الشهب الأحمدية على مدَّعي المهدوية (دعوة أحمد الكاطع في الميزان)

الشهب الأحمدية على مدَّعي المهدوية
(دعوة أحمد الكاطع في الميزان)

تأليف: الشيخ أحمد سلمان

فهرس المحتويات

الإهداء
مقدمة
ما هي دعوة أحمد إسماعيل؟
دعوى أحمد إسماعيل أنه من نسل الإمام المهدي
دعوى أحمد إسماعيل أنه المهدي الأول
رواية الوصيّة:
مناقشة سند رواية الوصيّة
مناقشة متن رواية الوصيّة
الدليل الأول
الدليل الثاني
الدليل الثالث
القرائن المدعاة لتصحيح سند رواية الوصيّة:
١ - موافقة القرآن
٢ - روايتها في كتاب معتبر
٣ - تواتر مضمون الرواية
٤ - عدم وجود معارض
٥ - عدم احتمال التقية
٦ - استدلال العلماء بالرواية
على من تنطبق رواية الوصيّة؟
أدلتهم على أن الوصية لا يدَّعيها إلا صاحبها
دعوى أحمد إسماعيل السفارة
معنى السفارة
تعيين سفير الإمام
السفارة في عصر الغيبة الكبرى
دعوى أحمد إسماعيل أنه اليماني
١ - اليماني من اليمن
٢ - اليماني من ولد زيد الشهيد
٣ - اليماني والعصمة
٤ - اليماني والسفارة
دعوى أحمد إسماعيل أنه الإمام الثالث عشر!
الأدلة على أن الأئمة اثنا عشر
رد استدلالات أحمد إسماعيل وأتباعه
قانون معرفة الإمام
الطريق الصحيح لمعرفة الإمام
١ - الاختبار
٢ - العلامات
٣ - المعجزة
أدلة أحمد إسماعيل وأتباعه:
١ - الوصيّة
٢ - العلم والمعرفة
٣ - حاكمية الله
٤ - الأحلام
٥ - الاستخارات
أين سلاح رسول الله؟
لفتة أخيرة
الصفات المزعومة لأحمد إسماعيل
هل أحمد إسماعيل حيٌّ أو ميت؟
سفير غائب لإمام غائب
غائب يمهّد لغائب
مراجعنا العظام هم صمَّام الأمان
كلمة أخيرة
المصادر

بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء

إلى سيّدي ومولاي..
صاحب العصر والزمان..
وإمام الإنس والجانّ..
الإمام محمّد بن الحسن..
المهدي المنتظر عجَّل الله تعالى فرجه الشريف..

* * *
بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة:
الحمد لله ربّ العالمين، فاطر السماوات والأرضين، وبارئ الخلائق أجمعين، وبه نستعين، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على سيِّد الأنبياء وخاتم المرسلين، المبعوث المسدَّد، والمنصور المؤيَّد، المصطفى الأمجد، والمحمود الأحمد، أبي القاسم محمّد، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين المنتجبين، واللعنة الدائمة على أعدائهم ومبغضيهم من الآن إلى قيام يوم الدين، وبعد:
فإنَّه من نِعَم الله علينا أن منَّ علينا بالإسلام المحمّدي الأصيل، فجعلنا شيعة لآل المصطفى صلوات الله عليهم أجمعين، نستقي منهم عقيدتنا، ونقتدي بهم في عباداتنا، فنكون من الناجين الفائزين يوم الحساب.
ولكن أعداء الدين وأعداء آل محمّد عليهم السلام كانوا ولا زالوا بالمرصاد لهذا الخطّ الإسلامي الأصيل، فحاولوا عبر التاريخ قتل أتباعه، ومحاربة المنتسبين إليه، إلَّا أنَّهم لم يصلوا إلى ما يريدون، بل إنَّهم لم يزيدوا الشيعة إلَّا قوَّةً ورسوخاً في المعتقد وإيماناً بالمذهب.
وفي هذا العصر تواصلت الهجمات المسعورة ضدّ مذهب أهل البيت عليهم السلام، لكنَّها لبست ثوباً جديداً، وانتهجت خطّاً مغايراً لما سبق، وهو زرع بعض العملاء والمندسِّين في صفوف شيعة أهل البيت عليهم السلام بغرض تفريق صفّهم وتشتيت شملهم.
ولذلك فقد ظهرت مؤخَّراً عدَّة حركات انتسبت زوراً وبهتاناً للشيعة، وأظهروا مقالات وعقائد فاسدة، جعلوها لُبَّ التشيع وحقيقته، وكلٌّ قد ادَّعى منصباً إلهيّاً لواحد من الناس، فبعضهم نصَّب نفسه قاضياً للسماء، وأشاع آخر بأنَّ الله اصطفاه واجتباه؛ لكي يكون إماماً ربّانيّاً، وخرج ثالث ليدَّعي أنَّه إمام معصوم، وأنَّه سفير الإمام المهدي عليه السلام إلى الشيعة!
والعجيب أنَّه رغم سخافة دعاوى هؤلاء، وتهافت أقوالهم، إلَّا أنَّ بعض عوامّ الشيعة قد صدَّقوا مقالاتهم، واتَّبعوهم في ضلالهم وغيِّهم، وذلك للجهد الإعلامي المبذول من قِبَل هذه الشرذمة، سواء في القنوات الفضائية أم في شبكات الإنترنت.
وقد كان بدء ردِّي على دعوة أحمد إسماعيل على شكل إلقاء مجموعة من المحاضرات في بعض المحافل، وعلى شبكة الإنترنت، إلى أن حثَّني بعض الفضلاء على أن أكتب ردَّاً على هؤلاء؛ لدحض باطلهم، ودفع ضلالهم، إلَّا أنّي وقفت متردِّداً بين أمرين:
الأوّل: أنّي خشيت أن يكون في ردِّي عليهم ترويج لباطلهم، ومساهمة في نشر أكاذيبهم.
الثاني: أنَّ السكوت عن هؤلاء، وتركهم يسرحون ويمرحون، ويُلبِّسون على عوامّ الناس بآرائهم الفاسدة، يجعلهم أكثر جرأة على أهل الحقّ، ويجعل بعض البسطاء يصدِّقون كلامهم، ويتَّبعون دعوتهمأ.
لكنّي لمَّا رأيت كبار علماء الطائفة كالشيخ الطوسي والشيخ الصدوق قدس سرهما كتبوا في الردِّ على الواقفة، والإسماعيلية، والزيدية، وغيرهم ممَّن كتب مثل ذلك في زمان حضور أئمّة الهدى عليهم السلام، كما كتب بعض فضلاء عصرنا ردوداً على مثل هذه الحركات كالشيخ محمّد سند في كتابه (دعوى السفارة في الغيبة الكبرى) ردَّاً على أحد مُدَّعي السفارة في البحرين، والسيّد سامي البدري في كتابه (شبهات وردود) ردَّاً على الضالّ أحمد الكاتب، توكَّلت على ربّ الأرض والسماء، وتوسَّلت بخاتم الأوصياء عليه السلام، وشرعت في كتابة هذا البحث المتواضع؛ للردِّ على أهمّ شبهاتهم المثارة، وتفنيد دعاواهم، والجواب على أهمّ الإشكالات المطروحة التي يمكن أن تكون مدخلاً للتشكيك في عقائد الشيعة.
نسأل الله تعالى أن يوفّقنا للدفاع عن صاحب العصر والزمان عليه السلام، والذبِّ عنه، ودفع دجل المدَّعين، وتخرّصات المشكِّكين، ونصرة هذا المذهب المتين، بمنِّه وكرمه، إنَّه أكرم الأكرمين، والحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمّد وآله الطيِّبين الطاهرين.

في (25/ شوّال/ 1432هـ)
أحمد سلمان

ما هي دعوة أحمد إسماعيل؟
خرج رجل في العراق اسمه أحمد بن إسماعيل من أهل البصرة، وادَّعى أنَّه التقى الإمام المهدي عليه السلام في شعبان سنة (1420هـ)، فأمره بالتبليغ عنه، وكشف انحراف المرجعية وعلماء آخر الزمان، وتبيان العقائد الحقّة.
ثمّ ادَّعى أنَّه ابن الإمام المهدي عليه السلام، وأنَّه المهدي الأوّل المذكور في الروايات، ثمّ زعم أنَّه اليماني الذي هو أحد العلامات الحتمية لصاحب الأمر عليه السلام، إلى أن وصل به الأمر أن ادَّعى أنَّه حُجَّة الله في أرضه، وأنَّه الإمام الثالث عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وأنَّه معصوم كبقيّة الأئمّة عليهم السلام!
إذن فادّعاءات الرجل تتلخَّص في نقاط:
1 _ أنَّه من نسل الإمام المهدي عليه السلام.
2 _ أنَّه المهدي الأوّل المذكور في الروايات بزعمه.
3 _ أنَّه الآن سفير للإمام المهدي عليه السلام.
4 _ أنَّه اليماني المذكور في الروايات.
5 _ أنَّه إمام معصوم، وحُجَّة الله على خلقه.
ولا تتوقَّف دعواته عند هذه الخمسة، بل أحصاها بعض الفضلاء فأوصلها إلى أكثر من خمسين دعوى(1)، وكلّ واحدة منها أعظم من الأُخرى، بل وصل به الأمر إلى أن يقول:
(أمرني أبي وسيّدي محمّد بن الحسن المهدي عليه السلام أن أقول هذه الكلمات: أنا حَجَر في يمين علي بن أبي طالب عليه السلام، ألقاه في يوم ليهدي به سفينة نوح عليه السلام، ومرَّة لينجي إبراهيم عليه السلام من نار نمرود، وتارة ليخلّص يونس عليه السلام من بطن الحوت، وكلَّم به موسى عليه السلام على الطور، وجعله عصا تفلق البحار، ودرعاً لداود عليه السلام، وتدرَّع به في أُحُد، وطواه بيمينه في صفّين)(2).
طبعاً لن نردّ في هذا الكتاب على هذا الهذيان والتخريف، وإنَّما سنقتصر على الدعاوى المهمّة التي لها مساس بعقيدتنا الحقّة، وهي الخمسة المذكورة أعلاه.
أمَّا عن نتاجه الفكري والعلمي فقد نُشِرَ في موقعه مجموعة من الكتب يُزعَم أنَّه كتبها، غالبها يتحدَّث عن إثبات أحقّية دعوته، وترسيخ هذه العقيدة الفاسدة بِلَيِّ عنق الروايات، وصرفها عن ظواهرها، كما لا تخلو كتبه من التعرّض للعلماء الكبار والمراجع العظام بالطعن فيهم، واتّهامهم بكلّ مثلبة.
وأمَّا ما ينفع الناس من فقه، وعقائد، وأخلاق، فقد اكتفى بإضافة بعض التغييرات في كتاب (شرائع الإسلام) للمحقّق الحلّي قدس سره؛ ليجعله له رسالة عملية يعمل بها أتباعه، إضافةً إلى بعض الكتيِّبات حول الخمس، والصوم، ونحوهما، وأمَّا العقائد والأخلاق فتقريباً لا نجد أيّ مصنَّف يُذكر منسوب إليه.
علماً أنَّ الرجل مختفٍ عن الأنظار، ولا يعلم أحد مكانه فيما نعلم، وإن كان بعض المروِّجين له يدَّعون لقاءه، كما أنَّه لم يُظهِر نفسه للجماهير، ولا لوسائل الإعلام، وأتباعه ينفون وجود أيّ صورة شمسية له، كما لا يوجد له أيّ تسجيل بالصورة والصوت!
نعم صدرت بعض الخطابات الصوتية المنسوبة له كما يدَّعي المشرفون على موقعه الرسمي الذين لا نعرف أحداً منهم، ولا يمكننا أن نتأكَّد من صحَّة ذلك، كما أنَّنا لم نطَّلع على ما يُثبِت أنَّ هذا الرجل لا يزال حيّاً موجوداً فعلاً، إلَّا ما يدَّعيه بعض المنتسبين إليه من لقائه.
وموقعه الرسمي يُظهِر أنَّ كثيرين صدَّقوا بدعوته، وآمنوا بقوله، ونحن وإن كنّا لا ننفي وجود بعض الجهَّال البسطاء الذين صدَّقوا بدعوته؛ لما ورد عنهم عليهم السلام من قولهم: (وإنَّه ليس مِنْ أحدٍ يدعو إلى أن يخرج الدجَّال إلَّا سيجد من يبايعه)(3)، إلَّا أنَّنا لم نتيقَّن بأنَّ كثيرين صدَّقوه، فلعلَّ ما هو مكتوب في الموقع كلّه مختلق مكذوب، قام به شخص واحد أو شخصان.
كما أنَّ الموقع حوى مؤلَّفات تقرب من سبعين كتاباً، كتبها عدَّة أشخاص، بعضهم باسمه الصريح، وبعضهم بكنيته، ينتصرون فيها لأحمد إسماعيل ويدافعون عن دعوته، ونحن لا نعلم هل هم أشخاص متعدِّدون أو شخص واحد يكتب بأسماء مختلفة.

* * *

دعوى أحمد إسماعيل أنَّه من نسل الإمام المهدي عليه السلام
ادَّعى هذا الرجل أنَّه من نسل الإمام محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام، وأنَّه عليه السلام جدّه الخامس، فعرَّف نسبه كالتالي: (أحمد ابن السيّد إسماعيل ابن السيّد صالح ابن السيّد حسين ابن السيّد سلمان ابن الإمام محمّد ابن الإمام الحسن ابن الإمام علي ابن الإمام محمّد ابن الإمام علي ابن الإمام موسى ابن الإمام جعفر ابن الإمام محمّد ابن الإمام علي ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام)(4).
وبالرجوع إلى تاريخ دعوة أحمد إسماعيل يُعلَم أنَّ انتساب هذا الرجل ما هو إلَّا مجرَّد دعوى لا دليل عليها، فهو بنفسه _ باعترافه بحسب ما هو مذكور في موقعه _ كان يجهل أنَّه ابن الإمام المهدي عليه السلام، ولم يعرف ذلك إلَّا بعد لقائه بالإمام عليه السلام بحسب زعمه!
أمَّا شجرة النسب المعتمدة عندهم فكلّ الذين ختموا فيها، وقالوا بصحَّتها، هم من المعاصرين الموجودين الآن في هذه الأيّام، وشهادتهم كانت في سنة (2009) ميلادي!
وهم: عيدان خزاوي آل ماضي، وشياع إسماعيل آل فيصل، والسيّد صالح عزيز الصافي، والسيّد حسن الحمّامي.
ولعمري كيف يشهد واحد يعيش في سنة (2009) ميلادي أنَّ جدّ أحمد إسماعيل الخامس هو الإمام المهدي عليه السلام؟ ولاسيّما أنَّ كلّ النسَّابين لا يعرفون من ينتهي نسبه إلى الإمام المهدي عليه السلام، إمَّا لأنَّ الإمام المهدي لا ولد له أصلاً، أو لأنَّ الأحوال الخاصّة بالإمام المهدي عليه السلام محاطة بالسرّية التامّة، ومن جملتها أبناؤه وذرّيته، فكيف عرف هؤلاء انتهاء نسب أحمد إسماعيل إلى الإمام المهدي عليه السلام؟!
أهو العلم بالمغيَّبات، أم بريق الدولارات؟ أم ماذا؟!
والأغرب أنَّ المعتمد في تصريحات هؤلاء هي شهادة محسن صالح الذي هو عمّ أحمد إسماعيل!
فهذا العمّ يشهد لابن أخيه أنَّه من نسل صاحب الأمر عليه السلام، والبقيّة يشهدون بهذا لشهادة هذا العمّ!
علماً أنَّ كلّ الذين شهدوا بهذا صرَّحوا أنَّ نسب أُسرة أحمد إسماعيل منقطع، وأنَّهم لا ينتمون إلى قبيلة بني سالم حقيقة، وهي القبيلة التي ينتسب إليها أحمد إسماعيل بحسب ما يعرفه الناس من نسبه، وبما أنَّهم ليسوا من قبيلة بني سالم، فيتعيَّن أنَّهم من أبناء الإمام المهدي عليه السلام!
وهذا استدلال غريب جدَّاً لا يصدر من أيّ شخص عارف بالأنساب؛ لأنَّه إذا كان الأمر هكذا فلن يبقى في الأرض لقيط أو مجهول النسب إلَّا وادَّعى السيادة، وانتسب للعترة الطاهرة، أو ادَّعى الانتساب للإمام المهدي عليه السلام!
وقد حاول بعض أتباعه المروِّجين له حشد مجموعة من الروايات التي تثبت وجود ذرّية للقائم عليه السلام، وتمسَّكوا بها لإثبات مدَّعاهم ولا نعلم لحدِّ الآن ما العلاقة بين الروايات المذكورة على فرض صحَّة سندها ودلالتها وبين أحمد إسماعيل السالمي؟!
فالروايات تثبت _ إن سلَّمنا جدلاً بها _ أنَّ الإمام المهدي عليه السلام له عقب وذرّية، ولكنَّها لا تعيِّن تلك الذرّية، ولاسيّما أنَّ تلك الروايات لم تذكر علامات تمكِّن الإنسان من معرفة ذرّية الإمام المهدي عليه السلام وتمييزهم عن بقيّة الناس، وطبعاً الأنساب لها طرق شرعية معروفة لإثباتها، وادّعاء أحدهم للسيادة ليس حجَّة شرعية حتَّى وإن كان المدَّعي ثقةً أو عدلاً؛ لأنَّ العقل والشرع يمنعان من تصديق أمثال هذه الدعاوى مع غياب الدليل والبرهان.
وحتَّى هذه الروايات التي ذكروها لا تثبت وجود ذرّية للإمام المهدي عليه السلام في عصر الغيبة الكبرى، بل تثبت له ذرّية، ولكن لا تحدِّد متى تحصل له، فربَّما تكون في زمن غيبته، وربَّما تكون بعد ظهوره، فلا يوجد دليل تامّ، يثبت وجود ذرّية للإمام المهدي عليه السلام في زمن الغيبة الكبرى بالتحديد.
ولو سلَّمنا بوجود الذرّية في زمن الغيبة فلا يوجد دليل على أنَّ أحمد إسماعيل من مصاديقها، وكلّ ما قالوه في ذلك لا يتعدَّى كونه ادّعاءات لا دليل عليها، بل قام الدليل على خلافها.
وإذا كان أحمد إسماعيل يريد فعلاً إثبات أنَّه إمام من ذرّية الإمام المهدي عليه السلام، فتوجد طريقة سهلة جدَّاً دلَّت عليها الروايات، وهي كفيلة بإقناع جميع الشيعة ليس فقط بصحَّة انتساب أحمد إسماعيل إلى الإمام المهدي عليه السلام، بل سيُصدِّقونه في كلّ ما يدَّعيه!
وهي أن يدخل أحمد إسماعيل في مكانٍ فيه سباع وأُسود جائعة، وسينظر الناس ما ستصنع به فإن أكلته فهو كذَّاب في دعواه، وإن لم تأكله فهو صادق في ما يدَّعيه؛ لأنَّ لحوم أئمّة أهل البيت عليهم السلام محرَّمة على السباع.
فقد روى الكليني في الكافي عن علي بن محمّد، عن بعض أصحابنا، قال: سُلِّم أبو محمّد [العسكري] عليه السلام إلى نحرير، فكان يضيِّق عليه ويؤذيه، قال: فقالت له امرأته: ويلك اتَّق الله، لا تدري مَنْ في منزلك! وعرَّفتْه صلاحه، وقالت: إنّي أخاف عليك منه، فقال: لأرمينَّه بين السباع. ثمّ فعل ذلك به، فرئي عليه السلام قائماً يُصلّي وهي حوله(5).
وروى الراوندي عن أبي هاشم الجعفري، قال: ظهرت في أيّام المتوكِّل امرأة تدَّعي أنَّها زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لها المتوكِّل: أنت امرأة شابّة، وقد مضى من وقت وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما مضى من السنين! فقالت: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسح على رأسي، وسأل الله أن يردَّ عليَّ شبابي في كلّ أربعين سنة، ولم أظهر للناس إلى هذه الغاية، فلحقتْني الحاجة، فصرت إليهم. فدعا المتوكِّل كلّ مشايخ آل أبي طالب، وولد العبّاس وقريش، فعرَّفهم حالها، فروى جماعة وفاة زينب بنت فاطمة عليهما السلام في سنة كذا، فقال لها: ما تقولين في هذه الرواية؟ فقالت: كذب وزور، فإنَّ أمري كان مستوراً عن الناس، فلم يُعرَف لي حياة ولا موت. فقال لهم المتوكِّل: هل عندكم حُجَّة على هذه المرأة غير هذه الرواية؟ قالوا: لا. قال: أنا بريء من العبّاس إن لا أنزلها عمَّا ادَّعت إلَّا بحجَّة تلزمها. قالوا: فأَحضِرْ علي بن محمّد ابن الرضا عليهم السلام، فلعلَّ عنده شيئاً من الحجَّة غير ما عندنا. فبعث إليه، فحضر، فأخبره بخبر المرأة. فقال: (كذبت، فإنَّ زينب توفِّيت في سنة كذا، في شهر كذا، في يوم كذا). قال: فإنَّ هؤلاء قد رووا مثل هذه الرواية، وقد حلفت أن لا أنزلها عمَّا ادَّعت إلَّا بحُجَّة تلزمها. قال: (ولا عليك، فههنا حجَّة تلزمها وتلزم غيرها). قال: وما هي؟ قال: (لحوم ولد فاطمة محرَّمة على السِّباع، فأَنزْلها إلى السِّباع، فإن كانت من ولد فاطمة فلا تضرَّهاالسِّباع). فقال لها: ما تقولين؟ قالت: إنَّه يريد قتلي. قال: (فههنا جماعة من ولد الحسن والحسين عليهما السلام، فأَنزِلْ مَن شئت منهم). قال: فوَالله لقد تغيَّرت وجوه الجميع، فقال بعض المتعصِّبين: هو يحيل على غيره، لِمَ لا يكون هو؟ فمال المتوكِّل إلى ذلك رجاء أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع. فقال: يا أبا الحسن لِمَ لا يكون أنت ذلك؟ قال: (ذاك إليك). قال: فافعلْ! قال: (أَفعلُ إن شاء الله). فأُتي بسُلَّم، وفُتِحَ عن السباع، وكانت ستّة من الأُسْد، فنزل الإمام أبو الحسن عليه السلام إليها، فلمَّا دخل وجلس صارت الأُسود إليه، ورمت بأنفسها بين يديه، ومدَّت بأيديها، ووضعت رؤوسها بين يديه، فجعل يمسح على رأس كلّ واحد منها بيده، ثمّ يشير له بيده إلى الاعتزال فيعتزل ناحية، حتَّى اعتزلت كلّها وقامت بإزائه، فقال له الوزير: ما كان هذا صواباً، فبادِرْ بإخراجه من هناك قبل أن ينتشر خبره. فقال له: أبا الحسن ما أردنا بك سوءاً، وإنَّما أردنا أن نكون على يقين ممَّا قلت، فأحبّ أن تصعد، فقام وصار إلى السُّلَّم وهي حوله تتمسَّح بثيابه، فلمَّا وضع رجله على أوّل درجة التفت إليها، وأشار بيده أن ترجع فرجعت، وصعد، فقال: (كلّ من زعم أنَّه من ولد فاطمة فليجلس في ذلك المجلس)، فقال لها المتوكِّل: انزلي. قالت: الله الله، ادَّعيتُ الباطل، وأنا بنت فلان، حملني الضرّ على ما قلت. فقال المتوكِّل: ألقوها إلى السباع. فبعثت والدته، واستوهبتها منه، وأحسنت إليها(6).
فهذه هي الطريقة القطعية لمعرفة صدق هذا الرجل من كذبه، فإمَّا أن يقوم بفعل هذا الأمر علانية أمام الناس، أو نحكم عليه بالكذب والدجل، والانتساب زوراً وبهتاناً لصاحب الأمر عليه السلام.

* * *

دعوى أحمد إسماعيل أنَّه المهدي الأوّل
ذكرت بعض روايات أهل البيت عليهم السلام ما يحدث بعد وفاة الإمام المهدي عليه السلام، وقد قسَّم العلماء هذه الروايات إلى ثلاث طوائف:
الطائفة الأُولى: هي التي تتحدَّث عن رجعة أئمّة أهل بيت عليهم السلام للحياة الدنيا، وحكمهم للعالم.
الطائفة الثانية: هي التي تحدَّثت عن وجود اثني عشر مهديّاً بعد الإمام محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام، وذكرت بعض الأخبار أنَّهم من نسله، وحدَّدت إحدى الروايات أنَّ الأوّل منهم هو ابنه.
الطائفة الثالثة: هي التي تحدَّثت عن قيام الساعة بعد أربعين يوماً من وفاة الإمام المهدي عليه السلام.
وقد تمسَّك أحمد إسماعيل وأتباعه بالطائفة الثانية من تلك الروايات، وهي الدالّة على أنَّه لا بدَّ من وجود اثني عشر مهديّاً بعد الإمام المهدي عليه السلام، وادَّعوا أنَّ المهدي الأوّل هو أحمد إسماعيل نفسه، وأنَّه هو الحجَّة بعد جدِّه الإمام المهدي عليه السلام.
ولعلَّ أهمّ ما احتجّوا به في هذا الباب وجعلوه القول الفصل هو ما أسموه برواية الوصيّة.
رواية الوصيّة:
وهي التي رواها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب الغيبة، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيِّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم _ في الليلة التي كانت فيها وفاته _ لعلي عليه السلام: (يا أبا الحسن، أَحضِرْ صحيفة ودواة). فأملى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيَّته حتَّى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: (يا علي، إنَّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهديّاً، فأنت يا علي أوّل الاثني عشر إماماً، سمَّاك الله تعالى في سمائه: عليَّاً المرتضى، وأمير المؤمنين، والصدِّيق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصحُّ هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي، أنت وصيِّي على أهل بيتي حيِّهم وميِّتهم، وعلى نسائي: فمن ثبَّتَّها لقيتْني غداً، ومن طلَّقتَها فأنا بريء منها، لم ترَني ولم أرَها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أُمَّتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلِّمْها إلى ابني الحسن البرّ الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلِّمْها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلِّمْها إلى ابنه سيِّد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلِّمْها إلى ابنه محمّد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلِّمْها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلِّمْها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلِّمْها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلِّمْها إلى ابنه محمّد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلِّمْها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلِّمْها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلِّمْها إلى ابنه محمّد المستحفظ من آل محمّد عليهم السلام، فذلك اثنا عشر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهديّاً، فإذا حضرته الوفاة ليسلِّمْها إلى ابنه أوّل المقرَّبين. له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو عبد الله، وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوّل المؤمنين)(7).
مناقشة سند رواية الوصيّة:
يحاول أتباع أحمد إسماعيل أن يبنوا معتقداً كاملاً بناءً على هذه الرواية، خصوصاً أنَّها الوحيدة التي ذكرت اسم المهدي الأوّل، وهو: (أحمد) كما يدَّعون، وعليه فلا بدَّ من معرفة مَنْ نقل لنا هذا الخبر، ومَنْ رواه عن أئمّة الهدى عليهم السلام!
ولأنَّ أحمد إسماعيل وأتباعه يعلمون أنَّ هذه الرواية ضعيفة السند لا يصحُّ الاحتجاج بها في أمر عظيم كهذا كما سيتَّضح ذلك، فإنَّهم للفرار من هذا المأزق قالوا ببطلان علم الرجال، وأنَّه بدعة، وأنَّه تقليد للمخالفين وما شابه، فنجيبهم بأنَّنا سنطلع القارئ الكريم على رواة هذا الخبر ليحكم هو بنفسه على هذا الخبر، هل يقبله أو يردّه، وهذا ما يفعله أيّ عاقل سمع خبراً من بعضهم، حيث إنَّه سيحاول معرفة مصدر الخبر، فإن كان المخبر ثقة عنده، فسيعمل بمفاد الخبر، وأمَّا إذا كان راوي الخبر مجهول الحال فسيصرف النظر عنه، إلَّا مع وجود قرينة تؤكِّد صحَّة ما يقوله هذا المخبر المجهول.
وهذا ما وجَّهنا إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات: 6)، وكذلك أهل البيت عليهم السلام، حيث أمروا شيعتهم بالنظر إلى رواة الأخبار، وحثّوهم على الأخذ عن الصادقين كما في مقبولة عمر بن حنظلة عندما سأل الإمام الصادق عليه السلام، فقال له: فإن كان كلّ رجل اختار رجلاً من أصحابنا، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقِّهما، واختلفا فيما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ فقال عليه السلام: (الحكم ما حكم به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما في الحديث، وأورعهما، ولا يُلتفَت إلى ما يحكم به الآخر)(8).
وعندما طبَّقنا هذه القاعدة على رواية الوصيّة، وجدنا أنَّ سندها احتوى على مجموعة من المجاهيل الذين أُهمل ذكرهم في كتب الرجال، ولم يتعرَّض لهم أحد من علمائنا الأبرار، وهم:
1 _ علي بن سنان الموصلي: مُهمَل، لم يُذكَر في كتب الرجال والتراجم، ولا يُعرَف عنه شيء سوى اسمه، بل بحثت حتَّى في كتب المخالفين فلم أجد له ذكراً، وقد حاول بعض المروِّجين لأحمد إسماعيل توثيق هذا الرواي من طريقين:
الأوّل: أنَّ الرجل وُصِفَ في هذه الرواية بالعَدْل، وهذا دليل على اشتهاره بالوثاقة.
ويُجاب على هذا: بأنَّ لفظ (العدل) لا يدلُّ على وصفه بالعدالة التي تشترط في رواة الحديث، والظاهر أنَّ المراد بالعدل هنا اللقب وليس الصفة، أي إنَّ اسمه العدل، لا أنَّه موصوف بالعدالة، ولذلك قال السيّد الخوئي قدس سره في ترجمة الفقيه الدارمي العدل: (لا يبعد أنَّ الرجل من العامّة، وأنَّ كلمة (العدل) من ألقابه، وهذه كلمة تطلق على الكُتَّاب في القضاء والحكومات، فيقال: كاتب العدل)(9).
ثمّ إنَّ الرجل مجهول الحال، فلا يُعلَم من وصفه بالعَدْل، فربَّما يكون عامّياً، اشتُهر بين أهل مذهبه بهذه الصفة، أو يكون منتسباً لإحدى الفِرَق الأُخرى، وأطلقوا عليه هذه الصفة، فإن كانت كذلك فهو عَدْل عندهم لا عندنا.
مضافاً إلى أنَّه لم يُنقَل لنا أنَّ ضبط هذه الكلمة هو (العَدْل)، فلعلَّ ضبطها هو: (العِدْل) التي هي بمعنى المساوي، فلا تدلُّ حينئذٍ على العدالة أو الوثاقة بأيّ نحو.
أضف إلى هذا أنَّ هناك اختلافاً في إطلاق لفظ (العدل) على هذا الرجل، فقد روي عنه في مقتضب الأثر(10) رواية، لكن أُضيف له لقب (المعدّل) بدل من (العدل)، بل إنَّ الشيخ النمازي الذي استظهر وثاقته _ كما سنذكر لاحقاً _ ترجم له باسم: (علي بن سنان الموصلي المعدّل)، فمن يتمسَّك بدلالة هذا اللفظ، فعليه أوّلاً أن يثبت أنَّه هو اللقب الصحيح وليس المعدّل، ثمّ عليه ثانياً أن يثبت أنَّ المراد بالعدل وصفه بالعدالة، وثالثاً لا بدَّ من إثبات أنَّ من وصفه بالعدل يؤخذ بقوله.
الثاني: ما استظهره الشيخ النمازي من مضامين رواياته، حيث إنَّها كما قال: (رواية شريفة تفيد حسنه وكماله)(11).
ويُجاب على هذا: بأنَّ رواية خبر لا يعني الالتزام بمضمونه، فكما أنَّ ناقل الكفر ليس بكافر، فكذلك ناقل الإيمان ليس بمؤمن بالضرورة، ويشهد لذلك نقل المخالفين لدُرَر فضائل أهل البيت عليهم السلام وغرر مناقبهم، ولكن نجدهم لا يلتزمون بها رغم اعتقادهم بصحَّتها.
ولو سلَّمنا جدلاً بأنَّ رواية مضمونٍ ما تعني الالتزام به، فغاية ما في الأمر هو سلامة معتقد هذا الرواي، وليس وثاقته وضبطه.
فهذه المحاولات لا تنفع في إثبات وثاقة هذا الرجل الذي لا يُعرَف عنه إلَّا اسمه واسم أبيه فقط.
2 _ علي بن الحسين: هو كسابقه مجهول أيضاً لا يُعرَف، ومن الجهل الفاضح ما صرَّح به أحد أنصار أحمد إسماعيل(12) من أنَّ المراد به هو والد الشيخ الصدوق قدس سره، متمسِّكاً بما ذكره الميرزا النوري الطبرسي قدس سره في خاتمة المستدرك بقوله: (إنَّ الموجود في كتب الأحاديث والرجال التعبير عن والد الصدوق بقولهم: علي بن الحسين، أو علي بن بابويه)(13).
والجواب: أنَّ الميرزا النوري الطبرسي لم يجعل ذلك قاعدة عامّة، وهي أنَّه إذا أُطلق علي بن الحسين في كلّ الأحاديث فيُراد به والد الشيخ الصدوق، بل هو بصدد الردّ على من قال: (إنَّ مؤلِّف كتاب (فقه الرضا) الموسوم بعلي بن موسى هو والد الصدوق)، فأجاب بقوله: إنَّه لم يُعبَّر عن والد الصدوق بهذا الاسم، بل بعلي بن الحسين، أو علي بن بابويه.
ثمّ لو سلَّمنا بصحَّة هذا الكلام إجمالاً لما نفعه في هذا المقام؛ لأنَّ علي بن الحسين المذكور ليس من طبقة والد الشيخ الصدوق؛ لعدَّة قرائن:
أوّلاً: أنَّ البزوفري معاصر لوالد الشيخ الصدوق رحمه الله، وهو هنا يروي عن علي بن الحسين بواسطة شخص لا يُعرَف بعلم ولا فضل، وهذا بعيد جدَّاً أن يروي أمثال البزوفري الجليل الوجه عن ابن بابويه الجليل الوجه بواسطة شخص غير معروف مع أنَّه معاصر له.
ثانياً: أنَّ الشيخ الطوسي قدس سره صرَّح في الفهرست أنَّه يروي كلّ كتب والد الشيخ الصدوق وكلّ رواياته بواسطتين، حيث قال: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته الشيخ المفيد رحمه الله، والحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر ابن بابويه، عن أبيه)(14).
في حين أنَّه يروي هذه الرواية عن (علي بن الحسين) بثلاث وسائط مغايرة لتلك، كما أنَّ النجاشي المعاصر للشيخ يروي كتب والد الصدوق بواسطة واحدة(15)، فكيف يروي عنه الشيخ هذه الرواية بثلاث وسائط خأ؟
ثالثاً: أنَّ الشيخ الصدوق الذي يروي عن أبيه مباشرة كما هو معلوم، روى في كتابه (كمال الدين) عن علي بن سنان الموصلي بواسطتين، فقال: (حدَّثنا أبو العبّاس أحمد بن الحسين بن عبد الله بن محمّد بن مهران الآبي العروضي رضي الله عنه بمر، وقال: حدَّثنا أبو الحسين بن زيد بن عبد الله البغدادي، قال: حدَّثنا أبو الحسن علي بن سنان الموصلي...)(16).
فلا ندري كيف يروي الشيخ الصدوق قدس سره عن معاصره بواسطتين!
رابعاً: أنَّه لا توجد أيّ رواية في كلّ كتب الشيعة يروي فيها علي بن سنان عن ابن بابويه والد الصدوق، وهذا يؤكِّد أنَّ علي بن الحسين في هذا الخبر ليس والد الشيخ الصدوق.
خامساً: أنَّ لوالد الشيخ الصدوق كتاب الإمامة والتبصرة، وللصدوق كتاب كمال الدين، وقد تكفَّل هذان الكتابان بإثبات أنَّ الأئمّة اثنا عشر، والحاجة تمسّ لذكر هذه الرواية في هذين الكتابين، ولكنَّهما لم يذكراها في كتابيهما بحسب تتبّعي القاصر.
وبتعبير آخر نقول: إذا كانت هذه الرواية مروية عن والد الشيخ الصدوق، فمن الطبيعي أن يذكرها في كتابه المعدّ لذكر الأئمّة، فلمَّا لم يذكرها علمنا أنَّ علي بن الحسين في الرواية هو شخص آخر، وأنَّ هذه الرواية لم يروها والد الشيخ الصدوق قدس سره.
إذن فكلّ هذه القرائن مجتمعة تثبت أنَّ علي بن الحسين المذكور في هذا السند ليس والد الشيخ الصدوق، فيكون مجهولاً، لا يُعرَف حاله.
3 _ أحمد بن محمّد بن الخليل: هو مهمَل كسابقَيه، لم يُذكر في كتب الرجال، ولم يُعتنَ بترجمته.
وكالعادة فقد حاول بعض الدعاة لأحمد إسماعيل توثيق الرجل بناءً على روايته النصّ على الاثني عشر، وقد رددنا على هذا سابقاً، وأثبتنا أنَّه لا ملازمة بين صحَّة الرواية وصحَّة الاعتقاد، ولا ملازمة بين سلامة الاعتقاد والوثاقة.
وكلّ ما نُقِلَ عنه في كتب الشيعة ثلاث روايات فقط.
4 _ جعفر بن محمّد المصري: هو مهمَل أيضاً، لا ذكر له في كتب الشيعة، وقد حاول توثيقه ناظم العقيلي وهو من الدعاة لأحمد إسماعيل، مستدلَّاً بتضعيف العامّة له!
ولا ندري ما الربط بين الأمرين؟ إذ كيف تستفاد الوثاقة التي هي عدم تعمّد الكذب من نصِّ العامّة على أنَّ المترجم له رافضي!
فقولهم: (رافضي) لا يعني أصلاً أنَّه شيعي إمامي اثنا عشري، فضلاً عن ثبوت وثاقته، بل غاية ما يفيده كلامهم هذا أنَّ المترجَم له مخالف لخطّ المخالفين في أمر يوافق فيه عقيدة الشيعة، كالقول بتفضيل أمير المؤمنين عليه السلام على الشيخين، أو أنَّه يطعن فيهما، سواء أكان زيديّاً أم إسماعيليّاً، أم واقفيّاً، أم فطحيّاً، أم اثني عشريّاً، ولذلك قالوا في الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك على الصحيحين: (إنَّه رافضي).
قال الذهبي: (قال ابن طاهر: سألت أبا إسماعيل الأنصاري عن الحاكم، فقال: ثقة في الحديث رافضي خبيث. ثمّ قال ابن طاهر: كان شديد التعصّب للشيعة في الباطن، وكان يُظهر التسنّن في التقديم والخلافة، وكان منحرفاً عن معاوية وآله، متظاهراً بذلك، ولا يعتذر منه)(17).
فهل هذا الكلام يعني تشيّع الحاكم، ووثاقته، وقبول مرويَّاته؟
فالمذكور مهمَل، لم يترجَم إلَّا في كتب أهل السُّنَّة، ونصّهم على رفضه، وجرحهم له، لا يدلُّ من قريب أو من بعيد على تشيّع الرجل أو وثاقته.
ثمّ إنَّ علماء أهل السُّنَّة نصّوا على أنَّه توفّي في سنة (304هـ) ممَّا يعني أنَّه معاصر للبزوفري، فلا نعلم كيف يروي معاصره عنه بثلاث وسائط!
5 _ الحسن بن علي: هو أيضاً مهمَل، ولا يُعرَف من هو، ولا يمكن تمييزه، ولذلك حاول مدَّعي العلم ناظم العقيلي إيجاد مخرج لهذه المصيبة، فادَّعى وجود تصحيف، والصحيح هو: (الحسين بن علي)، وهذا لا دليل عليه ولا برهان سوى اتّباع الأهواء!
فاتّحاد اسم الأب وهو (علي)، أو النسبة وهو (المصري)، غير كافٍ في إثبات وجود تصحيف في اسم هذا الراوي، بل لا بدَّ من وجود قرائن تثبت هذا المدَّعى.
ثمّ إنَّ جعفر بن محمّد وهو الراوي عن الحسن بن علي وابن أخيه، لم يُترجَم له في كتب الشيعة، ولا توجد له إلَّا هذه الرواية، فكيف عرفوا أنَّ عمَّه الذي يروي عنه هو الحسين بن علي، وليس الحسن؟
مع أنَّ الحسين بن علي الذي حاول العقيلي إدخاله عنوة في سلسلة السند هو من وجوه الشيعة ومن ثقاتهم، في حين أنَّ الرواية كما سنثبت لاحقاً عامّية بنصّ علمائنا الأبرار، وهذه أكبر قرينة على فساد ما ادَّعوه.
علماً أنَّه بمراجعة ما رواه ابن عدي نجد أنَّ جعفر بن محمّد المصري يروي فعلاً عن عمّه الحسن بن علي كما في الضعفاء، حيث قال: (ثنا جعفر، ثنا يوسف بن يعقوب بن سالم الأحمر، حدَّثنا هشام بن الحكم. وثنا جعفر، قال: وحدَّثني عمّي الحسن بن علي بن بيان، حدَّثنا هشام بن سالم، قالا جميعاً: ثنا جعفر بن محمّد...)(18).
فلا ندري هل سيدَّعي ناظم العقيلي وقوع التصحيف أيضاً في كتاب الكامل في الضعفاء؟
6 _ علي بن بيان بن سيابة: هو مهمَل أيضاً كسابقَيه، لا توجد له ترجمة، ولم يُعرَف بتصنيف أو رواية ولا حديث سوى هذا الخبر!
وقد حاول ناظم العقيلي توثيقه بعدَّة طرق:
منها: أنَّ الرجل روى هذه الرواية التي تدلُّ على حسنه وكماله.
ويُجاب بما أجبنا به سابقاً، ونضيف عليه أنَّ هذا المبنى يستلزم الدور، فعندما نسأل صاحب هذا الرأي عن سبب قبوله للرواية، فسيردّ بأنَّها وصلت لنا عن طريق الثقات، ولو سألناهم ثانية عن دليلهم على وثاقة هذا الرجل لقالوا: (روايته لهذا الخبر)، وهذا دور واضح باطل بالضرورة عند العقلاء.
ومنها: أنَّ الرجل من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، وقد نصَّ بعض علمائنا على وثاقة كلّ أصحابه.
ويُجاب: كبرويّاً بأنَّ نفس هذا المبنى محلّ خلاف بين العلماء، وأكثر علمائنا لم يعملوا بهذا القول، وقد ذكروا أدلَّة بطلان هذه القاعدة في كتب الرجال، ليس هذا موضع بيانها.
ثمّ صغرويّاً لا يمكن إثبات أنَّ هذا الرجل من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام الذين يمكن توثيقهم بناءً على هذا المبنى:
أوّلاً: لأنَّه لم يترجَم له في كتب الشيعة، ومن المعلوم أنَّ الذين قالوا بتوثيق أصحاب الإمام الصادق عليه السلام اعتمدوا على كلام ابن عقدة، وكلّ الذين تَرجموا لأصحاب الإمام الصادق عليه السلام كالشيخ الطوسي وغيره لم يتعرَّضوا لترجمة هذا الراوي.
ثانياً: أنَّ هذه الرواية لا تثبت صحبته للإمام عليه السلام؛ لضعف الطريق إليه.
ومنها: أنَّ رواة الوصيّة كلّهم شيعة كما نصَّ الشيخ الطوسي قدس سره على ذلك.
ويُجاب عليه: بأنَّ هذا لم يثبت أيضاً كما سنبيِّنه بالتفصيل لاحقاً، ولو سلَّمنا بذلك فتشيّع الراوي لا يدلُّ على وثاقته وصحَّة نقله، وهذا معلوم بالوجدان، فالشيعة كغيرهم من البشر فيهم الصادق وفيهم الكاذب، فلا ملازمة بين التشيّع والصدق، ولذلك نجد أنَّ الأئمّة كذَّبوا بعض الشيعة الذين عاصروهم وصحبوهم.
إذن فسند هذه الرواية مظلم جدَّاً، مشتمل على ستّة من الرواة المجاهيل الذين لا يُعرَف منهم إلَّا أسماؤهم من مجموع ثمانية من الرواة.
أضف إلى هذا أنَّ علماء الشيعة الأبرار نصّوا على أنَّ هذه الرواية التي يسمّيها أحمد إسماعيل والمروِّجون له برواية الوصيّة رواية سُنِّية!
قال الحرّ العاملي في كتاب (الإيقاظ من الهجعة) عند إيراده لهذا الخبر: (روى الشيخ في كتاب الغيبة في جملة الأحاديث التي رواها من طرق العامّة في النصّ على الأئمّة عليهم السلام...)(19).
وساق الخبر، ثمّ قال في تعليقه على هذه الرواية: (ولا يخفى أنَّ الحديث المنقول أوّلاً من (كتاب الغيبة) من طرق العامّة، فلا حُجَّة فيه في هذا المعنى [يعني في المهديّين]، وإنَّما هو حُجَّة في النصِّ على الاثني عشر؛ لموافقته لروايات الخاصّة، وقد ذكر الشيخ بعده وبعد عدَّة أحاديث أنَّه من روايات العامّة، والباقي ليس بصريح، وقد تقدَّم في الحديث السادس والتسعين من الباب السابق ما هو صريح في أنَّ المهدي عليه السلام ليس له عقب)(20).
فهذا الحرّ العاملي خرّيت هذا الفنّ يشهد بأنَّ الرواية عامّية، وأنَّها ليست بحُجَّة في إثبات المهديّين!
وقال السيّد عبد الله شبَّر في كتابه مصابيح الأنوار: (مع أنَّ رواة الحديث الأوّل _ يقصد رواية غيبة الطوسي _ من العامّة)(21).
ولو نظرنا إلى رواية أُخرى رواها الشيخ الطوسي قدس سره قبل رواية الوصيّة بصفحتين في معرض إيراده لروايات إمامة الاثني عشر بهذا السند: (وأخبرنا جماعة، عن التلعكبري، عن أبي علي أحمد بن علي الرازي الأيادي، قال: أخبرني الحسين بن علي، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن أحمد بن محمّد الخليلي، عن محمّد بن صالح الهمداني، عن سليمان بن أحمد، عن زياد بن مسلم وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سلام، قال: سمعت أبا سلمى راعي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:...)(22).
نجد أنَّ اثنين من رواة الوصيّة قد ذُكروا في سلسلة سند هذه الرواية، وهما علي بن سنان الموصلي، وأحمد بن محمّد الخليلي.
وبمراجعة كلمات علماء الشيعة الإمامية في هذه الرواية نجد أنَّهم نصّوا على أنَّ هذه الرواية أيضاً عامّية، وأنَّ رواتها من فقهاء العامّة!
قال أحمد بن عيّاش الجوهري وهو من شيوخ النجاشي والطوسي قدس سرهما: (ما رواه عامّة أصحاب الحديث [وهم المخالفون] عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أعداد الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام وأسمائهم)(23).
ثمّ قال: (وما رووه عن أبي سلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه من أسماء الأئمّة وأعدادهم: حدَّثنا أبو الحسن علي بن سنان الموصلي المعدّل، قال: أخبرني أحمد بن محمّد الخليلي الآملي، قال: حدَّثنا محمّد بن صالح الهمداني، قال: حدَّثنا سليمان بن أحمد، قال: أخبرني الريّان بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: سمعت سلام بن أبي عمرة، قال: سمعت أبا سلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول...) الخ(24).
والمقصود بالذين رووه هم المخالفون؛ لأنَّه التزم في المقدّمة بإخراج روايات الاثني عشر الواردة في كتب المخالفين، فقال: (وقد ذكرت في كتابي هذا من مقتضب الآثار ما أدَّته إلينا رواة الحديث من مخالفينا من النصِّ على أئمّتنا عليهم السلام من الروايات الصحيحة، والتوقيف على أسمائهم، وأعيانهم، وأعدادهم، موافقاً لرواياتنا، فنقلته عنهم نقل متأوّلة بالقبول)(25).
وقال السيّد ابن طاووس قدس سره في الطرائف عند ذكره للخبر: (ومن ذلك ما رواه المسمَّى عندهم صدر الأئمّة أخطب خطباء خوارزم موفَّق بن أحمد المكّي في كتابه...)(26).
والأوضح من هذا ما قاله الحرّ العاملي في تعليقه على هذا الخبر: (وفي الكتاب المذكور من روايات رجال المذاهب الأربعة كما رواه عندهم صدر الأئمّة أخطب خوارزم موفَّق بن أحمد المكّي في كتابه، قال: حدَّثنا فخر القضاة نجم الدين أبو منصور محمّد ابن الحسين بن محمّد البغدادي فيما كتب إليَّ من همدان، قال: أنبأنا الشريف نور الهدى أبو طالب الحسن بن محمّد الزينبي، قال: أخبرنا إمام الأئمّة محمّد بن أحمد بن شاذان، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن عبد الله الحافظ، قال: حدَّثنا علي بن سنان الموصلي، عن أحمد بن محمّد بن صالح، عن سلمان بن محمّد، عن زياد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن زيد، عن جابر، عن سلامة عن أبي سليمان راعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال:...) ثمّ ذكر الحديث(27).
فكلام الحرّ العاملي صريح في أنَّ رواة الخبر هم من العامّة، وهو شاهد آخر على أنَّ غالب رواة رواية الوصيّة من العامّة كما نقلنا سابقاً.
وقد حاول بعض أنصار أحمد إسماعيل الدفاع عن رواية الوصيّة، وتصحيحها، بزعم أنَّ هناك قرائن متعدّدة تصحّح سندها:
فقالوا: إنَّ رواية البزوفري كاشفة عن صحَّة الخبر؛ لأنَّ هذا الأخير من وكلاء الإمام المهدي عليه السلام، ولا يحتمل أن يروي باطلاً.
والجواب على ذلك: أنَّه لم يثبت كون الرجل وكيلاً للإمام المهدي عليه السلام، أوّلاً: لقيام الإجماع عند الطائفة على أنَّ السفراء كانوا أربعة لا خامس لهم، وثانياً: أنَّ مستندهم لإثبات سفارة البزوفري لا تقوم به الحجَّة.
فقد احتجّوا برواية ذكرها الشيخ الطوسي قدس سره في الغيبة، قال: (ووجدت في أصل عتيق، كُتِبَ بالأهواز في المحرَّم سنة سبع عشرة وثلاثمائة: أبو عبد الله، قال: حدَّثنا أبو محمّد الحسن بن علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمّد بن عبد الله بن محمّد (بن عمر) بن علي بن أبي طالب الجرجاني، قال: كنت بمدينة قم، فجرى بين إخواننا كلام في أمر رجل أنكر ولده، فأنفذوا رجلاً إلى الشيخ صانه الله، وكنت حاضراً عنده أيَّده الله، فدُفِعَ إليه الكتاب، فلم يقرأه، وأمره أن يذهب إلى أبي عبد الله البزوفري أعزَّه الله؛ ليجيب عن الكتاب، فصار إليه وأنا حاضر، فقال [له] أبو عبد الله: الولد ولده، وواقعها في يوم كذا وكذا، في موضع كذا وكذا، فقل له: فيجعل اسمه محمّداً. فرجع الرسول إلى البلد، وعرَّفهم، ووضح عندهم القول وولد الولد، وسُمِّي محمّداً)(28).
وهذا الخبر غير تامّ سنداً؛ لأنَّ الشيخ الطوسي قدس سره نقل هذا الخبر عن مخطوط كُتِبَ قبل مولده بأكثر من ستّين سنة، ولا يُعلَم من كتب هذا المخطوط، ولا من هو عبد الله الذي صدَّر به السند.
ثمّ إنَّ هذا الخبر لا يدلُّ على أنَّ البزوفري وكيل للإمام المهدي عليه السلام، إذ يحتمل أنَّ البزوفري نقل الأجوبة بتوسّط أحد السفراء كما احتمل العلَّامة المجلسي(29) ذلك عند تعليقه على الخبر، ويحتمل أنَّ البزوفري كان مطَّلعاً على الواقعة بشهادة الشهود العدول عنده، كما يحتمل أنَّ البزوفري أعمل فراسته في القضيّة.
ولو سلَّمنا لهم جدلاً بذلك، فرواية الخبر لا يعني الاعتقاد بمضمون الخبر، خصوصاً أنَّ الكتاب الوحيد الذي ألَّفه البزوفري في الإمامة هو كتاب الردّ على الواقفة(30)، ممَّا يجعلنا نطمئن أنَّ هذه الرواية مأخوذة من هذا الكتاب، ومن المعلوم أنَّه يُذكر في كتب الردّ روايات المؤالف والمخالف كما نحاجج نحن اليوم المخالفين بصحيحي البخاري ومسلم، مع عدم اعتقادنا بصحَّة هذين الكتابين، فربَّما تكون رواية البزوفري لهذا الخبر من باب إلزام الخصم، كأن يذكر أنَّ روايات الاثني عشر رواها الخاصّة والعامّة، بخلاف الواقفة الذين وقفوا عند الإمام السابع عليه السلام.
وقالوا: إنَّ هذه الرواية رواها ستّة من أصحاب الأُصول، وهذا دليل على اشتهار الخبر عندهم واعتباره لديهم.
والجواب: أنَّ هذا الكلام زائف من وجهين:
الأوّل: أنَّ كلّ الذين رووا حديث الوصيّة ليسوا من أصحاب الأُصول، وهذا المتمشيخ العقيلي لا يميِّز بين الكتاب والأصل، ولهذا عَدَّ الشيخ الطوسي قدس سره من أصحاب الأُصول!
الثاني: لو سلَّمنا له بصحَّة هذا الرقم لما نفعه في شيء؛ لأنَّ رواية الخبر لا تعني الالتزام به، ولو كانت هذه الرواية مشهورة كما يدَّعون لما انفرد بروايتها الشيخ الطوسي دون سابقيه كالنعماني الذي كتب في الغيبة، والشيخ الصدوق ووالده اللذين لهما مصنَّفات في الإمامة.
وبحسب تتبّعي لم أجد أحداً اعتمد على هذه الرواية أو صحَّح سندها سوى الميرزا النوري قدس سره في كتابه (النجم الثاقب)، حيث وصف سند الرواية بأنَّه معتبر(31).
ولنا على هذا عدَّة وقفات:
الأُولى: تصحيح الميرزا النوري لسند هذه الرواية ليس بحجَّة في حدِّ ذاته؛ وذلك لأنَّ العبرة بالدليل والبرهان، ونحن بحثنا في كتب الرجال فلم نجد توثيقاً لرواة السند، وقول العالم يُحتجُّ له ولا يُحتجُّ به، خصوصاً في هذه الأُمور التي لا تقليد فيها، فإن كانوا يريدون إثبات صحَّة هذه الرواية فعليهم أن يقيموا الدليل على ذلك.
الثانية: عُرف الميرزا النوري بين علماء الشيعة بتساهله في قبول الروايات، ممَّا جعله يقع في أخطاء جسيمة، كتأليف كتاب: (فصل الخطاب في تحريف كتاب ربّ الأرباب) الذي قال فيه بتحريف كتاب الله عز وجل.
ولذلك قال فيه معاصره الشيخ جواد البلاغي قدس سره: (وإنَّ صاحب (فصل الخطاب) من المحدِّثين المكثرين المجدِّين في التتبّع للشواذ، وإنَّه ليعدّ أمثال هذا المنقول في (دبستان المذاهب) ضالّته المنشودة، ومع ذلك قال: إنَّه لم يجد لهذا المنقول أثر في كتب الشيعة)(32).
وقال فيه السيّد الخميني قدس سره: (وأزيدك توضيحاً: أنَّه لو كان الأمر كما توهَّم صاحب (فصل الخطاب) الذي كان كتبه لا يفيد علماً ولا عملاً، وإنَّما هو إيراد روايات ضعاف أعرض عنها الأصحاب، وتنزَّه عنها أُولو الألباب من قدماء أصحابنا كالمحمّدين الثلاثة المتقدمين قدس سرهم؛ هذا حال كتب روايته غالباً كالمستدرك، ولا تسأل عن سائر كتبه المشحونة بالقصص والحكايات الغريبة التي غالبها بالهزل أشبه منه بالجد، وهو قدس سره شخص صالح متتبِّع، إلَّا أنَّ اشتياقه لجمع الضعاف والغرائب والعجائب وما لا يقبلها العقل السليم والرأي المستقيم، أكثر من الكلام النافع)(33).
الثالثة: لو سلَّمنا جدلاً بصحَّة سند الرواية كما قال الميرزا النوري، فهذا لا يعني بالضرورة حجّية الرواية؛ إذ لا ملازمة بين صحَّة السند وبين صحَّة الصدور أو الحجّية، فحتَّى لو ثبت صحَّة سندها _ تنزّلاً _ فإنَّ عدم عمل العلماء بمضمون الرواية كاسر لصحَّة سندها، فالشهرة كما يعبّر أهل التحقيق جابرة.
وليس هذا الكلام من اختلاق علماء الرجال كما يروِّج أتباع أحمد إسماعيل، بل إنَّ هذا الأمر هو قاعدة شريفة دلَّت عليها روايات متضافرة عن أهل البيت عليهم السلام:
منها: ما رواه الشيخ الكليني قدس سره بسنده: عن عمر بن حنظلة عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: (الحُكْم ما حكم به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما في الحديث، وأورعهما، ولا يُلتفَت إلى ما يحكم به الآخر). قال: قلت: فإنَّهما عدلان مرضيَّان عند أصحابنا، لا يفضل واحد منهما على الآخر. قال: فقال: (يُنظَر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا، ويُترَك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنَّ المجمع عليه لا ريب فيه)(34).
ومنها: ما رواه ابن أبي جمهور الأحسائي عن زرارة بن أعين، قال: سألت الباقر عليه السلام، فقلت: جُعلت فداك، يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان، فبأيّهما آخذ؟ فقال: (يا زرارة، خذ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذّ النادر). فقلت: يا سيّدي إنَّهما معاً مشهوران مرويان مأثوران عنكم. فقال عليه السلام: (خذ بما يقول أعدلهما عندك، وأوثقهما في نفسك)(35).
هذا كلّ ما يخصُّ سند هذه الرواية التي هي عمدة دعواهم، وكما يرى القارئ اللبيب أن سندها مظلم جدَّاً، بل ظلمات بعضها فوق بعض.
مناقشة متن رواية الوصيّة:
بعد الانتهاء من دراسة سند رواية الوصيّة لا بدَّ من الوقوف على متنها، وبيان أنَّه هل يدلُّ على المطلوب، وهل مطابق لما يدَّعيه هؤلاء أم لا؟
وقبل الشروع في مناقشة المتن أذكر مرَّة أنَّ أحد فضلاء النجف سأل أستاذه عن سند دعاء الصباح، وهل هو معتبر أم ضعيف؟ فأجابه أستاذه بقوله: (يا من دلَّ على ذاته بذاته)، أي إنَّ متن الدعاء يدلُّ على صحَّة صدوره.
وقد نقل لي بعضهم أنَّ الشيخ الوحيد الخراساني (دام ظلّه) سُئِلَ عن سند الزيارة الجامعة، فأجاب بأنَّ مضمونها أفضل دليل على صحَّة صدورها.
فكما أنَّ المتن يشهد بصحَّة الصدور، فكذلك ربَّما يشهد المتن بوضع الخبر وكذبه، وعليه فدراسة متن هذه الرواية في غاية الأهمّية، خصوصاً أنَّ أتباع أحمد إسماعيل بنوا عقيدتهم كلّها على هذه الرواية.
وكلّ رجل آتاه الله بصيرة لا بدَّ أن يقف عدَّة وقفات عند متن رواية الوصيّة:
الوقفة الأُولى: قوله: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن، أَحضِرْ صحيفة ودواة. فأملى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيَّته).
هذه الفقرة من الرواية تحدِّد زمان الواقعة، وهو ليلة وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وتبيِّن الموصى إليه، وهو أمير المؤمنين عليه السلام.
والملاحظ أنَّ رواية وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ليلة وفاته لا تنحصر في هذه الرواية، بل رُويت بعدَّة طرق وبألفاظ مختلفة كما سنذكر جملة وافرة من هذه الروايات ونبيّنها لاحقاً، فلا نعلم لماذا تمسَّك أحمد إسماعيل والمروّجون له بهذه الرواية دون بقيّة الروايات؟!
والباحث المنصف إذا أراد دراسة موضوعٍ ما، عليه أن يجمع كلّ النصوص المتعلّقة بهذا الموضوع، ثمّ يبدأ مرحلة الغربلة والتصفية؛ للوصول إلى النتيجة النهائية، أمَّا أن يتمسَّك بنصٍّ معيَّن، ويتجاهل النصوص الأُخرى، من دون دليل ولا برهان فقط إلَّا موافقة الهوى، فهذا مخالف لدأب الباحث المنصف.

* * *

الوقفة الثانية: قوله: (فقال: يا علي، إنَّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهديّاً).
وهذه العبارة أهمّ عبارات الرواية؛ لأنَّ دعوة أحمد إسماعيل قائمة على وجود اثني عشر مهديّاً بعد الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام.
ومع أنَّ أحمد إسماعيل ومن يروِّج له تمسَّكوا بهذه العبارة، وجعلوها أهمّ أدلَّتهم، إلَّا أنَّها هي بنفسها تهدم معتقدهم؛ لأنَّ الرواية ورد فيها التعبير باثني عشر مهديّاً، بعد اثني عشر إماماً، وهذا يدلُّ على أنَّ هؤلاء المهديّين ليسوا بأئمّة، ولو كانوا أئمّة لما كان هناك أيّ معنى لتسميتهم مهديّين في قبال تسمية غيرهم أئمّة، مع أنَّ أحمد إسماعيل يدَّعي الإمامة كما سيتَّضح من خلال كلامه وكلام من يروِّج له، وسيأتي الكلام في المراد بهؤلاء المهديّين إن شاء الله تعالى.
ونحن ذكرنا سابقاً أنَّه توجد ثلاث طوائف من الروايات المبيِّنة لما يكون بعد الإمام المهدي عليه السلام، وقد تمسَّك أحمد إسماعيل والمروِّجون له بالروايات التي تثبت وجود اثني عشر مهديّاً من وُلد الإمام المهدي عليه السلام، وما ذكروه غير صحيح، ولنا على ذلك عدَّة أدلَّة:
الدليل الأوّل:
أنَّه لم يذهب إلى هذا القول أحد من كبار علماء الشيعة السابقين رغم اطّلاعهم على هذه الروايات.
قال الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد قدس سره (ت 413هـ): (وليس بعد دولة القائم عليه السلام لأحدٍ دولة، إلَّا ما جاءت به الرواية من قيام ولده إن شاء الله ذلك، ولم ترد به على القطع والثبات، وأكثر الروايات أنَّه لن يمضي مهدي هذه الأُمَّة عليه السلام إلَّا قبل القيامة بأربعين يوماً يكون فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة للحساب والجزاء، والله أعلم بما يكون)(36).
وقال شيخ الطائفة الشيخ الطوسي قدس سره (ت 460 هـ) في نفس الكتاب الذي روى فيه رواية الوصيّة: (فأمَّا من قال: إنَّ للخلف ولداً وأنَّ الأئمّة ثلاثة عشر، فقولهم يفسد بما دلَّلنا عليه من أنَّ الأئمّة عليهم السلام اثنا عشر، فهذا القول يجب إطراحه، على أنَّ هذه الفِرَق كلّها قد انقرضت بحمد الله، ولم يبقَ قائل يقول بقولها، وذلك دليل على بطلان هذه الأقاويل)(37).
وقال أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي قدس سره (ت 548هـ): (قد جاءت الرواية الصحيحة أنَّه ليس بعد دولة المهدي عليه السلام دولة، إلَّا ما ورد من قيام ولده مقامه إن شاء الله ذلك، ولم ترد على القطع والبتّ، وأكثر الروايات أنَّه لن يمضي عليه السلام من الدنيا إلَّا قبل القيامة بأربعين يوماً، يكون فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة، والله أعلم)(38).
وقال العلَّامة علي بن عيسى الأربلي قدس سره (ت 693هـ): (قد رُوي أنَّ مدَّة دولة القائم عليه السلام تسع عشرة سنة، تطول أيّامها وشهورها على ما قدَّمناه، وهذا أمر مغيَّب عنّا، وإنَّما أُلقي إلينا منه ما يفعله الله جلَّ اسمه بشرط يعلمه من المصالح المعلومة له جلَّ اسمه، فلسنا نقطع على أحد الأمرين وإن كانت الرواية بذكر سبع سنين أظهر وأكثر، وليس بعد دولة القائم عليه السلام لأحدٍ دولة، إلَّا ما جاءت به الرواية من قيام ولده إن شاء الله ذلك، فلم يرد على القطع والبتات، وأكثر الروايات أنَّه لن يمضي مهدي الأئمّة عليهم السلام إلَّا قبل القيامة بأربعين يوماً، يكون فيها الهرج والمرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة للحساب والجزاء)(39).
وقال زين الدين علي بن يونس العاملي البياضي قدس سره (ت 877هـ): (ليس بعد المهدي عليه السلام دولة واردة إلَّا في رواية شاذّة من قيام أولاده من بعده، وهي ما رُوي عن ابن عبّاس من قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: (لن تهلك أُمَّة أنا أوّلها، وعيسى بن مريم آخرها، والمهدي في وسطها). ومثله روي عن أنس...، وهاتان تدلّان على دولة بعد دولته...، وأكثر الروايات أنَّه لا يمضي إلَّا قبل القيامة بأربعين يوماً، وهو زمان الهرج، وعلامة خروج الأموات للحساب)(40).
وقال الشيخ محمّد باقر المجلسي قدس سره (ت 1110هـ) بعد أن ذكر روايات المهديّين: (هذه الأخبار مخالفة للمشهور)(41).
وقال الشيخ محمّد بن الحسن المعروف بالحرّ العاملي قدس سره (ت 1104هـ) في معرض الجمع بين أخبار المهديّين وأخبار مقتل الإمام المهدي عليه السلام قبل القيامة بأربعين يوماً: (وأمَّا أحاديث الاثني عشر بعد الاثني عشر، فلا يخفى أنَّها غير موجبة للقطع واليقين؛ لندورها وقلَّتها، وكثرة معارضتها كما أشرنا إلى بعضه، وقد تواترت الأحاديث بأنَّ الأئمّة اثنا عشر، وأنَّ دولتهم ممدودة إلى يوم القيامة، وأنَّ الثاني عشر خاتم الأوصياء والأئمّة والخلف، وأنَّ الأئمّة من ولد الحسين إلى يوم القيامة، ونحو ذلك من العبارات، فلو كان يجب الإقرار علينا بإمامة اثني عشر بعدهم، لوصل إلينا نصوص متواترة تقاوم تلك النصوص؛ لينظر في الجمع بينهما)(42).
وقال السيّد عبد الله شبَّر قدس سره (ت 1342هـ): (وكيف كان فظاهر هذه الأخبار يخالف النصوص المتواترة في كون الأئمّة عليهم السلام منحصرين في اثني عشر، بل يخالف الضرورة من المذهب والبراهين العقلية والنقلية، فلا بدَّ من تأويلها وتوجيهها، وقد وُجِّهت بوجوه)(43).
وقد حاول أحمد إسماعيل والمروّجون له التمسّك بقول الشيخ الصدوق قدس سره الذي ذكره في كمال الدين، حيث قال: (إنَّ عدد الأئمّة عليهم السلام اثنا عشر، والثاني عشر هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ثمّ يكون بعده ما يذكره من كون إمام بعده، أو قيام القيامة، ولسنا مستعبدين(44) في ذلك إلَّا بالإقرار باثني عشر إماماً، واعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر عليه السلام بعده)(45).
والجواب على ذلك: أنَّ الشيخ الصدوق قدس سره كان بصدد الردِّ على إشكال بعض الزيدية، وهو لزوم خلوّ الأرض من حُجَّة بعد مضي الثاني عشر، فكان جوابه أنَّنا مكلَّفون بالإقرار بالأئمّة الاثني عشر عليهم السلام، أمَّا ما سيحصل بعدهم فهذا موكول إلى عصر الظهور، ولا يجب علينا أن نعتقد فيه بشيء؛ لعدم قيام دليل صحيح على ذلك.
وكلام الشيخ الصدوق قدس سره ظاهر في أنَّ الشيعة لا يجب عليهم الاعتقاد بمهديّين بعد الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام، وكلّ ما يدلُّ عليه كلامه قدس سره هو احتمال وجود إمام بعده، ولعلَّ ذلك بالرجعة كما ورد في أحاديث متعدِّدة، من أنَّ الإمام الحسين عليه السلام يرجع بعد الإمام المهدي عليه السلام، ثمّ يرجع أئمّة آخرون بعد الإمام الحسين عليه السلام، من دون أن يكون هناك اثنا عشر مهديّاً بعد الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام، مع أنَّه قدس سره ذكر ذلك احتمالاً، كما احتمل أيضاً قيام الساعة بعد موت الإمام الثاني عشر عليه السلام، والعقائد الواجبة لا تؤخذ بالاحتمالات، وإنَّما بالقطع والجزم.
وقد حاول بعض المروِّجين لأحمد إسماعيل أيضاً التمسّك بقول الشريف المرتضى قدس سره: (إنّا لا نقطع على مصادفة خروج صاحب الزمان محمّد بن الحسن عليهما السلام زوال التكليف، بل يجوز أن يبقى العالم بعده زماناً كثيراً، ولا يجوز خلوّ الزمان بعده من الأئمّة، ويجوز أن يكون بعده عدَّة أئمّة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، وليس يضرّنا ذلك فيما سلكناه من طرق الإمامة؛ لأنَّ الذي كلّفنا إيّاه وتعبَّدنا منه أن نعلم إمامة هؤلاء الاثني عشر، ونبيّنه بياناً شافياً، إذ هو موضع الخلاف والحاجة، ولا يخرجنا هذا القول عن التسمّي بالاثني عشرية؛ لأنَّ هذا الاسم عندنا يُطلَق على من يثبت إمامة اثني عشر إماماً، وقد أثبتنا نحن، ولا موافق لنا في هذا المذهب، فانفردنا نحن بهذا الاسم دون غيرنا)(46).
والجواب عليه: أنَّ الشريف المرتضى قدس سره بيَّن المطلوب بقوله: (لأنَّ الذي كلّفنا إيّاه وتعبَّدنا منه أن نعلم إمامة هؤلاء الاثني عشر)، أمَّا ما يحصل بعد الإمام الثاني عشر فهو ليس تكليفنا في العصر الحاضر؛ لأنَّه لم تردنا نصوص قطعية في ذلك، ولا أدري كيف يجرؤ هؤلاء على الاستدلال بهذا القول وهو في الحقيقة وبال عليهم!
فإذا كان أمثال الشريف المرتضى والشيخ الصدوق قدس سرهما القريبين من عصر المعصوم عليه السلام لا يرون أنَّ المهديّين عقيدة يجب الالتزام بها، فكيف يريد رويبضة هذا العصر أن يُلزم الناس بهذا المعتقد!
وتمسَّكوا أيضاً بما قاله السيّد محمّد الصدر قدس سره في تاريخ ما بعد الظهور(47) من تبنّيه لحكم المهديّين بعد الإمام الحجَّة عليه السلام.
والجواب على هذا: أنَّ السيّد محمّد الصدر قدس سره عدل عن رأيه هذا كما ذكر في بحثه حول الرجعة، فقال: (وليس الآن كلامنا حول الخلافة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، بل بعد المهدي عليه السلام، وفيهما احتمالان أو أُطروحتان:
الأُطروحة الأُولى: أنَّه يتولّى بعده أولاده الذين يكونون بدورهم أولياء صالحين، قد ربَّاهم المهدي عليه السلام بنفسه، ونصَّ على خلافتهم أمام المجتمع، كما قرَّبنا ذلك في (تاريخ ما بعد الظهور).
الأُطروحة الثانية: أن يتولّى الأمر بعده آباؤه الأئمّة المعصومون عليهم السلام، ورجوعهم إلى الحياة بعد الموت ليحكموا العالم بعد المهدي عليه السلام، إمَّا جميعهم أو بعضهم، وإمَّا بشكل مشوَّش من حيث ترتيبهم السابق، كما تقتضي الحكمة يومئذٍ، وإمَّا بشكل مقلوب، يعني يبدأ من الأخير، وهو الإمام الحسن العسكري عليه السلام، وبعده أبوه الإمام الهادي عليه السلام، وهكذا، وليس لنا أن نجزم بصحَّة الأُطروحة الأُولى دينيّاً، وإنَّما ينشأ ذلك من زاوية مادّية؛ لاستبعاد أن يعود الإنسان للحياة بعد موته، والآن فإنَّ مقتضى القاعدة _ في مذهبنا على الأقلّ _ هو صحَّة الأُطروحة الثانية بالخصوص؛ لعدَّة وجوه نذكر منها ما يلي:
الوجه الأوّل: موافقتها للقرآن الكريم على ما سوف يأتي من تفسير (دابّة الأرض) بأمير المؤمنين عليه السلام. إذن ينتج أنَّ عودة الأئمّة عليهم السلام ورجعتهم ثابتة إجمالاً؛ لأنَّ أمير المؤمنين منهم عليهم السلام، إذ يكون لنا أن نقول: إنَّهم يرجعون ولو برجوعه عليه السلام.
الوجه الثاني: أنَّها روايات مستفيضة عندنا، فإنَّ أغلب روايات الرجعة تدلُّ على رجعتهم عليهم السلام، وأمَّا ذلك القسم الذي يتعرَّض لرجعة غيرهم فهو الأقلّ كما هو واضح لمن راجعها، وليس بالإمكان الآن استعراضها.
الوجه الثالث: أنَّ المستدَلّ عليه في (تاريخ ما بعد الظهور) أنَّ المجتمع يتعمَّق ويتأكَّد من حيث الهداية والإيمان تدريجاً، لا أنَّه يبدأ بعد وفاة الإمام الهادي بالتنازل، بل هو يستمرّ بالتصاعد والأهمّية، وهذا موافق أيضاً لما قلناه في القسم الأوّل من الرجعة المعنوية، كما هو واضح لمن يفكِّر، وإذا كان الأمر كذلك احتاج المجتمع إلى قيادة يزداد عمقها وأهمّيتها، لا إلى قيادة متنازلة، بل ولا إلى قيادة متساوية كما هو واضح.
ومن الواضح أنَّنا لو قلنا بالأُطروحة الأُولى للحكم بعد المهدي عليه السلام لكانت القيادة متساوية على أقلّ تقدير، بل متنازلة؛ لأنَّ هولاء الحكّام من هو الذي يتولّى تربيتهم المعمَّقة بعد المهدي عليه السلام من رجال الله سبحانه وتعالى؟ فكلّ ما في الأمر أنَّ المهدي عليه السلام يربّي الذي بعده، ومن بعده يربّي بعده، وهكذا)(48).
فهذه أقوال علمائنا، وهي متظافرة في عدم وجود دولة لأبناء الإمام الحجَّة عليه السلام بعده، وأنَّ الروايات الواردة ليست بحجَّة في المقام.
والعجيب أنَّ أحمد إسماعيل ذكر في أوّل كتاب صدر له العقائد التي يجب على الإنسان المسلم الاعتقاد بها، ولم يتعرَّض من قريب ولا من بعيد لقضيّة المهديّين، قال: (وعمدة العقائد التي يجب الإيمان بها هي ما جاءت في آخر سورة البقرة، وهي التي آمن بها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وهي: الإيمان بالله، وبالملائكة، وبالكتب السماوية، وبالرسل، سواء كانوا أنبياء أو أوصياء أو أيّ مرسَل من الله سبحانه، حتَّى لو كان المرسَل للقيادة الدنيوية فقط كطالوت.. فعلى كلّ مسلم أن يؤمن بالله الواحد الأحد الفرد الصمد، وأن يؤمن بنبوَّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يؤمن بالملائكة والكتب والأنبياء السابقين وأوصيائهم وشرائعهم، وأن يحترمها وإن نُسخت؛ لأنَّها كانت شريعة الله في يوم من الأيّام على هذه الأرض، وعلى المسلم أن يؤمن بأوصياء النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم الاثني عشر عليهم السلام، وأن يقبل كلّ ما صحَّ من الأخبار عنهم عليهم السلام، كما على المسلم أن يؤمن أنَّ الوصي الثاني عشر من أوصياء محمّد عليهم السلام هو الإمام محمّد بن الحسن المهدي عليه السلام، وهو حيٌّ يُرزَق إلى اليوم، وسيقوم بالسيف كما قام جدّه صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى المسلم موالاته والنصح له، وتقديمه على النفس والمال والولد، والعمل لإعلاء كلمته وإظهار أمره ومظلوميته، والتهيئة لدولته، ومعاداة عدوّه...)(49).
فقضيّة المهديّين ليست من العقائد الواجبة باعتراف إمام القوم أحمد إسماعيل، حيث إنَّه ذكر أنَّ الواجب هو الإيمان باثني عشر وصيّاً، ولو كان الاعتقاد بالمهديّين الاثني عشر واجباً لكان عليه أن يقول: (إنَّ الواجب هو الإيمان بأربعة وعشرين وصيّاً)، لكن لا ندري ما الذي تغيَّر؟!
الدليل الثاني:
معارضة هذه الروايات التي تتحدَّث عن حكومة المهديّين لروايات الرجعة المتواترة، والتي تخبر برجعة أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وأوّلهم مولانا الإمام الحسين عليه السلام، بل تحدَّثت بعدها عن رجعة أمير المؤمنين عليه السلام، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد حاول القوم دفع هذا التعارض بالجمع بين روايات المهديّين وروايات الرجعة، فقال صاحبهم: (وأرجع وأقول: أن لا تعارض بين حكم المهديّين بعد الإمام المهدي عليه السلام وبين الرجعة؛ إذ أنَّ حكم المهديّين سيكون بعد القائم مباشرةً، ثمّ تكون الرجعة بعد المهدي الثاني عشر من ذرّية الإمام المهدي، والذي لا عقب له؛ لأنَّه خاتم أوصياء الإمام المهدي عليه السلام، وبه تنقطع الإمامة من الأعقاب، وتبدأ الرجعة برجوع الإمام الحسين عليه السلام الذي سيتولّى تغسيل آخر المهديّين ودفنه)(50).
وربَّما يتراءى لمن لم يطَّلع على الروايات أنَّ هذا التوجيه توجيه حسن، وأنَّه محاولة جيّدة للجمع بين الروايات، إلَّا أنَّ مجموعة من الروايات تُبطِل هذا النحو من الجمع؛ لأنَّها تؤكِّد أنَّ الرجعة تبدأ مع الإمام الثاني عشر عليه السلام، وليس في أواخر أيّام آخر المهديّين كما ادَّعى.
منها: الروايات التي تحدَّثت عن علامات ظهور الإمام محمّد بن الحسن عليه السلام، وهو ما يحصل بين جمادى ورجب، فقد قال الشيخ المفيد في الإرشاد: روى عبد الكريم الخثعمي، قال: قلت لأبي عبد ‏الله عليه السلام: كم يملك القائم عليه السلام؟ قال: (سبع سنين، تطول له ‏الأيّام والليالي حتَّى تكون السنة من سنيّه مقدار عشر سنين من سنيّكم، ‏فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيّكم هذه، وإذا آن قيامه مطر الناس ‏جمادى الآخرة وعشرة أيّام من رجب مطراً لم يرَ الخلائق مثله، فينبت الله ‏به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، فكأنّي أنظر إليهم مقبلين من قبل ‏جهينة، ينفضون شعورهم من التراب)(51).
ومن المعلوم أنَّ (القائم) المسؤول عنه في هذه الرواية هو الإمام الثاني عشر، وليس غيره.
أوّلاً: لأنَّ الرواية بصدد بيان علامة قيامه عليه السلام، وآخر المهديّين _ على فرض وجوده _ لا يحتاج إلى علامة لحكمه تميِّزه عن غيره ممَّن سبقه من المهديّين؛ لأنَّهم سيكونون في دولة العدل الإلهي التي أسَّسها الإمام الثاني عشر عليه السلام.
وثانياً: أنَّ السائل كان يسأل عن الإمام المهدي المنتظر عليه السلام؛ لأنَّ أمر المهديّين كان خفيّاً كما زعم ناظم العقيلي حيث قال: (ولا عجب من ذلك، فقد ورد في عدَّة روايات عن أهل البيت عليهم السلام أنَّ القائم يدعو إلى أمر قد خفي وضلَّ عنه الجمهور، وهذه المسألة من أهمّ الأُمور المخفية والتي ضلَّ عنها الناس عالمهم وجاهلهم)(52).
وعليه، فلا يتوقَّع من هذا السائل أن يسأل عن آخر المهديّين، مع أنَّ قضيّة المهديّين كلّها قد ضلَّ عنها أكثر الناس كما يزعمون.
فـ (القائم) المسؤول عنه في الرواية هو الإمام محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام بلا خلاف بين علماء الطائفة؛ لأنَّ هذا الوصف لا يُراد به غيره، والرجعة تبدأ بظهوره، بل هي علامة على قيامه عليه السلام، وهذا ما يثبت فساد ما ذهب إليه العقيلي.
أضف إلى هذا وجود عدَّة روايات أُخرى تثبت وقوع الرجعة بين جمادى ورجب، كرواية مختصر البصائر: عن أمير المؤمنين، قال: (إنَّ أمرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلَّا مَلَك مقرَّب، أو نبيّ مرسَل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، لا يعي حديثنا إلَّا حصون حصينة، أو صدور أمينة، أو أحلام رزينة، يا عجباً كلّ العجب بين جمادى ورجب). فقال رجل من شرطة الخميس: ما هذا العجب يا أمير المؤمنين؟ قال: (وما لي لا أعجب وسبق القضاء فيكم وما تفقهون الحديث، إلَّا صوتات بينهنَّ موتات، حصد نبات، ونشر أموات، وا عجباً كلّ العجب بين جمادى ورجب). قال أيضاً رجل: يا أمير المؤمنين، ما هذا العجب الذي لا تزال تعجب منه؟ قال: (ثكلت الآخر أُمّه، وأيّ عجب يكون أعجب منه، أموات يضربون هام الأحياء؟!). قال: أنّى يكون ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: (والذي فلق الحبَّة وبرأ النَسَمة، كأنّي أنظر قد تخلَّلوا سكك الكوفة، وقد شهروا سيوفهم على مناكبهم، يضربون كلّ عدوّ لله ولرسوله وللمؤمنين، وذلك قول الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ)[الممتحنة: 13])(53).
بل نصَّت بعض الروايات التي تعرَّضت لتعداد أنصار الإمام المهدي عليه السلام إلى أسماء مجموعة من الموتى الذين يرجعون إلى الحياة الدنيا لنصرته.
منها: ما رواه الطبري الصغير في (دلائل الإمامة) في الحديث الذي ذكر فيه الإمام الصادق عليه السلام أنَّ أصحاب الإمام المهدي عليه السلام (313) رجلاً، قال فيه: (وأصحاب الكهف سبعة نفر: مكسلمينا وأصحابه)(54).
وأتباع أحمد إسماعيل لا يتمكَّنون من تأويل هذا النصّ؛ لأنَّه من المتسالم عليه أنَّ الإمام الذي عدد أنصاره (313) هو الإمام المهدي عليه السلام، وليس آخر المهديّين، مضافاً إلى أنَّهم احتجّوا بهذا الخبر لإثبات أنَّ أحمد إسماعيل من جملة أنصار الإمام المهدي عليه السلام؛ لأنَّ اسمه أحمد، وهو من البصرة!
قال ناظم العقيلي: (عن الصادق عليه السلام في خبر طويل سمَّى به أصحاب القائم عليه السلام، قال: ومن البصرة: عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد، ومليح، وحماد بن جابر)(55).
وأودّ أن أُنبّه القرّاء الأعزّاء إلى أنَّ ناظماً العقيلي نقل هذا الخبر عن كتاب (بشارة الإسلام)، وهو متأخِّر زمناً عن كتاب (دلائل الإمامة)، والسبب في ذلك أنَّ المذكور في كتاب (بشارة الإسلام) أنَّ من جملة أنصار الإمام المهدي عليه السلام رجلاً من البصرة اسمه أحمد، مع أنَّ المصدر الأصلي للحديث وهو كتاب (دلائل الإمامة) الذي نقل عنه صاحب (بشارة الإسلام) هذه الرواية، ذكر أنَّ من البصرة: أحمد بن مليح، وهذا يدلُّ على أنَّه شخص آخر غير أحمد إسماعيل!
وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّه يدلُّ على أنَّ القوم أتباع هوى، ولا يريدون الحقّ، بل همّهم هو نصرة باطلهم!
وأنا أقطع أنَّ العقيلي رأى تعليق مؤلِّف بشارة الإسلام على هذه الخطبة بقوله: (هذه النسخة كثيرة الغلط، وقد سقط منها بعض الحروف، وبُدِّل ببعض، وقد صحَّحتُ بعضها بنظري القاصر بواسطة بعض الأخبار)(56).
وفي رواية أُخرى ذكر فيها أمير المؤمنين عليه السلام عودة أصحاب الكهف، فقال: (وينادي منادٍ في شهر رمضان من ناحية المشرق عند الفجر: يا أهل الهدى اجتمعوا! وينادي منادٍ من قِبَل المغرب بعد ما يغيب الشفق: يا أهل الباطل اجتمعوا! ومن الغد عند الظهر تتلوَّن الشمس، وتصفرّ، فتصير سوداء مظلمة، ويوم الثالث يفرق الله بين الحقّ والباطل، وتخرج دابّة الأرض، وتقبل الروم إلى ساحل البحر عند كهف الفتية، فيبعث الله الفتية من كهفهم، مع كلبهم، منهم رجل يقال له: مليخا، وآخر خملاها، وهما الشاهدان المسلمان للقائم عليه السلام)(57).
وفي خبر آخر رواه الشيخ المفيد قدس سره في الإرشاد، ذكر فيه أنَّ من جملة من يرجع لنصرة الإمام المهدي عليه السلام جماعة آخرين مع أصحاب الكهف، من قوم موسى، ومن صحابة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: وروى المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يُخرج القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرين رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى عليه السلام الذين كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبا دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالكاً الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحُكَّاماً)(58).
بل توجد أيضاً رواية صريحة وردت على لسان إمامنا صاحب الأمر، يخبر فيها بما يحصل في عصر ظهوره كما نقل الطبري الصغير في (دلائل الإمامة)، جاء فيها أنَّه عليه السلام قال لعلي بن مهزيار: (يا ابن المهزيار، لولا استغفار بعضكم لبعض لهلك من عليها إلَّا خواصّ الشيعة الذين تشبه أقوالهم أفعالهم). ثمّ قال: (يا ابن المهزيار _ ومدَّ يده _ ألَّا أُنبّئك الخبر؟ إنَّه إذا قعد الصبي، وتحرَّك المغربي، وسار العماني، وبويع السفياني، يأذن لوليّ الله، فأخرجُ بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً سواء، فأجيءُ إلى الكوفة، وأُهدم مسجدها، وأبنيه على بنائه الأوّل، وأُهدم ما حوله من بناء الجبابرة، وأحجّ بالناس حَجَّة الإسلام...).
إلى أن يقول: (... فينادي منادٍ من السماء: يا سماء أبيدي، ويا أرض خذي، فيومئذٍ لا يبقى على وجه الأرض إلَّا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان). قلت: يا سيدي، ما يكون بعد ذلك؟ قال: (الكرَّة الكرَّة، الرجعة الرجعة)(59).
إذن كلّ هذه الروايات تثبت أنَّ الرجعة تبدأ بخروج صاحب الأمر عليه السلام، بل إنَّها علامة من علامات ظهوره!
وهذه الروايات التي ذكرناها نجمعها مع الروايات التي أكَّدت على أنَّ أوّل من يرجع إثر القائم عليه السلام _ أي بعده _ هو الإمام الحسين عليه السلام.
منها: ما رواه الحلّي في مختصر البصائر عن أحمد بن عقبة، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام، سُئِلَ عن الرجعة أحقٌّ هي؟ قال: (نعم). فقيل له: مَنْ أوّل مَنْ يخرج؟ قال: (الحسين عليه السلام يخرج على إثر القائم عليه السلام). قلت: ومعه الناس كلّهم؟ قال: (لا، بل كما ذكر الله تعالى في كتابه: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) [النبأ: 18]، قوم بعد قوم)(60).
ومنها: ما رواه الحلّي بسنده عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت حمران بن أعين وأبا الخطّاب يحدِّثان جميعاً قبل أن يُحدِث أبو الخطّاب ما أحدث، أنَّهما سمعا أبا عبد الله عليه السلام يقول: (أوّل من تنشقُّ الأرض عنه، ويرجع إلى الدنيا: الحسين بن علي عليه السلام، وإنَّ الرجعة ليست بعامّة، وهي خاصّة، لا يرجع إلَّا من محض الإيمان محضاً، أو محض الشرك محضاً)(61).
ومنها: ما روي عن حمران، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنَّ أوّل من يرجع لجاركم الحسين عليه السلام، فيملك حتَّى تقع حاجباه على عينيه من الكبر)(62).
ومنها: ما رواه الحلّي في مختصر البصائر بسنده عن المعلّى بن خنيس وزيد الشحّام، عن أبي عبد الله عليه السلام، قالا: سمعناه يقول: (إنَّ أوّل من يكرّ في الرجعة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام، ويمكث في الأرض أربعين سنة، حتَّى يسقط حاجباه على عينيه)(63).
وفي رواية المفضَّل تصريح أيضاً بهذه الحقيقة: قال المفضَّل: يا مولاي، ثمّ ماذا يصنع المهدي؟ قال: (يثور سرايا على السفياني إلى دمشق، فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة. ثمّ يظهر الحسين عليه السلام في اثني عشر ألف صدّيق، واثنين وسبعين رجلاً أصحابه يوم كربلا، فيا لك عندها من كرَّة زهراء بيضاء، ثمّ يخرج الصدّيق الأكبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ويُنصَب له القبّة بالنجف، ويقام أركانها: ركن بالنجف، وركن بهجر، وركن بصنعاء، وركن بأرض طيبة، لكأنّي أنظر إلى مصابيحه تشرق في السماء والأرض، كأضواء من الشمس والقمر، فعندها تبلى السرائر، و(تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ...) إلى آخر الآية [الحجّ: 2]، ثمّ يخرج السيّد الأكبر محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أنصاره والمهاجرين، ومن آمن به، وصدَّقه، واستشهد معه، ويحضر مكذّبوه، والشاكّون فيه، والرادُّون عليه، والقائلون فيه: إنَّه ساحر، وكاهن، ومجنون، وناطق عن الهوى، ومن حاربه وقاتله، حتَّى يقتصَّ منهم بالحقّ، ويجازون بأفعالهم منذ وقت ظهور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ظهور المهدي مع إمام إمام، ووقت وقت، ويحقّ تأويل هذه الآية: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص: 5 و6])(64).
ومن الروايات الصريحة التي تدلُّ على رجوع الإمام الحسين عليه السلام بعد الإمام الثاني عشر، ما رواه الميرزا حسين النوري بسند صحيح عن أبي جعفر عليه السلام: (قال الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام لأصحابه قبل أن يُقتَل بليلة واحدة: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي: يا بني، إنَّك ستُساق إلى العراق، وتنزل في أرض يقال لها: عمورا و كربلاء، وإنَّك تُستشهد بها، ويُستشهد معك جماعة..، وقد قرب ما عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّي راحل إليه غداً، فمن أحبَّ منكم الانصراف فلينصرف في هذه الليلة، فإنّي قد أذنت له، وهو منّي في حلٍّ..، وأكّد فيما قاله تأكيداً بليغاً، وقالوا: والله ما نفارقك أبداً حتَّى نرد موردك.
فلمَّا رأى ذلك، قال: فأبشروا بالجنَّة، فوَالله إنَّما نمكث ما شاء الله تعالى بعدما يحري علينا، ثمّ يُخرجنا الله وإيّاكم حين يظهر قائمنا، فينتقم من الظالمين وأنا وأنتم نشاهدهم في السلاسل والأغلال وأنواع العذاب والنكال..، فقيل له: من قائمكم يا ابن رسول الله؟ قال: السابع من ولد ابني محمّد بن علي الباقر، وهو الحجَّة بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي ابني، وهو الذي يغيب مدَّة طويلة، ثمّ يظهر، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً)(65).
ووجه الاستدلال بهذه الروايات هو أنَّ الإمام الحسين عليه السلام سيرجع على إثر القائم، أي بعده مباشرةً، وعليه فلا يبقى مجال لإثبات حكومة المهديّين بعد الإمام المهدي عليه السلام؛ لأنَّه لا يمكن لأحد أن يدَّعي أنَّ أحمد إسماعيل يحكم هذه الأُمَّة مع وجود الإمام الحسين عليه السلام الذي سيكون واحداً من رعيَّته!
ولعلَّ دليلهم على أنَّ الرجعة تكون بعد آخر المهديّين ما رواه الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب الغيبة، بسنده عن الحسن بن علي الخزّاز، قال: دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فقال له: أنت إمام؟ قال: (نعم)، فقال له: إنّي سمعت جدَّك جعفر بن محمّد عليهما السلام يقول: (لا يكون الإمام إلَّا وله عقب). فقال: (أنسيت يا شيخ أو تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر عليه السلام، إنَّما قال جعفر عليه السلام: لا يكون الإمام إلَّا وله عقب إلَّا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي عليهما السلام، فإنَّه لا عقب له)، فقال له: صدقت جُعلت فداك، هكذا سمعت جدَّك يقول(66).
وما رواه الكشّي عن علي البطائني، قال: إنّا روينا أنَّ الإمام لا يمضي حتَّى يرى عقبه؟ قال: فقال أبو الحسن عليه السلام: (أمَا رويتم في هذا الحديث غير هذا؟)، قال: لا، قال: (بلى والله، لقد رويتم فيه إلَّا القائم، وأنتم لا تدرون ما معناه ولِمَ قيل)، قال له علي: بلي والله، إنَّ هذا لفي الحديث، قال له أبو الحسن عليه السلام: (ويلك، كيف اجترأت عليَّ بشيء تَدَعُ بعضه؟!)، ثمّ قال: (يا شيخ اتَّق الله، ولا تكن من الصادِّين عن دين الله تعالى)(67).
ووجه الاستدلال أن يقال: ليس المقصود من المهدي في هذا الخبر إمامنا محمّد بن الحسن عليه السلام، بل إنَّه المهدي الثاني عشر؛ وذلك لأنَّ الأخبار دلَّت على أنَّ لصاحب الأمر ذرّية، في حين أنَّ المذكور في الخبر أنَّه لا عقب له.
والجواب على هذا: أنَّ الخبر الأوّل ضعيف السند؛ لجهالة علي بن سليمان بن رشيد، ومع الإغماض عن سنده فإنَّ بعض متنه لا يمكن تصديقه؛ لما ورد فيه من إقرار علي بن أبي حمزة البطائني بكلام الإمام الرضا عليه السلام، في حين أنَّ الطائفة أجمعت على أنَّه كان أعدى أعدائه، ومات على ذلك، في حين نجده يفديه في هذه الرواية!
علماً أنَّ الكشّي روى عن يونس بن عبد ‏الرحمن، قال: دخلت على الرضا عليه السلام، فقال لي: (مات علي بن أبي ‏حمزة؟)، قلت: نعم، قال: (قد دخل النار!)، قال: ففزعت من ذلك، قال: (أمَا إنَّه سُئِلَ ‏عن الإمام بعد موسى أبي، فقال: لا أعرف إماماً بعده. فقيل: لا! فضُرِبَ في ‏قبره ضربة اشتعل قبره ناراً)(68).
وأمَّا الحديث الثاني فهو ضعيف بأحمد بن سليمان، وبإسماعيل بن سهل، وبالإرسال كما نصَّ على ذلك السيّد الخوئي قدس سره(69).
أمَّا من ناحية المتن فإنَّه حجَّة عليهم أيضاً؛ لأنَّه يدلُّ على أنَّ الإمام القائم لا عقب له، وبهذا تبطل عقيدة وجود مهديّين من ولده بعده عليه السلام، ولاسيّما أنَّ إطلاق لفظ (القائم) في الروايات ينصرف إلى الإمام محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام، ومن يزعم جواز إطلاقه على غيره فعليه الإثبات، ولا شكَّ أنَّه لا يُراد بهذا اللفظ الإمام القائم بمهامّ الإمامة الذي يصحُّ إطلاقه على كلّ واحد من أئمّة أهل البيت عليهم السلام؛ لأنَّه لا يصحُّ الاستثناء في الحديث إذا كان المراد بالقائم هذا المعنى كما هو ظاهر واضح.
مضافاً إلى أنَّ هناك فرقاً واضحاً بين معنى العقب ومعنى الولد.
قال ابن منظور: (والعَقِبُ والعَقْبُ والعاقِبةُ: ولَدُ الرجلِ ووَلَدُ ولَدِه الباقونَ بعده)(70).
وقال أبو هلال العسكري: (الفرق بين العقب والولد: أنَّ عقب الرجل ولده الذكور والإناث، وولد بنيه، إلَّا أنَّهم لا يُسمَّون عقباً إلَّا بعد وفاته، فهم على كلّ حال ولده، والفرق بين الاسمين بيِّن)(71).
وقال الزبيدي: (العَقْب: الولد، وولد الولد من الرجل: الباقون بعده، كالعَقِب ككتِف في المعنيين)(72).
وعليه فيمكن الجمع بين الروايات التي تدلُّ على وجود ذرّية للإمام المهدي عليه السلام، وبين هذه الرواية التي تنفي العقب، بأنَّ الإمام المهدي عليه السلام سيكون له ولد، ولكنَّهم لن يبقوا بعده، فيكون لا عقب له، وهذا ينفي فكرة وجود مهديّين من ولده عليه السلام.
وعليه فإنَّ روايات الرجعة هي الحاكمة على روايات المهديّين؛ لتواترها، ولصراحة مضمونها من أنَّ الرجعة تبدأ مباشرةً مع ظهور صاحب الأمر عليه السلام، ولإجماع الطائفة عليها.
الدليل الثالث:
استند القوم إلى عدَّة روايات لإثبات حكومة المهديّين بعد إمامنا الثاني عشر، وقد ألَّف ناظم العقيلي كتاباً أسماه (الأربعين حديثاً في المهدي)، جمع فيه كلّ الروايات التي يُستدلُّ بها على المهديّين.
وقد اشتركت كلّ تلك الروايات في ذكر المهديّين بعد الإمام المهدي عليه السلام، واختلفت في تفاصيلها:
فبعضها أثبت وجود مهديّين من ولد الإمام الحجَّة عليه السلام، وُصفوا في بعض الروايات والأدعية بالقُوَّام، وفي بعضها بالأئمّة.
وبعض آخر دلَّ على مهديّين، لكن من دون تحديد نسبهم أو دورهم، واكتفي فيها بتحديد عددهم.
وطائفة ثالثة من تلك الروايات ذكرت نسبهم، وأنَّهم من أبناء الحجَّة عليه السلام، وأشارت إلى بعض أدوارهم، ولم تذكر عددهم.
وعليه فالمضمون المشترك بين هذه الروايات هو وجود حكومة بعد الإمام المهدي عليه السلام، أو قُلْ: مرحلة أُخرى تُعرَف بالمهديّين، بغضّ النظر عن تفاصيلها.
علماً أنَّني تعمَّدت تأخير مناقشة هذه الروايات، وجعلها الدليل الثالث، خلافاً للمنهج الطبيعي الذي يقتضي تقديم الروايات لسببين:
الأوّل: إعراض علمائنا عن هذه الروايات، وحكمهم على روايات المهديّين بالندرة والشذوذ كاشف عن ضعفها وعدم حجّيتها، وهذا يغني عن مناقشتها رواية تلو رواية؛ إذ أنَّ أقوال أساطين المذهب جواب عامّ على كلّ تلك الروايات التي تحوي هذا المضمون، وهذا يغنينا عن المناقشة الأُحادية لها.
الثاني: معارضتها لروايات الرجعة المتواترة يجعلنا أمام خيارين: إمَّا إسقاط روايات المهديّين، أو الجمع بينها وبين روايات الرجعة بما يتناسب مع عقيدة الشيعة الإمامية.
وبعد هذه المقدّمة نقول: إنَّه لا مانع من الالتزام بالمضمون المشترك بين روايات المهديّين الذي ذكرناه سابقاً، لكن الخلاف يبقى في التفاصيل، هل هم من أبناء الحجَّة عليه السلام أو لا؟
وإذا لاحظنا عدم وجود رواية صريحة تدلُّ على أنَّ أبناء الإمام عليه السلام يحكمون بعده، إلَّا رواية الوصيّة التي نحن بصدد مناقشتها وإثبات تهافت متنها! فإنَّ هذا يجعلنا نقطع بأنَّ أولئك المهديّين ليسوا من أولاد الإمام المهدي عليه السلام، وإنَّما هم من آبائه الطاهرين عليهم السلام.
أمَّا الروايات الأُخرى فكلّها يمكن توجيه متنها بما يتلاءم مع ما أثبتناه سابقاً من أنَّ المرحلة التي تلي الإمام المهدي عليه السلام هي مرحلة الرجعة المتمثّلة بحكم أئمّة أهل البيت الماضين عليهم السلام.
إذن المراد بالمهديّين هم أئمّة أهل البيت عليهم السلام، لكن تجنَّبوا التصريح بذلك لخطورة هذا القول في تلك الأزمان، حيث كان معتقد الرجعة مساوياً للكفر عند العامّة، ولذلك كان أئمّة أهل البيت عليهم السلام يخفون هذا المعتقد عن أصحاب القلوب الضعيفة، رأفة ببعضهم، واتقاءً من البعض الآخر، وقد تبنّى هذا الرأي جملة من فطاحل المذهب، منهم:
1 _ الحسن بن سليمان الحلّي، قال قدس سره: (اعلم هداك الله بهداه أنَّ علم آل محمّد ليس فيه اختلاف، بل بعضه يُصدِّق بعضاً، وقد روينا أحاديث عنهم صلوات الله عليهم جمَّة في رجعة الأئمّة الاثني عشر، فكأنَّه عليه السلام عرف من السائل الضعف عن احتمال هذا العلم الخاصّ الذي خصَّ الله سبحانه من شاء من خاصَّته، وتكرَّم به على من أراد من بريَّته كما قال سبحانه وتعالى: (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد: 21]، فأوَّله بتأويل حسن، بحيث لا يصعب عليه، فينكر قلبه، فيكفر، فقد رُوي في الحديث عنهم عليهم السلام: (ما كلّ ما يُعلَم يُقال، ولا كلّ ما يُقال حان وقته، ولا كلّ ما حان وقته حضر أهله)، ورُوي أيضاً: (لا تقولوا: الجبت والطاغوت، وتقولوا: الرجعة، فإن قالوا: قد كنتم تقولون، قولوا: الآن لا نقول)، وهذا من باب التقيّة التي تعبَّد الله بها عباده في زمن الأوصياء)(73).
2 _ الحرّ العاملي، قال قدس سره: (أن يكون ذلك محمولاً على الرجعة، فقد عرفتَ جملة من الأحاديث الواردة في الأخبار برجعتهم عليهم السلام على وجه الخصوص، وعرفتَ جملة من الأحاديث الواردة في صحَّة الرجعة على وجه العموم، في كلّ: (من محض الإيمان محضاً، أو محض الكفر محضاً)، وكلّ واحد من القسمين قد تجاوز حدِّ التواتر المعنوي بمراتب كما رأيتَ في الأبواب السابقة. وعلى هذا فالأئمّة من بعده هم الأئمّة من قبله، قد رجعوا بعد موتهم، فلا ينافي ما ثبت من أنَّ الأئمّة اثنا عشر؛ لأنَّ العدد لا يزيد بالرجعة، وهذا الوجه يحصل به الجمع بين رواية اثني عشر ورواية أحد عشر، فإنَّ الأُولى محمول على دخول المهدي أو النبيّ عليهما السلام، والثانية: لم يلاحظ فيها دخول أحد منهما لحكمة أُخرى، ومثل هذا في المحاورات كثير، والتخصيص بالذكر لا يدلُّ على التخصيص بالحكم، وليس بصريح في الحصر...).
إلى أن قال: (وقوله عليه السلام في حديث أبي حمزة: (اثنا عشر مهديّاً من ولد الحسين عليه السلام) لا يبعد تقدير شيء له يتمُّ به الكلام، بأن يقال: (أكثرهم من ولد الحسين)، ولا يخفى أنَّه قد يبني المتكلِّم كلامه على الأكثر الأغلب عند ظهور الأمر، أو إرادة الإجمال، وممَّا يُقرِّب ذلك ويزيل استبعاد ما ورد في أحاديث النصّ على الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام: (أنَّهم من ولد علي وفاطمة)، والحديث موجود في أصول الكليني، ولا بدَّ من حمله على ما قلناه؛ لخروج أمير المؤمنين عليه السلام من هذا الحكم، ودخوله في الاثني عشر عليهم السلام)(74).
3 _ الشيخ محمّد باقر المجلسي قدس سره، قال: (هذه الأخبار مخالفة للمشهور، وطريق التأويل أحد وجهين: الأوّل: أن يكون المراد بالاثني عشر مهديّاً: النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأئمّة سوى القائم عليه السلام، بأن يكون مُلْكهم بعد القائم عليه السلام، وقد سبق أنَّ الحسن بن سليمان أوَّلَها بجميع الأئمّة، وقال برجعة القائم عليه السلام بعد موته، وبه أيضاً يمكن الجمع بين بعض الأخبار المختلفة التي وردت في مدَّة ملكه عليه السلام. والثاني: أن يكون هؤلاء المهديّون من أوصياء القائم، هادين للخلق في زمن سائر الأئمّة الذين رجعوا؛ لئلَّا يخلو الزمان من حجَّة، وإن كان أوصياء الأنبياء والأئمّة أيضاً حُجَجَاً، والله تعالى يعلم)(75).
4 _ السيّد عبد الله شبّر قدس سره، قال: (أن تكون محمولة على رجعة الأئمّة بعد رجعة القائم، فقد وردت في ذلك روايات كثيرة في أنَّهم عليهم السلام يرجعون حتَّى النبيّ)(76).
والنتيجة أنَّ هؤلاء العلماء الأجلَّاء الذين هم أكثر ممارسة للأحاديث وأعرف بالمشهور منها من الشاذّ، بيَّنوا المراد بأحاديث المهديّين بما لا يحتاج إلى بيان أكثر، جمعاً بين أحاديث المهديّين والأحاديث التي حصرت الأئمّة في اثني عشر إماماً فقط.
ويمكن أن نضيف احتمالاً آخر استفدناه من كلام الشيخ المجلسي قدس سره، وهو أنَّ المقصود من المهديّين مجموعة من خيرة الصلحاء الموجودين في عصر الظهور وما بعده، يكونون أعواناً ونوّاباً للإمام المهدي عليه السلام والأئمّة الآخرين عليهم السلام عندما يرجعون ويتولَّون الحكم، وهذا وجه حسن أيضاً للجمع بين هذه الأخبار.
وقد يُستدلُّ على هذا الرأي بما رواه الشيخ الصدوق قدس سره عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: يا ابن رسول الله، إنّي سمعت من أبيك عليه السلام أنَّه قال: (يكون بعد القائم اثنا عشر مهديّاً). فقال: (إنَّما قال: اثنا عشر مهديّاً، ولم يقل: اثنا عشر إماماً، ولكنَّهم قوم من شيعتنا يدْعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقِّنا)(77).
والرواية واضحة الدلالة على نفي الإمام كون المهديّين أئمّة، بل نفي كونهم حُججاً على الناس؛ لأنَّا لو افترضنا أنَّهم حجج فموالاتهم ومعرفة حقّهم واجبتان، في حين أنَّ الإمام عليه السلام ذكر أنَّهم يدْعون إلى موالاة أهل البيت عليهم السلام ومعرفة حقِّهم.
كما أنَّ هذه الرواية تدلُّ أيضاً على أنَّ هؤلاء المهديّين لم يكونوا من أهل البيت عليهم السلام؛ لأنَّ الإمام عليه السلام وصفهم بأنَّهم قوم من الشيعة، ولم يقل: (قوم من بني فاطمة)، أو (من أولادنا)، والذي يستقرئ روايات أهل البيت عليهم السلام يعلم أنَّهم ما ذكروا أحداً ينتسب إليهم إلَّا وصفوه بأنَّه حسني أو حسيني، أو اكتفوا بقولهم: (منّا).
وبتعبير آخر نقول: إنَّ لفظ (المهديّين) يُراد به أحد أمرين:
الأوّل: الأئمّة الاثنا عشر عليهم السلام كما في الأخبار التي حدَّدت عددهم بأحد عشر أو اثني عشر، ووصفتهم بأوصاف حجج الله تعالى، من العصمة، والطهارة، وعلم ما يحتاج إليه العباد ونحو ذلك، وأوجبت على الناس طاعتهم، وموالاتهم، واتّباعهم، والتمسّك بهم.
والثاني: جماعة من الشيعة يدْعون إلى ولاية أهل البيت عليهم السلام، ومعرفة حقِّهم كما ذكرنا آنفاً، وربَّما يكون بعضهم من أولاد الإمام المهدي عليه السلام، وربَّما يُنصبون حكَّاماً وولاة على بعض بقاع الأرض، وذلك لأنَّهم صلحاء مهديّون.
والخلاصة أنَّ روايات المهديّين فيها إخبار بما سيقع في فترة ما بعد ظهور الإمام المهدي عليه السلام، ولا يضرُّ الخلاف في ذلك لأنَّنا أُمرنا بالاعتقاد بالاثني عشر وبالخصوص إمام زماننا الذي إذا جهله المكلَّف مات ميتة جاهلية، أمَّا ما يحصل بعده فلم يجب علينا الاعتقاد فيه بشيء كما مرَّ في كلام أعلام الطائفة.
ولو سلَّمنا جدلاً وقلنا بصحَّة الأُطروحة التي يتبنَّاها أتباع أحمد إسماعيل من وجود اثني عشر مهديّاً بعد الإمام المهدي عليه السلام، فإنَّه لا يتغيَّر شيء في الأمر؛ لأنَّ رواية الوصيّة لو سلَّمنا بدلالتها على إمامة أحمد ابن الإمام المهدي عليه السلام، وحكمه بعد أبيه، فإنَّه يلزم هؤلاء أن يثبتوا أوّلاً أنَّ أحمد إسماعيل هو ابن الإمام المهدي عليه السلام، ودون ذلك خرط القتاد، ولو أثبتوا ذلك وأنّى لهم به، فإنَّه يلزمهم ثانياً أن يثبتوا أنَّه المراد في الأحاديث؛ وبعد تجاوز كلّ ذلك وتسليم أنَّه هو المراد مع ذلك لا يجب على الناس اتّباعه إلَّا بعد وفاة جدِّه الخامس بزعمه وهو الإمام المهدي عليه السلام، وأمَّا الآن فلا، مع أنَّ أحمد إسماعيل يدعو الناس إلى نفسه في زمان إمامة الإمام المهدي عليه السلام، وهذا من أغرب الغرائب!

* * *

الوقفة الثالثة: قوله: (فأنت يا علي أوّل الاثني عشر إماماً، سمَّاك الله تعالى في سمائه: عليّاً المرتضى، وأمير المؤمنين، والصدِّيق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصحُّ هذه الأسماء لأحد غيرك).
في هذه الفقرة يذكر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أوّل الأئمّة الاثني عشر وهو الإمام علي عليه السلام، ويذكر أنَّ له خمسة أسماء.
والملاحظ في هذا المقطع أنَّه حصر هذه الأسماء في أمير المؤمنين عليه السلام دون سواه، بل لا يصحُّ أن تُطلَق على أحدٍ سواه، ومنها: (المهدي) الذي أُطلق في ذيل الرواية على المهدي الأوّل، فلا ندري كيف يجتمع الأمران؟!
ولوضوح ورود هذا الإشكال على هذه الرواية فإنَّ بعض أتباع أحمد إسماعيل التفت إليه، فحاول إيجاد مخرج ينقذ احتجاجهم بهذه الرواية التي بنوا عليها ما يدَّعونه.
فقالوا: إنَّ هذه الأسماء لا تصحُّ مجتمعة إلَّا لأمير المؤمنين عليه السلام، وتصحُّ لغيره منفردة.
والجواب: أنَّ هذا ليّ لعنق الرواية، وتقدير لفظ (مجتمعة) دون قرينة أو برهان إلَّا اتّباع الهوى، وتطبيق النصوص على الوهم الذي صنعته عقولهم، وممَّا يُفسِد هذا الاستدلال أنَّ الشيعة حَرَّموا إطلاق لفظ (أمير المؤمنين) على غير الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من الناس، بل حتَّى على باقي الأئمّة المعصومين عليهم السلام، منفرداً أو مجتمعاً.
وقالوا أيضاً: إنَّ الأسماء لا تصحُّ إلَّا لأمير المؤمنين عليه السلام في السماء، أمَّا في الأرض فلا بأس بذلك.
والجواب: أنَّ هذا الكلام من أسخف ما قيل في تبرير هذا التهافت؛ إذا أنَّ ما حصل في السماء هو إطلاق الأسماء على أمير المؤمنين عليه السلام، وفيها اختصَّت هذه الأسماء به مطلقاً، ولم يرد في الرواية أنَّ هذه الأسماء لا تُطلَق على غيره في السماء، بل أطلق الحكم بعدم جواز إطلاقها على غيره، وبهذا يرد إشكال قوي على الرواية لا يمكن دفعه.

* * *

الوقفة الرابعة: قوله: (يا علي أنت وصيّي على أهل بيتي، حيِّهم وميِّتهم، وعلى نسائي، فمن ثبَّتَّها لقيتْني غداً، ومن طلقتَها فأنا بريء منها، لم ترَني ولم أَرَها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أُمَّتي من بعدي).
من يقرأ هذه الفقرة ويتدبَّر فيها لا بدَّ أن يصل إلى النتيجة الآتية، وهي: أنَّ كلّ زوجة من زوجات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثبَّتَها أمير المؤمنين عليه السلام فسوف ترى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، والمقصود هو الرؤية الخاصّة التي يُراد بها إمَّا الرؤية المساوقة للشفاعة في عرصة القيامة، أو يُراد بها الرؤية المساوقة لاستمرار الزوجية بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كما هو المعروف عند المخالفين الذين يزعمون أنَّ بعض زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا هنَّ أيضاً زوجاته في الآخرة.
وإلَّا لو حملنا الرؤية الواردة في الرواية على الرؤية العامّة، فإنَّ من السفه تعليقها على التثبيت؛ لأنَّ الرؤية العامّة تشمل الكافر والمسلم، ولذلك نجد أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام يؤكِّد في إحدى مناجاته على أنَّ عدم رؤية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الجنَّة هي من صفات أهل الشقاء، حيث قال: (إلهي أمن أهل الشقاء خلقتني فأطيل بكائي؟ أم من أهل السعادة خلقتني فأنشر رجائي؟ إلهي إن حرمتني رؤية محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في دار السلام، وأعدمتني تطواف الوصفاء من الخدام، وصرفت وجه تأميلي بالخيبة في دار المقام، فغير ذلك منَّتْني نفسي منك يا ذا الفضل والإنعام)(78).
وعلى هذا فكلّ من يحتجّ بهذه الرواية عليه أن يُسلِّم بدخول زوجات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الجنَّة عدا اللاتي طلَّقهنَّ أمير المؤمنين عليه السلام، وهي واحدة فقط كما ورد في بعض الروايات، فهل يلتزم أحمد إسماعيل بذلك مع مخالفة ذلك لما دلَّت عليه صحاح الأخبار، وأجمع عليه الشيعة الأبرار؟
إضافةً إلى أنَّ النفي في هذه الفقرة قد ورد باستخدام كلمة (لم)، وهذه الأداة كما هو معلوم تستخدم لنفي الفعل المضارع في الماضي، في حين أنَّ المحشر سيكون في المستقبل، فالصحيح أن تُستخدم كلمة (لن) وليس (لم)، ولا يحتمل وجود مثل هذا الخطأ البديهي في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو أفصح من نطق بالضاد.

* * *

الوقفة الخامسة: قوله: (ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهديّاً، فإذا حضرته الوفاة فليسلِّمْها إلى ابنه أوّل المقرَّبين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوّل المؤمنين).
وهذه الفقرة هي موضع الشاهد في كلّ الرواية، و سبب اختيارهم لهذه الرواية هي هذه الفقرة؛ لأنَّها تذكر اسم المهدي الأوّل الموافق لاسم صاحبهم!
ولنا مع هذه الفقرة عدَّة وقفات مهمّة لتبيان زيف دعوى القوم:
أوّلاً: الرواية واضحة في أنَّ المهدي الأوّل يبدأ دوره بعد صاحب الأمر عليه السلام، وذلك بتسلّمه مقاليد الولاية العامّة، في حين أنَّ أحمد إسماعيل يدعو الآن لنفسه، ويطلب البيعة من الناس، فكيف يجتمع الأمران؟!
ثانياً: ذكرت الرواية أسماء هذا المهدي، وهي: الاسم الأوّل بيَّنه بقوله: (اسم كاسمي) يعني محمّداً، والاسم الثاني أوضحه بقوله: (واسم أبي)، وهو عبد الله، والاسم الثالث: أحمد، ولكنَّه ذكر اسماً رابعاً، وهو: المهدي!
فالرواية إذن نصَّت على وجود ثلاثة أسماء للمهدي الأوّل، لكن نجدها عددت أربعة أسماء، وهذا تهافت مسقط لهذه الرواية، وموهن لها.
وكالعادة حاول القوم الخروج من هذه الثغرة بإيجاد بعض التأويلات، فقالوا: إنَّه لا إشكال في هذا المقطع؛ لأنَّ الاسم الأوّل هو أحمد، وليس محمّداً، وبيان ذلك أنَّ هذا اللفظ في الرواية: (اسم كاسمي واسم أبي) مفسَّرة بما بعدها، (وهو عبد الله وأحمد)، فتكون الأسماء الثلاثة هي: أحمد، وعبد الله، والمهدي.
والجواب: أنَّ هذا تبرير فيه سخيف جدَّاً، إذ كيف يكون لفظ (وهو) يرجع على الاسمين؟ فضمير هو يرجع بالضرورة على آخر الأشياء ذِكْراً، وهو قوله: (اسم أبي).
نعم ربَّما يوجد لهذا الإشكال مخرج كأن نقول بأنَّ هناك تصحيف في العبارة أو أن نُقدِّر كلاماً، لكن لا يخفى على القارئ ما في هذه الأجوبة من تكلّف شديد.
أضف إلى هذا: أنَّ الضمير في قوله: (له ثلاثة أسامي) لا يعود على المهدي الأوّل كما يزعمون، وإنَّما يعود على الإمام الثاني عشر وهو الإمام المهدي عليه السلام، وذلك لعدَّة قرائن:
1 _ أنَّ الضمائر السابقة في (من بعده)، (حضرتْه)، وفي (ابنه) تعود على الإمام المهدي عليه السلام، فيكون الضمير الرابع كذلك؛ ليكون الكلام على نسق واحد، وهو الحديث عن الإمام المهدي المنتظر عليه السلام دون غيره.
2 _ أنَّه ورد في روايات أُخر أنَّ هذه الأسماء الثلاثة، وهي: أحمد، وعبد الله، والمهدي، هي أسماء الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
فقد روى الشيخ الطوسي قدس سره بسنده عن حذيفة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر المهدي، فقال: (إنَّه يبايَع بين الركن والمقام، اسمه أحمد، وعبد الله، والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها)(79).
ولا شكَّ في أنَّ لفظ (المهدي) إذا أُطلق فإنَّه ينصرف إلى الإمام الثاني عشر عليه السلام، ولا ينصرف إلى غيره، خصوصاً مع إجماع المسلمين كافّة أنَّ الذي يبايَع بين الركن والمقام هو الإمام المهدي عليه السلام، أي الإمام الثاني عشر.
ثالثاً: أنَّه ورد في هذه الرواية أنَّ الإمام الثاني عشر يسلّمها لابنه، وقد حملها أتباع مدَّعي المهدوية على الابن الخامس، وهو حفيد الحفيد، وليس على الابن المباشر، وهذا مخالف لظاهر النصّ، إذ أنَّ لفظة (الابن) وردت في الرواية ثماني مرَّات بمعنى الابن المباشر، فكيف يُصرَف خصوص هذا اللفظ إلى حفيد الحفيد من دون أيّ قرينة؟!
والروايات التي احتجّوا به على ثبوت الإمامة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب لا تنفعهم؛ لأنَّ عقب العقب لا يتولّى الإمامة مع وجود العقب، فكيف بعقب عقب عقب العقب مع تسليم أنَّ أحمد إسماعيل من أعقاب أعقاب أعقاب أعقاب الإمام المهدي عليه السلام، وإثبات ذلك كما قلنا دونه خرط القتاد، ولاسيّما أنَّ بعض الروايات أكَّدت على أنَّ الإمامة تكون في الولد الأكبر إلَّا أن تكون فيه عاهة.
فقد روى الكليني قدس سره بسند صحيح عن ابن أبي نصر، قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: إذا مات الإمام بِمَ يُعرَف الذي بعده؟ فقال: (للإمام علامات، منها: أن يكون أكبر ولد أبيه، ويكون فيه الفضل والوصيّة، ويقدم الركب فيقول: إلى من أوصى فلان؟ فيقال: إلى فلان، والسلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل، تكون الإمامة مع السلاح حيثما كان)(80).
وعن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، [قال]: (إنَّ الأمر في الكبير ما لم تكن فيه عاهة)(81).
وعليه، فكيف تزحزح الإمامة من الولد الأكبر إلى أعقاب أعقاب الأعقاب؟!
رابعاً: أنَّ أتباع أحمد إسماعيل بنوا كلّ معتقدهم على وصف المهدي الأوّل في ذيل الرواية بأنَّه (أوّل المؤمنين)، وبهذا ربطوا بين أحاديث المهديّين وأحاديث اليماني، مع أنَّ هذه العبارة مبهمة وغير واضحة، بل تحتمل عدَّة وجوه، كلّها فاسدة:
الوجه الأوّل: أنَّ المهدي الأوّل هو أوّل من يؤمن بوجود الإمام المهدي عليه السلام من آل محمّد الذي هو التاسع من ولد الحسين.
وهذا المعنى باطل بالضرورة؛ لأنَّه قد آمن بالإمام المهدي عليه السلام الأنبياء والأوصياء والأئمّة وأصحابهم وسائر الشيعة قبل أن يؤمن به مدَّعي السفارة بقرون.
الوجه الثاني: أن يكون المقصود هو أنَّ المهدي الأوّل هو أوّل من يرى الإمام عليه السلام في الخارج، ويعرفه.
وهذا أيضاً باطل؛ لأنَّ الإمام العسكري عليه السلام قد رآه، وعرفه، وعرضه على بعض أصحابه، ورآه من بعد ذلك النوّاب الأربعة الذين كانوا يلتقون بالإمام عليه السلام، ويتواصلون معه، بل التقاه وعرفه جمع كبير من علماء الطائفة وفضلاء الشيعة، فكيف يكون المهدي الأوّل أوّل من يراه، ولاسيّما أنَّه قد ورد في الأخبار أنَّ الإمام عليه السلام ليس بغائب عن الشيعة وإنَّما يحضر الحجّ والموسم وغيرها؟!
الوجه الثالث: أن يكون المقصود من العبارة هو أنَّ هذا الشخص هو أوّل من يدعو لأبيه في عصر الظهور، ويكون نائباً خاصَّاً مكلَّفاً من قِبَل الإمام عليه السلام للقيام بحركة الظهور المبارك، وهذا هو المعنى الذي يتبنَّاه أتباع مدَّعي السفارة.
وهذا المعنى الذي ذكروه لا يمكن استفادته من قوله: (هو أوّل المؤمنين)، فإنَّ إثبات الإيمان له لا يدلُّ على أنَّه سيكون نائباً للإمام عليه السلام، أو أنَّه سيتولّى الأمر من بعده، أو أنَّ له دوراً ما في حركة الظهور ونشر الحقّ وملء الأرض قسطاً وعدلاً.
وإذا كانت هذه الدعوة تقوم على تحميل النصوص ما لا تحتمل فإنَّ ذلك أظهر دليل على بطلانها؛ لأنَّها لو كانت دعوة صادقة لوجدت في الأدلَّة الصحيحة الصريحة الواضحة ما يؤيِّد دعوتهم بدلاً من سلوك هذه الطرق الملتوية.
إذن فهذه العبارة مبهمة، ولا يمكن أن نحدِّد بها المقصود من (أوّل المؤمنين)؛ لأنَّنا نحتاج إلى قرينة واضحة تبيِّن لنا التقدير الموجود، كقول الله تعالى: (فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف: 143)، فقد جاءت القرينة في كلام الإمام الرضا عليه السلام تبيِّن لنا معنى الأوّلية هنا كما روى الصدوق، أنَّه عليه السلام قال: (رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي، (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) منهم بأنَّك لا تُرى)(82).
خامساً: أنَّ هذا الخبر اكتفى بذكر المهدي الأوّل، ولم يذكر بقيّة المهديّين، ولا توجد أيّ رواية أُخرى تذكر شيئاً عنهم سوى عددهم، ممَّا يجعل هذه الوصيّة ناقصة.
فإذا كان الأمر كما يدَّعون من أنَّ العصمة من الضلال هو في التمسّك بهذه الوصيّة فقط، فنجد أنَّ الضلال محتمل الوقوع بعد المهدي الأوّل؛ لعدم وضوح الأمر، فلم ينصّ عليهم لا بالاسم ولا بالرسم.
والنتيجة أنَّ سند رواية الوصيّة ضعيف جدَّاً، لا يصحُّ الاعتماد عليه في أمثال هذه الأُمور المهمّة، ومع الغضّ عن السند فإنَّ رواية الوصيّة اشتملت على أُمور لا يمكن التسليم بها، مضافاً إلى أنَّها لا تدلُّ على إمامة أحمد إسماعيل بخصوصه، ولا على أنَّه المهدي الأوّل، ولا على شيء ممَّا يدَّعونه له.
القرائن المدَّعاة لتصحيح سند رواية الوصيّة:
جمع أحد أتباع مدَّعي المهدوية عدَّة قرائن لتصحيح سند رواية الوصيّة، بل حكم بأنَّها قطعية الصدور، وأنَّه لا بدَّ من التعبّد بمضمونها! ومن هذه القرائن:
1 _ موافقة القرآن:
قال ناظم العقيلي: (موافقة رواية الوصيّة للقرآن الكريم، فقد اتَّفق الجميع على اختلاف مذاهبهم بوجوب الاعتماد على الرواية إذا كانت موافقة للقرآن الكريم حتَّى إذا احتوى سندها على ضعف، بل حتَّى إذا لم يكن لها إسناد أصلاً)(83).
وهذا الكلام لا يخلو من عدَّة ملاحظات:
أوّلاً: أنَّ المذاهب الإسلاميّة لم يتَّفقوا على هذه القاعدة، بل هي من خصائص مذهب أهل البيت عليهم السلام، أمَّا غيرهم فقد أنكروها أشدّ إنكار، وزعموا أنَّها من وضع الزنادقة!
قال الشوكاني: (حديث: (إذا رُوي عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله، فإذا وافقه فاقبلوه، وإن خالفه فرُدُّوه)، قال الخطّابي: وضعتْه الزنادقة، ويدفعه حديث: (أُوتيتُ الكتاب ومثله معه)، كذا قال الصغاني. قلت: وقد سبقهما إلى نسبة وضعه إلى الزنادقة يحيى بن معين كما حكاه عنه الذهبي، على أنَّ في هذا الحديث الموضوع نفسه ما يدلُّ على ردِّه؛ لأنّا إذا عرضناه على كتاب الله عز وجل خالفه، ففي كتاب الله عز وجل: (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر: 7]، ونحو هذا من الآيات)(84).
ثانياً: أنَّ الآيات القرآنية التي جاء بها الرجل ناظرة للوصيَّة الخاصّة المتعلِّقة بالميراث والدين وبالأُمور الشخصية، وليست كما حاول تصويرها بأنَّها تشمل أُمور الإمامة ومستقبل الإسلام.
وهذا ما دلَّت عليه النصوص الشريفة الواردة عن المعصومين عليهم السلام:
منها: ما رواه الشيخ الكليني قدس سره بسنده عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سألته عن الوصيّة للوارث، فقال: (تجوز). قال: ثمّ تلا هذه الآية: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [البقرة: 180])(85).
ومنها: ما وراه الميرزا النوري في المستدرك عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنَّه حضره رجل مقلّ، فقال: ألَا أُوصي يا أمير المؤمنين؟ فقال: (أُوصِ بتقوى الله، وأمَّا المال فدعه لورثتك، فإنَّه طفيف يسير، وإنَّما قال الله عز وجل: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً)، وأنت لم تترك خيراً توصي فيه)(86).
ومنها: ما رواه القاضي النعمان في الدعائم، قال: وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنَّهما قالا: (الخير هاهنا المال، قال الله عز وجل: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ)، يعني مالاً، فإذا كان ممَّن يستطيع الكسب والتصرّف فهو ممَّن فيه خير)(87).
أضف إلى هذا أنَّ الوصيّة ليست واجبة على إطلاقها، وإنَّما تجب في حالات خاصّة، كما لو كان لأحدهم دَيْن لم يسدِّده في حياته، وظهرت عليه أمارات الموت، أو كان مكلَّفاً بشيء، ولم يؤدِّه في حياته، أمَّا إذا لم يكن شيء من ذلك فالوصيّة ليست بواجبة في حقِّه، وإنَّما هي مستحبّة، ولهذا عُلِّق وجوبها على ما إذا ترك خيراً، قال سبحانه: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة: 180).
ثالثاً: لو أغمضنا عن كلّ ما سبق فإنَّ الآية القرآنية تثبت أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أوصى، لكن لا تثبت أنَّ هذه الرواية بكلّ فقراتها هي الوصيّة الصحيحة، بل هناك روايات أُخرى ذكرت وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ليلة وفاته خالية من ذكر المهديِّين كما سنذكر لاحقاً.
علماً أنَّ نزاعنا هو في إثبات المهديّين بعد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وإثبات أنَّ صاحبهم منهم، لا أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بوصيّة، فإنَّ هذا لا خلاف فيه بين الشيعة، وموافقة الكتاب لبعض مضامين الرواية لا تثبت صحَّة تلك الرواية وصحَّة باقي مضامينها، ولاسيّما إذا كان هذا المضمون مخالفاً لما هو المعروف عند الشيعة، وعلى ناظم العقيلي أن يثبت موافقة الكتاب لما نتنازع فيه، وهو إثبات اثني عشر مهديّاً، وهذا ما لم يستطع إثباته.
وقد كرَّر العقيلي أكثر من مرَّة وفي أكثر من موضع أنَّ هذا هو النصّ الوحيد لوصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (فهذه الآية صريحة بوجوب الوصيّة عند الاحتضار، وأُكرِّر: عند الاحتضار، أي عندما يحضر الناسَ الموت، ولا يوجد أيّ نصّ لوصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة وفاته غير الرواية التي نقلها الشيخ الطوسي، والتي تنصّ على الأئمّة والمهديّين عليهم السلام، فمن ردَّ هذه الوصيّة أو شكَّك فيها فقد حكم على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّه خالف قوله تعالى؛ لأنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو أوّل مطبِّق لشريعة الله تعالى، ولا يقول ما لا يفعل، فكيف يترك أمر الله تعالى بالوصيّة عند الموت؟ وهذا لا يقول به إلَّا كافر بما أُنزل على محمّد صلى الله عليه وآله وسلم)(88).
وقال في نفس المصدر: (فإن كذَّبوا هذه الرواية فليأتوا برواية أُخرى تذكر نصّ وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة وفاته، ولن يأتوا بذلك؛ لأنَّها اليتيمة الوحيدة، وبذلك يثبت باليقين صحَّة رواية وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنَّها المصداق الوحيد للآية السابقة)(89).
والمضحك المبكي أنَّه أجاب على نفسه، ونقض استدلاله في نفس الصفحة، ولا يفصل بين الاستدلال ونقضه إلَّا بضع سطور!
فقد احتجَّ بآية الإشهاد على الوصيّة لإثبات موافقة الرواية للقرآن، لكن من المعلوم أنَّ رواية كتاب (الغيبة) لم تتعرَّض إلى وجود شهود عليها، فانتقل بنا العقيلي إلى كتاب سليم بن قيس، وقال: (وهنا إضافة إلى وجوب الوصيّة عند الموت أُضيف شرط آخر، وهو الإشهاد عليها باثنين من العدول عند الإمكان، وإلَّا فمِن غيرهما، وهذا ما فعله الرسول عندما أوصى بوصيَّته لعلي بن أبي طالب في ليلة وفاته، فقد أشهد عليها سلمان الفارسي، وأبا ذر الغفاري، والمقداد، في محاججته مع طلحة، وقد روى ذلك سليم بن قيس الهلالي في كتابه المشهور)(90).
أُنظروا كيف أثبت من حيث لا يدري وجود نصّ آخر للوصيّة في كتاب سليم بن قيس بتفاصيل أُخرى لم تذكرها روايتهم!
فلنلقِ نظرة على نصّ الوصيّة برواية سليم بن قيس، هل توافق مدَّعاهم أو تخالف ما تمسَّكوا به؟
روى سليم في كتابه أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لطلحة: (يا طلحة، ألستَ قد شهدتَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضلُّ الأُمَّة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: إنَّ نبيّ الله يهجر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ تركها؟)، قال: بلى، قد شهدتُ ذاك. قال: (فإنَّكم لمَّا خرجتم أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبالذي أراد أن يكتب فيها، وأن يُشهد عليها العامّة، فأخبره جبرائيل: أنَّ الله عز وجل قد علم من الأُمَّة الاختلاف والفرقة، ثمّ دعا بصحيفة، فأملى عليَّ ما أراد أن يكتب في الكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان، وأبا ذر، والمقداد، وسمَّى من يكون من أئمّة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة، فسمّاني أوّلهم، ثمّ ابني هذا _ وأدنى بيده إلى الحسن _، ثمّ الحسين، ثمّ تسعة من ولد ابني هذا _ يعني الحسين _، كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد؟)، فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(91).
وكما هو ملاحظ فإنَّ رواية كتاب سليم لم تذكر المهديّين، ولم تشر إليهم لا من قريب ولا من بعيد، بل إنَّها حصرت الحجج الذين افترض الله طاعتهم في الاثني عشر فقط لا غير، قال: (وسمَّى مَن يكون مِن أئمّة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة).
وفي نفس الكتاب رواية أُخرى أكثر تفصيلاً: عن سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان يقول: سمعت علياً عليه السلام _ بعد ما قال ذلك الرجل ما قال، وغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودفع الكتف _: (ألَا نسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الذي كان أراد أن يكتب في الكتف ممَّا لو كتبه لم يضلّ أحد ولم يختلف اثنان؟)، فسكتُّ حتَّى إذا قام من في البيت، وبقي علي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام، وذهبنا نقوم أنا وصاحبَيَّ أبو ذر والمقداد، قال لنا علي عليه السلام: (اجلسوا). فأراد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نسمع، فابتدأه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (يا أخي، أمَا سمعت ما قال عدوّ الله؟ أتاني جبرئيل قبلُ، فأخبرني أنَّه سامري هذه الأُمَّة، وأنَّ صاحبه عِجْلها، وأنَّ الله قد قضى الفرقة والاختلاف على أُمَّتي من بعدي، فأمرني أن أكتب ذلك الكتاب الذي أردت أن أكتبه في الكتف لك، وأشهد هؤلاء الثلاثة عليه، ادعُ لي بصحيفة). فأتى بها، فأملى عليه أسماء الأئمّة الهداة من بعده رجلاً رجلاً، وعلي عليه السلام يخطّه بيده، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّي أُشهدكم أنَّ أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أُمَّتي علي بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ من بعدهم تسعة من ولد الحسين)(92).
وهذا يؤكِّد أنَّ المراد بالمهديّين هم الأئمّة الاثنا عشر عليهم السلام بالنحو الذي بيَّناه فيما سبق؛ وإلَّا لو كان هناك أئمّة آخرون لبيَّنهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في وصيَّته هذه.
وقد يطعن بعضهم في هذه الرواية بأنَّها لم تذكر مضمون الوصيّة، ولم تبيِّن ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام.
والجواب: أنَّ هذا لا يصلح طعناً في الوصيّة ما دامت الرواية قد بيَّنت شطراً من مضمون الوصيّة، وكذلك رواية الوصيّة المروية في كتاب (الغيبة) لم تنقل كلّ وصيَّته صلى الله عليه وآله وسلم، بل اكتفت بنقل جزء من الوصيّة، وهو الجزء المشتمل على أسماء الحجج سواء كانوا أئمّة أو مهديّين، ولعلَّ هناك مصالح تمنع من ذكر تمام مضمون الوصيّة؛ لاشتمالها على أُمور لا يُراد اطّلاع الناس عليها.
والعجيب زعم ناظم العقيلي أنَّه لا توجد رواية تذكر الوصيّة إلَّا هذه الرواية، وأنا لا أدري هل أحمله على الجهل بأحاديث أهل البيت عليهم السلام أو على أنَّه مطَّلع على روايات الوصيّة، ولكنَّه يلبِّس على الناس؟ فإنَّ روايات الوصيّة كثيرة في كتب الشيعة.
منها: ما رواه الشيخ الكليني قدس سره في الكافي عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير، قال: حدَّثني موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: (قلت لأبي عبد الله: أليس كان أمير المؤمنين عليه السلام كاتب الوصيّة، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المملي عليه، وجبرئيل والملائكة المقرَّبون عليهم السلام شهود؟ قال: فأطرق طويلاً، ثمّ قال: يا أبا الحسن قد كان ما قلت، ولكن حين نزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمر، نزلت الوصيّة من عند الله كتاباً مسجَّلاً، نزل به جبرئيل مع أُمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة، فقال جبرئيل: يا محمّد، مُرْ بإخراج من عندك إلَّا وصيّك؛ ليقبضها منّا، وتشهدنا بدفعك إيّاها إليه ضامناً لها _ يعني علياً عليه السلام _، فأمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بإخراج من كان في البيت ما خلا علياً عليه السلام، وفاطمة فيما بين الستر والباب، فقال جبرئيل: يا محمّد ربّك يُقرئك السلام، ويقول: هذا كتاب ما كنتُ عهدتُ إليك، وشرطت عليك، وشهدت به عليك، وأشهدت به عليك ملائكتي، وكفى بي يا محمّد شهيداً). قال: (فارتعدت مفاصل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا جبرئيل، ربّي هو السلام، ومنه السلام، وإليه يعود السلام، صدق عز وجل وبرَّ، هات الكتاب. فدفعه إليه، وأمره بدفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له: اقرأه. فقرأه حرفاً حرفاً، فقال: يا علي! هذا عهد ربّي تبارك وتعالى إليَّ، شرطه عليَّ وأمانته، وقد بلَّغت ونصحت وأدَّيت. فقال علي عليه السلام: وأنا أشهد لك [بأبي وأُمّي أنت] بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلت، ويشهد لك به سمعي وبصري ولحمي ودمي. فقال جبرئيل عليه السلام: وأنا لكما على ذلك من الشاهدين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي، أخذتَ وصيَّتي، وعرفتَها، وضمنتَ لله ولي الوفاء بما فيها. فقال علي عليه السلام: نعم بأبي أنت وأُمّي، عليَّ ضمانها، وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي، إنّي أُريد أن أشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة. فقال علي عليه السلام: نعم، أشهد. فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: إنَّ جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن، وهما حاضران، معهما الملائكة المقرَّبون لأُشهدهم عليك. فقال: نعم ليشهدوا وأنا _ بأبي أنت وأُمّي _ أُشهدهم. فأشهدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان فيما اشترط عليه النبيّ بأمر جبرئيل عليه السلام فيما أمر الله عز وجل أن قال له: يا علي، تفي بما فيها من موالاة من والى الله ورسوله، والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله، والبراءة منهم، على الصبر منك، [و]على كظم الغيظ، وعلى ذهاب حقّك، وغصب خُمْسك، وانتهاك حرمتك؟ فقال: نعم يا رسول الله. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لقد سمعت جبرئيل عليه السلام يقول للنبيّ: يا محمّد، عرِّفْه أنَّه يُنتهك الحرمة، وهي حرمة الله وحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى أن تُخضب لحيته من رأسه بدم عبيط. قال أمير المؤمنين عليه السلام: فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل، حتَّى سقطت على وجهي. وقلت: نعم، قبلتُ ورضيتُ وإن انتُهكت الحرمة، وعُطِّلت السنن، ومُزِّق الكتاب، وهُدِمت الكعبة، وخُضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط، صابراً محتسباً أبداً حتَّى أقدم عليك. ثمّ دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة والحسن والحسين، وأعلمهم مثل ما أعلم أمير المؤمنين، فقالوا مثل قوله، فخُتمت الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تمسّه النار، ودُفعت إلى أمير المؤمنين عليه السلام)، فقلت لأبي الحسن عليه السلام: بأبي أنت وأُمّي ألَا تذكر ما كان في الوصيّة؟ فقال: (سنن الله وسنن رسوله). فقلت: أكان في الوصية توثّبهم وخلافهم على أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: (نعم، والله شيئاً شيئاً، وحرفاً حرفاً، أمَا سمعت قول الله عز وجل: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)؟ والله لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام: أليس قد فهمتما ما تقدَّمت به إليكما وقبلتماه؟ فقالا: بلى، وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا)(93).
ومنها: ما رواه الشيخ المجلسي قدس سره عن الإمام الكاظم، عن أبيه عليهما السلام، قال: (قال علي بن أبي طالب عليه السلام: كان في وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أوّلها: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وأوصى به، وأسنده بأمر الله إلى وصيِّه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وكان في آخر الوصيّة: شهد جبرئيل وميكائيل وإسرافيل على ما أوصى به محمّد صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، وقبضه وصيّه وضمانه على ما فيها على ما ضمن يوشع بن نون لموسى بن عمران عليهما السلام، وعلى ما ضمن وأدّى وصيّ عيسى بن مريم، وعلى ما ضمن الأوصياء قبلهم على أنَّ محمّد أفضل النبيِّين، وعليّاً أفضل الوصيّين، وأوصى محمّد وسلَّم إلى علي وأقرَّ عليٌّ، وقبض الوصيّة على ما أوصى به الأنبياء، وسلَّم محمّد الأمر إلى علي بن أبي طالب، وهذا أمر الله وطاعته، وولّاه الأمر على أن لا نبوَّة لعلي ولا لغيره بعد محمّد، وكفى بالله شهيداً)(94).
ومنها: ما دلَّ على وصايا الأوصياء عليهم السلام نازلة من السماء، وكلّ إمام تكون وصيَّته بيده، فقد روى الكليني قدس سره بسنده عن محمّد بن أحمد بن عبيد الله العمري، عن أبيه، عن جدِّه، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ((إنَّ الله عز وجل أنزل على نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً قبل وفاته، فقال: يا محمّد، هذه وصيّتك إلى النجبة من أهلك، قال: وما النجبة يا جبرئيل؟ فقال: علي بن أبي طالب وولده عليهم السلام. وكان على الكتاب خواتيم من ذهب، فدفعه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وأمره أن يفكَّ خاتماً منه ويعمل بما فيه، ففكَّ أمير المؤمنين عليه السلام خاتماً، وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى ابنه الحسن عليه السلام، ففكَّ خاتماً، وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى الحسين عليهما السلام(95)، ففكَّ خاتماً، فوجد فيه: أن أُخرج بقوم إلى الشهادة، فلا شهادة لهم إلَّا معك، واشْرِ نفسك لله عز وجل)، ففعل، ثمّ دفعه إلى علي بن الحسين عليهما السلام، ففكَّ خاتماً، فوجد فيه: أن أطرق، واصمت، والزم منزلك، واعبد ربّك حتَّى يأتيك اليقين، ففعل، ثمّ دفعه إلى ابنه محمّد بن علي عليهما السلام، ففكَّ خاتماً فوجد فيه: حَدِّث الناس وافتهم، ولا تخافنَّ إلَّا الله عز وجل، فإنَّه لا سبيل لأحد عليك، [ففعل]، ثمّ دفعه إلى ابنه جعفر، ففكَّ خاتماً فوجد فيه: حَدِّث الناس، وافتهم، وانشر علوم أهل بيتك، وصِدْق آبائك الصالحين، ولا تخافنَّ إلَّا الله عز وجل، وأنت في حرز وأمان، ففعل، ثمّ دفعه إلى ابنه موسى عليه السلام، وكذلك يدفعه موسى إلى الذي بعده، ثمّ كذلك إلى قيام المهدي صلّى الله عليه)(96).
ولا يحسبنَّ أحد من أتباع أحمد إسماعيل أنَّ المقصود بالإمام المهدي عليه السلام هو صاحبهم أحمد إسماعيل كما يصنعون دائماً، فيصرفون لفظ (المهدي) عن إمامنا الثاني عشر عليه السلام إلى صاحبهم، بل إنَّ الرواية بيَّنت عدد الأوصياء الذين نزلت إليهم الوصيّة من السماء، وهم اثنا عشر تماماً كما نصَّت عليه رواية كتاب سليم بن قيس المذكورة سابقاً.
ومنها: ما رواه النعماني في كتاب (الغيبة) عن معاذ بن كثير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام، أنَّه قال: (الوصيّة نزلت من السماء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً مختوماً، ولم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتاب مختوم إلَّا الوصيّة، فقال جبرئيل عليه السلام: يا محمّد، هذه وصيَّتك في أُمَّتك إلى أهل بيتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيّ أهل بيتي يا جبرئيل؟ فقال: نجيب الله منهم وذرّيته؛ ليورثك في علم النبوَّة قبل إبراهيم. وكان عليها خواتيم، ففتح علي عليه السلام الخاتم الأوّل، ومضى لما أُمر فيه، ثمّ فتح الحسن عليه السلام الخاتم الثاني، ومضى لما أُمر به، ثمّ فتح الحسين عليه السلام الخاتم الثالث، فوجد فيه: أن قاتل، واقتل، وتُقتل، واخرج بقوم للشهادة، لا شهادة لهم إلَّا معك. ففعل، ثمّ دفعها إلى علي بن الحسين عليهما السلام ومضى، ففتح علي بن الحسين الخاتم الرابع فوجد فيه: أن أطرق، واصمت لما حجب العلم، ثمّ دفعها إلى محمّد بن علي عليهما السلام، ففتح الخاتم الخامس فوجد فيه: أن فسِّر كتاب الله تعالى، وصدِّق أباك، وورِّث ابنك العلم، واصطنع الأُمَّة، وقل الحقّ في الخوف والأمن، ولا تخشَ إلَّا الله، ففعل، ثمّ دفعها إلى الذي يليه)، فقال معاذ بن كثير: فقلت له: وأنت هو؟ فقال: (ما بك في هذا إلَّا أن تذهب _ يا معاذ _ فترويه عنّي، نعم، أنا هو)، حتَّى عدَّد عليَّ اثنا عشر اسماً، ثمّ سكت، فقلت: ثمّ من؟ فقال: (حسبك)(97).
ومنها: ما رواه النعماني أيضاً: عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (دفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي عليه السلام صحيفة مختومة باثني عشر خاتماً، وقال له: فُضَّ الأوّل، واعمل به، وادفع إلى الحسن عليه السلام يفضّ الثاني ويعمل به، ويدفعها إلى الحسين عليه السلام يفضّ الثالث ويعمل بما فيه، ثمّ إلى واحد واحد من ولد الحسين عليهم السلام)(98).
وقوله: (مختومة باثني عشر خاتماً) يدلُّ على أنَّ عدد الأوصياء اثنا عشر لا أكثر ولا أقلّ.
والنتيجة أنَّ هذه الروايات وغيرها تدلُّ على أنَّ المهديّين لو سلَّمنا أنَّهم غير الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام ليسوا بأئمّة ولا أوصياء، ورواية الوصيّة لا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال أن تصمد أمام كلّ هذه الروايات المتعدِّدة المعارضة لها.
2 _ روايتها في كتاب معتبر:
قال ناظم العقيلي: (رُويت هذه الرواية (الوصيّة) في أحد الكتب المعتمد عليها وهو كتاب الغيبة للشيخ الطوسي رئيس الطائفة العالم النحرير في الحديث وطرقه ورجاله، وقد تقدَّم كلامه وشهادته بصحَّة روايات كتبه، وأنَّه لا يعمل ولا يستدلّ برواية غير معتبرة، وقد صرَّح الحرّ العاملي في خاتمة الوسائل بأنَّ كتاب الغيبة للشيخ الطوسي من الكتب المعتمد عليها، وبهذا تكون رواية الوصيّة مفروغ [كذا] من صحَّتها)(99).
وهذا جهل مركَّب؛ إذ أنَّ كتاب الغيبة هو كتاب في الاحتجاج، حاول فيه شيخ الطائفة قدس سره إثبات صحَّة ما ذهب إليه الشيعة الإمامية من غيبة إمامهم الثاني عشر عليه السلام، ومعلوم أنَّ كتب الاحتجاج تُذكَر فيها الأدلَّة من كلّ المصادر، بل لعلَّ عمدة الأدلَّة هو ما يرويه المخالف، من باب: (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم)، وقد نصَّ الشيخ الطوسي على هذا بعد ذكره لروايات الاثني عشر، فقال: (فهذا طرف من الأخبار قد أوردناها، ولو شرعنا في إيراد ما من جهة الخاصّة في هذا المعنى لطال به الكتاب، وإنَّما أوردنا ما أوردنا منها ليصحّ ما قلناه من نقل الطائفتين المختلفتين، ومن أراد الوقوف على ذلك فعليه بالكتب المصنَّفة في ذلك، فإنَّه يجد من ذلك شيئاً كثيراً حسب ما قلناه)(100).
وكلام الشيخ الطوسي قدس سره واضح الدلالة على أنَّ الأخبار المنقولة في كتابه (الغيبة) ممَّا رواه الشيعة والمخالفون، بل إنَّ أخبار العامّة هي العمدة في الاحتجاج، أمَّا أخبار الخاصّة فلم يأتِ منها إلَّا بالشيء القليل، وأوكل بقيّة الأخبار إلى الكتب المصنَّفة في هذا الباب.

علماً أنَّ الشيخ الطوسي قدس سره قد صرَّح في كتاب الغيبة ببطلان عقيدة من قال بوجود إمام بعد الثاني عشر عليه السلام من ولده، فقال: (فأمَّا من قال: إنَّ للخلف ولداً وأنَّ الأئمّة ثلاثة عشر، فقولهم يفسد بما دلَّلنا عليه من أنَّ الأئمّة عليهم السلام اثنا عشر، فهذا القول يجب إطراحه، على أنَّ هذه الفِرَق كلّها قد انقرضت بحمد الله، ولم يبقَ قائل يقول بقولها، وذلك دليل على بطلان هذه الأقاويل)(101).
3 _ تواتر مضمون الرواية:
قال ناظم العقيلي: (نصَّت كثير من الروايات على مضمون رواية الوصيّة بلغت حدّ التواتر)(102).
والجواب: أنَّ هذه دعوى لا دليل عليها، وما أسهل الادّعاءات إذا كانت بلا دليل!
نعم ساق العقيلي مجموعة من الروايات لا تدلُّ على أكثر من وجود ذرّية للإمام المهدي عليه السلام، ولو سلَّمنا بتواتر وجود الذرّية فإنَّ هذا لا يثبت أنَّهم أئمّة وأوصياء بعد أبيهم الإمام المهدي عليه السلام، كما لا يثبت تواتر أنَّ أوّل المهديّين اسمه أحمد، وأنَّه إمام بعد أبيه، وغير ذلك، بل إنَّ تسمية ابن الإمام بأحمد، وكونه حجَّة بعد أبيه، لم يرد إلَّا في هذه الرواية التي حكم عليها علماؤنا كما ذكرنا سابقاً بالشذوذ والندرة ومخالفتها للمشهور، بل قالوا: إنَّها من روايات العامّة.
4 _ عدم وجود معارض:
قال ناظم العقيلي: (عدم وجود أيّ رواية معارضة لنصِّ الوصيّة، وهذه قرينة قطعية أيضاً بغضّ النظر عن أيّ شيء آخر)(103).
وهذا كلام مردود، فإنّا قد أثبتنا سابقاً أنَّ رواية الوصيّة معارضة لروايات الرجعة المتواترة، بل أثبتنا أنَّ روايات الرجعة هي الحاكمة عليها، كما أثبتنا أنَّ رواية الوصيّة معارَضة برواية كتاب سليم بن قيس، وروايات أُخرى متواترة تحصر الإمامة والوصيّة في الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام دون غيرهم.
مضافاً إلى أنَّ عدم وجود المعارض ليس قرينة قطعية على الصدور؛ فإنَّ غايته احتمال الصدور، لا القطع به، واحتمال صدوره لا يجعله حجَّة.
5 _ عدم احتمال التقيّة:
قال ناظم العقيلي: (عدم احتمالها للتقيّة، فإنَّ الرواية إذا كانت مخالفة لأُصول المذهب وموافقة لغيره من المذاهب يحتمل أنَّ الإمام قد قالها تقيّةً من أعداءه [كذا]، وأمَّا إذا كانت موافقة لأصل المذهب ومخالفة لغيره فينتفي هذا الاحتمال)(104).
والجواب: أنَّ هذا لا يصلح قرينة على صحَّة كلّ رواية؛ لأنَّ الخبر كما أثبتنا من أخبار العامّة، وليس من طرق الشيعة، ورواته غالبهم من المجاهيل.
وكونه مخالفاً لعقائد العامّة لا يستلزم حجّيته عندنا، فربَّما وضعه أحدهم للاستهزاء بالشيعة، أو لتحريف عقائدهم، أو ربَّما يكون ما ورد فيه مثلاً من أنَّ ابن الإمام المهدي عليه السلام اسمه أحمد اشتباه من الراوي، فنحن لا نعرف ضبطه، بل لا نعرف حتَّى ترجمة جلّ الرواة!
وهناك روايات كثيرة في كتب الشيعة مخالفة لمعتقد الشيعة ومعتقد أهل السُّنَّة، ولا نحتمل صدورها تقيّةً؛ لضعف سندها كما هو حال رواية الوصيّة، فإنَّ مجرَّد مخالفتها للعامّة لا يستلزم صحَّتها، ولاسيّما إذا كانت شاذّة عندنا ومخالفة للمتواتر من روايات أهل البيت عليهم السلام.
فقد نصَّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام على دسّ الزنادقة لبعض الأحاديث، كما ورد في حقّ المغيرة بن سعيد حيث روى الكشّي عن يونس، عن هشام بن الحكم أنَّه سمع أبا عبدالله عليه السلام يقول: (كان المغيرة بن سعيد يتعمَّد الكذب على أبي، ويأخذ كتب أصحابه، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي، فيدفعونها إلى المغيرة، فكان يدسّ فيها الكفر والزندقة، ويسندها إلى أبي، ثمّ يدفعها إلى أصحابه، فيأمرهم أن يبثّوها في الشيعة، فكلّ ما كان في كتب أصحاب أبي من الغلوّ فذاك ما دسَّه المغيرة بن سعيد في كتبهم)(105).
والغريب أنَّ العقيلي يدَّعي أنَّ رواية الوصيّة الدالّة على المهديّين مخالفة لروايات العامّة، مع أنَّه قد ذكر في كتابه: (الأربعون حديثاً في المهديّين وذرّية القائم) روايات في المهديّين أوالمهدي الأوّل من كتب العامّة، منها:
ابن أبي حاتم في تفسيره عن كعب الأحبار، قال: (هم اثنا عشر، فإذا كان عند انقضائهم، فيجعل مكان اثني عشر، اثنا عشر مثلهم، وكذلك وعد الله هذه الأُمَّة)(106).
القاضي النعمان المغربي، قال: ومن رواية يحيى بن السلام، يرفعه إلى عبد الله بن عمر أنَّه قال: (أبشروا، فيوشك أيّام الجبّارين أن تنقطع، ثمّ يكون بعدهم الجابر الذي يجبر الله به أُمَّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: المهدي، ثمّ المنصور)، ثمّ عدَّد أئمّة مهديّين(107).
السيوطي في العرف الوردي بالسند عن سالم بن أبي الجعد، قال: (يكون المهدي إحدى وعشرين سنة، أو اثنين [كذا] وعشرين سنة، ثمّ يكون آخر من بعده، وهو صالح أربع عشرة، ثمّ يكون آخر من بعده، وهو صالح تسع سنين)(108).
فالسيوطي وابن أبي حاتم وكعب الأحبار وعبد الله بن عمر ليسوا من الشيعة، بل هم من مخالفيهم، ورغم هذا رووا هذه الروايات، ممَّا يسقط ما يدَّعيه العقيلي من عدم موافقة روايات المهديّين لما عند العامّة.
وعليه فإنَّ التقيّة ليست العلَّة الوحيدة لاختلاف الروايات أو لاختلال مضامينها، بل توجد عدَّة أسباب أُخرى، منها الدسّ والوضع والاشتباه، فعدم احتمال التقيّة في هذه الرواية لا يعني صحَّتها.
6 _ استدلال العلماء بالرواية:
قال ناظم العقيلي: (استدلال بعض كبار العلماء والمحدِّثين برواية الوصيّة يدلُّ على اعتبارها وصحَّة الاعتماد عليها؛ لأنَّها لو كانت ضعيفة فلا يمكن أن يستدلّ بها هؤلاء العلماء الكبار)(109).
والملاحظ أنَّ هذا المتمشيخ لا يميِّز بين رواية الخبر وبين الالتزام بمضمونه، فقد اعتبر الشيخ الطوسي من الذين اعتمدوا على الرواية في حين أنَّه رواها، ولم يعلِّق عليها بشيء، ومن المعلوم أنَّه قدس سره إنَّما ذكر الأحاديث الدالّة على اثني عشر إماماً، وذكر هذا الحديث من ضمنها، واحتجَّ بموضع الحاجة منه، وهو دلالته على اثني عشر إماماً، وأمَّا باقي مضامين الرواية مثل أنَّ الإمام المهدي عليه السلام له خلف يكونون أئمّة من بعده، فإنَّ الشيخ الطوسي قدس سره نفي ذلك فيما تقدَّم من كلامه، حيث قال: (فأمَّا من قال: إنَّ للخلف ولداً وأنَّ الأئمّة ثلاثة عشر، فقولهم يفسد بما دلَّلنا عليه من أنَّ الأئمّة عليهم السلام اثنا عشر، فهذا القول يجب إطراحه، على أنَّ هذه الفِرَق كلّها قد انقرضت بحمد الله، ولم يبقَ قائل يقول بقولها، وذلك دليل على بطلان هذه الأقاويل)(110).
وقد ذكرنا سابقاً أقوال علمائنا في هذه المسألة، ولم نعثر على أحد عمل بهذه الرواية، والتزم بمضمونها، خصوصاً الفقرة الأخيرة منها، الموهمة لهؤلاء بوجود ولد للإمام عليه السلام اسمه أحمد، يلي الأمر من بعده.
هذه هي أهمّ القرائن التي جعلوها أدلّة على اعتبار هذه الرواية ووجوب العمل بمضمونها، وكما رأى القارئ العزيز أنَّ كلّ ما ذكروه لا يصلح لأن يكون قرينة دالّة على صحَّة هذه الرواية، ولا ينفع أن يكون دليلاً على مسألة فقهية بسيطة، فضلاً عن موضوع عقدي بهذا الحجم.
ولو تنزَّلنا جدلاً وسلَّمنا لهم بكلّ ما ادّعوه من صحَّة حديث الوصيّة، والمعنى الذي فهموه منه، لبقيت أمامهم معضلة كبيرة، وهي تحديد مصداق هذه الرواية، فهي لم تذكر إلَّا الاسم المجرَّد وهو أحمد، وأنَّه من أبناء الإمام المهدي عليه السلام، ونحن قد سبق أن تعرَّضنا لدعوى انتساب أحمد إسماعيل إلى الإمام المهدي عليه السلام، وأثبتنا زيفها، أمَّا الاسم المفرد فيوجد أُلوف وربَّما ملايين من المسلمين أسماؤهم: (أحمد)، ولذلك ابتدع أتباع أحمد إسماعيل قاعدة جديدة، وهي: (أنَّ الوصيّة لا يدَّعيها إلَّا صاحبها)! وهذا ما سنبيّن بطلانه إن شاء الله تعالى.
على من تنطبق رواية الوصيّة؟
سبق أن بيَّنا أنَّ الأسماء الثلاثة المذكورة في ذيل رواية الوصيّة هي أسماء الإمام المهدي عليه السلام، ولكن أتباع أحمد إسماعيل زعموا أنَّها أسماء المهدي الأوّل الذي هو أحد أبناء الإمام المهدي عليه السلام، وقالوا: إنَّ المراد به هو أحمد إسماعيل.
ولا شكَّ في أنَّ أتباع أحمد إسماعيل يعلمون أنَّ مثل هذه الدعوة لا يمكن قبولها هكذا ببساطة، ولهذا كان إثبات أنَّ (أحمد) هذا هو أحمد إسماعيل من أصعب العقبات التي اعترضت هذه الجماعة، ولذلك أوجدوا قاعدة خاصّة بهم يؤيِّدون بها دعواهم، هي: (الوصيّة لا يدَّعيها إلَّا صاحبها)، وبما أنَّه لم يدَّعِ هذه الوصيّة رجل آخر غير أحمد إسماعيل، فيكون هو المراد في رواية الوصيّة دون غيره!
أدلَّتهم على أنَّ الوصية لا يدَّعيها إلَّا صاحبها:
احتجّوا على قاعدتهم هذه بعدَّة روايات:
منها: محاورة الإمام الرضا عليه السلام والجاثليق التي أوردها الراوندي، وقد جاء فيها: ثمّ إنَّ الرضا عليه السلام التفت إلى الجاثليق، فقال: (هل دلَّ الإنجيل على نبوَّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم؟)، قال: لو دلَّ الإنجيل على ذلك ما جحدناه. فقال عليه السلام: (أخبرني عن السكتة التي لكم في السِّفْر الثالث). فقال الجاثليق: اسم من أسماء الله تعالى، لا يجوز لنا أن نظهره. قال الرضا عليه السلام: (فإن قرَّرتك أنَّه اسم محمّد وذِكْره، وأقرَّ عيسى به، وأنَّه بشَّر بني إسرائيل بمحمّد، أتقرُّ به ولا تنكره؟)، قال الجاثليق: إن فعلت أقررت، فإنّي لا أرد الإنجيل، ولا أجحده. قال الرضا عليه السلام: (فخذ عليَّ السِّفْر الثالث الذي فيه ذكر محمّد، وبشارة عيسى بمحمّد). قال الجاثليق: هات! فأقبل الرضا عليه السلام يتلو ذلك السفر _ الثالث من الإنجيل _ حتَّى بلغ ذكر محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (يا جاثليق، من هذا النبيّ الموصوف؟)، قال الجاثليق: صِفْه، قال: (لا أصفه إلَّا بما وصفه الله: هو صاحب الناقة والعصا والكساء، النبيّ الأُمّي الذي يجدونه مكتوباً في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحلُّ لهم الطيِّبات، ويحرِّم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، يهدي إلى الطريق الأقصد، والمنهاج الأعدل، والصراط الأقوم..، سألتك يا جاثليق بحقّ عيسى روح الله وكلمته، هل تجد هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبيّ؟)، فأطرق الجاثليق مليَّاً، وعلم أنَّه إن جحد الإنجيل كفر، فقال: نعم، هذه الصفة في الإنجيل، وقد ذكر عيسى هذا النبيّ، ولم يصحّ عند النصارى أنَّه صاحبكم. فقال الرضا عليه السلام: (أمَّا إذا لم تكفر بجحود الإنجيل، وأقررت بما فيه من صفة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فخذ عليَّ في السِّفْر الثاني، فإنّي أوجدك ذكره)، وذكر وصيِّه، وذكر ابنته فاطمة، وذكر الحسن والحسين. فلمَّا سمع الجاثليق ورأس الجالوت ذلك علما أنَّ الرضا عليه السلام عالم بالتوراة والإنجيل، فقالا: والله قد أتى بما لا يمكننا ردّه ولا دفعه إلَّا بجحود التوراة والإنجيل والزبور، وقد بشَّر به موسى وعيسى جميعاً، ولكن لم يتقرَّر عندنا بالصحَّة أنَّه محمّد هذا، فأمَّا اسمه محمّد، فلا يجوز لنا أن نقرّ لكم بنبوَّته، ونحن شاكّون أنَّه محمّدكم أو غيره. فقال الرضا عليه السلام: (احتجزتم بالشكّ، فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيَّاً اسمه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم؟ أو تجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها الله على جميع الأنبياء غير محمّدنا؟)، فأحجموا عن جوابه، وقالوا: لا يجوز لنا أن نقرَّ لكم بأنَّ محمّداً هو محمّدكم؛ لأنّا إن أقررنا لك بمحمّد ووصيّه وابنته وابنيه على ما ذكرت أدخلتمونا في الإسلام كرهاً(111).
واحتجّوا أيضاً برواية الشيخ الصدوق قدس سره عن الوليد بن صبيح، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ هذا الأمر لا يدَّعيه غير صاحبه إلَّا بتر الله عمره)(112).
وما استنبطوه من هاتين الروايتين بعيد كلّ البعد عن مضمون الروايتين، بل ما قالوه هو من اختراع العقول المريضة التي تريد نصرة الباطل ولو بالكذب والتقوّل على آل محمّد عليهم السلام!
فاحتجاج الإمام الرضا عليه السلام على الجاثليق لم يكن بوجود النصّ المجرَّد المشتمل على اسم محمّد، أي (إنَّ هناك نبيَّاً سيخرج اسمه محمّد) وانتهى الأمر، بل إنَّ الإمام عليه السلام ذكر بعض مختصّاته، كقوله: (هو صاحب الناقة والعصا والكساء)، وذكر جملة من أفعاله، كقوله: (يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحلُّ لهم الطيِّبات، ويحرِّم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، ويهدي إلى الطريق الأقصد، والمنهاج الأعدل، والصراط الأقوم)، بل ذكر حتَّى نسبه، ونسله، ووصيّه، بقوله: (وذكر وصيَّه، وذكر ابنته فاطمة، وذكر الحسن والحسين)، وكلّ هذه الأُمور تعيِّن شخص النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ولا تدلُّ على سواه، وهذا لا يمكن إنكاره، يعني أنَّ النبيّ لم يكتف بالدعوى، بل قرنها بالفعل والمعجزات الدالّة على صدقه، وتحقَّقت فيه كلّ نبوءات الكتاب المقدَّس!
أمَّا أحمد إسماعيل فلا يُعلَم صحَّة انتسابه لأهل البيت عليهم السلام، إلَّا بادّعائه هو وعمّه، بل المعروف في البصرة أنَّه لا ينتسب للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، والشهرة من أهمّ ما تثبت به الأنساب وتنتفي.
مضافاً إلى أنَّ أحمد إسماعيل غائب مختف، لا تُعرَف صفاته، ولا يمكن سؤاله، والالتقاء به، وما يُذكَر عنه كلّه ادّعاءات مجرَّدة من البرهان، ولا ندري متى أصبح الادّعاء دليلاً؟!
مع أنَّ الرواية الأُولى لم تبيِّن أنَّه لا يدَّعي النبوَّة أو الإمامة إلَّا صاحبها؛ لأنَّ التاريخ يحدِّثنا أنَّه ادَّعى النبوَّة والإمامة كثيرون، ومن ضمنهم مسيلمة الكذَّاب المعاصر للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك سجاح المتنبِّئة، ولم يذكر التاريخ أنَّ الله قصم عمرهما، وعليه فلا تفيدهم هذه الرواية في شيء، إلَّا ما قاله الإمام الرضا عليه السلام في الردّ على تشكيك الجاثليق بأنَّ المذكور في الإنجيل محمّد، ونحن لا نعلم أنَّه محمّدكم، فقال عليه السلام: (فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيّاً اسمه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم؟ أو تجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها الله على جميع الأنبياء غير محمّدنا؟)، وهذا لا ينفع أتباع أحمد إسماعيل؛ لأنّا إذا سلَّمنا أنَّ أوّل المهديّين ابن الإمام المهدي، واسمه أحمد، فإنَّ التصديق بأنَّه أحمد إسماعيل سابق لأوانه؛ لأنَّ الإمام المهدي عليه السلام لم يظهر بعد، وإذا ظهر فلعلَّ هناك ابن لصلبه اسمه أحمد، هو من يتولّى الأمر من بعده، وأمَّا كلام الإمام الرضا عليه السلام فهو واضح في أنَّه إلى زمان الإمام الرضا عليه السلام، أي سنة (200) هجرية، لم يظهر نبيّ آخر اسمه محمّد، ولو كان لبان، فبين الأمرين فرق واضح.
وأمَّا الرواية الأُخرى التي ورد فيها أنَّ هذا الأمر لا يدَّعيه غير صاحبه إلَّا بتر الله عمره، فهذه الرواية رواها الشيخ الصدوق قدس سره في عقاب الأعمال، في عقاب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل، ولا يخفى أنَّه ليس المراد ببتر العمر معاجلة الإهلاك كما ربَّما يفهمه بعضهم؛ لأنَّ البتر هو القطع، وهذا يتحقَّق بأن يعيش مدَّعي الإمامة سنين أقلّ من السنين التي يعيشها لو لم يدَّع الإمامة، وهذا ما ينبغي أن تحمل عليه الرواية؛ لأنَّ كثيراً من الناس ادَّعوا الإمامة بل النبوَّة، فلم يعاجلهم الله تعالى بالهلاك.
وبتعبير أوضح نقول: إنَّ الإهلاك هو التعجيل في إنهاء الحياة، بحيث يكون الأمر ملاحَظاً بيِّنا واضحاً لكلّ أحد، أمَّا البتر فهو الإنقاص من العمر، فلو كان مقدَّراً له في علم الله أن يعيش (80) سنة مثلاً، فبتر عمره يحصل بأن يجعل الله عمره (60) سنة!
ويمتنع على الإنسان العادي في بعض الأحيان معرفة أنَّه بُتر عمره أم لا؛ لعدم العلم بالعمر الأصلي لمدَّعي الإمامة، ولذلك نجد أنَّ كثيراً ادَّعوا الإمامة، وعاشوا سنيناً طويلة، مثل مؤسِّس الفرقة القاديانية، ومؤسِّس الدين البهائي، الذين عاشوا سنين طويلة ينشرون ضلالاتهم وبدعهم.
ولذلك فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره في كتابه من لا يحضره الفقيه: (من سدَّ طريقاً بتر الله عمره)(113).
ولا أظنّ أنَّ عاقلاً يقول: إنَّ كلّ من سدَّ طريقاً مات لحينه!
ومع الإغماض عن كلّ ذلك فإنَّ أحمد إسماعيل لا يُعلَم حاله في هذا الوقت، هل هو سالم معافى، أو أنَّ الله تعالى قد بتر عمره وأهلكه، ولكي يصحّ احتجاج هؤلاء بهذه القاعدة في هذه الفترة على الأقلّ، عليهم أن يثبتوا أنَّ أحمد إسماعيل لا يزال حيَّاً معافى، حتَّى نتأكَّد من أنَّ الله تعالى لم يبتر عمره.
وقاصمة الظهر هي الرواية التي أخرجها الصدوق في (كمال الدين) عند حديثه على وصيّة يوسف عليه السلام، قال: حدَّثنا أبي ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، قالا: حدَّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمّد بن يحيى العطّار وأحمد بن إدريس جميعاً، قالوا: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، عن أبان بن عثمان، عن محمّد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنَّ يوسف بن يعقوب صلوات الله عليهما حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب وهم ثمانون رجلاً، فقال: إنَّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم، ويسومونكم سوء العذاب، وإنَّما ينجيكم الله من أيديهم برجل من ولد لاوي بن يعقوب، اسمه موسى بن عمران عليه السلام، غلام طوال جعد آدم. فجعل الرجل من بني إسرائيل يسمّي ابنه عمران، ويسمّي عمرانُ ابنَه: موسى). فذكر أبان بن عثمان، عن أبي الحسين، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال: (ما خرج موسى حتَّى خرج قبله خمسون كذّاباً من بني إسرائيل، كلّهم يدَّعي أنَّه موسى بن عمران)(114).
فهذه الرواية الصحيحة تكشف عن أنَّه ربَّما يدَّعي الوصيّة غير صاحبها، بل هي تخبر بوقوع ذلك، وادّعاء خمسين كذَّاباً النبوَّة في بني إسرائيل بناءً على وصيّة نبيّ الله يوسف عليه السلام، وهذا مسقط لما يدَّعيه القوم!
وقد يقال: إنَّ هذا حصل في الأُمم السابقة، وحال الإسلام مخالف لما عليه الشرائع السابقة.
والجواب: أنَّ القوم ادَّعوا أنَّ هذه القاعدة هي سُنَّة إلهية وقانون ربَّاني، والمعروف أنَّ السنن الإلهية لا تتبدَّل بتبدّل الشرائع السماوية، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) (الأحزاب: 62).
فهذه الأحاديث لا تصلح دليلاً على هذه القاعدة التي ابتدعوها، ويبقى قولهم: (إنَّ أحمد إسماعيل البصري هو المذكور في رواية الوصيّة) مجرَّد ادّعاء وزعم لا دليل له.
وقد ذكروا أدلَّة أُخرى لمعرفة الأشخاص المذكورين في الروايات المباركة كالأحلام، والاستخارات، سنذكرها لاحقاً، ونبيّن زيفها، وأنَّها لا تصلح أن تؤسِّس حكماً شرعيّاً فضلاً عن إثبات عقيدة مهمّة.
ويمكننا الذهاب إلى أبعد من هذا، وهو أن نقول لهم: غاية ما وصلتم إليه هو أنَّ (الوصية لا يدَّعيها إلَّا صاحبها)، فلو سلَّمنا لكم بذلك بقي عليكم الإتيان بدليل قطعي على أنَّ أحمد إسماعيل البصري قد ادَّعى أنَّه المقصود من رواية الغيبة.
فمنذ أوّل يوم في هذه الدعوة، نجد أنَّ بعض الأسماء تدعو لأحمد إسماعيل وتنسب له هذه الأُمور، لكن إلى الآن لم يظهر الرجل ويصرِّح بأنَّه ادَّعى هذا الأمر.
علماً أنَّ الأُمور التي تُنسب إليه يمكن التلاعب بها بسهولة، فإنشاء موقع أو كتابة كتاب ونسبته لشخص أمر أصبح في غاية السهولة، بل حتَّى الخطابات الصوتية المتداولة يمكن التشكيك فيها في ظلّ التطوّر التقني الموجود في العالم في هذا الزمن.

* * *

دعوى أحمد إسماعيل السفارة
يدَّعي أحمد إسماعيل أنَّه رسول من الإمام المهدي عليه السلام إلى المكلَّفين في هذا العصر؛ ليبيِّن لهم الانحراف الذي وقعوا فيه بسبب تقليدهم علماء آخر الزمان، ولكي يرشدهم إلى الصواب!
وهناك تسجيل صوتي منسوب إلى أحمد إسماعيل، قال فيه: (على كلّ حال مرَّت الأيّام والأشهر، وشاء لي الله أن ألتقي الإمام عليه السلام، وأرسلني هذه المرَّة إلى الحوزة العلمية في النجف الأشرف؛ لأطرح ما أخبرني به على مجموعة من طلبة الحوزة العلمية، وأرى من المهمّ أن أعرض إلى هذا اللقاء ولو إجمالاً وباختصار، باعتباره يمثّل انعطافة تاريخية في حياتي؛ لأنَّها المرَّة الأُولى التي يوجِّهني فيها الإمام المهدي عليه السلام للعمل وبشكل علني وصِدامي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف على مشرِّفه آلاف التحيّة والسلام).
وما ذكره دعوى خطيرة جدَّاً كسابقتها، بل هي أخطر منها؛ لأنَّه يدَّعي أنَّه ممثّل رسمي للإمام المهدي عليه السلام، ولذلك لا بدَّ من مناقشتها نقاشاً دقيقاً يليق بحجم هذه الدعوة.
معنى السفارة:
السفارة: هي نيابة خاصّة عن الإمام المهدي عليه السلام، تكون بنصِّه على شخص بعينه، وهي تقتضي تكليفه بجملة من المهام التي تكون عادةً من مختصّات الإمام عليه السلام.
وقد يظنّ البعض أنَّ السفارة هي مجرَّد وساطة بين الإمام والناس، فيكون السفير كساعي البريد في عصرنا الحاضر، مهمّته مدّ جسر تواصل بين الطرفين، والصحيح أنَّ دوره أكبر من هذا بكثير، إذ يظهر من الروايات أنَّ السفارة مقام لا يبلغه أيّ أحد، كالمناصب الإلهية، فإنَّ سفراء الإمام المهدي عليه السلام جرت على أيديهم كرامات، وصنعوا الخوارق كما سنذكره لاحقاً إن شاء الله تعالى!
بل من يقرأ بعض فقرات زياراتهم يجزم بأنَّ لهم مقاماً يفوق ما عليه عامّة الناس، ويفنِّد دعوى كونهم مجرَّد نقلة، فقد ورد في زيارتهم: (جِئْتُكَ عارِفاً بِالحَقِّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، وَأَنَّكَ ما خِنْتَ فِي التَأْدِيَةِ وَالسَّفارَةِ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ بابٍ ما أَوْسَعَهُ، وَمِنْ سَفِيرٍ ما آمَنَكَ، وَمِنْ ثِقَةٍ ما أَمْكَنَكَ، أَشْهَدُ أَنَّ الله اخْتَصَّكَ بِنُورِهِ حَتَّى عايَنْتَ الشَخْصَ فَأَدَّيْتَ عَنْهُ وَأَدَّيْتَ إِلَيْهِ..، جِئْتُكَ مُخْلصاً بِتَوْحِيدِ الله، وَمُوالاةِ أَوْلِيائِكَ، وَالبَرائةِ مِنْ أَعدائِهِمُ، وَمِنَ الَّذِينَ خالَفُوكَ، يا حُجَّةَ المَوْلى، وَبِكَ إِلَيْهِمْ تَوَجُّهِي، وَبِهِمْ إِلى الله تَوَسُّلِي)(115).
وقد ادَّعى عبر التاريخ جملة من الدجَّالين هذا المنصب زوراً وبهتاناً، وذلك لعلمهم بخطورة المنصب، وما يوفّره لصاحبه من حظوة ومكانة عند الناس، إذ أنَّه يصبح لسان الإمام الناطق.
تعيين سفير الإمام عليه السلام:
عند مراجعة تاريخ السفارة والسفراء نجد أنَّه قد اتُّبعت عدَّة طرق لتعيين السفير، ولإعلام الناس بسفارته:
الأوّل: نصّ الإمام المعصوم عليه السلام على سفارة السفير، كما ورد في حقّ العمري، فقد روى الشيخ الكليني قدس سره عن عبد الله بن جعفر الحميري أنَّه قال: وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن [الهادي] عليه السلام، قال: سألته وقلت: مَن أُعامل أو عمَّن آخذ، وقول مَن أقبل؟ فقال له: (العمري ثقتي، فما أدَّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنَّه الثقة المأمون). وأخبرني أبو علي أنَّه سأل أبا محمّد [العسكري] عليه السلام عن مثل ذلك، فقال له: (العمري وابنه ثقتان، فما أدَّيا إليك عنّي فعنّي يؤدِّيان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعمها، فإنَّهما الثقتان المأمونان). فهذا قول إمامين قد مضيا فيك(116).
وما رواه الشيخ الطوسي قدس سره في (الغيبة): عن محمّد بن همّام، قال: قال لي عبد الله بن جعفر الحميري: لمَّا مضى أبو عمرو رضي الله تعالى عنه أتتنا الكتب بالخطّ الذي كنّا نكاتَب به، بإقامة أبي جعفر رضي الله عنه مقامه(117).
الثاني: نصّ السفير السابق على السفير اللاحق، وذلك بأن ينصب السفير قبل موته سفيراً آخر يقوم مقامه، ويعرّفه الناس، بحيث لا يختلف فيه، نظير ما حصل للحسين بن روح النوبختي الذي نصَّ عليه محمّد بن عثمان العمري.
فقد روى الشيخ بسنده: عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد المدائني المعروف بابن قزدا في مقابر قريش، قال: كان من رسمي إذا حملت المال الذي في يدي إلى الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري قدس سره أن أقول له ما لم يكن أحد يستقبله بمثله: هذا المال ومبلغه كذا وكذا للإمام عليه السلام، فيقول لي: نعم، دعه. فأُراجعه، فأقول له: تقول لي: إنَّه للإمام؟ فيقول: نعم للإمام عليه السلام. فيقبضه. فصرت إليه آخر عهدي به قدس سره ومعي أربعمائة دينار، فقلت له على رسمي، فقال لي: امض بها إلى الحسين بن روح، فتوقَّفت، فقلت: تقبضها أنت منّي على الرسم؟ فردَّ عليَّ كالمنكر لقولي، وقال: قم عافاك الله، فادفعها إلى الحسين بن روح. فلمَّا رأيت في وجهه غضباً خرجت وركبت دابَّتي، فلمَّا بلغت بعض الطريق رجعت كالشاك، فدققت الباب، فخرج إليَّ الخادم، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا فلان، فاستأذِنْ لي. فراجعني وهو منكر لقولي ورجوعي، فقلت له: أُدخل فاستأذن لي، فإنَّه لا بدَّ من لقائه. فدخل فعرَّفه خبر رجوعي، وكان قد دخل إلى دار النساء، فخرج وجلس على سرير ورجلاه في الأرض، وفيهما نعلان يصف حسنهما وحسن رجليه، فقال لي: ما الذي جرَّأك على الرجوع؟ ولِمَ لمْ تمتثل ما قلته لك؟ فقلت: لم أجسر على ما رسمته لي. فقال لي وهو مغضب: قم عافاك الله، فقد أقمت أبا القاسم حسين بن روح مقامي، ونصَّبته منصبي، فقلت: بأمر الإمام؟ فقال: قم عافاك الله كما أقول لك. فلم يكن عندي غير المبادرة(118).
الثالث: قد تثبت السفارة بالمعجزة، خصوصاً مع وجود المشكِّكين والطاعنين في تنصيبه سفيراً، ولذلك ظهرت من نوَّاب الإمام الحجَّة عليه السلام عدَّة كرامات أثبتوا بها صدق دعواهم:
منها: إخبارهم بالمغيَّبات: كما صدر من السمري، فقد روى الشيخ الطوسي قدس سره عن جماعة من أهل قم، قالوا: حضرنا بغداد في السنة التي توفّي فيها أبي علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، وكان أبو الحسن علي بن محمّد السمري قدس سره يسألنا كلّ قريب عن خبر علي بن الحسين رحمه الله، فنقول: قد ورد الكتاب باستقلاله. حتَّى كان اليوم الذي قُبِضَ فيه، فسألَنا عنه، فذكرنا له مثل ذلك، فقال: آجركم الله في علي بن الحسين، فقد قُبِضَ في هذه الساعة. قالوا: فأثبتنا تأريخ الساعة واليوم والشهر، فلمَّا كان بعد سبعة عشر يوماً أو ثمانية عشر يوماً، ورد الخبر أنَّه قُبِضَ في تلك الساعة التي ذكرها الشيخ أبو الحسن قدس سره(119).
ومنها: علمهم بتاريخ وفاتهم: كما صدر من السفير الثاني، فقد روى الشيخ الطوسي قدس سره بسنده عن أبي الحسن علي بن أحمد الدلّال القمّي، قال: دخلت على أبي جعفر محمّد بن عثمان رضي الله عنه يوماً لأُسلِّم عليه، فوجدته وبين يديه ساجة ونقاش، ينقش عليها، ويكتب آياً من القرآن وأسماء الأئمّة عليهم السلام على حواشيها، فقلت له: يا سيّدي ما هذه الساجة؟ فقال لي: هذه لقبري تكون فيه، أُوضع عليها. أو قال: أُسند إليها، وقد عرفت منه، وأنا في كلّ يوم أنزل فيه، فأقرأ جزءاً من القرآن فيه فأصعد، وأظنّه قال: فأخذ بيدي وأرانيه، فإذا كان يوم كذا وكذا، من شهر كذا وكذا، من سنة كذا وكذا، صرت إلى الله عز وجل، ودُفنت فيه، وهذه الساجة معي. فلمَّا خرجت من عنده أثبتُّ ما ذكره، ولم أزل مترقِّباً به ذلك، فما تأخَّر الأمر حتَّى اعتلَّ أبو جعفر، فمات في اليوم الذي ذكره، من الشهر الذي قاله، من السنة التي ذكرها، ودُفِنَ فيه(120).
ومنها: علم بعضهم باللغات الأُخرى: فقد روى الشيخ الطوسي قدس سره بسنده عن محمّد بن علي بن متيل، قال: كانت امرأة يقال لها زينب من أهل آبة، وكانت امرأة محمّد بن عبديل الآبي معها ثلاثمائة دينار، فصارت إلى عمّي جعفر بن أحمد بن متيل، وقالت: أحبّ أن يسلّم هذا المال من يدي إلى يد أبي القاسم بن روح رضي الله عنه. قال: فأنفذني معها أُترجم عنها، فلمَّا دخلت على أبي القاسم بن روح رضي الله عنه أقبل عليها بلسان آبي فصيح، فقال لها: (زينب چونا چون بدا كوليه جونسته)، ومعناه: كيف أنت؟ وكيف كنت؟ وما خبر صبيانك؟ فاستغنت من الترجمة، وسلَّمت المال، ورجعت(121).
وغيرها من الروايات التي تثبت أنَّ هؤلاء السفراء كانوا على اتّصال بالإمام صاحب الأمر عليه السلام، ولعلَّ بعض الروايات التي ذكرناها توحي بأنَّهم كانوا في اختبار دائم من الشيعة، مثل ما ورد من قول الراوي: (فلمَّا خرجت من عنده أثبتُّ ما ذكره، ولم أزل مترقِّباً به ذلك)، وقول الآخر في الرواية الأُخرى: (فأثبتنا تأريخ الساعة واليوم والشهر).
وكلّ هذا يثبت أنَّ هذه الحوادث والإخبارات ليست عبثية، أو من باب استعراض العضلات على العامّة، بل كانت بغرض ترسيخ سفارتهم، وقطع دابر المشكِّكين فيها، أمثال: أحمد بن هلال العبرتائي، ومحمّد بن علي بن بلال، وغيرهما من الدجَّالين، علماً أنَّ السفراء لم يكونوا من المجاهيل بين الناس، بل كانوا معروفين بالعلم، ومشهورين بالتقوى والصلاح، بل أجمع الشيعة في وقتهم على عدالتهم ووثاقتهم، وما كان الشيعة يشكّون في أهليّتهم للسفارة.
وبناءً على هذا فإنَّ السفارة تثبت بالطرق التي ذكرناها آنفاً، ولا بد أن يكون السفير معروفاً بالعلم، ومشهوراً بالعدالة، ويكون قادراً على إثبات ما يدعم به موقفه أمام المؤالف والمخالف.
قال الشيخ الطبرسي قدس سره: (ولم يقم أحد منهم بذلك إلَّا بنصٍّ عليه من قِبَل صاحب الأمر عليه السلام، ونصب صاحبه الذي تقدَّم عليه، ولم تقبل الشيعة قولهم إلَّا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كلّ واحد منهم من قِبَل صاحب الأمر عليه السلام، تدلُّ على صدق مقالتهم، وصحَّة بابيَّتهم)(122).
السفارة في عصر الغيبة الكبرى:
أجمع الشيعة كافّة على انقطاع السفارة والنيابة الخاصّة للإمام المهدي عليه السلام في الغيبة الكبرى، أي ابتداءً من سنة (329هـ) إلى يومنا هذا.
وقد استدلّوا على ذلك بعدَّة أدلَّة، ولعلَّ العمدة فيها هي الرواية المعروفة بتوقيع السمري والمشهورة في كتب الحديث.
فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره في الإكمال بسنده عن أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتَّب، قال: كنتُ بمدينة السلام في السنة التي توفّي فيها الشيخ علي بن محمّد السمري قدَّس الله روحه، فحضرتُه قبل وفاته بأيّام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فأجمع أمرك، ولا توصِ إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية، فلا ظهور إلَّا بعد إذن الله عز وجل، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة، ألَا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم). قال: فنسخنا هذا التوقيع، وخرجنا من عنده، فلمَّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: مَنْ وصيّك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه، ومضى رضي الله عنه، فهذا آخر كلام سُمِعَ منه(123).
وهذه الرواية واضحة الدلالة على أنَّ كلّ من يدَّعي المشاهدة أي السفارة والنيابة في عصر الغيبة قبل الصيحة وخروج السفياني فوظيفة الشيعة تكذيبه، وعدم الاعتناء بدعوته، وبما أنَّ أحمد إسماعيل يدَّعي السفارة قبل العلامتين المذكورتين فالواجب هو تكذيبه.
ولأجل ذلك صارت هذه الرواية عائقاً كبيراً أمام دعوة أحمد إسماعيل وأتباعه، فاهتمّوا بها أشدّ الاهتمام، وصنَّفوا فيها كتباً ككتاب (رواية السمري في الميزان)، وسألوا عنها إمامهم المزعوم أكثر من مرَّة!
وبما أنَّ هذه الرواية مهمّة، فإنّا سنذكر جواب أحمد إسماعيل مُدَّعي السفارة، ونجيب على ما قال؛ ليتبيَّن للقارئ العزيز المستوى العلمي لهذا الرجل.
قال أحمد إسماعيل في الجواب المنسوب له على هذه الرواية: (توجد كثير من المناقشات لهذه الرواية، وهي كافية، ولذا فهم تركوها، وأعرضوا منذ زمن بعيد؛ لأنَّهم يعلمون أنَّ الاحتجاج بها لا قيمة له، فهي مطعون في سندها، وعندهم لو كانت صحيحة السند لا تفيد الاعتقاد دون أن يعضدها ما يوصل إلى اليقين بصدورها. إضافةً إلى أنَّ متنها متشابه، وفهمه عدَّة منهم بأكثر من فهم مختلف، إضافةً إلى أنَّها غير مسوَّرة، وهذا يطعن في كُلِّيَّتها عندهم، أم أنَّ قواعدهم لعبة عندهم، إذا شاؤوا عملوا بها، وإذا لم يشاؤوا أوقفوا العمل بها؟! إضافةً إلى أنَّها منقوضة بعدَّة روايات وأحاديث، منها رواية اليماني، وما حدث مع الشيخ المفيد من رسائل، فمسألة التعلّل بهذه الرواية أمر غير مقبول على كلّ حال)(124).
وكما يلاحظ القارئ العزيز أنَّ كلام أحمد إسماعيل مشتمل على الطعن في سند الرواية، والتشكيك في حُجّيتها، ومناقشة متنها، وإنكار دلالتها على تكذيب من يدَّعي السفارة، وقد تكفَّل مؤلِّف الكتاب بتوسيع البحث في الرواية ببيان مقصود إمامه، ولنا على ما قاله عدَّة ردود:
أمَّا قوله: (توجد كثير من المناقشات لهذه الرواية، وهي كافية، ولذا فهم تركوها، وأعرضوا منذ زمن بعيد؛ لأنَّهم يعلمون أنَّ الاحتجاج بها لا قيمة له).
فهو مردود بأنَّ علماء الشيعة كانوا ولا يزالون يحتجّون بهذه الرواية على انقطاع السفارة في الغيبة الكبرى، وعلى هذا اجتمع رأيهم، ولا تجد مخالفاً منهم في هذه المسألة، وهذا كافٍ في اعتبار الرواية.
وبهذا يتَّضح أنَّ قوله: (ولذا فهم تركوها، وأعرضوا منذ زمن بعيد) كذب متعمَّد، ويكفينا إثباتاً لكذبه أنَّه لم يذكر كلام واحد من العلماء أعرض عن هذه الرواية ولم يعتمدها في الاستدلال على انقطاع السفارة في عصر الغيبة الكبرى.
وزعمه أنَّ هذه الرواية فيها مناقشات كثيرة غير صحيح، ولو سلَّمنا به فإنَّ وجود مناقشات في رواية لا يبطلها، فإنَّ المناقشات لم تتعلَّق بصدور الرواية حتَّى تكون قادحة في صحَّتها، وإنَّما تعلقت بمضمونها، وإلَّا فإنَّ العلماء ذكروا كثيراً من الإثارات في روايات معتبرة كثيرة، وهذا لا يبطل حجّيتها.
وإذا كانت المناقشات وعدم الاستدلال بالرواية موهناً لها، فإنَّ رواية الوصيّة المشتملة على ذكر اثني عشر مهديّاً، أنكرها العلماء، وأعرضوا عنها، فلماذا صحَّحها أحمد إسماعيل وأتباعه، وعملوا بها؟!
وأمَّا قوله: (فهي مطعون في سندها) فهو غريب جدَّاً؛ لأنَّ أحمد إسماعيل وأتباعه يطعنون في علم الرجال، وينكرون مناقشة الأسانيد، ويمنعون ردّ الروايات حتَّى لو كانت ضعيفة؛ لأنَّها بزعمهم من كلام أهل البيت عليهم السلام، وردّ كلامهم سلام الله عليهم جرم عظيم.
وكيف كان فإنَّ أحمد إسماعيل لم يبيِّن وجه ضعف سند هذه الرواية، ولكن أشار المعلِّق على كلامه إلى مواطن الضعف، فقال: (وسبب ضعفها عندهم أحد أمرين: الأوّل: الإرسال، قال المجلسي: إنَّه خبر واحد مرسل [بحار الأنوار 53: 318]، وكذا قال الكاظمي صاحب بشارة الإسلام [ص 146]، والثاني: الضعف بأحمد بن الحسن المكتَّب كما صرَّحوا بذلك)(125).
وذكر ضياء الزيدي نفس هذا الكلام في كتابه (قراءة جديدة في توقيع السمري).
والجواب على ما أوردوه: أنَّ الحديث رواه الشيخ الطوسي قدس سره في الغيبة، بهذا السند: وأخبرنا جماعة، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، قال: حدَّثني أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتَّب، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفّي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمّد السمري قدس سره... إلى آخر الرواية.
ولا شكَّ أنَّ من حكم على الرواية بالإرسال نظر إلى رواية الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب الغيبة فقط؛ لأنَّ الجماعة الذين روى عنهم الشيخ الطوسي قدس سره غير معروفين، ولكن من المعلوم أنَّ من كان مثل الشيخ الطوسي علماً ومعرفةً بالرجال، لا يُتوقَّع منه أن يروي مثل هذا الحديث المهمّ عن جماعة كلّهم غير ثقات، مع أنَّ نفس هذا الحديث رواه الشيخ الصدوق قدس سره في كتاب كمال الدين وتمام النعمة مباشرةً عن أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتَّب(126)، وهذا يدلُّ على أنَّ الجماعة الذين روى عنهم الشيخ الطوسي هذا الحديث كانوا ثقات صادقين.
والشيخ الصدوق قدس سره المتوفّى سنة (381هـ) عن عمر ينيف على السبعين عاماً، أدرك السفير الرابع المتوفّى سنة (329هـ)، وكان عمره حوالي عشرين عاماً، ولا شكَّ في أنَّه أدرك أبا محمّد الحسن بن أحمد المكتَّب المعاصر للسفير الرابع، فالرواية لا إرسال فيها برواية الشيخ الصدوق قدس سره.
ومن تدليسات هؤلاء الذين ضعَّفوا رواية السمري قدس سره من أتباع أحمد إسماعيل وتمويهاتهم أنَّهم نسبوا تضعيف هذه الرواية إلى الشيخ المجلسي قدس سره في كتاب بحار الأنوار، مع أنَّ الذي قال: (إنَّ السند مرسل) هو الميرزا النوري الطبرسي، في كتابه (جنَّة المأوى) المطبوع في أواخر الجزء (53) من بحار الأنوار.
والسبب في ذلك أنَّ نسبة التضعيف إلى المجلسي قدس سره بنظر الشيعة أهمّ من نسبته إلى الميرزا النوري الطبرسي الذي يشنَّع على الشيعة بكتابه (فصل الخطاب في تحريف كتاب ربّ الأرباب)، وهذا من عدم أمانتهم العلمية كما لا يخفى.
ولا ندري كيف يرضى أحمد إسماعيل الذي يعتبر نفسه إماماً معصوماً مهديّاً، ويزعم أنَّه اليماني الموعود والسفير الخامس، أن يحقِّق كتابه ويتكلَّم على لسانه أكثر من رجل كاذب مدلِّس، ولولا أنَّ هذه الكتب موجودة في الموقع الرسمي لأحمد إسماعيل لما ألقينا باللائمة عليه، ولكن وجود هذه الكتب في موقعه، وإحالته السائلين عليها كما في الأجوبة المنسوبة إليه، فإنَّ كلّ ما فيها من أكاذيب وأخطاء وتدليسات يتحمَّل هو مسؤوليَّته الكاملة تجاهها.
كما أنَّ حكمهم على الرواية بأنَّها خبر واحد ليس بموهن لها ولا بمسقط لها عن الحجّية؛ إذ أنَّ الحكم بكون الرواية من أخبار الآحاد إنَّما هو في مقابل التواتر، وقد اشتهر بين الشيعة أنَّ كلا القسمين حجَّة.
نعم، الفرق بينهما هو أنَّ المتواتر يفيد العلم، ولا حاجة حينئذٍ للبحث في أسانيده، في حين أنَّ أخبار الآحاد لا تفيد إلَّا الظنّ، ولا بدَّ من البحث في أسانيدها، أو تحصيل القرائن التي تحفّها للعمل بها.
فالقول بأنَّ رواية السمري خبر آحاد صحيح نقرُّ به، إلَّا أنَّنا لا نقرّهم على ما ذهبوا إليه من أنَّ خبر الآحاد ليس بحجَّة في العقائد.
وهنا لا بدَّ أن نلفت النظر إلى أمر مهم، وهو أنَّ علماء الشيعة قسَّموا العقائد إلى قسمين: أُصول العقائد، وفروع العقائد، ولم يشترطوا التواتر إلَّا في أُصول العقائد، كالنصّ على الأئمّة مثلاً، أمَّا فروع العقائد كبيان أحوال الأئمّة ومقاماتهم، أو تفضيل الأئمّة على الأنبياء عليهم السلام فلم يُشترط فيها التواتر.
وانقطاع السفارة في الغيبة الكبرى ليس من الأُمور التي يكون إثباته بنصٍّ متواتر، بل يكفي وجود نصّ واحد جامع لشروط الحجّية.
أمَّا المناقشة الثالثة في السند فهي ضعف أحمد بن الحسن المكتَّب، وقد ادَّعوا أنَّ الرجل مجهول، بل مهمل، لا ذكر له في كتب الرجال!
والجواب: أنَّ القوم يكتبون بنتائج مسبقة، وهي إثبات دعوى أحمد إسماعيل بكلّ الوسائل، ولهذا نراهم يحتجّون بكلّ ما يقع تحت أيديهم ممَّا ينفعهم، ويُعرَضون عن كلّ حديث يبطل دعواهم!
ومن اطَّلع على كتبهم يجد أنَّهم دائماً يحاولون التقليل من أهمّية علم الرجال، ويطعنون فيه، وكلامهم في ذلك كثير، ولكن نجدهم الآن يرجعون إلى أقوال علماء الرجال التي طعنوا فيها في كتبهم الأُخرى.
وبما أنَّ هؤلاء القوم لا يقيمون وزناً لعلم الرجال ولا لأقوال الرجاليين، فإنّي أُوجّه كلامي إلى القرّاء الأعزّاء المنصفين فأقول لهم:
إنَّ التوثيقات على قسمين: توثيقات عامّة، وتوثيقات خاصّة، والتوثيقات المذكورة في كتب المتقدِّمين كالنجاشي، والطوسي، وابن الغضائري، وغيرهم قدَّس الله أسرارهم هي توثيقات خاصّة، أمَّا التوثيقات العامّة فهي وجود أمارات وقرائن متى ما اجتمعت في راوٍ محدَّد يركن الرجالي إلى وثاقته.
والراوي الذي حاولوا تضعيفه في هذا التوقيع لم يُذكَر فعلاً في كتب الرجاليين المتقدِّمين، ولم يرد فيه توثيق خاصّ، ولكن ليس كلّ راوٍ لم يرد فيه توثيق يجب طرح روايته، ولو كان الأمر كذلك لوجب طرح رواية الوصيّة التي أغلب رواتها غير موثَّقين كما بيَّنا ذلك فيما تقدَّم.
والسبب في ذلك أنَّ الراوي يمكن أن تستفاد وثاقته من أُمور أُخرى، كالترضّي، مضافاً إلى كونه من مشايخ الإجازة لبعض كبار علماء الطائفة، أو كثرة رواية بعض أعلام الطائفة عنه، وهكذا.
ويكفي في الدلالة على وثاقته أنَّ الشيخ الصدوق قدس سره ترضَّى عنه في أكثر من موضع من كتبه.
قال قدس سره: (حدَّثنا محمّد بن موسى المتوكّل رضي الله عنه، ومحمّد بن محمّد بن عصام الكليني، وأبو محمّد الحسن بن أحمد المؤدّب، وعلي بن عبد الورّاق، وعلي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق رضي الله عنهم، قالوا: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني رحمه الله...) الخ(127).
وأبو محمّد الحسن بن أحمد المؤدّب هو نفس رواي حديث السمري قدس سره.
وقال الشيخ الصدوق قدس سره في موضع آخر: (حدَّثنا _ وحدَّثني _ بهذا الحديث: محمّد بن محمّد بن عصام الكليني، وعلي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق، وعلي بن عبد الله الورّاق، والحسن بن أحمد المؤدّب، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدّب رضي الله عنهم، قالوا: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدَّثنا أبو محمّد القاسم بن العلا، قال: حدَّثنا القاسم بن مسلم، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم، عن الرضا عليه السلام)(128).
وترضّي أمثال الشيخ الصدوق قدس سره دليل على القول بالوثاقة، كما أفاده جملة من الأعلام.
قال الشيخ عبد الله المامقاني قدس سره: (إنَّه لا يخفى عليك إمكان استفادة وثاقة الرجل _ نصُّوا على وثاقته أم لا _ من أُمور...)، إلى أن قال: (ومنها: ترحّم الإمام عليه السلام على رجل، أو ترضّيه عنه، أو نحو ذلك، فإنَّه لا يُعقَل صدور ذلك منه عليه السلام إلَّا بالنسبة إلى ثقة عدل، بل الترحّم والترضّي ونحوهما من المشايخ يفيد ذلك كما لا يخفى على الفطن اللبيب)(129).
وقال حفيده في الحاشية: (وقد أدرجه الوحيد رحمه الله في فوائده الرجالية المطبوعة في أوّل كتاب منهج المقال: (11/[من الطبعة الحجرية، وفي الطبعة المحقَّقة 1: 157])، وغيرهم أنَّ: ذكر الجليل شخصاً مترضّياً ومترحِّماً.. حيث استفيد منه حُسْن الشخص، بل جلالته.. وقاله غير واحد، منهم الكاظمي في عدَّة الرجال 1: 134و135)(130).
وقد وثَّق الشيخ محيّ الدين المامقاني قدس سره هذا الراوي، فقال: (المعنون سواء كان حسناً أو حسيناً فهو عندي حسنٌ أقلَّاً، بل في أعلى مراتب الحسن، وكون رواياته معتبرة؛ لأنَّه شيخ للصدوق رحمه الله، وأنَّه ممَّن تشرَّف بالتوقيع، ونال المثول لدى علي بن محمّد السمري، وكون رواياته سديدة، وقرائن أُخرى، والله العالم)(131).
والنتيجة أنَّ الرواية صحيحة السند لا إشكال فيها.
علماً أنَّ صحَّة الخبر لا تتوقَّف على وثاقة هذا الراوي، إذ توجد قرائن داخلية وخارجية تؤكِّد صحَّة هذا الخبر، منها:
القرينة الأُولى: اشتماله على الإخبار بتاريخ موت السمري في قوله: (أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام)، وهذا شيء معجز، لا يمكن أن يكون إلَّا من حجَّة الله عليه السلام، وعادة المعجزات تشيع وتنتشر بين الناس، خصوصاً أنَّ الراوي لم يدَّعِ أنَّه الوحيد الذي شهد الواقعة، بل إنَّه صرَّح أنَّ الحدث كان جماهيريّاً بقوله: (فحضرته قبل وفاته بأيّام، فأخرج إلى الناس توقيعاً)، كما أنَّ في آخر الخبر قال: (فنسخنا هذا التوقيع، وخرجنا من عنده، فلمَّا كان اليوم السادس عدنا إليه)، فحدثٌ بمثل هذه الخطورة لا يمكن أن يخفى على أمثال الشيخ الصدوق رضي الله عنه.
القرينة الثانية: شهرة هذا الخبر بين الشيعة، حيث أخرجه الشيخ الطوسي في (الغيبة)، والشيخ الصدوق في (كمال الدين وتمام النعمة)، والطبرسي في (الاحتجاج) الذي التزم في مقدّمته بنقل ما أجمعت عليه الطائفة، أو ما اشتهر بينهم، فقال: (ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده، إمَّا لوجود الإجماع عليه، أو موافقته لما دلَّت العقول إليه، أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف)(132).
القرينة الثالثة: موافقة مضامينه للروايات الصحيحة الثابتة عنهم عليهم السلام.
منها: الروايات المتواترة التي تتحدَّث على وقوع غيبتين للإمام المهدي عليه السلام، وذكر بعض تفاصيلها.
ومنها: الروايات المتواترة عند الشيعة التي تخبر بأنَّ السمري لم يوصِ لأحد بعده، كالرواية الصحيحة التي رواها الشيخ الطوسي: عن الصفواني، قال: أوصى الشيخ أبو القاسم رضي الله عنه إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري رضي الله عنه، فقام بما كان إلى أبي القاسم، فلمَّا حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده، وسألته عن الموكَّل بعده ولمن يقوم مقامه، فلم يظهر شيئاً من ذلك، وذكر أنَّه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن)(133).
ومنها: الروايات التي تؤكِّد أنَّ السفياني والصيحة هي علامات الظهور التي يبدأ من بعدها تكليف المؤمن بالخروج لنصرة إمامه عليه السلام، كالخبر الصحيح الذي رواه الكليني عن العيص بن القاسم، عن الإمام الصادق عليه السلام: (فالخارج منّا اليوم إلى أيّ شيء يدعوكم؟ إلى الرضا من آل محمّد عليهم السلام؟ فنحن نشهدكم أنّا لسنا نرضى به، وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منّا، إلَّا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه، فوَالله ما صاحبكم إلَّا من اجتمعوا عليه، إذا كان رجب فأقبلوا على اسم الله عز وجل، وإن أحببتم أن تتأخَّروا إلى شعبان فلا ضير، وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعلَّ ذلك أن يكون أقوى لكم، وكفاكم بالسفياني علامة)(134).
وما رواه أيضاً: عن سدير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (يا سدير، الزم بيتك، وكن حلساً من أحلاسه، واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أنَّ السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك)(135).
وروى أيضاً: عن الفضل الكاتب، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام، فأتاه كتاب أبي مسلم، فقال: (ليس لكتابك جواب، أُخرج عنّا). فجعلنا يسار بعضنا بعضاً، فقال: (أيّ شيء تسارون؟ يا فضل إنَّ الله عزَّ وجلَّ ذكره لا يعجل لعجلة العباد، ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقض أجله). ثمّ قال: (إنَّ فلان بن فلان حتَّى بلغ السابع من ولد فلان)، قلت: فما العلامة فيما بيننا وبينك جُعلت فداك؟ قال: (لا تبرح الأرض يا فضل حتَّى يخرج السفياني، فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا _ يقولها ثلاثاً _ وهو من المحتوم)(136).
إذن فمتن توقيع السمري ليس شاذّاً، بل إنَّ مضامينه مبثوثة في أخبار أهل البيت عليهم السلام، وكلّ فقرة منه عليها عدَّة شواهد.
القرينة الرابعة: عمل الشيعة بمضمون هذا التوقيع على مرِّ العصور، ونفيهم لوجود سفراء أو نوّاب خاصّين في الغيبة الكبرى، خصوصاً المعاصرين والقريبين من تاريخ التوقيع.
قال النعماني (ت 360هـ): (هذه الأحاديث التي يُذكَر فيها أنَّ للقائم عليه السلام غيبتين أحاديث قد صحَّت عندنا بحمد الله، وأوضح الله قول الأئمّة عليهم السلام، وأظهر برهان صدقهم فيها، فأمَّا الغيبة الأُولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام عليه السلام وبين الخلق قياماً، منصوبين، ظاهرين، موجودي الأشخاص والأعيان، يخرج على أيديهم غوامض العلم، وعويص الحكم والأجوبة، عن كلّ ما كان يُسئل عنه من المعضلات والمشكلات، وهي الغيبة القصيرة التي انقضت أيّامها، وتصرَّمت مدَّتها، والغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط؛ للأمر الذي يريده الله تعالى، والتدبير الذي يمضيه في الخلق، ولوقوع التمحيص، والامتحان، والبلبلة، والغربلة، والتصفية، على من يدَّعي هذا الأمر)(137).
وقال جعفر بن محمّد بن قولويه (ت 367هـ): (أمَّا أبو دلف الكاتب _ لا حاطه الله _ فكنّا نعرفه ملحداً، ثمّ أظهر الغلو، ثمّ جُنَّ وسلسل، ثمّ صار مفوّضاً، وما عرفناه قطّ إذا حضر في مشهد إلَّا استُخفَّ به، ولا عرفته الشيعة إلَّا مدَّة يسيرة، والجماعة تتبرَّأ منه وممَّن يومي إليه وينمّس به، وقد كنّا وجَّهنا إلى أبي بكر البغدادي لمَّا ادَّعى له هذا ما ادَّعاه، فأنكر ذلك، وحلف عليه، فقبلنا ذلك منه، فلمَّا دخل بغداد مال إليه، وعدل عن الطائفة، وأوصى إليه، لم نشكّ أنَّه على مذهبه، فلعنَّاه وبرأنا منه؛ لأنَّ عندنا أنَّ كلّ من ادَّعى الأمر بعد السمري قدس سره فهو كافر، منمّس، ضالٌّ، مُضِلٌّ، وبالله التوفيق)(138).
وقال الشيخ المفيد قدس سره (ت 416هـ): (وله قبل قيامه غيبتان: إحداهما أطول من الأُخرى كما جاءت بذلك الأخبار، فأمَّا القصرى منهما فمنذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته، وعدم السفراء بالوفاة، وأمَّا الطولى فهي بعد الأُولى، وفي آخرها يقوم بالسيف)(139).
وكلمات العلماء كثيرة في هذا، بل الطائفة مجمعة على انقطاع السفارة، لكنّي آثرت ذكر ما قاله علماء الشيعة المتقدِّمون القريبون من زمن الحضور.
إذن طعن أحمد إسماعيل ومن تبعه في سند الرواية لا يصمد أمام ما ذكرناه، ويبقى كلامهم مجرَّداً عن الدليل الصحيح.
ثمّ إنَّ القرائن التي ذكرها ناظم العقيلي لتصحيح رواية الوصيّة تنطبق على هذه الرواية، مثل موافقة الرواية للقرآن، فإنَّ الله تعالى يقول: (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (البقرة: 111)، وأنَّ الرواية مروية في كتاب معتبر، وهو الغيبة للشيخ الطوسي، وكمال الدين للشيخ الصدوق قدس سرهما، وليس لها معارض، وعدم احتمال صدورها تقيَّةً، واستدلال كبار العلماء بها، ومخالفتها لعقائد أبناء العامّة، فهل يرى أتباع أحمد إسماعيل أنَّ كلّ هذه القرائن تصحِّح رواية الوصيّة، ولا تصحِّح توقيع السمري!؟
ومع الإغماض عن كلّ ما تقدَّم، وتسليم ضعف هذه الرواية، فلا شكَّ ولا شبهة في أنَّ العقل الصحيح يحكم على كلّ من ادَّعى السفارة، ولم يقم على ذلك دليلاً صحيحاً كما هو حال أحمد إسماعيل، بوجوب تكذيبه، وردِّ دعواه، وهذا لا يحتاج إلى رواية نحتجّ بها على كلّ من يدَّعي السفارة؛ لأنَّ المناصب العظيمة لا بدَّ أن تثبت بالأدلَّة القطعية، لا بليِّ النصوص، وبادّعاء انطباقها على أحمد إسماعيل وأمثاله؛ فقط لأنَّ اسمه أحمد!
وأمَّا قول أحمد إسماعيل: (وعندهم لو كانت صحيحة السند لا تفيد الاعتقاد دون أن يعضدها ما يوصل إلى اليقين بصدورها).
فقد أجبنا على هذا الكلام في تعليقنا السابق على سند الرواية، وأثبتنا أنَّها صحيحة سنداً، أمَّا كونها لا تفيد اليقين، ولا تصلح أن تكون حجَّة في العقائد، فقد بيَّنا أنَّ رواية السمري محفوفة بقرائن قطعية تثبت صدروها، وأنَّ مضامينها مبثوثة في الروايات المستفيضة، إضافةً إلى أنَّها كما قلنا موافقة للحكم القطعي العقلي القاضي بتكذيب كلّ من يدَّعي السفارة بدون حجَّة، فكيف لا تفيد القطع والجزم؟!
وأمَّا قوله: (إضافةً إلى أنَّ متنها متشابه، وفهمه عدَّة منهم بأكثر من فهم مختلف).
فهو غريب ممَّن يدَّعي الإمامة والعصمة والوصاية والسفارة، كيف لا يفهم متن هذا الحديث مع أنَّه واضح جدَّاً، يفهمه عوامّ الناس، وليست فيه جملة غامضة، وخصوصاً العبارة التي تبطل دعوى أحمد إسماعيل، وهي: (وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة، ألَا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر).
ولو سلَّمنا أنَّ هذا الحديث من المتشابه، فهل يرى أحمد إسماعيل أنَّ الأحاديث والآيات المتشابهة ليست بحجَّة؟
فإنَّ القرآن الكريم فيه آيات متشابهة كما قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) (آل عمران: 7)، فهل تسقط هذه الآيات عن الحجّية؟
صغار طلبة العلم يعلمون أنَّ الواجب هو ردّ المتشابه إلى المحكم، لا طرح المتشابه؛ لأنَّه حجَّة ثابتة، سواء أكان آية أم خبراً صحيحاً، وهذا ما فعلناه مع رواية السمري لو سلَّمنا لهم جدلاً وقلنا: (إنَّها متشابهة)، حيث ذكرنا أنَّ مضمونها دلَّت عليه روايات أُخرى محكمة وصريحة.
والغريب زعمه أنَّ عدَّة من العلماء فهموا الحديث بفهم مختلف، فلا ندري من هم هؤلاء العلماء الذين فهموا هذا الحديث بفهم مختلف؟ ولو سلَّمنا بذلك فهل كلّ حديث وقع الاختلاف في فهمه يسقط عن الحجّية أيضاً عند أحمد إسماعيل؟
ولو كان أحمد إسماعيل عنده بعض الاطّلاع على كتب الفقه الاستدلالي لرأى أنَّ كثيراً من الروايات اختلف العلماء في دلالتها، ومع ذلك لم يسقطوها عن الحجّية، ولو عمدنا إلى إسقاط كلّ ما هو متشابه المعنى، لأسقطنا آيات من القرآن الكريم، مثل الحروف المقطَّعة وغيرها، وأسقطنا كثيراً من الروايات، وهذا لا يقوله جاهل، فضلاً عن عالم فاضل.
ومن المعلوم أنَّ الشيعة لم يختلفوا في فهم هذا الحديث، ولهذا أجمعوا على القول بانقطاع السفارة في الغيبة الكبرى، وتكذيب كلّ من يدَّعيها.
والظاهر أنَّ أحمد إسماعيل التبس عليه فهم المراد بـ (المشاهدة) في الحديث، وهي وإن كانت ظاهرة في الرؤية البصرية، إلَّا أنَّ العلماء حملوها على ادّعاء السفارة والنيابة في عصر الغيبة.
قال المجلسي في التعليق على التوقيع: (لعلَّه محمول على مَن يدَّعي المشاهدة مع النيابة، وإيصال الأخبار من جانبه عليه السلام إلى الشيعة، على مثال السفراء؛ لئلَّا ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه عليه السلام، والله يعلم)(140).
وقد يشكل البعض، فيقول: كيف حملتم المشاهدة على السفارة في حين أنَّ المشاهدة لا تدلُّ لغةً على ادّعاء السفارة، وإنَّما تدلُّ على الرؤية البصرية، فليس كلّ من شاهد الإمام فقد ادَّعى السفارة، وعليه، فالرواية لم يرد فيها نهي عن ادّعاء السفارة.
والجواب: أنّا لو سلَّمنا أنَّ المراد بالمشاهدة هو الرؤية البصرية فتكذيب من يدَّعيها يستلزم تكذيب من يدَّعي السفارة بالأولوية؛ لأنَّه لن يكون سفيراً للإمام إلَّا إذا رآه والتقى به، ولو سلَّمنا أنَّه يمكن أن يكون سفيراً له من دون رؤيته، بأن يكلِّمه من وراء حجاب، فإنَّ تكذيب من يدَّعي المشاهدة يستلزم أيضاً تكذيب من يدَّعي ما هو أعظم منها وهي السفارة بالأولوية.
وهناك قرائن تدلُّ على أنَّ المقصود بالمشاهدة خصوص السفارة:
القرينة الأُولى: سياق كلام الإمام عليه السلام في التوقيع؛ لأنَّ مدار الكلام كان حول منصب السفارة والوصاية من بعد السمري الذي أعلن عدم وجود أمر بنصب سفير بعده، وعلَّل ذلك بوقوع الغيبة الكبرى التي عبَّر عنها بـ (التامّة).
فيُفهم من هذا أنَّ من لوازم هذه المرحلة عدم وجود نائب يكون واسطة بين الإمام وبين شيعته، وأنَّ هذه المرحلة الجديدة ستمتر إلى وقت خروج السفياني والصيحة.
القرينة الثانية: أنَّ الداعي لتحذير الشيعة من مدَّعي المشاهدة هو الخوف عليهم من الزيغ والضلال، ولذلك وُصِفَ المدَّعي بالكاذب والمفتري، وفي بعض نسخ كتاب الخرائج: (كافر مفتر)، ومن المعلوم أنَّ ادّعاء المشاهدة المجرَّدة لا يستلزم الإضلال، وعليه فيكون المقصود من المشاهدة هو ادّعاء السفارة.
القرينة الثالثة: روايات وقصص اللقاءات المتواترة التي لا يحتمل كذبها كلّها، ولا وقوع الاشتباه والتوهّم فيها، فالذين نُقل عنهم التشرّف بملاقاة إمام الزمان عليه السلام هم خاصّة المؤمنين وأفاضل الصالحين.
فهذه الروايات والقصص قرينة خارجية يُستفاد منها لصرف المشاهدة في الرواية عن معناها الظاهري الذي هو مطلق المعاينة إلى معنى أضيق وهو السفارة.
ومن الروايات الدالّة على أنَّ بعض الشيعة يمكن أن يلتقوا بإمام الزمان عليه السلام في زمان الغيبة الكبرى ما رواه الكليني قدس سره: عن إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة، والأُخرى طويلة، الغيبة الأُولى لا يعلم بمكانه فيها إلَّا خاصّة شيعته، والأُخرى لا يعلم بمكانه فيها إلَّا خاصّة مواليه)(141).
وما رواه أيضاً: عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بدَّ له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة، وما بثلاثين من وحشة)(142).
أي إنَّه عليه السلام سينعزل، وسيكون معه ثلاثون شخصاً، ومن كان معه هذا العدد فلن يشعر بالوحشة.
ومنها: ما رواه النعماني: عن المفضَّل بن عمر الجعفي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: (إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبتين: إحداهما تطول حتَّى يقول بعضهم: مات، وبعضهم يقول: قُتِلَ، وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلَّا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من وليّ ولا غيره إلَّا المولى الذي يلي أمره)(143).
وروى الشيخ الصدوق قدس سره: عن الحسن بن علي بن فضال، قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: (إنَّ الخضر عليه السلام شرب من ماء الحياة، فهو حيّ لا يموت حتَّى يُنفخ في الصور، وإنَّه ليأتينا فيسلِّم، فنسمع صوته، ولا نرى شخصه، وإنَّه ليحضر حيث ما ذُكر، فمن ذكره منكم فليسلِّم عليه، وإنَّه ليحضر الموسم كلّ سنة، فيقضي جميع المناسك، ويقف بعرفة، فيؤمِّن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته، ويصل به وحدته)(144).
أضف إلى هذا أنَّه رُويت عشرات القصص التي تحكي فوز بعض علمائنا الأبرار بلقائه روحي فداه، والتشرّف بخدمته، والاستفادة منه.
وبالجمع بين التوقيع وبين الأخبار التي ذكرناها يُعرَف أنَّ المقصود من المشاهدة في التوقيع هي دعوى السفارة في عصر الغيبة الكبرى التي من لوازمها انقطاع النيابة الخاصَّة.
وأمَّا قول أحمد إسماعيل: (إضافةً إلى أنَّها غير مسوَّرة، وهذا يطعن في كلّيتها عندهم، أم أنَّ قواعدهم لعبة عندهم، إذا شاؤوا عملوا بها، وإذا لم يشاؤوا أوقفوا العمل بها؟!).
فهي محاولة من أحمد إسماعيل لكي يلعب في متن الرواية بجعل القضيّة جزئية، فيكون معناها أنَّ بعض من يدَّعي المشاهدة فهو كذّاب مفتر استناداً على القواعد المنطقية!
ومعنى كلامه أنَّ قول الإمام عليه السلام: (ألَا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر) ليس مسوَّراً، أي لم يُذكَر فيه السور، وهو الكلّية أو الجزئية، فلم يقل: (كلّ من ادَّعى المشاهدة فكذّبوه)، وعليه فإنَّ كلّ قضيّة غير مسوَّرة هي في حكم الجزئية، فيكون المعنى: (بعض من يدَّعي المشاهدة كاذب)، وهذا لا يستلزم تكذيب أحمد إسماعيل؛ لأنَّ الواجب تكذيب البعض لا الكلّ.
أقول: إنَّ أحمد إسماعيل أخطأ في كلامه هذا خطأً فادحاً، لا يقع فيه صغار طلبة العلوم الدينية فضلاً عن شخص يدَّعي أنَّه على اتّصال بصاحب العصر والزمان عليه السلام، بل يدَّعي الإمامة والعصمة!
وذلك لأنَّه خلط في كلامه بين القضيّة الحملية (وهي الجملة الخبرية)، والقضيّة الشرطية، فظنَّ أنَّ هذه القضيّة حملية، لا شرطية!
فسور القضيّة الشرطية يختلف عن سور القضيّة الحملية، فإنَّ سور الشرطية الموجبة الكلّية كما قال الشيخ المظفَّر في كتاب المنطق: (كلَّما، مهما، متى، ونحوها في الشرطية المتَّصلة)(145).
وأشار بقوله: (ونحوها) إلى (مَنْ) و(ما) و(إذا) وغيرها.
ولهذا نجد أنَّ الجمل الشرطية التي ابتدأت بـ (مَنْ) مسوَّرة، وتفيد الإيجاب الكلّي، كما في قوله تعالى: (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (آل عمران: 94).
إذ لا يمكن لعاقل أن يقول: إنَّ بعض المفترين على الله ظالمون، وبعضهم ليس كذلك.
وقوله تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدى فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 38).
فإنَّه لا يمكن أن يقال: إنَّ بعض من تبع هدي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لا خوف عليه، وبعضهم الآخر يخاف عليه من ذلك.
وقوله سبحانه: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لاَ انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 256).
فإنَّ كلّ من كفر بالطاغوت وآمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى، من دون استثناء.
والأمثلة من كتاب الله كثيرة جدَّاً على أنَّ القضيّة الشرطية المصدَّرة بـ (مَنْ) هي مسوَّرة، وهي موجبة كلّية، وكلّ عامّي يعرف اللغة العربية فضلاً عن العالم، إذا طُرحت عليه قضيّة شرطية مصدَّرة بـ (مَنْ) سيفهم منها العموم، كأن يقول مَن فَقَدَ دابَّته: (مَنْ ردَّ دابَّتي فله درهم)، فإنَّ الجميع يفهم العموم والكلّية، فهي في قوَّة: كلّ من ردَّ دابَّتي استحقَّ منّي درهماً، ولهذا يطالبه كلّ من ردَّ دابَّته بأن يعطيه درهماً.
لكن أحمد إسماعيل لا يفهم هذا المعنى رغم أنَّه كثيراً ما يكرِّر أنَّه أعلم الناس بكتاب الله عز وجل، وأنَّه مستعدّ للمناظرة فيه من باء البسملة إلى سين الناس، والحال أنَّه لا يعلم بديهيات الخطاب!
ولو فرضنا جدلاً صحَّة تفسيره للرواية، بأن يكون معناها أنَّ بعض من يدَّعي المشاهدة والسفارة لا تصدِّقوه، فحينئذٍ تدلُّ الرواية على أنَّ المدَّعين للمشاهدة قسمان: قسم صادق محقّ، وقسم كاذب مبطل، وعليه، فإنَّه يلزم أحمد إسماعيل أن يثبت أنَّه من القسم الأوّل.
قال: (أم أنَّ قواعدهم لعبة عندهم، إذا شاؤوا عملوا بها، وإذا لم يشاؤوا أوقفوا العمل بها).
وهذا كلام يضحك الثكلى؛ لأنَّ علم المنطق الذي أطلق عليه أنَّه من قواعدنا، هو علم من العلوم الإنسانية غير المخصوصة بالشيعة، ويلزم أحمد إسماعيل أن يتعلَّم أوّلاً قواعد اللغة العربية، وعلم المنطق، وعلم أُصول الفقه، وعلم الرجال، ثمّ يسعى بعد ذلك لإبطالها أو القدح فيها، أمَّا أن يكون جاهلاً مدقعاً بكلّ هذه العلوم، ثمّ يعيبها، ويحكم ببدعيتها فهذا غير مقبول بحال.
وقواعد علم المنطق نعمل بها دائماً، لا إذا شئنا عملنا بها، وإذا شئنا تركناها، وكما لاحظ القارئ العزيز أنَّنا طبَّقنا قواعد علم المنطق، وأثبتنا أنَّ القضيّة موجبة كلّية، وأثبتنا أنَّ أحمد إسماعيل ظنَّ أنَّنا لم نعمل بقواعد المنطق لأنَّه _ مع شديد الأسف _ ضعيف فيها!
وأمَّا قول أحمد إسماعيل: (إضافةً إلى أنَّها منقوضة بعدَّة روايات وأحاديث، منها: رواية اليماني، وما حدث مع الشيخ المفيد من رسائل).
فهو كلام غريب جدَّاً؛ لأنَّ رواية اليماني لا تنقض رواية تكذيب مُدَّعي المشاهدة بأيّ نحو، ولأنَّ أحمد إسماعيل لا يعرف قواعد المنطق التي هي قواعد للتفكير الصحيح، توهَّم وجود تناقض بين هذه الروايات.
وكان على أحمد إسماعيل لو كان صادقاً أن يبيِّن وجه التناقض المزعوم، ونحن حدَّدنا معنى المشاهدة بدعوى السفارة في زمان الغيبة الكبرى، ومكاتبة الإمام عليه السلام للشيخ المفيد قدس سره لا تعني تعيينه سفيراً ونائباً، بل إنَّها ضرب من التشريف بالمكاتبة، وهذا لا مانع منه، بل نحن لا نمنع كما مرَّ من رؤية الإمام عليه السلام والالتقاء به كما حصل مكرَّراً مع جمع من علمائنا، علماً أنَّ الشيخ المفيد نفسه ذكر في كتبه في أكثر من مورد أنَّه لا سفارة في الغيبة الكبرى، فقال: (وله قبل قيامه غيبتان، إحداهما أطول من الأُخرى، كما جاءت بذلك الأخبار، فأمَّا القصرى منهما فمنذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة، وأمَّا الطولى فهي بعد الأُولى وفي آخرها يقوم بالسيف)(146).
أمَّا روايات اليماني والتي سنناقشها في معرض ردِّنا على دعوى أحمد إسماعيل أنَّه اليماني فلا معارضة بينها وبين توقيع السمري.
أوّلاً: لأنَّه لا دليل على أنَّ اليماني سيكون سفيراً للإمام كما سنبيّن لاحقاً إن شاء الله تعالى.
وثانياً: أنَّ حركة اليماني ستكون بعد الصيحة، والتوقيع حدَّد تكذيب مُدَّعي المشاهدة بالفترة الممتدّة بين موت السمري، وظهور السفياني والصيحة.
والنتيجة أنَّ كلّ ما ذكره أحمد إسماعيل في الردّ على هذا التوقيع المبارك لا يعدو كونه مجرَّد كلام ركيك ينطلي على الجهّال، وكلّ منصف يرى أنَّه لم يستطع ردّ الاستدلال برواية السمري على انقطاع السفارة في زمان الغيبة الكبرى، وعلى تكذيب كلّ من يدَّعيها قبل الصيحة وظهور السفياني، وبهذا التوقيع تبطل دعوة أحمد إسماعيل من أساسها.
ولا بدَّ هنا من الإشارة إلى أنَّ أحمد إسماعيل لم يكن يعتقد في أوّل ظهوره بوجود سفراء للإمام المهدي عليه السلام سوى مجرَّد احتمال تقوّيه بعض الروايات على حدِّ تعبيره.
قال في كتاب العجل: (وربَّما كانت له عليه السلام فترة ظهور تسبق قيامه في مكّة، ربَّما عن طريق سفراء كما في الغيبة الصغرى، وهذا الاحتمال تقوِّيه بعض الروايات عنهم عليهم السلام)(147).
فإن لم يقطع هذا الرجل بوجود سفراء في الغيبة الكبرى كما عليه الطائفة فكيف تغيَّر هذا الاحتمال عنده فصار عقيدة، ثمّ تحوَّل إلى ادّعاء السفارة لنفسه؟!
ومن أحسن الأدلَّة على بطلان هذه الدعوة أنَّها عقيدة متغيّرة، تتبدَّل مع الأيّام، وتنتفخ مع الزمن؛ لعدم وجود منهج صحيح تقوم عليه، وإنَّما بُنيت على التدليس، والتلبيس، واستغفال الجهّال!

* * *

دعوى أحمد إسماعيل أنَّه اليماني
تحدَّثت روايات قليلة جدَّاً مروية عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام عن رجل يماني، يظهر قبيل خروج إمامنا المهدي عليه السلام، وبيَّنت بعض تلك الروايات شيئاً يسيراً من صفاته وحركته في عصر الظهور المقدَّس.
وقد ادَّعى أحمد إسماعيل البصري أنَّه هو اليماني المذكور في الروايات، وكعادته لم يذكر أيّ دليل أو برهان سوى بعض خطابات إنشائية لا تسمن ولا تغني من جوع، زعم أنَّها أدلَّة على ذلك، ولنا على دعوى يمانيته عدَّة وقفات:
1 _ اليماني من اليمن:
يدَّعي أحمد إسماعيل وأتباعه أنَّه هو اليماني المذكور في الروايات، في حين أنَّ أحمد إسماعيل معلوم أنَّه عراقي، وبالتحديد من البصرة، في حين أنَّ اليماني المذكور في الروايات يخرج من اليمن، والدليل على ذلك:
أوّلاً: المعنى المتبادر من لفظ (يماني) إذا أُطلق ينصرف إلى رجل من اليمن، وهو البلد المعروف، كما إذا قلنا: (مصري، وشامي، وعراقي، وحجازي، ولبناني) ونحو ذلك، فإنَّها تنصرف إلى أنَّه رجل من تلك البلاد، ولا يُراد بها معنى آخر إلَّا بقرينة واضحة، وليست هناك أيّ قرينة تصرف لفظ (اليماني) إلى معنى آخر غير كونه من بلاد اليمن، وهو واضح، وإنكاره لَيٌّ للنصوص الواضحة بدون أيّ مستند صحيح.
ثانياً: أنَّ بعض الروايات الشريفة نصَّت على أنَّ اليماني يخرج من اليمن.
منها: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره في (كمال الدين): عن محمّد بن مسلم الثقفي، قال: يا ابن رسول الله، متى يخرج قائمكم؟ قال: (إذا تشبَّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وركب ذوات الفروج السروج، وقُبلت شهادات الزور، ورُدَّت شهادات العدول، واستَخفَّ الناس بالدماء، وارتكاب الزنا، وأكل الربا، واتُّقِي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخُسِفَ بالبيداء، وقُتِلَ غلام من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بين الركن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأنَّ الحقّ فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وأوّل ما ينطق به هذه الآية: (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [هود: 86]، ثمّ يقول: أنا بقيّة الله في أرضه، وخليفته، وحجَّته عليكم، فلا يُسلِّم عليه مسلِّم إلَّا قال: السلام عليك يا بقيّة الله في أرضه، فإذا اجتمع إليه العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج، فلا يبقى في الأرض معبود دون الله عز وجل، من صنم ووثن وغيره إلَّا وقعت فيه نار فاحترق، وذلك بعد غيبة طويلة؛ ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به)(148).
رواه المجلسي، والأربلي، والطبرسي والحرّ العاملي(149).
وهذه الرواية نصٌّ صريح في أنَّ اليماني يخرج من اليمن،، ولا ينكر هذا إلَّا مكابر مجادل بالباطل.
ومنها: ما رواه الواسطي في عيون الحكم والمواعظ: عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (خمسة من علامات القائم عليه السلام: اليماني من اليمن، والسفياني، والمنادي ينادي بالسماء، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكية)(150).
ومنها: ما رواه السيّد ابن طاووس قدس سره: عن عبّاد بن محمّد المدايني الذي سأل الإمام الصادق عليه السلام، حيث قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام بالمدينة حين فرغ من مكتوبة الظهر، وقد رفع يديه إلى السماء وهو يقول: (أيْ سامعَ كلِّ صوت...)، إلى أن قال: (وأنجز لوليّك، وابن نبيِّك، الداعي إليك بإذنك، وأمينك في خلقك، وعينك في عبادك، وحُجَّتك على خلقك، عليه صلواتك وبركاتك، وَعْدَه، اللّهمّ أيِّده بنصرك، وانصر عبدك، وقوِّ أصحابه، وصبِّرْهم، وافتح لهم من لدنك سلطاناً نصيراً، وعجِّل فرَجه، وأمكنه من أعدائك وأعداء رسولك، يا أرحم الراحمين). قلت: أليس قد دعوتَ لنفسك جُعلت فداك؟ قال: (دعوتُ لنور آل محمّد، وسائقهم، والمنتقم بأمر الله من أعدائهم). قلت: متى يكون خروجه جعلني الله فداك؟ قال: (إذا شاء من له الخلق والأمر). قلت: فله علامة قبل ذلك؟ قال: (نعم، علامات شتّى). قلت: مثل ماذا؟ قال: (خروج راية من المشرق، وراية من المغرب، وفتنة تظلّ(151) أهل الزوراء، وخروج رجل من ولد عمّي زيد باليمن، وانتهاب ستارة البيت)(152).
وهذه الرواية أظهر في تبيان الأمر، إذ أنَّه لا يوجد رجل يخرج قبيل الظهور، ويكون علامة للإمام المهدي عليه السلام سوى ثلاثة: السفياني، والخرساني، واليماني، أمَّا الأول فمن الشام، وأمَّا الثاني فمن خراسان، فيتعيَّن الثالث، وهو المراد.
ومنها: ما رواه النعماني: عن عبيد بن زرارة، قال: ذُكِرَ عند أبي عبد الله عليه السلام السفياني، فقال: (أنَّى يخرج ذلك؟ ولمَّا يخرج كاسر عينيه بصنعاء)(153).
فإنَّ الراوي كان يظنّ أنَّ بعض الخارجين في زمان الإمام الصادق عليه السلام هو السفياني، فردَّ عليه الإمام عليه السلام بأنَّه ليس بالسفياني؛ لأنَّه لو كان السفياني لخرج في نفس الوقت رجل آخر هو اليماني في صنعاء، وحيث إنَّ اليماني لم يخرج، فالسفياني كذلك؛ وذلك لأنَّ الروايات الأُخرى دلَّت على أنَّ السفياني والخراساني واليماني يخرجون في سنة واحدة، وفي شهر واحد، وفي يوم واحد.
فقد روى الشيخ الطوسي والشيخ المفيد قدس سرهما عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (خروج الثلاثة: السفياني، والخراساني، واليماني، في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، وليس فيها راية أهدى من راية اليماني؛ لأنَّه يدعو إلى الحقّ)(154).
ومنها: ما رواه النعماني في الغيبة بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل اليمن، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: (جاءكم أهل اليمن يبسُّون(155) بسيساً). فلمَّا دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (قوم رقيقة قلوبهم، راسخ إيمانهم، منهم المنصور، يخرج في سبعين ألفاً، ينصر خلفي وخلف وصيِّي، حمائل سيوفهم المسك)(156).
ومنها: ما رواه نعيم بن حماد بسنده: عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام، فتكون بينهم ملحمة عظيمة، ثمّ يظهر الأخوص السفياني الملعون، فيقاتلها جميعاً، فيظهر عليهما جميعاً، ثمّ يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده وله فورة شديدة، يستقتل الناس قتل الجاهلية، فيلتقي هو والأخوص وراياتهم صفر وثيابهم ملوَّنة، فيكون بينهما قتال شديد، ثمّ يظهر الأخوص السفياني عليه، ثمّ تظهر الروم وتخرج إلى الشام، ثمّ يظهر الأخوص، ثمّ يظهر الكندي في شارة حسنة، فإذا بلغ تلّ سما فأقبل، ثمّ يسير إلى العراق، وترفع قبل ذلك ثنتا عشرة راية بالكوفة معروفة منسوبة، ويُقتَل بالكوفة رجل من ولد الحسن أو الحسين يدعو إلى أبيه، ويظهر رجل من الموالي، فإذا استبان أمره وأسرف في القتل قتله السفياني)(157).
إذن فاليماني من اليمن، وليس من العراق أو من البصرة كما يدَّعي هؤلاء القوم، ولا توجد رواية واحدة تدلُّ على مدَّعاهم.
علماً أنَّ أوّل من حاول التشكيك في أنَّ اليماني يخرج من اليمن هم بنو أميّة، إمَّا لدواعٍ قبلية كما احتمل البعض، حيث حاولوا نسبة كلّ الشخصيات التي سيكون لها تأثير في المستقبل إلى بني أميّة، حتَّى بلغ بهم الأمر لادّعاء المهدوية في معاوية بن أبي سفيان!
وإمَّا لحماية السفياني الذين يعلمون يقيناً أنَّه سيكون منهم من اليماني الذي سيحاربه ويكسر عينه كما دلَّت على ذلك بعض الروايات المذكورة سابقاً.
ويدلُّ على هذا ما رواه البخاري في صحيحه بسنده: عن الزهري، قال: كان محمّد بن جبير بن مطعم يحدِّث أنَّه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش أنَّ عبد الله بن عمرو بن العاص يحدِّث أنَّه سيكون ملك من قحطان، فغضب معاوية، فقام فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال: أمَّا بعد فإنَّه بلغني أنَّ رجالاً منكم يتحدَّثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تُؤْثَر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُولئك جهّالكم، فإيّاكم والأماني التي تضلّ أهلها، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلَّا كبَّه الله على وجهه ما أقاموا الدين)(158).
والملك الذي يكون من قحطان هو اليماني المذكور في روايات أهل البيت عليهم السلام، ويدلُّ على ذلك امتثال عبد الله بن عمرو بن العاص لأوامر معاوية، فغيَّر رأيه، وأصبح ينفي وجود ملك باليمن!
وقد روى نعيم بن حماد في كتاب الفتن بسنده: عن عبد الله بن عمرو أنَّه قال: يا معشر اليمن، تقولون: إنَّ المنصور منكم، فلا والذي نفسي بيده إنَّه لقرشي أبوه، ولو [أ]شاء أن أنسبه إلى أقصى جدّ هو له فعلت(159).
فما يدعو إليه جماعة أحمد إسماعيل في هذه الأيّام، هو امتداد للسياسة الأُموية في تحريف الكلم عن مواضعه، والتلاعب بأحكام الدين وشريعة سيّد المرسلين.
2 _ اليماني من ولد زيد الشهيد رضي الله عنه:
لم أجد بحسب تتبّعي القاصر وكذلك لم يجد أحمد إسماعيل وأتباعه رواية واحدة تدلُّ على أنَّ اليماني ولد الإمام الحجَّة عليه السلام، ومع ذلك فإنَّ أحمد إسماعيل وأتباعه استدلّوا على ذلك بما يضحك الثكلى، فقالوا:
إنَّ رواية الوصيّة عبَّرت عن ابن الإمام عليه السلام بأنَّه أوّل المؤمنين، وروايات اليماني عبَّرت عن اليماني بأنَّ رايته أهدى الرايات، فلا بدَّ أن يكون اليماني هو المهدي الأوّل المذكور في رواية الوصيّة!
وهذا ما يذكّرني بمثال ذكره أستاذي حفظه الله في المنطق عندما كنّا بصدد دراسة القياس، وهو مذكور في بعض كتب المنطق: (الحائط فيه فأرة، وكلّ فأرة لها أُذنان، إذن ينتج للجدار أُذنان!).
وهذا استدلال باطل جدَّاً، ولا أظنُّ شخصاً يحترم عقله يقول مثل هذا الكلام في مسألة مهمّة مثل هذه المسألة التي يجب أن يكون الدليل فيها واضحاً قطعيّاً.
مضافاً إلى ذلك فإنَّ بعض الروايات بيَّنت صراحة أنَّ اليماني من ولد زيد الشهيد رضي الله عنه، كما مرَّ قريباً من رواية السيّد ابن طاووس عن عبّاد بن محمّد المدايني الذي سأل الإمام الصادق عليه السلام عن علامات خروج الإمام المهدي عليه السلام، فقال له: (خروج راية من المشرق، وراية من المغرب، وفتنة تظلّ أهل الزوراء، وخروج رجل من ولد عمّي زيد باليمن، وانتهاب ستارة البيت)(160).
وقد ذكرنا سابقاً أنَّ المذكور في الخبر هو اليماني، وهذا ما يتلاءم مع التوزّع الجغرافي للسادة الزيدية اليوم، إذ أنَّ مركز تكتّل الزيدية _ أي أحفاد زيد الشهيد _ هو اليمن، ولذلك كثيراً ما يقع الخلط بينهم، وبين أتباع المذهب الزيدي، إذ يوجد في اليمن الكثير من الشيعة الاثني عشرية، لكنَّه يطلق عليهم زيدية لا بلحاظ مذهبهم، بل بلحاظ نسبهم.
كما أنَّ اليماني الذي سيقوم بهذا الدور لا بدَّ أن يكون شخصية لها قاعدة جماهيرية واسعة حتَّى يستطيع تشكيل جيش قوي يقارع السفياني، وهذا ما نراه في اليمن من تقديس اليمنيين الشيعة للسادة، والتفافهم حولهم.
إذن فاليماني المذكور في الروايات هو من ولد زيد الشهيد بدلالة هذه الرواية، وليس هو من ولد الإمام الحجَّة عليه السلام.
3 _ اليماني والعصمة:
ادَّعى بعض المروِّجين لأحمد إسماعيل أنَّ الروايات دلَّت على أنَّ اليماني معصوم، وهذا يؤكِّد ما يذهبون إليه من أنَّه أكثر من مجرَّد قائد عسكري، بل إنَّه إمام وحجَّة على أهل الأرض!
والجواب: أنَّ هذا كلّه من صنع الخيال ونسج الأوهام؛ لأنَّه لا يوجد أيّ دليل على عصمة اليماني، وما استدلّوا به لا ينفعهم.
وقد قال أحمد إسماعيل لإثبات عصمته: (أمَّا بالنسبة لحدود شخصية اليماني: فقد ورد في الرواية عن الباقر: (وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنَّه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكلّ مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإنَّ رايته راية هدى، ولا يحلُّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنَّه يدعو إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم). وفيها: أوّلاً: (لا يحلُّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار)، وهذا يعني أنَّ اليماني صاحب ولاية إلهية، فلا يكون شخص حجَّة على الناس، بحيث إنَّ إعراضهم عنه يُدخلهم جهنَّم وإن صلّوا وصاموا، إلَّا إذا كان من خلفاء الله في أرضه، وهم أصحاب الولاية الإلهية من الأنبياء والمرسلين والأئمّة والمهديّين. ثانياً: أنَّه (يدعو إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم)، والدعوة إلى الحقّ والطريق المستقيم، أو الصراط المستقيم، تعني: أنَّ هذا الشخص لا يخطئ، فيُدخل الناس في باطل، أو يُخرجهم من حقّ، أي إنَّه معصوم منصوص العصمة، وهذا المعنى يصبح لهذا القيد أو الحدّ فائدة في تحديد شخصية اليماني)(161).
ولنا على هذا الكلام الصادر من أحمد إسماعيل حسب ما يقوله أتباعه عدَّة تعليقات:
الأوّل: أنَّ ما استفاده من عبارة الإمام الباقر عليه السلام التالية: (لا يحلُّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار) من أنَّ اليماني صاحب ولاية إلهية، وحجَّة على الخلق، باطل؛ لأنَّ العبارة لا تدلُّ على ذلك، بل غاية ما تدلُّ أنَّها تمنع من الوقوف في وجهه ومحاربته، لأنَّ معنى يلتوي عليه أي يشتدّ عليه، وهي عبارة أُخرى عن محاربته، وقد علَّلت الرواية ذلك بأنَّه يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام، ويدعو إلى الحقّ.
وشتّان بين عبارة (يلتوي عنه) و(يلتوي عليه)؛ إذ أنَّ المقصود من الأُولى الابتعاد عنه وعدم نصرته، أمَّا الثانية فالمقصود منها هو المواجهة، فلو قلنا: (يحرم الخروج على الحاكم في زمان الغيبة الكبرى) فمفاد هذه العبارة حرمة حمل السلاح في وجه الحاكم ومقاتلته، لكن لا يعني ذلك وجوب طاعته، أو وجوب الانضمام إليه.
أمَّا لو قلنا: (يحرم الخروج عن الحاكم) فنعني وجوب طاعته، وحرمة تجاوز سلطته أو قوانينه.
إذن هذه العبارة لا تدلُّ على لزوم نصرته، ولاسيّما أنَّه رويت روايات أُخرى تحثّ على ادّخار النفس لصاحب الأمر عليه السلام.
فقد روى النعماني بسنده عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال: (كأنّي بقوم قد خرجوا بالمشرق، يطلبون الحقّ فلا يُعطَونه، ثمّ يطلبونه فلا يُعطَونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيُعطَون ما سألوا، فلا يقبلونه حتَّى يقوموا، ولا يدفعونها إلَّا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء، أمَا إنّي لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر)(162).
وأتباع أحمد إسماعيل يزعمون أنَّهم هم المعنيّون بهذه الرواية، وهي دعوى كسائر دعاواهم قام الدليل على بطلانها، ومع التصريح بأنَّ قتلى أصحاب اليماني شهداء، إلَّا أنَّه لا يجب النهوض معهم، وإبقاء النفس لنصرة الإمام المهدي عليه السلام أولى من النهوض معهم.
وهذا الفهم السقيم الذي جاء به اليماني المزعوم غير مستغرب منه؛ لأنَّ معرفته باللغة العربية ضعيفة كما يظهر ذلك في خطاباته الصوتية التي تُنسَب إليه، بل حتَّى كتاب الله لم يسلم من لحنه وسوء قراءته.
الثاني: ما استفاده من عبارة: (لأنَّه يدعو إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم)، من أنَّ هذا خاصّ بالمعصومين والحجج الإلهية!
وهذا باطل بالضرورة؛ إذ أنَّه لا ملازمة بين الدعوة إلى الحقّ والعصمة، فقد يكون الرجل داعية للحقّ كعلمائنا الأبرار، لكن لا نعتقد فيهم العصمة عن الذنوب والأخطاء.
وماذا يقول أحمد إسماعيل في الحديث المروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في عمّار بن ياسر رضي الله عنه أنَّه قال: (ما لهم ولعمّار، يدعوهم إلى الجنَّة، ويدعونه إلى النار؟!)(163).
وفي الحديث الآخر المروي في حقّ زيد الشهيد رضي الله عنه، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنَّه قال: (ولا تقولوا: خرج زيد، فإنَّ زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً، ولم يدْعُكم إلى نفسه، إنَّما دعاكم إلى الرضا من آل محمّد عليهم السلام، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه)(164).
ولا شكَّ في أنَّ عمّاراً وزيداً كانا يدعوان إلى الحقّ، وأنَّه لا يجوز قتالهما، وأنَّ من قتلهما من أهل النار، فهل يلتزم أحمد إسماعيل وأتباعه بعصمة عمّار بن ياسر وعصمة زيد الشهيد رضوان الله عليهما؟ أم أنَّ قواعده لعبة يُعملها متى شاء؟
علماً أنَّ نفس هذا التعبير ورد من الناحية المقدَّسة بحقّ الشيخ المفيد قدس سره كما نقل ذلك صاحب الاحتجاج، حيث قال: ورد عليه كتاب آخر من قِبَله صلوات الله عليه، يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجّة، سنة اثني عشر وأربعمائة. نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم، سلام الله عليك أيّها الناصر للحقّ، الداعي إليه بكلمة الصدق...)(165).
وهذه الرواية وردت في مقام المفاضلة بين راية اليماني وبقيّة الرايات، وقد علَّل الإمام عليه السلام كون راية اليماني أهدى الرايات بأنَّه يدعو لصاحبكم، أي لصاحب الأمر عليه السلام.
ثمّ إنَّ هذه الرواية تدلُّ على أنَّ اليماني يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام، ولا يدعو الناس إلى نفسه أو اتّباعه، وأمَّا أحمد إسماعيل فهو يدعو الناس لبيعته، ولنصرته، والإيمان به، وتقليده، وكفى بهذا مسقطاً ليمانيَّته المزعومة.
الثالث: ما ذكره بعض أنصاره من أنَّ عبارة: (وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني) فيها دلالة على انحصار الحقّ فيه، وهذا يستلزم كونه حُجَّة إلهية، وبالتالي فهو معصوم.
والجواب: أنَّ ما ذكره فهم سقيم أعوج للرواية، فألفاظ الرواية لا تدلُّ على هذا المعنى، وذلك لعدَّة أُمور:
1 _ أنَّ صيغة التفضيل تدلُّ على الاشتراك في إثبات الحكم لموضوعين وزيادة لأحدهما، فلو قلنا: (زيد أشجع من عمرو)، فإنَّ المعنى المستفاد من هذه الجملة هو إثبات الشجاعة لزيد وعمرو كليهما، لكن شجاعة زيد تفوق شجاعة عمرو، والرواية السابقة تدلُّ على أنَّ راية اليماني هي أكثر الرايات هدى، ومنها نعلم أنَّ الرواية تدلُّ على وجود رايات هدى أُخرى، ولا تحصر رايات الهدى في راية اليماني.
وهذا الذي قلناه دلَّت عليه روايات أُخرى، فقد روى الطبري الشيعي في (دلائل الإمامة): بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنَّه قال: (إنّا أهل بيت اختار الله عز وجل لنا الآخرة على الدنيا، وإنَّه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتَّى ترتفع رايات سود من المشرق، فيسألون الحقّ فلا يُعطَون، ويقاتلون فيُنصَرون، فيُعطَون الذي سألوا، فمن أدركهم منكم أو من أبنائكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج، فإنَّها رايات هدى، يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً)(166).
2 _ أنَّ التفضيل في هذه الرواية ليس تفضيلاً حقيقياً كي يقال: (إنَّ أفضل رايات عصر الظهور هي راية اليماني)؛ وذلك لأنَّ الألف واللام في قوله: (وليس في الرايات) هي عهدية وليست استغراقية، فالتفضيل بين راية اليماني والخراساني والسفياني، ممَّا يعطي احتمال وجود رايات أُخرى أفضل من راية اليماني!
وهذا الأمر قد دلَّت عليه عدَّة روايات:
منها: ما ذكره النعماني في كتاب (الغيبة) بسنده عن أبان بن عثمان، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد عليه السلام: (بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم في البقيع حتَّى أقبل علي عليه السلام، فسأل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقيل: إنَّه بالبقيع. فأتاه علي عليه السلام، فسلَّم عليه...، ثمّ جاء جعفر بن أبي طالب...)، إلى أن قال: (ثمّ التفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جعفر بن أبي طالب، فقال: يا جعفر، ألَّا أُبشِّرك؟ ألَّا أُخبرك؟ قال: بلى، يا رسول الله. فقال: كان جبرئيل عندي آنفاً، فأخبرني أنَّ الذي يدفعها إلى القائم هو من ذرّيّتك، أتدري من هو؟ قال: لا. قال: ذاك الذي وجهه كالدينار، وأسنانه كالمنشار، وسيفه كحريق النار، يدخل الجبل ذليلاً، ويخرج منه عزيزاً، يكتنفه جبرئيل وميكائيل)(167).
فهذا الممدوح في الرواية الذي ينتسب إلى جعفر بن أبي طالب عليه السلام هو الذي يدفع الراية للإمام المهدي عليه السلام، وليس اليماني أو غيره، ممَّا يدلُّ على أنَّ رايته أيضاً راية هدى، وأنَّ رايات الهدى ليست منحصرة _ كما قلنا _ في راية اليماني، أضف إلى هذا أنَّ الصفات العظيمة التي وصفه بها النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تجعلنا نقطع بأفضليته على اليماني.
3 _ أنَّ كونها أهدى الرايات معلَّلة في الرواية بأنَّ اليماني يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام، فالمدح فيها ليس لشخص اليماني أو لخصوصية فيه، بل مدح للراية، وهذا ينسحب على قائد الراية وأتباعه، فكلّهم ممدوحون بسبب إخلاصهم في الدعوة لصاحب العصر والزمان عليه السلام، وليس المدح مقصوراً على اليماني فقط.
وعلى هذا فإنَّه يلزم أحمد إسماعيل وأنصاره أن يقولوا بعصمة جميع أنصار اليماني، وهذا لا يقول به من يحترم عقله!
الرابع: ما ذكره بعض أنصاره من أنَّ عبارة: (وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإنَّ رايته راية هدى) تدلُّ على وجوب نصرته، وبالتالي فهو معصوم واجب الاتّباع.
والجواب: أنَّ نصرة اليماني مقيَّدة بدعوته لصاحب الأمر، وليست على إطلاقها، وبعبارة أُخرى أنَّه ما دام اليماني على خطّ صاحب الأمر عليه السلام فللمؤمنين نصرته، أمَّا إذا انحرف عنه فهذا كاشف عن أنَّه ليس اليماني المذكور في الروايات، وإنَّما هو مُدَّعٍ لليمانية.
ثمّ إنَّ الرواية قيَّدت نصرة اليماني بخروجه، وأمَّا قبل خروجه فلا يجب نصرته فضلاً عن اتّباعه، والاعتقاد بإمامته، وغير ذلك ممَّا يدَّعيه أحمد إسماعيل لنفسه، ويدَّعيه له أتباعه.
وهنا يقع أحمد إسماعيل وأتباعه في مأزق لا يستطيعون الخروج منه:
وذلك لأنَّهم إن فسَّروا الخروج بالظهور فإنَّ الأحاديث الأُخرى تبطل دعوة أحمد إسماعيل من رأس؛ لأنَّها دلَّت على أنَّ خروج السفياني واليماني والخرساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، وعليه فأحمد إسماعيل ليس باليماني؛ لأنَّه لم يظهر السفياني بعد في هذه الأيّام.
وإن فسَّروا الخروج بالقيام بالسيف كما ذكروا هذا في كتبهم، فيكون الأمر بالنهوض إليه ونصرته مقيَّداً بوقت قيامه العسكري، وعليه فلا تجب نصرة مدَّعي اليمانية في هذا الوقت؛ لأنَّه لم يبدأ بعدُ في حركته العسكرية، بل إنَّه غائب متستّر عن الناس، وحركته العسكرية لا بدَّ أن تتزامن مع حركة السفياني والخراساني كما دلَّت عليه الرواية التي ذكرناها سابقاً.
ومن باب النقض نقول: لو كان الأمر بالنهوض والمبادرة للنصرة يدلُّ على العصمة، فعلى القوم أن يلتزموا بعصمة الخراساني، وشعيب بن صالح، بل وكلّ أصحاب الرايات السود!
إذ أنَّ الروايات الواردة فيهم حثَّت على النهوض إليهم بما هو أبلغ من نصرة اليماني، فقد روى الطبري الصغير بسنده أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنّا أهل بيت اختار الله عز وجل لنا الآخرة على الدنيا، وإنَّه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتَّى ترتفع رايات سود من المشرق، فيَسألون الحقّ فلا يُعْطَون، ويُقاتِلون فيُنصَرون، فيُعطَون الذي سألوا، فمن أدركهم منكم أو من أبنائكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج، فإنَّها رايات هدى، يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً)(168).
وثمَّة رواية أُخرى توضِّح أصحاب الرايات السود: عن جابر، عن أبي جعفر، قال: (يخرج شاب من بني هاشم بكفّه اليمنى خال من خراسان برايات سود، بين يديه شعيب بن صالح، يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم)(169).
ولا بدَّ أن يعرف القارئ الكريم أنَّ هؤلاء قد خالفوا إجماع الشيعة الإمامية في قضيّة العصمة، وتبنّوا رأي حشوية المخالفين!
فالعصمة عندهم هي أنَّ المعصوم لا يُدخِل الناس في باطل، ولا يُخرجهم من هدى(170)، وهي عين ما يقوله أهل الخلاف بحصرهم العصمة في أُمور التبليغ دون غيرها.
والمعصوم عندهم يجوز أن يخطئ.
قال عبد الرزّاق الديراوي وهو من أنصار أحمد إسماعيل ومن المروِّجين له: (إن كان يريد إثبات أنَّ من نقول بعصمته قد وقع منه الخطأ، فنحن قلنا سلفاً بأنَّ هذا الأمر ممكن، وغير ممتنع)(171).
والعصمة عندهم لا تكون من أوّل يوم في حياة المعصوم كما عليه جمهور الشيعة، بل هي فقط في فترة ممارسته لمهامّه الفعلية.
قال الديراوي: (وعلى أيّ حال قد لا يشكّ عاقل في أنَّ الحديث عن العصمة منذ اليوم الأوّل للولادة أمر أقرب إلى اللغو)(172).
مع أنَّ أوّل من تكلَّم في هذا الموضوع هم الأئمّة الأطهار عليهم السلام، بل جعلوها من علامات الإمامة، وقد روى الكليني في الكافي بسند صحيح: عن معاوية بن وهب، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما علامة الإمام الذي بعد الإمام؟ فقال: (طهارة الولادة، وحسن المنشأ، ولا يلهو ولا يلعب)(173).
وقد خالف أحمد إسماعيل وأنصاره ما ذهب إليه الشيعة الإمامية من عدم إثبات السهو والنسيان للمعصومين عليهم السلام، وفي هذا يقول الديراوي مستنكراً على علماء الشيعة الإمامية أعلى الله برهانهم: (وتوجد روايات كثيرة غيرها لم أذكرها خشية التطويل، ولأنَّ الغرض يتحقَّق بما ذكرت، وهذه الروايات كما هو جليّ تنصُّ على وقوع السهو من المعصوم، وأنَّ من لا يسهو هو الله الذي لا إله إلَّا هو، فما الذي دفع بعض العلماء إلى القول بخلاف ما نصَّت عليه؟)(174).
والعجيب أنَّهم نفوا أيضاً علم المعصوم بالأُمور الدنيوية التي يحتاجها الناس!
قال الديراوي: (ما نسمعه من الناس هو أنَّهم عليهم السلام يعلمون كلّ هذا، ويبدو أنَّ الأمر عقيدة راسخة في أذهان أكثرهم إن لم نقل جميعهم، وأعني بالجميع الشيعة خصوصاً، والحقّ أنَّ اعتقاد الناس هذا منشؤه عدم دقَّتهم في فهم الأدلَّة، فلا أدري لماذا ذهلوا عن أخبار كثيرة تدلُّ على خلاف ما يعتقدونه)(175).
وهذا عين ما يعتقده أهل الخلاف ويقولونه في أنبياء الله عليهم السلام، واستدلالهم بقصَّة تأبير النخل معروف مشهور.
ولم تكتف هذه الفئة بهذا، بل اتَّهموا الشيعة صراحة بتأليه الأئمّة عليهم السلام وشبَّهوهم بالنصارى، تماماً كما نسمعه من السلفية ومناوئي الشيعة عموماً.
قال الديراوي: (إنَّ ما لم يجرؤا (كذا) علماء الشيعة على التصريح به، نطقت به شفاه المسيحيّين، فهؤلاء تخلَّصوا من المشكلة بكلمة: (ليس هو بشراً مثلنا هذا المقدَّس، بل إله)، فلو كان بشراً مثلنا لفعل كما نفعل)(176).
فالغرض من سلسلة إنكار مقامات المعصومين هو تفصيل عصمة يمكن انطباقها على صاحبهم أحمد إسماعيل؛ لأنَّ كلّ من سمع خطابات هذا الرجل وقرأ بياناته وكتبه علم يقيناً أنَّه لا يعدو كونه عامّياً صرفاً، وأنَّه بعيد كلّ البعد عن العلم وأهله، فضلاً عن أن يكون إماماً معصوماً!
وهؤلاء القوم تلاعبوا بمعنى العصمة المعروف كي يبرِّروا أخطاء إمامهم المزعوم في القرآن والتفسير واللغة والإملاء التي أصبحت أُضحوكة عند القاصي والداني، وهم بهذا الأُسلوب قد انتهجوا طريقة حكّام الجور الذين كانوا يبرِّرون شنائعهم وفظائعهم بوضع الأحاديث ونسبتها للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
وروايات أهل البيت عليهم السلام لا يوجد فيها أيّ دليل يدلُّ على عصمة اليماني الذي سيكون ممهِّداً لصاحب العصر والزمان عليه السلام، فضلاً عن عصمة مُدَّعي اليمانية المزعوم.
4 _ اليماني والسفارة:
قد يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال: هل اليماني من سفراء الإمام المهدي عليه السلام أم لا؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل يتعارض هذا مع ما اتَّفقت عليه الشيعة الإمامية من انقطاع السفارة في الغيبة الكبرى؟
والجواب: أنَّه لا يبعد أن يتشرَّف اليماني بلقاء الإمام المهدي عليه السلام، ويأخذ بتوجيهاته، بل نكاد نطمئن بذلك، إذ أنَّه لا يمكن لأحد أن يقوم بهذا العمل المهمّ _ وهو محاربة السفياني الذي سيكون حاكماً على غالب منطقة الشرق الأوسط _ من دون الرجوع إلى صاحب العصر عليه السلام!
ولكن هذا لا يثبت سفارته بالمعنى الذي تعرَّضنا له في مبحث السفارة، فإنَّنا لم نعثر على دليل يدلُّ على ذلك، والروايات أوضحت أنَّ دور اليماني دور عسكري بحت، ولا يوجد ما يُشعِر أنَّ له دوراً تثقيفياً تعليمياً في المجتمع الشيعي وغيره.
ولو سلَّمنا بأنَّه نائب للإمام عليه السلام فهذا لا يتعارض مع توقيع السمري، إذ أنَّ خروج اليماني سيكون مرافقاً لخروج السفياني والصيحة السماوية، وهي علامات انتهاء الغيبة الكبرى، والدخول في عصر الظهور.
والمستند في ذلك ما رواه النعماني في الغيبة: عن أبي بصير، عن الصادق عليه السلام: قال: (لا بدَّ لبني فلان من أن يملكوا، فإذا ملكوا ثمّ اختلفوا تفرَّق ملكهم، وتشتَّت أمرهم، حتَّى يخرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق، وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من هنا، وهذا من هنا، حتَّى يكون هلاك بني فلان على أيديهما، أمَا إنَّهم لا يُبقون منهم أحداً). ثمّ قال عليه السلام: (خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز، يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كلّ وجه، ويل لمن ناواهم)(177).
بل ربَّما يستفاد من الرواية أنَّ خروج اليماني سيكون مسبوقاً بالصيحة، إذ أنَّ حركته ستكون لمواجهة خطر السفياني، والسفياني سيسيطر على منطقة الحجاز بعد اختلاف بني فلان كما نصَّت الرواية، والصيحة ستكون مباشرة إثر خلافهم، فقد ورد في رواية أُخرى قوله عليه السلام: (إذا اختلف بنو فلان فيما بينهم فعند ذلك فانتظروا الفرج، وليس فرجكم إلَّا في اختلاف بني فلان، فإذا اختلفوا فتوقَّعوا الصيحة في شهر رمضان وخروج القائم، إنَّ الله يفعل ما يشاء، ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبّون حتَّى يختلف بنو فلان فيما بينهم، فإذا كان كذلك طمع الناس فيهم، واختلفت الكلمة، وخرج السفياني)(178).
إذن ترتيب الأحداث سيكون كالآتي:
أوّلاً: اختلاف بني فلان.
ثانياً: الصيحة، وخروج السفياني، واليماني.
ثالثاً: قيام الإمام المهدي عليه السلام.
علماً أنَّ الصيحة هي من أشدّ علامات الظهور وضوحاً، إذ نصَّت الروايات على أنَّ كلّ أهل الأرض يسمعونها، كلٌّ بِلُغته، وقد قال صادق العترة عليه السلام: (الصيحة لا تكون إلَّا في شهر رمضان؛ لأنَّ شهر رمضان شهر الله، والصيحة فيه هي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق). ثمّ قال: (ينادي منادٍ من السماء باسم القائم عليه السلام، فيسمع مَن بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلَّا استيقظ، ولا قائم إلَّا قعد، ولا قاعد إلَّا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فإنَّ الصوت الأوّل هو صوت جبرئيل الروح الأمين عليه السلام)(179).
وروى عن شرحبيل، قال: قال أبو جعفر عليه السلام وقد سألته عن القائم عليه السلام، فقال: (إنَّه لا يكون حتَّى ينادي منادٍ من السماء، يُسمع أهل المشرق والمغرب، حتَّى تسمعه الفتاة في خدرها)(180).
إذن فاليماني هو رجل من اليمن، يخرج من صنعاء، من ولد زيد الشهيد رضي الله عنه، يرفع راية جدِّه، ويدعو الناس لصاحب الأمر عليه السلام، ومهمَّته محاربة السفياني،، وهو ليس بصاحب دعوة يجب الإيمان بها، أو يلزم اتّباعه فيها، وإنَّما المهمّ أن لا يقف الإنسان ضدَّه؛ لأنَّه يدعو للحقّ.
أمَّا أحمد إسماعيل فهو عراقي، ادَّعى زوراً وبهتاناً انتسابه لأهل البيت عليهم السلام، وادَّعى أنَّه اليماني مع دعوات أُخرى عظيمة لم تثبت بدليل واحد، بل كلّ الأدلَّة تثبت بطلان تلك الدعاوى!
وقبل أن أنتقل إلى المبحث اللاحق أُريد أن أُثبت للقارئ الكريم أنَّ أحمد إسماعيل ليس باليماني من خلال كلامه هو نفسه!
قال في كتابه (المتشابهات) الذي كما يقول تحدَّى به كلّ علماء الشيعة للردّ عليه وإيجاد ثغرة فيه! بل اعتبره هو الدليل على صدق دعواه! قال في معرض ردِّه على سؤال حول شخصية اليماني نقلنا جزءاً من جوابه فيما تقدَّم، ومن ضمن جوابه أنَّه سرد أحاديث استفاد منها أنَّ اليماني من البصرة، فقال: (... وعن أمير المؤمنين عليه السلام في خبر طويل: ألَا وإنَّ أوّلهم من البصرة، وآخرهم من الأبدال...، وعن الصادق عليه السلام في خبر طويل سمَّى فيه أصحاب القائم عليه السلام: ومن البصرة أحمد)(181).
أمَّا الرواية الأُولى التي احتجَّ بها والتي تذكر أنَّ أوّل أصحاب القائم من البصرة، فلو أكمل قراءتها لعُلِم أنَّ أنصاره من البصرة اثنان، هما: علي، ومحارب، وليس هناك ذكر لأحمد!
وقد نقل السيّد الكاظمي في كتابه (بشارة الإسلام)، وهو نفس المصدر الذي نقل منه أحمد إسماعيل حجَّته، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (ألَا إنَّ أوّلهم من البصرة، وآخرهم من الأبدال، فأمَّا الذين من البصرة، فعليٌّ، ومحارب، ورجلان من قاشان...)(182).
ونُقلت الرواية في كتاب (إلزام الناصب) بلفظ: وقالوا: يا أمير المؤمنين، نسألك بالله وبابن عمّك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تسمّيهم بأسمائهم وأمصارهم، فلقد ذابت قلوبنا من كلامك. فقال: (اسمعوا أُبيِّن لكم أسماء أنصار القائم، إنَّ أوّلهم من أهل البصرة، وآخرهم من الأبدال، فالذين من أهل البصرة رجلان، اسم أحدهما عليُّ، والآخر محارب)(183).
فهذا يدلُّ على أنَّ صاحب هذه الدعوة المزعومة ليست عنده أمانة علمية في النقل، وهمّه الترويج لنفسه، والاستخفاف بعقول الآخرين، فهنيئاً لأتباعه بهذا الإمام!
وأمَّا الرواية الثانية فقد ذكرناها سابقاً، وبيَّنا سبب تمسّكهم بالنقل من كتاب (بشارة الإسلام)، رغم أنَّ مؤلِّفه هو مجرَّد ناقل للرواية عن كتب المتقدِّمين، فإنَّ السيد الكاظمي نقل الرواية كالآتي: (ومن البصرة: عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد، ومليح، وحماد بن جابر)(184).
أمَّا صاحب (دلائل الإمامة) فقال: (ومن البصرة: عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد بن مليح، وحماد بن جابر)(185).
فعدوله عن النصّ الأصلي الموجود في (دلائل الإمامة) هو بسبب ذكر الاسم كاملاً، أي أحمد بن مليح، ولأنَّ اسم والد اليماني المزعوم: إسماعيل، فهذه الرواية لا تخدمهم، فأخذوا بالنصّ الموجود في بشارة الإسلام لموافقته لأهوائهم! رغم أنَّه في بشارة الإسلام قال بعد نقل هذه الرواية: (هذه النسخة كثيرة الغلط، وقد سقط منها بعض الحروف، وبُدِّل ببعض، وقد صحَّحتُ بعضها بنظري القاصر بواسطة بعض الأخبار).
فهل هذا من دأب الباحثين المحقِّقين؟
وهل هذا من دأب من عنده أمانة علمية؟
وهل يستند من يريد إثبات أمر عظيم على نسخة كثيرة الغلط؟
علماً أنَّ أحمد إسماعيل وأتباعه عندهم انتقائية غريبة في التعامل مع الروايات، فالخبر الذي يخدمهم يطبِّلون به ويزمِّرون له حتَّى لو كان ضعيفاً متهالكاً، بل حتَّى لو كان موضوعاً أو من طرق أبناء العامّة، والرواية التي لا تخدمهم يُعرضون عنها كأنَّها غير موجودة أصلاً!
فمثلاً: نراهم لا يذكرون هذه الرواية التي رواها القاضي النعمان: عن جعفر بن محمّد عليه السلام، أنَّه قال لقوم من أهل الكوفة: (أنصارنا غيركم، ما يقوم مع قائمنا من أهل الكوفة إلَّا خمسون رجلاً، وما من بلدة إلَّا ومعه منهم طائفة، إلَّا أهل البصرة فإنَّه لا يخرج معه منهم إنسان)(186).
أليس هذا الخبر مسقطاً لكلّ مزاعم هذا الرجل؟
وما المانع أن يكون أحمد إسماعيل هو دجَّال البصرة المذكور في الخبر الذي رواه السيّد ابن طاووس قدس سره: عن عبد الله بن عبد العزيز، قال: قال لي علي بن أبي طالب وخطب بالكوفة، فقال: (يا أيّها الناس، الزموا الأرض من بعدي، وإيّاكم والشذّاذ من آل محمّد، فإنَّه يخرج شذّاذ آل محمّد، فلا يرون ما يحبّون؛ لعصيانهم أمري، ونبذهم عهدي، وتخرج راية من ولد الحسين تظهر بالكوفة بدعاية الأمية، ويشمل الناس البلاء، ويبتلي الله خير الخلق، حتَّى يميّز الخبيث من الطيِّب، ويتبرَّأ الناس بعضهم من بعض، ويطول ذلك حتَّى يفرِّج الله عنهم برجل من آل محمّد، ومن خرج من ولدي، فعمل بغير عملي، وسار بغير سيرتي، فأنا منه بريء، وكلّ من خرج من ولدي قبل المهدي فإنَّما هو جزور، وإيّاكم والدجَّالين من ولد فاطمة، فإنَّ من ولد فاطمة دجَّالين، ويخرج دجَّال من دجلة البصرة، وليس منّي، وهو مقدّمة الدجَّالين كلّهم)(187).
ولو نظرنا إلى أحمد إسماعيل نراه من البصرة، والرواية لم تنصّ على أنَّه من ولد فاطمة عليها السلام، وهذا هو المعروف من نسبه، بل ربَّما يُستظهر من الرواية أنَّ الإمام عليه السلام يكذِّب دعواه في انتسابه لأهل البيت عليهم السلام، ولهذا قال عليه السلام: (وليس منّي)، وإنَّما وُصِفَ بأنَّه مقدّمة الدجَّالين لأنَّه يدَّعي أنَّه إمام، معصوم، ووصيّ للإمام المهدي عليه السلام، وأوّل المهديّين، وأنَّه اليماني الممدوح في الروايات، ولحدِّ الآن لم يدَّعِ مثل هذه الدعاوى أحد، ويظهر من الرواية أنَّ بعض الدجَّالين الآخرين سيدَّعون دعاوى مشابهة لهذه الدعوى، وهذا ما نتوقَّعه في الأيّام الآتية.
وعليه، فما المانع أن يكون أحمد إسماعيل هو المقصود بهذه الرواية التي تذكر دجَّالاً من البصرة، يدَّعي زوراً وبهتاناً منصباً إلهيّاً، فيلتبس أمره على كثير من الناس؟!
وأخيراً تبقى نقطة نختم بها هذا البحث، وهي ادِّعاء بعضهم وجود أكثر من يماني في روايات أهل البيت عليهم السلام.
والجواب على هذا: أنَّ روايات أهل البيت عليهم السلام بيَّنت قضيّة اليماني بوضوح، واللبس الذي وقع فيه هؤلاء نتيجة اعتمادهم على أخبار غير المعصومين، كخبر سطيح الكاهن(188)، ورواية كعب(189)، وأمَّا من اكتفى بالعين الصافية فلن يقع في المأزق الذي وقع فيه هؤلاء.

* * *

دعوى أحمد إسماعيل أنَّه الإمام الثالث عشر!
لم يكتف أحمد إسماعيل بكلّ ما ذكرناه سابقاً، من ادّعاء أنَّه ابن الإمام المهدي عليه السلام، وأنَّه المهدي الأوّل من بعده، وسفيره قبل ظهوره، وأنَّه اليماني المذكور في الروايات، بل تمادى في ادِّعاءاته حتَّى قال: إنَّه حُجَّة الله على الخلق، وإنَّه الإمام الثالث عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام!
وقد استدلَّ بعض أتباعه له بعدَّة روايات، دلَّت ظواهرها على أنَّ الأئمّة أكثر من اثني عشر، ضاربين عرض الجدار بالروايات الأُخرى المتواترة من طرق السُّنَّة والشيعة التي تدلُّ بوضوح على أنَّ الأئمّة أو الخلفاء اثنا عشر، ومعرضين عن إجماع الشيعة من عصر الغيبة إلى يومنا هذا على حصر عدد الأئمّة في اثني عشر إماماً فقط!
الأدلَّة على أنَّ الأئمّة اثنا عشر:
ذكر الشيعة الاثنا عشرية عدَّة أدلَّة على صحَّة معتقدهم بأنَّ عدد الأئمّة اثنا عشر، من ضمنها:
الدليل الأوّل: الروايات المتواترة التي تحصر الأئمّة في اثني عشر إماماً دون زيادة أو نقيصة، وتذكرهم إمَّا بنسبهم، أو بأسمائهم إماماً تلو إمام.
منها: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن سيِّد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأئمّة من بعدي اثنا عشر، أوّلهم أنت يا علي، وآخرهم القائم، الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها)(190).
وروى أيضاً: عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: (قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أخبرني بعدد الأئمّة بعدك. فقال: يا علي، هم اثنا عشر، أوّلهم أنت، وآخرهم القائم)(191).
وما رواه عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدِّه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأئمّة بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم، هم خلفائي، وأوصيائي، وأوليائي، وحجج الله على أُمَّتي بعدي، المقرّ بهم مؤمن، والمنكر لهم كافر)(192).
وما رواه عن السيّد بن محمّد الحميري _ في حديث طويل _ قال فيه: قلت للصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: يا ابن رسول الله، قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة، وصحَّة كونها، فأخبرني بمن تقع؟ فقال عليه السلام: (إنَّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الأئمّة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم بالحقّ، بقيَّة الله في الأرض، وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتَّى يظهر، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً)(193).
وروى في كمال الدين: عن المفضَّل بن عمر، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: (إنَّ الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام، فهي أرواحنا). فقيل له: يا ابن رسول الله، ومن الأربعة عشر؟ فقال: (محمّد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، والأئمّة من ولد الحسين، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته، فيقتل الدجَّال، ويطهِّر الأرض من كلّ جور وظلم)(194).
وبسنده عن جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أبشروا ثمّ أبشروا _ ثلاث مرَّات _ إنَّما مثل أُمَّتي كمثل غيث لا يُدرى أوّله خير أم آخره، إنَّما مثل أُمَّتي كمثل حديقة أُطعم منها فوج عاماً، ثمّ أُطعم منها فوج عاماً، لعلَّ آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً، وأعمقها طولاً وفرعاً، وأحسنها جنى، وكيف تهلك أُمَّة أنا أوّلها، واثنا عشر من بعدي من السعداء وأُولي الألباب، والمسيح عيسى بن مريم آخرها، ولكن يهلك بين ذلك نتج الهرج، ليسوا منّي، ولست منهم)(195).
وروى القمّي في الكفاية: عن أبي يحيى بن جعدة بن هيبرة، عن الحسين بن علي صلوات الله عليهما، وسأله رجل عن الأئمّة، فقال: (عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من ولدي، آخرهم القائم، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أبشروا ثمّ أبشروا _ ثلاث مرَّات _ إنَّما مثل أهل بيتي كمثل حديقة أُطعم منها فوج عاماً، ثمّ أُطعم منها فوج عاماً، في آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً، وأعمقها طولاً وفرعاً، وأحسنها حنا، وكيف تهلك أُمَّة أنا أوّلها، والاثنا عشر من بعدي من السعداء أُولي الألباب، والمسيح بن مريم آخرها، ولكن يهلك فيما بين ذلك نتج الهرج، ليسوا منّي، ولست منهم)(196).
ومنها: ما رواه النعماني: عن بدر بن عيسى، قال: سألت أبي: عيسى بن موسى _ وكان رجلاً مهيباً _ فقلت له: من أدركت من التابعين؟ فقال: ما أدري ما تقول لي، ولكنّي كنت بالكوفة، فسمعت شيخاً في جامعها يتحدَّث عن عبد خير، قال: سمعت أمير علي بن أبي طالب صلوات الله عليه يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي، الأئمّة الراشدون المهتدون المعصومون من ولدك أحد عشر إماماً، وأنت أوَّلهم، آخرهم اسمه اسمي، يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، يأتيه الرجل والمال كدس، فيقول: يا مهدي، أعطني. فيقول: خذ)(197).
والروايات بهذا المضمون كثيرة جدَّاً، وهي _ كما قلنا _ متواترة في كون الأئمّة اثني عشر، وأنَّ أوَّلهم أمير المؤمنين عليه السلام، وآخرهم محمّد بن الحسن عليه السلام، فهو آخر الأئمّة وآخر الحجج الإلهية على الخلق.
الدليل الثاني: إجماع الشيعة الإمامية على أنَّ الأئمّة اثنا عشر، وشهرة هذه العقيدة عند كلّ أهل الأرض، وهذا ما جعل تسمية الاثني عشرية تختصُّ بالشيعة دون غيرهم: ولشهرتهم بهذه العقيدة، واختصاصهم بها دون غيرهم من طوائف المسلمين، خُصّوا بتسميتهم بالشيعة الاثني عشرية دون غيرهم.
قال الصدوق في اعتقاداته: (واعتقادنا أنَّ حجج الله تعالى على خلقه بعد نبيِّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم الأئمّة الاثنا عشر: أوَّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ محمّد بن الحسن الحجَّة القائم، صاحب الزمان، خليفة الله في أرضه، صلوات الله عليهم أجمعين، واعتقادنا فيهم: أنَّهم أُولوا الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم، وأنَّهم الشهداء على الناس، وأنَّهم أبواب الله، والسبيل إليه، والأدلَّاء عليه، وأنَّهم عيبة علمه، وتراجمة وحيه، وأركان توحيده، وأنَّهم معصومون من الخطأ والزلل، وأنَّهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، وأنَّ لهم المعجزات والدلائل، وأنَّهم أمان لأهل الأرض، كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء، وأنَّ مثلهم في هذه الأُمَّة كسفينة نوح أو كباب حِطَّة، وأنَّهم عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون، ونعتقد فيهم أنَّ حُبَّهم إيمان، وبغضهم كفر، وأنَّ أمرهم أمر الله تعالى، ونهيهم نهي الله تعالى، وطاعتهم طاعة الله تعالى، ووليّهم وليّ الله تعالى، وعدوّهم عدوّ الله، ومعصيتهم معصية الله تعالى، ونعتقد أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة لله على خلقه، إمَّا ظاهر مشهور أو خائف مغمور، ونعتقد أنَّ حجَّة الله في أرضه، وخليفته على عباده في زماننا هذا، هو القائم المنتظر محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأنَّه هو الذي أخبر به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عز وجل باسمه ونسبه، وأنَّه هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً، وأنَّه هو الذي يظهر الله به دينه، ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون، وأنَّه هو الذي يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها، حتَّى لا يبقى في الأرض مكان إلَّا نودي فيه بالأذان، ويكون الدين كلّه لله تعالى، وأنَّه هو المهدي الذي أخبر به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه إذا خرج نزل عيسى بن مريم عليه السلام، فصلّى خلفه، ويكون المصلّي إذا صلّى خلفه كمن كان مصلّياً خلف رسول الله؛ لأنَّه خليفته، ونعتقد أنَّه لا يجوز أن يكون القائم غيره، بقي في غيبته ما بقي، ولو بقي في غيبته عمر الدنيا لم يكن القائم غيره؛ لأنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام دلّوا عليه باسمه ونسبه، وبه نصّوا، وبه بشَّروا صلوات الله عليه)(198).
وقال الشهرستاني السُّنّي في تعريف الاثني عشرية: (إنَّ الذين قطعوا بموت موسى الكاظم بن جعفر الصادق، وسمّوا قطيعة، ساقوا الإمامة بعده في أولاده، فقالوا: الإمام بعد موسى الكاظم ولده علي الرضا، ومشهده بطوس، ثمّ بعده محمّد التقي الجواد أيضاً، وهو في مقابر قريش ببغداد، ثمّ بعده علي بن محمّد النقي، ومشهده بقم [كذا]، وبعده الحسن العسكري الزكي، وبعده ابنه محمّد القائم المنتظر الذي هو بسُرَّ من رأى، وهو الثاني عشر، هذا هو طريق الاثنا عشرية في زماننا)(199).
ولو راجع الباحث كلّ كتب العقائد والملل والنحل الشيعية أو غيرها، سيجد أنَّها كلّها مجمعة على أنَّ الاثني عشرية هم من اعتقدوا باثني عشر إماماً فقط.
الدليل الثالث: الروايات التي تذمّ القائلين بثلاثة عشر إماماً فصاعداً، بل بعض الروايات تبيِّن أنَّه من طول غيبة القائم تكثر الأقاويل والتأويلات، حتَّى يقول البعض بالثالث عشر!
فقد روى شيخ الطائفة الطوسي والشيخ الصدوق قدس سرهما: عن سدير الصيرفي، عن الإمام الصادق عليه السلام، أنَّه قال في حديث طويل: (... وأمَّا غيبة عيسى عليه السلام فإنَّ اليهود والنصارى اتَّفقت على أنَّه قُتِلَ، فكذَّبهم الله عز وجل بقوله: (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) [النساء: 157]، كذلك غيبة القائم، فإنَّ الأُمَّة ستنكرها لطولها، فمِنْ قائل يقول: إنَّه لم يولد، وقائل يفتري بقوله: إنَّه وُلِدَ ومات، وقائل يكفر بقوله: إنَّ حادي عشرنا كان عقيماً، وقائل يمرق بقوله: إنَّه يتعدَّى إلى ثالث عشر فصاعداً، وقائل يعصي الله بدعواه: إنَّ روح القائم عليه السلام ينطق في هيكل غيره)(200).
ففي هذه الرواية وصف الإمام عليه السلام القائلين بأكثر من اثني عشر إماماً بأنَّهم مارقون، وكما أنَّ الخوارج مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فكذلك هؤلاء القائلون بالإمام الثالث عشر فصاعداً مرقوا من الإيمان كما يمرق السهم من الرمية.
وهذه الرواية ذكرت عقيدتين من عقائد جماعة أحمد إسماعيل:
الأُولى: هي أنَّهم يقولون بوجود أئمّة بعد الإمام المهدي عليه السلام غير الأئمّة الاثني عشر، وهذا ما أشار إليه الإمام عليه السلام بقوله: (إنَّه يتعدَّى إلى ثالث عشر فصاعداً)، وجماعة أحمد إسماعيل هي الوحيدة التي قالت بوجود أربعة وعشرين إماماً معصوماً!
الثانية: هي ما أشار إليه عليه السلام بقوله: (إنَّ روح القائم عليه السلام ينطق في هيكل غيره)، أي إنَّ هناك من يدَّعي أنَّ أحداً يظهر، ويكون لساناً ناطقاً عن الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وهذا عين ما صرَّح به أحد الأنصار في كتاب: (قراءة جديدة في رواية السمري) حيث قال: (ومحمّد بن الحسن العسكري هو الاسم المعلن، وهو المقصود من حديث أهل البيت عليهم السلام: (إنَّ المهدي لا يُرى بجسمه ولا يُسمَّى باسمه)، أي إنَّه يُرى بغير جسمه، فيظهر للناس بوصيّه، ويُسمَّى بغير اسمه، فلا يسمَّى الإمام المهدي إلَّا عبر وصيّه (أي باب مدينة الكمالات الإلهية)، فلا يسمَّى باسمه، بل يسمَّى بالاسم المخفي (أحمد)، وهو اسم وصيّه واليماني الموعود، لا من باب الحلول، ولكن من باب ذوبان شخصية المهدي الأوّل بالإمام المهدي عليه السلام، واختفائها فيه عليه السلام، وبهذا يتَّضح مفهوم (الظهور))(201).
فهل هناك أوضح من هذا البيان الصادقي الذي تكفَّل بالتحذير من عقائد هذه الفئة الضالّة ونعتها بالمروق والعصيان؟!
الدليل الرابع: أنَّ الروايات التي تمسَّك بها أحمد إسماعيل وأتباعه لإثبات امتداد الإمامة في ولد الإمام المهدي عليه السلام، معارضة أيضاً لروايات الرجعة التي ذكرناها سابقاً، وبيَّنا دلالتها على أنَّ أوّل من يرجع هو الإمام الحسين عليه السلام، وأنَّه يتولّى مقاليد الحكم بعد وفاة الإمام المهدي عليه السلام.
وهذه الأدلَّة كلّها تقطع دابر من يقول بزيادة عدد الأئمّة على الاثني عشر، وتثبت أنَّ كلّ من يعتقد بهذا القول هو مارق عن الإيمان، وحاله حال الفِرَق الأُخرى التي ضلَّت عن الحقّ، وتاهت عن الطريق المستقيم.
ردّ استدلالات أحمد إسماعيل وأتباعه:
ذكر أحد المروِّجين لأحمد إسماعيل من أتباعه بعض الروايات التي حاول من خلالها إثبات أنَّها تدلُّ على أكثر من اثني عشر إماماً، ولعلَّ هذه الروايات تنقسم إلى ثلاث طوائف:
طائفة منها ربَّما يُفهَم من ظاهرها وجود ثلاثة عشر إماماً.
وطائفة أُخرى تفيد وجود أئمّة بعد الإمام المهدي عليه السلام.
وطائفة ثالثة تفيد وجود أئمّة من ولد الإمام المهدي عليه السلام بعده.
علماً أنَّ ما ذكره أحمد إسماعيل والمروِّجون له ليس تحقيقاً للروايات، أو فهماً جديداً لها، بل حاول مجموعة من المضلِّين عبر التاريخ التشويش على عقيدة الإمامية شيعة أهل البيت عليهم السلام بالتلبيس عليهم بأمثال هذه الأخبار، وغاية ما قام به أتباع أحمد إسماعيل هو إعادة صياغة شبهات أعداء الشيعة، وطرحها بلباس جديد.
الطائفة الأُولى: الروايات التي تُشعِر بوجود أكثر من اثني عشر إماماً، وقد ادَّعى أحد أتباع أحمد إسماعيل المروِّجين له، واسمه ضياء الزيدي في كتابه (المهدي والمهديّين) [كذا] تواتر هذا المضمون، فقال: (الروايات التي ذكرت أنَّ الأئمّة ثلاثة عشر، وهي روايات متواترة معنىً)(202).
وهذه دعوى باطلة لا دليل عليها سوى الادّعاء المجرَّد عن أيّ حجَّة، ويكفينا دليلاً على المستوى العلمي لهذا الرجل هو عنوان كتابه، إذ أنَّ الصحيح هو: (المهدي والمهديّون)، وليس: (المهدي والمهديّين) كما قال؛ لأنَّها مرفوعة لتجرّدها من العامل، فالذي لا يعرف أبسط القواعد النحوية كيف يتجرَّأ على شرح روايات أهل البيت وهم الذين ورد عنهم كما في صحيحة جميل بن درّاج، عن أبي عبد الله عليه السلام: (أعربوا حديثنا، فإنَّا قوم فصحاء)(203).
ولإثبات هذا التواتر المزعوم ساق الزيدي مجموعة من الروايات التي جعلها عمدته في إثبات هذا المعتقد، ولنا وقفات مع كلّ رواية:
الرواية الأُولى: رواها الكليني في الكافي: عن الأصبغ بن نباتة، قال: أتيتُ أمير المؤمنين عليه السلام، فوجدته متفكِّراً ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين ما لي أراك متفكِّراً تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها؟ فقال: (لا والله، ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قطّ، ولكنّي فكَّرتُ في مولود يكون من ظهر[ي]: الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظلماً، تكون له غيبة وحيرة، يضلُّ فيها أقوام، ويهتدي فيها آخرون). فقلت: يا أمير المؤمنين! وكم تكون الحيرة والغيبة؟ قال: (ستّة أيّام، أو ستّة أشهر، أو ستّ سنين)، فقلت: وإنَّ هذا لكائن؟ فقال: (نعم كما أنَّه مخلوق، وأنّى لك بهذا الأمر يا أصبغ، أُولئك خيار هذه الأُمَّة مع خيار أبرار هذه العترة). فقلت: ثمّ ما يكون بعد ذلك؟ فقال: (ثمّ يفعل الله ما يشاء، فإنَّ له بداءات، وإرادات، وغايات، ونهايات)(204).
وموضع الشاهد في هذه الرواية هو قول أمير المؤمنين عليه السلام: (ولكنّي فكَّرتُ في مولود يكون من ظهر[ي]: الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظلماً، تكون له غيبة وحيرة).
قال الزيدي في معرض ذكره للروايات الدالّة على أنَّ الأئمّة ثلاثة عشر: (ما رواه الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام، وهي ناصَّة بالقطع إنَّ [كذا] الذي يملئ [كذا] الأرض قسطاً وعدلاً هو (ابن الإمام المهدي)، فالحادي عشر من ذرّية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هو الإمام المهدي، والذي من صلبه هو المهدي الأوّل، وهو من يملئها [كذا] عدلاً بأمر أبيه الإمام المهدي)(205).
والزيدي الذي أكثر من الأغلاط الإملائية في كتابه يرى أنَّ الرواية الأصلية هي: (من ظهر الحادي عشر من ولدي)، وليس كما ذكرنا، وهو: (من ظهري: الحادي عشر من ولدي)، فالأُولى تعني أنَّ المهدي هو من ظهر الحادي عشر من ولد أمير المؤمنين عليه السلام، أي من ولد الإمام الحجَّة عليه السلام، أمَّا الثانية فتعني أنَّ المهدي من ظهر أمير المؤمنين عليه السلام، وهو حادي عشر الأئمّة من ولده، وهذا ما عليه الشيعة اليوم.
إذن فخلافنا في إثبات ياء المتكلّم أو نفيها في لفظة (ظهر)، ولذلك يجب مراجعة نسخ الكتاب لمعرفة هل هي ثابتة فعلاً أو لا؟
وياء المتكلّم هذه مثبتة في عدَّة نسخ من كتاب الكافي:
منها: مخطوطة المكتبة المركزية بجامعة طهران، رقم (6649)، وقد فرغ من نسخها صاحبها سنة (979هـ)، وقد صُحِّحت هذه النسخة على يد جملة من أساطين المذهب، كالشهيد الثاني رحمه الله، والميرزا محمّد الأسترآبادي.
ومنها: مخطوطة المكتبة المركزية بجامعة طهران، رقم (6238)، والتي نسخها محمّد بن محمّد بن يحيى النوري من تلامذة العلَّامة المجلسي قدس سره، وفرغ منها سنة (1082هـ)، وقد تكفَّل العلَّامة المجلسي بتصحيحها كما ورد في آخر النسخة، وقد اشتملت أيضاً حاشيتها على تعليقات المجلسي الأب والابن، إضافةً إلى الشيخ البهائي وغيره من الفضلاء.
ومنها: نسخة الكافي الواصلة للفيض الكاشاني، والتي نقل عنها في كتابه (الوافي)، حيث أثبت ضمير المتكلّم في كتابه الوافي(206).
كما أنَّ النعماني كاتب ثقة الإسلام الكليني قدس سره، والمساعد له في تصنيف الكافي، نقل الرواية في كتابه المعروف بالغيبة بلفظ (ظهري)(207).
وأثبت ياء المتكلّم: الشيخ الصدوق قدس سره في (كمال الدين وتمام النعمة)(208)، وهو قريب العهد بالكليني قدس سره، ونقلها عنه الشيخ المجلسي قدس سره في (بحار الأنوار)(209) بنفس اللفظ، ممَّا يؤكِّد وجودها في النسخة الصحيحة من الكافي.
أضف إلى هذا أنَّ الخزَاز القمّي نقلها في كتابه (كفاية الأثر)(210) عن الشيخ الصدوق بنفس اللفظ.
وكذلك في كتاب (تقريب المعارف) لأبي الصلاح الحلبي المعاصر للشيخ المفيد والشيخ الطوسي قدس سرهما(211).
نعم وردت الرواية بلفظ (ظهر) في بعض الكتب، كـ (الغيبة) للطوسي، و(الاختصاص) المنسوب للمفيد، و(الهداية الكبرى) للحسين بن حمدان الخصيبي.
ونحن عندما نتأمَّل في ألفاظ هذه الرواية نقطع بأنَّ الرواية الصحيحة هي: (من ظهري: الحادي عشر)، فيكون فيه إشارة إلى الإمام محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام، لا إلى غيره.
والسبب في ذلك هو أنَّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ذكر صفات متعدِّدة لا تنطبق إلَّا على الحادي عشر من ظهره عليه السلام، وهو الإمام المهدي المنتظر محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام؛ لأنَّه عليه السلام قال: (وهو المهدي الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، ويكون له حيرة وغيبة، تضلُّ بها أقوام، ويهتدي بها آخرون).
وهذه كلّها صفات الإمام المهدي المنتظر محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام دون غيره، فهو الذي إذا قيل: (المهدي) انصرف إليه دون من سواه، وهو الذي يملؤها قسطاً وعدلاً، وهو الذي يغيب غيبة طويلة، وأمَّا غيره فلا.
إذن حرف الياء في (ظهري) قد أُسقط من النُّسَّاخ، أو كُتِبَ على السماع؛ لأنَّ حرف الياء في (ظهري) جاء بعده لام التعريف في (الحادي عشر)، وحروف اللين وهي الألف والواو والياء التي قبلها حركة من جنسها، إذا جاء بعدها ساكن في كلمة أُخرى حُذِفَ حرف اللين لفظاً؛ لالتقاء الساكنين، مثل: يخشى القوم، ويغزو الجيش، ويرمي الغرض، ومن أمثلته في كتاب الله قوله سبحانه: (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة: 124).
ولو حُرِّكت الياء بالفتح كما في قوله تعالى: (نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) (البقرة: 122)، فقيل: (من ظهريَ الحادي عشر) لتوهّم أنَّ الحادي عشر صفة لظهري، لا أنَّه خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو الحادي عشر من ولدي.
فلمَّا حُذفت ياء المتكلّم لفظاً توهَّم الرواي أنَّ الإمام عليه السلام قال: (من ظهرِ الحادي عشر)، فوقع اللبس.
وعليه، فمن تمسَّك بلفظ (ظهر) بدون الياء فقد اعتمد النسخة غير الصحيحة، ولم يتأمَّل في الرواية ليفهم المراد بها، فوقع في هذا الخطأ الفادح.
ولو تنزَّلنا جدَلاً، وقبلنا باللفظ الذي تمسَّكوا به مجاراةً لهم، فإنَّه لا يدلُّ على مبتغاهم، إذ أنَّه ليس صريحاً فيما ذهبوا إليه؛ لأنَّه يحتمل معاني أُخر، ومتى ما ورد الاحتمال بطل الاستدلال.
وممَّا يحتمل في معنى قوله: (من ظهر الحادي عشر) ما ذكره الشيخ المجلسي أعلى الله مقامه، حيث قال: (فالمعنى من ظهر الحادي عشر، و(من ولدي) نعت (مولود)، وربَّما يُقرأ بالتنوين، أي وراءٍ، والمراد أنَّه يولد بعد هذا الدهر، والحادي عشر مبتدأ، خبره المهدي، وفي إكمال الدين وغيره وبعض النسخ: (ظهري)، فلا يحتاج إلى تكلّف)(212).
ولتوضيح ما قاله الشيخ المجلسي قدس سره أقول: إنَّه يحتمل أنَّ في كلام الإمام عليه السلام تقديم وتأخير، أي: إنّي فكَّرت في مولودٍ من ولدي، يكون من ظهر الإمام الحادي عشر _ وهو الإمام العسكري عليه السلام _ وهذا المولود هو الإمام المهدي عليه السلام، ولا تكون كلمة (من ولدي) نعتاً للحادي عشر.
كما يحتمل أن تُقرأ كلمة (ظهرٍ) بالتنوين، فلا تكون مضافة إلى الحادي عشر، فلا يُراد ظهر الحادي عشر، وإنَّما يُراد: فكَّرتُ في مولود من ظهرٍ، أي من بعد هذا الزمان، هو الحادي عشر من ولدي، فإنَّ الحادي عشر خبر لمبتدأ محذوف تقديره: (هو).
وأضيف على ما أفاده شيخنا المجلسي قدس سره احتمالاً ثالثاً، وهو أن يكون المراد هو أنّي فكَّرتُ في مولودٍ يكون من ظهر الإمام الحادي عشر بحسب ترتيب الأئمّة، وهو الإمام العسكري عليه السلام، و(من ولدي) صفة له، أي الإمام الحسن العسكري الذي هو من ولدي، والذي من ظهره (هو المهدي).
يبقى هنا أمران زعم بعض المروِّجين لأحمد إسماعيل أنَّهما قرينتان على أنَّ المراد بالمهدي في الحديث هو أحمد إسماعيل:
الأُولى: أنَّ الرواية ذكرت أنَّ للمهدي عليه السلام غيبة واحدة، في حين أنَّ الإمام الثاني عشر له أكثر من غيبة، فيكون المهدي المقصود بهذا الخبر هو أحمد إسماعيل، لا الإمام الثاني عشر عليه السلام.
والجواب: أنَّ الأئمّة إذا ذكروا الغيبة فالمقصود بها الكبرى؛ لأنَّ الغيبة الأُولى ليست غيبة حقيقية؛ لأنَّه عليه السلام كان يلتقي بالشيعة، وما هي إلَّا مرحلة انتقالية، الغرض منها التمهيد للغيبة الكبرى التي هي غيبة حقيقية.
ثمّ إنَّ هذا التعبير قد ورد في عدَّة روايات لا يختلف اثنان في أنَّ المقصود فيها هو صاحب الأمر عليه السلام.
منها: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره، قال: حدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام أنَّه قال: (التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقّ، المظهر للدين، والباسط للعدل). قال الحسين: (فقلت له: يا أمير المؤمنين، وإنَّ ذلك لكائن؟ فقال عليه السلام: إي والذي بعث محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوَّة، واصطفاه على جميع البريّة، ولكن بعد غيبة وحيرة، فلا يثبت فيها على دينه إلَّا المخلصون المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله عز وجل ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيَّدهم بروح منه)(213).
وروى بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلْقاً وخُلُقاً، تكون به غيبة وحيرة تضلُّ فيها الأُمم، ثمّ يقبل كالشهاب الثاقب، يملؤها عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظلماً)(214).
الثانية: أنَّ الرواية ذكرت أنَّ غيبة الإمام ستّة أيّام، أو ستّة أشهر، أو ستّ سنين، في حين أنَّ غيبة الإمام تجاوزت هذه المدَّة الزمنية بكثير، وهذا يدلُّ على أنَّ المراد في الحديث هو أحمد إسماعيل، لا الإمام المهدي المنتظر عليه السلام!
والجواب: أنَّ طول غيبة الإمام المهدي عليه السلام وقصرها مرتبط بالبداء، فربَّما يكون قد بدا لله في ظهور الإمام عليه السلام، فأخَّره لسبب من الأسباب، وقد وردت عدَّة روايات تؤكِّد أنَّ الخروج كان معيَّناً بوقت مخصوص، لكنَّه قد أُخِّر!
من تلك الروايات ما رواه النعماني بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما لهذا الأمر أمد ينتهي إليه ويريح أبداننا؟ قال: (بلى، ولكنَّكم أذعتم فأخَّره الله)(215).
وروى الشيخ الطوسي قدس سره عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنَّ عليّاً عليه السلام كان يقول: (إلى السبعين بلاء)، وكان يقول: (بعد البلاء رخاء)، وقد مضت السبعون، ولم نرَ رخاءً! فقال أبو جعفر عليه السلام: (يا ثابت، إنَّ الله تعالى كان وقَّتَ هذا الأمر في السبعين، فلمَّا قُتِلَ الحسين عليه السلام اشتدَّ غضب الله على أهل الأرض، فأخَّره إلى أربعين ومائة سنة، فحدَّثناكم، فأذعتم الحديث، وكشفتم قناع السرّ، فأخَّره الله، ولم يجعل له بعد ذلك عندنا وقتاً، (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) [الرعد: 39])(216).
وقد قرَّر الشيخ الطوسي قدس سره هذه الحقيقة، فقال في تعليقه على هذه الروايات: (فالوجه في هذه الأخبار أن نقول _ إن صحَّت _: إنَّه لا يمتنع أن يكون الله تعالى قد وقَّت هذا الأمر في الأوقات التي ذُكِرَت، فلمَّا تجدَّد ما تجدَّد تغيَّرت المصلحة، واقتضت تأخيره إلى وقت آخر، وكذلك فيما بعد، ويكون الوقت الأوّل، وكلّ وقت يجوز أن يؤخَّر مشروطاً بأن لا يتجدَّد ما يقتضي المصلحة تأخيره إلى أن يجيء الوقت الذي لا يغيِّره شيء، فيكون محتوماً)(217).
إذن كلّ ما طرحوه لا يصلح أن يكون دليلاً على معتقدهم، بل إنَّ أصل استدلالهم بالرواية أجنبي عن البحث، والحال أنَّ من يتمسَّك بهذه الرواية لإثبات ثلاثة عشر إماماً هو كالغريق الذي يتمسَّك بقشَّة.
مضافاً إلى أنَّ هذه الرواية ضعيفة السند، فإنَّ في سندها منصور بن السندي، وهو لم يوثَّق في كتب الرجال.
قال المجلسي قدس سره: (الحديث السابع: [فيه] مجهول)(218).
الرواية الثانية: رواها الشيخ الكليني قدس سره: عن أبي علي الأشعري، عن الحسن بن عبيد الله، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن علي بن سماعة، عن علي بن الحسن بن رباط، عن ابن أذينة، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (الاثنا عشر الإمام من آل محمّد كلّهم محدَّث، من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولد علي بن أبي طالب عليه السلام، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام هما الوالدان)(219).
استدلَّ القوم بهذه الرواية لإثبات أنَّهم ثلاثة عشرية، فقالوا: (إنَّ الرواية تدلُّ على أنَّ الأئمّة اثنا عشر من ولد أمير المؤمنين عليه السلام)!
والجواب: أنَّه من الواضح أنَّ هذه الرواية حصل فيها تصحيف في بعض ألفاظها؛ لأنَّ هذه الرواية بنفسها قد نقلها الشيخ المفيد في الإرشاد بنحو آخر، قال: أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن الحسن بن عبيد الله، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن علي بن سماعة، عن علي بن الحسن بن رباط، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (الاثنا عشر الأئمّة من آل محمّد كلّهم محدَّث، علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده، ورسول الله وعلي هما الوالدان صلى الله عليهما)(220).
ورواها الشيخ الصدوق قدس سره أيضاً عن الكليني في الخصال، قال: حدَّثنا محمّد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدَّثنا أبو علي الأشعري، عن الحسين بن عبيد الله، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن علي بن سماعة، عن علي بن الحسن بن رباط، عن أبيه، عن ابن أذينة، عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (اثنا عشر إماماً من آل محمّد عليهم السلام كلّهم محدَّثون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي بن أبي طالب عليه السلام منهم)(221).
كما نقلها الكراجكي، قال: وأخبرني الشيخ المفيد رضي الله عنه، قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن عبد الله بن محمّد، عن الخشّاب، عن الحسن بن سماعة، عن علي بن الحسين بن رباط، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام: (الاثنا عشر الأئمّة من آل محمّد كلهم محدَّث: علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولد رسول الله وعلي صلوات الله عليهما، هما الوالدان)(222).
فكلّ هذه النقولات القريبة العهد من زمان الكليني تثبت أنَّ اللفظ الموجود في النسخة المطبوعة مُصَحَّف من قِبَل النُّسَّاخ، فلا حجَّة في هذه الرواية على مدَّعاهم.
على أنَّه يمكن توجيه الرواية بأنَّ المراد بقوله: (الاثنا عشر الإمام من آل محمّد كلّهم محدَّث، من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولد علي بن أبي طالب عليه السلام)، هو أنَّ أكثرهم أو غالبيتهم من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولد أمير المؤمنين عليه السلام.
قال الشيخ محمّد صالح المازندراني قدس سره: (وقوله: (من ولد رسول الله ومن ولد علي) خبر بعد خبر على الظاهر، وهذا الحكم باعتبار الأكثر، والقرينة علم المخاطب به. وقوله: (ورسول الله وعلي هما الوالدان) وكما أنَّهما والدان للأئمّة صورةً ومعنىً، كذلك هما والدان للأُمَّة معنىً، حيث إنَّهما ولدا العلم، وورثا الحكمة كما مرَّ في باب فيه نكت من التنزيل)(223).
ثمّ إنَّ هذه الرواية مخالفة لما يدَّعيه أحمد إسماعيل وأتباعه؛ لأنَّهم يعتقدون بأربعة وعشرين إماماً، لا بثلاثة عشر إماماً، وهذا ينقض عقيدتهم من رأس؛ لأنَّه لا خصوصية للإمام الثالث عشر لكي يُذكر دون باقي الأئمّة من بعده.
وعليه، فلا ينبغي لأحمد إسماعيل وأتباعه أن يحتجّوا بهذه الرواية وأمثالها إلَّا إذا نفوا وجود اثني عشر مهديّاً بعد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
ولو سلَّمنا بدلالة هذه الرواية على ثلاثة عشر إماماً فإنَّه لا دليل على أنَّ الثالث عشر هو أحمد إسماعيل، فلعلَّه الابن المباشر للإمام المهدي عليه السلام، لا حفيد الحفيد لو سلَّمنا أنَّ أحمد إسماعيل حفيد الحفيد، ولا نسلّم له بذلك.
هذا كلّه مضافاً إلى أنَّ هذه الرواية ضعيفة السند؛ فإنَّ في سند الرواية الحسن بن عبيد الله، وهو مهمل في كتب الرجال، وكذا علي بن سماعة.
الرواية الثالثة: رواها الشيخ الكليني قدس سره في الكافي: بسنده عن أبي سعيد الخدري في حديث طويل، قال: ... ثمّ قال له اليهودي: أخبرني عن هذه الأُمَّة، كم لها من إمام هدى؟ وأخبرني عن نبيّكم محمّد أين منزله في الجنَّة؟ وأخبرني مَنْ معه في الجنَّة؟ قال له أمير المؤمنين عليه السلام: (إنَّ لهذه الأُمَّة اثني عشر إمام هدى من ذرّية نبيّها، وهم منّي، وأمَّا منزل نبيّنا في الجنَّة ففي أفضلها وأشرفها جنَّة عدن، وأمَّا من معه في منزله فيها فهؤلاء الاثنا عشر من ذرّيته، وأُمّهم، وجدَّتهم، وأُمّ أُمّهم، وذراريهم، لا يشركهم فيها أحد)(224).
وهذه الرواية ضعيفة السند، بكلا سنديها.
قال الشيخ المجلسي قدس سره: (سنده الأوّل صحيح، والثاني مجهول عامّي، لكن الظاهر أنَّ في السند الأوّل إرسالاً؛ إذ مسعدة من أصحاب الصادق عليه السلام، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب من أصحاب الجواد والهادي، والعسكري عليهم السلام)(225).
والإشكال إنَّما هو في قول أمير المؤمنين عليه السلام: »إنَّ لهذه الأُمَّة اثني عشر إمام هدى من ذرّية نبيّها، وهم منّي«، لأنَّه إذا كان هناك اثنا عشر إماماً من ذرّية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذرّية أمير المؤمنين عليه السلام، فإنَّ المجموع بضميمة أمير المؤمنين عليه السلام يكونون ثلاثة عشر إماماً، وهذا ما يقوله أحمد إسماعيل وأتباعه.
والجواب: مع أنَّها معارضة برواية أُخرى رواها الكليني قدس سره في نفس الباب باختلاف يسير بسنده عن أبي الطفيل، قال: شهدت جنازة أبي بكر يوم مات، وشهدت عمر حين بويع، وعليٌّ عليه السلام جالس ناحية، فأقبل غلام يهودي جميل الوجه بهيء، عليه ثياب حسان، وهو من ولد هارون، حتَّى قام على رأس عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، أنت أعلم هذه الأُمَّة بكتابهم وأمر نبيّهم؟ قال: فطأطأ عمر رأسه، فقال: إيّاك أعني. وأعاد عليه القول، فقال له عمر: لِمَ ذاك؟ قال: إنّي جئتك مرتاداً لنفسي، شاكّاً في ديني، فقال: دونك هذا الشاب، قال: ومن هذا الشاب؟ قال: هذا علي بن أبي طالب، ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا أبو الحسن والحسين ابني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا زوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فأقبل اليهودي على علي عليه السلام فقال: أكذاك أنت؟ قال: (نعم...)، إلى أن قال: فقال له: أخبرني عن الثلاث الأُخر، أخبرني عن محمّد كم له من إمام عدل؟ وفي أيّ جنَّة يكون؟ ومَنْ ساكنه معه في جنَّته؟ فقال: (يا هاروني، إنَّ لمحمّد اثني عشر إمام عدل، لا يضرّهم خذلان من خذلهم، ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم، وإنَّهم في الدين أرسب من الجبال الرواسي في الأرض، ومسكن محمّد في جنَّته معه أُولئك الاثني عشر الإمام العدل...)(226).
فهذا النصّ واضح في أنَّ أئمّة الحقّ اثنا عشر، لا يزيدون، ولا ينقصون، ولا يوجد في الرواية لفظ: (من ولدي) أو (من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
وقد روى هذه الحادثة: الشيخ الصدوق قدس سره في (كمال الدين)، بسنده عن أبي الطفيل، وفيها: قال: أخبرني عن هذه الأُمَّة، كم لها بعد نبيّها من إمام عدل؟ وأخبرني عن منزل محمّد أين هو من الجنَّة؟ ومن يسكن معه في منزله؟ قال له علي عليه السلام: (يا يهودي، يكون لهذه الأُمَّة بعد نبيّها اثنا عشر إماماً عدلاً، لا يضرّهم خلاف من خالف عليهم). قال له اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت...(227).
وفي رواية أُخرى تحكي نفس الحادثة رواها الشيخ الصدوق قدس سره عن أبي عبد الله عليه السلام، قال فيها: قال: فأخبرني كم لهذه الأُمَّة من إمام هدى، هادين مهديّين، لا يضرّهم خذلان من خذلهم، وأخبرني أين منزل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم من الجنَّة، ومن معه من أُمَّته في الجنَّة؟ قال: (أمَّا قولك: كم لهذه الأُمَّة من إمام هدى، هادين مهديّين، لا يضرّهم خذلان من خذلهم، فإنَّ لهذه الأُمَّة اثنا عشر إماماً هادين مهديّين، لا يضرّهم خذلان من خذلهم، وأمَّا قولك: أين منزل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في الجنَّة، ففي أشرفها وأفضلها: جنَّة عدن، وأمَّا قولك: مَنْ مع محمّد من أُمَّته في الجنَّة، فهؤلاء الاثنا عشر أئمّة الهدى)، قال الفتى: صدقت...(228).
كما رواها النعماني في (الغيبة) عن عمر بن أبي سلمة، وعن أبي الطفيل، وفيها: فقال علي عليه السلام: (سل). فقال: أخبرني كم لهذه الأُمَّة بعد نبيّها من إمام هدى، لا يضرّهم خذلان من خذلهم؟ وأخبرني عن موضع محمّد في الجنَّة أيّ موضع هو؟ وكم مع محمّد في منزلته؟ فقال علي: (يا يهودي، لهذه الأُمَّة اثنا عشر إماماً، مهديّاً، كلّهم هادٍ مهدي، لا يضرّهم خذلان من خذلهم، وموضع محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في أفضل منازل جنَّة عدن، وأقربها من الله، وأشرفها، وأمَّا الذي مع محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في منزلته فالاثنا عشر الأئمّة المهديّين...)(229).
وروى ابن بابويه القمّي نفس الحادثة بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: جاء يهودي إلى عمر، يسأله عن مسائل، فأرشده إلى علي عليه السلام ليسأله، فقال له علي عليه السلام: (سل). قال: أخبرني، كم بعد نبيّكم من إمام عادل؟ وفي أيّ جنَّة هو؟ ومن يسكن معه في جنَّته؟ فقال له علي عليه السلام: (يا هاروني، لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم بعده اثنا عشر إماماً عدلاً، لا يضرّهم خذلان من خذلهم، ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم، أثبتُ في دين الله من الجبال الرواسي)(230).
وروى هذه الحادثة أيضاً أحمد بن عياش الجوهري (ت 401هـ)، في كتابه (مقتضب الأثر)(231) بنحو ما ذكرناه.
ومن كلّ ما نقلناه يتبيَّن أنَّ ما ورد في رواية أبي سعيد الخدري تصرّف من النُّسَّاخ، أو اشتباه من الرواة، وإلَّا لو التزمنا بهذه الرواية التي يحتجّون بها لكان علينا أن نفضّل الأئمّة الباقين ومن ضمنهم أحمد إسماعيل بزعمه، وفاطمة، وخديجة عليهم السلام على أمير المؤمنين عليه السلام! لأنَّ الرواية ذكرت أنَّ الذين هم مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الجنَّة هم هؤلاء فقط، ولم تعد معهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (وأمَّا مَنْ معه في منزله فيها فهؤلاء الاثنا عشر من ذرّيته، وأُمّهم، وجدَّتهم، وأُمّ أُمّهم، وذراريهم، لا يشركهم فيها أحد)، وهذا لا يقول به أحد!
وقد ذكر الشيخ المجلسي قدس سره هذه الرواية، فقال: (قوله عليه السلام: (من ذرّية نبيّها) ظاهره أنَّ جميع الاثني عشر من ذرّية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وهو غير مستقيم، ويمكن تصحيحه على ما خطر بالبال بوجوه...)، ثمّ ذكر وجوهاً، منها: أن يكون قوله: (من ذرّية نبيّنا) على المجاز والتغليب، فإنَّه لمَّا كان أكثرهم من الذرّية، أُطلق على الجميع الذرّية تغليباً.
ومنها: أن يكون (من ذرّية نبيّها) خبر مبتدأ محذوف، أي بقيَّتهم من ذرّية نبيّنا، أو هم من الذرّية بارتكاب استخدام في الضمير، بأن يرجع الضمير إلى الأغلب تجوّزاً، وأكثر تلك الوجوه يجري في قوله: (أُمّهم) يعني فاطمة، وجدَّتهم يعني خديجة، فإنَّه لا بدَّ من ارتكاب بعض التجوّزات المتقدّمة فيها(232).
ثمّ إنَّ هذه الرواية كما قلنا في الرواية السابقة مخالفة أيضاً لما يدَّعيه أحمد إسماعيل وأتباعه؛ لأنَّهم يعتقدون بأربعة وعشرين إماماً، لا بثلاثة عشر إماماً، ولا خصوصيّة لأحمد إسماعيل لكي يُعَدّ ضمن الأئمّة دون الأحد عشر الآخرين، ولو سلَّمنا بأنَّ الأئمّة ثلاثة عشر فإنَّه لا دليل على أنَّ الثالث عشر هو أحمد إسماعيل.
الرواية الرابعة: رواها الشيخ الكليني قدس سره في الكافي: عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر، آخرهم القائم عليه السلام، ثلاثة منهم محمّد، وثلاثة منهم علي)(233).
ومحلّ الشاهد في هذه الرواية قوله: (وبين يديها لوح، فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر)، أي فعددت اثني عشر وصيّاً من ولد فاطمة عليها السلام، والدليل على أنَّه يريد بالاثني عشر أبناء فاطمة عليها السلام أنَّه عدَّ ثلاثة منهم أسماؤهم (علي)، وهم الإمام زين العابدين، والإمام الرضا، والإمام الهادي عليه السلام، فإذا أُضيف إلى الاثني عشر: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، صار مجموع الأئمّة ثلاثة عشر إماماً.
وهذه الرواية المباركة تُعرَف بحديث اللوح، وهي من الأحاديث المشهورة في كتب الحديث، وقد وردت بعدَّة طرق وبعدَّة ألفاظ، لكن نجد أنَّ أحمد إسماعيل وأتباعه تمسَّكوا بهذا اللفظ دون النظر في بقيّة ألفاظ الحديث وطرقه.
فقد روى حديث اللوح بنفس هذا السند الشيخ الصدوق قدس سره في الخصال، وليس في الحديث عبارة: (من ولدها). قال: حدَّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة عليها السلام، وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء، فعددت اثني عشر، أحدهم القائم، ثلاثة منهم محمّد، وثلاثة منهم علي)(234).
وعليه فإنَّ عبارة (من ولدها) إمَّا زيادة من النُّسَّاخ وتصرّف منهم بحسب ما توهَّمه بعضهم، وليست من أصل الحديث!
أو أنَّ المراد هو: (فيه أسماء الأوصياء من ولدها) وهم الأحد عشر إماماً، بالإضافة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فيكون المجموع اثني عشر إماماً، ولهذا قال: (فعددت اثني عشر)، أي الأحد عشر الذين هم من ولد فاطمة عليها السلام، وأمير المؤمنين عليه السلام. (آخرهم القائم عليه السلام) أي آخر هؤلاء الاثني عشر القائم المنتظر عليه السلام، (ثلاثة منهم) أي من ولد فاطمة عليها السلام أسماؤهم: (محمّد، وثلاثة منهم علي)، وعليه فلا يدلُّ هذا الحديث على وجود ثلاثة عشر إماماً، اثنا عشر منهم من ولد فاطمة عليها السلام.
علماً أنَّ حديث اللوح قد رُوي مفصَّلاً بتمامه، ومبيَّناً بما يزيل اللبس الموجود في العبارة الواردة في الحديث السابق؛ لأنَّه قد ذُكِرَ فيه نصُّ ما كُتِبَ في هذا اللوح المبارك:
فقد روى الشيخ الكليني قدس سره في الكافي: عن محمّد بن يحيى ومحمّد بن عبد الله، عن عبد الله بن جعفر، عن الحسن بن ظريف وعلي بن محمّد، عن صالح بن أبي حماد، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري: إنَّ لي إليك حاجة، فمتى يخفُّ عليك أن أخلو بك، فأسألك عنها؟ فقال له جابر: أيّ الأوقات أحببتَه. فخلا به في بعض الأيّام، فقال له: يا جابر، أخبرني عن اللوح الذي رأيتَه في يد أُمّي فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما أخبرتْكَ به أُمّي أنَّه في ذلك اللوح مكتوب؟ فقال جابر: أشهد بالله أنّي دخلت على أُمّك فاطمة عليها السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهنَّيتُها بولادة الحسين، ورأيتُ في يديها لوحاً أخضر، ظننتُ أنَّه من زمرّد، ورأيتُ فيه كتاباً أبيض، شبه لون الشمس، فقلت لها: بأبي وأُمّي يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا لوح أهداه الله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيه اسم أبي واسم بَعْلي، واسم ابنيَّ، واسم الأوصياء من ولدي، وأعطانيه أبي ليبشّرني بذلك. قال جابر: فأعطتْنيه أُمّك فاطمة عليها السلام، فقرأته واستنسخته، فقال له أبي: فهل لك يا جابر أن تعرضه عليَّ؟ قال: نعم، بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله العزيز الحكيم، لمحمّد نبيّه، ونوره، وسفيره، وحجابه، ودليله، نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين، عظِّم يا محمّد أسمائي، واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، إنّي أنا الله، لا إله إلَّا أنا، قاصم الجبّارين، ومديل المظلومين، وديّان الدين، إنّي أنا الله لا إله إلَّا أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي، عذَّبتُه عذاباً لا أُعذِّبه أحداً من العالمين، فإيّاي فاعبد، وعليَّ فتوكَّل، إنّي لم أبعث نبيَّاً فأكملت أيّامه، وانقضت مُدَّته، إلَّا جعلت له وصيَّاً، وإنّي فضَّلتك على الأنبياء، وفضَّلت وصيَّك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك وسبطيك: حسن وحسين، فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدَّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد، وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامّة معه، وحجَّتي البالغة عنده، بعترته أُثيب وأُعاقب، أوّلهم: عليٌّ سيّد العابدين، وزين أوليائي الماضين، وابنه شبه جدِّه المحمود: محمّد الباقر علمي، والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر، الرادّ عليه كالرادّ عليَّ، حقَّ القول منّي لأكرمنَّ مثوى جعفر، ولأُسِرَّنَّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، أتيحت بعده موسى فتنة عمياء حندس؛ لأنَّ خيط فرضي لا ينقطع، وحجَّتي لا تخفى، وإنَّ أوليائي يُسقَون بالكأس الأوفى، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غيَّرَ آية من كتابي فقد افترى عليَّ، ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدَّة موسى عبدي، وحبيبي، وخيرتي في عليٍّ وليّي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوَّة، وأمتحنه بالاضطلاع بها، يقتله عفريت مستكبر، يُدفَن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شرِّ خلقي، حقَّ القول منّي لأُسِرَّنَّه بمحمّد ابنه، وخليفته من بعده، ووارث علمه، فهو معدن علمي، وموضع سرِّي، وحجَّتي على خلقي، لا يؤمن عبد به إلَّا جعلت الجنَّة مثواه، وشفَّعته في سبعين من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا النار، وأختم بالسعادة لابنه عليٍّ وليّي، وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، أخرج منه الداعي إلى سبيلي، والخازن لعلمي: الحسن، وأكمل ذلك بابنه (م ح م د) رحمةً للعالمين، عليه كمال موسى، وبهاء عيسى، وصبر أيّوب، فيذلُّ أوليائي في زمانه، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم، فيُقتلون، ويُحرقون، ويكونون خائفين، مرعوبين، وَجِلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشو الويل والزنا في نسائهم، أُولئك أوليائي حقَّاً، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأدفع الآصار والأغلال، أُولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة، وأُولئك هم المهتدون)(235).
وهذه الرواية تقطع دابر كلّ من استشهد بحديث اللوح ليدَّعي وجود أكثر من اثني عشر إماماً، والعجيب أنَّ الزيدي قال: (إنَّ حديث اللوح من الأسرار التي لا يمكن البوح بها، بل هي من الأسرار التي صرَّح بها أهل البيت عليهم السلام بكفر من صرَّح باسم القائم عليه السلام!)(236).
فلا ندري هل كفر جابر بتصريحه بأسماء الأئمّة عليهم السلام؟
أو أنَّه كفر لأنَّه لم يذكر أحمد إسماعيل مع هذه الأسماء المقدَّسة؟
الرواية الخامسة: ما رواه الكليني قدس سره: عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن الحسين، عن أبي سعيد العصفوري، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجاورد، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّي واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زرّ الأرض يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها، ولم يُنظَروا)(237).
وهذه الرواية رواها الكليني قدس سره عن أبي سعيد العصفري، وإذا رجعنا إلى مصدرها الأساس، وهو أصل أبي سعيد العصفري، نجد أنَّه رواها بلفظ آخر، هو: عبّاد عن عمرو، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّي وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي زرّ الأرض، أعني أوتادها جبالها). وقال: (وتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الأحد عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها، ولم يُنظَروا)(238).
وقد رواها الشيخ الطوسي في (الغيبة) بنفس هذا اللفظ: عن محمّد بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن أبي سعيد العصفري، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّي وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي زرّ الأرض _ أعني أوتادها وجبالها _، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها، ولم يُنظَروا)(239).
إذن، يحتمل أنَّ هذه الرواية قد حصل فيها تصحيف، والصحيح هو: (إنّي وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي)، وليس اثني عشر من ولدي كما ورد في النسخة المطبوعة من الكافي.
ويحتمل أنَّ مراده صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (من ولدي) الأعمّ من الأئمّة أو الأوصياء، فيشمل السيّدة الزهراء عليها السلام؛ لأنَّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل: (اثنا عشر إماماً من ولدي)، فيكون مفاد الرواية أنَّه لولا المعصومون الأربعة عشر لساخت الأرض بأهلها.
الرواية السادسة: رواها الكليني قدس سره بسنده: عن أبي سعيد رفعه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من ولدي اثنا عشر نقيباً، نجباء، محدَّثون، مفهَّمون، آخرهم القائم بالحقّ، يملؤها عدلاً كما مُلئت جوراً)(240).
وهذه الرواية نقلها الكليني قدس سره من كتاب أبي عبّاد العصفري، وعلَّقها على الإسناد السابق لأصل العصفري، ولو رجعنا إلى المصدر الأصلي للرواية لوجدنا اختلافاً فيها.
فقد روى العصفري: رفعه إلى أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من ولدي أحد عشر نقيباً، نجيباً، محدَّثون، مفهَّمون، آخرهم القائم بالحقّ، يملأها عدلاً كما مُلئت جوراً)(241).
وهذا كاشف على أنَّ الموجود في نسخة الكافي إمَّا محمول على ما قلناه سابقاً من التغليب، أو تصحيف من النُّسَّاخ، أو نقل بالمعنى، وتصرّف في ألفاظ الحديث؛ إذ أنَّ أبا الصلاح الحلبي رواه أيضاً بلفظ ثالث، فقال: وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أهل بيتي اثنا عشر نقيباً، نجباء، محدَّثون، مفهَّمون، وآخرهم القائم بالحقّ، يملؤها عدلاً كما مُلئت جوراً)(242).
وعليه، فإنَّ بعض الرواة أبدل قوله: (من أهل بيتي اثنا عشر نقيباً) بقوله: (من ولدي اثنا عشر نقيباً) ظنَّاً منه أنَّهما بنفس المعنى.
ثمّ إنَّه من المعلوم أنَّ النقباء في الأُمم السابقة اثنا عشر، واستعمال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هذا اللفظ إنَّما هو من باب التشبيه، أي إنَّ هذه الأُمَّة لها ما للأُمم السابقة، فإمَّا أن يقول القوم: (إنَّ النقباء ثلاثة عشر)، فيكون التشبيه غير صحيح، أو أن يُخرجوا أمير المؤمنين عليه السلام عن هذا الوصف، فيكون أتباع أحمد إسماعيل قد أخرجوا أمير المؤمنين عليه السلام من جملة النقباء، وأدخلوا فيهم صاحبهم!
الرواية السابعة: رواها القمّي في (كفاية الأثر): عن أبي المفضَّل محمّد بن عبد الله رحمه الله، قال: حدَّثنا رجا بن يحيى أبو الحسين المعرباني الكاتب، قال: حدَّثني محمّد بن جلّاد بسُرَّ من رأى أبو بكر الباهلي، قال: حدَّثنا معاد بن معاد، قال: حدَّثنا ابن عون، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حواري عيسى، فقال: (كانوا مِن صفوته وخيرته، وكانوا اثني عشر مجرَّدين، مكنسين في نصرة الله ورسوله، لا رهو فيهم، ولا ضعف، ولا شكّ، كانوا ينصرونه على بصيرة، ونفاد، وجد، وعنا). قلت: فمن حواريّك يا رسول الله؟ فقال: (الأئمّة بعدي اثنا عشر، من صلب علي وفاطمة، هم حواري وأنصار ديني، عليهم من الله التحيّة والسلام)(243).
وهذه الرواية تثبت اثني عشر إماماً من صلب علي وفاطمة عليهما السلام، فإذا ضممنا إليهم أمير المؤمنين عليه السلام صار المجموع ثلاثة عشر.
وهذا التعبير الوارد في الرواية إمَّا محمول على ما قلناه سابقاً من التغليب، أي إنَّ أكثرهم من صلب علي وفاطمة عليها السلام، أو أنَّه اشتباه من الرواة؛ إذ كيف يعقل أن يكون حواريو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر من ولد علي وفاطمة عليهما السلام من دون أمير المؤمنين عليه السلام مع إجماع المسلمين على أنَّه عليه السلام أفضل منهم؟!
فهذه الرواية تنفي إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، وتخرجه عن أن يكون من ضمن أالاثني عشر، في حين أنَّ الروايات المتواترة عند الشيعة نصَّت على أنَّه أوَّلهم، بل أفضلهم.
وإنّي لأعجب كثيراً من الذين يتمسَّكون بهذه الروايات، ويحاولون إثبات مزاعم صاحبهم ولو بالتجرّؤ على الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام، ونفي مقاماته.
هذا مضافاً إلى أنَّ سند هذه الرواية ضعيف جدَّاً؛ لأنَّ أكثر رواتها لم يثبت توثيقهم في كتب الرجال، وبعضهم ثبت ضعفهم، فكيف يعتمد على روايةٍ مثل هذه في إثبات عقيدة مهمّة؟!
الرواية الثامنة: رواها القمّي أيضاً في (كفاية الأثر) عن: محمّد بن وهبان البصري، قال: حدَّثني داود بن الهيثم بن إسحاق النحوي، قال: حدَّثني جدّي إسحاق بن البهلول بن حسّان، قال: حدَّثني طلحة بن زيد الرقّي، عن الزبير بن عطا، عن عمير بن هاني العيسى، عن جنادة بن أبي أُميّة، قال: دخلت على الحسن بن علي عليهما السلام في مرضه الذي توفّي فيه، وبين يديه طشت، يقذف فيه الدم، ويُخرج كبده قطعة قطعة من السُّمِّ الذي أسقاه معاوية لعنه الله، فقلت: يا مولاي، ما لك لا تعالج نفسك؟ فقال: (يا عبد الله، بماذا أُعالج الموت؟)، قلت: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. ثمّ التفت إليَّ، وقال: (والله إنَّه لعهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنَّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام، ما منَّا إلَّا مسموم أو مقتول)(244).
هذه الرواية أيضاً كسابقاتها، في أنَّها محمولة على التغليب، ولا نعلم كيف استدلَّ بها هؤلاء القوم؛ إذ أنَّ لازم ذلك أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام ليس بإمام، وأنَّ عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم خاصّ بالاثني عشر من أولاد فاطمة وعلي عليهم السلام فقط، ولا يشمل أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا لا يقوله شيعي قطّ!
ثمّ إنَّ هذه الرواية كسابقاتها معارضة لعقيدة القوم في المهديّين أيضاً، إذ أنَّ الحكم للاثني عشر فقط، دون المهديّين الأحد عشر الباقين!
وربَّما يكون هذا الخبر قد نُقِلَ بالمعنى، أو حصل فيه وهم من أحد الرواة سيّئ الحفظ، خصوصاً أنَّ سنده اشتمل على جملة من المجاهيل الذين لا ذكر لهم في كتب الرجال.
أضف إلى هذا أنَّ هذا المضمون روي عن الإمام الحسن عليه السلام بلفظ مغاير للفظ السابق كما رواه القمّي أيضاً في كتاب (كفاية الأثر)، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمّد بن سعيد الخزاعي، قال: حدَّثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدَّثنا محمّد بن زكريا الغلا، قال: حدَّثنا عتبة بن الضحّاك، عن هشام بن محمّد، عن أبيه، قال: لمَّا قُتِلَ أمير المؤمنين عليه السلام رقى الحسن بن علي عليهما السلام، فأراد الكلام فخنقته العبرة، فقعد ساعة، ثمّ قام، فكان ممَّا قال: (الحمد لله الذي كان في أوَّليَّته وحدانيَّاً، وفي أزليَّته متعظِّماً بالإلهية، متكبِّراً بكبريائه وجبروته، [خلق جميع] ما خلق على غير مثال كان سبق ممَّا خلق، ربّنا اللطيف بلطف ربوبيته، ويعلم خيره فتق، وبأحكام قدرته خلق جميع ما خلق، ولا زوال لملكه ولا انقطاع لمدَّته، فوق كلّ شيء علا، ومن كلّ شيء دنا، فتجلّى لخلقه من غير أن يكون يُرى وهو بالمنظر الأعلى، احتجب بنوره، وسما في علوّه، واستتر عن خلقه، وبعث إليهم شهيداً عليهم، وأبعث فيهم النبيّين مبشِّرين ومنذرين؛ ليهلك من هلك عن بيِّنة، ويحيى من حيّ عن بيِّنة، وليعقل العباد عن ربّهم ما جهلوه، فيعرفوه بربوبيته بعد ما أنكروه، والحمد لله الذي أحسن الخلافة علينا أهل البيت، وعند الله نحتسب عزاءنا في خير الآباء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعند الله نحتسب عزاءنا في أمير المؤمنين، وقد أصبت به الشرق والغرب، والله ما خلَّف درهماً ولا ديناراً إلَّا الأربعمائة درهم، أراد أن يبتاع لأهله خادماً، ولقد حدَّثني جدِّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته، ما منَّا إلَّا مقتول أو مسموم)(245).
الرواية التاسعة: رواها سليم بن قيس في كتابه أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: (... أَلَا وإنَّ الله نظر إلى أهل الأرض نظرة، فاختار منهم رجلين: أحدهما أنا، فبعثني رسولاً ونبيَّاً، والآخر علي بن أبي طالب، وأوحى إليَّ أن أتَّخذه أخاً، وخليلاً، ووزيراً، ووصيَّاً، وخليفةً. أَلَا وإنَّه وليُّ كلّ مؤمن بعدي، من والاه والاه الله، ومن عاداه عاداه الله، لا يحبّه إلَّا مؤمن، ولا يبغضه إلَّا كافر، هو زرّ الأرض بعدي وسكنها، وهو كلمة الله التقوى، وعروته الوثقى، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون. أَلَا وإنَّ الله نظر نظرة ثانية، فاختار بعدنا اثني عشر وصيَّاً من أهل بيتي، فجعلهم خيار أُمَّتي واحداً بعد واحد، مثل النجوم في السماء، كلَّما غاب نجم طلع نجم، هم أئمّة، هداة مهتدون، لا يضرّهم كيد من كادهم، ولا خذلان من خذلهم، هم حجج الله في أرضه، وشهدائه على خلقه، وخزّان علمه، وتراجمة وحيه، ومعادن حكمته، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله، هم مع القرآن، والقرآن معهم، لا يفارقونه حتَّى يردوا عليَّ الحوض)(246).
والجواب على ذلك: أنَّ المراد بقوله: (فاختار بعدنا اثني عشر وصيَّاً من أهل بيتي) هو أنَّ الله سبحانه وتعالى اختار أوّلاً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واختار معه أمير المؤمنين عليه السلام أخاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخليلاً، ووزيراً، وخليفةً، وهذا يقتضي أن يكون مضافاً لذلك وصيَّاً أيضاً، ثمّ اختار الأوصياء بعد النبيّ فجعلهم اثني عشر، من جملتهم أمير المؤمنين عليه السلام، لا أنَّ الله اختار بعد أمير المؤمنين عليه السلام اثني عشر وصيَّاً كما توهَّمه هؤلاء.

وعليه، فهذه الرواية لا تدلُّ على ثلاثة عشر إماماً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ويدلُّ على أنَّ ما قلناه هو المراد أنَّ هذا المضمون قد روي في نفس الكتاب لكن بلفظ آخر فيه أنَّ الأئمّة اثنا عشر لا أكثر.
فقد روى سليم عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنَّه قال: (... ثمّ مررت بالصهاكي يوماً فقال لي: ما مثل محمّد إلَّا كمثل نخلة نبتت في كناسة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت له ذلك، فغضب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وخرج مغضباً، فأتى المنبر، وفزعت الأنصار، فجاءت شاكّة في السلاح لما رأت من غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ما بال أقوام يعيِّرونني بقرابتي، وقد سمعوا منّي ما قلت في فضلهم، وتفضيل الله إيّاهم، وما اختصّهم الله به من إذهاب الرجس عنهم، وتطهير الله إيّاهم، وقد سمعتم ما قلت في أفضل أهل بيتي وخيرهم ممَّا خصَّه الله به، وأكرمه، وفضله، مِن سبقه في الإسلام، وبلاؤه فيه، وقرابته منّي، وأنَّه بمنزلة هارون من موسى، ثمّ تزعمون أنَّ مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة؟ أَلَا إنَّ الله خلق خلقه ففرَّقهم فرقتين، فجعلني في خير الفريقين، ثمّ فرَّق الفرقة ثلاث فِرَق، شعوباً وقبائل وبيوتاً، وجعلني في خيرها شعباً وخيرها قبيلةً، ثمّ جعلهم بيوتاً، فجعلني في خيرها بيتاً، فذلك قوله: (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: 33]، فحصلت في أهل بيتي وعترتي، وأنا وأخي علي بن أبي طالب، أَلَا وإنَّ الله نظر إلى أهل الأرض نظرة، فاختارني منهم، ثمّ نظر نظرة، فاختار أخي عليَّاً، ووزيري، ووصيّي، وخليفتي في أُمَّتي، ووليّ كلّ مؤمن بعدي، فبعثني رسولاً، ونبيَّاً، ودليلاً، فأوحى إليَّ أن أتَّخذ عليَّاً أخاً، ووليَّاً، ووصيَّاً، وخليفةً في أُمَّتي بعدي، أَلَا وإنَّه وليُّ كلّ مؤمن بعدي، من والاه والاه الله، ومن عاداه عاداه الله، ومن أحبَّه أحبَّه الله، ومن أبغضه أبغضه الله، لا يحبّه إلَّا مؤمن، ولا يبغضه إلَّا كافر، ربّ الأرض بعدي، وسكنها، وهو كلمة الله التقوى، وعروة الله الوثقى، أتريدون أن تطفئوا نور الله بأفواهكم، والله متمّ نوره ولو كره المشركون؟ ويريد أعداء الله أن يطفئوا نور أخي، ويأبى الله إلَّا أن يتمَّ نوره. يا أيّها الناس، ليبلِّغ مقالتي شاهدكم غائبكم، اللّهمّ اشهد عليهم، يا أيّها الناس، إنَّ الله نظر نظرة ثالثة، فاختار منهم بعدي اثني عشر وصيَّاً من أهل بيتي، وهم خيار أُمَّتي، منهم أحد عشر إماماً بعد أخي، واحداً بعد واحد، كلَّما هلك واحد قام واحد منهم، مثلهم كمثل النجوم في السماء، كلَّما غاب نجم طلع نجم؛ لأنَّهم أئمّة هداة مهتدون، لا يضرّهم كيد من كادهم، ولا خذلان من خذلهم، بل يُضِرُّ الله بذلك من كادهم وخذلهم، فهم حجَّة الله في أرضه، وشهداؤه على خلقه، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله، هم مع القرآن، والقرآن معهم، لا يفارقونه، ولا يفارقهم حتَّى يردوا عليَّ، أوّل الأئمّة أخي علي خيرهم، ثمّ ابني الحسن، ثمّ ابني الحسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين، وأُمّهم ابنتي فاطمة، صلوات الله عليهم)(247).
وروى أيضاً عن سلمان أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام: كنت جالساً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي قُبِضَ فيه، فدخلت فاطمة عليها السلام، فلمَّا رأت ما برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الضعف خنقتها العبرة حتَّى جرت دموعها على خدّيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا بنيَّة، ما يُبكيكِ؟)، قالت: (يا رسول الله، أخشى على نفسي وولدي الضيعة من بعدك)، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم _ واغرورقت عيناه بالدموع _: (يا فاطمة، أَوَما علمتِ أنَّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وأنَّه حتم الفناء على جميع خلقه، وأنَّ الله تبارك وتعالى اطَّلع إلى الأرض اطّلاعة، فاختارني منهم فجعلني نبيَّاً، ثمّ اطَّلع إلى الأرض ثانية فاختار بعلك، وأمرني أن أُزوِّجك إيّاه، وأن أتَّخذه أخاً، ووزيراً، ووصيَّاً، وأن أجعله خليفتي في أُمَّتي، فأبوكِ خير أنبياء الله ورسله، وبعلكِ خير الأوصياء والوزراء، وأنتِ أوّل من يلحقني من أهلي، ثمّ اطَّلع إلى الأرض اطّلاعة ثالثة، فاختاركِ، وأحد عشر رجلاً من ولدكِ وولد أخي بعلكِ منكِ، فأنتِ سيّدة نساء أهل الجنَّة، وابناكِ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنَّة، وأنا وأخي والأحد عشر إماماً أوصيائي إلى يوم القيامة، كلّهم هادون مهديّون، أوّل الأوصياء بعد أخي: الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين، في منزل واحد في الجنَّة، وليس منزل أقرب إلى الله من منزلي، ثمّ منزل إبراهيم وآل إبراهيم)(248).
فهذه الروايات فصَّلت الاختيار، وبيَّنت ما أُبهم في الرواية الأُولى التي احتجَّ بها القوم.
أضف إلى هذا أنَّ كتاب سليم من أقدم المصادر الشيعية التي ذكرت الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام، وحصرت الوصاية فيهم.
فقد قال سليم: أقبلنا من صفّين مع أمير المؤمنين عليه السلام، فنزل العسكر قريباً من دير نصراني، فخرج إلينا من الدير شيخ كبير جميل، حسن الوجه، حسن الهيئة والسمت، ومعه كتاب في يده، حتَّى أتى أمير المؤمنين عليه السلام، فسلَّم عليه بالخلافة، فقال له علي عليه السلام: (مرحباً يا أخي شمعون بن حمّون، كيف حالك رحمك الله؟)، فقال: بخير يا أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، ووصيّ رسول ربّ العالمين، إنّي من نسل رجل من حواري أخيك عيسى بن مريم عليه السلام، وأنا من نسل شمعون بن يوحَّنا وصيّ عيسى بن مريم، وكان من أفضل حواري عيسى بن مريم عليه السلام الاثني عشر، وأحبّهم إليه، وآثرهم عنده، وإليه أوصى عيسى بن مريم عليه السلام، وإليه دفع كتبه وعلمه وحكمته، فلم يزل أهل بيته على دينه متمسّكين بملَّته، فلم يكفروا، ولم يبدِّلوا، ولم يغيّروا وتلك الكتب عندي إملاء عيسى بن مريم وخطّ أبينا بيده، وفيها كلّ شيء يفعل الناس من بعده ملك ملك، وكم يملك، وما يكون في زمان كلّ ملك منهم، حتَّى يبعث الله رجلاً من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن من أرض تُدعى: (تهامة) من قرية يقال لها: (مكّة)، يقال له: (أحمد)، الأنجل العينين، المقرون الحاجبين، صاحب الناقة والحمار والقضيب والتاج _ يعني العمامة _، له اثنا عشر اسماً. ثمّ ذكر مبعثه، ومولده، وهجرته، ومن يقاتله، ومن ينصره، ومن يعاديه، وكم يعيش، وما تلقى أُمَّته من بعده من الفرقة والاختلاف، وفيه تسمية كلّ إمام هدى وإمام ضلالة إلى أن ينزل الله عيسى بن مريم من السماء، فذكر في الكتاب ثلاثة عشر رجلاً من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، هم خير من خلق الله، وأحبّ من خلق الله إلى الله، وإنَّ الله وليّ من والاهم، وعدوّ من عاداهم، من أطاعهم اهتدى، ومن عصاهم ضلَّ، طاعتهم لله طاعة، ومعصيتهم لله معصية، مكتوبة فيه أسماؤهم، وأنسابهم، ونعتهم، وكم يعيش كلّ رجل منهم واحداً بعد واحد، وكم رجل منهم يستسر بدينه، ويكتمه من قومه، ومن يظهر منهم، ومن يملك وينقاد له الناس، حتَّى ينزل الله عيسى بن مريم عليه السلام على آخرهم، فيصلّي عيسى خلفه، ويقول: (إنَّكم أئمّة، لا ينبغي لأحد أن يتقدَّمكم)، فيتقدَّم، فيصلّي بالناس وعيسى خلفه في الصفّ الأوّل، أوَّلهم أفضلهم، وآخرهم له مثل أُجورهم وأُجور من أطاعهم واهتدى بهداهم.
نصُّ ما في كتب عيسى عليه السلام: (بسم الله الرحمن الرحيم، أحمد رسول الله، واسمه محمّد، وياسين، وطه، ون، والفاتح، والخاتم، والحاشر، والعاقب، والماحي، وهو نبيّ الله، وخليل الله، وحبيب الله، وصفيه، وأمينه، وخيرته، يرى تقلّبه في الساجدين _ يعني في أصلاب النبيِّين _، ويكلّمه برحمته، فيذكر إذا ذكر، وهو أكرم خلق الله على الله، وأحبّهم إلى الله، لم يخلق الله خلقاً _ ملكاً مقرَّباً، ولا نبيَّاً مرسلاً، من آدم فمن سواه _ خيراً عند الله ولا أحبُّ إلى الله منه، يُقعده الله يوم القيامة على عرشه، ويشفِّعه في كلّ من شفّع فيه، وباسمه جرى القلم في اللوح المحفوظ في أُمِّ الكتاب وبذكره، محمّد رسول الله، ثمّ أخوه صاحب اللواء يوم القيامة يوم الحشر الأكبر، وأخوه، ووصيّه، ووزيره، وخليفته في أُمَّته، وأحبّ خلق الله إلى الله بعده علي بن أبي طالب، وليّ كلّ مؤمن بعده، ثمّ أحد عشر إماماً من ولد أوّل الاثني عشر، اثنان سَمِيَّا ابني هارون: شبَّر وشبير، وتسعة من ولد أصغرهما وهو الحسين، واحداً بعد واحد، آخرهم الذي يصلّي عيسى بن مريم خلفه)(249).
وروى أيضاً عن عبد الله بن جعفر: قال: يا معاوية، إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول _ وهو على المنبر وأنا بين يديه، وعمر بن أبي سَلَمة، وأُسامة بن زيد، وسعد بن أبي وقّاص، وسلمان الفارسي، وأبو ذر، والمقداد، والزبير بن العوّام _ وهو يقول: (ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟)، فقلنا: بلى، يا رسول الله. قال: (أليس أزواجي أُمَّهاتكم؟)، قلنا: بلى، يا رسول الله. قال: (من كنت مولاه فعليٌّ مولاه _ وضرب بيديه على منكب علي عليه السلام _، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، أيّها الناس، أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ليس لهم معي أمر، وعلي من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ليس لهم معه أمر، ثمّ ابني الحسن من بعد أبيه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر، ثمّ ابني الحسين من بعد أخيه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر).
ثمّ عاد صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (أيّها الناس، إذا أنا استُشهدت فعلي أولى بكم من أنفسكم، فإذا استُشهد علي فابني الحسن أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، فإذا استُشهد ابني الحسن فابني الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، فإذا استشهد ابني الحسين فابني علي بن الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، ليس لهم معه أمر).
ثمّ أقبل على علي عليه السلام فقال: (يا علي، إنَّك ستدركه، فاقرأه عنّي السلام، فإذا استُشهد فابنه محمّد أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، وستدركه أنت يا حسين، فاقرأه منّي السلام، ثمّ يكون في عقب محمّد رجال واحد بعد واحد، وليس لهم معهم أمر). ثمّ أعادها ثلاثاً، ثمّ قال: (وليس منهم أحد إلَّا وهو أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس معه أمر، كلّهم هادون مهتدون تسعة من ولد الحسين)(250).
وروى سليم رواية طويلة ورد فيها: فقام أبو بكر وعمر، فقالا: يا رسول الله، هذه الآيات خاصَّة في علي؟ قال: (بلى، فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة). قالا: يا رسول الله، بيِّنهم لنا. قال: (علي أخي، ووزيري، ووارثي، ووصيِّي، وخليفتي في أُمَّتي، ووليّ كلّ مؤمن بعدي، ثمّ ابني الحسن، ثمّ ابني الحسين، ثمّ تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد، القرآن معهم، وهم مع القرآن، لا يفارقونه، ولا يفارقهم حتَّى يردوا عليَّ حوضي)(251).
ومن الروايات المهمّة التي رواها سليم بن قيس ما أوصى به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قبيل وفاته، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال: (ثمّ دعا بصحيفة، فأملى عليَّ ما أراد أن يكتب في الكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان، وأبا ذر، والمقداد، وسمَّى من يكون من أئمّة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة، فسمَّاني أوَّلهم، ثمّ ابني هذا _ وأدنى بيده إلى الحسن _، ثمّ الحسين، ثمّ تسعة من ولد ابني هذا _ يعني الحسين _)(252).
وهذه الرواية رواها النعماني في الغيبة، والطبرسي في الاحتجاج، وابن عقدة في فضائل أمير المؤمنين(253).
ولاحظ يا أخي القارئ قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: (الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة)، فإنَّه يدلُّ على أنَّنأ الأئمّة الذين تجب طاعتهم إلى يوم القيامة هم هؤلاء الاثنا عشر المذكورون في الرواية فقط دون غيرهم.
الرواية العاشرة: رواها القمّي في كفاية الأثر، فقال: عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال: (يا رسول الله، فهل بينهم أنبياء وأوصياء أُخر؟)، قال: (نعم أكثر من أن تحصى). ثمّ قال عليه السلام: (... وأنا أدفعها إليك يا علي، وأنت تدفعها إلى ابنك الحسن، والحسن يدفعها إلى أخيه الحسين، والحسين يدفعها إلى ابنه علي، وعلي يدفعها إلى ابنه محمّد، ومحمّد يدفعها إلى ابنه جعفر، وجعفر يدفعها إلى ابنه موسى، وموسى يدفعها إلى ابنه علي، وعلي يدفعها إلى ابنه محمّد، ومحمّد يدفعها إلى ابنه علي، وعلي يدفعها إلى ابنه الحسن، والحسن يدفع إلى ابنه القائم، ثمّ يغيب عنهم إمامهم ما شاء الله، ويكون له غيبتان: إحداهما أطول من الأُخرى. ثمّ التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رافعاً صوته: الحذر إذا فُقِدَ الخامس من ولد السابع من ولدي)(254).
فإنَّ السابع من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الإمام الرضا عليه السلام الذي هو ثامن الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام، والرابع من ولده هو الإمام المهدي المنتظر محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام، والخامس من ولده هو الإمام الثالث عشر.
والجواب: أنَّ قوله: (من ولدي) صفة للسابع، أي الإمام السابع الذي هو من ولدي، وهو الإمام الكاظم عليه السلام، وعليه فإنَّ الخامس من ولد السابع هو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، والكلام الذي سيأتي بعد ذلك في الحديث يدلُّ على هذا.
والعجب كلّ العجب ممَّن يستدلّ بهذه الرواية على إمامة أحمد إسماعيل، مع أنَّ بقيّة الرواية واضحة الدلالة على أنَّ المراد بالخامس من ولد السابع هو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، ولو قرأ هذه الرواية من يستدلُّ بها على إمام ثالث عشر، لعلم أنَّه لا يمكن أن يحتجَّ بها شيعي عنده بعض الاطّلاع، فقد ورد فيها قوله: (حتَّى يأذن الله له بالخروج، فيخرج من اليمن من قرية يقال لها: كرعة، على رأسه عمامة، متدرِّع بدرعي، متقلِّد بسيفي ذي الفقار، ومنادي ينادي: هذا المهدي خليفة الله فاتَّبعوه، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، وذلك عندما يصير الدنيا هرجاً ومرجاً، ويغار بعضهم على بعض، فلا الكبير يرحم الصغير، ولا القوي يرحم الضعيف، فحينئذٍ يأذن الله له بالخروج!).
فهل أحمد إسماعيل هو الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً؟ وهل سيكون خروجه من كرعة في اليمن؟
علماً أنَّ هذا الوصف وهو الخامس من ولد السابع قد أُطلق على الإمام صاحب الأمر عليه السلام في أكثر من رواية، فلا وجه للاشتباه في حمله على أحمد إسماعيل أو غيره، فقد روى الكليني قدس سره في الكافي بسنده عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام، قال: (إذا فُقِدَ الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم، لا يزيلكم عنها أحد، يا بني إنَّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتَّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنَّما هو محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه، لو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحُّ من هذا لاتَّبعوه). قال: فقلت: يا سيّدي، من الخامس من ولد السابع؟ فقال: (يا بني! عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه)(255).
وروى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن صفوان بن مهران، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام أنَّه قال: (من أقرَّ بجميع الأئمّة وجحد المهدي، كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء وجحد محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم نبوَّته). فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن المهدي من ولدك؟ قال: (الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه، ولا يحلُّ لكم تسميته)(256).
إذن ما فهمه المروِّجون لأحمد إسماعيل من هذه الرواية ناتج عن قلَّة اطّلاعهم على أخبار أهل البيت عليهم السلام، وعدم فهمهم لها، وتحميلهم ألفاظ الأحاديث ما لا تدلُّ عليه.
الرواية الحادية عشر: رواها صاحب (المجدي في أنساب الطالبيين): قال الأصبغ بن نباتة: سألت عليَّاً أمير المؤمنين عليه السلام عن المنتظر من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (هو العاشر من ولد الثاني، يملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جوراً، يكون له غيبة طويلة تطول على المنتظرين). قلت: فندركه؟ قال: يدركه من يشأ الله، ويُرَدُّ له الله من يشأ الله من عباده، رجعة محتومة لا يكفر بها إلَّا شقي)(257).
والجواب: أنَّ هذه الرواية لا تصلح أن تكون دليلاً على مدَّعاهم، وذلك لعدَّة أُمور:
الأوّل: هذه الرواية مرسلة لا سند لها، أذ أنَّ راويها (علي بن محمّد العُمري) وُلِدَ سنة (380هـ)، وهو ينقل هذه الرواية عن الأصبغ بن نباتة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام المتوفّى سنة (100هـ) تقريباً، فالفارق الزمني بينهما قرابة أربعة قرون!
فكيف يُعتمد على هذه الرواية مع هذا الإرسال؟!
الثاني: لا يوجد كتاب آخر ذكر هذه الرواية سوى هذا الكتاب الموسوم بالمجدي، فلا الكتب الأربعة نقلت هذه الرواية، ولا الكتب التي اعتنت بجمع الروايات التي لها علاقة بالقضيّة المهدوية، لاسيّما كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي رحمه الله، وكتب الصدوق رحمه الله رغم القرب الزمني.
بل لا يوجد أحد نقل هذه الرواية من الذين جاؤوا بعد صاحب هذا الكتاب، فحتَّى صاحب البحار العلَّامة المجلسي قدس سره لم ينقلها في كتابه رغم اهتمامه بجمع كلّ الروايات، وكذلك صاحب (مستدرك الوسائل) الذي لم يترك شاردة ولا واردة إلَّا نقلها في كتبه!
ونحن وإن كنّا نحترم الكتاب ومؤلِّفه، إلَّا أنَّه لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية؛ لأنَّ الكتاب هو بالأساس كتاب أنساب، وصاحب الكتاب عُرِفَ بأنَّه نسّابة، ولم يشتهر عنه أنَّه محدِّث أو فقيه أو متكلِّم، فلا يمكن الاعتماد على رواية انفرد بروايتها كتاب أنساب!
الثالث: أنَّ موضع الشاهد في الرواية، والذي تمسَّك به أنصار أحمد إسماعيل، هو قوله: (هو العاشر من ولد الثاني)، ولا دلالة فيها على مدَّعاهم، إذ أنَّ الثاني يحتمل فيها ثلاثة معانٍ:
1 _ أن تكون كلمة (الثاني) صفة للإمام، فيكون المراد به الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، وعليه فالرواية تدلُّ على أنَّ الإمام المنتظر عليه السلام سيكون العاشر من ولده، وهذا باطل قطعاً، ومخالف لما قامت عليه الأدلَّة القطعية، كما أنَّه مخالف لما يدَّعيه أحمد إسماعيل من أنَّه حسيني لا حسني.
2 _ أن تكون كلمة (الثاني) صفة للحجَّة، فيكون المراد به الإمام علي عليه السلام لأنَّه مسبوق بأخيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والمعنى هو أنَّ الحجَّة سيكون العاشر من الحجج الذين سيكونون من ولده، وهذا معنى غير صحيح؛ لأنَّ الإمام المهدي عليه السلام هو الحادي عشر من ولد أمير المؤمنين عليه السلام، والحديث _ بهذا المعنى _ لا ينفع أحمد إسماعيل؛ لأنَّه يدَّعي أنَّه العاشر من ولد الإمام الحسين عليه السلام، لا العاشر من ولد أمير المؤمنين عليه السلام.
3 _ أن تكون كلمة (الثاني) صفة للسِّبْط، أي إنَّ المهدي عليه السلام هو العاشر من ولد السبط الثاني، وهو الإمام الحسين عليه السلام، وهذا ما ذهب إليه جماعة أحمد إسماعيل، فيكون الإمام المنتظر هو أحمد إسماعيل الذي هو العاشر من ولد الإمام الحسين عليه السلام.
وهذا فهم بعيد لمعنى الحديث؛ لأنَّه لم يرد في هذا الحديث أيّ ذكر للأسباط حتَّى يصحّ أن نجعل كلمة (الثاني) صفة للسبط، والصفة لا بدَّ أن تكون لمذكور قبلها أو لمعنى يُفهَم من سياق الكلام، والمعروف في الروايات هو جعل مثل هذا العدد صفة للإمام عليه السلام، كما في الحديث الذي رواه الكليني والصدوق والشيخ الطوسي والنعماني قدَّس الله أسرارهم بأسانيدهم عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام، قال: (إذا فُقِدَ الخامس من ولد السابع، فالله الله في أديانكم، لا يزيلكم عنها أحد، يا بني إنَّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتَّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنَّما هو محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه، لو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحُّ من هذا لاتَّبعوه). قال: فقلت: يا سيّدي، مَنْ الخامس مِنْ ولد السابع؟ فقال: (يا بني! عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه)(258).
وهذا الحديث يدلُّ على أنَّ المراد بالخامس هو الإمام الخامس، وبالسابع هو الإمام السابع، وهكذا الحال في الحديث الذي نتكلَّم فيه.
علماً أنَّ صاحب كتاب (المجدي) ذكر هذا الحديث في باب (أخبار الخلف الصالح عليه السلام) وذكر قصَّة مولد الإمام المهدي عليه السلام وما يتعلَّق بسيرته الشريفة، ممَّا يشعر بأنَّه فهم من الحديث أنَّ العاشر من ولد الثاني هو الإمام الثاني عشر عليه السلام، وليس رجلاً آخر كما ادَّعى القوم.
الرابع: أنَّ تتمَّة هذه الرواية تحوي مضامين من شأنها هدم ما ادّعاه جماعة أحمد اسماعيل، وهي:
1 _ قول الإمام عليه السلام: (يكون له غيبة طويلة تطول على المنتظرين)، ومن المعلوم أنَّ الذي تطول غيبته هو الإمام الثاني عشر عليه السلام، حيث طالت غيبته مئات السنين، وصاحبهم أحمد إسماعيل لا ينطبق عليه هذا الوصف.
2 _ قول الإمام عليه السلام: (قلت: فندركه؟ قال: يدركه من يشأ الله، ويردّ له الله من يشأ الله من عباده رجعة محتومة لا يكفر بها إلَّا شقي)، وهذه العبارة تدلُّ على أنَّ الرجعة تكون مع هذا الإمام المقصود بالرواية، فإن سلَّمنا أنَّ المراد بها أحمد إسماعيل كما يروِّج أتباعه فهذه طامة كبرى؛ لأنَّهم ادَّعوا أنَّ الرجعة ستكون في آخر مرحلة، أي بعد ظهور الإمام المنتظر عليه السلام وبعد المهديّين، وأنَّ الرجعة لن تكون في زمان أحمد إسماعيل.
فاستدلالهم بهذه الرواية معارض لما أثبتوه في كتبهم، وهم بين أمرين: إمَّا أن يُسلِّموا بمضمون هذه الرواية لاسيّما قضيّة الرجعة، فتبطل قضيّة المهديّين!
أو يتركوا زعمهم بأنَّ هذه الرواية تشير إلى صاحبهم، فتبقى هذه الرواية غير واضحة المعنى، فنكل أمرها إليهم عليهم السلام لو صحَّ صدورها عنهم.
والنتيجة أنَّ كلّ ما استدلَّ به أحمد إسماعيل والمروِّجون له لا يدلُّ على إمامته بأيّ دلالة، وكما لاحظنا فإنَّ كلّ الروايات أقصى ما هناك أنَّه ربَّما يتوهَّم منها دلالتها على أنَّ الأئمّة ثلاثة عشر، وهذا يبطل ادّعاءهم بأنَّ الأئمّة أربعة وعشرون، بضميمة المهديّين الاثني عشر للأئمّة الاثني عشر الذين نقول بإمامتهم.
ولو سلَّمنا بأنَّ الأئمّة ثلاثة عشر فلا دليل في كلّ تلك الروايات على أنَّ هذا الثالث عشر هو أحمد إسماعيل، فلعلَّه رجل آخر من أبناء الإمام المهدي عليه السلام لصلبه، لا من أحفاد الأحفاد كما يزعم أحمد إسماعيل.
وممَّا يدلُّ على خطأ الذين يدَّعون أنَّ الأئمّة ثلاثة عشر، أنَّ الروايات بيَّنت الأئمّة الاثني عشر بأسمائهم، وأعيانهم، بحيث لا يلتبسون بغيرهم، وأمَّا هذا الإمام الثالث عشر فلم تبيِّن الروايات من هو، ولم تذكر اسمه واسم أبيه، ولهذا فإنَّ كلّ من يريد تضليل الناس بادّعاء الإمامة يستطيع أن يدَّعي أنَّه هو، أو يدَّعي ذلك لغيره، وقد ذكر الشيخ النجاشي قدس سره في رجاله أنَّ رجلاً احتجَّ ببعض هذه الروايات على وجود ثلاثة عشر إماماً، وزعم أنَّه زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه.
قال النجاشي: (هبة الله بن أحمد بن محمّد الكاتب، أبو نصر، المعروف بابن برنية، كان يذكر أن أُمّه أُمّ كلثوم بنت أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري، سمع حديثاً كثيراً، وكان يتعاطى الكلام، ويحضر مجلس أبي الحسين بن الشبيه العلوي الزيدي المذهب، فعمل له كتاباً، وذكر أنَّ الأئمّة ثلاثة عشر مع زيد بن علي بن الحسين، واحتجَّ بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي: أنَّ الأئمّة اثنا عشر من ولد أمير المؤمنين عليه السلام)(259).
وقد احتمل المحقّق التستري، بعد أن ناقش جملة من هذه الرواية وأثبت بطلانها، أنَّ الفِرَق التي ظهرت عبر التاريخ وادَّعت أنَّ الأئمّة أكثر من اثني عشر، استندوا على مثل هذه الأخبار، قال قدس سره: (هذا ونقل الشيخ في غيبته في ردِّ فِرَق الشيعة المبطلة أنَّ فيهم فرقة قالوا بأنَّ للخلف ولداً، وأنَّ الأئمّة ثلاثة عشر، ولعلَّهم استندوا إلى مثل هذه الأخبار)(260).
وحاصل الكلام أنَّ كلّ هذه الروايات لا تدلُّ على إمامة أحمد إسماعيل ولا إمامة غيره، وزعمه أنَّه هو المراد بهذه الأحاديث زعم باطل؛ لعدم دلالة هذه الأحاديث على إمام ثالث عشر، ومع تسليم دلالتها فلا بدَّ من طرحها؛ لمعارضتها بالروايات المتواترة عند الشيعة وأهل السُّنَّة على أنَّ الخلفاء اثنا عشر، ولو تنزَّلنا وقبلنا دلالتها على ذلك فهي لا تعيِّن أحمد إسماعيل لا بالاسم ولا بالوصف.
الطائفة الثانية: استفاد القوم من بعض الروايات وجود أئمّة بعد الإمام المهدي عليه السلام، وجعلوها عمدة لمعتقدهم.
الرواية الأُولى: رواها ابن قولويه قدس سره، قال:حدَّثني أبي، عن سعد بن عبد الله، عن أبي عبد الله محمّد بن أبي عبد الله الرازي الجاموراني، عن الحسين بن سيف بن عميرة، عن أبيه سيف، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت له: أيّ بقاع الأرض أفضل بعد حرم الله عز وجل وحرم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: (الكوفة يا أبا بكر هي الزكية الطاهرة، فيها قبور النبيِّين المرسلين وغير المرسلين، والأوصياء الصادقين، وفيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبيَّاً إلَّا وقد صلّى فيه، ومنها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه والقُوَّام من بعده، وهي منازل النبيِّين والأوصياء والصالحين)(261).
وقوله: (وفيها يكون قائمه والقُوَّام من بعده) يدلُّ على أنَّ الإمام المهدي عليه السلام سيكون بعده أئمّة هداة مهتدون.
والجواب: أنَّه لا دلالة في هذه الرواية على وجود أئمّة آخرين غير الاثني عشر عليهم السلام؛ لأنَّ المقصود بالقُوَّام هم آباؤه الطاهرون، بدلالة أحاديث الرجعة التي ذكرناها سابقاً.
الرواية الثانية: أخرجها أبو الحسين بن المنادي، عن سالم بن أبي الجعد، أنَّه قال: (يكون المهدي إحدى وعشرين سنة أو اثنتين وعشرين، ثمّ يكون آخر من بعده، وهو صالح أربع عشرة سنة، ثمّ يكون آخر من بعده، وهو صالح تسع سنين)(262).
وهذه الرواية عامّية، بل هي من إخبارات ابن أبي الجعد، وليست حديثاً عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أو عن أحد الأئمّة عليهم السلام، وحتَّى لو قلنا: (إنَّ الرجل ثقة)، فإنَّنا نجهل مصدر هذا الكلام الذي ذكره.
والعجب كلّ العجب من قوم يتركون روايات أهل البيت عليهم السلام الصحيحة والمتواترة، ويأخذون بأخبار المخالفين!
الرواية الثالثة: رواها الشيخ الطوسي قدس سره عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن حبَّة العرني، قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحيرة، فقال: (لَتَصِلَنَّ هذه بهذه _ وأومى بيده إلى الكوفة والحيرة _ حتَّى يُباع الذراع فيما بينهما بدنانير، ولَيُبْنَيَنَّ بالحيرة مسجد له خمسمائة باب، يصلّي فيه خليفة القائم عجَّل الله تعالى فرجه؛ لأنَّ مسجد الكوفة ليضيق عنهم، وليصلّينَّ فيه اثنا عشر إماماً عدلاً). قلت: يا أمير المؤمنين، ويسع مسجد الكوفة هذا الذي تصف الناس يومئذٍ؟! قال: (تُبنى له أربع مساجد، مسجد الكوفة أصغرها، وهذا ومسجدان في طرفي الكوفة من هذا الجانب وهذا الجانب _ وأومى بيده نحو البصريين والغريين _)(263).
والجواب: أنَّنا لا ننكر أنَّ للقائم عليه السلام خليفة من بعده، لكنَّا نختلف في هوية هذا الخليفة، وأحمد إسماعيل وأتباعه يقولون: (إنَّه صاحبهم البصري)، ونحن نقول: إنَّ المقصود بهذه الرواية هو الإمام الحسين عليه السلام، وإنَّ المقصودين بالاثني عشر إماماً هم أئمّة أهل البيت عليهم السلام، بدليل أحاديث الرجعة.
والغريب من هؤلاء كيف يزوِّرون الحقائق، ويلبِّسون على العوامّ برفع الشعارات البرّاقة، وسجع الكلمات الجذّابة، فقد قال الزيدي في تعليقه على هذه الرواية: (الحقّ أنَّ انكشاف الحقائق اليوم عجيب، فالحديث كما ترى ينصُّ بكلّ صراحة على خليفة المهدي خاصّة والمهديّين بصورة عامّة.
أليس من العجيب أن ترى اليوم هكذا أحاديث واضحة الدلالة على المهديّين وعلى خليفة المهدي عليه السلام بالتحديد، بينما أمر هذا الاعتقاد بات سرَّاً من الأسرار الإلهية إلى وقت ظهور السيّد أحمد الحسن)(264).
وهذه الروايات وغيرها ممَّا يستدلّون به ليست سرَّاً، وهي مروية في الكتب المعروفة، والعلماء مطَّلعون عليها، ويعلمون المراد بها، ولكن الخلل في فهم هذه الروايات، فإنَّ أتباع أحمد إسماعيل لم يفهموها فهماً صحيحاً، وتوهَّموا دلالتها على أئمّة اثني عشر آخرين بعد الإمام المهدي عليه السلام، وادَّعوا أنَّ خليفة المهدي هو أحمد إسماعيل، مع أنَّ الروايات التي يحتجّون بها لم تعيّنه باسمه واسم أبيه، ولم تذكر صفاته كما ذكرنا ذلك مراراً، وسيأتي أيضاً.
والغريب أنَّ هذا الرجل في الوقت الذي يدَّعي أنَّه خليفة المهدي عليه السلام فإنَّه يدعو لنفسه في زمان إمامة الإمام المهدي، ويجمع الأتباع، ويأمر الناس بتقليده وأخذ الأحكام منه، فما معنى كونه خليفة للإمام عليه السلام، مع أنَّ الروايات الصحيحة دلَّت على أنَّه لا يكون إمامان في عصر واحد، إلَّا وأحدهما صامت.
وهكذا يضلِّلون العوامّ، ويفسدون عقائدهم، ويزعمون أنَّ هذه الروايات كانت سرَّاً من الأسرار الإلهية، وإذا كان هناك سرّ حقيقي فهو وقت ظهور المدعو زوراً وبهتاناً أحمد الحسن؛ إذ مرَّ إلى الآن أكثر من عشر سنوات، ولم يُرَ له رسم!
الرواية الرابعة: رواها الكفعمي: عن يونس بن عبد الرحمن، عن الإمام الرضا عليه السلام في دعاء طويل لصاحب الأمر عليه السلام قال: (... اللّهمّ صلِّ على ولاة عهده، والأئمّة من بعده، وبلِّغهم آمالهم، وزد في آجالهم)(265).
ومحلّ الاستدلال في هذه الرواية هو قوله عليه السلام: (ولاة عهده، والأئمّة من بعده)، فإنَّهم قالوا: إنَّها واضحة الدلالة على أنَّ الإمام المهدي له ولاة عهد، وهم الأئمّة القائمون بالأمر من بعده.
والصحيح أنَّ المراد بولاة عهده أصحابه الذين سيحكمون أقاليم العالم نيابة عنه، وسيكونون عوناً وسنداً له، والدليل على هذا أنَّ لقب وليّ العهد يُطلَق على من عهد إليه رئيس السلطة حال حياته بالحكم؛ ولأنَّه جاء بصيغة الجمع فهمنا أنَّ المراد جماعة عهد إليهم بالحكم حال حياته، لا بعد موته، وهذا لا يكون إلَّا في حقّ الذين يحكمون البلاد والأقاليم، لا من يكونون أئمّة من بعده؛ لأنَّ رئيس السلطة لا يجعل له ولاة عهد متعدِّدين.
وقوله: (والأئمّة من بعده) دالٌّ على أنَّ هؤلاء الأئمّة ليسوا هم ولاة العهد، بدلالة العطف الذي يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، والمقصود بالأئمّة هم آباؤه الطاهرون عليهم السلام كما أثبتنا ذلك من خلال ما دلَّت عليه روايات الرجعة المتواترة.
علماً أنَّ بقيّة الدعاء تثبت هذا المعنى، فإنَّه عليه السلام قال: (فإنَّهم معادن كلماتك، وخُزَّان علمك، وأركان توحيدك، ودعائم دينك، وولاة أمرك، وخالصتك من عبادك، وصفوتك من خلقك، وأولياؤك، وسلائل أوليائك، وصفوة أولاد نبيِّك، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته)(266).
وهذه الصفات هي نفس الصفات المعروفة في أئمّة الهدى عليهم السلام، الواردة في الروايات والزيارات المعتبرة كالزيارة الجامعة وغيرها.
وهذه الطائفة من الروايات لا دلالة فيها على مدَّعاهم؛ لأنَّنا لا نختلف معهم في وجود أئمّة مهديّين بعد الإمام المهدي عليه السلام، بل خلافنا معهم ينحصر في هوية هؤلاء الأئمّة: هل هم آباؤه الطاهرون الذين يرجعون بعده؟ أم هم من أبنائه كما يدَّعي ذلك أحمد إسماعيل وأنصاره؟
إذن حتَّى لو جاء القوم بمائة رواية تدلُّ على وجود مهديّين بعد الإمام المهدي عليه السلام فلا حجَّة لهم فيها؛ لأنَّنا نسلّم بوجود أئمّة مهديّين بعد صاحب الزمان عليه السلام، ولا نسلّم أنَّهم من أبنائه.
الطائفة الثالثة: وهي الروايات التي استدلّوا بها على وجود أئمّة من ولد الإمام المهدي عليه السلام بعده.
الرواية الأُولى: هي رواية الوصيّة التي رواها الشيخ الطوسي قدس سره التي ذكرناها فيما سبق، والتي ورد فيها أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن عدَّد الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام بأسمائهم، قال: (فذلك اثنا عشر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهديَّاً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أوّل المقرَّبين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي، واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوّل المؤمنين)(267).
وقد سبق أن ناقشنا هذه الرواية سنداً ودلالةً في المبحث الثاني من كتابنا هذا، وأثبتنا أنَّها رواية عامّية ضعيفة سنداً، متهافتة متناً، معارضة للروايات الأُخرى المتواترة الدالّة على أنَّ الأئمّة إلى يوم القيامة اثنا عشر، لا يزيدون ولا ينقصون، فلا تقوم بها بهذه الرواية حجَّة الحجَّة، ولا تصلح لأن يتمسَّك بها في شيء.
ومع التسليم بصحَّتها فإنَّها محمولة على أنَّ المهديِّين هم الأئمّة الاثنا عشر عليهم السلام الذين دلَّت روايات الرجعة على رجوعهم إلى الدنيا بعد الإمام المهدي عليه السلام واحداً بعد واحد كما أوضحناه فيما سبق.
الرواية الثانية: رواها الشيخ الطوسي قدس سره في (الغيبة): عن يعقوب بن يوسف الضرّاب الغسّاني الذي روى صيغة صلاة على الأئمّة الأطهار عليهم السلام، وقد ورد فيها: (اللّهمّ صلِّ على محمّد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصطفى، وجميع الأوصياء، مصابيح الدُّجى، وأعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم، وصلِّ على وليِّك وولاة عهده، والأئمّة من ولده، ومُدَّ في أعمارهم، وأزد في آجالهم، وبلِّغهم أقصى آمالهم، دنيا وآخرة، إنَّك على كلّ شيء قدير)(268).
وراوي هذه الرواية هو يعقوب بن يوسف الضرّاب الغسّاني، وهو مهمل، لم يوثَّق في كتب الرجال.
ويعقوب هذا أخذ نسخة هذه الصلاة على الأئمّة الأطهار عليهم السلام من امرأة عجوز، قالت له: إنَّها من خدم الإمام العسكري عليه السلام، وزعمت أنَّ نسخة هذه الصلاة أخذتها من رجل كان يتردَّد عليها في الليل، حتَّى ارتاب فيه المخالفون، وشكّوا أنَّه يأتي للتمتّع ببنت تلك العجوز، مع أنَّ العجوز لم تصرّح ليعقوب بن يوسف أنَّه صاحب الزمان عليه السلام، وإنَّما هو فهم ذلك من تلميحاتها.
والمريب في الأمر أنَّ ظاهر هذه الرواية يشعر بأنَّ هذه العجوز كانت من سفراء الإمام المهدي عليه السلام، قال: (وأرى جماعة من الرجال من بلدان شتَّى يأتون باب هذه الدار، فبعضهم يدفعون إلى العجوز رقاعاً معهم، ورأيت العجوز قد دفعت إليهم كذلك الرقاع، فيكلّمونها، وتكلّمهم، ولا أفهم عنهم، ورأيت منهم في منصرفنا جماعة في طريقي إلى أن قدمت بغداد).
وهذا لم ينقله أحد غير هذا الرجل المجهول، بل هو مخالف لما أطبقت عليه الشيعة من أنَّ سفراء الإمام المهدي عليه السلام كانوا أربعة رجال معروفين، ولم يُعهَد من واحد من أئمّة الهدى عليهم السلام أن جعل امرأة نائبة له أو وكيلة عنه، وهذا ما يجعلنا نطمئن ببطلان هذه القصَّة، أو على الأقلّ يجعلنا لا نثق في تشخيص يوسف بن يعقوب الضرّاب بأنَّ الرجل الذي رآه هو الإمام المهدي عليه السلام؟ كما لا نثق في صحَّة نقل هذه العجوز التي لا نعلم شيئاً عنها حتَّى اسمها؟
ومن المستبعد جدَّاً أن يجعل الإمام المهدي عليه السلام من جملة سفرائه عجوزاً تؤجِّر بيتها للمسافرين المخالفين الذين يرون كلّ تحرّكاتها، ويطَّلعون على اتّصال الإمام المهدي وشيعته عليه السلام بها، مع أنَّه لم ينقل مثل ذلك عن واحد من السفراء الأربعة المعروفين رضي الله عنهم.
فهل يعقل أن نبني عقيدة مهمّة على دعاء رواه مجهول، وَصَلَ إليه عن طريق امرأة مجهولة، عن رجل مجهول؟
وأهل البيت عليهم السلام علَّموا شيعتهم، ألَّا يأخذوا إلَّا بالدليل الصحيح، وأمَّا القصص والحكايات مجهولة المصدر فليست لها أيّ قيمة في مذهبنا.
ومع الإغماض عن كلّ ذلك، فلعلَّ هذه الصلاة مرويَّة عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، بقرينة أنَّه عَدَّدَ الأئمّة إلى الإمام الحسين عليه السلام، وعليه، فيكون المراد بالوليّ في قوله: (وصلِّ على وليِّك وولاة عهده، والأئمّة من ولده) هو الإمام زين العابدين سلام الله عليه، وولاة عهده هم وكلاؤه، والأئمّة من ولده هم الإمام محمّد الباقر ومن بعده من أئمّة الهدى عليهم السلام.
الرواية الثالثة: رواها الشيخ الطوسي قدس سره في (مصباح المتهجّد)، قال: خرج إلى القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمّد عليه السلام أنَّ مولانا الحسين عليه السلام وُلِدَ يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان، فَصُمْه، وادعُ فيه بهذا الدعاء: (اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ المولود في هذا اليوم، الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته، بكتْه السماء ومن فيها، والأرض ومن عليها، ولما يطأ لابتيها، قتيل العَبرة، وسيّد الأسرة، الممدود بالنصرة يوم الكرَّة، المعوَّض مِنْ قتله أنَّ الأئمّة من نسله، والشفاء في تربته، والفوز معه في أوبته، والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته، حتَّى يدركوا الأوتار، ويثأروا الثار، ويُرضوا الجبّار، ويكونوا خير أنصار، صلّى الله عليهم مع اختلاف الليل والنهار. اللّهمّ فبحقِّهم إليك أتوسَّل، وأسأل سؤال مقترف، معترف، مسيء إلى نفسه ممَّا فرَّط في يومه وأمسه، يسألك العصمة إلى محلّ رمسه. اللّهمّ فصلِّ على محمّد وعترته، واحشرنا في زمرته، وبوِّئنا معه دار الكرامة ومحلّ الإقامة)(269).
وموضع الشاهد في هذه الرواية هو قوله: (والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته)، فإنَّه يدلُّ على وجود أوصياء بعد الإمام المهدي عليه السلام من ولد الإمام الحسين عليه السلام، وهذا ما يذهب إليه أحمد إسماعيل وأتباعه!
والجواب: أنَّ الرواية مضافاً إلى كونها رواية مرسلة، فإنَّها وإن دلَّت على وجود أوصياء بعد الإمام القائم عليه السلام، لكنَّها لا تدلُّ على أنَّ هؤلاء الأوصياء من أبناء الإمام المهدي عليه السلام، وإنَّما هم أئمّة أهل البيت عليهم السلام الثمانية من ولد الحسين عليه السلام، ويشعر بذلك ما يدلُّ عليه ظاهر الدعاء من أنَّ هؤلاء الأوصياء إنَّما يأتون بعد الرجعة، حيث قال: (والفوز معه في أوبته)، وهذا يوافق ما قلناه في أوّل بحثنا من أنَّ الرجعة تكون مع ظهور القائم عليه السلام.
وقوله: (الأوصياء من عترته) ليس ظاهراً في العموم، بحيث يُراد به كلّ الأئمّة عليهم السلام، فإمَّا أن يكون المقصود بهم الأئمّة الثمانية من ولد الإمام الحسين عليه السلام فقط، أو أن يُراد باقي المعصومين عليهم السلام، ووصفهم بأنَّهم من عترة الإمام الحسين عليه السلام من باب التغليب الشائع عند العرب.
وعلى كلّ حال فإنَّ ورود مثل هذا الاحتمال يبطل الاستدلال بهذا الدعاء، ولاسيّما في مسألة مهمّة كهذه المسألة.
الرواية الرابعة: رواها السيّد ابن طاووس في (إقبال الأعمال)، قال: وقد اخترنا ما ذكره ابن أبي قرة في كتابه، فقال بإسناده إلى علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، بإسناده عن الصالحين عليهم السلام، قال: (وكرِّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان قائماً وقاعداً وعلى كلّ حال، والشهر كلّه، وكيف أمكنك، ومتى حضرك في دهرك، تقول بعد تمجيد الله تعالى والصلاة على النبيّ وآله عليهم السلام: اللّهمّ كن لوليِّك، القائم بأمرك، الحجَّة، محمّد بن الحسن المهدي، عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام، في هذه الساعة وفي كلّ ساعة، وليًّا وحافظاً وقاعداً [كذا]، وناصراً، ودليلاً، ومؤيِّداً، حتَّى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتِّعه فيها طويلاً وعرضاً، وتجعله وذرّيته من الأئمّة الوارثين)(270).
وموضع الشاهد في هذا الدعاء قوله: (وتجعله وذرّيته من الأئمّة الوارثين)، وهي نصٌّ في كون ذرّيته أئمّة من بعده.
والجواب: أنَّ هذه الفقرة غير مثبتة في الكتب القديمة والمصادر الأصلية للدعاء، فقد ورد هذا الدعاء في الكافي: عن محمّد بن عيسى بإسناده عن الصالحين عليهم السلام، قال: (تكرِّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجداً، وقائماً، وقاعداً، وعلى كلّ حال، وفي الشهر كلّه، وكيف أمكنك، ومتى حضرك من دهرك، تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى، والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: اللّهمّ كن لوليّك فلان بن فلان في هذه الساعة، وفي كلّ ساعة، وليَّاً، وحافظاً، وناصراً، ودليلاً، وقائداً، وعوناً (وعيناً)، حتَّى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتِّعه فيها طويلاً)(271).
ورواه الشيخ الطوسي في التهذيب، ومصباح المتهجّد، ومحمّد بن المشهدي في كتاب المزار، والكفعمي في المصباح(272)، خالياً من هذه الفقرة التي يستشهدون بها، فتكون هذه الفقرة زيادة من بعض الرواة، أو خطأ من النُّسَّاخ.
الرواية الخامسة: رواها السيّد ابن طاووس في (جمال الأسبوع) عند ذكر دعاء طويل لصاحب الأمر المروي عن الإمام الرضا عليه السلام، نقتصر منه على ذكر موضع الشاهد، قال عليه السلام: (اللّهمّ صلّ على ولاة عهده والأئمّة من ولده بعده، وبلِّغهم آمالهم، وزد في آجالهم، وأعزّ نصرهم، وتمِّم لهم ما أسندت لهم...)(273).
والجواب على هذه الرواية في نقاط:
1 _ أنَّ هذا الدعاء مروي بلفظين، وهذا المقطع غير موجود في الصيغة الثانية التي رواها السيّد ابن طاووس قدس سره في نفس الكتاب، بل المثبت فيها قول الإمام الرضا عليه السلام: (اللّهمّ صلِّ على ولاة عهوده، وبلغهم آمالهم وزد في آجالهم وانصرهم، وتمِّم لهم ما أسندت إليهم...)(274).
فالفقرة التي هي موضع الشاهد وهي عبارة: (والأئمّة من ولده بعده) غير موجودة في اللفظ الثاني للدعاء، ممَّا يقوّي احتمال التصحيف أو التحريف.
2 _ أنَّ هذا الدعاء هو عامّ لكلّ الأئمّة عليهم السلام، وليس خاصَّاً بالإمام المهدي عليه السلام؛ لأنَّ (صاحب الأمر) تصدق على كلّ إمام في زمانه، وعليه فيكون التعبير بـ (الأئمّة من ولده بعده) قد ورد بنحو التغليب؛ لأنَّ كلّ الأئمّة عليهم السلام كان أولادهم أئمّة من بعدهم سوى الحسن المجتبى عليه السلام، والإمام المهدي عليه السلام.
ومن باب المثال فإنَّ الزيارة الجامعة الصحيحة والمشهورة عند الشيعة يُزار بها كلّ المعصومين عليهم السلام كما نُصَّ على ذلك في صدر الرواية، ومنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمير المؤمنين عليه السلام.
وإذا قرأنا الزيارة نجد أنَّ من جملة فقراتها قول الإمام الهادي عليه السلام: (وإلى جدِّكم بُعِثَ الروح الأمين)(275).
ولا ندري ماذا سيقول أحمد إسماعيل وأنصاره في هذه العبارة إذا زرنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أمير المؤمنين عليه السلام؟ هل سيدَّعون أنَّ الجدّ المقصود في هذه الزيارة رجل آخر غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ نحن لا نستبعد ذلك ممَّن يتلاعب بالنصوص، ويطبِّقها على من يشاء من دون أيّ دليل صحيح!
3 _ راوي هذا الدعاء _ وهو السيّد ابن طاووس قدس سره _ لم يقبل هذا الدعاء، وحاول توجيهه بما يتلاءم مع أُصول المذهب، فقال: (وقد تضمَّن هذا الدعاء قوله عليه السلام: (اللّهمّ صلِّ على ولاة عهده والأئمّة من بعده)، ولعلَّ المراد بذلك أنَّ الصلاة على الأئمّة يرتّبهم في أيّامه للصلاة بالعباد في البلاد، والأئمّة في الأحكام في تلك الأيّام، وأنَّ الصلاة عليهم تكون بعد ذكر الصلاة عليه صلوات الله عليه، بدليل قوله: (ولاة عهده)؛ لأنَّ ولاة العهود يكونون في الحياة، فكأنَّ المراد: اللّهمّ صلِّ بعد الصلاة عليه على ولاة عهده والأئمة من بعده)(276).
وموضع الشاهد هو أنَّ السيّد رحمه الله رفض المعنى الذي يتمسَّك به جماعة أحمد إسماعيل، ولذلك عمد إلى محاولة تأويله، وحمله على الوجه المناسب.
الرواية السادسة: ما رواها القاضي النعمان في (شرح الأخبار)، قال: وممَّا يبيِّن ذلك إيضاحاً ما جاء نصَّاً فيه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أنَّه ذكر المهدي عليه السلام، وما يجريه الله عز وجل من الخيرات والفتح على يديه، فقيل له: يا رسول الله، كلّ هذا يجمعه الله له؟ قال: (نعم، وما لم يكن منه في حياته وأيّامه هو كائن في أيّام الأئمّة من بعده من ذرّيته)(277).
والجواب: أنَّ هذه الرواية مرسلة لا سند لها البتَّة، فإنَّ القاضي النعمان توفّي سنة (363هـ) أي بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأكثر من ثلاثة قرون، فلا تكون هذه الرواية حجَّة لضعف سندها، وعدم وجود دليل على صدورها.
وهنا يُطرَح هذا السؤال: من أين جاء القاضي النعمان بهذه الرواية؟
ولفهم الجواب على هذا السؤال، لا بدَّ أن يعلم القارئ أنَّ مؤلِّف هذا الكتاب هو من كبار المنظِّرين للدعوة الإسماعيلية في ذلك الوقت، ومن كبار علماء البلاط، ولهذا كان الغرض من كلّ كتبه تقوية شوكة الفاطميّين، وشرعنة حكمهم.
وإذا رجعنا إلى مقدّمة الكتاب المشتمل على هذه الرواية وهو كتاب (شرح الأخبار) نجد أنَّه صرَّح بأنَّ هذه الأحاديث هي التي رواها وارتضاها حُكّام تلك الدولة، قال: (آثرت من الأخبار وجمعت من الآثار في فضل الأئمّة الأبرار حسب ما وجدته وغاية ما أمكنني واستطعته، فصحَّحتُ من ذلك ما بسطته في كتابي هذا وألَّفته، بأن عرضته على وليّ الأمر وصاحب الزمان والعصر مولاي الإمام المعزّ لدين الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى سلفه وخلفه، وأثبتُّ منه ما أثبَتَه، وصحَّ عنده وعرفه، وآثره من آبائه الطاهرين، وأجاز لي سماعه منه، وبأن أرويه لمن يأخذه عنّي عنه صلوات الله عليه، فبسطت في هذا الكتاب ما أثبَتَه وأجازه وعرفه، وأسقطتُ ما دفعه من ذلك وأنكره ممَّا نسبه إلى أهل الحقّ المبطلون، وحرَّفه من قولهم المحرِّفون الضالّون؛ إذ هو صلوات الله عليه والأئمّة من آبائه الطاهرين وخلفه الأكرمين الذين عناهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدول، ينفون عنه تحريف الجاهلين المحرِّفين، وانتحال المبطلين، وتأويل الغالين)، وأمدَّني صلوات الله عليه مع ذلك من نوره، وأفادني من علمه، من بيان ذلك ما أدخلتُه في تصانيف ما بسطتُه في هذا الكتاب، من البيان لما في الأخبار المبسوطة فيه لمن عسى أن يشكل شيء منها، أو يقصر فهمه عنها، وحذفت أسانيدها وتكرار أكثر الروايات فيها واختلاف الحكايات منها، إذ قد أثرتُها وصحَّحتُها بإسنادها إلى إمام العصر عليه السلام)(278).
فهل يُحتجُّ برواية المعزّ لدين الله الفاطمي الذي يعتقد الإمامة الإلهية في نفسه وفي آبائه وأبنائه؟
علماً أنَّ القاضي النعمان بعد إيراده لهذه الرواية أحال على مبحث المهدي في نفس الكتاب، فقال: (سنذكر القول في هذا بتمامه في الفصل الذي نذكر فيه أخبار المهدي عليه السلام من هذا الكتاب إن شاء الله، وإنَّما ذكرت هاهنا ما ذكرت منه لما مرَّ بي ما يوجب ذكره)(279).
وبرجوعنا إلى الباب الذي أحال عليه وجدنا أنَّه قال: (فلمَّا آن وقته وحان حين قيامه الذي قدَّره الله عز وجل فيه وحدّه له، ودعت الدعاة إليه، وسلَّم مَنْ كان الأمر بيده إليه ما كان بيده منه عليه السلام، فقام وحده وأولياءه والدعاة إليه بايعون عنه وحيداً فريداً، كما جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك عنه، وقد طلبه أعداء الله، وأمروا بالقبض عليه، فخرج من محلّ داره ومكان قراره بنفسه لم يصحبه من أوليائه ولا حضره أحد، ولا كان معه غير وديعة الله في يديه: حُجَّته ووصيَّه وليّ الأمر بعده، وهو حينئذٍ طفل صغير يَقطع به وبنفسه المفاوز...).
إلى أن قال: (... وانتشرت دعوته دعاؤه وأولياؤه بالمشرق، وعمَّ ذلك كلّ من فيه ظاهراً ومستوراً إلى أن ينجز الله وعده لمن أوجب له من ولد ظهره على جميع الأرض، ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون كما وعد الله عز وجل بذلك في كتابه، فيملأ الأرض عدلاً كما أخبر بذلك عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان ما كان في حياته، وما يكون بعد ذلك من ولده فهو منسوب إليه صلوات الله عليه، كما أنَّ جميع ذلك يُنسَب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ كان أوّل ما جاء به، وعنه تأصَّل وتفرَّع، ولم يزل صلى الله عليه وآله وسلم في عزّ ومنعة وسلطان وقوَّة إلى أن مضى لسبيله بعد أن قام بما افترض الله عليه من القيام بدينه وكتابه وسنَّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، عزيزاً في نفسه، قويَّاً في أُموره، مُذلَّاً لأعدائه، مُعزَّاً لأوليائه)(280).
وقال بعدها بصفحات: (ودعوة المهدي عليه السلام والأئمّة من ولده عليهم السلام قد انتشرت بحمد الله في جميع الأرض، وغرت في غير موضع من أقطارها بالمشرق والمغرب، فيوشك أن يكون بعض أوليائهم يقومون من قِبَل المشرق يدعوهم في تمام أمرهم، فيقوِّمون لوليّ الزمان هناك سلطانه، والله يقرِّب ذلك، وينجز وعده لأوليائه بفضله ورحمته لعباده وحوله وقوَّته)(281).
فمن هنا نعلم أنَّ مراد القاضي النعمان من المهدي في هذه الرواية وغيرها هو عبيد الله المهدي المتوفّى (322هـ) مؤسِّس الدولة الفاطمية، وذرّيته الذين مُدحوا في هذه الرواية هم حكّام هذه الدولة الذين جاؤوا من بعده.
وأصرح من ذلك ما ذكره في كتاب المجالس والمسايرات، قال: (وخدمتُ المهدي صلوات الله عليه من آخر عمره تسع سنين وشهوراً وأيّاماً، والإمام القائم بأمر الله من بعده صلّى الله عليه أيّام حياته في إنهاء أخبار الحضرة إليهما في كلّ يوم طول تلك المدَّة إلَّا أقلّ الأيّام)(282).
فهذه الرواية يرويها عالم من علماء البلاط الفاطمي عن رجل يدَّعي الإمامة الإلهية، يريد بها مدح جدّه عبيد الله الذي ادَّعى المهدوية!
فهل يُحتَجُّ بمثل هذا الخبر؟
أضف إلى هذا أنَّ هناك احتمالاً كبيراً أنَّ عبارة (من ذرّيته) هي زيادة تفسيرية من القاضي النعمان أو من غيره، ويدلُّ على هذا ما رواه القاضي النعمان في نفس الكتاب: عن علي بن الحسين عليه السلام، أنَّه قال: (يقوم القائم منّا _ يعني المهدي _ ثمّ يكون بعده اثنا عشر مهديَّاً)(283).
ثمّ أتبع الرواية بتعليقة منه: (يعني من الأئمّة من ذرّيته).
فربَّما يكون أصل الرواية: (وما لم يكن منه في حياته وأيّامه هو كائن في أيّام الأئمّة من بعده)، وعبارة (من ذرّيته) هي زيادة تفسيرية من المصنِّف أو من المعزّ لدين الله كي تنطبق الرواية عليه.
والنتيجة أنَّ كلّ ما استدلّوا به لا يصلح أن يكون حجَّة، ولا يمكن أن يكون دليلاً يُبنى عليه معتقد جديد مخالف لما أجمع عليه الشيعة من بداية عصر الغيبة إلى يومنا هذا.
وعليه، فأئمّة أهل البيت عليهم السلام اثنا عشر إماماً، لا أكثر ولا أقلّ، ومن قال بغير هذا فقد خرج عن مذهب الشيعة الإمامية، وانسلخ عنه.

* * *

قانون معرفة الإمام عليه السلام
من أخطر الفتن التي واجهت الشيعة في زمان أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وفي عصر الغيبة، ادِّعاء أشخاص غير معروفين بالتقوى والعلم بعض المناصب الإلهية، كالإمامة، والوصاية، والبابية، وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام في إحدى خطبه إلى هذه القضيّة الخطيرة، فقال: (أيّها الناس إنَّما بدء وقوع الفتن أهواء تُتَّبع، وأحكام تُبْتدع، يُخالَف فيها كتاب الله، يتولّى فيها رجالٌ رجالاً)(284).
ومعنى قوله: (يتولّى رجالٌ رجالاً) أنَّهم يتَّبعونهم في ضلالهم، وفي غيِّهم، ويصدِّقونهم في دعاواهم العظيمة، من غير بصيرة وعلى غير هدى، ولعلَّ السبب في هذا هو جهل هؤلاء الأتباع بالمنهج الصحيح لمعرفة إمام المسلمين الذي يجب اتّباعه وموالاته، وقد صنَّف أمير المؤمنين عليه السلام الناس إلى ثلاث فئات، فقال: (الناس ثلاثة: عالم ربّاني، ومتعلِّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق)(285).
وهذه الفئة الثالثة وهم الهمج الرعاع هم أكثر الناس، والسبب في اتّباعهم كلّ ناعق هو جهلهم، الذي جعل الحقّ يلتبس عليهم، أو لأنَّهم يتَّبعون أهواءهم، ولذلك جعلهم الإمام عليه السلام في مقابل العلماء الربّانيين، والمتعلِّمين على سبيل النجاة.
ولعلَّ من أهمّ الأسباب التي تجعل كثيراً من الناس لا يميِّزون بين إمام الحقّ، ومدَّعي الإمامة هو عدم معرفتهم بالضوابط الشرعية التي جعلها أهل البيت عليهم السلام لمعرفة داعي الحقّ من داعي الباطل، إذ أنَّ الباطل لا يأتي بلباسه القبيح، وبصورته السيِّئة، وإنَّما يتنكَّر في لباس العلم والحقّ والفضيلة، ليلبِّس على العوامّ الذين كثيراً ما ينخدعون بمن يدَّعي العلم والمعرفة، أو يتظاهر بالتنسّك والورع!
والتاريخ يحدّثنا عن نماذج من هذا النوع، وقد وصف أمير المؤمنين عليه السلام أحد تلك النماذج وهو عبد الله بن الزبير، فقال: (خب ضبّ، يروم أمراً ولا يدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا، وهو بعدُ مصلوبُ قريش)(286).
وقد أجاد الشاعر أحمد شوقي تصوير هذه الظاهرة بصورة رمزية، فقال:

برَزَ الثعلبُ يوماً * * * في شِعارِ الواعِظينا
فمشى في الأرضِ يهدي * * * ويسبُّ الماكرينا
ويقولُ: الحمدُ للَّـ * * * ـهِ إلهِ العالمينا
يا عِبادَ اللهِ، تُوبُوا * * * فهوَ كهفُ التائبينا
وازهَدُوا في الطَّير، إنَّ الـ * * * ـعيشَ عيشُ الزاهدينا
واطلبوا الدِّيكَ يؤذِّن * * * لصلاة ِ الصُّبحِ فينا
فأَتى الديكَ رسولٌ * * * من إمامِ الناسكينا
عَرَضَ الأَمْرَ عليه * * * وهْوَ يرجو أَن يَلينا
فأجابَ الديكُ: عذراً * * * يا أضلَّ المهتدينا!
بلِّغِ الثعلبَ عنّي * * * عن جدودي الصالحينا
عن ذوي التِّيجانِ ممَّن * * * دَخلَ البَطْنَ اللعِينا
أَنَّهم قالوا وخيرُ الـ * * * ـقولِ قولُ العارفينا:
مخطئٌ مَنْ ظَنَّ يوماً * * * أَنَّ للثعلبِ دِينا(287)

وهذا هو حال المدَّعين للمقامات الدينية العالية؛ إذ أنَّهم يلبسون ثوب التديّن والتنسّك، ويستغلّون سذاجة الناس وجهلهم للوصول إلى ما يصبون إليه.
وقد وضع أئمّة أهل البيت عليهم السلام لشيعتهم علامات ودلائل بها يعرفون صدق كلّ مُدَّعٍ من كذبه.
الطريق الصحيح لمعرفة الإمام:
1 _ الاختبار:
يعتبر الاختبار من أهمّ الطرق التي يميَّز بها المحقّ من المبطل، ومن خلاله يطمئن الباحث بصحَّة دعوى المدَّعي وصدقه، أو ببطلان دعواه وكذبه.
وقد حثَّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام شيعتهم على امتحان كلّ من يدَّعي الإمامة أو المهدوية، ولاسيّما في فترة الغيبة، فقد روى النعماني بسنده عن المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبتين: يرجع في أحدهما إلى أهله، والأُخرى يقال: هلك، في أيّ وادٍ سلك؟)، قلت: كيف نصنع إذا كان ذلك؟ قال: (إن ادَّعى مدَّعٍ فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله)(288).
ومعنى قوله عليه السلام: (فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله) أن يُختبَر في أشياء لا يمكن أن يأتي بها أمثاله من عامّة الناس، كالإخبار ببعض المغيَّبات، والإجابة على المسائل المختلفة وهي في حوزة أصحابها، وما شاكل ذلك.
وقد قال غوّاصة البحار الشيخ المجلسي رحمه الله تعليقاً على هذا الحديث: (إذا خرج أحد بعد غيبته عليه السلام وادَّعى أنَّه المهدي كيف نعرف أنَّه صادق أو كاذب؟ (يجيب فيها مثله) أي مثل القائم عليه السلام عن مسائل لا يعلمه إلَّا الإمام، كالإخبار بالمغيَّبات لعامّة الخلق، والسؤال عن غوامض المسائل والعلوم المختصَّة بهم عليهم السلام، فإن أجاب بالحقّ فيها وموافقاً لما وصل إليكم من آبائهم عليهم السلام فاعلموا أنَّه الإمام، وهذا مختصٌّ بالعلماء)(289).
والعجيب أنَّ أحمد إسماعيل يحاول إثبات إمامته المزعومة بكتيِّبات يدَّعي أنَّه ألَّفها مثل كتاب (المتشابهات)، وكتاب (العجل) وغيرهما من الكتب العادية جدَّاً.
وإذا كان هو قد ألَّف هذه الكراريس فغيره قد كتب الموسوعات، وصنَّف عشرات المجلَّدات في العلوم المختلفة ولم يدَّعِ الإمامة.
أمَّا بالنظر إلى مضمون ما كتبه فجلّ مصنَّفاته المنسوبة إليه هي خزعبلات وتُرَّهات سنذكر بعض ما فيها في الردِّ على أدلَّتهم، وسيتَّضح للقارئ الكريم جهل أحمد إسماعيل، وتهافت كلامه، بل كذبه ودجله!
ولو فرضنا أنَّ ما كتبه ذو قيمة علمية فهذا لا يعني صدق دعاواه المختلفة؛ لأنَّنا لا نعلم صحَّة نسبة هذه الكتب إليه، بل لا نعلم هل هذا الرجل حيٌّ أم ميّت! وإنَّما يُعرَف الإمام بالعلم إذا جالسه العلماء، وسألوه وناظروه، أمَّا إصدار الكتب فيمكن لأيّ جهة ذات خبرة ونفوذ مثل استخبارات الدول الغربية، إذا أرادت أن تضلِّل المسلمين، أو تحدث أيّ فتنة في الشيعة، أن تخلق من شخص عادي أُسطورة، وتنسب له المؤلَّفات الكثيرة، وهو غائب مختف، ولعلَّها قامت باغتياله، كي لا يتفرَّق أتباعه المخدوعون به.
وقد سار شيعة أهل البيت عليهم السلام على هذا النهج، فكانوا لا يصدِّقون أيّ ادِّعاء إلَّا بعد اختبار صاحب الدعوى وامتحانه، وبعض أئمّة أهل البيت عليهم السلام الذين وقع الشكّ أو التشكيك في إمامتهم كالإمام الكاظم عليه السلام، اختبرهم بعض الشيعة، ولم يُنكروا عليهم السلام ذلك منهم.
فقد روى الكليني قدس سره بسنده عن هشام بن سالم، قال: كنّا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله عليه السلام أنا وصاحب الطاق، والناس مجتمعون على عبد الله بن جعفر أنَّه صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق والناس عنده، وذلك أنَّهم رووا عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: (إنَّ الأمر في الكبير ما لم تكن به عاهة)، فدخلنا عليه نسأله عمَّا كنّا نسأل عنه أباه، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ فقال: في مائتين خمسة، فقلنا: ففي مائة؟ فقال: درهمان ونصف. فقلنا: والله ما تقول المرجئة هذا! قال: فرفع يده إلى السماء، فقال: والله ما أدري ما تقول المرجئة. قال: فخرجنا من عنده ضُلَّالاً، لا ندري إلى أين نتوجَّه أنا وأبو جعفر الأحول، فقعدنا في بعض أزقَّة المدينة باكين حيارى، لا ندري إلى أين نتوجَّه ولا من نقصد؟ ونقول: إلى المرجئة؟ إلى القدرية؟ إلى الزيدية؟ إلى المعتزلة؟ إلى الخوارج؟ فنحن كذلك إذ رأيت رجلاً شيخاً لا أعرفه، يومي إليَّ بيده، فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور، وذلك أنَّه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون إلى من اتَّفقت شيعة جعفر عليه السلام، فيضربون عنقه، فخفت أن يكون منهم، فقلت للأحول: تنحَّ، فإنّي خائف على نفسي وعليك، وإنَّما يريدني لا يريدك، فتنحَّ عنّي لا تهلك، وتعين على نفسك. فتنحَّى غير بعيد، وتبعت الشيخ، وذلك أنّي ظننت أنّي لا أقدر على التخلّص منه، فما زلت أتبعه وقد عزمت على الموت، حتَّى ورد بي على باب أبي الحسن عليه السلام، ثمّ خلَّاني ومضى، فإذا خادم بالباب، فقال لي: أُدخل رحمك الله. فدخلت فإذا أبو الحسن موسى عليه السلام، فقال لي ابتداءً منه: (لا إلى المرجئة، ولا إلى القدرية، ولا إلى الزيدية، ولا إلى المعتزلة، ولا إلى الخوارج، إليَّ إليَّ). فقلت: جُعلتُ فداك مضى أبوك؟ قال: (نعم). قلت: مضى موتاً؟ قال: (نعم). قلت: فمن لنا من بعده؟ فقال: (إن شاء الله أن يهديك هداك). قلت: جُعلتُ فداك، إنَّ عبد الله يزعم أنَّه من بعد أبيه! قال: (يريد عبد الله أن لا يُعبَد الله). قال: قلت: جُعلتُ فداك، فمن لنا من بعده؟ قال: (إن شاء الله أن يهديك هداك). قال: قلت: جُعلتُ فداك، فأنت هو؟ قال: (لا، ما أقول ذلك). قال: فقلت في نفسي: لم أصبُ طريق المسألة، ثمّ قلت له: جُعلتُ فداك، عليك إمام؟ قال: (لا). فداخلني شيء لا يعلم إلَّا الله عز وجل، إعظاماً له وهيبةً، أكثر ممَّا كان يحلُّ بي من أبيه إذا دخلت عليه، ثمّ قلت له: جُعلتُ فداك، أسألك عمَّا كنت أسأل أباك؟ فقال: (سل تُخبَر، ولا تُذِعْ، فإن أذعت فهو الذبح). فسألته فإذا هو بحر لا يُنزَف، قلت: جُعلتُ فداك، شيعتك وشيعة أبيك ضُلَّال، فألقى إليهم وأدعوهم إليك، وقد أخذت عليَّ الكتمان؟ قال: (مَن آنستَ منه رشداً فالقِ إليه، وخذ عليه الكتمان، فإن أذاعوا فهو الذبح _ وأشار بيده إلى حلقه _). قال: فخرجتُ من عنده، فلقيت أبا جعفر الأحول، فقال لي: ما وراءك؟ قلت: الهدى. فحدَّثته بالقصَّة، قال: ثمّ لقينا الفضيل وأبا بصير، فدخلا عليه، وسمعا كلامه، وساءلاه، وقطعا عليه بالإمامة، ثمّ لقينا الناس أفواجاً، فكلّ من دخل عليه قطع، إلَّا طائفة عمّار وأصحابه، وبقي عبد الله لا يَدخل إليه إلَّا قليل من الناس، فلمَّا رأى ذلك قال: ما حال الناس؟ فأُخبر أنَّ هشاماً صدَّ عنك الناس، قال هشام: فأقعد لي بالمدينة غيرَ واحد ليضربوني(290).
فانظر أيّها القارئ كيف كان دأب خواصّ شيعة أمير المؤمنين عليه السلام في تمحيص كلّ مُدَّعٍ، ولهذا ثبت لهشام بن الحكم بالاختبار بطلان مزاعم عبد الله الأفطح وصحَّة إمامة الإمام موسى الكاظم عليه السلام!
وكما تبيَّن لك من الرواية أنَّ الإمام الكاظم عليه السلام هو الذي دعا هشام بن الحكم إلى بيته لكي يثبت له إمامته، وأنَّه عليه السلام كان يجيب على كلّ أسئلة من دخل عليه من الشيعة. قال هشام: (ثمّ لقينا الناس أفواجاً، فكلّ من دخل عليه قطع) أي بإمامته، بل إنَّه عليه السلام أجاب على مسألة هشام الدالّة على حيرته قبل أن يسأله!
وعليه، فكلّ من نصب نفسه إماماً للناس، أو ادَّعى أنَّه حُجَّة الله على خلقه، عليه أن يمكِّن الناس من اختباره وسؤاله في المواضيع التي يختارونها، وليس له أن يحدِّد للناس ما يسألونه فيه، أو يجيب على بعض المسائل ويترك بعضاً آخر؛ لأنَّ حجَّة الله في أرضه يجب أن يكون أعلم الناس بكلّ العلوم، ولا يُسئل عن شيء إلَّا أجاب!
فقد روى الكليني قدس سره بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: (إنَّ الله لا يجعل حُجَّة في أرضه يُسئل عن شيء فيقول: لا أدري)(291).
وسنذكر لاحقاً إن شاء الله تعالى أنَّ كلّ إمام عنده صحيفة فيها كلّ ما يحتاج إليه ولد آدم، وبمقتضى الإطلاق نعلم أنَّ فيها كلّ العلوم، سواء الدينية كانت أم الدنيوية، ولهذا كان أئمّة أهل البيت عليهم السلام متبحِّرين في علوم الطبّ، والكيمياء، والفيزياء، بل كانوا الأفضل في كلّ هذه العلوم وغيرها، وقد كان أرباب هذه العلوم يشهدون لهم بالسبق فيها، ويقرّون لهم بالعجز وعدم مجاراتهم فيها.
ولو أردنا أن نطبِّق هذه العلامة على أحمد إسماعيل لوجدنا أنَّها لا تنطبق؛ لأنَّه غائب مختفٍ، لا نتمكَّن من الوصول إليه، ولا نقدر على مشافهته، لا بالهاتف ولا بغيره، فكيف نسأله عن العظائم التي لا يعلمها غيره؟ وقد سألناه عبر موقعه على الانترنت مسائل لا يجيب عليها إلَّا الإمام المعصوم، فلم يصلنا منه جواب، هذا إن كان هو الذي يجيب على ما يرد إلى موقعه من مسائل كما يدَّعي ذلك أتباعه.
وبعض المروِّجين له يزعم أنَّ أحمد إسماعيل أجاب على مختلف المسائل التي ترد إلى موقعه الرسمي، وهذا دليل على إمامته، ولكن ما يُزعَم أنَّ أحمد إسماعيل أجاب عليها مسائل عادية يجيب عليها غيره بإجابات أفضل من الإجابة المنسوبة إليه، مع أنَّنا لا نعلم أنَّه هو الذي أجاب عليها أو غيره، والظاهر من الروايات هو لزوم اللقاء والمشافهة في سؤال الإمام، وإلَّا فلا يمكن تصديقه في دعواه أنَّه أجاب.
2 _ العلامات:
الأمر الثاني الذي يُميَّز به المحقّ من المبطل هو وجود علامات اختصَّ الله بها أنبياءه وحُجَجه، وميَّزهم بها على جميع خلقه، فلا تجدها في غيرهم عليهم السلام، ولهذا صارت علامات فارقة وأدلَّة واضحة تقطع دابر كلّ مُدَّعٍ.
وروايات أئمّة أهل البيت عليهم السلام تكفَّلت ببيان تلك العلامات، وتوضيحها للناس بشكل لا يحتمل اللبس والاشتباه.
منها: عشر علامات ذكرها الإمام الباقر عليه السلام في رواية رواها ثقة الإسلام الكليني بسنده عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (للإمام عشر علامات: يولَد مطهَّراً، مختوناً، وإذا وقع على الأرض وقع على راحتيه رافعاً صوته بالشهادتين، ولا يجنب، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يتثاءب، ولا يتمطَّى، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونَجْوُه _ أي غائطه _ كرائحة المسك، والأرض موكَّلة بستره وابتلاعه، وإذا لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت عليه وفقاً، وإذا لبسه غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً، وهو محدَّث إلى أن تنقضي أيّامه)(292).
ومنها: علامات أُخر ذكرها الإمام الرضا عليه السلام فيما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام، قال: (للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويولَد مختوناً، ويكون مطهَّراً، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظلّ، وإذا وقع إلى الأرض من بطن أُمّه وقع على راحتيه، رافعاً صوته بالشهادتين، ولا يحتلم، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ويكون مُحدَّثاً، ويستوي عليه درع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يُرى له بول ولا غائط؛ لأنَّ الله عز وجل قد وكَّل الأرض بابتلاع ما يخرج منه، وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك، ويكون أولى بالناس منهم بأنفسهم، وأشفق عليهم من آبائهم وأُمّهاتهم، ويكون أشدّ الناس تواضعاً لله عز وجل، ويكون آخَذَ الناس بما يأمر به، وأكفَّ الناس عمَّا ينهى عنه، ويكون دعاؤه مستجاباً، حتَّى إنَّه لو دعا على صخرة لانشقَّت نصفين، ويكون عنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيفه (ذو الفقار)، وتكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة، وتكون عنده الجامعة، وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً، فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم)(293).
فهذه العلامات كفيلة بمعرفة صدق أو كذب أيّ مُدَّعٍ؛ لأنَّها علامات مادّية محسوسة ملموسة، لا تجتمع في غير الإمام عليه السلام!
فمثلاً من جملة العلامات المذكورة أنَّ الإمام لا يكون له ظلّ، وهذا شيء مخالف لقوانين الطبيعة، فلا يُعرَف في كلّ البشرية من ليس له ظلّ سوى ما ثبت عن أهل البيت عليهم السلام.
فلو رأينا في هذه الأيّام رجلاً لا ظلَّ له فسنقطع بأنَّه يمتاز عن بقيّة الناس بمميِّزات فريدة تدعونا لتصديق دعواه في الإمامة.
ومن جملة العلامات المذكورة أيضاً أنَّ الإمام ينظر من الخلف كما ينظر من الإمام، وهذه من الصفات الغريبة الخارقة للعادة، بل هي من العلامات الواضحة التي يمكن لكلّ أحد وبسهولة معرفة من تتوفَّر فيه هذه الصفة.
وليست العلامات محصورة فيما ذكرناه، بل توجد علامات أُخرى كثيرة متناثرة هنا وهناك في الروايات الشريفة، وقد ذكرنا بعضاً منها فقط من باب المثال وليس الحصر.
ولنختم بهذه الرواية التي اشتملت على عدَّة علامات مهمّة، منها معرفته عليه السلام بكلّ اللغات، وبمنطق الطير والدواب.
فقد روى الكليني قدس سره بسنده عن أبي بصير، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: جُعلتُ فداك، بِمَ يُعرَف الإمام؟ قال: فقال: (بخصال: أمَّا أوَّلها فإنَّه بشيء قد تقدَّم من أبيه فيه بإشارة إليه؛ لتكون عليهم حجَّة، ويُسئل فيُجيب، وإن سُكِتَ عنه ابتدأ، ويخبر بما في غد، ويكلِّم الناس بكلّ لسان)، ثمّ قال لي: (يا أبا محمّد، أعطيك علامة قبل أن تقوم). فلم ألبث أن دخل علينا رجل من أهل خراسان، فكلَّمه الخراساني بالعربية، فأجابه أبو الحسن عليه السلام بالفارسية، فقال له الخراساني: والله جُعلتُ فداك، ما منعني أن أُكلِّمك بالخراسانية غير أنّي ظننت أنَّك لا تحسنها. فقال: (سبحان الله، إذا كنت لا أحسن أُجيبك فما فضلي عليك؟)، ثمّ قال لي: (يا أبا محمّد، إنَّ الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس، ولا طير، ولا بهيمة، ولا شيء فيه الروح، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام)(294).
فتأمَّل قارئ العزيز في قوله عليه السلام: (فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام)، فإنَّه يدلُّ على أنَّ كلّ من يدَّعي الإمامة ولا يعرف كلّ اللغات، ولا يفهم منطق الطير والحيوان، ولا يخبر بما يجري في الغد فليس بإمام، بل هو كاذب في ادِّعائه.
يعني أنَّ الشخص الذي لا يتكلَّم بكلّ لغات البشر، ولا يفهم منطق كلّ ذوات الأرواح فهو كاذب في ادِّعائه الإمامة!
فأين أحمد إسماعيل من كلّ هذه العلامات؟
ولماذا لا يُظهِر نفسه للناس كي يتسنَّى للشيعة مطابقة هذه العلامات عليه؟ أم أنَّه يخاف أن يُفتَضح أمره، ويكتشف الناس حاله؟
3 _ المعجزة:
من أهمّ الدلائل التي يُعرَف بها صدق المدَّعي للإمامة، هو جريان المعجزة على يديه، بل هي الأمر القاطع الدالّ على صدق دعوة الأنبياء والرسل والحجج عليهم السلام، وقد أظهر كلّ نبيّ وإمام معاجز وخوارق دلَّت يقيناً على صدق دعواهم.
وقد ورد هذا المعنى عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام، فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لأيّ علَّة أعطى الله عز وجل أنبياءه ورسله وأعطاكم المعجزة؟ فقال: (ليكون دليلاً على صدق من أتى به، والمعجزة علامة لله، لا يعطيها إلَّا أنبياءه ورسله وحججه؛ ليُعرَف به صدق الصادق من كذب الكاذب)(295).
فهذه الرواية المباركة تبيِّن أنَّ الله تعالى أعطى أئمّة أهل البيت عليهم السلام المعجزات، وجعلها علامة لتمييز الصادق من الكاذب.
وبمراجعة تاريخ الأئمّة الأطهار عليهم السلام نجد أنَّهم كانوا لا يتأخَّرون عن إظهار المعجزة في الموارد التي يُطلَب منهم فيها ذلك، بل كانوا يأتون بالمعجزات والكرامات ابتداءً لإثبات إمامتهم أو تأكيدها كما في روايتي هشام بن الحكم وأبي بصير السابقتين.
ومن الروايات المشهورة الرواية التي ذكرت قصَّة حبّابة الوالبية التي رواها الشيخ الكليني بسنده عن حبّابة الوالبية، قالت: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام في شرطة الخميس، ومعه درَّة لها سبّابتان، يضرب بها بيّاعي الجرِّي والمارماهي والزمّار، ويقول لهم: (يا بيّاعي مسوخ بني إسرائيل وجند بني مروان). فقام إليه فرات بن أحنف، فقال: يا أمير المؤمنين، وما جند بني مروان؟ قال: فقال له: (أقوام حلقوا اللحى، وفتلوا الشوارب، فمُسخوا). فلم أرَ ناطقاً أحسن نطقاً منه، ثمّ اتَّبعته، فلم أزل أقفو أثره حتَّى قعد في رحبة المسجد، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما دلالة الإمامة يرحمك الله؟ قالت: فقال: (ائتيني بتلك الحصاة _ وأشار بيده إلى حصاة _)، فأتيته بها، فطبع لي فيها بخاتمه، ثمّ قال لي: (يا حبّابة، إذا ادَّعى مُدَّعٍ الإمامة، فقَدِرَ أن يطبع كما رأيتِ فاعلمي أنَّه إمام مفترض الطاعة، والإمام لا يعزب عنه شيء يريده). قالت: ثمّ انصرفت، حتَّى قُبِضَ أمير المؤمنين عليه السلام، فجئت إلى الحسن عليه السلام وهو في مجلس أمير المؤمنين عليه السلام والناس يسألونه، فقال: (يا حبّابة الوالبية)، فقلت: نعم يا مولاي. فقال: (هاتي ما معك). قال: فأعطيته، فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين عليه السلام، قالت: ثمّ أتيت الحسين عليه السلام وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقرَّب ورحَّب، ثمّ قال لي: (إنَّ في الدلالة دليلاً على ما تريدين، أفتريدين دلالة الإمامة؟)، فقلت: نعم يا سيّدي، فقال: (هاتي ما معك)، فناولته الحصاة، فطبع لي فيها، قالت: ثمّ أتيت علي بن الحسين عليه السلام وقد بلغ بي الكبر إلى أن أرعشت، وأنا أعد يومئذٍ مائة وثلاث عشرة سنة، فرأيته راكعاً وساجداً ومشغولاً بالعبادة، فيئست من الدلالة، فأومأ إليَّ بالسبّابة، فعاد إليَّ شبابي، قالت: فقلت: يا سيّدي، كم مضى من الدنيا وكم بقي؟ فقال: (أمَّا ما مضى فنعم، وأمَّا ما بقي فلا)، قالت: ثمّ قال لي: (هاتي ما معك). فأعطيته الحصاة، فطبع لي فيها، ثمّ أتيت أبا جعفر عليه السلام، فطبع لي فيها، ثمّ أتيت أبا عبد الله عليه السلام، فطبع لي فيها، ثمّ أتيت أبا الحسن موسى عليه السلام، فطبع لي فيها، ثمّ أتيت الرضا عليه السلام فطبع لي فيها(296).
وهذه الرواية الشريفة اشتملت على الجانب النظري والعملي للمعجزة، فأمير المؤمنين عليه السلام ذكر منهجاً واضحاً لمعرفة الإمام الحقّ، فقال: (يا حبّابة إذا ادَّعى مُدَّعٍ الإمامة، فقَدِرَ أن يطبع كما رأيتِ فاعلمي أنَّه إمام مفترض الطاعة)، فكلّ من يدَّعي الإمامة لا بدَّ أن تكون له القدرة على أن يطبع بخاتمه على حجر!
والشيء الثاني هو طبع أمير المؤمنين عليه السلام على حجر، وكذا بقيّة الأئمّة عليهم السلام إلى الإمام الرضا عليه السلام!
ونفس هذه الحصاة طبع عليها باقي أئمّة أهل البيت عليهم السلام إلى الإمام العسكري عليه السلام كما في رواية الكليني قدس سره بسنده: عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: كنت عند أبي محمّد عليه السلام فاستؤذن لرجل من أهل اليمن عليه، فدخل رجل عبل، طويل جسيم، فسلَّم عليه بالولاية، فردَّ عليه بالقبول، وأمره بالجلوس، فجلس ملاصقاً لي، فقلت في نفسي: ليت شعري من هذا؟ فقال أبو محمّد عليه السلام: (هذا من ولد الأعرابية صاحبة الحصاة التي طبع آبائي عليهم السلام فيها بخواتيمهم فانطبعت، وقد جاء بها معه يريد أن أطبع فيها)، ثمّ قال: (هاتها). فأخرج حصاة وفي جانب منها موضع أملس، فأخذها أبو محمّد عليه السلام، ثمّ أخرج خاتمة، فطبع فيها فانطبع، فكأنّي أرى نقش خاتمه الساعة: (الحسن بن علي)، فقلت لليماني: رأيته قبل هذا قطّ؟ قال: لا والله، وإنّي لمنذ دهر حريص على رؤيته حتَّى كأنَّ الساعة أتاني شاب لست أراه، فقال لي: (قم فادخل)، فدخلت. ثمّ نهض اليماني وهو يقول: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، ذرّية بعضها من بعض، أشهد بالله أنَّ حقَّك لواجب كوجوب حقّ أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة من بعده صلوات الله عليهم أجمعين. ثمّ مضى، فلم أرَه بعد ذلك، قال إسحاق: قال أبو هاشم الجعفري: وسألته عن اسمه، فقال: اسمي مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم بن أُمّ غانم وهي الأعرابية اليمانية، صاحبة الحصاة التي طبع فيها أمير المؤمنين عليه السلام والسبط إلى وقت أبي الحسن عليه السلام(297).
هذه هي الصفات التي يُعرَف بها الإمام، فمن توفَّرت فيه علمنا أنَّه إمام مفترض الطاعة، وإلَّا فهو كذّاب مفتر.
أمَّا أحمد إسماعيل فلا يُعرَف عنه سوى اسمه (أحمد) الذي جعله أهمّ دليل على إمامته ووصايته، ولم تظهر على يديه أيّ كرامة تدلُّ على صدقه، فكيف يُصدِّق عاقل بدعاواه؟!
ونختم هذا البحث برواية شريفة تحكي لنا حادثة وقعت لشخص التبس عليه الأمر، ولم يستطع معرفة إمامه، كحال بعض الناس في هذه الأيّام الذين التبست عليهم الأُمور؛ لجهلهم بكلام أئمّة أهل البيت عليهم السلام ومقاماتهم.
فقد روى المجلسي رحمه الله في البحار: عن عبد الله بن كثير في خبر طويل أنَّ رجلاً دخل المدينة يسأل عن الإمام، فدلّوه على عبد الله بن الحسن، فسأله هنيئة ثمّ خرج، فدلّوه على جعفر بن محمّد عليه السلام، فقصده، فلما نظر إليه جعفر قال: (يا هذا إنَّك كنتَ مغرى، فدخلت مدينتنا هذه تسأل عن الإمام، فاستقبلك فئة من ولد الحسن، فأرشدوك إلى عبد الله بن الحسن، فسألتَه هنيئة ثمّ خرجت، فإن شئت أخبرتك عمَّا سألته، وما ردَّ عليك، ثمّ استقبلك من ولد الحسين، فقالوا لك: يا هذا إن رأيت أن تلقى جعفر بن محمّد فافعل). فقال: صدقت، قد كان كما ذكرت، فقال له: (ارجع إلى عبد الله بن الحسن، فاسأله عن درع رسول الله وعمامته). فذهب الرجل، فسأله عن درع رسول الله والعمامة، فأخذ درعاً من كندوج له، فلبسها، فإذا هي سابغة [أي واسعة]، فقال: كذا كان رسول الله يلبس الدرع، فرجع إلى الصادق فأخبره، فقال: (ما صدق)، ثمّ أخرج خاتماً، فضرب به الأرض، فإذا الدرع والعمامة ساقطين من جوف الخاتم، فلبس أبو عبد الله الدرع، فإذا هي إلى نصف ساقه، ثمّ تعمَّم بالعمامة، فإذا هي سابغة، فنزعها، ثمّ ردَّهما في الفصّ، ثمّ قال: (هكذا كان رسول الله يلبسها، إنَّ هذا ليس ممَّا غُزِلَ في الأرض، إنَّ خزانة الله في (كُنْ)، وإنَّ خزانة الإمام في خاتمه، وإنَّ الله عنده في الدنيا كسكرجة، وإنَّها عند الإمام كصحيفة، فلو لم يكن الأمر هكذا لم نكن أئمّة، وكنّا كسائر الناس)(298).
فكلّ من يدَّعي الإمامة دجَّال كذَّاب إمام من أئمّة النار ما لم يفعل تماماً كما فعل الإمام الصادق عليه السلام.
وقد ورد بخصوص قائم آل محمّد عليهم السلام نصٌّ يقطع دابر كلّ من يحاول ادّعاء هذا المنصب، وهو ما رواه الفضل بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلَّا ويُظهِر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا؛ لإتمام الحجَّة على الأعداء)(299).
فالحجَّة التامّة عند إمامنا المهدي روحي لمقدمه الفداء، إذ أنَّه سيأتي بكلّ معجزات الأنبياء من قلب العصا إلى ثعبان، وإبراء الأكمه والأبرص والأعمى، وحتَّى إحياء الموتى، وخلق الطير من الطين!
ولذلك نحن نطلب من أحمد إسماعيل أن يأتي بمعجزة واحدة فقط من معجزات الأنبياء السابقين تدلُّ على صدقه، ولن يأتي بها أبداً.
طبعاً حاول أحمد إسماعيل أن يُلبِّس على الناس بأمر سمَّاه معجزة وهو أشبه شيء بما أتى به مسيلمة الكذَّاب عندما أراد أن يضاهي بدعوته دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!
قال أحمد إسماعيل في إحدى بياناته: (وأوّل معجزة أُظهِرُها للمسلمين وللناس أجمعين هو أنّي أعرف موضع قبر فاطمة عليها السلام بضعة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وجميع المسلمين مجمعين على أنَّ قبر فاطمة عليها السلام مغيَّب، لا يعلم موضعه إلَّا الإمام المهدي عليه السلام، وهو أخبرني بموضع قبر أُمّي فاطمة عليها السلام، وموضع قبرها بجانب قبر الإمام الحسن عليه السلام، وملاصق له، وكأنَّ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام مدفون في حضن فاطمة عليها السلام، ومستعدّ أن أقسم على ما أقول، والله على ما أقول شهيد ورسوله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي عليه السلام الذي دفن فاطمة عليها السلام)(300).
وهذه المهزلة التي سمَّاها معجزة نردّها بأُمور:
أوّلاً: ما قاله أحمد إسماعيل هو مجرَّد ادِّعاء، يمكن لأيّ شخص أن يقول مثله، ولا يوجد أيّ دليل يثبت به صدقه سوى قسمه، والقسم لا ينفع في المقام، بل إنَّ معجزته هذه بحاجة إلى معجزة أُخرى لإثبات صدقها! إذ كيف يمكن له أن يثبت أنَّ الزهراء عليها السلام مدفونة في البقيع بجانب الإمام الحسن عليه السلام؟!
وبعبارة أُخرى: إنَّ أحمد إسماعيل لم يفرِّق بين الادّعاء والمعجزة، وهذا وحده كافٍ في إسقاط إمامته ووصايته.
ثانياً: ما قاله أحمد إسماعيل مخالف لما روي عنهم عليهم السلام من أنَّ السيّدة الزهراء عليها السلام دُفنت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو في بيتها:
فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره في (معاني الأخبار) بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنَّة، ومنبري على ترعة من ترع الجنَّة؛ لأنَّ قبر فاطمة صلوات الله عليها بين قبره ومنبره، وقبرها روضة من رياض الجنَّة، وإليه ترعة من ترع الجنَّة).
قال الشيخ الصدوق قدس سره بعد ذكر الحديث السابق: (روي هذا الحديث هكذا، وأوردته لما فيه من ذكر المعنى، والصحيح عندي في موضع قبر فاطمة عليها السلام ما حدَّثنا به أبي رضي الله عنه، قال: حدَّثني محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدَّثني سهل بن زياد الآدمي، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، قال: سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليها السلام عن قبر فاطمة صلوات الله عليها، فقال: (دُفنت في بيتها، فلمَّا زادت بنو أُميّة في المسجد صارت في المسجد)(301).
فكلام أهل البيت لا يخالف بعضه بعضاً، فإمَّا أن يكون كلام أئمّة أهل البيت عليهم السلام صحيحاً، ويكون أحمد إسماعيل مخطئاً، أو العكس.
ثالثاً: أنَّ أحمد إسماعيل قال: (وجميع المسلمين مجمعين على أنَّ قبر فاطمة عليها السلام مغيَّب، لا يعلم موضعه إلَّا الإمام المهدي عليه السلام)، مع أنَّ أهل السُّنَّة لا يقولون بذلك، وإنَّما يقولون: (إنَّ قبر فاطمة في البقيع) كما زعمه أحمد إسماعيل، وكلمات أعلامهم تدلُّ على ذلك.
قال ابن عبد البرّ في ترجمة الإمام الحسن عليه السلام: (ودُفن إلى جنب أُمّه فاطمة رضي الله عنها وعن بنيها أجمعين)(302).
وقال العاصمي المكّي: (وأمَّا موضع قبرها رضي الله عنها [يعني فاطمة عليها السلام] فذكره الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ: أنَّ الحسن لما توفّي دُفِنَ إلى جانب أُمّه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبر الحسن معروف بجنب قبر العبّاس. ويُذكَر لفاطمة ثمَّة قبر، فتكون على هذا مع الحسن في قبَّة العبّاس، فينبغي أن يُسلَّم عليها هنالك)(303).
وقال الصفدي: (ولمَّا مات [يعني الإمام الحسن عليه السلام] ارتجَّت المدينة صياحاً، وكان قد أوصى أن يُدفَن في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا أن تُخاف فتنة، فحال مروان بمن معه دون ذلك، فقال: والله لا يُدفَن في الحجرة وقد دُفن عثمان في البقيع، وبلغ ذلك معاوية فاستصوبه، فدُفن عند قبر أُمّه فاطمة)(304).
رابعاً: أنَّه يَظهر من أحمد إسماعيل أنَّه لا يعلم أنَّ روايات أهل البيت عليهم السلام دلَّت على أنَّ أجساد الأنبياء والمرسلين عليهم السلام تُرفع من الأرض إلى السماء بعد ثلاثة أيّام من الدفن، في حين أنَّ الرجل يرى أنَّ الإمام الحسن عليه السلام دُفِنَ في حضن الزهراء عليها السلام!
فقد روى محمّد بن الحسن الصفّار بسنده عن زياد بن أبي الحلال، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (ما من نبيّ ولا وصيّ يبقى في الأرض أكثر من ثلاثة أيّام، حتَّى يُرفَع بروحه وعظمه ولحمه إلى السماء، وإنَّما يؤتى موضع آثارهم، ويبلغ بهم من بعيد السلام، ويسمعونهم على آثارهم من قريب)(305).
وبمضمون هذا الخبر صرَّح أعلام الطائفة، ونصّوا على أنَّ أجساد الأنبياء والأئمّة عليهم السلام لا تبقى في الأرض بعد الوفاة:
قال الشيخ المفيد قدس سره: (وأمَّا أحوالهم بعد الوفاة فإنَّهم يُنقَلون من تحت التراب، فيسكنون بأجسامهم وأرواحهم جنَّة الله تعالى، فيكونون فيها أحياء يتنعَّمون إلى يوم الممات، يستبشرون بمن يلحق بهم من صالحي أُممهم وشيعتهم، ويلقونه بالكرامات، وينتظرون مَنْ يَرِدُ عليهم من أمثال السابقين من ذوي الديانات)(306).
وقال الكراجكي قدس سره: (إنَّا لا نشكُّ في موت الأنبياء عليهم السلام، غير أنَّ الخبر قد ورد بأنَّ الله تعالى يرفعهم بعد مماتهم إلى سمائه، وأنَّهم يكونون فيها أحياء متنعِّمين إلى يوم القيامة، ليس ذلك بمستحيل في قدرة الله تعالى، وقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (أنا أكرم عند الله من أن يدعني في الأرض أكثر من ثلاث)، وهكذا عندنا حكم الأئمّة عليهم السلام. قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: (لو مات نبيّ بالمشرق، ومات وصيُّه بالمغرب، لجمع الله بينهما)، وليس زيارتنا لمشاهدهم على أنَّهم بها، ولكن لشرف المواضع، فكانت غيبة الأجسام فيها، ولعباده أيضاً ندبنا إليها، فيصحُّ على هذا أن يكون النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم رأى الأنبياء عليهم السلام في السماء، فسألهم كما أمره الله)(307).
وقال حسن بن سليمان الحلّي قدس سره: (كما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه يَرى من خلفه كما يَرى من بين يديه، وأنَّه إذا مشى أثَّر قدمه الشريف في الحجر، ولم يؤثِّر في الرمل، وأنَّ الخلق بعد الموت تبلى أجسادهم وتصير ترباً، وجسده صلوات الله عليه لا يبلى، ولا يصير رميماً، وأنَّه إذا وقف في الشمس لا ظلَّ له، وأنَّ الإمام إذا مات لا يبقى في الأرض أكثر من ثلاثة أيّام، ثمّ ينتقل إلى الجنَّة مصاحباً للنبيّ، وإنَّما يُزار عليه السلام في مكانه الذي تشرَّف بدنه فيه، وهو عليه السلام يرى زُوَّاره، ويسمع كلامهم، ولا يخفى عليه شيء منهم، هكذا جاء في الأثر عنهم عليهم السلام)(308).
إلى غير ذلك من كلماتهم قدَّس الله أسرارهم، ولكن أحمد إسماعيل كشف عن جهله بمعجزته المزعومة، وأثبت أنَّه ليس أكثر من متطفِّل على العلم والعلماء، حاول الرَّقص على جراحات الشيعة المفجوعين بفقد إمامهم عليه السلام والمنتظرين لظهوره المبارك.
أدلَّة أحمد إسماعيل وأتباعه:
أعرض أحمد إسماعيل وأتباعه عن كلّ الروايات التي حدَّدت القانون الذي يُعرَف به المحقّ من المبطل والتي ذكرناها سابقاً، وجعلوا لأنفسهم منهجاً خاصَّاً يتلاءم مع دعوة إمامهم أحمد إسماعيل، جعلوه على مقاسهم، وحاولوا الاستدلال عليه ببعض الروايات المتشابهة.
وقد قال أحمد إسماعيل في أحد خطاباته معدِّداً أدلَّة دعوته: (لقد أتيناكم بأدلَّتهم، وجئناكم بها واضحة وضوح الشمس لمن يطلب معرفة الحقّ، فهل وصيّة رسول الله وهي ذخر محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وآل محمّد عليهم السلام بصاحب الحقّ اليماني وقائم آل محمّد لا تكفي؟ وهل العلم والمعرفة لا تكفي؟ وهل الانفراد من بين كلّ أهل الأرض برفع راية حاكمية الله لا تكفي؟ هذا الانفراد أليس آية من الله واضحة وضوح الشمس بعد أن أقرَّ فقهاء الضلال حاكمية الناس، وتخلّوا عن حاكمية الله، لم يبقَ من يرفع راية حاكمية الله غير صاحب الحقّ، وهذا الانفراد يرفع كلّ لبس أو شبهة عن طالب الحقّ؛ لأنَّ الأرض لا تخلو من الحقّ، والحقّ في حاكمية الله)(309).
وهذه الكلمة اشتملت على أباطيل متعدِّدة، وهي:
1 _ الوصيّة:
ادَّعى أحمد إسماعيل أنَّ دليل إمامته المزعومة هو الوصيّة، وقال: (إنَّها كافية لتمييز المحقّ من المبطل).
وقد استدلَّ بعض المروِّجين له من أتباعه ببعض الروايات التي نصَّت على استدلال إمام الحقّ بالوصيّة، كرواية الحرث بن المغيرة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: بِمَ يُعرَف صاحب هذا الأمر؟ قال: (بالسكينة، والوقار، والعلم، والوصيّة)(310).
والجواب على هذا: أنَّ استدلالهم بها باطل قطعاً؛ لأنَّ المقصود بالاحتجاج بالوصيّة في هذا الخبر ليس مجرَّد الادّعاء بأنَّ اسم (أحمد) المذكور في رواية ضعيفة من روايات الوصيّة هو أحمد إسماعيل، وانتهى الأمر!
بل إنَّ أهل البيت عليهم السلام وضَّحوا لنا كيف يكون الاحتجاج بالوصيّة، وبيَّنوا لنا شروطه، لكن القوم تعاموا عن كلّ ذلك، فصاروا من أجلى مصاديق قوله تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة: 85).
فالوصيّة التي يحتجُّ بها إمام الحقّ هي الكتب التي نزلت من السماء لكلّ إمام، مختومة بالذهب، وفيها تكليف كلّ إمام، أو الوصيّة التي أملاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكتبها أمير المؤمنين عليه السلام بيده الشريفة.
ثمّ إنَّ الوصيّة لها شرط مهمّ قد غفل أو تغافل عنه أحمد إسماعيل وأتباعه الذين يدعون له، وهو أنَّ الوصيّة لا بدَّ أن تكون ظاهرة، مشهورة، معروفة، بحيث يعرف كلّ الشيعة أو جلّهم أنَّ هذا الإمام هو وصيّ الإمام السابق لا يختلفون في ذلك.
فقد روى الكليني قدس سره بسند صحيح عن هشام بن سالم وحفص بن البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قيل له: بأيّ شيء يُعرَف الإمام؟ قال: (بالوصيّة الظاهرة، وبالفضل)(311).
وبسند صحيح أيضاً عن ابن أبي نصر، قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: إذا مات الإمام بِمَ يُعرَف الذي بعده؟ فقال: (للإمام علامات، منها: أن يكون أكبر ولد أبيه، ويكون فيه الفضل والوصيّة، ويقدم الركب فيقول: إلى من أوصى فلان؟ فيقال: إلى فلان)(312).
وبسنده عن عبد الأعلى، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: المتوثِّب على هذا الأمر، المدَّعي له، ما الحجَّة عليه؟ قال: (يُسئل عن الحلال والحرام). قال: ثمّ أقبل عليَّ، فقال: (ثلاثة من الحجَّة لم تجتمع في أحد إلَّا كان صاحب هذا الأمر، أن يكون أولى الناس بمن كان قبله، ويكون عنده السلاح، ويكون صاحب الوصيّة الظاهرة، التي إذا قدمتَ المدينة سألتَ عنها العامّة والصبيان: إلى من أوصى فلان؟ فيقولون: إلى فلان ابن فلان)(313).
إذن فالموصى إليه لا بدَّ أن يكون معروفاً بين الناس أنَّه وصيّ الإمام السابق دون غيره، وأمَّا إذا لم يعرف الناس ذلك، وادَّعى شخص أنَّه هو الوصيّ لمجرَّد أنَّ اسمه (أحمد) فهذا ليس وصيَّاً قطعاً، ولا يُراد بالوصيّة هذا؛ لأنَّ كلّ من كان اسمه (أحمد) يتمكَّن من ادّعاء مثل هذه الدعوى.
وليس هناك أبلغ من التعبير الوارد في الرواية الأخيرة، وهو قوله: (ويكون صاحب الوصيّة الظاهرة التي إذا قدمتَ المدينة، سألتَ عنها العامّة والصبيان: إلى من أوصى فلان؟ فيقولون: إلى فلان ابن فلان).
أي إنَّ الوصيّة مشهورة يعرفها حتَّى العامّة والصبيان، فضلاً عن غيرهم ممَّن يعتني بهذه الأُمور.
وأمَّا أحمد إسماعيل فإنَّه استدلَّ لإثبات إمامته برواية واحدة ضعيفة السند غير مشهورة بين الناس، ورد فيها بحسب ما فهمه هو والمروِّجون له أنَّ اسم وصيّ الإمام المهدي هو (أحمد)، وحيث إنَّ أحمد إسماعيل اسمه (أحمد)، فهذا دليل أنَّه هو المعني دون غيره.
وهذا ليس بوصيّة لأحمد إسماعيل، ولا دلالة في الرواية على أنَّه هو المراد، فإنَّ كلّ من اسمهم (أحمد) وهم كثيرون جدَّاً يتمكَّنون من أن يدَّعوا نفس دعوى أحمد إسماعيل من دون فرق.
بل إنَّ بعض الروايات أكَّدت على أنَّ الإمام لا يكون إماماً إلَّا إذا نصَّ عليه الإمام السابق باسمه وعينه، ونصبه علماً للناس، كما نصب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام في غدير خُمّ.
فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي الجارود، قال: سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام: بِمَ يُعرَف الإمام؟ قال: (بخصال، أوَّلها: نصٌّ من الله تبارك وتعالى عليه، ونصبه علماً للناس حتَّى يكون عليهم حجَّة؛ لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصب عليَّاً، وعرفه الناس باسمه وعينه، وكذلك الأئمّة عليهم السلام ينصب الأوّل الثاني)(314).
وروى الحميري بسنده عن أبي بصير، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام، قال: دخلت عليه، فقلت: جُعلت فداك، بِمَ يُعرَف الإمام؟ فقال: (بخصال، أمَّا أوَّلهنَّ فشيء تقدَّم من أبيه فيه، وعرفه الناس، ونصبه لهم علماً حتَّى يكون حجَّة عليهم؛ لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصب عليَّاً، وعرفه الناس، وكذلك الأئمّة يعرفونهم الناس، وينصبونهم لهم حتَّى يعرفوه)(315).
وقد نقل الشيخ المفيد قدس سره إجماع الإمامية على هذا، فقال: (واتَّفقت الإمامية على أنَّ الإمامة لا تثبت مع عدم المعجز لصاحبها إلَّا بالنصّ على عينه والتوقيف)(316).
2 _ العلم والمعرفة:
يدَّعي أحمد إسماعيل أنَّه جاء بعلمٍ لم يأتِ به أحد قبله، وأنَّه كشف غوامض العلوم وأسرار المعارف، وقد نُسِبَ إليه كتاب اسمه (المتشابهات)، ادَّعى أنَّه لا يوجد أحد من الناس استطاع أن يرد على ما فيه!
والحقّ أنَّ هذا الكتاب متهافت ومليء بالخزعبلات والترّهات، بل فيه أكاذيب ذكرنا بعضاً منها سابقاً، وأثبتنا جهل الرجل وفساد أقواله.
وسنذكر الآن مثالاً لبعض آراء الرجل؛ ليتبيَّن للجميع مبلغ علمه الذي يدَّعيه:
قال في متشابهاته: (فإبراهيم عليه السلام لمَّا كُشِفَ له ملكوت السماوات، ورأى نور القائم عليه السلام، قال: (هذا ربّي)، فلمَّا رأى نور علي عليه السلام قال: (هذا ربّي)، فلمَّا رأى نور محمّد صلى الله عليه وآله وسلم قال: (هذا ربّي)، ولم يستطع إبراهيم عليه السلام تمييز أنَّهم عباد إلَّا بعد أن كُشِفَ له عن حقائقهم)(317).
وهذا الكلام كما هو واضح للجميع فيه نسبة الكفر إلى نبيّ من أنبياء الله من أُولي العزم! ونسبة الحيرة والضلال والتيه لإبراهيم عليه السلام، حتَّى اعتقد بآلهة غير الله تعالى، وهذا كفر صراح وضلال مبين.
وإذا كان هذا هو حال نبيّ الله إبراهيم عليه السلام، فكيف بعوامّ الناس؟
ثمّ كيف ينكشف لإبراهيم عليه السلام ملكوت السماوات والأرض وهو لم يعرف ربَّه بعد، ولم يميِّز بينه وبين بعض خلقه؟ بل إنَّه عليه السلام رغم انكشاف عالم الملكوت له فإنَّه وقع في هذا الخطأ الفادح العظيم، باعتقاد آلهة غير الله تعالى.
والروايات بيَّنت معنى الآية المباركة، وأغنتنا عن ما يتشدَّق به أمثال أحمد إسماعيل وغيره ممَّا دلَّ الدليل العقلي والنقلي على فساده.
فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن علي بن محمّد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون وعنده علي بن موسى الرضا عليه السلام، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله، أليس من قولك: إنَّ الأنبياء معصومون؟ قال: (بلى). قال: فسأله عن آيات من القرآن، فكان فيما سأله أن قال له: فأخبرني عن قول الله عز وجل في إبراهيم: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي)؟ فقال الرضا عليه السلام: (إنَّ إبراهيم عليه السلام وقع إلى ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس، وذلك حين خرج من السرب الذي أُخفي فيه، فلمَّا جنَّ عليه الليل، ورأى الزهرة، قال: (هذا رَبِّي)؟! على الإنكار والاستخبار، فلمَّا أفل الكوكب قال: (لا أُحِبُّ الْأَفِلِينَ)؛ لأنَّ الأُفول من صفات المحدَث، لا من صفات القديم، (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي)؟! على الإنكار والاستخبار، (فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)، فلما أصبح، و(رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) من الزهرة والقمر، على الإنكار والاستخبار، لا على الإخبار والإقرار، فلمَّا أفلت قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس: (يا قَوْمِ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام: 76 _ 79]، وإنَّما أراد إبراهيم بما قال أن يبيِّن لهم بطلان دينهم، ويُثبت عندهم أنَّ العبادة لا تحقّ لما كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنَّما تحقّ العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض، وكان ما احتجَّ به على قومه ممَّا ألهمه الله عز وجل وآتاه، كما قال الله عز وجل: (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) [الأنعام: 83])، فقال المأمون: لله درّك يا ابن رسول الله(318).
كما نسب الشرك لنبيّ الله يوسف عليه السلام، فإنَّه قال: (وأوحى الله ليوسف: إنَّ هذا السجين سينجو، وسيكون قريباً من الملك (برؤيا السجين)، وأوحى الله ليوسف عليه السلام: إنَّ هذا الملك سيخرجه من السجن، وإنَّ هذا السجين سيكون سبب خروجه من السجن. ولهذا قال له يوسف عليه السلام: (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ)، أراد بهذا أن يبيِّن لهذا السجين علمه بالغيب، عندما سيضطرّ في المستقبل إلى ذكره عند الملك، كما أراد لفت انتباه السجين إلى حاله، وليذكره في المستقبل عند الملك، إذ رأى الرؤيا التي ستكون سبباً في خروج يوسف عليه السلام من السجن، وهنا التفت يوسف عليه السلام إلى الأسباب، ومع أنَّه لم يغفل عن مسبِّب الأسباب كما توهَّم بعضهم أنَّه طلب معونة السجين والملك، وغفل عن الله سبحانه، ولكن مع هذا فإنَّ يوسف عليه السلام أشرك عندما جعل للأسباب قيمةً ووزناً في ميزانه، وهو عليه السلام الذي لمس آيات الله ومعجزاته التي نجا بها فيما مضى من حياته، وهذا الشرك الخفي ذُكِرَ في آخر سورة يوسف: (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ))(319).
ونسب أيضاً (الأنا) لنبيّ الله موسى عليه السلام، فقال: (إذن، جاء موسى عليه السلام للقاء العبد الصالح؛ لأنَّه ظنَّ أنَّه قد حارب نفسه، وقتل الأنا في داخله، فكان المطلوب منه أن يصبر ويحارب نفسه وهو يرافق العبد الصالح، ولا يقول للعبد الصالح: (لو فعلتَ هذا، ولو لم تفعل هذا)، فهو عندما يواجه من هو أعلى منه مقاماً بهذه الأقوال يظهر بجلاء ووضوح الأنا التي في داخله مقابل من هو مأمور باتّباعه والانصياح لأمره. والحقيقة أنَّ الأمر يعود إلى مواجهة موسى عليه السلام مع الله سبحانه وتعالى، فهو في كلّ مرَّة يقول: (أنا) مقابل العبد الصالح يعني أنَّه قال: (أنا) مقابل الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الامتحان بالتوحيد الذي فشل فيه كثير من السائرين إلى الله، أي إنَّهم يستهينون ربَّما بقولهم: (أنا) مقابل خليفة الله أو مقابل أقواله عندما يقترحون بآرائهم مقابل أمر خلفاء الله _ في حين أنَّها (أنا) مقابل الله سبحانه وتعالى في حقيقتها وواقعها _ وفي حين أنَّهم جاؤوا للامتحان بهذا، فهم يفشلون ودون حتَّى أن يلتفتوا إلى فشلهم)(320).
كما اتَّهم أيضاً أمير المؤمنين عليه السلام بهذه التهمة، تهمة الأنا والظلمة النفسية، فقال في جواب هذا السؤال: ما معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء الصباح: (عقلي مغلوب)؟ فأجاب بقوله: (من جهة الأنا والظلمة، فلو لم يكن فيه هذا الحال لكان محمّد [كذا] صلى الله عليه وآله وسلم، وكان في مرتبة (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)، وهي مرتبة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم)(321).
ولم يسلم الإمام الحسين عليه السلام من مسلسل اتّهاماته حيث نسب إليه أيضاً شرك الأنا والعياذ بالله، فقال: (الشرك النفسي: وهو أخفى أنواع الشرك، وهو (الأنا) التي لا بدَّ للمخلوق منها، وهي تشوبه بالظلمة والعدم، التي بدونها لا يبقى إلَّا الله سبحانه وتعالى، وبالتالي فكلّ عبد من عباد الله هو مشرك بهذا المعنى، والإمام الحسين عليه السلام أراد هذا المعنى من الشرك وما يصحبه من الشكّ، وكان الإمام الحسين عليه السلام يطلب الفتح المبين، وإزالة شائبة العدم والظلمة عن صفحة وجوده، التي بدونها لا يبقى إلَّا الله الواحد القهّار سبحانه، وبالتالي فإنَّ الحسين عليه السلام كأنَّه يقول: (إلهي لا أحد يستحقّ الوجود إلَّا أنت، ووجودي ذَنْبٌ عظيم لا سبيل إلى غفرانه إلَّا بفنائي وببقائك أنت سبحانك). وهذا الشكّ والشرك بالقوَّة لا بالفعل، أي إنَّ منشأه موجود، لا أنَّه موجود بالفعل، أي إنَّ قابلية الفعل موجودة، لكنَّها غير متحقّقة بالفعل، أي لا توجد في الخارج...)(322).
وفي المقابل، يزعم هذا الرجل أنَّه تخلَّص من الأنا ومن الظلمة النفسية التي اتَّهم بها أنبياء الله وأئمّة أهل البيت عليهم السلام، فقال: (أمَّا المهدي الأوّل فلم يحصل له الفتح، لهذا يُسدَّد بروح القدس الأعظم، ويُدعى له بـ: (أن يعبدك لا يشرك بك شيئاً)، أي حتَّى الأنا الموجودة بين جنبيه لا يراها، فلا يرى ولا يعرف إلَّا الله)(323).
والأدهى والأمرّ ما ذكره في تفسير سورة العصر من أنَّ المقصود بالإنسان في قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) (العصر: 2) هو أمير المؤمنين عليه السلام!
قال في متشابهاته: (أمير المؤمنين علي عليه السلام، فهو الإنسان، وهو في خسر نسبةً إلى محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فمقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعلى وأعظم من مقام الإمام علي عليه السلام، فالرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هو مدينة الكمالات الإلهية في الخلق أو مدينة العلم، وعلي عليه السلام هو الباب...)(324).
ومن رجع إلى روايات أهل البيت عليهم السلام يجد أنَّ كلماتهم متضافرة في أنَّ المقصود من الإنسان في الآية المباركة هم أعداؤهم ومخالفوهم، والذين آمنوا هم أهل الولاية خاصّة؛ ومن شاء أن يقف على الروايات فليراجع تفسير البرهان للسيّد هاشم البحراني قدس سره(325).
هذه بعض النماذج من العلم الذي يتحدَّى به أحمد إسماعيل مراجع الطائفة، وهو نسبة الكفر والشرك والخسر إلى أنبياء الله الكرام عليهم السلام، وأئمة أهل البيت الأطهار عليهم السلام، ومن المعلوم أنَّه من ضروريات مذهبنا القول بعصمتهم المطلقة وتنزيههم عن كلّ نقيصة.
ولا يخفى أنَّ المراد بالعلم الذي ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام، والذي جعلوه علامةً ودليلاً على صدق من يدَّعي الإمامة هو _ كما ذكرنا سابقاً _ العلم بالعظائم التي لا يعرفها غير الإمام، مثل المغيَّبات وما يحدث في غد، مضافاً إلى علمه بكلّ اللغات وجميع أُمور الشريعة وغير ذلك، بحيث لا يُسئل عن شيء فيقول: لا أعلم.
ومن جملة الروايات المبيِّنة لذلك ما رواه شيخنا الصدوق قدس سره بسنده عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت له: جُعلت فداك، إذا مضى عالمكم أهل البيت فبأيّ شيء يعرفون من يجيء بعده؟ قال: (بالهدى، والإطراق، وإقرار آل محمّد له بالفضل، ولا يُسئل عن شيء ممَّا بين صدفيها إلَّا أجاب فيه)(326).
ومنها: ما رواه الشيخ الصفّار قدس سره في بصائر الدرجات بسنده: عن سعد بن أبي الأصبغ، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالساً، إذ دخل عليه الحسن بن السري الكرخي، فسأل أبا عبد الله عليه السلام عن شيء، فأجابه، فقال له: ليس كذلك. فقال أبو عبد الله عليه السلام: (هو كذلك)، وردَّها عليه مراراً، كلّ ذلك يقول أبو عبد الله عليه السلام: (هو كذلك)، ويقول هو: لا. فقال أبو عبد الله عليه السلام: (أترى من جعله الله حجَّة على خلقه يخفى عليه شيء من أُمورهم؟)(327).
وروى عن إسماعيل الأزرق، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنَّ الله أحكم وأكرم وأجلّ وأعلم من أن يكون احتجَّ على عباده بحجَّة، ثمّ يغيِّب عنهم شيئاً من أمرهم)(328).
وروى الشيخ الكليني قدس سره في الكافي بسنده: عن هشام بن الحكم، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام بمنى عن خمسمائة حرف من الكلام، فأقبلت أقول: يقولون: كذا وكذا، قال: فيقول: (قل كذا وكذا). قلت: جُعلت فداك، هذا الحلال وهذا الحرام، أعلم أنَّك صاحبه، وأنَّك أعلم الناس به، وهذا هو الكلام! فقال لي: (ويك يا هشام، لا يحتجُّ الله تبارك وتعالى على خلقه بحجَّة لا يكون عنده كلّ ما يحتاجون إليه)(329).
فإذا كان إمام الحقّ لا يُسئل عن شيء إلَّا أجاب فيه، فإنَّه يمكن لمن يريد معرفة إمامته أن يسأله في كلّ شيء يريد، وليس هو من يحدِّد للسائل نوع السؤال، أو مجاله، أو ما شابه؛ لأنَّ الإمام عنده علم المنايا والبلايا والأنساب، وعنده علم ما كان، وما يكون، وما هو كائن إلى يوم القيامة، ولا يُسئل عن شيء فيجيب بلا أدري!
ولكنَّا لاحظنا أنَّ أحمد إسماعيل ليس كذلك، فإنَّه بسبب اختفائه لم يمكِّن أحداً من سؤاله مباشرةً، والأسئلة التي ترد لموقعه لا نعلم أنَّه هو الذي يجيب عليها أو غيره، كما أنَّنا لا نعلم هل يعجز عن الإجابة على بعضها أم لا، ونحن سألناه عبر موقعه بعض المسائل فلم نتلقَّ أيّ جواب.
3 _ حاكمية الله:
من جملة أدلَّة أحمد إسماعيل على صدق دعوته رفعه لشعار (حاكمية الله)، ومراده بحاكمية الله ما بيَّنه في الكتاب المنسوب إليه المسمَّى (حاكمية الله)، وهو أنَّ واضع القانون الذي به يحكم الناس هو الله تعالى، والحاكم لا بدَّ أن يكون منصوباً من قِبَل الله سبحانه، لا من قِبَل الناس، وأنَّ الحاكم الذي يجب أن يبايعه المسلمون ويمكِّنوه من تولّي مهام المسلمين في هذا العصر هو الإمام المهدي عليه السلام.
وهذا الكلام لا نزاع لنا فيه معه، ولم يختلف فيه الشيعة، ولكن أحمد إسماعيل بسبب حصول الانتخابات في إيران والعراق التي دعا بعض العلماء إلى المشاركة فيها، زعم أنَّ القول بحاكمية الله من متفرّداته، وأنَّ كلّ العلماء قالوا بالانتخابات التي هي حاكمية الناس.
وهذه العبارة وهي (حاكمية الله) تذكِّرنا بما فعله الخوارج مع أمير المؤمنين عليه السلام حين رفعوا شعار: (لا حكم إلَّا لله)، وكفَّروا كلّ من يرفع شعاراً غيره!
وهذا عين ما فعله أحمد إسماعيل، إذ أنَّه رفع هذا الشعار، وكفَّر كلّ من خالفه في ذلك.
فقد قال في الكتاب المنسوب إليه المسمَّى (حاكمية الله): (وهكذا نقض هؤلاء العلماء غير العاملين المرتكز الأساسي [كذا] في الدين الإلهي، وهو حاكمية الله وخلافة وليّ الله سبحانه وتعالى، فلم يبقَ لأهل البيت عليهم السلام خلفاء الله في أرضه وبقيَّتهم الإمام المهدي عليه السلام وجود بحسب الانتخابات أو الديمقراطية التي سار في ركبها هؤلاء العلماء غير العاملين)(330).
ولا نعلم أحداً من علمائنا الأعلام قال: إنَّ الحاكمية للناس، وإنَّه يجب على المسلمين أن ينتخبوا إمام المسلمين لتكون إمامته شرعية.
ومن دعا إلى المشاركة في الانتخابات في إيران أو العراق لا يقول: إنَّ الحاكمية للناس، وإنَّ المنتخب هو إمام المسلمين في قبال الإمام المهدي عليه السلام، وإنَّما ينتخبه الناس ليقوم بإدارة شؤون البلاد، باعتبار أنَّ الحلّ الأمثل في فترة غيبة الإمام المهدي عليه السلام هو أخذ رأي الناس في اختيار الحاكم السياسي، كما ينتخب أبناء القبيلة الواحدة من يمثِّلهم ويقوم بشؤونهم من دون أن تكون له أيّ صفة دينية أو أيّ مقام ديني.
فكيف يكون الأمر كما يدَّعي أحمد إسماعيل وكلّ علمائنا يدعون صباحاً ومساءً لصاحب العصر والزمان عليه السلام بتعجيل الفرج، ويؤلِّفون الكتب والمصنَّفات لإثبات وجوده، وأنَّه إمام هذا العصر، وردّ شبهات المخالفين والمبطلين حوله عليه السلام؟!
وكيف كان فإنَّ من المضحك أن يقال: إنَّ القول بحاكمية الله دليل على إمامة أحمد إسماعيل، ودليل على أنَّه رسول الإمام المهدي عليه السلام ووصيّه؛ لأنَّ جميع الشيعة علماءهم وعوامّهم يقولون ذلك.
والذي يظهر أنَّ الغرض الأساس من القول بحاكمية الله والدعوة إلى تمكين الإمام المهدي عليه السلام من الحكم هو تمكين أحمد إسماعيل من تسلّم السلطة باعتباره وصيّ الإمام المهدي وسفيره.
علماً أنَّ افتراءاته على علمائنا الأبرار لم تتوقَّف عند هذا، بل إنَّه لم يتوانَ عن نسبة الأكاذيب إليهم، كما ورد في الخطاب الصوتي المنسوب له الذي عنونه بقصَّة اللقاء بالإمام المهدي عليه السلام، حيث قال: (وهذا ما يفتي به علماء الشيعة اليوم أنَّه لا نهاية للغيبة الكبرى، ولا أحد يراه أبداً، وهم بالحقيقة لا يريدون ظهوره ثمّ قيامه)(331).
ولو راجعنا كلّ كلمات علماء الشيعة من بداية الغيبة الصغرى إلى يومنا هذا فلن نجد رجلاً واحداً لا من كبارهم ولا من صغارهم ولا حتَّى من عوامّ الشيعة ينفي ظهور الإمام بعد غيبته الكبرى.
بل إنَّ عندنا أنَّ من يقول بذلك فهو خارج عن التشيّع، إذ أنَّ لازم هذا القول هو إنكار الإمام المهدي عليه السلام.
فلا ندري كيف يُتَّبَع مثل هذا الشخص؛ لأنَّه إن كان يتعمَّد الكذب في كلامه فهو من أئمّة أهل النار، وإن حملناه على محمل حسن وقلنا: (إنَّه أخطأ في نقله) فقد سقط كلّ ما يدَّعيه من كونه إماماً معصوماً.
علماً أنَّه لا توجد أيّ رواية تدلُّ على أنَّ الدعوة لحاكمية الله هي من الأُمور التي يُعرَف بها الحجَّة، ويُميَّز بها بين مدَّعي الحقّ عن مدَّعي الباطل، وغاية ما في الأمر أنَّهم تمسَّكوا بالروايات التي نصَّت على أنَّ الإمام عليه السلام يرفع راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ظهوره، وادَّعوا أنَّها تدلُّ على ما أسموه (حاكمية الله).
وهذا تلاعب بالروايات وليّ لأعناقها كما تعوَّدنا من القوم؛ لأنَّ الروايات ذكرت أنَّ الإمام المهدي عليه السلام يُخرِج راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقيقة وليس تكنية عن الحاكمية كما زعم هؤلاء، والروايات صريحة في ذلك:
منها: ما رواه النعماني بسنده: عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (لمَّا التقى أمير المؤمنين عليه السلام وأهل البصرة نشر الراية، راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فزلزلت أقدامهم، فما اصفرَّت الشمس حتَّى قالوا: آمِنَّا يا ابن أبي طالب. فعند ذلك قال: (لا تقتلوا الأسرى، ولا تُجهزوا على الجرحى، ولا تتبعوا مُوَلِّياً، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن)، ولمَّا كان يوم صفّين سألوه نشر الراية فأبى عليهم، فتحمَّلوا عليه بالحسن والحسين عليهما السلام وعمّار بن ياسر رضي الله عنه، فقال للحسن: (يا بني، إنَّ للقوم مدَّة يبلغونها، وإنَّ هذه راية لا ينشرها بعدي إلَّا القائم صلوات الله عليه)(332).
وروى بسنده: عن أبي بصير: قال أبو عبد الله عليه السلام: (لا يخرج القائم عليه السلام حتَّى يكون تكملة الحلقة). قلت: وكم تكملة الحلقة؟ قال: (عشرة آلاف، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، ثمّ يهزّ الراية ويسير بها، فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلَّا لعنها، وهي راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نزل بها جبرئيل يوم بدر)، ثمّ قال: (يا أبا محمّد، ما هي والله قطن ولا كتان ولا قزّ ولا حرير). قلت: فمن أيّ شيء هي؟ قال: (من ورق الجنَّة، نشرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر، ثمّ لفَّها ودفعها إلى علي عليه السلام، فلم تزل عند علي عليه السلام حتَّى إذا كان يوم البصرة نشرها أمير المؤمنين عليه السلام ففتح الله عليه، ثمّ لفَّها، وهي عندنا هناك، لا ينشرها أحد حتَّى يقوم القائم عليه السلام، فإذا هو قام نشرها، فلم يبقَ أحد في المشرق والمغرب إلَّا لعنها، ويسير الرعب قدّامها شهراً، ووراءها شهراً، وعن يمينها شهراً، وعن يسارها شهراً)(333).
4 _ الأحلام:
من الأُمور التي تضحك الثكلى احتجاج المروِّجين لأحمد إسماعيل بالأحلام والرؤى، حيث جعلوها من أهمّ أدلَّتهم على صحَّة عقيدتهم وصدق دعوتهم!
بل إنَّ أحمد إسماعيل نفسه احتجَّ في أكثر من مورد في خطاباته وبياناته وكتبه بالأحلام، وحاول إثبات حجّيتها، وأنَّها كلمات الله إلى أنصاره، وشهادة الملكوت بصدق دعوته!
فقد قال في خطاب وجَّهه إلى طلبة الحوزة العلمية: (تقولون: نحن نقبل شهادة العدلين. فها الله يشهد لي، ومحمّد يشهد لي، وعلي يشهد لي، وفاطمة تشهد لي، والحسن يشهد لي، والحسين يشهد لي، وعلي بن الحسين، ومحمّد، وجعفر، وموسى، وعلي، ومحمّد، وعلي، والحسن، ومحمّد يشهدون لي، بمئات الرؤى التي رآها المؤمنون. أفلا تقبلون شهادتهم وقولهم ونصحهم لكم؟ ألم يخبروكم أنَّهم يجتمعون على صاحب الحقّ إذا جاء، وقالوا عليهم السلام: (فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدّوا إلينا بالسلاح)، تقولون: إنَّ الشيطان يتمثَّل برسول الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم؟! (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا * تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا)، والله يقول: (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ * وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ)، فإذا كان الشيطان لا يستطيع أن ينطق بحرف من القرآن، فكيف يتمثَّل بمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم وهو القرآن كلّه، (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، من بيده ملكوت السماوات والأرض، ما أنصفتم الله إذ جعلتم الملكوت بيد الشيطان، وانتهكتم حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم، تستخفّون الناس وتقولون لهم: (وهل رأيتم رسول الله حتَّى تعرفونه بالرؤيا؟) سبحان الله، وهل كان أحد في زمن الإمام الصادق رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! حتَّى يقول الإمام الصادق عليه السلام: (من أراد أن يرى رسول الله بالرؤيا فليفعل كذا وكذا)، والروايات كثيرة في هذا المعنى، فراجعوا (دار السلام) وغيره من كتب الحديث، تقولون: (الرؤيا حجَّة على صاحبها فقط)، فتردّون شهادة المؤمن العادل الذي رأى وسمع في ملكوت السماوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأخبره بالحقّ، فكيف إذن تقبلون شهادته فيما رأى وسمع في هذا العالم الجسماني؟! (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى). في حديث عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام بعد ما رآه الفضل بن الحارث في المنام، وقال له ما قال، قال عليه السلام: (إنَّ كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة)، ألم يقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إيمان خالد ابن سعيد الأُموي؛ لأنَّه رأى رؤيا؟ ألم يقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إيمان يهودي رأى رؤيا بموسى عليه السلام، وقال له: (إنَّ محمّد [كذا] حقّ)؟ ألم يقبل الإمام الرضا عليه السلام إيمان الواقفية؛ لأنَّهم رأوا رؤى بأنَّه عليه السلام حقّ؟ ألم يقبل الإمام الحسين عليه السلام إيمان وهب النصراني؛ لأنَّه رأى رؤيا؟ ألم تأتي نرجس أُمّ الإمام المهدي عليه السلام إلى الإمام الحسن العسكري بسبب رؤيا رأتها؟ ألم … وألم … إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون! ما أثقل الدنيا في كفَّة ميزانكم، وما أخفّ ملكوت السماوات عند أهوائكم وآرائكم، تدبَّروا حال الأُمم التي سبقتكم مع أنبيائهم)(334).
هذا كلام منسوب لأحمد إسماعيل في إثبات حجّية الأحلام، ولنا مع هذه العبارات عدَّة وقفات تثبت جهل هذا الرجل:
أوّلاً: أنَّ الرؤيا قد تكون صادقة، وقد تكون كاذبة، وليست كلّ الرؤى على نسق واحد، وهذا ما دلَّت عليه الروايات:
منها: صحيحة سعد بن أبي خلف، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (الرؤيا على ثلاثة وجوه: بشارة من الله للمؤمن، وتحذير من الشيطان، وأضغاث أحلام)(335).
ومنها: ما رواه الكليني قدس سره عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جُعلت فداك، الرؤيا الصادقة والكاذبة مخرجهما من موضع واحد؟ قال: (صدقت، أمَّا الكاذبة مختلفة، فإنَّ الرجل يراها في أوّل ليلة في سلطان المردة الفسقة، وإنَّما هي شيء يُخيَّل إلى الرجل، وهي كاذبة مخالفة، لا خير فيها، وأمَّا الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول الملائكة، وذلك قبل السحر، فهي صادقة، لا تخلف إن شاء الله، إلَّا أن يكون جُنُباً، أو ينام على غير طهور ولم يذكر الله عز وجل حقيقة ذكره، فإنَّها تختلف، وتبطئ على صاحبها)(336).
وما رواه ابن شهر آشوب عن أمير المؤمنين عليه السلام في جوابه عن سؤال النصرانيين، قال: (إنَّ الله تعالى خلق الروح، وجعل لها سلطاناً، فسلطانها النفس، فإذا نام العبد خرج الروح وبقي سلطانه، فيمرّ به جيل من الملائكة وجيل من الجنّ، فمهما كان من الرؤيا الصادقة فمن الملائكة، ومهما كان من الرؤيا الكاذبة فمن الجنّ). فأسلما على يده، وقُتلا معه يوم صفّين(337).
ومن أفضل ما ورد في هذا الباب ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: (إنَّ لإبليس شيطاناً يقال له: هزع، يملأ ما بين المشرق والمغرب في كلّ ليلة، يأتي الناس في المنام)(338).
ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره في أماليه بسنده عن محمّد بن القاسم النوفلي، قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: المؤمن يرى الرؤيا فتكون كما رآها، وربَّما رأى الرؤيا فلا تكون شيئاً؟ فقال: (إنَّ المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء، فكلّ ما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير والتدبير فهو الحقّ، وكلّ ما رآه في الأرض فهو أضغاث أحلام...)(339).
وبسنده عن معاوية بن عمّار، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنَّ العباد إذا ناموا خرجت أرواحهم إلى السماء، فما رأت الروحُ في السماء فهو الحقّ، وما رأت في الهواء فهو الأضغاث...)(340).
وبسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرجل ينام فيرى الرؤيا، فربَّما كانت حقَّاً، وربَّما كانت باطلاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي، ما من عبد ينام إلَّا عُرِجَ بروحه إلى ربّ العالمين، فما رأى عند ربّ العالمين فهو حقّ، ثمّ إذا أمر الله العزيز الجبّار بِرَدِّ روحه إلى جسده، فصارت الروح بين السماء والأرض، فما رأته فهو أضغاث أحلام)(341).
والروايات في ذلك كثيرة، وهي تدلُّ على أنَّه ليس كلّ الرؤى صادقة، بل منها ما هو من الشيطان.
ولو اطَّلع أحمد إسماعيل على هذه الروايات لما أكَّد على صحَّة كلّ الأحلام من دون تفريق بين الرؤى الصادقة والكاذبة.
والغريب قوله: (ما أنصفتم الله إذ جعلتم الملكوت بيد الشيطان)، فإنَّ الروايات تؤكِّد أنَّ الشيطان يتصرَّف في أحلام المكلَّفين، ويريهم ما يشاء من وساوسه كما مرَّ، وهذا لا يستلزم جعل الملكوت بيد الشيطان.
ثمّ إنَّ في كلامه مغالطة مفضوحة، وهو تسميته للأحلام أو لعالم الرؤيا بالملكوت، وهذا خطأ فادح، وجهل مركَّب؛ إذ أنَّ الرجل لا يميِّز بين عالم الملك والملكوت، ولا يعلم أنَّ هذا الأخير لا يطَّلع عليه إلَّا من بلغ مرتبة من القرب لا تكون إلَّا للخواصّ، ولذلك قرن القرآن الملكوت باليقين، في قوله تعالى: (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (الأنعام: 75)، فمن اطَّلع على ملكوت الله وصل إلى مرتبة اليقين التي نالها نبيّ الله إبراهيم عليه السلام بعد طول مجاهدات وابتلاءات.
ثانياً: قال أحمد إسماعيل: (تقولون: الرؤيا حُجَّة على صاحبها فقط، فتردّون شهادة المؤمن العادل الذي رأى وسمع في ملكوت السماوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأخبره بالحقّ، فكيف إذن تقبلون شهادته فيما رأى وسمع في هذا العالم الجسماني؟!).
وهذا كلام واضح البطلان؛ لأنَّا لا نقول: (إنَّ الرؤيا حجَّة على صاحبها فقط)، وإنَّما نقول: إنَّها ليست بحجَّة مطلقاً، لا على صاحبها ولا على غيره، وأحمد إسماعيل قاس قبول ما يدَّعيه أتباعه من رؤيتهم للمعصومين عليهم السلام على قبول شهادة المؤمن العادل في الأُمور الحسّية، والحال أنَّ شهادة المؤمن في الرؤيا لا قيمة لها لأنَّها ليست بحجَّة، لا أنَّنا نكذّبه في رؤياه.
ولكن هذه الدعاوى لا يمكن قبولها بحال؛ لأنَّها صادرة من أتباع أحمد إسماعيل الذين لم نتحقَّق من وثاقتهم وصدق قولهم، ولم نرَ رجلاً فاضلاً أو وجيهاً أو عالماً معروفاً شهد بذلك.
ولو أحسنَّا الظنَّ بهؤلاء المدَّعين يبقى احتمال اشتباههم في تلك الرؤى والأحلام، فما يدرينا أنَّ نقولاتهم ليست مجرَّد أوهام؟ وأنَّها ليست بأضغاث أحلام؟ وما يدرينا أنَّ الذين رأوهم في المنام هم المعصومون عليهم السلام فعلاً، ولاسيّما أنَّ هؤلاء لم يروا المعصومين عليهم السلام حتَّى يعرفوا صُوَرهم؟
ولو تنزَّلنا وصدَّقنا هؤلاء في شهادتهم، وأنَّ الذين رأوهم هم المعصومون عليهم السلام، فلا بدَّ أن نعرف ما هي تلك الرؤى والأحلام، وهل تدلُّ على إمامة أحمد إسماعيل ولزوم اتّباعه وتصديقه في دعاواه؟
ولو سلَّمنا بأنَّ تلك الرؤى تدلُّ على إمامة أحمد إسماعيل، فإنَّ الإمامة لا تثبت بالأحلام والرؤى كما سيأتي بيانه قريباً إن شاء الله تعالى.
ثالثاً: أنَّ رؤية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمعصومين عليهم السلام في المنام دائماً تكون رؤيا صادقة أو فيها تفصيل؟
ذهب أحمد إسماعيل _ كما في التسجيل الصوتي والكتب المنسوبة إليه _ إلى أنَّ رؤية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمعصومين عليهم السلام في المنام لا بدَّ أن تكون رؤيا صادقة، واستدلَّ على ذلك بعدَّة أدلَّة:
منها: ما رواه سليم بن قيس، قال: فقلت لمحمّد [بن أبي بكر]: مَن تراه حدَّث أميرَ المؤمنين عليه السلام عن هؤلاء الخمسة بما قالوا؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنَّه يراه في منامه كلّ ليلة، وحديثه إيّاه في المنام مثل حديثه إيّاه في الحياة واليقظة، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من رآني في المنام فقد رآني، فإنَّ الشيطان لا يتمثَّل بي في نوم ولا يقظة ولا بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة)(342).
وما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن الإمام الرضا عليه السلام، قال: (ولقد حدَّثني أبي، عن جدّي، عن أبيه عليهم السلام أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رآني في منامه فقد رآني؛ لأنَّ الشيطان لا يتمثَّل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم، وإنَّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوَّة)(343).
واستدلال أحمد إسماعيل وأتباعه المروِّجين له بهذه الأخبار لا ينفعهم في ما ذهبوا إليه، إذ أنَّ الروايات لم تطلق الرؤيا بحيث أنَّ كلّ من رأى رجلاً واعتقد أنَّه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقد رآه حقيقة، وأنَّ المرئي هو المعصوم فعلاً، بل إنَّ الروايات وضعت قيداً مهمَّاً في قوله: (لأنَّ الشيطان لا يتمثَّل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي).
فالرواية منعت تمثّل الشيطان بصورة المعصوم عليه السلام، ولم تمنع الادِّعاء، فلو جاء الشيطان في المنام لأحد الناس بصورة زيد، وقال: (أنا عمرو)، فهل يُصدَّق أنَّ هذا النائم رأى عَمْراً في المنام؟
الجواب: طبعاً لا؛ لأنَّ المرئي يدَّعي أنَّه عمرو، وهو ليس بعمرو في الحقيقة، وهكذا الأمر بالنسبة للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمعصومين عليهم السلام، فلو أنَّ رجلاً معاصراً للرضا عليه السلام مثلاً رأى شخصاً في المنام، وادَّعى أنَّه الإمام الرضا عليه السلام، فإنَّ هذا النائم قطعاً سيكذِّبه، ولن يقبل منه ما يقوله؛ لأنَّه يعرف أنَّ صورة الإمام الرضا عليه السلام ليست هكذا.
وهذا هو جواب الشيخ المفيد قدس سره على هذه الروايات، فإنَّه قال:
(إذا جاز مِن بَشَرٍ أنَّ يدَّعي في اليقظة أنَّه إله كفرعون ومن جرى مجراه، مع قلَّة حيلة البشر وزوال اللبس في اليقظة، فما المانع من أن يدَّعي إبليس عند النائم بوسوسته له أنَّه نبيّ، مع تمكّن إبليس بما لا يتمكَّن منه البشر، وكثرة اللبس المعترض في المنام؟)(344).
إذن فادِّعاء الشيطان في المنام أنَّه أحد المعصومين عليهم السلام ليس بمحال، وبالتالي فإذا رأى أحدهم في منامه شخصاً يدَّعي أنَّه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أو أحد الأئمّة عليهم السلام، فعليه أن يتأكَّد فعلاً أنَّه هو، ولا يوجد دليل قطعي يدلُّ على ذلك.
بل إنَّ بعض الروايات الشريفة دلَّت على وقوع مثل ذلك في حياة أئمّة أهل البيت عليهم السلام:
منها: ما رواه الكشّي بسنده عن زرارة، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (أخبرني عن حمزة، أيزعم أنَّ أبي آتيه؟)، قلت: نعم. قال: (كذب والله، ما يأتيه إلَّا (المتكوّن)، إنَّ إبليس سلَّط شيطاناً يقال له: (المتكوّن)، يأتي الناس في أيّ صورة شاء، إن شاء في صورة صغيرة، وإن شاء في صورة كبيرة، ولا والله ما يستطيع أن يجيء في صورة أبي عليه السلام)(345).
وروى أيضاً بسنده عن بريد بن معاوية العجلي، قال: كان حمزة بن عمارة الزبيدي لعنه الله يقول لأصحابه: إنَّ أبا جعفر عليه السلام يأتيني في كلّ ليلة، ولا يزال إنسان يزعم أنَّه قد أراه إيّاه، فقُدِّرَ لي أنّي لقيت أبا جعفر عليه السلام، فحدَّثته بما يقول حمزة، فقال: (كذب عليه لعنة الله، ما يقدر الشيطان أن يتمثَّل في صورة نبيّ ولا وصيّ نبيّ)(346).
كما روى: عن علي بن عقبة، عن أبيه، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام، قال: فسلَّمت وجلست، فقال لي: (كان في مجلسك هذا أبو الخطّاب، ومعه سبعون رجلاً كلّهم إليه ينالهم منهم شيء، رحمتهم، فقلت لهم: ألَا أُخبركم بفضائل المسلم؟، فلا أحسب أصغرهم إلَّا قال: بلى جُعلت فداك. قلت: من فضائل المسلم أن يقال: فلان قاري لكتاب الله عز وجل، وفلان ذو حظّ من ورع، وفلان يجتهد في عبادته لربّه، فهذه فضائل المسلم، ما لكم وللرياسات؟ إنَّما المسلمون رأس واحد، إيّاكم والرجال، فإنَّ الرجال للرجال مهلكة، فإنّي سمعت أبي يقول: إنَّ شيطاناً يقال له: (المذهب) يأتي في كلّ صورة، إلَّا أنَّه لا يأتي في صورة نبيّ ولا وصيّ نبيّ، ولا أحسبه إلَّا وقد تراءى لصاحبكم فاحذروه، فبلغني أنَّهم قُتلوا معه، فأبعدهم الله، وأسحقهم، إنَّه لا يهلك على الله إلَّا هالك)(347).
فكلّ هذه الروايات المباركة تؤكِّد أنَّ هناك شيطاناً يتراءى لهؤلاء المنحرفين، ويدَّعي أنَّه أحد المعصومين عليهم السلام، ويدسّ لهم أفكاره المنحرفة؛ لإضلالهم، وإبعادهم عن الصراط المستقيم.
بل إنَّ الروايات الشريفة دلَّت على أنَّ الشيطان ربَّما يدَّعي أنَّه الله سبحانه _ عياذاً بالله _ في اليقظة فضلاً عن المنام كما قال شيخنا المفيد أعلى الله مقامه!
ففي صحيحة يونس، قال: سمعت رجلاً من الطيَّارة يحدِّث أبا الحسن الرضا عليه السلام عن يونس بن ظبيان أنَّه قال: كنت في بعض الليالي وأنا في الطواف، فإذا نداء من فوق رأسي: (يا يونس، إنّي أنا الله، لا إله إلَّا أنا فاعبدني، وأقم الصلاة لذكري)، فرفعت رأسي... فغضب أبو الحسن غضباً لم يملك نفسه، ثمّ قال للرجل: (أُخرج عنّي، لعنك الله، ولعن الله من حدَّثك، ولعن يونس بن ظبيان ألف لعنة، تتبعها ألف لعنة، كلّ لعنة منها تبلغك إلى قعر جهنَّم، وأشهد ما ناداه إلَّا شيطان، أمَا إنَّ يونس مع أبي الخطّاب في أشدّ العذاب مقرونان، وأصحابهما إلى ذلك الشيطان، مع فرعون وآل فرعون في أشدّ العذاب، سمعت ذلك من أبي عبد الله عليه السلام...)(348).
وأمَّا الذين ادَّعوا رؤية الله تعالى في المنام فكثيرون جدَّاً.
فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن إبراهيم الكرخي، قال: قلت للصادق عليه السلام: إنَّ رجلاً رأى ربَّه عز وجل في منامه، فما يكون ذلك؟ فقال: (ذلك رجل لا دين له، إنَّ الله تبارك وتعالى لا يُرى في اليقظة، ولا في المنام، ولا في الدنيا، ولا في الآخرة)(349).
وجواز رؤية الله في المنام من عقائد المخالفين، وقصص رؤيتهم لله عز وجل في منامهم أكثر من أن تحصى، ومن عدم الإنصاف للخصوم أن نقول: (إنَّ هؤلاء كلّهم كاذبون في ادِّعاء رؤيتهم لله تعالى في المنام)، بل نقطع أنَّ تلك الرؤى أكثر من رؤى أتباع أحمد إسماعيل الذين ادَّعوا أنَّهم رأوا المعصومين عليهم السلام، فأخبروهم بصحَّة دعوة هذا الرجل! كما نقطع بأنَّ الشيطان تمثَّل لكلّ هؤلاء، وادَّعى لهم أنَّه هو الله سبحانه وتعالى، فصدَّقوه.
ولذلك قال ابن تيمية: (وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربَّهم في المنام، ويخاطبهم، وما أظنّ عاقلاً ينكر ذلك، فإنَّ وجود هذا ممَّا لا يمكن دفعه؛ إذ الرؤيا تقع للإنسان بغير اختياره، وهذه مسألة معروفة، وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أُصول الدين، وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله، والنقل بذلك متواتر عمَّن رأى ربَّه في المنام، ولكن لعلَّهم قالوا: (لا يجوز أن يعتقد أنَّه رأى ربَّه في المنام)، فيكونون قد جعلوا مثل هذا من أضغاث الأحلام، ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة كسائر ما يُرى في المنام، فهذا ممَّا يقوله المتجهّمة، وهو باطل مخالف لما اتَّفق عليه سلف الأُمَّة وأئمّتها، بل ولما اتَّفق عليه عامّة عقلاء بني آدم، وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلَّق به سبحانه وتعالى، وإنَّما ذلك بحسب حال الرائي، وصحَّة إيمانه وفساده، واستقامة حاله وانحرافه)(350).
وقد حاول أحمد إسماعيل في معرض كلامه أن يدفع هذا الإشكال، فقال: (تستخفّون الناس وتقولون لهم: وهل رأيتم رسول الله حتَّى تعرفونه بالرؤيا؟ سبحان الله وهل كان أحد في زمن الإمام الصادق رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتَّى يقول الإمام الصادق عليه السلام: من أراد أن يرى رسول الله بالرؤيا فليفعل كذا وكذا).
والجواب على كلامه: أنَّ الإمام الصادق عليه السلام أرشد الناس إلى عمل لكي يُرى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكنَّه عليه السلام لم يؤكِّد على أنَّ كلّ رؤيا بعد هذا العمل هي رؤية صادقة، بل يحتمل فيها الوجهان، تماماً كالذي يقوم بهذه الأعمال ولا يرى شيئاً كما يحصل كثيراً، فإنَّه عليه السلام لم يضمن لكلّ من يعمل هذا العمل أن يرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامه.
ثمّ إنَّ خلافنا مع أحمد إسماعيل وأتباعه ليس في رؤية المعصوم عليه السلام في المنام أو عدمها، وإنَّما خلافنا معهم في ترتيب الأثر عليها، وهو تصديق ما يراه، وجعله حجَّة بينه وبين ربّه، وكأنَّه قول المعصوم عليه السلام حقيقة.
والقول الصحيح هو أنَّ الأحلام ليست بحجَّة في الأحكام الشرعية، ولا في الموضوعات الخارجية، فضلاً عن العقائد المهمّة، وذلك لعدَّة أُمور:
1 _ أنَّا لم نجد دليلاً واحداً من الكتاب أو السُّنَّة يدلُّ على حجّية الأحلام في الأحكام الشرعية، أو الموضوعات الخارجية، أو العقائد الدينية.
ولهذا لم نجد عالماً من العلماء احتجَّ على حكم فقهي أو عقيدة معيَّنة بأنَّه رأى الإمام عليه السلام في المنام، فأخبره بأنَّ الحكم في هذه المسألة أو تلك هو كذا أو كذا.
ولم نجد قاضياً حكم في قضيّة بحكم اعتماداً على أنَّه رأى في المنام إماماً أخبره أنَّ الحقّ مع زيد، أو رأى لزوم إقامة الحدّ على رجل؛ لأنَّه رأى الإمام في المنام، فأخبره أنَّ زيداً سارق أو زانٍ، وهذا ممَّا لا يختلف فيه العلماء قديماً وحديثاً.
2 _ أنَّا ذكرنا فيما تقدَّم أنَّ الأحلام منها ما هو صادق، ومنها ما هو كاذب، ومع وجود العلم الإجمالي بالرؤى الكاذبة التي مصدرها الشيطان الرجيم كيف نقطع بأنَّ تلك الأحلام صحيحة؟ ومتى ما تطرَّق الشكّ في حجّية تلك الأحلام، فإنَّها تسقط عن الحجّية، لما تقرَّر في علم الأُصول من أنَّ الشكَّ في الحجّية مساوق لعدم الحجّية.
3 _ ما دلَّ على أنَّ أحكام الله تعالى لا تثبت بالأحلام.
فقد روى الكليني قدس سره بسند صحيح عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال: (ما تروي هذه الناصبة؟)، فقلت: جُعلت فداك، في ماذا؟ فقال: (في أذانهم وركوعهم وسجودهم). فقلت: إنَّهم يقولون: إنَّ أُبي بن كعب رآه في النوم. فقال: (كذبوا، فإنَّ دين الله عز وجل أعزّ من أن يُرى في النوم)(351).
فهذا الكلام الشريف دليل على أنَّ كلّ جوانب دين الله لا تثبت بالمنامات، من عقائد دينية، وأحكام شرعية، فضلاً عن ثبوت نبوَّة نبيّ، أو إمامة إمام، وكلّ من يدَّعي ذلك فهو داخل تحت قوله عليه السلام: (كذبوا، فإنَّ دين الله عز وجل أعزّ أن يُرى في النوم).
وقد فصَّل الشيخ المفيد رضوان الله عليه مسألة المنامات تفصيلاً دقيقاً، فقال: (وأمَّا رؤية الإنسان للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو لأحد الأئمّة عليهم السلام في المنام فإنَّ ذلك عندي على ثلاثة أقسام: قسم أقطع على صحَّته، وقسم أقطع على بطلانه، وقسم أُجوِّز فيه الصحَّة والبطلان، فلا أقطع فيه على حال. فأمَّا الذي أقطع على صحَّته فهو كلّ منام رأى فيه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد الأئمّة عليهم السلام وهو فاعل لطاعة، أو آمر بها، وناهٍ عن معصية، أو مبيِّن لقبحها، وقائل لحقٍّ، أو داعٍ إليه، أو زاجر عن باطل، أو ذامٍّ لما هو عليه. وأمَّا الذي أقطع على بطلانه فهو كلّ ما كان على ضدِّ ذلك؛ لعلمنا أنَّ النبيّ والإمام عليهما السلام صاحبا حقّ، وصاحب الحقّ بعيد عن الباطل. وأمَّا الذي أُجوِّز فيه الصحَّة والبطلان فهو المنام الذي يُرى فيه النبيّ أو الإمام عليهما السلام وليس هو آمراً، ولا ناهياً، ولا على حال يختصُّ بالديانات، مثل أن يراه راكباً، أو ماشياً، أو جالساً، ونحو ذلك)(352).
وكلامه قدس سره واضح الدلالة على أنَّه لا يمتنع رؤية من نظنّ أنَّه هو النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام، آمراً بباطل، أو زاجراً عن حقّ، أو داعياً إلى دعوة الشيطان أو أحد أتباعه.
رابعاً: احتجَّ أحمد إسماعيل ومن يروِّج له ببعض الروايات التي تفيد أنَّ المعصومين قبلوا إسلام أو إيمان بعض الناس الذين رأوا المعصوم عليه السلام في المنام، فقطعوا بأنَّه هو الحقّ، وجعلها أحمد إسماعيل وأتباعه دليلاً على حُجّية رؤية المعصومين عليهم السلام في المنام، فقال: (ألم يقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إيمان خالد بن سعيد الأُموي؛ لأنَّه رأى رؤيا؟ ألم يقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إيمان يهودي رأى رؤيا بموسى عليه السلام، وقال له: إنَّ محمّد [كذا] حقّ؟ ألم يقبل الإمام الرضا عليه السلام إيمان الواقفية؛ لأنَّهم رأوا رؤى بأنَّه عليه السلام حقّ؟ ألم يقبل الإمام الحسين عليه السلام إيمان وهب النصراني؛ لأنَّه رأى رؤيا؟ ألم تأتي نرجس أُمّ الإمام المهدي عليه السلام إلى الإمام الحسن العسكري بسبب رؤيا رأتها؟).
والجواب: أنَّ قبول المعصوم لإسلام بعضهم أو إيمانهم لا يعني الحكم بحُجّية تلك الرؤى والأحلام، فكما قَبِلَ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إيمان اليهودي الذي رأى نبيّ الله موسى عليه السلام قَبِلَ إسلام المنافقين الذين دخلوا في هذا الدين طمعاً، وقَبِلَ إسلام الذين خافوا من بريق السيوف.
وهذا يدلُّ على أنَّ قبولهم عليهم السلام إسلام اليهود، أو إيمان المخالفين، لا يستلزم قبول السبب الذي لأجله دخل هؤلاء في الإسلام أو الإيمان، فإنَّ السبب لا يهمّ ما دامت النتيجة هي الدخول في الإسلام أو الإيمان.
ثمّ إنَّ المعصوم عليه السلام يعلم صدق الرؤيا من كذبها؛ ومن الأمثلة على ذلك ما رواه الشيخ المفيد قدس سره بسنده عن حنان بن سدير الصيرفي، قال: سمعتُ أبي يقول: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرى النائم وبين يديه طبق مغطّى بمنديل، فدنوتُ منه، وسلَّمت عليه، فردَّ السلام، ثمّ كشف المنديل عن الطبق، فإذا فيه رطب، فجعل يأكل منه، فدنوتُ منه فقلت: يا رسول الله، ناولني رطبة. فناولني واحدة، فأكلتها، ثمّ قلت: يا رسول الله ناولني أُخرى. فناولنيها فأكلتها، فجعلت كلَّما أكلت واحدة سألته أُخرى، حتَّى أعطاني ثمانية رطبات فأكلتها، ثمّ طلبت منه أُخرى، فقال لي: (حسبك). قال: فانتبهت من منامي، فلمَّا كان من الغد دخلت على جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام وبين يديه طبق مغطّى بمنديل، كأنَّه الذي رأيته في المنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسلَّمت عليه، فردَّ عليَّ السلام، ثمّ كشف الطبق فإذا فيه رطب، فجعل يأكل منه، فعجبتُ لذلك، وقلت: جُعلت فداك، ناولني رطبة. فناولني فأكلتها، ثمّ طلبت أُخرى حتَّى أكلت ثماني رطبات، ثمّ طلبت منه أُخرى، فقال لي: (لو زادك جدِّي رسول صلى الله عليه وآله وسلم لزدناك). فأخبرته فتبسَّم تبسُّم عارف بما كان(353).
إذن فقبول إسلام أو إيمان شخص لا يستلزم إضفاء شرعية على سبب وصوله للحقيقة كما ذكرنا.
وعليه فإنَّ الأحلام ليست بحجَّة في العقائد الإسلاميّة أو الأحكام الشرعية.
خامساً: أنَّ الرؤيا تنقسم إلى ثلاثة أقسام كما جاء في الخبر، وهي: بشرى من الله، وتحزين من الشيطان، والذي يحدِّث به الإنسان نفسه، فيراه في منامه(354).
وقد كتب المروِّجون لأحمد إسماعيل عدَّة كتب في بيان حجّية الرؤى والأحلام، واحتجّوا بآيات من القرآن وروايات مختلفة، كلّها لا تدلُّ على أنَّ الرؤى حجّة في إثبات حكم شرعي أو عقيدة، فضلاً عن إثبات نبوَّة أو إمامة.
أمَّا الآيات فمنها رؤيا يوسف عليه السلام بسجود الشمس والقمر والكواكب له، ورؤيا صاحبي السجن، ورؤيا ملك مصر، ورؤيا إبراهيم عليه السلام أنَّه يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام، وقوله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ) (الفتح: 27)، وقوله: (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) (الإسراء: 60)، ونحوها.
ولا شكَّ في أنَّ رؤيا الأنبياء عليهم السلام حقّ؛ لأنَّ الشيطان لا يتلاعب بهم، ولأنَّها وحي يوحى.
وأمَّا رؤيا غيرهم فربَّما تكون صادقة، وربَّما تكون أضغاث أحلام، ورؤيا ملك مصر وإن كانت صادقة، إلَّا أنَّ الله تعالى جعلها سبباً لإخراج يوسف عليه السلام من السجن، وصيرورته بعد الذلّ ملكاً.
ولا تجد في كتاب الله تعالى ما يدلُّ على إثبات نبوَّة، أو إمامة، أو إثبات حقّ، أو دحض باطل برؤيا، وهذا هو محلّ نزاعنا مع أحمد إسماعيل وأتباعه.
وأمَّا الأحاديث فمنها: قوله عليه السلام: (انقطع الوحي وبقي المبشِّرات، إلَّا وهي نوم الصالحين والصالحات)(355).
ومنها: قوله عليه السلام: (ذهبت النبوَّة وبقيت المبشِّرات: الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو يُرى له)(356).
ومنها: ما روي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، عن جابر بن عبد الله، قال: أتى رجل من أهل البادية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، أخبرني عن قول الله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) [يونس: 63 و64]، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أمَّا قوله: (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فهي الرؤيا الحسنة تُرى للمؤمن، فيبشَّر بها في دنياه، وأمَّا قوله: (وَفِي الْآخِرَةِ) فإنَّها بشارة المؤمن عند الموت أنَّ الله قد غفر لك ولمن يحملك إلى قبرك)(357).
وعن ابن عبّاس: (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)، قال: (هي الرؤيا الحسنة يراها المسلم لنفسه أو لبعض إخوانه)(358).
وعن ابن عبّاس، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: قال: (ألَا إنَّه لم يبقَ من مبشِّرات النبوَّة إلَّا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو تُرى له)(359).
وعن أبي الطفيل، عنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (لا نبوَّة بعدي إلَّا المبشِّرات). قيل: يا رسول الله، وما المبشِّرات؟ قال: (الرؤيا الصالحة)(360).
وعن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الرؤيا الصالحة بشرى من الله، وهي جزء من أجزاء النبوَّة)(361).
وهذه الروايات كلّها تدلُّ على أنَّ الرؤى الصادقة مبشِّرات للمؤمنين، وأمَّا أنَّها تثبت حقَّاً، أو تنفي باطلاً، فلا دلالة فيها على ذلك، فضلاً عن إثبات نبوَّة أو إمامة كما هو محلّ نزاعنا مع أحمد إسماعيل وأتباعه.
وليعلم القارئ الكريم أنَّ كلّ هذه الدعوة من أوّلها إلى آخرها قائمة على الأحلام والمنامات الباطلة، فهم يعتبرون المنام نصَّاً تشخيصيّاً يُعرَف به حجَّة الله في أرضه، ولذلك قال أحدهم: (الرؤيا كنصّ تشخيصي حُجَّة باعتبارها وحياً، فلا موجب للنظر إليها على أنَّها جزء من السُّنَّة!)(362).
والأعظم من هذا أنَّ رواية الوصيّة التي بُنيت عليها كلّ هذه الدعوة، صرَّحوا أنَّ أقوى دليل على صحَّتها هي الرؤى!
قال ناظم العقيلي: (ومن أقوى القرائن وأشرفها، وهي شهادة الله تعالى في المنام على صحَّة رواية الوصيّة وانطباقها على السيّد أحمد الحسن، ومَنْ أعظمُ من الله شهادة.. حيث رأى الأنصار مئات الرؤى بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والإمام علي عليه السلام، وفاطمة الزهراء عليها السلام، وباقي الأئمّة، وكلّها تؤكِّد على أنَّ السيّد أحمد الحسن رسول الإمام المهدي عليه السلام حقَّاً، وأنَّه من ذرّيته، وأنَّه اليماني الموعود)(363).
إذن النصّ الوحيد على إمامة صاحبهم هي رواية الوصيّة، وأقوى دليل على صحَّة هذه الرواية هي الأحلام، والطريق لتشخيص مصداق هذه الرواية هو الأحلام أيضاً، فما أعظم هذه الأحلام عندهم، التي يقوم عليها مذهب بكامله!
5 _ الاستخارات:
احتجَّ أنصار أحمد إسماعيل بالاستخارات، وجعلوها دليلاً على إمامته، بل ألَّفوا بعض الكتب في إثبات حجّيتها كما ألَّفوا في الأحلام!
واحتجّوا في ذلك بروايتين اثنتين:
الأُولى: ما رواه النعماني في رواية طويلة في وصف الإمام المهدي عليه السلام، جاء فيها: ... ثمّ رجع إلى صفة المهدي عليه السلام، فقال: (أوسعكم كهفاً، وأكثركم علماً، وأوصلكم رحماً، اللّهمّ فاجعل بعثه خروجاً من الغُمَّة، واجمع به شمل الأُمَّة، فإن خار الله لك فاعزم، ولا تنثنِ عنه إن وُفِّقْتَ له، ولا تجوزنَّ عنه إن هُدِيتَ إليه، هاه _ وأومأ بيده إلى صدره شوقاً إلى رؤيته _)(364).
وموضع الشاهد في هذه الرواية هو قول الإمام عليه السلام: (فإن خار لك الله فاعزم).
قالوا: إنَّ المقصود بهذه العبارة هو الاستخارة المعروفة.
والجواب على ذلك: أنَّ العبارة لا دلالة فيها على الاستخارة، فإنَّ الإمام عليه السلام قال: (خار الله لك)، ولم يقل: (استخرتَ الله)، علماً أنَّ قواميس ومعاجم اللغة قد تعرَّضت لمعنى هذه العبارة.
فقد ورد في لسان العرب لابن منظور قوله: (وخار الله لك: أي أعطاك ما هو خير لك)(365).
والمعنى واضح، فالمقصود من (خار الله لك) هو أنَّه إذا اختار الله لك أن تكون موجوداً حين ظهوره، ووُفِّقْتَ لذلك فلا تتردَّدْ في نصرته.
وقد ورد هذا التعبير في عدَّة موارد أُخرى.
منها: ما رواه الشيخ المفيد قدس سره في إرشاده عند ذكره محاورة سيِّد الشهداء عليه السلام وبعض أصحابه، قال: فعلمنا أنَّه قد عزم رأيه على المسير، فقلنا له: خار الله لك. فقال: (رحمكما الله). فقال له أصحابه: إنَّك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل، ولو قدمتَ الكوفة لكان الناس إليك أسرع(366).
بل إنَّه وردت رواية تقطع دابر كلّ من أراد الاستدلال بهذه العبارة، وتسقط كلّ محتجّ بها، وهي المحاورة التي رواها المجلسي قدس سره في بحار الأنوار بين أبي سفيان والعبّاس بن عبد المطَّلب، حيث قال: هؤلاء الذين غزانا محمّد لأجلهم، أمَا والله ما شُوورتُ فيهم، ولا علمته، ولقد كنت له كارهاً حيث بلغني، ولكنَّه أمر حتم، قال العبّاس: (لقد خار الله لك في غزو محمّد إيّاكم، دخلتم في الإسلام كافّة)(367).
ولا نظنّ أنَّ عاقلاً يقول: إنَّ العبارة هنا تعني الاستخارة؛ إذ كيف يعقل من كافر مثل أبي سفيان أن يستخير الله في حربه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! بل إنَّ حمل (خار الله لك) على الاستخارة يستلزم ألَّا يكون للعبارة معنى صحيح؛ لأن سيكون معناها هو: (أنَّك استخرتَ الله في أن يغزوكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا معنى واضح الفساد.
الثاني: ما رواه الشيخ الطوسي قدس سره عن علي بن معاذ، قال: قلت لصفوان بن يحيى: بأيّ شيء قطعتَ على علي؟ قال: صلَّيت، ودعوت الله، واستخرت عليه، وقطعت عليه(368).
والجواب: أنَّ هذه الرواية ممَّا استدلَّت به الواقفة على بطلان إمامة الرضا عليه السلام، وعدم وجود دليل قطعي عليها، والشيخ الطوسي قدس سره إنَّما أوردها للردّ عليها، وإثبات فسادها، فقد ذكرها في باب: (أخبار استُدلَّ بها على أنَّ الإمام موسى الكاظم عليه السلام هو القائم، وأنَّه حيٌّ لم يمت، والجواب عنها). ولم يكتفِ بها، بل عقَّب عليها قائلاً: (فهذا ليس فيه أكثر من التشنيع على رجل بالتقليد، وإن صحَّ ذلك فليس فيه حُجَّة على غيره، على أنَّ الرجل الذي ذُكِرَ ذلك عنه فوق هذه المنزلة؛ لموضعه، وفضله، وزهده، ودينه، فكيف يستحسن أن يقول لخصمه في مسألة علمية: إنَّه قال فيها بالاستخارة، اللّهمّ إلَّا أن يُعتقَد فيه من البله والغفلة ما يخرجه عن التكليف، فيسقط المعارضة لقوله)(369).
وقال بعد الفراغ من تعداد الروايات التي تمسَّك بها الواقفة: (ومن طرائف الأُمور أن يتوصَّل إلى الطعن على قوم أجلَّاء في الدين والعلم والورع بالحكايات عن أقوام لا يُعرفون، ثمّ لا يُقنَع بذلك حتَّى يُجعل ذلك دليلاً على فساد المذهب، إنَّ هذه لعصبيّة ظاهرة وتحامل عظيم، ولولا أنَّ رجلاً منسوباً إلى العلم له صيت وهو من وجوه المخالفين لنا، أورد هذه الأخبار وتعلَّق بها، لم يحسن إيرادها؛ لأنَّها كلّها ضعيفة رواها من لا يوثق بقوله)(370).
إذن الشيخ الطوسي قدس سره ردَّ هذا الخبر من ثلاثة وجوه:
الأوّل: أنَّ هذه الرواية ضعيفة السند، رواها من لا يُعرَف بصدق ولا يُؤمَن على نقل، فلا تكون حجَّة من هذه الجهة.
الثاني: أنَّ صفوان أجلّ وأعلم من أن يعتقد بإمامة الرضا عليه السلام اعتماداً على الاستخارة.
الثالث: أنَّه لو صحَّ ذلك عنه فلا مطعن في إمامة الرضا عليه السلام، بل الطعن في صفوان بن يحيى؛ إذ أنَّ فعله هذا يكشف عن بلاهته وغفلته، ومن كان كذلك لا يكون فعله حجَّة علينا.
فالحجَّة عندنا هي ما دلَّ عليه كتاب الله عز وجل، وما ورد عن المعصومين عليهم السلام، وليست الحجَّة ما فعله فلان أو علَّان من الناس، حتَّى لو كان من أمثال صفوان.
أين سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
من العلامات المهمّة التي تميِّز داعي الحقّ من المدَّعي بالباطل حيازة إمام الحقّ لسلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورغم أهمّية هذه العلامة إلَّا أنَّنا نجد أنَّ أتباع أحمد إسماعيل لا يكادون يذكرونها، بل لم يتعرَّضوا لها البتة بحسب تتبّعي لكلامهم.
وقد دلَّ على أهمّية هذه العلامة جملة من الروايات والأخبار، منها:
صحيحة صفوان، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: (كان أبو جعفر عليه السلام يقول: إنَّما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل، حيثما دار التابوت أُوتوا النبوَّة، وحيثما دار السلاح فينا فثمَّ الأمر). قلت: فيكون السلاح مزايلاً للعلم؟ قال: (لا)(371).
وصحيحة عبد الأعلى، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: (يُعرَف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره: هو أولى الناس بالذي قبله، وهو وصيّه، وعنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيَّته، وذلك عندي لا أُنازع فيه)(372).
وما رواه العيّاشي عن جابر الجعفي، عن الباقر عليه السلام: (وإيّاك وشُذَّاذ من آل محمّد، فإنَّ لآل محمّد وعليٍّ راية ولغيرهم رايات، فالزم الأرض، ولا تتَّبع منهم رجلاً أبداً حتَّى ترى رجلاً من ولد الحسين، معه عهد نبيّ الله، ورايته، وسلاحه)(373).
وما رواه النعماني عن أبي سعيد المكاري، عن الحارث بن المغيرة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: بأيّ شيء يُعرَف الإمام؟ قال: (بالسكينة والوقار). قلت: بأيّ شيء؟ قال: (وتعرفه بالحلال والحرام، وبحاجة الناس إليه، ولا يحتاج إلى أحد، ويكون عنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(374).
وقد تكفَّلت روايات أهل البيت عليهم السلام بذكر صفات السلاح، وكيفيته؛ ليكون علامة فارقة يستطيع كلّ مكلَّف تمييزها ومعرفتها دون جهد أو عناء.
فقد روى الصفّار بسند صحيح عن سعيد السمّان، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجلان من الزيدية، فقالا: أفيكم إمام مفترض طاعته؟ فقال: (لا). قال: فقالا له: فأخبرنا عنك الثقات أنَّك تعرفه، وتسمّيهم [كذا، والظاهر: ونسمّيهم] لك، وهم فلان وفلان، وهم أصحاب ورع وتشمير، وهم ممَّن لا يكذبون. فغضب أبو عبد الله عليه السلام، وقال: (ما أمرتهم بهذا). فلمَّا رأيا الغضب في وجهه خرجا، فقال لي: (أتعرف هذين؟)، قلت: نعم، هما من أهل سوقنا من الزيدية، وهما يزعمان أنَّ سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند عبد الله بن الحسن، فقال: (كذبا لعنهما الله، ولا والله ما رآه عبد الله بعينيه، ولا بواحد من عينيه، ولا رآه أبوه، إلَّا أن يكون رآه عند علي بن الحسين بن علي، وإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه؟ وما لا ترى في موضع مضربه؟ وإنَّ عندي لسيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودرعه، ولامته، ومغفرة، فإن كانا صادقين فما علامة في درعه؟ وإنَّ عندي لراية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المغلبة، وإنَّ عندي ألواح موسى وعصاه، وإنَّ عندي لخاتم سليمان بن داود، وإنَّ عندي الطست الذي كان يقرّب بها موسى القربان، وإنَّ عندي الاسم الذي كان إذا أراد رسول الله أن يضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة، وإنَّ عندي التابوت التي جاءت به الملائكة تحمله، ومثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل، فأيّ بيت وقف التابوت على باب دارهم أُوتوا النبوَّة، كذلك ومن صار إليه السلاح منّا أُوتي الإمامة، ولقد لبس أبي درع رسول الله فخطَّت على الأرض خطيطاً، ولبستها أنا فكانت، وقائمنا ممَّن إذا لبسها ملأها إن شاء الله)(375).
ومنها: ما رواه الكليني قدس سره في ذكر علامات الإمام بسنده عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (وإذا لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت عليه وفقاً، وإذا لبسه غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً، وهو محدَّث، إلى أن تنقضي أيّامه)(376).
فهذه الروايات وغيرها تؤكِّد لنا أهمّية السلاح في تحديد إمام الحقّ، وتعطينا الحقّ في طلب إظهار السلاح من كلّ من يدَّعي هذا الأمر أخذاً بمنهجم الذي بيَّنوه لنا.
ولعلَّ من أبلغ ما يدلُّ على هذا ما رواه ابن شهر آشوب عن عبد الله بن كثير في خبر طويل أنَّ رجلاً دخل المدينة يسأل عن الإمام، فدلّوه على عبد الله بن الحسن، فسأله هنيئة ثمّ خرج، فدلّوه على جعفر بن محمّد صلوات الله عليه فقصده، فلمَّا نظر إليه جعفر عليه السلام قال: (يا هذا، إنَّك كنت مغرى، فدخلت مدينتنا هذه تسأل عن الإمام، فاستقبلك فتية من ولد الحسن عليه السلام، فأرشدوك إلى عبد الله بن الحسن، فسألته هنيئة ثمّ خرجت، فإن شئت أخبرتك عمَّا سألتَه وما ردَّ عليك، ثمّ استقبلك فتية من ولد الحسين، فقالوا لك: يا هذا، إن رأيت أن تلقى جعفر بن محمّد فافعل). فقال: صدقت، قد كان كما ذكرت، فقال له: (ارجع إلى عبد الله بن الحسن فاسأله عن درع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمامته). فذهب الرجل، فسأله عن درع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعمامة، فأخذ درعاً من كندوج له فلبسها، فإذا هي سابغة [أي واسعة]، فقال: كذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلبس الدرع. فرجع إلى الصادق عليه السلام فأخبره، فقال عليه السلام: (ما صدق). ثمّ أخرج خاتماً، فضرب به الأرض، فإذا الدرع والعمامة ساقطين من جوف الخاتم، فلبس أبو عبد الله عليه السلام الدرع، فإذا هي إلى نصف ساقه، ثمّ تعمَّم بالعمامة، فإذا هي سابغة، فنزعهما، ثمّ ردَّهما في الفصّ، ثمّ قال: (هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلبسها، إنَّ هذا ليس ممَّا غُزِلَ في الأرض، إنَّ خزانة الله في (كُنْ)، وإنَّ خزانة الإمام في خاتمه، وإنَّ الله عنده الدنيا كسكرجة، وإنَّها عند الإمام كصحيفة، ولو لم يكن الأمر هكذا لم نكن أئمة، وكنّا كسائر الناس)(377).
فالتفت يا أخي القارئ لما ورد في الفقرة الأخيرة في الرواية وتدبَّر فيها، قال عليه السلام: (ولو لم يكن الأمر هكذا لم نكن أئمّة، وكنّا كسائر الناس)، فكلّ من لا يفعل مثل ما فعله الإمام الصادق عليه السلام فليس بإمام، وحاله حال سائر الناس.
فأين سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أحمد إسماعيل؟
لفتة أخيرة:
إنَّ خروج الإمام المهدي عليه السلام وحركته المباركة ليست بالأمر الخفي الذي يحتاج جهداً وعناءً لمعرفته، بل إنَّ ظهوره المبارك عليه السلام سيكون حدثاً عالميّاً ضخماً، يبلغ صداه المشرق والمغرب، ويتنبَّه له كلّ أهل الأرض، مسلمين كانوا أم أتباع ديانات أُخرى.
وقد صوَّر لنا أهل البيت عليهم السلام حقيقة هذا الظهور المبارك بصورة تبعث على الأمل، وتزيح كلّ الشكوك والشبهات.
فقد روى الكليني والصدوق والطوسي قدَّس الله أسرارهم عن المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إيّاكم والتنويه، أمَا والله ليغيبنَّ إمامكم سنيناً من دهركم، ولتمحِّصنَّ حتَّى يقال: مات، قُتِلَ، هلك، بأيّ وادٍ سلك؟ ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن بأمواج البحر، فلا ينجو إلَّا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده برَوْح منه، ولتُرفعنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يُدرى أيّ من أيّ). قال: فبكيت، وقلت: فكيف نصنع؟ قال: فنظر إلى شمس داخلة إلى الصُّفَّة، فقال: (يا أبا عبد الله، ترى هذه الشمس؟)، قلت: نعم. قال: (والله لأمرنا أبْيَنُ من هذه الشمس)(378).
وروى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده: عن ميمون البان، قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام في فسطاطه، فرفع جانب الفسطاط، فقال: (إنَّ أمرنا قد كان أبين من هذه الشمس). ثمّ قال: (ينادي منادٍ من السماء: (فلان بن فلان هو الإمام) باسمه، وينادي إبليس لعنه الله من الأرض كما نادى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة العقبة)(379).
ولذلك روى العلَّامة المجلسي قدس سره: عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنَّه قال: (إذا خرج القائم لم يبقَ أحد إلَّا عرفه صالح أو طالح)(380).
نعم إخواني.. إن أمر إمامنا المهدي عجل الله فرجه أبْيَنُ من الشمس، فكما أن الشمس لا يختلف اثنان في ظهورها، فإمامة الإمام المهدي عجل الله فرجه لن يختلف فيها اثنان؛ لأنه كالشمس الطالعة في رابعة النهار، وكالكوكب الدّرّي الساطع في ظلمات الليل.
أمَّا أحمد إسماعيل فلم نرَ من الدلائل على إمامته إلَّا ادِّعاءات وخطابات خالية من أيّ دليل ولا برهان، نعم، رأينا شعارات برَّاقة وكلمات خلَّابة يستميل بها عواطف الناس، كقوله: (أنا حَجَرٌ في يمين علي بن أبي طالب عليه السلام، ألقاه في يوم ليهدي به سفينة نوح، ومرَّةً ليُنجي إبراهيم من نار نمرود، وتارة ليخلِّص يونس من بطن الحوت، وكلَّم به موسى على الطور، وجعله عصا تفلق البحار، ودرع [كذا] لداود، وتدرَّع به في أُحُد، وطواه بيمينه في صفّين)(381).
ولا يخفى أنَّ هذا الكلام مضافاً إلى أنَّه كلّه ادِّعاءات فارغة لم يقم عليها دليل، بل إنَّه كلام لا معنى له؛ فكيف يكون أحمد إسماعيل حجراً؟ وهل تاهت سفينة نوح وفيها نبيّ مرسل؛ لتحصل لها الهداية بحجر يُلقَى في البحر هو أحمد إسماعيل؟ وكيف تحقَّق بهذا الحجر نجاة إبراهيم عليه السلام من نار نمرود، وخلاص يونس من بطن الحوت؟ وكيف كلَّم الله موسى عليه السلام على الطور بهذا الحجر؟ وكيف تحوَّل هذا الحجر إلى عصا تفلق البحار، ودرع لداود، ولأمير المؤمنين عليه السلام لما تدرَّع به في أُحُد؟
هذا الكلام مضافاً إلى أنَّه لم يدلّ عليه دليل، فإنَّ من المعروف أنَّ سفينة نوح لم تهتد بحجر، وأنَّ إبراهيم لم ينج بحجر، وأنَّ يونس لم ينج من بطن الحوت بحجر، وأنَّ عصا موسى لم يكن أصلها حجر، وهكذا.
ومن المعلوم أنَّ كلّ من يدَّعي الإمامة فإنَّه يطالَب بإثبات إمامته بإظهار معجزة أو كرامة، وقد طلب الكثير من أحمد إسماعيل إظهار معجزة أو كرامة، أو حتَّى الظهور في مكان يمكن التواصل معه واختباره حتَّى يُثبت صحَّة ما يدَّعيه، لكنَّه لم يستجب لكلّ هؤلاء، أمَّا هذه الكلمات المنمّقة فهي سهلة وفي متناول أيّ شخص.

* * *

الصفات المزعومة لأحمد إسماعيل
يدَّعي أحمد إسماعيل وبعض أنصاره أنَّ الصفات الجسدية للمهدي الأوّل أو اليماني قد ذُكرت بدقَّة في روايات أهل البيت عليهم السلام، وأنَّها منطبقة تماماً على أحمد إسماعيل!
قال أحمد إسماعيل في متشابهاته المنسوبة إليه: (إذا يكون اليماني: اسمه أحمد، ومن البصرة(382)، وفي خدِّه الأيمن أثر، وفي بداية ظهوره يكون شابَّاً، وفي رأسه حزاز)(383).
في حين أنَّ أكثر أتباعه لم يروه فيما نعلم، ولم يقابلوه، ولم أطَّلع على شخص رآه فعلاً.
فلا أدري كيف يصدِّق هؤلاء أمثال هذه الدعاوى في علامات جسمه من دون دليل أو برهان؟!
والمفروض أن يُظهِر هذا الرجل نفسه للقيام بدوره الذي يدَّعيه، أو على الأقلّ أن ينشر مقطع فيديو أو صورة _ غير مفبركة طبعاً _ تثبت انطباق الصفات الموجودة في الروايات عليه.
علماً أنَّه لا يوجد ذكر للصفات الجسدية لليماني في روايات أهل البيت عليهم السلام، ولا توجد أيّ صفة لأحمد المذكور في رواية الوصيّة التي يحتجّون بها، بل غاية ما ذُكِرَ هو اسمه ونسبه. وما يدَّعون أنَّها صفات لمهديِّهم ليس إلَّا تلاعباً بالروايات الشريفة التي ذكرت صفات قائم آل محمّد الإمام الثاني عشر عليه السلام، فصرفوها عنه إلى صاحبهم!
وحُجَّتهم في هذا أنَّ الروايات إنَّما تتحدَّث عن شخصين لا عن شخص واحد؛ وذلك لاختلاف الصفات الواردة فيها!
وقد عقد أبو محمّد الأنصاري مقارنة بين بعض الروايات التي بيَّنت صفات القائم عليه السلام، انتهت به إلى الحكم بتعدّد المقصودين، قال: (إذن الروايتان تصفان شخصين لا شخص [كذا] واحد)(384).
والروايتان اللتان قصدهما هذا المتمشيخ هما:
الرواية الأُولى: رواها الشيخ الطوسي قدس سره بسنده عن علي بن إبراهيم بن مهزيار، قال: (... فدخلت فإذا أنا به جالس قد اتَّشح ببردة واتَّزر بأُخرى، وقد كسر بردته على عاتقه، وهو كأقحوانة أرجوان قد تكاثف عليها الندى، وأصابها ألم الهوى، وإذا هو كغصن بان أو قضيب ريحان، سمح، سخي، تقي، نقي، ليس بالطويل الشامخ، ولا بالقصير اللازق، بل مربوع القامة، مدوّر الهامة، صلت الجبين، أزجّ الحاجبين، أقنى الأنف، سهل الخدّين، على خدّه الأيمن خال، كأنَّه فتات مسك على رضراضة عنبر)(385).
والرواية الثانية: رواها النعماني بسنده عن حمران بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام: جُعلت فداك، إنّي قد دخلت المدينة وفي حقوي هميان فيه ألف دينار، وقد أعطيت الله عهداً أنَّني أنفقها ببابك ديناراً ديناراً، أو تجيبني فيما أسألك عنه. فقال: (يا حمران، سل تجب، ولا تنفقنَّ دنانيرك). فقلت: سألتك بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنت صاحب هذا الأمر والقائم به؟ قال: (لا). قلت: فمن هو، بأبي أنت وأُمّي؟ فقال: (ذاك المشرب حمرة، الغائر العينين، المشرف الحاجبين، العريض ما بين المنكبين، برأسه حزاز، وبوجهه أثر، رحم الله موسى)(386).
وكما يرى القارئ العزيز أنَّه لا يوجد أيّ تعارض بين الروايتين كي نقول بوجود شخصين، بل إنَّ التعارض في عقل أبي محمّد الأنصاري، فالذي لا يعرف أبسط القواعد النحوية فيرفع المنصوب في قوله: (شخصين لا شخص)، كيف يمكنه فهم روايات أهل البيت عليهم السلام الذين هم مصدر الفصاحة ومنبع البلاغة.
ادَّعى هذا الأنصاري أنَّ الرواية الأُولى تحدَّثت عن رجل مربوع القامة، في حين أنَّ الرواية الثانية تحدَّثت عن رجل طويل القامة، بدلالة قوله: (رحم الله موسى)، ونبيّ الله موسى عليه السلام كان رجلاً طويلاً.
والجواب: أنَّه لا دلالة في العبارة المذكورة على أنَّ المقصود منها طول القامة، غاية ما يُستفاد من العبارة هو ترحّم الإمام عليه السلام على موسى، فلا يمكننا القطع بوجه هذا الترحّم، ولا يمكن الجزم بالمقصود بموسى في الرواية، إذ يحتمل أنَّه نبيّ الله موسى عليه السلام، فيكون وجه الترحّم هو وجود التشابه بينهما سواء كان تشابهاً جسديّاً كما دلَّت بعض الروايات من أنَّ القائم جسمه جسم إسرائيلي(387)، أم كان يشبهه في سيرته كما ورد في ما رواه الشيخ الطوسي قدس سره في الغيبة بسنده عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (في صاحب هذا الأمر أربع سُنن من أربعة أنبياء: سُنَّة من موسى عليه السلام، وسُنَّة من عيسى عليه السلام، وسُنَّة من يوسف عليه السلام وسُنَّة من محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فأمَّا سُنَّة من موسى عليه السلام فخائف يترقَّب...)(388).
ويحتمل أن يكون المقصود به إمامنا موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، فيكون ذكره لدفع شبهات الواقفة من أنَّ الكاظم عليه السلام هو القائم، ويقوِّي هذا الاحتمال أنَّ السائل اشتبه في كون الإمام الباقر عليه السلام هو القائم، فالترحّم على موسى الكاظم عليه السلام لعلَّه إشارة إلى أنَّ مثل هذه القضية ستتكرَّر، وسيحصل الاشتباه واللبس عند بعض الشيعة.
أمَّا ما ادِّعاه أبو محمّد الأنصاري من أنَّ وجه الشبه هو الطول فهو خطأ فادح، ولعلَّ سببه هو اتّباعه لهواه، واستماتته في نصرة باطله، وعدم خجله من التلبيس على قرَّائه.
وقد استدلَّ الرجل أيضاً على أنَّ الروايات تشير إلى شخصين مختلفين باختلاف صفة الحاجبين في الروايتين، فإنَّ الأُولى ذكرت أنَّه أزَجُّ الحاجبين، في حين أنَّ الثانية ذكرت أنَّه مشرف الحاجبين.
والجواب: أنَّ كلامه غير صحيح؛ لأنَّ الزجج هو دقَّة الحاجبين مع طولهما كما ذكره الجوهري في الصحاح(389).
أمَّا (مشرف الحاجبين) فالمقصود به ظهورهما وبروزهما بلحاظ الرائي، وعليه فلا اختلاف بين الصفتين، فهي تماماً مثل قول بعضهم: (إنَّ شعر زيد طويل)، وقول آخر: (إنَّ شعر زيد أسود)، فلا منافاة بين قول الأول والثاني؛ لأنَّه لا مانع من أن يكون شعر زيد طويلاً وأسود، وكذلك الأمر في ما ذكرناه.
والعجيب استدلاله أيضاً بأنَّ الرواية الأُولى ذكرت أنَّ في خدِّه خالاً، بينما ذكرت الثانية أنَّ في خدِّه أثراً!
والجواب: أنَّ هذا لا يدلُّ أيضاً على تعدّد الرجلين؛ لأنَّ الأثر الموجود في وجهه عليه السلام أعمّ من أن يكون خالاً أو غيره، فهو شامل للخال وغيره، فربَّما يكون المقصود به الخال؛ لأنَّ بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً، فكلّ خال أثر، وليس كلّ أثر خال.
ولو سلَّمنا بأنَّ الخال لا يسمّى أثراً فلا مانع من الجمع بينهما بأن يكون في وجهه الشريف عليه السلام خال وأثر، ولا نحتاج للقول بتعدّد الأشخاص في هذه الأخبار.
وممَّا استدلَّ به القوم لإثبات صاحبهم أحمد إسماعيل هو اختلاف الروايات في تحديد لون بشرة الإمام صاحب الزمان عليه السلام، فقد ورد في بعضها أنَّه أسمر، وورد في بعض آخر أنَّه عليه السلام أبيض مشرب بحمرة.
قال أبو محمّد الأنصاري: (في الرواية الثالثة يصف أمير المؤمنين عليه السلام ولده الذي يخرج في آخر الزمان بأنَّه: أبيض، مشرب بحمرة، بينما يصف الإمام الكاظم عليه السلام مهدي آل محمّد في الرواية الرابعة بأنَّه: أسمر اللون، وفيه صفرة من سهر الليل. إذن الروايتان تصفان شخصين، لا شخص واحد)(390).
والجواب: أنَّ السمرة من المفاهيم المشكِّكة التي تختلف من واحد لآخر، فربَّما تكون سمرة متاخمة للبياض، وهو ما يسمَّى في هذه الأيّام باللون الحنطي، أو تكون سمرة قريبة من السواد، فالإمام عليه السلام ليس بياضه بياض الأُوروبيِّين، وليس بأسمر كالأفارقة، بل هو حنطي اللون كغالب العرب في هذا العصر.
والعجيب أنَّ القوم يدَّعون أنَّ الروايات التي تصف الإمام المهدي عليه السلام بالسُّمْرة تشير إلى أحمد إسماعيل، لا إلى إمامنا الثاني عشر عليه السلام، في حين نجد أنَّهم يحتجّون برواية الضرّاب التي ذكرناها سابقاً، وفيها أنَّ الرجل الذي هو من المفروض أن يكون المهدي عليه السلام كان أسمر اللون، وليس بأبيض كما يدَّعون!
قال الضرّاب: (فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنّا فيه شبيهاً بضوء المشعل، ورأيت الباب قد انفتح، ولا أرى أحداً فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلاً ربعة أسمر إلى الصفرة)(391).
ولكن ممَّا يؤسف له أنَّ أحمد إسماعيل وأتباعه يحتجّون بأحاديث لا يفهمونها، وبأحاديث أُخر تبطل دعوتهم، وترد مزاعمهم من حيث لا يشعرون.

* * *

هل أحمد إسماعيل حيٌّ أو ميّت؟
بعد أن انتهينا من تفنيد كلّ دعاوى القوم وبيان زيفها يبقى أمامنا هذا السؤال الذي لا بدَّ من أن يطرحه كلّ واحد من أنصاره على نفسه صباحاً ومساءً، وهو: هل أحمد إسماعيل الآن حيٌّ أو ميّت؟
ولماذا لا يظهر ظهوراً علنيّاً كي يتسنَّى للناس التعرّف عليه؟
قد يجيبنا بعض المتفيقهين من أتباعه بأنَّ غيبة إمامهم هي كغيبة إمامنا صاحب الأمر عليه السلام، خوفاً من أعدائه الذين يتربَّصون به الدوائر!
فنقول لهم: ما هو الدليل على أنَّه غائب عن الأنظار؟ ألَا يمكن أن يكون قد مات أو قُتِلَ؟ فإنَّنا بعد البحث لم نجد دليلاً واحداً يدلُّ على أنَّه لا يزال حيَّاً!
لا يقال: إنَّ مثل هذا الكلام يمكن أن يقوله القائل عن الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، بل هذا ما يقوله المخالفون في النقض على الشيعة، وجواب الشيعة في بقاء الإمام المهدي المنتظر عليه السلام هو عين جوابنا في بقاء أحمد إسماعيل.
والجواب: أنَّ الأدلَّة الصحيحة قامت على أنَّ الزمان لا يخلو من إمام، وقد اتَّفق الشيعة قاطبة على أنَّ إمام هذا العصر هو الإمام محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام، وقد أثبتوا ذلك في كتبهم المعدَّة لذلك، وعليه، فبقاء الإمام محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام لا يشكُّ فيه شيعي، وأمَّا بقاء أحمد إسماعيل فهو مشكوك فيه، فيحتاج أتباعه إلى إقامة الأدلَّة على وجوده، ولو بتسجيل يظهر فيه بصورته وصوته يشير إلى آخر الأحداث الجارية في هذه الأيّام؛ ليعلم الناس بوجوده وبقائه.
وأمَّا تشكيكات المخالفين في بقاء الإمام محمّد بن الحسن العسكري فهي مردودة بعدَّة أدلَّة، ويكفي حديث الثقلين الذي يدلُّ على وجود إمام صالح للإمامة من أهل البيت عليهم السلام في كلّ عصر، ولا يوجد إمام معصوم صالح للإمامة من أهل البيت عليهم السلام في هذا العصر إلَّا الإمام محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام، فإن قلنا: إنَّه عليه السلام إمام هذا العصر ثبت المطلوب، وإلَّا فقد خلا الزمان من إمام معصوم من أهل البيت عليهم السلام، لا يفارق القرآن ولا يفارقه القرآن، وهذا باطل بنصِّ حديث الثقلين كما قلنا.
مضافاً إلى ما رواه مسلم في صحيحه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)(392).
ولا شكَّ في أنَّ غير الشيعة لم يبايعوا إماماً واحداً لهم، فتكون ميتتهم ميتة جاهلية بنصِّ هذا الحديث الصحيح عندهم، فإذا كان الشيعة أيضاً لا إمام لهم أو أنَّ إمامهم معدوم، فجميع المسلمين في هذا العصر وما سبقه يموتون ميتة جاهلية، وهو باطل بالاتّفاق، فلا بدَّ من القول بأنَّ بعض المسلمين _ وهم الشيعة _ ميتتهم ليست جاهلية؛ لأنَّ لهم إماماً مفترض الطاعة، ولا إمام يقول به الشيعة إلَّا الإمام محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام، وهذا دليل وجوده وبقائه.
ولكن ربَّما يقال: إنَّ أتباع أحمد إسماعيل يعلمون أنَّه حيٌّ يُرزَق؛ لأنَّه بين كلّ فترة وفترة يضع تسجيلاً له في موقعه الرسمي، وآخر تسجيل له كان في محرَّم سنة (1432هـ).
والجواب: أنَّ التسجيل الصوتي لا يُعلَم أنَّه له أو لغيره؛ لأنَّنا لم نرَ له فيما سبق تسجيلاً بالصوت والصورة حتَّى نعلم أنَّ هذا الصوت صوته، بل حتَّى لو كنّا نعرف صوته ونميِّزه عن غيره من الأصوات، فإنَّ وجود تسجيل صوتي لا يدلُّ على حياته فعلاً؛ لأنَّ كلّ من كان عنده معرفة بشيء من وسائل التقنية الحديثة يمكنه أن يسجِّل كلاماً بأيّ صوت يريده، ولهذا لا يعتبر العقلاء التسجيل الصوتي دليلاً في هذا العصر؛ لاحتمال كونه مفبركاً.
سفير غائب لإمام غائب:
يحقّ لكلّ باحث أن يسأل أتباع أحمد إسماعيل هذا السؤال: ما فائدة سفير غائب لإمام غائب؟

فإنَّ إمامنا المهدي المنتظر عليه السلام غائب عنّا، ونحن نرى أنَّه لا يصحُّ منه عليه السلام أن يرسل سفيراً هو الآخر غائباً عنّا؛ لأنَّ سفيره لا فائدة فيه، إذ لا يمكننا التواصل معه، والاستفادة من علومه.
فإن قال قائل: يمكن الآن لأتباع أحمد إسماعيل أن يتواصلوا معه عبر الانترنت، فيسألونه المسائل المختلفة في الفقه والعقيدة وغيرها، وبهذا تتحقَّق الفائدة من سفارته.
والجواب: أنَّ الانترنت عالَم افتراضي، ونحن لا نعلم أنَّ أحمد إسماعيل هو الذي يجيب على هذه المسائل أو غيره، فلعلَّ بعض الجهات المشبوهة التي تهدف إلى إيقاع الفتنة بين الشيعة هي من وراء ذلك، وهي التي تجيب على تلك المسائل، وتنسبها إلى أحمد إسماعيل، وهو إمَّا مغيَّب في السجن، أو مدفون في القبر.
ومن المعلوم عند الشيعة أنَّ وظيفة سفراء الإمام المهدي عليه السلام هي إيصال المسائل إلى الإمام المهدي عليه السلام، وأخذ الإجابات منه، مكتوبة بخطّه الشريف، ومختومة بختمه المبارك، وهي ما تعورف عليه بالتوقيعات، وقد لاحظ الشيعة أنَّ الإجابات في حياة كلّ السفراء الأربعة تصل إلى الناس بنفس الخطّ، لم يتغيَّر ولم يتبدَّل، وهو خطّ مولانا الإمام المهدي عليه السلام، وبهذا كانوا يستدلّون مع أُمور أُخرى بأنَّ تلك التوقيعات صادرة عن الإمام المهدي عليه السلام، لا عن السفراء الأربعة.
ولنقرأ بعض الروايات الدالَّة على أنَّ الإمام المهدي عليه السلام كان يجيب الناس بخطّه الشريف.
فقد روى الشيخ الطوسي قدس سره في باب ما ظهر من جهته عليه السلام من التوقيعات، بسنده عن الشيخ الموثوق بدار السلام، قال: تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في الخلف، فذكر ابن أبي غانم أنَّ أبا محمّد عليه السلام مضى ولا خلف له، ثمّ إنَّهم كتبوا في ذلك كتاباً، وأنفذوه إلى الناحية، وأعلموه بما تشاجروا فيه، فورد جواب كتابهم بخطّه عليه وعلى آبائه السلام...(393).
وقال قدس سره: وأخبرني جماعة، عن جعفر بن محمّد بن قولويه وأبي غالب الزراري وغيرهما، عن محمّد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمّد بن عثمان العمري رحمه الله أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الدار عليه السلام...(394).
وروى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن محمّد بن همّام، قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري قدَّس الله روحه يقول: خرج توقيع بخطّ أعرفه: (مَن سمَّاني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله). قال أبو علي محمّد بن همّام: وكتبت أسأله عن الفرج متى يكون؟ فخرج إليَّ: (كذب الوقَّاتون)(395).
قال الشيخ الطوسي قدس سره: وذكر أبو نصر هبة الله بن محمّد بن أحمد أنَّ أبا جعفر العمري رحمه الله مات في سنة أربع وثلاثمائة، وأنَّه كان يتولّى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة، يحمل الناس إليه أموالهم، ويخرج إليهم التوقيعات بالخطّ الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام إليهم بالمهمَّات في أمر الدين والدنيا، وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة، رضي الله عنه وأرضاه(396).
ولهذا قال السيّد محمّد الصدر قدس سره: (كان الخطّ الذي يستعمله الإمام المهدي عليه السلام في توقيعاته وبياناته، خطَّاً موحَّداً يعرفه الناس المتتبِّعون لذلك، فهو لا يختلف باختلاف أشخاص السفراء واختلاف خطوطهم، ممَّا يحصل القطع بصدوره عنه عليه السلام كما سبق أن أشرنا وقلنا باستعمال الخطّ في معرفة صاحبه أمر عقلاني متسالم عليه بين الأُمم. ولئن كان يمكن افتراض أنَّ أحد السفراء ذو فنّ في مضاهات الخطّ وتزويره، فهو بالنسبة إلى مجموعهم يكون عادةً من المحالات)(397).
وأمَّا أحمد إسماعيل فنحن لا نعلم أنَّه يجيب على المسائل الموجَّهة إلى موقعه؛ لأنَّ الإجابات لا تُرسَل إلى أصحابها بخطّ معروف لأحمد إسماعيل، وليست هناك أيّ قرينة أُخرى تدلُّ على صحَّة نسبة تلك الإجابات إلى أحمد إسماعيل!
ونودُّ هنا أن ننبِّه القرَّاء الأعزَّاء إلى أنَّه إذا كان السبب في اختفاء أحمد إسماعيل هو خوفه من أن يصل إليه الظالمون كما يزعم بعض أتباعه، ولهذا فإنَّه لا يظهر بصورته وصوته، فإنَّ الظالمين إذا أرادوه لن يصعب عليهم الوصول إليه، وإلقاء القبض عليه إذا كان هناك من يتواصل معه عبر الانترنت؛ لأنَّ الانترنت مكشوف تماماً للدولة التي تقوم بتزويد هذه الخدمة ولغيرها من الدول الأُخرى، ولكن يظهر أنَّ أحمد إسماعيل لا يعلم أنَّ الانترنت وسيلة سهلة للوصول إليه، واصطياده على فرض وجوده.
غائب يمهّد لغائب:
الذي يدَّعيه أحمد إسماعيل وأتباعه أنَّه سيمهِّد (لأبيه) الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وسيوطِّئ له سلطانه!
وهذا الادِّعاء يثير الاستغراب والدهشة؛ إذ كيف يمهِّد الغائب لغائب آخر؟
مع أنَّ المكتوب في الموقع الرسمي لأحمد إسماعيل أنَّه ظهر بادِّعاءاته في شهر جمادى سنة (1423هـ)، الموافق للشهر السابع سنة (2002م)، أي إنَّه مضى عليه لحدِّ الآن أكثر من تسع سنين، ولم نرَه صنع شيئاً في التمهيد للإمام المهدي عليه السلام.
والملاحظ أنَّ أحمد إسماعيل وإن كان يدَّعي أنَّه سفير الإمام المهدي عليه السلام، ووصيّه، والممهِّد له، إلَّا أنَّ كلّ من يطَّلع على هذه الحركة يجد أنَّ أحمد إسماعيل يدَّعي الإمامة لنفسه، ويأمر الناس بتقليده هو، ويزعم أنَّ الروايات الواردة في الإمام المهدي عليه السلام تشير إليه، وأنَّه هو المعنيُّ بها، بل الأعظم من كلّ ذلك أنَّ أحمد إسماعيل يزعم أنَّه هو الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، وأنَّه في الواقع لن يكون ممهِّداً للإمام المهدي عليه السلام، بل إنَّه سيقوم بالدور الأكبر من عملية الإصلاح العالمية، وكلّ ما سيصنعه الإمام المهدي عليه السلام أنَّه سيتولّى حكم هذه الدنيا بعدما يوطِّئها له أحمد إسماعيل.
وهذه كلّها دعاوى باطلة قام الدليل المتواتر على بطلانها، فإنَّ المسلمين قاطبة اتَّفقوا على أنَّ الإمام المهدي عليه السلام هو الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، ولن يقوم بهذه المهمّة أحد غيره.
مع أنَّ كلّ الروايات التي ذكرت أحداث الظهور المبارك وما قبلها بيَّنت أنَّ الأحداث ستكون متسارعة، وأنَّ الممهِّدين للإمام المهدي عليه السلام لن يكونوا أصحاب دعوات فكرية أو عَقَدية يدعون الناس إلى أنفسهم، وإلى وجوب الإيمان بهم، والرجوع إليهم في شرع الله سبحانه، وإنَّما ستكون حركاتهم عسكرية فقط، غايتها هي نصرة الإمام المهدي قبيل ظهوره، وتوطئة بعض البلاد له، وأنَّ ظهورهم سيكون قبيل قيام الإمام المهدي عليه السلام بأشهر قليلة.
وكلّ ما يصدر من أحمد إسماعيل وأتباعه مخالف للمتواتر من الروايات من نواحٍ مختلفة بيَّنَّاها في مطاوي كلامنا.
والنتيجة أنَّه لا يوجد دليل واحد صحيح على حياة هذا الرجل إلَّا زعم بعض أتباعه وهذه التسجيلات الصوتية التي تُنسَب إليه.
نعم، كان هناك شخص اسمه أحمد إسماعيل موجود في العراق، لكنَّه توارى عن الأنظار، وهو ملاحق من قِبَل الحكومة العراقية، فربَّما يكون موجوداً، وربَّما قُتِلَ في إحدى حملات الحكومة، أو يكون قد مات موتة طبيعية!
كلّ هذه الاحتمالات واردة، فلا نقطع بحياته، ولا نقطع بوفاته، وعليه فلا ندري كيف آمَنَ به أتباعه ولم يروه، وكلّ آثاره منسوبة إليه في عالم افتراضي هو الانترنت، لا في العالم الحقيقي.
ثمّ كيف يصدِّقون مَنْ يدَّعي مقابلته أمثال العقيلي والزيدي والسالم دون دليل أو برهان، بل دون معرفة سابقة بصدق هؤلاء القوم؟

* * *

مراجعنا العظام هم صمَّام الأمان
منذ اليوم الأوّل لهذه الدعوة رُفعَت راية تضليل مراجع الطائفة حفظهم الله تعالى، وتكفيرهم، والحثّ على محاربتهم بل لا يكاد يخلو كتاب من كتبهم أو خطاب من خطابتهم من التعرّض لمقام المرجعية الرشيدة والحطّ منها.
ولعلَّ هذه الراية التي رفعوها هي من أوضح الأدلَّة على سوء طويَّة القوم، وخبث سريرتهم، فالمرجعية كما يعلم الكلّ هي صمَّام أمان التشيّع، وحصنه الحصين، وهم حماة الدين، ولذلك فإنَّ كلّ من حاول ضرب مذهب أهل البيت عليهم السلام بدأ أوّلاً بضرب المرجعية، سواء بتصفية المراجع جسديّاً أو معنويّاً بتسقيطهم بأساليب مختلفة، مثل إشاعة الأخبار الكاذبة الموهنة والمشينة لمقامهم، أو خلق مرجعيَّات مزيَّفة تنافس المراجع المخلصين.
وقد سار على هذا النهج حُكَّام الجور عبر التاريخ، لكنَّهم لم ينجحوا بحمد الله سبحانه، إلى أن وصلنا إلى هذا العصر، حيث ابتُدعَت وسائل جديدة لحرب المرجعية.
منها: إنكار وجود الإمام المهدي عليه السلام الذي يترتَّب عليه هدم مقام المرجعية؛ إذ أنَّ مراجع الدين هم نُوَّابه عليه السلام في غيبته الكبرى، وقد سار على هذا النهج أحمد الكاتب، لكنَّه فشل، وخاب في مسعاه.
ومنها: ما يحاول أحمد إسماعيل فعله، وهو خلق نائب خاصّ مزيَّف للإمام عليه السلام، بغرض ضرب النوَّاب العامّين، وهم المراجع العظام.
لذلك نجد أحمد إسماعيل وأتباعه يركِّزون على الطعن في مقام المرجعية.
قال أحمد إسماعيل في خطاب صوتي منسوب إليه: (وإذا سألتم الله في حديث المعراج وجدتم الجواب، فإنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يسأل الله سبحانه وتعالى في المعراج في حديث طويل، إلى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (قلت: إلهي فمتى يكون ذلك؟ أي قيام القائم، فأوحى إليَّ عز وجل: يكون ذلك إذا رُفِعَ العلم، وظهر الجهل، وكثر القُرَّاء، وقلَّ العمل، وكثر الفتك، وقلَّ الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضلالة الخونة). قال رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم: (سيأتي زمان على أُمَّتي لا يبقى من القرآن إلَّا رسمه، ومن الإسلام إلَّا اسمه، يُسمَّون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة، وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شرّ فقهاء تحت ظلّ السماء، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود)، أنا أدعوكم أيّها الناس إلى ترك عبادة هؤلاء الأصنام، فقد أحلّوا لكم ما حرَّم الله، وحرَّموا ما أحلَّ الله، فأطعتموهم، فعبدتموهم من دون الله.. عن أبي بصير، عن الصادق عليه السلام، قال: قلت له: (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ)، فقال عليه السلام: (أمَا والله ما دَعَوْهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دَعَوْهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً، وحرَّموا عليهم حلالاً، فعبدوهم من حيث لا يشعرون). أدعوكم إلى إقرار حاكمية الله، ورفض حاكمية الناس، أدعوكم إلى طاعة الله، ونبذ طاعة الشيطان، ومن ينظّر لطاعته من العلماء)(398).
وقال في خطاب آخر: (فقهاء هم شرّ فقهاء تحت ظلّ السماء، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود، فقهاء لا يفقهون شيء [كذا] إلَّا أنَّ أحدهم يودّ لو يُعمَّر ألف سنة، فقهاء يتعاطون مع أمريكا، ولا يجدون حرجاً من التعامل مع الأُطروحة الأمريكية، بل دعا أحدهم إلى مظاهرات للمطالبة بالمطالب الأمريكية نفسها)(399).
وقد تمادى أصحابه أكثر من ذلك، فطعنوا في أصل التقليد، واعتبروه بدعة في الدين، وانحرافاً عن دين الله مماثلاً لما حصل عند اليهود، وكلّ هذا خدمة لأعداء التشيّع، وتطبيقاً لمؤامراتهم الخبيثة! لأنَّهم قالوا ما لم يقدر غيرهم على قوله بكلّ هذه الجرأة.
أمَّا الردّ على ما تشدَّق به أحمد إسماعيل فنقول: إنَّ الشيعة اشترطوا في المرجع من ضمن أُمور أُخرى أن يكون عادلاً، وبحدوث ما يخلّ بعدالته لا يجوز تقليده، ولا يصلح أن يتسنَّم مقام المرجعية. هذا ما أجمع عليه كلّ شيعة أهل البيت عليهم السلام، وما قاله أحمد إسماعيل ليس إلَّا اتّهامات باطلة، لم يأتِ عليها بدليل، ولم يقم حجَّة لإثباتها.
والسبب الواضح في طعن هؤلاء في مراجع التقليد وعلماء الشيعة الذين يصفونهم بعلماء آخر الزمان، هو أنَّهم ردُّوا كلامه، وأبطلوا دعوته، وحذَّروا الشيعة منه ومن أتباعه، فلمَّا رآهم سدَّاً منيعاً للشيعة، وحجاباً متيناً بين ضلالاته وبين عوامّ الشيعة الضعفاء، حاول أن يطعن فيهم بما استطاع من قوَّة هو وأتباعه المروِّجون له.
أمَّا بعض أنصاره المروِّجين له الذين حشدوا مجموعة من الروايات التي زعموا أنَّها تسقط التقليد، وتثبت حرمة تقليد غير المعصوم فالردّ عليهم يكون من ثلاثة جوانب:
الأوّل: أنَّ هؤلاء القوم يُلبِّسون على الناس في معنى التقليد؛ لأنَّ التقليد الذي يقول به الشيعة الإمامية هو الاستناد في مقام العمل إلى فتوى المجتهد الجامع لشرائط التقليد، أو بعبارة أُخرى: هو مطابقة عمل العامّي لفتوى المجتهد، وهذا ما يسمِّيه العقلاء: (رجوع الجاهل إلى العالم)، ولا يختلفون في وجوبه تعييناً أو تخييراً.
أمَّا أتباع أحمد إسماعيل فيصوِّرون التقليد بأنَّه اتّباع العلماء وترك أقوال المعصومين عليهم السلام، وكأنَّ الأمر هو اتّباع المكلَّفين لاجتهاد هؤلاء في مقابل النصّ، وهذا كذب محض، وتلبيس على الناس بالباطل؛ لأنَّ العلماء إنَّما ينقلون للناس أقوال أئمّة أهل البيت عليهم السلام، ولا يُفْتون بغير ذلك، والاختلاف في الفتوى بين مراجع التقليد إنَّما هو بسبب اختلاف ما فهمه كلّ مرجع من كلام أهل البيت عليهم السلام، ولهذا وجب تقليد الأعلم؛ لأنَّ فتواه أقرب لما صدر عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام.
ثانياً: أنَّ التقليد الذي يعمل به الشيعة اليوم كان موجوداً في عصور الأئمّة عليهم السلام، فإنَّهم أمروا بعض أصحابهم بالتصدِّي للإفتاء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيره، وقد دلَّت على ذلك عدَّة روايات:
منها: صحيحة شعيب العقرقوفي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ربَّما احتجنا أن نسأل عن الشيء، فمن نسأله؟ قال: (عليك بالأسدي _ يعني أبا بصير _)(400).
ومنها: ما رواه الكشّي عن علي بن المسيّب، قال: قلت للرضا عليه السلام: شقَّتي بعيدة، ولست أصل إليك في كلّ وقت، فممَّن آخذ معالم ديني؟ فقال: (من زكريا بن آدم القمّي، المأمون على الدين والدنيا)، قال علي بن المسيّب: فلمَّا انصرفت قدمت على زكريا بن آدم، فسألته عمَّا احتجت إليه(401).
وما رواه أيضاً عن معاذ بن مسلم النحوي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال لي: (بلغني أنَّك تقعد في الجامع فتفتي الناس). قال: قلت: نعم، وقد أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج، إنّي أقعد في المسجد فيجيء الرجل يسألني عن الشيء، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون، ويجيء الرجل أعرفه بحبّكم أو مودَّتكم، فأخبره بما جاء عنكم، ويجيء الرجل لا أعرفه، ولا أدري من هو، فأقول: جاء عن فلان كذا، وجاء عن فلان كذا، فأُدخِل قولكم فيما بين ذلك. قال: فقال لي: (اصنع كذا، فإنّي كذا أصنع)(402).
وما رواه النجاشي عن عبد العزيز بن المهتدي، وكان خَيْرَ قُمِّيٍّ رأيته، وكان وكيل الرضا عليه السلام وخاصَّته، فقال: إنّي سألته فقلت: إنّي لا أقدر على لقائك في كلّ وقت، فعمَّن آخذ معالم ديني؟ فقال: (خذ عن يونس بن عبد الرحمن)(403).
وما رواه النجاشي في ترجمة أبان بن تغلب، قال: وقال له أبو جعفر عليه السلام: (أُجلس في مسجد المدينة، وأفتِ الناس، فإنّي أحبّ أن يُرى في شيعتي مثلك)(404).
والروايات الدالّة على جواز التقليد كثيرة جدَّاً، ولا يبعد استفاضتها، وقبلها ذكرنا الدليل العقلي الذي لا يختلف فيه اثنان، وحتَّى لو أنكره فإنَّ الوجدان أفضل برهان عليه، فوالد أحمد إسماعيل أو أُمّه ليسا بعالمين كي يكون عندهما إحاطة بالأحكام الشرعية ومداركها، فكيف يعرفان الحكم الشرعي في عباداتهما ومعاملاتهما وما ينتابهما من مسائل؟
فإن قيل: يبحث العامّي بنفسه في روايات أهل البيت عليهم السلام حتَّى يصل إلى الحكم الشرعي بنفسه.
فجوابه: أنَّ الوصول إلى الحكم الشرعي بالنظر في روايات أهل البيت عليهم السلام غير متيسِّر لأكثر الناس كما هو ملاحظ بالبداهة، لأنَّ كثيراً من الناس لا يفهمون آيات الكتاب، ولا يستطيعون تمييز الصحيح من الضعيف من الروايات، ولا يتيسَّر لهم أن يجمعوا بين الأخبار المتعارضة، مع أنَّ كثيراً من آبائنا وأجدادنا ولاسيّما قبل هذا العصر كانوا لا يجيدون حتَّى القراءة والكتابة، ولم تكن عندهم كتب الروايات والأخبار التي يحتاج إليها الفقيه في استنباط الحكم الشرعي.
ولهذا لم يكلِّف الله كافّة الناس بالهجرة لطلب العلم، وإنَّما كلَّف طائفة منهم قادرة على ذلك، فقال سبحانه: (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة: 122).
وإن قيل: يرجع العامّي للعلماء، فيأخذ منهم الحكم الشرعي فيما يحتاجه من مسائل من دون حاجة إلى تقليد مرجع معيَّن.
فنقول لهم: هذا هو التقليد الذي يعمل به الشيعة، وهذا ما جاء في كلام إمامنا العسكري عليه السلام لشيعته، حيث قال: (فأمَّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوامّ أن يقلِّدوه)(405).
إلَّا أنَّ اختلاف العلماء في الفتاوى يوجب علينا الأخذ بفتاوى الأعلم منهم؛ لأنَّها هي التي نحرز معها براءة الذمَّة، دون فتاوى غير الأعلم.
إذن، فالأدلَّة متضافرة على جواز التقليد، ولا يوجد أيّ دليل على حرمته بالمعنى الذي قرَّرناه، لا بالمعنى الذي يحاول أحمد إسماعيل وأتباعه إشاعته.
ثالثاً: أنَّ أحمد إسماعيل وأتباعه عَدّوا تصدّي مراجعنا العظام لمقام المرجعية وتقليد الناس لهم من أكبر المثالب، وكثيراً ما ينعتونهم بالأصنام وأئمّة أهل النار و... و...، في حين أنَّ مشاهير علمائنا القدماء كانوا مراجع للتقليد تماماً كالمعاصرين، والمراجع المعاصرون إنَّما ساروا على نهج العلماء السابقين، وفتاواهم في جميع المسائل متقاربة، ولم نرَ أيّ ذمٍّ لهم من قِبَل أحمد إسماعيل ومن يروِّج له، بل العكس تماماً؛ إذ أنَّ أحمد إسماعيل أخذ كتاب (شرائع الإسلام)، وهو رسالة عملية لأحد مراجعنا المتقدِّمين وهو المحقِّق الحلّي، وقام بتغيير بعض عباراته فقط، وجعله رسالة عملية له!
في حين أنَّ المحقِّق الحلّي كان ممَّن تصدَّى للمرجعية، وأفتى بجواز التقليد، فقال: (يجوز للعامّي العمل بفتوى العالم في الأحكام الشرعية، وقال الجبائي: يجوز ذلك في مسائل الاجتهاد، دون ما عليه دلالة قطعية. ومنع بعض المعتزلة ذلك في الموضعين. لنا: اتّفاق علماء الأعصار على الإذن للعوامّ في العمل بفتوى العلماء من غير تناكر، وقد ثبت أنَّ إجماع أهل كلّ عصر حجَّة. الثاني: لو وجب على العامّي النظر في أدلَّة الفقه، لكان ذلك إمَّا قبل وقوع الحادثة أو عندها، والقسمان باطلان، أمَّا قبلها فمنفي بالإجماع؛ ولأنَّه يؤدِّي إلى استيعاب وقته بالنظر في ذلك، فيؤدِّي إلى الضرر بأمر المعاش المضطر إليه، وأمَّا عند نزول الواقعة فذلك متعذِّر؛ لاستحالة اتّصاف كلّ عامّي عند نزول الحادثة بصفة المجتهدين)(406).
أضف إلى هذا أنَّ الشيخ الطوسي قدس سره الذي اعتمدوا على روايته للوصيّة في إثبات معتقدهم هو أيضاً من مراجع الطائفة الذين أفتوا بجواز التقليد، بل نقلوا إجماع الطائفة عليه!
قال قدس سره في العدَّة: (إنَّه يجوز للعامّي الذي لا يقدر على البحث والتفتيش تقليد العالم. يدلُّ على ذلك: أنّي وجدت عامّة الطائفة من عهد أمير المؤمنين عليه السلام وإلى زماننا هذا يرجعون إلى علمائها، ويستفتونهم في الأحكام والعبادات، ويفتونهم العلماء فيها، ويسوِّغون لهم العمل بما يفتونهم به، وما سمعنا أحداً منهم قال لمستفتٍ: (لا يجوز لك الاستفتاء ولا العمل به، بل ينبغي أن تنظر كما نظرت، وتَعْلَم كما علمت)، ولا أنكر عليه العمل بما يفتونهم، وقد كان منهم الخلق العظيم عاصروا الأئمّة عليهم السلام، ولم يُحْكَ عن واحد من الأئمّة النكير على أحد من هؤلاء، ولا إيجاب القول بخلافه، بل كانوا يصوِّبونهم في ذلك، فمن خالفه في ذلك كان مخالفاً لما هو المعلوم خلافه)(407).
فإمَّا أن يلتزم أتباع أحمد إسماعيل والداعون له بانحراف كلّ من يجوِّز تقليد العلماء قديماً وحديثاً، فيحكمون بضلال الشيخ الطوسي قدس سره ناقل رواية الوصيّة، وضلال المحقِّق الحلّي قدس سره الذي استعار منه إمامهم أحمد إسماعيل رسالته العملية، ومدح مؤلِّفها، فقال: (هو شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام للعالم الفاضل والوليّ الناصح لآل محمّد عليهم السلام أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن رحمه الله، وقد بذل ما بوسعه لمعرفة أحكام شريعة الإسلام، من روايات الرسول والأئمّة عليهم السلام، ولكنَّه أخطأ في مقام، وتردَّد في آخر، لا عن تقصير، بل عن قصور لا سبيل له على دفعه)(408).
أو أن يقولوا بجواز التقليد، فلا يبقى لهم مسوِّغ للطعن في مراجع الطائفة، وهذا ما لا يرضي أسيادهم الذين دفعوا لهم ودفعوهم للقيام بهذه المهمّة وهي الطعن في مراجع الطائفة.
ولا شكَّ أنَّ أحمد إسماعيل ومن يروِّج له يهمّهم بالدرجة الأساس أن يطعنوا في مراجع التقليد وعلماء الطائفة بأيّ طعن، لا من أجل عدم جواز التقليد في نفسه؛ لأنَّ أحمد إسماعيل يدعو الناس إلى تقليده هو، وإنَّما لأنَّ مراجع التقليد وعلماء الطائفة هم صمَّام الأمان لشيعة أهل البيت عليهم السلام؛ إذ أنَّهم هم الخطر الحقيقي على دعوة أحمد إسماعيل، وهم الذين يستطيعون كشف زيفها، وإبطال دعاواها، ولهذا طعن أحمد إسماعيل وأتباعه في مراجع الطائفة؛ لعزل الناس عن هؤلاء العلماء من أجل التغرير بالعوامّ وخداعهم، وإلَّا فإنَّ المراجع المعاصرين لم يخرجوا عن منهاج أهل البيت عليهم السلام في شيء، ولم يبتدعوا لهم طريقة مخالفة لطريقة قدماء علماء الطائفة، لا في التقليد، ولا في الأحكام، ولا في العقائد، فلماذا يشيّد أحمد إسماعيل وأتباعه بالقدماء، ويطعنون في المعاصرين، مع اتّحاد الطريقة، وعدم اختلاف المنهج؟!
السبب في ذلك واضح جدَّاً، وهو أنَّ القدماء لا يشكِّلون أيّ خطر على دعوة أحمد إسماعيل، بخلاف العلماء المعاصرين الذين بيَّنوا للناس بطلان هذه الدعوة وفسادها.
وذهبوا بها عريضة أيضاً عندما حشدوا مجموعة من الروايات التي تضمَّنت ذمَّاً لفقهاء آخر الزمان، وأسقطوها على المراجع العظام إيهاماً للناس بأنَّ الأئمّة عليهم السلام قد حذَّروا منهم باعتبارهم الخطر الحقيقي على التشيّع!
ولخطورة هذا الموضوع سنستعرض أهمّ الروايات التي استشهدوا بها، ونناقش مداليلها:
الرواية الأُولى: رواها ثقة الإسلام الكليني قدس سره بسنده: عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلَّا رسمه، ومن الإسلام إلَّا اسمه، يسمعون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شَرُّ فقهاء تحت ظلّ السماء، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود)(409).
والجواب على الاستدلال بهذه الرواية:
أوّلاً: أنَّ الرواية لم تحدِّد الزمن الذي يكون فيه هذا الأمر وهؤلاء الفقهاء، فكيف علم أتباع أحمد إسماعيل أنَّ المقصود بها هو هذا الزمان؟!
ثانياً: لم تصرِّح الرواية بأنَّ المراد هم فقهاء الشيعة كي يُطبَّق هذا الوصف على مراجع الشيعة، فلعلَّ الإمام عليه السلام يشير إلى فقهاء المخالفين لمنهج أهل البيت عليهم السلام.
ثالثاً: لماذا لا يكون المراد من الرواية هم أتباع أحمد إسماعيل الذين يُوصَفون بأنَّهم علماء وطلبة علم، إذ أنَّ الحديث بنظري ينطبق عليهم تماماً، فهم يعتقدون إمامة رجل مجهول مختفٍ، ويأخذون منه تعاليم الدين، فأيّ فتنة أعظم من هذه؟
خصوصاً أنَّهم لا يرون غيرهم علماء، بل يصفون كلّ مخالف لهم بأنَّه مُدَّعٍ للعلم، وكلماتهم في ذلك كثيرة!
الرواية الثانية: رواها الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن ابن عبّاس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنَّه قال: (لمَّا عُرِجَ بي إلى ربّي جل جلاله أتاني النداء: يا محمّد! قلت: لبّيك ربّ العظمة لبّيك، فأوحى الله تعالى إليَّ: يا محمّد، فيم اختصم الملأ الأعلى؟ قلت: إلهي لا علم لي. فقال: يا محمّد، هلَّا اتَّخذتَ من الآدمين وزيراً وأخاً ووصيَّاً من بعدك؟ فقلت: إلهي ومن أتَّخذ؟ تخيَّر لي أنت يا إلهي، فأوحى الله إليَّ: يا محمّد، قد اخترتُ لك من الآدميين علي بن أبي طالب...)، إلى أن قال: (وأعطيتك أن أُخرج من صلبه أحد عشر مهديَّاً، كلّهم من ذرّيتك من البكر البتول، وآخر رجل منهم يُصلّي خلفه عيسى ابن مريم، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت منهم ظلماً وجوراً، أُنجي به من الهلكة، وأُهدي به من الضلالة، وأُبرئ به من العمى، وأُشفي به المريض. فقلت: إلهي ومتى يكون ذلك؟ فأوحى إليِّ عز وجل: يكون ذلك إذا رُفِعَ العِلْم، وظهر الجهل، وكثر القرّاء، وقلَّ العمل، وكثر القتل، وقلَّ الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضلالة والخونة، وكثر الشعراء، واتَّخذ أُمَّتك قبورهم مساجد، وحُلِّيَتِ المصاحف، وزُخرفت المساجد، وكثر الجور والفساد، وظهر المنكر وأمر به أُمَّتك، ونهوا عن المعروف، واكتفى النساء بالنساء، والرجال بالرجال، وصارت الأُمراء كفرة، وأولياؤهم فجرة، وأعوانهم ظلمة، وذوو الرأي منهم فسقة)(410).
والجواب على هذه الرواية هو عين ما ذكرناه في الرواية السابقة، ولعلَّ هذه الرواية أظهر من الأُولى في أنَّ المقصود هو تصوير حال البشر ككلّ، وليس خصوص الشيعة فضلاً عن المسلمين.
الرواية الثالثة: احتجَّ بها صاحب كتاب (أهلاً يا ابن فاطمة)، قال: (وهذا ما يعينك في التفكير، ويؤيِّد هذا المعنى وهو ما رواه المحدِّث الأجلّ أبو الحسن المرندي في كتابه نور الأنوار: (فإذا خرج القائم من كربلاء، وأراد النجف والناس حوله، قتل بين كربلاء والنجف ستّة عشر ألف فقيه...))(411).
والجواب على هذه الرواية:
أوّلاً: المصدر الوحيد لهذه الرواية هو كتاب (مجمع النورين) لأبي الحسن المرندي قدس سره، ولم ينقلها أحد قبله، كما أنَّه لم يذكر مصدره، ولم يسندها لأحد، ممَّا يجعل منها رواية مرسلة لا قيمة لها، أضف إلى ذلك أنَّ صدَّرها بلفظ: (رُوي)، وهذا ما يسمَّى في علم الدراية بصيغة التمريض، وهو مشعر بتوهين المؤلِّف للرواية.
ثانياً: الرواية نصَّت على أنَّ الإمام يقتل (ستّة عشر ألف فقيه) في العراق فقط! وهذا عدد ضخم جدَّاً إذا قارنّاه بعدد الفقهاء الموجودين في هذا الزمن، فلو تنزلنا وقبلنا الرواية لما أمكن تحقّقها في هذا الزمان؛ لأنَّ عدد الفقهاء الآن لا يبلغ عشر معشار هذا المقدار.
ولو ورد في الرواية أنَّ الإمام المهدي عليه السلام سيقتل هذا العدد في النجف الأشرف لربَّما يشكّ شاكّ بأنَّ المراد بهم هم العلماء القاطنون فيها، ولكن قتله لهم بين النجف وكربلاء يدلُّ على أنَّهم ليسوا من سكنة النجف، وهذا يدلُّ على أنَّهم علماء آخرون مناوئون لعلماء النجف، لا يريدون أن يساكنوهم في مكان واحد، والفئة المناوئة لعلماء النجف هم أحمد إسماعيل وأنصاره وأتباعه الذين يدَّعون العلم وأنَّهم أعرف بمذهب أهل البيت من مراجع التقليد وغيرهم من علماء الطائفة.
وإذا كانت الرواية فيها إشارة إلى أحد فلعلَّها تشير إلى أحمد إسماعيل وأنصاره وأتباعه، والله العالم.
ثالثاً: إذا رجعنا للرواية في المصدر الأصلي نجد أنَّ فيها ما يبطل كلّ عقيدة القوم، ويهدم أصل دعواهم، فأوّل الرواية فيها: (إنَّه قبل قيام القائم تبنى في كربلاء ثمانون ألف قبَّة من الذهب الأحمر إجلالاً للحسين بن علي عليه السلام)(412). وقد تعمَّد صاحب كتاب (أهلاً يا ابن فاطمة) بتر الرواية؛ لأنَّه نصٌّ صريح على رجعة الإمام الحسين عليه السلام بعد الإمام الثاني عشر عليه السلام، فانظروا إلى الأمانة العلمية التي يتَّصف بها هؤلاء الدعاة!
والعجيب أنَّ هذا الرجل يحتجّ على فساد فقهاء الشيعة ومراجعهم العظام في هذا العصر بكلام ابن العربي في فتوحاته، قال: (ونقلاً من كتاب فتوحات القدس (كذا) في كلام له عن الإمام المهدي عليه السلام جاء فيه: ويدعو بالسيف، ويرفع المذاهب عن الأرض، فلا يبقى إلَّا الدين الخالص، أعداؤه مقلِّدة العلماء أهل الاجتهاد؛ لما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمّتهم، فيدخلون كرهاً تحت حكمه خوفاً من سيفه، يفرح به عامّة المسلمون أكثر من خواصِّهم)(413).
ويمكن الردّ عليه بأُمور:
أوّلاً: كيف يحتجّ على الشيعة برجل ليس منهم، وهو في أحسن أحواله سُنّي منصف، وإلَّا قد نسبه أهل التحقيق للتعصّب(414)، وآخرون للنصب(415)، بل واتَّهمه البعض بالزندقة حتَّى أسموه: (مميت الدين الأعرابي)(416).
ثانياً: هذا الكلام فيه إشارة إلى أنَّ الإمام المهدي عليه السلام سيجمع المسلمين على مذهب واحد هو الدين الخالص كما عبَّر عن ذلك بقوله: (ويدعو بالسيف، ويرفع المذاهب عن الأرض، فلا يبقى إلَّا الدين الخالص)، فصراعه بحسب هذا الكلام هو مع أتباع المذاهب الأُخرى، ويدلُّ على ذلك قوله: (أعداؤه مقلِّدة العلماء أهل الاجتهاد؛ لما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهب اليه أئمّتهم).
فلا ندري كيف يفكّر هذا الرجل فيحشد من الكلام ما لا علاقة له بالموضوع ولا يخدم مُدَّعاه؛ نعم إنَّ الباعث لذلك هو الحقد الأسود على مراجع الطائفة، الذي أعماه وأفقده المقدرة على التفكير والتحليل، حتَّى صار لا يعرف ما يكتب، ولا يعقل ما يُدوِّن!
ومن هنا نقول بضرس قاطع: إنَّه لا توجد أيّ رواية في كتب الشيعة تفيد أنَّ الإمام المهدي عليه السلام إذا خرج سيقتل مراجع الشيعة وينكّل بهم كما يدَّعي هؤلاء الحاقدون على المذهب وعلى علمائه الأعلام، وما يورده أتباع أحمد إسماعيل من روايات وأحاديث كلّها مردود عليها بالوجوه التي ذكرناها سابقاً، وهي في الأغلب بعيدة عن مدَّعاهم، وإذا كانت ستنطبق على أحد فإنَّهم أولى بأن تنطبق عليهم من غيرهم.

* * *

تجربة الحوار
بعد صدور الطبعة الأُولى من هذا الكتاب، وفَّقني الله تعالى للذَّب عن مقام سيّدي ومولاي صاحب العصر والزمان عليه السلام، بالدخول في سلسلة مناظرات مع جماعة أحمد إسماعيل، لاسيّما كبارهم كالمدعو ناظم العقيلي، وأبو محمّد الأنصاري وغيرهم من الذين تصدّوا لترويج هذا الباطل المكشوف.
وبعد هذه التجربة الطويلة نسبيّاً، ارتأيت أن أُطلع القارئ الكريم على أهمّ النتائج والملاحظات التي خرجت بها، والتي قد تفيد كلّ من يدخل مع هذه الشرذمة في حوار أو مناظرة:
1 _ اختيار الموضوع:
الملاحظ أنَّ هؤلاء القوم يحاولون قدر الإمكان الهروب من المواضيع التي تمسّ صلب عقيدتهم، كإثبات أنَّ أحمد اسماعيل إمام أو حجَّة إلهية، أو يماني، أو أيّ شيء من الادِّعاءات التي يتبجَّحون بها.
وطريقتهم التي يتبعونها في حواراتهم دائماً هي أنَّهم يتشبَّثون بالعمومات التي من شأنها التشويش على عوامّ الناس، كالنقاش في أصل قضيّة المهديّين، أو في انقطاع السفارة، أو قانون معرفة الحجَّة، ولا يتطرَّقون من قريب ولا من بعيد للنقاش في المصاديق الخارجية، وأنَّها هل تنطبق على أحمد إسماعيل أم لا.
ولذا يجب على من يريد الدخول في الحوار معهم أن يُلزمهم بمناقشة المصداق المتمثِّل في أحمد إسماعيل، والإعراض عن التطرّق للعمومات التي يستخدمونها كوسيلة لخداع بسطاء الناس.
2 _ تتبّع الروايات:
أغلب استدلالات القوم متمثِّلة في سرد كم هائل من الروايات على الطرف المقابل، بحيث لا يتمكَّن من يحاورهم من الردّ عليها كلّها، إمَّا لضيق الوقت، أو لصعوبة استحضارها كلّها في وقت واحد، ولهذا لا بدَّ من إلزامهم بعدم طرح أكثر من رواية في كلّ مداخلة أو في كلّ مشاركة، ليتسنّى الردّ المفصَّل عليها؛ لأنَّ دأب القوم التلاعب بروايات أهل البيت عليهم السلام بالبتر والتغيير والتبديل!
ولكي يكون كلامي أكثر مصداقية، سأذكر للقارئ الكريم بعض النماذج المتصيَّدة من كتبهم، ليعلم أُسلوب القوم في التلبيس على الناس.
ورد في كتاب البينات للمسمَّى (علاء السالم) أنَّه قال: (وهذا القانون الإلهي هو ذاته القانون الذي أشار إليه أئمّة الهدى عليهم السلام، لمَّا سُئلوا عن طريق التعرّف عليهم، وهذه نماذج للمثال فقط: عن أبي بصير، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: جُعلت فداك، بِمَ يُعرَف الإمام؟ فقال: (بخصال: أمَّا أوّلها فإنَّه بشيء قد تقدَّم من أبيه فيه بإشارة إليه لتكون عليهم حجَّة، ويُسأل فيجيب...))(417).
لمَّا رجعنا إلى هذه الرواية الشريفة وجدنا أنَّ لها تتمَّة بترها هذا الرجل؛ لأنَّها لا توافق هواه، وهي المقطع الذي قال فيه الإمام عليه السلام: (وإن سكت عنه ابتدأ، ويخبر بما في غد، ويكلِّم الناس بكلّ لسان). ثمّ قال لي: يا أبا محمّد، أُعطيك علامة قبل أن تقوم. فلم ألبث أن دخل علينا رجل من أهل خراسان، فكلَّمه الخراساني بالعربية، فأجابه أبو الحسن عليه السلام بالفارسية، فقال له الخراساني: والله جُعلتُ فداك، ما منعني أن أُكلِّمك بالخراسانية غير أنّي ظننت أنَّك لا تحسنها. فقال: (سبحان الله، إذا كنت لا أحسن أُجيبك فما فضلي عليك؟)، ثمّ قال لي: (يا أبا محمّد، إنَّ الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس، ولا طير، ولا بهيمة، ولا شيء فيه الروح، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام)(418).
إنَّ ما لم يذكره علاء السالم من هذه الرواية يثبت أنَّه من الأُمور التي يُعرَف بها حجَّة الله على خلقه هي العلم بالغيب، وتكليم الناس بكلّ لسان!
ولأنَّ هذه الأُمور لا يمكن أن تنطبق على إمامهم المزعوم، فإنَّهم أسقطوها من قانون معرفة الحجَّة، ونفوا أنَّها من العلامات التي تميِّز بين المحقّ والمبطل، فلهذا عمد هذا الرجل إلى بتر الرواية إخفاءً للحقيقة.
وفي هذا الكتاب قال (علاء السالم): (كما أنَّ هذا الخليفة _ أي أحمد _ هو من يقود رايات المشرق، كما رواه ثوبان، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قِبَل خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإنَّ فيها خليفة المهدي))(419).
وأشار في الهامش إلى المصدر الذي نقل عنه هذه الرواية، وهو كتاب (الملاحم والفتن) للسيّد ابن طاووس الحسني قدس سره، ولمَّا رجعنا إلى هذا الكتاب وجدنا التالي: عن ثوبان، قال: إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قِبَل خراسان، فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإنَّ فيها خليفة الله المهدي(420).
فهذا الرجل أسقط لفظ الجلالة متعمِّداً؛ لكي تصبح الرواية موافقة لما يذهبون إليه، فغيَّرَ عبارة: (خليفة الله المهدي) إلى (خليفة المهدي)، أي إنَّ المقصود رجل آخر غير المهدي عليه السلام، وهو إمامهم أحمد إسماعيل البصري بحسب ادِّعائهم!
قد يتَّهمني البعض بأنّي تحاملت على المؤلِّف، فلعلَّ الطبعة التي نقل عنها علاء السالم لم تكن فيها هذه الكلمة؛ لأنَّ الطبعات تختلف كما ادَّعى البعض.
والجواب: أنّي رجعت إلى كلّ الكتب والطبعات التي نقلت هذه الرواية، فلم أجد في أيّ مصدر رواية بهذه الصورة التي ذكرها (علاء السالم)، وهذه بعض الأمثلة التي تدعم كلامي:
السيّد ابن طاووس نقل الرواية عن كتاب الفتن لابن حماد، وهذا الأخير ذكر الرواية بعبارة: (خليفة الله المهدي)(421).
ونقلها عن السيّد ابن طاووس، العلَّامة المجلسي في بحار الأنوار بنفس اللفظ: (خليفة الله المهدي)(422).
وفي هذا دليل صريح على أنَّ هذا الرجل تلاعب بالحديث عن عمد؛ لينصر هواه وينتصر لباطله.
وفي نفس الكتاب قال (علاء السالم): (أحمد.. هو الرجل من أهل بيت الإمام عليه السلام الذي يخرج قبله بالمشرق، ويحمل السيف على عاتقه تمهيداً لأبيه، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال: (... يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يَقتل ويَقتل، ويتوجَّه إلى بيت المقدس..)، ومَنْ مِنْ أهل بيت الإمام موجود في زمن الظهور غير ابنه (أوّل مقرَّب إليه، وأوّل مؤمن به)، وهو أحمد بكلّ تأكيد)(423).
وقد أشار في الهامش أنَّه نقل هذه الرواية عن كتاب (الممهِّدون) للشيخ علي الكوراني حفظه الله، ولمَّا رجعت للمصدر وجدت الرواية كالتالي: عن علي بن أبي طالب عليه السلام، عنه قال: (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويمثِّل، ويتوجَّه إلى بيت المقدس، فلا يبلغه حتَّى يموت)(424).
وكما يلاحظ القارئ أنَّ (علاء السالم) تعمَّد بتر الرواية؛ لإخفاء ما يهدم دعوتهم، وهو قوله: (فلا يبلغه حتَّى يموت)، فإذا كان المقصود من الرواية هو أحمد إسماعيل كما ادَّعى علاء السالم، فإنَّ أحمد إسماعيل يموت قبل بلوغ بيت المقدس، وقبل أن يخرج الإمام المهدي عليه السلام، وعليه تسقط دعوى أنَّه المهدي الأوَل، ودعوى كونه ممهِّداً لظهور الإمام عليه السلام؛ لأنَّه لو كان كذلك لطال به العمر إلى ما بعد الإمام المهدي عليه السلام؛ ولهذا تعمَّد هذا الرجل إخفاء المقطع الأخير من الرواية تلبيساً على السذَّج والبسطاء.
فهذه ثلاثة نماذج من كتاب واحد، ولو تتبَّعنا كتب القوم لجمعنا مجلَّدات كثيرة في خياناتهم العلمية المتمثّلة في البتر والتغيير والتبديل، ومن هنا فمن يريد مواجهة القوم عليه أن يراجع كلّ رواية يستدلّون بها على باطلهم.
3 _ الاطّلاع على كتب القوم:
من الضروري جدَّاً الاطّلاع على دعوة القوم من كتاباتهم، وتتبّع تأليفاتهم؛ وذلك لكي يتسنّى إلزامهم بما يلتزمون به، أضف إلى هذا أنَّ تناقضات القوم كثيرة جدَّاً، فما أثبته زيد أنكره عمرو، وما شيَّده فلان هدمه علَّان، بل نجد أنَّه في كثير من الأحيان يتناقض الواحد منهم مع نفسه!
ومن باب المثال نذكر بعض الشواهد:
أ _ نجد أنَّ القوم يتمسَّكون بالأخبار الضعيفة التي يستفيدون منها في ترويج دعوتهم، ولهذا فإنَّهم يحتجّون برواية الوصيّة، ويحاولون تصحيحها بكلّ الطرق، بل يصرّحون بتواترها، حتَّى قال بعضهم: (ورواية الوصيّة حتَّى لو تنزَّلنا وقلنا بضعف سندها إلَّا أنَّ مضمونها مشتهر، بل متواتر في روايات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، وبذلك تكون متواترة معنىً، ويجب قبولها بغضّ النظر عن سندها)(425).
مع أنَّ رواية الوصيّة كما قدَّمنا سابقاً خبر واحد ضعيف، أكثر رواته مجاهيل، ولعلَّ بعضهم من العامّة.
وفي المقابل نجد القوم يرفضون الروايات التي تخالف عقيدتهم أو لا تنطبق على صاحبهم وإن كانت مستفيضة أو متواترة، ولهذا ردّوا كلّ الروايات التي تدلُّ على أنَّ الإمام يعلم جميع اللغات، وينكرون كونها من علامات معرفة الحجَّة رغم تواترها!
قال العلَّامة المجلسي قدس سره في بحار الأنوار: (أمَّا كونهم عالمين باللغات فالأخبار فيه قريبة من حدِّ التواتر، وبانضمام الأخبار العامّة لا يبقى فيه مجال شكّ)(426).
وقد عقد عبد الرزّاق الديراوي باباً كاملاً في كتابه (بحث حول العصمة)(427)، حاول فيه التشكيك قدر الإمكان في هذه الروايات للتخلّص منها!
وبتعبير واضح أقول: إنَّ منهج هؤلاء هو اللامنهج، إذ أنَّ السمة البارزة لتعاملهم مع الروايات هي الانتقائية، أي قبول ما يوافق هواهم ويخدم مصالحهم وإن كانت مكذوبة موضوعة، وردّ ما يخالفهم من الروايات ولو كانت قطعية الصدور.
ب _ نجد أنَّ القوم يتمسَّكون برواية الوصيّة رغم أنَّها خبر واحد انفرد بروايته الشيخ الطوسي قدس سره، ولم ينقلها أحد غيره، وسندها ضعيف، ورواتها من العامّة وغيرها من المطاعن التي ذكرناها سابقاً.
فإنَّهم في المقابل أنكروا الحادثة التاريخية المعروفة التي ذكرت أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام هو واضع علم النحو رغم إجماع السُّنَّة والشيعة عليها واتّفاقهم على نسبة هذه الفضيلة له.
وفي هذا يقول (الديراوي): (أمَّا ما روي من أنَّ مؤسِّس علم النحو هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فهو لا يصمد للنقد من عدَّة جوانب؛ منها أنَّ هذا المروي لم يرد من طريق أهل البيت عليهم السلام، ومنها أنَّ مروياتهم في هذا الشأن متضاربة)(428).
ويقول في مورد آخر: (ومثل الكلام المتقدّم يقال فيما رواه الكراكجي (كذا) في معدن الجواهر عن علي عليه السلام: (وقال عليه السلام: العلوم أربعة: الفقه للأديان، والطبّ للأبدان، والنحو للسان، والنجوم لمعرفة الأزمان).. والرواية كما ترون مرسلة، ولم أعثر على أحد رواها قبل الكراكجي (كذا)، بل كلّ من رواها بحسب ما رأيت كان ينقل عنه، والغالب على الظنّ أنَّ الرواية عامّية)(429).
فكلّ ما ذكره للطعن في رواية الكراجكي _ الذي لا يستطيع كتابة اسمه بشكل صحيح _ يصدق على رواية الوصيّة وروايات المهديّين التي جعلوها عمدة لعقيدتهم.
والسبب في إنكار هذه الرواية أنَّ إمامهم أحمد إسماعيل أخطأ في بياناته أخطاءً كثيرةً لا يقع فيها صغار طلبة العلم، ولأجل ذلك أرادوا نفي علاقة أهل البيت عليهم السلام بعلم النحو.
ج _ من تناقض شخص مع نفسه ما ذكره أبو محمّد الأنصاري في كتاب (جامع الأدلَّة)، حيث قال: (أقول: نحن لا نقول إنَّ الرؤيا تشرّع، بل نقول إنَّها تؤيّد ما ورد في الشرع، والسيّد أثبتنا أمره من روايات آل محمّد عليهم السلام ولاسيّما الوصيّة، فهذه الشبهة لا ترد علينا)(430).
وقال في كتابه (في القطيف ضجَّة): (الرؤيا كنصٍّ تشخيصي حجَّة باعتبارها وحياً، فلا موجب للنظر إليها على أنَّها جزء من السُّنَّة)(431).
فتارة الرؤيا لا تشرّع وهي مؤيِّد فقط، وتارة أُخرى الرؤيا وحي إلهي ونصّ تشخيصي، يحدِّد حجَّة الله في أرضه! ولا ندري مع مرور الأيّام والليالي ماذا ستصبح الرؤيا في فكر هذه الجماعة؟
فمثل هذه التناقضات الجلية كافية لفضح هذه الفرقة وبيان زيف دعواها، لاسيّما أمام عامّة الناس القاصرين عن فهم دقائق الأُمور، واستيعاب غوامض المسائل.
4 _ المبادرة بطرح الإشكالات:
لا بدَّ من المتصدّي لحوار هذه الفئة ألَّا يكتفي بالإجابة على أسئلتهم؛ لأنَّها لا تنتهي، وتستوعب جميع وقت المناظرة، ولن يصل معهم لنتيجة بهذا الأُسلوب، بل الواجب عليه أن يبادر بطرح إشكالات وإلزامات تكون مفحمة لهم، وإذا أراد أن يجيب على أسئلتهم تكون أجوبته أجوبة تامّة حلَّاً ونقضاً.
ومن تتبَّع حوارات القوم يجد أنَّ غرضهم دائماً هو مهاجمة الطرف المقابل، وإكثار الأسئلة بحيث يُستنزف المحاور من كثرة الإجابات، فمثلاً لو كان الموضوع حول (المهديّين بعد المهدي)، فإنَّ القوم لن يبادروا بطرح أدلَّة تثبت عقيدتهم، بل سيطرحون على الطرف المقابل سؤالاً: أثبت انحصار الأئمّة في اثني عشر فقط؟
وإذا كان الحوار حول (سفارة أحمد إسماعيل) فإنَّه لن يتجرَّأ أحد على طرح أدلَّة سفارة هذا الرجل، بل سيتشبَّثون بأسئلة جانبية مثل: أثبت انقطاع السفارة؟ أو أثبت عدم وجود سفراء بعد الأربعة... وهكذا.
ولا بدَّ هنا من رمي الكرة في ملعب الخصم، فإنَّه أمر مهمّ جدَّاً لموازنة الحوار، وإلَّا لو كان من يحاورهم يجيب على أسئلتهم من دون أن يسألهم أو يشكل عليهم، فسيكون الأمر أشبه بتحقيق أو مساءلة، وليس مناظرة علمية.
5 _ التركيز على محور البحث:
أهمّ الأُمور هو عدم الخروج عن النقطة التي تمَّ تحديدها، والحذر من الانجرار إلى المواضيع الجانبية التي دائماً يدخل فيها القوم لتشتيت من يحاروهم عن الموضوع الحقيقي الذي يكون في صميم الدعوة.
وعليه، فإنَّ الواجب على من يحاورهم ألَّا ينجر معهم، وألَّا يتأرجح بين المواضيع التي يفتحها الطرف المقابل، لاسيّما وأنَّ الهدف الرئيسي لهذه الفرقة هو هدم كيان التشيّع، فتجدهم في كلّ مورد يقحمون المرجعية ويطعنون في مراجع التقليد بمناسبة وبلا مناسبة، ويقفزون إلى موضوع الخمس ليشنّعوا على شيعة أهل البيت عليهم السلام بنفس تشنيعات المخالفين.
بهذه النقاط الخمسة أكتفي، وإلَّا ففي جعبتي الكثير حول أساليب القوم وحيلهم التي يلبّسون بها على بسطاء الناس.

* * *

كلمة أخيرة
حذَّر أهل البيت عليهم السلام شيعتهم من شرّ المدَّعين والمنتحلين، وخطّوا لهم منهجاً واضحاً أمروهم بالتمسّك به في حال ظهور أمثال هذه الحركات الباطلة، وهذا المنهج يتمثَّل في أُمور:
الأوّل: وضوح أمرهم كالشمس الساطعة بنحو لا يقبل اللبس والاشتباه كما دلَّت على ذلك رواية المفضَّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إيّاكم والتنويه، أمَا والله ليغيبنَّ إمامكم سنيناً من دهركم، ولتمحِّصنَّ حتَّى يقال: مات، قُتِلَ، هلك، بأيّ وادٍ سلك؟ ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن بأمواج البحر، فلا ينجو إلَّا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده برَوْح منه، ولتُرفعنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يُدرى أيّ من أيّ). قال: فبكيت، وقلت: فكيف نصنع؟ قال: فنظر إلى شمس داخلة إلى الصُّفَّة، فقال: (يا أبا عبد الله، ترى هذه الشمس؟)، قلت: نعم. قال: (والله لأمرنا أبْيَنُ من هذه الشمس)(432).
ودعوة أحمد إسماعيل فيها من الغموض ما فيها، فإنَّ أحمد إسماعيل لا يُعرَف أصله، وهو معروف بأنَّه لا ينتسب لأهل البيت عليهم السلام، وإنَّما ادَّعى ذلك ادِّعاءً، وهو غائب لا يُعلَم أين هو، ولا يُدرى هل هو حيٌّ أو ميّت، ولا يُعرَف من يروِّج له، أو يعمل معه، أو يموِّله، وكلّ المروِّجين له لا يُعرَفون بفضل، ولا علم، ولا تقوى، ولا حسن سيرة بين الناس، ودعوتهم قائمة على الظنون، وانتقاء روايات دون أُخرى، واعتمادهم على الروايات الضعيفة دون الصحيحة، وتأويلهم للنصوص بما هو بعيد عن الظاهر، مثل تأويلهم اليماني بأنَّه من اليُمْن، وهو البركة، لا من اليَمَن، وهي البلاد المعروفة، وزعمهم أنَّ المراد بـ (القائم) في كثير من النصوص هو أحمد إسماعيل، لا الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وغير ذلك ممَّا يطول ذكره ممَّا رددنا عليه في مطاوي كتابنا هذا، فأيّ وضوح في هذه الدعوة؟
الثاني: أمرهم عليهم السلام شيعتهم بالتمسّك بما هم عليه في حال الاختلاف والالتباس، والأخذ بالمجمع عليه دون المختلف فيه، فقد روى الشيخ الصدوق والنعماني قدس سرهما بسندهما عن الحارث بن المغيرة النصري، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: إنَّا نروي بأنَّ صاحب هذا الأمر يُفْقَدُ زماناً، فكيف نصنع عند ذلك؟ قال: (تمسَّكوا بالأمر الأوّل الذي أنتم عليه حتَّى يبيَّن لكم)(433).
وفي مقبولة عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (يُنظَر إلى ما كان من روايتهم عنَّا في ذلك الذي حكما به، المجمع عليه من أصحابك، فيُؤخَذ به من حكمنا، ويُترَك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنَّ المجمع عليه لا ريب فيه، وإنَّما الأُمور ثلاثة: أمر بيِّنٌ رُشْدُهُ فيُتَّبَع، وأمر بيِّنٌ غيُّهُ فيُجتنَب، وأمر مشكل يُرَدُّ علمه إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: حلال بيِّنٌ، وحرام بيِّنٌ، وشبهات بَيْنَ ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرَّمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرَّمات، وهلك من حيث لا يعلم)(434).
وفي صحيحة عبد الله بن سنان، قال: دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله عليه السلام، فقال: (فكيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى، ولا عَلَماً يُرى، ولا ينجو منها إلَّا من دعا دعاء الغريق؟)، فقال له أبي: إذا وقع هذا ليلاً فكيف نصنع؟ فقال: (أمَّا أنت فلا تدركه، فإذا كان ذلك فتمسَّكوا بما في أيديكم حتَّى يتَّضح لكم الأمر)(435).
وعن أبان بن تغلب، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (يأتي على الناس زمان يصيبهم فيه سبطة، يأرز العلم فيها بين المسجدين كما تأرز الحيّة في جحرها، يعني بين مكّة والمدينة، فبينما هم كذلك إذ أطلع الله عز وجل لهم نجمهم). قال: قلت: وما السبطة؟ قال: (الفترة والغيبة لإمامكم). قال: قلت: فكيف نصنع فيما بين ذلك؟ فقال: (كونوا على ما أنتم عليه حتَّى يطلع الله لكم نجمكم)(436).
وفي هذه الروايات وغيرها بيان للشيعة بأن يلزموا الأمر الأوّل، ويبقوا على ما هم عليه، ولا يصدِّقوا من يَدْعُو الناس إلى نفسه كأحمد إسماعيل وغيره، حتَّى يظهر الإمام المهدي عليه السلام، ولاسيّما مع شدَّة الامتحان والتمحيص، وعظم الفتن، وكثرة المدَّعين للإمامة في آخر الزمان كما في الخبر الذي نقلناه قريباً، حيث جاء فيه قوله عليه السلام: (أمَا والله ليغيبنَّ إمامكم سنيناً من دهركم، ولتمحِّصنَّ حتَّى يقال: مات، قُتِلَ، هلك، بأيّ وادٍ سلك؟ ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن بأمواج البحر، فلا ينجو إلَّا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده برَوْح منه، ولتُرفعنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يُدرى أيّ من أيّ...)(437).
وقول أبي عبد الله عليه السلام: (لا يخرج القائم حتَّى يخرج اثنا عشر من بني هاشم، كلّهم يدعو إلى نفسه)(438).
الثالث: الصيحة: وهي علامة واضحة بيِّنة لكلّ أهل الأرض تدلُّ على بداية الحركة المهدوية المباركة، وظهور الإمام المهدي عليه السلام، وعلى هذا دلَّت الأحاديث:
فقد روى النعماني بسنده عن ابن أبي يعفور، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (أمسك بيدك هلاك الفلاني _ اسم رجل من بني العبّاس _، وخروج السفياني، وقتل النفس، وجيش الخسف، والصوت)، قلت: وما الصوت، هو المنادي؟ فقال: (نعم، وبه يُعرَف صاحب هذا الأمر)(439).
وقوله عليه السلام: (به يُعرَف صاحب الأمر) يعني بالصوت دون بقيّة العلامات، إذ أنَّ الصيحة أكثر وضوحاً من السفياني، ومن قتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء، فكلّ هذه العلامات يمكن أن تؤول فيقع اللبس فيها، كأن نشكّ في رجل ما هل هو السفياني أم لا؟ أو هل هذا المقتول هو النفس الزكية؟ أمَّا الصيحة فقد دلَّت الأخبار على أنَّها حدث عالمي كوني، يصل إلى كلّ الناس في جميع أرجاء الأرض، ويسمعه كلّ أحد، حتَّى النائم فإنَّه يستيقظ.
فقد روى عبد الله بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: (النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم، واليماني من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وكف يطلع من السماء من المحتوم). قال: (وفزعة في شهر رمضان، توقظ النائم، وتُفزع اليقظان، وتُخرج الفتاة من خدرها)(440).
وعن أبي بصير، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام، قال في حديث: (الصيحة لا تكون إلَّا في شهر رمضان؛ لأنَّ شهر رمضان شهر الله، والصيحة فيه هي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق)، ثمّ قال: (ينادي منادٍ من السماء باسم القائم عليه السلام، فيسمع مَنْ بالمشرق ومَنْ بالمغرب، لا يبقى راقد إلَّا استيقظ، ولا قائم إلَّا قعد، ولا قاعد إلَّا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فإنَّ الصوت الأوّل هو صوت جبرئيل الروح الأمين عليه السلام). ثمّ قال عليه السلام: (يكون الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين، فلا تشكّوا في ذلك، واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس اللعين، ينادي: (ألَا إنَّ فلاناً قُتِلَ مظلوماً)؛ ليشكِّك الناس ويفتنهم، فكم في ذلك اليوم من شاكٍّ متحيِّر قد هوى في النار، فإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان فلا تشكّوا فيه أنَّه صوت جبرئيل، وعلامة ذلك أنَّه ينادي باسم القائم واسم أبيه عليهما السلام، حتَّى تسمعه العذراء في خدرها، فتُحرِّض أباها وأخاها على الخروج). وقال: (لا بدَّ من هذين الصوتين قبل خروج القائم عليه السلام: صوت من السماء، وهو صوت جبرئيل باسم صاحب هذا الأمر واسم أبيه، والصوت الثاني من الأرض، هو صوت إبليس اللعين ينادي باسم فلان أنَّه قُتِلَ مظلوماً، يريد بذلك الفتنة، فاتَّبعوا الصوت الأوّل، وإيّاكم والأخير أن تُفتَنوا به)(441).
وهذه الأحاديث وغيرها بيَّنت أنَّ الصيحة ستقع لا محالة بنحو لا يحتمل اللبس أو الاشتباه، فقد حدَّدت تاريخها بالشهر، واليوم، والوقت (ليلة الجمعة 23 من شهر رمضان)، وبيَّنت لنا مضمون هذا النداء، وهو اشتماله على ذكر اسم الإمام المهدي واسم أبيه، ودلَّت روايات أُخر على أنَّ هذا النداء مشتمل أيضاً على بيان أنَّ الحقّ مع آل محمّد عليهم السلام، وحذَّرت هذه الروايات من نداء آخر تضليلي صادر عن إبليس اللعين، قد عُيِّن وقته ومضمونه ومصدره.
كما أوضحت تلك الأحاديث أنَّ صيحة جبرائيل عليه السلام سيسمعها جميع أهل الأرض، بل حتَّى النائم يسمعها، ويستيقظ من منامه!
فأيّ بيان أوضح من هذا البيان؟
وأيّ علامة أبلغ من هذه العلامة؟
وهذا فعلاً مصداق لقولهم عليهم السلام: (إنَّ أمرنا لأَبْيَنُ من الشمس)؛ وأمر الإمام المهدي عليه السلام واضح لا لبس فيه، كالشمس الطالعة في رابعة النهار، لا يحتاج إلى أمثال أحمد إسماعيل وأنصاره، الذين يؤوِّلون النصوص الظاهرة التي لا تحتاج إلى تأويل، ويتمسَّكون بالأحاديث الضعيفة وبالمتشابهات، ويحرِّفون الكلم عن مواضعه، ويَدَّعون الدعاوى العظيمة التي لم يستطيعوا إثباتها بدليل واحد صحيح.
كفانا الله شرّ المنتحلين للمقامات الإلهية المدَّعين للإمامة العظمى، وحفظ الله مذهبنا من شرور هؤلاء وفتنهم كما كان شامخاً محفوظاً ببركات إمام العصر عليه السلام، وبجهود علمائنا العاملين الذين هم حصون الدين المنيعة ودرعه الحصينة، ووفَّقنا الله للدفاع عن صاحب الأمر عليه السلام، والتشرّف برؤيته، وخدمته، وأن يعجِّل فرَجه، ويسهِّل مخرجه، ويجعلنا من أنصاره، والمجاهدين بين يديه، والمستشهدين تحت لوائه، إنَّه سميع مجيب، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطيِّبين الطاهرين.

* * *
المصادر

القرآن الكريم.
(أ)
1 _ إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي/ مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات/ بيروت/ لبنان/ ط 1/ 1425هـ.
2 _ الاحتجاج: الشيخ أحمد بن علي الطبرسي/ ت محمّد باقر الخرسان/ دار النعمان/ 1386هـ .
3 _ الأخبار الدخيلة: المحقّق محمّد تقي التستري/ مكتبة الصدوق/ طهران/ إيران/ ط 2/ 1401هـ.
4 _ اختيار معرفة الرجال: الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي/ مؤسّسة أهل البيت عليهم السلام/ ط 1/ 1404هـ.
5 _ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد/ ت مؤسّسة آل البيت/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
6 _ الاستنصار في النصّ على الأئمّة الأطهار: محمّد بن علي الكراجكي/ دار الأضواء/ بيروت/ لبنان/ ط 2/ 1405هـ.
7 _ الاستيعاب في معرفة الأصحاب: يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ الأندلسي/ ت البجاوي/ ط 1/ 1412هـ/ دار الجيل/ بيروت.
8 _ الأُصول الستّة عشر: مجموعة من المحدِّثين/ دار شبستري للمطبوعات/ قم/ إيران/ ط 2/ 1405هـ.
9 _ الاعتقادات في دين الإمامية: الشيخ الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه/ ت عصام عبد السيّد/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
10 _ إعلام الورى بأعلام الهدى: أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي/ ط 1/ 1417هـ/ مط ستارة/ مؤسّسة آل البيت/ قم.
11 _ إقبال الأعمال: رضي الدين علي بن موسى بن طاووس الحسني/ ت جواد القيّومي/ ط 1/ 1414هـ/ مكتب الإعلام الإسلامي.
12 _ آلاء الرحمن في تفسير القرآن: الشيخ محمّد جوادي البلاغي/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان.
13 _ إلزام الناصب في إثبات الحجَّة الغائب عليه السلام: الشيخ علي اليزدي الحائري/ ت السيّد علي عاشور.
14 _ الأمالي: الشيخ الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه/ ت قسم الدراسات/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسّسة البعثة.
15 _ الأمالي: الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي/ ت مؤسّسة البعثة/ ط 1/ 1414هـ/ دار الثقافة/ قم.
16 _ الأمالي: الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد/ ت الأستادولي، علي أكبر غفاري/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
17 _ الإمامة والتبصرة: أبو الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمّي/ ط 1/ 1404هـ/ مدرسة الإمام الهادي عليه السلام/ قم.
18 _ انتصاراً للوصيّة: ناظم العقيلي/ الموقع الرسمي لجماعة أحمد إسماعيل (المهديّون).
19 _ أنوار الهداية في التعليق على الكفاية: السيّد روح الله الموسوي الخميني/ مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني/ ط 1/ 1413هـ.
20 _ أهلاً يا ابن فاطمة: السيّد علاء الأعرجي/ الموقع الرسمي التابع لجماعة أحمد إسماعيل (المهديّون).
21 _ أوائل المقالات: الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد/ ت الشيخ إبراهيم الأنصاري/ دار المفيد/ ط 2/ 1414هـ/ لبنان/ بيروت.
22 _ الإيقاظ من الهجعة في البرهان على الرجعة: محمّد بن الحسن الحرّ العاملي/ ت مشتاق المظفَّر/ ط 1/ 1422هـ/ مط نكارش/ دليل ما/ قم.
(ب)
23 _ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار: العلَّامة محمّد باقر المجلسي/ ط 2 المصحَّحة/ 1403هـ/ مؤسّسة الوفاء/ بيروت.
24 _ بحث حول الرجعة: السيّد محمّد محمّد صادق الصدر/ طبع سنة (1428هـ) تحت إشراف مكتب الشهيد الصدر.
25 _ بحث حول العصمة: عبد الرزّاق الديراوي/ الموقع الرسمي التابع لجماعة أحمد إسماعيل (المهديّون).
26 _ بشارة الإسلام في ظهور صاحب الزمان عليه السلام: السيّد مصطفى حيدر الكاظمي/ دار الكتاب الإسلامي/ بيروت/ ط 1/ 1403هـ.
27 _ بصائر الدرجات: محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار/ ت كوجه باغي/ 1404هـ/ مط الأحمدي/ منشورات الأعلمي/ طهران.
28 _ البلاغ المبين: ناظم العقيلي/ الموقع الرسمي التابع لجماعة أحمد إسماعيل (المهديّون).
29 _ بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية: أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحرّاني/ مجمع الملك فهد بن عبد العزيز/ ط 1/ 1426هـ.
30 _ البيّنات على أحقّية أحمد الحسن: علاء السالم/ الموقع الرسمي التابع لجماعة أحمد إسماعيل (المهديّون).
(ت)
31 _ تاج العروس من جواهر القاموس: محمّد مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي الحنفي/ دار الفكر/ بيروت/ لبنان/ ط 1/ 1414هـ.
32 _ تاريخ الغيبة الصغرى: السيّد محمّد محمّد صادق الصدر/ دار المجتبى للطباعة والنشر/ قم/ إيران.
33 _ تاريخ ما بعد الظهور: السيّد محمّد محمّد صادق الصدر/ دار المجتبى للطباعة والنشر/ قم/ إيران.
34 _ تذكرة الحفّاظ: شمس الدين محمّد بن عثمان الذهبي/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان.
35 _ تفسير الإمام العسكري: منسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام/ ط 1 محقَّقة/ 1409هـ/ مدرسة الإمام المهدي/ قم.
36 _ تفسير العيّاشي: محمّد بن مسعود العيّاشي/ ت هاشم الرسولي المحلَّاتي/ المكتبة العلمية الإسلاميّة/ طهران.
37 _ تقريب المعارف: أبو الصلاح تقي الدين بن نجم الدين الحلبي/ ت فارس الحسّون/ 1417هـ.
38 _ تنقيح المقال في علم الرجال: الشيخ عبدالله بن حسن المامقاني/ مؤسّسة أهل البيت عليهم السلام/ ط 1.
39 _ تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي/ ت حسن الخرسان/ ط 3/ 1364ش/ دار الكتب الإسلاميّة/ طهران.
40 _ تهذيب المقال في تنقيح كتاب رجال النجاشي: السيّد محمّد علي الموحّد الأبطحي/ مط نكارش/ ط 2/ 1417هـ/ قم/ إيران.
41 _ التوحيد: الشيخ الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه/ ت هاشم الحسيني الطهراني/ جماعة المدرّسين/ قم.
(ث)
42 _ ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: الشيخ الصدوق محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه/ ط2/ 1368ش/ مط أمير/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
(ج)
43 _ جامع الأدلَّة: أبو محمّد الأنصاري/ الموقع الرسمي لجماعة أحمد إسماعيل (المهديّون).
44 _ الجعفريات: محمّد بن محمّد بن الأشعث/ مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات/ بيروت/ لبنان.
45 _ جمال الأسبوع بكمال العلم المشروع: السيّد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس الحسني/ ط 1/ 1371ش/ مط أختر شمال/ مؤسّسة الآفاق.
46 _ الجواب المنير عبر الأثير: مدَّعي الإمامة أحمد إسماعيل البصري/ الموقع الرسمي التابع لجماعته (المهديّون).
47 _ الجواهر السنية في الأحاديث القدسية: الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي/ 1384هـ/ مط النعمان/ النجف الأشرف.
(ح)
48 _ حاكمية الله: مُدَّعي الإمامة أحمد إسماعيل/ الموقع الرسمي التابع لجماعته (المهديّون).
(خ)
49 _ خاتمة المستدرك: الميرزا حسين النوري/ ط 1/ 1415هـ/ مط ستارة/ مؤسّسة آل البيت/ قم.
50 _ الخرائج والجرائح: العلَّامة قطب الدين الراوندي/ ط 1 كاملة محقَّقة/ 1409هـ/ مؤسّسة الإمام المهدي/ قم.
51 _ الخصال: الشيخ محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق/ ت علي أكبر غفاري/ 1403هـ/ جماعة المدرّسين/ قم.
52 _ خطابات: منسوبة إلى أحمد إسماعيل/ الموقع الرسمي التابع لجماعته (المهديّون).
(د)
53 _ دفاعاً عن الوصيّة: ناظم العقيلي/ الموقع الرسمي التابع لجماعة أحمد إسماعيل (المهديّون).
54 _ دلائل الإمامة: محمّد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي/ ط 1/ 1413هـ/ مؤسّسة البعثة/ قم.
(ر)
55 _ رسائل المرتضى: الشريف علم الهدى علي بن الحسين المرتضى/ ت النعساني الحلبي/ ط 1/ 1325هـ/ مكتبة المرعشي/ قم.
56 _ روضة الواعظين: زين المحدِّثين محمّد بن الفتال النيسابوري/ ت محمّد مهدي الخرسان/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
(س)
57 _ سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي: عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العاصمي المكّي/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ لبنان.
(ش)
58 _ شرائع الإسلام: مُدَّعي الإمامة أحمد إسماعيل/ الموقع الرسمي التابع لجماعته (المهديّون).
59 _ شرح أُصول الكافي: المولى محمّد صالح المازندراني/ ت الشعراني/ ط 1/ 1421هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
60 _ شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار: القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمّد المغربي/ ت محمّد الجلالي/ ط 2/ 1414هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.
(ص)
61 _ الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: إسماعيل بن حماد الجوهري/ ت أحمد عبد الغفور العطّار/ ط 4/ 1407هـ/ دار العلم للملايين/ بيروت.
62 _ صحيح البخاري: محمّد بن إسماعيل البخاري/ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/ 1401هـ/ بيروت/ لبنان.
63 _ صحيح مسلم: مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري/ دار الفكر للطباعة/ بيروت/ لبنان/ الطبعة الأُولى/ 1971م.
64 _ الصراط المستقيم إلى مستحقِّي التقديم: علي بن يونس البياضي العاملي/ ت محمّد باقر البهبودي/ ط 1/ 1384هـ/ مط الحيدري/ المكتبة المرتضوية.
(ط)
65 _ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: السيّد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس الحسني/ ط 1/ 1399هـ/ مط الخيّام/ قم.
(ع)
66 _ العدَّة في أُصول الفقه: الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي/ ت محمّد رضا الأنصاري القمّي/ ط 1/ 1417هـ/ مط ستارة/ قم.
67 _ عقد الدرر في أخبار المنتظر: يوسف بن يحيى السلمي/ انتشارات نصائح.
68 _ علل الشرائع: الشيخ محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق/ ت محمّد صادق بحر العلوم/ 1385هـ/ منشورات المكتبة الحيدرية/ النجف.
69 _ عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية: محمّد بن علي بن أبي جمهور الأحسائي/ ت مجتبى العراقي/ ط 1/ 1403هـ/ مط سيّد الشهداء/ قم.
70 _ عيون أخبار الرضا عليه السلام: الشيخ محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق/ 1404هـ/ مؤسّسة الأعلمي/ لبنان/ بيروت.
(غ)
71 _ الغيبة: الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي/ ت عبد الله الطهراني، علي أحمد ناصح/ ط 1/ 1411هـ/ مط بهمن/ مؤسّسة المعارف الإسلاميّة/ قم.
72 _ الغيبة: محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني/ ت فارس الحسّون/ ط 1/ 1422هـ/ مط مهر/ أنوار الهدى.
(ف)
73 _ الفتن: نعيم بن حماد الخزاعي المروزي/ ت سهيل زكار/ 1414هـ/ دار الفكر/ بيروت.
74 _ الفروق في اللغة: أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري/ مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرَّفة/ ط 1/ 1412هـ.
75 _ فضائل أمير المؤمنين عليه السلام: أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد ابن عقدة الكوفي.
76 _ فلاح السائل ونجاح المسائل: السيّد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس الحسني.
77 _ فهرست أسماء مصنِّفي الشيعة (رجال النجاشي): أبو العبّاس أحمد بن علي النجاشي/ ط 5/ 1416هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.
78 _ الفهرست: الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي/ ت جواد القيّومي/ ط 1/ 1417هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي.
79 _ الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: محمّد بن علي الشوكاني/ مؤسّسة أبي عبيدة للنشر والتوزيع/ القاهرة/ مصر.
80 _ في القطيف ضجَّة: أبو محمّد الأنصاري/ الموقع الرسمي التابع لجماعة أحمد إسماعيل (المهديّون).
(ق)
81 _ قرب الإسناد: عبد الله بن جعفر الحميري/ ط 1/ 1413هـ/ مط مهر/ مؤسّسة آل البيت/ قم.
(ك)
82 _ الكافي: ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني/ ت علي أكبر غفاري/ ط 5/ 1363ش/ مط حيدري/ دار الكتب الإسلاميّة/ طهران.
83 _ كامل الزيارات: الشيخ الأقدم جعفر بن محمّد بن قولويه/ ت جواد القيّومي/ ط 1/ 1417هـ/ مط مؤسّسة النشر الإسلامي.
84 _ الكامل في ضعفاء الرجال: أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني/ ت يحيى مختار غزاوي/ ط 3/ 1409هـ/ دار الفكر/ بيروت.
85 _ كتاب سليم: سليم بن قيس الهلالي العامري/ ت محمّد باقر الأنصاري.
86 _ كشف الغمَّة في معرفة الأئمّة: العلَّامة علي بن عيسى الأربلي/ ط 2/ 1405هـ/ دار الأضواء/ بيروت.
87 _ كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر: محمّد بن علي الخزّاز القمّي/ 1401هـ/ مط الخيّام/ انتشارات بيدار.
88 _ كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق/ ت علي أكبر غفاري/ 1405هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.
89 _ كنز الفوائد: أبو الفتح الشيخ محمّد بن علي الكراجكي/ ط 2/ 1369ش/ مط غدير/ مكتبة المصطفوي/ قم.
(ل)
90 _ لسان العرب: محمّد بن مكرَّم بن منظور الأفريقي (ابن منظور)/ 1405هـ/ نشر أدب الحوزة/ قم.
(م)
91 _ المتشابهات: مُدَّعي الإمامة أحمد إسماعيل/ الموقع الرسمي التابع لجماعته (المهديّون).
92 _ المجالس والمسايرات: القاضي أبو حنيفة النعمان المغربي/ دار المنتظر/ بيروت/ لبنان/ ط 1/ 1996م.
93 _ المحتضر: الحسن بن سليمان الحلّي/ 1424هـ/ انتشارات مكتبة الحيدرية.
94 _ مختصر بصائر الدرجات: الحسن بن سليمان الحلّي/ ط 1/ 1370هـ/ منشورات المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف.
95 _ مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: العلَّامة الشيخ محمّد باقر المجلسي/ ط 2/ 1404هـ/ دار الكتب الإسلاميّة.
96 _ المزار الكبير: الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي/ ت جواد القيّومي/ ط 1/ 1419هـ/ مط مؤسّسة النشر الإسلامي/ نشر القيّوم/ قم.
97 _ مستدرك وسائل الشيعة: الميرزا حسين النوري الطبرسي/ ط 1 المحقَّقة/ 1408هـ/ مؤسّسة آل البيت/بيروت.
98 _ مستدركات علم رجال الحديث: الشيخ علي النمازي الشهرودي/ ط 1/ 1412هـ/ مط شفق/ طهران.
99 _ مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار: السيّد عبد الله شبّر/ مؤسّسة النور للمطبوعات/ بيروت/ لبنان/ ط 2/ 1407هـ.
100 _ مصباح المتهجّد: الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي/ ط 1/ 1411هـ/ مؤسّسة فقه الشيعة/ بيروت.
101 _ المصباح في الأدعية والصلوات والزيارات: تقي الدين إبراهيم بن علي الكفعمي/ ط 3/ 1403هـ/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت.
102 _ مع العبد الصالح: علاء السالم/ الموقع الرسمي التابع لجماعة أحمد إسماعيل (المهديّون).
103 _ معارج الأُصول: أبو القاسم جعفر بن الحسن (المحقّق الحلّي)/ إعداد محمّد حسين الرضوي/ ط 1/ 1403هـ/ مؤسّسة آل البيت/ قم.
104 _ معاني الأخبار: الشيخ محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق/ ت علي أكبر غفاري/ 1379هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.
105 _ معجم رجال الحديث: المرجع الأعلى السيّد أبو القاسم الخوئي/ ط 5/ 1413هـ.
106 _ مقتضب الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر: أحمد بن عيّاش الجوهري/ مط العلمية/ مكتبة الطباطبائي/ قم.
107 _ الملاحم والفتن في ظهور الغائب المنتظر عليه السلام: السيّد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس الحسني/ ط 1/ 1416هـ/ مؤسّسة صاحب الأمر.
108 _ الملل والنحل: محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني/ دار المعرفة/ بيروت.
109 _ الممهِّدون للمهدي عليه السلام: الشيخ علي الكوراني العاملي/ الدار الإسلاميّة للطباعة والنشر.
110 _ مناقب آل أبي طالب: رشيد الدين محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني/ ت لجنة من أساتذة النجف/ 1376هـ/ المكتبة الحيدرية/ النجف.
111 _ المنطق: الشيخ محمّد رضا المظفَّر/ مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرَّفة.
112 _ المهدي والمهديّين: ضياء الزيدي/ الموقع الرسمي التابع لجماعة أحمد إسماعيل (المهديّون).
(و)
113 _ الوافي بالوفيات: صلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي/ 1420هـ/ دار إحياء التراث/ بيروت.
114 _ الوافي: الفيض محمّد محسن الكاشاني/ ت ضياء الدين الحسيني/ ط 1/ 1406هـ/ مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامّة/ أصفهان.
115 _ الوصيّة والوصيّ: ناظم العقيلي/ الموقع الرسمي التابع لجماعة أحمد إسماعيل (المهديّون).

* * *



 

 

 

 

 

 

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(1) الشيخ علي آل محسن (حفظه الله) في كتابه الردّ القاصم، وهو كتاب قيّم ردَّ فيه سماحته على رسالة اسمها: (الوصيّة المقدَّسة: الكتاب العاصم من الضلال)، احتوت على أجوبة لمدَّعي الإمامة (أحمد إسماعيل) حول الكتاب العاصم كما يدَّعي، وقد فنَّد الشيخ كلّ دعاواه، وأثبت بطلان أدلَّته.
(2) الجواب المنير 1: 16.
(3) الكافي 8: 297/ ح 456.
(4) منقول من موقعه الرسمي.
(5) الكافي 1: 513/ باب مولد أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام/ ح 26.
(6) الخرائج و الجرائح 1: 404 - 406/ باب 11/ ح 11.
(7) الغيبة للطوسي: 150 و151/ ح 111.
(8) الكافي 1: 67 و68/ باب اختلاف الحديث/ ح 10.
(9) معجم رجال الحديث 6: 210/ الرقم 3302.
(10) مقتضب الأثر: 10.
(11) مستدركات علم رجال الحديث 5: 383/ الرقم 10071.
(12) وهو ناظم العقيلي في كتابه انتصاراً للوصيّة: 57.
(13) خاتمة المستدرك 1: 316.
(14) الفهرست: 157/ الرقم (392/19).
(15) رجال النجاشي: 261 و262/ الرقم 684.
(16) كمال الدين: 476/ باب 43/ ح 26.
(17) تذكرة الحفّاظ: 1045/ الرقم (35962/13/1).
(18) الكامل في الضعفاء 2: 158/ الرقم (23/348).
(19) الإيقاظ من الهجعة: 362.
(20) الإيقاظ من الهجعة: 368.
(21) مصابيح الأنوار 1: 384.
(22) الغيبة: 147/ ح 109.
(23) مقتضب الأثر: 3.
(24) مقتضب الأثر: 10 و11.
(25) مقتضب الأثر: 2.
(26) الطرائف في معرفة الطوائف: 172 و173/ ح 270.
(27) الجواهر السنية: 312.
(28) الغيبة للطوسي: 308/ ح 260.
(29) بحار الأنوار 51: 325.
(30) رجال النجاشي: 68/ الرقم 162.
(31) النجم الثاقب 2: 71.
(32) آلاء الرحمن 1: 25.
(33) أنوار الهداية 1: 244 و245.
(34) الكافي 1: 68/ باب اختلاف الحديث/ ح 10.
(35) عوالي اللئالي 4: 133/ ح 229.
(36) الإرشاد 2: 387.
(37) الغيبة للطوسي: 228.
(38) إعلام الورى 2: 295.
(39) كشف الغمّة 3: 266.
(40) الصراط المستقيم 2: 254 .
(41) بحار الأنوار 53: 148.
(42) الإيقاظ من الهجعة: 368.
(43) مصابيح الأنوار 1: 382.
(44) أي لسنا مأمورين بالتعبّد بشيء إلَّا بالاعتقاد بالاثني عشر إماماً فقط.
(45) كمال الدين: 77.
(46) رسائل المرتضى 3: 146.
(47) تاريخ ما بعد الظهور: 642.
(48) بحث حول الرجعة: 19.
(49) العجل: 28.
(50) الوصيّة والوصيّ أحمد الحسن: 100.
(51) الإرشاد 2: 381.
(52) الوصيّة والوصي أحمد الحسن: 99 .
(53) مختصر بصائر الدرجات: 198.
(54) دلائل الإمامة: 574/ ح (528/132).
(55) البلاغ المبين: 3.
(56) بشارة الإسلام: 247.
(57) مختصر بصائر الدرجات: 200 و201.
(58) الإرشاد 2: 386.
(59) دلائل الإمامة: 542/ ح (522/126).
(60) مختصر بصائر الدرجات: 48.
(61) مختصر بصائر الدرجات: 24.
(62) مختصر بصائر الدرجات: 27 و28.
(63) مختصر بصائر الدرجات: 18.
(64) مختصر بصائر الدرجات: 191.
(65) النجم الثاقب 1: 511 و512.
(66) الغيبة للطوسي: 224/ ح 188.
(67) اختيار معرفة الرجال 2: 764/ ح 883.
(68) اختيار معرفة الرجال 2: 742/ ح 833.
(69) معجم رجال الحديث 12: 241.
(70) لسان العرب 1: 613.
(71) الفروق في اللغة: 365/ الرقم 1464.
(72) تاج العروس 2: 244.
(73) مختصر بصائر الدرجات: 212.
(74) الإيقاظ من الهجعة: 370 و371.
(75) بحار الأنوار 53: 148 و149.
(76) مصابيح الأنوار 1: 384.
(77) كمال الدين: 358/ باب 33/ ح 56.
(78) البلد الأمين: 312.
(79) الغيبة للطوسي: 454/ ح 463.
(80) الكافي 1: 284/ باب الأُمور التي توجب حجَّة الإمام عليه السلام/ ح 1.
(81) الكافي 1: 285/ باب الأُمور التي توجب حجَّة الإمام عليه السلام/ ح 6.
(82) عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 179/ باب 15/ ح 1.
(83) دفاعاً عن الوصيّة: 15.
(84) الفوائد المجموعة: 291.
(85) الكافي 7: 10/ باب الوصيّة للوارث/ ح 5.
(86) مستدرك الوسائل 14: 141/ ح (16320/1)، عن دعائم الإسلام 2: 356/ ح 1298.
(87) دعائم الإسلام 2: 310/ ح 1169.
(88) دفاعاً عن الوصيّة: 16.
(89) المصدر السابق.
(90) المصدر السابق.
(91) كتاب سليم بن قيس الهلالي: 211 و212/ ح 4.
(92) كتاب سليم بن قيس الهلالي: 398 و399/ ح 49.
(93) الكافي 1: 281 - 283/ باب أنَّ الأئمّة عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلَّا بعهد من الله عز وجل.../ ح 4.
(94) بحار الأنوار 22: 481 و482/ ح 29.
(95) كذا في المصدر.
(96) الكافي 1: 280 و281/ باب أنَّ الأئمّة عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلَّا بعهد من الله عز وجل/ ح 2.
(97) الغيبة للنعماني: 60 و61/ باب 3/ ح 3.
(98) الغيبة للنعماني: 61/ باب 3/ ح 4.
(99) دفاعاً عن الوصيّة: 18.
(100) الغيبة للطوسي: 156.
(101) الغيبة للطوسي: 228.
(102) دفاعاً عن الوصيّة: 19.
(103) دفاعاً عن الوصيّة: 21.
(104) المصدر السابق.
(105) اختيار معرفة الرجال 2: 491/ ح 402.
(106) الأربعون حديثاً: 36، عن تفسير ابن أبي حاتم 8: 2628/ ح 14769.
(107) الأربعون حديثاً: 37، عن شرح الأخبار 3: 400/ ح 1283.
(108) الأربعون حديثاً: 65.
(109) دفاعاً عن الوصيّة: 23.
(110) الغيبة للطوسي: 228.
(111) الخرائج والجرائح 1: 344 و345/ ح 6.
(112) ثواب الأعمال: 214.
(113) من لا يحضره الفقيه 1: 26/ ح 46.
(114) كمال الدين: 147/ باب 6/ ح 13.
(115) تهذيب الأحكام 6: 118.
(116) الكافي 1: 330/ باب في تسمية من رآه عليه السلام/ ح 1.
(117) الغيبة للطوسي: 362/ ح 324.
(118) الغيبة للطوسي: 367 و368/ ح 335.
(119) الغيبة للطوسي: 395 و396/ ح 366.
(120) الغيبة للطوسي: 364 و365/ ح 332.
(121) الغيبة للطوسي: 321/ ح 268.
(122) الاحتجاج 2: 297.
(123) كمال الدين: 516/ باب 45/ ح 44.
(124) مع العبد الصالح: 30.
(125) مع العبد الصالح: 30، في الهامش.
(126) كمال الدين وتمام النعمة: 516.
(127) عيون أخبار الرضا 2: 187/ باب 43/ ح 1.
(128) عيون أخبار الرضا 1: 200/ باب 20/ ح 2.
(129) الفوائد الرجالية من تنقيح المقال في علم الرجال 2: 280.
(130) المصدر السابق.
(131) تنقيح المقال 18: 353 .
(132) الاحتجاج 1: 4.
(133) الغيبة للطوسي: 394/ ح 363.
(134) الكافي 8: 264/ ح 381.
(135) الكافي 8: 264 و265/ ح 383.
(136) الكافي 8: 274/ ح 412.
(137) الغيبة للنعماني: 178 و179.
(138) الغيبة للطوسي: 412/ ح 385.
(139) الإرشاد 2: 340.
(140) بحار الأنوار 52: 151/ ذيل الحديث 1.
(141) الكافي 1: 340/ باب في الغيبة/ ح 19.
(142) الكافي 1: 340/ باب في الغيبة/ ح 16.
(143) الغيبة للنعماني: 176/ باب 10/ فصل 4/ ح 5.
(144) كمال الدين: 390 و391/ باب 38/ ح 4.
(145) أُنظر: المنطق: 164.
(146) الإرشاد 2: 340.
(147) العجل 2: 88.
(148) كمال الدين: 330 و331/ باب 32/ ح 16.
(149) بحار الأنوار 52: 191 و192/ ح 24؛ كشف الغمّة 3: 342 و343؛ إعلام الورى 2: 291 و292؛ إثبات الهداة 5: 346.
(150) عيون الحكم والمواعظ: 244.
(151) هكذا في المصدر، ولعلَّه: (تُضل) من الضلال.
(152) فلاح السائل: 170 و171.
(153) الغيبة للنعماني: 286/ باب 14/ ح 60.
(154) الإرشاد 3: 375؛ الغيبة للطوسي: 446 و447/ ح 443.
(155) يبسُّون: أي يزجرون دوابّهم، فيقولون: (بَسْ بَسْ)، وهو من كلام أهل اليمن.
(156) الغيبة للنعماني: 46/ باب 2/ ح 1.
(157) الفتن للمروزي: 174.
(158) صحيح البخاري 4: 155.
(159) الفتن للمروزي: 66.
(160) فلاح السائل: 171.
(161) المتشابهات 4: 42.
(162) الغيبة للنعماني: 281 و282/ باب 14/ ح 50.
(163) بحار الأنوار 31: 196؛ المصنَّف لابن أبي شيبة 7: 523/ ح 7.
(164) الكافي 8: 264/ ح 381.
(165) الاحتجاج 2: 324.
(166) دلائل الإمامة: 446/ ح (420/24).
(167) الغيبة للنعماني: 255 و256/ باب 14/ ح 1.
(168) دلائل الإمامة: 446/ ح (420/24).
(169) الفتن للمروزي: 189.
(170) بحث حول العصمة: 13.
(171) بحث حول العصمة: 69.
(172) بحث حول العصمة: 99.
(173) الكافي 1: 284 و285/ باب الأُمور التي توجب حجَّة الإمام عليه السلام/ ح 4.
(174) بحث حول العصمة: 67.
(175) بحث حول العصمة: 83.
(176) المصدر السابق.
(177) الغيبة للنعماني: 262 - 265/ باب 14/ ح 13.
(178) المصدر السابق.
(179) المصدر السابق.
(180) الغيبة للنعماني: 265/ باب 14/ ح 14.
(181) المتشابهات: 45.
(182) بشارة الإسلام: 249.
(183) إلزام الناصب 2: 174.
(184) بشارة الإسلام: 247.
(185) دلائل الإمامة: 574/ ح (528/132).
(186) شرح الأخبار 3: 366/ ح 1238.
(187) الملاحم والفتن: 249/ ح 362.
(188) بحار الأنوار 51: 162 و163.
(189) عقد الدرر: 79.
(190) كمال الدين: 282/ باب 24/ ح 35؛ أمالي الصدوق: 172 و173/ ح (175/11).
(191) أمالي الصدوق: 728/ ح (998/10).
(192) كمال الدين: 259/ باب 24/ ح 4؛ عيون أخبار الرضا 1: 62/ ح 28.
(193) كمال الدين: 342/ باب 33/ ح 23.
(194) كمال الدين: 335 و336/ باب 33/ ح 7.
(195) كمال الدين: 269 و270/ باب 24/ ح 14؛ الخصال: 475 و476/ ح 39.
(196) كفاية الأثر: 230 و231.
(197) الغيبة للنعماني: 93 و94/ باب 4/ ح 23.
(198) الاعتقادات في دين الإمامية: 93 - 95.
(199) الملل والنحل 1: 169.
(200) الغيبة للطوسي: 170/ ح 129؛ كمال الدين: 354 و355/ باب 33/ ح 50.
(201) قراءة جديدة في رواية السمري: 9.
(202) المهدي والمهديّين: 134.
(203) الكافي 1: 52/ باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسّك بالكتب/ ح 13.
(204) الكافي 1: 338/ باب في الغيبة/ ح 7.
(205) المهدي والمهديّين: 134.
(206) الوافي 2: 408/ ح (911/5).
(207) الغيبة للنعماني: 69/ باب 4/ ح 4.
(208) كمال الدين: 289/ باب 26/ ح 1.
(209) بحار الانوار 51: 117 و118/ ح 18.
(210) كفاية الأثر: 220.
(211) تقريب المعارف: 429.
(212) مرآة العقول 4: 43.
(213) كمال الدين: 304/ باب 26/ ح 16.
(214) كمال الدين: 286/ باب 25/ ح 1.
(215) الغيبة للنعماني: 299/ باب 16/ ح 1.
(216) الغيبة للطوسي: 428/ ح 417.
(217) الغيبة للطوسي: 429/ ذيل الحديث 418.
(218) مرآة العقول 4: 42.
(219) الكافي 1: 531/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم عليهم السلام/ ح 7.
(220) الإرشاد 2: 347.
(221) الخصال: 480/ ح 49.
(222) الاستنصار: 16 و17.
(223) شرح أصول الكافي 7: 370 و371.
(224) الكافي 1: 531 و532/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم عليهم السلام/ ح 8.
(225) مرآة العقول 6: 223.
(226) الكافي 1: 529 و530/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم عليهم السلام/ ح 5.
(227) كمال الدين: 296/ باب 26/ ح 3، وكرَّرها مع اختلاف ألفاظها في صفحة: 299/ باب 26/ ح 6.
(228) كمال الدين: 298/ باب 26/ ح 5، وكرَّرها مع اختلاف ألفاظها في صفحة: 300/ باب 26/ ح 7.
(229) الغيبة للنعماني: 99/ باب 4/ ح 29.
(230) الإمامة والتبصرة: 134 و135/ ح 148.
(231) مقتضب الأثر: 14.
(232) مرآة العقول 6: 226 و227.
(233) الكافي 1: 532/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم عليهم السلام/ ح 9.
(234) الخصال: 477 و478/ ح 42.
(235) الكافي 1: 527 و528/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم عليهم السلام/ ح 3.
(236) المهدي والمهديّين: 26.
(237) الكافي 1: 534/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم عليهم السلام/ ح 17.
(238) الأُصول الستّة عشر: 16.
(239) الغيبة للطوسي: 138 و139/ ح 102.
(240) الكافي 1: 534/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم عليهم السلام/ ح 18.
(241) الأُصول الستّة عشر: 15.
(242) تقريب المعارف: 419.
(243) كفاية الأثر: 68 و69.
(244) كفاية الأثر: 226 و227.
(245) كفاية الأثر: 160 - 162.
(246) كتاب سليم بن قيس: 380.
(247) كتاب سليم بن قيس: 233 - 236.
(248) كتاب سليم بن قيس: 132 و133.
(249) كتاب سليم بن قيس: 252 - 254.
(250) كتاب سليم بن قيس: 362 و363.
(251) كتاب سليم بن قيس: 199.
(252) كتاب سليم بن قيس: 211.
(253) الغيبة للنعماني: 84/ باب 4/ ح 11؛ الاحتجاج 1: 224؛ فضائل أمير المؤمنين: 156 و157.
(254) كفاية الأثر : 149 و150.
(255) الكافي 1: 336/ باب في الغيبة/ ح 2.
(256) كمال الدين: 333/ باب 33/ ح 1.
(257) المجدي في أنساب الطالبيين: 133 و134.
(258) الكافي 1: 336/ باب في الغيبة/ ح 2؛ كمال الدين: 359 و360/ باب 34/ ح 1؛ الغيبة للطوسي: 166 و167/ ح 128؛ الغيبة للنعماني: 155 و156/ باب 10/ فصل 1/ ح 11.
(259) رجال النجاشي: 440/ الرقم 1185.
(260) الأخبار الدخيلة 1: 10.
(261) كامل الزيارات: 76/ باب 8/ ح (69/12).
(262) المهدي والمهديّين: 57؛ موسوعة في أحاديث الإمام المهدي الضعيفة والموضوعة للبستوي: 192/ ح (141/188).
(263) تهذيب الأحكام 3: 253 و254/ ح (699/19).
(264) المهدي والمهديّين: 58.
(265) المصباح: 550.
(266) المصدر السابق.
(267) الغيبة للطوسي: 151/ ح 111.
(268) الغيبة للطوسي: 280/ ح 238.
(269) مصباح المتهجّد: 826 و827/ ح (886/1).
(270) إقبال الأعمال 1: 191.
(271) الكافي 4: 162/ باب الدعاء في العشر الأواخر من شهر رمضان/ ح 4.
(272) تهذيب الأحكام 3: 102 و103/ ح (265/37)؛ مصباح المتهجّد: 630 و631/ ح (709/85)؛ المزار: 612؛ المصباح: 586.
(273) جمال الأسبوع: 309.
(274) جمال الأسبوع: 313.
(275) من لا يحضره الفقيه 2: 615/ ح 3213.
(276) جمال الأسبوع: 310.
(277) شرح الأخبار 2: 42/ ح 410.
(278) شرح الأخبار 1: 87 و88.
(279) شرح الأخبار 2: 42/ ذيل الحديث 410.
(280) شرح الأخبار 3: 353 - 354.
(281) شرح الأخبار 3: 365 و366.
(282) المجالس والمسايرات: 79/ الرقم 12.
(283) شرح الأخبار 3: 400/ ح 1281.
(284) الكافي 1: 54/ باب البدع والرأي والمقائيس/ ح 1.
(285) الخصال: 186/ ح 257.
(286) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 7: 48.
(287) ديوان أحمد شوقي.
(288) الغيبة للنعماني: 178/ باب 10/ فصل 4/ ح 9.
(289) مرآة العقول 4: 54.
(290) الكافي 1: 351 و352/ باب ما يفصل بين دعوى المحقّ والمبطل.../ ح 7.
(291) الكافي 1: 227/ باب أنَّ الأئمّة عليهم السلام عندهم جميع الكتب.../ ح 1.
(292) الكافي 1: 388 و389/ باب مواليد الأئمّة عليهم السلام/ ح 8.
(293) معاني الأخبار: 102 و103/ باب معنى الإمام المبين/ ح 4.
(294) الكافي 1: 285/ باب الأُمور التي توجب حجَّة الإمام عليه السلام/ ح 7.
(295) علل الشرائع 1: 122/ باب 100/ ح 1.
(296) الكافي 1: 346 و347/ باب ما يفصل بين دعوى المحقّ والمبطل.../ ح 3.
(297) الكافي 1: 347/ باب ما يفصل بين دعوى المحقّ والمبطل.../ ح 4.
(298) بحار الأنوار 25: 184/ ح 5، عن مناقب آل أبي طالب 3: 349.
(299) إثبات الهداة 5: 328.
(300) بيانه الأوّل المسمّى بإظهار قبر الزهراء عليها السلام.
(301) معاني الأخبار: 267 و268/ باب معنى الخبر الذي روى عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنَّة...»/ ح 1.
(302) الاستيعاب 1: 392.
(303) سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 1: 537.
(304) الوافي بالوفيات 12: 68.
(305) بصائر الدرجات: 465/ الجزء 8/ باب 14/ ح 9.
(306) أوائل المقالات: 72.
(307) كنز الفوائد للكراجكي: 258 و259.
(308) المحتضر: 46/ الرقم 62.
(309) خطاب شهر محرم سنة 1432هـ كما في موقعه الرسمي.
(310) بصائر الدرجات: 509/ الجزء 9/ باب 13/ ح 2.
(311) الكافي 1: 284/ باب الأُمور التي توجب حجَّة الإمام عليه السلام/ ح 3.
(312) الكافي 1: 284/ باب الأُمور التي توجب حجَّة الإمام عليه السلام/ ح 1.
(313) الكافي 1: 284/ باب الأُمور التي توجب حجَّة الإمام عليه السلام/ ح 2.
(314) معاني الأخبار: 101 و102/ باب معنى الإمام المبين/ ح 3.
(315) قرب الإسناد: 339/ ح 1244.
(316) أوائل المقالات: 40.
(317) المتشابهات 1: 25.
(318) التوحيد: 74 و75/ ح 28.
(319) إضاءات من دعوات المرسلين 3: 33.
(320) رحلة موسى إلى مجمع البحرين: 48.
(321) المتشابهات 4: 218.
(322) المتشابهات 2: 19.
(323) عن موقع أنصار أحمد إسماعيل البصري.
(324) المتشابهات 3: 73.
(325) البرهان في تفسير القرآن 5/752.
(326) الخصال: 200/ ح 13.
(327) بصائر الدرجات: 142/ الجزء 2/ باب 4/ ح 4.
(328) بصائر الدرجات: 142/ الجزء 2/ باب 4/ ح 1.
(329) الكافي 1: 262/ باب أنَّ الأئمّة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون.../ ح 5.
(330) حاكمية الله: 5.
(331) خطاب صوتي موجود في موقعه الرسمي.
(332) الغيبة للنعماني: 319/ باب 19/ ح 1.
(333) الغيبة للنعماني: 320/ باب 20/ ح 2.
(334) خطاب صوتي موجود في موقعه الرسمي.
(335) الكافي 8: 90/ ح 61.
(336) الكافي 8: 91/ ح 62.
(337) مناقب آل أبي طالب 2: 179.
(338) أمالي الصدوق: 210/ ح (234/18).
(339) أمالي الصدوق: 208 و209/ ح (231/15).
(340) أمالي الصدوق: 209/ ح (232/16).
(341) أمالي الصدوق: 209 و210/ ح (233/17).
(342) كتاب سليم بن قيس: 350.
(343) أمالي الصدوق: 121/ ح (111/10)؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 287 و288/ ح 11.
(344) كنز الفوائد للكراجكي 2: 213.
(345) اختيار معرفة الرجال 2: 589/ ح 537.
(346) اختيار معرفة الرجال 2: 593/ ح 548.
(347) اختيار معرفة الرجال 2: 581 و582/ ح 516.
(348) اختيار معرفة الرجال 2: 657 و658/ ح 673.
(349) أمالي الصدوق: 708/ ح (974/6).
(350) بيان تلبيس الجهمية 1: 73.
(351) الكافي 3: 482/ باب النوادر/ ح 1.
(352) كنز الفوائد للكراجكي 2: 212.
(353) أمالي المفيد: 335 و336/ ح 6.
(354) بحار الأنوار 58: 191/ ح 58، عن كتاب التبصرة لعلي بن بابويه.
(355) بحار الأنوار 58: 176/ ح 36.
(356) بحار الأنوار 58: 178.
(357) بحار الأنوار 58: 176 و177/ ح 38، عن من لا يحضره الفقيه 1: 133 و134/ ح 353.
(358) بحار الأنوار 58: 192/ ح 63، عن الدرّ المنثور 3: 312.
(359) بحار الأنوار 58: 192/ ح 64، عن الدرّ المنثور 3: 312.
(360) بحار الأنوار 58: 192/ ح 65، عن الدرّ المنثور 3: 312.
(361) بحار الأنوار 58: 192/ ح 66، عن الدرّ المنثور 3: 312.
(362) في القطيف ضجَّة 1: 228.
(363) دفاعاً عن الوصيّة: 25.
(364) الغيبة للنعماني: 222/ باب 13/ ح 1.
(365) لسان العرب 4: 267.
(366) الإرشاد 2: 75.
(367) بحار الأنوار 21: 108، عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 17: 271.
(368) الغيبة للطوسي: 61/ ح 61.
(369) الغيبة للطوسي: 62/ ذيل الحديث 61.
(370) الغيبة للطوسي: 63/ ذيل الحديث 64.
(371) الكافي 1: 238/ باب أنَّ مثل سلاح رسول الله مثل التابوت في بني إسرائيل/ ح 3.
(372) بصائر الدرجات: 202/ الجزء 3/ باب 4/ ح 28.
(373) تفسير العيّاشي 1: 65/ ح 117.
(374) الغيبة للنعماني: 249/ باب 13/ ح 40.
(375) بصائر الدرجات: 194 و195/ الجزء 3/ باب 4/ ح 2.
(376) الكافي 1: 389/ باب مواليد الأئمّة عليهم السلام/ ح 8.
(377) مناقب آل أبي طالب 3: 349.
(378) الكافي 1: 336/ باب في الغيبة/ ح 3؛ كمال الدين: 347/ باب 33/ ح 35؛ الغيبة للطوسي: 337 و338/ ح 285.
(379) كمال الدين: 650/ باب 57/ ح 4.
(380) بحار الأنوار 52: 389/ ح 208.
(381) خطابه نصيحةً إلى طلَّاب الحوزة العلمية كما في موقعه الرسمي.
(382) لم نجد في الروايات الواردة في اليماني أنَّ اسمه أحمد، أو أنَّه من البصرة، أو أنَّ في رأسه حزازاً، وإنَّما هذه من صفات قائم آل محمّد عليه السلام كما جاء في بعض الروايات، راجع كتاب الغيبة للنعماني: 223/ باب 13 (ما روي في صفته، وسيرته، وفعله...).
(383) المتشابهات 4: 46.
(384) جامع الأدلَّة: 193.
(385) الغيبة للطوسي: 265 و266/ ح 228.
(386) الغيبة للنعماني: 223 و224/ باب 13/ ح 3.
(387) دلائل الإمامة: 441/ ح (413/17).
(388) الغيبة للطوسي: 424/ ح 408.
(389) الصحاح 1: 318/ مادّة (زجج).
(390) جامع الأدلَّة: 193.
(391) الغيبة للطوسي: 274/ ح 238.
(392) صحيح مسلم 6: 22.
(393) الغيبة للطوسي: 285/ ح 245.
(394) الغيبة للطوسي: 362/ ح 326.
(395) كمال الدين: 483/ باب 45/ ح 3.
(396) الغيبة للطوسي: 366/ ح 334.
(397) تاريخ الغيبة الصغرى: 429.
(398) خطاب الحجّ في الموقع الرسمي لأحمد إسماعيل.
(399) خطاب منسوب إلى أحمد إسماعيل في موقعه الرسمي.
(400) اختيار معرفة الرجال 1: 400/ ح 291.
(401) اختيار معرفة الرجال 2: 858/ ح 1112.
(402) اختيار معرفة الرجال 2: 522 - 524/ ح 470.
(403) رجال النجاشي: 447/ الرقم 1208.
(404) رجال النجاشي: 10/ الرقم 7.
(405) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 300/ ح 143؛ الاحتجاج 2: 263.
(406) معارج الأُصول: 197.
(407) العدَّة في أُصول الفقه 2: 730.
(408) شرائع الإسلام لأحمد إسماعيل: 5.
(409) الكافي 8: 307 و308/ ح 479.
(410) كمال الدين: 250 و251/ باب 23/ ح 1.
(411) أهلاً يا ابن فاطمة: 13.
(412) المصدر السابق.
(413) المصدر السابق.
(414) السيّد جعفر مرتضى العاملي في كتابه (ابن عربي سُنّي متعصّب).
(415) قال الميرزا النوري الطبرسي في خاتمة المستدرك 2: 239 و240: (مع أنَّه لم يُرَ في علماء العامّة ونواصبهم أشدّ نصباً منه، أليس هو القائل في الفتوحات في ذكر بعض حالات الأقطاب ما لفظه: ومنهم من يكون ظاهر الحكم، ويحوز الخلافة الظاهرة كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وحسن ومعاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز والمتوكّل).
(416) الشيخ أحمد زين الدين الأحسائي أطلق عليه هذا الاسم في أكثر من مورد في كتبه.
(417) البيّنات: 11.
(418) الكافي 1: 285/ باب الأُمور التي توجب حجَّة الإمام عليه السلام/ ح 7.
(419) البينات: 46.
(420) الملاحم والفتن: 119/ ح 112.
(421) الفتن للمروزي: 188.
(422) بحار الأنوار 51: 82.
(423) البيّنات: 47.
(424) الممهِّدون: 110.
(425) دفاعاً عن الوصيّة: 14.
(426) بحث حول العصمة: 73.
(427) بحار الأنوار 26: 193.
(428) بحث حول العصمة: 140.
(429) بحث حول العصمة: 142.
(430) جامع الأدلَّة: 319.
(431) في القطيف ضجَّة 1: 228.
(432) الكافي 1: 336/ باب في الغيبة/ ح 3؛ كمال الدين: 347/ باب 33/ ح 35؛ الغيبة للطوسي: 337 و338/ ح 285.
(433) كمال الدين: 348/ باب 33/ ح 38؛ الغيبة للنعماني: 162/ باب 10/ فصل 2/ ح 5.
(434) الكافي 1: 68/ باب اختلاف الحديث/ ح 10.
(435) كمال الدين: 348 و349/ باب 33/ ح 40.
(436) كمال الدين: 349/ باب 33/ ح 41.
(437) الكافي 1: 336/ باب في الغيبة/ ح 3؛ كمال الدين: 347/ باب 33/ ح 35؛ الغيبة للطوسي: 337 و338/ ح 285.
(438) الغيبة للطوسي: 437/ ح 428.
(439) الغيبة للنعماني: 266/ باب 14/ ح 16.
(440) الغيبة للنعماني: 261 و262/ باب 14/ ح 11.
(441) الغيبة للنعماني: 262 و263/ باب 14/ ح 13.