أعلام الهداية / الإمام المهدي (عليه السلام) خاتم الأوصياء (عليهم السلام)

أعلام الهداية/ الإمام المهدي (عليه السلام) خاتم الأوصياء (عليهم السلام)

تأليف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)

الفهرس

كلمة الناشر
الباب الأول
الفصل الأول: الإمام المهدي المنتظر في سطور

الفصل الثاني: المهدي الموعود (عليه السلام) وغيبته في بشارات الأديان
فالبشارات بالمنقذ في الكتب المقدسة

رسوخ الفكرة في الديانتين اليهودية والنصرانية

الإيمان بالمصلح العالمي في الفكر غير الديني

طول عمر المصلح في الفكر الانساني

الإيمان بالمهدي (عليه السلام) تجسيد لحاجة فطرية
موقف الفكر الانساني من غيبة المهدي (عليه السلام)

الفكر الديني يؤمن بظهور المصلح العالمي بعد غيبة

الاختلاف في تشخيص هوية المنقذ العالمي
الخلط بين البشارات وتأويلها

منهج لحل الاختلاف

المهدي الإمامي وحل الاختلاف

رأي القاضي الساباطي

البشارات السماوية لا تنطبق على غير المهدي الإمامي

البشارات وغيبة الإمام الثاني عشر

البشارات وخصوصيات المهدي الإمامي

البشارات وأوصاف المهدي الإمامي

الإهتداء إلى هوية المنقذ على ضوء البشارات

الاستناد الى بشارات الكتب السابقة ومشكلة التحريف

الاستناد الى ما صدّقه الاسلام من البشارات

تأثير البشارات في صياغة العقيدة المهدوية
نتائج البحث

الفصل الثالث: المهدي الموعود عليه السلام وغيبته في القرآن
1 ـ عدم خلو الزمان من الإمام

الإمام المنقذ من الضلالة

المواصفات القرآنية لإمام الهدى

مصداق الإمام في عصرنا الحاضر

2 ـ في كل زمان إمام شهيد على اُمته
صفات الشهيد الإمام
الشهيد عنده (علم الكتاب)

3 ـ لا يخلو زمان من هاد الى الله بأمره

معنى الهادي في القرآن
الفصل الرابع: المهدي الموعود وغيبته في المتفق عليه من السنة
1 ـ حديث الثقلين

اللفظ المتواتر: كتاب الله وعترتي

دلالات الحديث على وجود الإمام

مصداق أهل البيت عليهم السلام

عصمة الإمام وتوفر شروط الحديث

مصداق الحديث في العصر الحاضر

2 ـ احاديث الخلفاء الاثني عشر

ألفاظ الأحاديث
دلالاتها على وجود الإمام المهدي

ترابط أحاديث حجة الوداع

مصداق الخلفاء الاثني عشر

دراسة الأحاديث مستقلة

دلالة الواقع التأريخي
اتصال وجود الخلفاء الإثني عشر

ائمة العترة هم المصداق الوحيد

أدلة التطبيق

الاتفاق على أن المهدي خاتم الخلفاء الاثني عشر
3 ـ حديث الأمة الظاهرة القائمة بأمر الله
4 ـ أحاديث عدم خلو الزمان من الإمام القرشي المنقذ من الميتة الجاهلية

معنى (الأمر) في الكتاب والسنة
الباب الثاني
الفصل الأول: نشأة الإمام محمد بن الحسن المهدي عليهما السلام
تأريخ الولادة

تواتر خبر ولادته (عليه السلام)

كيفية ظروف الولادة

الإخبار المسبق عن خفاء الولادة

خفاء الولادة علامة المهدي الموعود (عليه السلام)
الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام المهدي عليه السلام

الفصل الثالث: الإمام المهدي في ظل أبيه (عليهما السلام)

دور الإمام العسكري (عليه السلام) في إعلان الولادة

حضوره وفاة أبيه (عليه السلام)
الباب الثالث
الفصل الأول: الغيبة الصغرى للإمام المهدي عليه السلام
تسلّمه مهام الإمامة صغيراً

صلاته على أبيه وإعلان وجوده

أهدافه عليه السلام من الصلاة على أبيه

غيبتا الإمام المهدي (عليه السلام)
الفصل الثاني: أسباب الغيبة الصغرى والتمهيد لها
أسباب الغيبة الصغرى

تمهيد النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام)

تعقيب السلطة العباسيّة لخبر الإمام عليه السلام
الفصل الثالث: إنجازات الإمام المهدي عليه السلام في الغيبة الصغرى
إثبات وجوده وإمامته عليه السلام

إكمال ما تحتاجه الأمة من معارف الاسلام

تثبيت نظام النيابة

حفظ الكيان الايماني

اصدار الرسائل (التوقيعات)

لقاء الإمام المهدي (عليه السلام) بأتباعه المؤمنين

إعلان انتهاء الغيبة الصغرى
الباب الرابع
الفصل الأول: الغيبة الكبرى للإمام المهدي عليه السلام وأسبابها
الاطار العام لتحرك الامام (عليه السلام)

علل الغيبة في الأحاديث الشريفة

1 ـ استجماع تجارب الأمم السابقة
2 ـ العامل الأمني

3 ـ السماح بوصول الحق للجميع لخروج ودائع الله

4 ـ التمحيص الاعدادي لجيل الظهور

5 ـ اتضاح عجز المدارس الاخرى

6 ـ حفظ روح الرفض للظلم

7 ـ صلاح أمره وأمر المؤمنين به

8 ـ عدم توفّر العدد المطلوب من الأنصار

الفصل الثاني: إنجازات الإمام المهدي في غيبته الكبرى
رعايته للكيان الإسلامي

حفظ الاسلام الصحيح وتسديد العمل الاجتهادي

تسديد الفقهاء في عصر الغيبة

أصحاب الإمام عليه السلام في غيبته الكبرى

الالتقاء بالمؤمنين في غيبته الكبرى

ترسيخ الايمان بوجوده

حضور موسم الحج

الفصل الثالث: تكاليف عصر الغيبة الكبرى
أهمية الانتظار

حقيقة الانتظار

شروط الانتظار

الانتظار وتوقّع الظهور الفوري
الباب الخامس
الفصل الأول: علائم ظهور الإمام المهدي عليه السلام
ملاحظات بشأن علائم الظهور

العلائم الحتمية وغير الحتمية

اللغة الرمزية في أحاديث العلامات

أبرز علائم الظهور

زوال علل الغيبة

تأريخ ظهور الإمام المهدي عليه السلام
مكان ظهوره ـ عجل الله فرجه ـ وانطلاقة ثورته

وقفة عند خطبتي إعلان الثورة

إعلان أهداف الثورة

الاستجابة لاستنصاره ومبايعته

خروجه الى الكوفة وتصفية الجبهة الداخلية

دخوله بيت المقدس ونزول عيسى عليهما السلام
قتل الدجال وإنهاء حاكمية الحضارات المادية

سيرته سيرة جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله)

إحياء السنة وآثار النبي (صلى الله عليه وآله)

شدته مع نفسه ورأفته باُمته

سيرته القضائية

سيرته تجاه الأديان والمذاهب
محاربة البدع ونفي تحريف الغالين والمبطلين

سيرته الادارية

سيرته الجهادية

سيرته المالية
الصورة العامة للدولة المهدوية في النصوص الشرعية

قبسات من تراث الإمام المهدي عليه السلام

من كلامه في التوحيد ونبذ الغلّو

في علة الخلق وبعث الأنبياء وتعيين الأوصياء

في مقام الأئمة (عليهم السلام)

في انتظام نظام الإمامة وعدم خلو الأرض من الحجة

تقوى الله والنجاة من الفتن

رعايته للمسلمين

الاستعداد الدائم للظهور

نماذج من أجوبته القصيرة

نماذج من أدعيته وزياراته

كلمة الناشر
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة

الحمد لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً لعباده، لاسيما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله الميامين النجباء.
لقد خلق الله الإنسان وزوّده بعنصري العقل والإرادة، فبالعقل يبصر ويكتشف الحقّ ويميّزه عن الباطل، وبالإرادة يختار ما يراه صالحاً له ومحقّقاً لأغراضه وأهدافه.
وقد جعل الله العقل المميِّز حجّةً له على خلقه، وأعانه بما أفاض على العقول من معين هدايته؛ فإنّه هو الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، وأرشده إلى طريق كماله اللائق به، وعرّفه الغاية التي خلقه من أجلها، وجاء به إلى هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها.
وأوضح القرآن الحكيم بنصوصه الصريحة معالم الهداية الربّانية وآفاقها ومستلزماتها وطرقها، كما بيّن لنا عللها وأسبابها من جهة، وأسفر عن ثمارها ونتائجها من جهة اُخرى.
قال تعالى:
(قُلْ إنّ هُدى الله هو الهُدى) (الأنعام (6): 71).
(والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) (البقرة (2): 213).
(والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل) (الأحزاب (33): 4).
(ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم) (آل عمران (3): 101).
(قل الله يهدي للحقّ أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتَّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يُهدى فمالكم كيف تحكمون) (يونس (10): 35).
(ويرى الذين اُوتوا العلم الذي اُنزل اليك من ربّك هو الحقّ ويهدي إلى صراط العزيز الحميد) (سبأ (34): 6).
(ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله) (القصص (28):50).
فالله تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم. وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم.
ولقد أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال، ومن هناقال تعالى: (وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ) (الذاريات (51):56). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، صارت المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال.
وبعد أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليوفر له وقود الحركة نحو الكمال؛ لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة والهوى الناشئ منهما، والملازم لهما. فمن هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة ـ الى ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية؛ كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته.
ومن هنا اقتضت سُنّة الهداية الربّانية أن يُسند عقل الإنسان عن طريق الوحي الإلهي، ومن خلال الهداة الذين اختارهم الله لتولِّي مسؤولية هداية العباد، وذلك عن طريق توفير تفاصيل المعرفة وإعطاء الإرشادات اللازمة لكلّ مرافق الحياة.
وقد حمل الأنبياء وأوصياؤهم مشعل الهداية الربّانية منذ فجر التاريخ وعلى مدى العصور والقرون، ولم يترك الله عباده مهملين دون حجّة هادية وعلم مرشد ونور مُضيء، كما أفصحت نصوص الوحي ـ مؤيّدةً لدلائل العقل ـ بأنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله على خلقه، لئلاّ يكون للناس على الله حجّة، فالحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، ولو لم يبق في الأرض إلاّ اثنان؛ لكان أحدهما الحجّة. وصرّح القرآن ـ بشكل لا يقبل الريب ـ قائلاً: (إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد) (الرعد (13): 7).
ويتولّى أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في:
1 ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) (الأنعام (6): 124) و(الله يجتبي من رسله من يشاء) (آل عمران (3): 179).
2 ـ إبلاغ الرسالة الإلهية الى البشرية ولمن اُرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في (الاستيعاب والإحاطة اللازمة) بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها، و(العصمة) عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى: (كان الناسُ اُمّةً واحدةً فبعث الله النبيِّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتابَ بالحقّ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) (البقرة (2): 213).
3 ـ تكوين اُمّة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالى: (يزكّيهم ويعلّمهم الكتابَ والحكمة) (الجمعة (62): 2) والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله اُسوة حسنة) (الاحزاب (33): 21).
4 ـ صيانة الرسالة من الزيغ والتحريف والضياع في الفترة المقرّرة لها، وهذه المهمة أيضاً تتطلّب الكفاءة العلمية والنفسية. والتي تسمى العصمة.
5 ـ العمل لتحقيق أهداف الرسالة المعنوية وتثبيت القيم الأخلاقية في نفوس الأفراد وأركان المجتمعات البشرية وذلك بتنفيذ الاُطروحة الربّانية، وتطبيق قوانين الدين الحنيف على المجتمع البشري من خلال تأسيس كيان سياسيٍّ يتولّى إدارة شؤون الاُمّة على أساس الرسالة الربّانية للبشرية، ويتطلّب التنفيذ قيادةً حكيمةً، وشجاعةً فائقةً، وصموداً كبيراً، ومعرفةً تامّةً بالنفوس وبطبقات المجتمع والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية وقوانين الإدارة والتربية وسنن الحياة، ونلخّصها في الكفاءة العلمية لإدارة دولة عالمية دينية، هذا فضلاً عن العصمة التي تعبّر عن الكفاءة النفسية التي تصون القيادة الدينية من كلّ سلوك منحرف أو عمل خاطى بإمكانه أن يؤثّر تأثيراً سلبيّاً على مسيرة القيادة وانقياد الاُمّة لها بحيث يتنافى مع أهداف الرسالة وأغراضها.
وقد سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي، واقتحموا سبيل التربية الشاقّ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب، وقدّموا في سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني من أجل مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة، ولم يتلكّؤا طرفة عين.
وقد توّج الله جهودهم وجهادهم المستمرّ على مدى العصور برسالة خاتم الأنبياء محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم وحمّله الأمانة الكبرى ومسؤولية الهداية بجميع مراتبها، طالباً منه تحقيق أهدافها. وقد خطا الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة، وحقّق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الثورية، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من الزمن ما يلي:
1 ـ تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي على عناصر الديمومة والبقاء.
2 ـ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ والانحراف.
3 ـ تكوين اُمّة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً، وبالرسول قائداً، وبالشريعة قانوناً للحياة.
4 ـ تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسيٍّ يحمل لواء الإسلام ويطبّق شريعة السماء.
5 ـ تقديم الوجه المشرق للقيادة الربّانية الحكيمة المتمثّلة في قيادته صلى الله عليه وآله وسلم.
ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري:
أ ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدوائر.
ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال؛ على يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته.
ومن هنا كان التخطيط الإلهيّ يحتّم على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إعداد الصفوة من أهل بيته، والتصريح بأسمائهم وأدوارهم؛ لتولّي مهمة إدامة الحركة النبويّة العظيمة والهداية الربّانية الخالدة بأمر من الله سبحانه وصيانة للرسالة الإلهية التي كتب الله لها الخلود من تحريف الجاهلين وكيد الخائنين، وتربية الأجيال على قيم ومفاهيم الشريعة المباركة التي تولّوا تبيين معالمها وكشف أسرارها وذخائرها على مرّ العصور، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وتجلّى هذا التخطيط الربّاني في ما نصّ عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).
وكان أئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم خير من عرّفهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من الله تعالى لقيادة الاُمّة من بعده.
إنّ سيرة الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) تمثّل المسيرة الواقعية للإسلام بعد عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة الإسلام الأصيل الذي أخذ يشقّ طريقه إلى أعماق الاُمّة ووجدانها بعد أن أخذت طاقتها الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ الأئمّة المعصومون (عليهم السلام) يعملون على توعية الاُمّة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة ولحركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وثورته المباركة، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والاُمّة جمعاء.
وتبلورت سيرة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم صلى الله عليه وآله وسلم وانفتاح الاُمّة عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم، فكانوا هم الأدلاّء على الله لنيل مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّته، والذائبين في الشوق اليه، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود.
وقد حفلت حياتهم بأنواع الجهاد والصبر على طاعة الله وتحمّل جفاء أهل الجفاء؛ حتّى ضربوا أعلى أمثلة الصمود لتنفيذ أحكام الله تعالى، ثم اختاروا الشهادة مع العزّ على الحياة مع الذّل فيها، حتى فازوا بلقاء الله سبحانه بعد كفاح عظيم وجهاد كبير.
ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا سيرتهم العطرة ويدّعوا دراستها بشكل كامل. ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من سيرتهم، وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون، واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق.
إنّ دراستنا لحركة أهل البيت (عليهم السلام) الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ونتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله.
ويختصّ هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام المنتظر محمد بن الحسن المهدي الذي وعد الله به الاُمم أن يملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
ولا بدَّ لنا من ذكر كلمة شكر لكلّ العاملين الذين بذلوا جهداً في إخراج هذا المشروع، لا سيما لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم حفظه الله تعالى.
نشكر الله تعالى على التوفيق العظيم الذي مَنَّ به علينا لانجاز هذه الموسوعة المباركة إنّه نعم المولى ونعم النصير.

المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)

الباب الاول
الفصل الأول: الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) في سطور

إنّ قضية الإمام المهدي المنتظر الذي بشّر به الإسلام وبشّرت به الأديان من قبل، قضية انسانية قبل أن تكون دينية أو إسلامية؛ فإنها تعبير دقيق عن ضرورة تحقق الطموح الإنساني بشكله التام.
وقد تميّز مذهب أهل البيت (عليهم السلام) بالاعتقاد بالإمامة محمّد بن الحسن المهدي (عليه السلام) الذي ولد في سنة 255 هـ، واستلم زمام الأمر وتصدى لمسؤولياته القيادية سنة 260 هـ. وهو الآن حي يرزق يقوم بمهامّه الرسالية من خلال متابعته الأحداث فهو يعاصر التطورات ويرقب الظروف التي لابد من تحققها كي يظهر الى العالم الإنساني بعد أن تستنفذ الحضارات الجاهلية كل ما لديها من قدرات وطاقات، وتتفتح البشرية بعقولها وقلوبها لتلقّي الهدي الإلهي من خلال قائد ربّاني قادر على قيادة العالم أجمع، كما يريده الله له.
وهذا الإمام الثاني عشر هو من أهل البيت الذين نصّ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) على إمامتهم وبشّر بهم وبمستقبلهم اُمته. وقد تحقّقت ولادته في ظروف حرجة جداً لم تكن لتسمح بالاعلان العام عن ولادته، ولكنّ أباه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وعدّة من أهل بيته وأقربائه كحكيمة ونسيم وغيرهما قد شهدوا ولادته وأعلنوا فرحهم وسرورهم بذلك. وأطلع شيعته واتباعه على ولادته وحياته وأنه إمامهم الثاني عشر الذي بشّر به خاتم الرسل (صلى الله عليه وآله) وتبعه نشاط الإمام المهدي (عليه السلام) نفسه طيلة خمس سنوات من أجوبة المسائل والحضور في الأماكن الخاصة التي كان يؤمن فيها عليه من ملاحقة السلطة، وبعد استشهاد أبيه، أقام الأدلّة القاطعة على وجوده حتى استطاع أن يبدّد الشكوك حول ولادته ووجوده وإمامته ويمسك بزمام الاُمور ويقوم بالمهام الكبرى وهو في مرحلة الغيبة الصغرى كل ذلك في خفاء من عيون الحكّام وعمّالهم.
واستمرّ بالقيام بمهامّه القيادية في مرحلة الغيبة الكبرى بعد تمهيد كاف لها وتعيينه لمجموعة الوظائف والمهام القيادية للعلماء بالله، الاُمناء على حلاله وحرامه ليكونوا نوّابه على طول خط الغيبة الكبرى وليقوموا بمهام المرجعية الدينية في كل الظروف التي ترافق هذه المرحلة حتى تتوفر له مقدّمات الظهور للاصلاح الشامل الذي وعد الله به الاُمم.
لقد بدأت غيبته الكبرى سنة (329 هـ) ولازالت هذه الغيبة مستمرة حتّى عصرنا هذا.
وقد مارس الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) خلال مرحلة الغيبة الصغرى نشاطاً مكثّفاً وهو مستتر عن عامّة أتباعه لتثبيت موقعه كإمام مفترض الطاعة، وأنه الذي ينبغي للاُمة أن تنتظر خروجه وقيامه حين تتوفّر الظروف الملائمة لثورته العالمية الشاملة.
وقد واصل الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) ارتباطه بأتباعه من خلال نوّابه الأربعة خلال مرحلة الغيبة الصغرى، غير أنها انتهت قبل أن تكتشف السلطة محل تواجد الامام ونشاطه، وانقطعت الاُمة عن الارتباط بوكلائه عند اعلانه انتهاء الغيبة الصغرى، وبقي يمارس مهامّه القيادية وينفع الاُمة كما تنتفع بالشمس إذا ظللها السحاب.
وقد ترك الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) للاُمة الإسلامية خلال مرحلة الغيبة الصغرى، تراثاً غنياً لا يمكن التغافل عنه.
وهو لا يزال يمارس ما يمكنه من مهامه القيادية خلال مرحلة الغيبة الكبرى. وهو ينتظر مع سائر المنتظرين اليوم الذي يسمح له الله سبحانه فيه أن يخرج ويقوم بكل استعداداته وطاقاته التي أعدّها وهيّأها الله له ليملأ الأرض عدلاً بعد أن تُملأ ظلماً وجوراً. وذلك بعد أن تتهيّأ كل الظروف الموضوعية اللازمة من حيث العدد والعدّة، وسائر الظروف العالمية التي ستمهّد لخروجه وظهوره كقائد ربّاني عالمي، وتفجير ثورته الإسلامية الكبرى، وتحقيق أهداف الدين الحق وذلك حين ظهوره على الدين كلّه ولو كره المشركون.

الفصل الثاني: المهدي الموعود (عليه السلام) وغيبته في بشارات الأديان

علاقة الإيمان بالمصلح العالمي يعتبر الايمان بحتمية ظهور المصلح الديني العالمي وإقامة الدولة الإلهية العادلة في كل الأرض من نقاط الاشتراك البارزة بين جميع الأديان(1)، والاختلاف فيما بينها إنّما هو في تحديد هوية هذا المصلح الديني العالمي الذي يحقق جميع أهداف الأنبياء (عليهم السلام).
وقد استعرض الدكتور محمد مهدي خان في الأبواب الستة الاُولى من كتابه (مفتاح باب الأبواب) آراء الأديان الستة المعروفة بشأن ظهور النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) ثم بشأن المصلح العالمي المنتظر وبيّن أن كلَّ دين منها بشّر بمجيء هذا المصلح الإلهي في المستقبل أو في آخر الزمان ليصلح العالم وينهي الظلم والشر ويحقق السعادة المنشودة للمجتمع البشري.(2) كما تحدث عن ذلك الميرزا محمد الاستربادي في كتابه (ذخيرة الأبواب) بشكل تفصيلي، ونقل طرفاً من نصوص وبشارات الكثير من الكتب السماوية لمختلف الأقوام بشأنه.
وهذه الحقيقة من الواضحات التي أقرَّ بها كل مَن درس عقيدة المصلح العالمي حتى الذين أنكروا صحتها أو شككوا فيها كبعض المستشرقين مثل جولد زيهر المجري في كتابه (العقيدة والشريعة في الإسلام)،(3) فاعترفوا بأنها عقيدة عريقة للغاية في التأريخ الديني وجدت حتى في القديم من كتب ديانات المصريين والصينيين والمغول والبوذيين والمجوس والهنود والأحباش فضلاً عن الديانات الكبرى الثلاث: اليهودية والنصرانية والإسلامية.(4)
فالبشارات بالمنقذ في الكتب المقدسة:
والملاحظ في عقائد هذه الأديان بشأن المصلح العالمي أنها تستند الى نصوص واضحة في كتبهم المقدسة القديمة وليس الى تفسيرات عرضها علماؤهم لنصوص غامضة حمّالة لوجوه تأويلية متعددة.(5)
وهذه الملاحظة تكشف عراقة هذه العقيدة وكونها تمثل أصلاً مشتركاً في دعوات الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ، حيث ان كل دعوة نبوية ـ وعلى الأقل الدعوات الرئيسة والكبرى ـ تُمثل خطوة على طريق التمهيد لظهور المصلح الديني العالمي الذي يحقق أهداف هذه الدعوات كافة.(6)
كما أن للتبشير بحتمية ظهور هذا المصلح العالمي تأثيراً على هذه الدعوات فهو يشكل عامل دفع لاتباع الأنبياء للتحرك باتجاه تحقيق أهداف رسالتهم والسعي للمساهمة في تأهيل المجتمع البشري لتحقيق أهداف جميع الدعوات النبوية كاملة في عصر المنقذ الديني العالمي.
ولذلك كان التبشير بهذه العقيدة عنصراً أصيلاً في نصوص مختلف الديانات والدعوات النبوية.
رسوخ الفكرة في الديانتين اليهودية والنصرانية
إن الإيمان بفكرة ظهور المصلح ثابت عند اليهود مدوّن في التوراة والمصادر الدينية المعتبرة عندهم، وقد فصّل الحديث عن هذه العقيدة عند اليهود كثير من الباحثين المعاصرين خاصةً في العالم الغربي مثل جورج رذرفورد في كتابه (ملايين من الذين هم أحياء اليوم لن يموتوا أبداً)، والسناتور الأميركي بول منزلي في كتابه (من يجرؤ على الكلام) والباحثة غريس هالسل في كتابها (النبوءة والسياسة). وغيرهم كثير.(7)
فكل مَن درس الديانة اليهودية التفت الى رسوخ هذه العقيدة فيها. والنماذج التي ذكرناها آنفاً من هذه الدراسات اختصت بعرض هذه العقيدة بالذات عند اليهود والآثار السياسية التي أفرزتها نتيجة لتحرك اليهود انطلاقاً من هذه العقيدة، وفي القرون الأخيرة خاصة بهدف الاستعداد لظهور المنقذ العالمي الذي يؤمنون به.
وسبب هذا التحرك هو أن عقيدة اليهود في هذا المجال تشتمل على تحديد زمني لبدء مقدمات ظهور المنقذ العالمي؛ الذي يبدأ من عام (1914) للميلاد ـ وهو عام تفجر الحرب العالمية الاُولى كما هو معروف ـ، ثم عودة الشتات اليهودي الى فلسطين وإقامة دولتهم التي يعتبرونها من المراحل التمهيدية المهمة لظهور المنقذ الموعود، ويعتقدون بأن العودة الى فلسطين هي بداية المعركة الفاصلة التي تنهي وجود الشر في العالم ويبدأ حينئذ حكم الملكوت في الأرض لتصبح الأرض فردوساً).(8)
وبغض النظر عن مناقشة صحة ماورد من تفصيلات في هذه العقيدة عند اليهود، إلاّ أن المقدار الثابت هو أنها فكرة متأصلة في تراثهم الديني وبقوة بالغة مكّنت اليهودية ـ من خلال تحريف تفصيلاتها ومصاديقها ـ أن تقيم على أساسها تحركاً استراتيجياً طويل المدى وطويل النفس، استقطبت له الطاقات اليهودية المتباينة الأفكار والاتجاهات، ونجحت في تجميع جهودها وتحريكها باتجاه تحقيق ما صوّره قادة اليهودية لأتباعهم بأنه مصداق التمهيد لظهور المنقذ الموعود.
وواضح أنّ الايمان بهذه العقيدة لو لم يكن راسخاً ومستنداً الى جذور عميقة في التراث الديني اليهودي لما كان قادراً على إيجاد مثل هذا التحرك الدؤوب ومن مختلف الطاقات والاتباع، فمثل هذا لا يتأتى من فكرة عارضة أو طارئة لا تستند الى جذور راسخة مجمع عليها.
كما آمن النصارى بأصل هذه الفكرة استناداً الى مجموعة من الآيات والبشارات الموجودة في الإنجيل والتوراة. ويصرح علماء الإنجيل بالايمان بحتمية عودة عيسى المسيح في آخر الزمان ليقود البشرية في ثورة عالمية كبرى يعم بعدها الأمن والسلام كل الأرض كما يقول القس الالماني فندر في كتابه (ميزان الحق)(9) وأنه يلجأ الى القوة والسيف لإقامة الدولة العالمية العادلة. وهذا هو الاعتقاد السائد لدى مختلف فرق النصارى.
الإيمان بالمصلح العالمي في الفكر غير الديني:
الملاحظ أن الايمان بحتمية ظهور المصلح العالمي ودولته العادلة التي تضع فيها الحرب أوزارها ويعم السلام والعدل في العالم لا يختص بالأديان السماوية بل يشمل المدارس الفكرية والفلسفية غير الدينية أيضاً. فنجد في التراث الفكري الإنساني الكثير من التصريحات بهذه الحتمية، فمثلاً يقول المفكر البريطاني الشهير برتراند رسل: (إن العالم في انتظار مصلح يُوحّده تحت لواء واحد وشعار واحد).(10) ويقول العالم الفيزياوي المعروف ألبرت اينشتاين صاحب النظرية النسبية: (إن اليوم الذي يسود العالمَ كله فيه السلام والصفاء ويكونُ الناس متحابين متآخين ليس ببعيد).(11)
وأدق وأصرح من هذا وذاك ما قاله المفكر الايرلندي المشهور برناردشو، فقد بشّر بصراحة بحتمية ظهور المصلح وبلزوم أن يكون عمره طويلاً يسبق ظهوره؛ بما يقترب من عقيدة الإمامية في طول عمر الإمام المهدي (عليه السلام)؛ ويرى ذلك ضرورياً لإقامة الدولة الموعودة، قال في كتابه (الانسان السوبرمان) ـ وحسب ما نقله عنه الدكتور عباس محمود العقاد في كتابه عن برناردشو ـ في وصف المصلح بأنه: (إنسانٌ حيٌ ذو بنية جسدية صحيحة وطاقة عقلية خارقة، إنسانٌ أعلى يترقى إليه هذا الانسان الأدنى بعد جهد طويل، وأنه يطول عمُرهُ حتى ينيف على ثلاثمائة سنة ويستطيع أن ينتفع بما استجمعه من أطوار العصور وما استجمعه من أطوار حياته الطويلة).(12)
طول عمر المصلح في الفكر الانساني:
إن الأوصاف التي يذكرها المفكر الايرلندي للمصلح العالمي من الكمال الجسمي والعقلي وطول العمر والقدرة على استجماع خبرات العصور والأطوار بما يمكنه من انجاز مهمته الاصلاحية الكبرى قريبة من الأوصاف التي يعتقد بها مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي المنتظر (عليه السلام) وغيبته.
وقضية طول العمر في هذا المصلح العالمي التي أكد ضرورتها برناردشو؛ تشيرُ الى إدراك الفكر الإنساني لضرورة أن يكون المصلح العالمي مستجمعاً عند ظهوره لتجارب العصور لكي يكون قادراً على إنجاز مهمته،(13) وهذه الثمرة متحصلة من غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) الطويلة حسب عقيدة الإمامية الاثني عشرية، ولكن الفرق هو أن عقيدتنا في الإمام المعصوم تقول بأنه مستجمع منذ البداية لهذه الخبرة والثمار المرجوة من طول عمره، فهو (عليه السلام) مؤهّل بدءاً لأداء مهمته الاصلاحية الكبرى ومسددٌ إلهياً لإنجازها، قادرٌ عليها متى ما تهيأت الأوضاع الملائمة لظهوره. وانّ طول الغيبة يؤدي الى اكتساب أنصاره والمجتمع البشري واقتطافهم لهذه الثمار فيستجمعونها جيلاً بعد آخر.(14)
الإيمان بالمهدي (عليه السلام) تجسيد لحاجة فطرية:
إنّ ظهور الإيمان بفكرة حتمية ظهور المنقذ العالمي في الفكر الإنساني عموماً يكشف عن وجود أسس متينة قوية تستند إليها تنطلق من الفطرة الانسانية، بمعنى أنها تعبّر عن حاجة فطرية عامة يشترك فيها بنو الانسان عموماً، وهذه الحاجة تقوم على ما جُبل عليه الإنسان من تطلّع مستمر للكمال بأشمل صوره وأن ظهور المنقذ العالمي وإقامة دولته العادلة في اليوم الموعود يُعبّر عن وصول المجتمع البشري الى كماله المنشود.
يقول العلامة الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره): (ليس المهدي (عليه السلام) تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوانٌ لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري أدرك الناس من خلاله ـ على تنوع عقائدهم ووسائلهم الى الغيب ـ أن للانسانية يوماً موعوداً على الأرض تحقق فيه رسالات السماء مغزاها الكبير وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مرِّ التأريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناء طويل.
بل لم يقتصر هذا الشعور الغيبي، والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتد الى غيرهم أيضاً وانعكس حتى على أشد الايدلوجيات والاتجاهات رفضاً للغيب، كالمادية الجدلية التي فسرت التاريخ على أساس التناقضات وآمنت بيوم موعود، تُصفّى فيه كل تلك التناقضات ويسودُ فيه الوئامُ والسلامُ.
وهكذا نجد أن التجربة النفسية لهذا الشعور والتي مارستها الإنسانية على مرّ الزمن من أوسع التجارب النفسية وأكثرها عموماً بين بني الانسان).(15)
إذن فالإيمان بالفكرة التي يجسدها المهدي الموعود هي من اكثر وأشد الأفكار انتشاراً بين بني الانسان كافة لأنها تستند الى فطرة التطلع للكمال بأشمل صوره، أي أنها تعبّر عن حاجة فطرية، ولذلك فتحققها حتمي؛ لأن الفطرة لا تطلب ماهو غير موجود كما هو معلوم.
موقف الفكر الانساني من غيبة المهدي (عليه السلام):
إنّ الفكر الانساني لا يرى مانعاً من طول عمر هذا المصلح العالمي الذي يتضمنه الإيمان بغيبته وفقاً لمذهب أهل البيت (عليه السلام)، بل يرى طول عمره أمراً ضرورياً للقيام بمهمته الإصلاحيّة الكبرى كما لاحظنا في كلام المفكر الإيرلندي برناردشو. وعليه فالفكر الانساني العام لا يرفض مبدئياً الإيمان بالغيبة إذا كانت الأدلة المثبتة لها مقبولة عقلياً.
وقد تناول العلماء ايضاح الإمكان العقلي لطول عمر الإمام المهدي وعدم تعارضه مع أي واحد من القوانين العقلية، كما فعل الشيخ المفيد في كتابه (الفصول العشرة في الغيبة) والسيد المرتضى في رسالته (المقنع في الغيبة) والعلاّمة الكراجكي في رسالته (البرهان على طول عمر إمام الزمان (عليه السلام)) التي تضمنها كتابه كنز الفوائد في جزئه الثاني، والشيخ الطبرسي في (اعلام الورى)، والسيد الصدر في بحثه عن المهدي وغيرهم كثير، بل قلّما يخلو كتاب من كتب الغيبة عن مناقشة هذا الموضوع والاستدلال عليه.
الفكر الديني يؤمن بظهور المصلح العالمي بعد غيبة
إن الإجماع على حتمية ظهور المصلح العالمي مقترنٌ بالإيمان بأن ظهوره يأتي بعد غيبة طويلة، فقد آمن اليهود بعودة عزير أو منحاس بن العازر بن هارون، وآمن النصارى بغيبة المسيح وعودته، وينتظر مسيحيو الأحباش عودة ملكهم تيودور كمهدي في آخر الزمان، وكذلك الهنود آمنوا بعودة فيشنوا، والمجوس بحياة أوشيدر، وينتظر البوذيون عودة بوذا ومنهم مَن ينتظر عودة ابراهيم (عليه السلام) وغير ذلك.(16)
إذن قضية الغيبة قبل ظهور المصلح العالمي ليست مستغربة لدى الأديان السماوية، ولا يمكن لمنصف أن يقول بأنها كلّها قائمة على الخرافات والأساطير، فالخرافات والأساطير لا يمكن أن توجد فكرة متأصلة بين جميع الأديان دون أن ينكر أي من علمائها أصل هذه الفكرة، فلم ينكر أحدٌ منهم أصل فكرة الغيبة وإن أنكر مصداق الغائب المنتظر في غير الدين الذي اعتنقه وآمن بالمصداق الذي ارتضاه.
إنّ انتشار أصل هذه الفكرة في جميع الأديان السماوية كاشفٌ عن أرضية اعتقادية مشتركة رسخها الوحي الإلهي فيها جميعاً، ودعمتها تجارب الأنبياء (عليهم السلام) التي شهدت غيبات متعددة مثل غيبة ابراهيم الخليل وعودته، وغيبة موسى عن بني اسرائيل وعودته اليهم بعد السنين التي قضاها في مدين، وغيبة عيسى (عليه السلام) وعودته في آخر الزمان التي أقرّتها الآيات الكريمة واتفق عليها المسلمون من خلال ورودها في الأحاديث النبوية الشريفة، وغيبة نبي الله إلياس التي قال بها أهل السنة كما صرّح بذلك مفتي الحرمين الكنجي الشافعي في الباب الخامس والعشرين من كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان)، وصرّح كذلك بايمان أهل السنة بغيبة الخضر (عليه السلام) وهي مستمرة الى ظهور المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان حيث يكون وزيره.(17)
بل إن انتشار فكرة غيبة المصلح العالمي في الأديان السابقة قد تكون مؤشراً على وجود نصوص سماوية صريحة بذلك كما سنلاحظ ذلك في نموذج النبوة الواردة في سفر الرؤيا من الكتاب المقدس والتي طبقها الباحث السني سعيد أيوب على المهدي الإمامي.
أما الاختلاف في تشخيص هوية المصلح الغائب فهو ناشئ من الخلط بين النصوص المخبرة عن غيبات بعض الانبياء (عليهم السلام) وبين النصوص المتحدثة عن غيبة المصلح العالمي، بدوافع عديدة سنشير إليها لاحقاً.
الاختلاف في تشخيص هوية المنقذ العالمي:
إذن فالإجماع قائم في الأديان السماوية على حتمية اليوم الموعود، وكما قال العلامة المتتبع آية الله السيد المرعشي النجفي في مقدمة الجزء الثالث عشر من (إحقاق الحق): (وليعلم أن الأمم والمذاهب والأديان اتفقت كلمتهم ـ إلاّ من شذ وندر ـ على مجيء مصلح سماوي إلهي ملكوتي لإصلاح ما فسد من العالم وإزاحة ما يرى من الظلم والفساد فيه وإنارة ما غشيه من الظلم، غاية الأمر أنه اختلفت كلمتهم بين من يراه عُزيراً، وبين مَن يراه مسيحاً، ومن يراه خليلاً، ومَن يراه ـ من المسلمين ـ من نسل الإمام مولانا أبي محمد الحسن السبط ومَن يراه من نسل الإمام مولانا أبي عبد الله الحسين السبط الشهيد...).
وإذا اختلفت الأديان بل الفرق والمذاهب المتشعبة عنها في تحديد هوية المصلح العالمي رغم اتفاقهم على حتمية ظهوره وعلى غيبته قبل عودته الظاهرة، فما هو سر هذا الاختلاف؟
يبدو أن سبب هذا الاختلاف يرجع الى تفسير النصوص والبشارات السماوية وتأويلها استناداً الى عوامل خارجة عنها وليس الى تصريحات أو اشارات في النصوص نفسها، وإلى التأثر العاطفي برموز معروفة لاتباع كل دين أو فرقة وتطبيق النصوص عليها ولو بالتأويل، بمعنى أن تحديد هوية المصلح الموعود لا ينطلق من النصوص والبشارات ذاتها بل ينطلق من انتخاب شخصية من الخارج ومحاولة تطبيق النصوص عليها. يُضاف الى ذلك عوامل أخرى سياسية كثيرة لسنا هنا بصدد الحديث عنها، ومعظمها واضحٌ معروف فيما يرتبط بالأديان السابقة وفيما يرتبط بالفرق الاسلامية، ومحورها العام هو: إن الإقرار بما تحدده النصوص والبشارات السماوية والنبوة نفسها ينسف قناعات لدى تلك الأديان وهذه الفرق يسلبها مبرر بقائها الاستقلالي، ومسوغ إصرارها على عقائدها السالفة.
أما بالنسبة للعامل الأول فنقول: إن النصوص والبشارات السماوية وأحاديث الأنبياء وأوصيائهم (عليهم السلام) بشأن المصلح العالمي تتحدث عن قضية ذات طابع غيبي وهو شخصية مستقبلية وعن دور تأريخي كبير يحقق أعظم إنجاز للبشرية على مدى تأريخها ويحقق في اليوم الموعود أسمى طموحاتها، والإنسان بطبعه ميال لتجسيد القضايا الغيبية في مصاديق ملموسة يحس بها، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فكل قوم يتعصبون لشريعتهم ورموزهم وما ينتمون إليه ويميلون أن يكون صاحب هذا الدور التأريخي منهم.
لذا كان من الطبيعي أن يقع الاختلاف في تحديد هوية المصلح العالمي، لأنّ من الطبيعي أن يسعى أتباع كل دين الى اختيار مصداق للشخصية الغيبية المستقبلية التي تتحدث عنها النصوص والبشارات الثابتة في مراجعهم المعتبرة والمعتمدة عندهم ممن يعرفون ويحبون من زعمائهم، يدفعهم لذلك التعصب الشعوري أو اللاشعوري لشريعتهم ورموزها، والرغبة الطبيعية العارمة في أن يكون لهم افتخار تحقق ذاك الدور التأريخي على يد شخصية تنتمي اليهم أو ينتمون إليها.
الخلط بين البشارات وتأويلها
من هنا أخذت كل طائفة تسعى لتطبيق الصفات التي تذكرها تلك النصوص والبشارات المروية لدى كل منها على الشخصية المحبوبة لديها أو أقرب رموزها الى الصفات المذكورة؛ فإذا وجدت بعض تلك الصفات صريحةً في عدم انطباقه على الشخصية التي اختارتها عمدت الى معالجة الأمر بالتأويل والتلفيق، أو بتغييبها أو تحريفها لتنطبق على مَن انتخبته سابقاً أو الخلط بين النصوص والبشارات السماوية ـ الواردة بشأن النبي اللاحق أو المنقذ للعالم في برهة معيّنة أو المصحح لإنحراف اُمة معيّنة ـ وبين النصوص والبشارات الخاصة بالحديث عن المصلح العالمي الذي يقيم الدولة العادلة على كل الأرض في آخر الزمان ويحقق أهداف الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) جميعاً.
منهج لحل الاختلاف
وحيث اتضح سبب الاختلاف في تحديد هوية المصلح العالمي؛ أمكن معرفة سبيل حلّه والتوصل الاستدلالي لمصداقه الحقيقي بصورة علمية سليمة ومقنعة، ويمكن تلخيص مراحله على النحو التالي:
1 ـ تمييز البشارات والنصوص الخاصة بالمصلح العالمي الموعود في آخر الزمان عن غيرها الواردة بشأن نبي أو وصي معين، استناداً الى دلالات نصوص البشارات نفسها ومن مصادرها الأصلية، وكذلك استناداً الى ما تقتضيه المبادئ الأولية المرتبطة بمهام الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) وسيرهم والواقع التأريخي الثابت، وكذلك ما تقتضيه معرفة الثابت من دوره ومهمته الكبرى كمصلح عالمي.
2 ـ تحديد الصفات والخصائص التي تحددها النصوص والبشارات نفسها للمصلح الموعود وبصورة مجتمعة وتوضيح الصورة التي ترسمها له قبل افتراض سابق لمصداق لها، لكي لا تكون الصورة المرسومة له متأثرة بالمصداق المفترض سلفاً.
3 ـ وبعد اكتمال الصورة التجريدية المستفادة، تبدأ عمليّة التعرف على الصفات والخصائص والحقائق التأريخية المذكورة كمصاديق للمصلح العالمي الموعود، ثم عرضها على الصورة التي ترسمها له نصوص البشارات نفسها، والمتحصلة من المرحلتين السابقتين، ليتم بذلك تبيان عدم انسجام صفات المصاديق غير الحقيقية مع تلك الصورة وبالتالي التعرف على المصداق الحقيقي من بينها.
المهدي الإمامي وحل الاختلاف
من المؤكد أن البشارات السماوية الواردة في الكتب المقدسة تهدي الى المهدي المنتظر الذي يقول به مذهب أهل البيت (عليهم السلام) كما سنشير لذلك لاحقاً، وأثبتته دراسات متعددة في نصوص هذه البشارات.(18)
إذن فالتعريف بعقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي المنتظر (عليه السلام) يفتح آفاقاً أوسع للاهتداء للمصداق الحقيقي للمصلح العالمي الذي بشّرت به كل الديانات طبقاً لدلالات نصوص البشارات الواردة في الكتب المقدسة حتى لو كان الايمان الجديد من خلال قناعات أتباع الديانات السابقة.
وكنموذج على تأثير هذا التعريف نشير الى نتيجة تحقيق القاضي جواد الساباطي من أعلام القرن الثاني عشر الهجري، إذ كان في بداية أمره عالماً نصرانياً ثم تعرّف على الاسلام واعتنقه على المذهب السُنّي الذي كان أول ما عرف من الفرق الاسلامية، وألف كتابه المعروف (البراهين الساباطية) في ردِّ النصارى وإثبات نسخ شرائعهم؛ استناداً الى ما ورد في نصوص كتبهم المقدسة.(19)
رأي القاضي الساباطي
تناول القاضي الساباطي إحدى البشارات الواردة في كتاب أشعيا من العهد القديم من الكتاب المقدس بشأن المصلح العالمي، ثم ناقش تفسير اليهود والنصارى لها ودحض تأويلات اليهود والنصارى لها ليخلص الى قوله: (وهذا نصٌّ صريحٌ في المهدي ـ رضي الله عنه ـ حيث أجمع المسلمون انه (رضي الله عنه) لا يحكم بمجرد السمع والظاهر، ومجرد البيّنة بل لا يلاحظ إلا الباطن، ولم يتفق ذلك لأحد من الأنبياء والأولياء).
ثم يقول بعد تحليل النص: (... وقد اختلف المسلمون في المهدي، فأما أصحابنا من أهل السنة والجماعة قالوا: إنه رجل من أولاد فاطمة (عليها السلام)، اسمه محمد واسم أبيه عبدالله واسم اُمه آمنة.
وقال الإماميون: بل هو محمد بن الحسن العسكري الذي ولد سنة خمس وخمسين ومائتين من جارية للحسن العسكري (عليه السلام) اسمها نرجس في (سُرَّ من رأى) في عصر المعتمد ثم غاب سنة(20) ثم ظهر ثم غاب وهي الغيبة الكبرى ولا يرجع بعدها إلا حين يريد الله تعالى.
ولما كان قولهم أقرب لما يتناوله هذا النص وإن هدفي الدفاع عن أُمة محمد (صلى الله عليه وآله) مع قطع النظر عن التعصب لمذهب؛ لذلك ذكرت لك أن ما يدعيه الإمامية يتطابق مع هذا النص).(21)
فنلاحظ هنا أن هذا العالم الخبير بالنصرانية يصرح بانطباق البشارة مورد البحث على المهدي المنتظر طبق ما يعتقده مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، على الرغم من عدم انتمائه الى المذهب الشيعي بعد اعتناقه الاسلام، فخالف رأي المذهب الذي ينتمى إليه في هذا المجال ورجَّح رأي مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وصرّح بانطباق بشارة كتاب أشعيا على هذا الرأي.
والذي أوصله الى الاهتداء للمصداق الحقيقي هو التعرف على رأي الإمامية في المهدي المنتظر (عليه السلام)، وبدون التعرف على هذا الرأي لعله لم يكن ليتوصّل الى المصداق الذي تنطبق عليه البشارات المذكورة ولولا ذلك لكان يقتصر إمّا على رد أقوال النصارى بشأن البشارة المذكورة أو اغفالها اصلاً أو تأويل بعض دلالالتها لتنطبق على رأي المذهب الذي كان ينتمي اليه في المهدي الموعود.
والملاحظة نفسها نجدها في دراسات علماء آخرين من أهل الكتاب بشأن هذه البشارات، فقد أصبح من اليسير عليهم معرفة المصداق الذي تتحدث عنه عندما تعرفوا على رأي مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي المنتظر وخاصة الذين اعتنقوا الاسلام وتهيأت لهم فرصة التعرف على هذا الرأي، وقد أثارهم شدة انطباق ما تذكره البشارات التي عرفوها في كتب دياناتهم السابقة على المهدي المنتظر (عليه السلام) الذي تؤمن به الإمامية؛ الأمر الذي دفعهم الى دراسة هذه البشارات في كتبهم.
والنموذج الآخر هو: ما فعله العلاّمة محمد صادق فخر الاسلام الذي كان نصرانياً واعتنق الاسلام وانتمى لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) وألّف كتابه الموسوعي (أنيس الأعلام) في رد اليهود والنصارى(22) وتناول فيه دراسة هذه البشارات وانطباقها على الإمام محمّد المهدي بن الحسن العسكري (عليهما السلام). مثل ما فعله العلاّمة محمد رضا رضائي الذي أعرض عن اليهودية ـ وقد كان من علمائها ـ واعتنق الاسلام وألّف كتاب (منقول رضائي) الذي بحث فيه أيضاً موضوع تلك البشارات وأثبت النتيجة نفسها.
البشارات السماوية لا تنطبق على غير المهدي الإمامي:
إن من الواضح لمن يمعن النظر في نصوص تلك البشارات السماوية أنها تقدم مواصفات للمصلح العالمي لا تنطبق على غير المهدي المنتظر الإمامي طبقاً لعقيدة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لذلك فإن مَن لم يتعرف على هذه العقيدة لا يستطيع التوصل الى المصداق الذي تتحدث عنه كما نلاحظ ذلك مثلاً في أقوال مفسري الإنجيل بشأن الآيات (1 ـ 17) من سفر الرؤيا الفصل الثاني عشر (مكاشفات يوحنا اللاهوتي) فهم يصرحون بأن (الشخص الذي تتحدث عنه البشارة الواردة في هذه الآيات لم يُولد بعد، لذا فإن تفسيرها الواضح ومعناها البيّن موكول للمستقبل والزمان المجهول الذي سيظهر فيه)،(23) في حين أن هذه الآيات تتحدث بوضوح عن الحكومة الإلهية التي يقيمها هذا الشخص في كل العالم ويقطع دابر الأشرار والشياطين وهي المهمة التي حددتها البشارات الاخرى بأنها محور حركة المصلح العالمي. لكن مفسري الإنجيل لم يستطيعوا تطبيقها على المصداق الذي اختاروه لهذا المصلح وهو السيد المسيح عيسى بن مريم (عليهما السلام) لأن البشارة واردة عن يوحنا اللاهوتي عن السيد المسيح فهو المبشر بمجيء هذا المنقذ، كما أنهم لم يتعرفوا على عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي المنتظر (عليه السلام)، لذلك لم يستطيعوا الاهتداء الى مصداق تلك الآيات.
البشارات وغيبة الإمام الثاني عشر
وهناك باحث من أهل السنّة استطاع الاهتداء الى المصداق الذي تتحدث الآيات المشار اليها عندما تعرّف على عقيدة أهل البيت في المهدي المنتظر ـ سلام الله عليهم اجمعين ـ وهو الاستاذ سعيد أيوب حيث يقول في كتابه (المسيح الدجال) عن هذه الآيات نفسها: (ويقول كعب: مكتوب في أسفار الأنبياء: المهدي ما في عمله عيب) ثم علق على هذا النص بالقول: (وأشهد اني وجدته كذلك في كتب اهل الكتاب، لقد تتبع اهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جده (صلى الله عليه وآله)، فدلت أخبار سفر الرؤيا الى امرأة، يخرج من صلبها اثنا عشر رجلاً، ثم أشار الى امرأة اُخرى: أي التي تلد الرجل الأخير الذي هو من صلب جدته، وقال السفر: إن هذه المرأة ستحيط بها المخاطر، ورمز للمخاطر باسم (التنين) وقال: والتنين وقف أمام المرأة العتيدة حتى تلد، يبتلع ولدها متى ولدت).(24)
أي إن السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام، ولكن بعد ولادة الطفل. يقول باركلي في تفسيره: (عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه). والنص: واختطف الله ولده،(25) أي: إن الله غيّبَ هذا الطفل كما في قول باركلي.
وذكر السفر أن غيبة الغلام ستكون ألفا ومائتين وستين يوم،(26) وهي مدة لها رموزها عند أهل الكتاب، ثم قال: باركلي عن نسل المرأة (الاُولى)
عموماً: (إن التنين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة كما قال: في السفر: فغضب التنين على المرأة، وذهب ليضع حرباً مع باقي نسلها الذي يحفظون وصايا الله).(27)
وعقب الاستاذ سعيد أيوب على ما تقدم بالقول: هذه هي أوصاف المهدي، وهي نفس أوصافه عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ودعم قوله بتعليقات أوردها في الهامش بشأن انطباق الأوصاف على مهدي آل البيت (عليهم السلام).(28)
البشارات وخصوصيات المهدي الإمامي
ويُلاحظ في هذه البشارات الإنجيلية تناولها لخصوصيات في المصلح العالمي لا تنطبق إلا على أبرز ما يميز عقيدة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) والواقع التاريخي الذي مرت به.
إن تناول هذه الخصوصيات الظاهرة بالذات يشير الى حكمة ربانية في هداية الآخرين الى المصداق الحقيقي للمصلح العالمي بأبلغ حجة من خلال الإشارة الى ابرز خصوصياته الظاهرة والمعروفة لكي يكون الاهتداء اليها أيسر، فمثلاً نلاحظ فيها الإشارة الى تعرض مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لمخاطر التصفية والإبادة التي تؤدي بالتالي الى غيبة الإمام الثاني عشر منهم، ثم التأكيد على أن هذا الإمام محفوظ بالرعاية الإلهية في غيبته حتى يحين موعد ظهوره المبارك. ومعلوم أن القول بغيبة الإمام الثاني عشر هو أهم ما يميز عقيدة الامامية في المهدي المنتظر ولذلك وردت الإشارة اليها بالذات تسهيلاً للاهتداء الى المصداق الحقيقي للمنقذ العالمي.
كما وردت اشارات الى مميزات معروفة اخرى تختص بها عقيدة أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، مثل القول بأنّ الإمام المهدي هو الإمام الثاني عشر من سلسلة مباركة متصلة كما تشير لذلك الآيات المتقدمة وبشارات اخرى واردة في الكتب المقدسة، نظير ما ورد في (سفر التكوين من الأصل العبري)،(29) من الوعد على لسان الرب تعالى خطاباً لإبراهيم الخليل (عليه السلام)، بالمباركة والتكثير في صلب اسماعيل بمحمد (صلى الله عليه وآله) والأئمة الاثني عشر من عترته (عليهم السلام).(30) ومعلوم أن مصداق الأئمة الاثني عشر من صلب اسماعيل لم يتحقق بالصورة المتسلسلة المشار اليها في البشارات إلا في الائمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) كما يثبت ذلك الواقع التاريخي فضلاً عن الأحاديث النبوية المتفق على صحتها بين المسلمين،(31) فهي خاصة بهم حتى اصبحت ظاهرة واضحة في التاريخ الاسلامي اُطلقت على المذهب المنتمي لأهل البيت فسمي مذهب الإمامية الاثني عشرية.
وعليه يتضح أن تلك البشارات تهدي الى حقيقة هي: أن المهدي هو خاتم هؤلاء الأئمة الاثني عشر.
البشارات وأوصاف المهدي الإمامي
وردت في البشارات أيضاً اشارات الى ألقاب اختص بها المهدي الإمامي (عليه السلام) مثل وصف (القائم)(32) فمثلاً نلاحظ البشارة التالية من سفر أشعيا النبي التي تحدث القاضي جواد الساباطي عن دلالتها على المهدي وفق عقيدة الإمامية الاثني عشرية: (2 ـ ويحلُ عليه روح الرب، وروح الحكمة والفهم، وروح المشورة، والقوة، وروح المعرفة ومخافة الرب. 3 ـ ولذته في مخافة الرب، ولا يقضي بحسب مرأى عينيه ولا بحسب مسمع اُذنيه، 4 ـ ويحكم بالانصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه... 6 ـ ويسكن الذئب والخروف، ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل معاً وصبي صغير يسوقها... 9 ـ لا يسيئون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر. 10 ـ وفي ذلك اليوم سيرفع (القائم) راية الشعوب والاُمم التي تطلبه وتنتظره ويكون محله مجداً).(33)
ومثل وصف (صاحب الدار) المعدود من ألقاب الإمام المهدي (عليه السلام)،(34) فقد وردت ضمن بشارات عن انتظار المنقذ العالمي الذي لا يختص به المسيحيون اشارة الى عدم هذا الاختصاص وتحدثت عن ظهوره المفاجئ وهي في (إنجيل مرقس، 13: 35).(35)
ومثل وصف (المنتقم لدم الحسين (عليه السلام) المستشهد عند نهر الفرات) كما ورد في بشارة في (سفر أرميا، 46 / 2 ـ 11).
وقد صرّح بذلك الاستاذ الأردني عودة مهاوش في دراسته (الكتاب المقدس تحت المجهر) وذكر أنها تتعلق بالمهدي المنتقم لدم الحسين (عليه السلام).(36)
وهناك نظائر كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.
الاهتداء الى هوية المنقذ على ضوء البشارات:
اذن معرفة هذه الخصوصيات تقودنا الى اثبات أن المصلح العالمي الذي بشرت به جميع الديانات هو المهدي ابن الحسن العسكري (عليهما السلام) كما تقوله عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) لأن البشارات السماوية لا تنطبق على العقائد الاُخرى، فتكون النتيجة هو أن الديانات السابقة لم تبشر بظهور المنقذ العالمي في آخر الزمان بعنوانه العام وحسب بل شخّصت أيضاً هويته الحقيقية من خلال تحديد صفات وتفصيلات لا تنطبق على غيره (عليه السلام)، وهكذا تكون هذه البشارات دليلاً اضافياً على صحة عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) بهذا الشأن.
ونكتفي هنا بالاشارة الى بعض البشارات الواردة في العهدين القديم والجديد (أسفار التوراة والأناجيل) بهذا الصدد، بحكم كونها معتبرةً عند أكبر وأهم الديانات السابقة على الاسلام أي اليهودية والنصرانية؛ ولأن هذين العهدين الموجودين حالياً قد مرّا بالكثير من التحقيق والتوثيق عند علماء اليهود والنصارى واُجريت بشأنهما الكثير من الدراسات ودونت الكثير من الشروح لهما، ونسخهما كثيرة ومتداولة بترجمات كثيرة لمختلف اللغات، غير أنّ الاعتماد على الاُصول العبرية أدق لوقوع أخطاء ولبس في الترجمات.
فالاقتصار عليهما لا يعني انحصار البشارات التي لا يمكن تفسيرها بغير المهدي المنتظر (عليه السلام) طبق عقيدة مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، بل على العكس فإنّ امثالها موجودة في مختلف كتب الأديان الاُخرى وبتصريحات ودلالات أوضح ذكرتها الدراسات المتخصصة في هذا الباب.(37) ولكنها غير مشهورة عند الجميع ونسخها غير متداولة وأغلبها لم تترجم عن لغاتها الاُم إلا قليلاً. على أنّ الاقتصار على النماذج المتقدمة من العهدين القديم والجديد فيه الكفاية في الاستدلال على المطلوب، والتفصيلات موكولة للمراجع المتخصصة المشار اليها في طيّات البحث.
الاستناد الى بشارات الكتب السابقة ومشكلة التحريف
وتبقى هنا قضيتان من الضروري التطرّق لهما قبل تثبيت النتائج المتحصّلة من البحث.
القضية الأولى: هي مناقشة السؤال التالي: كيف يمكن الاستناد الى كتب الديانات الاُخرى في اثبات قضية مهمة مثل قضية تشخيص هوية المصلح العالمي المنتظر واثبات أنه المهدي ابن الحسن العسكري (عليهما السلام)، واثبات صحة هذه العقيدة وانتمائها الإلهي مع اتفاق المسلمين على وقوع التحريف في هذه الكتب؟
نعتقد أن الاجابة على هذا التساؤل ممكنة بقليل من التدبر في حيثيات الموضوع، ويمكن تلخيصها بما يلي:
1 ـ إن اثبات عقيدة منهج أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي المنتظر (عليه السلام) يستند الى الكثير من البراهين العقلية والآيات القرآنية وما اتفق عليه المسلمون من صحاح الأحاديث النبوية والواقع التاريخي لسيرة ائمة أهل البيت (عليهم السلام)، كما هو مشهود في الكتب العقائدية التي تناولت هذا الموضوع.
أما الاستناد الى البشارات الواردة في كتب الأديان المقدسة فهو من باب الدليل الاضافي أو الشواهد المؤيدة فلا تسقط النتيجة المتحصلة منه بسقوط أو بطلان الأساس؛ لأن هذه العقيدة قائمة على اُسس اُخرى أيضاً، اذن لا مجال للاعتراض على صحة هذه العقيدة حتى مع افتراض بطلان بعض اُسسها باعتبار القول بتحريف تلك الكتب.
2 ـ ثمة ثمار مهمة لدراسة وتوثيق هذا الدليل، وهي هداية اتباع الديانات الاُخرى الى الحق والى المصلح الإلهي الحقيقي بالاستناد الى كتبهم نفسها وفي ذلك حجة كاملة عليهم؛ هذا أولاً، وثانياً فإنّ مثل هذه الدراسة تؤكد الجانب العالمي في القضية المهدوية، وتوفر محوراً جديداً للوفاق بين الأديان المختلفة بشأن المصلح العالمي الذي ينتظرونه جميعاً.
3 ـ وليس ثمة مَن يقول بأن جميع ما في كتب الأديان السابقة محرف، بل إن المتفق عليه بين المسلمين وقوع التحريف في بعضها وليس في كلها. لذلك فإنّ ما صدّقته النصوص الشرعية الاسلامية ـ قرآناً وسنّة ـ مما في الكتب السابقة محكوم بالصحة وعدم تطرق التحريف اليه؛ وهذا واضحٌ.
الاستناد الى ما صدّقه الاسلام من البشارات
1 ـ من الثابت اسلامياً أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد بشّر بالمهدي الموعود من أهل بيته ومن ولد فاطمة ـ سلام الله عليه(38) ـ، لذلك فإن البشارات الواردة في كتب الأديان السابقة من هذا النمط الذي لم تطاله أيدي التحريف ما دامت منسجمة مع ما صرح في النصوص الشرعية الاسلامية. اذن لا مانع من الاستناد اليه والاحتجاج به.
2 ـ يُضاف الى ذلك أن القرآن الكريم نفسه قد بشّر بالدولة الإلهية العالمية واقامتها في آخر الزمان كما صرحت بذلك آياته الكريمة التي دلّ عددٌ منها على المهدي الموعود وحتمية وجوده وغيبته، كما سنوضح ذلك في بحث لاحق ان شاء الله تعالى. وهذا يعني تصديق ما ورد في بشارات الأديان السابقة الواردة بالمضمون نفسه، الأمر الذي يعني صدورها من نفس المصدر الذي صدر منه القرآن الكريم، وبالتالي الحكم بصحتها وعدم تطرق التحريف اليها، فلا مانع حينئذ من الاستناد اليها والاحتجاج بها في اطار المضامين التي صدّقها القرآن الكريم.
3 ـ إن بعض هذه البشارات ترتبط بواقع خارجي معاش أو ثابت تاريخياً، بمعنى أن الواقع الخارجي الثابت جاء مصدِّقاً لها. فمثلاً البشارات التي تشير الى ان المصلح العالمي هو الإمام الثاني عشر من ذرية اسماعيل وأنه من ولد خيرة الإماء وأن ولادته تقع في ظل اوضاع سياسية خانقة ومهددة لوجوده فيحفظه الله ويغيّبه عن أعين الظالمين الى حين موعد ظهوره وأمثالها، كلها تنبأت بحوادث ثابتة تاريخياً، وهذا يضيف دليلاً آخر على صحتها، مادام أن من الثابت علمياً أنها مدونة قبل وقوع الحوادث التي أخبرت عنها، فهي في هذه الحالة تثبت أنها من أنباء الغيب التي لا يمكن أن تصدر إلا ممّن له ارتباط بعلاّم الغيوب تبارك وتعالى. وبذلك يمكن الحكم بصحّتها وعدم تطرق التحريف اليها، وبالتالي يمكن الاستناد اليها والاحتجاج به.(39)
تأثير البشارات في صياغة العقيدة المهدوية
أما القضية الثانية: فهي ترتبط بالاعتراض القائل بأن الاستناد الى هذه البشارات في اثبات عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي المنتظر (عليه السلام) يفتح باب التشكيك والادّعاء بأن هذه العقيدة تسللت الى الفكر الاسلامي من الاسرائيليات ومحرفات الأديان السابقة.
والجواب على هذا الاعتراض يتّضح من الإجابة السابقة، فهو يصح إذا كانت العقيدة الإمامية المهدوية تستند الى تلك البشارات وحدها في حين أن الأمر ليس كذلك.
ولو قلنا بأن كل فكرة اسلامية لها نظير في الأديان السابقة هي من الأفكار الدخيلة في الاسلام؛ لأدى الأمر الى اخراج الكثير من الحقائق والبديهيّات الاسلامية التي أقرّها القرآن الكريم وصحاح الأحاديث الشريفة وهي موجودة في الأديان السابقة، وهذا واضح البطلان ولا يخفى بطلانه على ذي لب. فالمعيار في تشخيص الأفكار الدخيلة على الاسلام هو عرضها على القرآن والسنّة والأخذ بما وافقهما ونبذ ما خالفهما، وليس عرضها على ما في كتب الديانات السابقة ونبذ كل ما وافقها مع العلم بأن فيها ما لم تتطرق له يد التحريف وفيه ما ثبت صدوره عن المصدر الذي صدر عنه القرآن الكريم.
يُضاف الى ذلك أن عقيدة الإمامية في المهدي المنتظر (عليه السلام) تستند الى واقع تأريخي ثابت، فكون الإمام المهدي هو الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ثابت تاريخياً وحتى ولادته الخفية من الحسن العسكري (عليه السلام) قد سجلها المؤرخون من مختلف المذاهب الاسلامية وأقرها علماء مختلف المذاهب حتى الذين لم يذعنوا أنّه هو المهدي الموعود وإن كان عدد الذين صرحوا بأنه هو المهدي من علماء أهل السنّة غير قليل أيضا.(40)
نتائج البحث:
نصل الى القسم الأخير من البحث، وهو تسجيل النتائج الحاصلة منه في النقاط التالية:
1 ـ ان اصل فكرة الايمان بالمصلح العالمي في آخر الزمان وإقامة الدولة العادلة التي تحقق السعادة الحقّة للبشرية جمعاء تستند الى جذور فطرية في الانسان تنبع من فطرة تطلّعه الى الكمال، ولذلك لاحظنا اجماع مختلف التيارات الفكرية الانسانية حتى المادية منها على حتمية تحقق هذا اليوم الموعود. أما الفكر الديني فهو مجمع عليها لتواتر البشارات السماوية في كتب الأديان المختلفة بذلك. فلا يمكن قبول ما زعمه بعض المستشرقين بأن هذه الفكرة المجمع عليها تستند الى الخرافات والأساطير.
2 ـ إن القول بوجود المهدي الموعود بالفعل وغيبته ـ وهو الذي يؤمن به مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ويتميز عن عقيدة أهل السنّة في المهدي الموعود ـ غير مستبعد لا في الفكر الإنساني الذي يرى أن من الضروري أن يكون عمر المصلح العالمي طويلاً، ولا من الفكر الديني الذي اقترن إيمانه بالمصلح العالمي بالإيمان بأنه يعود بعد غيبة. بل إن وقوع الغيبات في تأريخ الأنبياء (عليهم السلام) يدعم هذا القول ويعززه.
3 ـ إن إجماع الأديان السماوية على الايمان بالمصلح العالمي وغيبته قبل الظهور اقترن بالاختلاف الشديد في تحديد هويته، وهو اختلاف ناشئ من جملة من العوامل، منها: ان البشارات الواردة في الكتب المقدسة بشأنه تتحدث عن قضية غيبية، والانسان بطبعه ميّال لتجسيد الحقائق الغيبية في مصاديق محسوسة يعرفها. ومنها: أن التعصب المذهبي والرغبة في الفوز بافتخار الانتماء لصاحب هذا الدور التاريخي المهم دفعت اتباع كل دين الى تأويل تلك البشارات أو خلطها بالبشارات الواردة بشأن نبي أو وصي معين غير المصلح العالمي أو تحريفها لتطبيقها على الأقرب من المواصفات التي تذكرها من زعمائهم ورموزهم الدينية. فالاختلاف ناشئ من سوء تفسير وتطبيق البشارات السماوية وليس من نصوص البشارات نفسها.
4 ـ إن سبيل حل الاختلاف هو تمييز البشارات الواردة بشأن المصلح العالمي عن غيرها المرتبطة بغيره من الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، ثم تحديد الصورة التي ترسمها بنفسها للمصلح العالمي بعيداً عن التأثر بالمصاديق المفترضة سلفاً. ثم عرض المصاديق عليها لمعرفة هويته الحقيقية استناداً الى الواقع التاريخي القابل للإثبات وبعيداً عن حصر هذه المصاديق المفترضة برموز دين معين، بل عرض كل مصداق مرشح من قبل أي دين أو مذهب على الصورة التي ترسمها نصوص البشارات بصورة تجريدية.
5 ـ إن تلك البشارات السماوية تهدي ـ بناءً على هذا المنهج العلمي ـ الى معرفة حقيقية هي أن المصلح العالمي الذي بشرت به هو الإمام الثاني عشر من عترة خاتم الأنبياء ـ صلوات الله عليه وآله ـ وهو صاحب الغيبة التي يضطر إليها بسبب تربّص الظلمة به لتصفيته، أي إنها تهدي الى المهدي الإمامي الذي يقول به مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وقد صرحت تلك البشارات بالهداية اليه من خلال ذكر صفات لا تنطبق على غيره، ومن خلال ذكر خصائص فيه امتاز بها واشتهرت عنه كما لا حظنا.
6 ـ ان الاستناد الى هذه البشارات في إثبات صحة عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي المنتظر (عليه السلام) يشكل دليلاً آخر في إثبات هذه العقيدة يضاف الى الأدلة العقلية والقرآنية وما صح لدى المسلمين من الأحاديث الشريفة، ولا مانع من الاستدلال بهذه البشارات بعدما ثبت أن التحريف في الديانات السابقة لم يشمل كل نصوصها الموحاة، فيمكن الاستناد الى ما صدقته النصوص الشرعية الاسلامية مما ورد في كتب الديانات السابقة؛ وكذلك ما صدقه الواقع التأريخي الكاشف عن صحة ما أخبرت عنه باعتباره من أنباء الغيب التي لا يعلمها سوى الله تعالى، ومنها أخبار المهدي (عليه السلام).
7 ـ إن في الاستناد الى بشارات الأديان السابقة في اثبات صحة عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي الموعود واضافته الى الأدلة الشرعية والعقلية الاُخرى ثماراً عديدة، منها: الكشف عن أهمية هذه العقيدة وترسيخ الايمان بها لدى اتباعها، ومنها: إعانة أتباع الديانات والمذاهب الأخرى على الاهتداء لمعرفة هوية المصلح العالمي الذي بشرت به نصوص كتبهم المقدسة ودعوتهم الى الاسلام من هذا الطريق، والاحتجاج عليهم بالنصوص المعتبرة عندهم وهو احتجاج أبلغ في الدلالة، ومنها: ايجاد محور توحيدي لدعاة الاصلاح الديني من اتباع مختلف الديانات يعزز جهودهم وينسقها، يقوم على أساس الايمان بهذا المصلح العالمي ووجوده فعلاً ورعايته لجهود المُمهّدين لظهوره طبقاً للعقيدة الاسلامية الأوسع شمولية وتفصيلاً في عرض هذه الفكرة العريقة في الفكر الديني والانساني.
يقول العلامة الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر: وإذا كانت فكرة المهدي أقدم من الإسلام وأوسع منه، فإن معالمها التفصيلية التي حددها الإسلام جاءت أكثر اشباعاً لكل الطموحات التي انشدّت الى هذه الفكرة منذ فجر التأريخ الديني، وأغنى عطاءاً وأقوى إثارة لأحاسيس المظلومين والمعذّبين على مر التأريخ. وذلك لأن الإسلام حوّل الفكرة من غيب الى واقع، ومن مستقبل الى حاضر، ومن التطلع الى منقذ تتمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول الى الإيمان بوجود المنقذ فعلاً، وتطلعه مع المتطلعين الى اليوم الموعود الى اكتمال كلّ الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم.
فلم يعد المهدي (عليه السلام) فكرة ننتظر ولادتها، ونبوءة نتطلع الى مصداقها، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته، وإنساناً معيّناً يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويراناً، ويعيش آمالنا وآلامنا ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد كل ما تزخر به الساحة على وجه الأرض من عذاب المعذّبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويكتوي بذلك من قريب أو بعيد، وينتظر بلهفة اللحظة التي يُتاح له فيها أن يمدّ يده الى كل مظلوم وكل محروم وكل بائس ويقطع دابر الظالمين.
وقد قُدّر لهذا القائد أن لا يُعلن عن نفسه ولا يكشف للآخرين هويّته ووجوده على الرغم من أنه يعيش معهم انتظاراً للحظة الموعودة.
ومن الواضح أن الفكرة بهذه المعالم الإسلامية تقرّب الهوّة الغيبية بين المظلومين كل المظلومين والمنقذ المنتظر، وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعور هم النفسي قصيراً مهما طال الانتظار.
ونحن حينما يُراد منّا أن نؤمن بفكرة المهدي بوصفها تعبيراً عن إنسان حي محدد يعيش فعلاً كما نعيش، ويترقب كما نترقب، يُراد الإيحاء إلينا بأن فكرة الرفض المطلق لكل ظلم وجور، والتي يمثلها المهدي، تجسدت فعلاً في القائد الرافض المنتظر، الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم كما في الحديث، وإنّ الإيمان به إيمان بهذا الرفض الحي القائم فعلاً ومواكبة له).(41)

الفصل الثالث: المهدي الموعود عليه السلام وغيبته في القرآن

إنّ أبرز ما تتميز به عقيدة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي الموعود هو القول بوجوده بالفعل وغيبته وتحدد هويته بأنّه الإمام الثاني عشر من أئمة العترة النبوية الطاهرة، وأنه قد ولد بالفعل من الحسن العسكري (عليه السلام) سنة (255 هـ) وتولى مهام الإمامة بعد وفاة أبيه العسكري سنة (260 هـ) وكانت له غيبتان الاُولى وهي الصغرى استمرت الى سنة (329هـ) كان الإمام يتصل خلالها بشيعته عبر سفرائه الخاصين، ثم بدأت الغيبة الكبرى المستمرة حتى يومنا هذا والى أن يأذن الله عزّ وجلّ بالظهور لأنجاز مهمته الكبرى في إقامة الدولة الاسلامية العالمية التي يسيطر فيها العدل والقسط على أرجاء الأرض ان شاء الله تعالى.
ويتفق أهل السنة على انتماء المهدي الموعود لأهل البيت (عليهم السلام) وأنه من ولد فاطمة(عليها السلام) وقد اعتقد جمع منهم بولادته لكن بعضهم ذهب الى أنه سيُولد ويظهر في آخر الزمان ليحقق مهمته الموعودة دون أن يستند الى دليل نقلي ولا عقلي في ذلك سوى الاستناد الى الأحاديث المشيرة الى أن ظهوره يكون في آخر الزمان. وليس هذا دليلاً تاماً على أن ولادته ستكون في آخر الزمان أيضاً كما أنه ليس فيه نفي للغيبة؛ لأنها والظهور لا يكونان في زمن واحد لكي يُقال بأنَّ إثبات الظهور في آخر الزمان يعني نفي الغيبة دفعاً لاجتماع النقيضين المحال عقلاً، فرأي الإمامية هو أن الغيبة تكون قبل الظهور فلا تعارض بينهما.
ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام) تقدم الأدلة لإثبات الغيبة بتفصيل في كتبها العقائدية المشهورة.(42)
وقد لاحظنا سابقاً أن البشارات السماوية الواردة في الأديان السابقة بشأن المنقذ العالمي الموعود في آخر الزمان لا تنطبق بالكامل إلاّ على المهدي ابن الحسن العسكري (عليهما السلام) الذي تؤمن به مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، بل وتصرّح بغيبته وهذا أهم ما يميّز رأي الإمامية كما تصرّح بأنه خاتم الأئمة الاثني عشر وتشير الى خصائص لا تنطبق على سواه، الأمر الذي جعل التعرّف على عقيدة الإماميّة في المهدي المنتظر وسيلة ناجحة في حل الاختلاف في تحديد هوية المنقذ العالمي استناداً الى المنهج العلمي في دراسة هذه البشارات.
ونعرض هنا مجموعةً من الآيات الكريمة التي تدل بصورة مباشرة على حتمية أن يكون في كل زمان إمام حق يهدي الناس الى الله ويشهد على أعمالهم ليكون حجة الله عزّ وجلّ على أهل زمانه في الدنيا والآخرة، والتي تحدد له صفات لا تنطبق ـ في عصرنا الحاضر ـ على غير الإمام المهدي الذي تقول مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بوجوده وغيبته. فتكون هذه الآيات دالة على صحة عقيدة الامامية في المهدي المنتظر، وهي في الواقع من الآيات المثبتة لاستحالة خلو الأرض من الإمام الحق في أي زمان، ودلالتها على المقصود واضحة لا تحتاج الى المزيد من التوضيح إلاّ أن الخلافات السياسية التي شهدها التأريخ الإسلامي وانعكاساتها في تشكيل الآراء العقائدية؛ أدّت الى التغطية على تلك الدلالات الواضحة وصرفها الى تأويلات بعيدة عن ظواهرها البيّنات.
ونكمل هذا البحث بدراسة لدلالات طائفة من الأحاديث الشريفة التي صحّت روايتها عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في الكتب الستة المعتبرة عند أهل السنة وغيرها من الكتب المعتبرة عند جميع فرق المسلمين؛ فهي تشكل حجة عليهم جميعاً؛ وهي تكمل دلالات الآيات الكريمة المشار إليها وتشخص المصاديق التي حددت الآيات صفاتها العامة. وتثبت أن المهدي الموعود الذي بشر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الإمام الثاني عشر من أئمة العترة النبوية وهو ابن الحسن العسكري سلام الله عليه.
1 ـ عدم خلو الزمان من الإمام
قال الله تعالى: (يوم ندعو كل اُناس بإمامهم فمن أُوتي كتابه بيمينه فاُولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلاً * ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً).(43)
وهذا نصٌّ صريح على أن لكل أهل زمان (كل اُناس) إمام يُدعون به يوم القيامة. ويكون الاحتجاج به عليهم أو ليكون شاهداً عليهم يوم الحساب وهذا أيضاً يتضمن معنى الاحتجاج عليهم. فَمن هو (الإمام) المقصود في الآية الكريمة الاُولى؟
للاجابة يلزم الرجوع الى المصطلح القرآني نفسه لمعرفة المعاني المرادة منه والاهتداء به لمعرفة المنسجم مع منطوق النص القرآني المتقدم.
لقد اُطلق لفظ (الإمام) في القرآن الكريم على مَن يُقتدى به من الأفراد، وهو على نوعين لا ثالث لهما في الاستخدام القرآني وهما: الإمام المنصوب من قبل الله تبارك وتعالى لهداية الخلق إليه بأمره عزّ وجلّ، كما في قوله عزّ وجلّ: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا(44) وقوله: (إني جاعلك للناس إماما(45) وقوله: (ونُريدُ أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين(46) وقوله: (واجعلنا للمتقين إماماً).(47) فيُلاحظ في جميع هذه الموارد أنها تنسب جعل الإمامة الى الله سبحانه مباشرة.
أما النوع الثاني فهو مَن يُقتدى به للضلال كما في قوله تعالى: (فقاتلوا أئمة الكفر(48) وقوله: (وجعلناهم أئمة يدعون الى النار ويوم القيامة لا ينصرون).(49)
هذا في الأفراد أما في غير الأفراد فقد اُستخدم في معنيين وبصورة المفرد فقط، في حين ورد بالمعاني السابقة بصيغة المفرد وصيغة الجمع، والمعنى الأول هو التوراة كما في قوله تعالى: (ومن قبله كتابُ موسى إماماً ورحمة(50) وربما يُستفاد من هذا الاستخدام صدق وصف (الإمام) على الكتب السماوية الاُخرى أو الرئيسة منها على الأقل. أما المعنى الثاني فهو اللوح المحفوظ كما في قوله تعالى: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين).(51)
الإمام المقصود في الآية
فمَن هو (الإمام) المقصود في الآية والذي لا يخلو زمان من مصداق له ويُدعى به أهل عصره يوم القيامة؟ هل هو شخصٌ معيّنٌ؟ أم هو أحد الكتب السماوية في كل عصر؟ أم هو اللوح المحفوظ؟
لا يمكن أن يكون المراد هنا الكتب السماوية ولا اللوح المحفوظ لأنّ الآية عامة وصريحة بأن مدلولها ـ وهو عدم خلو أي زمان، وأيّ قوم من إمام ـ يشمل الأولين والآخرين، في حين أن من الثابت قرآنياً وتاريخياً أن أول الكتب السماوية التشريعية هو كتاب نوح (عليه السلام)، فالقول بأن المراد بالإمام في الآية أحدها في كل عصر يعني إخراج الأزمنة التي سبقت نوحاً (عليه السلام) من حكم الآية وهذا خلاف صريح منطوقها بشمولية دلالتها لكل عصر كما يدلّ عليه قوله تعالى (كل اُناس).
كما لا يمكن تفسير الإمام في الآية باللوح المحفوظ؛ لأنه واحدٌ لا يختص بأهل زمان معين دون غيرهم في حين أن الآية الكريمة تصرّح بأن لكل اُناس إماماً.
إذن لا يبقى إلاّ القولان الأولان، فالمتعين أن يكون المراد من الإمام في الآية من يأتمّ به أهل كل زمان في سبيلي الحق أو الباطل. أو أن يكون المراد فيها إمام الحق خاصة وهو الذي يجتبيه الله سبحانه في كل زمان لهداية الناس بأمره تبارك وتعالى ويكون حجة الله عزّ وجلّ عليهم يدعوهم به يوم القيامة للاحتجاج به عليهم سواءٌ كان نبيّاً كإبراهيم الخليل ومحمد ـ عليهما وآلهما الصلاة والسلام ـ أو غير نبي كأوصياء الأنبياء (عليهم السلام).
ويكون المراد بالدعوة في الآية هو الإحضار، أي إن كل اُناس ـ في كل عصر ـ محضرون بإمام عصرهم، ثم يُؤتى مَن اقتدى بإمام الحق كتابه بيمينه ويظهر عمى مَن عمي عن معرفة الإمام الحق في عصره وأعرض عن إتباعه. وهذا ما يعطيه التدبر في الآيتين الكريمتين مورد البحث كما يقول العلامة الطباطبائي في تفسيرهم،(52) وقد عرض في بحثه لجميع أقوال المفسّرين في تفسير معنى الإمام هنا وبيّن عدم انسجامها مع الاستخدام القرآني وظاهر الآيتين، وهي أقوال واضحة البطلان، ولعل أهمها القول بأنّ المراد من الإمام: النبي العام لكل أمة، كأن يُدعى بأمة إبراهيم أو أمة موسى أو أمة عيسى أو أمة محمد ـ صلوات الله عليهم أجميعن ـ، وهذا القول أيضاً غير منسجم مع ظاهر الآيتين أيضاً لأنه يُخرج من حكمها العام الأمم التي لم يكن فيها نبي، وهذا خلاف ظاهرهما، كما أنه مدحوض بالآيات الاُخرى التي سنتناولها لاحقاً، إن شاء الله تعالى.
الامام المنقذ من الضلالة:
وعليه يكون محصّل الآيتين الكريمتين هو الدلالة على حتمية وجود إمام حق يُهتدى به في كل عصر، يكون حجة الله عزّ وجلّ على أهل زمانه في الدنيا والآخرة، فتكون معرفته وأتباعه في الدنيا وسيلة النجاة يوم الحشر؛ فيما يكون العمى عن معرفته واتباعه في الدنيا سبباً للعمى والضلال الأشد في الآخرة يوم يُدعى كل اُناس بإمام زمانهم الحق، ويُقال للضالين عنه: هذا إمامكم الذي كان بين أظهركم فلماذا عميتم عنه؟ وبذلك تتم الحجة البالغة عليهم، وتتضح حكمة دعوتهم وإحضارهم به يوم القيامة.
ونصل الآن للسؤال المحوري المرتبط بما دلّت عليه هاتان الآيتان، وهو: ـ مَن هو الإمام الحق الذي يكون حجة الله على خلقه في عصرنا هذا؟ فإنّه لابد للإمام الحقّ من مصداق في كلّ العصور كما نصت عليه الآيتان المتقدمتان.
وللإجابة على هذا السؤال من خلال النصوص القرآنية وحدها ـ باعتبارها حجة على الجميع ـ ينبغي معرفة الصفات التي تحددها الآيات الكريمة للإمام الحق، ثم البحث عمن تنطبق عليه في زماننا هذا.
المواصفات القرآنية لإمام الهدى
والمستفاد من تفسير الآيتين المتقدمتين أن الإمام المقصود يجب أن تتوفر فيه الصفات التي تؤهله للاحتجاج به على قومه يوم القيامة مثل القدرة على الهداية والأهلية لأن يكون اتّباعه موصلاً للهدى وتكون طاعته معبّرةً عن طاعة الله تبارك وتعالى، وأن يكون قادراً على معرفة حقائق أعمال الناس وليس ظواهرها، أي أن يكون هادياً لقومه وشهيداً على أعمالهم، الأمر الذي يستلزم أن يكون قادراً على تلقي الهداية الإلهية وحفظها ونقلها للناس، كما يجب أن يكون أهلاً لأن يتفضل عليه الله عزّ وجلّ بعلم الكتاب والأسباب التي تؤهله لمعرفة حقائق أعمال الناس للشهادة بشأنها والاحتجاج به عليهم يوم القيامة. وسيأتي المزيد من التوضيح لذلك في الفقرتين اللاحقتين.
كما ينبغي أن يكون متحلياً بأعلى درجات العدالة والتُّقى لكي لا يخلّ بأمانة نقل الهداية الإلهية الى قومه، وكذلك لكي لا يحيف في شهادته عليهم يوم القيامة. أي أن يتحلى بدرجة عالية من العصمة، وهذا ما صرّح به القرآن الكريم في قوله تعالى: (وإذْ ابتلى ابراهيم ربّه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال: ومن ذريتي قال: لا ينال عهدي الظالمين).(53) فالإمامة (عهد) من الله تبارك وتعالى لا ينال من تلبس بظلم مطلقاً، ومعلومٌ أن ارتكاب المعاصي مصداق من مصاديق الظلم؛ لذا فالمؤهل للإمامة يجب أن يكون معصوماً.
وحيث إن الله تبارك وتعالى قد أقرَّ طلب خليله إبراهيم النبي (عليه السلام) في جعل الإمامة في ذريته ولم يقيّدها إلاّ بأنها لا تنال غير المعصومين، نفهم أن الذرية الابراهيمية لا تخلو من متأهل للإمامة الى يوم القيامة، وهذا ما يؤكده قوله عزّ وجلّ: (وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلّهم يرجعون).(54)
ولما كانت الإمامة عهداً إلهياً، كان الإمام مختاراً لها من الله عزّ وجلّ ـ وهو الأعلم حيث يجعل رسالته ـ وهذا ما تؤكده الآيات الكريمة فقد نسبت جعل الإمام الى الله مباشرة ولم تنسبه لغيره كما هو واضحٌ في الآيتين المتقدمتين من سورتي الزخرف والبقرة وغيرهما. ويتحقق هذا الاختيار الإلهي لشخص معيّن للإمامة من خلال النص الصادر من ينابيع الوحي ـ القرآن والسنة ـ أو مَن ثبتت إمامته وعصمته، أو ظهور المعجزات الخارقة للعادة على يديه حيث تثبت صحة ادعائه الإمامة.
إذن فإمام زماننا الذي دلّت آيتا سورة الاسراء على حتمية وجوده يجب أن يكون هادياً لقومه وشهيداً على أعمالهم ليصح الإحتجاج به يوم القيامة، وأن يكون معصوماً أو على الأقل متحليّاً بدرجة عالية من العدالة تؤهله للقيام بمهمته في الهداية والشهادة؛ ومن الذرية الابراهيمية التي ثبت بقاء الإمامة فيها، وأن يكون منصوصاً عليه من قبل الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أو مَن ثبتت إمامته، أو أن يكون قد ظهرت على يديه من المعجزات وأثبتت ارتباطه بالسماء وصحة ادعائه الإمامة.
مصداق الإمام في عصرنا الحاضر
فمن الذي تتوفر فيه هذه الصفات في عصرنا الحاضر؟ من الواضح أنه لا يوجد شخص ظاهر تنطبق عليه هذه الصفات وليس ثمة شخصٌ ظاهرٌ يدعيها أيضاً، فهل يكون عدم وجود شخص ظاهر تتوفر فيه هذه الصفات يعني خلو عصرنا من مثل هذا الإمام؟
الجواب سلبي بالطبع؛ لأنه يناقض صريح دلالة آيتي سورة الاسراء، فلا يبقى أمامنا إلاّ القول بوجوده وغيبته وقيامه بالمقدار اللازم للاحتجاج به على أهل زمانه يوم القيامة والذي هو من مهام الإمام، حتى في غيبته.
وهذا ما تقوله مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي المنتظر (عليه السلام) وتتميز به، وتقيم الأدلة النقلية والعقلية الدالة على توفر جميع الشروط والصفات المتقدمة فيه من العصمة والنص عليه من الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ومَن ثبتت إمامته من آبائه (عليهم السلام)، كما ثبت صدور المعجزات عنه في غيبته الصغرى بل والكبرى أيضاً وقيامه عملياً بما يتيسّر له من مهام الإمامة في غيبته كي يتحقق الاحتجاج به على أهل زمانه، كما هو مدوّن في الكتب التي صنّفها علماء هذه المدرسة.(55)
وتكفي هنا الإشارة الى أن بعض هذه الكتب قد دوّنت قبل ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) بفترة طويلة تفوق القرن وفيها أحاديث شريفة تضمّنت النص على إمامته والإخبار عن غيبته وطول هذه الغيبة قبل وقوعها وهذا أوضح شاهد على صحتها كما استدل بذلك العلماء إذ جاءت الغيبة مصدّقة لما أخبرت عنه النصوص المتقدمة عليها وفي ذلك دليل واضح على صدورها من ينابيع الوحي.(56)
2 ـ في كل زمان إمام شهيد على اُمته
قال تعالى: (فكيف إذا جئنا من كلّ اُمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً).(57)
وقال: (ويومَ نبعث من كلّ اُمة شهيداً ثمّ لا يُؤذن للّذين كفروا ولا هم يُستعتبون).(58)
وقال: (ويومَ نبعثُ في كل أُمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء...).(59)
وقال: (ونزعنا من كلّ اُمّة شهيداً فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أنّ الحقّ لله وضلّ عنهم ما كانوا يفترون).(60)
إن هذه الآيات الكريمة تتحدث عن الاحتجاج الإلهي على البشر يوم القيامة، وهو الاحتجاج نفسه الذي لاحظناه في آيتي سورة الإسراء المتقدمتين، وهي تدعم وتؤكد دلالتهما على حتمية وجود إمام حق في كل عصر يحتج به الله جلّ وعلا على أهل كل عصر (كل أمة، كل اُناس) فيما يرتبط بالهداية والضلال وانطباق أعمالهم على الدين الإلهي القيم.
واضحٌ أن مقتضى كونه حجة لله على خلقه أن يكون عالماً بالشريعة الإلهية من جهة لكي يكون قادراً على هداية الخلق إليها وأن يكون بين أظهرهم للقيام بذلك، هذا أولاً، وثانياً أن يكون محيطاً بأعمال قومه لكي يكون شهيداً عليهم، أي يستطيع الشهادة يوم القيامة بشأن مواقفهم تجاه الدين القيم.
وواضح أن الشهادة المذكورة في هذه الآيات مطلقة، (وظاهر الجميع على إطلاقها هو الشهادة على أعمال الأمم وعلى تبليغ الرسل أيضاً)(61) وقد صرّح الزمخشري في الكشاف بذلك وقال: (لأن أنبياء الأمم شهداء يشهدون بما كانوا عليه)،(62) وأن الشهيد: (يشهد لهم وعليهم بالايمان والتصديق والكفر والتكذيب).(63) والشهيد يجب أن يكون حياً معاصراً لهم غير متوفى كما يشير لذلك قوله تعالى على لسان عيسى (عليه السلام): (وكنت عليهم شهيداً ما دمتُ فيهم فلمّا توفّيتني كنت أنت الرّقيب عليهم وأنت على كلّ شيء شهيد).(64)
يُستفاد من هذه الآية أن إعلان نتاج الشهادة يكون في يوم القيامة لكن الإحاطة بموضوعها أي أعمال القوم يكون في الدنيا وخلال معاصرة الشهيد لاُمته لقوله تعالى: (وكنتُ عليهم شهيداً مادمتُ فيهم، فلمّا توفّيتني...)، لذلك يجب أن يكون الشهيد الذي يحتج به الله يوم القيامة معاصراً لمن يشهد عليهم، لذلك لا يمكن حصر الشهداء على الأمم بالأنبياء (عليهم السلام) كما فعل الزمخشري في تفسيره،(65) بل يجب القول بأن في كل عصر شهيدٌ على أعمال معاصريه، كما صرّح بذلك الفخر الرازي في تفسيره حيث قال: (أما قوله تعالى: (ونزعنا من كل أمة شهيداً)، فالمراد ميّزنا واحداً ليشهد عليهم، ثم قال بعضهم هم الأنبياء يشهدون بأنهم بلّغوا القوم الدلائل وبلّغوا في إيضاحها كل غاية ليُعلم أن التقصير منهم أي من الناس فيكون ذلك زائداً في غمهم.
وقال آخرون: بل هم الشهداء الذين يشهدون على الناس في كل زمان، ويدخل في جملتهم الأنبياء، وهذا أقرب لأنه تعالى عمَّ كل أُمة وكل جماعة بأن ينزع منهم الشهيد فيدخل فيه الأحوال التي لم يُوجد فيها النبي وهي أزمنة الفترات والأزمنة التي حصلت بعد محمد (صلى الله عليه وآله) فعلموا حينئذ أن الحق لله ولرسوله...).(66)
إذن فلابد من وجود شهيد على الأمة في هذا العصر كما هو الحال في كل عصر، يؤيد ذلك استخدام آيتي سورة النساء والحج لاسم الإشارة (هؤلاء) في الحديث عن شهادة الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله): (وجئنا بك شهيداً على هؤلاء) إشاره الى معاصريه فيما يكون شهداء آخرون على الأجيال اللاحقة.(67) فمَن هو الشهيد علينا في هذا العصر؟! نعود الى الآيات الكريمة لمتابعة ما تحدده من الصفات الهادية الى معرفته والإجابة على هذا التساؤل.
صفات الشهيد الإمام:
إن الآية (89) من سورة الحج تصرّح بأنه من البشر أنفسهم (شهيداً من أنفسهم) وهو المستفاد من الآيات الاُخرى فهي تستخدم (من) التبعيضية في قوله تعالى: (من كل اُمّة).
فالشهيد هو كالأنبياء بشرٌ، لا هو من الملائكة ولا من الجن ولا من الكتب السماوية ولا اللوح المحفوظ، وفي هذا تأييد لما تقدم في الحديث عن آيتي سورة الإسراء أن المقصود فيهما من الإمام شخص لا كتاب سماوي، إذ أن الآيتين تتحدثان عن الاحتجاج الإلهي به على اُمّته وهذا هو دور الشهيد في هذه الآيات أيضاً، فالمقصود واحد في كلتا الحالتين، فالإمام هو أيضاً منهم.
والآيات الكريمة تستخدم صيغة المفرد في وصفه، أي إنّ الشهيد على قومه واحد في زمانه الذي يعاصره حياً، وهذا ينسجم مع استخدام آية سورة الإسراء المتقدمة لصيغة المفرد في ذكر الإمام (كل اُناس بامامهم). الأمر الذي ينفي التفسير القائل بأن الاُمة الاسلامية جمعاء أو جماعة المؤمنين الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر هي الشهيدة على أعمال قومها أو الأقوام الاُخرى المعاصرة لها، والأمر نفسه يصدق على نفي القول بأن مصداق هذه الآيات هم (الأبدال) الذين لا يخلو منهم زمان كما ورد في الروايات المروية من طريق الفريقين.(68) بل شهيد الأعمال في زمانه واحدٌ لا أكثر.
وحيث إن دوره هو الشهادة على أعمال اُمته بالكفر والتكذيب أو الإيمان والتصديق كما تقدم القول عن الزمخشري وهذه حالات قلبية وحيث إن: (من الواضح أن هذه الحواس العادية فينا والقوى المتعلّقة بها منا لا تتحمّل إلاّ صور الأفعال والأعمال فقط، وذلك التحمل أيضاً إنما يكون في شيء يكون موجوداً حاضراً عند الحس لا معدوماً ولا غائباً عنه، وأما حقائق الأعمال والمعاني النفسانية من الكفر والإيمان والفوز والخسران، وبالجملة كل خفي عن الحس، ومستبطن عند الإنسان ـ وهي التي تكسب القلوب وعليه يدور حساب رب العالمين يوم تبلى السرائر كما قال تعالى: (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم(69) فهي مما ليس في وسع الإنسان إحصاؤها والإحاطة بها وتشخيصها من الحاضرين فضلاً عن الغائبين إلاّ رجل يتولى الله أمره ويكشف ذلك له بيده).(70)
لذلك يجب أن تكون للشهيد على أُمته إحاطة علمية ربانية بحقائق أعمالهم لأن قيمة الأعمال في الميزان الإلهي هي لحقائقها الباطنية ودوافعها ونواياها كما هو واضح، لذلك لا يمكن أن يكون هذا الشهيد على أُمته شخصاً عادياً بل من الذين يحظون بنعمة التسديد الإلهي المباشر ومن الذين ارتضاهم الله سبحانه فأطلعهم على غيبه إذ من مصاديق غيبه معرفة بواطن أعمال الناس.
ومن المعلوم أن هذه الكرامة ليست تنالها جميع الأمة، إذ ليست (هي) إلاّ كرامة خاصة للأولياء الطاهرين منهم، وأما مَن دونهم من المتوسطين في السعادة والعدول من أهل الإيمان فليس لهم ذلك... إن أقل ما يتصف به الشهداء ـ وهم شهداء الأعمال ـ أنهم تحت ولاية الله ونعمته وأصحاب الصراط المستقيم).(71)
الشهيد عنده (علم الكتاب)
وواضح أن هذا الإطلاع على بواطن الناس غير ممكن بالأسباب الطبيعية المتعارفة بل يحتاج الى نمط خاص من العلم يتفضل به الله تبارك وتعالى بحكمته على مَن يشاء من عباده ـ وهو عزّ وجلّ الأعلم حيث يجعل رسالته(72) ـ فيتمكن به العبد من تجاوز ما تعارف عليه الناس من الأسباب الطبيعية والقيام بما يمكن القيام به بواسطة هذه الأسباب فتكون له مرتبة من الولاية التكوينية وتجاوز الأسباب الطبيعية بإذن الله، وهذا النمط الخاص من العلم هو ما سُمّي في القرآن الكريم بـ (علم الكتاب).
كما نلاحظ ذلك في قصة إتيان آصف بن برخيا بعرش بلقيس من اليمن الى فلسطين في طرفة عين؛ فقد علل القرآن قدرته على القيام بهذا العمل في زمن قصير للغاية بحيث لا يتصوّر تحققّه على وفق الأسباب الطبيعية، بما كان لديه من علم الكتاب. لاحظ قوله عزّ وجلّ: (قال الذي عنده علمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربّي).(73)
وكان آصف بن برخيا وصيّاً لسليمان النبي (عليه السلام) أراد أن يعرّف الناس بأنه الحجة من بعده بإبراز علمه المأخوذ من الكتاب،(74) وكان عنده مقدار معيّن من علم الكتاب وليس كلّه كما هو واضح من استخدام (من) التبعيضية في الآية المتقدمة.
ومنه يتضح أن الذي لديه علم الكتاب كلّه تكون له مرتبة أعلى من هذه الولاية التكوينية والتصرف في الأسباب والقدرة على الإحاطة ببواطن أعمال الناس وتقديم الشهادة الكاملة بأحقية الرسالة الإلهية.
وعليه فالشهيد على قومه ينبغي أن يكون لديه علم من الكتاب ـ كلاً أو بعضاً ـ أو يمكن القول كحدٍّ أدنى بأن الذي عنده هذا النمط الخاص من العلم قادرٌ على ذلك. يقول: عزّ من قائل في آخر سورة الرعد: (ويقول الذين كفروا لست مُرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومَن عنده علم الكتاب).(75)
وقد ثبت من طرق أهل السنة ـ كما نقل ذلك الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل(76) ـ ومن عدة طرق، وكذلك ثبت من طرق مذهب أهل البيت (عليهم السلام):(77) أن الآية الكريمة نزلت في الإمام علي (عليه السلام)، وإن علم الكتاب عنده وعند الأئمة من أولاده (عليهم السلام) وليس هناك من يدعيه غيرهم وقد صدّقت سيرتهم (عليهم السلام) ذلك والكثير مما نقله عنهم حفاظ أهل السنة والشيعة يشهد على صدق مدعاهم هذا.
إذن فالمتحصل من الآيات الكريمة المتقدمة:
1 ـ حتمية وجود من يجعله الله تبارك وتعالى شهيداً على أعمال العباد في كل عصر بحيث يحتج به على أهل عصره وأمته يوم القيامة، فهو إمام زمانهم الذي يُدعون به، ويكون من أنفسهم.
2 ـ وهذا الإمام الشهيد قد يكون نبياً وقد يكون من الأوصياء في الفترات التي ليس فيها نبيّ كما هو حال عصرنا الحاضر والعصور التي تلت عصر خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله). إذ الآيات مطلقة تشمل كل الأزمان كما هو ظاهر. فالإمام الشهيد موجود إذن في عصرنا الحاضر.
3 ـ والإمام الشهيد في عصرنا الحاضر حيٌّ أيضاً كما هو المستفاد مما حكاه القرآن الكريم على لسان عيسى (عليه السلام).
4 ـ ولابدّ أن يكون هذا الإمام الشهيد على أهل زمانه مسدّداً بالعناية الإلهية ممن تفضّل الله عزّ وجلّ عليه بنمط من الولاية التكوينية التي يصل بها الى حقائق أعمال من يشهد لهم أو عليهم يوم القيامة. ومظهر هذا التسديد والفضل الإلهي هو أن يكون لديه علم من الكتاب أو علم الكتاب كلّه.
5 ـ وحيث إن مثل هذا الشخص غير ظاهر فلابد من القول بغيبته الظاهرية، وقيامه بما يؤهله لأن يحتج الله تبارك وتعالى به يوم القيامة خلال غيبته.
6 ـ قد ثبت ـ من طرق أهل السنة والشيعة ـ أن لدى الإمام علي والأئمة من أولاده (عليهم السلام) علم الكتاب حسب ما نص عليه القرآن الكريم بالوصف الذي لا ينطبق على غيره.
وقد أثبت المفسر الكبير العلاّمة محمد حسين الطباطبائي (رحمه الله) في كتابه القيّم (الميزان في تفسير القرآن)، عدم انسجام الأقوال الاُخرى مع منطوق الآية الأخيرة من سوره الرعد لذلك فإن المواصفات المستفادة من الآيات الكريمة تنطبق عليهم، وحيث لم يدّعِ غيرهم ذلك فانحصر الأمر بهم. وقولهم في الإمام الثاني عشر منهم، وهو محمّد بن الحسن العسكري ـ عليهم السلام جميعاً ـ وقولهم بغيبته وقيامه بمهام الإمامة وما تقتضيه مهمة الشهادة على أهل زمانه يوم القيامة؛ ينسجم بشكل كامل مع دلالات الآيات الكريمة المتقدّمة التي لا تنطبق على غيره كما هو واضح بالاستقراء لعقائد الفرق الاُخرى.
إن هذه الطائفة من الآيات الكريمة تهدي الى حتمية وجود مهدي آل البيت (عليهم السلام) وغيبته وقيامه بما تقتضيه مسؤولية الشهادة الاحتجاجية يوم القيامة. وهذا ما تؤكده كما سوف نرى الآيات اللاحقة.
3 ـ لا يخلو زمان من هاد الى الله بأمره
قال تعالى: (ويقول الذين كفروا لولا أُنزل عليه آيةٌ من ربّه إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد).(78)
تصرّح الآية الكريمة وعلى نحو الإطلاق بأن (لكل قوم هادِ). واستناداً الى إطلاقها يُستفاد أن ثمة هاد الى الحق في كل عصر.
وهذه الحقيقة منسجمة مع ما تدل عليه الآيات الكريمة وصحاح الأحاديث الشريفة والبراهين العقلية من أن ربوبية الله لخلقه اقتضت أن يجعل سبحانه وتعالى لهم في كل عصر حجة له عليهم يهديهم الى الحق، طبقاً لسنته الجارية في جميع مخلوقاته في هدايتهم إلى الغاية من خلقها فهو كما قال: (الذي خلق فسوى * والذي قدّر فهدى).(79) وهذه السنة جارية على بني الإنسان أيضاً فهو تعالى الذي خلقهم وقدّر بأن يهديهم إلى كمالاتهم المقدّرة لهم ويدلهم على مافيه صلاحهم في دنياهم واُخراهم.
معنى الآية الكريمة هو أن الكفار يقترحون عليك (أيّها النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله)) آية؛ وعندهم القرآن أفضل آية؛ وليس إليك شيءٌ من ذلك، وإنما أنت هاد تهديهم من طريق الإنذار، وقد جرت سنة الله في عباده على أن يبعثَ في كل قوم هادياً يهديهم.
معنى (الهادي) في القرآن:
والآية التي ذكرت أعلاه تدل على أن الأرض لا تخلو من هاد يهدي الناس الى الحق، (إما أن يكون نبيّاً وإما أن يكون هادياً غير نبيّ يهدي بأمر الله)..(80) وإطلاق الآية الكريمة ينفي حصر مصداق (الهادي) في الآية بالأنبياء (عليهم السلام) كما ذهب لذلك الزمخشري في الكشاف في تفسير الآية. لأن هذا الحصر يخرج الفترات التي لم يكن فيها نبيّ من حكم الآية الكريمة العام وهذا خلاف ظاهرها المصرّح بوجود هاد في كل عصر لا تخلو الأرض منه.
فمَن هو الهادي في عصرنا الحاضر؟ نرجع الى القرآن الكريم للحصول على الإجابة، فنلاحظ الآيات الكريمة تحصر أمر الهداية الى الحق على نحو الأصالة بالله تبارك وتعالى، ثم تثبتها للهادين بأمره على نحو التبعية، يقول عزّ وجلّ: (قُل هل من شركائكم مَن يهدي الى الحقّ قل الله يهدي للحقّ أفمن يهدي الى الحق أحقُّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يُهدى فمالكم كيف تحكمون).(81)
تلخّص الآية الكريمة وبلغة إحتجاجية الرؤية القرآنية لموضوع الهداية الى الحق التي فصلتها العديد من الآيات الكريمة، وهي حصر الهداية الى الحق بالله تبارك وتعالى على نحو الإطلاق: (قل الله يهدي الى الحق).
ثم قررت الآية الكريمة أن الذي يجب اتباعه من الخلق ليس الذي لا يستطيع أن يهدي إلاّ أن يهتدي بغيره من البشر، بل الذي يكون مهتدياً بنفسه دون الحاجة الى غيره من البشر، فإن الكلام في الآية ـ كما يقول العلامة الطباطبائي(رحمه الله) في تفسيرها: (قد قوبل فيه قوله: (يهدي الى الحق) بقوله (مَن لا يهدِّي) مع أن الهداية الى الحق يقابلها عدم الهداية الى الحق، وعدم الاهتداء الى الحق يقابله الاهتداء الى الحق، فلازمُ هذه المقابلة الملازمةُ بين الاهتداء بالغير وعدم الهداية الى الحق، وكذا الملازمة بين الهداية الى الحق والاهتداء بالذات فالذي يهدي الى الحق يجب أن يكون مهتدياً بنفسه لا بهداية غيره والذي يهتدي بغيره ليس يهدي الى الحق أبداً.
هذا ما تدل عليه الآية بحسب ظاهرها الذي لا ريب فيه وهو أعدل شاهد على أن الكلام موضوع فيها على الحقيقة دون التجوزات المبنية على المساهلة التي نبني عليها ونتداولها فيما بيننا معاشر أهل العرف فننسب الهداية الى الحق الى كل مَن تكلّم بكلمة حق ودعا إليها وإن لم يعتقد بها أو اعتقد ولم يعمل بها أو عمل ولم يتحقق بمعناها، وسواءٌ اهتدى إليها بنفسه أو هداه إليها غيره.
بل الهداية الى الحق ـ التي هي الإيصال الى صريح الحق ومتن الواقع ـ ليس إلاّ لله سبحانه أو لمن اهتدى بنفسه أي هداه الله سبحانه من غير واسطة تتخلل بينه وبينه، فاهتدى بالله وهدى غيره بأمر الله سبحانه... وقد تبيّن بما قدّمناه في معنى الآية أمور:
أحدها: أن المراد بالهداية الى الحق ماهو بمعنى الإيصال الى المطلوب دون ماهو بمعنى إراءة الطريق المنتمي الى الحق فإن وصف طريق الحق يتأتى من كل أحد سواء اهتدى الى الحق بنفسه أو بغيره أو لم يهتد.
وثانيها: أن المراد بقوله: (من لا يهدِّي إلاّ أن يهدى) هو من لا يهتدي بنفسه، وهذا أعم من أن يكون ممّن يهتدي بغيره أو يكون ممن لا يهتدي أصلاً لا بنفسه ولا بغيره...
وثالثها: أن الهداية الى الحق ـ بمعنى الإيصال إليه ـ إنما هي شأن مَن يهتدي بنفسه: أي لا واسطة بينه وبين الله سبحانه في أمر الهداية إما من بادئ أمره أو بعناية خاصة من الله سبحانه كالأنبياء والأوصياء من الأئمة. وأما الهداية بمعنى إراءة الطريق ووصف السبيل فلا يختص به تعالى ولا بالأئمة من الأنبياء والأوصياء، كما يحكيه الله تعالى عن مؤمن آل فرعون إذ يقول: (وقال الذي آمن يا قوم اتّبعونِ أهدكم سبيل الرّشاد)...(82)
وأما قوله تعالى خطاباً للنبي (صلى الله عليه وآله) وهو إمام: (إنّك لا تهدي مَنْ أحببت ولكنّ الله يهدي مَنْ يشاء)(83) وغيرها من الآيات فهي مسوقة لبيان الأصالة والتبع كما في آيات التوفي وعلم الغيب ونحو ذلك مما سبقت لبيان أن الله سبحانه هو المالك لها بالذات والحقيقة، وغيره يملكها بتمليك الله ملكاً تبعياً أو عرضياً ويكون سبباً لها بإذن الله، قال تعالى: (وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا(84) وفي الأحاديث اشارة الى ذلك وأن الهداية الى الحق شأن النبي وأهل بيته ـ صلوات الله عليهم أجمعين. انتهى قول العلاّمة الطباطبائي (رحمه الله) في تفسير الآية ملخصاً وقد عرض الأقوال الاُخرى الواردة في تفسير الآية وبيّن عدم انسجامها مع منطوق الآية نفسه.(85)
والمتحصّل من التدبر فيها هو حصر الهداية الى الحق بمعنى الايصال الى صريحه بالله تبارك وتعالى بالأصالة وبالتبع بمن كان مهدياً بنفسه من قبل الله تبارك وتعالى إذ يتحلّى بدرجة عالية من الاستعداد الذاتي لتلقي المنح الخاصة بالهداية من الله تبارك وتعالى سواء عن طريق الوحي إذا كان نبيّاً أو عن طريق الإلهام الإلهي الخاص إذا لم يكن نبيّاً؛ وكذلك للحصول على (أمر الله) للقيام بمهمة الهداية اليه عزّ وجلّ، ومراجعة الآيات التي تتحدث عن (أمر الله) تقودنا ـ وبوضوح ـ الى معرفة أنه يشمل الولاية التكوينية والتصرّف الخاص إذ لا تجد آية في القرآن الكريم تذكر (أمر الله) دون أن يقتصر معناه على ولايته التكوينية أو يشملها الى جانب الولاية التشريعية (فالإمام هاد يهدي بأمر ملكوتي يصاحبه، فإلامامة بحسب الباطن نحو ولاية للناس في أعمالهم).(86)
وبهذه الولاية التكوينية يستطيع الهادي الى الله بأمره أن يتصرّف بالأسباب ويصل الى حقائق وبواطن العباد فيعطيهم من حقائق الهداية ما يناسبهم، وهذا التصرّف هو الذي ساقنا إليه التدبر في الآيات الناصة على وجود شهيد في كل زمان على أهل عصره.
الهادي منصوب من الله وبالرجوع ثانية الى القرآن الكريم نجده يصرّح بأن الذي يكون هادياً للناس بأمر الله تبارك وتعالى هو الإمام المنصوب لذلك من قبل الله تعالى كما هو واضحٌ من قوله تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا).(87)
وفي هذا تأكيد لما دلّت عليه آيات الإمامة وأنها عهد إلهي يجعله الله فيمن يختاره من عباده، كما أشرنا لذلك في الحديث عن آيات سورة الاسراء وصفات الإمام.
نعود للآية مورد البحث من سورة الرعد فهي تصرّح بأنه (لكل قوم هاد) على نحو الإطلاق ومصداق الهادي المراد فيها لا يمكن أن يكون أحد الكتب السماوية للسبب نفسه الذي أوردناه في معرفة مصداق (الإمام) في آية سورة الإسراء، كما لا يمكن حصر المصداق بالنبي لما قلنا من أنه يخرج الفترات التي ليس فيها نبي من حكم الآية وهذا خلاف ظاهر الآية العام الذي يشمل جميع الأزمان.
كما لا يمكن أن يكون المصداق المقصود في الآية هو الله سبحانه وتعالى؛ لأن هدايته تشمل جميع الأزمنة دونما تخصيص بقوم دون قوم، وهذا خلاف ظاهر الآية، خاصة وأن لفظة (هاد) جاءت بصيغة النكرة، الأمر الذي يفيد تعدد الهداة.
يُضاف الى كل ذلك أن الهداية الإلهية للناس تكون بواسطة هداة من أنفسهم مرتبطين به تبارك وتعالى يتلقون منه الهداية وينقلونها الى عباده، وهؤلاء هم المهتدون بأنفسهم منه تبارك وتعالى دونما واسطة كما تقدم في تفسير آية سورة يونس وهم الذين يهدون بأمره تعالى. وهم الأئمة المنصوبون للهداية بأمره تعالى كما تقدم حيث لم يرد في القرآن الكريم وصف الهداية بأمره إلاّ في موردين اقترن فيهما بوصفي (الأئمة) وإختيارهم لذلك من قبل الله تعالى، والموردان هما آية سورة الأنبياء المتقدمة وآية سورة السجدة: (وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا).(88)
وتكون النتيجة المتحصلة من التدبر في الآية الكريمة مورد البحث هي حتمية وجود إمام هاد الى الله بأمره تبارك وتعالى منصوب لذلك من قبله عزّ وجلّ في كل عصر فلا تخلو الأرض منه سواء أكان نبيّاً أو غير نبي.
وحيث إن مثل هذا الشخص غير ظاهر في عصرنا الحاضر؛ إذ لا يوجد بين المسلمين ـ من أي فرقة كانت ـ مَن يقول بوجود إمام ظاهر هاد بأمر الله منصوب من قبله تعالى ورد النص عليه ممّن قوله حجة إلهية كما تقدم في البحث عن آية سورة الإسراء؛ لذا فلا مناص من القول بغيبته واستتاره، وقيامه بمهام الإمامة والهداية مستتراً بأستار الغيبة، فيكون الانتفاع به مثل الانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب كما ورد في الأحاديث الشريفة.(89) وهذا ما تقول به مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في الامام المهدي وغيبته.

الفصل الرابع: المهدي الموعود وغيبته في المتفق عليه من السنة

الى جانب الآيات الكريمة المتقدمة توجد بين أيدينا الكثير من الأحاديث الشريفة التي صحت روايتها عند أهل السنة والشيعة عن سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) بطرق كثيرة، تؤكد دلالات الطائفة المتقدمة من الآيات الكريمة وتفصل مجملاتها وتكمل الصورة التي ترسمها فيما يرتبط بالدلالة على وجود الإمام المهدي الموعود (عليه السلام) بالفعل وغيبته وتصرح بالمصداق الذي دلت عليه الآيات الكريمة بذكر صفاته العامة.
ونختار هنا نماذج من الأحاديث الشريفة المتواترة أو المستفيضة المروية بأسانيد صحيحة عند أهل السنة والمروية في الكتب الستة المعتمدة عندهم لأن الاحتجاج بها أبلغ، ولأن تفسيرها وتقديم المصداق المعقول لها غير ممكن إلا على ضوء عقيدة أهل البيت في المهدي المنتظر (عليه السلام) فيما يرتبط بعصرنا الحاضر خاصة؛ ولأن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، قد صرح في هذه الأحاديث المختارة بالأهمية القصوى التى تحظى بها مضامينها كما سنرى.
1 ـ حديث الثقلين
وهو من الأحاديث المتواترة، رواه حفاظ أهل السنة والشيعة بأسانيد صحيحة عن جم غفير من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، عدَّ ابن حجر ـ من علماء أهل السنة ـ أكثر من عشرين منهم في كتابه الصواعق المحرقة(90) وعدَّ غيره من حفّاظ أهل السنة أكثر من ثلاثين صحابياً كما في سنن الترمذي،(91) وألّف الحافظ أبو الفضل المقدسي المعروف بابن القيسراني ـ وهو من كبار حفّاظ أهل السنّة ـ كتاباً خاصاً عن طرق هذا الحديث الشريف.(92) كما أثبتت العديد من الدراسات الحديثية تواتره بما لا يدع أي مجال للنقاش أو التشكيك، نظير ما فعل العلامة المتتبع المير حسين حامد الموسوي في موسوعة عبقات الأنوار وغيره من العلماء.(93)
ويتضح من روايات هذا الحديث الشريف أن النبي المكرم (صلى الله عليه وآله) قد كرر مضمونه بعبارات وألفاظ متقاربة في عدة مناسبات، منها في يوم عرفة من حجة الوداع، وموقف يوم الغدير في طريق عودته منها وبعد انصرافه من الطائف، وفي الجحفة، وفي خطبة له في مسجده بالمدينة بعد عودته من هذه الحجة، وفي حجرته أيام مرضه (صلى الله عليه وآله) وقد امتلأت الحجرة بالصحابة.(94) وكل ذلك يكشف عن أهمية الوصية النبوية التي تضمنها الحديث بالنسبة للإسلام والمسلمين وإلا لما أولاها ـ وهو الحريص على المؤمنين الرؤوف الرحيم بهم ـ كل هذا الاهتمام في التكرار والتبليغ في تلك المواطن المهمة التي تجمع أكبر عدد من المسلمين، خاصة وأنه (صلى الله عليه وآله) كان يبادر لإعلان هذه الوصية ويؤكدها على الملأ العام دون أن ينتظر مَن يسأله عنها.
ويستفاد من بعض الروايات أن مضمون الوصية التي تضمنها هذا الحديث الشريف، هو الذي أراد رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) كتابته للمسلمين في الأيام الأخيرة من حياته المباركة عندما طلب أن يأتوه بكتف ودواة ليملي عليهم وصية لكي لا يضلوا بعده، كما ورد في نص حديث الكتف والدواة هذا المروي في صحيح البخاري(95) وغيره فمنعوه من ذلك ووقع الاختلاف فصرفهم كما في حديث رزية يوم الخميس المشهور دون أن يدون الوصية، إذْ يُلاحظ أن عبارة (لن تضلوا بعدي) المذكورة في حديث طلبه كتابة الوصية عبارة متكررة في حديث الثقلين أيضاً، كما تكررت وصيته بأهل بيته وعترته خيراً في حديث الثقلين وفي وصاياه في الساعات الأخيرة من حياته المباركة.
ويظهر من ذلك بوضوح أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أراد تسجيل مضمون الحديث الشريف في وثيقة نبوية حاسمة للجدال مدونة بحضور كبار صحابته قطعاً للجدال وتوكيداً للأمر. وكل ذلك يبيّن أن الموضوع الذي يتضمنه مهم للغاية وإلا لما أكد عليه هادي الأمم (صلى الله عليه وآله) بهذه الدرجة المشددة، وهذا الأمر يكشف عنه نص الحديث نفسه المصرح بأن العمل بالوصية التي يتضمنها هو سبيل النجاة من الضلالة بعده (صلى الله عليه وآله)... كما سيتضح أكثر خلال دراسة نصه.
كما أن ثبوت تواتر الحديث الشريف عند المسلمين كافة يجعل من الممكن الاستناد اليه في المسائل الاعتقادية كما هو ثابت في علم الكلام الاسلامي، لذا يمكن الاستناد اليه في قضية الإمامة.
اللفظ المتواتر: كتاب الله وعترتي
واللفظ المتواتر لهذا الحديث الشريف هو الذي ورد فيه ذكر القرآن الكريم وأهل بيت النبي أو عترته ـ صلوات الله وسلامه عليه وعليهم ـ كمصداق للثقلين والأمر بالتمسك بهما منجاة من الضلالة الى يوم القيامة، طبق ما رواه البخاري في كتابه التأريخ الكبير ومسلم في صحيحه والترمذي في سننه وكذلك النسائي في خصائصه وابن ماجه في سننه، وأحمد بن حنبل في مسنده، والحاكم في مستدركه وصححه على شرط الشيخين ووافقه في ذلك الذهبي، وغيرهم كثير،(96) وما أخرجه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم هو قوله: (... قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر، ثم قال:
(أما بعد، أيها الناس، فإنما أنا بشر ويوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به... وأهل بيتي اذكركم الله في أهل بيتي، اذكركم الله في أهل بيتي، اذكركم الله في أهل بيتي).(97)
وأخرج الترمذي في سننه بسنده عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدودٌ من السماء الى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما).(98)
وأخرج الحاكم في مستدركه ما نصّه:
(كأنني قد دعيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا (يتفرق) حتى يردا عليَّ الحوض، إن الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن. مَنْ كنت مولاه فعليٌّ مولاه. اللهم وال من والاه وعادِ مَن عاداه).(99)
وأخرج ابن حجر في صواعقه ما نصّه:
(إني مخلفٌ فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فلا تقدموهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).(100)
والألفاظ الأخرى التي أخرجها باقي الحفاظ مقاربة لهذه النصوص. وفي جميعها ورد الحديث بلفظ (كتاب الله وأهل بيتي)، وهو اللفظ المتواتر، لذا فلا اعتبار في مقابله باللفظ المحرف الذي استبدل عبارة (عترتي أهل بيتي) بكلمة (سنتي)، فأهداف هذا التحريف واضحة والإصرار على ترويجه ارتبط بمصالح الأمويين والعباسيين السياسية، يُضاف الى ذلك أن هذا اللفظ المحرف لم يُرو في المصادر المعتبرة،(101) وهو في أفضل الأحوال من روايات الآحاد الضعيفة التي لا تفيد علماً ولا عملاً خاصة في مسألة عقائدية مهمة كالتي يتناولها مضمون الحديث.
وحتى لو فرضنا صحة رواية هذا اللفظ المحرف ـ كما فعل ابن حجر في صواعقه ـ فانّ ذلك لا يعارض اللفظ المتواتر ولا ينقص من دلالته العقائدية المهمة، بل إن الجمع بينهما ممكن وهو يضيف تأكيداً لحقيقة أن سنة الرسول (صلى الله عليه وآله) هي عند أئمة عترته فهم العلماء بالكتاب والسنة، كما أشار لذلك ابن حجر حيث قال: (... وفي رواية (كتاب الله وسنتي) وهي المراد من الأحاديث المقتصرة على الكتاب لأن السنة مبينة له؛ فأغنى ذكره عن ذكرهما، والحاصل أن الحث وقع على التمسك بالكتاب وبالسنة وبالعلماء بهما من أهل البيت، ويُستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة الى قيام الساعة).(102)
دلالات الحديث على وجود الإمام
دلالات الحديث الشريف كثيرة، وقد استدل به العلماء لاثبات معظم مسائل الإمامة حسب مذهب أهل البيت (عليهم السلام)،(103) نقتصر هنا على ذكر أهمها ممّا يرتبط بموضوع بحثنا خاصة.
1 ـ صرّح الحديث الشريف بأن سبيل النجاة من الضلالة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، إنما يكون بالتمسك بالقرآن والعترة النبوية معاً: (ما إن تمسكتم بهما)، وليس بواحد منهما فقط، بمعنى أن التمسك بأحدهما لا يكون تاماً وحقيقياً ولن يضمن النجاة من الضلالة إلا إذا اقترن وقاد الى التمسك بالآخر، فلن يكون مدعي التمسك بأحدهما صادقاً في ادعائه لأنهما (لن يفترقا).
2 ـ حدّد الحديث بوضوح هوية الثقل الثاني بقوله (صلى الله عليه وآله): (عترتي أهل بيتي)، والعترة كما يقول علماء اللغة: (نسل الإنسان، قال الأزهري: وروى ثعلب عن ابن الأعرابي أن العترة ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه ولا تعرف العرب من العترة غير ذلك).(104)
وبهذا تخرج نساء النبي (صلى الله عليه وآله) من مصداق الحديث.
بل وحتى مع الأخذ بوصف (أهل بيتي) مجرداً تخرج نساء النبي من المصداق لما أخرجه مسلم في صحيحه في ذيل حديث الثقلين حيث وضّح راوي الحديث عن زيد بن أرقم المقصود عندما سألوه: (مَن أهل بيته، نساؤه؟ قال: لا وأيم الله، إن المرأة تكون مع الرجل من الدهر ثم يطلقها فترجع الى أبيها وقومها. أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة من بعده).(105)
مصداق أهل البيت عليهم السلام:
وقد حدّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه مصداق (أهل البيت) بعد نزول آية التطهير، حيث خصصها ببيت فاطمة (عليها السلام)، حيث (انه كان يمر ببيت فاطمة رضي الله عنها ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر فيقول: الصلاة يا أهل البيت، (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)، كما روى ذلك أحمد بن حنبل في مسنده.(106)
يُضاف الى ذلك تصريحه بأن هؤلاء هم أهل بيته في حديث الكساء المشهور وإخراجه زوجته أم المؤمنين أم سلمة منهم وقوله لها إنها على خير لكنها ليست من أهل البيت. وحديث الكساء رواه مسلم في صحيحه والسيوطي في الدر المنثور بعدة أسانيد صحيحة طبق طرق أهل السنة.(107)
والثابت أن الإمام عليّاً (عليه السلام) أدخله في مصداق (أهل البيت) وان لم يكن من صلبه كما هو ظاهر مما تقدم.
عصمة الإمام وتوفر شروط الحديث
3 ـ إنّ معرفة مصداق (أهل بيتي وعترتي) في الحديث الشريف تبين صفة أخرى للثقل الثاني هي تحلّيه بالعصمة كما هو واضح من دلالة آية التطهير المباركة،(108) وهذا ما ينسجم مع دلالة الحديث نفسه على عصمة الثقل الثاني، فهو يؤكد عدم افتراق الثقلين أبداً وفي أي حال كما هو المستفاد من استخدام أداة (لن) التأبيدية، ومن الثابت أنّه لا باطل في القرآن ابداً، لذا فعدم افتراق الثقل الثاني عنه دالّ على عصمته وإلاّ لافترق عن القرآن في حالات صدور الخطأ أو المعصية وكل مصاديق الباطل، وهذا ما ينفيه الحديث صراحةً الأمر الذي يدل على عصمة العترة.
ويُضاف الى ذلك أن الأمر بالتمسك بهما معاً مطلق ـ كما هو واضح لأنه لم يُقيّد بشيء ـ؛ لذلك فهو يشمل مختلف الأحوال والأزمان، ولو جاز وقوع العترة بما يخالف العصمة لأدّى ذلك الى القول بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر بالتمسك بها حتى في الحالات التي تقع في الخطأ وما يخالف القرآن، وهذا محال.
كما يتضح مما تقدم إخراج غير المعصومين من ذرية الرسول من مصداق الثقل الثاني المأمور بالتمسك به، يقول ابن حجر في دراسته لهذا الحديث: (ثم إن الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب الى الحوض ويؤيده الخبر السابق: (ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم) وتميزوا بذلك عن بقية العلماء لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة وقد مر بعضها).(109)
وقد أثبت الواقع التأريخي انحصار توفر هذا الشرط بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الإمام علي والأحد عشر إماماً من أولاده وأولاد فاطمة بنت رسول الله أي من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما نسب نبي الله عيسى الى ابراهيم من جهة البنت. فالإمامية مجمعون على عصمتهم وسائر فرق أهل السنة مجمعة على محبتهم ونزاهتهم ولم يدع أحد صدور أي شيء يخالف عصمتهم رغم حرص الحكومات المعاصرة لهم على الحصول على أي شيء من هذا القبيل كما هو ثابت تأريخياً أيضا.(110)
4 ـ كما أن الأمر بالتمسك بالقرآن والعترة مطلقٌ زمانياً أيضاً كما هو واضحٌ من قوله (صلى الله عليه وآله): (من بعدي) دونما تقييد، فهو نافذ المفعول الى يوم القيامة لخلود الشريعة المحمدية حيث لا نبي بعده (صلى الله عليه وآله)، وحيث إن القرآن محفوظ من الله تبارك وتعالى، والعترة هي الثقل الملازم له الذي لن يفترق عنه، لذلك فهي محفوظة من الله تبارك وتعالى الى يوم القيامة أيضاً.
من هنا يتضح أن في هذا الحديث الشريف المتواتر نصاً صريحاً على حتمية وجود ممثل لأهل بيت النبي وعترته (صلى الله عليه وآله) يتحلى بالعصمة وملازمة القرآن في كل عصر لكي يتمسك العباد به وبالذكر الإلهي المحفوظ بهدف النجاة من الضلالة عملاً بوصية نبيهم الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله)، وإلا لبطل مضمون هذا الحديث المتواتر الذي ثبت صدوره عمن لا ينطق عن الهوى.
فلابد إذن من وجود إمام معصوم من العترة النبوية في عصرنا الحاضر يكون مصداقاً للثقل الثاني ويكون التمسك به ممكناً. وقد تنبه لهذه الحقيقة والدلالة الواضحة في حديث الثقلين عدد من كبار علماء أهل السنة وصرح بعضهم بها، مثل ابن حجر الهيثمي حيث قال: وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة الى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به الى يوم القيامة كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي ويشهد لذلك الخبر السابق: (في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي...).(111)
مصداق الحديث في العصر الحاضر
إذن الحديث الشريف يدل بصراحة على وجود متأهل من عترة النبي (صلى الله عليه وآله) للتمسك به الى جانب القرآن الكريم في عصرنا الحاضر ويشترط فيه أن يكون معصوماً أيضاً، فَمن هو هذا الإمام؟
من الواضح أن ليس ثمة إمام ظاهر يدعي ذلك أو تنطبق عليه الصفات المستفادة من هذا الحديث الشريف، فلابد إذن من القول بوجوده وغيبته لأن القول بعدم وجوده مردود بدلالة حديث الثقلين المتواتر، وهذه هي خلاصة عقيدة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي الموعود القائمة على الكثير من الأدلة النقلية والعقلية والقائلة بوجوده وغيبته عن الأبصار دون أن تمنع غيبته إمكانية الانتفاع به كما ينتفع بالشمس إذا غيبتها عن الأبصار السحاب.
2 ـ احاديث الخلفاء الاثني عشر
روى أحاديث الخلفاء أو النقباء أو الأمراء أو القيمين الاثني عشر، أصحاب الصحاح والمسانيد المعتبرة عند أهل السنة بأسانيد صحيحة عن جابر ابن سمرة، كما رووها عن أنس بن مالك وابن مسعود وعبدالله بن عمر وحذيفة بن اليمان، وكلها مسندة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومضمون الحديث مروي ـ بتفصيل أكثر ـ وبتواتر من طرق أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وقد نقل آية الله الشيخ لطف الله الصافي أكثر من (270) حديثاً بهذا الشأن.(112)
فهذه الأحاديث من المتفق عليه بين الفرق الاسلامية فلا مجال للتشكيك في صحة المقدار المشترك بينها على الأقل. لكننا نكتفي هنا بالنصوص المروية في الكتب المعتبرة عند أهل السنة وتحديد دلالتها ومصداقها ـ على الرغم من خلوها من التفصيلات الموجودة في أحاديث الطرق الاخرى لاسباب واضحة ـ لكي تكون النتيجة حجة على الجميع.
ألفاظ الأحاديث
روى البخاري في صحيحه بسنده عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: (يكون إثنا عشر أميراً)، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: (كلهم من قريش).
ورواه مسلم في صحيحه من عدة طرق عن جابر بن سمرة وبعدة ألفاظ وفي بعضها لفظ:
(إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي إثنا عشر خليفة...).
(لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم إثنا عشر رجلاً...).
(لا يزال الإسلام عزيزاً الى إثني عشر خليفة...).
وتشترك هذه الأحاديث في أنه لم يسمع ذيل الحديث فأخبره والده بلفظ (كلهم من قريش) وهي التتمة الواردة في معظم نصوص الحديث.
ورواه الترمذي بلفظ: (يكون من بعدي إثنا عشر أميراً...) وأبو داود بلفظ: (لا يزال هذا الدين عزيزاً الى اثني عشر خليفة، فكبّر الناس وضجوا ثم قال كلمة خفيت، قلت لأبي: يا أبه ما قال؟ قال: كلهم من قريش).
ورواه أحمد في مسنده بطرق كثيرة منها بلفظ: (لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة،...)، وفي بعضها أن ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو: (لا يزال هذا الدين ظاهراً على مَن ناواه، لا يضره مخالف ولا مفارق حتى يمضي من أُمتي إثنا عشر أميراً...)، وفي روايات اُخرى أنه قاله في عرفات، وفي أخرى في يوم جمعة عشية رجم الأسلمي، وفي بعضها أن الرسول عقب عليه بالقول: (... وإذا أعطى الله تبارك وتعالى أحدكم خيراً فليبدأ بنفسه وأهله وأنا فرطكم على الحوض)، وفي بعضها أن قريشاً جاءت اليه (صلى الله عليه وآله) وسألته عما يكون بعد ذلك فقال: (الهرج).
ورواه الطبراني في المعجم الكبير وفي أوله: (يكون لهذه الأمة إثنا عشر قيماً لا يضرهم من خذلهم...).
ورواه المتقي الهندي في كنز العمال عن أنس بن مالك بلفظ: (لن يزال هذا الدين قائماً الى اثني عشر من قريش فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها).(113)
دلالاتها على وجود الإمام المهدي عليه السلام:
هذه هي النصوص المروية في المصادر المعتبرة عند أهل السنة، وبعد عرضها نثبت الدلالات المستفادة منها كما يلي:
1ـ المستفاد من روايات الحديث الشريف أنه جاء ضمن خطبة مهمة ألقاها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) على المسلمين وفي الأيام الأخيرة من حياته الشريفة، وتصرح مجموعة من رواياته أنها كانت في عرفات في حجة الوداع الشهيرة وهي الخطبة نفسها التي أعلن فيها وصيته الشهيرة بالتمسك بالقرآن وعترته في حديث الثقلين المتواتر الذي دل ـ كما عرفنا ـ على حتمية وجود متأهل من أهل البيت (عليهم السلام) للتمسك به إلى جانب القرآن والى يوم القيامة. وهي الحجة نفسها التي بلغ في طريق عودته منها الأمر القرآني بتنصيب الإمام علي ولياً ومرجعاً للمسلمين من بعده يخلفه في ذلك.
وهذا التقارن بين هذه الأحاديث الثلاثة وجمع تبليغها في الأيام الأخيرة من حياته الشريفة وإحاطتها بكثير من الأهمية يكشف عن أهمية مضامينها فيما يرتبط بهداية المسلمين الى ما يضمن لهم النجاة على المستويين الفردي والاجتماعي واستمرار تحرك المسيرة الإسلامية من بعده على الصراط المستقيم والمحجة البيضاء.
فهي تشترك في الموضوع المستقبلي الذي تدور عليه مضامينها، لذلك لا يمكن القول بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) اراد من أحاديث الائمة الاثني عشر مجرد الإخبار عن واقع تأريخي سيجري بعد وفاته، فهذا ما لا يمكنه تفسير الأهمية القصوى التي أحاط بها تبليغه لمضمون هذا الحديث، بل واضحٌ أن تبليغ هذا الحديث في الأيام الأخيرة من حياته الشريفة يأتي في ضمن مساعيه لهداية المسلمين الى ماينقذهم من الضلالة والانحراف بعده وهو الهدف الذي صرح به في حديث الثقلين، لذا فذكر الأئمة أو الخلفاء الاثني عشر والإخبار عن مجيئهم بعده هو لهداية المسلمين وصوناً لمستقبل مسيرتهم من بعده وإتماماً للحجة عليهم. وهذه نقطة محورية مهمة يجب أخذها بنظر الاعتبار لدراسة هذا الحديث ولمعرفة مصداقه.
ترابط أحاديث حجة الوداع
2 ـ وعلى ضوء اشتراك الأحاديث الثلاثة في موضوع واحد، فإن مما يعين على فهم هذا الحديث الشريف مورد البحث، ملاحظة ارتباطه بالحديثين الآخرين اللذين بلغهما الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع نفسها أو على الأقل في فترة زمنية واحدة هي الأيام الأخيرة من حياته الشريفة. وحقيقة الأمر أن الأحاديث الثلاثة ترسم صورة متكاملة لطريق اهتداء المسلمين لما يضمن مستقبل مسيرتهم من بعده (صلى الله عليه وآله).
فحديث الثقلين يصرح ـ كما بيّنا سابقاً ـ بأن النجاة من الضلالة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) تكون بالتمسك بالقرآن والعترة وأن لكل زمان رجلاً من أهل بيته وعترته جديراً بأن يكون التمسك به الى جانب القرآن منجاة من الضلالة.
أما حديث الغدير فإنه يصرح باسم الإمام علي (عليه السلام) كولي للامة بعده (صلى الله عليه وآله) يجب عليهم التمسك بولايته كما وجب التمسك بولاية خاتم المرسلين، وهذا ما يدل عليه أخذه (صلى الله عليه وآله) إلا قرار من المسلمين بأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم قوله: (مَن كنتُ مولاه فهذا علي مولاه).(114)
أما حديث الأئمة الاثني عشر فإنه يصرح بأن الدين يبقى قائماً الى يوم القيامة بوجود هؤلاء الأئمة وبهذا العدد لا يزيد ولا ينقص، ويهدي الى التمسك بهم.
فتكون الصورة التي ترسمها الأحاديث الثلاثة معاً ـ وقد صدرت في حجة واحدة أو على الأقل في فترة زمنية واحدة هي الأيام الأخيرة من حياته الشريفة وضمن مسعى واحد هو هداية المسلمين الى سبيل النجاة من الانحراف والضلالة بعده وهي: أن النجاة من الضلالة وحفظ قيام الدين تكون بالتمسك بالقرآن الكريم وبأئمة العترة الطاهرة الذين لا يخلو زمانٌ من أحدهم وأن أولهم الإمام علي (عليه السلام) وعددهم إثنا عشر إماماً لا يزيد ولا ينقص.
مصداق الخلفاء الاثني عشر
وعندما نرجع للواقع التأريخي الاسلامي لا نجد مصداقاً للنتيجة المتحصلة سوى أئمة أهل البيت الاثني عشر بدءً بالإمام علي وانتهاءً بالمهدي المنتظر ـ سلام الله عليهم ـ لا يزيد عددهم عن الأثني عشر ولا ينقص فجاؤا المصداق الوحيد لما أخبر به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إذْ لم يدّع غيرهم ذلك، تحقيقاً للنبوة المحمدية الثابتة عند المسلمين جميعاً.
وحيث قد ثبتت عند المسلمين كافة وفاة الأئمة الأحد عشر من هؤلاء الأئمة الاثني عشر، وثبت عند الإمامية عدموفاة الثاني عشر منهم، في حين أن الحديث المتقدم ينص على استمرار وجودهم الى يوم القيامة؛ لذا فلا مناص من القول بوجود الإمام الثاني عشر وغيبته ـ إذ من الثابت للجميع عدم ظهوره ـ وقيام الدين بوجوده في غيبته ايضاً تصديقاً لما نص عليه الحديث المتقدم. فيكون هذا الحديث الشريف دليلاً على وجود المهدي الإمامي وغيبته.
دراسة الأحاديث مستقلة
3ـ الدلالة نفسها يمكن التوصل إليها من خلال دراسة الحديث المتقدم بصورة مستقلة وبغض النظر عن ارتباطه بحديثي الثقلين والغدير، واستناداً الى الدلالات المستفادة من الحديث نفسه وطبقاً للمروي في كتب أهل السنة. فنصوصه تجمع على أن موضوعه الأول إخبارُ المسلمين بأن إثني عشر شخصاً سيخلفون النبي (صلى الله عليه وآله) لقوله: (يكون من بعدي)، أي في الفاصلة الزمنية بين رحيله والى يوم القيامة كما هو المستفاد من قوله في مقدمة الحديث: (إن هذا الأمر لا ينقضي) كما في صحيح مسلم وغيره والصيغ الاخرى دالة على الأمر نفسه.
وعليه فالصفات والدلالات التي يشتمل عليها الحديث الشريف لا تنطبق على أكثر من إثني عشر شخصاً بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والى يوم القيامة، وإلا لما حصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأمر بهم. فمَنْ هم هؤلاء؟
وللإجابة على هذا السؤال نرجع الى نصوص الحديث الشريف نفسه لمعرفة الصفات التي تحددها لهم ثم نلاحظ على مَن تنطبق.
إنّ الصفات التي تذكرها النصوص هي: امراءٌ، قرشيون، كونهم خلفاء، بقاء الإسلام عزيزاً بهم، قيام الدين بهم، قيّمون على الأمة، خذلان البعض لهم وتعريضهم للمعاداة. فلندرس كل واحدة من هذه الصفات.
إنّ معنى الإنتماء لقريش واضح، وقد أجمعت معظم المذاهب الإسلامية على اشتراطه في الإمام. أما صفة (الخليفة) أو (الأمير) فالمعنى المتبادر منها هو مَن يخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قيادة المسلمين أو مَن يلي أمرهم، فهل الوصف هذا يراد به من تولّى حكم المسلمين السياسي بعد وفاته (صلى الله عليه وآله)؟!.
من الواضح أنه لا يمكن حمل الوصف المذكور على هذا المعنى، إذ إنّ هذا تنفيه أحاديث اُخرى صحت حتى عند إخواننا أهل السنة وهي المصرحة بأن الخلافة بهذا المعنى لن تستمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأكثر من ثلاثين عاماً ثم تصبح ملكاً كما في صحيحي البخاري ومسلم.(115) في حين أن الحديث الشريف يصرح باستمرار وجود هؤلاء الاثني عشر الى يوم القيامة. فلا معنى لحصر البحث عن مصاديق الحديث الشريف فيمن تولى حكم المسلمين بالفعل.
دلالة الواقع التأريخي
يُضاف الى ذلك أن الواقع التأريخي الاسلامي ينفي أن يكون المقصود بالخليفة هذا المعنى، إذْ انّ عدد مَن وصل للحكم من المسلمين بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتسمى بهذا الاسم يفوق الإثني عشر بكثير.
أجل يمكن القول بأن الإثني عشر المقصودين في الحديث الشريف قد يكون بعضهم من هؤلاء الذين وصلوا الى الحكم وهم الجامعون للأوصاف الواردة في النصوص وليس مجرد تسلم حكم المسلمين بطريقة أو بأخرى يجعلهم مصداقاً للخلفاء والاُمراء في هذا الحديث الشريف.
فإنّ الخلافة والإمرة بالمعنى المعروف والمتداول بين المسلمين هو أمر منقوض ومردود بتصريح الأحاديث الشريفة بسرعة زوال الخلافة بهذا المعنى كما تقدم، ولأنه يستلزم أن يكونوا متفرقين على مدى التاريخ الإسلامي وهذا ما تنقضه الدلالات الأخرى المستفادة من الحديث الشريف، لأن مصاديق هذا المفهوم قد انقطعت منذ مدة طويلة في حين أن الحديث ينص على استمرار وجود هؤلاء الخلفاء الإثني عشر الى يوم القيامة دونما انقطاع كما سنرى لاحقاً.
ولذلك لا بد من حمل معنى (الخليفة) في هذا الحديث على ماهو أعم من التولي المباشر للحكم السياسي، أي أن يكون المقصود خلافته (صلى الله عليه وآله) في الوصاية على الدين والولاية على الأمة وهدايتها الى الصراط المستقيم سواء استلم الخليفة الحكم عملياً أو لم يستلمه، فالرسول (صلى الله عليه وآله) كان يقوم بهذه المهمة عندما كان في مكة يتابع نشر دعوته بسرية وعندما أعلنها وتعرض للأذى من المشركين وعندما هاجر الى المدينة وأقام دولته وتولى حكومتها. فقد كان (صلى الله عليه وآله) قيّماً على الدين الحق حافظاً له وداعياً إليه في كل الأحوال، دون أن يكون لاستلامه الفعلي للحكم علاقة بإنجاز هذه المهمة وإن كان هو الأجدر باستلام الحكم في كل الأحوال.
وهذا ما يشير إليه تشبيهه (صلى الله عليه وآله) لهؤلاء الإثني عشر بنقباء بني اسرائيل وأوصياء موسى (عليه السلام) كما في حديث ابن مسعود المروي في مسند أحمد بن حنبل وغيره.(116) وهذا ما يدل عليه الحديث الشريف نفسه عندما يربط ـ في بعض نصوصه ـ بين وجودهم وبين قيام الدين أي حفظه، فهم أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخلفاؤه في الوصاية على دينه والهداية إليه.
اتصال وجود الخلفاء الاثني عشر:
وهذه الصفة ـ أي قيام الدين بهم ـ تدل على استمرار وجودهم ما بين وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويوم القيامة، لأن القول بتفرقهم وخلو بعض الأزمان من أحدهم مع ربط قيام الدين بهم، يعني ضياع الإسلام وعدم قيامه في بعض الأزمان وهذا خلاف ما يدل عليه الحديث الشريف بعبارات من قبيل (لا يزال الدين قائماً) (لا يزال الإسلام عزيزاً).
من هنا لا يمكن أن يكون مصداق الحديث الشريف أشخاصاً متفرقين على طول التأريخ الإسلامي بل يجب أن لا يخلو زمان من واحد منهم. فيكون وجودهم متصلاً.
كما ان صفة قيام الدين بهم تؤكد أن المعنى المراد من الخلافة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) هو المعنى الشمولي المتقدم الذي يشمل بالدرجة الأولى الوصاية على الدين الحق وحفظه والدعوة له والهداية إليه، الأمر الذي يؤهلهم للقيمومة على الأمة والولاية الشرعية عليهم المنتزعة من الولاية النبوية كما في حديث الغدير المشار إليه.
وهذا يستلزم تحليهم بالدرجة العليا من العلم بالدين الحق والعمل على وفقه لكي يكونوا أهلاً لحفظه وهداية الخلق إليه، وهذا ما يشير إليه قوله (صلى الله عليه وآله) في وصفه لهم: (كلهم يعمل بالهدى ودين الحق) الوارد في ذيل بعض نصوص هذا الحديث الشريف.(117)
وعلى ضوء ما تقدم نفهم الصفة الاخرى التي يذكرها الحديث الشريف لهم وهي أنهم سيُعرضون للكثير من أشكال المعاداة والخذلان ـ ولو لم يكن كثيراً لما استحق الذكر ـ دون أن يضرهم ذلك، فهذا العداء والخذلان لن يضرهم بمعنى أنه لا يصدهم عن تحقيق مهمتهم الأساسية بالحفاظ على قيام الدين وعزته رغم كل الصعاب وبقائه محفوظاً عندهم في كل الأزمان رغم أن الكيان السياسي للمسلمين تعرض لحقب تأريخية عديدة أصابه فيها الذل والهوان وتولى حكمه فيها أبعد الخلق عن معنى خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
هذه هي صفات الخلفاء الأئمة الاثني عشر المستفادة من دلالات الحديث الشريف طبقاً لنصوصه المروية في أفضل الكتب المعتمدة عند إخواننا أهل السنة، فعلى من تنطبق؟
ائمة العترة هم المصداق الوحيد
الواقع التأريخي يثبت أن المصداق الوحيد الذي تنطبق عليه هم الائمة الاثنا عشر من عترة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله). وهم يختصون بهذا العدد تأريخياً كما هو معلوم وتنطبق عليهم الأوصاف المستفادة من دلالات الحديث الشريف، كما سنشير لذلك فيما يلي:
أدلة التطبيق
أولاً: انّ الحديث يدل بصورة واضحة على لزوم توفر تلك الأوصاف في هؤلاء الخلفاء الاثني عشر والتي تؤهلهم لكي يكون الدين قائماً بهم. بمعنى أن يكونوا جميعاً معبرين عن خط واحد ومنهج واحد في الدفاع عن الدين وحفظه وتبليغه ـ كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ، وقد توفرت هذه الصفات في ائمة العترة النبوية الطاهرة الذين ثبت أن علوم النبي (صلى الله عليه وآله) عندهم وثبت عنه وصيته بالتمسك بهم للنجاة من الضلالة كما في حديث الثقلين، وقد أخذ الكثير من المسلمين ـ ومنهم أئمة المذاهب الأربعة ـ علوم الدين منهم كما هو ثابت تأريخياً وثبت في روايات مختلف الفرق الإسلامية لجوء الجميع إليهم وفقرهم إليهم في علوم الدين واستغناؤهم (عليهم السلام) عن الجميع في ذلك.(118)
كما أثبتت سيرتهم تفانيهم في الدفاع عن الإسلام ونشر علومه وإغاثة المسلمين عندما هاجمتهم الغزوات الفكرية. واحتجاجاتهم على الملحدين وأرباب الديانات الأخرى مدونة في كتب المسلمين وهي تثبت حقيقة قيام الدين بهم وخلافتهم للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في ذلك، وأهليتهم لقيادة المسلمين أيضاً كما صرح بذلك الذهبي مثلاً حيث قال بأهلية الإمام الحسن والحسين والسجاد والباقر (عليهم السلام) ثم قال: وكذلك جعفر الصادق كبير الشأن من أئمة العلم كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور، وكان ولده موسى كبير القدر جيد العلم أولى بالخلافة من هارون.(119)
ثانياً: إنّ سيرتهم (عليهم السلام) تنسجم مع تصريح الحديث الشريف بتعريض الخلفاء الإثني عشر للمعاداة والخذلان دون أن يضر ذلك في قيامهم بإنجاز مهمتهم الأساسية في حفظ الدين والدفاع عنه كما لاحظنا ذلك في الفقرة السابقة، ومن المعروف تأريخياً أنهم تعرضوا للأذى والملاحقة الشديدة من قِبَل السلطات الحاكمة التي لم تألُ جُهداً لإبادتهم مثل ما جرى في واقعة الطف للحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه وتعريضهم للسجن والاغتيال بالقتل أو السم الأمر الذي أدى في نهاية المطاف الى ضرورة غيبة خاتمهم الإمام الثاني عشر (عليه السلام)، ولكن كل أشكال التعسّف والقهر والعداء والخذلان لم يُثنهم عن حفظ سنّة جدهم (صلى الله عليه وآله) وتبليغها حيث حفلت الأحاديث المروية عنهم والمدونة في كتب علماء مدرستهم بكل ما يحتاجه الإنسان في مختلف شؤونه الفردية والاجتماعية.(120)
ثالثاً: تنطبق عليهم دلالة الحديث على استمرار وجودهم بصورة متصلة ما بين وفاة جدهم (صلى الله عليه وآله) وقيام الساعة، في سلسلة ذهبية لم تؤد الى قطعها كل حملات العداء والخذلان التي تعرِّضوا لها، وإن أدت الى غيبة خاتمهم الإمام المهدي (عليه السلام) فاستمر دوره في حفظ الدين وقيامه بذلك من خلف استار الغيبة بأساليب متنوعة أثبتت أن الانتفاع بوجوده متحقق مثلما ينتفع بالشمس إذا غيّبتها السُحب عن الأبصار كما ورد في الأحاديث الشريفة.(121)
وبذلك يتضح أن عقيدة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) كيف تفسر عدم تناسب طول الفترة الزمنية بين وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وبين قيام الساعة، مع تحديد الحديث الشريف لعدد الخلفاء القيمين على الإسلام بإثني عشر رجلاً لا أكثر، يستمر وجودهم متصلاً الى يوم القيامة لأن قيام الدين يكون بهم.
وبذلك يكون الحديث الشريف من الأحاديث المتفق على صحتها بين المسلمين والدالة على وجود الإمام المهدي وغيبته لأنه لا ينطبق على غير الائمة الإثني عشر من أئمة العترة النبوية الذين أدى خذلانهم الى غيبة خاتمهم (عليه السلام).
الاتفاق على أن المهدي خاتم الخلفاء الاثني عشر
يؤيد ذلك موافقة عدد كبير من علماء أهل السنّة لعقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في كون المهدي المنتظر هو الخليفة الثاني عشر من الخلفاء الإثني عشر الذين أخبر الرسول (صلى الله عليه وآله) عن خلافتهم الدينية، أمثال أبي داود في سننه(122) وابن كثير في تفسيره(123) وغيرهم. وصرح بذلك المجمع الفقهي التابع للأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي في جوابه على استفتاء مسلم من كينيا بشأن الإمام الموعود، حيث ورد في جواب المجمع: (هو) المهدي الموعود (آخر الخلفاء الراشدين الإثني عشر الذين أخبر عنهم النبي صلوات الله وسلامه عليه في الصحاح...).(124)
ولعل مستندهم في ذلك حديث الأمّة الظاهرة القائمة بأمر الله الذي يتحدث عن المصداق الذي يتحدث عنه حديث الائمة الاثني عشر الذي يصرح بأن آخر اُمراء هذه الأمة الظاهرة هو المهدي الموعود كما سنلاحظ.
3 ـ حديث الأمة الظاهرة القائمة بأمر الله:
وهو من الأحاديث المشهورة المروية في الكتب الستة وغيرها من المجاميع الروائية المعتبرة عند إخواننا أهل السنّة من طرق كثيرة فقد رواه مثلاً أحمد بن حنبل وحده من سبعة وعشرين طريق.(125)
فقد رواه البخاري في صحيحه بلفظ (لا يزال ناس من اُمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون).(126)
ورواه البخاري في تأريخه ومسلم وأبو داود وابن ماجة والترمذي وأحمد بن حنبل والحاكم وغيرهم بلفظ: (لا تزال طائفة من أُمتي على الحق حتى يأتي أمر الله عز وجل).(127)
ورواه البخاري في صحيحه ومسلم وأحمد وابن ماجة بلفظ: (مَن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ولن تزال) من (هذه الاُمة اُمة قائمة على أمر الله، لا يضرهم مَن خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس).(128)
ورواه مسلم وأحمد والحاكم وغيرهم عن جابر بن سمرة: (لا يزال هذا الدين قائماً تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة).(129) وفيه أنه (صلى الله عليه وآله) قال ذلك في حجة الوداع، وجابر هو نفسه راوي حديث الائمة الإثني عشر من قريش.
وفي رواية لمسلم: (لا تزال عصابة من اُمتي يُقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك).(130)
وفي رواية لأبي داود وأحمد والحاكم وغيرهم بلفظ: (لا تبرح عصابةٌ من اُمتي ظاهرين على الحقّ لا يبالون من خالفهم حتى يخرج المسيح الدجال فيقاتلونه).(131)
وفي رواية للبخاري في تأريخه وأحمد في مسنده ورجاله كلهم ثقات كما قال الكشميري في تصريحه بلفظ: (لا تزال طائفة من اُمتي على الحق ظاهرين على مَن ناواهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى، وينزل عيسى بن مريم).(132)
وفي رواية لمسلم وأحمد: (لا تزال طائفةٌ من اُمتي على الحق ظاهرين الى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم (عليه السلام)، فيقول أميرهم: تعال صلّ بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمير ليكرم الله هذه الاُمة).(133)
والحديث الشريف جاء في حجة الوداع كما يصرح بذلك جابر بن سمرة فيما رواه عنه مسلم وأحمد والحاكم كما تقدم، وهذه الحجة هي نفسها التي بلّغ فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحاديث الثقلين والغدير والائمة الإثني عشر، لذا فهو يأتي في إطار التخطيط النبوي لهداية المسلمين الى ما يحفظ مسيرتهم بعده أو ما ينقذهم من الضلالة وميتة الجاهلية، فهو غير بعيد عن أجواء الأحاديث السابقة.
على أن من الواضح للمتدبر في هذا الحديث الشريف وحديث الائمة الإثني عشر أن كليهما يتحدثان عن مصداق واحد لا أكثر، كما هو مشهود في اشتراكهما في ذكر صفات تتحدث وتهدي الى مصداق واحد، خاصة ما يصرح بربط قيام الدين وحفظه بوجود هذه الاُمة الظاهرة القائمة بأمر الله في الحديث الثاني وبوجود الأئمة الاثني عشر في الحديث الأول. لأن ذلك يعني امتلاك هذه الجهة للقيمومة على الدين ومرجعيتها في معرفة حقائق الدين الحق وتعريضها بسبب ذلك للمعاداة والخذلان وهذا ما يشترك الحديثان في ذكره وفي التصريح بعدم إضراره في أصل مهمة هذه العصابة وهي الدفاع عن الدين الحق وحفظه.
ويؤكد حديث الأمة الظاهرة صراحة ـ فيما تقدم من نصوصه ـ مادل عليه حديث الائمة الإثني عشر ضمنياً من استمرار وجود هؤلاء الأئمة الى يوم القيامة وكذلك من أن مهمتهم الأساسية خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الدفاع عن الدين الحق وحفظه دون أن يؤثر في إنجاز أصل هذه المهمة استلامهم الفعلي للحكم أو عدم استلامه وإن كانوا هم الأجدر بذلك.
كما أنه يصرح بأن خاتم أمراء هذه الأمة الظاهرة هو الإمام المهدي الموعود ـ كما دل على ذلك ضمنياً حديث الائمة الإثني عشر ـ، فهو يصرح باستمرار وجودها الى نزول عيسى (عليه السلام) ومناصرته لأميرها وصلاته خلفه وهذه الحادثة ترتبط بالإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ باتفاق المسلمين.
ويصرح حديث الأمة الظاهرة بلزوم أن يكون هؤلاء الائمة الإثنا عشر ائمة حق قائمين بأمر الله كما تصرح بذلك النصوص المتقدمة، فهم يمثلون خطاً واحداً منسجماً في خلافة رسول الله الحقيقيّة والوصاية على شريعته، خطّاً متصلاً دون انقطاع الى يوم القيامة، وهذا ما لا ينسجم بحال من الأحوال مع تأريخ خلفاء الدولة الاسلامية الذين حكموها فعلاً. لذلك فإنّ جميع الذين غفلوا عن هذه الدلالات في الحديثين المتقدمين وسعوا للعثور على مصاديق الائمة الإثني عشر في الذين وصلوا للحكم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأي طريقة كانت، تاهوا في متاهات غريبة ولم يستطيعوا تقديم مصداق معقول ينسجم مع دلالات هذه الأحاديث الشريفة ولا مع الواقع التأريخي. فتعددت آراؤهم وعمدوا الى تأويلات باردة لما صرحت به الأحاديث الشريفة الأمر الذي يتعارض بالكامل مع هدف الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) من إخبار المسلمين بهؤلاء القائمين بأمر الله وهو الهداية إليهم وإرجاعهم ودعوتهم للتمسك بهم.
فأي انسجام في الخط والمنهج وتمثيل الدين الحق والصدق في التعبير عن خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين الإمام علي (عليه السلام) ومعاوية، أو بين الإمام الحسين (عليه السلام) ويزيد بن معاوية لكي يعتبروهم جميعاً من هؤلاء من الخلفاء الإثني عشر الذين يقوم بهم الدين؟! وكيف يمكن القول بأن أمثال يزيد بن معاوية أو الوليد بن عبدالملك يمكن أن يصدق عليهم الوصف النبوي للأمة الظاهرة والائمة الاثني عشر بأنهم على الحق وقائمين بأمر الله وخلفاء رسوله وكيف ذاك وسيرتهم شاهدة بأنهم أبعد الناس عن العلم بالدين وممثلي نهج رسول الله (صلى الله عليه وآله).
هذا بعض ما يُقال بشأن المصاديق التي عرضها للائمة الإثني عشر العلماء الذين راعوا دلالة الأحاديث على اتصال سلسلة هؤلاء الائمة وأغفلوا عدم انطباق الصفات الأخرى عليهم كما لاحظنا. يُضاف الى ذلك إغفالهم لتصريح الأحاديث باستمرار وجود هؤلاء الائمة الى يوم القيامة؛ إذ إنّ المصاديق التي عرضوها تنتهي بإنتهاء العصر الأموي!(134)
أما الذين سعوا لمراعاة الصفات الأخرى فيمن حكموا المسلمين فقد أغفلوا دلالة الحديث على استمرار وجودهم دون انقطاع إذْ تركوا الخلفاء الذين أعقبوا معاوية الى عمر بن عبدالعزيز ليجعلوه خامس أو سادس الإثني عشر وتركوا ما بعده الى هذا أو ذاك من الخلفاء العباسيين ممن رأوهم أقرب الى الصفات التي يذكرها الحديث ورغم ذلك لم يكتمل العدد حتى قال السيوطي بأن المتبقي اثنان منتظران أحدهما المهدي الموعود والثاني لم يعرفه هو ولا غيره!!(135)
وما كانوا بحاجة الى كل هذه التأويلات الباردة والمتاهات المحيرة لو تدبروا بموضوعية في تلك الأحاديث الشريفة واستندوا الى مدلولاتها الواضحة التي تنطبق بالكامل على الائمة الإثني عشر من عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى القول بعدم انقطاع سلسلتهم الى يوم القيامة في ظل القول بوجود الإمام الثاني عشر المهدي الموعود (عليه السلام) وغيبته وقيامه حتى في ظل غيبته عن الأبصار بمهام حفظ الدين ولو بأساليب خفية لكنها كاملة في إتمام حجة الله على خلقه كما دلت على ذلك الأحاديث المتقدمة وتدل عليه أيضاً الأحاديث اللاحقة.
4 ـ أحاديث عدم خلو الزمان من الإمام القرشي المنقذ من الميتة الجاهلية:
وهي أيضاً من الأحاديث الشريفة المروية من طريق الفريقين، نختار منها المروي في الكتب المعتبرة عند أهل السنة، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما وأحمد بن حنبل في مسنده وغيرهم بأسانيدهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان).(136)
وروى البخاري في تأريخه وأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وابن أبي شيبة في مسنده والطيالسي في مسنده وأبو يعلى والطبراني والبزار والهيثمي وغيرهم بألفاظ متقاربة وأسانيد عديدة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال واللفظ للطيالسي: (مَن مات بغير إمام مات ميتةً جاهلية، ومَن نزع يداً من طاعة جاء يوم القيامة لا حجة له).(137)
وعلق ابن حبان على الحديث موضحاً معناه بقوله: قال أبو حاتم: قوله (صلى الله عليه وآله): (مات ميتة الجاهلية) معناه: مَن مات ولم يعتقد أن له إماماً يدعو الناس الى طاعة الله حتى يكون قوام الإسلام به عند الحوادث والنوازل، مقتنعاً في الإنقياد على مَن ليس نعته ما وصفنا مات ميتةً جاهلية.(138)
معنى (الأمر) في الكتاب والسنة
إنّ الحديث الأول قد صرّح ببقاء (الأمر) في قريش ما بقي البشر على الأرض فلا تخلو الأرض من قرشي يكون له (الأمر)، فما هو المقصود من (الأمر) هنا؟! وهل يمكن تفسيره بالاستلام الفعلي للحكم الظاهري للمسلمين؟!
الجواب: أنّ الواقع التأريخي ينفي هذا التفسير، وعلى الأقل منذ سقوط الخلافة العباسية الى اليوم لم يكن حكم المسلمين لقرشي كما هو معلوم، لذا لا يمكن تفسير (الأمر) بغير القول بمعنى الخلافة العامة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في الوصاية على الدين وحفظه والدفاع عنه وهداية الخلق إليه، الأمر الذي يؤهل صاحبه لقيادة المسلمين والحكم الظاهري، فالأمر هنا هو من نوع (الأمر) الوارد في سورة النساء في آية الطاعة، وهي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم(139) وهي الآية الدالة على عصمة اُولي الأمر لاشتراكهم في الأمر بالطاعة مع الرسول (صلى الله عليه وآله) ولأن: (الله تعالى أمر بطاعة اُولي الأمر على سبيل الجزم والقطع في هذه الآية، ومَن أمر بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابد وأن يكون معصوماً عن الخطأ... كما قال الفخر الرازي في تفسيره.(140)
فلابد أن يكون في زماننا الحاضر أيضاً قرشي يكون له (الأمر) هذا ويقوم به الدين ويتحلى بالعصمة ويخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مهمة حفظ الدين والهداية إليه إذ لا يخلو زمان من مصداق لذلك كما ينص الحديث الشريف المتقدم، وحيث إنه لا يوجد إمام ظاهر يدعي ذلك فلابد من القول بوجوده واستتاره وغيبته وقيامه بمهمة حفظ الدين تصديقاً للحديث الشريف وهذه هي عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي وغيبته.
يُضاف الى ذلك أن أحاديث الخلفاء الإثني عشر قد حصرت عدد خلفاء الرسول بهذا المعنى الى يوم القيامة باثني عشر، وقد اتضحت دلالتها على وجود الإمام المهدي وغيبته، لذلك يكون حديث عدم خلو الزمان من الإمام القرشي مؤكداً لهذه الدلالة.
والدلالة نفسها يمكن التوصل إليها من أحاديث وجوب معرفة إمام الزمان وإتباعه والتي تقدم نموذج لها، حيث تنص على أن لا حجة يوم القيامة لمن عمي عن معرفته وخرج عن طاعته كما رأينا، لذا فلا مناص من القول بحتمية وجوده وإمكانية التعرف عليه والتمسك بعرى طاعته وإلا لما كان للاحتجاج الإلهي على الغافلين عن معرفته وطاعته معنى، إذْ كيف يكون الاحتجاج بمن لا وجود له.
وحيث إن أمر الطاعة له مطلق فهو دال على عصمته ويؤكده صدر الحديث على أن عدم معرفته والتمسك به يقود الى ميتة الجاهلية، وأن طاعته واجبة لأنه يدعو الى طاعة الله وبه يكون قوام الإسلام كما صرح بذلك ابن حبان فيما نقله عن أبي حاتم من دلالة الحديث الواضحة، ولذلك صرح أبو حاتم بأن طاعة غيره ممن لم يتصف بهذه الصفات تؤدي الى ميتة الجاهلية. وهذا هو المستفاد من الحديث الأول فالدلالة مشتركة وتكون المحصلة: حتمية وجود إمام معصوم قرشي يكون الإسلام به قائماً يدعو الى طاعة الله ويكون له الأمر ويتحمل مسؤولية حفظ الدين الحق، وحيث إنّ مثل هذا الإمام غير ظاهر فلابد من القول بغيبته وقيامه بهذه المهام من خلف أستار الغيبة الى حين زوال الأسباب التي أدت الى غيبته فيظهر حينئذ ليقيم الدولة العادلة على أساس قيم الدين الذي حفظه.
ولا يمكن القول بتعدد الغائبين لأن أحاديث الائمة الإثني عشر حصرت عدد خلفاء الرسول (صلى الله عليه وآله) بهذا العدد وثبت أن المصداق الوحيد الذي تنطبق عليه الشروط المستفادة من دلالات هذه الأحاديث هم أئمة أهل البيت النبوي، وقد ثبتت وفاة الائمة الأحد عشر ولم يبق إلا خاتمهم المهدي الموعود(141) فلابد من القول باستمرار وجوده الى يوم القيامة استناداً الى الأحاديث المتقدمة، ولأن الصحيح من الأقوال هو أن الأرض لا تخلو من حجة كما يقول ابن حجر العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري: وفي صلاة عيسى (عليه السلام) خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال: (ان الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة.)، والله أعلم.(142)
ولابدّ من الإشارة هنا الى أن الدلالات المستفادة من هذه الأحاديث الشريفة على وجود المهدي الإمامي وغيبته هي دلالات واضحة إلا أن مما أثار بعض الغموض عليها وأوجد الحاجة الى الاستدلال عليها والتحليل المفصل لها هو السكوت عنها والتعتيم عليها أو محاولات تأويلها وصرفها عن المصداق الحقيقي بسبب طغيان الخلافات السياسية التي شهدها العالم الإسلامي وانعكاساتها على الأمور العقائدية وهو السبب نفسه الذي أدى الى إحجام بعض المحدثين عن نقل وتدوين طائفة أخرى من الأحاديث التي صحت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتي صرحت بما أشارت إليه هذه الأحاديث وشخصت مصاديقها، لأن المصالح السياسية للحكام الأمويين والعباسيين منعت من اشتهار مثل هذه الأحاديث ومنعت من انتشار الكتب التي تنقلها. كما هو واضح لمن راجع التأريخ الإسلامي.

الباب الثاني
الفصل الأول: نشأة الإمام محمد بن الحسن المهدي عليهما السلام

تأريخ الولادة
ولد ـ سلام الله عليه ـ في دار أبيه الحسن العسكري (عليه السلام) في مدينة سامراء أواخر ليلة الجمعة الخامس عشر من شعبان وهي من الليالي المباركة التي يُستحب إحياؤها بالعبادة وصوم نهارها طبقاً لروايات شريفة مروية في الصحاح مثل سنن ابن ماجة وسنن الترمذي وغيرهما من كتب أهل السنة(143) إضافة الى ما روي عن ائمة أهل البيت (عليهم السلام).(144)
وكانت سنة ولادته (255 هـ) على أشهر الروايات، وثمة روايات أُخرى تذكر أن سنة الولادة هي (256 هـ) أو (254 هـ) مع الاتفاق على يومها وروي غير ذلك، إلا أن الأرجح هو التأريخ الأول لعدة شواهد، منها وروده في أقدم المصادر التي سجلت خبر الولادة وهو كتاب الغيبة للشيخ الثقة الفضل بن شاذان الذي عاصر ولادة المهدي (عليه السلام) وتوفي قبل وفاة أبيه الحسن العسكري (عليهما السلام) بفترة وجيزة،(145) ومنها أن معظم الروايات الأخرى تذكر أن يوم الولادة كان يوم جمعة منتصف شهر شعبان وإن اختلفت في تحديد سنة الولادة، ومن خلال مراجعتنا للتقويم التطبيقي(146) وجدنا أن النصف من شعبان صادف يوم جمعة في سنة (255 هـ) وحدها دون السنين الاُخرى المذكورة في تلك الروايات.
ومثل هذا الاختلاف أمر طبيعي جار مع تواريخ ولادات ووفيات آبائه وحتى مع جده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، دون أن يؤثر ذلك على ثبوت ولادتهم (عليهم السلام)، كما أنه طبيعي للغاية بملاحظة سرّيّة الولادة عند وقوعها حفظاً للوليد المبارك كما سنلاحظ ذلك لاحقاً.
تواتر خبر ولادته (عليه السلام)
روى قصة الولادة أو خبرها الكثير من العلماء بأسانيد صحيحة أمثال أبي جعفر الطبري والفضل بن شاذان والحسين بن حمدان وعلي بن الحسين المسعودي والشيخ الصدوق والشيخ الطوسي والشيخ المفيد وغيرهم، ونقلها بصورة كاملة أو مختصرة أو نقل خبرها عدد من علماء أهل السنة من مختلف المذاهب الإسلامية أمثال نور الدين عبد الرحمن الجامي الحنفي في شواهد النبوة والعلاّمة محمد مبين المولوي الهندي في وسيلة النجاة والعلامة محمد خواجه بارسا البخاري في فصل الخطاب والحافظ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة، كما نقل خبر الولادة ما يناهز المائة وثلاثين من علماء مختلف الفرق الإسلامية بينهم عشرات المؤرخين ستة منهم عاصروا فترة الغيبة الصغرى أو ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، والبقية من مختلف القرون الى يومنا هذا في سلسلة متصلة وهذا الاحصاء يشمل جانباً من المصادر الإسلامية وليس كلها. وبين هؤلاء عدد كبير من العلماء والمؤرخين المشهورين أمثال ابن خلكان وابن الأثير وأبي الفداء والذهبي وابن طولون الدمشقي وسبط ابن الجوزي ومحي الدين بن عربي والخوارزمي والبيهقي والصفدي واليافعي والقرماني وابن حجر الهيثمي وغيرهم كثير. ومثل هذا الإثبات مما لم يتوفر لولادات الكثير من أعلام التأريخ الإسلامي.(147)
كيفية ظروف الولادة
يُستفاد من الروايات الواردة بشأن كيفية ولادته (عليه السلام)، أن والده الإمام الحسن العسكري ـ سلام الله عليه ـ أحاط الولادة بالكثير من السرية والخفاء، فهي تذكر أن الإمام الحسن العسكري قد طلب من عمته السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد أن تبقى في داره ليلة الخامس عشر من شهر شعبان واخبرها بأنه سيُولد فيها إبنه وحجة الله في أرضه، فسألته عن أمه فأخبرها أنها نرجس فذهبت إليها وفحصتها فلم تجد فيها أثراً للحمل، فعادت للإمام واخبرته بذلك، فابتسم (عليه السلام) وبيّن لها أن مثلها مثل أم موسى (عليه السلام) التي لم يظهر حملها ولم يعلم به أحد الى وقت ولادتها لأن فرعون كان يتعقب أولاد بني إسرائيل خشية من ظهور موسى المبشر به فيذبح ابناءهم ويستحي نساءهم، وهذا الأمر جرى مع الإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً لأن السلطات العباسية كانت ترصد ولادته إذ قد تنبأت بذلك طائفة من الأحاديث الشريفة كما سنشير لاحقاً.
ويُستفاد من نصوص الروايات أن وقت الولادة كان قبيل الفجر وواضح أنّ لهذا التوقيت أهمية خاصة في إخفاء الولادة؛ لأن عيون السلطة عادةً تغط في نوم عميق. كما يُستفاد من الروايات أنه لم يحضر الولادة سوى حكيمة التي لم تكن تعرف بتوقيتها بشكل دقيق أيضاً.(148)
وتوجد رواية واحدة يرويها الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة تصرح باستقدام عجوز قابلة من جيران الإمام لمساعدة حكيمة في التوليد مع تشديد الوصية عليها بكتمان الأمر وتحذيرها من إفشائه.(149)
الإخبار المسبق عن خفاء الولادة:
أخبرت الكثير من الأحاديث الشريفة بأن ولادة المهدي من الحسن العسكري ستُحاط بالخفاء والسرية، ونسبت الإخفاء الى الله تبارك وتعالى وشبهت بعضها إخفاء ولادته باخفاء ولادة موسى وبعضها بولادة ابراهيم (عليهما السلام)، وبيّنت علّة ذلك الإخفاء بحفظه (عليه السلام) حتى يؤدي رسالته، نستعرض هنا نماذج قليلة منها.
فمثلاً روى الشيخ الصدوق في إكمال الدين والخزاز في كفاية الأثر مسنداً عن الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) ضمن حديث قال فيه:
(أما علمتم أنه ما منّا إلا وتقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلا القائم الذي يصلّي عيسى بن مريم خلفه؟! وإن الله عز وجل يُخفي ولادته ويغيّب شخصه لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة النساء يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته...).(150)
وفي حديث رواه الصدوق بطريقين عن الإمام علي (عليه السلام) قال: (... إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه).(151)
وروى عن الإمام السجاد (عليه السلام) أنه قال: (في القائم منا سنن من الأنبياء... وأما من ابراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس....).(152)
وروي عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنه قال: (في التاسع من ولدي سنّة من يوسف وسنّة من موسى بن عمران وهو قائمنا أهل البيت يصلح الله أمره في ليلة واحدة).(153)
وروى الكليني في الكافي بسنده عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال ـ في حديث ـ: (انظروا من خفي (عمي) على الناس ولادته فذاك صاحبكم، إنه ليس منا أحد يُشار إليه بالأصابع ويمضغ بالألسن إلا مات غيضاً أو رغم أنفه).(154)
والأحاديث بهذا المعنى كثيرة والكثير منها مروي بأسانيد صحيحة تخبر صراحة ـ وقبل وقوع ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) ـ بخفائها، وفي ذلك دلالة وجدانية صريحة على صحتها حتى لو كان في أسانيد بعضها ضعف أو مجهولية لأنها أخبرت عن شيء قبل وقوعه ثم جاء الواقع مصدقاً لما أخبرت عنه، وهذا ما لا يمكن صدوره إلا من جهة علام الغيوب تبارك وتعالى الأمر الذي يثبت صدورها عن ينابيع الوحي وبإخبار من الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).
خفاء الولادة علامة المهدي الموعود (عليه السلام)
ويُلاحظ أن هذه الأحاديث الشريفة تصرح بأنّ خفاء الولادة من العلائم البارزة المشخصة لهوية المهدي الموعود والقائم من ولد فاطمة الذي بشرت به الأحاديث النبوية، وهذا أحد الأهداف المهمة للتصريح بذلك وهو تعريف المسلمين بإحدى العلائم التي يكشفون بها زيف مزاعم مدّعي المهدوية كما شهد التأريخ الإسلامي الكثير منهم ولم تنطبق على أي منهم هذه العلامة، فلم تُحَطْ ولادة أي منهم بالخفاء كما هو ثابت تأريخيا.(155)
وتشير الأحاديث الشريفة المتقدمة الى علة إخفاء ولادته (عليه السلام) وهي العلة نفسها التي أوجبت إخفاء ولادة نبي الله موسى (عليه السلام)، أي حفظ الوليد من سطوة الجبارين ومساعيهم لقتله إتماماً لحجة الله تبارك وتعالى على عبادة ورعاية له لكي يقوم بدوره الإلهي المرتقب في إنقاذ بني اسرائيل والصدع بالديانة التوحيدية ومواجهة الجبروت الفرعوني بالنسبة لموسى الكليم ـ سلام الله عليه ـ، وهكذا إنقاذ البشرية جمعاء وإنهاء الظلم والجور وإقامة القسط والعدل وإظهار الإسلام على الدين كله بيد المهدي المنتظر ـ عجل الله فرجه ـ. وهذا ما كان يعرفه ائمة الجور من خلال النصوص الواردة بهذا الشأن، ففرعون مصر كان على علم بالبشارات الواردة بظهور منقذ بني اسرائيل، وهو موسى (عليه السلام) من أنفسهم ولذلك سعى في تقتيل أبنائهم بهدف منع ظهوره، وكذلك حال بني العباس إذ كانوا على علم بأن المهدي الموعود هو من ولد فاطمة ـ سلام الله عليها ـ، وأنه الإمام الثاني عشر من ائمة أهل البيت (عليهم السلام) وقد انتشرت الأحاديث النبوية المصرحة بذلك بين المسلمين ودوّنها علماء الحديث قبل ولادة المهدي بعقود عديدة، كما كانوا يعلمون بأن الإمام الحسن العسكري هو الإمام الحادي عشر من ائمة العترة النبوية (عليهم السلام)، لذا فمن الطبيعي أن يسعوا لقطع هواجس ظهور المهدي الموعود بالإجتهاد من أجل قطع نسل والده العسكري (عليهما السلام).
ومن الواضح أنّ مجرد احتمال صحة هذه الأحاديث كان كافياً لدفعهم نحو إبادته، فكيف الحال وهم على علم راجح بذلك خاصةً وأن ليس بين المسلمين سلسلة تنطبق عليهم مواصفات تلك الأحاديث الشريفة مثلما تنطبق على هؤلاء الائمة الإثني عشر (عليهم السلام) كما لاحظنا مفصلاً في البحوث السابقة؟!
وعلى ضوء هذه الحقيقة يمكن أن نفهم سر ظاهرة قصر الأعمار التي ميزت تأريخ الائمة الثلاثة الذين سبقوا الإمام المهدي (عليهم السلام) من آبائه، فقد اُستشهد ابوه العسكري وهو ابن ثمان وعشرين(156) واستشهد جده الإمام الهادي وهو ابن أربعين سنة(157) واستشهد الإمام الجواد وهو ابن خمس وعشرين سنة،(158) وهذه ظاهرة جديرة بالدراسة، وتكفي وحدها للكشف عن المساعي العباسية الحثيثة لإبادة هذا النسل للحيلولة دون ظهور المهدي الموعود(159) حتى لو لم يسجل التأريخ محاولات العباسيين لاغتيال وقتل هؤلاء الائمة، فكيف الحال وقد سجل عدداً من هذه المحاولات تجاههم (عليهم السلام)، حتى ذكر المؤرخون مثلاً أنهم قد سجنوا الإمام العسكري وسعوا لاغتياله عدة مرات، كما فعلوا مع آبائه (عليهم السلام)(160)؟!
يقول الإمام الحسن العسكري معللاً هذه الحرب المحمومة ضدهم (عليهم السلام) فيما رواه عنه معاصره الشيخ الثقة الفضل بن شاذان:
قال: حدثنا عبدالله بن الحسين بن سعد الكاتب قال: قال ابو محمّد (الإمام العسكري (عليه السلام)): (قد وضع بنو اُمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلتين: احداهما انهم كانوا يعلمون انه ليس لهم في الخلافة حق فيخافون من ادعائنا إيّاها وتستقر في مركزها، وثانيتهما انهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على ان زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منا، وكانوا لا يشكون انهم من الجبابرة والظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول الى منع تولد القائم (عليه السلام) أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم (إلاّ أن يتم نوره ولو كره الكافرون)).(161)

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام المهدي عليه السلام

تنقسم حياة كل إمام معصوم بشكل عام الى قسمين رئيسين:
القسم الأوّل: حياته قبل تسلّمه مهام الإمامة والزعامة.
القسم الثاني: حياته بعد تسلّمه لمهام الإمامة والزعامة.
وبالإمكان تقسيم كل منهما الى مراحل.
وبناءً على هذا تنقسم حياة الإمام المهدي (عليه السلام) الى أربع مراحل متمايزة، وهي:
المرحلة الأولى: حياته في ظل أبيه أي من الولادة سنة (255 هـ) حتى يوم استشهاد أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) سنة (260 هـ). وهي خمس سنوات تقريباً.
المرحلة الثانية: حياته منذ وفاة ابيه (عليه السلام) (سنة 260 هـ) حتى انتهاء الغيبة الصغرى سنة (329 هـ). وهي تناهز السبعين عاماً.
المرحلة الثالثة: حياته في الغيبة الكبرى والتي بدأت بعد وفاة سفيره الرابع عام (329 هـ) وهي مستمرة حتى يوم ظهوره على مسرح الأحداث السياسية والاجتماعية من جديد.
المرحلة الرابعة: حياته في مرحلة الظهور التي تبدأ بعد انتهاء الغيبة الكبرى، وهو عهد الدولة المهدوية العالمية المرتقبة والتي أخبرت عنها نصوص الكتاب والسنة.
وتتميز كلّ مرحلة من هذه المراحل بمجموعة من الخصائص نشير اليها تباعاً في كلّ باب إن شاء الله تعالى.

الفصل الثالث: الإمام المهدي في ظل أبيه (عليهما السلام)

دور الإمام العسكري (عليه السلام) في إعلان الولادة
في ظل تلك الأوضاع الإرهابية الصعبة كانت تواجه الإمام العسكري ـ سلام الله عليه ـ مهمة على درجة كبيرة من الخطورة والحساسية، فكان عليه أن يخفي أمر الولادة عن اعين السلطات العباسية بالكامل والحيلولة دون اهتدائهم الى وجوده وولادته ومكانه حتى لو عرفوا إجمالاً بوقوعها، وذلك حفظاً للوليد من مساعي الإبادة العباسية المتربصة به ولذلك لاحظنا في خبر الولادة حرص الإمام على خفائها، كما نلاحظ أوامره المشددة لكل مَن أطلعه على خبر الولادة من أرحامه وخواص شيعته بكتمان الخبر بالكامل فهو يقول مثلاً لأحمد بن إسحاق: (ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً ومن جميع الناس مكتوماً).(162)
ومن جهة ثانية كان عليه الى جانب ذلك وفي ظل تلك الأوضاع الارهابية وحملات التفتيش العباسية المتواصلة، أن يثبت خبر ولادته (عليه السلام) بما لا يقبل الشك إثباتاً لوجوده ثم إمامته، فكان لابد من شهود على ذلك يطلعهم على الأمر لكي ينقلوا شهاداتهم فيما بعد ويسجلها التأريخ للأجيال اللاحقة، ولذلك قام (عليه السلام) باخبار عدد من خواص شيعته بالأمر(163) وعرض الوليد عليهم، بعد مضي ثلاثة أيام من ولادته،(164) كما عرضه على أربعين من وجوه وخلّص أصحابه بعد مضي بضع سنين والإمام يومئذ غلام صغير وأخبرهم بأنه الإمام من بعده،(165) كما كان يعرضه على بعض أصحابه فرادى بين الحين والآخر ويظهر لهم منه من الكرامات بحيث يجعلهم على يقين من وجوده الشريف،(166) وقام (عليه السلام) باجراءات اُخرى للهدف نفسه مع الالتزام بحفظ حياة الوليد من الإبادة العباسية بما أثبت تأريخياً ولادة خليفته الإمام المهدي (عليه السلام) بأقوى ما تثبت به ولادة انسان كما يصرح بذلك الشيخ المفيد.(167)
ومن جهة ثالثة كانت تواجه الإمام العسكري ـ سلام الله عليه ـ مهمّة التمهيد لغيبة ولده المهدي وتعويد المؤمنين على التعامل غير المباشر مع الإمام الغائب، وقد قام (عليه السلام) بهذه المهمة عبر سلسلة من الاجراءات كإخبارهم بغيبته وأمرهم بالرجوع الى سفيره العام عثمان بن سعيد، فهو يقول لطائفة من أصحابه بعد أن عرض عليهم الإمام المهدي (عليه السلام) وهو غلام: (هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وأنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا الى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه).(168)
ومن إجراءاته (عليه السلام) في هذا المجال ـ تأكيده على استخدام اسلوب الاحتجاب والتعامل مع المؤمنين بصورة غير مباشرة تعويداً لهم على مرحلة الغيبة فكان: يكلم شيعته الخواص وغيرهم من وراء الستر إلا في الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان وانما كان منه ومن أبيه قبله مقدمة لغيبة صاحب الزمان لتألف الشيعة ذلك ولا تنكر الغيبة وتجري العادة بالاحتجاب والإستتار،(169) ومن هذه الاجراءات تثبيت نظام الوكلاء عن إلامام، وتأييد الكتب الحديثية التي جمع فيها أصحاب الأئمة مروياتهم عنهم وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله)،(170) ليرجع إليها المؤمنون في عصر الغيبة.(171)
حضوره وفاة أبيه (عليه السلام)
طبق ما يرويه الشيخ الصدوق في إكمال الدين والشيخ الطوسي في الغيبة فإن الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ قد حضر وفاة أبيه العسكري (عليهما السلام)، إلا أن رواية الشيخ الطوسي أكثر تفصيلاً من رواية الصدوق التي كَنَّتْ عن حضوره ولم تصرح به، فقد نقل الشيخ الصدوق عن محمد بن الحسين بن عباد أنه قال: مات أبو محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام) يوم جمعة مع صلاة الغداة، وكان في تلك الليلة قد كتب بيده كتباً كثيرة الى المدينة وذلك في شهر ربيع الأول لثمان خلون منه سنة ستين ومائتين من الهجرة ولم يحضره في ذلك الوقت إلا صقيل الجارية، وعقيد الخادم ومَن علم الله عز وجل غيرهما...(172).
ونقل الطوسي الرواية بتفصيل أكثر حيث قال:
(قال اسماعيل بن علي: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) في المرضة التي مات فيها، وانا عنده إذ قال لخادمه عقيد ـ وكان الخادم اسود نوبياً ـ قد خدم من قبله علي بن محمد وهو ربيُّ الحسن (عليه السلام): يا عقيد اغل لي ماء بمصطكي. فاغلى له ثم جاءت به صقيل الجارية ام الخلف فلما صار القدح في يديه هم بشربه فجعلت يده ترتعد حتى ضرب القدح ثنايا الحسن فتركه من يده وقال لعقيد: (ادخل البيت فإنك ترى صبياً ساجداً فأتني به)، قال ابو سهل: قال عقيد: فدخلت أتحرى فاذا انا بصبي ساجد رافع سبابته نحو السماء فسلمت عليه فأوجز في صلاته فقلت: إن سيدي يأمرك بالخروج إليه، إذ جاءت اُمّه صقيل فأخذت بيده وأخرجته الى أبيه الحسن (عليه السلام).
قال ابو سهل: فلما مثل الصبيّ بين يديه سلم وإذا هو دريُّ اللون وفي شعر رأسه قطط، مفلج الأسنان، فلما رآه الحسن (عليه السلام) بكى وقال: (يا سيد أهل بيته اسقني الماء فإني ذاهب الى ربي) وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده ثم حرك شفتيه ثم سقاه فلما شربه قال: (هيئوني للصلاة)، فطرح في حجره منديل فوضأه الصبي واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه فقال له ابو محمد (عليه السلام): ابشر يا بني فأنت صاحب الزمان وانت المهدي وانت حجة الله على ارضه وانت ولدي ووصيي وأنا ولدتك وانت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب ولدك رسول الله وأنت خاتم الائمة الطاهرين وبشّر بك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمّاك وكنّاك بذلك عهد إليَّ أبي عن آبائك الطاهرين صلّى الله على أهل البيت ربّنا انه حميد مجيد، ومات الحسن بن علي من وقته صلوات الله عليهم أجمعين.(173)

الباب الثالث

الفصل الأول: الغيبة الصغرى للإمام المهدي عليه السلام

تسلّمه مهام الإمامة صغيراً
تسلّم المهدي (عليه السلام) مهام الإمامة وهو ابن خمس أو ست سنين فهو أصغر الائمة سناً عند توليه مهام الإمامة. وقد أخبرت عن ذلك الأحاديث الشريفة سابقا.(174)
وليس في ذلك غرابة في تأريخ الأنبياء والرسل وائمة أهل البيت (عليهم السلام) فقد سبقه لذلك بعض انبياء الله تعالى حسب نصّ القرآن الكريم كعيسى ويحيى كما سبقه الإمامان علي الهادي (عليه السلام) الذي تسلم الإمامة وهو ابن ثمان سنين والإمام محمد الجواد (عليه السلام) الذى تسلم الإمامة وهو ابن سبع أو تسع سنين.
وقد خاض الإمام الجواد (عليه السلام) امتحانين عامين، الأول منهما كان بحضور مشائخ مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وكبار علمائهم من أصحاب أبيه، وبعد تسلمه لمهام الإمامة مباشرة، وكان الثاني منهما في مجلس المأمون وبحضور كبار علماء المسلمين يومذاك وكبار زعماء العباسيين الذين كانوا يسعون بكل وسيلة للحط من مكانة ائمة أهل البيت (عليهم السلام). وخرج من كلا الامتحانين بنجاح باهر أذعن بسببه مشائخ أصحاب أبيه وكبار علماء المسلمين لإمامته العلمية وإحاطته بعلوم شريعة جده سيد الرسل محمد (صلى الله عليه وآله).(175)
وكانت أهم ثمار هذه التجربة تتجلى في إثبات إمامة الائمة الاثني عشر كموقع إلهي يؤتيه الله تبارك وتعالى لمن يشاء فلا يؤثر صغر السن في قابلية الإفاضة الإلهية على الشخص، ولذلك نلاحظ أنّ الذين ترجموا للإمام المهدي (عليه السلام) من علماء المذاهب الإسلامية قد اعتبروا تسلمه للإمامة، وهو ابن خمس سنين أمراً طبيعياً في سيرة ائمة هذا البيت (عليهم السلام)، حتى إنّ عالماً كبيراً مثل ابن حجر الهيثمي المكّي الشافعي يقول في ذيل ترجمته للإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ولم يخلف) الإمام العسكري (غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة...(176)، ويقول صاحب كتاب مرآة الأسرار الشيخ عبدالرحمن الجامي الحنفي في ترجمته: (كان عمره عند وفاة ابيه خمس سنين وجلس على مسند الإمامة ومثله مثل يحيى بن زكريا حيث أعطاه الله في الطفولية الحكمة والكرامة ومثل عيسى بن مريم حيث أعطاه النبوة في صغر سنّه كذلك المهدي جعله الله إماماً في صغر سنه، وما ظهر له من خوارق العادات كثير لا يسعه هذا المختصر).(177)
ونلاحظ هنا استناد الشيخ الجامي الحنفي الى تجارب الأنبياء السابقين (عليهم السلام) التي تنفي استبعاد الإمامة عن الصغير مادام الإمام مسدداً من قبل الله تبارك وتعالى في صغره أو كبره. وقد ثبت أن المهدي (عليه السلام) قد حظي بهذا التسديد الإلهي من خلال حوادث عديدة نقلتها كتب الحديث والتاريخ وذكرت صدور كرامات عنه (عليه السلام) لا يمكن صدورها عن غير الإمام، وقد كان بعضها في حياة أبيه وبعضها الآخر في عهد إمامته.(178)
صلاته على أبيه وإعلان وجوده
كان من اُولى المهمات التي قام بها الإمام المهدي (عليه السلام) بُعَيْد تسلمه مهام الإمامة هي الصلاة على أبيه الحسن العسكري (عليهما السلام) في داره وقبل إخراج جسده الطاهر الى الصلاة (الرسمية) التي خططتها السلطات العباسية(179) وكان قيامه بهذه الصلاة يعتبر أمراً مهماً في إثبات إمامته رغم المخاطر التي كانت تتوقع بعد نقل خبر هذه الصلاة.
روى الشيخ الطوسي بسنده عن أحمد بن عبد الله الهاشمي ـ وهو من ولد العباس ـ قال: (حضرتُ دار أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) بسر مَن رأى يوم توفي واُخرجت جنازته ووضعت، ونحن تسعة وثلاثون رجلاً قعود ننتظر، حتى خرج علينا غلام عشاري حاف، عليه رداء قد تقنع به فلما أن خرج قمنا هيبة له من غير أن نعرفه، فتقدم وقام الناس فاصطفوا خلفه، فصلى عليه ومشى، فدخل بيتاً غير الذي خرج منه).(180)
وروى الشيخ الصدوق الحادثة نفسها بتفصيلات أدق عن أبي الأديان البصري أحد ثقاة الإمام العسكري (عليه السلام)، حيث قال:
(كنت اخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) واحمل كتبه الى الأمصار فدخلت عليه في علّته التي توفّي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً وقال: (امض بها الى المدائن فإنك ستغيب اربعة عشر يوماً وتدخل الى (سر من رأى) يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل).
قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فاذا كان ذلك فمن؟ قال: (من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي)، فقلت: زدني فقال: (من اخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي) ثم منعتني هيبته ان اسأله عما في الهميان وخرجت بالكتب الى المداين واخذت جواباتها ودخلت (سر من رأى) يوم الخامس عشر كما قال لي (عليه السلام) واذا أنا بالواعية في داره واذا به على المغتسل واذا انا بجعفر الكذاب ابن علي اخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزونه ويهنؤونه فقلت في نفسي ان يكن هذا الإمام بطلت الإمامة لأني كنت اعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور فتقدمت فعزيت وهنئت فلم يسألني عن شيء ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفن اخوك فقم فصلِّ عليه.
فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قبيل المعتصم المعروف بسلمة فلما صرنا في الدار اذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفناً، فتقدم جعفر بن علي ليصلّي على اخيه فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة بشعره قطط باسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي وقال: (تأخر يا عم فأنا احق بالصلاة على أبي) فتأخر جعفر وقد اربدّ وجهه واصفرّ وتقدم الصبي فصلى عليه ودفن الى جانب قبر ابيه (عليهما السلام) ثم قال: (يا بصرى هات جوابات الكتب التي معك) فدفعتها إليه فقلت في نفسي: هذه بيّنتان بقي الهميان ثم خرجت الى جعفر بن علي وهو يزفر فقال له حاجز الوشا: يا سيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه؟
فقال: والله ما رأيته ولا اعرفه فنحن جلوس اذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي (عليه السلام) فتعرفوا موته فقالوا: فمن نعزي؟ فاشاروا الى جعفر ابن علي فسلموا عليه وعزوه وهنؤوه وقالوا: معنا كتب ومال فتقول ممن الكتب وكم المال؟ فقام ينفض اثوابه ويقول: تريدون منا أن نعلم الغيب؟! قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان وهميان فيه الف دينار وعشرة دنانير منها مطلية فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجّه بك لأخذ ذلك هو الإمام.
فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف ذلك فوجّه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية فطالبوها بالصبي فأنكرته، وادعت أن بها حبلاً لتغطي على حال الصبي، فسلّمت الى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن خاقان فجأة وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت من أيديهم والحمد لله رب العالمين...).(181)
أهدافه عليه السلام من الصلاة على أبيه:
حقق قيام الإمام بالصلاة على أبيه ـ سلام الله عليهما ـ أمرين مهمين، كان من الضروري إنجازهما بعد وفاة الإمام الحادي عشر حيث تتطلّع أنظار الناس لمعرفة هوية الإمام الثاني عشر، بعد أن عرفنا أنّ ولادة الإمام المهدي ـ سلام الله عليه ـ كانت قد اُحيطت بالكتمان الشديد بسبب الترصد العباسي للقضاء على الوليد المصلح المرتقب، لذلك فإن هذا الظرف الخاص هو الظرف الذي كانت تتطلع فيه الأعين لترى من الذي يصلي على الإمام المتوفى لتتخذ ذلك قرينة كاشفة عن خليفة الإمام السابق. وهكذا كان الظرف يمثل فرصة مناسبة للغاية لتعريف الحاضرين في الدار ـ وكثير منهم من عيون أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) ووكلائه ـ بوجود الإمام المهدي وأنه هو الوصي الحقيقي لأبيه، وأن الرعاية الإلهية قد حفظته من مساعي الإبادة العباسية خاصة وأن الخليفة العباسي المعتمد قد بعث جلاوزته فور وصول خبر وفاة الإمام العسكري لتفتيش داره (عليه السلام) بجميع حجرها بحثاً عن ولده واصطحبوا معهم نساءاً يعرفن الحبل لفحص جواريه (عليه السلام) وكل ذلك كان قبل تهيئة الجسد الطاهر وتكفينه،(182) لذلك كانت صلاته على أبيه (عليه السلام) بمثابة إعلان لأولئك الحاضرين ـ وعددهم كان يناهز الأربعين كما في رواية الهاشمي المتقدمة ـ؛ بسلامة الإمام المهدي من الهجوم العباسي السريع الذي باغت أهل دار العسكري المنشغلين بمصيبة فقده (عليه السلام)، الأمر الذي قد يجعل البعض يتصور بأنهم لم يكونوا يتحسبون لهذا الهجوم المباغت.
ولتأكيد هذا الأمر نلاحظ أن ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) للصلاة على أبيه اقترن بالإعلان عن هويته وأنه ابن الحسن العسكري وأنه أحق بالصلاة عليه كما تصرح بذلك رواية أبي الأديان حيث خاطب الإمام عمه جعفر بالقول: (يا عم، أنا أحق بالصلاة على أبي).
أما الإنجاز الثاني، فهو منع عمه جعفر ـ الذي لُقب بالكذاب ـ من استغلال هذا الموقف المهم للحصول على ورقة مؤثرة في أذهان الناس تؤيد دعاويه التضليلية بأنه هو الإمام بعد أخيه العسكري (عليه السلام)، وتتضح أهمية هذا الإنجاز وضرورته من ملاحظة الجهود المستميتة التي بذلها جعفر بتشجيع من السلطة العباسية لإقناع الناس بأنه خليفة أخيه العسكري (عليه السلام) والقائم مقامه في الإمامة،(183) وقد بلغت استماتته في ذلك حد الوشاية بابن أخيه المهدي (عليه السلام) ومسارعته لإخبار المعتمد العباسي بحضوره للصلاة بهدف القبض عليه كما رأينا في الرواية المتقدمة، واستنجاده بالبلاط العباسي لمناصرته في جهوده هذه.
وواضح أنّ لمثل هذا النشاط المحموم تأثيراً سلبياً كبيراً في إضلال الناس وإبعادهم عن الإمام الحق خاصة مع الخفاء الذي كان قد أحاط بولادة المهدي (عليه السلام) وكتمان أمره إلا عن خواص أصحابه، فكان لابد للإمام (عليه السلام) من مواجهته وعدم السماح له باستغلال ذلك الموقف الحساس لجهوده التضليلية تلك، وإعلان وجوده (عليه السلام) إكمالاً للحجة على الرغم من المخاطر التي حفت بالقيام بهذه المهمة.
غيبتا الإمام المهدي (عليه السلام)
كان للإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ غيبتان: صغرى وكبرى، أخبرت عنهما معاً الكثير من الأحاديث الشريفة المروية عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وعن الائمة المعصومين من أهل بيته (عليهم السلام) كما نشير لذلك لاحقاً، بل وأشارت إليها بعض نصوص الكتب السماوية السابقة كما لاحظنا سابقاً.
تبدأ الغيبة الصغرى من حين وفاة أ بيه الحسن العسكري (عليه السلام) سنة (260 هـ) وتولّى المهدي مهام الإمامة الى حين وفاة آخر السفراء الأربعة الخاصين بالإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ وهو الشيخ علي بن محمد السمري في النصف من شعبان سنة (329 هـ) تزامناً مع ذكرى ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)؛ فتكون مدتها قرابة السبعين عاماً، وقد تميزت هذه الفترة بعدم الاستتار الكلي للإمام حيث كان يتصل بعدد من المؤمنين، كما تميزت بكثرة الرسائل الصادرة عنه (عليه السلام) في موضوعات عديدة، وكذلك بوجود السفراء الخاصين والوكلاء الذين كان يعينهم مباشرة. وهذه الفترة مثلت مرحلة انتقالية بين الظهور المباشر الذي كان مألوفاً في حياة آبائه وبين الاستتار الكامل في عهد الغيبة الكبرى.
أما الغيبة الكبرى فقد بدأت إثر وفاة الشيخ السمري إذ أمره الإمام بعدم تعيين خليفة له، بعد أن استنفذت الغيبة الصغرى الأهداف المطلوبة منها. والغيبة الكبرى مستمرة الى يومنا هذا وستستمر حتى يأذن الله تبارك وتعالى للإمام بالظهور والقيام بمهمته الإصلاحية الكبرى.
وتميزت الغيبة الكبرى بانتهاء نظام السفارة الخاصة عن الإمام، وبقلّة الرسائل الصادرة عنه (عليه السلام)، وبالاستتار الكلي إلا في حالات معينة سنتحدث عنها وعن تفصيلات ما أجملناه آنفاً ضمن البحوث التالية.

الفصل الثاني: أسباب الغيبة الصغرى والتمهيد لها

أسباب الغيبة الصغرى
جاءت غيبة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ كإجراء تمهيدي لظهوره اقتضته الحكمة الإلهية في تدبير شؤون العباد بهدف تأهيل المجتمع البشري للمهمة الإصلاحية الكبرى التي يحققها الله تبارك وتعالى على يديه (عليه السلام) والتي تتمثل في إظهار الإسلام على الدين كله وإقامة الدولة الإسلامية العادلة في كل الأرض وتأسيس المجتمع التوحيدي الخالص الذي يعبد الله وحده لا شريك له دونما خوف من كيد منافق أو مشرك كما نصت على ذلك النصوص الشرعية التي سنتناولها في الفصل الخاص بسيرته (عليه السلام) بعد ظهوره.
إن الانحراف الذي ساد الكيان الإسلامي قد أبعده عن الدور الريادي المطلوب الذي أراده الله سبحانه، له أي لكي يكون كيان خير اُمة أخرجت للناس، وترسّخ الانحراف الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي حتى أفقده أهليّة القيام بهداية المجتمع البشري نحو العدالة الإسلامية التي فقدها المسلمون أنفسهم وفقدوا معها الكثير من القيم الإلهية الأصيلة حتى اختفت مظاهرها من حياتهم.
والانحراف السياسي ـ الذي سبب انحرافات اُخرى ـ كان قد طغى على كيان المسلمين واستشرى الفساد في حكوماتهم التي لم يكن لها هدف سوى التمادي في الملذات المحرمة والتناحر الداخلي بدوافع سلطوية ومطامع استعلائية في الأرض حتى غابت صورة الخليفة الخادم للرعية المدافع عن كرامتهم الإنسانية ومصالحهم الدنيوية والاُخروية وحلت محلها صورة الحاكم المستبد الذي لا همّ له سوى الفساد والإفساد والاستعلاء في الأرض والاحتفاظ بالعرش بما أمكنه ولو كان على حساب سحق أبسط القيم التي جاء بها مَن يرفعون شعار خلافته أي النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، ولذلك اجتهدوا في محاربة ائمة الهدى من عترته كما لاحظنا في تعليل الإمام العسكري (عليه السلام) للمطاردة الأموية والعباسية لهم وخاصة للمهدي الموعود.
إذن فالكيان الإسلامي ـ وبالتالي المجتمع البشري ـ لم يكن مؤهلاً بالفعل لتلك المهمة الإصلاحية الكبرى التي تحمّلها المهديّ الموعود، ولعل من أوضح مظاهر ذلك موقفه من الثورات العلوية الكثيرة التي كانت تتفجر في أرجاء مختلفة من العالم الإسلامي، لكنها كانت تواجه بقمع وحشي أو خذلان سريع أو انحراف سريع عن أهدافها المعلنة وتحويلها الى حكومة سلطوية كسائر الحكومات الفاسدة المعاصرة لها بعيدة عن الأهداف الإصلاحية الإسلامية الكبرى.(184)
في ظل هذه الأوضاع وفي ظل الجهود المستميتة التي كانت تبذلها السلطات العباسية للقضاء على المهدي كما تقدم، كان لابد من إحاطة الإمام (عليه السلام) بستار يمكنه من المساهمة ـ كحجة لله على عباده ـ في إعداد المقدمات اللازمة لظهوره دون أن يعرّضه لخطر الإبادة وفقدان البشر لحجة الله الموكّل بحفظ الشريعة المحمدية، وهذا الستار هو الذي سمي بـ (الغيبة). والى هذا السبب أشارت مجموعة من الأحاديث الشريفة عن أنّ أحد أسرار الغيبة هو الخشية من القتل، وهذه العلة تنطبق على الغيبة الصغرى وثمة علل أخرى ترتبط بتأهيل المجتمع البشري للظهور. سنفصل الحديث عنها في مقدمة الفصل الخاص بالغيبة الكبرى.
تمهيد النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام)
سجلت المصادر الإسلامية الكثير من الأحاديث الشريفة المروية عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وائمة أهل البيت (عليهم السلام)؛ التي أخبرت عن حتمية وقوع غيبة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ، وقد نقلنا نماذج لها ضمن الحديث عن خفاء ولادته، وننقل هنا نماذج أخرى لها.
فمنها ما رواه الحافظ صدر الدين ابراهيم بن محمد الحمويني الشافعي (644 ـ 722 هـ) في كتابه فرائد السمطين، وغيره بأسانيدهم عن ابن عباس أن يهودياً اسمه نعثل ويكنى أبا عمارة جاء الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسأله عن أشياء ترتبط بالتوحيد والنبوة والإمامة فأجابه عليها فأسلم الرجل وقال:
أشهد أن لا إله إلا الله، وانك رسول الله، وأشهد أنهم الأوصياء بعدك، ولقد وجدت هذا في الكتب المتقدمة، وفيما عهد الينا موسى (عليه السلام): اذا كان آخر الزمان يخرج نبي يقال له (أحمد) خاتم الأنبياء لا نبي بعده، يخرج من صلبه ائمة ابرار عدد الأسباط.
فقال (صلى الله عليه وآله) (يا أبا عمارة اتعرف الأسباط)؟ قال: نعم يا رسول الله انهم كانوا اثني عشر.
قال: (فإن فيهم لاوي بن ارحيا). قال: أعرفه يا رسول الله، وهو الذي غاب عن بني اسرائيل سنين ثم عاد فأظهر شريعته بعد دراستها وقاتل مع فريطيا الملك حتى قتله.
وقال (عليه السلام): (كائن في اُمتي ما كان من بني اسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وان الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى، ويأتي على اُمتي زمن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، فحينئذ يأذن الله له بالخروج فيظهر الإسلام ويجدد الدين). ثم قال (عليه السلام): طوبى لمن أحبهم وطوبى لمن تمسك بهم، والويل لمبغضهم).(185)
وروي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (مَن أنكر القائم من ولدي في غيبته مات ميتة جاهلية).(186)
وقال (صلى الله عليه وآله): (والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول الناس ما لله في آل محمد من حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً بشكه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني...).(187)
وقال (صلى الله عليه وآله): (... وجعل من صلب الحسين أئمة ليوصون بأمري ويحفظون وصيتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي اُمتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، ليظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلّة، فيُعلن أمر الله ويظهر دين الحق...).(188)
وقال (صلى الله عليه وآله): (لا بد للغلام من غيبة) فقيل له: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل).(189)
وقال (صلى الله عليه وآله): (المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الاُمم، يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهم السلام) فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً).(190)
وعن الإمام علي (عليه السلام) قال ضمن حديث: (... ولكني فكرتُ في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون...).(191) وقال (عليه السلام) (وإن للغائب منا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى فلا يثبت على إمامته إلا مَن قوي يقينه وصحت معرفته).(192)
وروي في ذلك ايضاً عن الإمام الحسن بن علي (عليه السلام)، كما تقدم في بحث ولادته (عليه السلام).
وروي عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنه قال: (لصاحب هذا الأمر) يعني المهدي (غيبتان إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، وبعضهم: ذهب، ولا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره).(193)

وعن الإمام السجاد (عليه السلام) قال: (في القائم سنة من نوح وهو طول العمر)،(194) وقال (عليه السلام): (إن للقائم منا غيبتين احداهما أطول من الأخرى).(195)
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): (لقائم آل محمد غيبتان إحداهما أطول من الاُخرى).(196)
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها)،(197) (إن للقائم منّا غيبة يطول أمدها... لأن الله عز وجل أبى إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) وأنه لابد يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم).(198)
وعن الإمام الكاظم (عليه السلام): (أنا القائم بالحق ولكنّ القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها...).(199)
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال ضمن حديث عن القائم:... ذاك الرابع من ولدي يغيّبه الله في ستره ما شاء ثم يظهره فيملأ (به) الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.(200)
وعن الإمام الجواد (عليه السلام) قال ضمن حديث:... ما منّا إلاّ قائم بأمر الله وهاد الى دين الله ولكن القائم الذي يطهر الله عز وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي يخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه...(201).
وعن الإمام الهادي (عليه السلام) قال:... إنكم لا ترون شخصه...(202).
وقال: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج.(203)
وعن الإمام العسكري (عليه السلام) قال: والله إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة فيرى الناس فيعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه...(204)، وقال: إبني محمد هو الإمام والحجة بعدي، مَن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إنه له غيبة يُحار فيها الجاهلون...(205)، وقال:... إبني هذا، إنه سمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً... مثله في هذه الاُمّة مثل الخضر ومثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة...(206).
والأحاديث الشريفة بهذه المعاني كثيرة جداً متواترة من طرق أهل البيت (عليهم السلام) ونقلها العديد من حفاظ أهل السنة من مختلف مذاهبهم كما رأينا، والكثير منها مروي بأسانيد صحيحة، وهي من أوضح الأدلة على صحة غيبة الإمام المهدي وكونها بأمر الله عز وجل، حيث ثبت صدورها بل وتدوينها قبل وقوع الغيبة بزمن طويل، فجاءت الغيبة مصدقة لها مثبتة لصحة مضامينها وصدورها من ينابيع الوحي من علام الغيوب تبارك وتعالى حتى لو كانت مرسلة أو كان ثمة نقاش في بعض أسانيدها.
قال الشيخ الصدوق ـ رضوان الله عليه ـ: إن الأئمة (عليهم السلام) قد أخبروا بغيبته ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نُقل عنهم واستُحفظ في الصحف ودوّنَ في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر، وليس أحد من أتباع الأئمة (عليهم السلام) إلا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنفاته وهي الكتب التي تعرف بالأصول مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد من قبل الغيبة بما ذكرناه من السنين...
فلا يخلو حال هؤلاء الاتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا قد علموا بما وقع الآن من الغيبة فألفوا ذلك في كتبهم ودونوه في مصنفاتهم من قبل كونها، وهذا محال عند أهل اللب والتحصيل، أو أن يكونوا أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق لهم الأمر كما ذكروا وتحقق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم واختلاف آرائهم وتباين أقطارهم ومحالهم وهذا أيضاً محال كسبيل الوجه الأول، فلم يبق في ذلك إلا أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام الى آخر المقامات ما دونوه في كتبهم وألفوه في أصولهم. وبذلك وشبهه فلج الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً.(207)
ومما يزيد هذا الدليل الوجداني وضوحاً أن هذه الأحاديث الشريفة أخبرت عن تفصيلات دقيقة في شكل هذه الغيبة وهوية الإمام الغائب وانه الثاني عشر من الأئمة والتاسع من ذرية الحسين (عليهم السلام) وغير ذلك من التفصيلات التي لم تنطبق تأريخيّاً إلا على غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) وهذا من الدلائل الاعجازية الواضحة على صحة إمامته وغيبته ـ عجل الله فرجه ـ.
ويقول الشيخ المفيد أيضاً: فقد كانت الأخبار عمن تقدم من أئمة آل محمد (عليهم السلام) متناصرة بأنه لابد للقائم المنتظر من غيبتين إحداهما أطول من الأخرى يعرف خبرَه الخاصُ في القصرى ولا يعرف العام له مستقراً في الطولى إلاّ مَن تولى خدمته من ثُقاة أوليائه... والأخبار بذلك موجودة في مصنفات الشيعة الإمامية قبل مولد أبي محمد) الإمام العسكري (وأبيه وجده (عليهم السلام)، وظهر حقها عند مضي الوكلاء والسفراء الذين سميناهم (رحمهم الله) وبان صدق رواتها بالغيبة الطولى وكان ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الإمامية ودانت به في معناه...(208).
وهذا الاستدلال يصدق في إثبات صحة كلا الغيبتين الصغرى والكبرى لأن الأحاديث الشريفة تحدثت عنهما وعن تفصيلاتهما.
تعقيب السلطة العباسية لخبر الإمام عليه السلام
يظهر من روايات مرحلة الغيبة الصغرى أنّ السلطة العباسية أخذت تتعقب خبر الإمام المهدي (عليه السلام)، وكأنها كانت على اطمئنان بوجوده استناداً الى ما تواتر نقله عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من أخبار الأئمة الإثني عشر من عترته، وكانت تعلم أن الحسن العسكري (عليه السلام) هو الحادي عشر منهم فلابد من ولادة الثاني عشر أيضاً وهو خاتمهم الموعود بإنهاء الظلم والجور على يديه حسبما ورد في البشارات النبوية المتواترة.
وقد لاحظنا في رواية الكليني ـ ضمن حديثنا عن رعاية الإمام لوكلائه ـ أن هدف السلطة من التجسس على الوكلاء هو الوصول الى الإمام (عليه السلام)، ولذلك كانت التأكيدات المشددة من قبل الأئمة السابقين (عليهم السلام) ومن الإمام المهدي (عليه السلام) نفسه تركّز على النهي عن ذكر اسم الإمام في الغيبة الصغرى؛ لأنه اذا عُرف الاسم اشتد الطلب.(209) ويُستفاد من رواية نقلها الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة: أن السلطات العباسية حصلت بالفعل على معلومات عن وجود الإمام (عليه السلام) وسعت لاغتياله، فتحدّاها الإمام (عليه السلام) ليثبت أنه محفوظ بالرعاية الإلهية.
تقول الرواية: وحدّث عن رشيق صاحب المادراي قال: بعث الينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر فأمرنا أن يركب كل واحد منّا فرساً ونجنب آخر ونخرج مخفين لا يكون معنا قليل ولا كثير إلا على السرج مصلى وقال لنا: الحقوا بسامرة، ووصف لنا محلة وداراً وقال: اذا أتيتموها تجدون على الباب خادماً اسود فاكبسوا الدار ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه. فوافينا سامرة فوجدنا الأمر كما وصفه، وفي الدهليز خادم أسود وفي يده تكة ينسجها فسألناه عن الدار ومن فيها فقال: صاحبها، فوالله ما التفت الينا وأقل اكتراثه بنا، فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا داراً سرية ومقابل الدار سترما نظرت قط الى أنبل منه كأنّ الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت.
ولم يكن في الدار أحد فرفعنا الستر فاذا بيت كبير كأن بحراً فيه ماء وفي أقصى البيت حصير قد علمنا انه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي. فلم يلتفت إلينا ولا الى شيء من أسبابنا، فسبق أحمد بن عبدالله ليتخطى البيت فغرق في الماء ومازال يضطرب حتى مددت يدي إليه فخلصته وأخرجته وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني الى فعل ذلك الفعل فناله مثل ذلك، وبقيت مبهوتاً فقلت لصاحب البيت: المعذرة الى الله واليك فوالله ما علمت كيف الخبر ولا الى من أجيء وأنا تائب الى الله، فما التفت الى شيء مما قلنا وما انفتل عما كان فيه، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه.
وقد كان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدم الى الحجّاب اذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان، فوافيناه في بعض الليل فأدخلنا عليه فسألنا عن الخبر فحكينا له ما رأينا، فقال: ويحكم! لقيكم أحد قبلي؟ وجرى منكم الى أحد سبب أو قول؟ قلنا: لا، فقال: أنا نفيّ من جدي ـ وحلف بأشد ايمان له ـ أنه رجل إن بلغه هذا الخبر يضربن اعناقنا. فما جسرنا أن نحدّث به إلا بعد موته.(210)

الفصل الثالث: إنجازات الإمام المهدي عليه السلام في الغيبة الصغرى

إثبات وجوده وإمامته عليه السلام
وهو الهدف الذي توخاه من حضوره للصلاة على ابيه ـ سلام الله عليهما ـ كما تحدثنا عن ذلك سابقاً، وهو من أهم خطواته وتحركاته في غيبته الصغرى، وتبرز أهمية هذا الهدف من كونه يوفر القاعدة الأساس التي يستند اليها تحرّك المهدي في عصر الغيبة، إذ أنّ من الواضح من النصوص الشرعية أنّ النجاة من الضلالة وميتة الجاهلية تكمن في معرفة إمام العصر والتمسك بطاعته، وهذا الإمام مستور غير ظاهر في عصر الغيبة الكبرى لذا فإن الإيمان به ـ وهو مقدمة طاعته والتمسّك بولايته ـ فرع الاطمئنان والثقة بوجوده الى درجة تمكّن المؤمن من مواجهة التشكيكات الناتجة من عدم مشاهدته بصورة حسيّة ظاهرة. وهذا الاطمئنان هو الذي أكملت أسبابه تحركات الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ في فترة الغيبة الصغرى بما أتم من الحجة في التقائه بالثقات وإظهار الكرامات التي لا يمكن تصور صدورها عن غير الامام وغير ذلك مما سجلته الروايات المتحدثة عن هذه الفترة والتي دوّنها العلماء الإثبات في كتبهم.(211)
إكمال ما تحتاجه الأمة من معارف الاسلام
طوال ما يزيد على القرنين قام أئمة أهل البيت النبوي ـ صلوات الله عليهم ـ بتبليغ معظم ما تحتاجه الأمة خلال عصر الغيبة الكبرى من معارف القرآن الكريم وسنّة جدهم سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) والتي تمثل بمجموعها الإسلام النقي والدين القيّم الذي أمر الله تبارك وتعالى باتباعه والعمل على وفقه، والعروة الوثقى المعبّرة عن التمسك بالثقلين اللذين تكون بهما النجاة من الضلالة وميتة الجاهلية، وتضمن هذا التراث تحديد وتوضيح قواعد وأصول استنباط الأحكام الشرعية والمعارف الإسلامية من هذا التراث الروائي الثر لسنّة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأئمة عترته (عليهم السلام) الذين أمروا أصحابهم بحفظه وتدوينه ليكون مصدراً ـ الى جانب القرآن الكريم ـ لجميع المعارف والأحكام الإسلامية التي تحتاجها الأمة الإسلامية الى ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، وكانت ثمرة هذا الأمر تلك الروايات الشريفة من قبل أصحاب الأئمة حيث عُرفت بالأصول الأربعمائة التي تم تدوينها في عصر الأئمة السابقين للإمام المهدي (عليه السلام)، وحفظت فيها جل نصوص السنة النبوية الشريفة.(212)
وخلال الغيبة الصغرى أكمل الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر (عليه السلام) ما تبقّى مما تحتاجه الأمة خلال الغيبة الكبرى من تلك المعارف وما يعين المؤمنين على التحرك والاستقامة على الصراط المستقيم ويحفظ للاُمة استمرار مسيرتها التكاملية؛ وهذا هو الهدف العام الثاني لسيرته (عليه السلام) في فترة الغيبة الكبرى كما يتجلى في الكثير من الرسائل الصادرة عنه فيها.
تثبيت نظام النيابة
قام الإمام المهدي (عليه السلام) في هذه الفترة بتعيين عدد من الثقات المخلصين في إيمانهم من شيعته وكلاء عنه يتحركون بإذنه وبأمره ويشكلون جهازاً للارتباط بالمؤمنين، وقد مهد له في ذلك جده الإمام الهادي ومن قبله الإمام الجواد (عليه السلام) ثم تابعه الإمام العسكري (عليه السلام) الذي رسّخ نظام الوكلاء تمهيداً لغيبة ولده. فكان يُعلن توثيق بعض وجوه أصحابه وأنه وكيل عنه، فمثلاً قال (عليه السلام) بشأن عثمان بن سعيد العمري وكيله الذي أصبح فيما بعد وكيلاً لولده الإمام المهدي (عليه السلام)، وكان وكيلاً للإمام الهادي (عليه السلام) أيضاً: (هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدى إليكم فعنّي يؤديه).(213)
وقد ذكر الشيخ الصدوق أسماء إثني عشر شخصاً من وكلاء ونواب الإمام المهدي (عليه السلام) في الغيبة الصغرى وأضاف اليهم السيد محمد الصدر أسماء ستة آخرين استناداً الى ما ورد في المصادر التأريخية وكتب الرجال(214)، وكان الإمام يتولّى تنصيبهم مباشرة ويصدر بيانات (توقيعات) في ذلك وفي نفي الوكالة عمّن يدّعيها ولم يكن منهم.(215)
وثمة تغيير مهم حدث في نظام الوكلاء في هذه الفترة عما كان عليه في زمن الإمام العسكري (عليه السلام)، وهو استحداث الإمام المهدي (عليه السلام) منصب الوكيل الخاص أو السفير العام بينه وبين المؤمنين وهو منصب لم تكن الحاجة إليه قائمة في السابق حيث كان بامكان الوكلاء أو غيرهم الاتصال بالإمام بصورة أو بأخرى، وكان الإمام ظاهراً فلا حاجة لوكيل أو نائب خاص ينوب عنه، أما في عهد الغيبة الصغرى فقد اقتضى عدم ظهور الإمام ايجاد هذا المنصب ليكون محوراً لرجوع المؤمنين خاصةً وأنهم كانوا قد اعتادوا في السابق أن يكون الإمام واحداً في كل عصر.
وكان تعيين الوكيل الخاص أو السفير من قبل الإمام المهدي (عليه السلام) مباشرة وعادة ما يكون عبر توقيع يصدره ويبلّغه مباشرة كما هو الحال في الوكيل الأول أو عبر الوكيل السابق فيما بعد.
إن الزعماء الشيعة، والأصحاب الأربعة الذين تعاقبوا على هذا المنصب هم: عثمان بن سعيد العمري الذي كان كما عرفنا وكيلاً للإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام)، ثم خلفه إبنه عمرو بن عثمان ثم الحسين بن روح، وخاتمهم كان علي بن محمد السمري ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ.
وكان توجيه الإمام لعمل هؤلاء السفراء مباشراً ومستمراً في كل ما كانوا ينوبون عنه من مهام الإمامة حتى فيما يرتبط بأجوبتهم على الأسئلة العقائدية للمؤمنين التي قد يكون من الممكن أن يجيبوا عنها بما يعرفون، إلاّ أنهم ما كانوا يفعلون شيئاً من ذلك إلاّ بتعليم مباشر منه (عليه السلام) الأمر الذي يضفي صبغة الحجة الشرعية على ما صدر عنهم، وهذا ما تدل عليه عدة روايات منها مثلاً مارواه الشيخ الطوسي في الغيبة ضمن حديث طويل بشأن اجابة السفير الثالث الحسين بن روح على سؤال عقائدي لأحد المؤمنين بشأن استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، إذ ينقل عن راوي الحديث محمد بن ابراهيم الذي كان قد حضر المجلس الذي اجاب فيه الحسين بن روح على السؤال: قال محمَّد بن ابراهيم ابن اسحاق (رضي الله عنه) فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس سره) من الغد وأنا أقول في نفسي أتراه ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟ فابتدأني فقال: يا محمَّد بن إبراهيم لَئِن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح من مكان سحيق أحب إليّ من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي، بل ذلك من الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله وسلامه عليه.(216)
وواضحٌ أن الأوضاع السياسية القائمة التي أوجبت غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) لم تكن تسمح بأن يكون عمل الوكلاء علنياً، لذلك كان الشرط الأول في الوكلاء وخاصة السفراء أن يكونوا على مرتبة عالية من الالتزام بالكتمان وعدم الكشف عن مكان بل عن وجود الإمام ولذلك كان اختيار الحسين بن روح مثلاً للسفارة رغم وجود مَن هم أعلم منه وأكثر وجاهة بين الأصحاب.(217)
لقد قام الإمام (عليه السلام) بتثبيت نظام الوكالة والنيابة الخاصة في الغيبة الصغرى كمقدمة لإرجاع المؤمنين في عصر الغيبة الكبرى الى النائب العام الذي حددت النصوص الشرعية الصفات العامة له وأمر الإمام بالرجوع إليه في عصر الغيبة الكبرى ومهّد له في الغيبة بتعيين أشخاص تتوفر فيهم هذه الصفات لتتعرف الأمة على مصاديق من له الأهلية للنيابة العامة عن الإمام وتستعين بها لمعرفة من تتوفر فيه نظائرها في الغيبة الكبرى، وبعبارة أخرى كانت تجربة السفراء الأربعة نموذجاً معيّناً من قبل الإمام المعصوم (عليه السلام) يبين للاُمة، شرعية الرجوع الى نائب الإمام في غيبته من جهة ومن جهة ثانية تقدم لها نموذجاً تقوّم به من يدعي النيابة عن الإمام في الغيبة الكبرى استناداً الى الصفات التي ذكرتها النصوص الشرعية كشروط للنيابة عن الإمام.
حفظ الكيان الايماني
ولكن مهمة إثبات وجود الامام (عليه السلام) والتعريف بوكلائِهِ كانت تؤدي أحياناً الى تسرب بعض الأخبار للسلطة فيتدخل الإمام لحفظ نظام الوكلاء حتى ينجز دوره المطلوب في الغيبة الصغرى. فمثلاً يروي ثقة الإسلام الكليني في الكافي عن الحسين بن الحسن العلوي قال: (كان رجل من ندماء روز حسني وآخر معه فقال له: هوذا يجبي الاموال وله وكلاء وسمّوا جميع الوكلاء في النواحي وأنهى ذلك إلى عبيد الله بن سليمان الوزير، فهمَّ الوزير بالقبض عليهم، فقال السلطان: اُطلبوا أين هذا الرجل؟ فانّ هذا أمر غليظ، فقال عبيد الله ابن سليمان: نقبض على الوكلاء، فقال السلطان: لا، ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفون بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه قال: فخرج بأن يتقدم إلى جميع الوكلاء أن لا يأخذوا من أحد شيئاً وان يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا الأمر، فاندس لمحمد بن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به فقال: معي مال اُريد أن اُوصله، فقال له محمد: غلطت أنا لا أعرف من هذا شيئاً، فلم يزل يتلطفه ومحمد يتجاهل عليه وبثّوا الجواسيس وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدّم اليهم).(218)
يُستفاد من الروايات الواردة بشأن سيرة الإمام (عليه السلام) في غيبته الصغرى أن جهوده لدفع أذى ارهاب السلطات العباسية لم يقتصر على الوكلاء كما رأينا في الفقرة السابقة، بل شملت أيضاً حفظ سائر المؤمنين من البطش العباسي، وهذه سنّة ثابتة في سيرةِ آبائِه (عليهم السلام) جميعاً، فقد جدوا في رعاية المؤمنين ودفع الأذى عنهم ما استطاعوا الى ذلك سبيلاً.
ومن نماذج رعايته للمؤمنين في هذا الجانب مارواه الكليني في الكافي: عن عليّ بن محمد قال: (خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحيرة، فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له: الق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا يزوروا مقابر قريش فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه).(219)
كما شملت هذه الرعاية قضاء حوائج المؤمنين الشخصية والاجتماعية والإصلاح بينهم والدعاء لهم وتزويدهم بالوصايا التربوية والإجابة على أسئلتهم الدينية وتعليمهم الأدعية وغير ذلك مما سجلته المصادر التأريخية المختصة بهذه الفترة.(220)
وثمة أهداف أخرى سعى الإمام لتحقيقها في فترة الغيبة الصغرى مثل كشف التيارات المنحرفة داخل الكيان الشيعي منها: خط عمه جعفر ومنها تيار الوكلاء المنحرفين. وقد أثبت التأريخ نجاح الإمام (عليه السلام) في القضاء عليها إذ انقرض أتباعها سريعاً قبل انقضاء فترة الغيبة الصغرى.
وفي الفقرة اللاحقة نلتقي بنموذجين من تحرك الإمام في هذه الفترة لتحقيق الأهداف المذكورة وهما: إصدار التوقيعات والإلتقاء بالمؤمنين.
إصدار الرسائل (التوقيعات):
حفلت المصادر المؤرخة لسيرة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ بنصوص العديد من الرسائل والبيانات التي كان يصدرها (عليه السلام) في فترة الغيبة الصغرى والتي عُرفت بالتوقيعات. وهي تشكل أحد الأدلة الوجدانية المحسوسة الدالة على وجوده وقيامه بمهام الإمامة في غيبته.(221)
وتمثل التوقيعات إحدى وسائل اتصال الإمام بالمؤمنين وإيصال توجيهاته إليهم بحكم أوضاع عصر الغيبة التي حددت الاتصالات المباشرة، ومما ساعد على إتباع هذه الوسيلة وقوّة تأثيرها في المؤمنين تمهيد آبائه (عليهم السلام) لذلك باتباع هذا الاسلوب في وقت مبكر خاصةً في عصر الإمام الكاظم (عليه السلام) الذي قضى شطراً كبيراً من مدة إمامته التي ناهزت خمسة وثلاثين عاماً في سجون العباسيين أو تحت مراقبتهم الشديدة وتعرضهم للأذى الشديد لأصحابه، فكان يتصل بالمؤمنين ويجيب على اسئلتهم الدينية ويتوددهم ويوصل إليهم توجيهاته عبر الرسائل التي لم تنقطع حتى عندما كان في السجن عبر وسائل مبتكرة واشخاص فشلت السلطات العباسية في التعرف على ولائهم للإمام الحق (عليه السلام).
وقد اشتدّ العمل بهذا الاسلوب في عهد الامامين الهادي والعسكري (عليهما السلام)، وذلك بسبب ازدياد المراقبة التي فرضتها السلطات العباسية عليهما إذ جعجعت بهما الى (سرّ من رأى) عاصمة الامبراطورية العباسية يومذاك والتي كانت أشبه ما تكون بالقلعة العسكرية، ولذلك كانت تسمى أيضاً (العسكر)، وجعلتهما أشبه ما يكونان بالسجينين في هذه القلعة. وإضافة لذلك فإن تأكيدهما على استخدام هذا الاسلوب جاء كتمهيد مباشر لغيبة ولدهما المهدي ـ عجل الله فرجه ـ من خلال تعويد المؤمنين على هذا الاسلوب دفعاً للشبهات وإتماماً للحجة ولكي يتقبلوا العمل بما يرد في الرسائل بتسليم إيماني راسخ، خاصةً وأن الإمام (عليه السلام) كان يستخدم الخط نفسه الذي كان يستخدمه أبوه في رسائله وذلك تثبيتاً للايمان في قلوب المؤمنين به؛ وقطعاً للطريق على المستغلين.(222)
وقد جاء قسم من هذه التوقيعات جواباً على أسئلة من المؤمنين عبر السفراء الأربعة، والقسم الآخر كان بمبادرة من الإمام نفسه فيما يرتبط ببعض القضايا المهمة كحمايته للمؤمنين والوكلاء كما رأينا، أو فيما يرتبط بالكشف عن انحراف بعض الوكلاء أو زيف ادعاء منتحلي الوكالة، أو فيما يرتبط بالنص على تعيين السفراء وغير ذلك.
كما اشتملت على ما يحتاجه المؤمنون من معارف الإسلام الحق وأحكامه في مختلف شؤونهم الحياتية عقائدية وفقهية وتربوية وأخلاقية وأدعية وغير ذلك، وما تحتاجه الأمة في عصر الغيبة كالإرجاع الى الفقهاء العدول، والتأكيد على استمرار رعايته في غيبته وتحديد علائم ظهوره وغير ذلك مما سنتعرف على بعض نماذجه في فصل لاحق. كما أن في بعضها نماذج تطبيقية لاستنباط الحكم الشرعي من الأحاديث المروية تعويداً للأمة على العمل الإجتهادي في عصر الغيبة الكبرى،(223) وبعبارة جامعة يمكن القول إن هذه التوقيعات كانت من جهة وسيلة لقيادة المؤمنين وحفظ كيانهم؛ ومن جهة أخرى وسيلة لإكمال ما يحتاجونه في عصر الغيبة الكبرى من حقائق الإسلام وأحكامه.
لقاء الإمام المهدي (عليه السلام) بأتباعه المؤمنين
روت المصادر الروائية المعتبرة الكثير من الروايات التي تتحدث عن التقاء المؤمنين بالإمام المهدي (عليه السلام) في غيبته الصغرى، فلا يكاد يخلو كتاب من الكتب المصنفة في تواريخ الأئمة أو الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ خاصة، من ذكر مجموعة من هذه الروايات. وقد روى الشيخ الصدوق عن محمد بن أبي عبد الله احصائية لعدد لقاءاته من مختلف أرجاء العالم الإسلامي، فذكر ثمانية وستين شخصا(224) وأوصل الميرزا النوري العدد الى (304) اشخاص استناداً الى الروايات الواردة في المصادر المعتبرة(225) وفيها المروية بأسانيد صحيحة، ومعظمهم التقوه في الغيبة الصغرى وبعضهم في حياة أبيه (عليهما السلام) وهذه الروايات تخص الذين رأوه وعرفوه وليس الذين لم يعرفوه.
ويُستفاد من هذه الروايات أنه (عليه السلام) كان يبادر الى الالتقاء بالمؤمنين في الكثير من الحالات ويظهر على يديه المعجزات والدلائل بحيث يجعلهم يؤمنون بأنه هو الإمام ويثبت لهم وجوده (عليه السلام) وإمامته، وهذا ما يصرح به لعيسى الجوهري الذي التقاه في سنة (268 هـ) في صابر قرب المدينة المنورة حيث قال له في نهاية اللقاء وبعد ما أراه من الدلائل ما جعله على يقين من هويته (عليه السلام):
(يا عيسى ما كان لك أن تراني لولا المكذِّبون القائلون بأين هو؟ ومتى كان؟ وأين ولد؟ ومن رآه؟ وما الذي خرج إليكم منه؟ وبأيِّ شيء نبّأكم؟ وأيَّ معجز أتاكم؟ أما والله لقد دفعوا أمير المؤمنين مع مارووه وقدَّموا عليه، وكادوه وقتلوه، وكذلك آبائي عليهم السَّلام ولم يصدِّقوهم ونسبوهم إلى السحر وخدمة الجنِّ إلى ما تبيّن.
ياعيسى فخبّر أولياءنا ما رأيت، وإيّاك أن تخبر عدوَّنا فتسلبه. فقلت: يا مولاي ادع لي بالثبات فقال: لو لم يثبّتك الله ما رأيتني، وامض بنجحك راشداً. فخرجت أكثر حمداً لله وشكراً).(226)
ويتضح من روايات التشرف بلقياه في الغيبة الصغرى أنه كان يقوم خلالها أيضاً بقضاء حوائج المؤمنين إقتفاءً لسنّة آبائهِ الطاهرين (عليهم السلام)، كما كان يقوم خلالها بتوضيح بعض القضايا العقائدية المرتبطة بغيبته الكبرى (عليه السلام) ويقدم لهم الإرشادات التربوية والأدعية المسنونة المرتبطة بغيبته وتوثيق الارتباط به (عليه السلام) فيها والتي تشتمل أيضاً على توضيح ما سيحققه الله على يديه عند ظهوره.
كما يُستفاد منها أن الكثير من المؤمنين كان يجتهدون في طلب لقياه ويسعون إليه خاصة في موسم الحج لما روي أنه يحضره كل سنة.(227) وقد دلت بعض الروايات على وقوع الالتقاء به بالفعل في الموسم. كما كان البعض يلجأون الى السفراء الأربعة للفوز بذلك، فكان يسمح للمخلصين منهم بذلك. فمثلاً روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة فقال:
روى محمد بن يعقوب ـ رفعه عن الزُّهريّ ـ قال: طلبت هذا الأمر طلباً شاقاً حتى ذهب لي فيه مال صالح فوقعت إلى العمريّ وخدمته ولزمته وسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان فقال لي: ليس إلى ذلك وصول فخضعت فقال لي: بكر بالغداة، فوافيت واستقبلني ومعه شابّ من أحسن الناس وجهاً، وأطيبهم رائحة بهيئة التجّار، وفي كمّه شيء كهيئة التجّار.
فلمّا نظرت إليه دنوت من العمريّ فأومأ إليَّ فعدلت إليه وسألته فأجابني عن كل ما أردت ثم مرَّ ليدخل الدار وكانت من الدُّور التي لا نكترث لها فقال العمريُّ: إذ أردت أن تسأل سل فإنّك لا تراه بعد ذا، فذهبت لأسأل فلم يسمع ودخل الدّار، وما كلّمني بأكثر من أن قال: ملعون ملعون من أخّر العشاء الى أن تشتبك النجوم، ملعون ملعون من أخّر الغداة إلى أن تنقضي النجوم ودخل الدار).(228)
إعلان انتهاء الغيبة الصغرى
قبل ستة أيام من وفاة السفير الرابع أخرج للمؤمنين توقيعاً من الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ يعلن فيه انتهاء الغيبة الصغرى وعهد السفراء المعينين من قبل الإمام مباشرة إيذاناً ببدء الغيبة الكبرى ونص التوقيع هو:
(بسم الله الرحمن الرحيم، ياعلي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فأجمع أمرك ولا توص الى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك. فقد وقعت الغيبة التامة. فلا ظهور إلاّ بإذن الله تعالى ذكره وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلب وإمتلاء الارض جوراً. وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة ألا فمَن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم).(229)
وكان هذا آخر توقيع صدر عن الإمام في الغيبة الصغرى وهو بمثابة إعلان عن تحقيق تحركه فيها للأهداف المرجوة منها كمرحلة تمهيدية للغيبة الكبرى، فقد ظهر للناس خلالها منه (عليه السلام) مباشرة أو عبر سفرائه من البينات ما يثبت وجوده وإمامته وصحة غيبته الكبرى. وقد تم تدوينها في هذه الفترة من قبل عدد من وجوه العلماء،(230) واتضح للاُمة انتفاع الناس من وجوده خلالها ورعايته لمسيرتهم من خلف أستارها، وأمر فيه بالرجوع الى الفقهاء في الحوادث الواقعة وصرح بأن وجوده أمان لأهل الأرض،(231) كما أن الجيل الذي كان قد عاصر زمان الأئمة كان قد انتهى وظهرت أجيال اعتادت عصر الغيبة وفكرة القيادة النائبة، لذلك فقد تأهلت الأمة للدخول في عصر الغيبة الكبرى.(232)

الباب الرابع
الفصل الأول: الغيبة الكبرى للإمام المهدي عليه السلام وأسبابها

الاطار العام لتحرك الامام (عليه السلام)
إنّ الهدف العام لتحرك الإمام المهدي (عليه السلام) في فترة الغيبة الكبرى، هو رعاية مسيرة الأمة الإسلامية وتأهيلها لظهوره والقيام بالمهمة الكبرى المتمثلة بإنهاء الظلم والجور وإقامة الدولة الإلهية العادلة في كل أرجاء الأرض وتأسيس المجتمع التوحيدي الخالص كما سنفصل الحديث عن ذلك في الفصل الخاص بسيرته بعد ظهوره (عليه السلام).
وبعبارة أخرى فإن الإطار العام لسيرته ـ عجل الله فرجه ـ في هذه الفترة هو التمهيد لظهوره بما يشتمل عليه ذلك من رعاية الوجود الإيماني وحفظه وتسديد نشاطاته وتطويره عبر الأجيال المتعاقبة التي يعاصرها، وحفظ الرسالة الخاتمة من التحريف إضافة الى القيام بالميسور من مهام الإمامة الأخرى وإن كان ذلك بأساليب أكثر خفاءً مما كان عليه الحال في الغيبة الصغرى، وبذلك يتحقق الانتفاع من وجوده (عليه السلام) كما ينتفع بالشمس إذا غيّبها السحاب.
وهذا الهدف العام لسيرته في هذه الغيبة الكبرى نلاحظه بوضوح فيما ورد بشأن تحركه في هذه الغيبة.
وقبل التطرق لنماذج من هذا التحرك، نلقي نظرة عامة على بعض ما أشارت إليه الأحاديث الشريفة بشأن علة الغيبة وأسرارها، إذ إن من الواضح أن التمهيد للظهور يكون بإزالة الأسباب التي أدت للغيبة، لذا فإن التعرف على أسباب الغيبة يلقي الأضواء على طبيعة تحرك الإمام المهدي (عليه السلام) خلالها.
علل الغيبة في الأحاديث الشريفة
لقد تناولت مجموعة من الأحاديث الشريفة علل وقوع الغيبة. نذكر أولاً نماذج منها استناداً الى العلل التي تذكرها: مشيرين الى أن لكل نموذج نظائر عديدة رواها المحدثون بأسانيد متعددة:
1 ـ روى سدير عن أبيه عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (ان للقائم منّا غيبة يطول أمدها فقلت له: يابن رسول الله ولم ذاك قال: لأن الله عز وجل أبى إلاّ أن يجعل فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) في غيبا تهم، وانه لابدّ له يا سدير من استيفاء مدة غيباتهم، قال الله تعالى: (لتركبنّ طبقاً عن طبق)، أي سنن مَن كان قبلكم.(233)
وروى عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: (إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابدّ منها، يرتاب فيها كل مبطل، فقلت له: ولم جُعلت فداك؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدم من حجج الله تعالى ذكره، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر (عليه السلام) إلاّ بعد افتراقهما، يا بن الفضل ان هذا الأمر من أمر الله وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا ان الله عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة، وان كان وجهها غير منكشف).(234)
2 ـ ومنها ما رواه زرارة عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (إن للقائم غيبة قبل ظهوره، قلت: ولِمَ؟ قال: يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه، قال زرارة يعني: القتل).(235)
ومنها ما روي عن عبد الله بن عطا، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قلت له إن شيعتك بالعراق كثيرة والله مافي أهل بيتك مثلك؛ فكيف لا تخرج؟ قال: فقال: يا عبد الله بن عطاء! قد اخذت تفرش اذنيك للنوكى، إي والله ما أنا بصاحبكم، قال: قلت له: فمن صاحبنا؟ قال: انظروا من عمى على الناس ولادته؛ فذاك صاحبكم؛ إنّه ليس منا احد يشار إليه بالاصبع ويمضغ بالالسن إلاّ مات غيظاً أو رغم أنفه).(236)
3 ـ ومنها ما روي عن الحسن بن محبوب بن ابراهيم الكرخي قال:
(قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أو قال له رجل: أصلحك الله ألم يكن علي قوياً في دين الله؟ قال: بلى قال: فكيف ظهر عليه القوم وكيف لم يمنعهم ومامنعه من ذلك؟ قال: آية في كتاب الله عز وجل منعته، قال: قلت؟ وأيّ آية هي؟ قال: قول الله عز وجل: (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً اليماً). انه كان لله عز وجل ودائع مؤمنون في اصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن عليّ ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع، فلما خرجت الودائع ظهر على مَن ظهر فقاتله، وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبداً حتى تظهر ودائع الله عز وجل فاذا ظهرت ظهر على مَن ظهر فقاتله).(237)
4 ـ ومنها ماروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (والله لا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تميّزوا وتمحّصوا، ثم يذهب من كل عشرة شيء ولا يبقى منكم إلاّ الأندر، ثم تلا هذه الآية: أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين).(238)
5 ـ ومنها ماروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال:
(دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلاّ ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا، إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عز وجل: (والعاقبة للمتقين)).(239)
6 ـ ومنها ما روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال ـ في جواب من سأله عن علة الغيبة ـ: (لئلا يكون في عنقه بيعة اذا قام بالسيف).(240)
وهذا المعنى مروي عن كثير من الأئمة بألفاظ متقاربة، منها ما روي عن المهدي (عليه السلام) نفسه أنه قال في توقيعه الى اسحق بن يعقوب في جواب أسئلته: (... وأما علة ما وقع من الغيبة، فإن الله عز وجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم). إنه لم يكن أحد من آبائي (عليهم السلام) إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي).(241)
7 ـ ويقول ـ عجل الله فرجه ـ في رسالته الأولى للشيخ المفيد: (نحن، وإن كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أرانا الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك، مادامت دولة الدنيا للفاسقين).(242)
8 ـ ويقول (عليه السلام) في رسالته الثانية للشيخ المفيد: (ولو أن أشياعنا ـ وفقهم الله لطاعته ـ على اجتماع من القلوب في الوفاء بالحمد عليهم، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا فما يحبسنا عنهم إلاّ ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم...).(243)
هذه نماذج لابرز الأحاديث الشريفة المروية بشأن علل الغيبة، والأسباب التي تذكرها فيها بعض التداخل، نشير إليها ضمن النقاط الثمانية التالية:
1 ـ استجماع تجارب الأمم السابقة:
إن الحكمة الإلهية في تدبير شؤون خلقه تبارك وتعالى اقتضت غيبة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ للحكمةِ نفسها التي اقتضت غيبات الأنبياء في الاُمم السابقة، لأن ما جرى في هذه الاُمم مجتمعة يجري على الاُمة الاسلامية صاحبة الشريعة الخاتمة. فمثلما اقتضى تحقيق أهداف الرسالات السماوية غيبة بعض أنبيائها بدليل عدم استعداد الاُمم السابقة لتحقق هذه الأهداف، كذلك الحال مع الأمة الإسلامية فإن تحقق أهداف شريعتها الخاتمة اقتضى غيبة خاتم أوصيائها الإمام المهدي (عليه السلام) حتى تتأهل بشكل كامل لتحقق هذه الأهداف، وواضح أن هذا السبب مجمل بل إنه يشكل الإطار العام لعلل الغيبة التي تذكرها الطوائف الأخرى من الأحاديث الشريفة.
والملاحظ في هذه الطائفة من الأحاديث أنّها تعتبر أمر الغيبة من الأسرار الإلهية التي لا تتضح إلاّ بعد انتهاء الغيبة وظهور الإمام والتي لم يُؤذن بكشفها قبل ذلك، الأمر الذي يشير الى أن ما تذكره الأحاديث الشريفة لا يمثل كل العلل الموجبة للغيبة بل بعضها وثمة علل أخرى ليس من الصالح كشفها قبل الظهور ـ للجميع على الأقل ـ، ولكن الإيمان بها فرع الإيمان بحكمة الله تبارك وتعالى وأنه الحكيم الذي لا يفعل إلاّ ما فيه صلاح عباده.
2 ـ العامل الأمني
مخافة القتل كما جرى مع غيبات أنبياء الله موسى وعيسى وغيرهم (عليهم السلام)، والأمر في غاية الوضوح مع الإمام المهدي (عليه السلام) الذي كانت السلطات العباسية تسعى سعياً حثيثاً لقتله كما رأينا سابقاً. وهذا السبب يصدق بشكل كامل على أصل وقوع الغيبة وفي الغيبة الصغرى على الأقل.
ومعلوم أن المقصود هو حفظ وجود الإمام لكونه حجة الله على خلقه ولكي لا تخلو الأرض من قائم لله بحجته وهاد بأمره إليه تبارك وتعالى.
أما ما هو سبب اختصاص الغيبة بالإمام الثاني عشر لحفظ وجوده مع أن أباءه الطاهرين (عليهم السلام) كانوا أيضاً حجج الله على خلقه وقد تعرّضوا أيضاً للمطاردة والاغتيال فلم يمت أي منهم إلاّ بالسيف أو السم؟(244)
فالجواب واضح، فهو ـ عجل الله فرجه ـ آخر الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وهو المكلف بإقامة الدولة الإسلامية العالمية وعلى يديه يحقق الله عز وجل وعده بإظهار الإسلام على الدين كله وتوريث الأرض للصالحين، فلابد من حفظ وجوده حتى ينجز هذه المهمة. يُضاف الى ذلك أن السلطات العباسية كانت عازمة على قتله وهو في المهد لعلمها بطبيعة مهمته الإصلاحية العامة.
أما في الغيبة الكبرى فهذه العلة تبقى مؤثرة مالم تتوفر جميع العوامل اللازمة لإنجاز مهمته مثل توفر الأنصار وغير ذلك، لأنه سيبقى غرضاً لسهام مساعي حكام الجور لإبادته قبل أن ينجز هذه المهمة الإصلاحية الكبرى كما جرى على آبائِهِ (عليهم السلام). وهذا الأمر واضح للغاية ويفهم من توضيحات الإمام الباقر (عليه السلام) لعبد الله بن عطاء في الحديث الثاني من هذه الطائفة.
3 ـ السماح بوصول الحق للجميع لخروج ودائع الله
إنّ إخراج ودائع الله، المؤمنين من أصلاب قوم كافرين يشكّل عاملاً آخر، ولعل المقصود منه إعطاء الفرصة لوصول الدين الحق للجميع كي تتضح لهم أحقية الرسالة الإسلامية التي يحملها الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ وبالتالي تبني أشخاص ينتمون الى المدارس الضالة والأخلاف المنحرفين، للأهداف المهدوية والانتقال بهم الى صفوف أنصار المهدي المنتظر ـ عجل الله فرجه ـ.
وواضح أن هذه العلة تفسر تأخير ظهوره (عليه السلام)، بصورة واضحة، مباشرة، وبالتالي تفسّر بصورة غير مباشرة ـ غيبته الى حين توفر هذا العامل من العوامل اللازمة لظهوره ـ عجل الله فرجه ـ، باعتبار أنّ ظهوره مقترن بالبدء الفوري في تنفيذ مهمته الإصلاحية الكبرى، التي تتضمن نزول العذاب الأليم على المنحرفين.
4 ـ التمحيص الاعدادي لجيل الظهور
إنّ التمييز والتمحيص الإعدادي للمؤمنين به (عليه السلام) يتحقّق من خلال الأوضاع الصعبة الملازمة لغيبته (عليه السلام)، ومعلوم أن الإيمان به وبغيبته هو بحدِّ ذاته عامل مهمّ في تمحيص الإيمان وتقوية الثابتين عليه لأنه يمثل مرتبة سامية من مراتب التحرر من أسر التصديق بالمحسوسات المادية فقط. ولذلك كان الإيمان بالغيب اُولى صفات المتقين كما تذكره الآيات الأولى من سورة البقرة، وقد طبقت الأحاديث الشريفة هذه الصفة على الإيمان بالإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ في غيبته باعتباره من أوضح مصاديقها لا سيما إذا لاحظنا طول أمده.(245)
ولذلك نلاحظ في الأحاديث الشريفة مدحاً بالغاً لمؤمني عصر الغيبة الثابتين على الالتزام بالشريعة السمحاء والنهج المهدوي رغم التشكيكات العقائدية الناتجة عن عدم ظهوره المشهود.(246)
واستناداً الى هذه العلة نفهم أن الغيبة عامل إعداد لأنصار المهدي ـ عجل الله فرجه ـ من خلال ترسيخ هذا الإيمان بالغيب الذي يتضمن التحرر من أسر الماديات والذي يؤهلهم لنصرة المهدي في إنجاز مهمته الإصلاحية الكبرى.
5 ـ اتضاح عجز المدارس الاخرى
إنّ إثبات عجز المدارس الأخرى عن تحقيق السعادة والكمال المنشود للمجتمع البشري، فيه تأهيل واضح للمجتمع البشري عموماً للتفاعل الإيجابي مع المهمة الإصلاحية الكبرى للإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ، فهو يزيل العقبات الصادّة عن هذا التفاعل المطلوب لتحقق الأهداف الإلهية خاصة فيما يرتبط بالانخداع بشعارات المدارس الأخرى المادية أو ذات الأصول السماوية والمنحرفة عنها بمرور الزمن.
6 ـ حفظ روح الرفض للظلم
إنّ الامام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فيزيل حكام الجور وحاكمية الفساد بالسيف بعد إتمام الحجة كاملة على المنحرفين خلال الغيبة الكبرى وما قبلها كما أشرنا الى ذلك في النقطة السابقة. فظهوره (عليه السلام) مقترن بالتحرك الجهادي الحاسم، فلا هدنة مع المنحرفين، ومن هنا يلزم توفر هذه الصفة في أتباعه أيضاً، ولعل هذا هو المقصود من تعبير الأحاديث الشريفة (لئلا يكون في عنقه بيعة لطاغية).
وواضح أن هذا الدور الحاسم يجعل تكالب الظالمين عليه أشد إذا كان وجوده ظاهراً قبل تحركه الإصلاحي الشامل وقبل توفر الظروف المناسبة لتحركه والعدد اللازم من الأنصار، فهو في هذه الحالة إما أن يهادن الظلمة ويجمّد أي نشاط له ولو كان غير حاسم كما كان حال آبائه (عليهم السلام)، وفي ذلك أخطار كثيرة مثل إضعاف روح الرفض للظلم لدى المؤمنين وهم يرون أن إمامهم المكلف بإزالة الظلم بصورة كاملة صامت تجاهه، فضلاً عن أن هذا الموقف السلبي لن يوقف كيد الظالمين ومساعيهم المستمرة لقتله تخلصاً من هاجس دوره المرتقب؛ وإما أن يتحرك لإنجاز مهمته قبل توفر العوامل اللازمة لنجاحها وهذا الأمر يعني مقتله قبل أن يحقق شيئاً من مهمته الكبرى.
لذا فلابد من تجنب الظهور قبل اكتمال الأوضاع اللازمة لتحركه الإصلاحي الأكبر والاستتار في اسلوب الغيبة بما يمكنه من الاستمرار في نشاطه على صعيد توفير العوامل اللازمة لنجاح مهمته الكبرى عند الظهور.
7 ـ صلاح أمره وأمر المؤمنين به
إن في الغيبة صلاح أمره (عليه السلام) وأمر المؤمنين به، وهذه علة مجملة تحدد أحد أوجه الحكمة الإلهية في الأمر بالغيبة بأن في ذلك صلاح أمر الإمامة؛ ولعله بمعنى أن الغيبة هي أفضل اسلوب ممكن لقيام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ بمهام الإمامة في ظل الأوضاع المضادة لأهداف الثورة المهدوية كما تقدم في الفقرة السادسة، وبأن فيها صلاح شيعته والمؤمنين به؛ ولعله بمعنى فتح آفاق التكامل والتمحيص في صفوفهم وأجيالهم المتلاحقة كما تقدم في الفقرة الرابعة حتى يُعد الجيل القادر ـ كماً وكيفاً ـ على الاستجابة لمقتضيات الثورة المهدوية الكبرى، أو أن يكون المقصود صلاحهم في حفظ وجودهم من الإبادة قبل تحقق المهمة الإصلاحية المطلوبة أو عجزهم عن نصرة الإمام بالصورة المطلوبة عند قيامه ـ دونما غيبة ـ كما جرى في موقف المسلمين من ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وقبله من خلافة أخيه الإمام الحسن وأبيه أمير المؤمنين ـ سلام الله عليهم ـ.
8 ـ عدم توفّر العدد المطلوب من الأنصار
 والعامل الأخير هو عدم توفر العدد اللازم كماً والمناسب كيفاً من الأنصار له (عليه السلام) في مهمته الإصلاحية الكبرى التي تحتاج الى عدد كاف من الأنصار وعلى مستويات عالية من الإخلاص للشريعة المحمدية وأهدافها والعلم بها وبمكائد أعدائها بحيث يمتلكون التجربة الجهادية اللازمة لخوض حركة الصراع الحاسمة مع الكفر والشرك والفسق والنفاق. وهذه العلة مكملة للعلة المذكورة في الفقرة الرابعة.

الفصل الثاني: إنجازات الإمام المهدي عليه السلام في غيبته الكبرى

كما أشرنا في مقدمة الحديث فإن سيرة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ وتحركاته في غيبته الكبرى تتمحور حول هدف التمهيد لظهوره والمساهمة في ازالة العلل الموجبة لغيبته، وعليه يمكننا القول بأنّه يعمل في سبيل ترشيد الأمة واستجماعها لخبرات أجيالها المتعاقبة؛ وفي سبيل إيصال الحق الى الجميع ودعم وتأييد العاملين من أجل نشر الإسلام النقي وحفظه، وهو يرعى عملية التمييز والتمحيص الإعدادي لجيل الظهور، ويكشف فشل المدارس الأخرى وعجزها عن تحقيق السعادة المنشودة للبشرية، ويساهم في حفظ روح الرفض للظلم ويحبط المساعي لقتلها. إنه (عليه السلام) يقوم بكل ذلك ولكن بأساليب خفية غير ظاهرة قد يتضح الكثير منها عند ظهوره كما يتضح دوره (عليه السلام) في الكثير من الحوادث الواقعة التي تصب في صالح تحقق الأهداف المتقدمة والتي لم تُعرف أسباب وقوعها أو أنّ ما عُرض من الأسباب لم يكن كافياً في تفسيرها.
رعايته للكيان الإسلامي
يقول الإمام المهدي (عليه السلام) في رسالته الاُولى للشيخ المفيد: (... فإنّا نحيط علماً بأنبائكم ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مُذ جنح كثير منكم الى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء وأصطلمكم الأعداء).(247)
إن الإمام يتابع أوضاع المؤمنين ويحيط علماً بالتطورات التي تحصل لهم ومحاولات الاستئصال والإبادة التي يتعرّضون لها ويتخذ الإجراءات اللازمة لدفع الأخطار عنهم بمختلف أشكالها، وهذه الرعاية هي أحد العوامل الأساسية التي تفسر حفظ أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) واستمرار وجودهم وتناميه على مدى الأجيال على الرغم من شدة الحملات التصفوية التي عرضوا لها والإرهاب الفكري الحاد الذي مورس ضدهم لقرون طويلة. فهذه التصفيات الجسدية والمحاربة الفكرية الواسعة التي شهدها التأريخ الإسلامي كانت قادرة ولا شك على إنهاء وجودهم جسدياً وفكرياً لولا الرعاية المهدوية.
حفظ الاسلام الصحيح وتسديد العمل الاجتهادي
إنّ الإمام المهدي (عليه السلام) يقوم أيضاً في غيبته الكبرى بحفظ الإسلام النقي الذي يحمله مذهب أهل البيت (عليهم السلام). وهذه المهمة من المهام الرئيسة للإمامة، ومن مظاهر قيامه (عليه السلام) بها في غيبته تسديد العمل الاجتهادي للعلماء والفقهاء ومنع إجماعهم على باطل بطريقة أو باُخرى: (لأن هذه الآثار والنصوص في الأحكام موجودة مع مَن لا يستحيل منه الغلط والنسيان، ومسموعة بنقل من يجوز عليه الترك والكتمان. وإذا جاز ذلك عليهم لم يؤمن وقوعه منهم إلاّ بوجود معصوم يكون من ورائهم، شاهد لأحوالهم، عالم بأخبارهم، إن غلطوا هداههم، أو نسوا ذكّرهم أو كتموا، علم الحق من دونهم.
وإمام الزمان (عليه السلام) وإن كان مستتراً عنهم بحيث لا يعرفون شخصه، فهو موجود بينهم، يشاهد أحوالهم ويعلم أخبارهم، فلو انصرفوا عن النقل، أو ضلّوا عن الحق لما وسعته التقية ولأظهره الله سبحانه ومنع منه الى أن يبين الحق وتثبت الحجة على الخلق).(248)
والمقصود من الظهور هنا ليس الظهور العام بل المحدود لبعض العلماء وبالمقدار اللازم لتبيان الحق، وهذه من القضايا التي بحثها العلماء في باب الإجماع، فمثلاً يقول العلاّمة السيد محمد المجاهد في كتابه مفاتيح الأصول: (... البناء على قاعدة اللطف التي لأجلها وجب على الله نصب الإمام فإنها تقضي ردهم لو اتفقوا على الباطل فإنه من أعظم الألطاف، فإن امتنع حصوله بالطرق الظاهرة فبالأسباب (الخفية)... إن وجود الإمام (عليه السلام) في زمن الغيبة لطف قطعاً؛ فيثبت فيه كل ما أمكن؛ لوجود المقتضي وانتفاء المانع. وإن هذا اللطف قد ثبت وجوبه قبل الغيبة فيبقى بعده بمقتضى الأصل (إضافة إلى) أن النقل المتواتر قد دل على بقائه.
وقد ورد ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) بألفاظ ومعان متقاربة، فعن النبي (صلى الله عليه وآله): (إنّ لكل بدعة يُكاذب بها الإيمان ولياً من أهل بيتي موكلاً يذب عنه ويعلن الحق ويرد كيد الكائدين)، وعنه (صلى الله عليه وآله) وعن أهل البيت (أن فيهم في كل خلف عدولاً ينفون عن الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين).
وفي المستفيض عنهم (عليهم السلام) (إن الارض لا تخلو إلاّ وفيها عالم اذا زاد المؤمنون شيئاً ردهم الى الحق وإن نقصوا شيئاً تمم ذلك ولولا ذلك لالتبس عليهم أمرهم ولم يفرقوا بين الحق والباطل).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في عدة طرق: (اللَّهُمَّ إنك لا تخلي الارض من قائم بحجة إما ظاهر مشهور أو خائف مغمور لئلا تبطل حججك وبيناتك..)، وفي بعضها: (لابد لأرضك من حجة لك على خلقك يهديهم الى دينك ويعلمهم علمك لئلا تبطل حجتك ولئلا يضل تُبّع أوليائك بعد إذ هديتهم به، إما ظاهر ليس بالمطاع أو مكتتم أو مترقب إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم فإنّ علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة فيهم، بها عاملون).
وفي تفسير قوله تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) (ورد) في عدّة روايات: (أن المنذر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي كل زمان إمام منا يهديهم الى ماجاء به النبي (صلى الله عليه وآله))، وفي بعضها (عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الآية): (والله ما ذهبت منا وما زالت فينا الى الساعة).
وعن أبي عبد الله (الامام الصادق (عليه السلام)) قال: (ولم تخل الارض مُنذ خلقها الله تعالى من حجة له فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ولن تخلو الى أن تقوم الساعة ولولا ذلك لم يعبد الله، قيل: كيف ينتفع الناس بالغائب المستور؟! قال (عليه السلام): كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب).
وعن الحجة القائم (عليه السلام) قال: (وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأنظار السحاب، وإني لأمان أهل الارض كما أن النجوم أمان أهل السماء).
والاخبار في هذا المعنى أكثر من أن تُحصى، ومقتضاها تحقق الرد عن الباطل والهداية الى الحق؛ من الإمام في زمن الغيبة والمراد حصولها بالاسباب الخفية كما يشعر به حديث السحاب (الانتفاع بالإمام كالانتفاع بالشمس إذا غيبها السحاب) دون الظاهرة فانها منتفية بالضرورة، ولا ينافي ذلك تضمن بعضها الاعلان بالحق فانه من باب الاسناد الى السبب...).(249)
تسديد الفقهاء في عصر الغيبة
وكما أشرنا عند الحديث عن نظام (السفارة والنيابة الخاصة) في الغيبة الصغرى، فإن هذا النظام كان تمهيداً لإرجاع الأمة في الغيبة الكبرى الى الفقهاء العدول كممثلين له (عليه السلام) ينوبون عنهم كقيادة ظاهرة أمر بالرجوع إليها في توقيعه الصادر الى إسحاق بن يعقوب: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم).
وقد أشار الأئمة (عليهم السلام) من قبل الى هذا الدور المهم للعلماء في عصر الغيبة الكبرى، فمثلاً روي عن الامام علي الهادي (عليه السلام) أنه قال: (لولا مَن يبقى بعد غيبة قائمكم عليه الصلاة والسلام من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومَردته، ومِن فخاخ النواصب؛ لما بقي أحد إلاّ ارتدّ عن دينه. ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله).(250)
والمستفاد من قوله (عليه السلام) (فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم) أن الفقهاء العدول يمثلون في الواقع واسطة بين الاُمة والإمام ـ عجل الله فرجه ـ الأمر الذي يعني أن يحظى بعضهم ـ وخاصةً الذين يحظون بمكانة خاصة في توجيه الاُمة ودور خاص فكري أو سياسي في قيادتها ـ بتسديد من قبل الإمام ـ عجل الله فرجه ـ بصورة مباشرة أو غير مباشرة وبالخصوص في التحركات ذات التأثير على مسيرة الأمة وحركة الإسلام، فهو يتدخل بما يجعل هذه التحركات في صالح الأمة أو بما يدفع عنها الاخطار الشديدة الماحقة، وقد نقلت الكثير من الروايات الكاشفة عن بعض هذه التدخلات والتي لم تنقل أو لم تدون أكثر بكثير. وقسم منها يكون التدخل من قبل الإمام بصورة مباشرة وقسم آخر يكون بصورة غير مباشرة عبر أحد أوليائه.(251)
أصحاب الإمام عليه السلام في غيبته الكبرى:
يُستفاد من عدد من الأحاديث الشريفة أن للامام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ جماعة من الأولياء المخلصين يلتقون به باستمرار في غيبته الكبرى ومن أهل كل عصر، وتصرح بعض الأحاديث الشريفة بأن عددهم ثلاثين شخصاً، فقد روى الشيخ الكليني في الكافي والشيخ الطوسي في الغيبة بأسانيدهما عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة ولابد له في غيبته من عزلة ونعم المنزل طيبة وما بثلاثين من وحشة)(252)، وروى الكليني بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (للقائم غيبتان إحداهما قصيرة والاُخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه إلاّ خاصة شيعته والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة مواليه)(253)، وتصرح بعض الأحاديث الشريفة بأن الخضر (عليه السلام) من مرافقيه في غيبته.(254) ولعله (عليه السلام) يستعين بهؤلاء الأولياء ـ ذوي المراتب العالية في الاخلاص ـ في القيام بما تقدم من مهام حفظ المؤمنين ورعايتهم وتسديد العلماء ودفع الأخطار عن الوجود الإيماني وتسيير حركة الأحداث ـ حتى خارج الكيان الإسلامي بما يخدم مهمة التمهيد لظهوره وإعداد العوامل اللازمة له.
الالتقاء بالمؤمنين في غيبته الكبرى
إنّ سيرة الإمام في غيبته الكبرى تفصح بأن لقاءاته فيها لا تنحصر في هذا العدد المحدود من الأولياء المخلصين في كل عصر بل تشمل غيرهم ـ ولو بصورة غير مستمرة ـ فالأخبار الخاصة الدالة على مشاهدته في الغيبة الكبرى كثيرة وعددها يفوق حد التواتر، بحيث نعلم لدى مراجعتها واستقرائها، عدم الكذب والخطأ فيها في الجملة(255)، فقد نقل الميرزا النوري مائة منها في النجم الثاقب وفي المصادر الأخرى ما يزيد على ذلك بكثير، اضافة الى أن من المؤكد أن هناك مقابلات غير مروية ولا مسجلة في المصادر وإن كانت متناقلة عبر الثقات وأن المهدي ـ عجل الله فرجه ـ يتصل بعدد من المؤمنين في أنحاء العالم في كل جيل مع حرصهم على عدم التفوه بذلك وكتمه الى الأبد، بل يمكن القول بأن المقابلات غير المروية أكثر بكثير من المقابلات المروية.
وتشمل هذه المقابلات قضاء حوائج المؤمنين ـ كما كانت سيرة آبائه الأئمة (عليهم السلام) بمختلف أقسامها المادية والمعنوية، كما تشتمل على توجيه، الوصايا التربوية وتوضيح غوامض المعارف الإلهية أو التنبيه الى الأحكام الشرعية الصحيحة وغير ذلك من مهام الإمام في كل عصر.
ترسيخ الايمان بوجوده
وتحققت من هذه اللقاءات إضافة لذلك ثمار مهمة تتمحور حول ترسيخ الإيمان بوجوده (عليه السلام) وإزالة التشكيكات المثارة تجاه ذلك في كل عصر بما يعزز مسيرة المؤمنين في التمهيد لظهوره (عليه السلام)، خاصةً وأن معظم هذه المقابلات تقترن عادة بصدور مالا يمكن صدوره عن غير الإمام (عليه السلام) من ايضاحات علمية دقيقة أو كرامات إعجازية تقطع أي مجال للشك في هويته ـ عجل الله فرجه ـ وهي في معظم الأحوال تكون بمبادرة من الإمام نفسه وبصورة لا يتوقعها الفائز بلقياه (عليه السلام)، وبعد مدة ـ قد تطول أحياناً ـ من صدق المؤمن في طلب مقابلته والإخلاص لله في القيام بالأعمال الصالحة بهدف الفوز بذلك، كما أنها عادة ما تكون بالمقدار اللازم لقضاء حاجة المؤمن الطالب لها أو تحقيق الإمام للغاية المرجوة منها وغالباً ما ينتبه المؤمن الى أنّ من التقاه هو الإمام المهدي (عليه السلام) بعد انتهاء المقابلة، وكل ذلك حفظاً لمبدأ الاستتار في هذه الفترة.
حضور موسم الحج
وتصرح الأحاديث الشريفة بأن من سيرته (عليه السلام) في غيبته حضور موسم الحج في كل عام، وواضح مافي حضور هذا الموسم السنوي المهم من فرصة مناسبة للالتقاء بالمؤمنين من أنحاء أقطار العالم وإيصال التوجيهات إليهم ولو من دون التعريف بنفسه بصراحة والتعرف على أحوالهم عن قرب دون الحاجة الى أساليب إعجازية.
إنّ الأحاديث الشريفة التي تذكر حضوره (عليه السلام) هذا الاجتماع الإسلامي السنوي العام، ذكرت أنه (عليه السلام): (يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه)(256)، ويبدو أن المقصود هو الرؤية مع تحديد هويته (عليه السلام)، بمعنى أن يعرفوه أنه هو المهدي، إذْ توجد عدة روايات اُخرى تصرح برؤيته في هذا الموسم وبعضها يصرح بعدم معرفة المشاهدين لهويته على نحو التحديد واقتصار معرفتهم بأنّه من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله).(257)

الفصل الثالث: تكاليف عصر الغيبة الكبرى

اهتمت الأحاديث الشريفة بقضية تكاليف عصر الغيبة بحكم الأبعاد العملية التي تشتمل عليها فيما يرتبط بتحرك الإنسان في هذه الفترة المتميزة بفتن كثيرة وصعوبات في مواجهتها ناتجة عن عدم الحضور الظاهر لإمام العصر وعدم تيسر الرجوع إليه بسهولة.
في هذا الفصل نذكر على نحو الإيجاز أبرز هذه التكاليف طبق ما حددته الأحاديث الشريفة مع تفصيل الحديث عن أهمها والذي ينطوي على تجسيد التكاليف الأخرى ألا وهو واجب انتظار ظهور الإمام ـ عجل الله فرجه ـ لأنه عُرّض للكثير من أشكال سوء الفهم.
وأبرز التكاليف الاُخرى فكما يلي:
1 ـ ترسيخ المعرفة بإمام العصر ـ عجل الله فرجه ـ وغيبته وحتمية ظهوره وأنه حي يراقب الأمور ويطّلع على أعمال الناس وأوضاعهم وينتظر توفر الشروط اللازمة لظهوره، وإقامة هذه المعرفة على أساس الأدلة النقلية الصحيحة والبراهين العقلية السليمة.
وأهمية هذا الواجب واضحة في ظل عدم الحضور الظاهر للإمام في عصر الغيبة والتشكيكات الناتجة عن ذلك، كما أن لهذه المعرفة تأثيراً مشهوداً في دفع الإنسان المسلم نحو العمل الإصلاحي البنّاء على الصعيدين الفردي والاجتماعي، فهي تجعل لعمله حافزاً إضافياً يتمثل بالشعور الوجداني بأن تحركه يحظى برعاية ومراقبة إمام زمانه الذي يسرّه ما يرى من المؤمنين من تقدم ويؤذيه أي تراجع أو تخلف عن العمل الإصلاحي البناء والتمسك بالأحكام والأخلاق والقيم الإسلامية التي ينتظر توفر شروط ظهوره لإقامة حاكميتها في كل الأرض وإنقاذ البشرية بها.
وقد التقينا في الأحاديث الشريفة التي أخبرت عن غيبة المهدي قبل وقوعها بإشارات صريحة الى هذا الواجب وسنلتقي ضمن الحديث عن واجب الانتظار بنماذج أخرى. يُضاف الى ذلك معظم الأدعية المندوب تلاوتها في عصر الغيبة تحفز على القيام بهذا الواجب وترسيخ المعرفة بالإمام، فمثلاً الكليني في (الكافي) عن زرارة أن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن للقائم غيبة... وهو المنتظر وهو الذي يشكّ الناس في ولادته... (فقال زرارة): جُعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟ قال: يازرارة متى أدركت ذلك الزمان فلتدع بهذا الدعاء: اللَّهُمَّ عرّفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللَّهُمَّ عرّفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللَّهُمَّ عرّفني حجتك فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللتُ عن ديني...)(258) وفي الحديث إشارة الى الأسس العقائدية للإيمان بإمام العصر وثمار معرفته.
2 ـ ومن التكاليف المهمة الأخرى التي أكدتها الأحاديث الشريفة لمؤمني عصر الغيبة هو تمتين الارتباط الوجداني بالمهدي المنتظر والتفاعل العملي مع أهدافه السامية والدفاع عنها والشعور الوجداني العميق بقيادته وهذا هو ما تؤكده أيضاً معظم التكاليف التي تذكرها الأحاديث الشريفة كواجبات للمؤمنين تجاه الإمام مثل الدعاء له بالحفظ والنصرة وتعجيل فرجه وظهوره وكبح أعدائه والتصدق عنه والمواظبة على زيارته وغير ذلك مما ذكرته الأحاديث الشريفة وقد جمعها آية الله السيد الإصفهاني في كتابه (مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم) وكتابه (وظائف الأنام في غيبة الإمام).
3 ـ إحياء أمر منهج أهل البيت (عليهم السلام)(259) الذي يمثله ـ عجل الله فرجه ـ بما يعنيه ذلك من العمل بالإسلام النقي الذي دافعوا عنه ونشر أفكارهم والتعريف بمظلوميتهم وموالاتهم والبراءة من أعدائهم والعمل بوصاياهم وتراثهم وما تقدم من تعاليمهم ونبذ الرجوع الى الطاغوت وحكوماته والرجوع الى الفقهاء العدول الذين جعلوهم حجة على الناس في زمن الغيبة والاستعانة بالله في كل ذلك كما ورد في النص:
(وإن أصبحتم لا ترون منهم (الأئمة (عليهم السلام)) أحداً فاستغيثوا بالله عز وجل وانظروا السنة التي كنتم عليها واتبعوها وأحبوا ما كنتم تحبون وابغضوا مَن كنتم تبغضون فما أسرع ما يأتيكم الفرج).(260)
4 ـ تقوية الكيان الإيماني والتواصي بالحق الإسلامي النقي والتواصي بالصبر، وهو من التكاليف التي تتأكد في عصر الغيبة بحكم الصعوبات التي يشتمل عليها؛ والثبات على منهج أهل البيت (عليهم السلام): (يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فياطوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان...).(261)
هذه عناوين أبرز التكاليف الخاصة بعصر الغيبة وثمة تكاليف خاصة ببعض الحوادث التي تقع فيه أو بعض علائم الظهور مثل مناصرة حركة الموطئة ـ الذين يوطّئون للمهدي سلطانه ـ أو اجتناب فتنة السفياني أو تشديد الحذر عند ظهور بعض العلائم القريبة من أوان الظهور وغير ذلك.
وبعد هذا العرض السريع ننتقل للحديث عن واجب الانتظار الذي يمثل أهم هذه التكاليف ويشتمل العمل به على معظم التكاليف السابقة، ونتناوله ضمن الفقرات التالية.
أهمية الانتظار
تؤكد الأحاديث الشريفة وباهتمام بالغ على عظمة آثار انتظار الفرج؛ بعنوانه العام الذي ينطبق على الظهور المهدوي كأحد مصاديقه البارزة؛ وكذلك على انتظار ظهور الإمام بالخصوص. فبعضها تصفه بأنه أفضل عبادة المؤمن كما هو المروي عن الإمام علي (عليه السلام): (أفضل عبادة المؤمن انتظار فرج الله)،(262) وعبادة المؤمن أفضل بلا شك من عبادة مطلق المسلم، فيكون الانتظار أفضل العبادات الفضلى إذا كان القيام به بنية التعبد لله وليس رغبة في شيء من الدنيا؛ ويكون بذلك من أفضل وسائل التقرب الى الله تبارك وتعالى كما يشير الى ذلك الإمام الصادق (عليه السلام) في خصوص انتظار الفرج المهدوي حيث يقول: (طوبى لشيعة قائمنا، المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).(263) ولذلك فإن انتظار الفرج هو (أعظم الفرج)(264) كما يقول الإمام السجاد (عليه السلام)، فهو يدخل المنتظر في زمرةِ أولياء الله.
وتعتبر الأحاديث الشريفة أنّ صدق انتظار المؤمن لظهور إمام زمانه الغائب يعزز إخلاصه ونقاء إيمانه من الشك، يقول الإمام الجواد (عليه السلام): (...له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون..)(265) وحيث إن الانتظار يعزز الإيمان والإخلاص لله عز وجل والثقة بحكمته ورعايته لعباده، فهو علامة حسن الظن بالله، لذا فلاغرابة أن تصفه الأحاديث الشريفة بأنه: (أحب الأعمال الى الله)،(266) وبالتالي فهو (أفضل أعمال أمتي)(267) كما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله).
الانتظار يرسخ تعلق الإنسان وارتباطه بربه الكريم وإيمانه العملي بأن الله عز وجل غالب على أمره وبأنه القادر على كل شيء والمدبر لأمر خلائقه بحكمته الرحيم بهم، وهذا من الثمار المهمة التي يكمن فيها صلاح الإنسان وطيّه لمعارج الكمال، وهو الهدف من معظم أحكام الشريعة وجميع عباداتها وهو أيضاً شرط قبولها فلا قيمة لها إذا لم تستند الى هذا الايمان التوحيدي الخالص الذي يرسخه الانتظار، وهذا أثر مهم من آثاره الذي تذكره الأحاديث الشريفة نظير قول الإمام الصادق (عليه السلام): (ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العبادة عملاً إلاّ به... شهادة أن لا اله إلاّ الله وأن محمداً عبدُه ورسوله والاقرار بما أمر الله والولاية لنا والبراءة من أعدائنا ـ يعني الأئمة خاصة ـ والتسليم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار للقائم (عليه السلام)...).(268)
وتصريح الأحاديث الشريفة بأن التحلي بالانتظار الحقيقي يؤهل المنتظر ـ وبالآثار المترتبة عليه المشار اليها آنفاً ـ للفوز بمقام صحبة الإمام المهدي كما يشير الى ذلك الإمام الصادق في تتمة الحديث المتقدم حيث يقول: (مَن سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر)، وكذلك يجعله يفوز بأجر هذه الصحبة الجهادية وهذا ما يصرح به الصادق (عليه السلام) حيث يقول: (مَن مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم (عليه السلام)...)،(269) ويفوز أيضاً بأجر الشهيد كما يقول الإمام علي (عليه السلام): (الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله)،(270) بل ويفوز بأعلى مراتب الشهداء المجاهدين، يقول الصادق (عليه السلام): (مَن مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن كان مع القائم في فسطاطه؛ قال الراوي: ثم مكث هنيئة، ثم قال: لا بل كمن قارع معه بسيفه، ثم قال: لا والله إلاّ كمن استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)).(271)
والأحاديث المتحدثة عن آثار الانتظار كثيرة ويُفهم منها أن تباين هذه الآثار في مراتبها يكشف عن تباين عمل المؤمنين بمقتضيات الانتظار الحقيقي، فكلما سمت مرتبة الانتظار تزايدت آثارها المباركة وبالطبع فإن الأمر يرتبط بتجسيد حقيقة ومقتضيات الانتظار، ولذلك يجب معرفة معناه الحقيقي، وهذا مانتناوله في الفقرة اللاحقة.
حقيقة الانتظار:
الانتظار عبارة عن: (كيفية نفسانية ينبعث منها التهيؤ لما تنتظره؛ وضده اليأس؛ فكلما كان الانتظار أشد كان التهيؤ آكد؛ ألا ترى أنّه اذا كان لك مسافر تتوقع قدومه ازداد تهيؤك لقدومه كلما قرب حينه، بل ربما تبدل رقادك بالسهاد لشدة الانتظار. وكما تتفاوت مراتب الانتظار من هذه الجهة، كذلك تتفاوت مراتبه من حيث حبك لمن تنتظره، فكلما اشتد الحب ازداد التهيؤ للحبيب وأوجع فراقه بحيث يغفل المنتظر عن جميع ما يتعلق بحفظ نفسه ولا يشعر بما يصيبه من الالآم الموجعة والشدائد المفظعة.
فالمؤمن المنتظر مولاه كلما اشتد انتظاره ازداد جهده في التهيؤ لذلك بالورع والاجتهاد وتهذيب نفسه وتجنّب الأخلاق الرذيلة والتحلّي بالأخلاق الحميدة حتى يفوز بزيارة مولاه ومشاهدة جماله في زمان غيبته كما اتفق ذلك لجمع كثير من الصالحين، ولذلك أمر الأئمة الطاهرون (عليهم السلام) فيما سمعت من الروايات وغيرها بتهذيب الصفات وملازمة الطاعات. بل رواية أبي بصير مشعرة أو دالة على توقف الفوز بذلك الأجر حيث قال (الإمام الصادق) (عليه السلام): (مَن سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل مَن أدركه... ولا ريب أنه كلما اشتد الانتظار ازداد صاحبه مقاماً وثواباً عند الله عز وجل...).(272)
والانتظار يعني: (ترقب ظهور وقيام الدولة القاهرة والسلطنة الظاهرة لمهدي آل محمد (عليهم السلام). وإمتلائها قسطاً وعدلاً وانتصار الدين القويم على جميع الأديان كما أخبر به الله تعالى نبيه الأكرم ووعده بذلك، بل بشّر به جميع الأنبياء والأمم؛ أنه يأتي مثل هذا اليوم الذي لا يعبد فيه غير الله تعالى ولا يبقى من الدين شيء مخفي وراء ستر وحجاب مخافة أحد...).(273)
اذن الانتظار يتضمن حالة قلبية توجدها الأصول العقائدية الثابتة بشأن حتمية ظهور المهدي الموعود وتحقق أهداف الأنبياء ورسالاتهم وآمال البشرية وطموحاتها على يديه (عليه السلام)؛ وهذه الحالة القلبية تؤدي الى انبعاث حركة عملية تتمحور حول التهيؤ والاستعداد للظهور المنتظر، ولذلك أكدت الأحاديث الشريفة على لزوم ترسيخ المعرفة الصحيحة المستندة للادلة العقائدية بالإمام المهدي وغيبته وحتمية ظهوره كما أشرنا في الواجب الأول.
وعليه يتضح أن الانتظار لا يكون صادقاً إلاّ اذا توفرت فيه: (عناصر ثلاثة مقترنة: عقائدية ونفسية وسلوكية ولولاها لا يبقى للانتظار أي معنى إيماني صحيح سوى التعسف المبني على المنطق القائل: (فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون...)(274) المنتج لتمني الخير للبشرية من دون أي عمل إيجابي في سبيل ذلك).(275)
ولذلك نلاحظ في الأحاديث الشريفة المتحدثة عن قضية الانتظار تأكيدها على معرفة الإمام المهدي ودوره وترسيخ الارتباط المستمر به (عليه السلام) في غيبته كمظهر للانتظار والالتزام العملي بموالاته والتمسك بالشريعة الكاملة كما اشرنا لذلك في التكاليف السابقة وإعداد المؤمن نفسه كنصير للإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ يتحلى بجميع الصفات الجهادية والعقائدية والأخلاقية اللازمة للمساهمة في إنجاز مهمته الإصلاحية الكبرى، وإلاّ لن يكون انتظاراً حقيقياً.
(إن انتظار الفرج نوعان: انتظار بنّاء باعث للتحرك والالتزام الرسالي، فهو عبادة وأفضل العبادات، وانتظار مخرّب يشل الإنسان عن العمل البنّاء فهو يعتبر نمطاً من أنماط (الإباحية)... إن نوعي الانتظار هذين هما نتيجة لنوعين من الفهم لماهية الظهور التأريخي العظيم للمهدي الموعود (عليه السلام)... والبعض يفسّر القضية المهدوية وثورتها الموعودة بأنها ذات صبغة انفجارية لا غير؛ وأنها نتيجة لانتشار الظلم والتمييز والقمع وغصب الحقوق والفساد... فعندها يقع الانفجار وتظهر يد الغيب لإنقاذ الحق... وعليه فإن أفضل عون يمكن أن يقدمه الإنسان لتعجيل الظهور المهدوي وأفضل أشكال الانتظار هو (السماح بـ) ترويج الفساد...
لكن المستفاد من الآيات أن ظهور المهدي الموعود حلقة من حلقات مجاهدة أنصار الحق لأشياع الباطل التي تكون عاقبتها الانتصار الكامل لأنصار الحق ومشاركة الإنسان في الحصول على هذه السعادة مرهون بأن يدخل عملياً في صفوف أنصار الحق...
ويُستفاد من الروايات الإسلامية أن ظهور المهدي (عليه السلام) يقترن ببلوغ جبهتي السعداء والأشقياء ذروة عملهم كل حسب أهدافه لا أن ينعدم السعداء ويبلغ الأشقياء ذروة إجرامهم وظلمهم، وتتحدث الأحاديث الشريفة عن صفوة من أنصار الحق تلتحق بالإمام فور ظهوره... فحتى لو فرضنا أنهم قلة من الناحية الكمية إلاّ أنهم من الناحية الكيفية خيرة أهل الإيمان وبمستوى انصار سيد الشهداء (عليه السلام)؛ كما تتحدث عن التمهيد لثورة الإمام المهدي بسلسلة من الانتفاضات التي يقوم بها أنصار الحق... كما تتحدث بعضها عن حكومة يقيمها أنصار الحق وتستمر حتى تفجر ثورة الإمام المهدي).(276)
إذن يتضح مما تقدم أن للانتظار الشرعي المطلوب جملة من الشروط لا يتحقق بدونها العمل به كأهم تكاليف المؤمنين في عصر الغيبة وقد تحدثت عنها الأحاديث الشريفة وجمعها الإمام السجاد (عليه السلام) حيث قال ضمن حديث له عن القضية المهدوية: (إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة العيان وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً والدعاة الى دين الله عز وجل سراً وجهراً).(277)
شروط الانتظار:
على ضوء هذا النص والتوضيحات الذي تقدمته يمكن إجمال شروط الانتظار في النقاط التالية التي تتضمن أيضاً توضيح السبيل العملي الذي ينبغي للمؤمن انتهاجه لكي يكون منتظراً حقيقياً:
1 ـ ترسيخ معرفة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ والإيمان بإمامته والقيام بمهامها في غيبته ومعرفة طبيعة دوره التأريخي وأبعاده والواجبات التي يتضمنها ودور المؤمنين تجاهه، وترسيخ الارتباط به (عليه السلام) وبدوره التأريخي. وكذلك الإيمان بأن ظهوره محتمل في أي وقت، الأمر الذي يوجب أن يكون المؤمن مستعداً له في كل وقت. بما يؤهله للمشاركة في ثورته.
ولتحقق هذا الاستعداد اللازم لكي يكون الانتظار صادقاً يجب التحلي بالصفات الأخرى التي يذكرها الإمام السجاد (عليه السلام) والتي تمثل في واقعها الشروط الأخرى لتحقق مفهوم الانتظار على الصعيد العملي، كما نلاحظ في الفقرات اللاحقة.
2 ـ ترسيخ الاخلاص في القيام بمختلف مقتضيات الانتظار وتنقيته من جميع الشوائب والأغراض المادية والنفسية، وجعله خالصاً لله تبارك وتعالى وبنيّة التعبد له والسعي لرضاه، وبذلك يكون الانتظار (أفضل العبادة)، وقد صرّح آية الله السيد محمد تقي الإصفهاني بأنّ توفر هذه النيّة الخالصة شرط في القيام بواجب الانتظار. وعلى أي حال فإنّ توفر هذا الشرط يرتبط بصورة مباشرة بالإعداد النفسي لنصرة الإمام عند ظهوره؛ لأنّ فقدانه يسلب المنتظر الأهلية اللازمة لتحمل صعاب نصرة الإمام ـ عجل الله فرجه ـ في مهمته الإصلاحية الجهادية الكبرى.
3 ـ تربية النفس وإعدادها بصورة كاملة لنصرة الإمام من خلال صدق التمسك بالثقلين والتخلق بأخلاقهما ليكون المؤمن بذلك من أتباع الإمام المهدي (عليه السلام) حقاً: (وشيعتنا صدقاً) وتتوفر فيه شروط الشخصية الإلهية والجهادية القادرة على نصرة الإمام في طريق تحقيق أهدافه الإلهية، وفي ذلك تمهيد لظهوره (عليه السلام) على الصعيد الشخصي.
4 ـ التحرك للتمهيد للظهور المهدوي على الصعيد الاجتماعي بدعوة الناس الى دين الله الحق وتربية أنصار الإمام والتبشير بثورته الكبرى، ونلاحظ في حديث الامام السجاد (عليه السلام) وصفه للمنتظرين بأنهم (الدعاة الى دين الله عز وجل سرّاً وجهراً)، وفي ذلك إشارة بليغة الى ضرورة استمرار تحرك المنتظرين في التمهيد للظهور ورغم كل الصعاب، فإذا كانت الأوضاع موائمة دعوا لدين الله جهراً وإلاّ كان تحركهم سرياً دون أن يسوّغوا لانفسهم التقاعس عن هذا الواجب التمهيدي تذرّعاً بصعوبة الظروف.
وعلى ضوء ماتقدم يتضح أن الانتظار الحقيقي يتضمن حركة بناء مستمرة واستعداد لظهور المنقذ المنتظر على الصعيدين الفردي والاجتماعي مهما كانت الصعاب والتضحيات، يقول الإمام الخميني (قدس سره) في آخر بيان أصدره بمناسبة النصف من شعبان قبل وفاته: (سلام عليه (المهدي الموعود) وسلام على منتظريه الحقيقيين، سلام على غيبته وظهوره، وسلام على الذين يدركون ظهوره على نحو الحقيقة ويرتوون من كأس هدايته ومعرفته سلام على الشعب الايراني العظيم الذي يمهد لظهوره بالتضحيات والفداء والشهادة...).(278)
الانتظار وتوقّع الظهور الفوري
إضافة الى تصريحهم بوجوب إنتظار الامام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ في غيبته استناداً الى كثرة النصوص الشرعية الآمرة بذلك على نحو الفرج الإلهي العام أو الفرج المهدوي على نحو الخصوص، فقد صرحوا بوجوب توقع ظهور الإمام في كل حين استناداً الى النصوص الشرعية أيضاً، يقول السيد الشهيد محمد الصدر(رحمه الله): (من الأخبار الدالة على التكليف في عصر الغيبة ما دل على وجوب الانتظار الفوري وتوقع الظهور الفوري في كل وقت بالمعنى الذي سبق أن حققناه)،(279) ويقول السيد محمد تقي الإصفهاني بعد نقله لمجموعة من الأحاديث الدالة على وجوب الانتظار الفوري: (المقصود من توقع الفرج صباحا ومساء هو الانتظار للفرج الموعود في كل وقت يمكن وقوع هذا الأمر المسعود ولا ريب في إمكان وقوع ذلك في جميع الشهور والأعوام بمقتضى أمر المدبّر العلام، فيجب الانتظار له على الخاص والعام).(280)
وشمولية وجوب الانتظار لجميع المسلمين التي يصرّح بها السيد الاصفهاني في ذيل مانقلناه عنه آنفاً يؤكدها السيد الشهيد محمد الصدر(رحمه الله) استناداً الى الاتفاق بين المسلمين على حتمية ظهور المهدي (عليه السلام) بعد تواتر أحاديثه: (بنحو يحصل اليقين بمدلولها وينقطع العذر عن إنكاره أمام الله عز وجل؛ وبعد العلم بإناطة تنفيذ ذلك الغرض بإرادة الله تعالى وحده من دون أن يكون لغيره رأي في ذلك، إذن فمن المحتمل في كل يوم أن يقوم المهدي (عليه السلام) بحركته الكبرى لتطبيق ذلك الغرض لوضوح احتمال تعلق إرادة الله تعالى به في أي وقت. ولا ينبغي أن تختلف في ذلك الاطروحة الإمامية لفهم المهدي (عليه السلام) عن غيرها؛ إذ على تلك الاطروحة يأذن الله تعالى بالظهور بعد الاختفاء، وأما على الأطروحة القائلة بأن المهدي (عليه السلام) يُولد في مستقبل الدهر ويقوم بالسيف، فمن المحتمل أيضاً أن يكون الآن مولوداً ويوشك أن يأمره الله تعالى بالظهور، وهذا الاحتمال قائم في كل وقت)،(281) ويستند الى الطريقة نفسها في تتمة حديثه للقول بوجوب الانتظار الفوري على كل مَن يؤمن بالمنقذ الموعود من أتباع الديانات الأخرى.
تبقى قضية علائم الظهور التي ذكرت الأحاديث الشريفة أنها تسبق الظهور المهدوي، وتعارضها مع القول بوجوب الانتظار الفوري، وهو تعارض مرفوع بأن انتظار الحتمي منها هو انتظار للظهور في الواقع لأنها جزء كما أنّ زمن وقوع العلائم الحتمية للظهور قريب من موعد الظهور وأما شرائط الظهور وتوفير الأوضاع اللازمة له فإنّ من المحتمل اكتمالها في كل حال. يقول السيد الشهيد محمد الصدر(رحمه الله): (إن العلامات يحتمل وقوعها في أي وقت ويحتمل أن يتبعها ظهور المهدي (عليه السلام) بوقت قصير، وأما شرائط الظهور فيحتمل اكتمالها وانجازها في أي وقت أيضاً، وقلنا بأن وجود هذا الاحتمال في نفس الفرد كاف في إيجاد الجو النفسي للانتظار الفوري).(282)
وهذا الجو النفسي المطلوب في الانتظار الفوري هو الذي يشكل الدوافع المحرضة للمؤمن لكي يسارع في توفير الشروط اللازمة لنصرة إمامه المهدي ـ عجل الله فرجه ـ من خلال إعداد نفسه وغيره بالتهذيب والتربية اللازمة للتحلي بخصال أنصار المهدي.
ومن الضروري استكمالاً للبحث في موضوع وجوب الانتظار كأحد أهم واجبات المسلمين في عصر الغيبة، الإشارة الى حرمة اليأس من الظهور وهو الأصل الذي يستند الى أدلة قرآنية عامة تشكل أحد أدلة وجوب الانتظار، وقد بحث آية الله السيد محمد تقي الإصفهاني (رحمه الله) هذا الموضوع مفصّلاً واستعرض النصوص الشرعية وبيّن دلالاتها والأحكام المستنبطة منها بشأن أقسام اليأس المتصورة بالنسبة الى ظهور المهدي الموعود، وخلص في بحثه الى إثبات حرمة اليأس من ظهوره أصلاً؛ لاتفاق المسلمين على حتمية تحقق ذلك، وكذلك حرمة اليأس من وقوع الظهور في مدة معيّنة، وكذلك اليأس من قرب ظهوره.(283)

الباب الخامس

الفصل الأول: علائم ظهور الإمام المهدي عليه السلام

ملاحظات بشأن علائم الظهور
عرفنا من الحديث عن تكاليف المؤمنين في عصر غيبة الإمام ـ عجل الله فرجه ـ أن الأحاديث الشريفة تأمر بانتظار ظهوره وتوقعه في كل آن، وهذا تكليف تربوي يهدف الى جعلهم ساعين باتجاه تحقيق الاستعداد الكامل وباستمرار لنصرته عندما يظهر.
ولكن الى جانب هذا الأمر المؤكد تذكر الأحاديث الشريفة مجموعة من الحوادث والاُمور كعلائم لظهوره (عليه السلام) يهتدي بها المؤمنون لترسيخ وتسريع استعدادهم لنصرته والمساهمة في إنجاز مهمته الإصلاحية الكبرى.
والجمع بين هاتين الطائفتين من الأحاديث الشريفة، هو أن الأمر بتوقع الظهور في كل حين يستند الى إمكان وقوع ذلك متى ما شاءت الإرادة الإلهية، فتعجّل في تحقيق العلائم المذكورة في الطائفة الثانية أو تلغي بعضها لحكمة ربانية في تدبير شؤون العباد إذا علم منهم صدقهم في الاستعداد لنصرته مثلاً، أو أن يكون المقصود من توقع الظهور الفوري توقع تحقق العلائم المذكورة في الأحاديث الشريفة والحتمية الوقوع؛ لأن وقوعها إعلان ظهور الإمام (عليه السلام).(284) وقد تقدمت اشارة أخرى الى هذه القضية ضمن الحديث عن واجب الانتظار.
وبهذا تتحصل للمؤمنين الثمار المرجوة من الأمر بوجوب توقع ظهوره ـ عجل الله فرجه ـ في كل حين، وكذلك تتحصل لهم الثمار المرجوة من تعريفهم بعلائم ظهوره لتسريع استعدادهم والقيام بالتكاليف الخاصة ببعض العلائم التي تقرن الأحاديث الشريفة ذكرها بذكر واجبات خاصة بها.
العلائم الحتمية وغير الحتمية
وتذكر الأحاديث الشريفة قسمين رئيسين من علائم ظهور الإمام ـ عجل الله فرجه ـ. القسم الأوّل ماهو حتمي الوقوع، والقسم الثاني ماهو غير حتمي بل قد لا يقع إذا اقتضت الحكمة الإلهية ذلك. كما أن بعض هذه العلائم قريبة من زمن الظهور وبعضها سابق له بفترة طويلة.
اللغة الرمزية في أحاديث العلامات
كما تنبغي الإشارة هنا الى أن الأحاديث الشريفة تحدثت عن كثير من علائم الظهور بلغة الرمز والإشارة، لذا من الضروري لمعرفتها على نحو الدقة دراسة هذه اللغة ومعرفتها، كما ينبغي استجماع كل ماورد بشأن كل علامة من تفصيلات في الأحاديث الشريفة ودراستها بعيداً عن التأثر بالقناعات السابقة وبتأنّي وبدقة للتوصل الى مصداقها الحقيقي وعدم الوقوع في التطبيقات العجولة التي تبعد عن الهدف المراد من ذكر هذه العلائم، خاصة وأن اللغة الرمزية بطبيعتها تجعل من الممكن تطبيق كل علامة على أكثر من مصداق وهذا خلاف الهدف المراد من ذكرها أيضاً.
كما أنّ من الضروري الإشارة الى أن بعض الأحاديث الشريفة التي ذكرت علامات الظهور، حددت تكاليف محددة للمؤمنين ـ على نحو التصريح أو الإشارة تجاهها ـ فينبغي عند دراستها السعي للتعرف على هذه التكاليف للحصول على الثمار المرجوة من ذكرها.
وحيث إنّ علائم الظهور ترتبط بقضايا غيبية، لذلك فإنّها تعرضت للكثير من التحريف وداخَلها الوضع، لذا ينبغي التدقيق في هذا الجانب لتمييز الصحيح منها من الموضوع. على أنّ ثمة قضية مهمة اُخرى في هذا المجال هي وجود مجموعة من العلامات التي ذكرتها بعض الأحاديث الشريفة المرسلة أو غير المسندة ثم جاء الواقع التأريخي مصدّقاً لها فهذا دليل صحتها، لأنه أثبت أنه تحدثت عن قضايا قبل وقوعها وهذا مالا يمكن صدوره إلاّ من جهة ينابيع الوحي الإلهي.
أبرز علائم الظهور
والبحث في علائم الظهور طويل لا يسعه هذا المختصر، فنكتفي بعد هذه الملاحظات بنقل مالخّصه الشيخ المفيد (رضي الله عنه) من الأحاديث الشريفة مع الإشارة الى أن ثمة علامات أخرى لم يذكرها.
يقول (رحمه الله): ـ (قد جاءت الأخبار بذكر علامات لزمان قيام المهدي (عليه السلام) وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات: فمنها: خروجُ السفياني، وقتل الحسني، واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهَدمُ سور الكوفة، وإقبال رايات سود من قِبَلِ خراسان، وخروج اليماني، وظُهور المغربي بمصرَ وتملُّكُه للشامات، ونزول التُرك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرقِ يُضيءُ كما يُضيءُ القمر ثم يَنعطفُ حتى يكاد يلتقي طَرَفاه، وحُمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طُولاً وتبقى في الجوِّ ثلاثة أيّام أو سبعة أيّام، وخلعُ العرب أعنَّتها وتملُّكها البلاد وخُروجُها عن سلطان العجم، وقتلُ أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاثة رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من قبل المغرب حتى تربط بفناء الحيرة، وإقبالُ رايات سُود من المشرق نحوها، وبثقٌ في الفرات حتى يدخُل الماءُ أزقّة الكوفة، وخُروجُ ستين كذّاباً كلُّهم يدَّعي النبوة، وخُروج اثني عشر من آل أبي طالب كلُّهم يدّعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العباس بين جلولاء وخانقين، وعقد الجسر ممّايلي الكرخ بمدينة السلام، وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار؛ وزلزلة حتى ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق، وموت ذريع فيه، ونقص من الأنفس والأموال الثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلاّت، وقلّة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم، ومسخٌ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد السادات، ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كلُّ أهل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون.
ثم يُختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتَّصل فتحيا بها الأرض من بعد موتها وتعرف بركاتها، وتزول بعد ذلك كلُّ عاهة عن معتقدي الحقِّ من شيعة المهدي (عليه السلام)، فيعرفون عند ذلك ظُهوره بمكة فيتوجَّهون نحوه لُنصرته. كما جاءت بذلك الأخبار.
ومن جملة هذه الأحداث محتومة ومنها مشترطة، والله أعلم بما يكون، وإنّما ذكرناها على حسب ما ثبت في الاُصول وتضمَّنها الأثر المنقول، وبالله نستعين وإيّاه نسأل التوفيق).(285)
زوال علل الغيبة
اضافة الى هذه العلامات التي نصت عليها الأحاديث الشريفة؛ فإنّ المستفاد من الأحاديث الشريفة أن من العلائم المهمة لظهور الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ؛ زوال العلل والعوامل التي أدت الى غيبته وتوفر الأوضاع المناسبة لقيامه ـ سلام الله عليه ـ بمهمته الإصلاحية الكبرى،(286) والتي منها:
1 ـ اكتمال عملية التمحيص والغربلة للمؤمنين وتوفر العدد اللازم من الأنصار الأوفياء بمختلف مراتبهم التي أشرنا اليها ضمن الحديث عن علل الغيبة؛ اي المرتبة العليا من الأنصار الذين يتحلون بالكفاءات القيادية اللازمة لمعاونته في اقامة الحكومة الإسلامية العالمية العادلة وإدارة شؤونها وقبل ذلك إدارة حركة الصراع ضد الكفر والشرك والعبوديات الطاغوتية ودحرها وإزالتها بالكامل.
ولعل أفراد هذه المرتبة هم الذين ذكرت الأحاديث الشريفة بأنّ عددهم (313) كعدة أهل بدر وذكرت لهم صفات عالية من الإيمان ومعرفة الله حق معرفته، ومن شدة التعبد لله والإخلاص له فهم (رهبان الليل)، ومن الشجاعة والكفاءة الجهادية العالية فهم (اُسد النهار) الذين لا يخافون في الله لومة لائم، ومن الكفاءة العلمية العالية والإحاطة بعلوم الشريعة فهم (الفقهاء والقضاة)، ومن الكفاءة الإدارية الفائقة فهم (الولاة العدول)(287) وغير ذلك من الصفات السامية الأخرى التي يُستفاد منها أنهم يمثلون جهاز الإمام القيادي والإداري عند ظهوره قبل إقامة دولته العالمية العادلة وبعدها.
2 ـ منها توفر القواعد الإسلامية العريضة المستعدة للتفاعل الإيجابي مع أهداف الثورة المهدوية الكبرى وإن تباينت درجاتها في تقديم النصرة العملية.(288)
والذي يوجِد هذه الحالة هو اتضاح حقيقة وأحقية منهج أهل البيت النبوي الذي يمثله المهدي الموعود ـ عجل الله فرجه ـ، واتضاح زيف الشبهات المثارة على مدى التأريخ الإسلامي ضد هذا المنهج، واتضاح أنه هو المنهج الذي يمثل الإسلام المحمدي الأصيل.
وقد أشارت الأحاديث الشريفة الى ذلك ضمن حديثها عن الحركة الموطئة للثورة المهدوية ودورها في عرض الصورة النقية لمذهب أهل البيت وعلومه الإسلامية النقية على الصعيد الإسلامي والعالمي، وبالتالي عرض الصورة الأصيلة للإسلام.(289)
ودور هذه الحركة التمهيدية التي نصّت الأحاديث الشريفة على انطلاقها قبيل الظهور المهدوي في عرض الصورة النقية للإسلام يوجِد حالة التطلع للإسلام كبديل حضاري لإنقاذ البشرية والإقبال عليه خارج دائرة العالم الإسلامي ـ كما هو المشهود حالياً في بوادره على الأقل ـ الأمر الذي يفتح أبواب التفاعل الإيجابي مع الثورة المهدوية الكبرى بين الشعوب غير الإسلامية أيضاً خاصةً وأنها جربت المدارس والتيارات الفكرية والسياسية الاُخرى وعايشت عملياً فشلها في تحقيق السعادة المنشودة للبشرية بل وجلبها للبشريّة الكثير من الأزمات المادية والمعنوية التي تعتصرها حالياً، الأمر الذي جعلها تتطلع الى بديل منقذ خارج المدارس والتيارات التي عرفتها، والى هذه الحالة أشارت الأحاديث الشريفة التي تحدثت عن أنّ الدولة المهدوية هي آخر الدول كما لاحظنا في الأحاديث الشريفة التي أوردناها في الفصل الخاص بعلل الغيبة وأسبابها.
3 ـ منها أيضاً توفر وسائل الاتصال المتطورة التي تتيح للجميع التعرف على الحقائق، وبالتالي السماح بوصول الحق الى الجميع واتضاح بطلان وزيف المدارس الاُخرى، وأحقية الرسالة الإسلامية التي يحملها المهدي (عليه السلام) وبالتالي تبنّي أشخاص للتيار الإسلامي وأهدافه التي يبشر بها المهدي الموعود بعد أن كانوا ينتمون تأريخياً الى المدارس الاُخرى، أي الانتقال عملياً الى صفوف أنصاره (عليه السلام)، كما تشير الى ذلك الأحاديث الشريفة المعللة للغيبة بإخراج (ودائع الله) المؤمنين من أصلاب الكافرين.
تأريخ ظهور الإمام المهدي عليه السلام:
ذكرت الأحاديث الشريفة أنه (عليه السلام) يظهر في وتر من السنين الهجرية(290) أي من الأعوام الفردية، ويكون ظهوره في يوم الجمعة،(291) فيما ذكرت أحاديث أخرى أن خروجه يكون يوم السبت العاشر من محرم الحرام،(292) ولعل الجمع بين التأريخيين هو أن ظهوره يكون يوم الجمعة وفيها يخطب خطبته في المسجد الحرام فيما يكون خروجه منها باتجاه الكوفة يوم السبت.
مكان ظهوره ـ عجل الله فرجه ـ وانطلاقة ثورته
ذكرت مجموعة من الأحاديث الشريفة أن بداية ظهوره يكون في المدينة المنورة وإعلان حركته يكون في مكة المكرمة(293) وفي المسجد الحرام حيث يُعلن حركته ويدعو إليها في خطبة موجزة ذات دلالات مهمة وهي مروية عن الإمام الباقر (عليه السلام) ضمن حديث طويل عن ظهور سليله المهدي، يقول (عليه السلام) في جانب من الحديث:
ثم ينتهي الى المقام فيصلّي عنده ركعتين ثم ينشد الله والناس حقه. فيقول:
يا أيها الناس إنّا نستنصر الله على من ظلمنا وسلب حقنا، من يحاجنا في الله فانا أولى بالله، ومن يحاجنا في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجنا في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجنا في إبراهيم فإنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجنا بمحمد فإنا أولى الناس بمحمّد (صلى الله عليه وآله)، ومن حاجنا في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين، ومن حاجنا في كتاب الله فنحن أولى الناس بكتاب الله، أنا أشهد (نشهد) وكل مسلم اليوم إنّا قد ظُلمنا وطُردنا وبُغي علينا واخرجنا من ديارنا واموالنا وأهالينا وقُهرنا، الا أنا نستنصر الله اليوم كل مسلم).(294)
وورد في رواية ينقلها نعيم بن حماد وهو من مشائخ البخاري بسنده عن الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً، خطبة ثانية في المكان نفسه ولكن بعد أداء فريضة العشاء، فيروى عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: (... فإذا صلّى العشاء نادى بأعلى صوته يقول: اُذكركم الله أيّها الناس، ومقامكم بين يدي ربّكم، فقد اتخذ الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب، وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله، وأن تُحيوا ما أحيى القرآن، وتُميتوا ما أمات، وتكونوا أعواناً على الهدى، وَوَزراً على التقوى، فإنّ الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها، وآذنت بالوداع، فإني أدعوكم الى الله، والى رسوله، والعمل بكتابه، وإماتة الباطل، وإحياء سنته...).(295)
وقفة عند خطبتي إعلان الثورة
ويُلاحظ في الخطبة الأولى تأكيده (عليه السلام) على مخاطبة أتباع جميع الديانات السماوية انطلاقاً من عالمية ثورته الدينية فهو يمثل خط الانبياء (عليهم السلام) جميعاً ويدعو الى الأهداف السامية التي نادوا بها جميعاً. هذا أولاً وثانياً يؤكد (عليه السلام) على تمثيله لمدرسة الثقلين فهو ممثل أهل البيت (عليهم السلام) ثاني الثقلين الذي لا يفترق عن الأول ـ أعني القرآن المجيد ـ لذلك فهم أولى الناس بكتاب الله جل ذكره وأعرفهم بما فيه وبسبل هداية البشرية على نور هداه السماوي.
ثم يشير ثالثاً الى مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) وتعريضهم لأشكال الظلم والبغي بما أدى الى غيبة خاتمهم ـ عجل الله فرجه ـ وسبب تعريضهم لكل ذلك هو نزعات الطواغيت وعباد السلطة للاستئثار واتخاذ مال الناس دولاً وعباد الله خولاً ومنع أهل البيت (عليهم السلام) من إقرار العدالة الإلهية وقيادة الناس على المحجة البيضاء.
ثم يستنصر كل مسلم لدفع هذه المظلومية التي يكون في دفعها الخير للبشرية جمعاء لأنّ تسليم مقاليد الأمور الى ممثل نهج الأنبياء وعدل القرآن الكريم يعني تحقيق أهداف العدالة الإلهية، ولكن ـ عجل الله فرجه ـ يستنصر الله جل قدرته أولاً وفي ذلك إشارة الى حتمية انتصار ثورته الإصلاحية فهو المضطر الذي تُستجاب دعوته وولي دم المقتول ظلماً فهو منصور إلهياً، وبهذه الإشارة يحفز (عليه السلام) الناس لنصرته ليفوزوا بسعادة الدارين ويتقوا عذاب الدنيا وخزيها على يديه وعذاب الآخرة أكبر.
إعلان أهداف الثورة
أما في الخطبة الثانية التي يلقيها ـ عجل الله فرجه ـ بعد صلاة العشاء، فهو يحدد الأهداف العامة لثورته، وهي الأهداف التي يستنصر الناس لأجلها، والتي تمثل الوجه الآخر للثأر لمظلومية أهل البيت ومدرستهم ومنهجهم (عليهم السلام)، فهو يحدد الهدف الأول والعام المتمثل باقامة التوحيد الخالص الذي بُعث لأجله الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ واُنزلت معهم الكتب السماوية، وهو الهدف الذي يتجسد من خلال طاعة الله تبارك وتعالى وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله) ومن خلال إحياء ما أحيا القرآن، وإحياء سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإماتة ما أماته القرآن وهو الباطل والبدع والشرك وسائر العبوديات الزائفة. فدعوته هي دعوة الى الله عز وجل وتوحيده والى رسول الله (صلى الله عليه وآله) والعمل بسنته الموصلة الى الله.
وعليه يتضح أن استنصاره للثأر لمظلومية أهل بيت النبوة تعني الدعوة الى المعونة على الهدف والمؤازرة على التقوى.
الاستجابة لاستنصاره ومبايعته
وأول مَن يبادر لبيعته (عليه السلام) في المكان الذي يستنصر فيه المسلمين أي مابين الركن والمقام هم صفوة أنصاره: (فيُبايع ما بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف، عدّة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر والأبدال من أهل الشام والأخيار من أهل العراق).(296)
ويُستفاد من مجموعة من الأحاديث المروية في مصادر أهل السنة أن ظهوره ومبايعته يكون بعد اختلاف بين قبائل الحجاز وأنه يرفض في البداية قبول البيعة ويخاطب المبايعين بالقول: (ويحكم! كم عهد قد نقضتموه؟ وكم دم قد سفكتموه؟)،(297) ويبدو أن هذا الرفض يمثل محاولة لإشعار المبايعين بمسؤولية وتبعات البيعة والمهمة التي هم مقبلون عليها نظير ما فعله جدّه الإمام علي (عليهما السلام) عند إقبال الناس على بيعته بعد مقتل عثمان.
ويُستفاد من بعض الأحاديث أن حركة الموطئة للظهور المهدوي تبعث بالبيعة للمهدي (عليه السلام). وهو في مكة(298) ثم تجددها بعد ذلك.
وتصرح بعض الأحاديث الشريفة أن أصحابه الخاصين أي الثلاثمائة والثلاثة عشر يجمعون في مكة وبصورة إعجازية أو سريعة بوسائل النقل المتطورة ليدركوا ظهور الإمام ويبايعوه.(299)
خروجه الى الكوفة وتصفية الجبهة الداخلية
يخرج (عليه السلام) بجيشه متوجهاً للكوفة التي يتخذها منطلقاً لتحركه العسكري(300) بعد إنهاء فتنة السفياني والخسف الذي يقع بجيشه في البيداء.(301) وينشر راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) المذخورة عنده في نجف الكوفة.(302) وتنصره الملائكة التي نصرت جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) في معركة بدر.(303) وتذكر الأحاديث الشريفة أنه يواجه وأصحابه وجيشه صعوبات شديدة وتعباً في بداية تحركه العسكري(304) وحروبه التي تستمر ثمانية أشهر لتصفية الجبهة الداخلية فيما تستمر ملاحمه عشرين عاما.(305)
ويُلاحظ هنا أن المسير الذي يختاره (عليه السلام) هو المسير الذي اختاره جده الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضته الإستشهادية من مكة الى الكوفة، التي مُنع جده سيد الشهداء عن الوصول اليها فيصل سليله المهدي (عليه السلام) إليها ويحقق الأهداف الإصلاحية في الاُمة المحمدية التي سعى لها جدّه سيد الشهداء (عليه السلام).
وعندما يدخل الكوفة يجد فيها ثلاث رايات تضطرب(306) فيوحدها وينهي اضطرابها بنشره للراية المحمدية المذخورة وينهي جيوب النفاق المتبقية فيها في معركته مع الفرقة التي تصفها الأحاديث الشريفة بالبترية.(307)
دخوله بيت المقدس ونزول عيسى عليهما السلام:
تنص الكثير من الروايات على دخوله (عليه السلام) بيت المقدس بجيشه ضمن إطار حادثة مهمة للغاية، هي نزول نبي الله عيسى بن مريم المسيح (عليه السلام) الذي بشرت بعودته نصوص الانجيل إضافة الى الأحاديث الشريفة المرويّة في الكتب الروائية الموثّقة عند أهل السنة والشيعة.(308) وتذكر الأحاديث الشريفة قصة صلاة عيسى صلاة الفجر خلف الإمام المهدي (عليه السلام) بعد أن يرفض عرض الإمام بأن يتقدم عيسى لإمامة الصلاة معللاً الرفض بأن هذه الصلاة اُقيمت لأجل الإمام المهدي فيقدّمه ويصلّي خلفه إشارة الى خاتمية الرسالة المحمدية، وفي ذلك نصرة مهمة للثورة المهدوية حيث توجّهها للعالم الغربي الذي يدين معظمه بالمسيحية.
ويظهر أن دخول المهدي ـ عجل الله فرجه ـ يكون بعد تحريرها من الإفساد اليهودي وإنهاء حاكميتهم عليها. لذا قد يكون من الممكن القول بأن دخول الإمام بيت المقدس يكون بعد تصفيته الجبهة الداخلية ومقدمة لمواجهة الأعداء خارج العالم الإسلامي أو الروم حسب تعبير الروايات وفتح كل الأرض. من هنا نفهم سر توقيت نزول عيسى المسيح مع دخول المهدى (عليه السلام) بيت المقدس.
قتل الدجال وإنهاء حاكمية الحضارات المادية
إنّ معظم الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن نزول عيسى (عليه السلام) تذكر قيامه بكسر الصليب ورجوع النصارى عن تأليهه(309) ثم قتل الدجال ـ الذي هو رمز الحضارات المادية ـ على يديه أو على يدي الامام المهدي بمعونته (عليهما السلام).
ومع رجوع النصارى عن تأليه عيسى (عليه السلام) ومشاهدتهم لمناصرة نبيهم لخاتم أئمة الإسلام المعصومين تتفتح أبواب دخولهم الإسلام ـ وهم النسبة الأكبر من سكان الأرض ـ بيسر، ونتيجة لذلك تتيسر مهمة قتل الدجال والقضاء على الحضارات الطاغوتية وفتح الأرض وإقامة الدولة الإسلامية العالمية العادلة وبدء عملية البناء الإصلاحي وتحقيق أهداف الأنبياء (عليهم السلام).
هذه ـ على نحو الإيجاز ـ المحطات الرئيسة لتحرك الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ بعد ظهوره، وكل منها يشتمل على تفصيلات كثيرة لا يسع المجال لذكرها. لذا ننتقل للحديث ـ وبالإيجاز نفسه ـ عن سيرته بعد ظهوره في أبرز مجالاتها ثم عن خصائص عهده.
سيرته سيرة جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
تنص الأحاديث الشريفة أنه (عليه السلام) يسير بسيرة جده (صلى الله عليه وآله) الذي قال: (بُعثت بين جاهليتين لاُخراهما شر من أولاهما)،(310) وبيّن لاُمته الكثير من مظاهر الجاهلية الثانية الأشد شراً، فالمهدي: (يصنع كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان قبله ويستأنف الإسلام جديداً)(311) وقد تحدث النبي (صلى الله عليه وآله) عن غربة الإسلام بعده ونقل عنه المسلمون ذلك.(312)
فالمهدي يهدم الجاهلية الثانية كما هدم جده (صلى الله عليه وآله) الجاهلية الأولى، ويستأنف الإسلام الذي عاد غريباً كما بدأ غريباً. ولكن ثمة فروقاً بين السيرتين تفرضهما بعض الخصوصيات الزمانية لكل منها. وهذه الخصوصيات الزمانية هي التي تفسّر الفروق في سيرتيهما (عليهما السلام) كما سنلاحظ بعضها في سياساته العسكرية والقضائية والإدارية والدينية وغيرها. ولهذا فلا يضر ذلك بحقيقة أن سيرتيهما ـ صلوات الله عليهما ـ واحدة.
إحياء السنة وآثار النبي (صلى الله عليه وآله)
تقوم حركة المهدي الإصلاحية الكبرى على أساس إحياء السنة المحمدية وإقامتها التي يكون بها قوام كل القيم الإسلامية فهو كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (رجل من عترتي يُقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي)(313) وهو (يقفو أثري لا يُخطئ)(314) وهو (رجل منّي اسمه كاسمي يحفظني الله فيه ويعمل بسنتي)،(315) فهو (يبين آثار النبي)،(316) ويدعو الناس الى سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله). فهو مجددها كما أنه مجدد الإسلام ويظهر ماخفي واُخفي منها. وقد سمي (المهدي) لأنه يهدي الناس الى (أمر قد دُثر وضل عنه الجمهور).(317)
شدته مع نفسه ورأفته باُمته:
إن سيرة الإمام المهدي (عليه السلام) مع نفسه واُمته تجسد صورة الحاكم الإسلامي المثالي الذي تكون السلطة عنده وسيلة لخدمة الناس وهدايتهم لا مصدراً للدخل الوفير والظلم والاستئثار بالأموال واستعباد الناس، فهو يحيي صورة الحاكم الإسلامي التي جسدها من قبل ـ وبأسمى صورها ـ أبواه، ومن قبل رسول الله ووصيه الإمام علي ـ صلوات الله عليهما وآلهما ـ. فهو مع نفسه: (ما لباسه إلاّ الغليظ وما طعامه إلاّ الشعير الجشب)(318) وهو الذي (يكون من الله على حذر، لا يضع حجراً على حجر، ولا يقرع أحداً في ولايته بسوط إلاّ في حد)،(319) أما مع اُمته فهو (الرؤوف الرحيم) بهم وهو الموصوف بأنه (المهدي كأنما يعلق المساكين الزُّبد)،(320) وهو الصدر الرحب الذي تجد فيه الأمة ملاذها المنقذ فهي: (تأوي إليه اُمته كما تأوي النحلة الى يعسوبها)(321) أو (كما تأوي النحل الى بيوتها).(322)
سيرته القضائية
والمهدي الموعود ـ عجل الله فرجه ـ هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً كما تواترت بذلك الأحاديث النبوية، وإنجاز هذه المهمة يحتاج الى سيرة قضائية صارمة، لذلك فهو يجسد سيرة جده الإمام علي (عليه السلام) الشديدة في تتبع حقوق الناس المغصوبة وأخذها من الغاصب حتى لو كانت مخبأة تحت ضرس وحتى لو تزوج بها الحرائر، و: (يبلغ من ردّ المهدي المظالم، حتى لو كان تحت ضرس إنسان شيء انتزعه حتى يرده).(323) فيبلغ من عدله أن (تتمنى الأحياء الأموات)(324) أي يتمنوا عودة الأموات لينعموا ببركات عدله.
وتذكر مجموعة من الأحاديث الشريفة أنه (عليه السلام) يحكم بحكم سليمان وداود في قضائه؛ أي بالعلم (اللدني) دون الاحتجاج بالبينة،(325) ولعل ذلك انطلاقاً من مهمته في اقرار العدل الحقيقي دون الظاهري الذي قد تقرّه البينة الظاهرية وإن كان خلاف العدل الحقيقي وهذه حقيقة معروفة وقد شهدها التأريخ الإسلامي والانساني ويشهد التأريخ المعاصر الكثير من مصاديقها حيث يُؤدي الالتزام بالبينات الظاهرية الى غياب العدل الحقيقي وإن أقرت العدل الظاهري. وعلى أي حال. فهذه من خصوصيات عهده (عليه السلام) وهي تنسجم مع طبيعة الأوضاع العامة لهذا العهد.
سيرته تجاه الأديان والمذاهب:
يزيل الإمام المهدي الموعود ـ عجل الله فرجه ـ مظاهر الشرك كافة ويروج التوحيد الخالص: (ولا يبقى في الأرض بقعة عبد فيها غير الله إلاّ عُبد الله فيها ويكون الدين كله لله ولو كره المشركون)،(326) ويقوم (عليه السلام) بعرض الإيمان على الجميع وينهي الحالة المذهبية فيوحد المذاهب الإسلامية ويصلح الله به أمر الأمة ويرفع اختلافها ويؤلّف قلوبها(327) على أساس السنة النبوية النقية وما اُخفي أو ضيّع من قيم الإسلام الأصيلة. فهو كما قال جدّه (صلى الله عليه وآله): (سنته سنتي يقيم الناس على ملتي وشريعتي).(328)
ويُستفاد من بعض الروايات أنه (عليه السلام) يقوم بإخراج التوارة والإنجيل غير المحرّفين من غار بأنطاكية ويحاجج اليهود والنصارى بهما ويستخرج حُلي بيت المقدس ومائدة سليمان ويردها الى بيت المقدس،(329) ويدعمه في موقفه هذا عيسى (عليه السلام) الذي (يحتج به على نصارى الروم والصين)(330) حيث يرفض وفود اليهود والنصارى بعد نزوله عندما يأتونه مدعين أنهم أصحابه فيردهم ويصرّح بأنّ أصحابه هم المسلمون فينضم الى مجمع المهدي (عليه السلام)(331) الأمر الذي يؤدي الى رجوع النصارى عن تأليهه كما يقوم بأداء فريضة الحجّ الى البيت الحرام(332) ويُدفن الى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله).(333)
وتذكر بعض الروايات أن المهدي (عليه السلام) يخرج التوراة الأصلية من جبال بالشام ويحاجج اليهود بها فيسلم منهم جماعة كثيرة(334) ثم يستخرج تابوت السكينة من بحيرة طبرية ويُوضع بين يديه في بيت المقدس فيسلم اليهود ولا يبقى على العناد إلاّ القليل منهم.(335)
محاربة البدع ونفي تحريف الغالين والمبطلين
وينفي الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ عن الدين التحريفات بصورة كاملة ويزيل كل البدع التي ورثها المسلمون من قرون الابتعاد عن الثقلين والسنة النبوية النقية وتعطيلها وهذا هو هدف ظهوره: (ليمحو الله به البدع كلها ويميتُ به الفتن كلها، يفتح الله به باب كلّ حقّ، ويُغلق به كل باب باطل).(336)
وهذا أول مايبدأ به (عليه السلام)، فتذكر الأحاديث الشريفة من مصاديقه هدم المقاصير التي ابتدعها بنو أمية في المساجد لعزل الإمام عن المأمومين،(337) ويعيد مقام ابراهيم (عليه السلام) الى موضعه الأصلي(338) ويزيل عن المساجد كل ما اُبتدع فيها ويعيدها الى السنة الإسلامية الأولى والطريقة المحمدية.(339)
سيرته الادارية
ويختار المهدي الموعود ـ عجل الله فرجه ـ لحكم الأرض ولاةً هم خيرة أصحابه الذين يتحلّون بأعلى كفاءات الوالي الإسلامي من العلم والفقه والشجاعة والنزاهة والإخلاص،(340) وهو مع ذلك متابع لأمورهم وطريقة قيامهم بمهامهم ويحاسبهم بشدة فإن: (علامة المهدي أن يكون شديداً على العمال جواداً بالمال رحيماً بالمساكين)،(341) وفي عهده: (يُزاد المحسن في إحسانه ويُتاب على المسيء).(342)
وهو (عليه السلام) شديد مع المتاجرين بالدين والمقدسات الإسلامية الساعين لإضلال الناس، يردعهم عن ذلك، وممّا يقوم به في بدايات ظهوره هو قطع أيدي سدنة الكعبة بسبب ذلك ويفضحهم أمام الناس لكي لا ينخدعوا بهم؛ إذ هم (سراق الله).(343)
سيرته الجهادية
ويقوم الإمام المنتظر ـ عجل الله فرجه ـ بالسيف، فظهوره يكون بعد إتمام الحجة البالغة واتضاح الحقائق بالكامل وفتح أبواب الحق وإغلاق الباطل ووقوع المعجزات والكرامات المبرهنة على تمتعه بالتأييد الإلهي ونصرة الملائكة البدريين له وامتلاكه قميص يوسف وعصا موسى وحجره وخاتم سليمان ودرع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيفه ورايته وسائر مواريث الأنبياء (عليهم السلام) وإظهاره له(344) وإتضاح تمثيله الصادق لمنهجهم وسعيه لتحقيق أهدافهم الإلهية وإقرار العدالة السماوية. ومع اتضاح كل ذلك لا يبقى على الباطل إلاّ المنحرفون المفسدون الذين لا يُرجى منهم إلاّ الفساد والأذى والظلم الذي يجب أن تُطهر منه الدولة المهدوية، لذلك نلاحظ في سيرة الإمام الجهادية الصرامة والحزم والحدية في التعامل مع الظالمين والمنحرفين فلا يبقى على الأرض منهم ديّار ولا يسمح لهم بالنشاط الإفسادي.
على أن الأحاديث الشريفة تصرّح بأنّ المهدي المنتظر ـ عجل الله فرجه ـ يسير بسيرة أبويه رسول الله ووصيه الإمام علي ـ صلوات الله عليهما وآلهما ـ في مجاهدة المنحرفين والمبطلين فلا يبدأ القتال إلاّ بعد عرض الإيمان والدين الحق عليهم(345) ومحاججتهم بما ألزموا به أنفسهم كما رأينا في قضية إخراجه التوراة والإنجيل وهذه قضية أخرى مهمة في سيرته الجهادية (عليه السلام).
ويُستفاد من الروايات الشريفة أن من سيرته الجهادية تصفية الجبهة الداخلية وهي جبهة العالم الإسلامي من التيارات المحاربة المنحرفة أولاً قبل البدء بمجاهدة القوى الأجنبية، فينهي حركة السفياني ونفوذ البترية والمتأولة الجاهلين والنواصب المضلين المعاندين(346) ويعقد لأجل ذلك هدنة مع الروم قبل ان يتوجه لمجاهدة اليهود ثم الروم وقتل الدجال وفتح الأرض كلّها. بل ويعمد قبل البدء بتصفية الجبهة الداخلية بتنظيم صفوف جيشه ويعيّن القادة العسكريين الأكفاء ويعقد لهم الألوية ويذهب بالعاهات والضعف عن أنصاره ويقوّي قلوبهم(347) ويملأها إيماناً بالحق الذي يجاهدون من أجله ويبتليهم ويمحصهم،(348) لكي يتحرك لانجاز مهمته الإصلاحية الكبرى بجيش عقائدي قوي ومنسجم يتحلى بالكفاءة القتالية المطلوبة والقوة المعنوية اللازمة.
سيرته المالية:
يعيد المهدي الموعود ـ عجل الله فرجه ـ نظام (التسوية في العطاء)(349) الذي كان سائداً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم غيّر وبُدّل من بعده وأُبتدعت بدله معايير جديدة أحدثت نظام التفاضل الطبقي بالتدريج بالرغم من التزام الوصي الإمام علي (عليه السلام) إبان خلافته بنظام التسوية في العطاء وتابعه على ذلك ابنه الحسن (عليه السلام) في شهور خلافته القليلة لكنه قد غاب بالكامل بعد استشهادهما، وبدأ بنو أمية بالاستئثار بأموال المسلمين وتقييد العطاء من بيت المال بمصالحهم السياسية وتحويله من عطاء شرعي الى رشاو مقيتة يستجلبون بها الأنصار لهم على الباطل أو يشترون به سكوت البعض عن الحق.
والمهدي المنتظر (عليه السلام) يجعل بيت المال قسمة مشتركة بين المسلمين دونما تفاضل أو تمييز، فالجميع متساوون في الانتفاع من النعم الإلهية والخدمات المستثمرة من الأموال العامة، تطبيقاً لأحد أبعاد العدالة المحمدية المكلّف باقرارها. وتصرح الأحاديث الشريفة بأنه ينهي الحالة الإقطاعية حسب النص القائل: (إذا قام قائمنا اضمحلت القطائع فلا قطائع)،(350) والمقصود بها الأراضي الزراعية أو غيرها من الثروات والمنافع التي يعطيها الحكام للمقرّبين منهم وقد راجت هذه الظاهرة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخاصة في عهد الخليفة الثالث وفي العصر الأموي بشكل خاص.
وتتحدث الكثير من الأحاديث عن كثرة عطائه (عليه السلام) وتعتبرها علامة مميزة له فهو: (يحثو المال حثواً)(351) عندما يُعطي من سأله، وهذا وإن كان يشير الى كرمه وكثرة الخيرات والبركات في عصره إلاّ أنها تفصح عن نقطة مهمة أخرى في سيرته الاقتصادية (عليه السلام) وهي سيرة إغناء الناس بما يكفيهم ويغنيهم ويجعلهم في رفاهيّة من العيش بحيث يتفرّغوا الى الطاعات والعبادة والعمل الإصلاحي الفردي والاجتماعي.
وعليه يتضح أن سيرته في المجال المالي ترتبط بمهمته الإصلاحية وإقامة المجتمع التوحيدي الخالص في تعبده لله تبارك وتعالى فالمراد منها توفير متطلبات ذلك وإزالة العقبات الصادة عنه.
الصورة العامة للدولة المهدوية في النصوص الشرعية
ونصل الآن الى خاتمة هذا الفصل فنعرض فيها على نحو الإجمال أيضاً الصورة التي ترسمها النصوص الشرعية لدولة المهدي الموعود، عجل الله فرجه.
إنّ الدولة المهدوية إنّما تأتي لتحسم عصر المعاناة الذي عاشته البشرية طويلاً وتنهي الظلم والجور الذي ملأ الأرض نتيجة لحكم الطواغيت وحاكمية الأهواء والشهوات والنزعات المادية وبظهور الإمام المهدي المنتظر على مدى القرون. (يفرج الله عن الأمة فطوبى لمن أدرك زمانه).(352) فالله تبارك وتعالى يحقق للأمة المسلمة؛ ولبني الانسان عامة؛ كل الطموحات الفطرية السليمة، ويزيل الشرك ويقيم المجتمع الموحّد العابد الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والمسارع للخيرات السائر في منازل الكمال ومعارج النور.
وتخرج الأرض بركاتها وكذلك السماء، وما يحصل عليه الناس ليس هو الغنى المادي فحسب بل هو (الاستغناء) حيث (يملأ الله قلوب اُمة محمد (صلى الله عليه وآله) غنىً ويسعهم عدله)(353) أي يحرّرهم من أسر المتطلبات والحاجات المادية المعيشية المحدودة، فالمهدي المنتظر الذي يحرر المسلمين من ذل التبعية للضالّين والمنحرفين، كما صرّح به النص القائل: (وبه يخرج ذل الرق من أعناقكم)؛(354) يحرر البشرية من ذل الحياة البهيمية والخضوع لأسر الشهوات ويفتح أمام الانسان جميع أبواب التكامل والرقي المعنوي والتكامل الروحي فيشهد عصره تطوراً فكرياً وروحياً عالياً كما يشير لذلك الإمام الباقر (عليه السلام) حيث يقول: (إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم)(355)، ومما يساعد على ذلك ـ إضافةً الى العامل المهم والرئيسي المتقدم ـ عامل ثانوي هو التطور الهائل الذي يشهده عصره خاصةً في مجال الاتصالات والذي نرى بوادره اليوم طبق القوانين العلمية أيضاً كما يشير الى ذلك الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: (إن قائمنا إذا قام مدَّ الله عز وجل لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد؛ يكلّمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه)،(356) ولعل ذلك يكون بوسائل غيبية تمكّنهم منها المراتب الروحية السامية التي يصلون إليها وإن كان ذلك قد أصبح ممكناً بدرجة محدودة اليوم أيضاً عبر وسائل الاتصال الحديثة المتطورة، ولكن من المؤكد ـ استناداً للأحاديث الشريفة ـ أن الكثير من الحقائق والقضايا الغيبية تظهر في عصر الدولة المهدوية ويحظى الكثير من المؤمنين بمراتب عالية من معرفة أسرار الغيب وعلم الكتاب وتجاوز الأسباب والقوانين الطبيعية والكثير من الظواهر التي نعتبرها اليوم من المعجزات غير المألوفة.(357)
ومع توفير الدولة المهدوية لجميع عوامل التكامل المادي والروحي يقام المجتمع الموحّد الذي يعبد الله تبارك وتعالى بإخلاص فتسود العلاقات الإيمانية المحضة وتحكمه قيم من قبيل البراءة ممن (كان بالرهن أوثق منه بأخيه المؤمن) ومثل أن (ربح المؤمن على المؤمن ربا)(358) فحتّى العمل التجاري يكون يومئذ عبادة خالصة لله عز وجل إذ يكون بهدف خدمة عباد الله فقط.
يقول الإمام علي (عليه السلام) ضمن حديث في وصف جامع لدولة الإمام المهدي العالمية: (... يؤيده الله بملائكته ويعصم أنصاره وينصره بآياته ويظهره على أهل الأرض حتى يدينوا طوعاً وكرهاً، ويملأ الأرض عدلا وقسطاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها حتى لا يبقى كافرٌ إلاّ آمن ولا طالح إلاّ صلح ويصطلح في ملكه السباع وتخرج الأرض بركاتها وتنزل السماء بركتها وتظهر له الكنوز، يملك مابين الخافقين أربعين عاماً، فطوبى لمن أدرك أيامه وسمع كلامه)،(359) أجل في ظل دولة المهدي المنتظر ـ عجل الله فرجه ـ يتضح للعالمين أن صلاح البشرية وخيرها وتكاملها المادّي والمعنوي إنما يتحقق في ظل رسالة السماء وعلى يدي أولياء الله المعصومين ـ سلام الله عليهم ـ وهذا ما يحققه الله تعالى على يد خاتمهم وخاتم الأئمة الاثني عشر الأوصياء أي المهدي الذي وعد الله به الاُمم: (ولذلك يرضى عنه ساكن الأرض وساكن السماء) كما أخبر عن ذلك جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله).(360)

قبسات من تراث الإمام المهدي عليه السلام

من كلامه في التوحيد ونبذ الغلّو
(إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسّم الارزاق، لأنه ليس بجسم ولا حالّ في جسم، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم، وأما الأئمة (عليهم السلام) فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق إيجاباً لمسألتهم وإعظاماً لحقهم).(361)
في علة الخلق وبعث الأنبياء وتعيين الأوصياء
يا هذا يرحمُك الله، إنَّ الله تعالى لم يخلُقِ الخلقَ عبثاً، ولا أهملَهم سُدىً، بل خلقهُمْ بقُدرتِهِ وجَعَلَ لَهم أسماعاً وأبصاراً وقُلُوباً وألباباً، ثمَّ بعثَ إليهمُ النّبيِّينَ (عليهم السلام) مُبشّرينَ ومُنذرينَ، يأمُرُونُهم بطاعتهِ وينهونَهم عن معصيته، ويُعرِّفونَهُمْ ماجهلوهُ من أمرِ خالقهم ودينهم، وأنزلَ عليهم كتاباً وبَعَثَ إليهم ملائكةً، يأتينَ بينهُم وبينَ مَنْ بعثُهم إليهم بالفضلِ الّذي جعَلَهُ لَهُم عليهم، وما آتاهُم من الدَّلائلِ الظَّاهرةِ والبراهينِ الباهرةِ والآياتِ الغالبةِ، فمنهم مَنْ جعلَ النَّارَ عليهِ برداً وسلاماً، واتّخذهُ خليلاً، ومنهم مَنْ كلَّمهُ تكليماً، وجعل عصاهُ ثُعباناً مُبيناً، ومنهُم من أحيى الموتى بإذنِ الله، وأبْرأ الأكمه والأبرص بإذن اللهِ، ومنهم مَنْ علّمهُ منطق الطَّيرِ وأُوتي مِن كُلِّ شيء ثُمّ بعثَ مُحمّداً صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ رحمةً للعالَمينَ، وتمّمَ به نعمَتَهُ، وخَتَمَ به أنبياءَه، وأرسلَهُ إلى النَّاسِ كافَّةً، وأظهر مِن صدقِهِ ما أظهرَ، وبيَّنَ من آياته وعَلاماتِهِ مابيَّنَ، ثُمَّ قبضهُ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ حميداً فقيداً سعيداً، وجَعَلَ الأمرَ بعدهُ إلى أخيه وابن عمِّه ووصيِّه ووارثه عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ثُمَّ إلى الأوصياء من وُلدهِ واحداً واحداً، أحيى بهم دينه، وأتمَّ بهم نورهُ، وجعَلَ بينهم وبين إخوانهم وبني عمِّهِم والأدنَينَ فالأدنينَ من ذَوِي أرحامهم فُرقاناً بيّناً يُعرفُ به الحُجَّةُ من المحجُوج، والإمامُ من المأمُوم، بأنْ عصَمَهُم من الذُّنُوبِ، وبرَّأهُمْ من العُيُوبِ، وطهَّرهُم من الدَّنسِ، ونزَّههُمْ من اللّبسِ، وجعلهُم خزَّان علمهِ، ومُستودَعَ حكمته، وموضع سرَّه، وأيَّدهُم بالدَّلائل، ولولا ذلك لكانَ النَّاسُ على سواء، ولادَّعى أمْر الله عزَّ وجلَّ كُلُّ أحد، ولما عُرفَ الحقُّ من الباطل، ولا العالمُ من الجاهلِ.(362)
في مقام الأئمة (عليهم السلام)
(الّذي يجبُ عليكُمْ ولكُمْ أن تقُولُوا إنَّا قُدوَةُ اللهِ وأئمَّةٌ، وخلَفاءُ اللهِ في أرضِهِ واُمَناؤُهُ عَلَى خلقِه، وحُجَجُهُ في بلادِهِ، نَعرفُ الحلالَ والحرامَ ونعرفُ تأويلَ الكتابِ وفَصلَ الخطابِ).(363)
في انتظام نظام الإمامة وعدم خلو الأرض من الحجة
ومن رسالة له الى سفيريه العمري وابنه: (وَفَّقكُما الله لطاعتهِ، وثبَّتكما على دينهِ، وأسعدَكُما بمرضاته، انتهى إلينا ما ذكرتُما أن الميثمي أخبركُما عن الُمختارِ ومناظراته من لقي، واحتجاجه بأنَّه لا خلف غيرُ جعفر بن عليَّ وتصديقه إيّاه وفهمتُ جميع ما كتبتما به ممّا قال أصحابُكما عنهُ، وأنا أعُوذُ بالله من العمى بعد الجلاء، ومَن الضّلالَةِ بعد الهُدى، ومن مُوبقات الأعمال، ومُرديات الفتن، فإنَّهُ عزَّ وجلَّ يقولُ: (ألم * أحسبَ الناسُ أن يتركُوا أن يقُولوا آمنّا وهم لا يُفتنُونَ)(364) كيف يتساقُطون في الفتنة، ويتردّدُون في الحيرة، ويأخُذُونَ يميناً وشمالاً، فارقُوا دينهم، أم ارتابُوا، أم عاندوا الحقَّ، أم جهلُوا ما جاءت به الرّوايات الصّادقةُ والأخبارُ الصّحيحةُ، أو علمُوا ذلك فتناسوا، ما يعلمون أن الأرضَ لا تخلو من حُجّة إمّا ظاهراً وإمّا مغُموراً. أولم يعلموا انتظام أئمتهم بعد نبيهم (صلى الله عليه وآله) واحداً بعد واحد إلى أنْ أفضى الأمر بأمرِ الله عزّ وجلَّ إلى الماضي يعني الحسن بن علي (عليهما السلام)) ـ فقام مقام آبائه (عليهم السلام) يهدي إلى الحق وإلى طريق مُستقيم، كانُوا نوراً ساطعاً، وشهاباً لامعاً، وقمراً زاهراً، ثُمَّ اختارَ اللهُ عزَّ وجلَّ له ما عندهُ فمضى على منهاج آبائه (عليهم السلام) حَذْوَ النَّعل بالنَّعلِ على عهد عهدهُ، ووصيّة أوصى بها إلى وصيٍّ سترهُ الله عزّ وجلّ بأمره إلى غاية، وأخفى مكانهُ بمشيئة للقضاء السّابقِ والقدرِ النّافذ، وفينا موضعُهُ، ولنا فضلُهُ، ولو قدْ أذنَ اللهُ عزَّ وجلَّ فيما قدْ منعهُ عنهُ وأزال عنهُ ما قد جرى به من حُكمِهِ لأراهُم الحقَّ ظاهراً بأحسنِ حلية، وأبين دلالة، وأوضح علامة، ولأبانَ عن نفسهِ وقامَ بحُجّتهِ، ولكنَّ أقدار الله عزَّ وجلَّ لا تُغالبُ وإرادتهُ لا تُردُّ وتوفيقهُ لا يُسبقُ، فليدعُوا عنهمُ اتّباعَ الهوى، وليُقيمُوا على أصلهمُ الّذي كانُوا عليهِ، ولا يبحثُوا عما سُتر عنهُم فيأثَموا، ولا يكشفُوا سترَ الله عزَّ وجلَّ فيندموا، وليعلموا أنَّ الحقَّ معنا وفينا، لا يقُولُ ذلكَ سوانَا إلاّ كذَّابٌ مُفتر، ولا يدَّعيه غيرُنا إلاّ ضالٌّ غويٌّ، فليقتصرُوا منّا على هذِهِ الجُملةِ دُونَ التَّفسيرِ، ويقنعُوا من ذلكَ بالتَّعريضِ دُونَ التَّصريحِ إن شاءَ الله.(365)
تقوى الله والنجاة من الفتن
يقول (عليه السلام) في رسالته الثانية للشيخ المفيد وهي من الرسائل التي صدرت عنه في غيبته الكبرى: (... فلتكُنْ حرسَكَ اللهُ بعينهِ الّتي لا تنامُ أن تُقابل لذلكَ فتنةً تسبلُّ نُفُوسَ قوم حرثتْ باطلاً لاسترهاب المُبطلينَ ويبتهجُ لدمارها المُؤمنُونَ، ويحزنُ لذلكَ الُمجرمُونَ، وآيةُ حركَتِنا من هذهِ اللَّوثَة حادِثَةٌ بالحرَمِ المُعظَّم من رَجس مُنافق مُذمّم، مُستحلٍّ للدَّمِ الُمحرَّمِ، يعمدُ بكيدهِ أهل الإيمان ولا يبلُغُ بذلك غرضهُ من الظُّلمِ لهم والعُدوانِ، لأننا مِنْ ورَاءِ حفظِهمْ بالدُّعاءِ الَّذي لا يُحجبُ عن مَلِكِ الأرضِ والسَّماء، فلتطمئِنَّ بذلِكَ مِنْ أولِيائنا القُلُوبُ، ولْيَثَّقُوا بِالكفايَةِ منهُ، وإنْ راعتهُمْ بهمُ الخُطُوبُ، والعاقبةُ بجميلِ صُنعِ اللهِ سُبحانَهُ تكُون حميدةً لهُمْ ما اجتنبُوا المنْهيَّ عنهُ مِنَ الذُّنُوبِ.
ونحنُ نعهدُ إليك أيُّها الوليُّ المخلصُ المجاهدُ فينا الظَّالمين أيَّدَكَ الله بنصرهِ الّذي أيَّدَ به السَّلَفَ من أوليائِنا الصَّالحينَ، أ نَّهُ مَنِ اتَّقَى ربَّهُ من إخوانِكَ في الدِّين وأخرجَ ممّا علَيهِ إلى مُستحقِّيهِ، كانَ آمناً مِنَ الفتنةِ المُبطلَةِ، ومِحَنِها المُظلمةِ الْمُضِلَّةِ ومَنْ بَخلَ مِنهُم بما أعارهُ اللهُ منْ نعمِتهِ علَى مَنْ أمرَهُ بصلَتِهِ، فإنَّه يكُونُ خاسراً بذلِكَ لاُولاَهُ وآخرَتِهِ، ولو أنَّ أشياعَنَا وَفَّقَهُمُ الله لِطاعَتهِ علَى اجتِماع منَ القُلُوبِ فِي الوَفاءِ بِالعهدِ علَيهمْ لَمَا تأخَّرَ عنْهُمُ الُيمْنُ بلقائنا...).(366)
رعايته للمسلمين
(... فإنا نحيط علماً بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم ومَعْرفَتِنا بالذُّلِّ الَّذي أصابَكُمْ مُذْ جَنَحَ كَثيرٌ منكُمْ إلى ما كانَ السَّلَفُ الصَّالحُ عنهُ شاسِعاً، ونَبذُوا العهدَ المأخُوذَ ورَاءَ ظُهُورِهِم كأنَّهُمْ لا يَعلمُونَ.
إنَّا غيرُ مُهمِلينَ لمُراعاتكُمْ، ولا ناسينَ لِذِكرِكُمْ، ولَولا ذلك لَنَزَلَ بكُمُ الَّلأوَاءُ واصطَلَمَكُمُ الأعدَاءُ فاتَّقُوا اللهَ جَلَّ جَلالُهُ وظاهرُونا عَلَى انتياشِكُمْ مِنْ فِتْنَة قد أنافَتْ عَلَيْكُمْ يَهلِكُ فِيها مَنْ حُمَّ أَجَلُهُ ويُحْمَى عَنْها مَنْ أدرَكَ أمَلَهُ، وهِيَ أَمارَةٌ لأُزُوفِ حَرَكَتِنا ومُباثَّتِكُمْ بِأمْرِنا وَنَهْيِنا، واللهُ مُتمُّ نُورِهِ ولوْ كَرِهَ المُشرِكُونَ).(367)
الاستعداد الدائم للظهور
فَلْيَعْمَلْ كُلُّ امْرىء مِنكُمْ بِمَا يَقرُبُ بهِ من مَحَبَّتِنا، ويَتَجَنَّبُ مايُدْنيهِ مِنْ كَراهَتِنا وسَخَطِنا فَإِنَّ أَمْرَنا بَغتَةٌ فُجاءَةٌ حِينَ لا تنْفَعُهُ تَوْبَةٌ وَلا يُنجِيهِ مِنْ عقابِنا نَدَمٌ علَى حَوبة واللهُ يُلْهِمُكُمُ الرُّشْدَ، ويَلْطُفُ لَكُمْ في التَّوفِيقِ بِرَحْمَتِهِ.(368)
نماذج من أجوبته القصيرة
ومن أجوبته (عليه السلام) على أسئلة اسحاق بن يعقوب: (أما ماسألت عنه أرشدك الله وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمّنا فأعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة، ومَن أنكرني فليس منّي وسبيله سبيل ابن نوح، أما سبيل عمّي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف (عليه السلام)...
وأما أموالكم فما نقبلها إلاّ لتطهروا، فمن شاء فليصل ومَن شاء فليقطع... وأما ظهور الفرج فإنه الى الله تعالى ذكره وكذب الوقّاتون... وأما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلاّ لما طاب وطهر... وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن في ذلك فرجكم...).(369)
نماذج من أدعيته وزياراته
من دعائه للمؤمنين عامة: (إلهي بِحَقِّ مَنْ ناجاكَ، وَبِحقِّ مَنْ دَعاكَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، تَفَضَّلْ عَلَى فُقَراءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بالْغناءِ وَالثَّرْوَةِ، وَعَلَى مَرْضَى الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِالشِّفاءِ وَالصِّحَّةِ، وَعَلَى أحْياءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِاللُّطْفِ وَالْكَرَامة، وَعَلَى أَمْوَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَعَلَى غُرَباءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِالرَّدِّ إِلَى أَوْطانِهِمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، بِمُحَمَّد وَآلِهِ أَجْمَعِينَ).(370)
من دعائه في قنوته: (... وأسئلُكَ باسمك الذي خلقتَ به خلقَكَ ورزقتَهم كيفَ شئتَ وكيفَ شاؤوا، يامَنْ لا يُغيّرُه الأيّام والليالي أدعُوكَ بِمَا دَعاكَ به نُوحٌ حينَ ناداكَ فأنْجَيتَهُ ومَن مَعهُ وأهلكتَ قومه، وأدعوك بِمَا دَعاكَ ابراهيمُ خَليلكَ حينَ ناداكَ فأنْجَيْتَهُ وَجعلتَ النّار عَليهِ بَرداً وَسَلاماً، وأدعوكَ بِمَا دَعاكَ بِه موسى كَليمُكَ حينَ ناداكَ فَفَلَقْتَ لَهُ البَحرَ فَأَنْجَيْتَهُ وَبَنِي إِسْرائِيلَ، وَأَغْرَقْتَ فِرْعَونَ وَقَوْمَهُ فِي الْيَمِّ، وَأَدْعوكَ بِما دَعاك بِهِ عِيسَى رُوحُكَ حِينَ نَاداكَ، فَنَجَّيْتَهُ مِنْ أَعْدائِهِ وَإلَيْكَ رَفَعْتَهُ، وَأَدْعُوكَ بِما دَعاكَ به حَبِيبُكَ وصَفِيُّكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَاستَجَبْتَ لَهُ وَمِنَ الأَحْزَابِ نَجَّيْتَهُ، وَعَلَى أَعْدَائِكَ نَصَرْتَهُ، وَأسْئَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ، يا مَنْ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ، يامَنْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْماً، يا مَنْ أَحْصَى كُلَّ شَيْء عَدَداً، يا مَنْ لا تُغَيِّرُهُ الأَيَّامُ وَاللَّيالِيُّ، وَلا تَتَشابَهُ عَلَيْهِ الأَصْوَاتُ، وَلا تَخْفَى عَلَيْهِ اللُّغَاتُ، وَلا يُبْرِمُهُ إِلْحَاحُ الْمُلِحِّينَ.
أَسْئَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد خَيْرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، فَصَلِّ عَلَيْهِمْ بِأَفْضَلِ صَلَواتِكَ، وَصَلِّ عَلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ بَلَّغوا عَنكَ الْهُدَى، وَعْقَدُوا لَكَ الْمَواثِيقَ بِالطَّاعَةِ، وَصَلِّ عَلَى عِبادِكَ الصَّالِحِينَ، يا مَنْ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ أَنْجِزْ لِي ما وَعَدْتَنِي، وَاجْمَعْ لِي أَصْحابِي، وَصَبِّرْهُمْ، وَانْصُرْنِي عَلَى أَعْدَائِكَ وَأَعْداءِ رُسولِكَ، وَلا تُخَيِّبْ دَعْوَتِي، فَإِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، أَسِيرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ، سَيِّدِي أَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ عَلَيَّ بِهذَا الْمَقامِ، وَتَفَضَّلْتَ بِهِ عَلَيَّ دُونَ كَثِير مِنْ خَلْقِكَ، أَسْئَلُكَ أَنْ تصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَأَنْ تُنْجِزَ لِي ما وَعَدْتَني، إِنَّكَ أَنْتَ الصَّادِقُ، وَلا تُخْلِفُ الْمِيعادَ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ).(371)
من صلواته على النبي (صلى الله عليه وآله): (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتِمِ النَّبِيِّينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الُمْنَتجَبِ فِي الْمِيثاقِ، الْمُصطَفَى فِي الظِّلالِ، الْمُطَهَّرِ مِنْ كُلِّ آفَة، الْبَريءِ مِنْ كُلِّ عَيْب، الْمُؤَمَّلِ لِلنَّجاةِ، الْمُرْتَجى لِلشَّفاعَةِ، الْمُفَوَّضِ إَِلْيهِ فِي دَينِ اللهِ...).(372)
نماذج من زياراته: (الله أكبر الله أكبر، لا الله إلاّ الله والله أكبر، ولله الحمد، الحمدُ لله الذي هدانا لهذا، وعرّفنا أولياءَهُ وأعداءَهُ، وَوفّقَنا لزيارةِ أئمتنا ولم يجعلنا من المعاندين الناصبين ولا من الغُلاةِ المفوّضين ولا من المرتابين الْمُقصِّرِينَ، السَّلامُ عَلَى وَلِيِّ اللهِ وَابْنِ أَوْلِيائِهِ، السَّلامُ عَلَى الْمُدَّخَرِ لِكَرَامَةِ (أوْلِياءِ) اللهِ وَبَوَارِ أَعْدَائِهِ السَّلامُ عَلَى النُّورِ الَّذِي أَرادَ أَهْلُ الْكُفْرِ إِطْفاءَهُ، فَأَبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ بِكُرْهِهِمْ وَأَمَدَّهُ بِالْحَياةِ حَتَّى يُظْهرَ عَلَى يَدِهِ الْحَقَّ برَغْمِهِمْ، أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ اصْطَفاكَ صَغيراً وَأَكْمَلَ لَكَ عُلُومَهُ كَبِيراً، وَأَنّكَ حَيٌّ لا تَمُوتُ حَتّى تبْطِلَ الْجِبْتَ وَالطَّاغُوت.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَى خُدَّامِهِ وَأَعْوَانِهِ، عَلَى غَيْبَتِهِ وَنَأْيِهِ، وَاسْتُرْهُ ستْراً عَزِيزاً وَاجْعَلْ لَهُ مَعقِلاً حِرِيزاً وَاشْدُدِ اللَّهُمَّ وَطْأَتَكَ عَلَى مُعانِدِيهِ، وَاحْرُسْ مَوَالِيهِ وَزائِريهِ. اللَّهُمَّ كَما جَعَلْتَ قَلْبِي بِذِكْرِهِ مَعْمُوراً، فَاجْعَلْ سِلاحِي بِنصْرَتِهِ مَشْهُوراً وَإِنْ حال بَيْنِي وَبَيْنَ لِقائِهِ الْمَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلَى عِبادِكَ حَتْماً مَقْضِيّاً وَأَقْدَرْتَ بِهِ عَلَى خَلِيقَتِكَ رَغْماً، فَابْعَثْنِي عِنْدَ خُرُوجِهِ، ظَاهِراً مِنْ حفْرَتِي، مؤْتَزِراً كَفَنِي، حَتَّى أُجَاهِدَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فِي الصَّفِّ الَّذِي أَثْنَيْتَ عَلَى أَهِلهِ فِي كِتابِكَ، فَقُلْتَ (كَأَنَّهمْ بنْيانٌ مَرْصُوصٌ).
اللَّهُمَّ طالَ الانْتِظارُ، وَشَمُتَ بِنا الْفجَّارُ، وَصَعُبَ عَلَيْنا الانْتِصارُ، اللَّهُمَّ أَرِنا وَجْهَ وَلِيِّكَ الْمَيْمونَ، فِي حَياتِنا وَبَعْدَ الْمَنُونِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَدِينُ لَكَ بِالرَّجْعَةِ، بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِ هذِهِ الْبُقْعَةِ، أَلْغَوْثَ أَلْغَوْثَ، أَلْغَوْثَ، يَا صَاحِبَ الزَّمانِ، قَطَعْتُ فِي وُصْلَتِكَ الْخُلاَّنَ، وَهَجَرْتُ لِزيارتِكَ الأَوْطانَ، وَأَخْفَيْتُ أَمْرِي عَنْ أَهْلِ الْبُلْدانِ لِتَكُونَ شَفِيعاً عِنْدَ رَبِّكَ وَرَبِّي، وَإِلَى آبائِكَ مَوَالِيَّ فِي حُسْنِ التَّوْفِيق، وَإِسْباغِ النِّعْمَةِ عَلَيَّ، وَسَوْقِ الإِحْسانِ إِلَيَّ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِ مُحمَّد، أَصْحابِ الْحَقِّ، وَقادَةِ الْخَلْقِ، وَاستَجِبْ مِنِّي ما دَعوْتُكَ، وَأَعْطِني مالَمْ أَنْطقْ بِهِ فِي دُعائِي، وَمِنْ صَلاحِ دِينِي وَدُنْيايَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحمَّد وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ.
ثُمَّ ادْخُلِ الصَّفَّةَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَقُلْ: اللَّهُمَّ عَبْدُكَ الزَّائرُ فِي فِناءِ وَلِيِّكَ الْمَزُور، الَّذِي فَرَضْتَ طاعَتَهُ عَلَى الْعَبِيدِ وَالأَحْرَارِ، وَأَنْقَذْتَ بِهِ أَوْلِياءَكَ مِنْ عَذابِ النَّارِ، اللَّهُمَّ اجْعَلها زيارَةً مَقْبُولَةً ذاتَ دُعاء مسْتَجاب مِنْ مُصَدِّق بَوَليِّكَ غَيْرَ مُرْتاب، اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ وَلا بِزِيارَتِهِ، وَلا تَقْطَعْ أَثَرِي مِنْ مَشْهَدِهِ، وَزِيارَةِ أبِيهِ وَجَدِّهِ، اللَّهُمَّ اخْلُفْ عَلَيَّ نَفَقَتِي، وَانْفَعْنِي بِما رَزَقْتَني، فِي دُنْياي وَآخِرَتِي وَلإِخْوَانِيَ وَأَبَوَيَّ وَجَمِيعِ عِتْرتِي، أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ أيُّها الإمامُ الّذي يَفوزُ بِهِ المؤمنونَ وَيَهلِكُ على يديهِ الكافِرونَ المكذِّبونَ...).(373)


 

 

 

 

 

 

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(1) راجع مثلاً كتاب آية الله الشيخ محمد أمين زين الدين، مع الدكتور أحمد أمين في حديث المهدي والمهدوية: 13.
(2) ملحقات إحقاق الحق لآية الله المرعشي النجفي، 29: 621 ـ 622.
(3) العقيدة والشريعة في الإسلام: 218 حيث وصفها بأنها من الأساطير ذات الجذور غير الإسلامية لكنه قال أيضاً باتفاق كلمة الأديان عليها، المصدر: 192، والإنكار الحديث للفكرة مصدره المستشرقون وتابعهم بعض المتأثرين بهم من المسلمين أمثال أحمد أمين.
(4) راجع أيضاً الإمامة وقائم القيامة للدكتور مصطفى غالب: 270.
(5) راجع النصوص الخاصة بالمهدي الموعود من كتاب (بشارات عهدين) للشيخ محمد الصادقي.
(6) لمعرفة تفصيلات هذا التمهيد يُراجع كتاب تأريخ الغيبة الكبرى للسيد الشهيد محمد الصدر(رحمه الله)، في حديثه عن التخطيط الإلهي لليوم الموعود قبل الإسلام: 251 وما بعدها.
(7) راجع أيضاً أهل البيت في الكتاب المقدس، احمد الواسطي: 121 ـ 123.
(8) صحيفة العهد اللبنانية العدد: 685، مقال تحت عنوان (حركة شهود يهوه، النشأة، التنظيم، المعتقد).
(9) بشارت عهدين: 261، نقلاً عن كتاب ميزان الحق للقس الالماني فندر: 271.
(10) المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه، للسيد عبد الرضا الشهرستاني: 6.
(11) المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه، للسيد عبد الرضا الشهرستاني: 7.
(12) برناردشو، للاستاذ عباس محمود العقاد: 124 ـ 125، وعلق الاستاذ العقاد على كلمة برناردشو بالقول: (يلوح لنا أن (سوبرمان شو) ليس بالمستحيل، وأن دعوته لا تخلو من حقيقة ثابتة)، نقلاً عن كتاب المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي: 9، وقد نقلها عن العقاد الشيخ محمد حسن آل ياسين في كتابه المهدي المنتظر بين التصور والتصديق: 81.
(13) راجع توضيح هذه النقطة في البحث القيم الذي كتبه آية الله الامام الشهيد الصدر حول المهدي: 41 ـ 48، ط 3 دار التعارف.
(14) لمزيد من التوضيح راجع تأريخ الغيبة الكبرى: 276 وما بعدها.
(15) بحث حول المهدي: 7 ـ 8.
(16) راجع مثلاً كتاب (دفاع عن الكافي) للسيد العميدي: 1/181، وإحقاق الحق: 13/ 3 ـ 4.
(17) البيان في أخبار صاحب الزمان: 149 ـ 150.
(18) نظير كتاب بشارات عهدين للشيخ محمد الصادقي وترجمته العربية بقلم المؤلف نفسه المطبوع باسم: (البشارات والمقارنات). ومثله بالفارسية: بشارات صحف آسماني به ظهور حضرت مهدي (عليه السلام) لعلي أكبر شعفي اصفهاني، والعربية: المهدي المنتظر والعقل لمحمد جواد مغنية.
(19) كشف الأستار للميرزا حسن النوري: 84، وأولى منه كتاب كبير في ست مجلدات بعنوان: أنيس الأعلام في نصرة الإسلام. لعالم نصراني أرميني كبير اعتنق الإسلام على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وكتب ذلك الكتاب بالفارسية استجابة لاقتراح علماء الإسلام، من أواخر القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر، سيأتي ذكره آنفاً باسم الشيخ محمد صادق فخر الإسلام، وهذا ما لقّبه به علماء اصفهان يومئذ تقديراً لجهوده في مجلدات كتابه القيّم.
(20) الثابت أن غيبة الإمام المهدي بعد وفاة أبيه ـ (عليهما السلام) ـ استمرت 69 سنة. فلعل الساباطي ترك بياضاً ليتأكد من المدّة ثم نسي ملء الفراغ فانتشر الكتاب كذلك.
(21) المصدر السابق: 85، وذكر أن كتاب البراهين الساباطية قد طبع قبل اكثر من ثلاثين من تأريخ تأليف كتابه كشف الأستار.
(22) بشارات عهدين: 232، وذكر أن العالم المذكور كان من متتبعي علماء النصارى ومحققيهم واعتنق الاسلام بعد دراسة معمقة استغرقت أمداً وأ لّف عدة كتب منها الكتاب المذكور الذي يُوصف بأنه أفضل ما اُ لّف في الرد على اليهود والنصارى.
(23) بشارات عهدين: 264.
(24) سفر الرؤيا 12: 3.
(25) سفر الرؤيا 12: 5.
(26) المدة رمزية وقد وردت في الأصل العبري بتعبير: (وسيغيب عن التنين زماناً وزمانين ونصف زمان)، راجع بشارات العهدين: 263.
(27) سفر الرؤيا 12: 13.
(28) المسيح الدجال، سعيد أيوب: 379 ـ 380 / نقلاً عن المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي، اصدار مركز الرسالة: 13 ـ 14.
(29) سفر التكوين: 17: 20، و22 ـ 23.
(30) أهل البيت في الكتاب المقدس، احمد الواسطي: 105 ـ 107.
(31) راجع الفصل الأول من كتاب منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر لآية الله الشيخ لطف الله الصافي، فقد نقل فيه (271) حديثاً من المصادر الحديثية المعتبرة عند مختلف طوائف المسلمين تشتمل على إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) باتصال الإمامة في هؤلاء الأئمة الاثني عشر من أهل بيته (عليهم السلام) الى يوم القيامة وفيها احاديث تنص صراحة على اسمائهم أو تحدد أن أوّلهم الإمام علي (عليه السلام) وآخرهم الإمام المهدي (عليه السلام)، وللشيخ الصافي في هذا الفصل تعليقة استقرائية تأريخية تثبت عدم صدق هذه الأحاديث على غير الائمة الاثني عشر من عترة آل الرسول (صلى الله عليه وآله).
(32) اختص هذا اللقب بأئمة العترة الطاهرة، واذا اُطلق كان المراد منه الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر (عليه السلام)، راجع كتاب النجم الثاقب لآية الله الميرزا حسين النوري 1: 211، من الطبعة المترجمة الى العربية، وقد ذكر الميرزا النوري أن هذا اللقب مذكور في الزبور الثالث عشر وغيره، نقل ذلك عن كتاب ذخيرة الألباب للشيخ محمد الاسترابادي.
(33) أهل البيت في الكتاب المقدس: 123 ـ 127.
(34) النجم الثاقب: 2 / 198.
(35) بشارات العهدين: 277.
(36) الكتاب المقدس تحت المجهر: 155، نقلاً عن كتاب دفاع عن الكافي للسيد ثامر العميدي: 1، وراجع بشأن هذه البشارة، أهل البيت في الكتاب المقدس: 1 / 185 ـ 186.
(37) راجع مثلاً ما نقله الشيخ الصادقي ـ في كتابه بشارات العهدين ـ من كتب الأديان الاُخرى.
(38) بل أثبتت دراسات عدد من علماء أهل السنّة تواتر هذه الأحاديث الشريفة، مثل كتاب (التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح) للإمام الشوكاني، وكتاب (الاشاعة في أشراط الساعة) للبرزنجي، وكتاب (التصريح) للكشميري وغيرها.
(39) هذا الحكم يصدق ايضاً على الأحاديث الشريفة المروية عن الرسول الأكرم وائمة العترة ـ صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ـ والتي تنبأت بولادة المهدي من الحسن العسكري وغيبته، فثبوت صدورها وتدوينها قبل وقوع الولادة والغيبة بما يزيد على القرن وأكثر ثم تحقق ما أخبرت عنه عملياً يثبت صحتها حتى لو كان ثمة نقاش في بعض أسانيدها; لأن تصديق الواقع لها دليل على صحة صدورها من ينابيع الوحي المتصلة بالله تبارك وتعالى الذي لا يعلم الغيب سواه ولا يطلع على غيبه إلا من ارتضى، وقد استدل العلماء بهذا الدليل الوجداني على صحة الغيبة وصحة إمامة المهدي ابن العسكري (عليهما السلام) مثل الشيخ الصدوق في إكمال الدين: 1 / 19، والشيخ الطوسي في كتاب الغيبة: 101 ـ 107، والطبرسي في اعلام الورى، وابن طاووس في كشف المحجة وغيرهم.
(40) ذكر الشيخ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة الكثير من علماء أهل السنّة القائلين بأن المهدي الموعود هو ابن الحسن العسكري وأنه حي وغائب، كما ذكر الميرزا النوري في كتاب كشف الأستار اربعين عالماً منهم ونقل تصريحاتهم في ذلك، وكذلك فعل العلامة نجم الدين العسكري في كتابه المهدي الموعود المنتظر (عليه السلام) عند علماء أهل السنّة والإمامية، وجمع أقوالهم وتصريحاتهم السيد ثامر العميدي في الجزء الأول من كتابه (دفاع عن الكافي). وكذلك السيد الأمين العاملي في ج5 من المجالس السنية والاستاذ الدخيّل في: الإمام المهدي (عليه السلام).
(41) بحث حول المهدي: 12 ـ 14.
(42) مثل رسائل الشيخ المفيد في الغيبة وهي خمس رسائل إضافة الى كتاب الفصول العشرة في الغيبة، وكتاب المقنع في الغيبة للسيد المرتضى، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي، وكتاب إكمال الدين للشيخ الصدوق، وكتاب الغيبة للشيخ النعماني، وعموم كتب الإمامة كالشافي وتلخيصه وغيرها فقد حفلت بأشكال الأدلة على هذا الموضوع وهي كثيرة للغاية.
(43) الاسراء (17): 71 ـ 72.
(44) الأنبياء (21): 73.
(45) البقرة (2): 124.
(46) القصص (28): 5.
(47) الفرقان (25): 74.
(48) التوبة: 9/12.
(49) القصص (28): 41. والجعل هنا بمعنى (تصييرهم سابقين في الضلال يقتدي بهم اللاحقون) الميزان: 16/38، فليس هنا بمعنى النصب كما هو حال أئمة الهدى.
(50) هود (11): 17.
(51) يس (26): 12.
(52) تفسير الميزان: 13/ 165 ـ 169، وما أوردناه مستفادٌ من بحثه التفسيري لهما.
(53) البقرة (2): 124.
(54) الزخرف (43): 28، ولاحظ قوله تعالى (ووهبنا له اسحاق ويعقوب وجعلنا في ذرّيته النّبوة والكتاب) العنكبوت (29): 27.
(55) راجع في هذا الباب مثلاً كتاب منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر لآية الله الشيخ لطف الله الصافي فقد جمع الكثير من النصوص المروية من طرق أهل السنة والشيعة، وراجع أيضاً كتاب إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للحر العاملي، وفرائد السمطين للحمويني الشافعي، وينابيع المودة للحافظ القندوزي الحنفي وغيرها كثير.
(56) راجع هذا الاستدلال في مقدمة كتاب كمال الدين للشيخ الصدوق: 12، والفصل الخامس من الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد، وكذلك الرسالة الخامسة من رسائل الغيبة. وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 101 وما بعدها، وإعلام الورى للشيخ الطبرسي: 2/257 وما بعدها وكشف المحجة للسيد ابن طاووس: 104، وغيرها.
(57) النساء (4): 41.
(58) النحل (16): 84.
(59) النحل (16): 89.
(60) القصص (28): 75.
(61) تفسير الميزان: 1/32.
(62) تفسير الكشاف: 3/429.
(63) تفسير الكشاف: 2/626.
(64) المائدة (5): 117.
(65) تفسير الكشاف: 3/429.
(66) التفسير الكبير: 25/12 ـ 13. راجع في ذلك مجمع البيان: في ذيل الآية.
(67) التفسير الكبير: 25/12 ـ 13، وتفسير الكشاف: 2/628.
(68) راجع معجم أحاديث الإمام المهدي: 1/274، نقلاً عن مسند أحمد وغيره من المجاميع الروائية لأهل السنة.
(69) البقرة (2): 225.
(70) تفسير الميزان: 1/320 ـ 321.
(71) تفسير الميزان: 1/321.
(72) إشارة الى قوله تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) الأنعام (6): 124.
(73) النمل (27): 40.
(74) قصص الأنبياء للسيد الجزائري: 428 نقلاً عن تفسير العياشي.
(75) الرعد (13): 43.
(76) شواهد التنزيل: 1/400 وما بعدها.
(77) تفسير الميزان: 11/387 ـ 388.
(78) الرعد (13): 7.
(79) الأعلى (87): 2 ـ 3 وراجع تفسيرها في الجزء العشرين من تفسير الميزان.
(80) تفسير الميزان: 1/305.
(81) يونس (10): 35.
(82) المؤمن (40): 38.
(83) القصص (28): 56.
(84) الأنبياء (21): 73.
(85) تفسير الميزان: 10/ 56 ـ 61.
(86) تفسير الميزان: 1/272.
(87) الأنبياء (21): 73.
(88) السجدة (32): 24.
(89) راجع الحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المروي في كمال الدين: 1 / 253 وكفاية الأثر: 53 وغيرهما.
(90) الصواعق المحرقة: 150 من الطبعة المصرية وقد صرح ابن حجر بتواتره.
(91) سنن الترمذي: 5/ 621 ـ 622 ـ مناقب أهل بيت النبي باب 32.
(92) أهل البيت في المكتبة العربية للسيد عبدالعزيز الطباطبائي: 277 ـ 279.
(93) أصدرت دار التقريب الإسلامية في مصر رسالة مفصلة ألفها أحد أعضاء الدار عن هذا الحديث استوفى فيها أسانيد الحديث في الكتب المعتمدة عند أهل السنة.
(94) الصواعق المحرقة لابن حجر: 148، أهل البيت في المكتبة العربية: 279.
(95) صحيح البخاري: 1/ 37، 4/ 31، 4/ 65 ـ 66، 5/ 137،، 7/ 9، 8/ 161 من طبعة دار الفكر المصورة عن طبعة استانبول وفي جميعها وردت عبارة (لن تضلوا بعدي) في الحكاية عن مضمون الكتاب الذي أراد كتابته.
(96) راجع تلخيص وتعريب السيد علي الميلاني للجزء الخاص بطرق حديث الثقلين من موسوعة عبقات الأنوار وقد طبع هذا التلخيص مرتين. الأولى في مجلدين والثانية في ثلاث مجلدات.
(97) صحيح مسلم: 4/ 1873.
(98) سنن الترمذي: 5/ 662.
(99) المستدرك على الصحيحين: 3/ 109.
(100) الصواعق المحرقة: 150، الفصل الأول / الآيات الواردة فيهم.
(101) راجع رسالة الثقلين الصادرة عن دار التقريب الإسلامية في مصر: 18 وراجع مناقشة السيد محمد تقي الحكيم لإعتبار هذه الرواية ضمن حديثه عن دلالات حديث الثقلين في فصل السنة من كتابه الأصول العامة للفقه المقارن.
(102) الصواعق المحرقة: 150.
(103) راجع مثلاً كتاب (حديث الثقلين)، تواتره، فقهه) للسيد علي الميلاني.
(104) المصباح المنير للفيومي: 391، مادة العترة.
(105) صحيح مسلم: 2/ 362.
(106) مسند أحمد بن حنبل: 3/ 259.
(107) راجع مثلاً صحيح مسلم: 7/ 130، وما رواه الحاكم في المستدرك وصححه على شرط البخاري في: 3/146، والدر المنثور للسيوطي: 5/ 198.
(108) راجع البحث القرآني الذي أورده العلامة الطباطبائي(رحمه الله) في تفسير الميزان، في تفسير الآية الكريمة ودلالاتها.
(109) الصواعق المحرقة: 151.
(110) راجع تراجمهم ـ سلام الله عليهم ـ فيما كتبه علماء الرجال من أهل السنة، وقد ألف العديد منهم كتباً خاصة بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، أمثال ابن طولون الدمشقي وغيره.
(111) الصواعق المحرقة: 151.
(112) راجع كتابه: منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر.
(113) راجع هذه النصوص والتعريف بمصادرها في كتاب منتخب الأثر ومعجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): 2 / 255 ـ 265، وكذلك كتاب أحاديث المهدي في مسند أحمد بن حنبل.
(114) عن دلالات حديث الغدير وتواتره وطرقه راجع موسوعة الغدير للعلامة الأميني(رحمه الله)، والجزء الخاص به من عبقات الأنوار وغيرها.
(115) راجع في ذلك معجم أحاديث الإمام المهدي، 1: 16 ـ 38.
(116) مسند أحمد: 1/ 398، المعجم الكبير للطبراني: 10/ 195، المستدرك للحاكم: 4/ 501.
(117) فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني: 3/184، باب الاستخلاف.
(118) راجع مثلاً (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) للشيخ أسد حيدر، وما ورد بشأنهم في تاريخ دمشق لابن عساكر وفي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي والصواعق المحرقة لابن حجر وسير أعلام النبلاء للذهبي ووفيات الأعيان لابن خلكان وغيرها. وسائر من ترجم لهم (عليهم السلام) من مختلف الفرق الإسلامية.
(119) سير أعلام النبلاء: 13/ 120 وراجع ما جمعه الشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج تجد نماذج كثيرة لدفاعهم عن الإسلام بوجه الأفكار الدخلية.
(120) جمعت هذه الأحاديث الشريفة في موسوعات ضخمة مثل بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي ووسائل الشيعة للحر العاملي.
(121) مثل إصداره (التوقيعات) وهي الرسائل التي كان (عليه السلام) يبعثها للمؤمنين ويجيب فيها عن اسئلتهم الدينية المختلفة وقد دونت كتب الغيبة عدداً كبيراً منها، تجدها في كتاب (كلمة الإمام المهدي) والصحيفة المهدوية وغيرها.
(122) راجع ما نقله الشيخ عبد المحسن العباد في بحثه (عقيدة أهل السنّة والأثر في المهدي المنتظر) المطبوع في مجلة الجامعة الاسلامية العدد الثالث، السنة الاُولى، ذو القعدة 1388 هـ.
(123) تفسير القرآن العظيم: 2 / 34 في تفسير الآية 12 من سورة المائدة.
(124) راجع النسخة المصوّرة لفتوى رابطة العالم الاسلامي، المجمع الفقهي المنشورة في كتاب احاديث المهدي من مسند احمد بن حنبل: 162 ـ 166.
(125) راجع كتاب (احاديث المهدي (عليه السلام) من مسند احمد بن حنبل)، اعداد السيد محمد جواد الجلالي: 68 ـ 76.
(126) صحيح البخاري: 4/252.
(127) تاريخ البخاري: 4/12 حديث 1797، صحيح مسلم:3/1523، حديث 1920، وسنن أبي داود: 4/97، حديث 4202 وابن ماجة: 1/5 باب1 حديث 10، والترمذي: 4/504 حديث 2229 واحمد بن حنبل في مسنده: 2/321.
(128) صحيح البخاري: 9/167، وصحيح مسلم: 3/1524 حديث 1037، ومسند أحمد: 4/101، وابن ماجة: 1/5 باب 1 حديث 7.
(129) صحيح مسلم: 1524 حديث 1922، مسند أحمد: 5/92، 94، ومستدرك الحاكم: 4/449.
(130) صحيح مسلم: 3/1524، 1525 باب 53، حديث 1924.
(131) مسند أحمد: 4/434، سنن أبي داود: 3/4، حديث 2484، ومستدرك الحاكم: 2/71.
(132) تاريخ البخاري: 5/451 حديث 1468، مسند أحمد: 4/429.
(133) معجم أحاديث الإمام المهدي: 1/ 51 ـ 68، وقد ذكر لكل حديث الكثير من المصادر من المجاميع الروائية المعتبرة عند أهل السنة وقد اخترنا بعضها من المتن والبعض الآخر من الهوامش.
(134) وهذا أضعف الآراء وأبعدها عن دلالات الحديث الشريف ورغم ذلك رجحه ابن باز في تعليقه على محاضرة الشيخ عبدالمحسن العباد عن المهدي الموعود، راجع مجلة الجامعة الاسلامية العدد الثالث، السنة الاُولى، ذو القعدة 1388 هـ.
(135) وهذا من أطرف الآراء، راجع أضواء على السنة المحمدية للشيخ محمود أبو ريّة: 212، وراجع أيضاً في مناقشة هذه الآراء ما ذكره الشيخ لطف الله الصافي في كتابه منتخب الأثر: في الهامش، ودلائل الصدق للشيخ محمد حسن المظفر، 2: 315 وما بعدها، وما أورده الحكيم صدر الدين الشيرازي في شرح أصول الكافي: 463 ـ 470 من الطبعة الحجرية.
(136) صحيح البخاري: 9/ 78، صحيح مسلم: 3/ 1452، مسند أحمد: 2/ 29، 2/ 93 بطريق آخر.
(137) تاريخ البخاري: 6/ 445، مسند احمد: 3/ 466، صحيح ابن حبان: 7/ 49، مسند الطيالسي: 1259 الحديث رقم 1913 مسند ابن أبي شيبة: 15/ 38، المعجم الكبير للطبراني: 10/ 350، مجمع الزوائد: 2/ 252، عن أبي يعلى والبزار والطبراني.
(138) صحيح ابن حبان: 7/ 49.
(139) النساء (4): 59.
(140) التفسير الكبير: 10/ 144، وراجع البحث المفصل الذي أورده العلاّمة الطباطبائي في تفسير هذه الآية الكريمة ودلالاتها في تفسير الميزان: 4/ 387 ـ 401.
(141) يُلاحظ هنا أن كل المؤرخين من مختلف المذاهب الإسلامية الذين ترجموا للائمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) ذكروا تواريخ وفيات الائمة الأحد عشر باستثناء المهدي بن الحسن العسكري فقد ذكروا تأريخ ولادته فقط. وهذا الأمر يصدق حتى على الذين لم يقولوا بأنه هو المهدي الموعود المبشر به في صحاح الأحاديث النبوية.
(142) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العقسلاني: 6/ 385.
(143) راجع مثلاً مسند أحمد بن حنبل: 2/ 176، سنن ابن ماجة: 1/ 444 ـ 445، فيض القدير: 4/ 459، سنن الترمذي: 3/ 116، كنز العمال: 3/ 466 وغيرها كثير.
(144) ثواب الأعمال للشيخ الصدوق: 101، مصباح المتهجد للشيخ الطوسي: 762، إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس: 718.
(145) راجع هذه الروايات في كتاب النجم الثاقب للميرزا النوري: 2/ 146 ومابعدها من الترجمة العربية، وراجع الكافي: 1/ 329، كمال الدين: 430.
(146) نقصد بالتقويم التطبيقي التقويم الذي يطبق بين أيام تقويم السنة الشمسية مع ما يصادفها من أيام تقويم السنة القمرية، وقد أعدت عدة تقاويم من هذا النوع على شكل كتب أو برامج كومبيوترية حددت ما يصادف كل يوم من أيام السنة الهجرية القمرية مع تقويم السنة الهجرية الشمسية والسنة الميلادية الشمسية، وقد راجعنا في البحث التقويم التطبيقي الذي أصدرته جامعة طهران والذي يبدأ بالتطبيق من اليوم الأوّل من السنة الاُولى لهجرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الى نهاية القرن الهجري الخامس عشر.
(147) راجع تفصيلات أقوالهم في الاحصائية التي أوردها السيد ثامر العميدي في كتابه دفاع عن الكافي: 1/535 ـ 592.
(148) راجع الروايات التي جمعها السيد البحراني بشأن قصة الولادة من المصادر المعتبرة في كتابه تبصرة الولي: 6 وما بعدها، وكذلك التلخيص الذي أجراه الميرزا النوري في النجم الثاقب: 2/ 153 وما بعدها، وراجع غيبة الشيخ الطوسي الفصل الخاص باثبات ولادة صاحب الزمان (عليه السلام): 74 وما بعدها.
(149) غيبة الشيخ الطوسي: 144.
(150) كمال الدين: 315، كفاية الأثر: 317.
(151) كمال الدين: 303.
(152) كمال الدين: 321 ـ 322.
(153) كمال الدين: 316.
(154) الكافي: 1/ 276.
(155) ذكر تراجمهم الدكتور محمد مهدي خان مؤسس صحيفة الحكمة في القاهرة في كتابه (باب الأبواب) الذي خصص جانباً منه لدراسة حركات أدعياء المهدوية.
(156) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 288.
(157) مروج الذهب للمسعودي: 4/ 169.
(158) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 276.
(159) لقد امتدّت هذه المحاولات الى داخل بيت الإمام (عليه السلام) فزرعت العيون من النساء لمراقبة ما يحدث داخل بيت الإمام (عليه السلام)، للقضاء على الإمام المهدي (عليه السلام) إن وَلد، بل قد امتدت هذه الجهود للحيلولة دون ولادة الإمام (عليه السلام) ومن هنا لم يتزوّج الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بشكل رسمي كما هو المتعارف والمتداول حينذاك.
(160) راجع الفصل الخاص بذلك في كتاب حياة الإمام العسكري (عليه السلام) للشيخ الطبسي: 421 ـ 424.
(161) إثبات الهداة للحر العاملي: 3/ 570، منتخب الأثر للشيخ لطف الله الصافي: 359 ب 34 ح 4 عن كشف الحق للخاتون آبادي وبذيله ما يدل عليه من سائر الأخبار غير القليلة.
(162) كمال الدين: 434.
(163) كمال الدين: 431، وراجع معادن الحكمة في مكاتيب الائمة لمحمد بن الفيض الكاشاني: 2/ 275.
(164) كمال الدين: 431.
(165) الغيبة للشيخ الطوسي: 217، اثبات الهداة للحر العاملي: 415، ينابيع المودّة للحافظ سليمان الحنفي: 460.
(166) راجع قصصهم في كتاب تبصرة الولي للسيد البحراني والفصول الخاصة بأحاديث (من رآه في حياة أبيه) من كتب الغيبة.
(167) الفصول العشرة في الغيبة، المطبوع ضمن كتاب عدة رسائل للشيخ المفيد: 353.
(168) غيبة الطوسي: 217.
(169) إثبات الوصية للمسعودي: 262.
(170) راجع رجال الكشي: 481، 451، ورجال ابن داود: 272 ـ 273، ووسائل الشيعة: 18/ 72، فلاح السائل للسيد ابن طاووس: 183 وغيرها.
(171) لمزيد من التفصيلات بشأن دور الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في هذا المجال راجع كتاب تأريخ الغيبة الصغرى للسيد الشهيد محمد الصدر(رحمه الله): 269 وما بعدها، وحياة الإمام العسكري (عليه السلام) للشيخ الطبسي: 313 ـ 326.
(172) كمال الدين: 474.
(173) غيبة الطوسي: 165.
(174) راجع مثلاً حديث الإمام الباقر (عليه السلام): (صاحب هذا الأمر أصغرنا سناً وأخملنا شخصاً...) غيبة النعماني: 184.
وراجع بهذا الشأن إيضاحات الشيخ المفيد في كتابه الفصول المختارة من العيون والمحاسن: 256، وفي كتاب بحث حول المهدي للسيد الشهيد محمد باقر الصدر (رحمه الله) حيث تحدث مفصلاً عن هذه الظاهرة في حياة الائمة بالتفصيل.
(175) راجع تفصيلات هذه الامتحانات في موسوعة بحار الأنوار: 50/ 99 وغيرها.
(176) الصواعق المحرقة: 124.
(177) مرآة الأسرار: 31.
(178) مثل تكلّمه عند ولادته وهو في المهد، كمال الدين: 433، 441 وغيرها، ومثل تحدثه بجوامع العلم والحكمة وهو صغير، غيبة الشيخ الطوسي: 148 وغيرها.
(179) يظهر أن الصلاة الأولى كانت بحضور وجوه أصحاب الإمام وأرحامه والصلاة الرسمية كانت بحضور ممثلي السلطة العباسية ووجوه المدينة وعامة الناس، راجع تفصيلات ذلك في كتاب بحار الأنوار: 50/ 328.
(180) غيبة الشيخ الطوسي: 155.
(181) كمال الدين: 475 ـ 476.
(182) راجع تفصيلات ذلك في كمال الدين: 43، 473.
(183) إرشاد الشيخ المفيد: 2/336، 337 وعنه في بحار الأنوار: 50/ 334، 231، مناقب آل أبي طالب: 4/ 422، الاحتجاج: 2/ 279.
(184) أجرى السيد الشهيد محمد الصدر(رحمه الله) دراسة تحليلية وثائقية قيمة استناداً لمصادر التأريخ الإسلامي، لخصوصيات هذه الحقبة من التأريخ الإسلامي من المفيد الاطلاع عليها في كتابه تأريخ الغيبة الصغرى.
(185) فرائد السمطين: 2/ 132.
(186) كمال الدين: 413، كفاية الأثر: 66، والأحاديث النبوية بهذا المعنى كثيرة راجعها في معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) القسم الخاص بأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله): 1/ 256 ـ 267.
(187) كمال الدين: 51، إثبات الهداة: 3/ 459.
(188) كفاية الأثر: 10.
(189) علل الشرائع: 1/ 243 وعنه في بحار الأنوار: 52/ 90.
(190) فرائد السمطين: 2/ 335، وينابيع المودة للحافظ سليمان الحنفي: 488.
(191) الكافي للكليني: 1/ 273.
(192) ينابيع المودة للحافظ الحنفي: 427.
(193) الاشاعة في اشراط الساعة: 13.
(194) كمال الدين: 321.
(195) كمال الدين: 323.
(196) غيبة النعماني: 172.
(197) غيبة الشيخ الطوسي: 102.
(198) كمال الدين: 480.
(199) كفاية الأثر: 265.
(200) كمال الدين: 376 وعنه في إعلام الورى: 2/241 وكشف الغمة: 3/ 314.
(201) كفاية الأثر: 277، بحار الأنوار: 52/ 283، احتجاج الطبرسي: 2/ 449.
(202) الكافي: 1/ 268.
(203) كمال الدين: 380.
(204) كمال الدين: 440.
(205) كفاية الأثر: 292 وعن كمال الدين في اعلام الورى: 2 /253، وسائل الشيعة: 16/246 ب33 ح23.
(206) كمال الدين: 384، الخرائج للقطب الراوندي: 3/ 1174، وعن كمال الدين في إعلام الورى: 2/249.
(207) كمال الدين: 19 من مقدمة المؤلف.
(208) عدة رسائل للشيخ المفيد: 362، الفصل الخامس من الفصول العشرة في الغيبة.
(209) كمال الدين: 441.
(210) غيبة الطوسي: 164.
(211) راجع روايات الالتقاء به في عصر الغيبة الصغرى الموجودة في كتب الغيبة والتي جمع الكثير منها السيد البحراني في كتاب تبصرة الولي.
(212) راجع في هذا الباب كتاب (منع تدوين الحديث ـ اسباب ونتائج) للسيد علي الشهرستاني: 397 ـ 465 الفصل الخاص بتأريخ تدوين السنة النبوية عند مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
(213) غيبة الطوسي: 215.
(214) تأريخ الغيبة الصغرى: 609 ـ 628.
(215) غيبة الطوسي: 172 ـ 257.
(216) غيبة الطوسي: 198 ـ 199.
(217) غيبة الطوسي: 240.
(218) الكافي: 1 / 525.
(219) الكافي: 1/ 525.
(220) راجع تأريخ الغيبة الصغرى: 367، و597 وما بعدهما.
(221) راجع نماذجها في المجلد الثاني من كتاب معادن الحكمة. لمحمد بن الفيض الكاشاني وكتاب الصحيفة المهدية لوالده وغيرها من كتب الغيبة.
(222) الغيبة للطوسي: 220.
(223) راجع مثلاً توقيعاته (عليه السلام) لمحمد بن عبد الله الحميري المروية في كتاب الاحتجاج: 2 / 483 وما بعدها.
(224) كمال الدين: 242.
(225) النجم الثاقب: 2 / 44 ـ 48 من الترجمة العربية.
(226) تبصرة الولي: 197.
(227) الكافي: 1 / 337 ـ 339، الغيبة للنعماني: 175.
(228) الغيبة للطوسي: 164، الاحتجاج للطبرسي: 2 / 298، وسائل الشيعة: 3/147.
(229) كمال الدين: 516، غيبة الطوسي: 242.
(230) يُلاحظ هنا مثلاً أن كتاب الكافي للشيخ الكليني (رحمه الله) وهو من أهم مصادر تراث أهل البيت (عليهم السلام) في المجالات العقائدية والفقهية تم تدوينه خلال فترة الغيبة الصغرى، فقد توفي الشيخ الكليني (رحمه الله) سنة329 هـ وهي نفس سنة وفاة الشيخ السمري آخر السفراء أي في نفس سنة انتهاء الغيبة الصغرى.
(231) كما صرح بذلك (عليه السلام) في توقيعه الذي أجاب فيه على أسئلة إسحاق بن يعقوب، راجع كمال الدين: 483، غيبة الطوسي: 176.
(232) تأريخ الغيبة الصغرى: 630 ـ 654 وفيه توضيحات مهمة بشأن نص التوقيع المهدوي الشريف للسمري.
(233) اثبات الهداة: 3 / 486 ـ 487.
(234) كمال الدين: 481، علل الشرائع: 1/ 245.
(235) علل الشرائع: 1 / 246، غيبة النعماني: 176، غيبة الطوسي: 201.
(236) الكافي: 1 / 342، غيبة النعماني: 167 ـ 168.
(237) علل الشرائع: 147، كمال الدين: 641.
(238) قرب الأسناد للحميري: 162 وعنه في بحار الانوار: 52/ 113.
(239) الآية في سورة الاعراف: 128، والحديث في غيبة الطوسي: 282.
(240) علل الشرائع: 1/ 245، عيون الأخبار الرضا: 1 / 273.
(241) كمال الدين: 483، غيبة الطوسي: 176.
(242) معادن الحكمة: 2/ 303، بحار الانوار: 53/ 174.
(243) الاحتجاج: 2/325 وعنه في معادن الحكمة: 2/ 306 وبحار الأنوار: 35/ 176.
(244) اعتقادات الصدوق: 99 وعنه في اعلام الورى للطبرسي: 2/297 ب 5 المسألة الاُولى من المسائل السبع في الغيبة، الفصول المهمة: 272.
(245) كفاية الأثر 56، ينابيع المودة: 442.
(246) راجع مثل ما روي عن الكاظم عليه السلام في وصف المؤمنين الثابتين في عصر الغيبة: (اُولئك منّا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم ثم طوبى لهم وهم والله معنا في درجتنا يوم القيامة). كمال الدين: 361، كفاية الأثر: 265.
(247) الاحتجاج: 1/323 وعنه في معادن الحكمة: 2/ 303.
(248) كنز الفوائد للعلامة الكراجكي: 2/ 219.
(249) مفاتيح الأصول: 496 ـ 497، باب الاجماع.
(250) الاحتجاج: 2/260.
(251) جمع الشيخ كريمي الجهرمي مجموعة من هذه الروايات في كتاب ترجمه للعربية تحت عنوان: (رعاية الامام المهدي للمراجع والعلماء الاعلام) منشورات دار ياسين البيروتية والكتاب مطبوع بالفارسية في قم.
(252) الكافي: 1/ 340، غيبة النعماني: 188، تقريب المعارف للحلبي: 190.
(253) الكافي: 1/ 340، غيبة النعماني: 170، تقريب المعارف: 190.
(254) كمال الدين: 390 وعنه في اثبات الهداة: 3/ 480.
(255) راجع تاريخ الغيبة الصغرى: 640 وما بعدها وتاريخ الغيبة الكبرى: 107 وقد ناقش السيد الصدر في هذين الكتابين قضية الالتقاء بالامام في الغيبة الكبرى وعدم تعارضها مع امر الامام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ في توقيعه للشيخ السمري بتكذيب من ادعى المشاهدة في الغيبة الكبرى، كما ناقشها الميرزا النوري في الباب السابع من كتاب النجم الثاقب والعلامة المجلسي في بحار الأنوار وغيرهم كثير واثبتوا جواز الالتقاء بالامام في الغيبة الكبرى.
(256) الكافي: 1/ 337، 239، غيبة النعماني: 175.
(257) راجع مثلاً الرواية التي ينقلها الشيخ الصدوق في كمال الدين: 444.
(258) الكافي: 1/ 337، غيبة النعماني: 166 ـ 167، كمال الدين: 2/ 342، غيبة الطوسي: 202.
(259) المحاسن للبرقي: 173، الكافي: 8/ 80، كمال الدين: 664 وفي الحديث الشريف ثناء جليل من الإمام الباقر (عليه السلام) على مَن يجند نفسه لأحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام).
(260) كمال الدين: 328 وعنه في بحار الأنوار: 51/ 136.
(261) كمال الدين: 330، بحار الأنوار: 52/ 145.
(262) المحاسن للبرقي وعنه في بحار الأنوار: 52/ 131.
(263) كمال الدين: 357.
(264) كمال الدين: 320.
(265) كفاية الأثر: 279، كمال الدين: 378.
(266) الخصال للشيخ الصدوق: 2/ 610، كمال الدين: 645، تحف العقول: 106.
(267) كمال الدين: 644.
(268) غيبة النعماني: 200، إثبات الهداة: 3/ 536.
(269) كمال الدين: 645.
(270) في الخصال: 625 وعنه في بحار الأنوار: 52/ 123.
(271) المحاسن للبرقي: 1/278، 279 ح153 وعنه في بحار الأنوار: 52/ 126 ح 18.
(272) مكيال المكارم: 2/ 152 ـ 153.
(273) النجم الثاقب: 2/ 443 من الترجمة العربية.
(274) المائدة (5): 24.
(275) تاريخ الغيبة الكبرى: 342.
(276) النهضة والثورة المهدوية للشهيد المطهري(رحمه الله): 61 ـ 81 من الطبعة الفارسية (بتلخيص).
(277) كمال الدين: 319.
(278) صحيفة نور: 21.
(279) تأريخ الغيبة الكبرى: 427.
(280) مكيال المكارم: 2/ 158 ـ 159.
(281) تأريخ الغيبة الكبرى: 341 ـ 342.
(282) تاريخ الغيبة الكبرى: 362 ـ 363.
(283) مكيال المكارم: 2 / 157 ـ 162.
(284) راجع تفصيل السيد الإصفهاني لهذه النقطة في كتابه مكيال المكارم: 2/ 160 وما بعدها.
(285) الإرشاد للشيخ المفيد: 2/ 368 ـ 370.
(286) تُراجع نصوص الأحاديث الشريفة التي أوردناها في الحديث عن علل الغيبة الكبرى.
(287) عقد الدرر: 123 إثبات الهداة: 494، 518، الملاحم والفتن لابن حماد: 95، دلائل الإمامة للطبري الإمامي: 248 ـ 249، حلية الأولياء: 6 / 123، مستدرك الحاكم: 4/ 554 ينابيع المودة: 512، كمال الدين: 673، اختصاص الشيخ المفيد: 26، والأحاديث في مدح أصحاب المهدي وأنصاره كثيرة.
(288) راجع توضيحات السيد الشهيد محمد الصدر(رحمه الله) لهذه المراتب من القواعد المؤيدة في تأريخ الغيبة الكبرى: 247 وما بعدها.
(289) بحار الأنوار: 60/ 213، عن تاريخ قم للحسن بن محمد القمي (ق 3) ح 22 و23 وعنه في منتخب الأثر: 263 و443.
(290) الإرشاد للشيخ المفيد: 2/379 وعنه في الفصول المهمة: 302 إثبات الهداة: 3 / 514.
(291) إثبات الهداة: 3 / 496.
(292) تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي: 4/ 300 وكذلك 333، اقبال الأعمال للسيد ابن طاووس: 558، كمال الدين: 653، غيبة الطوسي: 274، عقد الدرر للمقدسي الشافعي: 65، البرهان في علامات مهدي آخر الزمان للمتقي الهندي: 145.
(293) برهان المتقي الهندي: 144.
(294) تفسير العياشي: 1 / 65، اختصاص الشيخ المفيد: 256.
(295) الملاحم والفتن لنعيم بن حماد: 95، عقد الدرر 145، برهان المتقي الهندي: 141، الحاوي للفتاوي الحديثية: 2/ 71، وكتاب اللوائح للسفاريني: 2/ 11.
(296) غيبة الطوسي: 284، وعنه في بحار الأنوار: 52 / 334، واثبات الهداة: 3/517، 518.
(297) مستدرك الحاكم: 4 / 503، القول المختصر لابن حجر: 18، برهان المتقي الهندي: 143، عقد الدرر: 109، معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): 1/449.
(298) فتن ابن حماد: 83 ـ 84، الحاوي للفتاوي: 2 / 67، البرهان: 118.
(299) غيبة النعماني: 315، اثبات الهداة: 3 / 453.
(300) بحار الأنوار: 52 / 308، إثبات الهداة: 3 / 583، 527، 493.
(301) تفسير الطبري، 22: 72، تذكرة القرطبي: 2 / 693، سنن الدارمي: 104، مسند أحمد: 6 / 290، صحيح مسلم: 4 / 2208، سنن أبي داود: 4 / 108، سنن ابن ماجة: 2/ 1351، سنن الترمذي: 4/407، تأريخ البخاري: 5 / 118، سنن النسائي: 5 / 207. وأحاديث الخسف بجيش السفياني كثيرة مروية في الصحاح وغيرها ومن طرق أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً.
(302) تفسير العياشي: 1 / 103، غيبة النعماني: 308، كمال الدين: 672.
(303) تفسير العياشي: 1 / 197، إثبات الهداة: 3 / 549.
(304) غيبة النعماني: 297.
(305) إثبات الهداة: 3 / 469 بالنسبة للمدة الأولى، وتقول رواية لابن حماد: 127 أن ملاحمه تستمر عشرين سنة.
(306) الارشاد: 362، غيبة الطوسي: 280.
(307) دلائل الإمامة: 241، غيبة الطوسي: 283.
(308) صحيح البخاري: 4 / 305، مسلم: 1 / 136، تأريخ البخاري: 7 / 233، سنن ابن ماجة: 2/ 1357، سنن الترمذي: 4/ 512، صحيح البخاري: 3 / 107، فتن ابن حماد: 103 وغيرها كثير مروية من طرق الفريقين.
(309) الدر المنثور للسيوطي: 2 / 350.
(310) أمالي الشجري: 2 / 77.
(311) غيبة النعماني: 232، عقد الدرر للمقدسي الشافعي: 227، تهذيب الأحكام: 6/ 154.
(312) مسند أحمد: 1 / 184، صحيح مسلم: 1 / 130، سنن ابن ماجة: 2/ 1319، الترمذي: 5:18.
(313) فتن ابن حماد: 102، القول المختصر لابن حجر: 7، برهان المتقي: 95.
(314) القول المختصر: 10، الفتوحات المكية لابن عربي: 3/ 332.
(315) إثبات الهداة: 3/ 498.
(316) إثبات الهداة: 3/ 454.
(317) سنن الدارمي: 101، فتن ابن حماد: 98، عقد الدرر: 40، اثبات الهداة: 3/ 527.
(318) راجع الكافي: 1 / 411، إثبات الهداة: 3 / 515.
(319) ملاحم ابن طاووس: 132.
(320) فتن ابن حماد: 98، عقد الدرر: 227.
(321) ابن حماد: 99، الحاوي للسيوطي: 2 / 77.
(322) برهان المتقي الهندي: 78.
(323) ابن حماد: 98، الحاوي: 2 / 83، القول المختصر: 25، عقد الدرر: 36.
(324) ابن حماد: 99، القول المختصر: 5.
(325) الكافي: 1 / 397، إثبات الهداة: 3/ 447.
(326) إثبات الهداة: 2/410.
(327) ابن حماد: 102، الطبراني الأوسط: 1 / 136.
(328) كمال الدين: 411.
(329) ابن حماد، 98، سنن الداني: 101، الحاوي للسيوطي: 2/ 75، لوائح السفاريني: 2/ 2 تاريخ بغداد: 9/ 471، عقد الدرر: 141.
(330) غيبة النعماني: 146.
(331) تاريخ البخاري: 7 / 233، مسلم: 4/ 2253، ابن ماجة: 2/ 1357، الترمذي: 4/ 512.
(332) مسند أحمد: 2 / 240، صحيح مسلم: 2 / 915، مستدرك الحاكم: 2/ 595.
(333) تاريخ البخاري: 1 / 263، الترمذي: 5/ 588.
(334) ابن حماد: 98، ينابيع المودّة للقندوزي: 3/344.
(335) ابن حماد: 99 ـ 100، عقد الدرر: 147، القول المختصر: 24.
(336) ملاحم السيد ابن طاووس: 32.
(337) اثبات الهداة: 3 / 506.
(338) اثبات الهداة: 527.
(339) اثبات الهداة: 516 ـ 517.
(340) إثبات الهداة: 3/ 494.
(341) مسند ابن ابي شيبة: 15 / 199، سنن الدارمي: 101، حاوي السيوطي: 2/ 77.
(342) مسند ابن أبي شيبة: 15/199، سنن الدارمي: 101، حاوي السيوطي: 2/77.
(343) إثبات الهداة: 3/ 449، 455.
(344) إثبات الهداة: 439 ـ 440، 494، 478، 487، وراجع عقد الدرر: 135، الفصول المهمة: 298، كفاية الأثر: 147، ابن حماد: 98، القول المختصر: 34، برهان المتقي: 152.
(345) الكافي: 8/ 227 وعنه في إثبات الهداة: 3/ 450.
(346) الإرشاد: 2/384 وعنه في بحار الأنوار: 52/386 وعنه في اثبات الهداة: 3/544.
(347) اثبات الهداة: 71.
(348) الكافي: 8/ 167، كمال الدين: 672.
(349) مسند أحمد: 3 / 37، ملاحم ابن المنادي: 42، ميزان الاعتدال: 3/ 97.
(350) قرب الإسناد للحميري: 39.
(351) مسند أحمد: 3 / 80.
(352) اثبات الهداة: 3 / 504.
(353) مسند أحمد: 3/ 37.
(354) الغيبة للطوسي: 185، ح 144.
(355) إثبات الهداة: 3 / 448، الكافي: 1 / 25، كمال الدين: 675.
(356) إثبات الهداة: 3/ 450 ـ 451.
(357) راجع مثلاً كمال الدين: 654.
(358) مَن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: 3 / 313، تهذيب الأحكام: 7/ 178.
(359) اثبات الهداة: 3/ 524.
(360) مستدرك الحاكم: 4 / 465، فتن ابن حماد: 99.
(361) غيبة الطوسي: 178، احتجاج الطبرسي: 2 / 471، إثبات الهداة: 3/ 757.
(362) بحار الأنوار: 53/194، معجم أحاديث الإمام المهدي: 4/382.
(363) تفسير العياشي: 1 / 16، معجم أحاديث الإمام المهدي: 4/467.
(364) العنكبوت (29): 1 ـ 2.
(365) كمال الدين: 510، بحار الأنوار: 53/190، معجم أحاديث المهدي: 4/287.
(366) احتجاج الطبرسي: 2 / 498.
(367) احتجاج الطبرسي: 2 / 495.
(368) احتجاج الطبرسي: 2 / 495.
(369) كمال الدين: 483، غيبة الطوسي: 176.
(370) مهج الدعوات للسيد ابن طاووس: 295 الصحيفة المهدية للفيض الكاشاني: 112.
(371) مهج الدعوات: 68.
(372) ضمن صلوات طويلة على النبي وأوصيائه (عليهم السلام)، غيبة الطوسي: 165، الصحيفة المهدية: 53.
(373) مصباح الزائر للسيد ابن طاووس: 327، الصحيفة المهدية: 173، معجم أحاديث المهدي: 4/ 491.