حجّية الأحلام في الميزان

الردّ الساطع على ابن كاطع
حجّية الأحلام في الميزان

تأليف: الشيخ أحمد سلمان
تقديم: مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
بعد أن كثر الحديث عن المدعو أحمد إسماعيل كاطع وما جاء به من دعاوى وأكاذيب وصلت إلى أكثر من (50) دعوى باطلة ما أنزل الله بها من سلطان رأى مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السلام ضرورة التصدّي لبيان زيف هذه الدعاوي والردّ عليها ليس من باب أنَّ ما جاء به أُمور علمية تعتمد الدليل العلمي والبرهان المنطقي فأنت لا تجد في طيّات دعاويه غير الزيف والتدليس والكذب والافتراء والانتقاء في الاعتماد على الروايات _ وهذه كتبه وكتب أصحابه خير شاهد على ما نقول _، بل من باب أنَّ الشبهة قد تجد لها مساحة في بعض النفوس الضعيفة أوّلاً فتحتاج إلى بعض التوضيحات وبلورة الأُصول والقيم وبيان الأُسس التي يعتمد عليها المنهج العلمي لدى السير البشري عموماً والطائفة بشكل خاصّ، مضافاً إلى القاء الحجَّة على المغترّ به والمتَّبع خطاه لئلَّا يقول أحد: (لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً مُنْذِراً وَأَقَمْتَ لَنا عَلَماً هادِياً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى)(1).
لذا فإنَّ نشر هذا الكرّاس للردّ على ابن كاطع يعتبر حلقة من حلقات التصدّي لأهل البدع والزيغ، مضافاً إلى باقي أنشطة مركز الدراسات في ردّ الشبهات من خلال موقعه في النت وصفحات التواصل الاجتماعي وصحيفة صدى المهدي وغيرها.
نسأله تعالى الثبات على الحقّ (يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك).

مدير المركز
السيّد محمّد القبانچي

من الأُمور التي تُضحك الثكلى احتجاج المروِّجين لأحمد إسماعيل بالأحلام والرؤى، حيث جعلوها من أهمّ أدلَّتهم على صحَّة عقيدتهم وصدق دعوتهم!
بل إنَّ أحمد إسماعيل نفسه احتجَّ في أكثر من مورد في خطاباته وبياناته وكتبه بالأحلام، وحاول إثبات حجّيتها، وأنَّها كلمات الله إلى أنصاره، وشهادة الملكوت بصدق دعوته!
فقد قال في خطاب وجَّهه إلى طلبة الحوزة العلمية: (تقولون: نحن نقبل شهادة العدلين؟ فها الله يشهد لي، ومحمّد يشهد لي، وعلي يشهد لي، وفاطمة تشهد لي، والحسن يشهد لي، والحسين يشهد لي، وعلي بن الحسين، ومحمّد، وجعفر، وموسى، وعلي، ومحمّد، وعلي، والحسن، ومحمّد، يشهدون لي، بمئات الرؤى التي رآها المؤمنون، أفلا تقبلون شهادتهم وقولهم ونصحهم لكم؟! ألم يخبروكم أنَّهم يجتمعون على صاحب الحقّ إذا جاء، وقالوا عليهم السلام: (فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدّوا إلينا بالسلاح)؟ تقولون: إنَّ الشيطان يتمثَّل برسول الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم؟! (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا * تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) (مريم: 89 و90)، والله يقول: (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ * وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ) (الشعراء: 210 و211)، فإذا كان الشيطان لا يستطيع أن ينطق بحرف من القرآن، فكيف يتمثَّل بمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم وهو القرآن كلّه، (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (المؤمنون: 88)، من بيده ملكوت السماوات والأرض، ما أنصفتم الله إذ جعلتم الملكوت بيد الشيطان، وانتهكتم حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم، تستخفّون الناس وتقولون لهم: (وهل رأيتم رسول الله حتَّى تعرفونه بالرؤيا؟)، سبحان الله، وهل كان أحد في زمن الإمام الصادق رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! حتَّى يقول الإمام الصادق عليه السلام: (من أراد أن يرى رسول الله بالرؤيا فليفعل كذا وكذا)، والروايات كثيرة في هذا المعنى، فراجعوا (دار السلام) وغيره من كتب الحديث، تقولون: (الرؤيا حجَّة على صاحبها فقط)، فتردّون شهادة المؤمن العادل الذي رأى وسمع في ملكوت السماوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأخبره بالحقّ، فكيف إذن تقبلون شهادته فيما رأى وسمع في هذا العالم الجسماني؟! (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) (النجم: 22).
في حديث عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام بعد ما رآه الفضل بن الحارث في المنام، وقال له ما قال، قال عليه السلام: (إنَّ كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة)، ألم يقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إيمان خالد ابن سعيد الأُموي؛ لأنَّه رأى رؤيا؟ ألم يقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إيمان يهودي رأى رؤيا بموسى عليه السلام، وقال له: (إنَّ محمّد (كذا) حقّ)؟ ألم يقبل الإمام الرضا عليه السلام إيمان الواقفية؛ لأنَّهم رأوا رؤى بأنَّه عليه السلام حقّ؟ ألم يقبل الإمام الحسين عليه السلام إيمان وهب النصراني؛ لأنَّه رأى رؤيا؟ ألم تأتي نرجس أُمّ الإمام المهدي عليه السلام إلى الإمام الحسن العسكري بسبب رؤيا رأتها؟ ألم … وألم …، إنّا لله وإنّا إليه راجعون! ما أثقل الدنيا في كفَّة ميزانكم، وما أخفّ ملكوت السماوات عند أهوائكم وآرائكم، تدبَّروا حال الأُمم التي سبقتكم مع أنبيائهم)(2).
هذا كلام منسوب لأحمد إسماعيل في إثبات حجّية الأحلام، ولنا مع هذه العبارات عدَّة وقفات تثبت جهل هذا الرجل:
أقسام الرؤيا:
أوّلاً: أنَّ الرؤيا قد تكون صادقة، وقد تكون كاذبة، وليست كلّ الرؤى على نسق واحد، وهذا ما دلَّت عليه الروايات:
منها: صحيحة سعد بن أبي خلف، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (الرؤيا على ثلاثة وجوه: بشارة من الله للمؤمن، وتحذير من الشيطان، وأضغاث أحلام)(3).
ومنها: ما رواه الكليني قدس سره، عن أبي بصير، قال: قلت: لأبي عبد الله عليه السلام: جُعلت فداك، الرؤيا الصادقة والكاذبة مخرجهما من موضع واحد؟ قال: (صدقت، أمَّا الكاذبة مختلفة، فإنَّ الرجل يراها في أوّل ليلة في سلطان المردة الفسقة، وإنَّما هي شيء يُخيَّل إلى الرجل، وهي كاذبة مخالفة، لا خير فيها، وأمَّا الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول الملائكة، وذلك قبل السحر، فهي صادقة، لا تخلف إن شاء الله، إلَّا أن يكون جُنُباً، أو ينام على غير طهور، ولم يذكر الله عز وجل حقيقة ذكره، فإنَّها تختلف وتبطئ على صاحبها)(4).
وما رواه ابن شهر آشوب، عن أمير المؤمنين عليه السلام في جوابه عن سؤال النصرانيين، قال: (إنَّ الله تعالى خلق الروح، وجعل لها سلطاناً، فسلطانها النفس، فإذا نام العبد خرج الروح وبقي سلطانه، فيمرّ به جيل من الملائكة وجيل من الجنّ، فمهما كان من الرؤيا الصادقة فمن الملائكة، ومهما كان من الرؤيا الكاذبة فمن الجنّ. فأسلما على يده، وقُتلا معه يوم صفّين)(5).
ومن أفضل ما ورد في هذا الباب ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: (إنَّ لإبليس شيطاناً يقال له: هزع، يملأ ما بين المشرق والمغرب في كلّ ليلة، يأتي الناس في المنام)(6).
ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره في أماليه بسنده عن محمّد بن القاسم النوفلي، قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: المؤمن يرى الرؤيا، فتكون كما رآها، وربَّما رأى الرؤيا فلا تكون شيئاً؟ فقال: (إنَّ المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء، فكلّ ما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير والتدبير فهو الحقّ، وكلّ ما رآه في الأرض فهو أضغاث أحلام...)(7).
وبسنده عن معاوية بن عمّار، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنَّ العباد إذا ناموا خرجت أرواحهم إلى السماء، فما رأت الروحُ في السماء فهو الحقّ، وما رأت في الهواء فهو الأضغاث...)(8).
وبسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرجل ينام فيرى الرؤيا، فربَّما كانت حقًّا، وربَّما كانت باطلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي، ما من عبد ينام إلَّا عُرِجَ بروحه إلى ربّ العالمين، فما رأى عند ربّ العالمين فهو حقّ، ثمّ إذا أمر الله العزيز الجبّار بِرَدِّ روحه إلى جسده، فصارت الروح بين السماء والأرض، فما رأته فهو أضغاث أحلام)(9).
والروايات في ذلك كثيرة، وهي تدلُّ على أنَّه ليس كلّ الرؤى صادقة، بل منها ما هو من الشيطان.
ولو اطَّلع أحمد إسماعيل على هذه الروايات لما أكَّد على صحَّة كلّ الأحلام من دون تفريق بين الرؤى الصادقة والكاذبة.
والغريب قوله: (ما أنصفتم الله إذ جعلتم الملكوت بيد الشيطان)، فإنَّ الروايات تؤكِّد أنَّ الشيطان يتصرَّف في أحلام المكلَّفين، ويريهم ما يشاء من وساوسه كما مرَّ، وهذا لا يستلزم جعل الملكوت بيد الشيطان.
ثمّ إنَّ في كلامه مغالطة مفضوحة، وهو تسميته للأحلام أو لعالم الرؤيا بالملكوت، وهذا خطأ فادح، وجهل مركَّب؛ إذ أنَّ الرجل لا يميِّز بين عالم الملك والملكوت، ولا يعلم أنَّ هذا الأخير لا يطَّلع عليه إلَّا من بلغ مرتبة من القرب لا تكون إلَّا للخواصّ، ولذلك قرن القرآن الملكوت باليقين، في قوله تعالى: (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (الأنعام: 75)، فمن اطَّلع على ملكوت الله وصل إلى مرتبة اليقين التي نالها نبيّ الله إبراهيم عليه السلام بعد طول مجاهدات وابتلاءات.
ثانياً: قال أحمد إسماعيل: (تقولون: الرؤيا حجَّة على صاحبها فقط، فتردّون شهادة المؤمن العادل الذي رأى وسمع في ملكوت السماوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأخبره بالحقّ، فكيف إذن تقبلون شهادته فيما رأى وسمع في هذا العالم الجسماني؟!).
وهذا كلام واضح البطلان؛ لأنّا لا نقول: (إنَّ الرؤيا حجَّة على صاحبها فقط)، وإنَّما نقول: إنَّها ليست بحجَّة مطلقاً، لا على صاحبها ولا على غيره، وأحمد إسماعيل قاس قبول ما يدَّعيه أتباعه من رؤيتهم للمعصومين عليهم السلام على قبول شهادة المؤمن العادل في الأُمور الحسّية، والحال أنَّ شهادة المؤمن في الرؤيا لا قيمة لها لأنَّها ليست بحجَّة، لا أنَّنا نكذِّبه في رؤياه.
ولكن هذه الدعاوى لا يمكن قبولها بحال؛ لأنَّها صادرة من أتباع أحمد إسماعيل الذين لم نتحقَّق من وثاقتهم وصدق قولهم، ولم نَرَ رجلاً فاضلاً أو وجيهاً أو عالماً معروفاً شهد بذلك.
ولو أحسنَّا الظنَّ بهؤلاء المدَّعين يبقى احتمال اشتباههم في تلك الرؤى والأحلام، فما يدرينا أنَّ نقولاتهم ليست مجرَّد أوهام؟ وأنَّها ليست بأضغاث أحلام؟ وما يدرينا أنَّ الذين رأوهم في المنام هم المعصومون عليهم السلام فعلاً، ولاسيّما أنَّ هؤلاء لم يروا المعصومين عليهم السلام حتَّى يعرفوا صُوَرهم؟
ولو تنزَّلنا وصدَّقنا هؤلاء في شهادتهم، وأنَّ الذين رأوهم هم المعصومون عليهم السلام، فلا بدَّ أن نعرف ما هي تلك الرؤى والأحلام، وهل تدلُّ على إمامة أحمد إسماعيل ولزوم اتّباعه وتصديقه في دعاواه؟
ولو سلَّمنا بأنَّ تلك الرؤى تدلُّ على إمامة أحمد إسماعيل، فإنَّ الإمامة لا تثبت بالأحلام والرؤى كما سيأتي بيانه قريباً إن شاء الله تعالى.
ثالثاً: أنَّ رؤية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمعصومين عليهم السلام في المنام دائماً تكون رؤيا صادقة؟ أو فيها تفصيل؟
ذهب أحمد إسماعيل _ كما في التسجيل الصوتي والكتب المنسوبة إليه _ إلى أنَّ رؤية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمعصومين عليهم السلام في المنام لا بدَّ أن تكون رؤيا صادقة، واستدلَّ على ذلك بعدَّة أدلَّة:
منها: ما رواه سليم بن قيس، قال: فقلت لمحمّد (بن أبي بكر): مَن تراه حدَّث أميرَ المؤمنين عليه السلام عن هؤلاء الخمسة بما قالوا؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنَّه يراه في منامه كلّ ليلة، وحديثه إيّاه في المنام مثل حديثه إيّاه في الحياة واليقظة، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من رآني في المنام فقد رآني، فإنَّ الشيطان لا يتمثَّل بي في نوم ولا يقظة ولا بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة)(10).
وما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن الإمام الرضا عليه السلام، قال: (ولقد حدَّثني أبي، عن جدّي، عن أبيه عليهم السلام أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رآني في منامه فقد رآني؛ لأنَّ الشيطان لا يتمثَّل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم، وإنَّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوَّة)(11).
واستدلال أحمد إسماعيل وأتباعه المروِّجين له بهذه الأخبار لا ينفعهم في ما ذهبوا إليه، إذ أنَّ الروايات لم تطلق الرؤيا بحيث أنَّ كلّ من رأى رجلاً واعتقد أنَّه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقد رآه حقيقة، وأنَّ المرئي هو المعصوم فعلاً، بل إنَّ الروايات وضعت قيداً مهمَّاً في قوله: (لأنَّ الشيطان لا يتمثَّل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي).
فالرواية منعت تمثّل الشيطان بصورة المعصوم عليه السلام ولم تمنع الادّعاء، فلو جاء الشيطان في المنام لأحد الناس بصورة زيد، وقال: (أنا عمرو)، فهل يُصدَّق أنَّ هذا النائم رأى عَمْراً في المنام؟
الجواب: طبعاً لا؛ لأنَّ المرئي يدَّعي أنَّه عمرو، وهو ليس بعمرو في الحقيقة، وهكذا الأمر بالنسبة للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمعصومين عليهم السلام، فلو أنَّ رجلاً معاصراً للرضا عليه السلام مثلاً رأى شخصاً في المنام، وادَّعى أنَّه الإمام الرضا عليه السلام، فإن هذا النائم قطعاً سيكذِّبه، ولن يقبل منه ما يقوله؛ لأنَّه يعرف أنَّ صورة الإمام الرضا عليه السلام ليست هكذا.
وهذا هو جواب الشيخ المفيد قدس سره على هذه الروايات، فإنَّه قال: (إذا جاز من بشر أن يدَّعي في اليقظة أنَّه إله كفرعون ومن جرى مجراه، مع قلَّة حيلة البشر وزوال اللبس في اليقظة، فما المانع من أن يدَّعي إبليس عند النائم بوسوسته له أنَّه نبيّ، مع تمكّن إبليس بما لا يتمكَّن منه البشر، وكثرة اللبس المعترض في المنام؟)(12).
إذن فادّعاء الشيطان في المنام أنَّه أحد المعصومين عليهم السلام ليس بمحال، وبالتالي فإذا رأى أحدهم في منامه شخصاً يدَّعي أنَّه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أو أحد الأئمّة عليهم السلام، فعليه أن يتأكَّد فعلاً أنَّه هو، ولا يوجد دليل قطعي يدلُّ على ذلك.
بل إنَّ بعض الروايات الشريفة دلَّت على وقوع مثل ذلك في حياة أئمّة أهل البيت عليهم السلام:
منها: ما رواه الكشّي بسنده عن زرارة، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (أخبرني عن حمزة، أيزعم أنَّ أبي آتيه؟)، قلت: نعم، قال: (كذب والله، ما يأتيه إلَّا (المتكوّن)، إنَّ إبليس سلَّط شيطاناً يقال له: (المتكوّن)، يأتي الناس في أيّ صورة شاء، إن شاء في صورة صغيرة، وإن شاء في صورة كبيرة، ولا والله ما يستطيع أن يجيء في صورة أبي عليه السلام)(13).
وروى أيضاً بسنده عن بريد بن معاوية العجلي، قال: كان حمزة بن عمارة الزبيدي لعنه الله يقول لأصحابه: إنَّ أبا جعفر عليه السلام يأتيني في كلّ ليلة، ولا يزال إنسان يزعم أنَّه قد أراه إيّاه، فقُدِّرَ لي أنّي لقيت أبا جعفر عليه السلام، فحدَّثته بما يقول حمزة، فقال: (كذب عليه لعنة الله، ما يقدر الشيطان أن يتمثَّل في صورة نبيّ ولا وصيّ نبيّ)(14).
كما روى عن علي بن عقبة، عن أبيه، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام قال: فسلَّمت وجلست، فقال لي: (كان في مجلسك هذا أبو الخطّاب، ومعه سبعون رجلاً كلّهم إليه ينالهم منهم شيئاً فرحمتهم، فقلت لهم: ألَا أُخبركم بفضائل المسلم، فلا أحسب أصغرهم إلَّا قال: بلى جُعلت فداك. قلت: من فضائل المسلم أن يقال: فلان قاري لكتاب الله عز وجل، وفلان ذو حظٍّ من ورع، وفلان يجتهد في عبادته لربّه، فهذه فضائل المسلم، ما لكم وللرياسات؟ إنَّما المسلمون رأس واحد، إيّاكم والرجال، فإنَّ الرجال للرجال مهلكة، فإنّي سمعت أبي يقول: إنَّ شيطاناً يقال له: (المذهب) يأتي في كلّ صورة، إلَّا أنَّه لا يأتي في صورة نبيّ ولا وصيّ نبيّ، ولا أحسبه إلَّا وقد تراءى لصاحبكم فاحذروه، فبلغني أنَّهم قُتلوا معه، فأبعدهم الله، وأسحقهم، إنَّه لا يهلك على الله إلَّا هالك)(15).
فكلّ هذه الروايات المباركة تؤكِّد أنَّ هناك شيطاناً يتراءى لهؤلاء المنحرفين، ويدَّعي أنَّه أحد المعصومين عليهم السلام، ويدسُّ لهم أفكاره المنحرفة؛ لإضلالهم، وإبعادهم عن الصراط المستقيم.
بل إنَّ الروايات الشريفة دلَّت على أنَّ الشيطان ربَّما يدَّعي أنَّه الله سبحانه _ عياذاً بالله _ في اليقظة فضلاً عن المنام كما قال شيخنا المفيد أعلى الله مقامه!
ففي صحيحة يونس، قال: سمعت رجلاً من الطيَّارة يُحدِّث أبا الحسن الرضا عليه السلام عن يونس بن ظبيان أنَّه قال: كنت في بعض الليالي وأنا في الطواف، فإذا نداء من فوق رأسي: (يا يونس، إنّي أنا الله، لا إله إلَّا أنا فاعبدني، وأقم الصلاة لذكري)، فرفعت رأسي... فغضب أبو الحسن غضباً لم يملك نفسه، ثمّ قال للرجل: (أُخرج عنّي، لعنك الله، ولعن الله من حدَّثك، ولعن يونس بن ظبيان ألف لعنة، تتبعها ألف لعنة، كلّ لعنة منها تبلغك إلى قعر جهنَّم، وأشهد ما ناداه إلَّا شيطان، أمَا إنَّ يونس مع أبي الخطّاب في أشدّ العذاب مقرونان، وأصحابهما إلى ذلك الشيطان، مع فرعون وآل فرعون في أشدّ العذاب، سمعت ذلك من أبي عبد الله عليه السلام...)(16).
وأمَّا الذين ادَّعوا رؤية الله تعالى في المنام فكثيرون جدَّاً.
فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن إبراهيم الكرخي، قال: قلت للصادق عليه السلام: إنَّ رجلاً رأى ربَّه عز وجل في منامه، فما يكون ذلك؟ فقال: (ذلك رجل لا دين له، إنَّ الله تبارك وتعالى لا يُرى في اليقظة، ولا في المنام، ولا في الدنيا، ولا في الآخرة)(17).
وجواز رؤية الله في المنام من عقائد المخالفين، وقصص رؤيتهم لله عز وجل في منامهم أكثر من أن تحصى، ومن عدم الإنصاف للخصوم أن نقول: (إنَّ هؤلاء كلّهم كاذبون في ادّعاء رؤيتهم لله تعالى في المنام)، بل نقطع أنَّ تلك الرؤى أكثر من رؤى أتباع أحمد إسماعيل الذين ادَّعوا أنَّهم رأوا المعصومين عليهم السلام، فأخبروهم بصحَّة دعوة هذا الرجل! كما نقطع بأنَّ الشيطان تمثَّل لكلّ هؤلاء، وادَّعى لهم أنَّه هو الله سبحانه وتعالى، فصدَّقوه.
ولذلك قال ابن تيمية: (وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربَّهم في المنام، ويخاطبهم، وما أظنّ عاقلاً ينكر ذلك، فإنَّ وجود هذا ممَّا لا يمكن دفعه؛ إذ الرؤيا تقع للإنسان بغير اختياره، وهذه مسألة معروفة، وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أُصول الدين، وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله، والنقل بذلك متواتر عمَّن رأى ربَّه في المنام، ولكن لعلَّهم قالوا: (لا يجوز أن يعتقد أنَّه رأى ربَّه في المنام)، فيكونون قد جعلوا مثل هذا من أضغاث الأحلام، ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة كسائر ما يُرى في المنام، فهذا ممَّا يقوله المتجهِّمة، وهو باطل مخالف لما اتَّفق عليه سلف الأُمَّة وأئمَّتها، بل ولما اتَّفق عليه عامّة عقلاء بني آدم، وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلَّق به سبحانه وتعالى، وإنَّما ذلك بحسب حال الرائي، وصحَّة إيمانه وفساده، واستقامة حاله وانحرافه)(18).
وقد حاول أحمد إسماعيل في معرض كلامه أن يدفع هذا الإشكال، فقال: (تستخفّون الناس وتقولون لهم: وهل رأيتم رسول الله حتَّى تعرفونه بالرؤيا؟، سبحان الله وهل كان أحد في زمن الإمام الصادق رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتَّى يقول الإمام الصادق عليه السلام: من أراد أن يرى رسول الله بالرؤيا فليفعل كذا وكذا).
والجواب على كلامه:
أنَّ الإمام الصادق عليه السلام أرشد الناس إلى عمل لكي يُرى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكنَّه عليه السلام لم يؤكِّد على أنَّ كلّ رؤيا بعد هذا العمل هي رؤية صادقة، بل يحتمل فيها الوجهان، تماماً كالذي يقوم بهذه الأعمال ولا يرى شيئاً كما يحصل كثيراً، فإنَّه عليه السلام لم يضمن لكلّ من يعمل هذا العمل أن يرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامه.
ثمّ إنَّ خلافنا مع أحمد إسماعيل وأتباعه ليس في رؤية المعصوم عليه السلام في المنام أو عدمها، وإنَّما خلافنا معهم في ترتيب الأثر عليها، وهو تصديق ما يراه، وجعله حجَّة بينه وبين ربّه، وكأنَّه قول المعصوم عليه السلام حقيقة.
والقول الصحيح هو أنَّ الأحلام ليست بحجَّة في الأحكام الشرعية، ولا في الموضوعات الخارجية، فضلاً عن العقائد المهمَّة، وذلك لعدَّة أُمور:
1 _ أنَّا لم نجد دليلاً واحداً من الكتاب أو السُنَّة يدلُّ على حجّية الأحلام في الأحكام الشرعية، أو الموضوعات الخارجية، أو العقائد الدينية.
ولهذا لم نجد عالماً من العلماء احتجَّ على حكم فقهي أو عقيدة معيَّنة بأنَّه رأى الإمام عليه السلام في المنام، فأخبره بأنَّ الحكم في هذه المسألة أو تلك هو كذا أو كذا.
ولم نجد قاضياً حكم في قضيّة بحكم اعتماداً على أنَّه رأى في المنام إماماً أخبره أنَّ الحقّ مع زيد، أو رأى لزوم إقامة الحدّ على رجل لأنَّه رأى الإمام في المنام، فأخبره أنَّ زيداً سارق أو زانٍ، وهذا ممَّا لا يختلف فيه العلماء قديماً وحديثاً.
2 _ أنَّا ذكرنا فيما تقدَّم أنَّ الأحلام منها ما هو صادق، ومنها ما هو كاذب، ومع وجود العلم الإجمالي بالرؤى الكاذبة التي مصدرها الشيطان الرجيم كيف نقطع بأنَّ تلك الأحلام صحيحة؟ ومتى ما تطرَّق الشكُّ في حجّية تلك الأحلام، فإنَّها تسقط عن الحجّية، لما تقرَّر في علم الأُصول من أنَّ الشكَّ في الحجّية مساوقٌ لعدم الحجّية.
3 _ ما دلَّ على أنَّ أحكام الله تعالى لا تثبت بالأحلام.
فقد روى الكليني قدس سره بسند صحيح عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال: (ما تروي هذه الناصبة؟)، فقلت: جُعلت فداك، في ماذا؟ فقال: (في أذانهم، وركوعهم، وسجودهم)، فقلت: إنَّهم يقولون: إنَّ أُبي بن كعب رآه في النوم، فقال: (كذبوا؛ فإنَّ دين الله عز وجل أعزّ من أن يُرى في النوم)(19).
فهذا الكلام الشريف دليل على أنَّ كلّ جوانب دين الله لا تثبت بالمنامات، من عقائد دينية، وأحكام شرعية، فضلاً عن ثبوت نبوَّة نبيّ، أو إمامة إمام، وكلّ من يدَّعي ذلك فهو داخل تحت قوله عليه السلام: (كذبوا، فإنَّ دين الله عز وجل أعزّ من أن يُرى في النوم).
وقد فصَّل الشيخ المفيد رضوان الله عليه مسألة المنامات تفصيلاً دقيقاً، فقال: (وأمَّا رؤية الإنسان للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو لأحد الأئمّة عليهم السلام في المنام، فإنَّ ذلك عندي على ثلاثة أقسام: قسم أقطع على صحَّته، وقسم أقطع على بطلانه، وقسم أُجوِّز فيه الصحَّة والبطلان، فلا أقطع فيه على حال، فأمَّا الذي أقطع على صحَّته فهو كلّ منام رأى فيه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد الأئمة عليهم السلام وهو فاعل لطاعة، أو آمر بها، وناهٍ عن معصية، أو مبيِّن لقبحها، وقائل لحقّ، أو داعٍ إليه، أو زاجر عن باطل، أو ذامٍّ لما هو عليه.
وأمَّا الذي أقطع على بطلانه فهو كلّ ما كان على ضدّ ذلك؛ لعلمنا أنَّ النبيّ والإمام عليهما السلام صاحبا حقّ، وصاحب الحقّ بعيد عن الباطل.
وأمَّا الذي أُجوِّز فيه الصحَّة والبطلان فهو المنام الذي يُرى فيه النبيّ أو الإمام عليهم السلام وليس هو آمراً ولا ناهياً، ولا على حال يختصُّ بالديانات، مثل أن يراه راكباً، أو ماشياً، أو جالساً، ونحو ذلك)(20).
وكلامه قدس سره واضح الدلالة على أنَّه لا يمتنع رؤية من نظنّ أنَّه هو النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام، آمراً بباطل، أو زاجراً عن حقّ، أو داعياً إلى دعوة الشيطان أو أحد أتباعه.
رابعاً: احتجَّ أحمد إسماعيل ومن يروِّج له ببعض الروايات التي تفيد أنَّ المعصومين قبلوا إسلام أو إيمان بعض الناس الذين رأوا المعصوم عليه السلام في المنام، فقطعوا بأنَّه هو الحقّ، وجعلها أحمد إسماعيل وأتباعه دليلاً على حجّية رؤية المعصومين عليهم السلام في المنام، فقال:
(ألم يقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إيمان خالد بن سعيد الأُموي؛ لأنَّه رأى رؤيا؟ ألم يقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إيمان يهودي رأى رؤيا بموسى عليه السلام، وقال له: إنَّ محمّد (كذا) حقّ؟ ألم يقبل الإمام الرضا عليه السلام إيمان الواقفية؛ لأنَّهم رأوا رؤى بأنَّه عليه السلام حقّ؟ ألم يقبل الإمام الحسين عليه السلام إيمان وهب النصراني؛ لأنَّه رأى رؤيا؟ ألم تأتي نرجس أُمّ الإمام المهدي عليه السلام إلى الإمام الحسن العسكري بسبب رؤيا رأتها؟).
والجواب:
أنَّ قبول المعصوم لإسلام بعضهم أو إيمانهم لا يعني الحكم بحجّية تلك الرؤى والأحلام، فكما قبل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إيمان اليهودي الذي رأى نبيّ الله موسى عليه السلام قَبِلَ إسلام المنافقين الذين دخلوا في هذا الدين طمعاً، وقَبِلَ إسلام الذين خافوا من بريق السيوف.
وهذا يدلُّ على أنَّ قبولهم عليهم السلام إسلام اليهود، أو إيمان المخالفين، لا يستلزم قبول السبب الذي لأجله دخل هؤلاء في الإسلام أو الإيمان، فإنَّ السبب لا يهمّ ما دامت النتيجة هي الدخول في الإسلام أو الإيمان.
ثمّ إنَّ المعصوم عليه السلام يعلم صدق الرؤيا من كذبها؛ ومن الأمثلة على ذلك ما رواه الشيخ المفيد قدس سره بسنده عن حنان بن سدير الصيرفي، قال: سمعت أبي يقول:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرى النائم وبين يديه طبق مغطّى بمنديل، فدنوت منه، وسلَّمت عليه، فردَّ السلام، ثمّ كشف المنديل عن الطبق، فإذا فيه رطب، فجعل يأكل منه، فدنوت منه فقلت: يا رسول الله، ناولني رطبة. فناولني واحدة، فأكلتها، ثمّ قلت: يا رسول الله ناولني أُخرى. فناولنيها فأكلتها، فجعلت كلَّما أكلت واحدة سألته أُخرى، حتَّى أعطاني ثمانية رطبات فأكلتها، ثمّ طلبت منه أُخرى، فقال لي: (حسبك).
قال: فانتبهت من منامي، فلمَّا كان من الغد دخلت على جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام وبين يديه طبق مغطّى بمنديل، كأنَّه الذي رأيته في المنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسلَّمت عليه، فردَّ عليَّ السلام، ثمّ كشف الطبق فإذا فيه رطب، فجعل يأكل منه، فعجبت لذلك، وقلت: جُعلت فداك، ناولني رطبة. فناولني فأكلتها، ثمّ طلبت أُخرى حتَّى أكلت ثماني رطبات، ثمّ طلبت منه أُخرى، فقال لي: (لو زادك جدّي رسول صلى الله عليه وآله وسلم لزدناك)، فأخبرته فتبسَّم تبسُّم عارف بما كان(21).
إذن فقبول إسلام أو إيمان شخص لا يستلزم إضفاء شرعية على سبب وصوله للحقيقة كما ذكرنا.
وعليه فإنَّ الأحلام ليست بحجّة في العقائد الإسلاميّة أو الأحكام الشرعية.
خامساً: أنَّ الرؤيا تنقسم إلى ثلاثة أقسام كما جاء في الخبر، وهي: (بشرى من الله، وتحزين من الشيطان، والذي يُحدِّث به الإنسان نفسه، فيراه في منامه)(22).
وقد كتب المروّجون لأحمد إسماعيل عدَّة كتب في بيان حجّية الرؤى والأحلام، واحتجّوا بآيات من القرآن وروايات مختلفة، كلّها لا تدلُّ على أنَّ الرؤى حجّة في إثبات حكم شرعي أو عقيدة، فضلاً عن إثبات نبوَّة أو إمامة.
أمَّا الآيات فمنها رؤيا يوسف عليه السلام بسجود الشمس والقمر والكواكب له، ورؤيا صاحبي السجن، ورؤيا ملك مصر، ورؤيا إبراهيم عليه السلام أنَّه يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام، وقوله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ) (الفتح: 27)، وقوله: (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) (الإسراء: 60)، ونحوها.
ولا شكَّ في أنَّ رؤيا الأنبياء عليهم السلام حقّ؛ لأنَّ الشيطان لا يتلاعب بهم، ولأنَّها وحي يوحى.
وأمَّا رؤيا غيرهم فربَّما تكون صادقة، وربَّما تكون أضغاث أحلام، ورؤيا ملك مصر وإن كانت صادقة، إلَّا أنَّ الله تعالى جعلها سبباً لإخراج يوسف عليه السلام من السجن، وصيرورته بعد الذلّ ملكاً.
ولا تجد في كتاب الله تعالى ما يدلُّ على إثبات نبوَّة، أو إمامة، أو إثبات حقّ، أو دحض باطل برؤيا ، وهذا هو محلّ نزاعنا مع أحمد إسماعيل وأتباعه.
وأمَّا الأحاديث فمنها: قوله عليه السلام: (انقطع الوحي وبقي المبشِّرات، ألَا وهي نوم الصالحين والصالحات)(23).
ومنها: قوله عليه السلام: (ذهبت النبوَّة وبقيت المبشِّرات: الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو يُرى له)(24).
ومنها: ما روي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، عن جابر بن عبد الله، قال: أتى رجل من أهل البادية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، أخبرني عن قول الله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) (يونس: 63 و64)، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أمَّا قوله: (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فهي الرؤيا الحسنة تُرى للمؤمن، فيُبشَّر بها في دنياه، وأمَّا قوله: (وَفِي الْآخِرَةِ) فإنَّها بشارة المؤمن عند الموت أنَّ الله قد غفر لك ولمن يحملك إلى قبرك)(25).
وعن ابن عبّاس: (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) قال: (هي الرؤيا الحسنة يراها المسلم لنفسه أو لبعض إخوانه)(26).
وعن ابن عبّاس، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (ألَا إنَّه لم يبقَ من مبشِّرات النبوَّة إلَّا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو تُرى له)(27).
وعن أبي الطفيل، عنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (لا نبوَّة بعدي إلَّا المبشِّرات)، قيل: يا رسول الله، وما المبشِّرات؟ قال: (الرؤيا الصالحة)(28).
وعن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الرؤيا الصالحة بشرى من الله، وهي جزء من أجزاء النبوَّة)(29).
وهذه الروايات كلّها تدلُّ على أنَّ الرؤى الصادقة مبشِّرات للمؤمنين، وأمَّا أنَّها تُثبت حقَّاً، أو تنفي باطلاً، فلا دلالة فيها على ذلك، فضلاً عن إثبات نبوَّة أو إمامة كما هو محلّ نزاعنا مع أحمد إسماعيل وأتباعه.
وليعلم القارئ الكريم أنَّ كلّ هذه الدعوة من أوّلها إلى آخرها قائمة على الأحلام والمنامات الباطلة، فهم يعتبرون المنام نصَّاً تشخيصيّاً يُعرَف به حجَّة الله في أرضه، ولذلك قال أحدهم: (الرؤيا كنصّ تشخيصي حجَّة باعتبارها وحيا، فلا موجب للنظر إليها على أنَّها جزء من السُّنَّة)(30)!
والأعظم من هذا أنَّ رواية الوصيّة التي بُنيت عليها كلّ هذه الدعوة، صرَّحوا أنَّ أقوى دليل على صحَّتها هي الرؤى!
قال ناظم العقيلي:
(ومن أقوى القرائن وأشرفها، وهي شهادة الله تعالى في المنام على صحَّة رواية الوصيّة وانطباقها على السيّد أحمد الحسن، ومَنْ أعظمُ من الله شهادة.. حيث رأى الأنصار مئات الرؤى بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والإمام علي عليه السلام، وفاطمة الزهراء عليها السلام، وباقي الأئمّة، وكلّها تؤكِّد على أنَّ السيّد أحمد الحسن رسول الإمام المهدي عليه السلام حقَّا، وأنَّه من ذرّيته، وأنَّه اليماني الموعود)(31).
إذن النصّ الوحيد على إمامة صاحبهم هي رواية الوصيّة، وأقوى دليل على صحَّة هذه الرواية هي الأحلام، والطريق لتشخيص مصداق هذه الرواية هو الأحلام أيضاً، فما أعظم هذه الأحلام عندهم، التي يقوم عليها مذهب بكامله!

* * *



 

 

 

 

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(1) إقبال الأعمال 1: 505.
(2) خطاب صوتي موجود في موقعه الرسمي.
(3) الكافي 8: 90/ ح 61.
(4) الكافي 8: 91/ ح 62.
(5) مناقب آل أبي طالب 2: 179.
(6) أمالي الصدوق: 210/ ح (234/18).
(7) أمالي الصدوق: 209/ ح (231/15).
(8) أمالي الصدوق: 209/ ح (232/16).
(9) أمالي الصدوق: 209/ ح (233/17).
(10) كتاب سليم بن قيس: 350.
(11) أمالي الصدوق: 121/ ح (111/10).
(12) أُنظر: بحار الأنوار 58: 212.
(13) اختيار معرفة الرجال 2: 589/ ح 537.
(14) اختيار معرفة الرجال 2: 593/ ح 548.
(15) اختيار معرفة الرجال 2: 581/ ح 516.
(16) اختيار معرفة الرجال 2: 658/ ح 673.
(17) أمالي الصدوق: 708/ ح (974/6).
(18) بيان تلبيس الجهمية 1: 73.
(19) الكافي 3: 482/ باب النوادر/ ح 1.
(20) أُنظر: بحار الأنوار 58: 211.
(21) أمالي المفيد: 335 و336/ ح 6.
(22) بحار الأنوار 58: 191/ ح 58.
(23) بحار الأنوار 58: 176/ ح 36.
(24) بحار الأنوار 58: 178/ ذيل الحديث 40.
(25) بحار الأنوار 58: 191/ ح 62.
(26) بحار الأنوار 58: 192/ ح 63.
(27) بحار الأنوار 58: 192/ ح 64.
(28) بحار الأنوار 58: 192/ ح 65.
(29) بحار الأنوار 58: 192/ ح 66.
(30) في القطيف ضجَّة 1: 228.
(31) دفاعاً عن الوصيّة: 25.