتَّى يَنْزِلَ اَلْجَزِيرَةَ اَلسُّفْيَانِيُّ، فَيَسْبِقُ اَلْيَمَانِيَّ فَيَقْتُلُ وَيَحُوزُ اَلسُّفْيَانِيُّ مَا جَمَعُوا، ثُمَّ يَسِيرُ إِلَى اَلْكُوفَةِ فَيَقْتُلُ أَعْوَانَ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَيَقْتُلُ رَجُلاً مِنْ مُسَمَّيْهِمْ، ثُمَّ يَخْرُجُ اَلمَهْدِيُّ، عَلَى لِوَائِهِ شُعَيْبُ بْنُ صَالِحٍ، وَإِذَا رَأَى أَهْلَ اَلشَّامِ قَدِ اِجْتَمَعَ أَمْرُهَا عَلَى اِبْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَأُلْحِقُوا بِمَكَّةَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تُقْتَلُ اَلنَّفْسُ اَلزَّكِيَّةُ وَأَخُوهُ بِمَكَّةَ ضَيْعَةً، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ اَلسَّمَاءِ: أَيُّهَا اَلنَّاسُ، إِنَّ أَمِيرَكُمْ فُلَانٌ، وَذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1522) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 208): (قوله: (من حيث بدأ) أي من جهة خراسان، فإنَّ هلاكو توجَّه من تلك الجهة كما أنَّ بدء ملكهم كان من تلك الجهة حيث توجَّه أبو مسلم منها إليهم).
(1523) في بعض النُّسَخ: (عن).
(1524) في بعض النُّسَخ: (رحلوا).
(1525) في مراصد الاطِّلاع (ج 3/ ص 1080): (قرقيسياء - بالفتح، ثمّ السكون، وقاف أُخرى، وياء ساكنة، وسين مكسورة، وياء أُخرى، وألف ممدودة: بلد على الخابور عند مصبِّه، وهي على الفرات، جانب منها على الخابور وجانب على الفرات، فوق رحبة ملك بن طوق).

(٥٠٢)

هُوَ اَلمَهْدِيُّ اَلَّذِي يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً(1526).
480 - عَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفٍ اَلْحَدَّادِ[يِّ](1527)، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبَانٍ اَلْأَزْدِيِّ(1528)، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ اَلْجَرِيرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: اَلنَّفْسُ اَلزَّكِيَّةُ غُلَامٌ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، اِسْمُهُ: مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ، يُقْتَلُ بِلَا جُرْمٍ وَلَا ذَنْبٍ، فَإِذَا قَتَلُوهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ فِي اَلسَّمَاءِ عَاذِرٌ، وَلَا فِي اَلْأَرْضِ نَاصِرٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَبْعَثُ اَللهُ قَائِمَ آلِ مُحَمَّدٍ فِي عَصَبَةٍ، لَهُمْ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِ اَلنَّاسِ مِنَ اَلْكُحْلِ، إِذَا خَرَجُوا بَكَى لَهُمُ اَلنَّاسُ، لَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُمْ يُخْتَطَفُونَ، يَفْتَحُ اَللهُ لَهُمْ مَشَارِقَ اَلْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، أَلَا وَهُمُ اَلمُؤْمِنُونَ حَقًّا ، أَلَا إِنَّ خَيْرَ اَلْجِهَادِ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ(1529).
481 - عَنْهُ، عَنْ أَبِي حَاتِمٍ(1530)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ اَلْآدَمِيِّ(1531) - بَغْدَادِيٌّ عَابِدٌ -، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ اَلطَّائِفِيُّ(1532)، عَنْ مَتيل بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1526) رواه المقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 46)، عن سُنَن الداني (ج 4/ ص ٩٣٦/ ح 497) بإسناده عن المعمر بن أبي زرعة عن عبد الله بن زرير الغافقي مختصراً، وروى صدره الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1154) عن جعفر.
(1527) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 9/ ص 131 و132/ الرقم 216): (محمّد بن خلف الحدَّادي، أبو بكر البغدادي، المقرئ...، مات سنة إحدى وستِّين ومائتين).
(1528) قال المزِّي في تهذيب الكمال (ج 3/ ص 4 - 10/ الرقم 411): (إسماعيل بن أبان الورَّاق الأزدي، أبو إسحاق، ويقال: أبو إبراهيم الكوفي...، روى عنه جماعة منهم: محمّد بن خلف الحدَّادي...، مات سنة ستّ عشرة ومائتين).
(1529) روى صدره الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1154) عن الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام).
(1530) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 9/ ص 28 - 30/ الرقم 40): (محمّد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الحنظلي، أبو حاتم الرازي، الحافظ الكبير، أحد الأئمَّة...، مات في شعبان سنة (277هـ)...، وكان مولده سنة (195هـ)).
(1531) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 9/ ص 467 و468/ ح 871): (محمّد بن يزيد الآدمي الخرَّاز، أبو جعفر البغدادي المقابري العابد، ويُعرَف بالأحمر...، تُوفّي بمكَّة سنة خمس وأربعين ومائتين).
(1532) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 323/الرقم 4821/38) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (يحيى بن سُلَيم الطائفي، أسند عنه).
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 11/ص 198/الرقم 367): (يحيى بن سُلَيم القرشي الطائفي، أبو محمّد، ويقال: أبو زكريَّا، المكِّي، الخرَّاز...، مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين ومائة).

(٥٠٣)

اَلطُّفَيْلِ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «أَظَلَّتْكُمْ فِتْنَةٌ مُظْلِمَةٌ عَمْيَاءُ مُنْكَشِفَةٌ لَا يَنْجُو مِنْهَا إِلَّا اَلنُّوَمَةُ».
قِيلَ: يَا أَبَا اَلْحَسَنِ، وَمَا اَلنُّوَمَةُ؟
قَالَ: «اَلَّذِي لَا يَعْرِفُ اَلنَّاسُ مَا فِي نَفْسِهِ»(1533).
482 - عَنْهُ، عَنِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ يَزِيدَ اَلْبَحْرَانِيِّ(1534)، عَنْ عَبْدِ اَلرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ(1535)، عَنْ مَعْمَرٍ(1536)، عَنِ اِبْنِ طَاوُسٍ(1537)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اَلله بْنِ عَبَّاسٍ(1538)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1533) رواه باختلاف النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 143 و144/ باب 10/ ح 2) بإسناده عن المفضَّل ابن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام)، والصدوق (رحمه الله) في معاني الأخبار (ص 166/ باب معنى النومة/ ح 1) بإسناده عن أبي الطفيل، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1152) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، والمشغري في الدُّرِّ النظيم (ص 758) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعليُّ بن يوسف المطهَّر الحلِّي في العدد القويَّة (ص 76/ ح 127) عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
(1534) قال السمعاني في الأنساب (ج 1/ ص 288): (أبو الفضل العبَّاس بن يزيد بن أبي حبيب البحراني، معروف بعبَّاسويه، روى عن عبد الرزَّاق...، مات سنة ثمان وخمسين ومائتين).
وفي بعض النُّسَخ: (العبَّاس بن بريد)، وهو تصحيف.
(1535) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 6/ ص 278 - 280/ الرقم 611): (عبد الرزَّاق بن همَّام بن نافع الحميري، مولاهم، أبو بكر الصنعاني...، مات سنة إحدى عشرة ومائتين).
(1536) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 10/ ص 218 - 220/ الرقم 441): (معمر بن راشد الأزدي الحداني، مولاهم، أبو عروة بن أبي عمرو البصري، سكن اليمن...، روى عن جماعة منهم: عبد الله بن طاوس، وروى عنه عبد الرزَّاق...، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة).
(1537) قال ابن حجر في تقريب التهذيب (ج 1/ ص 503/ الرقم 3408): (عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني، أبو محمّد، ثقة، فاضل، عابد، من السادسة، مات سنة اثنين وثلاثين ومائة).
(1538) قال ابن سعد في الطبقات الكبرى (ج 5/ ص 313 و314): (عليُّ بن عبد الله بن عبَّاس بن عبد المطَّلب بن هاشم، كان يقال له: السجَّاد، لعبادته وفضله، تُوفّي بالشام سنة سبع عشرة ومائة).

(٥٠٤)

قَالَ: لَا يَخْرُجُ اَلمَهْدِيُّ حَتَّى يَطْلُعَ مَعَ اَلشَّمْسِ آيَةٌ(1539).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1539) رواه الراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1154) عن الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام)، وابن طاوس في الملاحم والفتن (ص 161/ ح 211) عن نعيم بن حمّاد، وفي (ص 326/ ح 472) عن كتاب الفتن لزكريَّا بإسناده عن معمر، والصنعاني في المصنَّف (ج 11/ ص 373/ ح 20775)، ونعيم بن حمَّاد في الفتن (ص 205) عن ابن المبارك وابن ثور وعبد الرزَّاق، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 106) عن نعيم بن حمَّاد والبيهقي، والسيوطي في العرف الوردي (115/ ح 74) عن نعيم بن حمَّاد وأبي الحسن الحربي، والمتَّقي الهندي في البرهان في علامات مهدي آخر الزمان (ص 107/ ح 13) عن نعيم بن حمَّاد وأبي الحسن الحربي، وفيه: (حتَّى تظهر) بدل (حتَّى تطلع)، وفي (ص 108/ ح 15) عن البيهقي ونعيم بن حمَّاد.

(٥٠٥)

فصل: في ذكر طرف من صفاته ومنازله وسيرته (عليه السلام):
483 - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «لِصَاحِبِ هَذَا اَلْأَمْرِ بَيْتٌ يُقَالُ لَهُ: بَيْتُ اَلْحَمْدِ، فِيهِ سِرَاجٌ يَزْهَرُ مُنْذُ يَوْمَ وُلِدَ إِلَى أَنْ يَقُومَ بِالسَّيْفِ»(1540).
484 - أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنِ اَلتَّلَّعُكْبَرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُبْشِيٍّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ(1541)، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ صَالِحٍ(1542)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ غَزَالٍ(1543)، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1540) رواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 267) عن الحميري، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 245/ باب 13/ ح 31) بإسناد آخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) باختلاف يسير، وحسين بن عبد الوهَّاب في عيون المعجزات (ص 134) عن أبي جعفر (عليه السلام)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 289) عن محمّد بن عطاء.
(1541) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 88/ الرقم 216): (أحمد بن ميثم بن أبي نعيم الفضل بن عمر ولقبه دكين بن حمَّاد، مولى آل طلحة بن عبيد الله، أبو الحسين، كان من ثقات أصحابنا الكوفيِّين، ومن فقهائهم)، وكذا ذكره المؤلِّف (رحمه الله) أيضاً في الفهرست (ص 70/ الرقم 77/15).
(1542) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 15/ الرقم 13): (إبراهيم بن صالح الأنماطي، يُكنَّى بأبي إسحاق، كوفي، ثقة، لا بأس به).
وقد وثَّقه المؤلِّف (رحمه الله) في الفهرست (ص 34/ الرقم 2/2) أيضاً.
(1543) قال الحرُّ العاملي (رحمه الله) في أمل الآمل (ج 2/ ص 292/ الرقم 876): (الشيخ شمس الدِّين محمّد ابن الغزال المصري الكوفي، كان من خيار العلماء في وقته).

(٥٠٩)

أَشْرَقَتِ اَلْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا، وَاِسْتَغْنَى اَلنَّاسُ(1544)، وَيُعَمَّرُ اَلرَّجُلُ فِي مُلْكِهِ حَتَّى يُولَدَ لَهُ أَلْفُ ذَكَرٍ لَا يُولَدُ فِيهِمْ أُنْثَى، وَيَبْنِي فِي ظَهْرِ اَلْكُوفَةِ مَسْجِداً لَهُ أَلْفُ بَابٍ، وَتَتَّصِلُ بُيُوتُ اَلْكُوفَةِ بِنَهَرِ كَرْبَلَاءِ وَبِالْحِيرَةِ، حَتَّى يَخْرُجَ اَلرَّجُلُ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ عَلَى بَغْلَةٍ سَفْوَاءَ(1545) يُرِيدُ(1546) اَلْجُمُعَةَ فَلَا يُدْرِكُهَا»(1547).
485 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ اَلمُحَمَّدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْفَضْلِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بُنَانٍ اَلْخَثْعَمِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى اِبْنِ اَلمُعْتَمِرِ(1548)، عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ -، قَالَ: «يَدْخُلُ اَلمَهْدِيُّ اَلْكُوفَةَ وَبِهَا ثَلَاثُ رَايَاتٍ قَدِ اِضْطَرَبَتْ بَيْنَهَا، فَتَصْفُو لَهُ، فَيَدْخُلُ حَتَّى يَأْتِيَ اَلْمِنْبَرَ وَيَخْطُبُ، وَلَا يَدْرِي اَلنَّاسُ مَا يَقُولُ مِنَ اَلْبُكَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كَأَنِّي بِالْحَسَنِيِّ وَاَلْحُسَيْنِيِّ وَقَدْ قَادَاهَا(1549) فَيُسَلِّمُهَا إِلَى اَلْحُسَيْنِيِّ فَيُبَايِعُونَهُ، فَإِذَا كَانَتِ اَلْجُمُعَةُ اَلثَّانِيَةُ قَالَ اَلنَّاسُ: يَا بْنَ رَسُولِ اَلله، اَلصَّلَاةُ خَلْفَكَ تُضَاهِي اَلصَّلَاةَ خَلْفَ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَاَلمَسْجِدُ لَا يَسَعُنَا، فَيَقُولُ: أَنَا مُرْتَادٌ(1550) لَكُمْ، فَيَخْرُجُ إِلَى اَلْغَرِيِّ، فَيَخُطُّ مَسْجِداً لَهُ أَلْفُ بَابٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1544) في الإرشاد: (واستغنى الناس من ضوء الشمس).
(1545) في الصحاح للجوهري (ج 6/ ص 2378/ مادَّة سفى): (بغلة سفواء: خفيفة سريعة).
(1546) في بعض النُّسَخ: (مريد).
(1547) رواه باختلاف المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 380 و381)، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 264)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 293)، وفي (ص 287) ذيله، والراوندي (رحمه الله) في الخرائج والجرائح (ج 3/ ص 1176) عن الصادق (عليه السلام) ذيله.
(1548) في بعض النُّسَخ: (المعتمد)، وفي بعضها: (المعتمد (المعتمر خ ل)).
(1549) الظاهر أنَّ الضمير راجع إلى (الرايات)؛ وفي بعض النُّسَخ: (قادها).
(1550) في جمهرة الأمثال (ج 1/ ص 474/ الرقم 848): (ارتاد الشيء: إذا طلبه، لأنَّ الطالب يتردَّد في حاجته حتَّى ينالها).

(٥١٠)

يَسَعُ اَلنَّاسَ، عَلَيْهِ أَصِيصٌ(1551)، وَيَبْعَثُ فَيَحْفِرُ مِنْ خَلْفِ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) لَهُمْ نَهَراً يَجْرِي إِلَى اَلْغَرِيَّيْنِ حَتَّى يُنْبَذَ(1552) فِي اَلنَّجَفِ، وَيَعْمَلُ عَلَى فُوَّهَتِهِ(1553) قَنَاطِرَ وَأَرْحَاءَ(1554) فِي اَلسَّبِيلِ، وَكَأَنِّي بِالْعَجُوزِ وَعَلَى رَأْسِهَا مِكْتَلٌ(1555) فِيهِ بُرٌّ حَتَّى تَطْحَنَهُ بِكَرْبَلَاءَ(1556)»(1557).
486 - اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ اَلْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اَلْيَمَانِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ وَذَكَرَ اَلمَهْدِيَّ: «إِنَّهُ يُبَايَعُ بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلمَقَامِ، اِسْمُهُ أَحْمَدُ وَعَبْدُ اَلله وَاَلمَهْدِيُّ، فَهَذِهِ أَسْمَاؤُهُ ثَلَاثَتُهَا»(1558).
487 - سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَلله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبَانٍ(1559)، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: سَأَلَ عُمَرُ بْنُ اَلْخَطَّابِ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ اَلمَهْدِيِّ مَا اِسْمُهُ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1551) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 331): (قال الفيروزآبادي: أُصُّ الشيء: برق، والأصيص كأمير: الرعدة والذعر، والبناء المحكم، والأصيصة: البيوت المتقاربة، وهم أصيصة واحدة أي مجتمعة، وتأصَّصوا اجتمعوا).
(1552) في بعض النُّسَخ: (ينز).
(1553) فُوَّهة النهر: فمه. راجع: لسان العرب (ج 13/ ص 530/ مادَّة فوه).
(1554) الأرحاء جمع الرحى: الطاحون. راجع: لسان العرب (ج 14/ ص 312/ مادَّة رحا).
(1555) في العين للفراهيدي (ج 5/ ص 338/ مادَّة كتل): (المكتل: الزبيل).
(1556) في بعض النُّسَخ: (بلا كراء).
(1557) رواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 380) عن عمرو بن شمر عن أبي جعفر (عليه السلام) مختصراً، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 263 و264) عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) كما في الإرشاد، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 287).
(1558) تقدَّم في (ح 463) مع تخريجه.
(1559) هو إسماعيل بن أبان الأزدي المتقدِّم ذكره في (ح 480).

(٥١١)

فَقَالَ: «أَمَّا اِسْمُهُ فَإِنَّ حَبِيبِي شَهِدَ(1560) إِلَيَّ أَنْ لَا أُحَدِّثَ بِاسْمِهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اَللهُ».
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ صِفَتِهِ؟
قَالَ: «هُوَ شَابٌّ مَرْبُوعٌ، حَسَنُ اَلْوَجْهِ، حَسَنُ اَلشَّعْرِ، يَسِيلُ شَعْرُهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَنُورُ وَجْهِهِ يَعْلُو سَوَادَ لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ، بِأَبِي اِبْنُ خِيَرَةِ اَلْإِمَاءِ»(1561).
488 - اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي اَلْأَسْوَدِ(1562)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: ذَكَرَ مَسْجِدَ اَلسَّهْلَةِ فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ مَنْزِلُ صَاحِبِنَا إِذَا قَدِمَ بِأَهْلِهِ»(1563).
489 - عَنْهُ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُرَاسَانِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): اَلمَهْدِيُّ وَاَلْقَائِمُ وَاحِدٌ؟
فَقَالَ: «نَعَمْ».
فَقُلْتُ: لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَ اَلمَهْدِيَّ؟
قَالَ: «لِأَنَّهُ يَهْدِي إِلَى كُلِّ أَمْرٍ خَفِيٍّ، وَسُمِّيَ اَلْقَائِمَ لِأَنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَا يَمُوتُ، إِنَّهُ يَقُومُ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ»(1564).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1560) في بعض النُّسَخ: (عهد)، وكذا في الإرشاد.
(1561) رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص 648/ باب 56/ ح 3) عن أبيه وابن الوليد عن سعد بن عبد الله باختلاف، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 382) عن عمرو بن شمر، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 266) عن أبي جعفر (عليه السلام) كما في الإرشاد، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 294) عن عمرو بن شمر، والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرَر (ص 41) ذيله.
(1562) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 225/ الرقم 3026/4) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (صالح بن أبي الأسود الحنَّاط الليثي، مولاهم، كوفي، أسند عنه).
(1563) رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي (ج 3/ ص 495/ باب مسجد السهلة/ ح 2) بإسناده عن عثمان، والمفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 380) عن صالح بن أبي الأسود، والمؤلِّف (رحمه الله) في تهذيب الأحكام (ج 3/ ص 252/ ح 692/12) عن عثمان.
(1564) قد تقدَّم ذيله في (ح 403).

(٥١٢)

490 - عَنْهُ، عَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ قَائِمَنَا فَلْيَقُلْ حِينَ يَرَاهُ: اَلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ بَيْتِ اَلنُّبُوَّةِ، وَمَعْدِنَ اَلْعِلْمِ، وَمَوْضِعَ اَلرِّسَالَةِ».
491 - عَنْهُ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَ مُوسَى اُبْتُلُوا بِنَهَرٍ، وَهُوَ قَوْلُ اَلله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: 249]، وَإِنَّ أَصْحَابَ اَلْقَائِمِ يُبْتَلَوْنَ بِمِثْلِ ذَلِكَ»(1565).
492 - عَنْهُ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، عَنِ اِبْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «اَلْقَائِمُ يَهْدِمُ اَلمَسْجِدَ اَلْحَرَامَ حَتَّى يَرُدَّهُ إِلَى أَسَاسِهِ، وَمَسْجِدَ اَلرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى أَسَاسِهِ، وَيَرُدُّ اَلْبَيْتَ إِلَى مَوْضِعِهِ، وَأَقَامَهُ عَلَى أَسَاسِهِ، وَقَطَعَ أَيْدِيَ بَنِي شَيْبَةَ اَلسُّرَّاقِ وَعَلَّقَهَا عَلَى اَلْكَعْبَةِ»(1566).
493 - عَنْهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَكَمِ، عَنْ سُفْيَانَ اَلْجَرِيرِيِّ، عَنْ أَبِي صَادِقٍ(1567)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «دَوْلَتُنَا آخِرُ اَلدُّوَلِ، وَلَنْ يَبْقَ(1568) أَهْلُ بَيْتٍ لَهُمْ دَوْلَةٌ إِلَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1565) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 330 و331/ باب 20/ ح 13) بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي هاشم باختلاف يسير، وفيه: (طالوت) بدل (موسى).
(1566) رواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 383 و384) عن أبي بصير باختلاف، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 265) عن الصادق (عليه السلام) كما في الإرشاد، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 289) عن أبي بصير.
(1567) هو كيسان بن كليب الذي ذكره المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 95/ الرقم 947/2) من أصحاب الحسن (عليه السلام)، وفي (ص 104/ الرقم 1032/2) من أصحاب الحسين (عليه السلام)، وفي (ص 119/ الرقم 1212/1) من أصحاب السجَّاد (عليه السلام)، وفي (ص 144/ الرقم 1563/5) من أصحاب الباقر (عليه السلام). وقال في (ص 87/ الرقم 878/12) في الكنى من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام): (أبو صادق، وهو ابن عاصم بن كليب الجرمي، عربي، كوفي).
(1568) في بعض النُّسَخ: (لم يبقَ).

(٥١٣)

مُلِّكُوا قَبْلَنَا، لِئَلَّا يَقُولُوا إِذَا رَأَوْا سِيرَتَنَا: إِذَا(1569) مُلِّكْنَا سِرْنَا مِثْلَ سِيرَةِ هَؤُلَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ اَلله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: 128]»(1570).
494 - عَنْهُ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ وَاَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ(1571)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، قَالَ: «إِذَا قَامَ اَلْقَائِمُ (عليه السلام) جَاءَ بِأَمْرٍ غَيْرِ اَلَّذِي كَانَ»(1572).
495 - عَنْهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَكَمِ، عَنِ اَلرَّبِيعِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلمُسْلِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ ظَرِيفٍ، عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ لَهُ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى مَسْجِدِ اَلْكُوفَةِ، وَكَانَ مَبْنِيًّا بِخَزَفٍ وَدِنَانٍ(1573) وَطِينٍ، فَقَالَ: «وَيْلٌ لِمَنْ هَدَمَكَ، وَوَيْلٌ لِمَنْ سَهَّلَ(1574) هَدْمَكَ، وَوَيْلٌ لِبَانِيكَ بِالمَطْبُوخِ اَلْمُغَيِّرِ قِبْلَةَ نُوحٍ، طُوبَى لِمَنْ شَهِدَ هَدْمَكَ مَعَ قَائِمِ أَهْلِ بَيْتِي، أُولَئِكَ خِيَارُ اَلْأُمَّةِ مَعَ أَبْرَارِ اَلْعِتْرَةِ».
496 - وَعَنْهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اَلله، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اَلله(1575)، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1569) في بعض النُّسَخ: (إذ).
(1570) رواه النيلي (رحمه الله) في منتخب الأنوار المضيئة (ص 340 و341) عن أحمد بن محمّد الأيادي يرفعه إلى أبي صادق باختلاف يسير.
(1571) هو سالم بن مكرم بن عبد الله، أبو خديجة، ويقال: أبو سَلَمة الكناسي، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 188/ الرقم 501): (ثقة ثقة).
(1572) رواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 384)، وفيه: (جاء بأمر جديد) بدل (جاء بأمر غير الذي كان).
(1573) في القاموس المحيط (ج 4/ ص 223): (الدَّن: الراقود العظيم أو أطول من الحبِّ أو أصغر له عسعس لا يقعد إلَّا أنْ يحفر له)؛ والمراد بناء حيطانه من الخزف وكسرات الدنان بدلاً من الآجر المطبوخ.
(1574) في بعض النُّسَخ: (شهد).
(1575) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 236/ الرقم 3216/125) من أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً: (عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري، مولى بني شيبان، وأصله كوفي، واسم أبي عبد الله: ميمون).
ووثَّقه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 30/ الرقم 62) في ترجمة حفيده إسماعيل بن همَّام بن عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

(٥١٤)

أَبِي اَلْجَارُودِ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «إِنَّ اَلْقَائِمَ يَمْلِكُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَتِسْعَ سِنِينَ كَمَا لَبِثَ أَهْلُ اَلْكَهْفِ فِي كَهْفِهِمْ، يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، وَيَفْتَحُ اَللهُ لَهُ شَرْقَ اَلْأَرْضِ وَغَرْبَهَا، وَيَقْتُلُ اَلنَّاسَ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا دِينُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يَسِيرُ بِسِيرَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ...» تَمَامَ اَلْخَبَرِ(1576).
497 - عَنْهُ، عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اَلْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو اَلْخَثْعَمِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): كَمْ يَمْلِكُ اَلْقَائِمُ؟
قَالَ: «سَبْعَ سِنِينَ يَكُونُ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْ سِنِيكُمْ هَذِهِ»(1577)،(1578).
498 - عَنْهُ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، [عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ](1579) فِي حَدِيثٍ لَهُ اِخْتَصَرْنَاهُ، قَالَ: «إِذَا قَامَ اَلْقَائِمُ (عليه السلام) دَخَلَ اَلْكُوفَةَ وَأَمَرَ بِهَدْمِ اَلمَسَاجِدِ اَلْأَرْبَعَةِ حَتَّى يَبْلُغَ أَسَاسَهَا وَيُصَيِّرُهَا عَرِيشاً كَعَرِيشِ مُوسَى، وَتَكُونُ اَلمَسَاجِدُ كُلُّهَا جَمَّاءَ لَا شُرَفَ لَهَا كَمَا كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَيُوَسِّعُ اَلطَّرِيقَ اَلْأَعْظَمَ فَيَصِيْرُ سِتِّينَ ذِرَاعاً، وَيَهْدِمُ(1580) كُلَّ مَسْجِدٍ عَلَى اَلطَّرِيقِ، وَيَسُدُّ كُلَّ كُوَّةٍ إِلَى اَلطَّرِيقِ، وَكُلَّ جَنَاحٍ وَكَنِيفٍ وَمِيزَابٍ إِلَى اَلطَّرِيقِ، وَيَأْمُرُ اَللهُ اَلْفَلَكَ فِي زَمَانِهِ فَيُبْطِئُ فِي دَوْرِهِ حَتَّى يَكُونَ اَلْيَوْمُ فِي أَيَّامِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1576) رواه الطبري الشيعي (رحمه الله) في دلائل الإمامة (ص 455 و456/ ح 435/39) بإسناده عن أبي الجارود مفصَّلاً، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في تاج المواليد (ص 77) عن الباقر (عليه السلام).
(1577) رواه المفيد (رحمه الله) في الإرشاد (ج 2/ ص 381) عن عبد الكريم الخثعمي مفصَّلاً مع زيادة في آخره، والفتَّال (رحمه الله) في روضة الواعظين (ص 264) عن الصادق (عليه السلام)، والشيخ الطبرسي (رحمه الله) في إعلام الورى (ج 2/ ص 290) كما في الإرشاد.
(1578) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ ص 280): (الأخبار المختلفة الواردة في أيَّام ملكه (عليه السلام) بعضها محمول على جميع مدَّة ملكه، وبعضها على زمان استقرار دولته، وبعضها على حساب ما عندنا من السنين والشهور، وبعضها على سنيه وشهوره الطويلة، والله يعلم).
(1579) من منتخب الأنوار المضيئة و بعض النُّسَخ.
(1580) في بعض النُّسَخ: (فيهدم).

(٥١٥)

كَعَشَرَةٍ مِنْ أَيَّامِكُمْ وَاَلشَّهْرُ كَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَاَلسَّنَةُ كَعَشْرِ سِنِينَ مِنْ سِنِيكُمْ، ثُمَّ لَا يَلْبَثُ إِلَّا قَلِيلاً حَتَّى يَخْرُجَ عَلَيْهِ مَارِقَةُ اَلمَوَالِي بِرُمَيْلَةِ(1581) اَلدَّسْكَرَةِ(1582) عَشَرَةَ آلَافٍ، شِعَارُهُمْ: يَا عُثْمَانُ، يَا عُثْمَانُ، فَيَدْعُو رَجُلاً مِنَ اَلمَوَالِي فَيُقَلِّدُهُ سَيْفَهُ، فَيَخْرُجُ(1583) إِلَيْهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى كَابُلَ شَاهٍ، وَهِيَ مَدِينَةٌ لَمْ يَفْتَحْهَا أَحَدٌ قَطُّ غَيْرُهُ فَيَفْتَحُهَا، ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى اَلْكُوفَةِ فَيَنْزِلُهَا وَتَكُونُ دَارُهُ، وَيُبَهْرِجُ(1584) سَبْعِينَ قَبِيلَةً مِنْ قَبَائِلِ اَلْعَرَبِ...» تَمَامَ اَلْخَبَرِ(1585).
499 - وَفِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّهُ يَفْتَحُ قُسْطَنْطَنِيَّةَ، وَاَلرُّومِيَّةَ، وَبِلَادَ اَلصِّينِ(1586).
500 - عَنْهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ أَبِيهِ أَسْبَاطِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ مُوسَى اَلْأَبَّارِ(1587)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «اِتَّقِ اَلْعَرَبَ، فَإِنَّ لَهُمْ خَبَرَ سَوْءٍ، أَمَا إِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مَعَ اَلْقَائِمِ مِنْهُمْ وَاحِدٌ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1581) الرميلة: منزل في طريق البصرة إلى مكَّة، وقرية بالبحرين لبني محارب، وقرية ببيت المقدس.
راجع: مراصد الاطِّلاع (ج 2/ ص 635).
(1582) قرية كبيرة بنواحي نهر مَلِك كمدينة صغيرة، وأيضاً قرية في طريق خراسان قريبة من شهرابان، وهي دسكرة المَلِك، كان هرمز بن سابور بن أردشير بن بابك يُكثِر المقام بها فسُمّيت بذلك، وأيضاً قرية بخوزستان.
راجع: مراصد الاطِّلاع (ج 2/ ص 527)، ومعجم البلدان (ج 2/ ص 455).
(1583) في بعض النُّسَخ: (ثمّ يخرج).
(1584) يبهرجهم: أي يهدر دمهم. راجع: لسان العرب (ج 2/ ص 217/ مادَّة بهرج).
(1585) رواه النيلي (رحمه الله) في منتخب الأنوار المضيئة (ص 341 و342) عن أحمد بن محمّد الأيادي يرفعه إلى أبي بصير، إلى قوله (عليه السلام): «وتكون داره».
(1586) راجع: الغيبة للنعماني (ص 239 و240/ باب 13/ ح 22)، والإرشاد (ج 2/ ص 384 و385).
(1587) عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 30)، والمؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 314/ الرقم 4665/690) من أصحاب الصادق (عليه السلام).

(٥١٦)

501 - عَنْهُ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي اَلْمِقْدَامِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ ظَبْيَانَ(1588)، عَنْ حَكِيمِ بْنِ سَعْدٍ(1589)، عَنْ أَمِيرِ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، قَالَ: «أَصْحَابُ اَلمَهْدِيِّ شَبَابٌ لَا كُهُولَ فِيهِمْ إِلَّا مِثْلَ كُحْلِ اَلْعَيْنِ(1590) وَاَلْمِلْحِ فِي اَلزَّادِ، وَأَقَلُّ اَلزَّادِ اَلْمِلْحُ»(1591).
502 - عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عُقْبَةَ اَلنَّهْمِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ اَلْبَنَّاءِ، عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «يُبَايِعُ اَلْقَائِمَ بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلمَقَامِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَنَيِّفٌ عِدَّةَ أَهْلِ بَدْرٍ، فِيهِمُ اَلنُّجَبَاءُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، وَاَلْأَبْدَالُ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ، وَاَلْأَخْيَارُ(1592) مِنْ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ، فَيُقِيمُ مَا شَاءَ اَللهُ أَنْ يُقِيمَ».
503 - عَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام)(1593) يَقُولُ: «كَانَ أَمِيرُ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُولُ: لَا يَزَالُ اَلنَّاسُ يَنْقُصُونَ حَتَّى لَا يُقَالَ: اَللهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ضَرَبَ يَعْسُوبُ اَلدِّينِ(1594) بِذَنَبِهِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1588) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 8/ ص 118/ الرقم 230): (عمران بن ظبيان الحنفي الكوفي، روى عن أبي يحيى حكيم بن سعد...، مات سنة سبع وخمسين ومائة، وقال يعقوب بن سفيان: ثقة من كبراء أهل الكوفة، يميل إلى التشيُّع).
(1589) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 60/ الرقم 514/5) من أصحاب عليٍّ (عليه السلام)، قائلاً: (حكيم ابن سعد [سعيد] الحنفي، وكان من شرطة الخميس، يُكنَّى أبا يحيى).
وعدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص 4) من أولياء أمير المؤمنين (عليه السلام).
(1590) في بعض النُّسَخ: (مثل الكحل في العين).
(1591) رواه النعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 329 و330/ باب 20/ ح 10) بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي هاشم باختلاف، ورواه ابن طاوس (رحمه الله) في الملاحم والفتن (ص 286/ ح 414) نقلاً من كتاب الفتن للسليلي بإسناده عن عمرو بن أبي المقدام.
(1592) في بعض النُّسَخ: (والأنجاد).
(1593) في بعض النُّسَخ: (عن أبي عبد الله (عليه السلام)) بدل (قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)).
(1594) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 52/ص 334): (قال الجزري: اليعسوب: السيِّد والرئيس والمقدَّم، وأصله فحل النحل، ومنه حديث عليٍّ (عليه السلام) أنَّه ذكر فتنة فقال: «إذا كان ذلك ضرب يعسوب الدِّين بذنبه»، أي فارق أهل الفتنة وضرب في الأرض ذاهباً في أهل دينه وأتباعه الذين يتَّبعونه على رأيه، وهم الأذناب. وقال الزمخشري: الضرب بالذنب هاهنا مثل للإقامة والثبات، يعني أنَّه يثبت هو ومن تبعه على الدِّين).

(٥١٧)

فَيَبْعَثُ اَللهُ قَوْماً مِنْ أَطْرَافِهَا، يَجِيئُونَ قَزَعاً كَقَزَعِ اَلْخَرِيفِ(1595). وَاَلله إِنِّي لَأَعْرِفُهُمْ وَأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَقَبَائِلَهُمْ وَاِسْمَ أَمِيرِهِمْ وَمُنَاخَ رِكَابِهِمْ، وَهُمْ قَوْمٌ يَحْمِلُهُمُ اَللهُ كَيْفَ شَاءَ، مِنَ اَلْقَبِيلَةِ اَلرَّجُلَ وَاَلرَّجُلَيْنِ - حَتَّى بَلَغَ تِسْعَةً -، فَيَتَوَافَوْنَ مِنَ اَلْآفَاقِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً عِدَّةَ أَهْلِ بَدْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ اَلله: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 148]، حَتَّى إِنَّ اَلرَّجُلَ لَيَحْتَبِي فَلَا يَحُلُّ حُبْوَتَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ اَللهُ ذَلِكَ»(1596).
504 - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلله بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلْحَمِيدِ(1597) وَمُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفُضَيْلِ(1598)، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1595) في العين للفراهيدي: (ج 1/ ص 132/ مادَّة قزع): (القَزَع: قطع السحاب، واحدتها قزعة).
قال ابن الأثير في النهاية (ج 4/ ص 59): (وإنَّما خصَّ الخريف لأنَّه أوَّل الشتاء، والسحاب فيه يكون متفرِّقاً غير متراكم ولا مطبق ثمّ يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك).
(1596) روى صدره جعفر بن محمّد بن شريح الحضرمي باختلاف يسير، راجع: الأُصول الستَّة عشر (ص 220 و221/ ح 225/21).
(1597) عدَّه المؤلِّف (رحمه الله) في رجاله (ص 364/ الرقم 5397) من أصحاب الرضا (عليه السلام)، قائلاً: (محمّد ابن عبد الحميد العطَّار، وأبوه عبد الحميد بن سالم العطَّار، مولى لبجيلة)، وفي (ص 402/ الرقم 5892/10) العسكري (عليه السلام).
وقال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 339/ الرقم 906): (محمّد بن عبد الحميد بن سالم العطَّار، أبو جعفر، روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وكان ثقةً من أصحابنا الكوفيِّين).
(1598) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص 367/ الرقم 995): (محمّد بن فضيل بن كثير الصيرفي الأزدي، أبو جعفر الأزرق، روى عن أبي الحسن موسى والرضا (عليهما السلام)).
وعدَّه الشيخ المفيد (رحمه الله) في جوابات أهل الموصل (ص 44) من الفقهاء والرؤساء الأعلام الذين يُؤخَذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، ولا يُطعَن عليهم بشيء، ولا طريق لذمِّ واحدٍ منهم.

(٥١٨)

اَلله (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَا أَبَا حَمْزَةَ، إِنَّ مِنَّا بَعْدَ اَلْقَائِمِ أَحَدَ عَشَرَ مَهْدِيًّا مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام)»(1599).
505 - اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي اَلْمِقْدَامِ، عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «وَاَلله لَيَمْلِكَنَّ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ رَجُلٌ بَعْدَ مَوْتِهِ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ يَزْدَادُ تِسْعاً»، قُلْتُ: مَتَى يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «بَعْدَ اَلْقَائِمِ (عليه السلام)»، قُلْتُ: وَكَمْ يَقُومُ اَلْقَائِمُ فِي عَالَمِهِ؟ قَالَ: «تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ اَلمُنْتَصِرُ فَيَطْلُبُ بِدَمِ اَلْحُسَيْنِ (عليه السلام) وَدِمَاءِ أَصْحَابِهِ، فَيَقْتُلُ وَيَسْبِي(1600) حَتَّى يَخْرُجَ اَلسَّفَّاحُ»(1601)،(1602).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1599) رواه النيلي (رحمه الله) في منتخب الأنوار المضيئة (ص 354) عن أحمد بن محمّد الأيادي بإسناده عن الصادق (عليه السلام)، وفيه: (اثني عشر) بدل (أحد عشر).
وقد ذكر جماعة من الأعلام في توجيه هذا الحديث وما شابهه وجوهاً، قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 53/ ص 148 و149): (هذه الأخبار مخالفة للمشهور، وطريق التأويل أحد وجهين:
الأوَّل: أنْ يكون المراد بالاثني عشر مهديًّا النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسائر الأئمَّة سوى القائم (عليه السلام)، بأنْ يكون ملكهم بعد القائم (عليه السلام)...، وبه أيضاً يمكن الجمع بين بعض الأخبار المختلفة التي وردت في مدَّة ملكه (عليه السلام).
والثاني: أنْ يكون هؤلاء المهديُّون من أوصياء القائم هادين للخلق في زمن سائر الأئمَّة الذين رجعوا، لئلَّا يخلو الزمان من حجَّة، وإنْ كان أوصياء الأنبياء والأئمَّة أيضاً حُجَجاً، والله تعالى يعلم).
(1600) في بعض النُّسَخ: (يسير).
(1601) رواه العيَّاشي (رحمه الله) في تفسيره (ج 2/ ص 326/ ح 24) عن جابر مفصَّلاً باختلاف، والنعماني (رحمه الله) في الغيبة (ص 354/ باب 26/ ح 3) بإسناده عن الحسن بن محبوب إلى قوله (عليه السلام): «تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً» باختلاف، والمفيد (رحمه الله) في الاختصاص (ص 257 و258) عن عمرو بن ثابت.
(1602) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج 53/ ص 100): (الظاهر أنَّ المراد بالمنتصر الحسين، وبالسفَّاح أمير المؤمنين (صلوات الله عليهما))، ولقد صُرِّح بما استظهره (رحمه الله) في الاختصاص.

(٥١٩)

انتهى بحمده تعالى الكتاب، وصلَّى الله على محمّد وآله الأخيار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

* * *

(٥٢٠)

المصادر والمراجع

1 - القرآن الكريم.
2 - إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: الحرُّ العاملي/ ط 1/ 1425هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
3 - إثبات الوصيَّة للإمام عليِّ بن أبي طالب: عليُّ بن الحسين بن عليٍّ الهذلي المسعودي/ ط 3/ 1426هـ/ أنصاريان/ قم.
4 - الاحتجاج: أحمد بن عليٍّ الطبرسي/ تعليق وملاحظات: السيِّد محمّد باقر الخرسان/ 1386هـ/ دار النعمان/ النجف الأشرف.
5 - الأخبار الطوال: ابن قتيبة الدينوري/ تحقيق: عبد المنعم عامر/ ط 1/ 1960م/ دار إحياء الكُتُب العربي.
6 - الاختصاص: الشيخ المفيد/ تحقيق: عليّ أكبر الغفاري والسيِّد محمود الزرندي/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد للطباعة والنشر/ بيروت.
7 - إرشاد القلوب: الحسن بن محمّد الديلمي/ ط 2/ 1415هـ/ مطبعة أمير/ انتشارات الشريف الرضي/ قم.
8 - الإرشاد: الشيخ المفيد/ تحقيق: مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام)/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
9 - الاستبصار: الشيخ الطوسي/ تحقيق: حسن الخرسان/ ط 4/ 1363ش/ مطبعة خورشيد/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.

(٥٢١)

10 - الاستنصار في النصِّ على الأئمَّة الأطهار: أبو الفتح محمّد بن عليِّ بن عثمان الكراجكي/ ط 2/ 1405هـ/ دار الأضواء/ بيروت.
11 - الإشاعة لأشراط الساعة: محمّد بن رسول البرزجي الحسيني/ تعليق: محمّد زكريا الكاندهلوي/ قابله واعتنى به: حسين محمّد عليّ شكري/ ط 3/ 1426هـ/ دار المنهاج.
12 - الإصابة: ابن حجر العسقلاني/ ط 1/ 1415هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
13 - الأُصول الستَّة عشر: عدَّة محدِّثين/ تحقيق: ضياء الدِّين المحمودي/ ط 1/ 1423هـ/ دار الحديث.
14 - إعلام الورى بأعلام الهدى: الفضل بن الحسن الطبرسي/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ قم.
15 - الأعلام: خير الدِّين الزركلي/ ط 5/ 1980م/ دار العلم للملايين/ بيروت.
16 - أقرب الموارد: سعيد الخوري الشرتوني اللبناني/ ط 1/ 1416هـ/ دار الأُسوة.
17 - الأمالي: الشريف المرتضى/ ط 1/ 1325هـ/ تصحيح وتعليق: السيِّد محمّد بدر الدِّين النعساني الحلبي/ منشورات مكتبة آية الله المرعشي النجفي.
18 - الأمالي: الشيخ الصدوق/ ط 1/ 1417هـ/ مركز الطباعة والنشر في مؤسَّسة البعثة/ قم.
19 - الأمالي: الشيخ الطوسي/ تحقيق: مؤسَّسة البعثة/ ط 1/ 1414هـ/ دار الثقافة/ قم.

(٥٢٢)

20 - الإمامة والتبصرة: ابن بابويه/ ط 1/ 1404هـ/ مدرسة الإمام الهادي (عليه السلام)/ قم.
21 - أمل الآمل: الحرُّ العاملي/ تحقيق: السيِّد أحمد الحسيني/ مكتبة الأندلس/ بغداد.
22 - الأنساب: السمعاني/ تقديم وتعليق: عبد الله عمر البارودي/ ط 1/ 1408هـ/ دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت.
23 - إيضاح الاشتباه: العلَّامة الحلِّي/ تحقيق: الشيخ محمّد الحسُّون/ ط 1/ 1411هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
24 - بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمَّة الأطهار: العلَّامة المجلسي/ تحقيق: يحيى العابدي الزنجاني وعبد الرحيم الربَّاني الشيرازي/ ط 2/ 1403هـ/ مؤسَّسة الوفاء/ بيروت.
25 - البدء والتاريخ: أحمد بن سهل البلخي/ 1899م/ مطبعة برطرند.
26 - البداية والنهاية: ابن كثير/ تحقيق وتدقيق وتعليق: عليّ شيري/ ط 1/ 1408هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
27 - البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: المتَّقي الهندي/ تحقيق وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ 1399هـ/ مطبعة الخيام/ قم.
28 - بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمّد (عليهم السلام): محمّد بن الحسن ابن فرُّوخ (الصفَّار)/ تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوجه باغي/ 1404هـ/ منشورات الأعلمي/ طهران.
29 - بغية الوعاة في طبقات اللغويِّين والنحاة: جلال الدِّين السيوطي/ تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم/ المكتبة العصريَّة/ صيدا.

(٥٢٣)

30 - البيان في أخبار صاحب الزمان: محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي/ (مطبوع ضمن كفاية الطالب)/ ط 2/ 1404هـ/ دار إحياء تراث أهل البيت (عليهم السلام)/ طهران.
31 - تاج العروس: مرتضى الزبيدي/ تحقيق: عليّ شيري/ 1414هـ/ دار الفكر/ بيروت.
32 - تاج المواليد في مواليد الأئمَّة ووفياتهم: الشيخ الطبرسي/ ط 1406هـ/ مكتبة آية الله المرعشي/ قم.
33 - تاريخ ابن خلدون: ابن خلدون/ ط 4/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
34 - تاريخ أصبهان (ذكر أخبار أصبهان): أبو نعيم الأصبهاني/ تحقيق وتصحيح: سيِّد كسروي حسن/ ط 1/ 1410هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
35 - تاريخ الأئمَّة: الكاتب البغدادي/ 1406هـ/ مكتبة المرعشي/ قم.
36 - تاريخ الطبري (تاريخ الأُمَم والملوك): محمّد بن جرير الطبري/ ط 4/ 1403هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
37 - تاريخ بغداد أو مدينة السلام: الخطيب البغدادي/ دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا/ ط 1/ 1417هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
38 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: السيِّد شرف الدِّين عليّ الحسيني الأسترآبادي/ ط 1/ 1407هـ/ مدرسة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)/ قم.
39 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: أبو العلاء محمّد عبد الرحمن ابن عبد الرحيم المباركفوري/ ط 1/ 1410هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.

(٥٢٤)

40 - تذكرة الحفَّاظ: الذهبي/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
41 - تعليقة على منهج المقال: محمّد باقر الوحيد البهبهاني.
42 - تفسير البيضاوي (أنوار التنزيل وأسرار التأويل): عبد الله بن محمّد الشيرازي الشافعي البيضاوي/ دار الفكر.
43 - تفسير الثعالبي (جواهر الحسان في تفسير القرآن): الثعالبي/ تحقيق: عبد الفتَّاح أبو سنة وعليّ محمّد معوض وعادل أحمد عبد الموجود/ ط 1/ 1418هـ/ دار إحياء التراث العربي، مؤسَّسة التاريخ العربي/ بيروت.
44 - تفسير الثعلبي (الكشف والبيان عن تفسير القرآن): الثعلبي/ تحقيق: أبو محمّد بن عاشور/ مراجعة وتدقيق: نظير الساعدي/ ط 1/ 1422هـ/ دار إحياء التراث العربي.
45 - تفسير الرازي (مفاتيح الغيب): فخر الدِّين محمّد بن عمر التميمي البكري الرازي الشافعي/ ط 3.
46 - تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن): محمّد بن جرير الطبري/ تقديم: الشيخ خليل الميس/ ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطَّار/ 1415هـ/ دار الفكر/ بيروت.
47 - تفسير العيَّاشي: محمّد بن مسعود العيَّاشي/ تحقيق: السيِّد هاشم الرسولي المحلَّاتي/ المكتبة العلميَّة الإسلاميَّة/ طهران.
48 - تفسير القمِّي: عليُّ بن إبراهيم القمِّي/ تصحيح وتعليق وتقديم: السيِّد طيِّب الموسوي الجزائري/ ط 3/ 1404هـ/ مؤسَّسة دار الكتاب/ قم.
49 - تفسير فرات الكوفي: فرات بن إبراهيم الكوفي/ تحقيق: محمّد الكاظم/ ط 1/ 1410هـ/ مؤسَّسة طبع ونشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي/ طهران.

(٥٢٥)

50 - تفسير نظَّام الأعرج (غرائب القرآن ورغائب الفرقان): حسن بن محمّد القمِّي النيسابوري (نظَّام الأعرج)/ تحقيق: زكريَّا عميرات/ ط 1/ 1416هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
51 - تقريب التهذيب: ابن حجر العسقلاني/ دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا/ ط 2/ 1415هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
52 - تقريب المعارف: أبو الصلاح الحلبي/ تحقيق: فارس الحسُّون/ ط 1417هـ.
53 - تلخيص الشافي: الشيخ الطوسي/ ط 1/ 1382ش/ انتشارات المحبِّين/ قم.
54 - تنبيه الخواطر (مجموعة ورَّام): ورَّام بن أبي فراس المالكي الأشتري/ ط 2/ 1368ش/ مطبعة حيدري/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
55 - التنبيه والإشراف: المسعودي/ دار صعب/ بيروت.
56 - تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي/ تحقيق وتعليق: السيِّد حسن الموسوي الخرسان/ ط 3/ 1364هـ/ دار الكتب الإسلاميَّة/ طهران.
57 - تهذيب التهذيب: ابن حجر العسقلاني/ ط 1/ 1404هـ/ دار الفكر/ بيروت.
58 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال: جمال الدِّين أبو الحجَّاج يوسف المزِّي/ تحقيق وضبط وتعليق: بشار عواد معروف/ ط 4/ 1406هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
59 - تهذيب اللغة: أبو منصور محمّد بن أحمد الأزهري/ تعليق: عمر سلامي وعبد الكريم حامد/ ط 1/ 1421هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.

(٥٢٦)

60 - الثاقب في المناقب: ابن حمزة الطوسي/ تحقيق: نبيل رضا علوان/ ط 2/ 1412هـ/ مؤسَّسة أنصاريان/ قم.
61 - الثقات: محمّد بن حبَّان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي/ ط 1/ 1393هـ/ مؤسَّسة الكُتُب الثقافيَّة.
62 - ثواب الأعمال: الشيخ الصدوق/ تحقيق: محمّد مهدي الخرسان/ ط 2/ 1368ش/ مطبعة أمير/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
63 - جامع الأخبار: الشيخ محمّد الشعيري السبزواري/ تحقيق: علاء آل جعفر/ ط 1/ 1410هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام)/ قم.
64 - جمال الأُسبوع: ابن طاوس/ تحقيق: جواد القيُّومي/ ط 1/ 1371ش/ مطبعة أختر شمال/ مؤسَّسة الآفاق.
65 - جمهرة الأمثال: أبو هلال العسكري/ تحقيق وتصحيح: محمّد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش/ 1420هـ/ دار الفكر ودار الجيل/ بيروت.
66 - جواهر المطالب في مناقب الإمام عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام): محمّد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي/ تحقيق: الشيخ محمّد باقر المحمودي/ ط 1/ 1415هـ/ مجمع إحياء الثقافة الإسلاميَّة/ قم.
67 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: أبو نعيم الأصفهاني/ ط 1/ دار أُمّ القرى/ القاهرة.
68 - خاتمة المستدرك: الميرزا حسين النوري/ ط 1/ 1415هـ/ مطبعة ستارة/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام)/ قم.
69 - الخرائج والجرائح: قطب الدِّين الراوندي/ بإشراف: السيِّد محمّد باقر الموحِّد الأبطحي/ ط 1/ 1409هـ/ مؤسَّسة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)/ قم.

(٥٢٧)

70 - خزانة الأدب ولبُّ لباب لسان العرب: عبد القادر بن عمر البغدادي/ تحقيق وتصحيح: محمّد نبيل طريفي/ ط 1/ 1418هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
71 - الخصال: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ 1362ش/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
72 - خلاصة الأقوال: العلَّامة الحلِّي/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسَّسة نشر الفقاهة.
73 - خلاصة تذهيب تهذيب الكمال: أحمد بن عبد الله الخزرجي الأنصاري اليمني/ قدَّم له واعتنى بنشره: عبد الفتَّاح أبو غدة/ ط 4/ 1411هـ/ مكتبة المطبوعات الإسلاميَّة بحلب/ دار البشائر الإسلاميَّة.
74 - الدُّرُّ المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدِّين السيوطي/ دار المعرفة/ بيروت.
75 - الدُّرُّ النظيم: يوسف بن حاتم الشامي المشغري العاملي/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
76 - دلائل الإمامة: محمّد بن جرير الطبري الشيعي/ ط 1/ 1413هـ/ مؤسَّسة البعثة/ قم.
77 - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: أحمد بن عبد الله الطبري (المحبُّ الطبري)/ 1356هـ/ مكتبة القدسي/ القاهرة.
78 - الذخيرة في علم الكلام: السيِّد المرتضى/ 1411هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي/ قم.
79 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة: آغا بزرك الطهراني/ ط 3/ 1403هـ/ دار الأضواء/ بيروت.

(٥٢٨)

80 - رجال ابن داود: ابن داود الحلِّي/ تحقيق: محمّد صادق بحر العلوم/ 1392هـ/ منشورات المطبعة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
81 - رجال البرقي: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي/ انتشارات دانشگاه تهران.
82 - رجال الطوسي (الأبواب): الشيخ الطوسي/ ط 1/ 1415هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي.
83 - رجال الكشِّي (اختيار معرفة الرجال): الشيخ الطوسي/ تحقيق: السيِّد مهدي الرجائي/ 1404هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.
84 - رجال النجاشي (فهرست أسماء مصنِّفي الشيعة): أبو العبَّاس أحمد ابن عليّ بن أحمد بن العبَّاس النجاشي الأسدي الكوفي/ ط 5/ 1416هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
85 - الردُّ القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم: الشيخ عليّ آل محسن/ ط 1/ 1434هـ/ مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)/ النجف الأشرف.
86 - رغبة الأمل: المرصفي/ 1970هـ/ مكتبة الأسدي/ طهران.
87 - روضة الواعظين: محمّد بن الفتَّال النيسابوري/ تقديم: السيِّد محمّد مهدي السيِّد حسن الخرسان/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
88 - سُبُل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد: محمّد بن يوسف الصالحي الشامي/ تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ عليّ محمّد معوض/ ط 1/ 1414هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
89 - سُنَن ابن ماجة: أبو عبد الله محمّد بن يزيد القزويني (ابن ماجة)/ تحقيق وترقيم وتعليق: محمّد فؤاد عبد الباقي/ دار الفكر/ بيروت.

(٥٢٩)

90 - سُنَن أبي داود: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني/ تحقيق وتعليق: سعيد محمّد اللحَّام/ ط 1/ 1410هـ/ دار الفكر/ بيروت.
91 - سُنَن الداني: عثمان بن سعيد أبو عمرو الداني/ ط 1/ 1416هـ/ دار العاصمة/ الرياض.
92 - سِيَر أعلام النبلاء: شمس الدِّين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي/ إشراف وتخريج: شعيب الأرنؤوط/ تحقيق: حسين الأسد/ ط 9/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
93 - السيرة النبويَّة: ابن هشام الحميري/ تحقيق وضبط وتعليق: محمّد محيي الدِّين عبد الحميد/ 1383هـ/ مكتبة محمّد عليّ صبيح وأولاده/ مصر.
94 - شرائع الإسلام: المحقِّق الحلِّي/ مع تعليقات السيِّد صادق الشيرازي/ ط 2/ 1409هـ/ انتشارات استقلال/ طهران.
95 - شرح أُصول الكافي: مولى محمّد صالح المازندراني/ تعليق: الميرزا أبو الحسن الشعراني/ ضبط وتصحيح: السيِّد عليّ عاشور/ ط 1/ 1421هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
96 - شرح الأخبار في فضائل الأئمَّة الأطهار: القاضي النعمان المغربي/ تحقيق: السيِّد محمّد الحسيني الجلالي/ ط 2/ 1414هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
97 - شرح جُمَل العلم والعمل: السيِّد المرتضى/ تصحيح وتعليق: الشيخ يعقوب الجعفري المراغي/ ط 2/ 1419هـ/ دار الأُسوة.
98 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربيَّة): إسماعيل بن حمَّاد الجوهري/ تحقيق: أحمد عبد الغفور العطَّار/ ط 4/ 1407هـ/ دار العلم للملايين/ بيروت.

(٥٣٠)

99 - صحيح البخاري: محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي/ ط 2/ 1410هـ/ أوقاف مصر.
100 - صحيح مسلم: مسلم بن الحجَّاج بن مسلم القشيري النيسابوري/ دار الفكر/ بيروت.
101 - الصواعق المحرقة في الردِّ على أهل البدع والزندقة: أحمد بن حجر الهيتمي المكّي/ خرَّج أحاديثه وعلَّق حواشيه وقدَّم له: عبد الوهَّاب عبد اللطيف/ ط 2/ 1385هـ/ مكتبة القاهرة لصاحبها عليّ يوسف سليمان/ القاهرة.
102 - الضعفاء: العقيلي/ تحقيق: عبد المعطي أمين/ ط 2/ 1418هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
103 - طبقات الشافعيَّة الكبرى: عبد الوهَّاب بن عليٍّ السبكي/ تحقيق: محمود محمّد الطناحي وعبد الفتَّاح محمّد الحلو/ دار إحياء الكُتُب العربيَّة.
104 - طبقات الشعراء: محمّد بن سلام الجمحي/ ط 2/ 1408هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
105 - الطبقات الكبرى: محمّد بن سعد/ دار صادر/ بيروت.
106 - طبقات المحدِّثين بأصبهان والواردين عليها: أبو الشيخ الأصفهاني/ تحقيق: عبد الغفور عبد الحقِّ حسين البلوشي/ ط 2/ 1412هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
107 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: السيِّد عليُّ بن طاوس/ ط 1/ 1399هـ/ مطبعة الخيَّام/ قم.
108 - العِبَر في خبر من غبر: الذهبي/ تحقيق: فؤاد سيِّد/ 1961م/ الكويت.

(٥٣١)

109 - العدَّة في أُصول الفقه: الشيخ الطوسي/ تحقيق: محمّد رضا الأنصاري القمِّي/ ط 1/ 1417هـ/ مطبعة ستاره/ قم.
110 - العرف الوردي في أخبار المهدي: جلال الدِّين السيوطي/ ط 1/ 1427هـ/ المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميَّة/ طهران.
111 - عقد الدُّرَر في أخبار المنتظَر: يوسف بن يحيى المقدسي/ تحقيق: عبد الفتَّاح محمّد الحلو/ ط 1/ 1399هـ/ مكتبة عالم الفكر/ القاهرة.
112 - علل الشرائع: الشيخ الصدوق/ تقديم: السيِّد محمّد صادق بحر العلوم/ 1385هـ/ منشورات المكتبة الحيدريَّة ومطبعتها/ النجف الأشرف.
113 - عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار: يحيى بن الحسن الأسدي الحلِّي المعروف بـ (ابن البطريق)/ 1407هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
114 - عوالي اللئالي: ابن أبي جمهور الأحسائي/ تحقيق: مجتبى العراقي/ ط 1/ 1403هـ/ مطبعة سيِّد الشهداء (عليه السلام)/ قم.
115 - العين: الخليل الفراهيدي/ ط 2/ 1409هـ/ مؤسَّسة دار الهجرة.
116 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام): الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي/ 1404هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
117 - عيون المعجزات: حسين بن عبد الوهَّاب/ 1369هـ/ مطبعة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
118 - الغيبة: ابن أبي زينب النعماني/ تحقيق: فارس حسُّون كريم/ ط 1/ 1422هـ/ أنوار الهدى.
119 - الفائق في غريب الحديث: جار الله محمود بن عمر الزمخشري/ ط 1/ 1417هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.

(٥٣٢)

120 - الفتن: أبو عبد الله نعيم بن حمَّاد المروزي/ تحقيق وتقديم: سهيل زكار/ 1414هـ/ دار الفكر/ بيروت.
121 - الفخري في أنساب الطالبيِّين: إسماعيل المروزي الأزوارقاني/ تحقيق: مهدي الرجائي/ ط 1/ 1409هـ/ مكتبة المرعشي/ قم المقدَّسة.
122 - فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين: إبراهيم ابن محمّد الجويني الخراساني/ ط 1/ 1400هـ/ مؤسَّسة المحمودي/ بيروت.
123 - فرائد فوائد الفكر في الإمام المهدي المنتظَر (عجّل الله فرجه): مرعي بن يوسف المقدسي الحنبلي/ تحقيق: سامي غريري/ ط 3/ 1427هـ/ دار الكتاب الإسلامي/ قم المقدَّسة.
124 - فرج المهموم: ابن طاوس/ 1363ش/ مطبعة أمير/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
125 - الفرج بعد الشدَّة: القاضي التنوخي/ ط 2/ 1364ش/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
126 - الفصول العشرة: الشيخ المفيد/ تحقيق: الشيخ فارس الحسُّون/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
127 - الفصول المهمَّة في معرفة الأئمَّة: عليُّ بن محمّد أحمد المالكي المكّي (ابن الصبَّاغ)/ تحقيق: سامي الغريري/ ط 1/ 1422هـ/ دار الحديث/ قم.
128 - فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ابن عقدة الكوفي/ تحقيق وتصحيح: عبد الرزَّاق محمّد حسين حرز الدِّين/ ط 1/ 1424هـ/ دليل ما/ قم.
129 - الفضائل: شاذان بن جبرئيل القمِّي (ابن شاذان)/ 1381هـ/ منشورات المطبعة الحيدريَّة ومكتبتها/ النجف الأشرف.

(٥٣٣)

130 - فقه الرضا: عليُّ بن بابويه/ ط 1/ 1406هـ/ المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام)/ مشهد.
131 - فلاح السائل: رضيُّ الدِّين عليُّ بن طاوس.
132 - فهرست ابن النديم: ابن النديم البغدادي/ تحقيق: رضا تجدُّد.
133 - الفهرست: الشيخ الطوسي/ تحقيق: جواد القيُّومي/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي.
134 - الفوائد الرجاليَّة: السيِّد مهدي بحر العلوم/ ط 1/ 1363ش/ مكتبة الصادق/ طهران.
135 - القاموس المحيط: مجد الدِّين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي.
136 - قرب الإسناد: أبو العبَّاس عبد الله بن جعفر الحميري القمِّي/ ط 1/ 1413هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ قم.
137 - قَصص الأنبياء: ابن كثير/ تحقيق: مصطفى عبد الواحد/ ط 1/ 1388هـ/ دار الكُتُب الحديثة/ مصر.
138 - قَصص الأنبياء: قطب الدِّين الراوندي/ تحقيق: الميرزا غلام رضا عرفانيان اليزدي الخراساني/ ط 1/ 1418هـ/ انتشارات الهادي.
139 - القول المختصر في علامات المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه): أحمد بن حجر الهيتمي المكّي/ ط 1/ 1428هـ/ دار التقوى/ دمشق.
140 - الكافي: الشيخ الكليني/ تحقيق: عليّ أكبر الغفاري/ ط 5/ 1363ش/ مطبعة حيدري/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
141 - الكامل في التاريخ: عزُّ الدِّين أبو الحسن عليُّ بن أبي الكرم محمّد ابن محمّد الشيباني (ابن الأثير)/ 1385هـ/ دار الصادر/ بيروت.

(٥٣٤)

142 - كشف الغمَّة في معرفة الأئمَّة: عليُّ بن أبي الفتح الإربلي/ ط 2/ 1405هـ/ دار الأضواء/ بيروت.
143 - كفاية الأثر في النصِّ على الأئمَّة الاثني عشر: أبو القاسم عليُّ بن محمّد الخزَّاز القمِّي الرازي/ تحقيق: السيِّد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي/ 1401هـ/ انتشارات بيدار.
144 - كمال الدِّين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ 1405هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
145 - كنز العُمَّال في سُنَن الأقوال والأفعال: علاء الدِّين عليّ المتَّقي بن حسام الدِّين الهندي البرهان فوري (المتَّقي الهندي)/ ضبط وتفسير: الشيخ بكري حيَّاني/ تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقَّا/ 1409هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
146 - كنز الفوائد: أبو الفتح محمّد بن عليٍّ الكراجكي/ ط 2/ 1369ش/ مكتبة المصطفوي/ قم.
147 - الكنى والألقاب: الشيخ عبَّاس القمِّي/ تقديم: محمّد هادي الأميني/ مكتبة الصدر/ طهران.
148 - لسان العرب: أبو الفضل جمال الدِّين محمّد بن مكرم الإفريقي المصري (ابن منظور)/ 1405هـ/ نشر أدب الحوزة/ قم.
149 - لسان الميزان: ابن حجر العسقلاني/ ط 2/ 1390هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
150 - مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب والأئمَّة من ولده G: محمّد بن أحمد القمِّي (ابن شاذان)/ إشراف: السيِّد محمّد باقر بن المرتضى الموحِّد الأبطحي/ ط 1/ 1407هـ/ مدرسة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)/ قم.

(٥٣٥)

151 - المجدي في أنساب الطالبيِّين: عليُّ بن محمّد العلوي العمري/ تحقيق: أحمد المهدوي الدامغاني/ ط 1/ 1409هـ/ مكتبة المرعشي/ قم المقدَّسة.
152 - مجمع البحرين: الشيخ فخر الدِّين الطريحي/ ط 2/ 1362ش/ مرتضوي.
153 - مجمع البيان في تفسير القرآن: أمين الإسلام أبو عليٍّ الفضل بن الحسن الطبرسي/ قدَّم له: السيِّد محسن الأمين العاملي/ ط 1/ 1415هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
154 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: عليُّ بن أبي بكر الهيثمي/ 1408هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
155 - المجموع اللفيف: إبراهيم السامرَّائي/ ط 1/ 1407هـ/ دار عمَّار/ الأُردن.
156 - المحاسن: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي/ تصحيح وتعليق: السيِّد جلال الدِّين الحسيني المحدِّث/ 1370هـ/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
157 - المحرَّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: ابن عطيَّة الأندلسي/ تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمّد/ ط 1/ 1413هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
158 - مختصر إثبات الرجعة: الفضل بن شاذان النيسابوري/ ط 1/ 1437هـ/ العتبة الحسينيَّة المقدَّسة/ كربلاء.
159 - مرآة العقول في شرح أخبار الرسول: العلَّامة المجلسي/ ط 2/ 1404هـ/ قدَّم له: السيِّد مرتضى العسكري/ إخراج ومقابلة وتصحيح: السيِّد هاشم الرسولي/ دار الكُتُب الإسلاميَّة.

(٥٣٦)

160 - مراصد الاطِّلاع على أسماء الأمكنة والبقاع: عبد المؤمن البغدادي/ تحقيق وتصحيح: عليّ محمّد بجاوي/ ط 1/ 1412هـ/ دار الجيل/ بيروت.
161 - مروج الذهب ومعادن الجوهر: عليُّ بن الحسين بن عليٍّ المسعودي/ ط 2/ 1404هـ/ منشورات دار الهجرة/ قم.
162 - المزار الكبير: محمّد بن جعفر المشهدي/ تحقيق: جواد القيُّومي الأصفهاني/ ط 1/ 1919هـ/ نشر القيُّوم/ قم.
163 - مستدرك الوسائل: الميرزا النوري/ ط 1 المحقَّقة/ 1408هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/بيروت.
164 - المستدرك على الصحيحين: أبو عبد الله الحاكم النيسابوري/ إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي.
165 - مسند أبي داود الطيالسي: سليمان بن داود بن الجارود الفارسي البصري الشهير بأبي داود الطيالسي/ دار المعرفة/ بيروت.
166 - مسند أحمد: أحمد بن حنبل/ تحقيق عدَّة محقِّقين/ ط 1/ 1416هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
167 - مشارق أنوار اليقين: الحافظ رجب البرسي/ تحقيق: السيِّد عليّ عاشور/ ط 1/ 1419هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
168 - المصنَّف: أبو بكر عبد الرزَّاق بن همَّام الصنعاني/ عُني بتحقيق نصوصه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه: حبيب الرحمن الأعظمي.
169 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (عليهم السلام): كمال الدِّين محمّد بن طلحة الشافعي/ تحقيق: ماجد بن أحمد العطيَّة.
170 - معجم البلدان: شهاب الدِّين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي/ 1399هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.

(٥٣٧)

171 - المعجم الكبير: سليمان بن أحمد الطبراني/ تحقيق وتخريج: حمدي عبد المجيد السلفي/ ط 2/ دار إحياء التراث العربي.
172 - معجم المؤلِّفين: عمر كحالة/ مكتبة المثنَّى/ بيروت.
173 - معجم رجال الحديث: السيِّد الخوئي/ ط 5/ 1413هـ.
174 - معجم مقاييس اللغة: ابن فارس/ تحقيق: عبد السلام محمّد هارون/ 1404هـ/ مكتبة الإعلام الإسلامي.
175 - المعمَّرين من العرب: أبو حاتم السجستاني/ ط 1/ 1323هـ/ مطبعة السعادة/ مصر.
176 - مقاتل الطالبيِّين: أبو الفرج الأصفهاني/ تقديم وإشراف: كاظم المظفَّر/ ط 2/ 1385هـ/ منشورات المكتبة الحيدريَّة ومطبعتها/ النجف الأشرف.
177 - مقتضب الأثر: ابن عيَّاش الجوهري/ مطبعة العلميَّة/ مكتبة الطباطبائي/ قم.
178 - مقتل الحسين (عليه السلام): الموفَّق بن أحمد الخوارزمي/ تحقيق: الشيخ محمّد السماوي/ ط 2/ 1423هـ/ أنوار الهدى/ قم.
179 - المقنعة: الشيخ المفيد/ ط2/ 1410هـ/ مؤسسة النشر الإسلامي/ قم.
180 - مكارم الأخلاق: حسن بن الفضل الطبرسي/ ط 6/ 1392هـ/ منشورات الشريف الرضي.
181 - الملاحم والفتن: ابن طاوس/ ط 1/ 1416هـ/ مؤسَّسة صاحب الأمر/ أصفهان.
182 - الملاحم: أحمد بن جعفر بن محمّد المعروف بـ (ابن المنادي)/ تحقيق: عبد الكريم العقيلي/ ط 1/ 1418هـ/ مطبعة أمير/ دار السيرة/ قم.

(٥٣٨)

183 - المنتظم في تاريخ الأُمَم والملوك: عبد الرحمن بن عليِّ بن محمّد ابن الجوزي/ دراسة وتحقيق: محمّد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا/ راجعه وصحَّحه: نعيم زرزور/ ط 1/ 1412هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
184 - من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ ط 2/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
185 - مناقب آل أبي طالب: محمّد بن عليِّ بن شهرآشوب المازندراني/ 1376هـ/ المكتبة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
186 - مناقب عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام): عليُّ بن محمّد بن محمّد الواسطي الجُلَّابي الشافعي الشهير بـ (ابن المغازلي)/ ط 1/ 1426هـ/ مطبعة سبحان/ انشارات سبط النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
187 - منتخب الأنوار المضيئة: السيِّد بهاء الدِّين عليُّ بن عبد الكريم النيلي النجفي/ ط 1/ 1420هـ/ مؤسَّسة الإمام الهادي (عليه السلام)/ قم.
188 - مهج الدعوات ومنهج العبادات: ابن طاووس/ كتابخانه سنائي.
189 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال: أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي/ تحقيق: عليّ محمّد البجاوي/ ط 1/ 1382هـ/ دار المعرفة/ بيروت.
190 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: يوسف بن تغري بردي الأتابكي/ وزارة الثقافة والإرشاد القومي/ المؤسَّسة المصريَّة العامَّة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر.
191 - نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: الحسين بن محمّد بن الحسن الحلواني/ ط 1/ 1408هـ/ مدرسة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)/ قم.
192 - نفس الرحمن: الميرزا النوري/ تحقيق: جواد القيُّومي/ ط 1/ 1411هـ/ مؤسَّسة الآفاق.

(٥٣٩)

193 - النهاية في غريب الحديث والأثر: مجد الدِّين ابن الأثير/ تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمّد الطناحي/ ط 4/ 1364ش/ مؤسَّسة إسماعيليان/ قم.
194 - نهج البلاغة: خُطَب أمير المؤمنين (عليه السلام)/ ما اختاره وجمعه: الشريف الرضي/ تحقيق: الدكتور صبحي صالح/ ط 1/ 1387هـ، وبشرح محمّد عبدة/ ط 1/ 1412هـ/ دار الذخائر/ قم.
195 - نوادر المعجزات في مناقب الأئمَّة الهداة (عليهم السلام): محمّد بن جرير الطبري الشيعي/ ط 1/ 1410هـ/ مؤسَّسة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)/ قم.
196 - النوادر: ابن عيسى الأشعري/ ط 1/ 1408هـ/ مدرسة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)/ قم المقدَّسة.
197 - الهداية الكبرى: الحسين بن حمدان الخصيبي/ ط 4/ 1411هـ/ مؤسَّسة البلاغ/ بيروت.
198 - الهداية إلى بلوغ النهاية: مكّي بن حموش/ ط 1/ 1429هـ/ جامعة الشارقة/ الإمارات العربيَّة المتَّحدة.
199 - هديَّة العارفين: إسماعيل باشا البغدادي/ 1951م/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
200 - وسائل الشيعة (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة): الحرُّ العاملي/ ط 2/ 1414هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ قم.
201 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ابن خلِّكان/ تحقيق: إحسان عبَّاس/ دار الثقافة.
202 - ينابيع المودَّة لذوي القربى: سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي/ تحقيق: السيِّد عليّ جمال أشرف الحسيني/ ط 1/ 1416هـ/ دار الأُسوة.

* * *

(٥٤٠)