بين يدي القائم (عجل الله فرجه)

بين يدي القائم (عجل الله فرجه)

إعداد: مركز نون للتأليف والترجمة

الفهرس

الدرس الأول: التمهيد لظهور الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)
الدرس الثاني: أنصار الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف)
الدرس الثالث: العلاقة مع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في زمن غيبته
الدرس الرابع: العلاقة مع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في زمن غيبته
خاتمة: في روح العلاقة معه (عجل الله تعالى فرجه)

بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الأول: التمهيد لظهور الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

"... ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا..." من توقيعه (عجل الله تعالى فرجه) الصادر إلى الشيخ المفيد.
مقدمة:
لقد أضحى من المشهور في عصرنا هذا ومن الأمور التي لا يشك فيها عاقل أن هناك نوعين من الانتظار احدهما يعبر عنه بالانتظار السلبي وهو يعني القعود وترك العمل للظروف وحوادث الأيام والثاني هو الانتظار الإيجابي الذي يقترن بالعمل والجهاد وإعداد العدة والاستعداد لظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) المبارك.
وبنظر هؤلاء فإن الإمام إنما غاب نتيجة عدم نضوج الظروف الموضوعية لقيامه بالأمر فالانتظار إذن هو العمل على إنضاج الظروف الموضوعية للمشروع المهدوي بمعنى العمل عل استرجاع الغائب من غيبته ولذا كان التعبير في التوقيع المذكور آنفاً.
"... ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا..."

(٥)

الانتظار يعني العمل والتمهيد، تمهيد الأرض لقيام دولة العدل الإلهي.
وإنه لشرف أعظم الشرف أن يكون المرء فاعلاً في تحقق المشروع الإلهي هذا.
هل تستقيم للإمام (عليه السلام) الأمور بلا عمل؟
والجواب:
عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال له احدهم: إنهم يقولون: إن المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفواً ولا يهريق محجمة دم، فقال (عليه السلام): "كلا، والذي نفسي بيده لو استقامت عفواً لاستقامت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين أدميت رباعيته وشج في وجهه، "كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وانتم العرق والعلق ثم مسح جبهته".
ما أعظمها من رواية تلخص المطلوب لتحقق المشروع الإلهي الأعظم وهي:
1- حضور الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) وقيادته للمشروع... حين قال: ... نحن...
2- وجود انصار مهيأون وجاهزون... قال: ... وانتم...
3- العمل مشترك من القيادة الإمام والقاعدة حيث عبر ب:... نمسح...
4- العمل على نوعين:
أ- جهد وكد وتعب: "... نمسح العرق...
ب- جهاد بما يعني الجرح والقتل: ... نمسح... والعلق...."

(٦)

واللافت ان الإمام استخدم القسم مرتين بالذي نفس المعصوم بيده مكرراً النفي بكلا بعد كلا القسمين الأولى لنفي التوهم الوارد في السؤال عن عدم الحاجة إلى العمل والجهاد للتمهيد والثاني لتأكيد احتياج الأمر إلى جهاد وجهد وبذل دماء.
وهذا يعني وجود افراد على جهوزية عالية عقائدياً ونفسياً وبدنياً ومن حيث الكفاءات لاستقامة أمر القائم (عجل الله تعالى فرجه).
هل الإعداد فردي؟
بمعنى ان المطلوب والكافي هو ان تكون حركة التمهيد حركة فردية أي ان يصلح كل فرد نفسه على حدى أو أن التمهيد عملية جماعية.
بالنظر إلى مشروع الدولة المهدوية نستنتج انه مشروع شمولي يشمل ليس فقط كل البشر بل حتى باقي المخلوقات. ولا يشمل فقط الحياة الفردية بل يشمل النظام العام والحياة العامة من حكومة وأنظمة وغير ذلك.
فالرواية تعبر ب: "... يملؤها قسطاً وعدلاً..."
لا تعني فقط ملء الأمكنة والبلدان بل تشمل نواحي الحياة جميعاً وجميع أشكالها.
وهذا يفترض وجود افراد على كفاءة في كافة هذه الميادين.
ثم إن العقبات التي تحول دون قدومه (عجل الله تعالى فرجه) والتي قد تواجه مشروعه بعد قدومه المبارك ليست أفراداً فقط بل دول وأنظمة وجماعات بل أمم منحرفة وظالمة وطاغية فهل يا ترى يمكن إزالة هذه المعوقات ومجابهتها بشكل فردي...

(٧)

بل حتى الروايات التي تحدثت عن أصحابه تحدثت عنهم بأنهم واجدون لكل ما يطمح إليه فهو لا يحتاج بعد ظهوره إلى إعادة إعدادهم وقد كان التعبير ب"... ويكفونه ما يريد فيهم...".
فإذن تحصل ان التمهيد عمل جماعي ومن جملة حركة التمهيد إعداد وتجهيز الأصحاب.
من الذي يقوم بقيادة عملية التمهيد؟
إذا كانت عملية التمهيد عملية جماعية فهي تحتاج إلى أجهزة كما تحتاج افراداً، وهي بما انها مشروع جماعي تفرض وحدة والوحدة تفترض قيادة موحدة. ولننظر ما يقوله التوقيع الشريف: "لو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا...".
المكاتبة تتحدث عن شرط الظهور وهو اجتماع القلوب وهو عين معنى الوحدة والاجتماع وقوام الوحدة الوفاء بالعهد للإمام (عجل الله تعالى فرجه) اي اجتماع على قضية المهدي (عجل الله تعالى فرجه).
ومن نافل القول ان الانتماء العقائدي لا يكفي لأنه لو كان هو الشرط لكان الخروج من زمن قديم بل إن الوحدة والاجتماع هما في اطار العمل وصب الجهد في مشروع التمهيد لا بشكل عشوائي بل بشكل منظم له قيادة وله نظام فمن هو قائد هذه الحركة وهذا النظام.
"أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا..."
القائد لحركة الممهدين هو الولي الفقيه، فالولي الفقيه هو قائد

(٨)

هذه الحركة الجماعية والموحدة التي تحمل توقاً إلى الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) وهو الذي يقوم برعاية الجماعات والأفراد والأجهزة والمؤسسات التي تعمل على التهيؤ لاستقبال واستقدام الإمام من غيبته بما يحتاج اليه من افراد واجهزة ومؤسسات ذوي كفاءة ومهارات وجهوزية للشروع في الحركة الإصلاحية اولاً للعالم تحت لواء الإمام (عجل الله تعالى فرجه) ثم بناء وادارة دولة العدل الإلهي على كل الأرض وقد ورد في صفتهم ودورهم: "... هم النجباء والقضاة والحكام...".
ويكفي في الختام ان نقرأ الرواية الواردة عن الإمام الرضا في حق العلماء:
"لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين اليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك ابليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي احد إلا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضفعاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها اولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل".... لاحظ إشارة الرواية إلى قيادة هؤلاء حيث شبههم الرضا (عليه السلام) بربان السفينة.

والحمد لله رب العالمين

(٩)

الدرس الثاني: أنصار الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

هل نحن من أنصار الحجة (عجل الله تعالى فرجه)؟
إِن نصرة صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) والانضواء تحت لوائه والتشرف بخدمته توفيق إلهي.
فالحضور في ساحة الإمام والقتال بين يديه ونصرته، يحتاج إلى لياقة من نوع خاص وإعداد متميز، تتناسب مع طبيعة الأهداف الكبرى. يقول الإمام الباقر (عليه السلام): "فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره".
ويمكن أن نرصد ومن خلال الروايات والآثار طبيعة هذه المواصفات ليتشرف الإنسان بخدمة الإمام (عجل الله تعالى فرجه) والقتال بين يديه.
كيف نكون من أنصار الحجة (عجل الله تعالى فرجه)؟
يمكن أن نتلمّس مواصفات أنصار الحجة من خلال الروايات التالية:
الفداء والطاعة:
عن الصادق (عليه السلام) في وصف أنصاره (عجل الله تعالى فرجه) قال: "يَقُوْنَه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد فيهم.. ينصر الله بهم إمام الحق".
النشاط في العبادة والجهاد:
ورد في الحديث: "رجال لا ينامون الليل لهم دوي كدوي النحل،

(١٠)

يبيتون قياما على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار، وهم من خشية الله مشفقون".
تمني الشهادة:
عن الصادق (عليه السلام) قال: "يدعون بالشهادة ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله".
الإلتزام بالنظام:
ويشير إلى ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من أنه قال فيهم: "الزي واحد، واللباس واحد، كأنما اباؤهم أب واحد".
الثبات على الأمر:
عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: "ورجال كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات الله، اشد من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها".
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "والله ليغيبن إمامكم سنينا من دهركم، ولتمحصن حتى يقال: مات أو هلك بأي واد سلك..".
وقال رسول الله صلى الله عليه و آله: "إن عليا وصيي ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا، إن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر، فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة؟ قال (صلّى الله عليه وآله): أي وربي (وَلِيُمَحِّصَ الله الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) (آل عمران/141)، يا جابر إن هذا لأمر من أمر الله، وسر من سر الله، من سر علته مطوية عن عباده فإياك والشك، فإن الشك في أمر الله عز وجل كفر".

(١١)

الإخلاص والتسليم:
سئل الإمام محمد التقي (عليه السلام): لم سمي القائم؟ فقال: "لأنه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته. فقيل له: ولم سمي المنتظر؟ فقال: لأن له غيبة يكثر أيامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب بها الوقاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون".
الصبر على الأذى:
عن سيد الشهداء (عليه السلام): "أما أن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)".
الانتظار:
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "أفضل العبادة الصبر وانتظار الفرج".
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم في فسطاطه".
خاتمة
وانت أيها العزيز انظر إلى هذه المواصفات العالية لأصحاب الإمام ولنقس كم لدينا من نسبة مئوية إلى هذه الصفات. لا شك ان هؤلاء لم يحصلوا على هذه الصفات ولم يتحلوا بها الا بعد عمل دؤوب وكد وجهاد نفس ومعاناة وإذا كانت الجائزة هي صحبة ونصر مولانا صاحب العصر والزمان والمهر هذه الصفات فلا يغلو في سبيل ذلك ثمن.

(١٢)

الدرس الثالث: العلاقة مع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في زمن غيبته (1)

عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام):
"اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم اعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني".
مقدمة:
إن هذا الدعاء يتحدث عن اول واجبات العلاقة مع الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) المقدم على كل واجب منها الا وهو معرفة الإمام التي لا تكون الا بتوفيق وتيسير من الله وبتوسط معرفة الله ورسوله.
"لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها".
إن أي علاقة مع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) انما تختلف بعمقها وسموها بحسب نوع المعرفة وعمقها ودرجتها.
"من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية".
والواجب ان تكون علاقتنا به علاقة مأموم بإمام يرجع إليه في كل تفاصيل حياته وهناك آداب ذكرتها الروايات الشريفة سنقتصر

(١٣)

على ذكر ثلة منها قدمناها على غيرها للحاجة وللأهمية وهي كما يلي:
1- مواساته في غيبته تألماً وبكاءً والتشوق لرؤيته:
وهذه الآداب مما تواترت بها الروايات والأدعية والزيارات عن أئمة الهدى.
والتي تؤكد في النفس شدة تألمه هو نفسه من طول غيبته وغربته الموجبة لتألم وتحرق محبيه مواساتاً له فمن دعاء الندبة نقرأ:
"عزيز علي ان ارى الخلق ولا ترى، ولا اسمع لك حسيساً ولا نجوى، عزيز علي ان لا تحيط بي دونك البلوى...".
وهذا يومئ إلى ضرورة تأصيل ليس فقط الحرقة والغصة والألم لفراقه وطول غيابه بل المشاركة له في تحمله الم الفراق لأنه اشد شوقاً إلى الإياب من غيبته من اي مشتاق اخر ولذا هو اشد الماً من اي متألم اخر. ويفترض ان تكون هذه الشكوى وهذا الألم والبكاء بشكل جماعي ومشترك:
"...هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء، هل من جزوع فأساعد جزعه إذا خلا، هل قذيت عين فساعدتها عيني على القذى".
ولقد كان أئمة أهل البيت يتحرقون شوقاً اليه ويتألمون من غيبته فهذا امير المؤمنين علي (عليه السلام) يضرب عند ذكره له على صدره قائلاً "هاه" من شدة شوقه، وهذا صادق أهل البيت (عليهم السلام) يناديه ملتاعاً متألماً:
"سيدي غيبتك نفت رقادي، وضيقت علي مهادي، وابتزت مني راحة فؤادي سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، فقد الواحد بعد

(١٤)

الواحد يفني الجمع والعدد فما احس بدمعة ترقى من عيني وانين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا...".
فاذا كان هذا حال أئمة الهدى فما بالنا لا نردد بالقلب قبل اللسان:
"اللهم ارني الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة واكحل ناظري بنظرة مني اليه..."
ولعلنا نستطيع ان نعد من ايات الشوق لرؤية طلعته البهية في دعاء الندبة أكثر من ثلاثين فقرة ينادي بها الدعاء اين... اين... اين.
وهي امنية الشائق:
"...بنفسي انت امنية شائق يتمنى من مؤمن ومؤمنة إذا حنا".
2- الصلاة عليه والدعاء له بالفرج:
وهذا ايضاً مما تمتلئ به نصوص العترة الطاهرة على اختلافها فمن دعاء الإفتتاح:
"اللهم وصل على ولي امرك القائم المؤمل والعدل المنتظر...".
والدعاء نفسه أيضاً فيه فقرات عظيمة من الدعاء بفرجه.
وفي غير دعاء الإفتتاح نقرأ:
"وصل على الخلف الصالح الهادي المهدي... اللهم وصل على وليك المحي سنتك القائم بأمرك الداعي إليك والدليل عليك...".
3- التوسل به في المهمات وطلب الحوائج:
إن الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) هو ولي الله في ارضه وعين الله في خلقه وهو بقية الباب المبتلى به الناس وقد وود في دعاء الندبة: "...أين باب الله

(١٥)

الذي منه يؤتى، أين وجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء، أين السبب المتصل بين اهل الأرض والسماء...".
وقد ورد ايضاً عن الامام الرضا (عليه السلام): "إذا نزلت بكم شدة فاستعينوا بنا على الله عز وجل وهو قوله: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها".
ولقد كانت سيرة العلماء والعرفاء انهم إذا اهمهم امر ونزلت بهم حاجة او ضائقة توسلوا بأهل بيت العصمة لا سيما حجة الله (عجل الله تعالى فرجه) لطلب الفرج.
ونذكر في هذا الإطار حادثة: "في أثناء حرب عناقيد الغضب التي شنها الصهاينة على المقاومة الإسلامية وبعد تفاقم الأمور واشتدادها وشعور الإمام الخامنئي بالخطر الشديد قام دام ظله الوارف بالانتقال في احدى الليالي تلك من مقر اقامته في طهران إلى مسجد جمكران بالقرب من قم المقدسة واخذ يصلي ليلتها ويتوسل إلى الله بالإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) ليحفظ وينصر المقاومة فلم يتأخر الأمر الإلهي بفضل الله والطاف صاحب العصر والزمان".
فهذا الإمام القائد يقطع المسافات ليصلي وليتوسل بالإمام في الأمور الخطيرة والمهمة فما بالنا لا نتأسى به.
وقد ورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هذا التوسل:
"اللهم اني أسألك بحق وليك وحجتك صاحب الزمان الا اعنتني به على جميع اموري...".

(١٦)

الدرس الرابع: العلاقة مع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في زمن غيبته (2)

"... هل من سبيل اليك يا ابن احمد فتلقى..." من دعاء الندبة
مقدمة
ذكرنا في الدرس السابق نزراً من اداب العلاقة مع الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) وفيما يلي نكمل ما بدأناه.
1- السعي والتشوق للتشرف بخدمته:
ولعل ذلك من أفضل الأعمال بل إن التشرف بخدمته (عليه السلام) هو مقام واي مقام من خلال نشر معرفته والإيمان به وبحتمية ظهوره والتمهيد والتوطئة له وإعداد النفس والناس لنصرته وهذا المقام من الشرف والعظمة بحيث يتمنى الإمام الصادق ان يناله فقد أجاب رداً على من سأله عن ولادة القائم (عجل الله تعالى فرجه).
"لا، ولو ادركته لخدمته مدة حياتي".
الامام الصادق (عليه السلام) يطمح ويتمنى ويرجو خدمة الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) خدمة تستغرق حياته الشريفة وكأنها عبادة لا تقاربها عبادة فضلاً وشرفاً، فماذا يبقى لأمثالنا ان يتمنى...

(١٧)

2- الشكوى اليه والاستعانة به على قضاء الحوائج:
ورد في ذلك صلاة خاصة تسمى صلاة الاستغاثة بالحجة.
وهذه عادة المؤمنين على طول عهد الأئمة صلى الله عليه و آله ان يرجعوا إليهم في ما يعتريهم من مهمات الأمور حيث كانوا يبثونهم شكاواهم مشافهة أو عبر الكتب.
كتب رجل إلى ابي الحسن (عليه السلام): "ان الرجل يحب ان يفضي إلى امامه ما يحب أن يفضي به إلى ربه قال الرجل: فكتب (عليه السلام): "إذا كانت لك حاجة فحرك شفتيك فإن الجواب يأتيك".
3- إعداد النفس وإصلاحها:
وإعداد النفس له (عجل الله تعالى فرجه) يشمل تهذيبها وتكميلها بترك المحرمات والإقبال على الطاعات والتحلي بالأخلاق الحميدة كما يشمل الاستعداد البدني والتجهز لنصرته فقد ورد انه (عليه السلام) يطلع على اعمال شيعته كل اثنين وخميس... فماذا سيكون موقفنا إذا ما كان فيما يرفع من أعمالنا ما يؤذيه ويسيئه واي حزن سندخله على قلبه الشريف إذا ما خيبنا امله فينا بسبب سوء اعمالنا الا تكفيه غربته هماً حتى نزيد همه.
وقد ورد في التوقيع الشريف الصادر منه إلى الشيخ المفيد:
"...فما يحبسنا عنهم الا ما يتصل بنا مما نكرهه، ولا نؤثره منهم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل".
يا الله... الإمام يستعين بالله على مصابه بانحراف شيعته وارتكابهم الذنوب ولعلها اسهم مسمومة تصيب قلبه الشريف فيا ايها

(١٨)

العزيز انت بالخيار بين أن ترمي إلى قلب الحجة (عجل الله تعالى فرجه) والعياذ بالله سهما او ان تدخل في هذا القلب فرحة!!!
فعن صادق اهل البيت (صلّى الله عليه وآله): "من سره ان يكون من اصحاب القائم (عجل الله تعالى فرجه): فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق..."
وفي الشأن الثاني من الإعداد أي الإعداد الجهادي فهذا يتضمن مراتب من الجهوزية النفسية والبدنية والتنظيمية فما اروع ما ينقل لنا التاريخ من ان بعض الشيعة لشدة يقينهم وشوقهم لرؤيته كانوا ينامون وسيوفهم تحت مضاجعهم... وقد روي كذلك في الإعداد النفسي عن الإمام الصادق (عليه السلام):
"إن القائل منكم إذا قال: "إن ادركت قائم ال محمد نصرته"، كالمقارع معه بسيفه والشهادة معه شهادتان".
بل إن للشوق لنصرته مرتبة أرقى تشمل حتى ما بعد الموت:
"فأخرجني من قبري مؤتزرا كفني شاهراً سيفي مجرداً قناتي ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي".

خاتمة: في روح العلاقة معه (عجل الله تعالى فرجه)

إن المستحبات التي ذكرتها الكتب المختصة حول اداب العلاقة مع الإمام القائم (عجل الله تعالى فرجه) أكثر بكثير مما ورد في هذا الدرس. لكن ما يستوقف المتأمل لهذه الآداب من أدعية وصلوات وزيارات وغير ذلك هو أنها تفرض العلاقة على انها مع شخص بعينه فلان بن فلان موجود وليس حالة او مشروع او فكرة ما فهو بالاسم ابن الإمام العسكري

(١٩)

معروف تاريخ ولادته وغيبته وهي علاقة مع حي يسمع ويرى ويرد ويعمل ويعبد ويقرأ وينادي..."السلام عليك حين تقوم... حين تقعد... حين تقرأ... حين تبين... الخ".
ولذا فان روح العلاقة هو ان تؤمن بحضوره ومخاطبته كحي حاضر وشخص ولعل ما يستوقف المتأمل ايضاً في دعاء الندبة:"...بنفسي أنت من مغيب لم يخل منا، بنفسي أنت من نازح ما نزح عنا...".
فمن الغائب يا ترى؟!! ومن المنتظر يا ترى...
نحن الغائبون وهو المنتظر.
"انا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه فلا تطلب أثراً بعد عين يا احمد ابن اسحاق".
ولك ان تضع مكان احمد بن إسحاق اسم من شئت!!

(٢٠)