كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار
تأليف: أستاذ الفقهاء في عصره ووحيد دهره خاتمة المحدثين الحاج الميرزا حسين النوري الطبرسي
قدم له: العلامة السيد علي الحسيني الميلاني
إصدار مكتبة نينوى الحديثة - طهران
الطبعة الثانية 1400هـ - مطبعة الخيام - قم
الفهرس
مقدمة العلامة السيد علي الميلاني..................3
ترجمة مؤلف الكتاب..................22
مقدمة الناشر..................29
مقدمة مؤلف الكتاب..................33
القصيدة الرائية لأحد علماء السنة..................35
(الفصل الأول) في الاختلاف في ولادة المهدي من وافق الإمامية من السنة في ولادة الحجة..................37
الأول: ابن طلحة..................40
الثاني: أبو عبد الله الكنجي..................42
الثالث: ابن الصباغ المالكي..................43
الرابع: سبط ابن الجوزي..................45
الخامس: محي الدين ابن عربي..................46
السادس: عبد الوهاب الشعراني..................47
السابع: الشيخ حسن العراقي..................50
الثامن: الشيخ علي الخواص..................52
التاسع: نور الدين الجامي..................53
العاشر: خواجه بارسا البخاري..................57
الحادي عشر: الحافظ أبو الفتح..................59
الثاني عشر: عبد الحق الدهلوي..................62
الثالث عشر: جلال الدين النيسابوري..................64
الرابع عشر: ابو محمد البلاذري..................65
الخامس عشر: ابن الخشاب البغدادي..................68
السادس عشر: ملك العلماء الهندي..................69
السابع عشر: علي المتقي الهندي..................71
الثامن عشر: ابن روزبهان..................73
التاسع عشر: الناصر لدين الله العباسي..................75
العشرون: الشيخ سليمان القندوزي..................76
الحادي والعشرون: الشيخ أحمد الجامي..................76
الثاني والعشرون: صلاح الدين الصفدي..................77
الثالث والعشرون: بعض المصريين..................77
الرابع والعشرون: الشيخ عبد الرحمن البسطامي..................78
الخامس والعشرون: المولوي علي أكبر المؤودي..................79
السادس والعشرون: العارف عبد الرحمن..................81
السابع والعشرون: القطب المدار..................83
الثامن والعشرون: القاضي جواد الساباطي..................84
التاسع والعشرون: الشيخ سعد الدين الحموي..................85
الثلاثون: الشيخ عامر البصري..................87
الحادي والثلاثون: صدر الدين القونوي..................88
الثاني والثلاثون: جلال الدين الرومي..................91
الثالث والثلاثون: الشيخ عطار..................91
الرابع والثلاثون: شمس الدين التبريزي..................92
الخامس والثلاثون: السيد نعمة الله الولي..................92
السادس والثلاثون: السيد النسيمي..................93
السابع والثلاثون: السيد علي الهمداني..................93
الثامن والثلاثون: عبيد الله المطيري المدني..................93
التاسع والثلاثون: سراج الدين الرفاعي..................94
الأربعون: الشيخ محمد الصبان المصري..................95
(الفصل الثاني) في الشبهات التي تضمنتها القصيدة..................155
الشبهة الأولى: انتشار الظلم في الأرض..................157
الشبهة الثانية:..................201
(خاتمة الكتاب) بعض المفتريات والرد عليها..................209
(ملحق الكتاب) ثلاث قصائد..................241
مقدمة السيد محمد مهدي الصدر..................243
كلمة كاشف الغطاء..................245
قصيدة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء..................247
حياة الشيخ محمد جواد البلاغي..................259
قصيدة الشيخ البلاغي..................263
حياة السيد محسن الأمين العاملي..................269
قصيدة السيد الأمين..................273
بقلم العلامة السيد علي الحسيني الميلاني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، لاسيّما الإمام الثاني عشر الحجة المنتظر (عليه السلام)، ولعنة الله على أعادئهم أجمعين.
وبعد - فقد طلب مني الأخ علي الدبستاني النجفي ناشر هذا الكتاب أن أكتب له مقدمة مختصرة حول موضوعه ومؤلفه، فأجبت طلبه تشجيعاً لعمله، ورغبة مني في نشر أمثال هذا الكتاب في هذا الزمان، فأقول وبالله التوفيق:
إن الحديث عن الإمام المهدي (عليه السلام) متشعب الأطراف كثير الجوانب فهو بحث قديم عني به المسلمون منذ صدر الإسلام حتى يومنا هذا، وتناولته أفكار العلماء وأقلامهم بالأخذ والرد والتحقيق والتمحيص على ضوء آيات القرآن الكريم والأحاديث الواردة عن النبي العظيم (صلى الله عليه وآله).
وذلك... لأن الاعتقاد بـ (المهدي) يعد من الضروريات التي يجب على كل مسلم الإذعان بها والتسليم لها.
فأما الآيات المؤولة به فقد تعد بالعشرات من آيات القرآن في مختلف سوره المباركة، وقد أفردها بعض المحدثين بالتأليف كالعلامة السيد هاشم البحراني في كتاب (المحجة في ما نزل في الحجة).
وأمّا الأحاديث الواردة في شأنه فتعد بالمئات بل الألوف، وقد جمعت في كتب تخصها من قبل طائفة من علماء الخاصة والعامة، كالسيوطي في (العرف الوردي) والمتقي الهندي في (البرهان) والكنجي الشافعي في (البيان) وأبي نعيم الأصبهاني في (الأربعين) والسلمي في (عقد الدرر) من العامة.
وكالشيخ الطوسي في (كتاب الغيبة) والشيخ المجلسي في (بحار الأنوار) والصافي في (منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر) من الخاصة.
والكتب الؤلفة في أخباره وفضائله كثيرة جداً، وقد انتشر أخيراً فهرس لما ألف حول المهدي من مخطوط ومطبوع حتى الآن.
ولقد شذ عن المسلمين من شك أو أنكر أمر (المهدي).
* * *
ثمّ أن البحوث المتعلقة بهذا الموضوع يمكن تقسيمها إلى القسمين التاليين:
1 - ما هو حول شخص (المهدي) ونسبه وملامحه الذاتية وما يتعلق بذلك.
2 - ما هو حول ما يكون عند ظهوره، وحروبه، وإمامته، والأحكام على عهده، ومعجزاته، وما يتعلق بذلك.
ولا شك في أن القدر الضروري الذي يجب الاعتقاد به هو معرفة شخص (المهدي) من حيث نسبه - بالذات - لأنه الحجر الأساس لجميع هذه البحوث والقضايا واللاحقة.
فهل هو من هذه الأمة أو من غيرها؟
وعلى الأوّل هل هو من أهل البيت (عليهم السلام) أولا؟
وإذا كان منهم فهل هو من ولد فاطمة الزهراء (عليها السلام) أو من غيرها؟
وإذا كان من ولدها فهل هو من ولد الحسن أو الحسين (عليهما السلام)؟
لقد أجمع المسلمون على أن (المهدي) من هذه الأمة، فلا يصغى إلى ما رواه بعض العامة - بطريق الآحاد - من أنه عيسى بن مريم المسيح.
وأجمعوا على أنه من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، فلا وزن لما رواه بعض العامة - بطريق الآحاد كذلك - من أنه من ولد العباس به عبد المطلب.
كما لا مستند لما ذهب إليه شرذمة من كونه من ولد محمد بن أمير المؤمنين على (عليه السلام) المعروف بابن الحنفية.
فهو... من أهل البيت، ومن ولد علي من فاطمة، فهل هو من ولد الحسن أو الحسين؟
لقد ورد خبر واحد - زعم صحته - يفيد أن (المهدي) من ذرية الحسن بن علي، وبه أخذ نفر من علماء أهل السنة.
والمشهور - رواية وقولاً - هو أنه من ولد الحسين السبط الشهيد، وعليه إجماع الطائفة الاثني عشرية منذ القرون الأولى حتى اليوم.
وإذا كان من ولد الحسين، فمن أي ولده؟
قالت الشيعة: إنه ابن الإمام الحسن العسكري بن الإمام علي الهادي بن الإمام محمد الجواد بن الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي السجاد بن الإمام الحسين الشهيد عليه الصلاة والسلام.
فهو آخر الأئمّة الإثني عشر، وقد ولد سنة 255 هـ، وتوفي والده وله من العمر خمس سنوات، فهو حي موجود غائب عن الأبصار.
واستدلوا على اعتقادهم هذا بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة من الكتاب والسنة العقل والإجماع.
ولقد وافق الإمامية - على هذا الاعتقاد - كثير من علماء أهل السنة وغيرهم ودلت عليه أخبارهم، بل أنه المشهور بين جميع المسمين كما تقدم، إذ قد اعترف بولادة الإمام (عليه السلام) طائفة كبيرة منهم وصرحوا بحياته منذ ولادته وبوجوده إلى أن يأذن الله تعالى له بالظهور.
وقد ذكر في هذا الكتاب (كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار) نصوص عبارات أكثر من أربعين رجل من حفاظ أهل السنة ومشاهير عرفائهم وعلمائهم في هذا الباب، وهم:
1 - كمال الدين بن طلحة الشافعي.
2 - محمد بن يوسف الكنجي الشافعي.
3 - ابن الصباغ المالكي.
4 - سبط بن الجوزي.
5 - الشيخ محي الدين بن عربي.
6 - الشيخ عبد الوهاب الشعراني.
7 - الشيخ حسن العراقي.
8 - الشيخ علي الخواص.
9 - الشيخ عبد الرحمن الجامي.
10 - الحافظ محمد البخاري.
11 - أبي الفوارس الرازي.
12 - الشيخ عبد الحق الدهلوي.
13 - السيد جمال الدين المحدث.
14 - الحافظ أحمد البلاذري.(1)
15 - ابن الخشاب البغدادي.
16 - ملك العلماء الدولت آبادي.
17 - الشيخ علي المتقي الهندي.
18 - ابن روزبهان الشيرازي.
19 - الناصر لدين الله العباسي.
20 - الشيخ سلميان القندوزي.
21 - الشيخ أحمد الجامي.
22 - صلاح الدين الصفدي.
23 - بعض الصريين من مشايخ إبراهيم القادري.
24 - الشيخ بعد الرحمن البسطامي.
25 - الشيخ علي أكبر المؤودي.
26 - الشيخ عبد الرحمن صاحب مرآة الأسرار.
27 - الشيخ قطب مدار.
28 - الشيخ جواد الساباطي.
29 - الشيخ سعد الدين الحموي.
30 - عامر البصري.
31 - الشيخ صدر الدين القونوي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا غير البلاذري صاحب أنساب الأشراف. فما ذكرناه في (الإمام الثاني عشر) سهو.
32 - الشيخ جلال الدين الرومي.
33 - الشيخ العطار النيسابوري.
34 - الشيخ شمس الدين التبريزي.
35 - الشيخ نعمة الله ولي.
36 - السيد النسيمي.
37 - السيد علي الهمداني.
38 - الشيخ عبد الله المطيري.
39 - السيد سراج الدين الرفاعي.
40 - الشيخ محمد الصبان المصري.
ثم ذكر كلام الخوارزمي المكي وصدر الدين الحمويني.
* * *
وقد ذكرنا نحن في كتاب (الإمام الثاني عشر)(2) ثلاثة وأربعين رجلاً ذكر المؤلف رحمه الله أكثرهم، وأما الذين لم يذكرهم فهم.
1 - رشيد الدين الدهلوي. تلميذ صاحب التحفة الاثنا عشرية.
2 - الشيخ ولي الله الدهلوي. والد صاحب التحفة.
3 - الحافظ شمس الدين ابن الجزري الشافعي.
4 - الحافظ عبد الرحمن السيوطي الشافعي.
5 - الحافظ محمد بن مسعود البغوي.
6 - شهاب الدين بن حجر المكي صاحب الصواعق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) الإمام الثاني عشر تأليف العلامة الحجة المرحوم السيد محمد سعيد الموسوي آل صاحب عبقات الأنوار. قدم له وعلق عليه علي الحسيني الميلاني. ط مطبعة القضاء بالنجف الأشرف 1393 هـ .
7 - الشيخ محمد بدر الدين الرومي الحنفي صاحب شرح البردة.
8 - السيد مؤمن الشبلنجي صاحب نور الأبصار.
9 - المؤرخ ابن الأزرق.
10 - الشيخ عمر بن الوردي صاحب تتمة المختصر في أخبار البشر.
11 - الحافظ أبو بكر البيهقي.
12 - الشيخ علي القارئ الهندي صاحب المرقاة في شرح المشكاة.
13 - الحسين بن معين الدين الميبدي شارح ديوان أمير المؤمنين.
* * *
ثمّ إنا من خلال مطالعاتنا منذ ذلك الحين وجدنا المصرّحين بولادة الإمام المهدي (عليه السلام) أكثر من هذا العدد بكثير، ومن الأسماء التي سجلناها حتى الآن:
1 - ابن خلكان الشافعي المؤرخ.
2 - القرماني المؤرخ صاحب أخبار الدول.
3 - الزرندي صاحب نظم درر السمطين.
4 - الشيخ يوسف بن يحيى بن علي الشافعي.
5 - الشيخ حسن العدوي الحمزاوي.
6 - الشيخ شمس الدين بن طولون صاحب الشذور الذهبية.
7 - أبو عبد الله زين الكافي.
8 - الشيخ حسن العجيمي.
9 - الحافظ جمال الدين الباهلي.
10 - الشيخ محمد الحجازي الواعظ.
11 - الحافظ أبو نعيم رضوان العقبي.
12 - الإمام جمال الدين محمد بن محمد الجمال.
13 - الشيخ إسماعيل بن مظفر الشرازي.
14 - الشيخ عبد السلام بن أبي الربيع الحنفي.
15 - الشيخ أبو بكر عبد الله بن شابور القلانسي.
16 - الحافظ محب الدين بن النجار صاحب ذيل تاريخ بغداد.
17 - علي بن الحسين المسعودي المؤرخ صاحب مروج الذهب.(3)
18 - يحيى بن سلامة الحصكفي.
19 - ابن الأثير الجزري صاحب الكامل في التاريخ.
20 - أبو الفداء الأيوبي المؤرخ صاحب المختصر في أخبار البشر.
21 - علاء الدولة السمناني.
22 - أبو الوليد محمد بن شحنة الحنفي المؤرخ.
23 - محمد خواند أمير صاحب روضة الصفا.
24 - خواند أمير صاحب حبيب السير.
25 - الحسين بن محمد الدياربكري المؤرخ صاحب الخميس.
26 - الشيخ ابن العماد الحنبلي صاحب شذرات الذهب.
27 - الشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي صاحب الإتحاف بحب الأشراف.
28 - الشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب التحفة.
29 - الشيخ عبد الكريم اليماني.
30 - القاضي بهلول بهجت أفندي.
* * *
وإذ قد عرف شخص الإمام المهدي (عليه السلام) وثبت وجوده غائباً عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) ذكره السبكي في طبقات الشافعية 2/ 307.
الأبصار، جاء دور الأسئلة التي تثار حول الموضوع بطبيعة الحال، فيقال مثلا: هل يمكن أن يعيش الإنسان هذه المدة الطويلة؟
ولكن هذا السؤال ليس إلا استبعاداً محضاً، وقد أجيب عنه بالأجوبة الكافية المستندة إلى الكتاب والسنة، وعلى ضوء السير والتواريخ والعلوم في الكتب المفصلة.
ولماذا غاب؟
وهذا سؤال آخر أجابوا عنه في الكتب المؤلفة حول المهدي (عليه السلام)، وهو أيضاً من بحوث هذا الكتاب.
ومتى يظهر؟
وهذا سؤال ثالث، ولكن لا يتقدم به من له أدنى خبرة بالأخبار والأحاديث الواردة في شأن المهدي والمدونة في الكتب المعتبرة عن رسول الله، فلقد ورد الجواب عن هذا السؤال في طائفة من تلك الروايات.
وهناك وجوه أخرى من الجواب، وقد تعرض إلى بعضها في هذا الكتاب.
وما الفائدة من إمام غائب؟
والجواب: إن لوجوده (عليه السلام) أنواعاً من النفع العام لجميع الخلائق وللمؤمنين به، إلى غير ذلك من المنافع المادية والمعنوية المترتبة على وجوده (عليه السلام)، وقد ذكر المؤلف بعضها في هذا الكتاب.
وأين يعيش؟
لقد نسب علماء أهل السنة وكتّابهم إلى الشيعة الاعتقاد بأنه غاب في السرداب بمدينة (سامراء)، قال الذهبي: (... هو منتظر الرافضة الذين يزعمون أنه المهدي وأنه صاحب الزمان وأنه الخلف الحجة، وهو صاحب السرداب بسامراء...).(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) تاريخ الإسلام.
وربما جعلوا السرداب في مدينة (الحلة).
وقال آخر: أنه في (بغداد).
وربما أضافوا إلى هذا الاعتقاد المزعوم أكاذيب أخرى، قال ابن خلدون: (يزعمون أن الثاني عشر من أئمّتهم - وهو محمّد بن الحسن العسكري ويلقبونه بالمهدي - دخل في السرداب بدارهم بالحلة وتغيب حين اعتقل مع أمه وغاب هناك، وهو يخرج آخر الزمان فيملأ الأرض عدلاً، يشيرون بذلك إلى الحديث الواقع في كتاب الترمذي في المهدي، وهم إلى الآن ينتظرونه ويسمونه المنتظر لذلك، ويقفون في كل ليلة بعد صلاة المغرب بباب هذا السرداب وقد قدموا مركباً فيهتفون باسمه ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم ثم ينفضون ويرجئون الأمر إلى الليلة الآتية وهم على ذلك لهذا العهد).(5)
والواقع أن (فرية السرداب أشنع وإن سبقه (القصيمي) إليها غيره من مؤلفي أهل السنة، لكنه زاد في الطنبور نغمات بضم الحمير إلى الخيول وادعائه اطراد العادة في كل ليلة واتصالها منذ أكثر من ألف عام.
والشيعة لا ترى أن غيبة الإمام في السرداب ولا هم غيبوه فيه ولا أنه يظهره منه، وإنما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنه يظهر بمكة المعظمة تجاه البيت، ولم يقل أحد في السرداب أنه مغيب ذلك النور، وإنما هو سرداب دار الأئمة بسامراء، وأن من المطرد إيجاد السراديب في الدور وقاية من قايظ الحر، وإنما اكتسب هذا السرداب بخصوصه الشرف الباذخ لانتسابه إلى أئمة الدين، وأنه كان مبوءاً لثلاثة منهم كبقية مساكن هذه الدار المباركة، وهذا هو الشأن في بيوت الأئمة (عليهم السلام) ومشرفهم النبي الأعظم في أي حاضرة كانت، فقد أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) المقدمة 352.
وليت هؤلاء المتقولين في أمر السرداب اتفقوا على رأي واحد في الأكذوبة حتى لا تلوح عليها لوائح الافتعال فتفضحهم، فلا يقول ابن بطوطة في رحلته 2/ 198: أن هذا السرداب المنوه به في الحلة، ولا يقول القرماني في أخبار الدول: أنه في بغداد، ولا يقول الآخرون: أنه بسامراء. ويأتي القصيمي من بعدهم فلا يدري أين هو فيطلق لفظ السرداب ليستر سوأته...).(6)
أقول: بل أن الاعتقاد ببقائه في السرداب من معتقدات بعض كبار حفاظ أهل السنة، فقد نص الحافظ الكنجي الشافعي المتوفي سنة 658 على ذلك وأجاب عن إنكار بقائه فيه بوجهين، وهذا نص كلامه:
(وأما الجواب عن إنكارهم بقاءه في سرداب من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه فعنه جوابان:
أحدهما: بقاء عيسى (عليه السلام) في السماء من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه وهو بشر مثل المهدي (عليه السلام)، فكما جاز بقاؤه في السماء والحالة هذه فكذلك المهدي (عليه السلام) في السرداب.
فإن قلت: أن عيسى (عليه السلام) يغذيه رب السماء من خزائن غيبه.
قلت: لا تفنى خزائنه بانضمام المهدي (عليه السلام) إليه في غذائه.
فإن قلت: أن عيسى خرج عن طبيعته البشرية.
قلت: هذا يحتاج إلى توفيق ولا سبيل إليه.
والثاني بقاء الدجال في الدير على ما تقدم بأشد الوثائق مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبه بالحديد، وفي رواية: في بئر موثوق. وإذا كان بقاء الدجال ممكناً على الوجه المذكور من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه فما المانع من بقاء المهدي مكرماً من غير الوثائق؟ إذ الكل في مقدور الله تعالى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) الغدير 3: 308 - 309.
فثبت أنه غير ممتنع شرعاً ولا عادة).(7)
فكأن اختفاء الإمام وبقاءه (عليه السلام) فيه أمر مسلم مفروغ عنه عند الحافظ الكنجي وأنما الكلام في طعامه وشرابه!
ومما يؤكد ما ذكرنا قول الشيخ الأربلي الإمامي المتوفي سنة 693 بعد نقله هذا الكلام عن الحافظ الكنجي: (فأما قوله: أن المهدي (عليه السلام) في سرداب وكيف يمكن بقاؤه من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه؟ فهذا قول عجيب وتصور غريب، فإن الذي أنكروا وجوده (عليه السلام) لا يوردون هذا، والذين يقولون بوجوده لا يقولون أنه في سرداب..).(8)
وقد تطرق الشيخ النوري في هذا الكتاب (كشف الأستار) إلى ما قالوا حول السرداب ونص على أنه لم يجد لما ذكروه أثراً في كتب الطائفة الإمامية.
قال الأربلي بعد كلامه المتقدم نقله: (بل يقولون أنه حي موجود يحل ويرتحل ويطوف في الأرض ببيوت وخيم وخدم وحشم وإبل وخيل وغير ذلك، وينقلون قصصاً في ذلك وأحاديث يطول شرحها...).
* * *
أقول: نعم جاء في بعض كتب الإمامية لكمات علمائهم ذكر (الجزيرة الخضراء)، قالوا بأنها مسكن الإمام وذويه، واستندوا لإثبات ذلك إلى قصص وآثار، وقد ذكر جماعة منهم الشيخ المجلسي؛ من ذلك قصة وصول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) البيان في أخبار صاحب الزمان ص521 ط النجف الأشرف مع كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب له. وقد ذكر له الكتابان في كشف الظنون مع وصفه بـ (الشيخ الحافظ.. الشافعي).
(8) كشف الغمة في معرفة الأئمة.
الشيخ زين الدين علي بن فاضل المازندراني إليها، وهي قصة طويلة، قال المجلسي: (باب نادر في ذكر من رآه (عليه السلام) في الغيبة الكبرى قريباً من زماننا). أقول: وجدت رسالة مشتهرة بقصة الجزيرة الخضراء في البحر الأبيض أحببت إيرادها لاشتمالها على ذكر من رآه ولما فيه من الغرائب، وإنما أفردت لها باباً لأني لم أظفر به في الأصول المعتبرة، ولنذكرها بعينها كما وجدتها:
بسم الله الرحمن الرحيم ... وبعد. فقد وجدت في خزانة أمير المؤمنين وسيد الوصيين وحجة رب العالمين وإمام المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بخط الشيخ الفاضل والعالم العامل الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الكوفي قدس الله روحه ما هذا لفظه:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمّد وآله وسلم وبعد: فيقول الفقير إلى عفو الله سبحانه وتعالى الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الإمامي الكوفي عفى الله عنه: قد كنت سمعت من الشيخين الفاضلين العاملين شمس الدين بن نجيح الحلي والشيخ جلال الدين عبد الله بن الحرام الحلي قدس الله روحيهما ونور ضريحهما في مشهد سيد الشهداء وخامس أصحاب الكساء مولانا وإمامنا أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في النصف من شهر شعبان سنة 699 من الهجرة النبوية على مشرفها محمد وآله أفضل الصلاة وأتم التحية حكاية ما سمعاه من الشيخ الصالح التقي والفاضل الورع الزكي زين الدين علي بن فاضل المازندراني المجاور بالغري على مشرفه السلام حيث اجتمعا به في مشهد الإمامين الزكيين الطاهرين المعصومين السعيدين (عليهما السلام) بسر من رأى وحكى لهما حكاية ما شاهده ورآه في البحر الأبيض والجزيرة الخضراء من العجائب.
فمر بي باعث الشوق إلى رؤياه وسألت تيسير لقياه والاستماع لهذا الخبر من لقلقة فيه بإسقاط رواته وعزمت على الانتقال إلى سر من رأى للاجتماع
به...).(9)
أقول: لقد أصبح هذا الموضوع مورد البحث بين العلماء، ولكن لا وجه لتكذيب هذه القصة بالخصوص لأمور:
الأول: رواية الشهيد الأول محمّد بن مكي العاملي المتوفى سنة 786 هذه القصة عن الشيخ علي بن فاضل المازندارني، قال السيد نور الله التستري الشهيد ما حاصله: (أن الشهيد الأوّل قد روى القصة بإسناده عنه وأنه حررها في بعض أماليه، وقد أدرج ما حرره السيد الأجل الأمير شمس الدين محمد أسد الله التستري في رسالة له...).(10)
وعن بعض الأعلام من تلامذة الوحيد البهبهاني: (أن القصة المذكورة منقولة من خط الشهيد عن الفضل بن يحيى...).(11)
ومن هنا ربما يحتمل أن يكون الشهيد (قدّس سرّه) هو قائل (وجدت) في رواية الشيخ المجلسي؛، لكن يبعده أن لا يكون المجلسي عارفاً بخطه.
الثاني: أن الفضل بن يحيى الراوي للقصة عن الشيخ المازندراني - والذي وصفه بالشيخ الصالح التقي والفاضل الورع الزكي - من أعلام علماء الإمامية قال الشيخ الحر العاملي: (الشيخ مجد الدين الفضل بن يحيى بن علي بن المظفر بن الطيبي الكاتب بواسط، فاضل عالم جليل. يروي كتاب كشف الغمة عن مؤلفه علي بن عيسى الأربلي، كتبه بخطه وقابله وسمعه من مؤلفه وله منه إجازة سنة 691، وسمع منه جماعة قد ذكرناهم في أماكنهم وهم إثنا عشر رجلاً).(12)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) بحار الأنوار 52/ 159 - 174.
(10) مجالس المؤمنين: 1/ 79.
(11) النجم الثاقب: 296.
(12) آمل الأمل: 2/ 217 و218.
الثالث: استشهاد الأستاذ الأكبر - مؤسس علم الأصول - مولانا الوحيد البهبهاني بهذه القصة في كتاب فقهي بالنسبة إلى حكم شرعي، فقد قال في وجوه الجواب عن أدلة وجوب صلاة الجمعة في زمن الغيبة ما نصه:
(ومنها أيضاً: الأخبار الدالة على استحباب صلاة الجمعة، ويؤيدها استحباب صلاة العيدين التي توافق الجمعة في الشروط وأدلة الوجوب إلى غير ذلك. هذا مضافاً إلى الإجماعات النقولة الكثيرة جداً المتأيدة بالآثار والاعتبار التي أشرت إليها في الرسالة، مع أن المنقول بخبر الواحد يشمله ما دل على حجية خبر الواحد.
ومن الآثار حكاية المازندراني الذي وصل إلى جزيرة الصاحب (عليه السلام) وهي تنادي بالاختصاص بالإمام ومنصوبه...).(13)
الرابع: وصف الفقيه الأصولي المحقق الشيخ أسد الله التستري المتوفى سنة 1220 المحقق الحلي أبا القاسم بقوله: (المنوه باسمه وعلمه في قصة الجزيرة الخضراء).(14)
وقد أشار بهذا إلى ما جاء في القصة: (لم أر لعلماء الإمامية عندهم ذكراً سوى خمسة: السيد المرتضى الموسوي، والشيخ أبو جعفر الطوسي، ومحمد بن يعقوب الكليني، وابن بابويه، والشيخ أبو القاسم جعفر بن سعيد الحلي).
أقول: فظهر أنه ليست هذه القصة (من الأقوال المنكرة العجيبة الصادرة عن الإخباريين) ودعوى الشيخ الأكبر كاشف الغطاء (قدّس سرّه) ذلك عجيب ولعله لم يطلع على كلام أستاذه الوحيد في حاشية المدارك، أو أنه لا يقصد قصة المازندراني هذه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) الحاشية على المدارك.
(14) مقابس الأنوار ونفايس الأبرار.
ولقد أورد بعض علماء العصر؛ كلام الشيخ المذكور واستند إليه في حاشيته على بعض الكتب،(15) وأطال الكلام في رد القصة بما لا يرجع إلى محصل.
كما لا يعبأ بما تفوه به بعضهم في هامش بحار الأنوار وبإسقاط مترجم البحار القصة من الكتاب وإدخال آخر الموضوع في الأخبار الدخيلة.
وأما استبعاد وجود هكذا جزيرة في العالم فليس بدليل، مضافاً إلى أن كثيراً من الأشياء كنا نستبعدها فظهر أنا حق، أو كنا نستبعد وقوعها فوقعت، على أن بعض المؤلفين ألف كتاب (مثلث برمودا في بحار الشيخ المجلسي) فذكر ما تحدثت عنه الصحف والمجلات ووكالات الأنباء العالمية وحاول إثبات أن (مثلث برمودا) هو نفس (الجزيرة الخضراء) والعهدة عليه.
والخلاصة: أنه لا وجه للرد على هؤلاء الأعلام من الأصوليين والإخباريين الذين تلقوا هذه القصة بالقبول والله العالم.
* * *
هذا الكتاب:
وأما هذا الكتاب فقد ألفه الميرزا النوري (قدس الله روحه) رداً على قصيدة وردت إلى النجف الأشرف على ساكنها الصلاة والسلام من بغداد لم يسم ناظمها، وهي في شأن الإمام المهدي القائم المنتظر (عليه السلام) أشار قائلها إلى الخلاف الواقع بين المسلمين في أنه أرواحنا فداه ولد أو سيولد واختار هو القول الثاني لأمور ذكرها في تلك القصيدة... فأجاب عنها المؤلف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) انظر: الأنوار النعمانية للسيد الجزائري 2/ 64 - 69 ط تبريز، أنيس الموحدين للمولى النراقي ص190 ط تبريز.
رضوان الله عليه، فأثبت إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، وأن المهدي (عليه السلام) هو الثاني عشر منهم، وأنه مولود حي موجود بالأدلة الواضحة والبراهين الساطعة من الكتاب والسنة والعقل.
وذكر (قدّس سرّه) فيه أسماء بعض من وافق الإمامية على هذا الاعتقاد من علماء العامة ودحض الشبهات التي ذكرها ناظم القصيدة حوله بالدلائل الكافية والشواهد الشافية.
وهذا الكتاب من أحسن الكتب التي ألّفها علماء الإمامية لإثبات معتقدهم على ضوء أحاديث أهل السنة.
كما انتدب جمع من كبار علمائنا إلى معارضة تلك القصيدة بقصائد لهم، فسلكوا مسلك المؤلف ونسجوا على منواله مستفيدين من علومه ومستضيئين بنور كتابه.
ولا بأس بإيراد مطلع القصيدة المردود عليها والإشارة إلى بعض تلك القصائد. أما مطلع القصيدة فهوذا، وهي (25) بيتاً:
أيا علماء العصر يا من له خبر * * * بكل دقيق حار في مثله الذكر
لقد حار منّي الفكر في القائم الذي * * * تنازع فيه الناس والتبس الأمر
ومن الذين أجابوا عنها نظماً: بطل العلم والجهاد المرحوم الشيخ محمد جواد البلاغي، وهذا مطلع قصيدته وهي في (109) أبيات مطبوعة في آخر حاشيته على كتاب المكاسب وقد طبعت في آخر هذا الكتاب أيضاً:
أطعت الهوى فيهم وعاصاني الصبر * * * فها أنا ما لي فيه نهي ولا أمر
أنست بهم سهل القفار ووعرها * * * فما راعني منهن سهل ولا وعر
ومنهم: الإمام الشيخ محمد حسين كشف الغطاء بقصيدة بلغت أبياتها (202) بيتاً وهذا مطلعها:
بنفسي بعيد الدار قربه الفكر * * * وأدناه من عشاقه الشوق والذكر
تست لكن قد تجلى بنوره * * * فلا حجب تخفيه عنهم ولا ستر
ومنهم: آية الله السيد محسن الأمين العاملي وهذا مطلع قصيدته:
نأوا وبقلبي من فراقهم جمر * * * وفي الخد من دمعي لبينهم غمر
ولست أرى ماء المدامع مطفئاً * * * لهيب الحشا مني ولو أنه بحر
وهي (309) أبيات...
ثم إن السيد الأمين؛ علق على القصيدتين بشروح لطيفة وطبع ذلك كله في كتاب سماه بـ (البرهان على وجود صاحب الزمان) طبع بالشام سنة 1333 هـ وأعيد طبعه بالافست سنة 1399 باهتمام مكتبة نينوى الحديثة.
* * *
أما مؤلفه:
فهو الشيخ الميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي بن الميرزا علي محمد بن تقي النوري الطبرسي من أعلام الطائفة وكبار رجال الإسلام.
كان؛ فقيهاً محدثاً رجالياً جامعاً للعوم محيطاً بها ومبرزاً فيها.
ولادته:
ولد في 18 شوال سن 1254 في قرية (يالو) من قرى (نور) في طبرستان.
مشايخه:
نشأ نشأة علمية وهاجر إلى النجف الأشرف سنة 1277 وهو من الفضلاء فحضر لدى كبار العلماء وأساطين الطائفة: فمن مشايخه وأساتذته:
1 - المولى فتح علي السلطان آبادي.
2 - العالم الجليل الفقيه الزاهد الورع النبيل المولى محمد علي المحلاتي.
3 - العالم النحرير الفقيه الجامع الشيخ عبد الحسين الطهراني الشهير بشيخ العراقيين، وهو أول من أجازه.
4 - الفقيه الشيخ عبد الرحيم البروجردي والد زوجته.
5 - الفقيه الكبير المولى الشيخ علي الخليلي.
6 - أستاذ الفقهاء والمجتهدين الشيخ مرتضى الأنصاري حضر عنده أشهراً قلائل إلى أن توفي.
7 - الفقيه الكبير الإمام المجدد الميرزا حسن الشيرازي، فقد حضر عنده بسامراء مدة طويلة من الزمن وكان من أقرب تلاميذه وخواصه إليه.
وكانت هجرته من سامراء إلى النجف الأشرف بعد وفاة الميرزا بسنتين.
تلاميذه والرواة عنه:
وقد حضر عنده وروى عنه كثير من الفطاحل الأعلام ذكر منهم:
1 - الشيخ إسماعيل بن الشيخ محمّد باقر الإصفهاني.
2 - الشيخ مرتضى بن محمّد بن أحمد العاملي.
3 - الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء.
4 - السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي.
5 - شيخنا الشيخ آقا بزرك الطهراني.
6 - السيد جمال الدين بن السيد عيسى العاملي الأصفهاني.
7 - الشيخ عباس القمي.
الثناء عليه:
ولقد أطراه وأثنى عليه مترجموه بما لا مزيد عليه، وهذا بعض جمل الثناء عليه: قال السيد محسن الأمين: (كان عالماً فاضلاً محدثاً متبحراً في علمي الحديث
والرجال عارفاً بالسير والتاريخ منقباً فاحصاً زاهداً عابداً لم تفته صلاة الليل، وكان وحيد عصره في الإحاطة والإطلاع على الأخبار والآثار والكتب).(16)
وقال معاصره الشيخ محمّد حرز الدين: (العالم الفاضل الجامع الثقة الجليل، ممن هاجر من طهران إلى النجف سنة 1277 وكان من الفضلاء، وكان شيخاً عالماً محيطاً بعلم الحديث والرجال...).(17)
وقال الشيخ كاشف الغطاء: (علامة الفقهاء والمحدثين جامع أخبار الأئمّة الطاهرين حائز علوم الأولين والآخرين حجة الله على اليقين من عقمت النساء أن تلد مثله، وتقاعست أساطين الفضلاء فلا يدانى أحد فضله ونبله التقى الأوّاه المعجب ملائكة السماء بتقواه من لو تجلى الله لخلقه لقال هذا نورى مولانا ثقة الإسلام الحاج ميرزا حسين النوري أدام الله تعالى وجوده الشريف).(18)
وقال تلميذه الأكبر شيخنا الطهراني: (إمام أئمّة الحديث والرجال في الأعصار المتأخرة ومن أعاظم علماء الشيعة وكبار رجال الإسلام في هذا القرن...
كان أحد نماذج السلف الصالح التي ندر وجودها في هذا العصر، فقد امتاز بعبقرية فذة وكان آية من آيات الله العجيبة كمنت فيه مواهب غريبة وملكات شريفة أهّلته لأن يعد في الطليعة من علماء الشيعة الذين كرّسوا حياتهم طوال أعمارهم لخدمة الدين والمذهب...).(19)
وقال المدرس التبريزي: (... من ثقات وأعيان وأكابر علماء الإمامية الاثني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16) أعيان الشيعة: 27/ 139.
(17) معارف الرجال: 1/ 271.
(18) مقدمة قصيدته وهي مطبوعة في آخر هذا الكتاب.
(19) نقباء البشر: 543 - 555.
عشرية في أوائل القرن الحاضر، فقيه محدّث متتبع مفسّر رجالي عابد زاهد ورع تقي...).(20)
وقال القمي: (شيخ الإسلام والمسلمين مروّج علوم الأنبياء والمرسلين الثقة الجليل والعالم الكامل النبيل المتبحر الخبير والمحدث الناقد البصير ناشر الآثار وجامع شمل الأخبار صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة والعلوم الغزيرة الباهر بالرواية والدراية والرافع لخميس المكارم أعظم راية وهو أشهر من أن يذكر وفوق ما تحوم حوله العبارة...).(21)
وقال كحالة: (محدث عارف بالرجال والسير والتاريخ والكتب مشارك في بعض العلوم).(22)
وقال إسماعيل باشا: (فقيه الشيعة الإمامية...).(23)
مؤلفاته:
قال شيخنا الطهراني: لو تأمّل إنسان ما خلّفه من الأسفار الجليلة والمؤلفات الخطيرة التي تموج بمياه التحقيق والتدقيق وتوقف على سعة في الإطّلاع عجيبة لم يشك في أنه مؤيد بروح القدس... خرج له ما ناف على ثلاثين مجلداً من التصانيف الباهرة...
وهذه قائمة بأسماء ما ذكروا من مؤلفاته:
1 - أجوبة المسائل.
2 - أخبار حفظ القرآن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20) ريحانة الأدب في المعروفين بالكنية واللقب: 3/ 389.
(21) الكنى والألقاب: 2/ 400.
(22) معجم المؤلفين: 4/ 46.
(23) هدية العارفين: 1/ 330.
3 - الأربعونيات.
4 - البدر المشعشع في ذرية موسى المبرقع.
5 - تحية الزائر (وهو آخر مؤلفاته توفي قبل إتمامه فأتمه تلميذه القمي).
ترجمة المجلد الثاني من دار السلام إلى الفارسية.
7 - جنة المأوى في من فاز بلقاء الحجة (عليه السلام) في الغيبة الكبرى.
8 - الحواشي على توضيح المقال.
9 - دار السلام.
10 - ديوان شعره.
11 - رسالة في رد بعض الشبهات على فصل الخطاب.
12 - رسالة في ترجمة المولى أبي الحسن الشريف.
13 - رسالة مختصرة فارسية في مواليد الأئمّة (عليهم السلام) على ما هو الصحيح عنده.
14 - سلامة المرصاد في زيارة عاشوراء غير المعروفة.
15 - شاخه طوبى. فارسية.
16 - الصحيفة العلوية الثانية.
17 - ظلمات الهاوية.
18 - فصل الخطاب.
19 - الفيض القدسي في أحوال المجلسي.
20 - فهرس كتب خزانته.
21 - كشف الأستار عن وجه الإمام الغائب عن الأبصار (وهو هذا الكتاب).
22 - اللؤلؤ والمرجان.
23 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل.
24 - معالم العبر في استدراك السابع عشر من البحار.
25 - مواقع النجوم في الإجازات (وهو أول مؤلفاته).
26 - نفس الرحمن في فضائل سلمان.
وفاته:
توفي ليلة الأربعاء 27 جمادى الآخرة سنة 1320 ودفن في الصحن العلوي الشريف في الإيوان الثالث عن يمين الداخل من جهة القبلة، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً جزع فيه سائر الطبقات ولاسيّما العلماء ورثاه جمع من الشعراء وأرّخ وفاته آخرون.
* * *
هذا ما تيسر إيراده في مقدمة هذا الكتاب، ونسأل الله (جلَّ جلاله) أن يعجل فرج إمامنا المفدى وأن يجعلنا من أنصاره في غيبته وحضوره إنه سميع مجيب.
الحوزة العلمية بقم المقدسة
علي الحسيني الميلاني
15/ 2/ 1400هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناشر
الحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين، واللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين.
وبعد... فإن من الأمنيات التي تحالفني في الحياة هي أن يوفقني الله تعالى لأداء واجب المودة، وإيفاء لازم الخدمة، تجاه أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، ذوى القربى الذي فرض الله مودتهم، وأولى الأمر الذي حتم الله طاعتهم.
وعلى هذا الصعيد كان يساورني الفكر لإحياء هذا التراث العظيم، والأثر الكريم، فصرت أغدو وأروح في فجوة الآمال، وأترقب التوفيق من ذي العزة والجلال...
حتّى أشرقت على تباشير القبول، وشملتني نسائم تنجز المأمول.. حين أمرني بطبعه ونشره شيخنا العلم، وخطيبنا العيلم، لسان الإسلام، وفخر الأنام، البحر الزاخر، والبدر الزاهر آية الله الحاج الشيخ محمود الحلبي، أبقاه الله تعالى حامياً للدين، ومناراً للحق المستبين.
وسرعان ما انتهزت الفرصة، ولبيت الدعوة.. فقمت بحول المولى المتعال باذلاً غاية الجهد، ومنتهى الوسع، فخرج الكتاب كما يحظى به القارئ الكريم.
وإني لأتوجه بعملي المتواضع هذا إلى الله سبحانه، وأتضرع إليه عز اسمه لأن يمن علي بالقبول، إنه تعالى سميع مجيب.
الناشر
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
الحمد لله الذي طهر قلوبنا من الشك والريب، وجعلنا من الذي يؤمنون بالغيب، ونوّر عيون بصائرنا فرأينا بها ما لا تراه الأبصار ونظرنا بها إلى المغيب فلم تخفه عنها الحجب والأستار، الرؤوف بعباده فلم يتركهم سدى بل هيأ لهم أسباب الرشد والهدى، وأنار لهم بفضله المحجة ولم يخل الأرض من حجة. والصلاة على نبيه الذي أرسله خاتماً للنبيين وجعل ذريته أئمة وجعلهم الوارثين وآله أحد الثقلين المأمور بالتمسك به واتباعه والسادة الغر من أصحابه وأتباعه وبعد:
فقد ثبت بالأدلة والبراهين ورواية الثقات من علماء المسلمين، أن لله تعالى في كل عصر حجة من نبي أو إمام لتحمل الأحكام وإهداءِ الضال من الأنام، وصح عندنا بالحجج القاطعة والآيات الساطعة أن الحجة في هذه الأعصار هو ابن الحسن العسكري (عليه السلام) وعلى آبائه الأطهار، فإنه (عليه السلام) وإن دعت الدواعي إلى استتاره ومنعت النواظر من التكحل بأشعة أنواره تشرق أنواره على قلوب أحبائه وإن أخرت المصالح التشرف بلقائه، فلا غرو فإن الشمس المنيرة تنفع الناس وإن حالت دونها السحاب، والبدر لابد من طلوعه وإن توارى بالحجاب،
والروح تتصرف في البدن وإن لم ترها الأبصار، ولا ريب في المؤثر إذا ظهرت منه الآثار.
وقد كشفنا عنها الحجاب وأزلنا الشك والارتياب في كتابنا الموسوم (بالنجم الثاقب في أحوال الإمام الغائب)، فإنه الوشي الذي ما نسجت الأقلام له مثيلاً والطب الذي لم يدع قلباً بالشبهات عليلاً، ولعمري أنه لدفع سهام الوساوس درع ضافية ولثغر القلب من عساكر الشبهات جنة واقية، وهو الترياق المجرب لمن نهشته أفاعي الشكوك والنهج الواضح لمن أراد الهداية والسلوك.
ولكن حملت إلينا ألسنة الرواة في هذه الأوقات قصيدة فريدة نظمها بعض علماء دار السلام ومدينة الإسلام، استغرب الناظم لها اختفاءه (عليه السلام) ولم يعلم أن له أسوة بالأنبياء والمرسلين، واستبعد إلى هذه الأيام بقاءه وغفل عن قدرة رب العالمين، وزعم أن هذه الأيّام أوان خروجه لانتشار الشر وكثرة الجور، وأخطأ سهمه الغرض، فإن راية الأمن والعدل منشورة بانتشار رايات سلطان السلاطين وخاقان الخواقين وحافظ الملة والدين من الكفار وأعداء الدين سلطان البرين وخادم الحرمين الشريفين السلطان الغازي عبد الحميد خان، خلد الله ملكه وأجرى في بحار النصر فلكه ولا زالت عساكره في الحرب منصورة وبلاد الإسلام بيمن عدله معمورة.
فحداني ذلك - مع تشويش البال وكثرة الأشغال - أن أكتب رسالة وافية بالمرام قريبة للإفهام، تهتد بنورها من دجى الشك أستاره وتقرب المقصد الأقصى بأوجز عبارة.
وأسأل الله تعالى أن ينفع بها الإخوان من أهل الإيمان إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير وسميتها:
(كشف الاستار عن وجه الغائب عن الأبصار).
ورتبتها على مقدمة وفصلين وخاتمة.
القصيدة الرائية لأحد علماء السنة
أما المقدمة: ففي ذكر القصيدة المذكورة، وهي هذه:
أيا علماء العصر يا من لهم خبر * * * بكل دقيق حار من دونه الفكر
لقد حار مني الفكر بالقائم الذي * * * تنازع فيه الناس واشتبه الأمر
فمن قائل في القشر لب وجوده * * * ومن قائل قد ذب عن لبه القشر
وأول هذين اللذين تقررا * * * به العقل يقضي والعيان ولا نكر
وكيف وهذا الوقت داع لمثله * * * ففيه توالى الظلم وانتشر الشر
وما هو إلا ناشر العدل والهدى * * * فلو كان موجوداً لما وجد الجور
وإن قيل من خوف الطغاة قد اختفى * * * فذاك لعمري لا يجوزه الحجر
ولا النقل كلا إذ تيقن أنه * * * إلى وقت عيسى يستطيل له العمر
وأن ليس بين الناس من هو قادر * * * على قتله وهو المؤيده النصر
وإن جميع الأرض ترجع ملكه * * * ويملؤها قسطاً ويرتفع المكر
وإن قيل من خوف الأذاة قد اختفى * * * فذلك قول عن معايب يفتر
فهلا بدى بين الورى متحملا * * * مشقة نصح الخلق من دأبه الصبر
ومن عيب هذا القول لا شك أنه * * * يؤل إلى جبن الإمام وينجر
وحاشاه من جبن ولكن هو الذي * * * غدا يختشيه من حوى البر والبحر
على أن هذا القول غير مسلم * * * ولا يرتضيه العبد كلا ولا الحر
ففي الهند أبدى المهدوية كاذب * * * وما ناله قتل ولا ناله ضر
وإن قيل هذا الاختفاء بأمر من * * * له الأمر في الأكوان والحمد والشكر
فذلك أدهى الداهيات ولم يقل * * * به أحد إلا أخو السفه الغمر
أيعجز رب الخلق عن نصر حزبه * * * على غيرهم كلا فهذا هو الكفر
فحتم هذا الاختفاء وقد مضى * * * من الدهر آلاف وذاك له ذكر
وما أسعد السرداب في سر من رأى * * * له الفضل من أم القرى وله فخر
فيا للأعاجيب التي من عجيبها * * * أن اتخذ السرداب برجاله البدر
* * *
في ذكر اختلاف المسلمين في ولادة المهدي (عليه السلام)، وذكر من اعترف بها من علماء أهل السنة الموافقين للإمامية، وذكر دليل إجمالي على كون المهدي الموعود هو الحجة بن الحسن العسكري (عليهما السلام) بأوجز بيان وأحسن نظام.
اعلم هداك الله سبيل الرشاد: أنه قد تواتر عن النبي (صلى الله عليه وآله) من طرق أهل السنة والإمامية أنه قال ما معناه:
(أنه يخرج من ولده في آخر الزمان رجل يقال له المهدي (عليه السلام)، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
وهذا المقدار قد استقرت عليه المذاهب الخمسة، والقول بأنه من ولد العبّاس، وأنه علوي غير فاطمي شاذ نادر قد تبين فسادهما في محله والظاهر انقراض من قال بأحدهما.
نعم، بين أهل السنة والإمامية خلاف معروف في موضعين:
الأوّل: أنه حسني أو حسيني؟
ذهب إلى الأوّل جمع من أهل السنة وجماعة أخرى منهم، وكافة الإمامية ذهبوا إلى الثاني وأوضحوا فساد قول الأوّل بما لا مزيد عليه، وبسط القول فيه الحافظ الكنجي الشافعي في كتاب (البيان) من أراده راجعه.
والثاني: أنه ولد وغاب ثمّ يظهر في وقت أراد الله تعالى إنفاذ أمره أو أنه ما ولد وسيولد من بعد ويظهر ويملأ؟
ذهب إلى الأوّل كافة الإمامية وعينوا شخصه وانه الحجة بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن
عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، وأنه هو المهدي الموعود ولد ثمّ غاب بأمر الله تعالى مدة كان يصل إليه نوابه وبعض خواصه، ثمّ غاب غيبته الكبرى فلا يظهر إلا في وقت يؤمر بالخروج وتطهير تمام الأرض عن أرجاس الكافرين والملحدين حيث كانوا في مشارق الأرض ومغاربها، وأثبتوا ذلك بالنصوص عن جده النبي (صلى الله عليه وآله) وعن كل واحد من آبائه الذين أقوالهم عندهم حجة، خصوصاً في مثل هذا المقام المقترنة أقوالهم فيه بالأخبار عما يأتي، فكان الأمر كما قالوا وبالمعجزات.
وقد وافقهم على هذا القول جماعة من أعيان علماء المذاهب الأربعة، بل رووا نصوصاً ومعاجز وتصدوا لدفع شبهات ربما تورد في المقام:
الأوّل:
أبو سالم كمال الدين محمّد بن طلحة بن محمّد بن الحسن القرشي النصيبي الذي صرح تقي الدين أبو بكر أحمد بن قاضي شبهة المعروف بابن جماعة الدمشقي الأسدي في (طبقات فقهاء الشافعية) بأنه كان أحد الصدور والرؤساءِ المعظمين.
ولد سنة 582 وتفقه وشارك في العلوم، وكان فقيهاً بارعاً عارفاً بالمذهب والأصول والخلاف، ترسل عن الملك وساد وتقدم وسمع الحديث...
ومدحه بما يقرب منه أبو عبد الله بن أسعد اليمني المعروف باليافعي في (مرآة الجنان) في حوادث سنة 650.
وقال عبد الغفار بن إبراهيم العكي الشافعي: أنه أحد العلماء المشهورين.
وكذا ذكره وبالغ في مدحه جمال الدين عبد الرحيم حسن بن علي الأسنوي الشافعي في (طبقات فقهاء الشافعية).
فقال ابن طلحة في كتابه (مطالب السؤول الباب الثاني عشر): في أبي القاسم م ح م د ابن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمّد القانع بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين بن أبي طالب، المهدي الحجة الخلف الصالح المنتظر (عليهم السلام) ورحمته وبركاته.
فهذا الخلف الحجة قد أيده الله * * * هدانا منهج الحق وأتاه سجاياه
وأعلى في ذرى العليا بالتأييد مرقاه * * * وآتاه حلى فضل عظيم فتحلاه
وقد قال رسول الله قولاً قد رويناه * * * وذو العلم بما قال إذا أدرك معناه
يرى الأخبار في المهدي جاءت بمسماه * * * وقد أبداه بالنسبة والوصف وسماه
ويكفي قوله مني لإشراق محياه * * * ومن بضعته الزهراء مجراه ومرساه
ولن يبلغ ما أوتيه أمثال وأشباه * * * فإن قالوا هو المهدي ما ماتوا بما فاهوا
قد رتع من النبوة في أكناف عناصرها، ورضع من الرسالة أخلاف أواصرها، وترع من القرابة بسجال معاصرها، وبرع في صفات الشرف فعقدت عليه بخناصرها، فاقتني ما الأنساب شرف نصابها، واعتلى عند الانتساب على شرف أحسابها، واجتنى جنا الهداية من معادنها وأسبابها، فهو من ولد الطهر البتول المجزوم بكونها بضعة من الرسول، فالرسالة أصلها وأنها لأشرف العناصر والأصول (إلى أن قال) فأما مولده فبسر من رأى في ثالث وعشرين سنة 258، وأما نسبه أباً وأماً فأبوه الحسن الخالص - إلى آخر ما تقدم، ثم أخرج بعض الأخبار وأورد بعض الشبهات وأجاب عنها.
وأما كون الكتاب المذكور من مؤلفاته فهو من الوضوح بمكان لم يقدر ابن تيمية على إنكاره مع إنكاره جملة من الأحاديث المستفيضة المشهورة، فصرح في كتابه (منهاج السنة) بأنه له.
الثاني:
أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي الذي يعبر عنه ابن الصباغ المالكي في كتاب (الفصول المهمة) بقوله: الإمام الحافظ. واحتج برواية ابن حجر العسقلاني في فتح الباري في شرح البخاري فإنه صنف كتاباً سمّاه (البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام)) وهو كتاب مشهور قال هو في آخر كتابه المعروف (بكفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)) ما لفظه: تمت مناقب سيدنا ومولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ويتلوه ذكر الإمام المهدي في كتاب مفرد وسميته بالبيان في بيان أخبار صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين صلاة دائمة إلى يوم الدين.
وقال البارع الخبير الكاتب الجلبي في (كشف الظنون): البيان في أخبار صاحب الزمان للشيخ أبي عبد الله محمّد بن يوسف الكنجي المتوفى سنة 858 ثمان وخمسين وثمانمائة.
وقال أيضاً: كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب للشيخ الحافظ أبي عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي...
قال أبو المواهب عبد الوهاب الشعراني في (اللواقح) في ترجمة السيوطي: وكان الحافظ بن حجر يقول: الشروط التي إذا اجتمعت في الإنسان سمي حافظاً: الشهرة بالطلب، والأخذ من أفواه الرجال، والمعرفة بالجرح والتعديل لطبقات الرواة ومراتبهم، وتميز الصحيح من السقيم حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره، مع استحفاظ الكثير من المتون. فهذه الشروط من
جمعها فهو حافظ - انتهى) ومنه يعلم جلالة قد الكنجي.
وأوّل هذا - الكتاب - اي البيان أما بعد حمد الله الذي هو فاتحة كل كتاب وخاتمة كل خطاب والصلاة على رسوله التي هي جالبة كل ثوب ودافعة كل عقاب - إلى آخره....
وقال في الباب الثامن من الأبواب التي ألحقها بأبواب الفضائل من كتابه (الكفاية) بعد ذكر الأئمة من ولد أمير المؤمنين (عليه السلام)، ما لفظه: (وخلّف يعني عليّ الهادي (عليه السلام) من الولد أبا محمد الحسن ابنه) ثم ذكر تاريخ ولادته ووفاته وقال: (ابنه وهو الإمام المنتظر ونختم الكتاب بذكره مفرداً انتهى).
وكتابه (البيان) مشتمل على أربعة وعشرين باباً والباب الرابع والعشرون منه في الدلالة على جواز بقاء المهدي منذ غيبته وذكر فيه مطالب شريفة من أرادها راجعه.
الثالث:
الشيخ نور الدين عليّ بن محمّد بن الصباغ المالكي الذي ذكروه في التراجم بكل وصف جميل:
فقال شمس الدين محمّد بن عبد الرحمن السخاوي المصري تلميذ الحافظ بن حجر العسقلاني في كتابه (الضوء اللامع في أحوال القرن التاسع):
عليّ بن محمّد بن أحمد بن عبد الله نور الدين الاسفاتي الغزي الأصل المكي المالكي ويعرف بابن الصباغ، ولد في العشر الأوّل من ذي الحجة سنة أربع وثمانين وسبعمائة بمكة ونشأ بها فحفظ القرآن والرسالة في الفقه وألفية ابن مالك وعرضهما على الشريف عبد الرحمن الفارسي وعبد الوهاب بن عفيف اليافعي والجمال بن ظهيرة وقرينه أبي المسعود وسعد النوري وعلي بن محمد بن أبي بكر
الشيبي ومحمد بن أبي بكر بن سليمان البكر وأجازوا له وأخذ الفقه عن أولهم والنحو عن الجلال عبد الواحد المرشدي وسمع على الزين المراغي سداسيات الرازي وله مؤلفات منها الفصول المهمة لمعرفة الأئمّة وهم إثنا عشر، والعبر في من سفه النظر، أجاز لي ومات في سابع ذي القعدة سنة خمس وخمسين وثمانمائة ودفن بالمعلاة سامحه الله وإيانا).
وذكره أيضاً معظماً أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي في (ذخيرة المآل) في مسألة الخنثى.
ونقل عن كتابه المذكور معتمداً عليه جماعة من الأعلام مثل عبد الله بن محمّد المطيري المدني الشافعي من النقشبندية في كتابه (الرياض الزاهرة) ونور الدين على السمهودي في (جواهر العقدين): وبرهان الدين علي الحلبي الشافعي في (سيرته المعروفة) وعبد الرحمن الصفوري في: (زينة المجالس) وغيرهم.
فقال في (الفصول المهمة): الفصل الثاني عشر في ذكر أبي القاسم الحجة الخلف الصالح ابن أبي محمد الحسن الخالص وهو الإمام الثاني عشر وتاريخ ولادته ودلائل إمامته وذكر طرف من أخباره وغيبته ومدة قيام دولته وذكر نسبه وكنيته ولقبه وغير ذلك.
ثمّ ذكر تاريخ ولادته والنص عليه من آبائه وطرف يسير مما جاء في النصوص الدالة على الإمام الثاني عشر عن الأئمة الثقات والروايات في ذلك كثيرة والأخبار شهيرة أضربنا عن ذكرها وقد دوّنها أصحاب الحديث في كتبهم واعتنوا بجمعها.
إلى أن قال: قال الشيخ أبو سعيد محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان) من الدلالة على كون المهدي حياً باقياً منذ غيبته إلى - الآن إلى آخر ما في الفصل الرابع والعشرين من البيان.
وقال في ذيل ترجمة والده: وخلّف أبو محمّد الحسن (رضي الله عنه) من الولد ابنه الحجة القائم المنتظر لدولة الحقّ، وكان قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وخوف السلطان وتطلبه للشيعة وحبسهم والقبض عليهم.
الرابع:
الفقيه الواعظ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزاغلي بن عبد الله البغدادي الحنفي سبط العالم الواعظ أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي الذي قاله في ترجمته في ضمن أحوال جده أبي الفرج ابن حلكان (وكان سبطه شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزاغلي الوعظ المشهور الحنفي المذهب وله صيت وسمعة في مجالس وعظه وقبوله عند الملوك وغيرهم...).
وقال محمود بن سليمان الكفوي في (أعلام الأخيار) بعد ذكر نسبه وولادته: (وتفقّه وبرع وسمع من جده لأُمه وكان حنبلياً فتحنبل في صغره لتربية جده ثمّ دخل إلى الموصل ثمّ دخل إلى دمشق وهو ابن نيف وعشرين سنة وسمع بها وتفقّه بها على جمال الدين الحصيري وتحوّل حنفياً لما بلغه أن قزاغلي بن عبد الله كان على مذهب الحنفية وكان إماماً عالماً فقيهاً جيداً نبيهاً يلتقط الدرر من كلمه ويتناثر الجوهر من حكمه). وبالغ في مدائحه وفضائله في كلام طويل.
وذكره اليافعي في (المرآة) وابن شحنة في (روضة المناظر) وتاج الدين في (كفاية المتطلع) وغيرهم.
فقال في آخر كتابه الموسوم بتذكرة خواص الأمّة بعد ترجمة العسكري (عليه السلام): (ذكر أولاده: منهم م ح م د الإمام، فصل هو م ح م د بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم وهو الخلف
الحجة صاحب الزمان القائم والمنتظر والتالي، وهو آخر الأئمة (عليهم السلام).
أنبأنا عبد العزيز بن محمود بن البزار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً فذلك هو المهدي). وهذا حديث مشهور وقد أخرج أبو داود الزهري عن علي (عليه السلام) بمعناه وفيه لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد لبعث الله من أهل بيتي من يملأ الأرض عدلاً. وذكره في روايات كثيرة ويقال له ذو الأسمين قالوا أمه أم ولد يقال لها صقيل).
الخامس:
الشيخ الأكبر محي الدين رأس أجلاء العارفين أبو عبد الله محمّد بن عليّ بن محمّد بن عربي الحاتم الطائي الأندلسي. الذي كفى في علو مقامه ما قاله الشعراني في (لواقح الأخبار) ما لفظه: (هو الشيخ الإمام المحقق رأس أجلاء العارفين والمقربين صاحب الإشارات الملكوتية والنفحات القدسية والأنفاس الروحانية والفتح المونق والكشف المشرق والبصائر الخارقة والحقائق الزاهرة له المقام الأرفع من مقام القرب في منازل الأنس والمورد العذب من مناهل الوصل والطول الأعلى من مدارج الدنو والقدم الراسخ في التمكين من أحوال النهاية والباع الطويل في التعرف في أحكام الولاية، وهو أحد أركان هذه الطائفة...).
فقال في الباب السادس والستين وثلاثمائة من كتابه (الفتوحات) ما يأتي ذكره.
السادس:
الشيخ العارف الخبير أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني فقال في كتابه المسمسى (باليواقيت) وهو بمنزلة الشرح لمغلقات الفتوحات وهذا كتابه تلقاه العلماء بالقبول وبالغوا في مدحه وثنائه ووجوب الاعتقاد بما فيه ففي نسخته المطبوعة بالمطبعة الأزهرية المصرية في سنة 1305:
ومن جملة ما كتبه شيخ الإسلام الفتوحي الحنبلي (رضي الله عنه): لا يقدح في معاني هذا الكتاب إلا معاند مرتاب أو جاحد كذّاب كما لا يسعى في تخطئة مؤلفه إلا كل عار عن علم الكتاب حائد عن طريق الصواب وكما لا ينكر فضل مؤلفه إلا كل غبي حسود أو جاهل معاند جحود أو زائغ عن السنة مارق ولإجماع أئمتها خارق.
ومن جملة ما قاله شيخنا الشيخ شهاب الدين الرملي الشافعي (رضي الله عنه) بعد كلام طويل: وبالجملة فهو كتاب لا ينكر فضله ولا يختلف اثنان بأنه ما صنف مثله.
ومن جملة ما قال الشيخ شهاب الدين عميرة الشافعي (رضي الله عنه) بعد مدح الكتاب: وما كنا نظن أن الله تعالى يبرز في هذا الزمان مثل هذا المؤلف العظيم الشأن...
وكان من جملة ما قاله الشيخ محمّد البرهمتوشي وبعد: فقد وقف العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن محمد البرهمتوشي الحنفي على اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر لسيدنا ومولانا الإمام العالم العامل المحقق المدقق الفهامة خاتمة المحققين وارث علوم الأنبياء والمرسلين شيخ الحقيقة والشريعة معدن السلوك والطريقة من توجّه الله تاج العرفان ورفعه على أهل هذه الأزمان مولانا
الشيخ عبد الوهاب أدام الله النفع به للأنام وأبقاه الله تعالى لنفع العباد مدى الأيّام، فإذا هو كتاب جل مقداره ولمعت أسراره وسحت من سحب الفضل أمطاره وفاحت في رياض التحقيق أزهاره ولاحت في سماء التدقيق شموسه وأقماره وتناغت في غياض الإرشاد بلغات الحق أطياره فأشرقت على صفحات القلوب باليقين أنواره - إلى آخره...).
فقال في البحث الخامس والستين من الجزء الثاني من كتاب اليواقيت:
المبحث الخامس الستون في بيان أن جميع أشراط الساعة التي أخبرنا بها الشارع حقّ لا بدّ أن تقع كلها قبل قيام الساعة وذلك كخروج المهدي ثمّ الدجال ثمّ نزول عيسى وخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها ورفع القرآن وفتح سد يأجوج ومأجوج حتى لو لم يبق من الدنيا إلا مقدار يوم واحد لوقع ذلك كله.
قال الشيخ تقي الدين بن أبي منصور في عقيدته: وكل هذا الآيات تقع في المائة الأخيرة من اليوم الذي وعد به رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمته بقوله: إن صلحت أمتي فلها يوم وإن فسدت فلها نصف يوم يعني من أيام الرب المشار إليها بقوله تعالى: (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ). قال بعض العارفين: وأوّل ألف محسوب من وفاة عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه).
آخر الخلفاء فإن تلك المدة كانت من جملة أيام نبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورسالته فمهد الله تعالى بالخلفاء الأربعة البلاد ومراده (صلى الله عليه وآله) إنشاء الله بالألف قوة سلطان شريعته إلى انتهاء الألف ثم تأخذ في ابتداء الاضمحلال إلى أن يصير الدين غريباً كما بدأ وذلك الاضمحلال يكون بدايته من مضي ثلاثين سنة من القرن الحادي عشر فهناك يترقب خروج المهدي (عليه السلام)، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، ومولده (عليه السلام)
ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم (عليه السلام) فيكون عمره إلى وقتنا هذا وهو سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، تسعمائة سنة وست سنين. هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل على بركة رطلي بمصر المحروسة عن الإمام المهدي (عليه السلام) حين اجتمع به، ووافقه على ذلك شيخنا سيدي علي الخواص رحمهما الله تعالى.
وعبارة الشيخ محي الدين (رضي الله عنه) في الباب السادس والستين وثلاث مائة من الفتوحات هكذا: واعلموا أنه لابد من خروج المهدي (عليه السلام) لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جوراً وظلماً فيملأها قسطاً وعدلاً ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طول الله تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ولد فاطمة (عليها السلام)، جده الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، ووالده الحسن العسكري بن الإمام علي النقي بالنون بن الإمام محمد التقي بالتاء بن الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يبايعه المسلمون ما بين الركن والمقام، يشبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخلق (بفتح الخاء) وينزل عنه في الخلق (بضمها) إذ لا يكون أحد مثل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أخلاقه والله تعالى يقول: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
هو أجلى الجبهة أقنى الأنف أسعد الناس به أهل الكوفة، يقسم المال بالسوية ويعدل في الرعية يأتيه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني وبين يديه المال يحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله، يخرج على فترة من الدين يزع الله به ما لا يزع بالقرآن، يمسي الرجل جاهلاً وجباناً وبخيلاً فيصبح عالماً شجاعاً
كريماً، يمشي النصر بين يديه، يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً يقفو أثر رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يخطئ له ملك يسدده من حيث لا يراه، يحمل الكل ويعين الضعيف ويساعد على نوائب الحق، يفعل ما يقول ويقول ما يفعل ويعلم ما يشهد.
يصلحه الله في ليلة يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألف من المسلمين من ولد إسحاق، يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكا، يبيد الظلم وأهله يقيم الدين وأهله وينفخ الروح في الإسلام، يعز الله الإسلام بعد ذله ويحييه بعد موته، يضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف، فمن أبى قتل ومن نازعه خذل.
يظهر من الدين ما هو عليه في نفسه، حتى لو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حياً لحكم به، فلا يبقى في زمانه إلا الدين الخالص عن الرأي يخالف في غالب أحكامه مذاهب العلماء فينقبضون منه لذلك لظنهم أن الله تعالى لا يحدث بعد أئمتهم مجتهداً.
وأطال في ذكر وقائعه معهم وسيرته وحالاته إلى أن قال: وأعلم انه لم يبلغنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) نص على أحد من الأئمة أن يقفو أثره لا يخطئ إلا الإمام المهدي خاصة، فقد شهد له بعصمته في خلافته وأحكامه كما شهد الدليل العقلي بعصمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما يبلغه عن ربه من الحكم المشروع له في عباده.
السابع:
الشيخ حسن العراقي المذكور.
قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني المتقدم ذكره في الطبقات الكبرى المسماة (بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار) في الجزء الثاني من النسخة المطبوعة
بمصر في سنة ألف وثلاثمائة وخمس:
(ومنهم: الشيخ العارف بالله تعالى سيدي حسن العراقي؛ تعالى المدفون بالكوم خارج باب الشعرية (رضي الله عنه) بالقرب من بركة الرطلي وجامع البشرى).
وفي بعض نسخه العتيقة:
(ومنهم: الشيخ الصالح العابد الزاهد ذو الكشف الصحيح والحال العظيم الشيخ حسن العراقي المدفون فوق الكوم المطل على بركة الرطلي، كان (رضي الله عنه) قد عمّر نحو مائة سنة وثلاثين سنة).
وفي النسخة المطبوعة (ترددت إليه مع سيدي أبي العبّاس الحريثي وقال: أريد أن أحكي لك حكايتي من مبتدأ أمري إلى وقتي هذا كأنك كنت رفيقي من الصغر فقلت له نعم فقال: كنت شاباً من دمشق وكنت صانعاً وكنا نجتمع يوماً في الجمعة على اللهو واللعب والخمر فجاء لي التنبيه من الله تعالى يوماً ألهذا خلقت فتركت ما هم فيه وهربت منهم فتبعوا ورائي فلم يدركوني فدخلت جامع بني أمية فوجدت شخصاً يتكلم على الكرسي في شأن المهدي (عليه السلام) فاشتقت إلى لقائه فصرت لا أسجد سجدة إلا وسألت الله تعالى أن يجمعني عليه فبينما أنا ليلة بعد صلاة المغرب أصلي صلاة السنة إذا بشخص جلس خلفي وحس على كتفي وقال لي قد استجاب الله دعاءك يا ولدي مالك أنا المهدي فقلت تذهب معي إلى الدار. فقال: نعم وذهب معي فقال لي أخل لي مكاناً انفرد فيه فأخليت له مكاناً فأقام عندي سبعة أيام بلياليها ولقنني الذكر وقال أعلمك وردي تدوم عليه أن شاء الله تعالى تصوم يوماً وتفطر يوماً وتصلي كل ليلة خمسمائة ركعة فقلت نعم، فكنت أصلي خلفه كل ليلة خمسمائة ركعة وكنت شاباً أمرداً حسن الصورة فكان يقول: لا تجلس قط إلا ورائي فكنت أفعل وكانت عمامته
كعمامة العجم وعليه جبة من وبر الجمال فلما انقضت السبعة أيام خرج فودعته وقال لي: يا حسن ما وقع لي قط مع أحد ما وقع معك فدم على وردك حتى تعجز فإنك ستعمر عمراً طويل. وفي النسخة الأخرى العتيقة بعد قوله: خمس مائة ركعة في كل ليلة وأنا لا أضع جنبي على الأرض للنوم إلا غلبته ثمّ طلب الخروج وقال لي: يا حسن لا تجتمع بأحد بعدي ويكفيك ما حصل لك مني فما ثمّ إلا دون ما وصل إليك مني فلا تتحمل منه أحد بلا فائدة. فقلت سمعاً وطاعة وخرجت أودعه فأوقفني عند عتبة باب الدار وقال من هنا فأقمت على ذلك سنين - إلى أن قال الشعراني بعد ذكر حكاية سياحة حسن العراقي - وسألت المهدي عن عمره فقال: يا ولدي عمري الآن ستمائة سنة وعشرون سنة ولي عنه الآن مائة سنة، فقلت ذلك لسيدي علي الخواص فوافقه على عمره المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف)).
الثامن:
الشيخ العارف علي الخواص قال: الشعراني في طبقاته المسماة (باللواقح):
(ومنهم، شيخي وأستاذي سيدي علي الخواص البراسي رضي الله تعالى عنه ورحمه كان أمياً لا يكتب ولا يقرأ وكان (رضي الله عنه) يتكلم على معاني القرآن العظيم والسنة المشرفة كلاماً نفيساً تحير فيه العلماء وكان محل كشفه اللوح المحفوظ عن المحو والإثبات فكان إذا قال قولا لا بدّ أن يقع على الصفة التي قال، وكنت أرسل له الناس يشاورونه عن أحوالهم فما كان قط يحوجهم إلى كلام بل كان يخبر الشخص بواقعته التي أتى لأجلها قبل أن يتكلم فيقول: طلق مثلاً أو: شارك أو: فارق أو: اصبر أو: سافر أو: لا تسافر فيتحير الشخص فيقول من
أعلم هذا بأمري، وكان له طب غريب يداوي به أهل الاستسقاء الجذام والفالج والأمراض المزمنة فكل شيء أشار باستعماله يكون الشفاء فيه.
وسمعت سيدي محمّد بن عفان (رضي الله عنه) يقول: الشيخ علي البراسي أعطى التصريف في ثلاثة أرباع مصر وقراها، وسمعته مرة أخرى يقول: لا يقدر أحد من أرباب الأحوال أن يدخل مصر إلا بإذن الشيخ علي الخواص (رضي الله عنه)، وكان يعرف أصحاب النوبة في سائر أقطار الأرض ويعرف من تولى منهم ساعة ولايته ومن غول ساعة غوله ولم أر هذا القدم لأحد غيره من مشايخ مصر إلى وقتي هذا) ثم ذكر شرحاً طويلاً في كراماته ومقاماته وحالاته، وقد عرفت تصريح الشعراني في اليواقيت وفي الطبقات بأنه صدق الحسن العراقي فيما أخبره به من عمر المهدي (عليه السلام) على ما نقله عنه...
التاسع:
نور الدين عبد الرحمن بن أحمد بن قوام الدين الدشتي الجامي الحنفي الشاعر العارف المعروف صاحب شرح الكافية الدائر في أيدي المشتغلين.
قال محمود بن سليمان الكفوي في (أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار) الشيخ العارف بالله والمتوجه بالكلية إلى الله دليل الطريقة ترجمان الحقيقة المنسلخ عن الهياكل الناسوتية والمتوسل إلى السبحات اللاهوتية شمس سماء التحقيق بدر فلك التدقيق معدن عوارف المعارف مستجمع الفضائل جامع اللطائف المولى جامي نور الدين عبد الرحمن إلى آخره...
وله من المؤلفات كتاب (شواهد النبوة) وهو كتاب جليل معروف معتمد.
قال الجلبي في (كشف الظنون): (شواهد النبوة فارسي لمولانا نور الدين عبد الرحمن بن أحمد الجامي أوله: الحمد لله الذي أرسل رسلاً مبشرين ومنذرين
إلى آخره، وهو على مقدمة وسبعة أركان وترجمه محمود بن عثمان المتخلص بلامعي المتوفى في سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة ثم ترجمه أيضاً المولى عبد الحليم بن محمد الشهير بأخي زاده من صدور الروم المتوفي في سنة ثلاثة عشر وألف وهو أحسن من ترجمة اللامعي عبارة وأداء).
وقال العالم العلامة القاضي حسين الديار البكري في أوّل كتابه الموسوم بـ (تاريخ الخميس): (هذه مجموعة من سيرة سيد المرسلين وشمائل خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) وأصحابه أجمعين انتخبتها من الكتب المعتبرة وهي التفسير الكبير الكشاف - إلى أن قال - وشواهد النبوة - إلى آخره...
وفي هذا الكتاب جعل الحجة بن الحسن (عليهما السلام) الإمام الثاني عشر وذكر غرائب حالات ولادته وبعض معاجزه وأنه الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً وروى من حكيمة عمة أبي محمد الزكي (عليه السلام) ما ملخص ترجمته أنها قالت: كنت يوماً عند أبي محمد (عليه السلام) فقال: يا عمة بيتي الليلة عندنا فإن الله تعالى يعطينا خلفاً. فقلت: يا ولدي ممن فإني لا أرى في نرجس أثر حمل أبداً؟ فقال: يا عمة مثل نرجس مثل أم موسى لا يظهر حملها إلى في وقت الولادة فبت الليلة عنده فلما انتصف اليل قمت فتهجدت وقامت نرجس وتهجدت وقلت في نفسي: قرب الفجر ولم يظهر ما قاله أبو محمد (عليه السلام) فناداني أبو محمد (عليه السلام) من مقامه لا تعجلي يا عمة فرجعت إلى بيت كانت فيها نرجس فرأيتها وهي ترتعد فضممتها إلى صدري وقرأت عليها قل هو الله أحد وإنا أنزلناه وآية الكرسي، فسمعت صوتاً من بطنها يقرأ ما قرأت، ثم أضاء البيت فرأيت الولد على الأرض ساجداً، فأخذته فناداني أبو محمد (عليه السلام) من حجرته يا عمة أيتيني بولدي فأتيته به فأجلسه في حجره ووضع لسانه في فمه وقال: تكلم يا ولدي بإذن الله تعالى. فقال: (بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) ثم رأيت طيوراً خضراء أحاطت به، فدعا أبو محمد (عليه السلام) واحداً منها وقال: خذه واحفظه حتى يأذن الله تعالى فيه فإن الله بالغ أمره، فسألت أبا محمد (عليه السلام): ما هذا الطير وما هذه الطيور؟ فقال: هذا جبرئيل وهؤلاء ملائكة الرحمة. ثم قال: يا عمة رديه إلى أمه كي تقرعينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون، فرددته إلى أمه، ولما ولد كان مقطوع السرة مختوناً مكتوباً على ذراعه الأيمن: (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقا).
وروى غيرها أنه لما ولد جثى على ركبته ورفع سبابته إلى السماء وعطس فقال: الحمد لله رب العالمين.
وروى عن آخر قال: دخلت على أبي محمّد (عليه السلام) فقلت: يا بن رسول الله من الخلف والإمام بعدك؟ فدخل الدار ثم خرج وقد حمل طفلاً كأنه البدر في ليلة تمامه في سن ثلاث سنين فقال: يا فلان لولا كرامتك على الله لما أريتك هذا الولد اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيته كنيته هو الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.
وروى عن آخر قال: دخلت يوماً على أبي محمد (عليه السلام) ورأيت على طرفه الأيمن بيتاً أسبل عليه ستراً فقلت يا سيدي من صاحب هذا الأمر بعد هذا فقال: ارفع الستر فرفعت الستر فخرج صبي في غاية من الطهارة والنظافة على خده الأيمن خال وله ذوائب فجلس في حجر أبي محمد (عليه السلام)، فقال أبو محمد هذا صاحبكم ثم قام من حجره فقال أبو محمد (عليه السلام): يا بني أدخل إلى الوقت المعلوم، فدخل البيت وكنت أنظر إليه ثم قال لي أبو محمد (عليه السلام): قم وانظر من في هذا البيت فدخلت البيت فلم أر فيه أحداً.
وروى عن آخر قال بعثني المعتضد مع رجلين وقال: إن الحسن بن علي
عليهما السلام توفي في سر من رأى فأسرعوا في المسير وتهجموا في داره فكل من رأيتم فيها فأتوني برأسه، فذهبنا ودخلنا داره فرأينا داراً نضرة طيبة كأن البناء فرغ من عمارتها الساعة ورأينا ستراً فيها فرفعناه فرأينا سرداباً فدخلنا فيه فرأينا بحراً في أقصاه حصير مفروش على وجه الماء ورجلاً في أحسن صورة عليه وهو يصلي ولم يلتفت إلينا، فسبقني أحد الرجلين فدخل الماء فغرق واضطرب فأخذت بيده وأخلصته فأراد الآخر أن يقدم إليه فغرق فأخلصته فتحيرت فقلت: يا صاحب البيت المعذرة إلى الله وإليك والله ما علمت الحال وإلى أين جئنا وتبت إلى الله فيما فعلت، فلم يلتفت إلينا أبداً فرجعنا إلى المعتضد وقصصنا عليه القصة فقال اكتموا هذا السر وإلا أمرت بضرب أعناقكم - انتهى).
وهذه الكرامات ليست مما تستغرب ويتعجب منها فإنها بالنسبة إلى إقدار الله تعالى أولياءه عليها أمر هين وبالنسبة إلى الأولياء أمر غير عزيز، وكتب مشايخ الصوفية مشحونة بذكر أضعاف أمثالها وفوقها ودونها في تراجم أعيانهم وأقطابهم.
هذا الشيخ الأكبر محي الدين قال في الفتوحات كما نقله عنه الشعراني في (مختصرها) وبرهان الدين الحلبي في (إنسان العيون) قلت لابنتي زينب مرة وهي في سن الرضاعة قريباً عمرها من سنة ما تقولين في الرجل يجامع حليلته ولم ينزل فقالت: يجب عليه الغسل فتعجب الحاضرون من ذلك ثمّ إني فارقت تلك البنت وغبت عنها سنة في مكة وكنت أذنت لوالدتها في الحج فجائت مع الحج الشامي فلما خرجت لملاقاتها رأتني من فوق الجمل وهي ترضع فقالت بصوت فصيح قبل أن تراني أمها: هذا أبي وضحكت ورمت نفسها إلي قال: وقد رأيت أي علمت من أجاب أمه بالتسميت وهو في بطنها حين عطست وسمع الحاضرون كلهم صوته من جوفها شهد عندي الثقات بذلك - انتهي).
وهذا القدر يكفي للمثال.
العاشر:
الحافظ محمّد بن محمّد بن محمود البخاري المعروف بخواجه بارسا من أعيان علماء الحنفية وأكابر مشايخ النقشبندية.
قال الكفوي في (أعلام الأخيار) قرأ العلوم على علماء عصره، وكان مقدماً على أقرانه في دهره وحصل الفروع والأصول وبرع في المعقول والمنقول وكان شاباً، قد أخذ الفقه عن قدوة بقية أعلام الهدى الشيخ الإمام العارف الرباني أبي طاهر محمد بن علي بن الحسن الطاهري. ثمّ ذكر سلسلة مشايخه في الفقه وأنه أخذ من صدر الشريعة وأنهاها إلى الإمام الأعظم أبي حنيفة، قال: وهو أعز خلفاء الشيخ الكبير خواجه بهاء الدين نقشبند...
ومن مؤلفات عبد الرحمن الجامي شرح كلمات خواجة بارسا.
فقال في كتاب (فصل الخطاب) وهو كتاب معروف قال في (كشف الظنون) فصل الخطاب في المحاضرات للحافظ الزاهد محمد بن محمد الحافظي من أولاد عبيد الله نقشبندي المتوفى بالمدينة المنورة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة ودفن بها، أوله: الحمد لله الدال لخلقه على وحدانيته. وترجمته لأبي الفضل موسى بن الحاج حسين الأزنيقي بإشارة رموزبيك ابن تيمورتاش باشا وتعريب فصل الخطاب لأمير بادشاه محمد البخاري نزيل مكة فرغ منه في رجب سنة سبع وثمانين وتسعمائة.
فقال ما لفظه: ولما زعم أبو عبد الله جعفر بن أبي الحسن علي الهادي (رضي الله عنه) أنه لا ولد لأخيه أبي محمد الحسن العسكري (رضي الله عنه) وادعى أن أخاه الحسن العسكري (رضي الله عنه) جعل الإمامة فيه سمي الكذاب وهو معروف
بذلك والعقب من ولد جعفر بن علي هذا في علي بن جعفر وعقب علي هذا في ثلاثة عبد الله وجعفر وإسماعيل.
وأبو محمد الحسن العسكري ولده م ح م د (عجَّل الله فرجه الشريف) معلوم عند خاصة خواص أصحابه وثقات أهله.
ويروي أن حكيمة بنت أبي جعفر محمد الجواد (رضي الله عنه) عمة أبي محمد الحسن العسكري كانت تحبه وتدعو له وتتضرع أن ترى له ولداً وكان أبو محمد الحسن العسكري اصطفى جارية يقال لها نرجس، فلما كان ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين دخلت حكيمة فدعت لأبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) فقال لها: يا عمة كوني الليلة عندنا لأمر فأقامت كما رسم، فلما كان وقت الفجر اضطربت نرجس فقامت إليها حكيمة، فلما رأت المولود أتت به أبا محمد الحسن العسكري (رضي الله عنه) وهو مختون مفروغ منه فأخذه وأمر يده على ظهره وعينيه وأدخل لسانه في فمه وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في الأخرى. ثم قال: يا عمة إذهبي به إلى أمه، فذهبت به ورددته إلى أمه.
قالت حكيمة: فجئت إلى أبي محمد الحسن العسكري (رضي الله عنه) فإذا المولود بين يديه في ثياب صفر وعليه من البهاء والنور ما أخذ بجامع قلبي فقلت: سيدي هل عندك من علم في هذا المولود المبارك فتلقيه إلي. فقال أي عمة هذا المنتظر هذا الذي بشرنا به. فقالت حكيمة: فخررت لله تعالى ساجدة شكراً على ذلك. قالت: ثم كنت أتردد إلى أبي محمد الحسن العسكري (رضي الله عنه) فلما لم أره فقلت له يوماً: يا مولاي ما فعلت بسيدنا ومنتظرنا؟ قال: استودعناه الذي استودعته أم موسى ابنها. وذكر في حاشية الكتاب كلاماً طويلاً في تضعيف ما نقله في المتن من حديث ابن مسعود من أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في حق المهدي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي بكلام أوفى.
وحكاية المعتضد العباسي الذي نقله الجامي في شواهد النبوة وبعض علامات قيام المهدي، إلى أن قال: والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى ومناقب المهدي (رضي الله عنه) صاحب الزمان الغائب عن الأعيان الموجود في كل زمان كثيرة وقد تظاهرت الأخبار على ظهوره وإشراق نوره، يجدد الشريعة المحمدية ويجاهد في الله حق جهاده ويطهر من الأدناس أقطار البلاد، زمانه زمان المتقين وأصحابه خلصوا من الريب وسلموا من العيب وأخذوا بهديه وطريقه واهتدوا من الحق إلى تحقيقه، به ختمت الخلافة والإمامة وهو الإمام من لدن مات أبوه إلى يوم القيامة وعيسى (عليه السلام) يصلي خلفه ويصدقه على دعواه ويدعو إلى ملته التي هو عليها والنبي (صلى الله عليه وآله) صاحب الملة.
الحادي عشر:
الحافظ أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس.
قال في أوّل (أربعينه): أخرج الرجال الثقات من قول النبي: من حفظ من أمتي أربعين حديثاً كنت له شفيعاً. (إلى أن قال) فإن قال لنا السائل: ما هذه الأربعون حديثاً الذي (التي) إذا حفظها الإنسان كان له هذا الأجر والثواب والفضل العظيم؟
قلنا: الجواب: اعلم أن هذا السؤال وقع في مجلس السيد محمد بن إدريس الشافعي فقال: هي مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) مما اخبرنا به السيد جلال الدين محمد بن يحيى بن أبي بكر العباسي قال: حدثنا محيي الدين محمد بن غنا قال حدثنا الفقيه يوسف بن إبراهيم الهروي قال أخبرنا سمعان بن محمد الجوهري الغزنوي عن الشيخ شيبان المقري بن عمر الفرداوي (الفرداني) قال: حدثنا يحيى بن بكريا بن أحمد البلخي قاضي الشام قال
حدثنا أبو جعفر الترمذي قال حدثنا محمد بن الليث قال سمعت أحمد بن حنبل يقول:
ما أعلم أحداً أعظم منة على الإسلام في زمن الشافعي من الشافعي وإني لأدعو إلى الله في عقيب الصلاة فأقول: اللهم أغفر لي ولوالدي ولمحمد بن إدريس الشافعي منذ يوم سمعت منه أن الأحاديث الأربعين أراد بها النبي (صلى الله عليه وآله) مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته (عليهم السلام).
قال أحمد بن حنبل: فخطر ببالي من أين صح عند الشافعي، فرأيت النبي في النوم وهو يقول: شككت في قول محمد بن إدريس الشافعي عن قولي من حفظ من أمتي أربعين حديثاً في فضائل أهل بيتي كنت له شفيعاً يوم القيامة أما علمت أن فضائل أهل بيتي لا تحصى.
إلى أن قال: (الحديث الرابع):
أخبرنا محمود بن محمد الهروي بقريبة في جامعها في سلخ ذي الحجة قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله عن سعد بن عبد الله عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: حدثنا محمد بن عيسى الأشقري عن أبي حفص أحمد بن نافع البصري قال حدثني أبي وكان خادماً للإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) قال: حدثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر قال حدثني أبي جعفر الصادق قال حدثني أبي باقر علم الأنبياء محمد بن علي قال حدثني أبي سيد العابدين علي بن الحسين قال حدثني أبي سيد الشهداء الحسين ابن علي قال حدثني أبي سيد الأوصياء علي بن أبي طالب (عليهم السلام) أنه قال:
قال لي أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أحب أن يلقى الله (جلَّ جلاله) وهو راض عنه فليوال ابنك الحسن (عليه السلام)، ومن أحب أن يلقى الله ولا خوف
عليه فليوال ابنك الحسين، ومن أحب أن يلقى الله وهو تمحص عنه ذنوبه فليوال علي بن الحسين (عليهما السلام) فإنه كمال قال الله تعالى (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)، ومن أحب أن يلقى الله (جلَّ جلاله) وهو قرير العين فليوال محمد بن علي (عليهما السلام)، ومن أحب أن يلقى الله عز وجل فيعطيه كتابه بيمينه فليوال جعفر بن محمد (عليهما السلام)، ومن أحب أن يلقى الله طاهراً مطهراً فليوال موسى بن جعفر النور الكاظم (عليهما السلام)، ومن أحب أن يلقى الله وهو ضاحك فليوال علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)، ومن أحب أن يلقى الله وقد رفعت درجاته وبدلت سيئاته حسنات فليوال ابنه محمد، من أحب أن يلقى الله عز وجل فيحاسبه حساباً يسيراً ويدخله جنة عرضها السموات والأرض فليوال ابنه علي ومن أحب أن يلقى الله (جلَّ جلاله) وهو من الفائزين فليوال ابنه الحسن العسكري، ومن أحب أن يلقى الله (جلَّ جلاله) وقد كمل إيمانه وحسن إسلامه فليوال ابنه صاحب الزمان المهدي، فهؤلاء مصابيح الدجى وأئمة الهدى وأعلام التقى فمن أحبهم وتولاهم كنت ضامناً له على الله الجنة. انتهى.
ولا يريب للعاقل أنه معتقد بصحة الخبر وبمضمونه وإلا لما أودعه في أربعينه وقد قال في أوله ما نقلناه وقال في آخر كلامه: وإنما ملت إلى تفضيلهم - يعني أهل البيت (عليهم السلام) - بعد أن تقدمت مذاهب فعرفتها وبان لي الحقيقة فعرفتها وتبينت الطريقة فسلكتها بالشواهد اللائحة والأخبار الصحيحة الواضحة ونبأت بها من الثقات وأهل الورع والديانات وكذلك أديناها حسب ما رويناها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كذب علي متعمداً فليتبؤ مقعده من النار وعن الذهبي في (دول الإسلام) سنة اثنتي عشرة وأربعمائة وفيها مات الحافظ أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس، وكذا رأيت في (كامل ابن الأثير) في حوادث السنة المذكورة وقد وصفه السيد نعمان آلوسي زاده في بعض مكاتيبه المطبوع من كتابه الموسوم
(بجلاء العينين) بقوله: عالم الملوك وملك العلماء ومرجع الغني والصعلوك ومستند الفضلاء وارث علوم السلف الصالح وناشر لواء الحق من كل قول راجح كشاف غوامض التأويل وسالك جادة التفويض في معالم التنزيل البحر العذب للواردين والدر المنثور للقاصدين المولى الأفخم والأمير المكرم والنواب المفخم حسن القول وصديق الفعل والاسم وطود الوقار والصلاح والعلم - إلى آخره...
الثاني عشر:
أبو المجد عبد الحق الدهلوي البخاري العارف المحدث الفقيه صاحب التصانيف الشايعة الكثيرة، وقد ذكر أحواله ومؤلفاته جماعة كثيرة في فهارسهم.
قال العالم المعاصر الصديق حسن خان الهندي في كتابه الموسوم (بأبجد العلوم) المطبوع سنة 1295: الشيخ عبد الحق الدهلوي وهو المتضلع من الكمال الصوري والمعنوي رزق من الشهرة قسطاً جزيلاً وأثبت المؤرخون ذكره إجمالا وتفصيلاً، حفظ القرآن وجلس على مسند الإفادة وهو بان اثنتين وعشرين سنة ورحل إلى الحرمين الشريفين وصحب الشيخ عبد الوهاب المتقي خليفة الشيخ علي المتقي واكتسب علم الحديث وعاد إلى الوطن واستقر به اثنتين وخمسين سنة بجمعية الظاهر والباطن ونشر العلوم وترجمة كتاب المشكاة بالفارسي وكتب شرحاً على سفر السعادة وبلغت تصانيفه مائة مجلد ولد في محرم سنة 958 وتوفي سنة 1052 وأخذ الخرفة القادرية من الشيخ موسى القادري من نسل الشيخ عبد القادر الجيلاني وكان له اليد الطولى في الفقه الحنفي - إلى آخره.
وذكره الشيخ عبد القادر البدايوني المعاصر له في (منتخب التواريخ) وبالغ في مدح وذكر فضائله.
وكذا مؤلف (منتخب اللباب) المطبوع في كلكته.
وكذا السيد الممجد حسان الهند المولى غلام علي آزاد البلكرامي في (مآثر الكرام) في كلام طويل، وبالغ في الإطراء عليه أيضاً (في سبحة المرجان).
قال الصديق حسن خان في (أبجد العلوم): السيد غلامعلي آزاد بن السيد نوح الحسيني نسباً الواسطي حسباً البلكرامي مولداً ومنشأً والحنفي مذهباً الجشي طريقة والملقب بحسان الهند. وذكر شرحاً طويلاً في ترجمته إلى أن قال: وله مصنفات جليلة ممتعة مقبولة منها: ضوء الدراري شرح صحيح البخاري وعد منها سبحة المرجان وهو في آثار هندوستان ومآثر الكرام تاريخ بلكرام - إلى آخره.
وبالجملة: فجلالة قدره وعلو مقامه غير خفية على أهل هذا الفن، ومن مؤلفاته: جذب القلوب إلى ديار المحبوب وهو تاريخ المدينة الطيبة قد طبع مرات.
فقال: في رسالة له في المناقب وأحوال الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) وهي مذكورة في فهرست مؤلفاته وأشار إليها في كتاب (تحصيل الكمال) على ما نقله عنه بعض الثقات الأعلام من المعاصرين؛ فقال فيه بعد ذكر أمير المؤمنين والحسنين والسجاد والباقر والصادق (عليهم السلام): وهؤلاء من أئمة أهل البيت وقع لهم ذكر في الكتاب. إلى أن قال: لقد تشرفنا بذكرهم جميعاً في رسالة منفردة - إلى آخره، فقال في الرسالة:
وأبو محمد الحسن العسكري ولده م ح م د معلوم عند خواص أصحابه وثقاته) ثم نقل قصة الولادة بالفارسية على طبق ما مر عن فصل الخطاب للخواجة محمد بارسا.
الثالث عشر:
السيد جمال الدين عطاء الله بن السيد غياث الدين فضل الله بن السيد عبد الرحمن المحدث المعروف صاحب كتاب (روضة الأحباب) الدائر بين أولى الألباب الذي عده القاضي حسين الديار بكري في أوّل تاريخ الخميس من الكتب المعتمدة، وفي كشف الظنون (روضة الأحباب في سيرة الأنبياء والآل والأصحاب، فارسي لجلال الدين عطاء الله بن فضل الله الشيرازي النيسابوري المتوفي سنة ألف في مجلدين بالتماس الوزير مير علي شير بعد الاستشارة مع أستاذه وابن عمه السيد أصيل الدين عبد الله وهو على ثلاثة مقاصد - إلى آخره) ولبلاغته وعذوبة كلامه ننقل عين عبارته:
قال: (كلام دربيان إمام دوازدهم م ح م د ابن الحسن (عليهما السلام) تولد همايون آن در درج ولايت وجوهر معدن هدايت بقول أكثر أهل روايت در منتصف شعبان سنه دويست وپنجاه وپنج در سامره اتفاق افتاد وگفته شده در بيست وسيم أز شهر رمضان دويست وپنجاه وهشت ومادر آن عالى گهرام ولد بود ومسماة بصيقل يا سوسن وقيل: نرجس وقيل حكيمة. وآن إمام ذوى الاحترام در كنيت ونام با حضرت خير الانام عليه وآله تحف الصلاة والسلام موافقت دارد ومهدى منتظر والخلف الصالح وصاحب الزمان در القاب أو منتظم است، دروقت پدر بزر گوار خود بروايت كه بصحت أقربست پنج ساله بود وبقول ثانى دو ساله وحضرت واهب العطايا آن شكوفه گلزار را مانند يحيى زكريا سلام الله عليهما در حالت طفوليت حكمت كرامت فرموده ودر وقت صبا بمرتبه بلند امامت رسانيده وصاحب الزمان يعنى مهدى دوران در زمان معتمد خليفه در سنه دويست وشصت وپنج يا شصت وشش على اختلاف القولين در
سردابه سر من رأى از نظر فرق برايا غايب شد. وبعد ذكر كلماتى چند در اختلاف در باره آنجناب ونقل بعضى روايات صريحه در آنكه مهدى موعود همان حجة ابن الحسن العسكرى (عليهما السلام) است گفته راقم حروف گويد كه چون سخن بدينجا رسيد جواد خوش خرام خامه طى بساط انبساط واجد ديد رجاء واثق ووثوق صادق كه لبالى مهاجرت محبان خاندان مصطفوى وايام مضابرت مخلصان دو دمان مرتضوى بنهايت رسيد وآفتاب طلعت با بهجت صاحب الزمان على أسرع الحال از مطلع نصرت واقبال طلوع نمايد تا رايت هدايت اينان مظهر أنوار فضل واحسان از مشرق مراد بر آمده غمام حجاب از چهره عالمتاب بگشايد بهمين اهتمام آن سرور عاليمقام اركان مباني ملت بيضا ما نند ايوان سپهر خضراء سمت ارتفاع واستحكام گيرد وبحسن اجتهاد آن سيد ذوى الاحترام قواعد بنيان ظلم ظلام نشان در بسيط غبرا صفت انخفاض وانعدام پذيرد واهل اسلام در ظلال أعلام ظفر اعلامش از تاب آفتاب حوادث امان وخوارج شقاوت فرجام از اصابت حسام خون آشامش جزاى اعمال خويش يافته بقعر جهنم شتابند ولله در من قال الابيات:
بيا اى امام هدايت شعار * * * كه بگذشت حد غم از انتظار
ز روى هما يون بيفكن نقاب * * * عيان سازرخسار چون آفتاب
برون آى از منزل اختفا * * * نما يان كن آثار مهر و وفا.
وهذه الكلمات من الصراحة في أن معتقده في المهدي الموعود معتقد الإمامية بمكان لا يحتاج إلى البيان.
الرابع عشر:
الحافظ أبو محمّد أحمد بن ابراهيم بن هاشم الطوسي البلاذري بفتح الباء
الموحدة وبعدها الألف وضم الذال وفي آخرها الراء هذه النسبة إلى البلاذر.
قال السمعاني في (الأنساب الكبير) (والمشهور بهذا الانتساب أبو محمد أحمد بن إبراهيم بن هاشم المذكور الطوسي البلاذري الحافظ من أهل طوس كان حافظاً فهماً عارفاً بالحديث سمع بطوس إبراهيم بن اسماعيل العنبري وتليم بن محمد الطوسي وبنيسابور عبد الله بن شيرويه وجعفر بن أحمد الحافظ وبالري محمد بن أيوب والحسن بن أحمد بن الليث وببغداد يوسف بن يعقوب القاضي وبالكوفة محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي وأقرانهم سمع منه الحاكم أبو عبد الله الحافظ.
وأبو محمد البلاذري الواعظ الطوسي كان واحد عصره في الحفظ والوعظ ومن أحسن الناس عشرة وأكثرهم فائدة، وكان يكثر المقام بنيسابور يكون له في كل أسبوع مجلسان عند شيخي البلد أبي الحسين المحمي وأبي نصر العبدي.
وكان أبو علي الحافظ ومشايخنا يحضرون مجالسه ويفرحون بما يذكره على الملأ من الأسانيد ولم أرهم غمزوه قط في أسناد أو اسم أو حديث، وكتب بمكة عن إمام أهل البيت (عليهم السلام) أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا (عليهم السلام).
وذكر أبو الوليد الفقيه قال: كان أبو محمد البلاذري يسمع كتاب الجهاد من محمد بن إسحاق وأمه عليلة بطوس (إلى أن قال) قال الحاكم استشهد بالطاهران سنة 339).
فقال علامة عصره الشاه ولي الله الدهلوي - والد عبد العزيز المعروف بشاه صاحب صاحب التحفة الاثنا عشرية في الرد على الإمامية - الذي وصفه ولده بقوله: (خاتم العارفين وقاصم المخالفين سيد المحدثين وسند المتكلمين حجة الله على العالمين إلى آخره) في كتاب (النزهة) أن الوالد روى في كتاب
المسلسلات المشهور بالفضل المبين (قلت شافهني ابن عقلة بإجازة جميع ما يجوز له روايته ووجدت في مسلسلاته حديثاً مسلسلاً بانفراد كل راو من رواته بصفة عظيمة تفرد بها.
قال؛: أخبرني فريد عصره الشيخ حسن بن علي العجمي، أنا حافظ عصره جمال الدين الباهلي، أنا مسند وقته محمد الحجازي الواعظ، أنا صوفي زمانه الشيخ عبد الوهاب الشعراني، أنا مجتهد عصره الجلال السيطوطي، أنا حافظ عصره أبو نعيم رضوان العقبي، أنا مقرئ زمانه الشمس محمد بن الجزري أنا إمام جمال الدين محمد بن محمد الجمال زاهد عصره، أنا الإمام محمد بن مسعود محدث بلاد فارس في زمانه، أنا شيخنا إسماعيل بن مظفر الشيرازي عالم وقته، أنا عبد السلام بن أبي الربيع الحنفي محدث زمانه، أنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن شابور القلانسي شيخ عصره، أنا عبد العزيز حدثنا محمد الادمي إمام أوانه، أنا سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان نادرة عصره، ثنا أحمد بن محمد بن هاشم البلاذري حافظ زمانه، ثنا محمد بن الحسن بن علي المحجوب إمام عصره، ثنا الحسن بن علي، عن أبيه، عن جده عن أبي جده علي بن موسى الرضا (عليهم السلام)، ثنا موسى الكاظم، قال ثنا أبي جعفر الصادق، ثنا محمد الباقر بن علي، ثنا أبي علي بن الحسين زين العابدين السجاد، ثنا أبي الحسين سيد الشهداء، ثنا أبي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) سيد الأولياء، قال: أخبرنا سيد الأنبياء محمّد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، قال: أخبرني سيد الملائكة جبرئيل قال: قال الله تعالى سيد السادات: (إني أنا الله لا إله إلا أنا من أقر لي بالتوحيد دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي).
قال الشمس بن الجزري: كذا وقع الحديث من المسلسلات السعيدة والعهدة فيه على البلاذري.
وقال الشاه ولي الله المذكور أيضاً في رسالة (النوادر من حديث سيد الأوئل والأواخر) ما لفظه: م ح م د بن الحسن الذي يعتقد الشيعة أنه المهدي عن آبائه الكرام وجدت في مسلسلات الشيخ محمد بن عقلة المكي عن الحسن العجيمي (ح) أخبرنا أبو طاهر أقوى أهل عصره سنداً اجازة لجميع ما تصح له روايته قال: أخبرنا فريد عصره الشيخ حسن بن علي العجيمي - إلى آخر ما تقدم باختلاف جزئي في تقديم بعض الألقاب وتأخيره على الأسامي.
وعن السيوطي في (رسالة التدريب) قال: وذكر في شرح النخبة أن المسلسل بالحفاظ مما يفيد العلم القطعي - الخ. وقد عرفت ما ذكره السمعاني في حق البلاذري فلا موقع لما ذكره الجزري.
الخامس عشر:
الشيخ العالم الأديب الأوحد حجة الإسلام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن الخشاب المذكور في (تاريخ ابن خلكان) بقوله بعد الترجمة: المعروف بابن الخشاب البغدادي العالم المشهور في الأدب والنحو والتفسير والحديث والنسب والفرائض والحساب وحفظ القرآن العزيز بالقراءات الكثيرة وكان متضلعاً من العلوم وله فيها اليد الطولى - إلى آخر ما ذكره هو، وكذا السيوطي في (طبقات النحاة) فقد بالغ في الثناء عليه.
فقال في كتابه في تواريخ مواليد الأئمة ووفياتهم (عليهم السلام) (وهو كتاب صغير معروف ينقل عنه ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة وعلي بن عيسى الأربلي الموثق المعتمد عند أهل السنة في كتابه الموسوم: (بكشفة الغمة) فقال فيه بإسناده عن أبي بكر أحمد بن نصر بن عبد الله بن الفتح الدراع النهرواني حدثنا صدقة بن موسى، حدثنا أبي، عن الرضا (عليه السلام) قال: (الخلف
الصالح من ولد أبي محمد الحسن بن علي وهو صاحب الزمان وهو المهدي).
وحدثني الجراح بن سفيان قال حدثني أبو القاسم طاهر بن هرون بن موسى العلوي عن أبيه هرون عن أبيه موسى قال قال سيدي جعفر بن محمد (عليهما السلام): (الخلف الصالح من ولدي هو المهدي اسمه م ح م د وكنيته أبو القاسم يخرج في آخر الزمان يقال لأمه صيقل).
قال لنا أبو بكر الدراع: وفي رواية أخرى بل أمه حكيمة وفي رواية أخرى ثالثة يقال لها نرجس ويقال بل سوسن والله أعلم بذلك يكنى بأبي القاسم وهو ذو الأسمين خلف وم ح م د يظهر في آخر الزمان على رأسه غمامة تظله من الشمس تدور معه حيث ما دار تنادي بصوت فصيح هذا هو المهدي.
حدثني محمّد الطوسي قال حدثنا أبو السكين عن بعض أصحاب التاريخ أن أم المنتظر يقاله لها: حكيمة.
حدثني محمد بن موسى الطوسي، حدثني عبيد الله بن محمد عن الهشيم بن عدي قال: يقال: كنيته الخلف الصالح أبو القاسم وهو ذو الاسمين هذا آخر الكتاب.
السادس عشر:
شهاب الدين بن شمس الدين بن عمر الهندي المعروف بملك العلماء صاحب التفسير الموسوم: (بالبحر المواج) قال في (سبحة المرجان) (مولانا القاضي شهاب الدين بن شمس الدين بن عمر الزاولي الدولة آبادي، ولد القاضي بدولة آباد دهلي وتلمذ على القاضي عبد المقتدر الدهلوي ومولانا خواجكي الدهلوي ففاق أقرانه وسبق إخوانه وكان القاضي عبد المقتدر يقول في حقه: يأتيني من الطلبة من جلده علم ولحمه علم وعظمه علم - إلى أن ذكر هجرته إلى
جونفور ولقبه سلطانه بملك العلماء فزين القاضي مسند الإفادة وفاق البرجيس في إفاضة السعادة وألّف كتباً سارت بها ركبان العرب والعجم أزكى مسرجاً أهدى من النار الموقدة على العلم منها: البحر المواج تفسير القرآن العظيم بالفارسية - إلى أن قال: ومناقب السادات بتلك العبارة أي بالفارسية قال: وتوفي سنة 849 - انتهى.
وكتابه: المناقب موسوم بهداية السعداء فقال فيه: ويقول أهل السنة أن خلافة الخلفاء الأربعة ثابت بالنص كذا في عقيدة الحافظية.
قال النبي (صلى الله عليه وآله) خلافتي ثلاثون سنة، وقد تمت بعلي، وكذلك خلافة الأئمة الاثني عشر، أولهم: الإمام علي كرم الله وجهه وفي خلافته ورد حديث الخلافة ثلاثون سنة، والثاني الإمام الشاه حسن (رضي الله عنه) قال (صلى الله عليه وآله): هذا ابني سيد سيصلح بين المسلمين، الثالث: الشاه حسين (رضي الله عنه) قال: هذا ابني سيد ستقتله الباغية، وتسعة من ولد الشاه حسين (رضي الله عنه) قال: بعد الحسين بن علي كانوا من أبنائه تسعة أئمة آخرهم القائم (عليهم السلام).
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: دخلت على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين يديها ألواح وفيها أسماء أئمة من ولدها فاعتددت أحد عشر اسماً آخرهم القائم (عليه السلام).
ثمّ أورد على نفسه سؤالاً أنه لِمَ لَمْ يدع زين العابدين الخلافة؟ فأجاب عنه بكلام طويل حاصله: أنه رأى ما فعل بجده أمير المؤمنين وأبيه (عليهما السلام) من الخروج والقتل والظلم وسمع أن النبي (صلى الله عليه وآله) رأى في منامه أن أجرية الكلاب تصعد على منبره وتعوي فحزن فنزل عليه جبرئيل بالآية (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) وهي مدة ملك بني أمية وتسلطهم على عباد الله فخاف وسكت إلى أن يظهر المهدي من ولده فيرفع ألوية ويخرج السيف فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً. إلى أن قال:
أولهم الإمام زين العابدين والثاني الإمام محمد الباقر والثالث الإمام جعفر الصادق ابنه والرابع الإمام موسى الكاظم ابنه والخامس الإمام علي الرضا ابنه والسادس الإمام محمد التقي ابنه والسابع الإمام على النقي ابنه والثامن الإمام الحسن العسكري ابنه والتاسع الإمام حجة الله القائم الإمام المهدي ابنه وهو غائب وله عمر طويل كما بين المؤمنين عيسى وإلياس وخضر وفي الكافرين الدجال والسامري - انتهى المقصود من كلامه وفيه الكفاية.
السابع عشر:
الشيخ العالم المحدث علي المتقي بن حسام الدين بن القاضي عبد الملك بن قاضي خان القرشي من كبار العلماء وقد مدحوه في التراجم ووصفون بكل جميل.
قال الشيخ عبد القادر بن الشيخ عبد الله في (النور السافر عن أخبار القرن العاشر) في ليلة الثلاثاء وقت السحر توفي العالم الصالح الولي الشهير العارف بالله تعالى على المتقي (إلى أن قال) وكان من العلماء العاملين وعباد الله الصالحين على جانب عظيم من الورع والتقوى والاجتهاد في العبادة ورفض السوى. وله مصنفات عديدة.
وذكر شرحاً في رياضته في الأكل والنوم وعزلته عن الناس (إلى أن قال) ومؤلفاته كثيرة نحو مائة مؤلف ما بين صغير وكبير، ومحاسنة جمة ومناقبه ضخمة وقد أفردها العلامة عبد القادر بن أحمد الفاكهي في تأليف لطيف سماه (القول النقي في مناقب المتقي) ونقل عنه قال: ما اجتمع به أحد من العارفين أو العلماء العاملين إلا أثنوا عليه ثناء بليغاً، كشيخنا تاج العارفين أبي الحسن البكري وشيخنا الفقيه العارف الزاهد الوجيه العمودي وشيخنا إمام الحرمين الشهاب
بن حجر الشافعي وصاحبنا فقيه مصر شمس الدين الرملي الأنصاري وشيخنا فصيح علماء عصره شمس البكري ولكل من هؤلاء الجلة عندي ما دل على كمال مدحه شيخنا المتقي بحسن استقامته - إلى آخر ما قال.
وذكر الشعراني في (لواقح الأخيار) قال: ومنهم الشيخ الصالح الورع والزاهد سيدي علي المهتدي (رضي الله عنه)، اجتمعت به في سنة سبع وأربعين بمكة المشرفة مدة إقامتي بالحج وانتفعت برؤيته ولحظه - إلخ. وبالغ في مدحه محمد طاهر الكجراتي في خطبة كتابه (مجمع البحار).
وذكره حسان الهندي غلام عليّ آزاد في (سبحة المرجان) وأطال الكلام فيه قال: وكان الشيخ ابن حجر صاحب الصواعق المحرقة أستاذاً للمتقي وفي الآخر تلمذ على المتقي ولبس الخرقة منه الخ.
وذكره أيضاً الشيخ عبد الحقّ بن سيف الدين الدهلوي البخاري وأثني عليه ثناءً بليغاً. ومن مؤلفاته المعروفة كنز العمال وتبويب جامع الصغير للسيوطي على أبواب الفقه، ورتب جمع الجوامع له أيضاً واستحسنه أهل عصره حتّى قال أبو الحسن البكري: للسيوطي منة على العالمين وللمتقي منة عليه توفي سنة 975.
فقال في (المرقاة شرح المشكاة) بعد ذكر حديث اثني عشرية الخلفاء قلت: وقد حمل الشيعة الاثني عشرية على أنهم من أهل النبوة متوالية أعم من أن لهم خلافة حقيقة يعني ظاهراً أو استحقاقاً فأولهم علي ثم الحسن والحسين فزين العابدين فمحمد الباقر فجعفر الصادق فموسى الكاظم فعلي الرضا فمحمد التقي فعلي النقي فحسن العسكري فمحمد المهدي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين على ما ذكرهم زبدة الأولياء خواجة محمد پارسا في كتاب فصل الخطاب مفصلة وتبعه مولانا نور الدين عبد الرحمن الجامي في أواخر شواهد النبوة وذكرا فضائلهم ومناقبهم وكراماتهم مجملة وفيه رد على الروافض حيث يظنون بأهل
السنة أنهم يبغضون أهل البيت باعتقادهم الفاسد ووهمهم الكاسد انتهى. وأوّل كلامه وإن كان نقلاً لمذهب الشيعة إلا أن آخره صريح في التصديق بما قالوا.
وقال: أيضاً في كتابه (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان): عن أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: لصاحب هذا الأمر - يعني المهدي - غيبتان أحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات وبعضهم ذهب لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره.
عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال: يكون لصاحب هذا الأمر - يعني المهدي - غيبة في بعض هذه الشعاب، وأومى بيده إلى ناحية ذي طوى، حتى إذا كان قبل خروجه إلى المولى الذي يكون معه حتى يلقى بعض أصحابه فيقول: كم أنتم؟ فيقولون: نحواً من أربعين رجلاً. فيقول: كيف أنتم لو رأيتم صاحبكم؟ فيقولون: والله لو يأوي الجبال لنأواها، ثم يأتيهم من المقابلة فيقول: استبروا من رؤساكم عشرة، فيستبرون له فينطلق بهم حتى يلقوا صاحبهم ويعدهم الليلة التي يليها.
الثامن عشر:
العالم المعروف فضل بن روزبهان شارح الشمائل للترمذي. قال في أوله: (يقول الفقير إلى الله تعالى مؤلف هذا الشرح أبو الخير فضل الله بن أبي محمد روزبهان محمد بن فضل الله بن محمد بن إسماعيل بن علي الأنصاري أصلاً وتبارا الخنجي محتداً الشيرازي مولداً الأصبهاني داراً المدني موتاً وإقباراً إنشاء الله تعالى، أخبرنا بكتاب الشمائل - إلخ).
وهو الذي تصدى لرد كتاب (نهج الحق) للعلامة الحلي حسن بن يوسف بن المطهر وسماه (إبطال الباطل) وهو مع شدة تعصبه وإنكاره لجملة من
الأخبار الصحيحة الصريحة بل بعض ما هو كالمحسوس وافق الإمامية في هذا المطلب، فقال في شرح قول العلامة: المطلب الثاني في زوجته وأولاده (عليه السلام): كانت فاطمة سيدة نساء العالمين (عليها السلام) زوجته وساق بعض فضائلها وفضائل الأئمة من ولدها.
قال الفضل أقول: ما ذكر من فضائل فاطمة صلوات الله على أبيها وعليها وعلى سائل آل محمد والسلام أمر لا ينكر، فإن الإنكار على البحر برحمته وعلى البر بسعته وعلى الشمس بنورها وعلى الأنوار بظهورها وعلى السحاب بجوده وعلى الملك بسجوده إنكار لا يزيد المنكر إلى الاستهزاء به، ومن هو قادر على ان ينكر على جماعة هم أهل السداد وخزان معدن النبوة وحفاظ آداب الفتوة صلوات الله وسلامه عليهم، ونعم ما قلت فيهم منظوماً:
سلام على المصطفى المجتبى * * * سلام على السيد المرتضى
سلام على ستنا فاطمة * * * من اختارها الله خير النسا
سلام من المسك أنفاسه * * * على الحسن الألمعي الرضا
سلام على الأورعي الحسين * * * شهيد برى جسمه كربلا
سلام على سيد العابدين * * * علي بن الحسين المجتبى
سلام على الباقر المهتدي * * * سلام على الصادق المقتدى
سلام على الكاظم الممتحن * * * رضي السجايا إمام التقى
سلام على الثامن المؤتمن * * * علي الرضا سيد الأصفيا
سلام على المتقي التقي * * * محمد الطيب المرتجى
سلام على الأريحي النقي * * * علي المكرم هادى الورى
سلام على السيد العسكري * * * إمام يجمز جيش الصفا
سلام على القائم المنتظر * * * أبي القاسم القرم نور الهدى
سيطلع كالشمس في غاسق * * * ينجيه من سيفه المنتقى
ترى يملأء الأرض من عدله * * * كما ملئت جور أهل الهوى
سلام عليه وآبائه * * * وأنصاره ما تدوم السما
فنص من غير تردد أن المهدي الموعود القائم المنتظر هو الثاني عشر من هؤلاء الأئمة الغر الميامين الدرر (عليهم السلام) والحمد لله.
التاسع عشر:
الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بنور الله من خلفاء العباسية، وهو الذي أمر بعمارة السرداب الشريف وجعل على الصفة التي فيه شباكاً من خشب ساج منقوش عليه: (بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)، هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على جميع الأنام أبو العبّاس أحمد الناصر لدين الله أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين الذي طبق البلاد إحسانه وعدله وعم البلاد رأفته وفضله قرب الله أوامره الشريفة باستمرار النجح والنشر وناطها بالتأييد والنصر وجعل لأيامه المخلدة حداً لا يكبو جواده ولآرائه الممجدة سعداً لا يخبو ناره في عز تخضع له الأقدار فيطيعه عواميها وملك خشع له الملك فيملكه نواصيها بتولي المملوك معد بن الحسين بن معد موسوي الذي يرجو الحياة في أيامه المخلدة ويتمنى إنفاق عمره في الدعاء لدولته المؤبدة استجاب الله أدعيته وبلغه في أيامه الشريفة أمنيته من سنة ست وستمائة الهلالية وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا خاتم النبيين وعلى آله الطاهرين وعترته وسلم تسليماً).
ونقش أيضاً في الخشب الساج داخل الصفة في دابر الحائط (بسم الله الرحمن الرحيم:
محمد رسول الله أمير المؤمنين علي ولي الله فاطمة الحسن بن علي الحسين بن علي علي بن الحسين محمد بن علي جعفر بن محمد موسى بن جعفر علي بن موسى محمد بن علي علي بن محمد الحسن بن علي القائم بالحقّ (عليهم السلام) هذا عمل علي بن محمد ولي آل محمد؛).
ولولا اعتقاد الناصر بانتساب السرداب إلى المهدي (عليه السلام) بكونه محل ولادته أو موضع غيبته أو مقام بروز كرامته لا مكان إقامته في طول غيبته كما نسبه بعض من لا خبرة له إلى الإمامية وليس في كتبهم قديماً وحديثاً منه أثر أصلاً، لما أمر بعمارته وتزيينه، ولو كانت كلمات علماءِ عصره متفقة على نفيه وعدم ولادته لكان إقدامه عليه بحسب العادة صعباً أو ممتنعاً، فلا محالة فيهم من وافقه في معتقده الموافق لمعتقد جملة ممن سبقت إليهم الإشارة وهو المطلوب، وإنما أدخلنا الناصر في سلك هؤلاءِ لامتيازه عن أقرانه بالفضل والعلم وعداده من المحدثين فقد روى عنه ابن سكينة وابن الأخضر وابن النجار وابن الدامغاني.
العشرون:
العالم العابد العارف الورع البارع الألمعي الشيخ سليمان ابن خواجة كلان الحسين القندوزي البلخي صاحب كتاب (ينابيع المودة)، فقد بالغ فيه في إثبات كون المهدي الموعود هو الحجة بن الحسن العسكري (عليهما السلام) وعقد لذلك أبواباً، ولشيوعه وتبين معتقده فيه أعرضنا عن نقل كلماته التي تزيد على كراس، من أراده راجعه، وكان حنفي المذهب صوفي المشرب جامعاً للشريعة والطريقة مدرساً مرشداً في المدرسة والخانقاه حشره الله مع من يتولاه.
الحادي والعشرون:
العارف المشهور شيخ الإسلام الشيخ أحمد الجامي، قال عبد الرحمن
الجامي في كتابه (النفحات) كما في الينابيع وغيره: أنه دخل في غار جبل قرب بلد جام بجذب قوي من الله جل شأنه، وكان أمياً لا يعرف الحروف ولا الكتاب وسنه كان اثنين وعشرين، واستقام في الغار ثماني عشرة سنه من غير طعام ويأكل أوراق الأشجار وعروقها وعبد الله فيه إلى أن بلغ سنة أربعين سنة، ثمّ أمره الله بإرشاد الناس وصنف كتاباً قدره ألف ورقة تحير فيه العلماء والحكماء من غموض معانيه، وهو عجيب في هذه الأمة، وبلغ عدد من دخل في طريقته من المريدين ستمائة ألف. قال في الينابيع: ومن كلماته (قدّس سرّه) أسراره ووهب لنا من فيوضاته وبركاته بالفارسية:
من زمهر حيدرم هر لحظة أندر دل صفاست * * * از پي حيدر حسن ما رام إمام ورهنما است
إلى أن قال:
عسكري نور دوچشم عالمست وآدمست * * * همچو يك مهدي سپهسالار عالم كجا است
الثاني والعشرون:
صلاح الدين الصفدي قال في (ينابيع المودة): قال الشيخ الكبير العارف بأسرار الحروف صلاح الدين الصفدي في شرح الدائرة: أن المهدي الموعود هو الإمام الثاني عشر من الأئمة أولهم سيدنا علي وأخرهم المهدي (رضي الله عنه)م ونفعنا الله بهم.
الثالث والعشرون:
بعض المصريين من مشايخ الشيخ العارف الشيخ إبراهيم القادري الحلبي
قال في (ينابيع المودة): قال لي الشيخ عبد اللطيف الحلبي سنة ألف ومائتين وثلاث وسبعين أن أبي الشيخ إبراهيم؛ قال: سمعت بعض مشايخي من مشايخ مصر يقول بايعنا الإمام المهدي (عليه السلام) - انتهى.
وكان الشيخ إبراهيم في طريقة القادرية ومن كبار مشايخ حلب الشهباء المحروسة، نفعنا الله من فيضه.
الرابع والعشرون:
الشيخ عبد الرحمن البسطامي، قال في (الينابيع): قال الشيخ الكبير عبد الرحمن البسطامي صاحب كتاب (درة المعارف) قدس الله سره وأفاض علينا فتوحه وغوامض علومه:
ويظهر ميم المجد من آل محمد * * * ويظهر عدل الله في الناس أولا
كما قد روينا عن علي الرضا * * * وفي كنز علم الحرف أضحى محصلاً
وأشار بقوله: روينا إلى ما رواه الشيخ المحدث الفقيه محمد بن إبراهيم الجويني الحمويني الشافعي في كتابه (فرائد السمطين) بإسناده عن أحمد بن زياد عن دعبل بن علي الخزاعي: قال: أنشدت قصيدتي لمولاي الإمام علي الرضا (رضي الله عنه) أوّلها:(24)
مدارس آيات خلت من تلاوة * * * ومنزل وحي مقفر العرصات
أرى فيئهم في غيرهم متقسماً * * * وأيديهم من فيئهم صفرات
وقبر ببغداد لنفس زكية * * * تضمنها الرحمن في الغرفات
قال الرضا أفلا ألحق البيتين بقصيدتك؟ قلت: بلى يا بن رسول الله. فقال:
وقبر بطوس يا لها من مصيبة * * * توقد في الأحشاء بالحرقات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24) ينابيع المودة: ص454 نقلاً عن كتاب فرائد السمطين.
إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً * * * يفرج عنا الهم والكربات
قال دعبر: ثم قرأت بواقي القصيدة عنده، فلما انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة واقع * * * يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل * * * ويجزي على النعمات والنقمات
بكى الرضا بكاءً شديداً ثم قال: يا دعبل نطق روح القدس بلسانك، أتعرف من هذا الإمام؟ قلت: لا إلا أني سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً. فقال: أن الإمام بعدي ابني محمد وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم وهو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وأما متى يقوم فإخبار عن الوقت لقد حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة).
الخامس والعشرون:
المولوي علي أكبر بن أسد الله المؤودي من متأخري علماء الهند، قال في كتاب (المكاشفات) الذي جعله كالحواشي على كتاب النفحات للمولى عبد الرحمن الجامي قال في حاشية ترجمة علي بن سهل بن الأزهر الأصبهاني ولقد قالوا إن عدم الخطأ في الحكم مخصوص بالأنبياء آكد الخصوصية، والشيخ (رضي الله عنه) يخالفهم في ذلك لحديث ورد في شأن الإمام المهدي الموعود على جده وعليه الصلاة والسلام كما ذكر ذلك صاحب اليواقيت عنه حيث قال: صرح الشيخ (رضي الله عنه) في الفتوحات بأن الإمام المهدي يحكم بما ألقى عليه ملك الإلهام من الشريعة، وذلك أنه يلهمه الشرع المحمدي فيحكم به كما أشار إليه حديث المهدي (عليه السلام) أنه يقفو أثري لا يخطئ، فعرفنا
( أنه متبع لا مبتدع وأنه معصوم في حكمه، إذ لا معنى للمعصوم في الحكم إلا أنه لا يخطئ وحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يخطئ، فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو لا وحي يوحى، وقد أخبر عن المهدي أنه لا يخطئ وجعله ملحقاً بالأنبياء في ذلك الحكم. وأطال صاحب اليواقيت في ذلك نقلاً عن الشيخ (رضي الله عنه) وعن غيره من العلماء والفضلاء من أهل السنة والجماعة.
وقال; في المبحث الحادي والثلاثين في بيان عصمة الأنبياء: من كل حركة وسكون وقول وفعل ينقص مقامهم الأكمل، وذلك لدوام عكوفهم في حضرة الله تعالى الخاصة، فتارة يشهدونه سبحانه وتارة يشهدون أنه يراهم ولا يرونه ولا يخرجون أبداً عن شهود هذين الأمرين، ومن كان مقامه كذلك لا يتصور في حقه مخالفة قط، صورية كما سيأتي بيانه وتسمى هذه حضرة الإحسان ومنها عصم الأنبياء وحفظ الأولياء، فالأولياء يخرجون ويدخلون والأنبياء مقيمون، ومن أقام فيها من الأولياء كسهل بن عبد الله التستري وسيدي إبراهيم المبتولي فإنما ذلك بحكم الإرث والتبعية للأنبياء استمداداً من مقامهم لا بحكم الاستقلال فافهم.
ثمّ قال في المبحث الخامس والأربعين: قد ذكر الشيخ أبو الحسن الشاذلي (رضي الله عنه): أن للقطب خمسة عشر علامة: أن يمدد بمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة ومدد حملة العرش ويكشف له عن حقيقة الذات وإحاطة الصفات - إلى آخره.
فبهذا صح مذهب من ذهب إلى كون غير النبي (صلى الله عليه وآله) معصوماً، ومن قيد العصمة في زمرة معدودة ونفاها عن غير تلك الزمرة فقد سلك مسلكاً آخر، وله أيضاً وجه يعلمه من علمه، فإن الحكم بكون المهدي الموعود (رضي الله عنه) موجوداً وهو كان قطباً بعد أبيه الحسن العسكري (عليهما السلام)
كما كان هو قطباً بعد أبيه إلى الإمام علي بن أبي طالب كرمنا الله بوجودهم يشير إلى صحة حصر تلك الرتبة في وجوداتهم من حين كان القطبية في وجود جده علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى أن تتم في لا قبل ذلك، فكل قطب فرد يكون على تلك الرتبة نيابة عنه لغيبوبته من أعين العوام والخواص لاعن أعين أخص الخواص. وقد ذكر ذلك عن الشيخ صاحب اليواقيت وعن غيره أيضاً (رضي الله عنه) وعنهم فلا بدّ أن يكون لكل إمام من الأئمّة الاثني عشر عصمة. خذ هذه الفائدة:
قال الشيخ عبد الواهب الشعراني في المبحث الخامس والستين: قال الشيخ تقي الدين بن أبي المنصور في عقيدته بعد ذكر تعيين السنين للقيامة: فهناك يترقب خروج المهدي (عليه السلام) وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) - وساق كما مر إلى قوله: يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليه وآله، وقال: ثم عد (رضي الله عنه) نبذة من شيم المهدي وأخلاقه النبوية التي تكون فيه ونحن نذكره في أحوال عارف الجندي إن شاء الله تعالى.
السادس والعشرون:
العارف عبد الرحمن من مشايخ الصوفية صاحب كتاب (مرآة الأسرار) - الذي ينقل عنه الشاه ولي الله الدهلوي والد الشاه صاحب عبد العزيز صاحب التحفة الاثنا عشرية في كتاب الانتباه في سلاسل أولياء الله وأسانيد وارثي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال في الكتاب المذكور:
ذكر آن آفتاب دين ودولت آن هادى جميع ملت ودولت آن قائم مقام پاك أحمدى امام برحق أبو القاسم م ح م د بن الحسن المهدى (رضي الله عنه) وى امام دوازدهم است از ائمة اهل بيت مادرش ام ولد بود نرجس نام داشت ولادتش شب جمعه پانزدهم ماه رمضان سنه خمس وخمسين ومائتين وبرواية
شواهد النبوة بتاريخ ثلاث وعشرين شهر رمضان سنة ثمان وخمسين در سر من رأى عرف سامره واقع شد وامام دوازدهم در كنيت ونام حضرت رسالت پناهى (عليه السلام) موافقت دارد ألقاب شريفش مهدى وحجت وقائم ومنتظر وصاحب الزمان وخاتم اثني عشر، وصاحب الزمان (عليه السلام) دروقت وفات پدر خود امام حسن عسكرى (عليه السلام) پنجساله بودكه بر مسند امامت نشست چنانچه حق تعالى حضرت يحيى بن زكريا (عليهما السلام) رادر حالت طفوليت حكمت كرامت فرمود وعيسى بن مريم (عليهما السلام) را وقت صبا بمرتبه بلند رسانيد وهمچنين أو را در اين صغر سن امام گردانيد وخوارق عادات اونه چندانست كه در اين مختصر گنجايش دارد ملا عبد الرحمن جامي از حكيمه خواهر امام عليّ النقي كه عمه امام حسن عسكرى (عليهما السلام) باشد روايت ميكند. تا آخر آنچه گذشت.
وقال أيضاً: وحضرت شيخ محى الدين بن عربى در باب سيصد وشصت وهشتم از كتاب فتوحات مكى ميفرمايد كه بدانيد اي مسلمانان كه چاره نيست ازخروج مهدي كه والد او حسن عسكريست ابن امام عليّ نقي ابن امام محمد تقي إلى آخره پس سعادتمندترين مردم به او أهل كوفه خواهند بود أو دعوت ميكند مردم را بسوى حق تعالى بشمشير پس هركه ابا ميكند ميكشد او را وكسيكه منازعت ميكند با او مخذول ميشود چنانچه در اين محل تمام احوال امام مهدي (عليه السلام) در كتاب مذكور مفصل بيان نموده است هر كه خواهد در آنجا مطالعه نمايد. وحضرت مولانا عبد الرحمن جامى مردى صوفى كارها ديده وشافعى مذهب بوده تمام احوال وكمالات وحقيقت متولد شدن ومخفى گشتن امام م ح م د بن حسن عسكري (عليهما السلام) مفصل در كتاب شواهد النبوة تصنيف خود بوجه أحسن از أئمه أهل بيت عترت وأرباب سيرت روايت
كرده است وصاحب كتاب مقصد اقصى مينويسد كه حضرت شيخ سعد الدين حموى خليفه حضرت نجم الدين در حق امام مهدى يك كتاب تصنيف كرده است وديگر چيزها بسيار همراه او نموده است كه ديگر هيچ آفريده را آن أقوال وتصرفات ممكن نيست چون او ظاهر شود ولايت مطلقه آشكارا گردد واختلاف مذاهب وظلم وبدخوئي برخيزد چنانكه أوصاف حميده او در احاديث نبوى وارد شده است كه مهدى در آخر زمانه آشكار گردد وتمام ربع مسكونرا از جور وظلم پاك سازد ويك مذهب پديد آيد مجملا هرگاه دجال بد كردار بيدار شده بود وزنده ومخفى هست وحضرت عيسى (عليه السلام) كه بوجود آمده بود ومخفى از خلق است پس اگر فرزند رسول خدا (صلى الله عليه وآله) امام محمد مهدى ابن حسن عسكرى (عليهما السلام) هم از نظر عوام پوشيده شد وبوقت خود مثل عيسى (عليه السلام) ودجال موافق تقدير الهى آشكارا گردد جاى تعجب نيست از أقوال چندين بزرگان واز فرموده أئمة أهل بيت رسول خدا (صلى الله عليه وآله) انكار نمودن از راه تعصب چندان ضرور نيست.
السابع والعشرون:
القطب المدار الذي كتب عبد الرحمن الصوفي كتاب (مرآة الأسرار) لأجله فقال فيه في أحوال مدار: بعد از صفاى باطنى او را حضور تمام بروحانيت حضرت رسالت پناه ميسر گشت آن حضرت أز كمال مهربانى وكرم بخشى دست قطب المدار بدست حق پرست خود گرفت وتلقين اسلام حقيقى فرمود ودر آنوقت روحانيت حضرت مرتضى علي كرم الله وجهه حاضر بود پس ويرا بحضرت علي مرتضى سپرد وفرمود كه اين جوان طالب حق است اينرا بجاى فرزندان خود تربيت نموده بمطلوب برسان كه اين جوان نزديك حقّ تعالى بغايت
عزيز است قطب مدار وقت خواهد شد پس شاه مدار حسب الحكم آن حضرت تولا بحضرت مرتضى علي كرم الله وجهه نمود وبر سر مرقد وى بنجف أشرف رفت ودر آستانه مباركه رياضت ميكشيد انواع تربيت از روحانيت پاك حضرت مرتضى على كرم الله وجهه بطريق صراط المستقيم مى يافت واز سبب وسيله دين محمد (صلى الله عليه وآله) بمشاهده حق الحق بهره مند گرديد وجميع مقامات صوفيه صافيه طى نمود عرفان حقيقى حاصل كرد آن زمان اسد الله الغالب أو را بفرزند رشيد خود كه وارث ولايت مطلق محمد مهدى بن حسن العسكرى نام داشت در عالم ظاهر با وى آشنا گردانيد واز كمال مهرباني فرمود كه قطب المدار بديع الدين باشارت حضرت رسالت پناه تربيت نموده بمقامات عالية رسانيده بفرزندى قبول كرده ام شما نيز متوجه شده جميع كتب آسمانى از راه شفقت به اين جوان شايست روزگار تعليم بكنيد پس صاحب زمان مهدى از كمال ألطاف شاه مدار را در چند مدت دوازده كتاب وصحف آسماني تعليم نمود - إلخ.
الثامن والعشرون:
الفاضل القاضي جواد الساباطي وكان نصرانياً فأسلم وهو من أهل السنة والجماعة وألف كتاباً في إثبات حقية الإسلام سماه (البراهين الساباطية) وهو رد على النصارى، ونقل فيه من كتاب شعيا انذر يرشل كم فورت ارادوات آن ذي ستم آت جيسى اندا برنج شل كردوات آن هر زوقس اندزي سيرت آف وزدم انداندر ستيذنك اندژى سبيرت اف كوسل اندسبت ذي سبيرت آن نالج اند آن ذي فيراب ذي لارداند شل سيك هم اكوك اندر ستيذان ذي فبراب لار داند شل مات حج افترذى سبت ان هزاپس نيز زد بروف افترذى بيرنك آن هزيزيس.
وترجمته بالعربية: وستخرج من قنس الأسى ينبت من عروقه غصن وستستقر عليه روح الرب أعنى روح الحكمة والمعرفة وروح الشورى والعدل وروح العلم وخشية الله ويجعله ذا فكرة وقادة مستقيماً في خشية الرب فلا يقضى كذا بلجمات الوجوه ولا يدين بالسمع.
ثمّ ذكر تأويل اليهود والنصارى هذا الكلام ورده وقال: فيكون المنصوص عليه هو المهدي (رضي الله عنه) بعينه بصريح قوله ولا يدين بمجرد السمع، لأن المسلمين أجمعوا على أنه (رضي الله عنه) لا يحكم بمجرد السمع والحاضر بل لا يلاحظ إلا الباطن، ولم يتفق ذلك لأحد من الأنبياء والأوصياء.
إلى أن قال: وقد اختلف المسلمون في المهدي (رضي الله عنه)، فقال أصحابنا من أهل السنة والجماعة أنه رجل من أولاد فاطمة يكون اسمه محمداً واسم أبيه عبد الله وأمه آمنة، وقال الإماميون بل أنه هو محمد بن الحسن العسكري وکان قد تولد سنة 255 من فتاة للحسن العسكري (رضي الله عنه) اسمها نرجس في سر من رأى بزمن المعتمد ثم غاب سنة ثم ظهر ثم غاب وهي الغيبة الكبرى ولا يؤب بعدها إلا إذا شاء الله، ولما كان قولهم أقرب لتناول هذا النص وكان غرضي الذب عن ملة محمد (صلى الله عليه وآله) مع قطع النظر عن التعصب في المذهب ذكرت لك مطابقة ما يدعيه الإماميون مع هذا النص - انتهى.
وهذا الكتاب قد طبع قبل هذا بأزيد من ثلاثين سنة.
التاسع والعشرون:
الشيخ العارف سعد الدين محمد بن المؤيد بن أبي الحسين بن محمد بن حمويه المعروف بالشيخ سعد الدين الحموي خليفة نجم الدين الكبري، وقد
ألف كتاباً مفرداًَ في حالاته وصفاته (عليه السلام) ووافق فيه الإمامية كما نقله عنه عبد الرحمن الصوفي في (مرآة الأسرار).
وقال المولى عزيز الدين عمر بن محمد بن أحمد النسفي المعروف صاحب كتاب العقائد المعروف (بالعقائد النسفية) في رسالته في تحقيق النبوة والولاية قال الشيخ سعد الدين الحموي: أنه لم يكن المولي قبل محمد (صلى الله عليه وآله) في الأديان السابقة ولا اسم الولي وان كان في كل دين صاحب شريعة، والذين كانوا يدعون الناس إلى دينه كانوا يسمون بالنبي، فكان في دين آدم أنبياء يدعون الخلائق إلى دينه، وكذا في دين موسى وفي دين عيسى وفي دين إبراهيم (عليهم السلام)، ولما بلغت النوبة إلى نبينا (صلى الله عليه وآله) قال: لا نبي بعدي يدعو الناس إلى ديني والذين يأتون بعدي ويتبعونني يسمون بالأولياء وهؤلاء الأولياء يدعون الخلق إلى ديني، واسم الولي ظهر في ديني والله تعالى جعل اثني عشر نفساً في دين محمد (صلى الله عليه وآله) نوابه والعلماء ورثة الأنبياء قاله في حقهم.
وكذا قوله: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل، قاله في حقهم. وعند الشيخ الولي في أمة محمد (صلى الله عليه وآله) ليس أزيد من هؤلاء الاثنا عشر، وآخر الأولياء وهو الثاني عشر هو المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) - انتهى.
وفي (ينابيع المودة) وفي كتاب الشيخ عزيز بن محمد النسفي شيخ الشيوخ سعد الدين الحموي ميفرمايد (وساق مثله وفي آخره) وأما الولي الآخر وهو النائب الآخر ولي الثاني عشر والنائب الثاني عشر خاتم الأولياء واسمه المهدي صاحب الزمان.
وقال الشيخ: الأولياء في العالم ليسوا أزيد من اثني عشر، وأما ثلاثمائة وست وخمسين الذين هم رجال الغيب لا يقال لهم الأولياء ويقال لهم (الأبدال).
قال السيد علي الهمداني الصوفي في شرح القصيدة الميمية لابن فارض
الصوفي المعروف: أن الشيخ سعد الدين الحموي والشيخ سيف الدين الباخرزي والشيخ شهاب الدين السهروردي والشيخ نجم الدين الرازي المعروف بداية والشيخ محي الدين العربي وابن فارض المذكور كلهم معاً كانوا معاصرين ومن أكابر سادة علماء الصوفية - انتهى.
وكان ولده صدر الدين إبراهيم من أجلة العلماء، وهو الذي صرح فخر الدين الناكتي في تاريخه: أنه أسلم السلطان غازان محمود خان أخي السلطان محمد والجايتوخان بسعي الأمير نوروز الذي كان من أمرائه على يده في رابع شعبان سنة أربع وتسعين وستمائة عند باب قصر ذلك السلطان الذي فيه مقر سرير سلطنة السلطان أرغان خان بمقام لار دماوند وعقد مجلساً عظيماً غسل في ذلك اليوم ثم تلبس بلباس الشيخ سعد الدين الحموي ولد الشيخ صدر الدين المذكور وأسلم بإسلامه خلق كثير من الأتراك ولذلك سميت تلك الطائفة بتركمان.
الثلاثون:
الشيخ العارف المتأله عامر بن عامر البصري المتوطن في سواين الروم صاحب القصيدة التائية الطويلة المسماة (بذات الأنوار) التي بارى بها أبا حفص عمر بن الفارض المغربي الأندلسي في قصيدته التائية، ولذا يقول في أواخرها بعد ذكر شطر من فضائلها:
أتت تتهادى كالمها بملاحة * * * عراقية بصرية عامرية
لها زي مسكين لضعف معينها * * * على أنها سلطان كل قصيدة
وبكر أتت لا فارض بدر علمها * * * إذا ما بدا أخفى سها ألفا رزية
وهي: في المعارف والأسرار والحكم والآداب، مشتملة على اثني عشر نوراً، فقال: النور التاسع في معرفة صاحب الوقت ذاته وقت ظهوره:
إمام الهدى حتى متى أنت غائب * * * فمنّ علينا يا أبانا بأوبة
تراءت لنا رايات جيشك قادماً * * * ففاحت لنا منها روايح مسكة
وبشرت الدنيا بذلك فاغتدت * * * مباسمها مفرة عن مسرة
مللنا وطال الانتظار فجد لنا * * * بربك يا قطب الوجود بلقية
إلى أن قال:
فعجل لنا حتى نراك فلذة * * * المحب لقا محبوبه بعد غيبة
زرعت بذور العلم في مربرة * * * فجاءت كما تهوى بأينع خضرة
وريع منها كلما كان زاكياً * * * فقد عطشت فأمدد قواها بسقية
ولم يروها إلا لقاك فجدبه * * * ولو شربت ماء الفرات ودجلة
الحادي والثلاثون:
الشيخ الفاضل العارف المشهور أبو المعالي صدر الدين القونوي المستغني عن نقل مناقبه وفضائله بما في الترجم، نسب إليه أصحابنا هذا القول ولم نقف له على عبارة غير ما نقله صاحب (الينابيع) عنه قال: قال الشيخ صدر الدين القونوي (قدّس سرّه) وأفاض علينا فيوضه وعلومه في شأن المهدي الموعود (عليه السلام) شعراً:
يقوم بأمر الله في الأرض ظاهراً * * * على رغم شياطين يمحق للكفر
يؤيد شرع المصطفى وهو ختمه * * * ويمتد من ميم بأحكامها يدري
ومدته ميقات موسى وجنده * * * خيار الورى في الوقت يخلو عن الحصر
على يده محق اللئام جميعهم * * * بسيف قوي المتن علك أن تدري
حقيقة ذاك السيف والقائم الذي * * * تعين للدين القويم على الأمر
لعمري هو الفرد الذي بان سره * * * بكل زمان في مظاء له يسري
تسمى بأسماء المراتب.. كلها * * * خفاء وإعلاناً كذاك إلى الحشر
أليس هو النور الأتم حقيقة * * * ونقطة ميم منه امدادها يجري
يفي على الأكوان ما قد أفاضه * * * عليه إله العرش في أزل الدهر
فما ثم إلا الميم لا شيء غيره * * * وذو العين من نوابه مفرد العصر
هو الروح فاعلمه وخذ عهده إذا * * * بلغت إلى مد مديد من العمر
كأنك بالمذكور تصعد راقياً * * * إلى ذروة المجد الأثيل على القدر
وما قدره إلا ألوف بحكمة * * * على حد مرسوم الشريعة بالأمر
بذا قال أهل الحل والعقد فاكتفى * * * بنصهم المبثوث في صحب الزبر
فإن تبغ ميقات الظهور فإنه * * * يكون بدور جامع مطلع الفجر
بشمس تمد الكل من ضوء نورها * * * وجمع دراري الأوج فيها مع البدر
وصل على المختار من آل هاشم * * * محمد المبعوث بالنهي والأمر
علي صلاة الله ما لاح بارق * * * وما أشرقت شمس الغزالة في الظهر
وآل وأصحاب أولي الجود والتقى * * * صلاة وتسليماً يدومان للحشر
وقد قال الشيخ صدر الدين لتلاميذه في وصاياه: أن الكتب التي كانت لي من كتب الطب وكتب الحكماء وكتب الفلاسفة بيعوها وتصدقوا ثمنها للفقراء وأما كتب التفاسير والأحاديث والتصوف فأحفظوها في دار الكتب واقرأوا كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) سبعين ألف مرة ليلة الأولى بحضور القلب وبلغوا مني سلاماً إلى المهدي (عليه السلام) - انتهى.
ويؤيد ما نقله عنه ما قاله العارف المتأله السيد حيدر بن علي الأملي وعصره قريب من عصر الشيخ صدر الدين من: أن الشيخ عرض جملة من كتبه ورسائله على المهدي صاحب الزمان (عليه السلام) - انتهى.
ويعضده أنه كان على طريقة الشيخ محي الدين ومتبعاً آثاره، وفي النفحات لعبد الرحمن الجامي في ترجمته أنه كان نقاد كلام الشيخ، وفي كشف الظنون عن الشعراني في مختصر الفتوحات بعد كلام له في اختلاف نسخها قال: وقد أطلعني الأخ الصالح السيد شريف المدني على صورة ما رآه مكتوباً بخط
محيي الدين وغيره على النسخة التي وقفها الشيخ في قونية، وهو هذا: وقف محمد بن علي بن عربي الطائي هذا الكتاب على جميع المسلمين. وفي آخره وقد تم هذا على يد منشئه وهو النسخة الثانية منه بخط يدي، وكان الفراغ منه بكرة يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وست مائة وكتبه منشئه.
قال السيد: وهذه النسخة في سبعة وثلاثين مجلداً، وفيها زيادات على النسخة الأولى التي دس الملحدون فيها العقائد الشنيعة.
قال: وفي ظهره ترجمة اسم الكتاب بخطه وتحته بخط الشيخ صدر الدين القونوي إنشاء مولانا شيخ الإسلام وصفوة الأنام محيي الدين بن عربي وتحته: ملك هذه المجلدة لمحمد بن إسحاق القونوي وتحته أيضاً بخط الشيخ صدر الدين رواية محمد بن أبي بكر بن مبذار التبريزي سماعاً منه. فما كان ليخالف هذا الشيخ في معتقده في شأن المهدي (عليه السلام).
الثاني والثلاثون:
شيخ مشايخ الصوفية المولى جلال الدين الرومي صاحب المثنوي المعروف فقال في ديوانه الكبير في قصيدة أولها:
اى سرور مردان على مستان سلامت ميكنند.
وعد الأئمّة من أولاده (عليهم السلام) إلى أن قال:
بامير دين هادى بگوبا عسكرى مهدى بگو * * * ا آن ولى مهدي بگو مستان سلامت ميكنند
الثالث والثلاثون:
الشيخ العارف محمد الشهير بشيخ عطار صاحب الدواوين المعروفة، فقال
في كتابه (مظهر الصفاة) على ما نقله عنه في كتاب (ينابيع المودة):
مطفى ختم رسل شد درجهان * * * مرتضى ختم ولايت در عيان
جمله فر زندان حيدر أوليا * * * جمله يك نورند حق كرداين ندا
وبعد تعداد الأحد عشر قال:
صد هزاران أوليا روى زمين * * * از خدا خواهند مهدي را يقين
يا إلهي مهديم از غيب آر * * * تا جهان عدل گردد آشكار
مهدى هاديست تاج اتقيا * * * بهترين خلق برج أوليا
أي ولا تو معين آمده * * * بردل وجانها همه روشن شده
اى تو ختم أولياي اينزمان * * * وازهمه معنى نهاني جان جان
اى توهم پيدا وپنهان آمده * * * بنده عطارت ثنا خوان آمده
وقد صرح المولوي عبد العزيز الدهلوي المعروف بشاه صاحب في الباب الحادي عشر من كتابه الموسوم (بالتحفة الاثني عشرية) أن الشيخ العطار من الأكابر المقبولين عند أهل السنة من الأعاظم الذين بناء عملهم في الشريعة والطريقة على مذهب أهل السنة من القرن إلى القدم، وفي (نفحات الجامي) من مناقبه شيء كثير.
الرابع والثلاثون:
شمس الدين التبريزي شيخ المولوي جلال الدين الرومي، نسب إليه هذا القول صاحب (الينابيع) وقال (ذكره في أشعاره) ولم يذكر شيئاً منها.
الخامس والثلاثون:
السيد نعمة الله الولي نسبه إليه في (الينابيع).
السادس والثلاثون:
السيد النسيمي، قال في (الينابيع) بعد ذكره هؤلاء وغيرهم قدس الله أرواحهم ووهب لنا عرفانهم وبركاتهم: ذكروا في أشعارهم في مدائح أئمة أهل البيت الطيبين (عليهم السلام) مدح المهدي في آخرهم متصلاً بهم، فهذه أدلة على أن المهدي (عليه السلام) ولد أولاً، ومن تتبع آثار هؤلاء الكاملين العارفين يجد الأمر واضحاً عيناً.
السابع والثلاثون:
العالم العارف الكامل السيد علي بن شهاب الدين الهمداني الذي ذكروا في ترجمته أنه وصل إلى خدمة أربعمائة من الأولياء وبالغ في مدحه عبد الرحمن الجامي في (نفحات الإنس) ومحمد بن سليمان الكفوي في (أعلام الأخيار) وحسين بن معين الدين الميبدي في (الفواتح) وغيرهم، صرح بذلك في المودة العاشرة من كتابه الموسوم (بالمودة في القربى).
الثامن والثلاثون:
الفاضل البارع عبد الله بن محمد المطيري شهرة المدني حالاً في كتابه الموسوم (بالرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم) صدر كتابه هذا بذكر تمام رسالة: إحياء الميت بفضائل أهل البيت (عليهم السلام) للإمام جلال الدين السيوطي، وهي تشتمل على ستين حديثاً فتممها وأنهاها إلى مائة وواحد وخمسين، وروى في الحديث الأخير: أنه من ذرية الحسين بن علي (عليه السلام) المهدي المبعوث في آخر الزمان.
إلى أن قال: وجميع نسل الحسين وذريته يعودون إلى إمام الأئمّة المحقق المجمع على جلالته وغزارة علمه وزهده وورعه وكمال سلالة الأنبياء والمرسلين وسلالة خير المخلوقين زين العابدين علي بن الحسين (رضي الله عنه) وأرضاه.
ثمّ ذكر بعض فضائله وجماعة من ذريته وجملة من المنامات في فضيلتهم إلى أن قال: فالإمام الأوّل عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه).
وساق أسامي الأئمّة ثمّ قال: الحادي عشر ابنه الحسن العسكري (رضي الله عنه)، الثاني عشر ابنه محمّد القائم المهدي (رضي الله عنه)، وقد سبق النص عليه في ملة الإسلام من النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وكذا من جده علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ومن بقية آبائه أهل الشرف والمراتب، وهو صاحب السيف والقائم المنتظر كما ورد ذلك في صحيح الخبر، وله قبل قيامه غيبتان - إلى آخر ما قال.
والنسخة التي عثرت عليها عتيقة، وكانت لمؤلفها وبخطه وعلى ظهرها: (كتاب الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة تأليف الفقير إلى الله تعالى عبد الله محمّد المطيري شهرة المدني حالاً الشافعي مذهباً الأشعري اعتقاداً النقشبندي طريقة نفعنا الله من بركاتهم آمين.
التاسع والثلاثون:
شيخ الإسلام والبحر الطام ومرجع الأولياء الكرام أبو المعالي محمّد سارج الدين الرفاعي ثم الخزومي الشريف الكبير فقد ذكر في كتابه الموسوم (بصحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار) في ترجمة أبي الحسن الهادي (عليه السلام) ما لفظه:
وأما الإمام علي الهادي بن الإمام محمد الجواد (عليهما السلام) ولقبه النقي
والعالم والفقيه والأمير والدليل والعسكري والنجيب، ولد في المدينة سنة اثني عشر ومائتين من الهجرة، وتوفي شهيداً بالسم في خلافة المعتز العباسي يوم الاثنين لثلاث ليال خلون من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، وكان له خمسة أولاد الإمام الحسن العسكري والحسين ومحمد وجعفر وعائشة.
فأما الحسن العسكري فأعقب صاحب السرداب الحجة المنتظر ولي الله الإمام محمّد المهدي (عليه السلام)، فأما محمد فلم يذكر له ذيل - إلى آخر ما قال.
وقال في موضع آخر في بحث له في الإمامة: وروى العارفون من سلف أهل البيت أن الإمام الحسين (عليه السلام) لما انكشف له في سره أن الخلافة الروحية التي هي الغوثية والإمامة الجامعة فيه وفي بنيه على الغالب الستبشر بذلك وباع في الله نفسه لنيل هذه النعمة المقدسة فمن الله عليه بأن جعل في بيته كبكبة الإمامة وختم ببنيه هذا الشأن على أن الحجة المنتظر الإمام المهدي (عليه السلام) من ذريته الطاهرة وعصابته الزاهرة - انتهى.
وهذا سراج الدين جد عارف عصره وعزيز مصره ووحيد دهره البارع الكامل أبو الهدى الجليل المعاصر الذي إليه تنتهي السلسلة الرفاعية وعنه تؤخذ آداب هذه الطريقة.
الأربعون:
علامة زمانه وفريد أوانه الشيخ محمد الصبان المصري كذا وصفه في (الينابيع) صرح بذلك في (إسعاف الراغبين) المطبوع في مصر.
قلت: ونسب بعض أصحابنا البارعين هذا القول إلى صاحب كتاب أنساب الطالبية وعماد الدين الحنفي وضياء الدين صدر الأئمة موفق بن أحمد أبي المؤيد
الخطيب المكي ثم الخوارزمي أخطب خطباء خوارزم والمولى حسين الكاشفي صاحب جواهر التفسير. ولم أعثر على كلماتهم ولذا لم نذكر أساميهم في عداد الذين نصوا عليه.
نعم، لا بأس بذكر صدر الأئمة الخوارزمي في عدادهم، فإنه ذكر في مناقبه من الأحاديث ما هو صريح في الدلالة على هذا القول ومجرد ذكر الخبر في الكتاب وإن لم يكن دالاً على كون مؤلفه معتقداً بمضمونه إلاّ أن يشهد بعض القرائن عليه كمطابقته لعنوان الباب الذي هو فيه، فإن العلماء لا زال يستنبطون مذاهب صاحب الكتاب مما ذكره في عناوين الأبواب أو بنى على جمع ما هو معتبر عنده مما رواه الأئمة الثقات وغير ذلك.
فنقول: أخرج أخطب الخطباء في (المناقب) فقال: حدثني فخر القضاة نجم الدين بن أبي منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي فيما كتب إلي من همدان، قال أنبأنا الإمام الشريف نور الهدى أبو طالب الحسن بن محمد الزينبي، قال أخبرنا إمام الأئمّة محمد بن أحمد بن شاذان، قال حدثنا أبو محمد الحسن بن علي العلوي الطبري، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، قال حدثني جدي أحمد بن محمد، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عم عمر بن أذينة، قال حدثنا أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان المحمدي قال: دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله) وإذا الحسين على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه وهو يقول: (أنت سيد بن سيد وأخو سيد أبو السادات، أنت إمام ابن الإمام أبو الإمام أبو الأئمّة، أنت حجة بن حجة أخو حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم).
وبالإسناد عن ابن شاذان، قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الحافظ، قال حدثنا علي بن سنان الموصلي، عن أحمد بن صالح، عن سليمان
بن محمد، عن زياد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن زيد، عن زيد بن جابر، عن سلامة، عن أبي سليمان راعي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ليلة أسري بي إلى السماء قال لي الجليل (جلَّ جلاله): (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ). فقلت: والمؤمنون؟ قال: صدقت. قال: من خلفت من أمتك؟ قلت: خيرها. قال: علي بن أبي طالب (عليه السلام). قلت: نعم يا رب.
قال: يا محمد اني أطلعت إلى الأرض اطِّلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسماً من أسمائي فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها علياً وشققت له اسماً من أسمائي فأنا الأعلى وهو علي. يا محمد اني خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من نوري وعرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ومن جحدها كان عندي من الكافرين.
يا محمد لو أن عبداً من عبيدي عبدني حتّى ينقطع أو يصير جلده كالشن البالي ثمّ أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتّى يقر بولايتكم، يا محمد تحن أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب. فقال: التفت عن يمين العرش. فالتفت فإذا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور قيام يصلون، وهو في وسطهم - يعني المهدي - كأنه كوكب دري وقال: يا محمد هؤلاء الحجج وهو الثائر من عترتك، وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي.
وبناءاً على هذا المسلك يمكن عد جماعة أخرى كشيخ الإسلام إبراهيم بن سعد الدين محمد بن أبي بكر بن أبي الحسن بن شيخ الإسلام جمال السنة
أبي عبد الله محمد بن حمويه الحموي الحمويني الإمام الأجل المعروف بالحموي وبابن حمويه أيضاً صاحب كتاب (فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين (عليهم السلام)) وهو كتاب معروف يوجد فيه مثل هذه الأخبار شيء كثير، ولكنا في غنى عن تكلف إدخال هؤلاء في زمرة أرباب هذا القول بعد تنصيص هؤلاء الأعاظم من الفقهاء والمحدثين والمشايخ الكاملين ممن عثرنا عليه مع قلة أسباب استخراج القائلين عندي وكثرة كتب علماء أهل السنة وتفرقها وسعة بلادها، ولعل من وقف على جلها يجد أضعاف ما جمعناه.
وقد قال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الشافعي المعروف بالإمام أبي بكر البيهقي في كتابه (شعب الإيمان): اختلف الناس في أمر المهدي، فتوقف جماعة وأحالوا العلم إلى عالمه واعتقدوا أنه واحد من أولاد فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخلقه الله متى شاء يبعثه نصرة لدينه، وطائفة يقولون أن المهدي الموعود ولد يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وهو الملقب بالحجة القائم المنتظر محمد بن الحسن العسكري، وأنه دخل السرداب بسر من رأى وهو حي مختف عن أعين الناس منتظر خروجه وسيظهر ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، ولا امتناع في طول عمره وامتداد أيامه كعيسى بن مريم والخضر (عليهما السلام)، وهؤلاء الشيعة خصوصاً الإمامية ووافقهم عليه جماعة من أهل الكشف - انتهى.
وهو من أعاظم علماء الشافعية وكبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله بن البيع، في (تاريخ بن خلكان) قال إمام الحرمين: ما من شافعي المذهب إلا وللشافعي عليه منّة إلا أحمد البيهقي فإن له على الشافعي منّة. قال وتوفي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة - انتهى.
فمراده من جماعة من أهل الكشف غير الشيخ محي الدين وغيره ممن
تقدم لتقدمهم عليهم بسنين كثيرة، والمعروفون منهم في هذه الطبقة الحلاج والجنيد وأبو الحسن الوراف وأبو بكر الشبلي وأبو علي الرودباري وسهل بن عبد الله التستري وأضرابهم، وظاهر البيهقي كالمنقول عن جماعة عدم الجزم بعدم الولادة.
وهو أيضاً ظاهر الشيخ المتبحر عبد الملك العصامي في (تاريخه) فإنه ساق ولادة الحجة بن الحسن العسكري (عليهما السلام) وقال: وألقابه الحجة والخلف الصالح والقائم والمنتظر وصاحب الزمان والمهدي وهو أشهرها، صفته شاب مربوع القامة حسن الوجه والشعر أقنى الأنف أجلى الجبهة، ولما توفي أبوه كان عمره خمس سنين، والشيعة يقولون أنه دخل السرداب سنة خمس وسبعين ومائتين وعمره سبع عشرة سنة، وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان من السرداب، وأقاويلهم فيه كثيرة والله أعلم أين ذلك يكون - انتهى.
وظاهرة الميل أو التوقف لا الإنكار.
ومثله المولى الفاضل المتبحر المولى حسين الكاشفي صاحب جواهر التفسير المعروف، فقال في آخر كتابه (روضة الشهداء): فصل هشتم، در ذكر إمام م ح م د ابن الحسن العسكري (عليهما السلام)، وى امام دوازدهم است از أئمه اثنا عشر كنيت وى ابو القاسم، ولقب وى بقول اماميه.
إلى أن قال: ودر شواهد آورده چون متولد شد بر ذراع أيمن أو نوشته بود (قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقا) وبروايتي چون از مادر بزائيد بزانو در آمد وانگشت سبابه بر آسمان بر داشت پس عطسه زد گفت: (الحمد لله رب العالمين).
وبزرگي نقل كرده كه نزد امام حسن عسكري (عليه السلام) شدم وگفتم: يا بن رسول الله خليفه بعد از تو كه خواهد بود، بخانه در آمد پس بيرون آمد وكودكي بر دوش گرفته گوئيا ماه شب چهادره است در سن سه سالگى، پس
فرمود كه اى فلان اگر نه تو پيش خداي گرامي بودى من اين فرزند خود بتو ننمودمى نام اين نام رسول است (صلى الله عليه وآله) وكنيت او كنيت وى واين جهانرا پر از عدل وداد كند همچنانكه پر از ظلم وجور شده باشد.
وبقول: بعضى از علمائى كه اورا زنده ميدانند ميگويند كه در اقصاى مغرب شهرها در دست اوست واو را فرزندان اثبات ميكنند وحق سبحانه بدين داناتر است أنه يعلم السر وأخفى.
هر نكته كه ان زما نهانست * * * بر علم خداي ما عيانست
انتهى.
وظاهره التوقف بل الميل وإلا لأنكره غاية الإنكار، ولما نقل الكرامات الباهرة عن غير الإمامية معتمداً عليه.
إذا عرفت ذلك وتأملت في كلمات هؤلاء الأعلام فنقول:
أوّلاً: أن هذا القول من الإمامية إذا وافقه من أهل السنة مثل هؤلاء هل يجوز عده من المناكير والهفوات وعد قائله من أرباب الضلالات والجهالات، بل من السفهاء والمجانين، كما وقع لجملة من المؤلفين؟ وهل هذا إلا من قلة الإطلاع أو عدم المبالاة بآداب الشريعة أو للعجز من إثبات المدعى فيرد دعوى الخصم بالسب والافتراء؟ مع أنه المفتري على أهل السنة والجماعة بأنهم ذهبوا إلى عدم ولادة المهدي! مع أن فيهم الذين عرفت أنهم جزموا بها وفيهم مثل الشيخ الأكبر محي الدين جازماً معلناً في كتابه الذي ملأ الآفاق نسخه! بل هو الخائن لعدم نقله القول الآخر عن الجماعة في مقام نقل الأقوال الذي لا يجوز فيه إظهار العصبية وإخفاء الحقيقة.
وثانياً: أنه ليس في الكتاب والسنة وإجماع المسلمين وحكم العقل بمراتبه إن المهدي الذي أخبر به النبي (صلى الله عليه وآله) وأنه يخرج أو يظهر فيملأ
الأرض عدلاً وقسطاً أن يتولد بعد القرن الفلاني أو بعدي بسنين كذا وأمثال ذلك، بل الموجود في الأخبار النبوية المتفقه بين الفريقين الأخبار عن الظهور وأنه من ولده (صلى الله عليه وآله) وبعض صفاته وعلامات ظهوره من غير إشارة فيها أصلاً في زمانه وطول المدة بينه وبين الظهور وقصرها ولو بالإجمال.
نعم في بعض الأخبار التي رواها أهل السنة أنه يرجع إليهم:
ففي الباب الثالث من كتاب (عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر) لأبي بدر يوسف بن يحيى السلمي بإسناده عن أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) أنه قال: لو قام المهدي لأنكره الناس لأنه يرجع إليهم شاباً موفقاً، وان من أعظم البلية أن يخرج إليهم شاباً وهم يظنونه شيخاً كبيراً.
وظاهره أنه فيهم ثمّ يختفي ثمّ يظهر أداءً لحقّ معنى الرجوع.
قال الشيخ شهاب الدين السهروردي المقتول في رسالته المسماة (بالكلمات الذوقية والنكات الشوقية): أن فائدة التجرية سرعة العود إلى الوطن الأصلي والاتصال بالعالم العقلي، ومعنى قوله (صلى الله عليه وآله) (حب الوطن من الإيمان) إشارة إلى هذا المعنى، ومعنى قوله تعالى في كلام الله المجيد (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً)، والرجوع يقتضي سابقة الحضور فلا يقال لمن لا رأى مصراً رجع إلى مصر - انتهى.
فهذا الخبر لا ينطبق إلا على مذهب الشيخ الأكبر واتباعه والإمامية، فإذا لم يعين له وقتاً فكل وقت صالح لأنه يتولد فيه المهدي ولم يرد لولادته علامة تنفى بفقدها، فلا طريق لأحد لإنكارها، إذ هو فرع العلم بالعدم وبابه مسدود، فعد القول بعدم الولادة من الأقوال كما أشار إليه جناب الناظم بقوله:
فمن قائل في القشر لب وجوده * * * ومن قائل قد ذب عن لبه القشر
لا يخلو من ركاكة، وغاية ما ينبغي أن ينسب إليهم عدم العلم والجهل بها
وعدم اطلاعهم عليها.
نعم شبهات على من يدعيها ألقتهم في مقام الإنكار ومع كونها أو هن من بيت العنكبوت كما ستعرف جعلها جناب الناظم سند حكم العقل بالعدم فقال:
وأول هذين الذين تقررا * * * به العقل يقضي والعيان ولا نكر
وإلا فلا طريق للعقل إلى حكمة بعدم الولادة مع إمكانها وصلاحية كل وقت لها.
والظاهر أن غرضه من شهادة العيان على عدم الولادة ظهوره وخروجه بالعيان، إذ لو كان موجوداً لظهر ورآه كل أحد.
وفيه أنه: لا شهادة فيه عليه لجواز وجوده واختفائه، فإن المدعي يعتقد أنه مستور عن أعينهم كرجال الغيب الذين أثبتهم المشايخ الصوفية وصرح النسفي بأنهم ثلاثمائة وست وخمسون والخضر (عليه السلام) وهم بين الناس ولا يرونهم إلا بعضهم بعضهم في بعض الأوقات، وقد عرفت حكاية رؤية المهدي (عليه السلام) من كتاب اليواقيت لشيخ مشايخ الصوفية عبد الوهاب الشعراني وتصديق جماعة مدعيها.
مع أن المناسبة والقياس يقتضي حكم العقل بوجوده، فإنهم تبعاً للأخبار الكثيرة المعتبرة عدوا الثلاثة من أشراط الساعة وهم عيسى والمهدي (عليهما السلام) والدجال، والاثنان موجودان منذ زمان فيقتضي أن يكون الثالث أيضاً موجوداً، مع أن الشبهات في وجود الدجال أزيد من جهات عديدة من الشبهات في وجوده فنقول:
ثالثاً: أخرج الإمام الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيشابوري في (صحيحه) وقال: حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث وحجاج بن الشاعر كلاهما عن عبد الصمد واللفظ لعبد الوارث بن عبد الصمد، قال:
حدثني أبي عن جدي عن الحسين بن ذكوان حدثنا ابن بريدة حدثني عامر بن شراحيل الشعبي شعب همدان أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس وكانت من المهاجرات الاول فقال: حدثيني حديثاً سمعتيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تسنديه إلى أحد غيره، فقالت: أن شئت لأفعلن، فقال لها: أجل حدثيني، فقالت: نكحت ابن المغيرة وكان من خيار شباب قريش يومئذ فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولما تأيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب محمد وخطبني رسول الله (صلى الله عليه وآله) على مولاه أسامة بن زيد، وكنت قد حدثت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من أحبني فليحب أسامة، فلما كلمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت: امري بيدك فأنكحني من شئت. فقال: انتقلي إلى أم شريك، وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله تنزل عليها الضيفان، فقلت: سأفعل. قال: لا تفعلي، إن أم شريك كثيرة الضيفان فإني أكره أن يسقط عنك خمارك وينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم وهو رجل بن بني فهر قريش وهو من البطن الذي هي منه، فانتقلت إليه فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي ومنادي رسول الله ينادي الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكنت في الصف الذي يلي ظهور القوم، فلما فرغ رسول الله من صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ليلزم كل انسان مصلاه. ثم قال: هل تدرون لم جمعتكم؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال: إني ولله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميماً كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال.
حدّثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام فلعب
بهم الموج شهراً في البحر ثمّ أرفؤا إلى جزيرة في البحر حين مغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره لكثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة. قالوا وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق.
قال: لما سمت لنا رجلاً فرقنا منه أن تكون شيطانة، قال: انطلقنا سريعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشده وثاقاً مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك. قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم. قلنا: نحن أنا من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم فلعب بنا الموج شهراً ثم ارفئنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقينا دابة أهلب كثيرة الشعر لا يدري ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا ويلك ما أنت، قالت أنا الجساسة، قلنا ما الجساسة قالت اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعاً وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة.
فقال: أخبروني عن نخل يبسان. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ فقلنا: نعم، فقال: أما أنه يوشك أن لا يثمر. قال: أخبرونا عن بحيرة طبرية، قلنا: عن اي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما أن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين ذغر. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل. قالوا: قد خرج هاجراً من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ قال: فأخبرناه أن قد ظهر على
من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذاك؟ قلنا: نعم. قال: أما أن ذلك خير لهم أن يطيعوه، وأني مخبركم عني، إني أنا المسيح الدجال وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محروسان علي كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحداً منهما استبقلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها.
قالت: قال رسول الله صلى الله عيه وآله: وطعن بمخصرته في المنبر هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة - يعني المدينة - ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم، فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن مكة والمدينة ألا أنه في بحر الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو من المشرق ما هو، وأومى بيده، قال: فحفظت هذا من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال الحافظ الكنجي في الفصل الخامس والعشرين من كتابه (البيان) بعد نقل هذا الخبر قلت: هذا حديث صحيح متفق على صحته، وعده البغوي في المصابيح من الصحاح، ورواه أيضاً مسلم في صحيحه بطرق ثلاثة أخرى باختلاف يسير في صدر الخبر لا يضر بالمقصود.
فليتأمل المنصف في هذا الخبر وما تضمنه من وجود شخص كافر مضل لم يسبقه فيه أحد.
ففي (المصابيح) للبغوي من الصحاح عن أبي عمر قال: قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الناس فاثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: إني لأنذركموه وما من نبي إلا أنذر قومه، لقد أنذر نوح قومه - الخبر.
وعن أنس أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من نبي إلا قد أنذر أمته الأعور
الكذاب - الحديث.
فهو في جزيرة لا يوجد فيها أحد من البشر قبل بعث النبي (صلى الله عليه وآله) بما شاء محبوساً مغلولاً إلى آخر الزمان، ويكون مع كفره وضلالته عالماً بما سيكون وما سيفعله بعد قرون لا يعلمها إلا الله تعالى.
فينبغي أن يسأل ويقال: ما الحكمة في إيجاد هذا الكافر المضل الذي أنذره كل نبي قومه قبل أوان خروجه بهذه المدة الطويلة التي تزيد على مدة غيبة المهدي (عليه السلام) بقرون؟ وأي منفعة لوجوده لأهل الأرض؟ ومن علمه الغيب ومن حبسه في الجزيرة؟ ولم حبس؟ ومن يتكفل لوازم عيشه؟ ولم لم يطلع عليه بعد تميم وأصحابه أحد من أصحاب السفن التي لا تحصى في طول هذه المدة، أوليس المقام مقام حيرة العقل وتبلد الفهم؟ أو يجوز المسلم رد هذه الأخبار لمجرد عدم درك العقل هذه المطالب واستبعاده وجود إنسان كذلك بهذه الكيفية في هذه المدة؟ فوجود الدجال أحق بالتحير والسؤال عن العلماء عن حكمة خلقته.
فيجاب بأنه تعالى شأنه لا يسأل عما يفعل أو وجود المهدي الذي هو عند أكابر مشايخ الصوفية القطب الذي بسبب وجوده يفيض الله تعالى الفيوضات على الخلق، وعند الإمامية الحجة الذي لا قرار للأرض إلا بوجوده، أو مثله من نبي أو وصي ولولا الحجة لساخت الأرض بأهلها، وقد خلق الحجة قبل الخلق وهو قبلهم ومعهم وبعدهم وهو آخر من يهلك من الخلق عند قيام الساعة، وعلى الطريقتين فمنفعة وجوده للخلق في كل ساعة بل آن ما لا يحصيها إلا الله تعالى، وفائدة وجوده في الظاهر من سد الثغور وإقامة الحدود وأخذ الحقوق ونظم الجنود وأمثالها بالنسبة إلى ما ذكر شيء قليل ونبذ يسير، وهو مع ذلك مطلق مختار يسير في البلاد ويحضر في الأمصار ويحضر الموسم في كل سنة وله أهل وعيال.
ويأتي أن ما نسب إلى الإمامية من أنه في طول غيبته في السرداب ومنه يظهر وأشار إليه جناب الناظم بقوله:
فيا للأعاجيب التي من عجيبها * * * أن اتخذ السرداب برجاً له البدر
إفتراء محض ينبغي التعجب من المؤلف الذي ذكر ذلك في كتابه والناظم الذي تبعه في نظمه.
فظهر أن الذي كان يستحسن من جناب الناظم أن يسأل عنه أولاً هو السؤال عن دليل من يدعي ولادة المهدي (عليه السلام) ويطالب منه البينة على هذه الدعوى فإن أتى بما يثبت به أمثال هذه الدعاوي عند منكري الولادة فلا محل لذكر هذه الشبهات ولا مجال لورود هذه المبعدات، فإن مرجعها إلى السؤال عن كشف الحكم الإلهية في أفاعيله تعالى أو الاعتراض عليها والعياذ بالله.
وعدم الوقوف على الحكمة لا يوجب رفع إليه عن الدليل المحكم والبرهان المبرم وإلا لزم إنكار وجود الدجال أيضاً، وإن عجزوا عن اثبات دعواهم فلا محل أيضاً لذكر هذه الشبهات لأن مجرد عدم الدليل على إثبات الدعوى كاف في الحكم ببطلانها ولا يحتاج إلى ذكر لوازمها الباطلة بزعم الخصم فنقول:
رابعاً: أن طريق اثبات مهدوية الحجة بن الحسن العسكري المتولد في سنة مائتين وخمسة وخمسين لمنكرها بانكار ولادة المهدي الموعود المستلزم لعدم كونه مهدياً كطريق إثبات نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله) لمن انكرها من سائر الملل بالنصوص الموجودة في الكتب السماوية الموجودة عندهم ويزعمون حقيتها ويعتمدون عليها والمعجزات التي تواترت عنه (صلى الله عليه وآله)، إلا أن في النصوص في الأوّل أكثر كالمعجزات في الثاني والشبهات الشبهات والجواب الجواب.
وحيث أن جناب الناظم أعرض عن السؤال عن مستند هذه الدعوى أعرضنا عن ذكره، إلا أنّا نشير إجمالاً إلى مستند واحد من الأدلة الكثيرة التي عندنا
بحمد الله تعالى، فنقول:
مما تواتر عن النبي (صلى الله عليه وآله) مما رواه أصحاب الصحاح وحفّاظ الأحاديث وسدنة الآثار إخباره (صلى الله عليه وآله) عن اثني عشر خليفة من بعده على اختلاف في بعض المتون، وهي كثيرة مذكورة مع أسانيدها في جملة من الجوامع.
ففي (مسند أحمد) عن مسروق قال: كنا مع عبد الله جلوساً في المسجد بقربنا، فأتاه رجل فقال: يا بن مسعود هل حدثكم نبيكم كم تكون من بعده خليفة؟ قال: نعم كعدة نقباء بني اسرائيل.
ولهذا المتن طرق عديدة وفي بعضها نعم اثني عشر عدة نقباء بني إسرائيل، وفي بعضها نعم عهد إلينا نبينا (صلى الله عليه وآله) أنه يكون بعده اثني عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل، وفي بعضها فقال: سألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: اثني عشر كعدة نقباء بني إسرائيل.
وأخرج مسلم في (صحيحه) من حصين عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي (صلى الله عليه وآله) فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة. قال: ثم تكلم بكلام خفي علي قال: قلت لأبي ما قال؟ قال: كلهم من قريش.
وبطريق آخر: لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم إثنا عشر خليفة.
وبطريق آخر: لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً.
وأخرج مسلم أيضاً بإسناده أنه (صلى الله عليه وآله) قال جمعة عشية رجم الأسلمي: لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.
وأخرج البزاز عنه (صلى الله عليه وآله): لا يزال أمر أمتي قائماً حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.
وأخرج أبو داود وزاد: فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا: ثم يكون
ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج.
وأخرج المسدد في (المسند الكبير) عن أبي الخلد أنه قال: لا تهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق.
وأخرج الحمويني عن عباية بن ربعى عن ابن عباس رفعه قال: أنا سيد النبيين وعلي سيد الوصيين، وأن أوصيائي بعدي اثنا عشر أوّلهم عليّ وآخرهم المهدي.
وأخرج البخاري: يكون بعدي إثنا عشر أمير. وقال: كلهم من قريش.
وأخرج شارح (غاية الأحكام) من رواية أبي بلج عن عمر بن ميمون وحبيب بن يسار عن جرير بن عثمان وعليّ بن زيد عن سعيد بن المسيب كلهم عن أبي قتادة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الأئمّة بعدي اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل وحواري عيسى (عليه السلام).
وعن أبي عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) أنه قال: منّا إثنا عشر مهدياً أولهم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وآخرهم القائم (عليه السلام) إلى غير ذلك مما رووه في الصحاح والمسانيد والسنن.
ويأتي في الوجه الحادي عشر بعضها أيضاً.
وبعد التأمل في جميعها وجمع ما اتفقت عليه السنة المطابق لما رواه الإمامية من طرقهم يظهر لمن أنصف من نفسه أن هذه الأحاديث الشريفة النبوية لا تنطبق إلا على مذهب الإمامية لقرائن كثيرة واضحة:
(منها) أن خليفة النبي (صلى الله عليه وآله) لابد وأن يكون عالماً عاملاً عاقلاً ورعاً نقياً حاوياً للخصال الحميدة ومنزهاً عن الصفات القبيحة تاركاً لما يجب وينبغي تركه بصيراً حاذقاً، إلى غير ذلك مما هو من لوازم خلافة مثله (صلى الله عليه وآله) المبعوث لهداية الخلق وتهذيبهم وتكميلهم وتزكيتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة، فمن خلفه
وجلس مجلسه لابد وأن يكون له حظ وافر ونصيب متكاثر من ذلك حتى يصدق عليه الخلافة التي هو أخبر بها من جهة نبوته ورسالته لا من حيث سلطنته وملكيته وغلبته على البلاد والعباد فإن عدد الخلفاء من هذه الحيثية خارج من الحصر.
ويؤيد ذلك مضافاً إلى وضوحه ما في بعض الطرق (كلهم يعمل بالهدى ودين الحق) وجعلهم بمنزلة نقباء بني إسرائيل وبمنزلة حواري عيسى وقيام الدين وعزته بهم، وظاهر أن عزة الدين بصلاح أهله وسدادهم وتدينهم وعملهم بما دانوا به لا بسعة الملك وكثرة المال وأن لم يكن لهم حظ منه إلا الإقرار باللسان.
وهذا المعنى في هذا العدد من هذه القبيلة لم يتفق بالاتفاق إلا في الاثني عشر الذين اتخذهم الإمامية أئمة، فإنهم باتفاق الفريقين - سوى الحجة بن الحسن (عليهم السلام) عند جمع من أهل السنة لعدم اطلاعهم بحاله - علماء حكماء صلحاء عباد زهاد جامعون لكل ما ينبغي أن يكون في خليفة مثله، كما يظهر ذلك بأدنى رجوع إلى الكتب المتكفلة لذلك من التراجم ومما ألف في مناقبهم خاصة وإلى ما رووه في مناقبهم ونبترك بذكر بعضها:
فأخرج إبراهيم بن محمّد الحمويني الشافعي في (فرائد السمطين) بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن ابن عباس رفعه قال: أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون.
وأخرج أخطب الخطباء الموفق بن أحمد الخوارزمي في (مناقبه) بإسناده عن أبي اسحاق عن الحرث وسعيد بن بشير عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا واردكم عن الحوض، وأنا يا علي الساقي والحسن الذائد والحسين الآمر وعلي بن الحسين الفارض ومحمد بن علي الناشر وجعفر بن محمد السائق وموسى بن جعفر محصي المحبين والمبغضين وقامع المنافقين
وعلي بن موسى مزين المؤمنين ومحمد بن علي منزل أهل الجنة في درجاتهم وعلي بن محمد خطيب شيعته ومزوجهم الحور العين والحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيئون به والمهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن الله إلا لمن يشاء ويرضى.
وأخرج الفقيه ابن المغازلي في (مناقبه) مسنداً عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر قال: سألت الحسن من قول الله (كمشكوة فيها مصباح المصباح) قال: المشكوة فاطمة والمصباح الحسن والحسين (عليهم السلام) (والزجاجة كأنها كوكب دري) قال: كانت فاطمة كوكباً درياً من نساء العالمين (يوقد من شجرة مباركة) الشجرة المباركة إبراهيم (لا شرقية ولا غربية) لا يهودياً ولا نصرانياً (يكاد زيتها يضيء) قال: يكاد العلم ينطق منها (ولو لم تمسسه نار نور) قال: منها إمام بعد إمام (يهدي الله لنوره من يشاء) قال: يهدي الله (جلَّ جلاله) لولايتنا من يشاء.
وبالجملة فلم يتفق لجملة من الأمة من الاتفاق على الكمال والصلاح فيها ما اتفق لهم، حتى أنه مع كثرة أعدائهم من كل صنف وطبقة المتجاهرين ببعضهم الساعين على استيصالهم ما عثروا عليهم بسوء ولم يقدروا على أن ينسبوا إليهم مكروهاً ولا خلافاً ولا جهلاً ولا ما يتنفر منه طبعاً قلوب عموم الناس. وهذا واضح على أهل الخبرة والإنصاف بحمد الله تعالى.
(ومنها) أنها مؤيدة بما ورد من الأخبار الصحيحة الصريحة في أنه (صلى الله عليه وآله) جعل أهل بيته خليفة مع القرآن وأمر بالتمسك بهما وأنهما لن يفترقا، وهذه الأحاديث مع ما تقدم يدور بين أمور ثلاثة:
الأوّل: أن يكون ما تقدم تفصيلاً لما أجمله هنا، فيكون الاثنا عشر من أهل بيته وما في سند المسدد بعد الخبر المتقدم منهم رجلان من أهل بيت محمّد
صلوات الله عليه وعليهم، فهو إما من كلام أبي خلد كما هو الظاهر وإلا لقال من أهل بيتي أو مطروح لانفراده بهذه الزيادة.
الثاني: أن يجعل في أهل البيت خلفاء غير هؤلاء الاثني عشر وعليه فيزيد في عدد الاثنا عشر وهو خلاف الأخبار السابقة الصريحة في انحصار عدد خلفائه فيها.
الثالث: أن تطرح هذه الأخبار لمخالفتها للطائفة الأولى وهذا أيضاً غير جائز لوجودها في الصحاح التي لا يقدر أحد على ردها.
ففي (مسند أحمد بن حنبل) عن شريك بإسناده عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).
وأخر الإمام الثعلبي في (تفسيره) في قوله تعالى في سورة آل عمران: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعا) بإسناده عن عطية الكوفي عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله يقول: (إني قد تركت فيكم الثقلين خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض - أو قال من الأرض - وعترتي أهل بيتي ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).
وروى مضمون هذا الخبر بطريق كثيرة(25) في مسند أحمد وصحيح مسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(25) ويأتي لهذا المطلب تتمة في آخر الفصل، وفي الصواعق: أعلم أن لحديث التمسك طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً، وفي بعض الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة، وفي آخر أنه قال بغدير خم، وفي آخر أنه قال بالمدينة في مرضه وقد ملئت الحجرة بأصحابه، وفي آخر أنه قال بالمدينة في مرضه وقد ملئت الحجرة بأصحابه، وفي آخر أنه قال لما قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف. ولا تنافي، إذ لا مانع من أنه كرر عليهم في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة - انتهى (منه).
وصحيح البخاري ومناقب ابن المغازلي وغيرها بلفظ (إني تارك فيكم الثقلين) وفي لفظ (إني قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي الثقلين) وفي جملة (ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما) ولا ريب أن مساق الكل واحد وحينئذ يتعين الجمع الاول.
وحاصل مضمون الطائفتين أن الخلافة في أهل بيته، وأن الهداية في اتباعهم والضلالة في التخلف عنهم، وأن القرآن لا يفارق الخليفة من أهل بيته وخلفاء أهل بيته لا يفارقون القرآن إلى يوم القيامة. وهذا يدل على مساواتهم للقرآن من هذه الجهة، فلابد أن يكون في الأرض دائماً ما لم يرفع القرآن من يساويه من أهل بيته (عليهم السلام) الذي لا يفارق القرآن ولا يفارقه وعدم المفارقة يلاحظ معنى وباطناً، فيكون أحدهما مصدقاً للآخر، فيكشف عن عصمتهم وإلاّ لزم المفارقة وهو خلف ويلاحظ ظاهراً وفي الوجود الخارجي فيدل على وجود الخليفة من أهل البيت دائماً، كل ذلك تمسكاً بالآثار الصحيحة النبوية الشريفة واحتجاجاً بظواهرها ونصوصها من غير تأويل وتصرف في ألفاظ متونها.
(ومنها) أنها مؤيدة بالأحاديث الصريحة الصحيحة في (إن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).
فأخرج الحميدي في (الجمع بين الصحيحين) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (من مات وليس عليه إمام فإن موته موتة جاهلية).
وفي (الدر المنثور) للسيوطي قال أخرج ابن مردويه عن عليّ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قول الله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) قال: يدعى كل قوم بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه - وآله - وسلم
ورواه الثعلبي في (تفسيره) مسنداً عنه مثله.
إلى غير ذلك مما ورد في هذا المعنى مما لا راد له وتلقاه العلماء بالقبول.
وغير خفي على المنصف أن ما تضمنه هو بعينه مضمون الأخبار السابقة، فإن الإمام هو المقتدى الذي يتبع آثاره ويقتدى بأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته.
فإذا كان ممن يجب طاعته والاقتداء به المتوقف على معرفته، فلابد أن يكون حاوياً لشروط الخلافة ومساهمته القرآن حتى يكن الجهل به سبباً للكفر ويكون من أئمّة الهدى الذين احتج الله بهم على عباده وخلفهم النبي (صلى الله عليه وآله) في أمته، وهو بعينه من جعله شريك القرآن وقال (من تمسك بهما لن يضل أبداً)، وليس في كل زمان خليفة يجب التمسك به وإلا فالضلالة وإمام غيره يجب معرفته وإلا فموته الجاهلية بل هو هو، ولذا قرنه بالكتاب في الخبر الأخير وقد بين عدد الخلفاء الذين هو بالنظر إلى هذه النصوص أئمّة الزمان، فلا بدّ أن يكون في كل عصر من يجب معرفته والتمسك به.
ولا يجوز لأحد أن يدعي التمسك بهذه الأحاديث إلا معاشر الإمامية، وإلا فلابد لغيرهم إما الاعتراف بوجوب التمسك بيزيد بن معاوية والوليد بن يزيد بن عبد الملك ومروان الحمار ووجوب معرفتهم والاقتداء بأقوالهم وأفعالهم، وكذا وجوب التمسك بغير القرشي ووجوب معرفته أو التخصيص في الأزمان بحد يستهجنه كل متكلم، كل ذلك خروج عن ظاهر هذه السنن الشريفة.
وحيث علم أن إمام كل زمان الذي يجب معرفته هو بعينة الخليفة الذي أخبر به يظهر أنه لا بدّ وأن يكون الاثنا عشر متوالياً مع أنه ظاهر الأخبار السابقة وإلاّ لزم إما خلو الزمان عنهما أو القول بأن أحدهما غير الآخر وكلاهما فاسد بظواهر هذه النصوص.
(ومنها) أن كل ما قيل فيها من التأويل مضافاً إلى عدم وجود شاهد له ظاهر
الفساد، فإن أحسن ما قيل فيه هو: ما ذكره القاضي عياض ورجحه الحافظ بن حجر وقرره جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء وارتضاه ابن حجر المتأخر في الصواعق ووجوه فساده لا تحصى.
قال السيطوطي في (تاريخ الخلفاء): قال القاضي عياض: لعل المراد بالاثني عشر في هذه الأحاديث وما شابهها أنهم يكونون في مدة غرة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة، وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد فاتصلت بينهم إلى أن قامت دولة العباسية فاستأصلوا أمرهم.
قال شيخ الإسلام ابن حجر في (شرح البخاري): كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث وأرجحه، لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة كلهم يجتمع عليه الناس. وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقياده لبيعته، والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ عليّ إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين فتسمى معاوية يومئذ بالخلافة، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن، ثم اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام فولى نحو أربع سنين، ثم قاموا عليه فقتلوه وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ، ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك، لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد ابن يزيد لم تطل مدته بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن
مروان، ولما مات يزيد ولي أخوه ابراهيم فقتله مروان، ثم ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل.
ثمّ كان أوّل خلفاء بني العبّاس السفاح ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه ثمّ ولي أخوه المنصور فطالت مدته لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك وانفرط الأمر إلى أن لم يبق من الخلافة إلا الاسم في البلاد بعد أن كان في أيام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع الأقطار من الأرض شرقاً وغرباً يميناً وشمالاً مما غلب عليه المسلمون، ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الأمارة على شيء منها إلا بأمر الخليفة، ومن انفراط الأمر أنه كان في المائة الخامسة بالأندلس وحدها ستة أنفس كلهم يتسمى بالخلافة، ومعهم صاحب مصر العبيدي والعباسي ببغداد خارجاً عمن كان يدعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج - انتهى.
وحاصله: أن المراد بالخلفاء الاثني عشر الذي اخبر بهم النبي (صلى الله عليه وآله) وأنهم سبب عز الدين وكلهم يعملون بالهدى ودين الحق هم الخلفاء الأربعة ومعاوية وولده يزيد وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وأخوه سليمان وأخوه يزيد وأخوه هشام بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز والوليد بن يزيد بن عبد الملك الملقب بالزنديق والفاسق، والمستند أن الناس اجتمعوا عليهم دون غيرهم، واقتصروا من شروط الخلافة بما انفرد به بعضهم في بعض طرق الحديث وكلهم يجتمع عليه الناس، فمع الاجتماع يصير مصداقاً للنبوي الشريف سواء كان فيه العلم والهداية والعدالة والعمل بالحق أو كان فاقداً لجميعها حتى الإيمان(26)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(26) قال المولى فصيح الدين الاستيباضي الذي كان استاذ أمير علي شير المشهور في رسالته الموسومة (بالجام الغثاة وإلزام العتاة) وقد أشكل على مضمون الحديث الصحيح الذي رواه مسلم، وهو قوله (صلى الله عليه وآله) أن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، وفي رواية لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش.
قال في (شرح المشارق) و (المصابيح) يريد بهذا الأمر الخلافة، وأما العدد فقيل أنه ينبغي أن يحمل على العادلين منهم، فإنهم إذا كانوا على الرسول (صلى الله عليه وآله) وطريقته يكونون خلفاء وإلا فلا ولا يلزم أن يكونوا على الولاء. هذا ما قالوه ولكن لا مقنع فيه - انتهى (منه).
ولا بدّ من الإشارة إلى بعض ما في هذا الكلام من المفاسد واللوازم الباطلة التي لا يلتزم بها أحد:
1 - أنه كما قيد الأخبار المطلقة بما في بعض الطرق من قوله (وكلهم يجتمع عليه الناس) فلابد من تقييدها أيضاً بقوله ( في بعض طرقها (وكلهم يعمل بالهدى ودين الحقّ)، وعليه فيخرج بعض هؤلاء مما لا خلاف في عدم عمله بهما كما ستعرف.
2 - كيف أخرج الحسن بن عليّ (عليهما السلام) من هذا العدد مع أنه صرح في أوّل هذا الفصل وقال: قال الإمام أحمد حدّثنا بهر حدّثنا حماد بن سلمة حدثنا سعيد بن جمهان عن سفينة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: الخلافة ثلاثون عاماً ثمّ يكون بعد ذلك الملك - أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره.
قال العلماء: لم يكن في الثلاثين بعده (صلى الله عليه وآله) إلى الخلفاء الأربعة وأيام الحسن.
وقال البزار: حدّثنا محمّد بن سكين، حدثنا يحيى بن حسان، حدثنا يحيى بن حمزة عن مكحول، عن أبي ثعلبة، عن أبي عبيدة بن الجراح قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أوّل دينكم بدأ نبوة ورحمة، ثم يكون الخلافة ورحمة، ثم يكون ملكاً وجبرية. حديث حسن - انتهى.
فالحسن (عليه السلام) خليفة بنص منه (صلى الله عليه وآله)، فإن عدد الخلفاء
الأربعة من الاثني عشر فلا بدّ من عده أيضاً فيها، وما تشبث به من الاجتماع على فرض التسليم لا يعارض النص الصريح الصحيح، مع أنه لو بنى على إخراجه لعدم اجتماع أهل الشام عليه يلزم إخراج والده أمير المؤمنين (عليه السلام) منها أيضاً لعدم اجتماعهم عليه من أول خلافته إلى آخره، بل إخراجه (عليه السلام) منها أولى من إخراج المنصور منها لعدم اجتماع أهل أندلس عليه وهم في أقصى المغرب ونصارى هذه المملكة أضعاف المسلمين، بخلاف الشام الواقع في بحبوبة بلاد المسلمين، ومن ذلك يعلم أن قوله (وكلهم يجتمع) الخ من زيادة الراوي لا تصلح لتقييد الأخبار المطلقة.
3 - إن ظاهر نسبة الفعل إلى أحد صدوره منه قاصداً اختياراً من غير جبر وإكراه، فقوله (يجتمع) على فرض التسليم أي باختيارهم ورضاهم. ولا يخفى على ذي مسكة أن اجتماع الناس على ملوك بني أمية كان للقهر والغلبة والخوف منهم وأخذهم البيعة على الناس بسيفهم كما هو مشروح في السير والتواريخ، وهل يمكن أن ينسب أحد إلى أهل مكة والمدينة وفيهم وجوه الفقهاء والمحدثين وبقية الصحابة وكبار التابعين والمشايخ من أولاد المهاجرين والأنصار أنهم باختيارهم اجتمعوا على يزيد بن معاوية واختاروه لخلافة الأمة؟ ولعمري هذا إزراء بهم من حيث لا يعلم، وهل هو إلا لما رأوا من قهره وغلبته وتجريه على سفك الدماء فحفظوا أنفسهم ولم يلقوها إلى التهلكة فبايعه من بايع وتخلف عنه من تخلف؟!
4 - كف جوزوا الخلافة المنعوتة على لسان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في جميع بني أمية وقد رووا فيهم من الذموم ما رووا؟
فروى الإمام الثعلبي في (تفسيره) مسنداً عن سعيد بن المسيب في قول الله (جلَّ جلاله): (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ). قال: أرى بني أمية
على المنابر فساءه ذلك فقيل له إنها الدنيا يعطونها، فنزل عليه (إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ) قال: بلاء الناس.
وبإسناده عن المهلبي عن سهل بن سعد عن أبيه قال: رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فساءه، فما استجمع ضاحكاً حتى مات، فأنزل الله (جلَّ جلاله) في ذلك: (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ).
وبإسناده عن عمر بن الخطاب في قوله تعالى: (الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) قال: هما الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين.
وقال الثعلبي في قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَْرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) نزلت في بني أمية وبني هاشم - انتهى.
أترى النبي (صلى الله عليه وآله) يراهم كالقردة ويرى أن الله تعالى كنى عنهم بالشجرة الملعونة ثمّ يقول في سبعة منهم أنهم خلفاء يهدون بالحقّ ويعملون به ويعزّ في عصرهم الدين؟ حاشا أقواله وأفعاله من التناقض.
وفي (عقد الدرر) لأبي بدر السلمى عن علقمة، قال: قال لنا ابن مسعود: قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله): أحذركم سبع فتن تكون بعدي: فتنة تقبل من المدينة وفتنة تقبل من مكة، وفتنة تقبل من اليمن، وفتنة تقبل من الشام، وفتنة تقبل من المشرق، وفتنة تقبل من المغرب، وفتنة من المغرب من بطن الشام وهي السفياني.
وقال ابن مسعود: فمنكم من يدرك أولها ومنكم من يدرك آخرها، فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة الزبير، وفتنة مكة من قبل عبد الله بن الزبير، وفتنة الشام من قبل بني أمية، وفتنة بطن الشام من قبل هؤلاء. أخرجه الحافظ
أبو عبد الله الحاكم في مستدركه وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
5 - ثمّ كيف جوزوا في خصوص بني مروان منهم أن يكون فيهم خلفاء هادون وقد لعنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال كمال الدين الدميري الشافعي في (حياة الحيوان): روى الحاكم في كتاب الفتن والملاحم من المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيدعو له، فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون. ثم قال صحيح الإسناد.
وعن عمر بن مرة الجهني وكانت له صحبة: أن الحكم بن أبي العاص استأذن على النبي (صلى الله عليه وآله) فعرف صوته فقال: ءاذنوا له عليه وعلى من يخرج من صلبه لعنة الله إلا المؤمن منهم وقليل ما هم، يترفهون في الدنيا ويضيعون في الآخرة ذوو مكر وخديعة يعطون في الدنيا ومالهم في الآخرة من خلاق.
وأخرج أبو داود في سننه بإسناده عن عمرو بن يحيى قال: أخبرني جدى قال: كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً بالمدينة ومعنا مروان، فقال أبو هريرة، سمعت الصادق المصدق يقول: هلاك أمتي على يدي غلمة قريش. قال مروان: لعنة الله عليهم غلمة. قال أبو هريرة: لو شئت أن أقول من بني فلان وبني فلان فعلت. قال: وكنت أخرج مع جدي سعيد إلى الشام حين ملكه بنو مروان فإذا رآهم غلماناً أحداثاً قال لنا عيسى: هؤلاء الذي عنى أبو هريرة. فقلت: أنت أعلم.
ورواه البخاري في باب قول النبي (صلى الله عليه وآله): هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء.
وعن أبي الحسن أحمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله في كتابه في الملاحم
بإسناده عن زيد بن وهب أنه كان عند معاوية ودخل عليه مروان في حوائجه فقال: اقض حوائجي يا أمير المؤمنين فإني أصبحت أبا عشرة وأخا عشرة، وقضى حوائجه ثم خرج، فلما أدبر قال معاوية لابن عباس وهو معه على السرير: أنشدك الله يا بن عباس أما تعلم أن رسول الله قال ذات يوم: إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين اتخذوا مال الله عليهم دولا وعباد الله خولا وكتابه دخلا، فإذا بلغوا تسعة وتسعين وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من أول مرة. فقال ابن عباس: اللهم نعم. ثم أن مروان ذكر حاجة لما حصل في بيته فوجه ابنه عبد الملك إلى معاوية فكلمه فيها فقضاها، فلما أدبر عبد الملك قال معاوية لابن عباس: أنشدك الله يا بن عباس أما تعلم أن رسول الله ذكر هذا. فقال: هذا أبو الجبابرة الأربعة. فقال ابن عباس: اللهم نعم، فعند ذلك ادعى معاوية زياداً.
وقال العلامة الزمخشري في (الفائق): وفي حديث أبي هريرة: إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلاً كان مال الله دولا وعباده خولا، ونشأ للحكم بن أبي العاص أحد وعشرون ابناً وولد لمروان بن الحكم تسعة بنين - انتهى.
ومع ذلك كله كيف رضي هؤلاء الأعلام أن يجعلوا الذين لعنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعدهم من الجبابرة من خلفائه الاثني عشر الذي يعملون بالهدى ودين الحق وكان الإسلام في عهدهم عزيزاً منيعاً مع ما وقع في عهدهم من سفك الدماء المحرمة وهتك الفروج المحترمة حتى المحارم وحل الأموال المعتصمة ما لا يحصى والتجاهر بشرب الخمور واللعب بالقمار واللواط وغيرها بما لم يقع في عصر فكان الإسلام بهم ذليلاً مهاناً.
وإن هؤلاء الأجلة كيف استحسنوا ان يكون يزيد بن معاوية من الخلفاء الهداة الاثني عشر العاملين بالحق مع ما كان عليه من الفساد وما صدر منه مما بكت وتبكي منه السبع الشداد من وقعة الطف ووقعة الحرة وهتك بيت الحرام، وقد
ألف فيها بالانفراد كتب ورسائل سوى ما في التواريخ والسير.
وقال ابن الجوزي في كتابه المسمى بـ (الرد على المعتصب العنيد المانع عن لعن يزيد) اعلم: أنه ما رضي ببيعة يزيد أحد ممن يعول عليه حتى العوام أنكروا ذلك غير أنهم سكتوا خوفاً على أنفسهم.
وقال: أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي البزاز، عن أبي اسحاق البرمكي، عن أبي بكر عبد العزيز بن جعفر، قال أنبأنا أحمد بن محمد الخلال، قال نبأ محمد بن علي، قال نبأ مهنى بن يحيى، قال سألت أحمد عن يزيد بن معاوية قال: هو الذي فعل بالمدينة ما فعل. قلت: وما فعل؟ قال: نهبها. قلت: يذكر عن الحديث. قال: لا يذكر عن الحديث ولا ينبغي أن يكتب له حديثاً. قلت: ومن كان معه حين فعل ما فعل؟ قال: أهل الشام.
أخبرنا القاضي أبو يلعى محمد بن الحسين بن الفراء في كتابه (المعتمد في الأصول) عن أبي حفص العكبري قال: نبأ أبو علي الحسين بن الجندي قال: نبأ أبو طالب بن شهاب العكبرى قال: سمعت أبا بكر محمد بن العباس قال: سمعت صالح بن أحمد بن حنبل يقول: قلت لأبي: إن قوماً ينسبوني إلى توالي يزيد. فقال: يا بني هل يتوالى يزيد أحد يؤمن بالله. فقلت: فلم لا تلعنه. فقال: ومتى رأيتني ألعن شيئاً ولم لا تلعن من لعنه الله في كتابه. فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه. فقرأ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَْرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ * أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) فهل يكون فساد أعظم من القتل.
وصنف القاضي أبو الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى بن الفرا كتاباً فيه بيان من يستحق اللعن فيهم يزيد.
قال: وأنبأنا علي بن عبد الله الزاغولي قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة
عن أبي عبيد المرزباني قال: أخبرنا محمد بن أحمد الكاتب قال: أخبرنا عبد الله بن أبي سعيد الوراق قال: حدثنا محمد بن حميد، قال نبا محمد بن يحيى الأحمري قال: نبا ليث عن مجاهد قال: جيء برأس الحسين بن علي (عليهما السلام) فوضع بين يدي يزيد بن معاوية فتمثل بهذين البيتين:
ليت أشياخي ببدر شهدوا * * * جزع الخزرج من وقع الأسل
فأهلوا واستهلوا فرحاً * * * ثم قالوا: يا يزيد لا تشل
قال مجاهد: نافق فيها وذكر قضية الطف وما فعله بأهله مختصراً ثم ذكر وقعة الحرة ونقل عن ابن حنظلة غسيل الملائكة الذي بايعه أهل المدينة قال: والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء، إن رجلاً ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمور ويدع الصلاة، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لابليت الله فيه بلاء حسناً، وذكر فيه أن مسلم بن عقبة أخذ البيعة من أهل المدينة ليزيد على أنهم خول له وأموالهم له.
ونقل عن المدائني في كتاب الحرى عن الزهري أنه قال: كان القتلى يوم الحرة سبعمائة من وجوه الناس من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي وممن لا يعرف من بعد وحر وامرأة عشرة آلاف.
وعن المدائني عن أبي هريرة قال: قال هشام بن حسان: ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج.
ثمّ ذكر محاصرة ابن الزبير وقذف الكعبة بالمجانيق واحتراق البيت واحتراق قرني الكبش الذي فدى الله به إسماعيل وكانا في السقف مما هو مشروح في السير.
ورأيت في تاريخ عبد الملك العصامي أن رجلاً من أهل الشام وقع على امرأة في المسجد النبوي على مشرفه الصلاة ولم يجد خرقة ينظف بها ووجد
ورقة من القرآن المجيد فنظف نفسه بها، فسبحان من لم يهلكهم بصاعقة من السماء أو بحجارة من سجيل وإنما يعجل من يخاف الفوت.
وقال السيوطي في (تاريخ الخلفاء): أخرج أبو يعلى في مسنده بسند ضعيف عن أبي عبيدة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا يزال أمر أمتى قائماً بالقسط حتّى يكون أوّل من يثلمه رجل يقال له يزيد).
وأخرج نوفل بن أبي الفرات: كنت عند عمر بن عبد العزيز فذكر رجل يزيد فقال: قال أمير المؤمنين يزيد بن معاوية. فقال: تقول أمير المؤمنين وأمر به فضرب عشرين سوطاً.
ولو أردنا استقصاء ما فعل وما ورد فيه وما قالوا فيه لخرجنا عن الغرض المقصود، وفيما ذكرنا كفاية للاستعجاب من هؤلاء الأعلام الذي عدوه من الخلفاء الاثني عشر العاملين بالحق مع هذه المفاسد العظيمة والرزايا الجليلة التي أصيب بها الإسلام في زمانه ولم يصب بعشر معشاره بعده وبعد الخلفاء الذين عدوهم من الاثني عشر الذي قام بهم الدين وأخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بأن بعدهم هرج.
وأعجب من ذلك إخراجهم الحسن بن عليّ (عليهما السلام) من العدد، مع ما عرفت من نصه (صلى الله عليه وآله) بخلافته بل انقضائها به وأن الذي يلون الأمر بعده ملوك جبارون لا خلفاء هادون، وما كان عليه من العلم والفضل والتقى والسخاء والسيادة والشرافة والنسب الذي لا يدانيه أحد والمناقب التي لا يحصاها عدد.
قال الحافظ ابن حجر - الذي أخرجه منهم وأدخل يزيد فيهم في (فتح الباري في شرح صحيح البخاري) في شرح ما رواه عن أبي هريرة قال: أخذ
الحسن بن عليّ (عليهما السلام) تمر من تمرة الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي: كخ كخ أما شعرت إنا لا نأكل الصدقة - الخبر، ما معناه فإن قيل: لم قال للحسن (أما شعرت) والحسن بن عليّ كان في هذا الوقت رضيعاً، لقوله (كخ كخ) فإنه لا يقال هذا اللفظ إلا للرضيع؟ قلنا: لأن الحسن لم يكن كغيره، فإنه في هذا السن كان يطالع اللوح، إذ علومهم لدنية وهبوها ولم تكن من العلوم الكسبية التي تتوقف على الكسب والبلوغ إلى حد يمكن فيه الكسب.
وقال (في تقريبه) في ترجمة يزيد بن معاوية: وليس بأهل أن يروى عنه.
فليتأمل المنصف في هذه الأقوال المتناقضة.
6 - إن يزيد على ما ذكروه خليفة حق وإمام هدى يجب طاعته ويحرم مخالفته ومن خرج عليه كان باغياً طاغياً يجب قتله. قال الشهرستاني في (الملل): كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان وعلى الأئمة في كل زمان.
وروى ابن الأثير في (جامع الأصول) عن عرفجة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: سيكون هنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان. وفي رواية فاقتلوه - أخرجه مسلم.
وفي رواية أبي داود وهنات مرة أخرى وأخرجه النسائي.
وله في أخرى قال رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) يخطب على المنبر فقال: أنها ستكون بعدي هنات هنات فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يريد أن يفرق أمة محمد كائناً من كان فاقتلوه، فان يد الله على الجماعة وأن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض.
وعن أسامة بن شريك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيما رجل خرج يفرق بين أمتي فاضربوا عنقه. أخرجه النسائي.
وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا بويع الخليفتين فاقتلوا الآخر منهما.
وعن عرفجة بن شريح قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه. أخرجه مسلم.
وعن عمرو بن العاص أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من تابع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا رقبة الآخر. قلت: سمعت هذا من رسول الله؟ قال: سمعته أذناي ووعاه قلبي.
وقد مر قولهم أنه اجتمع الناس على يزيد فهو إمام حق، لأنه أحد طرق ثبوتها بل أجلها، وقد نص عليه أبوه وجعله وليعهده وخليفته من بعده وهذا طريق آخر كما نص عليه (شارح المقاصد) بقوله وتنعقد الإمامة بطرق:
أحدها: بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذي تيسر حضورهم من غير اشتراط عدد ولا اتفاق من في سائر البلاد، بل ولو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع كفت بيعته.
والثاني: استخلاف الإمام وعهده وجعله الأمر شورى بمنزلة الاستخلاف إلى أن قال:
والثالث القهر والاستيلاء، فإذا مات الإمام وتصدى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة واستخلاف وقهر الناس بشوكته انعقدت الخلافة له وكذا إن كان فاسقاً أو جاهلاً على الأظهر - انتهى.
وقد حصلت ليزيد هذه الطرق، فلا مجال لإنكار حقية إمامته وخلافته.
ونتيجة هذه المقدمات: أن يكون الحسين بن علي بن أبي طالب ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قتل بالحق وللحق، لأنه خرج على إمام زمانه الذي كان يجب عليه طاعته وأراد تفريق الجماعة وشق عصى المسلمين، وبيعة جماعة من أهل الكوفة إياه كانت بعد انعقاد إمامة يزيد ببيعة أهل الشام بل سائر الأمصار، فهو الخليفة الآخر الذي يجب قتله بأمر النبي، ولذا لم يفسقوا من باشر قتاله فضلاً عن الأمر به ولم ينزلوه منزلة أدنى المسلمين الذي جعل الله قتله في غير حد ولا قصاص من الكبائر الموبقة بعد الشرك به.
فقال الحافظ جمال الدين المزي في (تهذيب الكمال) في ترجمة عمر بن سعد: قال أحمد بن عبدون العجلي: كان يروي عن أبيه أحاديث، وروى الناس عنه، وهو الذي قتل الحسين وهو تابعي ثقة - انتهى.
وقال ابن حجر في (شرح القصيدة الهمزية) في كلام له: وكابن العربي المالكي، فإنه نقل عنه أنه قال: ما قتل الحسين إلا بسيف جده، أي لأنه يعني يزيد الخليفة والحسين باغ عليه والبيعة سبقت ليزيد ويكفي فيهما معظم أهل الحل والعقد وبيعته كذلك، لأن كثيرين أقدموا عليها مختارين لها هذا مع عدم النظر إلى استخلاف أبيه له إما مع النظر لذلك فلا يشترط موافقة أحد من أهل الحل والعقد لذلك - انتهى.
والله العالم بما في الالتزام بهذه النتيجة الحاصلة من المقدمات الواضحة التي لا بدّ لهم من الالتزام بها من المفاسد الدينية.
7 - إنهم لم يذكروا المهدي (عليه السلام) في هذا العدد مع نص النبي (صلى الله عليه وآله) عليه بالخلافة، فإن عد في قبال الاثني عشر يزيد في عدد الخلفاء، وظاهر تمام النصوص السابقة حصر عددهم فيها وإلا فيلزم دخوله (عليه السلام) فيبطل ما عينوه بالحدس.
وأما النص فقال الحافظ الكنجي الشافعي في كتاب (البيان): حدثنا الحافظ أبو الحسن محمد بن أبي جعفر أحمد بن علي القرطبي بقرية بيت الاباد من غوطة دمشق وأخبرني بذلك المجلس السيد الوزير الحسن بن سالم بن علي بن سلام ويحيى بن عبد الرزاق خطيب عقربا، قالوا جميعاً أخبرنا أبو الفرج يحيى محمود بن سعد الثقفي، أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن، حدّثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا إبراهيم بن سويد الشامي، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا الثوري، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة لا يصير إلى واحد منهم ثم يجيء خليفة الله المهدي، فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه فإنه خليفة الله المهدي.
قلت: هذا حديث حسن المتن وقع إلينا عالياً من هذا الوجه بحمد الله وحسن توفيقه، وفيه دليل على شرف المهدي (عليه السلام) بكونه خليفة الله في الأرض على لسان أصدق ولد آدم.
وقد قال تعالى: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
ونقله أبو بدر يوسف بن يحيى السلمي في (عقد الدرر) وقال: أخرجه الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم في مستدركه وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، إلا أن فيه في موضع ثم يجيء خليفة الله الخ. ثم ذكر شاباً - الخ.
قال: وأخرجه الحافظ أبو نعيم في (صفة المهدي) وأخرجه الإمام أبو عمر والداني في (سننه).
وأخرج مسلم في (صحيحه) عن أبي نصرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده.
وعن أبي نصرة عن جابر بن عبد الله في حديث قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكون في أمتي خليفة يحثو المال حثواً ولا يعده عداً.
قال الحريري: فقلت لأبي نصرة وأبي العلاء: أتريان أنه عمر بن عبد العزيز قالا: لا.
وفي (مسند أحمد بن حنبل) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليبعثن الله في هذه الأمة خليفة يحثي المال حثياً ولا يعده عداً.
وفي (عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر) عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها ملك ينادي هذا هو المهدي خليفة الله فاتبعوه.
إلى غير ذلك مما يجده الناظر في أخبار الباب، وحيث أنهم لم يشترطوا التوالي وجوزوا تخلل زمان بلا خليفة من الاثني عشر المنصوصة كما بين يزيد وعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير فاللازم عليهم أن يخرجوا يزيد بن معاوية منهم ويتموا العدد بالمهدي (عليه السلام) صوناً للأخبار النبوية عن الاختلاف والمعارضة.
8 - عدهم عبد الملك بن مروان من الخلفاء الاثني عشر العاملين بالحق الذين بعد انقضائهم يصير الهرج وفي عصرهم يكون الدين قائماً عزيزاً، وهذا موضع التعجب، أليس في عهدهم هدم الحجاج وأصحابه والكعبة الشريفة ورموه بالمنجنيق وفعلوا ما فعلوا في حرم الله تعالى من الهتك؟ أليس في عهده استخفوا بأهل المدينة وختموا في أعناق بقية الصحابة وأيديهم كجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وسهل بن سعد الساعدي يذلهم بذلك وجعلوهم بمنزلة العبيد بل المواشي والأنعام؟
ومن عظم هذه المصيبة الفادحة قال السيوطي بعد نقلها (إنا لله وإنا إليه راجعون)، أليس في عهده ولى الحجاج والعراق ومن والاها في عشرين سنة وفعل ما فعل من القتل والحبس والنهب والهدم وغيرها من الأمور الفظيعة الشنيعة ما لا يدانيه أحد قبله ولا بعده؟!
حتّى قال ابن الجوزي في كتابه (الرد على المعتصب العنيد): قال أبو نعيم وحدثنا أبو حامد بن جبلة قال: نبا محمّد بن إسحاق قال: نبا محمّد بن الصباح قال: نبا عبد الله بن رجا عن هاشم بن حسان قال: قال عمر - يعني - ابن عبد العزيز لو أن الأمم تخابثت يوم القيامة فأخرجت كل أمة خبيثها ثم أخرجنا الحجاج لغلبناهم.
قال ابن الجوزي: أخبرنا علي بن محمّد بن أبي الدياس قال: أخبرنا محمّد بن الحسن الباقلاوي قال أخبرنا عبد الملك بن بشران قال حدثنا أبو بكر الأجري قال: حدثنا أبو عبد الله ابن مخلد قال حدّثني سهل بن يحيى بن محمّد بن المروزي قال: أخبرني عن عبد العزير بن عمر بن عبد العزيز:
قال: لما ولى عمر بن عبد العزيز جعل لا يدع شيئاً مما كان في يده وفي يد أهل بيته من المظالم إلا ردها مظلمه فبلغ ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك فكتب إليه: إنك أزريت على من قبلك من الخلفاء وسرت بغير سيرتهم وخصصت أهل قرابتك بالظلم والجور.
فكتب إليه عمر: أما أوّل شأنك ابن الوليد كما زعم وأمك بنانة تطوف في سوق حمص والله أعلم بها اشتراها ذبيان من فيء المسلمين ثمّ أهدها لأبيك فحملت بك فبئس المحمول وبئس المولود ثمّ نشأت فكنت جباراً عنيداً تزعم أني من الظالمين وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعملك صبياً سفيهاً على جند المسلمين تحكم فيهم برأيك، فويل لك وويل لأبيك ما أكثر خصمائكما يوم القيامة وكيف ينجو أبوك من خصمائه وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعمل
الحجاج بن يوسف يسفك الدم الحرام ويأخذ المال الحرام وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعمل قرة بن شريك اعرابياً جافياً على مصر أذن له في المعازف واللهو والشرب وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من جعل الغالية البربرية سهماً في خمسي العرب فرويداً لو تفرغت لك ولأهل بيتك ومنعتهم على المحجة البيضاء فطالما تركتم الحقّ وأخذتم في تيهات الطريق وما وراء هذا ما أرجو أن أكون رأيته بيع رقبتك وأقسم الثمن بين اليتامى والمساكين والأرامل فإن لكل فيك حقاً - انتهى.
وفي (تفسير النيشابوري) في قوله تعالى (وَلا تَنابَزُوا بِالأَلْقابِ): أن الحجاج قتل مائة ألف وعشرين ألف رجل صبراً، وأنه وجد في سجنه ثمانون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة منهم ثلاثة وثلاثون ألفاً ما يجب عليهم قطع ولا صلب.
وفي (تاريخ الخميس): وتوفي في حبوسه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة، وكان في هؤلاء جماعة من الصلحاء والأخيار والفقهاء والعباد، وما قتل بسببه في الحروب أضعاف ذلك وفضائح أعماله وشنائع أفعاله التي هلكت بها العباد وخربت بها البلاد مشروحة في السير.
وذكر الفقهاء والمؤرخون أنه كان ارتفاع العراق بعد الفتح إلى زمان الحجاج ثلاثمائة وستين ألف ألف درهم، ورجع ارتفاعها في زمن الحجاج إلى ثمانية عشر ألف ألف درهم، وليت شعري بأي خصلة استحق بها الخلافة المعهودة! بصلاحه وعمله وزهده في نفسه؟ أو بنشره وترويجه معالم الإسلام؟ أو بحفظه وحراسته نفوس المسلمين وقد بلغت قتلاه ما بلغت؟ أو بعمارته وإحيائه الأرضين فإذا كان تعيين الخلفاء المنصوصة بالميل والجزاف لا بشواهد من الكتاب والسنة وسقط شرط التوالي فيما بينهم فكان ينبغي أن يخرجوا هؤلاء الملعونين على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) ويجعلوا بدلهم من بني العبّاس خصوصاً بعد ما رووا في
حقهم ما يقتضي ذلك:
ففي (تاريخ الخلفاء) للسيوطي قال الطبراني: حدثنا أحمد بن محمّد بن يحيى بن حمزة حدثنا إسحاق عن إبراهيم بن أبي النضر عن يزيد بن ربيعة عن أبي الأشعت عن ثوبان (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأيت بني مروان يتعاورون على منبري فساءني ذلك ورأيت بني العباس يتعاورون على منبري فسرني ذلك.
فلا أقل من إخراج بني مروان منهم وعد بعض العباسيين الذي بالغوا في مدحهم وحسن سيرتهم وسياستهم مثل المهتدي بالله الذي هو في بني العباس كعمر بن عبد العزيز في بني أمية وأحمد الناضر الذي قال الذهبي: ولم يل الخلافة أحد أطول مدة منه، فإنه أقام فيها سبعة وأربعين سنة ولم يزل مدة حياته في عز وجلالة وقمع الأعداء واستظهار على الملوك، ولم يجد ضيماً ولا خرج عليه خارجي إلا قمعه ولا مخالف إلا دفعه وكل من أضمر له سوء رماه الله بالخذلان، وكان مع سعادة جده شديد الاهتمام بمصالح الملك لا يخفى عليه شيء من أحوال رعيته كبارهم وصغارهم - إلى آخر ما قال.
9 - إن مقتضى كلام هؤلاء المشايخ العظام انقضاء مدة خلافة الخلفاء الاثني عشر المنصوصة بهلاك الثاني عشر منهم، وهو الوليد بن يزيد بن عبد الملك الذي قال السيوطي في (تاريخه) كان فاسقاً شريباً للخمر متهتكاً حرمات الله أراد الحج ليشرب فوق طهر الكعبة فمقته الناس لفسقه وخرجوا عليه فقتل.
وفي (تاريخ الخميس): ذكر الذهبي بإسناده عن عمر قال: ولد لأخي أم سلمة ولد سموه الوليد فقال (صلى الله عليه وآله) سميتموه بأسماء فراعنتكم ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد لهو أشد لهذه الأمة من فرعون لقومه.
وأخرجه الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيتمي القاهري
الشافعي تلميذ الحافظ العراقي في الجزء الثالث من كتابه: مجمع الزوائد في باب فتنة الوليد قال: رواه أحمد ورجاله ثقات - انتهى.
ونقل في التاريخ المذكور عنه من كفرياته كثيراً من ذلك: أنه دخل يوماً فوجد ابنته جالسة مع دادتها، فبرك عليها وأزال بكارتها، فقالت له الدادة: هذا دين المجوس، فأنشد:
من راقب الناس مات غما * * * وفاز باللذة الجسور
وأخذ يوماً المصحف ففتحه فأوّل ما طلع (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) فقال: أتهددني، ثمّ أغلق المصحف ولا زال يضرب بالنشاب حتى فرقه ومزقه ثم أنشد:
أتوعد كل جبار عنيد * * * فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا لاقيت ربك يوم حشر * * * فقل يا رب مزقني الوليد
وأذّن للصبح مرة وعنده جارية يشرب الخمر معها فقام فوطئها وحلف لا يصلي بالناس غيرها فخرجت وهي جنب سكرانة فلبست ثيابه وتنكرت وصلت بالناس، ونكح أمهات أولاد أبيه - انتهى. إلى غير ذلك من شنائع الأعمال المذكورة في التواريخ.
ومع ذلك كيف يكون من الخلفاء الذي كان الدين في زمنهم عزيزاً منيعاً وبموتهم وهلاك آخرهم في سنة ست وعشرين ومائة صار الإسلام ذليلاً والدين مهيناً ووقع الهرج والفتن، مع أنه خالف الحس والوجدان؟ فإن قوة الدين وعزه بعز حملته ونقلته وسدنته وكثرتهم وعز من يربيهم ويحرسهم ويعينهم، ولا شك أن في دولة بني العباس إلى أن يرجع الأمر إلى سلاطين آل عثمان حماة الدين وحفظة الإسلام ملأ الآفاق من العلماء والفقهاء والمحدثين والأدباء والقراء الجامعين للسنن والحافظين للقرآن المؤلفين في العلوم الشرعية والمعالم
الدينية بما لا يحصى عده، وهم مع ذلك فارغوا البال من هموم تهية أمور المعاش باهتمام ولاة الأمور في إصلاح شؤونهم وسد خلتهم ولم شعثهم لا هتك بيت الحرام في عصرهم ولا صلت الجنب السكرانة بالناس في مسجد دار خلافتهم ولا مزق المصحف من نشاب خليفتهم.
فأيّ عز كان في عصر بني أمية فقد بعدهم؟ وأيّ ذل ورد على الدين الحنيف بعدهم أفظع وأشنع مما فعلوا؟ ومن جميع ذلك يظهر أن ما ورد في الأخبار النبوية الشريفة من ذكر الخلفاء الاثنى عشر بمعزل عما ذكروا ورجحوا وصححوا.
10 - أن ظاهر جملة من الأخبار المذكورة وصريح بعضها أن بانقضاء الثاني عشر منهم ينقضي أمر الدين وتظهر علامات الساعة وتقوم أشراط القيامة ويصير الهرج وينخرم نظام الأمور فلا آمر ولا مأمور ولا إمام ولا مأموم، وقد تقدم بعض ما يدل على ذلك.
وأخرج أبو داود في (صحيحه) بإسناده إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لا يزال الدين ظاهراً حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنى عشر خليفة كلهم من قريش.
وأخرج مسلم في (صحيحه) من رواية سعد بن أبي وقاص أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال يوم جمعة عشية رجم الأسلمي: لا يزال الدين قائماً حتى تقول الساعة يكون عليهم اثنى عشر خليفة كلهم من قريش.
وأخرج عبد الله بن بطة العكبري في (الابانة) بإسناده عن عبد الله بن أمية مولى مجاشع عن يزيد الرقاشي عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها. وفي نسخة ماجت.
ولا يخفى على الناظر المتأمل في هذه الأخبار دوام قيام الدين وظهوره وغلبته وسكون الأرض وقرارها بوجود الخلفاء الاثني عشر، وبانقضاء خاتمهم
تقوم الساعة، فيكون الثاني عشر هو المهدي بالاتفاق، إذ هو الخليفة المنصوص الذي بانقضاء مدته تظهر أعلام القيامة بل ظهور وجوده المقدس عد منها.
فلو فرض خلو زمانه بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى زمان ظهوره (عليه السلام) من خليفة منهم لزم عدم قيام الدين وذلته واضطراب الأرض وظهور الفتن والهرج قبل انقضاء الاثني عشر، وهو خلاف صريح هذه الأخبار الصحيحة، فيكون زمان وجودهم منطبقاً على زمان رحلته إلى زمان ظهور أعلام الساعة.
وبعد عدم جواز زيادة عدد عليهم وكون الثاني عشر هو المهدي لابد من الالتزام بولادته، فيكون هو الحجة بن الحسن (عليهما السلام) إذ لا قول ثالث بين المسلمين بعد إخراج المنتحلين.
وتؤيده هذه الأخبار على الحمل الذي حملناها عليه نظراً إلى صراحتها طوائف أخرى من الأخبار الصحيحة فتنضم إلى القرائن السابقة:
منها: أخبار الأمان كما أخرجها أبو عمر مسدد وابن أبي شيبة وأبو يعلى في مسانيدهم والطبراني بأسنادهم عن أياس بن سلمة عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من أمتي.
وأخرج الحاكم في (المستدرك) بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) النجوم أمان لأهل الأرض من الغرب وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس. وصححه وقال: صحيح الاسناد.
وأخرج أحمد في (المناقب) بإسناده عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): النجوم أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض.
وهذه الأخبار إذا عرضت على الطائفة الأولى تجد مضمونهما ومفادهما واحداً
فإن حاصل هذه أن أهل بيته للأمة من جهة دينهم وهم الملجأ والملاذ واليهم يرجع الاختلاف، وهذا بعينه ظهور الدين وقوامه وقيامه، إذ المراد الظهور بالحجة والبرهان لا الغلبة بالسيف والسنان، وكذا أمان لهم من الهلاك الفناء. وهذا هو الهرج وسوخان الأرض بأهلها في الأخبار السابقة.
ولا يحتمل ذو حظ من فهم الحديث أن للأرض أمانين لدينهم ودنياهم أهل البيت والخلفاء الاثنى عشر بل في بادي النظر فضلاً عن دقيقه يقطع بأن المراد بالأهل هم الخلفاء وأن أخبار العدد شرح الإجمال في أخبار الأمان.
ومنها: أحاديث الطائفة:
أخرج البخاري في (صحيحه) عن عمير بن هاني أنه سمع معاوية يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.
ونقله السيوطي في (الجامع الصغير) عن الصحاح الستة.
وأخرج مسلم في (صحيحه) عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحقّ لا يضرهم من خذلهم حتّى يأتي أمر الله وهم كذلك.
وعن المغيرة سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (لن يزال قوم من أمّتي ظاهرين على الناس حتّى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون).
وفي (الجامع الصغير) للسيوطي عن ابن ماجه عنه (صلى الله عليه وآله) قال: (لا تزال طائفة من أمّتي قوامة أمر الله لا يضرها من خالفها).
وعن مستدرك الحاكم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة.
وفي (الجامع الكبير) في مسند عمر فخطب عمر الناس فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى يأتي أمر الله.(27) الحديث. أخرجه ابن جرير.
إلى غير ذلك مما ورد بهذا المضمون، والمراد بالظهور والغلبة والاستيلاء دون ضد الخفاء لتصريحهم بعدم اشتراطه كما في الأولياء والأقطاب والأبدال، وعلى الحق أي مستولين عليه وحايزين له دون غيرهم من الطوائف، والطائفة تقع على الواحد كما في (النهاية) في شرح الحديث المذكور.
وهذه الطائفة مجملة في بادئ النظر مع أنا متعبدون باتباع الحق واعتقاده ومعرفته عقلاً وسمعاً، وغرضه (صلى الله عليه وآله) من ذكر هذه الطائفة بيان الملجأ والإرشاد إلى الحجة ومن عنده الحق دائماً فلا يحتمل في حقه (عليه السلام) إبقاؤها بحالها وعدم كشفه إجمالها مع ما كان عليه من الرأفة والرحمة على أمته، مع أنه (عليه السلام) لو لم يبين مراده منها لدخلت هذه الأحاديث في عداد الألغاز والمعميات.
وأنت خبير بأن مضمونها مطابق لأخبار عدد الخلفاء وأخبار الأمان، فإن قوله (لا يزال الدين ظاهراً حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة) صريح في أن ظهوره بالمعنى المذكور لوجود الخليفة، ولا يكون ظاهراً بدون ظهور الخليفة عليه، فيكون المراد أن في كل عصر خليفة ظاهراً على الدين وهو الحق إلى قيام الساعة، وهذه عبارة أخرى عن وجود طائفة في كل زمان ظاهر على الحق إلى قيام الساعة، وهذا ظاهر لمن أنصف عن نفسه.
وكذا أخبار الأمان، فإن قوله (وأهل بيتي) ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) أمان الأمة من الاختلاف صريح في أن الحق عندهم فيكون في قوة قوله (صلى الله عليه وآله): ولا يزال أهل بيتي.
فإذا كان المراد من أهل البيت كما تقدم هو الخلفاء فيتحد مفاد الطوائف الثلاث من غير تكلف، ودعوى أن المراد بالطائفة أهل العلم أو أهل الحديث أو أن الطائفة مفرقة من أنواع المؤمنين فمنهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم محدثون ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ومنهم أهل أنواع من الخير ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونوا متفرقين في أقطار الأرض لا شاهد لها ولا برهان عليها، وإنما قالها من قالها بمجرد الاحتمال.
مع أنه لو أريد من أهل العلم جميعهم فيكون المراد أن أهل العلم من أمتي على الحق دون جهالهم سقط الكلام من الفائدة لو كان جميعهم على الحق مع أنه خلاف الواقع لما بينهم من الاختلافات العظيمة التي لا تكاد أن تنضبط ولا يمكن القول بحقية الجميع خصوصاً في المتناقضات والمتضادات وإن أريد البعض الغير المعين منهم فهو إحالة على المجهول فلا ثمرة فيه أيضاً وهذا الاهتمام ببيانهم ينافي ذلك وأن أريد البعض المعين المتصفون بما وصفهم فيه لزم حجية قولهم ووجب الاهتمام بشأنهم وتمييزهم عن غيرهم بشواهد ظاهرة من كلامه (صلى الله عليه وآله) فهو صحيح والبعض معين والشاهد ما مر ويأتي.
وأما ما رواه جابر بن سمرة وابن عبد الله عنه (صلى الله عليه وآله): لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة. فهو مضافاً إلى التفرد ولا يحتج بالتفرد به أمثال المقام محتاج إلى التأويل على جميع المحتملات وأحسن ما قيل فيه أن يراد بالمقاتلة الدفع والمدافعة عن الحق بالبراهين القاطعة والدلائل الواضحة.
ففي (نهاية) الجزري في حديث المار بين يدي المصلي قاتله فإنه شيطان أي دافعه عن قبلتك وليس كل قتال بمعنى القتل.
ومنه حديث السقيفة: قتل الله سعداً فإنه صاحب فتنة وشر أي دفع الله شره.
وعليه فلا ينافي نظائره، ويؤيد ما حملنا عليه الحديث ما في (عقد الدرر) لأبي بدر السلمي عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناواهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما.
ولولا أن المراد من المقاتلة في أول الكلام هو المدافعة لم يكن صادقاً لعدم المظاهرة على الأعداء دائماً وآخر الكلام صريح في أن الطائفة من أهل البيت لأن المهدي (عليه السلام) منهم.
ومنها: أخبار السفينة، ففي (وسيلة المآل في عد مناقب الآل) لأحمد بن الفضل بن محمّد باكثير الشافعي المكي المتوفى سنة 1147 كما في كتاب (خلاصة الأثر) ومدحه وأثنى عليه فيه قال: وكان في الموسم يجلس في المكان الذي يقسم فيه الصر السلطاني بالحرم الشريف بدلا عن شريف مكة - عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق). أخرجه الملا(28) في سيرته والطبراني وأبو نعيم في الحلية والبزاز، وغيره.
وأخرج أبو الحسن المغازلي في (المناقب) من طريق بشر بن المفضل قال سمعت الرشيد يقول: سمعت المهدي يقول: سمعت المنصور يقول: حدّثني أبي عن أبيه عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تأخر عنها هلك).
وعن ابن الزبير قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(28) والمراد بالملا حيثما ذكر هو عمر بن محمّد بن خضر الأردبيلي المعروف بالملا صاحب وسيلة المتعبدين.
من ركبها سلم ومن تركها غرق). أخرجه البزار.
وعن سيدنا عليّ كرم الله وجهه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تعلق بها فاز ومن تأخر عنها زخ به في النار) أخرجه ابن السري.
وعن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق، ومثل حطة لبني إسرائيل) أخرجه الحاكم.
وأخرج أبو يعلى عنه أبي الطفيل عن أبي ذر (رضي الله عنه) ولفظه: (أن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجى ومن تخلف عنها غرق وان مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة).
وأخرجه أبو الحسن المغازلي عنه ومن قاتلنا آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال.
ورواه أيضاً عن أبي سعيد الخدري عنه (صلى الله عليه وآله): قال: ورواه الطبراني في الأوسط والصغير.
وفي (فرائد السمطين) لإبراهيم بن محمّد الحمويني الشافعي: قال الواحدي: روى الحاكم في صحيحه عن أحمد بن جعفر بن حمدان عن عباس الصرافسطي عن محمّد بن إسماعيل الأحمسي عن المفضل بن صالح عن أبي إسحاق السبيعي عن حبش بن معتمر الكناني قال: سمعت أبا ذر وهو آخذ بباب الكعبة وهو يقول: أيها الناس فأنا من قد عرفتم ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر، إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من دخلها نجى ومن تخلف عنها هلك).
قال: ثمّ قال الواحدي: أنظر كيف دعا الخلق إلى التسبب إلى ولائهم
والسير تحت لوائهم بضرب مثلهم بسفينة نوح جعل ما في الآخرة من مخاوف الأخطار وأهوال النار كالبحر الذي لج براكبه فيورده مشارع المنية ويفيض عليه سجال البلية، وجعل أهل بيته عليه وعليهم السلام سبب الخلاص من مخاوفه والنجاة من متالفه، وكما لا يعبر البحر الهياج عند تلاطم الأمواج إلاّ بالسفينة كذلك لا يأمن لفح الجحيم ولا يفوز بدار النعيم إلا من تولى أهل بيت الرسول صلوات الله عليه وعليهم ونحل لهم وده ونصيحته وأكد في موالاتهم عقيدته، فإن الذي تخلفوا عن تلك السفينة آلوا شر مآل وخرجوا من الدنيا إلى انكال وجحيم ذات أغلال، وكما ضرب مثلهم سفينة نوح قرنهم بكتاب الله فجعلهم ثاني الكتاب وشفع التنزيل - انتهى.
ومنه يظهر أن المشبه بركوب السفينة هو التمسك بهم والاعتصام بحبلهم، فمن اعتمد عليهم في مسائل الدين فاز ونجى ومن لم يعتمد عليهم غرق وهلك ومصداق هذا انما يكون في الآخرة لا في الدنيا، إذ الوجدان يكذبه فيكون المراد بالنجاة والهلاك إنما هو الواقع في الآخر كما يدل عليه صريحاً قوله: (زخ في النار ومن قاتلنا) الخ، فالمتمسك بهم ناج فائز في الآخرة كما هو مقتضى مماثلتهم بالسفينة في نجاة المتعلق بها، والمخالف لهم هالك في الآخرة كما هو مقتضى المتخلف عن السفينة، فلابد من الحكم بكونهم مستقرين على الحق أبداً ظاهرين عليه دائماً لا يفارقونه آناً ما وإلا لم يحصل النجاة لمن تسمك بهم في ذلك الآن. وهذا بعينه هو المستفاد من أخبار الخلفاء وأخبار الطائفة وأخبار لم يعرف إمام زمانه وغيرها، فلابد من الحكم باتحاد المقصود من الطوائف المذكورة فتكون النتيجة ما قدمناه. والقول في حديث باب حطة كالقول في حديث السفينة.
ومنها ما ذكره السدي - وهو من قدماء المفسرين ونقله عنه جماعة - قال في
خلال قصة إبراهيم الخليل (عليه السلام) قال: كرهت سارة مكان هاجر فأوحى الله تعالى إلى إبراهيم (عليه السلام) فقال: انطلق بإسماعيل وأمه حتى تنزلهم بيتي التهامي يعني بمكة، فإني ناشر ذريته وجاعلهم ثقلاً على من كفر بي وجاعل منهم نبياً عظيماً ومظهره على الأديان، وجاعل من ذريته اثنى عشر عظيماً وجاعل ذريته عدد نجوم السماء - انتهى.
وقريب منه ما في التوراة في السفر الأول بعد انقضاء قصة سارة وما خاطب الله به إبراهيم في أمرها وولدها قوله (جلَّ جلاله) وقد أجبت دعاءك في إسماعيل وقد سمعتك فيما باركته وسأكثره جداً جداً وسيولد منه اثنى عشر عظيماً أجعلهم أئمة كشعب عظيم.
كذا في مؤلفات بعض القدماء، وفي النسخة الموجودة عندنا: ويولد منه اثنى عشر شريفاً واجعل منه أمة عظيمة - إلى آخره...
وليس الغرض الاحتجاج بذلك بل لمجرد الاستيناس والتأييد بحمل ما ذكره السدي المؤيد بما في التوراة على الخلفاء الاثنى عشر المنصوصة السابقة لعدم جواز حمل الوصف الموجود فيهما من العظمة والشرافة على بني مروان خصوصاً الوليد الزنديق وقبله يزيد، ولا اثنى عشر عظيماً من حيث العلم والعمل والكمال والنباهة والشرافة والحكمة والبيان من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) غيرهم، فما ذكر أحد أحداً منهم إلا بالعظمة والجلالة والتوصيف بما ذكرناه وفوقه مما هو من شروط خلافة النبي (صلى الله عليه وآله) من حيث نبوته ورسالته من العلم بالأحكام وما يصلح به العباد وتعمر بها البلاد وإبلاغها كما هي وتزكيتهم وتكميلهم، قال الله تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وقال تعالى: (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ
وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) وقال تعالى حاكياً عن جده إبراهيم وإسماعيل: (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُْمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
فالغرض الأصلي من البعث إنفاذ هذه المقامات الأربعة وإتمامها وإكمالها ثم ما يترتب على ذلك في بعض الأوقات من السلطنة القاهرة وقهر العباد وتسخير البلاد، فتلزمه تكاليف أخرى الهية مما يتعلق بأمور السياسة وانتظام الملك وبسط العدل وغير ذلك أغراض تبعية من البعثة قد ترتفع بارتفاع السلطنة والقهر وعدم نيلها، وهو مع ذلك رسول معظم مبعوث لا يضره كغيره من الرسل قلة الأتباع والضعف والفقر بل التستر والحبس ولو في ظلمات بطن الحوت.
قال الشيخ أبو شكور محمّد بن عبد الرشيد بن شعيب الكشي السلمي الحنفي مجدد الألف الثاني على ما زعموا في حقه في كتابه المسمى (بالتمهيد في بيان التوحيد): قال بعض الناس: أن الإمام إذا لم يكن مطاعاً فإنه لا يكون إماماً، لأنه إذا لم يكن القهر والغلبة فلا يكون إماماً. قلنا: ليس كذلك، لأن طاعة الإمام فرض على الناس فإن لم يكن القهر فذلك يكون من تمرد الناس وهو لا يعزله من الإمامة، فلو لم يطع الإمام فللعصيان حصل منهم وعصيانهم لا يضر بالإمامة. ألا ترى أن النبي (صلى الله عليه وآله) ما كان مطاعاً في أوّل الإسلام وما كان له القهر على أعدائه من طريق العادة والكفرة قد تمردوا عن أمره ودينه وقد كان هذا لا يضره ولا يعزله عن النبوة، وكذا الإمام خليفة النبي (صلى الله عليه وآله) لا محالة، وكذلك عليّ (عليه السلام) ما كان مطاعاً من جميع المسلمين ومع ذلك ما كان معزولاً، فصح. ولو ان الناس كلهم ارتدوا عن الإسلام والعياذ باله فإن الإمام لا ينعزل
عن الإمامة فكذلك بالعصيان - انتهى.
فهم خلفاؤه (صلى الله عليه وآله) في العلم والحكمة وبيان الكتاب وفصل الخطاب وتزكية الخلائق كما هو مقتضى جعله (صلى الله عليه وآله) إياهم شركاء القرآن وعطفه أهل البيت على أهل الكتاب المقتضى للتشريك في العامل، ولا ريب أن الغرض من جعله القرآن خليفة له خصوصاً في أيام وفاته كما في جملة من الأخبار تقديمه التحذير من الضلال والوعيد عليه هو التمسك به في الأحكام الدينية من المعارف والأخلاق والحلال والحرام والواجبات والمحرمات وغيرها، فيكون القرآن خليفة له (صلى الله عليه وآله) في هذه المقامات(29) فلابد أن يكون استخلاف العترة والأهل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29) ورأيت كلاماً للفاضل المنجم باشى من أفاضل الحنفية صورته: قال النبي (صلى الله عليه وآله) إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم به لن تضلوا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. وفي بعض الروايات زيادة فاعرفوا كيف تخلفوني فيهما.
لا يخفى أن في هذا الحديث الشريف مواضع ينبغي للناظر المتبصر أن يقف فيها حتى يقف على ما فيها من النكات والمزايا:
أحدهما: تصدير الكلام بالجملة الاسمية المؤكدة بكلمة (ان).
ثانيها: وجه نصب الخليفتين وعدم الاكتفاء بواحدة منهما.
وثالثها: أن الظاهر في خلافة الكتاب أن تكون في إفادة الأحكام الشرعية الاعتقادية والعملية وسائر ضروريات الدين، وأما خلافة العترة ففيها احتمال الأمور:
منها: كونها في بيان ما خفي من أحكام الكتاب وتوضيح مشكلاته.
ومنها: أن تكون في إجراء الأحكام بين الأمة.
ومنها: تعليم الأخلاق المحمديّة والصفاة الأحمدية بطريق الحال لا المقال وعلى سبيل الإرائة دون الرواية.
ومنها: الوقوف على أسرار النبوة وباطن الشريعة.
ومنها: المحبة الخالصة التي تجب على كل مؤمن، لأن الأصل الإيمان إنما يحصل بتصديق النبي (صلى الله عليه وآله) في جميع ما جاء به، وكمال الإيمان إنما يحصل بالمحبّة الخالصة في ←
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ حقه (صلى الله عليه وآله) كما ينطق به بعض الأحاديث الصحيحة الشريفة، فتكون المحبة لتلك الخليفة عين المحبة في حقه (صلى الله عليه وآله).
ورابعها: تشبيه كتاب الله بحبل ثم وصفه بكونه ممدوداً بين السماء والأرض.
وخامسها: تأكيد العترة بأهل البيت.
وسادسها: تعليق النجاة عن الهلاك بالتمسك بهما جميعاً وهذا يشعر بأن كلها واحدة من الخليفتين في أمر غير ما استخلف فيه الأخرى إلا أن يقال بأيهما أو بأحدهما.
وسابعها: تعقيب هذا الكلام بعد تمامه بقوله: وإنهما لن يفترقا - إلخ. ووجه ارتباطه بما سبق.
وثامنها: ايتاؤه بجملة اسمية مؤكدة بان خبرها جملة فعلية منفية بأداة دالة على تأكيد النفي.
وتاسعها: تخصيص الحوض بالذكر من بين سائر المواضع.
وعاشرها: ما وقع في الزيادة المروية من قوله: فاعرفوا الظاهر منه أن يكون للتنبيه فعلى أي شيء أنبه وما قصد بقوله: كيف تخلفوني فيهما.
وحادي عشرها: أن العترة إن أريد بها معناها الحقيقي على ما يقتضيه التأكيد بأهل بيتي كان الحديث نصاً في خلافة أهل البيت وهذا خلاف ما عليه أهل السنة، وإن أريد بها المعنى المجازي كان التأكيد لغواً بالنظر إلى ما هو الغالب في التأكيد، إذ الغالب فيه دفع توهم المجاز وكلامه (صلى الله عليه وآله) مبرء عن الاشتمال على اللغو.
وثاني عشرها: أن هذا الحديث الشريف يدل بطريق المفهوم على وعيد عظيم وهوان من لم يتمسك بشيء من الخليفتين أو تمسك بأحدهما ولم يتمسك بالآخر يقع في الضلال ولا ينجو منه مع خفاء ما هو المراد من الخليفة الثاني إذ لو لم يكن في خفاء لم يقع الخلاف في أن المراد من العترة هل هو المعنى الحقيقي كما يقتضيه التأكيد أو المعنى المجازي كما يقتضيه ما اتفق عليه أهل السنة والله تعالى العالم أعلم. رحم الله من يكشف القناع ويرفع الحجاب عن وجوه هذه النكات الجليلة أو يزيل ظلمة الشبهة بالتنوير والتوضيح من والله التوفيق - انتهى. ←
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ قال الفاضل الأديب السيد رضي الدين ابن السيد محمّد حيدر الحسيني في كتاب (تنضيد العقود السنية في تمهيد الدولة الحسينية) وفي سنة ثلاثة عشر ومائة وألف توفى رئيس المحققين وسلطان المدققين العالم العلامة والفاضل الفهامة أحمد أفندي الشهير بالمنجم باش.
قاله: صاحب لسان الزمان رأيت في موضع آخر بخط بعض الأفاضل أنه توفى في سنة ست عشرة ومائة وألف والله أعلم بالحقيقة.
قال: وكان هذا الرجل أعجوبة من عجائب الدهر وفريدة من فرائد العصر، وهو من الأروام جد واجتهد في طلب العلم وقرأ على منقاري زاده وغيره من أكابر العلماء، وصارت له يد طولى في علم المعقول والحكميات والطب، وأما الفلك التنجيم فكان فريد دهره ووحيد عصره، وكذلك كانت له اليد الطولى في العلوم العربية مثل النحو والصرف والمعاني والبيان والتباع في الأدب ومعرفة أشعار العرب وتبحر في علم التاريخ وأخبار الأمم السالفة، واختص بصحبة السلطان محمّد خان بن إبراهيم خان ولازمه نحواً من عشرين سنة، وكان من خواص جلسائه وندمائه ومحترماً لديه مقبولاً عنده.
إلى أن قال: وكان خفيف الروح لطيف المائل كثير التواضع، حج في أيام السلطان محمّد وهو في رياسته ورجع إلى اصطنبول ثم عاد مرة ثانية وأقام بالمدينة المنورة فأخذ عنه جماعة من أهلها وانتفعوا به، ثم أتى إلى مكة شرفها الله فصحبته وجالسته وقرأت عليه بعض الكتب وانتفعت به، وله حواشي كثيرة نفيسة على كتب المنقول والعربية وغير ذلك. انتهى ملخصاً من لسان الزمان.
قلت: وقد رأيت له؛ تعليقة على الحديث الشريفة وهو قوله (صلى الله عليه وآله) إنى تارك فيكم خليفتين كتاب الله تعالى حبل ممدود بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض - الحديث. وفي بعض الروايات زيادة: فاعرفوا أم كيف تخلفوني فيهما.
قال;: وقد نقلها سيدي الوالد دام فضله من خطه؛، فقلت: لا يخفى أن في هذا الحديث الشريف مواضع - وساق كما مر إلى قوله - ما اتفق عليه أهل السنة. وانتهى ما في كتاب التنضيد.
وبما ذكرنا كشف الحجاب ورفع النقاب بحمد الله - منه نور الله قلبه -.
أيضاً فيها خصوصاً على من في (الصواعق) على بعد ذكر جملة من طرف هذا الحديث:
وفي رواية صحيحة: (إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن تبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي). زاد الطبراني (إني سألت ذلك لهما فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).
إلى أن قال (تنبيه): سمى رسول الله (صلى الله عليه وآله) القرآن وعترته وهي بالمثناة الفوقية الأهل والنسل والرهط الأدنون ثقلين لأن الثقل كل نفيس خطير مصون وهذان كذلك منهما معدن للعلوم الدينية والأسرار والحكم العلية والأحكام الشرعية. ولذا حث رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الإقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم وقال: الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت، وقيل سميا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما ثم الذين وقع الحث عليهم منهم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله اذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض، ويؤيده الخبر السابق (ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)، وتميزوا بذلك عن بقية العلماء لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة، وقد مر بعضها وسيأتي الخبر الذي في قريش (وتعلموا منم فإنهم أعلم منكم) فإذا ثبت هذا العموم لقريش فأهل البيت أولى منهم بذلك، لأنهم امتازوا منهم بخصوصيات لا يشاركهم فيها بقية قريش.
وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أن الكتاب العزيز كذلك ولذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي ويشهد لذلك الخبر السابق (في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي) إلى آخره.
ثمّ أحقّ من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم عليّ بن أبي طالب كرم الله
وجهه لما قدمناه من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته، ومن ثمّ قال أبو بكر: علي عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيّ الذين حث على التمسك بهم فخصه لما قلنا، وكذلك خصه (صلى الله عليه وآله) بما مرّ يوم غدير خم، والمراد بالعيبة والكرش في الخبر السابق آنفاً أنهم موضع سره وأمانته ومعادن نفائس معارفه وحضرته، إذ كل من العيبة والكرش مستودع لما يخفى فيه مما به القوام والصلاح، لأن الأول لما يحرز فيه نفائس الأمتعة والثاني مستقر الغذاء الذي به النمو وقوام البنية، وقيل هما مثلان لاختصاصهم بأموره الظاهرة والباطنة إذ مظروف الكرش باطن والعيبة ظاهر - انتهى.
وحاصله أنه لا بدّ في كل عصر بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى يوم القيامة من وجود رجل من أهل البيت (عليهم السلام) يجب التمسك له في أمور الدين ومتابعته فيها ومعرفته، ومن لم يعرفه ولم يتمسك به في الأحكام الشرعية كان ضالاً هالكاً فهو خليفة كالقرآن المجيد وشريكه وسهيمه من هذه الجهة، ولا يفترقان أبداً إلى يوم القيامة، فلا بدّ وأن يكون هو الإمام في كل زمان من لم يعرفه كان موته موتة الجاهلية، إذ لا يجب في كل زمان إلا معرفة إمام واحد يجب التمسك به لئلا يكون ضالاً ويموت موتة الجاهلية، وأن يكون عالماً طاهراً من الأرجاس الظاهرة والباطنة لا يخطئ ولا يسهو وإلا لزم التفريق بينه وبين القرآن فيخرج عن الخلافة وهو خلاف الأخبار السابقة.
وهذا هو أساس مذهب الإمامية، وإذا عرض ما استنبط وحققه من الأحاديث السابقة على أخبار الخلفاء لا يستريب المنصف أنها أيضاً من عداد هؤلاء وشرح وبيان وتفصيل لها، فإن غاية زمان الاثنى عشر أيضاً يوم القيامة، وبهم يعز الدين ويقوم، فلابد وأن يكونوا هم العدول والأمان وأئمة الزمان وشركاء القرآن.
فما كان ضر هؤلاء المشايخ والأعلام إذا تلقوا هذه الطوائف من الأحاديث
بالقبول وجعلوا المراد منها واحداً والغرض منها الأمر بوجوب التمسك برجل من أهل البيت كالتمسك بالقرآن أن يجعلوهم اثنا عشر عملاً بأخبار الخلفاء ولم يجعلوا خلفاءه العاملين بالحق مثل أبي القرود يزيد الخمار الفتاك والوليد الزنديق الناكح ابنته الرامي كتاب الله بالنشاب، متمسكاً بقوله في طريق غير موجود في الصحاح وكلهم يجتمعون عليه مع لوازمه الفاسدة التي قدمنا بعضها، ومنها وجوب إخراج أمير المؤمنين علي (عليه السلام) منها لأنه لم يجتمع عليه تمام أهل الشام وكثير في غيره.
وإن خافوا إن التزموا بذلك الالتزام بمذهب الإمامية، فيجاب بأن هؤلاء الأعلام والمشايخ الذي عددنا أساميهم وذكرنا بعض كلماتهم الصريحة فيما ادعينا، كلهم من أهل السنة والجماعة لا مجال للشبهة فيهم، فكيف جمعوا بين عقيدة أهل السنة فيما يتعلق بالخلافة وما ذكرنا واعتقادنا أن المهدي الموعود هو الحجة بن الحسن العسكري (عليهما السلام) الإمام الثاني عشر والخليفة الثاني عشر الباقي إلى قبيل الساعة، وإنما هم (عليهم السلام) عندهم خلفاؤه في العلم والحكمة وتكميل النفوس بالقول والفعل بمنزلة الأقطاب بل هم الأقطاب كما صرح به بعضهم بل في الأخير جماعة.(30)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) قال بعض علماء أهل السنة: لما لم يجمع لهم الله تعالى بين النبوة والخلافة الظاهرة أعطوا الخلافة الباطنة، وهي خلافة العلم والعمل وهداية الخلق، وهي التي يعبرون عنها بالولاية، وقال ابن حجر في شرح الهمزية: لما ذهبت عنهم الخلافة الظاهرة لكونها صارت ملكاً عضوضاً ولذا لم تتم للحسن (عليه السلام) عوضوا عنها بالخلافة الباطنة، حتى ذهب قوم إلى أن قطب الأولياء في كل زمان لا يكون إلا منهم. وقال صاحب جواهر العقدين: ثالثها أن ذلك فيهم وجود من يكون أهلاً للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمان وجدوا فيه إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحديث المذكور إلى التمسك بهم كما أن الكتاب العزيز كذلك ولذلك كانوا أماناً لأهل الأرض فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض - انتهى (منه).
وقد قال الشعراني في المبحث الخامس والأربعين: قد ذكر الشيخ أبو الحسن الشاذلي (رضي الله عنه) أن للقطب خمسة عشر علامة: أن يمد بمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة، ومدد حملة العرش العظيم، ويكشف له عن حقيقة الذات وإحاطة الصفات، ويكرم بكرامة الحلم والفضل بين الموجودين وانفصال الأول عن الأول وما انفصل عنه إلى منتهاه، وما ثبت فيه وحكم ما قبل وما بعد، وحكم ما لا قبل له ولا بعد، وعلم الإحاطة بكل معلوم ما بدا من السر الأول إلى منتهاه ثم يعود إليه - انتهى.
مع أن جمهور الإمامية لا يدّعون هذه المقامات لأئمّتهم (عليهم السلام)، وكذا لا يشترط عندهم كونهم مطاعين في الظاهر بل ولا ظاهراً عند الناس كما تقدم، فالقول بمهدوية الحجة بن الحسن (عليهما السلام) يجتمع مع التدين بمذهب أهل السنة والجماعة على النحو الذي قررناه، فلا وحشة من هذا الجهة وأن أوقعتهم في هذه الرزية الشبهات الواهية التي أوردها بعضهم على هذا القول، فهي كما ستعرف استبعادات عادية لا يمكن رفع اليد عن طوائف من النصوص بسببها كما أشرنا إلى نظيرها في حديث الدجال.
(تنبيه): كل من وقف على حالات النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي وصفه الله تعالى بالمؤمنين رؤوف رحيم وعلم شفقته ومحبته بأمته ووقف على هذه الطوائف من الأخبار وأخباره بوجود رجل من أهل بيته دئماً في كل عصر إلى يوم القيامة عنده ما تحتاج الناس إليه من أمور دينهم من عرفه وتمسك به نجى وسلم ومن لم يعرفه ولم يتمسك به هلك وضل ومات موتة جاهلية وهم خلفاؤه كالقرآن في أمته قد أمر بحفظهم وحراستهم وأكد ذلك في مواقف عديدة في مجامع الناس علم يقيناً أنه أشام إلى أساميهم الشريفة لأنهم أشخاص معينة بلغوا حسب إرادة الله تعالى إلى مرتبة صاروا شركاء القرآن وطهرهم الله تعالى طهيراً وصاروا عيبة ومعادن للأسرار النبوية والحكم الإلهية، وهذا ليس مما يكتسب كما صرح
به ابن حجر في خصوص الحسن (عليه السلام) بأنه في أيام الرضاعة كان ينظر في اللوح وأن علومهم لدنية موهوبة وقد تقدم ولابد أن يقول ذلك بل قال أيضاً في أبيه وأخيه (عليهم السلام).
وروى الإمام الثعلبي في (العرائس) عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة الفجر، فلما انفتل من الصلاة أقبل علينا بوجهه الكريم فقال: معاشر المسلمين من افتقد الشمس فليتمسك بالقمر، ومن افتقد القمر فليتمسك بالزهرة، ومن افتقد الزهرة فليتمسك بالفرقدين. فقيل: يا رسول الله ما الشمس وما القمر وما الزهرة وما الفرقدان؟ فقال: أنا الشمس وعلي القمر وفاطمة الزهرة والحسن والحسين الفرقدان في كتاب الله تعالى لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض.
وقال السيد علي السمهودي المدني الشافعي في الفصل الخامس من كتابه (خلاصة الوفا في أخبار مدينة المصطفى) وفي فضل أهل البيت (عليهم السلام) لابن المؤيد الحموي عن جابر (رضي الله عنه) قال: كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله) في بعض حيطان المدينة ويد علي (عليه السلام) في يده. قال: فمررنا بنخل فصاح النخل: هذا محمّد سيد الأنبياء وهذا علي سيد الأولياء أبو الأئمّة الطاهرين، ثم مررنا بنخل فصاح النخل: هذا محمّد رسول الله وهذا علي سيف الله، فالتفت النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) فقال: سمه الصيحاني، فسمي من ذلك اليوم الصيحاني.
وقال الشيخ الأكبر محي الدين في (الفتوحات) أن بين الفلك الثامن والتاسع قصر له إثنى عشر برجاً على مثال النبي والأئمّة الاثنا عشر صلوات الله عليهم.
وروى الإمام محي السنة والحافظ أبو نعيم في الحلية والإمام أحمد السيوطي
في جمع الجوامع وعلي المتقي في كنز العمال والحمويني في الفرائد بأسانيدهم عن عكوفة عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من سره أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرس الله تعالى أشجارها بيده فليوال علياً من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهماً وعلماً، ويل للمكذبين لفضلهم من أمتي القاطعين صلتي لا أنالهم الله شفاعتي.
وأخرج الطبراني والسيد عليّ الهمداني في روضة الفردوس والمحب الطبري في ذخائر العقبى وفي لفظهم: فأنهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي.
وروى أبو المؤيد الخوارزمي في المناقب والسيد علي الهمداني في كتاب المودة عن الباقر عن أبيه عن جده الحسين (عليهم السلام) قال: سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول من أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي فليتول عليّ بن أبي طالب وذريته الطاهرين أئمة الهدى ومصابيح الدجى من بعده فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة.
والأخبار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى.
11 - نقول أنّه لا يقبل العقل السليم والفهم المستقيم أن يأمرهم بإتباع من يجب معرفته ومتابعته ويكون الهلاك في الجهل به وعصيانه والتخلف عنه ولا يعيّنه لهم، هذا لعمري مما يجب تنزيهه (صلى الله عليه وآله) فإنه ما أمر باتباع رجل مجهول والتمسك بحجزة من لا نعرفه، وأخذ أمور الدين ممن لا نعلم اسمه ولا وصفه، مع ما علم من غلبة الأهواء على أغلب النفوس البشرية، ورسوخ حب الرئاسة والعلو في أكثر القلوب، فلا يأمن من يدعي في كل عصر جماعة ممن حازوا شرف النسب أنهم هم، كما أخبر (صلى الله عليه وآله) بذلك في خصوص دعوى المهدوية بل النبوية
كما في إخباره (صلى الله عليه وآله) عن الكذابين بعده في أحاديث كثيرة.
أما الإمامية فعندهم نصوص كثيرة متواترة عنه (صلى الله عليه وآله) فيها ذكر أساميهم الشريفة وكذا عن عليّ (عليه السلام) وعن كل واحد منهم ولكنا لم نحتج في هذا المختصر بخبر واحد من وراياتهم ولم نتشبث بكلام واحد من علمائهم ولكن وجدنا جملة من أحاديث حفاظ أهل السنة مثل رواياتهم وقد مرّ بعضها والباقي مذكور في المطولات.
12 - لحق لإمامية أن يقولوا لجماعة من أهل السنة الذي يزعمون عدم ولادة المهدي (عليه السلام) من غير دليل من الكتاب والسنة: إن كان المراد من أهل السنة هم الذين يتبعون سنة النبي (صلى الله عليه وآله) ويعملون به فنحن أحق بهذا الاسم لأنا اتبعنا سنته في جميع الطوائف من الأحاديث التي ذكرنا بعض طرقها، فإنا نعتقد أن الحجة بن الحسن هو المهدي (عليه السلام)، وهو إمام الزمان الذي من لا يعرفه كانت موتته موتة الجاهلية، وهو شريك القرآن الذي من تمسك به لا يضل أبداً وهو السفينة التي من اعتصم بها نجى وهو العدل من أهل بيته (صلى الله عليه وآله) ينفي عن الدين - الخ، وهو الأمان لأهل الأرض من الهلاك، وهو الخليفة الثاني عشر ممن أخبر ببقائهم إلى يوم القيامة، وهكذا كل ما ورد من هذا القبيل لما مر من دخوله (عليه السلام) في جميعها.
فلو سأل أحد من جناب الناظم الذي زعم عدم ولادته واستغربها:
من إمام زمانك الذي إن متّ ولم تعرفه هلكت؟
ومن الثقل الذي هو شريك القرآن في هذا العصر الذي إن لم تتمسك به ضللت عن السفينة من آل محمّد (عليهم السلام) في أيامك هذه التي إن لم تركبها غرقت؟
من الخليفة من أهل بيت النبي الذي إن لم تتبعه زللت عن باب حطة الذي
إن لم تدخله في قرنك هذا هويت؟
من العدل من العترة الطاهرة الذي إن لم تطعه غويت؟
فإن أنكر وجوب وجوده في هذه الأعصار فهو الخلاف الصريح لتمام هذه الطوائف من الأحاديث، وإن قال بوجوده فليمنّ على معشر الإمامية ببيان نسبه وحسبه ومكانه مشروحاً مبرهناً فهو غاية المنى، وإلا فلا يليق للمتجاهر بمخالفة هذه السنن الأكيدة أن يقيم نفسه مقام الاعتراض والإيراد بما هو مسطور مع أجوبته في الكتب بقرون قبل ذلك ويثير الفتنة وكانت نائمة ويباغض بين القلوب وهي سالمة فهو للاشتغال بإصلاح معتقده أحرى من التعرض لطائفة أخرى.
الفصل الثاني
في ذكر الشبهات التي تضمنتها القصيدة والجواب عنها، وهي في الحقيقة اثنتان والباقي من المتفرعات
الشبهة الأولى منها:
وهي أن الظلم قد ملأ الأرض وهو شرط ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) ليملأها قسطاً وعدلاً، فلو كان موجوداً لظهر لوجود شرط ظهوره، وإليه أشار الناظم بقوله:
وكيف وهذا الوقت داع لمثله * * * ففيه توالى الظلم وانتشر الشر
وما هو إلا ناشر العدل والهدى * * * فلو كان موجوداً لما وجد الجور
والجواب:
أما أوّلاً - فبأن الموجود في متون الصحاح من أخبار المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر بأنه يظهر فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً فالشرط وجود الظلم العام في الأرض وقت ظهوره لا ظهوره وفرق بين أن يقال: إذا ملئت الأرض يظهر المهدي أو يظهر في وقت ملئت. وعلى الأول لابد من ظهوره في أوّل عموم الظلم لو اجتمعت باقي الشروط وارتفعت الموانع وإلا فلا يلزم من وجود الشرط وجود المشرط إلا أن يقال: إن ظهور الظلم علة لخروجه فلابد من وجود المعلول عند وجود العلة، وعلى الثاني يصدق الأخبار النبوية ولو ظهر وقد مضى من انتشار الظلم ألف سنة.
وأخرج الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بإسناده عن أبي سعيد الخدري
قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتملأن الأرض ظلماً وعدوانا ثم ليخرجن رجل من أهل بيتي حتى يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً وعدواناً.
وفيه عن الجزء الثاني من كتاب (الفردوس) لابن شيرويه في باب الهاء عن جابر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكون بعدي خلفاء وبعد الخلفاء أمراء وبعد الأمراء ملوك وبعد الملوك جبابرة وبعد الجبابرة يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً.
وظاهره كون أيام الجبابرة أيام انتشار الجور، والله العالم بعدتهم ومدتهم وهو صريح في تأخير الظهور عن أيام عموم الجور.
نعم في بعض الأحاديث الموجودة في غير الصحاح ما لعله يمكن استظهار الوجه الأوّل منه.
وعليه فنقول: هذا الإيراد مشترك بين الفريقين، فإنا نقول: قد أخبر الصادق المصدق نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله) حسب الأحاديث المتواترة: إن رجلاً من أهل بيته يقال له المهدي يخرج في آخر الزمان متى عم الظلم العباد وانتشر الجور في البلاد، وقد عمّ الظلم وانتشر ولا نرى صدق ما أخبر لا المهدي ظهر ولا الظلم تبتر، فهل عجز رب البرية نعوذ بالله عن إيجاد المهدي وإظهاره أو كذب النبي (صلى الله عليه وآله) والعياذ بالله في إخباره، أو خلقه وأمر فعصى ولم يخرج، أو الظلم والجور لم ينتشر في البلاد أو انتشر ولكن الشرط وجوده في وقت ظهوره فيجوز أن تكون أيام الظلم قروناً متطاولة فلا فرق بين القول بالولادة وعدمها من هذه الجهة.
ولا مناص للناظم إلا الالتزام بأحد الشقين الأخيرين ليجيب عن السؤال عن سر عدم الإيجاد، وهو الجواب عن السؤال عن علة عدم الظهور حرفاً بحرف والسؤال عن الفائدة في إيجاده وإخفائه إلى أوان ظهوره شبهة أخرى تأتي
إنما الكلام في شبهة عدم الظهور مع عموم الجور، وقد تبين أنها مشتركة.
وأما ثانياً: فلأن رافع الظلم وهادمه ظهوره وخروجه (عجَّل الله فرجه الشريف) لا مجرد وجوده، وإلا فعلى أصول أهل السنة إذا ولد لابد وأن يصير بالغاً عاقلاً حتى يكون قابلاً للإمامة والخلافة ولا يرتفع الظلم في هذه المدة لمجرد أنه وجد بل يحتاج إلى بلوغه ورشده وخروجه، وهذا الخروج لا بدّ وأن يكون بأمر من الله تعالى فإنه خليفة الله في أرضه، فلا يفعل شئياً إلا بأمره تعالى، فمرجع السؤال إلى أنه تعالى لم لا يأمره بالظهور والخروج لو كان موجوداً لأن الأرض ملئت جوراً.
وهذا السؤال - مضافاً إلى الاشتراك لأنه يقال للنافي أيضاً لم لا يوجد الله المهدي ويأمره بالخروج وأن يملأ الأرض عدلاً فإنه أخبر بأنه إذا ملئت الأرض بالظلم يخرج المهدي وقد ملئت، فلابد من الخروج المتوقف على الولادة صوناً للأحاديث النبوية عن احتمال تطرق الكذب فيها - لا وقع له، فإن بابه مسدود وسائله مردود، فإنه تعالى لا يسأل عما يفعل، ولا يجوز أن يقال له تعالى لو فعلت عند جميع المسلمين وأن افترقوا في وجهه وعلته.
ووجه عدم جواز السؤال على أصول الأشعرية أظهر، إذ ليس فعله تعالى معللاً بغرض وحكمه، بل كل ما يفعله حكمة لأنه يفعل ما فيه الحكمة، فلا محل للسؤال حتى يحكم عليه بالجواز وعدمه.
وأما ثالثاً: فعلى فرض التسليم فالجهل بوجه الإخفاء وحكمة عدم الظهور ولا يجوز أن يصير سبباً لرفع اليد عما أداه الدليل وقام عليه البرهان من السنن المتواترة التي أشرنا إلى طوائف منها، وإلا لزم إنكار كثير من أفاعيله تعالى بالنسبة إلى نبيه (صلى الله عليه وآله) وأفاعيله (صلى الله عليه وآله) بالنسبة إلى أمته التي لم تكن إلا بالوحي وأكثر الأوامر والمناهي مما لا نعلم سرها وحكمتها.
وقد أخرج محمّد بن علي بن بابويه القمي في كتاب (علل الشرائع) وهذا كتاب قد أعتمد عليه الشيخ عبد الملك العصامي في تاريخه وأخرج منه جملة من أخباره - فروى فيه مسنداً عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول: إن لصاحب الأمر غيبة لا بدّ منها يرتاب فيها كل مبطل. فقلت له: ولم جعلت فداك؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم. قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ فقال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى إلا وقت افتراقهما. يا بن الفضل هذا أمر من أمر الله وسر من سر الله وغيب من غيب الله.
ومتى علمنا أنه (جلَّ جلاله) حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا، وهذا كسابقة في كونه متفقاً عليه من المسلمين.
وأما رابعاً: فبالنقض بمسيح الدجال الكافر المضل الغاوي الحي الموجود المطيع لهواه العاصي لمولاه الغائب عن أعين الناس، فلم لا يظهر ولا يطلب غرضه وميعاده أيضاً زمان الجور العام.
أخرج الحافظ نور الدين الهيتمي المصري في الجزء الثالث من كتابه (مجمع الزوائد) عن جابر بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخرج الدجال في خفضة من الدين وادبار من العلم وله أربعون ليلة يسيحها في الأرض اليوم منها كالسنة واليوم منها كالشهر واليوم منها كالجمعة ثم سائر أيامه كأيامكم هذه وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعاً، فيقول للناس: أنا ربكم وهو أعور وان ربكم (جلَّ جلاله) ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر مهجاه يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، يرد كل ماء ومنهل إلا المدينة ومكة حرمهما الله
جل جلاله عليه وقامت الملائكة بألوائها، معه جبال من خبر والناس في جهد إلا من تبعه ومعه نهران أنا أعلم بهما منه نهر يقول الجنة ونهر يقول النار، فمن أدخل الذي يسميه الجنة هو النار ومن أدخل الذي يسميه النار فهو الجنّة.
قال: وتبعت معه شياطين تكلم الناس ومعه فتنة عظيمة يأمر السماء فيمطر فما يرى الناس فيقول للناس: أيها الناس هل يفعل مثل هذا إلا الرب. قال: فيفر الناس إلى جبل الدخان في الشام، فيحاصرهم فيشتد حصارهم ويجهدهم جهداً شديداً، ثم ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام فينادي من السحر يا أيها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى هذا الكذاب الخبيث. فيقول هذا رجل حتى فينطلقون فإذا هم بعيسى (عليه السلام)، فيقام الصلاة فيقال له تقدم يا روح الله فيقول لقدمكم أمامكم فليصل بكم، فإذا صلى صلاة الصبح خرج إليه. قال: فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء فينتهي إليه فيقتله حتى أن الشجرة والحجر تنادي هذا يهودي فلا يترك أحداً مما كان يتبعه إلا قتله.
رواه أحمد باسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح.
بل يظهر من جملة من الأخبار صلاحية كل وقت لخروجه وأمره (صلى الله عليه وآله) بالحذر عنه وأخذ الحذر لفتنته في كل زمان.
ففي الكتاب المذكور عن عبد الله بن الحارث بن حرى قال: ما كنا نسمع فزعة ولا رجة بالمدينة إلا ظننا أنه الدجال لما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحدثنا عنه ويقربه لنا. رواه الطبراني والبزار.
وعن سهل بن حنيف أنه كان بين سلمان الفارسي وبين إنسان منازعة فقال اللهم إن كان كاذباً فلا تدركه أحد الثلاثة، فلما سكن عنه الغضب فقلت: يا أبا عبد الله ما الذي دعوت به على هذا؟ قال: أخبرك فتنة الدجال وفتنة أمير كفتنة الدجال وشح شحيح يلقى على الناس إذا أصاب الرجل المال
لا يبالي مما أصابه، رواه الطبراني.
عن عائشة قالت: دخل عليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أبكي فقال: ما يبكيك؟ قلت: يا رسول الله ذكرت الدجال فبكيت. فقال رسول الله: إن يخرج وأنا فيكم كفيتموه، وإن يخرج بعدي فإن ربكم (جلَّ جلاله) ليس بأعور، أنه يخرج من يهودية اصبهان حتّى يأتي المدينة فينزل بأجنبتها ولها يومئذ سبعة أبواب على كل نقب منها ملكان، فيخرج إليه شرار أهلها حتى يأتي الشام مدينة فلسطين بباب اللد. قال أبو داود مرة: حتّى يأتي باب فلسطين فينزل عيسى بن مريم فيقتله، ويمكن عيسى (عليه السلام) في الأرض أربعين سنة إماماً عدلاً وحكماً مقسطاً.
رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير الخضرمي بن لاحق وهو ثقة.
وعن أسماء بن يزيد الانصارية قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيتي فذكر الدجال - إلى أن قالت: ثم خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحاجة له ثم رجع. قالت والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم. قالت: فأخذ بحلقتي الباب وقال: مهيم أسماء. قالت: قلت يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال. قال: إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه وإلا فإن ربي (جلَّ جلاله) خليفتي على كل مؤمن. الخبر.
قال: وفي رواية أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جلس مجلساً مرة فحدثهم عن أعور الدجال، وزاد فيه وقال: مهيم وكانت كلمة من رسول الله إذا سأل عن شيء قال مهيم. وزاد فيه: فمن حضر مجلسي وسمع كلامي منكم فليبلغ الشاهد الغائب.
وعنها أنه (صلى الله عليه وآله) ذكر الدجال إلى أن قالت: ثمّ قام رسول الله يتوضأ فسمع بكاء الناس وشهيقهم، فرجع فقام بين أظهرهم فقال: أبشروا فإن يخرج فأنا فيكم فالله كافيكم ورسوله وإن يخرج بعدي فالله خليفتي على كل مسلم.
وعن جبير بن نقير عن أبيه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر الدجال فقال: إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجكم، وإن يخرج ولست فيكم فكل امرء حجيج لنفسه،
والله خليفتي على كل مسلم.
وعن عبد الله بن بسرانه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ليدركن الدجال من أدركني أو ليكونن قريباً من موتى. رواه الطبراني في الأوسط.
وعن عروة بين الزبير قال: قالت أم سلمة: ذكرت الدجال ليلة فلم يأتني النوم، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبرته فقال: لا تفعلي فإنه إن يخرج وأنا فيكم يكفيكم الله بي وأن يخرج بعد أن أموت يكفيكموه بالصالحين الخبر.
وهذه الروايات الصحيحة كما ترى صريحة في عدم وقت معين لخروجه وصلاحية كل عصر وزمان له، ونساء النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه كانوا خائفين مترقبين له وقررهم عليه ومع ذلك مضت قرون كثيرة وهو غائب مستور لا ظهر ولا خرج مع ماله من أسباب الفتنة والإضلال مما لم يجمع قليل منها لأحد ممن كان قبله من أئمة الضلال، فلابد من إرجاع الأمر إليه تعالى وإن لخروجه شرطاً أو شروطاً لا يعلمها إلا الله (جلَّ جلاله) لم تجتمع بعد.
وكما أن الدجال أعد لفتنة الخلق وامتحانهم وابتلائهم وإضلالهم وأعطى من أسبابهم ما لم يعط أحد من سنخه قبله، فكذلك المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) أعده الله تعالى لنشر العدل وبسطه في تمام بسيط الأرض وهداية الناس وأعطاه من أسبابها ما لم يعطه أحداً ممن كان قبله من الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، فكيف جاز ابداء العذر لمسيح الدجال شيخ أئمة الضلال وإظهار تخير العقول في عدم ظهور خاتم الخلفاء (عليه السلام) مع تساويهما في ورود الشبهة من الجهة المذكورة، فالفرق تحكم واضح.
وأما خامساً: فلأن للمهدي (عليه السلام) أصحاباً خاصة أعدهم الله تعالى له عدة أصحاب بدر، ولهم نعوت خاصة وصفات مخصوصة لا يشركهم فيها أحد أما عند معاشر الإمامية فهم من أهل بلاد متفرقة من كل بلد واحد أو اثنان
أو أكثر، وأما عند السنة فأخرج أبو بدر يوسف بن يحيى في كتاب (عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر) عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) قال: يبعث الله المهدي بعد أياس حتى يقول الناس: لا مهدي وأنصاره من أهل الشام عدتهم ثلاثمائة وخمسة عشر رجلا عدة أصحاب بدر، ويسيرون إليه من الشام حتى يستخرجونه من بطن مكة من دار عند الصفا فيبايعونه كرهاً فيصلي بهم ركعتين صلاة المسافر عند المقام ثم يصعد المنبر.
أخرجه الحافظ أبو عبد الله محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني في سننه والإمام أبو الحسن الربعي المالكي وأبو عبد الله نعيم بن حماد في كتاب الفتن كلهم بمعناه.
وعن محمّد بن الحنفية قال: كنا عند عليّ (عليه السلام) فسأله رجل عن المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) فقال: هيهات هيهات، ثم عقد بيده تسعاً ثم قال: ذلك يخرج في آخر الزمان إذا قال الرجل الله قتل فيجمع الله تعالى قزعاً كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم لا يستوفون إلى أحد ولا يعرفون بأحد على عدة أصحاب بدر لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون على عدة أصحاب طالوت الذي جاوزوا معه النهر. الحديث أخرجه الحافظ أبو عبد الله الحاكم في مستدركه وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه - انتهى.
ولا يخفى أن قوله (ذلك يخرج في آخر الزمان) يدل على أنه (عليه السلام) عقد بيده تسعاً عدد الأسماء التسعة من ولد الحسين (عليه السلام)، فلما بلغ إلى الحجة بن الحسن (عليهما السلام) قال: ذلك يخرج في آخر الزمان، وهو نص منه (عليه السلام) على أن المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) التاسع من ولد الحسين (عليه السلام) فليتذكر.
وفي (مجمع الزوائد) للحافظ الهيثمي عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله: يسير ملك المشرق إلى ملك المغرب فيقتله، ثم يسير ملك المغرب إلى ملك الشرق فيقتله، فيبعث جيشاً إلى المدينة فيعود عائذ بالحرم فيجتمع الناس إليه كالطير الواردة المتفرقة حتى يجتمع إليه ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً فيهم نسوة، فيظهر على كل جبار وابن جبار ويظهر من العدل ما يتمنى له الأحياء أمواتهم، فيجيء سبع سنين ثم ما تحت الأرض خير من فوقها. رواه الطبراني في الأوسط.
إلى غير ذلك مما دل على أنه لا بدّ من وجود عدة أهل بدر من رجال إلهيين بهم يظهر المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) على كل جبار، فوجودهم مقدمة لظهوره ولذا ذكر ما يتعلق بهم في (عقد الدرر) في باب أن الله تعالى يبعث من يوطي له (عليه السلام) قبل إمارته ولم يقل أحد بولادتهم عند ولادة المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) فهم يتولدون قبل ظهوره، فمجرد انتشار الظلم لا يصير سبباً لظهوره قبل وجود هؤلاء بل لابد من وجودهم ثم ظهوره لظهور عموم الظلم وهذا ظاهر بحمد الله تعالى.
وأما سادساً: فلأن دولة القائم المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) ولا دولة بعده للكفار، وإنما بعده فتن تتصل بقيام القيامة على ما نطقت به الأحاديث الكثيرة الموجودة في الصحاح وغيرها، وهو يملأ الأرض عدلاً ولا يقبل جزية ويخرب البيع والكنائس، ويقتل النصارى إلا من آمن به كما ورد في الأحاديث وصرح به الثعلبي في (تفسيره) في قوله تعالى (وأنه لعلم للساعة) ويكسر الصليب والأصنام ويقتل الخنازير.
وفي (عقد الدرر) عن الربعي المالكي باسناده عن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قصة المهدي: ويبايع الناس له بين الركن والمقام، ينشر الله به الدين ويفتح له فتوح فلا يبقى على وجه الأرض إلى من يقول (لا إله إلاّ الله)، وهذا لا يكاد يتحقق إلا بقتل ذريع من الكفار وعدم قبول
الصلح والمهادنة، وكيف يقبل الصلح من يعبر جيشه البحار بأقدامهم وينهدم الحصون وسور البلاد بتكبيراتهم.
وفي كتاب (البيان) وكتاب (عقد الدرر) في ذكر فتوحاته (عليه السلام) من الأحاديث المصدقة لذلك شيء كثير، ومن ذلك يعرف وجه مخالفة سيرته لسيرة جده (عليه السلام).
ففي (عقد الدرر) عن الحسن بن هارون بياع الأنماط قال: كنت عند أبي عبد الله(31) (عليه السلام) فسأله المعلى بن خنيس أيسير المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) إذا أخرج بخلاف سيرة عليّ (عليه السلام)؟ قال: نعم، وذلك أن علياً (عليه السلام) إذا خرج سار باللين والكف لأنه علم أن سيظهر عليهم من بعده وأن المهدي إذا خرج سار فيهم بالبسط والسبي وذلك لأنه يعلم أن شيعته لا يظهر عليهم من بعده أبداً. أخرجه الحافظ أبو عبد الله نعيم بن حماد في كتاب الفتن.
وعن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي (عليهما السلام) يقول: لم يعلم الناس ما يصنع المهدي إذا خرج لأحب أكثرهم إلا يروه مما يقتل من الناس، أما أنه لا يبدء إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس: ما هذا من آل محمّد (عليهم السلام) لو كان من آل محمّد لرحم الناس.
وعن أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) أنه قال: إذا خرج المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) لم يكن بينه وبين العرب إلا السيف، وما يستعجلون بخروج المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) ما لباسه والله أعلم إلا الغليظ وما طعامه إلا الشعير وما هو إلا السيف والموت تحت ظل السيف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(31) الموجود في النسخة أبو عبد الله الحسين بن علي، وهو سهو بل جعفر بن محمّد، والظاهر أنه كان في الأصل أبو عبد الله فظنه الحسين، فانتبه (منه).
إذا عرفت ذلك نقول: أن المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) لما كان نقمة من الله تعالى وعذاباً على الكفار والمشركين والمحلدين وبه ينقطع دابر الكافرين والظالمين فلا بدّ وأن يظهر ويخرج من زمان لا يكون في أصلاب الكافرين ودائع نطف المؤمنين الذين قدر الله تعالى إخراجهم منها فتضيع باستيصال شأفة الكفار. والله تعالى أعلم بمقدارها وزمان خلو الأصلاب منها، وقد صرح بذلك أبو عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، وهو أحدى الحكم الظاهرة دون الحكمة الحقيقية التي صرح بأنها من الأسرار التي لا ينكشف إلا بعد ظهوره (عليه السلام).
فأخرج أبو جعفر محمّد بن على الكفعمي في كتاب (العلل) باسناده عنه (عليه السلام) أنه قال في حديث: إن القائم لن يظهر أبداً حتى تخرج ودائع الله (جلَّ جلاله)، فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله (جلَّ جلاله) فقتلهم.
ويشير إلى هذا أيضاً قوله تعالى (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيم) فجعل وجود الؤمنين والمؤمنات مع الكفار واجتماعهم معهم سبباً للأمر بالكف عن مقاتلة أهل مكة لئلا يصيب المؤمنين المقاتلين معرّة بغير علم، وأنهم لو تميزوا منهم لأمر بها ووجود النطف في الأصلاب نوع منه فإذا تزيلوا ظهر وخرج وقتل الذي لا توجد عندهم وديعة وفي قصة نبي الله نوح (عليه السلام) ما يشهد بصدق ذلك.
قال الثعلبي في (العرائس) بعد ذكر بعض ما فعله قومه به من الأذى فقال نوح: رب قد ترى ما يصنع بي عبادك فإن يكن لك في عبادك حاجة فاهدهم وان يكن غير ذلك فصبرني حتى تحكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين.
فأوحى الله إليه: أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون فأيسه من إيمان قومه وأخبره أنه لم يبق في أصلاب الرجال ولا أرحام النساء مؤمن فعند ذلك دعا عليهم وقال رب إنهم عصوني الآية إلى أن ذكرانه
تعالى أمره أن يصنع الفلك قال: قال نوح يا رب وأين الخشب قال: اغرس الشجر فغرس الساج وأتي على ذلك أربعون سنة وكف في تلك المدة عن الدعاء فلم يعدهم فأعقم الله تعالى أرحام نسائهم فلم يولد لهم ولد. القصة.
وأما سابعاً: فبأن الظلم العام والجور المنتشر الذي أشير إليه إجمالاً في الأحاديث النبوية قد فسر في بعضها بما لما لا يمكن انطباقه على الذي زعم جناب الناظم انتشاره، فسأل عن وجه عدم ظهوره مع وجود شرطه أو مقتضيه.
ففي (عقد الدرر) لأبي بدر السلمي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينزل آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه حتى تضيق عليهم الأرض الرحبة وحتى تملأ الأرض جوراً وظلماً حتى لا يجد المؤمن ملجأ يلجأ إليه من الظلم. فيبعث الله عز فضله من عترتي رجلاً يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى ساكن السماء وساكن الأرض لا تدخر الأرض من بذرها شيئاً إلى أخرجته ولا السماء من قطرها إلا صبته عليهم مدراراً، يعيش فيه سبع سنين أو ثمان أو تسع يتمنى الأحياء الأموات مما صنع الله بأهل الأرض من خير.
أخرجه الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم في مستدركه على شرط البخاري ومسلم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ورواه أيضاً عن أبي سعيد باختلاف يسير وقال: أخرجه الحافظ أبو نعيم في مناقب المهدي.
وعن ابن سيرين عن أبي الخلد: تكون فتنة بعد أخرى فما الأولى في الآخرة وإلاّ كمثل الصوت يتبعه ذباب السيف ثم تكون فتنة يستحل فيها المحارم كلها ثم يجتمع الأمة على خيرها ثانية، هنيئاً لمن هو قاعد في بيته.
أخرجه الحافظ أبو عبد الله حماد بن نعيم في كتاب الفتن.
وأخرج البغوي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيكون بعدي فتن منها يكون فيها هرب وضرب ثم من بعدها فتن أشد منها كلما قيل انقضت تمادت حتى لا يبقى بيت من عرب إلا دخلته ولا مسلم إلا وصلته حتى يخرج رجل من عترتي.
وروى الحافظ أبو عبد الله الكنجي في كتاب (البيان) قال أخبرنا السيد النقيب الكامل مستحضر الدولة شهاب الحضرتين سفير الخلافة المعظمة علم الهدى تاج أمراء آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبو الفتوح المرتضى بن أحمد بن محمّد بن جعفر بن زيد بن جعفر بن محمّد بن أحمد بن محمّد الحسين بن إسحاق بن الإمام الحسين بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمّد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن أبي الفرج يحيى بن محمود الثقفى، عن أبي علي الحسين بن أحمد الحدا، أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، قال أخبرنا الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، وأخبرنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل بحلب، أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن أبي زيد الكراني باصبهان، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية، أخبرنا أبو بكر بن زيده، أخبرنا الحافظ أبو القاسم الطبراني، حدّثنا محمّد بن زريق بن جامع المصري، حدّثنا الهيثم بن حبيب، حدّثنا سفيان بن عيينة عن علي الهلالي عن أبيه قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شكايته التي قبض فيها فإذا فاطمة (عليها السلام) عند رأسه، قال: فبكت حتّى ارتفع صوتها، فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) طرفه إليها وقال: حبيبتي فاطمة ما يبكيك؟ فقالت: أخشى الضيعة من بعدك. فقال: حبيبتي أما علمت أن الله اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته، ثم اطلع إطلاعة فاختار منها بعلك وأوحى إلي أن أنكحك إياه يا فاطمة ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تعط أحداً قبلنا ولا تعطى أحداً بعدنا: أنا خاتم النبيين وأكرم
النبيين على الله وأحب المخلوقين إلى الله وأنا أبوك، ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك، ومنا من له جناحان أخضران يطير في الجنة مع الملائكة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن الحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما. يا فاطمة والذي بعثني بالحق أن منهما مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن وتقطعت السبل وأغارت بعضهم على بعض ولا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقر كبيراً يبعث الله عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ويملأ الدنيا عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي فإن الله تعالى أرحم بك وأرأف عليك مني وذلك لمكانك مني وموقعك في قلبي وزوجك الله زوجك وهو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً وأرحمهم بالرعية وأعدلهم بالسوية وأبصرهم بالقضية وقد سألت ربي أن تكون أول من يلحقني من أهل بيتي. قال: فلما قبض النبي لم تبق فاطمة بعد إلا خمسة وسبعين يوماً حتى ألحقها الله به صلى الله عليهما وسلم.
قلت: هكذا ذكره صاحب حلية الأولياء في كتابه المترجم بذكر نعت المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف)، وأخرجه الطبراني شيخ أهل الصنعة في معجمه الكبير قال: عقيبه علي بن علي مكي ولم يرو هذا الحديث من سفيان إلا هيثم بن حبيب - انتهى.
ونقل هذا الحديث عن كتاب الأربعين للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله في أمر المهدي، ولعله الكتاب المذكور أو غيره.
وقال: الحافظ الهيتمي في (مجمع الزوائد) في آخر باب ما جاء في المهدي: وحديث علي الهلالي في المهدي يأتي في فضائل أهل البيت إن شاء الله تعالى، ولم أعثر على المجلد الرابع منه.
وإذا تأملت في هذه الأحاديث وما شاكلها مما لا نذكره تعلم أن الفتن المذكورة فيها غير واقعة في هذه الأعصار بل لا مصداق لها فيها، وأي بلد من بلاد ممالك سلاطين الإسلام شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً لا يجد المؤمن المظلوم فيه ملجأ يلجأ إليه والطرق والسبل آمنة ويزيد كل يوم في سلامتها وتخليتها عن المفسدين، وإذا قيست سلامة الطرق وسد سبيل المفسدين والأشرار ورفع أيدي أهل الفتنة والفساد في عصرنا إلى ما خلت من القرون الماضية وما كان فيها من الفساد والشرور وانقطاع كثير من السبل والقتل والنهب والأسر وغيرها لا غر وأن يعد عصرنا أيام بسط العدل بالنسبة إليها.
وأما ما يرى فيه من الجور الذي لا يكاد يخلو عنه الولاة ويزيد وينقص باختلاف حالات الولاة وحسن تدبيرهم وسيرتهم ونيتهم وعدمه، فكان في الأعصار السابقة إلى عصر الخلفاء مثله وضعفه بل وأضعافه كما لا يخفى على من راجع التواريخ والسير، وأين هذا من الفتن التي أخبر بها الصادق المصدق (صلى الله عليه وآله) أنها تعم البلاد. وهذا واضح لمن أنصف من نفسه.
وأما ثامناً: فلأنا لو سلمنا انتشار الظلم المذكور في الأحاديث في هذه الأعصار وأن الأرض ملئت منه وأنه أوان ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) نقول: أنه لو أراد الخروج لا يمكنه ذلك ولا يقدر عليه، لأن الله (جلَّ جلاله) جعل لظهوره وخروجه آيات وعلامات لابد من وقوعها فهو قبل ظهور تلك العلامات كجده النبي (صلى الله عليه وآله) قبل البعثة.
ففي (مجمع الزوائد) للحافظ الهيتمي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الآيات كخزرات منظومات في سلك فانقطع السلك فيتبع بعضها بعضاً.
وعن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: خروج الآيات بعضها على أثر بعض
يتتابع كما يتابع الخرز في النظام.
وعن عبد الله بن الحرث بن حري الزبيدي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخرج قوم من المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه.
وعن طلحة بن عبيد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلا جاش منها جانب حتى ينادي مناد من السماء أميركم فلان.
وتقدم عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: يسير ملك المشرق إلى ملك المغرب فيقتله، ثم يسير ملك المغرب إلى ملك المشرق فيقتله، فيبعث جيشاً إلى المدينة فيعوذ عائذ بالحرم فيجتمع الناس إليه.
وقال الحافظ الكنجي في كتاب البيان: أخبرنا العلامة الحسن بن محمّد بن الحسن اللغوي في كتابه إلي بدمشق ثم لقيته ببغداد، قال: أخبرنا نصر بن أبي الفرج الحصري، عن أبي طالب محمّد بن محمّد بن أبي زيد العلوي، عن أبي علي التستري، عن أبي عمر الهاشمي، عن أبي علي محمّد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي، أخبرنا الحافظ أبو داود سليمان بن الأشعت، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا معاوية بن هشام، حدثنا علي بن أبي صالح، عن يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي (صلى الله عليه وآله) اغرورقت عيناه وتغير لونه. فقلت ما نراك نرى في وجهك شيئاً نكرهه، قال: قال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون من بعدي بلاءاً وتشريداً وتطريداً حتّى يأتي قوم من قبل المشرق ومعهم رايات سود فيسألون الخبر ولا يعطونه، فيقاتلون فيصبرون فيعطون ما شاؤا ولا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً، فمن أدرك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج.
ورواه الشيخ محب الدين الطبري الشافعي في (ذخائر العقبي في مناقب أولى القربى) عن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنا أهل بيت - وساق مثله باختلاف يسير وفيه: بعدي أشرة وشدة وتطريداً في البلاد - إلى آخر.
وقال: أخرجه ابن حبان وأخرجه ابن السري بتغيير بعض لفظه.
قال الحافظ الكنجي: أخبرنا الحافظ يوسف بن خليل بحلب، أخبرنا محمّد بن إسماعيل الطرسوسي، أخبرنا أبو منصور محمود بن إسماعيل الصيرفي أخبرنا أبو الحسين بن، أخبرنا سليمان بن أحمد، أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا نعيم، حدثني الوليد، عن أبي لهيعة، عن ابن قبيل، عن أبي رومان، عن علي (عليه السلام): قال: إذا نادى مناد من السماء إن الحق في آل محمّد (عليهم السلام) فعند ذلك يظهر المهدي.
وفي (عقد الدرر) لأبي بدر السلمي عن سعيد بن المسيب أنه قال: تكون بالشام فتنة أولها مثل لعبة الصبيان كلما سكنت من جانب طمت من جانب آخر فلا تتناهى حتى ينادي منادي السماء، ألا أن أميركم فلان. ثم قال ابن المسيب فذلك الأمير فذلكم الأمير، كفى من اسمه ولم يذكره وهو المهدي فلان.
أخرجه الإمام أحمد بن الحسين بن جعفر المنادي في كتاب الملاحم، وأخرجه الحافظ أبو عبد الله نعيم بن حماد في كتاب الفتن.
وعن أبي جعفر (عليه السلام): إلزم ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك وما أراك تدرك: اختلاف من بني العباس، ومناد ينادي من السماء، وخسف قرية من قرى الشام، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، واختلاف كثير عند ذلك من كل أرض حتى تخرب الشام، ويكون سبب خرابه ثلاث رايات منها راية الأصهب ومنها راية الأبقع وراية السفيان.
وعن محمّد بن الصامت قال: قلت لأبي عبد الله الحسين بن علي صلوات
الله عليهما: أما من علامات بين يدي هذا الأمر - يعني ظهور المهدي - وقال: بلى. فقلت: وما هي؟ قال: هلاك العباس وخروج السفياني والخسف بالبيداء. قلت: جعلت فداك أخاف أن يطول هذا الأمر. قال: إنما هو كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً.
وعن عمار بن ياسر (رضي الله عنه) قال: علامة خروج المهدي انسياب الترك عليكم، وأن يموت خليفتكم الذي يجمع لكم الأموال ويستخلف رجلاً من بعده ضعيفاً يخلع بين سنتين، ويخسف بغربي مسجد دمشق، وخروج ثلاثة نفر بالشام، وخروج أهل المغرب إلى مصر وتلك إمارة خروج السفياني. قال أبو قبيل، قال أبو رومان قال: قال عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): إذا نادى مناد من السماء إن الحقّ في آل محمّد (عليهم السلام) فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس ويسربون ذكره فلا يكون لهم ذكر غيره.
أخرجه الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي في كتاب الملاحم.
وأخرجه الإمام الحافظ أبو عبد الله نعيم بن حماد في كتاب الفتن وانتهى حديثه عند قوله: فتكل أمارة خروج السفياني.
وأخرج الإمام أبو عمرو الداني في سننه من حديث عمار بن ياسر بمعناه.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: إذا اختلف رمحان بالشام لم تنحل إلا عن الآية من آيات الله (جلَّ جلاله). قيل: ثم ماذا يا أمير المؤمنين؟ قال: رجعة بالشام يهلك فيها أكثر من مائة ألف يجعلها الله تعالى رحمة للمؤمنين وغضباً على الكافرين، فإذا كان ذلك فانظروا إلى براين الشهب المحرنة والرايات الصفر تقبل من المغرب حتى تحل بالشام فعند ذلك الجوع الأكبر والموت الأحمر فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف).
وعن ثوبان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يقتل عند كنزكم ثلاثة بن خليفة ثم
لا يصير إلى واحد منهم، ثم يطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقاتلونهم قتالاً لم يقاتله قوم قوم، ثم ذكر شاباً فقال: إذا رأيتمون فبايعوه فإنه خليفة الله المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف).
أخرجه الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم في مستدركه وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه.
وقد تقدم بلفظ (ثم يجئ خليفة الله المهدي) بدل قوله: ثم ذكر شاباً - إلى آخره -.
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال: لا يخرج المهدي حتى يقتل ثلث ويموت ثلث ويبقى ثلث.
أخرج الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد المعري في سننه ورواه الحافظ أبو عبد الله نعيم بن حماد في كتاب الفتن.
وعن أبي جعفر محمّد بن علي (عليه السلام): لا يظهر المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) إلا على خوف شديد من الناس وزلزال وفتنة تصيب الناس وطاعون قبل وسيف قاطع بين القرب واختلاف شديد في الناس وتشتت في دينهم وتغير في حالتهم حتى يتمنى المتمني الموت مساء وصباحاً من عظمة ما يرى من طلب الناس وأكل بعضهم بعضاً، فخروج إذا خرج يكون عند اليأس والقنوط من أن يرى فرحاً، فطوبى لمن أدركه وكان من أنصاره والويل لمن خالف أمره.
وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تقوم الساعة حتى يخرج المهدي من ولدي، ولا يخرج حتى يخرج ستون كذاباً كلهم يقولون أنا نبي.
وعن علي بن محمّد الأزدي عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: بين يدي المهدي موت أحمر وموت أبيض وجراد في غير حينه كألوان الدم، أما الموت الأحمر فالسيف وأما الموت الأبيض فالطاعون.
وعنه يزيد بن الخليل قال: كنت عند أبي جعفر محمّد بن علي (عليهما السلام)، فذلك آيتين تكونان قبل المهدي صلوات الله عليه لم تكونا منذ أهبط آدم (عليه السلام) وذلك أن الشمس في النصف من شهر رمضان تنكسف والقمر في آخره. فقال له رجل: يا بن رسول الله لا بل الشمس في آخر الشهر والقمر في النصف. فقال أبو جعفر (عليه السلام): أعلم الذي تقول أنهما آيتان لم تكونا منذ أهبط آدم (عليه السلام).
وعن عمار بن ياسر قال: إذا قتل النفس الزكية واحدة بمكة ضيعة نادى مناد من السماء أن أميركم فلان أو ذلك المهدي يملأ الأرض حقاً وعدلاً.
أخرجه الإمام أبو عبد الله نعيم بن حماد في كتاب الفتن.
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: انتظروا الفرج في ثلاث. قلت: ما هي؟ قال: اختلاف أهل الشام بينهم، واختلاف الرايات السود من خراسان، والفزعة في شهر رمضان. فقيل: وما الفزعة في شهر رمضان؟ قال: مناد من السماء يوقظ النائم ويفزع اليقظان ويخرج الفتاة من خدرها ويسمع الناس كلهم. فلا يجئ رجل من أفق من الآفاق إلا يحدث أنه سمعها.
أخرجه الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي.
وعن أبي هريرة أحسبه رفعه: يسمع في شهر رمضان صوت من السماء وفي شوال همهمة وفي ذي القعدة تخرب القبائل وفي ذي الحجة يسلب الحاج وفي المحرم الفرج.
وعن شهر بن حوشب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): في المحرم ينادي مناد من السماء: ألا إن صفوة الله من خلقه فلان فاسمعوا له وأطيعوا في سننه.
أخرجه الحافظ أبو عبد الله نعيم بن حماد.
وعن أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) أنه قال: إذا رأيتم ناراً
من المشرق ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمّد إن شاء الله. ثم قال: ينادي مناد من السماء باسم المهدي فيسمع من بالمشرق والمغرب. قال: حتى لا يبقى راقد إلا استيقظ ولا قائم إلا قعد ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعاً، فرحم الله من سمع ذلك الصوت فأجاب، فإن الصوت الأول صوت جبرائيل الروح الأمين.
وعن (عليه السلام) أنه قال: للمهدي خمس علامات: السفياني واليماني والصيحة من السماء والخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية.
وعن كعب الأحبار: أنه يطلع نجم من المشرق قبل خروج المهدي له ذنب يضيء - أخرجه الحافظ أبو عبد الله نعيم بن حماد في كتاب الفتن.
وعن شريك أنه قال: بلغني أنه قبل خروج المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) ينكسف القمر في رمضان مرتين.
وعن سيف بن عميرة قال: كنت عند أبي جعفر المنصور فقال لي ابتداءً: يا سيف بن عميرة لابد من مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب قلت: يا أمير المؤمنين جعلت فداك ترولي هذا؟ قال: أي والذي نفسي بيده بسماع أذناي. فقلت: أن هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا. فقال: يا سيف أنه لحق، وإذا كان فنحن أول من يجيبه، أما النداء إلى رجل من بني عمنا.
فقلت: رجل بني فاطمة؟ قال: يا سيف لولا أني سمعته عن أبي جعفر محمّد بن علي وحدثني به مثل أهل الأرض كلهم ما قبلته منهم ولكنه محمّد بن علي (عليهما السلام).
قال أبو بدر السلمي في آخر الفصل الثاني من الباب الرابع من كتابه (عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر): ولنختم هذا الفصل بشيء من كلام الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيما تضمنه من الأهوال الشديدة والأمور الصعاب
وخروج المهدي مفرج الكروب ومفرق الأحزاب:
قال: وعن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: يختلف ثلاث رايات راية في المغرب ويل لمصر ما يحل بها منهم، وراية بالشام تدوم الفتنة بينهم سنة، ثم يخرج رجل من ولد العباس بالشام حتى يكون بينهم مسيرة ليلتين فيقول أهل المغرب: قد جاءكم قوم منا أصحاب أهواء مختلفة، فيضطرب أهل الشام إلى فلسطين، فيقولون اطلبوا الملك الأول فيطلبونه فيوافوه بغوطة دمشق بموضع يقال له (خرستا)، فإذا أحس بهم هرب إلى أخواله كلب وذلك ذهاب منه، ويكون بالواد اليابس عدة عديدة فيقولون له: يا هذا مالك أن تضيع الإسلام أما ترى ما الناس فيه من الخوف والفتن فاتق الله واخرج أما تنصر دينك، فيقول: لست بصاحبكم. فيقولون: ألست من قريش من بيت الملك القديم، أما تغضب لأهل بيتك وما نزل بهم من الذل والهوان فتخرج راغباً من الأموال والعيش الرغيد. فيقول: اذهبوا إلى خلفائكم الذين تدينون لهم هذه المدة.
ثمّ يجيبهم، فيجئ يوم الجمعة فيصعد منبر دمشق وهو أول منبر يصعده فيخطب ويأمر بالجهاد ويبايعهم على أنهم لا يخالفون له أمراً رضوه أم كرهوه.
فقام رجل فقال: ما اسمه يا أمير المؤمنين؟ قال: هو حرب بن عتبة - وساق نسبه إلى يزيد بن معاوية - ملعون في السماء ملعون في الأرض أشر خلق الله جوراً وأكثر خلق الله ظلماً.
قال: ثمّ يخرج إلى الغوطة فما يبرح حتى يجمع الناس إليه ويلاحق بهم أهل الضغائن فيكون في خمسين ألفاً، ثم يبعث إلى كلب فيأتيهم عنه مثل السيل، ويكون في ذلك الوقت رجال السرير يقاتلون رجال الملك من ولد العباس وهم الترك الديلم والعجم رايتهم سوداء وراية البربر صفراء وراية
السفياني حمراء، فيقتتلون ببطن الوادي في الأردن قتالاً شديداً فيقتل فيما بينهم ستون ألفاً فيغلب السفياني.
إلى أن قال: ينزع الله الرحمة من قلبه ثم يرجع إلى دمشق وقد أذله، فيجيش جيشين جيشاً إلى المدينة وجيشاً إلى المشرق، فأما جيش المشرق فيقتلون بالزوراء سبعين ألفاً ويبقرون ثلاثمائة امرأة، ويخرج الجيش إلى الكوفة فيقتل بها خلقاً، وأما جيش المدينة إذا توسطوا البيداء صاح بهم صائح وهو جبرئيل فلا يبقى منهم صالح إلا خسف الله تعالى به ويكون في آخر الجيش رجلان يقال لأحدهما بشير فيبشرهم بما سلمهم الله (جلَّ جلاله)، والآخر نذير فيرجع السفياني فيخبره بما نال الجيش عند ذلك.
قال وعند جهينة الخبر اليقين لأنهما من جهينية، ثم يهرب قوم من ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى بلد الروم، فيبعث السفياني إلى ملك الروم رد إلي عبيدي فيردهم إليه، فيضرب أعناقهم على الدرج شرقي مسجد دمشق فلا ينكر ذلك عليه، ثم يسير في سبعين ألفاً نحو العراقين والكوفة والبصرة، ثم يدور الأمصار ويحل عرى الإسلام عروة بعد عروة ويقتل أهل العلم ويحرق المصاحف ويخرب المساجد ويستبيح الحرام ويأمر بضرب الملاهي والمزامير في الأسواق والشرب على قوارع الطريق ويحلل الفواحش ويحرم عليهم كل ما فرض الله من الفرائض ولا يرتدع عن الظلم والفجور بل يزداد تمرداً وعتواً، ويقتل كل من اسمه أحمد ومحمد وعلي وجعفر وحمزة وحسن وحسين وفاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم وخديجة وعاتكة حنقاً وبغضاً لآل بيت رسول الله، ثم يبعث فيجمع الأطفال ويغلي الزيت لهم فيقولون إن كان آباؤنا عصوك فنحن ما أذنبنا فيأخذ منهم اثنين اسمهما حسن وحسين فيقتلهما، ثم يسير إلى الكوفة يفعل بهم كما فعل بالأطفال ويصلب على باب مسجدها طفلين اسمهما حسن وحسين
فيغلي دماؤهما كما غلي دم يحيى بن زكريا، فإذا رأى ذلك أيقن بالبلاء والهلاك فيخرج منها متوجهاً إلى الشام فلا يرى في طريقه أحداً يخالفه، فإذا دخل دمشق اعتكف على شرب الخمر والمعاصي ويأمر أصحابه بذلك ويخرج السفياني وبيده حربة فيأخذ امرأة حاملة فيدفعها إلى بعض أصحابه فيقول: أفجر بها في وسط الطريق ويبقر بطنها فيسقط الجنين من بطن أمه فلا يقدر أحد أن يغير ذلك فتضطرب الملائكة في السماء فيأمر الله (جلَّ جلاله) جبرائيل فيصيح على سور مسجد دمشق ألا قد جاءكم الغوث يا أمة محمّد قد جاءكم الفرج وهو المهدي خارج مكة فأجيبوه.
ثمّ قال صلوات الله عليه: ألا أصفه لكم. ثم ذكر بعضه وقال ثم يجمع الله أصحابه على عدد أهل بدر وعلى عدد أصحاب طالوت ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً كأنهم ليوث خرجوا من غاباتهم قلوبهم مثل زبر الحديد لو هموا بإزالة الجبال لأزالوها الدين واحد واللباس واحد كأنما آبائهم أب واحد.
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إني لأعرف أسماءهم وقال: ويجمعهم الله تعالى من مطلع الشمس إلى مغربها في أقل من نصف ليلة فياتون مكة، فيشرف عليهم أهل مكة فلا يعرفونهم فيقولون كيسنا أصحاب السفياني، فإذا انجلى لهم الصباح يرونهم طائعين مصلين فينكرونهم، فعند ذلك يفيض الله لهم من يعرّفهم المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) وهو مختف فيجتمعون إليه ويقولون: أنت المهدي. فيقول: أنا أنصاري والله ما كذب لأنه ناصر الدين، ويتغيب عنهم فيخبرونهم أنه قد لحق بقبر جده فيلحقونه بالمدينة، فإذا أحس بهم رجع إلى مكة فلا يزالون به إلى أن يجيبهم إلى ذلك، فيقول: إني لست قاطعاً أمراً حتى تبايعوني على ثلاثين خصلة تلزمكم لا تغيرون منها شيئاً ولكم علي ثمان خصال. قالوا: قد فعلنا ذلك فاذكر ما أنت ذاكر يا بن رسول الله.
فيخرجون معه إلى الصفا فيقول: أنا معكم إلى أن تولوا ولا تسرفوا ولا تقتلوا محرماً ولا تأتوا الفاحشة ولا تضربوا أحداً إلا بحقه ولا تكنزوا ذهباً ولا فضة ولا براً ولا شعيراً ولا تأكلوا مال اليتيم ولا تشهدوا بما لا تعلمون ولا تخربوا مسجداً ولا تقبحوا مسلماً ولا تلعنوا مواجراً ولا تشربوا مسكراً ولا تلبسوا ذهباً ولا الحرير ولا الديباج ولا تتبعوا هارباً ولا تسفكوا دماً حراماً ولا تغدروا على مستأمن ولا تبغوا على كافر ولا منافق وتلبسون الخشن من الثياب وتتوسدون التراب على الخدود وتجاهدون في الله حق جهاده ولا تشتمون وتكرهون النجاسة وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر فإذا فعلتم ذلك فعلي أن لا أتخذ حاجباً ولا بواباً ولا ألبس إلا كما تلبسون ولا أركب إلا كما تركبون وأملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وأعبد الله (جلَّ جلاله) حق عبادته وارتضوا لي.
قالوا: رضينا واتبعناك على ذلك. فيصافحهم رجلا رجلاً فيفتح الله له خراسان ويطيعه أهل اليمن وتقبل الجيوش أمامه وتكون همدان وزراؤه وخولان جيوشه وحمير أعوانه ومضر قواده ويكثر الله (جلَّ جلاله) جمعهم بتميم ويسير راياته أمامه وعلى مقدمته عقيل وعلى ساقته الحارث وتخالفه ثقيف وغداف، ويسير الجيوش حتى تصير بوادي الدس في هدوء ورفق فيلحقه هناك ابن عمه الحسني في اثني عشر ألف فارس، فيقول له الحسني هل لك من آية فنبايعك، فيومي المهدي إلى الطير فيسقط على يديه ويغرس قضيباً في بقعة من الأرض فيخضر ويورق، فيقول له الحسني هما لك، ويسلم إليه جيشه ويكون على مقدمته واسمه على اسمه، وتقع الضجة في الشام ألا أن أعراب الحجاز قد خرجوا إليكم، فيقول السفياني لأصحابه ما تقولون في هؤلاء القوم، فيقولون هم أصحاب نبل وابل ونحن أصحاب العدة والسلاح أخرج بنا إليهم، فيرونه قد
جبن وهو عالم بما يراد منه، فلا يزالون به حتى يخرج فيخرج بخيله ورجله بمائتي ألف وستين ألف حتى ينزلوا بحيرة فيسير المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) لا يحدث في بلد حادثة إلا الأمن والإيمان والبشرى وعن يمينه جبرئيل وعن يساره ميكائيل والناس يلحقونه من الآفاق حتى يلحقوا السفياني على بحيرة طبرية ويغضب الله تعالى على السفياني وجيشه ويغضب سائر خلقه عليهم حتى الطير في السماء فترميهم بأجنحتها وأن الجبال لترميهم بصخورها، فتكون وقعة يملك الله (جلَّ جلاله) فيها جيش السفياني فيمضي هارباً، فيأخذه رجل من الموالي اسمه ضباح فيأتي به إلى المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) وهو يصلي العشاء الآخرة فيبشره فيخفف في الصلاة ويخرج ويكون السفياني قد جعلت عمامته في عنقه ويسحب ويوقف بين يديه فيقول السفياني للمهدي: يا بن عم منّ عليّ بالحياة أكون سيفاً بين يديك أجاهد أعداءك، والمهدي جالس بين أصحابه وهو أحيى من عذراء فيقول خلّوه، فيقول أصحاب المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف): يا بن بنت رسول الله تمن عليه بالحياة وقد قتل أولاد رسول الله، ويقولون ما نصبر على ذلك. فيقول: شأنكم وإياه فيلحقه ضباح في جماعة إلى عند السدرة فيضجعه ويذبحه ويأخذ رأسه فيأتي به المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) فتنظر شيعته إلى الرأس فيهللون ويكبرون ويحمدون الله على ذلك، ثم يأمر المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) بدفنه.
ثمّ يسير في عساكره فينزل دمشق وكان أصحاب أندلس أحرقوا مسجدها وأخربوا فيقيم في دمشق فيأمر بعمارة جامعها وإن دمشق فسطاط المسلمين يومئذ وهي خير مدينة على وجه الأرض في ذلك الوقت ألا وفيها آثار النبيين وبقايا الصالحين معصومة من الفتن منصورة على أعدائها فمن وجد السبيل إلى أن يتخذ فيها موضعاً ولو مربط شاة فإن ذلك خير من عشرة حيطان بالمدينة فينتقل
أخيار العراق إليها ثم أن المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) يبعث بجيش إلى أحياء كلب والخائب من خاب من غنيمة كلب والله العالم بالصواب.
هذه بعض ما رواه مشايخ أهل السنة وعلماؤهم في الآيات والعلامات التي تتقدم على ظهور المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف)، وتركنا جملة أخرى من الأحاديث الواردة في ذلك وكذا ما رواه علماء الإمامية في هذا الباب، ولو أردنا جميع ما أخرجوه لخرجت الرسالة عن وضعها، مع أنا بنينا على عدم الاحتجاج بما رواه أصحابنا.
ومن جميع ذلك يظهر أن انتشار الجور وعموم الظلم من إحدى العلامات التي هو منها قليل من كثير وكنسبة الواحد إلى عشر العشير، وجملة منها ورد فيها أحاديث كثيرة كالنداء والصيحة وخروج السفياني وقتل النفس الزكية والعدد المذكور من خواص أصحابه، ولا يقصر ما ورد في كل واحدة منها عما ورد في الانتشار.
ولا يجوز للمهدي (عليه السلام) أن يظهر ويخرج قبل ظهور تلك العلامات كما لم يكن لجده (صلى الله عليه وآله) أن يدعو الناس إلى الإسلام قبل ويوم البعثة مع وجوده وعلمه بنبوته وعموم الشرك والكفر لعدم الإذن من الله تعالى له في ذلك إلا في يوم المبعث، وظهور المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) كبعث جده (صلى الله عليه وآله) يحتاج إلى الإذن والأمر الإلهي الذي يكشف عنه تلك العلامات، ومع عدم ظهورها لا يجوز له الظهور والخروج لمجرد تبين علامة واحدة هي انتشار الجور.
والعجب أن الدجال الكافر اللعين يقول لتميم الداري وأصحابه كما تقدم في حديث جساسة: وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج وأسير في الأرض - إلى آخر.
ويحتمل في حق خليفة الله أن يخرج بدون إذن الله، فجناب الناظم إن لم يقف على هذه الأحاديث فكان الواجب عليه أولا مراجعة ما ورد في حالات
المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) وكيفية خروجه وعلامته، ثم إن بقي موضع للاعتراض على الإمامية فليعترض عليهم، وإن وقف وعلم ومع ذلك أغمض فأورد، فليبين الفرق بين هذه العلامة الموجودة بزعمه وبين غيرها الذي لم يوجد كيف تلقى الأولى بالقبول وأعرض عن غيرها، مع أن القائل وهو النبي (صلى الله عليه وآله) واحد والمأخذ وهي الجوامع والسنن الدائرة واحدة، فإن أنصف علم أن الاعتراض الذي ذكره لا وقع له أصلا ولا ينبغي صدوره عن أصاغر الطلبة فضلاً عن علماء الأمّة.
مع أنه في الحقيقة إنكار لتمام ما ورد في تلك العلامات التي رواها المشايخ العظام، ولا أدري ما حكمه عند الفقهاء الكرام، وأظنه زعم المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) واحداً من العلماء والأئمة على مصطلح أهل السنة من الذي يجب عليهم إقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا تمكنوا منه وقد ترك المعروف وشاع المنكر وهو متمكن فيجب عليه الخروج على ما يزعمه الإمامية وجماعة من أهل السنة من وجوده وعلمه بما في الأرض من الظلم العام، وكأنه غفل عن مقام المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) فإنه وإن كان على ملة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويظهر ويخرج لنشرها وترويجها، فإن دين جده آخر الأديان ومذهب الإسلام آخر المذاهب وحلال محمّد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة لا نبي بعده ولا دين غير دينه، إلا أن الله تعالى ادخر هذا الخليفة لغرض عظيم ويبعثه لأمر جسيم هو بسط العدل في تمام الدنيا وهدم الجور والظلم فيها، ولم يبعث نبي من آدم (عليه السلام) إلى الخاتم (صلى الله عليه وآله) لهذا الأمر العظيم المتوقف على أسباب غير عادية، ولذا شرّف المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) وخصه بتشريفات لم يشاركه فيها أحد قبله وهي مروية موجودة في الكتب المعتمدة التي نقلنا منها ما نقلنا وقد تقدم بعضها مثل: النداء في شهر رمضان.
وفي (بيان الكنجي) وغيره مسنداً عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يخرج المهدي على رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه).
وروى فيه أيضاً مسنداً عن عبد الله بن عمر وعن عبد الرحمن قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يخرج المهدي على رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه).
وروى فيه أيضاً مسنداً عن عبد الله بن عمر وعن عبد الرحمن قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي إن هذا المهدي فاتبعوه).
قلت: هذا حديث حسن رواه الحفاف والأئمة من أهل الحديث كأبي نعيم والطبراني وغيرهما.
وفي (عقد الدرر) عن الحافظ أبي عبد الله نعيم بن حماد عن سليمان بن عيسى قال: بلغني أنه على يد المهدي يظهر تابوت السكينة من بحيرة طبرية حتى يحمل فيوضع بين يديه في بيت المقدس فإذا نظرت إليه اليهود أسلمت إلا قليل منهم.
وعن حذيفة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وآله) في قصة المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) وظهوره قال: ثم يخرج متوجهاً إلى الشام وجبرائيل على مقدمته وميكائيل على ساقته يفرح به أهل السماء وأهل الأرض والطير والوحوش والحيتان في البحر وتزيد المياه في دولته وتمد الأنهار وتضعف الأرض أكلها وستخرج الكنوز.
أخرجه الإمام أبو عمر عثمان بن سعيد في سننه.
وعن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه عن مجاهد قال: قال عبد الله بن عباس، لو لم أراك مثل أهل البيت ما حدثتك بهذا الحديث، وساق إلى أن قال: وأما المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وتأمن البهائم والسباع ويلقى الأرض أفلاذ كبدها. قال: قلت وما أفلاذ كبدها؟ قال: مثل الأسطوانة من الذهب والفضة.
أخرجه الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم في مستدركه وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وعن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) في قصة المهدي وفتحه لمدينة القاطع قال: فيبعث المهدي إلى أمرائه بسائر الأمصار بالعدل بين الناس وترعى الشاة والذئب في مكان واحد ويلعب الصبيان بالحيات والعقارب ولا تضرهم بشيء ويذهب الشر ويبقى الخير ويزرع الإنسان مداً ويخرج له سبعة أمداد كما قال الله تعالى ويذهب الزنا وشرب الخمر ويذهب الربا ويقبل الناس على العبادات والشرع والديانة والصلاة في الجماعات وتطول الأعمار وتؤدى الأمانات وتحمل الأشجار وتتضاعف البركات وتهلك الأشرار وتبقى الأخيار ولا تبقى من يبغض أهل البيت (عليهم السلام).
وعن سالم الأشل قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ (عليهما السلام) يقول نظر موسى في السفر الأول إلى ما يعطى قائم آل محمّد من التمكين والفضل فقال موسى رب اجعلني قائم آل محمّد فقيل له ذلك من ذرية أحمد فنظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك ثم نظر في السفر الثالث فرأى فيه مثله فقال مثله فقيل له مثله.
وفي تفسير أبي إسحاق الثعلبي في قصة أصحاب الكهف قال: وأخذوا مضاجعهم فصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي يسلم عليهم فيحييهم الله (جلَّ جلاله) له ثم يرجعون إلى رقدتهم ولا يقومون إلى يوم القيامة.
وهذا الباب كالبحر الذي لا يدرك ساحله وفيما ذكرنا كفاية لأولي الألباب.
ولنرجع إلى ما كنا فيه فنقول: إذا تأملت في هذه الوجوه يظهر لك أن الشبهة المذكورة غير واردة على الإمامية وشركائهم من أهل السنة بل غير قابلة للذكر بل عرفت أنها مع كونها واهية واردة على منكري الولادة أيضاً ويظهر
لك أيضاً فساد ما احتمله الناظم من الوجوه المتفرعة على تلك الشبهة التي هدمت ولا فرار للفروع بعد انهدام الأصل، غير أنا نزيد في توضيح فساده فنقول: قال بعد البيتين المتقدمتين:
وإن قيل من خوف الطغاة قد اختفى * * * فذاك لعمري لا يجوزه الحجر
ولا النقل كلا إذ تيقن أنه * * * إلى وقت عيسى يستطيل له العمر
وإن ليس بين الناس من هو قادر * * * على قتله وهو المؤيده النصر
وإن جميع الأرض ترجع ملكه * * * ويملأها قسطاً ويرتفع المكر
والجواب:
وأما أوّلاً:
فالنقض بما فعله جده النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بعد بعثته والأمر بالإنذار في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ) من الاختفاء مع بعثته ورسالته وعلمه بغلبته على المشركين.
قال برهان الدين علي الحلبي في (إنسان العيون) المعروف بالسيرة الحلبية عن ابن إسحاق؛ أن مدة ما أخفى (صلى الله عليه وآله) أمره - أي المدة التي صار يدعو الناس فيها خفية بعد نزول يا أيها المدثر - ثلاث سنين أي فكان من أسلم إذا أراد الصلاة يذهب إلى بعض الشعاب يستخفي بصلاته من المشركين أي كما تقدم، فبينما سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شعب من شعاب مكة إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون فنكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلاً منهم بلحي بعير فشجه وهو أول دم أريق في الإسلام ثم دخل (صلى الله عليه وآله) هو وأصحابه مستخفين في دار الأرقم - إلى أن قال فكان (عليه السلام) وأصحابه يقيمون الصلاة
بدار الأرقم ويعبدون الله تعالى فيها إلى أن أمره الله تعالى بإظهار الدين أي وهذا السياق يدل على أنه (صلى الله عليه وآله) استمر مستخفياً هو وأصحابه في دار الأرقم إلى أن أظهر الدعوة وأعلن (صلى الله عليه وآله) في السنة الرابعة وقيل مدة استخفائه (صلى الله عليه وآله) أربع سنين وأعلن في الخامسة - انتهى.
وأخرج القسطلاني في (المواهب اللدنية) عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنه قال: ما زال النبي (صلى الله عليه وآله) مستخفياً حتى نزلت (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) فجهر هو وأصحابه، إلى أن قال: قالوا وكان ذلك بعد ثلاث سنين من النبوة، وهي المدة التي أخفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمره.
وقال: فضل بن روزبهان في كتابه: لما بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستولى الكفار على المسلمين وضعف أمر الإسلام اختفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيت الأرقم مخافة سطوة الكفار ولم يقدر أحد أن يظهر الإسلام ودعا رسول الله: اللهم أعز الإسلام بأبي الحكم أو بعمر بن الخطاب، فوقع الدعاء فأسلم عمر صبيحة ليلة دعا فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو كمل الأربعين لأن بإسلامه تكمل عدد المسلمين بأربعين وقال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله اللات والعزى يعبدان علانية ويعبد الله سراً - انتهى.
وقال القاضي حسين في (تاريخ الخميس) - نقلاً عن معالم التنزيل: ولما كثر أنواع الأذى من المشركين استتر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع أصحابه في دار الأرقم بن أسد إلخ. ثم استتاره واختفاؤه (صلى الله عليه وآله) مع أصحابه وعشيرته في الشعب سنين عديدة قهراً من المشركين ثمّ ما وقع له (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك من التستر والاختفاء في الغار والخروج سراً منه إلى طيبة.
ويأتي على أفعاله (صلى الله عليه وآله) في هذه المقامات ما أورده على اختفاء المهدي
عجل الله فرجه الشريف إذا لا فرق بين اليوم والسنة والسنين والاختفاء عن الكل أو عن الجل بعد معلومية كونه رسولاً إلى الناس كافة وعلمه بظهوره على المشركين وعدم قدرة أحد على قتله وإن الحجاز واليمن وما والاهما ترجع إلى ملكه فيما يعتذر به عنه (صلى الله عليه وآله) فخليفته أولى به.
وأما ثانياً:
فبالحل إذ تبين من السنن المستفيضة والأحاديث المعتبرة التي ذكرنا نبذة منها أن الله (جلَّ جلاله) جعل لظهوره علامات ولخروجه آيات لابد منها فهو ممنوع من الخروج قبل ظهورها كجده رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل يوم بعثه مع بلوغه وكمال علمه بمقامه وما عليه الناس من الكفر والشرك والقبائح الظاهرة، أكان له (صلى الله عليه وآله) أن يأمر وينهى ويحلل ويحرم قبل أن يؤمر بذلك، وهذا من الوضوح بمكان لا يحتاج إلى البرهان.
ولا فرق في هذا بين القولين فإنه على القول الآخر لو ولد في أي عصر وبلغ حد الرشد والكمال لا يقوم بالأمر قبل ظهور العلامات فلو ظهر قبله وخرج أمر ونهى وقاتل وقتل كان عاصياً ظالماً ولا مؤيد ولا ناصر له من الله، قال الله تعالى (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ)، ويخرج عن قابلية الخلافة والإمامة. قال تعالى (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، ومن عصى فقد ظلم، ومن ظلم يكون مخذولاً لا منصوراً ولا يمكن الجمع بين الظلم والنصرة من الله إلا أن يجوزه الناظم لجمعه بين الألف واللام والإضافة في قوله المؤيدة النصر. ومما ذكرنا يظهر ما في قوله:
وإن قيل من خوف الاذاة قد اختفى * * * فذلك قول عن معايب يفتر
إلى قوله:
ففي الهند أبدى المهدوية كاذب * * * وما ناله قتل ولا ناله ضر
حلاً ونقضاً بفعل جده بل فعل كثير من الأنبياء والمرسلين.
قال محمّد بن مسعود الكازروني في (المنتقى) لما نزل قوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الصفا ونادى في أيام الموسم: يا أيها الناس إني رسول الله رب العالمين فرمقه الناس قالها ثلاثاً، ثم انطلق حتى أتى المروة ثم وضع يده في أذنه ثم نادى ثلاثاً بأعلى صوته يا أيها الناس إني رسول الله، ثلاثاً فرمقه الناس بأبصارهم ورماه أبو جهل قبحه الله بحجر فشج بين عينيه وتبعه المشركون بالحجارة فهرب حتى أتى الجبل فاستند إلى موضع يقال لها المتكا - الحديث وهو طويل. وهذا الجبل على فرسخ من مكة زادها الله شرفاً يسمى جبل النور وعلى ذورته حجر فيه موضع تستره (صلى الله عليه وآله) واختفائه وبنى عليه قبة تشرفنا بزيارته.
وقال شيخ المؤرخين عليّ بن الحسين المسعودي صاحب مروج الذهب في كتاب (إثبات الوصية) في آخر قصة نبي الله يوسف (عليه السلام) وكان له ابنان يقال لأحدهما أفراثيم وهو جد يوشع بن نون والآخر ميشا فلما قرب وفاته أوحى الله (جلَّ جلاله) إليه إني مستودع نور الله وحكمته وجميع مواريث الأنبياء التي في يديك بيزر بن لاوى بن يعقوب فأحضر بيزر بن لاوى وجميع آل يعقوب وهم يومئذ ثمانون رجلاً، فقال لهم، إن هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ويسومونكم سوء العذاب ونعوت الإمامة مكتوبة ثم ينجيكم الله ويفرج عنكم برجل من ولد لاوى اسمه موسى بن عمران طوال جعدرام مفلفل الشعر أحلج على لسانه شامة على عرفة أنفه شامة ولن يخرج حتى يظهر من قبله سبعون كذاباً وروى خمسون كل يدعي أنه هو ثم يظهر وينصر الله بني إسرائيل ويفرج عنهم. وساق ما وقع بعد يوسف.
إلى أن ذكر ولادة موسى (عليه السلام) وما فيها من الآيات قال: ونشأ في
دار فرعون وكتمت أمه وأخته والقابلة خبره وماتت القابلة ولم يعلم بخبره أحد من بني إسرائيل واشتد أمر الشيعة في توقعه وانتظاره وكانوا يتجسسون عن خبره بالليل والنهار وغلظ عليهم سيرة فرعون وجنوده فخرجوا في ليلة مقمرة إلى فقيه لهم وكان الاجتماع عنده يتعذر عليهم ويخافون فقالوا له كنا نستريح إلى الأحاديث فحتى متى حتى متى، قال لهم لا تزالون في هذا أبداً حتى يأتي الله بموسى بن عمران ويظهر في الأرض.
وأخذ يصف لهم وجهه وطوله وحليته وعلاماته إذ أقبل موسى وقد كان قد خرج إلى الصيد على بغلة له شهباء وعليه طيلسان خز فوقف عليهم فرفع العالم رأسه، فنظر إليه فعرفه فوثب إليه ثم قال له: ما اسمك يرحمك الله فقال له موسى بن عمران، فانكب على يده ورجليه فقبلهما وثار القوم فقبلوا يده ورجله وقالوا: الحمد لله لم يمتنا حتى أراناك، فلم يزد أن قال: أرجو أن يعجل لكم الفرج فاتخذهم شيعة من ذلك اليوم.
ثمّ غاب بعد ذلك بضعة عشرة سنة ثم خرج من الدار إلى سفينة فوجد فيها رجلاً من شيعته. ثم ذكر قصة قتله القبطي والقصة الأخرى كما في الكتاب المجيد قال: (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ) بغير ظهر يركبه ولا خادم يخدمه حتى انتهى إلى أرض مدين وهي مسيرة بضعة عشر يوماً، فروى أنه صار إليها في ليلة واحدة وبضع يوم، فانتهى إلى أصل شجرة تحتها بئر القصة وما أشبهها بقصة المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) فإن موسى كان يعلم أنه النبي الموعود الذي يهلك فرعون وجنوده وينجي بني إسرائيل من أيدي أعدائهم وشيعته يعرفونه بذلك ومع ذلك قال تعالى فيه: (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ) وقال: (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، وقال حاكياً عنه: (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) الآية.
كل ذلك لأنه لم يكن مبعوثاً مأموراً بإظهار الدعوة وتخليص شيعته من أيدي الظالمين، فكان خوفه ممدوحاً، وكذلك المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) يعلم أنه الموعود الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ولكن لو ظهر قبل العلامات التي اعدّت له لا بدّ وأن يكون خائفاً إذ لا ناصر له من الله فلا جند له من أوليائه فيكون فريسة لكنه صائد.
وأما قوله الناظم:
ففي الهند أبدى المهدوية كاذب * * * وما ناله قتل ولا ناله ضر
فمنقوض بجماعة ادعوا المهدوية وقتلوا وصلبوا وداروا برؤسهم، هذا محمّد بن عبد الله بن الحسن منهم انظر إلى السير مآل أمره وزعم بعضهم أن زيد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) ادعى المهدوية وفيه يقول الرجس الحكيم ابن العبا الكلبي:
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة * * * ولم أر مهدياً على الجذع يصلب
وهذا الملحد الكذاب علي محمّد الملقب بالباب ادعى النيابة ثم المهدوية وأثار الفتنة فأخذ وحبس وضرب وصلب ورمي فقتل وطرح للكلاب فمزقته وهشمته وأكلت لحومه وشربت دماءه.
وكم له من نظير في الأعصار السابقة، مع أن فعل واحد كذاب متهور خاطر بنفسه وعرضها للمهلكة فسلم اتفاقاً خصوصاً في الهند الذي فيه من المذاهب الباطلة عند جميع أهل الملل ما لا يحصى، ولو كان ادعى الألوهية أيضاً ما ناله الضر لعدم تعرض أهل المذاهب بعضهم لبعض كيف يكون ميزاناً لجواز التعرض للضرر والضرر المنهي عنه إلا في مورد أمر به الشارع فيرتفع النهي ومع عدمه كما في المقام فخروج ألف مهدي كاذب مدع سالم اتفاقاً لا يصير سبباً لجواز التعرض للضرر المنهي عنه ولا أجر على الصبر عليه، وقد عرفت أن الخروج قبل ظهور العلامات
الكاشف عن عدم الرضا والإذن من الله (جلَّ جلاله) له فيه منهى ولا يرتفع إلا بالعلامات لا بفعل أرباب الضلالات.
وأما قول الناظم:
وإن قيل هذا الاختفاء بأمر من * * * له الأمر في الأكوان والحمد والشكر
فذلك أدهى الداهيات ولم يقل * * * به أحد إلا أخو السفه الغمر
أيعجز رب الخلق عن نصر حزبه * * * على غيرهم كلا فهذا هو الكفر
فهو من غرائب الكلام إذ فيه.
أولاً: إنه بعد تسلم أن سبب الاختفاء أمره تعالى وهو غير معلل بغرض وحكمة عند الناظم فلا محل للتفحص عن الحكمة وحصرها في العجز الموجب للكفران قيل به.
وثانياً: أنه تعالى لا يسأل عما يفعل ويأمر.
وثالثاً: إنه على ما ذكره يلزم أن يكون الأنبياء والأوصياء والخلفاء والأمراء ونوابهم في جميع الأوقات غالبين منصورين إذا جاهدوا الكفار والمشركين لأنه تعالى قادر على نصرهم وهم حزبه وجنده وقد قال تعالى: (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ) (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ)، وإلا فيلزم نسبة العجر إليه تعالى عن نصرة جنده، وعليه فاللازم أن يكون بسط العدل من أوّل زمان خليفة الله آدم (عليه السلام) في الدنيا مبسوطة ورايات الكفر والشرك والظلم دائماً منكوسة.
وهذا مع كونه خلاف الوجدان لكثرة ما صدر من الكفار والمشركين من قتل الأنبياء والأوصياء وجنودهم وأذاهم وأسرهم وحبسهم في الآبار والمطامير وتطريدهم وتشريدهم، وكفى في ذلك ما فعلوا بنبينا (صلى الله عليه وآله) بعد بعثته بمكة
المشرفة من الأذى والإهانة وفي المدينة في غزوة أحد بما لا يتحمل المسلم سماعه، وما وقع في وقعة الطف ووقعة الحرة وغيرها يوجب بطلان الثواب والعقاب المتوقفين على صدور الأفعال من العباد في مقام الطاعة والعصيان عن اختيار منهم المنافي لغلبتهم على أعداء الدين بغير الأسباب العادية المتعارفة التي امتحن الله تعالى عباده، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ).
وقد اتفق نصرة أوليائه بغير الأسباب العادية في بعض المواطن لبعض الحكم والمصالح، وهو غير مطرد بل المواطن التي نصرهم فيها كذلك بالنسبة إلى غيرها كالقطرة في البحر.
وما أدري ما يقول الناظم في المواطن التي قتل فيها أولياؤه تعالى وغلبت جنوده وفنيت أحزابه، وفي قصة التتار ما فيه عبرة للناظرين أيقول عجز الرب نعوذ بالله عن نصر جنده أو يذكر حكمة ومصلحة لا مفر له منه فكيف أغمض عنه في هذا المورد والنصر الذي وعد الله تعالى به أولياءه في جميع المواطن ولم يتخلف في موطن أبداً هو نصرهم بالحجة والبرهان والحكمة والبيان والبينة والسلطان وإن غلبوا وضربوا وحبسوا وقتلوا.
ورابعا: أنه كيف لم يتحمل أن يكون السبب في أمره تعالى مهدي هذه الأمة بالاختفاء ما لأجله أمر تعالى جملة من أنبيائه بالاختفاء والغيبة من أممهم وكفى في المقام اختفاء النبي (صلى الله عليه وآله) مع صاحبه في الغار إذ لا فرق بين الاحتياج إلى ذكر السبب بين الاختفاء في يوم أو سنة أو ألف وقد تقدم من المسعودي في قصة موسى ما يقرب منه.
وقال أيضاً: وكان من قصة شعيب أن الله تعالى بعثه إلى قوم نبياً حين كبر سنه فدعاهم إلى التوحيد والإقرار والطاعة فلم يجيبوه فغاب عنهم ما شاء الله ثم عاد إليهم شاباً.
فروى أن أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) وكان يعيد هذا الحديث ويكرره ويتمثل به وغير ذلك مما يوجب ذكره الإطناب.
وخامساً: أنه بعد التأمل في المقدمات السابقة الواضحة بالنصوص المستفيضة لا بدّ من القول بوجود المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) وغيبته، إذ بعد انحصار خلفائه في العلوم والأسرار والحكم الربانية والهدايات الخاصة والآيات الإلهية والخصائص النفسانية في اثني عشر الذين ينطبق زمانه على زمانهم وفاته (صلى الله عليه وآله) إلى قيام الساعة الذين هم شركاء القرآن في وجوب التمسك به في أمور الدين وبقائهم ببقائه والضلالة في المفارقة والتخلف عنه الذين من لم يعرف الموجود منهم في زمانه كان موته موتة الجاهلية الذين هم أمان الأرض وسبب قرارها وثباتها والذين هم السفن التي من تخلف عنها غرق وإن آخرهم المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف)، فإنه آخر الخلفاء والأوصياء والأئمة بالاتفاق، فلابد أن يكون موجوداً وإلا لزم خلو الأرض من الخليفة والإمام والأمان والسفينة والعدل من آل محمّد (عليهم السلام).
وأخرج صدر الأئمة ضياء الدين أبو المؤيد الخوارزمي في (المناقب) من رواية أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي عن كميل بن زياد النخعي في حديث طويل عن علي (عليه السلام) يقول في آخره: اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجة.
قال: وفي رواية أبي عبد الله: بلى لن تخلو الأرض من قائم بحجة كي لا تبطل حجج الله وبيناته، أولئك الأقلون عدداً الأعظمون عند الله قدراً، بهم يدفع الله عن حججه حتى يودعها إلى نظرائهم ويزرعوها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا مما استوعر منه المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحهم معلقة بالمحل الأعلى أولئك خلفاء
الله في عباده والدعاة إلى دينه آه آه شوقاً إليهم استغفر الله لي ولك إذا شئت فقم - انتهى.
فيكون هو الحجة أيضاً ولولاه لبقيت الأرض بلا حجة لا سكون ولا قرار لها بغير الخليفة والأمان من آل محمّد (عليهم السلام) وذهب الدين وذهب أهلها ولا قائل أنه غيره بعد وجوب الالتزام بطول عمر أحد الخلفاء الاثني عشر رعاية للتطبيق اللازم من كلامه (صلى الله عليه وآله) فإنهم بين من أعرض عن ظاهر تلك النصوص وذكر لها تأويلات بعيدة من غير شاهد ولا داع لصرفها عن ظاهرها وبين من تلقاها بالقبول وأخذ بظواهرها وعندهم الموجود منهم هو الحجة بن الحسن (عليه السلام) فاحتمال أن يكون الطويل العمر منهم غيره فاسد، مضافاً إلى نص كل واحد من آبائه الذين أوّلهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) على من بعده إلى التاسع من ولد الحسين (عليه السلام) والنصوص عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد تقدم بعضها.
وأخرج العارف الكامل السيد علي الهمداني الشافعي في كتاب (المودة في القربى) بإسناده عن عباية بن ربعي قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله) أنا سيد النبيين وعلي سيد الوصيين وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر أولهم علي وآخرهم القائم المهدي.
وعن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قال: دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله) والحسين (عليه السلام) على فخذه وهو يقبل عينيه وفاه ويقول: أنت سيد ابن سيد أنت إمام ابن إمام أن حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم.
وعن أصبغ بن نباتة عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أنا وعلي والحسن الحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون.
وعن علي (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): من أحب أن يركب سفينة النجاة ويتمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين فليوال علياً بعدي وليعاد
عدوه وليأتم بالأئمة الهداة من ولده فإنهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على خلقه بعدي وسادات أمتى وقادة الأتقياء إلى الجنة حزبهم حزبي وحزبي حزب الله وحزب أعدائهم حزب الشيطان.
وقال ابن حجر في (الصواعق) أخرج الثعلبي في (تفسيره) عن جعفر الصادق (رضي الله عنه) أنه قال: نحن حبل الله الذي قال الله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا).
وكان جده زين العابدين إذا تلا قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) يقول دعاء طويلاً يشتمل على طلب اللحوق بدرجة الصادقين والدرجات العالية وعلى وصف ما انتحلته المبتدعة المفارقون لأئمة الدين والشجرة النبوية ثم يقول: وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا واحتجوا بمتشابه القرآن فتأولوا بآرائهم واتهموا مأثور الخبر - إلى أن قال: فالى من يفزع خلف هذه الأمة وقد درست أعلام هذه الملة ودانت الأمة بالفرقة والاختلاف يكفّر بعضهم بعضاً والله تعالى يقول (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة وتأويل الحكم إلى أهل الكتاب وأبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده ولم يدع الخلق سدى من غير حجة هل تعرفونهم أو تجدونهم إلا من فروع الشجرة المباركة وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وبرأهم من الآفات وأفترض مودتهم في الكتاب - إلى غير ذلك.
وإذا ثبت وجود المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) لزمه الاختفاء، لأن الغرض الأصلي من بعثه كما مرّ هو تطهير الأرض من أرجاس الكفار والمشركين والمنافقين وقطع دابر الظالمين في تمام الأرض وانجاز وعده تعالى عباده المؤمنين في قوله (جلَّ جلاله): (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْء).
فإن هذه الأمور أيّ الاستخلاف في الأرض والتمكين من إقامة تمام ما يتعلق بالدين المرضي وعدم الخوف في إقامته من أحد وعبادة الله تعالى جهراً من غير خوف في أي موضع لم يتحقق في عصر من بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى عصرنا حتى في عصر الخلفاء الأربعة لارتداد كثير من الأعراب والفتن التي كانت تثور في أيامهم والحروب التي كانت بينهم وبين المشركين، مع إن أكثر من في الأرض كانوا كفاراً بل في كثير من بلاد المسلمين كان الغالب فيها المشركون، وعدم تبين كثير من أمور الدين الذي ارتضاه الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه وآله) لكثرة الاختلاف البالغ إلى تفسيق المسلمين بعضهم بعضاً وتكفيرهم كذلك وكل يدعي التمسك بالدين المرضي الذي لا تعدد فيه، وأين هذا من ظاهر الآية الشريفة، وإنما ينجز هذا الوعد في قوله تعالى (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) بظهور المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) فيظهر الحق ويمكن المؤمن من أخذه والعمل به ويذهب الاختلاف ويزول الخوف بزوال الأعداء من كل طبقة والنفاق والشك والشبهة بل حب الرئاسة والعلو والجاه من القلوب فإن كلها مثيرة للفتن النافية للتمكين والأمن.
فلا بدّ من مضي زمان تخرج ودائع الله من أصلاب الذين لو ظهر المهدي لأزالهم عن وجه الأرض كما شرحناه سابقاً وتخرج الودائع الذين استخلصهم الله واصطفاهم وزكاهم وطهرهم لمهديه وحجته ومنتقمه من أعدائه فلابد له من الاختفاء في طول هذه المدة لكثرة أعدائه وهم كل محب للدنيا العاكف على ملاذها من كل طبقة الذين وجود المهدي ينافي غرضهم منها واستمتاعهم بها وهم أكثر من في الأرض حتى كثير ممن يعتقد إمامته ويظهر محبته ممن رسخ حب الدنيا في سويداء قلوبهم لا يعلمون به إلا بعد الامتحان والابتلاء والفتن فلو
ظهر ولما بلغ الكتاب أجله كا معرضاً لنفسه للهلكة من غير عاصم من الله تعالى وهذا واضح لمن أنصف من نفسه ومن وراء ذلك حكم وأسرار لا يعلمها إلا الله تعالى.
بقي الكلام في ثمرة وجوده المقدس في طول هذه المدة وقد تبينت في مطاوي ما ذكرنا غير أنا نشير إليه ثانياً إن شاء الله تعالى.
ومن جميع ما ذكرنا ظهر أن أدهى الداهيات نسبة الناظم العجز إلى الله جلت قدرته في عدم نصرته نبيه (صلى الله عليه وآله) في أيام بعثته في المواطن التي عذبه المشركون بأنواع العذاب من الشتم والهجو والضرب والرمي بالأحجار وإدماء جبهته الشريفة ورجليه في يوم الطائف والحبس في الشعب بل الغار وغيرها لأنه لا يرى سبباً لعدم نصرته حزبه وجنده إلا العجز وهذه المقامات كلها ظاهرة وجدانية.
ثم قال الناظم:
وحتم هذا الاختفاء وقد مضى * * * من الدهر آلاف وذاك له الذكر
صدق الله (جلَّ جلاله) حيث قال (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) وقال تعالى (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا).
وصدق رسوله (صلى الله عليه وآله) فيما صح عنه متواتراً عنه أنه قال: لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى أن لو أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم وحتى أن لو جامع أحد امرأة في الطريق لفعلتموه.
والناظم قد سلك مسلك الذين استبطؤوا وعد الله تعالى أولياءه النصر والفرج وطال عليهم الأمد فبعضهم ارتدوا ورجعوا عن دينهم وبعضهم شكوا ونافقوا
وبعضهم صبروا وأسلموا ففازوا بإحدى الحسنيين درك درجة الصابرين أو نصر الله القريب من المحسنين.
مع أنه يقال للناظم: أن لم ينتشر الجور والظلم في تمام الأرض فلا يجوز الاعتراض واستبطاء الظهور فإن الموعود متواتر ظهوره بعد الانتشار، وإن انتشر كما صرح به في أول النظم فيقال له ولشركائه الذين زعموا عدم الولادة حتى مع هذا التأخير في إيجاده مع قدرته تعالى وعلمه بعموم الظلم وإخبار نبيه (صلى الله عليه وآله) بأنه يظهر أو يخرج عنده المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً والخروج متوقف على وجوده، فكل ما يعتذر به عن الله تعالى الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فوليه أولى بالاعتذار لأن أمره بيد غيره ولا يفعل إلا ما يشاء الله تعالى فلا فرق بين القولين.
ويقال له أيضاً حتى مع هذا الاختفاء من الدجال الموجود المسلّم عند الجميع وما له لا يخرج ولا يغوي ولا يضل ولا يهلك وقد مضى من الدهر آلاف وله ذكر حتّى في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) كانوا يترقبون خروجه ويخافون ويبكون من فتنته كما مرّ ما دل عليه في الأحاديث الكثيرة.
وحقّ الجواب أن يقال بعد الاعتراف بالعجز عن معرفة أسرار الخلقة الإلهية والحكم الربانية كيف ولم يقف على بعض جزئياتها كليم الله موسى (عليه السلام) كما يكشف عنه قصته مع الخضر (عليه السلام) فكيف بأمثالنا في كلياتها وبعد التأمل فيما تقدم في الجواب عن الشبهة الأولى من الوجوه السبعة أن الغاية عموم الظلم حتى لا يجد المؤمن ملجأ يلجأ إليه وحتى يخرج ما في أصلاب الكفار من المؤمنين والمؤمنات وحتى يخرج خواص المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) وأوليائه من الأصلاب وهو من أعظم أسباب ظهوره وغير ذلك مما يستنبطه البصير النقاد من مطاوي الأحاديث وأن مضى ويمضي بعد ذلك آلاف وآلاف له الخلق والأمر والملك والحمد لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه.
الشبهة الثانية:
واعلم: أن الناظم لم يسأل في هذه القصيدة صريحاً عن ثمرة وجود المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) في أيام غيبته واختفائه، إلا أن في هذا البيت إشارة إلى كونه لغواً وعبثاً، وهذه هي الشبهة الثانية التي أشرنا إليها في أوّل الفصل، وحاصلها: إن الإمام الذي لا يحكم ولا يفتي ولا يقضي ولا يعطي ولا يأخذ ولا يتصرف في شيء ولا يراه أحد ولا ينتفع به أحد ما الفائدة في وجوده ووجوب التمسك به ولذا قال ابن تيمية من علماء الحنابلة في منهاج السنة: مهدي الرافضة لا خير فيه إذ لا نفع ديني ولا دنيوي لغيبته - انتهى.
وقال أبو سعيد عبد الرحمن بن المأمون المعروف بالمتولي الشافعي في (تتمة الإبانة) لو أوصى لا جهل الناس يصرف إلى الإمامية المنتظرة للقائم.
والجواب: ان لوجوده الشريف نفعاً عاماً لجميع ما خلق الله تعالى في الأرض من المؤمن والكافر والمشرك والمنافق والحيوان والنبات وسكان الهواء وطبقات الأرض فإنه (عليه السلام) هو الأمان من أهل البيت (عليهم السلام) في هذه الأعصار. وقد تقدم قوله (صلى الله عليه وآله): النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض وهو الخليفة الثاني عشر.
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها).
وقد تقدم أنه أخرج ابن بطة العكبري في (الإبانة) وفي بعض طرقه كما تقدم ثم يكون الهرج فكل حي في الأرض يتعيش ويتنعم ببركة وجوده وبسبب وجوده أعطاهم الله تعالى ويعطيهم نعمة الوجود والحياة والرزق ولولاه لساخت الأرض بأهلها وقامت القيامة وأي نفع يطلب أعظم وأتم وأسبغ وأهنأ من هذا فإن قيل: لا أمان من آل محمّد (عليهم السلام) في هذه الأعصار، فهو رد لصريح هذه الأحاديث الصحيحة المتفقة عليها بين الفريقين.
وإن قيل بوجوده فإن كان مستوراً عاد المحذور وإلا فلا أظن أحداً عينه في شخص في كل قرن غير المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف).
وقال الشيخ محي الدين في الباب الثالث والثمانين والثلاثمائة: إعلم أن بالقطب تحفظ دائرة الوجود كله من عالم الكون والفساد - انتهى.
ونفع آخر عام هو دفع العذاب العام عن أهل الأرض متى استحقوه بسوء أعمالهم التي كان الله تعالى يهلك جملة من الأمم السالفة بأقل منها ويستأصلهم عن آخرهم بالصيحة والصاعقة والغرق والخسف والمسخ وغيرها ببركة وجوده كما كان ذلك لجده (صلى الله عليه وآله) في حياته، قال الله تعالى: (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)، فكان أماناً لأهل الأرض من نزول العذاب عليهم وإذا جعل الله أهل بيته المخصوصين أماناً لهم فهم مثله (صلى الله عليه وآله) في دفع العذاب عن العالم.
قال ابن حجر في (الصواعق) الآية السابعة قوله تعالى: (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) أشار (صلى الله عليه وآله) إلى وجود ذلك المعنى في أهل بيته وأنهم أمان لأهل الأرض كما كان هو (صلى الله عليه وآله) أماناً لهم.
وفي ذلك أحاديث كثيرة يأتي بعضها. قال: وفي رواية ضعيفة: أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون.
وقال الفاضل الفيروز آبادي في كتاب (المبشر) وأصح القولين في قوله تعالى: (وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) إنه على عمومه. وفيه على هذا التقدير وجهان:
أحدهما: أن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته.
أما أتباعه فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة.
وأما أعداؤه: فالمحاربون عجل قتلهم وموتهم خير لهم من حياتهم لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة وهم قد كتب عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر.
وأما المعاهدون له: فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته وهم أقل شراً بذلك العهد من المحاربين له.
وأما المنافقون: فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهلهم واحترامها وجريان أحكام المسلمين عليهم حتى التوارث وغيرها.
وأما الأمم النائية عنه فإن الله سبحانه دفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض فأصاب كل العالمين النفع برسالته - انتهى.
وهو وإن قصر النظر في جعل الرحمة في رسالته لا في وجوده الشريف والنفع في الأمور التشريعية خاصة لا هي مع التكوينية إلا أن الغرض الاستشهاد بآخر كلامه.
ونفع آخر عام للمؤمنين، وهو حفظ للدين وأركانه وأساسه وقوائمه وحراسته عن الانهدام والاندراس من حيث لا يعلمون.
وتوضيح هذه الدعوى وشرحها يتم على بعض قواعد الإمامية ولا ينفع لغيرهم إلا أنه يمكن استظهاره من أحاديث الخلفاء فإن قوله (صلى الله عليه وآله): (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً) وقوله (صلى الله عليه وآله): (لا يزال الدين قائماً صريح في ان عزة الدين وقوته وقوامه ومحفوظيته بوجود أحد الخلفاء الإثني عشر هو يقويه ويحفظه ويحرسه دائماً بما أعطاه الله تعالى من الأسباب الغيبية التي لا تنال بالاكتساب).
ويؤيده ما أخرجه الملا في (الوسيلة) عنه (صلى الله عليه وآله): (في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين).
ومما يناسب ذكره في هذا المقام ما ذكره المولى عبد الرحمن الجامي في رسالة (مناسك الحج) وذكره الشيخ عبد الحق الدهلوي في كتابه الموسوم (بجذب القلوب إلى ديار المحبوب) ناقلاً عن كتاب فصل الخطاب لرئيس العارفين
خواجه محمّد بارسا البخاري وقد مر ذكر علو مقامهم قال: فصل عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: (من زار أحداً من الأئمّة كان كمن زار رسول الله).
وقيل للرضا (عليه السلام): علمني قولا بليغاً كاملا إذا زرت واحداً منكم فقال إذا صرت إلى الباب قف واشهد الشهادتين وأنت على غسل فإذا دخلت ورأيت القبر فقف وقل الله أكبر ثلاثين مرة ثم امش وعليك السكينة والوقار وقارب بين خطاك ثم قف وكبّر الله ثلاثين مرة ثم أدن من القبر وكبّر الله أربعين مرة تمام مائة مرة وقل:
(السلام عليكم يا أهل بيت الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي وخزان العلم ومنتهى الحكم ومعدن الرحمة وأصول الكرم وقادة الأمم وعناصر الأبرار ودعائم الأخيار وأبواب الإيمان وأمناء الرحمن وسلالة خاتم النبيين وصفوة عترة المرسلين ورحمة الله وبركاته).
(السلام على أئمة الهدى ومصابيح الدجى وأعلام التقى وذوي الحجى والنهى ورحمة الله وبركاته).
(السلام على محال معرفة الله ومساكن بركة الله ومعادن حكمة الله وحفظة سر الله وحملة كتاب الله وورثة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورحمة الله وبركاته).
(السلام على الدعاة إلى حكم الله والأدلاء على مرضاة الله والمظهرين لأمر الله ونهيه والمخلصين في توحيد الله ورحمة الله وبركاته).
(إني مستشفع بكم ومقدمكم أمام طلبتي وإرادتي ومسائلتي وحاجتي أشهد الله إني مؤمن بسركم وعلانيتكم وإني أبرء إلى الله تعالى من عدو محمّد وآل محمّد من الجن والإنس وصلى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً) انتهى.
ومن اعتقد فيهم ما تضمنته هذه الزيارة الشريفة المطابقة لما لا يحصى من
الأحاديث التي رواها مشايخ الإمامية وعلم ما أعطاهم الله تعالى من المقامات العالية والقدرة الربانية في إفاضة العلوم والأسرار وإغاثة الملهوفين وإجابة المضطرين وإعانة المكروبين إذا توسلوا بهم وتمسكوا بعروتهم واعتصموا بحبلهم عند الحوائج الدينية والدنيوية والشدائد والكروب والبلايا والمخاوف نال من حجته وإمام زمانه وولي عصره وخليفة دهره من الفيوضات الظاهرية الباطنية ما أراده وطلبه فكم لمواليه ومعتقدي إمامته من القصص والحكايات في هذا الباب مما أذنوا في ذكره وكشفه ما ملأ الدفاتر ولكن لا ثمرة لذكر نبذة منها في هذا المقام لعدم وثوق المخاطب بناقليها إلا أنه قد ظهر في هذه الأيام كرامة باهرة من المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) في متعلقات أجزاء الدولة العلية العثمانية المقيمين في المشهد الشريف الغروي وصارت في الظهور والشيوع كالشمس في رابعة النهار ونحن نتبرك بذكرها بالسند الصحيح العالي.
حدث جناب الفاضل الرشيد السيد محمّد سعيد أفندي الخطيب فيما كتبه بخطه: كرامة لآل الرسول عليه وعليهم الصلاة والسلام ينبغي بيانها لإخواننا أهل الإسلام، وهي: أن امرأة اسمها ملكة بنت عبد الرحمن زوجة ملا أمين المعاون لنا في المكتب الحميدي الكائن في النجف الأشرف، ففي الليلة الثانية من شهر ربيع الأوّل من هذه السنة أي سنة 1317 ليلة الثلاثاء صار معها صداع شديد، فلما أصبح الصباح فقدت ضياء عينيها فلم تر شيئاً قط فأخبروني بذلك فقلت لزوجها المذكور: اذهب بها ليلاً إلى روضة حضرة المرتضى عليه من الله تعالى الرضا لتستشفع به وتجلعه واسطة بينها وبين الله لعل الله سبحانه وتعالى أن يشفيها، فلم تذهب في تلك الليلة يعني ليلة الأربعاء لانزعاجها مما هي فيه، فنامت بعض تلك الليلة فرأت في منامها أن زوجها المذكور وامرأة اسمها زينب كأنهما مضيا معها لزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) فكأنهم رأوا في
طريقهم مسجداً عظيماً مشحوناً من الجماعة فدخلوا فيه لينظروه فسمعت المصابة رجلاً يقول من بين الجماعة: لا تخافي أيتها المرأة التي فقدت عينيها أن شاء الله تشفيان فقالت: من أنت بارك الله فيك فأجابها أنا المهدي فاستيقظت فرحانة فلما صار الصباح يعني يوم الأربعاء ذهبت ومعهما نساء كثيرات إلى مقام سيدنا المهدي خارج البلد فدخلت وحدها وأخذت بالبكاء والعويل والتضرع فغشي عليها من ذلك فرأت في غشيتها رجلين جليلين الأكبر منهما متقدم والآخر الشاب خلفه فخاطبها الأكبر بأن لا تخافي فقالت له من أنت قال: أنا عليّ بن أبي طالب وهذا الذي خلفي ولدي المهدي عجل الله فرجه ثمّ أمر الأكبر المشار إليه امرأة هناك وقال قومي يا خديجة وامسحي على عيني هذه المسكينة فجاءت ومسحت عليها فانتبهتُ وأنا أرى وأنظر أحسن من الأوّل والنساء يهلهلن فوق رأسي فجاءت النساء بها بالصلوات والفرح وذهبن بها إلى زيارة حضرة المرتضى كرم الله تعالى وجهه وعيناها الآن لله الحمد أحسن من الأول.
وما ذكرناه لمن أشرنا إليهما قليل إذ يقع أكبر منه لخدامهما من الصالحين بإذن المولى الجليل فكيف بأعيان آل سيد المرسلين عليه وعليهم الصلاة والسلام إلى يوم الدين أماتنا الله على حبهم آمين آمين. هذا ما اطلع عليه الحقير الخطيب والمدرس في النجف الأشرف السيد محمّد سعيد - انتهى.
قلت: هذا المقام واقع في خارج سور البلد في غربي المقبرة المعروفة بوادي السلام وله صحن وقبة فيها محراب ينسب إلى المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف) ولا يعلم سببه أنه رآه (عليه السلام) فيه أحد أو ظهر منه كرامة فيه إلا أنه قديم.
وقد ذكر بعض علماء القرن الحادي عشر في جامعه الكبير قصة رجل كاشاني مريض قد أيس من مرضه فذهب إليه فرآه من غير أن يعرفه فشفاه ويعلم منها أنه كان في ذلك الزمان معروفاً بالنسبة إليه.
خاتمة في شرح قول الناظم في آخر أبياته:
وما أسعد السرداب في سر من رأى * * * له الفضل عن أم القرى وله الفخر
فيا للأعاجيب التي من عجيبها * * * أن اتخذ السرداب برجاً له البدر
قلت: بل أعجب الأعاجيب أن جمعاً من أعلام العلماء الذين نالوا في مراتب العلوم المتعارفة والتأليف والرئاسة والذكر والاشتهار الدرجة العالية، ومع ذلك ينسبون إلى معاشر الإمامية أشياء لا أصل لها ولا ذكر لها في كتبهم قديماً وحديثاً ويفترون عليهم ثم يقبحونهم ويضحكون عليهم ويثيرون العوام الجهلاء ويلقون العداوة والبغضاء، ومع ذلك يوجد في مؤلفاتهم أن الشيعة بيت الكذب وها أنا أوضح بعض مفترياتهم في هذا المقام مما يتعلق بولادة المهدي (عليه السلام) ومحلها وقس عليه سائر المواضع، وهي أمور:
الأوّل:
إن الذين أنكروا ولادته إذا تعرضوا لذكرها نسبوا القول بالولادة إلى الإمامية أو الشيعة أو الرافضة والقول بعدمها إلى أهل السنة والجماعة، مع أنا ذكرنا أسامي من وافقوا منهم الإمامية وصرحوا به في مؤلفاتهم ما يقرب من أربعين وأغلبهم من العلماء والحفاظ وأهل الكشف والمعرفة المذكورين في
التراجم بكل جميل، كما أشرنا إلى مواضعها إجمالاً، أليس نسبة العدم إليهم كذباً صريحاً، واحتمال عدم اطلاع هؤلاء المهرة على مقالاتهم ومؤلفاتهم بعيد غايته، بل احتمال التعمد في هذا الكذب لمصلحة جوزته أولى من نسبة الجهل اليهم مع تبحرهم وطول باعهم.
الثاني:
إنهم إذا ذكروا ترجمة أبي محمّد الحسن العسكري ذكروا فيها أو في مترجمة ولده الحجة عجل الله تعالى فرجه أن الإمامية يقولون أن الحجة دخل السرداب وغاب فيه ولم يخرج إلى الآن.
قال الذهبي في (تاريخ الإسلام) م ح م د بن الحسن العسكري بن عليّ الهادي بن الجواد بن عليّ الرضا أبو القاسم العلوي الحسيني خاتم الاثني عشر إماماً للشيعة وهو منتظر الرافضة الذين يزعمون أنه المهدي وأنه صاحب الزمان وأنه الخلف الحجة وهو صاحب السرداب بسامرا - إلى أن قال - ولهم أربعمائة وخمسون سنة ينتظرون ظهوره ويدعون أنه دخل سرداباً في البيت الذي لوالده وأمه تنظر ولم يخرج منه إلى الآن فدخل السرداب وعدم وهو ابن تسع سنين.
وقال ابن خلكان في (تاريخه) في ترجمته: والشيعة ترى فيه أنه المنتظر القائم المهدي وهو صاحب السرداب عندهم وأقاويلهم فيه كثيرة وهم ينتظرون خروجه آخر الزمان من السرداب بسر من رأى دخله في دار أبيه وأمه تنظر إليه سنة خمسة وستين ومأتين وعمره حينئذ تسع سنين فلم يعد يخرج إليها وقيل دخله وعمره أربع وقيل خمس وقيل سبعة عشر - انتهى.
وقال المعاصر نعمان أفندي آلوسي زاده في المجلس الخامس عشر من كتابه الموسوم (بغالية المواعظ) بعد أن ذكر مذهب أهل السنة بزعمه في المهدي (عليه السلام)
قال: وأما عند الشيعة فقد اختلفوا فيه على أقوال شتى والمشهور من مذهبهم مذهب الإمامية الاثنى عشرية هو م ح م د بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمّد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق (عليهم السلام) ويعرف عندهم بالحجة والمنتظر والقائم وهو الذي غاب في سرداب أبيه وأمه تنظر إليه وذلك في سنة خمس وستين ومأتين وهو حي الآن موجود في الدنيا.
ومر ما يقرب منه عن تاريخ عبد الملك العصامي وغيره ولا حاجة إلى نقل كلمات غيرهم مما يشبه بعضها بعضاً وكلها متفقة في نسبة هذا المطلب إلى الإمامية وأنهم يقولون أن مهديهم دخل السرداب وأمه تنظر إليه فغاب ولم يعد إلى الآن.
فنقول: يا علماء العصر وحفاظ الدهر هذه كتب علماء الإمامية ومؤلفاتهم قبل ولادة المهدي (عليه السلام) إلى هذه الأعصار شايعة وهي بين أظهركم وعندكم أو تتمكنون منها فاذكروا كتاباً واحداً من أصاغر علمائهم فيه ما نسب إليهم فضلاً عن أكابرهم.
كالشيخ أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني صاحب الكافي الذي عده الجزري في جامع الأصول من مجددي مذهب الإمامية في المائة الرابعة، والسيدين الشريفين علم الهدى المرتضى وأخيه الرضي صاحب نهج البلاغة، وشيخهما أبي عبد الله المفيد المدعو بابن المعلم، وأبي جعفر محمّد بن علي الملقب بالصدوق، وأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، وأبي جعفر محمّد بن علي ابن شهر آشوب المازندراني الذي اعترف بعلو مقامه في الفقه والحديث والرجال السيوطي في طبقات النحاة والفيروز آبادي في البلغة وابن حجر العسقلاني في لسان الميزان وغيرهم ثم من بعدهم إلى عصرنا، فإن لهم مؤلفات مختصة بالحجة
ابن الحسن (عليه السلام) تعرف بكتب الغيبة مثل كتاب كمال الدين لأبي جعفر القمي وكتاب الغيبة للنعماني تلميذ أبي جعفر الكليني وكتاب الغيبة لأبي جعفر الطوسي وكتاب الغيبة لأبي محمّد فضل بن شاذان المتوفى بعد ولادة المهدي وقبل وفاة والده العسكري (عليهما السلام) وهكذا سوى ما ذكروه في كتب المناقب في ذكر أحواله بعد ذكر والده.
ونحن كلما راجعنا وتفحصنا لم نجد لما ذكروه أثراً بل ليس فيها ذكر للسرداب أصلاً سوى قضية المعتضد التي نقلها نور الدين عبد الرحمن الجامي في (شواهد النبوة) وهي موجودة في كتبهم بأسانيدهم ولكنهم ساقوا المتن هكذا:
عن رشيق صاحب المادراي قال: بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر - إلى أن قال - فوافينا سامرة فوجدنا الأمر كما وصفه وفي الدهليز خادم أسود وفي يده تكة ينسجها فسألناه عن الدار ومن فيها فقال: صاحبها فوالله ما التفت إلينا وقل اكتراؤه بنا فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا دار سرية ومقابل الدار ستر ما نظرت قط إلى انبل منه كأن الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت ولم يكن في الدار أحد فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كان بحرا فيه وفي أقصى البيت حصير قد علمنا أنه على الماء وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا، فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطى البيت فغرق في الماء - إلى آخر ما يقرب مما تقدم في خبر شواهد الجامي وليس فيه ذكر للسرداب أصلاً.
إلا أن القطب الراوندي ذكر في (الخرائج) هذا الخبر ثم قال في موضع آخر على ما نقله عنه بعض أصحابنا وان لم نجده فيما عندي من نسخته: ثم بعثوا عسكراً أكثر فلما دخلوا الدار سمعوا من السرداب قراءة القرآن، فاجتمعوا على بابه وحفظوه حتى لا يصعد ولا يخرج وأميرهم قائم حتى يصل العسكر كلهم فخرج
من السكة التي على باب السرداب ومر عليهم، فلما غاب قال الأمير انزلوا عليه فقالوا أليس هو قد مر عليك، فقال ما رأيت وقال: ولم تركتموه، قالوا إنا حسبنا أنك تراه.
والظاهر أن هذا الخبر هو الوجه في تسمية السرداب بسرداب الغيبة في لسان بعض العلماء في خصوص كتب المزار أو لها وجه آخر غير الوجه الذي يتبادر منه، وهو الذي نسبوه إليهم من أنه دخل السرداب وأمه تنظر إليه وغاب الذي ليس له في كتبنا أثر ولا عليه دلالة فراجع.
نعم في بعض الكتب التي ألفوها في كيفية زيارات النبي (صلى الله عليه وآله) وأئمتهم زيارة يزار بها الحجة في السرداب وليس فيها دلالة ولا إشارة إلى ما نسبوه إليهم.
ونحن إذا نسبنا إلى علماء أهل السنة شيئاً من فتوى أو حديث أو معتقد ذكرنا كتابه وموضعه ومؤلفه وترجمته فمقتضى الإنصاف أن يعاملوا معنا في هذه المقامات كذلك.
الثالث:
إنهم ذكروا بعد ذلك أنه بعد دخوله في السرداب وغيبته باق فيه إلى الآن وأنه معتقد الإمامية كما تقدم عن الذهبي وابن خلكان. وقال الذهبي أيضاً في ترجمة والده العسكري (عليه السلام) بعد أن ذكر أنه والد الحجة ما لفظه وهم أي الرافضة يدعون بقاءه في السرداب من أربعمائة سنة وخمسين سنة وأنه صاحب الزمان وأنه حي يعلم علم الأولين والآخرين ويعترفون أنه لم يره أحد أبداً. وبالجملة جهل الرافضة عليه مزيد، فنسأل الله أن يثبت عقولنا وإيماننا. انتهى.
وقال ابن الأثير في (الكامل) في حوادث سنة ستين ومائتين: وفيها توفي
الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وفيها توفي أبو محمّد العلوي العسكري وهو أحد الأئمّة الاثنا عشر على مذهب الإمامية وهو والد محمّد الذي يعتقدونه المنتظر بسرداب سامرا وكان مولده سنة اثنتين وثلاثين ومائتين - انتهى.
جعل أبا محمّد العسكري والد الحجة غير الحسن بن علي بن محمّد (عليهم السلام) وليس له ثان في هذا الوهم وهو منه غريب.
إلى غير ذلك مما لا طائل في نقله وهذا أيضاً كذب محض وافتراء بيّن لم يذكره أحد من مؤلفي الإمامية في كتاب له من القدماء والمتأخرين، فإن كانوا صادقين في هذه النسبة فليذكروا موضعاً واحداً ذكر فيه ما نسبوه إليهم، مع أن في كثير من أحاديثهم وقصصهم ما يبين كذبه فإنهم رووا واعتقدوا أن المهدي يحضر الموسم في كل سنة وراه جماعة كثيرة تزيد على سبعين في أيام غيبته الصغرى التي كان له فيها نواب مخصوصة يخرج إليهم التوقيعات ابتداءً وجواباً لمسائل كانوا يسألونها بتوسط النواب وكلهم رأوه في غير السرداب بل غير سامرا إلا قليل منهم.
ورووا بأسانيد متعددة عن إبراهيم بن مهزيار أنه وصل إلى خدمته وتشرف بلقائه في بعض فلوات الطائف، فقال (عليه السلام) له في جملة كلامه: ان أبي عهد إليّ أن لا أوطن من الأرض إلا أخفاها وأقصاها اسراراً لأمري وتحصيناً لمحلي من مكائد أهل الضلال والمردة من احداث الأمم الضوال فنبذني إلى عالية الرمال - إلى أن قال - اعلم يا ابا إسحاق انه صلوات الله عليه قال: يا بني ان الله جل ثناؤه لم يكن ليخلى أطباق أرضه وأهل الجد في طاعته وعبادته بلا حجة يستعلى بها وإمام يؤتم ويقتدى بسبل سنته ومنهاج قصده وأرجو يا بني أن تكون أحد من أعده الله لنشر الحق وطي الباطل وإعلاء الدين وإطفاء
الضلال فعليك بلزوم خوافي الأرض وتتبع أقاصيها. الحديث.
ولهم دعاء مشهور رووه من أئمتهم (عليهم السلام) يعرف بدعاء الندبة أمروا بقراءته في الأعياد الأربعة، وفيه فيما يخاطب به إمام زمانه الحجة (عليه السلام):
(ليت شعري أين استقرت بك النوى بل أي أرض تقلك أو ثرى ابرضوى أم بغيرها أم ذي طوى).
قال السمهودي في (خلاصة الوفا) رضوي بالفتح كسكري جبل على يوم من ينبع وأربعة أيام من المدينة منه تقطع أحجار المسان وسبق في فضل أحد أن رضوي مما وقع بالمدينة من الجبل الذي تجلى الله له لكون ينبع من أراضي المدينة.
وفي حديث: رضوي مما وقع بالمدينة.
وفي رواية: إنه من جبال الجنة.
وفي رواية: إنه من الجبال التي بنى منها البيت - انتهى.
وقال الجزري في (النهاية) قد تكرر في الحديث ذكر ذي طوى وهو بضم الطاء وفتح الواو المخففة موضع عند باب مكة يتسحب لمن دخل مكة أن يغتسل به. انتهى.
وعندهم زيارة يزورون بها المهدي (عليه السلام) وفيها من أوصافه (الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار) وهي موجودة في جملة من خطبهم أيضاً.
وقال الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي القمي الملقب بالصدوق في كتاب (العقائد) يعني عقائد الإمامية: واعتقادنا إن حجج الله تعالى على خلقه بعد نبيه محمّد الأئمّة الاثني عشر أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) - إلى أن قال - م ح م د بن الحسن الحجة القائم بأمر الله صاحب الزمان وخليفة
الرحمن في أرضه الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار صلوات الله عليهم. انتهى.
إلى غير ذلك مما لا يحصى، ومع ذلك كيف استحسن هؤلاء الأعلام هذا الكذب الواضح لأنفسهم، وهو مضافاً إلى الحرمة مما يشين المرء ويذهب بماء الوجه ويوجب مقت الرب.
الرابع:
ما مر عن الذهبي، وهو قوله ويعترفون أنه لم يره أحداً أبداً وقوله الآخر: فدخل السرداب وعدم. وهذا أيضاً كسابقه من الأكاذيب الواضحة فإن كل من تعرض من علماء الإمامية لذكر أحوال الحجة (عليه السلام) نص على أن في غيبته الصغرى وطولها سبعون سنة تقريباً كان يصل إلى خدمته الخواص وضبطوا أسامي من رآه (عليه السلام) أو وقف على معجزته من غير خلاف بينهم وعقدوا له في مؤلفاتهم في الغيبة باباً مخصوصاً بل ألف فيه بالانفراد رسائل معروفة.
هذا شيخ الشيعة أبو جعفر الكليني يقول في كتاب الحجة من (الكافي) باب في تسمية من رآه (عليه السلام) وأخرج فيه أخباراً كثيرة.
وهذا أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد يقول في كتاب (الإرشاد) باب ذكر من رأى الإمام الثاني عشر وطرف من دلائله وبيناته وأخرج فيه جملة وافرة مما يتعلق بالمقام.
وهكذا الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه في كتاب (كمال الدين).
وهكذا غيرهم من أعاظم المحدثين وأكابر المؤلفين بل جوزوا الرؤية في غيبته الكبرى وعندهم قصص وحكايات معتبرة فيها تشرفهم فيها بلقائه ووقوفهم على معجزة ظاهرة وكرامة باهرة منه.
وقال السيد الأجل المرتضى في آخر كتاب (تنزيه الأنبياء) في الجواب عن بعض الشبهات في الغيبة وقلنا أيضاً انه غير ممتنع أن يكون الإمام (عليه السلام) يظهر لبعض أوليائه ممن لا يخشى من جهته شيئاً من أسباب الخوف، وإن هذا مما لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه وإنما يعلم كل واحد من شيعته حال نفسه ولا سبيل له إلى العلم بحال غيره ونقل سائر كلماتهم يوجب الأطناب إلا إنا نذكر طرفاً مما روي في هذا الباب.
أخرج أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني في كتاب (الكافي) وهو أجل كتب الإمامية وأصحها وأتمها فائدة وأكثرها نفعاً عن علي بن محمّد عن محمّد ابن شاذان بن نعيم عن خادم لإبراهيم بن عبدة النيسابوري انها قالت: كنت واقفة على الصفا فجاء (عليه السلام) حتى وقف على إبراهيم وقبض على كتاب مناسكه وحدثه بأشياء.
وعن عليّ بن محمّد عن محمّد بن علي بن إبراهيم عن أبي عبد الله بن صالح انه رآه (عليه السلام) عند الحجر الأسود والناس يتجاذبون عليه وهو يقول ما بهذا أمروا.
وعن علي بن محمّد عن أبي علي أحمد بن إبراهيم بن إدريس عن أبيه أنه قال: رأيته (عليه السلام) بعد مضي أبي محمّد حين أيفع وقبلت يديه ورأسه.
وعن علي بن محمّد عن أحمد بن راشد عن بعض أهل المدائن قال: كنت حاجاً مع رفيق لي فوافينا الموقف فإذا شاب قاعد عليه إزار ورداء وفي رجليه نعل صفراء قومت الازار والرداء بمائة وخمسين دينار وليس عليه أثر السفر فدنا منا سائل فرددناه فدنا من الشاب فسأله فحمل شيئاً من الأرض وناوله فدعا له السائل واجتهد في الدعاء وأطال فقام الشاب وغاب عنا فدنونا من السائل فقلنا له: ويحك ما أعطاك؟ فارانا حصاة ذهب مفرسة قدرناها عشرين مثقالا،
فقلت لصاحبي مولانا عندنا ونحن لا ندري. ثم ذهبنا في طلبه فدرنا الموقف كله فلم نقدر عليه فسألنا من كان حوله من أهل مكة والمدينة فقالوا شاب علوي يحج في كل سنة ماشياً.
وعن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن علي الوشاء عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة ولا بدّ له في غيبته من عزلة ونعم المنزل طيبة وما بثلاثين من وحشة.
وعن محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن ابن محبوب عن إسحاق ابن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) للقائم غيبتان احداهما قصيرة والأخرى طويلة الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه إلا خاصة شيعته والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه.
إلى غير ذلك مما روي في هذا المعنى في هذا الجامع الشريف وفي غيره من الجوامع مما لو جمع لكان كتاباً ضخماً، ولم أقصد من ذكر هذه الأحاديث الاحتجاج بها في إثبات دعوى على من أنكرها بل لمجرد توضيح الكذب المذكور وما قبله من أنه (عليه السلام) موجود محبوس في السرداب إلى يوم خروجه.
وبالجملة ليس في الإمامية أحد اعترف بما نسبه إلى جميعهم وجعله من عقائدهم، فإن أراد أحد الذب عن هؤلاء فليبين الموضع الذي اعترفوا فيه بما نسبوه إليهم.
وفي كثير من أدعيتهم المأثورة عن أئمتهم وخصوصاً عن المهدي (عليه السلام) عند ذكر الصلاة على كل واحد منهم الصلاة على الحجة (عليه السلام) وعلى أهله وذريته.
الخامس:
ما ذكره ابن حجر في (الصواعق) بعد نفي كون المهدي هو الحجة بن الحسن (عليه السلام) قال: والقالون من الرافضة بأن الحجة هذا هو المهدي يقولون لم يخلف أبوه غيره ومات وعمره خمس سنين آتاه الله فيها الحكمة كما آتاها يحيى (عليه السلام) صبياً وجعله إماماً في حال الطفولية كما جعل عيسى كذلك، توفي أبوه بسر من رأى وتستر هو بالمدينة، وله غيبتان صغرى من منذ ولادته إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وكبرى في آخرها يقوم وكان فقده يوم الجمعة سنة ست وتسعين ومائتين فلم يدر أين ذهب خاف على نفسه فغاب.
وبعد وريقات في آخر أحوال أبي محمّد العسكري: ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمّد الحجة وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة أبو القاسم المنتظر قيل لأنه ستر بالمدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب ومر في الآية الثانية عشر قول الرافضة فيه أنه المهدي.
وفيه مضافاً إلى الكذب الصريح فإن أحداً من الإمامية لم يذهب إلى أنه (عليه السلام) تستر بالمدينة ولا يوجد ذلك في مؤلفاتهم أبداً تناقض عجيب، فإن صريح كلامه إن آخر الغيبة الصغرى عندهم هو انقطاع السفارة بينه وبين شيعته واتفقت الإمامية من غير خاف إلا من شاذ رماه أصحابنا بالغلو ان آخر السفراء وهم أربعة هو أبو الحسن عليّ بن محمّد السمري؛ وانه توفي في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة في بغداد وقبره فيه ورووا أنه أخرج قبل وفاته بأيام توقيعاً نسخته:
(بسم الله الرحمن الرحيم. يا علي بن محمّد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد
فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً) التوقيع.
فنسخوا التوقيع قال الراوي: فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه فقيل له: من وصيك؟ فقال: لله أمر هو بالغه، وقضى فكان هذا آخر كلام سمع منه (رضي الله عنه).
وعلى ما ذكروا فأوّل الغيبة الكبرى من نصف شعبان(32) سنة ست وتسعين ومائتين، فإنها كانت أيام سفارة أبي جعفر محمّد بن عثمان وتوفي في آخر جمادي الأولى سنة خمس وثلاثمائة، وقد تولى أمر السفارة نحواً من خمسين سنة. ثم قام بالأمر بعده أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي إلى أن توفي سنة ست وعشرين وثلاثمائة، وقام بعده أبو الحسن السمري فلا الفقد صار في المدينة ولا في السنة المذكورة ولم يقل به أحد من علماء الإمامية فنسبتها إليهم كذب وافتراء.
السادس:
الكذب العجيب الذي تكاد تنشق منه الأرض ويظلم الهواء وتحبس منه قطر السماء، وهو نسبة أعاظمهم وعلمائهم إلى كافة الإمامية أنهم يعتقدون أن المهدي (عليه السلام) يخرج في آخر الزمان من السرداب بسر من رأى.
فقال ابن خلكان فيما تقدم من كلامه: وهم ينتظرون خروجه آخر الزمان من السرداب بسر من رأى.
وباقي كلماتهم تقدمت متفرقة لا حاجة إلى إعادتها، فإن هذه النسبة مسلمة فيهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(32) تسع وعشرون وثلاثمائة وهو فقد في سنه صح.
قال ابن حجر في (الصواعق) ولقد أحسن القائل:
ما آن للسرداب أن يلد الذي * * * صيرتموه بزعمكم إنسانا
فعلى عقولكم العفاء فإنكم * * * ثلثتم العنقاء والغيلانا
قلت: إن كان العقل هو الذي يبعث الإنسان على أن يفتري على المسلمين ويكذب عليهم ثم يثبت ذلك في كتابه ثم يستهزئ بهم ويهجوهم بما افترى عليهم فعلى عقولهم العفاء، إذ ليس بناؤهم على الافتراء فإنهم إن نسبوا أمراً إلى غيرهم ذكروا كتابه وموضعه وصاحبه فنكرر المقالة ونقول: يا معاشر العلماء ويا أيها الناظم الذي تذكر في أبياتك:
فيا للأعاجيب التي من عجيبها * * * أن اتخذ السرداب برجاً له البدر
هذه كتب الإمامية من قدمائهم ومتأخريهم وأكابرهم وأصاغرهم من مطولاتها ومختصراتها عربيها وعجميها موجودة وكثير منها مطبوعة شايعة نبؤنا في أي كتاب يوجد هذا المطلب ومن ذكر أنه (عليه السلام) يخرج من السرداب. ونحن كلما تفحصنا لم نجد للسرداب ذكراً في أحاديثهم إلا في موضع نادر أشرنا إليه فضلاً عن كونه برجاً يطلع منه هذا البدر، بل الموجود في أحاديثهم الكثيرة المعتبرة عندهم إن هذا البدر المنير يطلع من المطلع الذي طلعت منه الشمس البازغة جده المعظم (صلى الله عليه وآله) وهو مكّة المشرفة ولا علينا أن نسوق بعضها.
أخرج أبو محمّد الفضل بن شاذان النسابوري المتوفى في حياة أبي محمّد العسكري والد الحجة (عليه السلام) في كتابه في (الغيبة) حدثنا الحسن بن رباب قال: حدثنا أبو عبد الله (عليه السلام) حديثاً طويلاً عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في آخره: ثم يقع التدابر في الاختلاف بين أمراء العرب والعجم فلا يزالون يختلفون إلى أن يصير الأمر إلى رجل من ولد أبي سفيان - إلى أن قال (عليه السلام) - ثم يظهر أمير الامرة وقاتل الكفرة السلطان المأمول
الذي تحير في غيبته العقول وهو التاسع من ولدك يا حسين يظهر بين الركنين يظهر على الثقلين ولا يترك في الأرض الادنين طوبى للمؤمنين الذين أدركوا زمانه ولحقوا أوانه وشهدوا أيامه ولاقوا أقوامه.
قال: وحدّثنا صفوان بن يحيى (رضي الله عنه)، قال حدثنا محمّد بن حمران، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام): إن القائم منا منصور بالرعب مؤيد بالنصر - إلى أن قال - فعند ذلك خروج قائمنا فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع ثلاثمائة وثلاثة عشر وأوّل ما ينطق به هذه الآية: (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إلى أن قال: فإذا اجتمع له العقد وهو عشرة آلاف خرج من مكة. الحديث.
حدّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر فيصبحون بمكة وهو قول الله (جلَّ جلاله): (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيع) وهم أصحاب القائم (عليه السلام).
حدثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر (رضي الله عنه) قال: حدثنا عاصم بن حميد قال حدثنا محمّد بن مسلم قال سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) متى يظهر قائمكم؟ قال: إذا كثر الغواية وقل الهداية - إلى أن قال - فعند ذلك ينادي باسم القائم في ليلة ثلاثة وعشرين من شهر رمضان ويقوم في يوم عاشوراء فكأني أنظر إليه قائماً بين الركن والمقام وينادي جبرائيل بين يديه: البيعة لله فيقبل شيعته إليه من أطراف الأرض تطوى لهم طياً حتّى يبايعوا ثم يسير إلى الكوفة فينزل على نجفها ثم يفرق الجنود منها إلى الأمصار لدفع عمال الدجال فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. قال: فقلت له يا بن رسول الله فداك أبي وأمي أيعلم أحد من أهل مكة من أين يجئ قائمكم إليها؟ قال:
لا ثم قال: لا يظهر إلا بغتة بين الركن والمقام.
حدّثنا محمّد بن أبي عمير قال: حدثنا جميل بن دراج قال: حدثنا ميسر ابن عبد العزيز الحنفي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أذن الله تعالى للقائم في الخروج صعد المنبر فدعا الناس إلى نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقه وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعمل فيهم بعمله. فيبعث الله (جلَّ جلاله) جبرئيل (عليه السلام) فيقول جبرئيل أنا أوّل من يبايعك أبسط يدك فيمسح على يده وقد وافاه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً فيبايعونه ويقيم بمكة حتى يتم أصحابه عشرة آلاف نفس ثم يسير بها إلى المدينة.
وأخرج أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه القمي في كتاب (العلل) مسنداً عن بكير بن أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) في وصف الحجر والركن الذي وضع فيه قال: ومن ذلك الركن يهبط الطير على القائم فأول من يبايعه ذلك الطير وهو والله جبرئيل وإلى ذلك المقام يسند ظهره وهو الحجة والدليل على القائم وهو الشاهد لمن وافى ذلك المكان - الحديث.
وأخرج النعماني في كتاب (الغيبة) مسنداً عن عبيد الله بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ينادي باسم القائم (عليه السلام) فيؤتي وهو خلف المقام فيقال له قد نودي باسمك فما تتفظر ثم يؤخذ بيده فيبايع - الحديث.
أخرج أبو العباس الدمشقي القرماني في كتاب (أخبار الأول) عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين سنة أحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع ويقوم في عاشوراء ويظهر يوم السبت العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام وشخص قائم على يديه ينادي البيعة البيعة فيسير إليه أنصاره من أطراف الأرض يبايعونه فيملأ الله تعالى
به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ثم يسير عن مكة حتى يأتي الكوفة فينزل على نجفها ثم يفرق الجنود منها إلى جميع الأمصار.
إلى غير ذلك مما لا يحصى، ولا يوجد في تمام الأحاديث المتعلقة بهذا الباب ما يعارضها ولا في كلام أحد من العلماء ما يخالفها فإلى الله المشتكى وإليه نستعدي من هذا الافتراء فعنده العدوى.
السابع:
ما في (الصواعق) لابن حجر في مقام رد الإمامية وأن الموعود غير الحجة قال: ثم المقرر في الشريعة المطهرة أن الصغير لا تصح ولايته فكيف ساغ لهؤلاء الحمقى المغفلين أن يزعموا إمامة من عمره خمس سنين وأنه أوتي الحكم صبياً مع أنه (صلى الله عليه وآله) لم يخبر به، ما ذلك إلا مجازفة وجرأة على الشريعة الغراء.
قال بعض أهل البيت: وليت شعري من المخبر لهم بهذا وما طريقه ولقد صاروا بذلك وبوقوفهم بالخيل على ذلك السرداب وصياحهم بأن يخرج إليهم ضحكة لأولي الألباب ولقد أحسن القائم وذكر البيتين والمتقدمتين - انتهى.
أما قوله ثمّ المقرر - إلخ، فقد كفانا مؤنة الجواب عنه ما ذكره قبله الحافظ بن حجر العسقلاني في (فتح الباري) في شرح خبر الصدقة كما تقدم.
وقوله: إن الحسن بن علي بن أبي طالب كان ينظر في أيام رضاعه إلى اللوح وأن علومهم لدنية ليس بالاكتساب حتى يتوقف على البلوغ.
بل قال هو من غير نقل عن أحد بعد أوراق في ترجمة والده أبي محمّد (عليه السلام) ما لفظه:
ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمّد الحجة وعمره عند وفاته خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة - إلى آخر ما مر.
وقال: أبو العبّاس أحمد بن يوسف بن أحمد الدمشقي الشهير بالقرماني في كتاب (أخبار الدول) الفصل الحادي عشر في ذكر الخلف الصالح الإمام أبي القاسم محمّد بن الحسن العسكري (رضي الله عنه) وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين آتاه الله فيها الحكمة كما أوتيها يحيى (عليه السلام)، وكان مربوع القامة حسن الوجه والشعر أقنى الأنف أجلى الجبهة وما ذكره من أن المقرر - إلخ، صحيح في الولاية التي أمرها بيد العباد فيشترط في الشخص الذي يجعلونها فيه البلوغ والعقل والعدالة والكفاية.
وأما الرئاسة العامة التي أمرها بيد الله تعالى خاصة كما عليه معاشر الإمامية فربك يخلق ما يشاء ويختار للنبوة والرسالة والإمامة ما يشاء من عباده إن شاء رضيعاً في المهد قال (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) وإن شاء صبياً (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) فلا وجه للاعتراض من هذه الجهة لو جعل الحجة (عليه السلام) ثالثهما.
وأما قوله: الحمقى المغفلين، فهو كلام من ضعف عن إقامة الحجة لأثبت مرامه فيتم دليله الضعيف ويقويه بالفحش في القول والسب وعباد الرحمن الذين إذا مروا باللغو مروا كراماً.
وأما قوله مع انه (صلى الله عليه وآله) لم يخبر به، ففيه:
أوّلاً: ان السكوت عن وصف ولو كان أولى بالذكر في نظرنا لا يضر بانطباق سائر الأوصاف الموجودة في الأحاديث عليه فلعل في تركه مصلحة لا نعلمها.
قال محمّد بن طلحة الشافعي في كتاب (مطالب السؤول) فإن قال معترض هذه الأحاديث النبوية الكثيرة بتعدادها المصرحة جملتها وأفرادها متفق على اسنادها ومجمع على نقلها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وايرادها وهي صحيحة صريحة في إثبات كون المهدي من ولد فاطمة وانه من رسول الله وانه من عترته وانه من أهل بيته وان اسمه يواطي اسمه وانه يملأ الأرض قسطاً وعدلا وانه من ولد عبد المطلب وانه من سادات
الجنة، وذلك مما لا نزاع فيه غير أن ذلك لا يدل على أن المهدي الموصوف بما ذكره من الصفات والعلامات هو هذا أبو القاسم محمّد بن الحسن الحجة الخلف الصالح، فإن ولد فاطمة (عليها السلام) كثيرون وكل من يولد من ذريتها إلى يوم القيامة يصدق عليه أنه من ولد فاطمة وانه من العترة الطاهرة وانه من أهل البيت فتحتاجون مع هذه الأحاديث المذكورة إلى زيادة دليل على أن المهدي المراد هو الحجة المذكور ليتم مرامكم.
فجوابه: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما وصف المهدي بصفات متعددة من ذكر اسمه ونسبه ومرجعه إلى فاطمة وإلى عبد المطلب وأنه أجلى الجبهة أقنى الأنف وعدد الأوصاف الكثيرة التي جمعتها الأحاديث الصحيحة المذكورة آنفاً وجعلها علامة ودلالة على أن الشخص الذي يسمى بالمهدي ويثبت له الاحكام المذكورة هو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه، ثم وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمّد الخلف الصالح دون غيره فيلزم القول بثبوت تلك الأحكام له وانه صاحبها وإلا فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل ولا يثبت ما هو مدلوله قدح ذلك في نصبها علامة ودلالة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) - انتهى.
وأما ثانياً: فلأنه لا طريق له للحكم الجزمي بعدم ذكره (صلى الله عليه وآله) هذا الوصف منفرداً أو مع سائر الأوصاف فإنه متوقف على ضبط الصحابة تمام ما قاله (صلى الله عليه وآله) وحفظهم إياه عن تطرق النسيان والزيادة والنقصان والغلط والتحريف وتلقى التابعين عنهم كما تلقوه عنه (صلى الله عليه وآله)، وهكذا في كل طبقة وعدم الدواعي لبعض من في تلك الطبقات لإسقاط بعض ما في المتون لترويج مذهبه أو لتوهين الآخر وغير ذلك ثم وقوفه على جميعه وكل ذلك غير ثابت بل عدمه قطعي كما يظهر من الكتب الموضوعة لذكر الموضوعات وما جمع في كتب الدراية من المصحفات والمحرفات.
وأما ثالثاً: فلورود ذكر هذا الوصف عنه (صلى الله عليه وآله) وعن أمير المؤمنين، أما عند الإمامية فرواه مشايخهم ذلك متواتراً وفيهم من وصفهم علماء أهل السنة بالعلم والفضل والوثاقة والصدق والأمانة.
وأما أهل السنة فقد مر في جملة من الأحاديث المروية في كتبهم عنه (صلى الله عليه وآله) أنه التاسع من ولد الحسين ومتواتراً انه يخرج في آخر الزمان والجمع بين الطائفتين لا يمكن إلا بالالتزام بالغيبة، وتقدم عن علي المتقي في كتاب (البرهان) حديثان فيهما تصريح بغيته بل ذكر في أحدهما أن له غيبتين فراجع.
وقال الشيخ الأكبر في (الفتوحات) وقد ظهر يعني المهدي في القرن الرابع اللاحق بالقرون الثلاثة الماضية قرن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو قرن الصحابة ثم الذي يليه ثم يلي الثاني ثم جاء بينهما فترات وحدثت أمور وانتشرت أهواء وسفكت الدماء فاختفى إلى أن يجيء الوقت الموعود - الخ.
وأما قوله: وقال بعض أهل البيت - الخ.
ليت شعري ما الداعي له على ذكره منكراً، والظاهر أنه لأجل أنه من العوام الذين لا خبرة لهم بمتون الأحاديث وأقوال العلماء فلا يمكن التصريح باسمه، وإلا فكيف يقول العالم ذلك مع أنه قول جماعة من أعلام أهل السنة وثابت بالأحاديث الكثيرة الموجودة في مؤلفات مشايخ أهل السنة فضلا عما رواه مشايخهم مما يزيد عن حد التواتر.
وأما قوله: فلقد صاروا بذلك - الخ، وهو الغرض الأصلي من نقل هذه العبارة، فان كان المراد ان كل واحد من الأمرين أي القول بأن المهدي هو الحجة ابن الحسن ووقوفهم بالخيل سبب مستقل لصيرورة صحبه ضحكة فلازمه الاعتراف بكون هؤلاء المشايخ الذين عددنا أساميهم وعباراتهم وفيهم مثل: الشيخ محي الدين وصدر الدين القونوي وابن صباغ والحافظ الكنجي وشيخه
في الطريقة الذي لبس منه الخرقة الصوفية علي المتقي صاحب كنز العمال ومعاصره رئيس العارفين عبد الوهاب الشعراني صاحب اليواقيت وغيرهم ضحكة لأولي الألباب ولا أظن أحداً من أهل السنة يصوبه في هذا المقال الشنيع وإن كان السبب كلا الأمرين فمع لغوية ذكر الأول.
نقول: إن كان الضمير في قوله (وبوقوفهم) راجعاً إلى العوام والجهلاء الذين مستندهم في غالب أفعالهم الهوى أو الطبع أو العادة أو التقليد مثلهم أو غيرها مما لا يرجع إلى كتاب ولا سنة ولا قول عالم مطاع مخالف لهواه ففيه:
أما أوّلاً: إن الجهال غير داخلين في زمرة من ينقل أقوالهم وعقايدهم وطريقتهم في مقام ذكر المذاهب والعقايد عند كل مؤلف قديماً وحديثاً، سواء كان الناقل في مقام الإبطال والرد أو القبول فعد فعل الجاهل من إمارات فساد أصل مذهبه خارج عن طريقة العلماء الراشدين.
وأما ثانياً: فلأنه لا يوجد مذهب من المذاهب المعروفة في الإسلام إلا وفي أهل الجهل من كل طائفة أمور منكرة وعادات شنيعة وأفعال قبيحة، فلو عدت من إمارات فساد المذهب للحقت الفرقة الواحدة الناجية بالفرق الهالكة وحينئذ فعلى الإسلام السلام.
وأما ثالثاً: فلأن في جماعة أهل السنة أيضاً أموراً تشبه ما أورده في عدم مستند لها وهو أعرف بها ولا بأس بالإشارة إلى بعضها:
منها: جعل يوم وفاة المشايخ يوم عرسهم فيفعلون في ذلك اليوم من الضيافة وضرب الدفوف والسماع والرقص وغيرها من أسباب السرور والطرب ما يفعله الغني المترف في عرس أعز ولده.
قال: الشيخ عبد الحق الدهلوي في كتابه الموسوم (بما ثبت من السنة في أيام السنة) في ذكر شهر ربيع الآخر وإن فيه وفاة الشيخ عبد القادر الجيلاني.
وذكر الاختلاف في يوم وفاته إلى أن قال: فبهذه الرواية يكون عرسه تاسع ربيع الآخر، وهذا هو الذي أدركنا عليه سيدنا الشيخ الإمام العارف الكامل الشيخ عبد الوهاب القادري المتقي المكي فإنه (قدّس سرّه) كان يحافظ في يوم عرسه هذا التاريخ أما اعتماداً على هذه الرواية أو على ما رأى من شيخه الشيخ الكبير علي المتقي أو من غيره من المشايخ رحمة الله عليهم.
وقد اشتهر في ديارنا هذا اليوم الحادي عشر، وهو المتعارف عند مشايخنا من أهل الهند من أولاده.
إلى أن قال فإن قلت: هل لهذا العرف الذي شاع في ديارنا في حفظ أعراس المشايخ في أيام وفياتهم مستند فان كان عندك علم بذلك فاذكره.
قلت: قد سألت عن ذلك شيخنا الإمام عبد الوهاب المتقي المكي فأجاب بأن ذلك من طرق المشايخ وعاداتهم ولهم في ذلك نيات.
قلت: كيف تعيين ذلك اليوم دون سائر الأيام؟ فقال: الضيافة مسنونة على الإطلاق فاقطعوا النظر عن تعيين ذلك اليوم، وله نظائر كمصافحة بعض المشايخ بعد الصلوات وكالاكتحال يوم عاشوراء فانه سنة على الإطلاق وبدعة من جهة الخصوصية.
ثم قال: وقد ذكر بعض المتأخرين من مشايخ المغرب إن اليوم الذي وصلوا فيه إلى جناب العزة وحظائر القدس يرجى فيه من الخير والبركة والنورانية أكثر وأوفر من سائر الأيام، ثم أطرق ملياً ثم رفع رأسه فقال: لم يكن في زمن السلف شيء من ذلك وإنما هو من مستحسنات المتأخرين.
ومنها: ما فيه في أعمال ليلة النصف من شهر شعبان ومن البدع الشنيعة ما تعارف في أكثر بلاد الهند من إيقاد السرج ووضعها على البيوت والجدران وتفاخرهم بذلك واجتماعهم للهو واللعب بالنار وإحراق الكبريت، فإنه لا أصل
له في الكتب الصحيحة المعتبرة بل ولا في غير المعتبرة ولم يرد فيها حديث لا ضعيف ولا موضوع، ولا يعتاد ذلك في غير بلاد الهند من الديار العربية من الحرمين الشريفين زادهما الله تعظيماً وتشريفاً ولا في غيرهما ولا في البلاد العجمية ما عدا بلاد الهند، بل عسى أن يكون ذلك وهو الظن الغالب اتخاذاً من رسوم الهند في ايقاد السرج الدوالي، فإن عامة الرسوم البدعية الشنيعة بقيت من أيام الكفرة في الهند وشاعت في المسلمين بسبب المجاورة والاختلاط واتخاذهم السراري والزوجات من النساء الكافرات.
قال بعض المتأخرين من العلماء: إن استحداث السرج الكثيرة في الليالي المخصوصة من البدع الشنيعة، فان كثرة الوقيد زيادة على الحاجة لم يرد باستحبابه أثر في الشرع في موضع. قال: قال علي بن إبراهيم وأوّل حدوث الوقيد من البرامكة وكانوا عبدة النار فلما أسلموا أدخلوا في الإسلام ما يموهون أنه من سنن الهدى ومقصودهم عبادة النيران حيث سجدوا مع المسلمين إلى تلك السرج، وقد جعلها جهلة أئمة المساجد مع نحو صلاة الرغائب شبكة لجمع العوام وطلب الرئاسة والتقدم وملأ بذكرها القصاص مجالسهم، ثم إنه تعالى أقام أئمة الهدى في سعي إبطال هذه المنكرات فتلاشى أمرها وتكامل أبطالها في البلاد المصرية والشامية في أوائل المائة الثامنة وقد أنكر الطرطوسي الاجتماع ليلة الختم ونصب المنابر واختلاط الرجال والنساء والتلاعب بينهم حتى يكون ما يكون كذا في التذكرة. انتهى.
ومنها: ما جرت به العادة في كل سنة من حمل المحملين الشريفين من الشام ومصر إلى مكة المشرفة ومنها إلى المدينة ومنها إلى الشام ومصر مع المصارف الكثيرة وما لهما من الهدايا والنذورات وما يفعله عموم الناس بهما من التوقير والتعظيم والتقبيل والتبرك والتوسل ما هو غير خفي على أحد، وما أظن العلماء
يتمكنون من ذكر أصل لهذا العمل يعتمد عليه من الأحاديث النبوية غير الشرافة التي اكتسباها من مجرد الانتساب فصاروا مستحقين لهذا التكريم.
ومنها: ما يفعله عموم الحاج في يوم عرفة بعرفات من طرد الشياطين بزعمهم بمهناديلهم وأذيال إحرامهم كما يطرد الذباب بهما إلى الغروب ولا أصل له في السنة ولا ذكره أحد في أفعال الحج بل صرحوا بأنه يوم دعاء وإنابة.
ففي شرح التكملة: ويرفع يديه عند الدعاء بعرفات لما مر من الحديث ولقول ابن عباس: كان النبي (صلى الله عليه وآله) يدعو بعرفات رافعاً يديه في نحره كاستطعام المسكين.
وفي حاشية البيجوري على شرح ابن قاسم الغزي ويسن له أن يكثر الذكر والدعاء لما رواه الترمذي أفضل الدعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي (لا إله إلا الله) الدعاء، وهذا المقدار لعله كاف لما أشرنا إليه.
وأما رابعاً: فلان الجهال أخذوا هذا الفعل إن كان صادقاً في نسبته إليهم منه ومن أقرانه الذين صرحوا بأن المهدي على زعم الإمامية دخل السرداب وغاب وهو فيه إلى أن يخرج منه، فأحسنوا الظن بهم في صدقهم في هذه النسبة إلى الإمامية فاعتقدوا بها وفعلوا ما فعلوا، اذ قد عرفت أنه لا أثر لهذه الأمور في أحاديث الإمامية ولا في كلمات علمائهم أصلا، فهم أوقعوهم في هذه البلية فلا بدّ أن يكون لهم سهماً مما رموهم به بسبب هذا العمل.
وأما خامساً: فلأن الكلام في صحة أصل هذه النسبة وفي أي عصر كان هذا العمل أما سامرا فكانت بعد خرابها وقبل استيلاء سلاطين آل عثمان نصرهم الله تعالى على أعداء المسلمين على العراق كان كصومعة في برية والأعراب الساكنون فيها وفي أطرافها لم يكن لهم همّ إلا القتل والنهب والفساد وكانت الإمامية يدخلون ويزورون ويخرجون خائفين مترقبين لنزول الدواهي، ولم يسمع أحد بعد الاستيلاء صدور هذا الفعل منهم مع أنهم في جنة حصينة
من الأمن والأمان والدعة والاطمئنان، مع أن الفاضل القرماني ذكر ما يقرب منه ببغداد.
قال: وزعم الشيعة أنه غاب في السرداب ببغداد والحرس عليه سنة ست وستين ومأتين وانه صاحب السيف القائم المنتظر قبل قيام الساعة وله قبل قيامه غيبتان. وذكر مثل ما في الصواعق ثم قال وكان من عادة الشيعة ببغداد ان في كل يوم جمعة يأتون بفرس مشدودة ويقفون على باب السرداب ويدعون باسم المهدي (عليه السلام) واستمروا على هذا الحال إلى أن آل الأمر للسطان سليم خان من بني عثمان واستولى على مدينة بغداد وأبطل تلك العادة. انتهى.
وهو من الغرابة بمكان، نعم حكى قصة الفرس من كتاب (عجائب البلدان) ولعله لزكريا القزويني قال: كان عند باب السرداب الذي غاب فيه المهدي (عليه السلام) فرس أصفر سرجه ولجامه من الذهب إلى زمان السلطان نجر بن ملك شاه فجاء يوم الجمعة للصلاة فقال: ما سبب وقوف هذا الفرس هنا؟ قالوا: سيخرج من هذا الموضع خير الخلق ويركب عليه. فقال: لا يخرج منها خير مني فركبه، وزعم الشيعة ان هذا الركوب لم يكن له مباركاً فسلط عليه طائفة الغز فأخذوا الملك منه.
وفي هذه المناقضات شهادة على عدم أصل للحكاية، وعلى فرض الصدق لا يوجب فعل الجاهل وهناً في المذهب كما عرفت، ومن أراد التوهين به فقد خرج عن طريقة العلماء وعجز عن إثبات الدعوى.
وإن كان الضمير في قوله (وبوقوفهم بالخيل) راجعاً إلى علماء الإمامية كما هو الأنسب بمقام المؤلف لبعد عدم التفاته إلى أنه لا يجوز التمسك بفعل الجاهل لإبطال أصل مذهبه في الكتب العلمية التي أساسها على الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل في مقام إحقاق الحق أو إبطال الباطل - فهو من الأكاذيب
الواضحة التي لا أصل لها أصلاً ولا يقدر هو ولا غيره على إثبات فعل عالم مرة واحدة في عصر من الأعصار.
ومن جميع ما ذكرنا تعرف ما في البيتين من الأكاذيب، ولقد أبدع في جمعها فيهما.
بل زاد في طنبور المفتريات على الإمامية نغمة أخرى وافتراء جديداً هو تفضيلهم السرداب نعوذ بالله على مكة المشرفة، ما أجرأه على ارتكاب هذه الموبقة الكبيرة وما دعاه إلى هذه النسبة إن كان لكون ميلاده (عليه السلام) أو مغيبه على النحو الذي ذكروه ومحل خروجه فقد عرفت أنه لا أصل له عندهم ولم يذكره أحد في مؤلفه إلا ما يوجد في بعض كتب المزار من التعبير عنه بسرداب المغيب، والظاهر أنه جرى على الرسم الشائع لا على أصل يعتمد عليه ولو سلم فمجرد شرافته عندهم بما ذكر كيف صار سبب الأفضلية.
ومن العجيب أن علماء الإمامية رووا أحاديث كثيرة في فضيلة النجف الأشرف وفضيلة كربلاء وفضيلة طوس وفضيلة قم وغيرها ولا يوجد في جميع مؤلفاتهم حديث واحد في فضيلة السرداب.
نعم: هو داخل في البيت الذي كان لأبي الحسن الهادي (عليه السلام) ثم انتقل إلى أبي محمّد العسكري ثم إلى ولده الحجة وهو الآن في ملكه ظاهراً والمقرر عند الإمامية ان بيوت أئمتهم (عليهم السلام) داخلة في البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وان حكم آخرهم حكم أولهم.
فروى أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره عن المنذر بن محمّد القابوسي حدثنا الحسين بن سعيد حدثني أبي عن أبان بن تغلب عن مصقع بن الحرث عن أنس بن مالك وعن بريدة قالا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه الآية: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) إلى قوله (وَالأَبْصارُ) فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله
هذا البيت منها يعني بيت علي وفاطمة؟ قال: نعم من أفاضلها.
فللسرداب فضيلة من هذه الجهة وكان محل عبادة ثلاثة نفر منهم وظهر فيه بعض الآيات الإلهية ولذا صار حرماً للحجة (عليه السلام) وسن زيارته فيه مع تصريحهم باستحبابها في كل مكان ولا دلالة في اعتقادهم هذا المقدار من الشرافة على اعتقادهم الأفضلية بل ولا إشارة فيه إليه فالقدح أن البيتين تضمنا أكاذيب عجيبة صارا بها أحسن أبيات القصيدة للمثل السائر أحسن الشعر أكذبه.
بقي التنبيه على أمرين:
(الأوّل): فيما عده الذهبي فيما تقدم من كلامه في الكذب الثالث من جهل الرفضة على الحجة بن الحسن من انه حي يعلم علم الأولين والآخرين.
فنقول: إذا ثبت كون الحجة بن الحسن هو المهدي الموعود كما عرفت فلا بدّ من ثبوت هذا المقام له حسب الأحاديث التي رواها مشايخ أهل السنة فضلا عما رواه مشايخهم فيه وطرق إثباته له من أحاديثهم كثيرة نقتصر منها على طريقين:
الأوّل: إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان عنده علوم القرآن ظاهره وباطنه وتأويله وحقائقه ولطائفه وإشاراته وغيرها، وفي القرآن المجيد علم الأولين والآخرين وقد ورث المهدي (عليه السلام) علم جده (صلى الله عليه وآله) ورزقه الله فهمه فهو يعلم علم الأولين والآخرين وهذه ثلاث مقدمات.
أما الأولى: فهي ضرورية لا أظن أحداً من المسلمين ينكرها.
وأما الثانية: فكذلك لقوله تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) وقال: (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) وقال: (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ).
وقال الحافظ السيوطي في (الاتقان) أخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود قال: من أراد العلم فعليه بالقرآن فإن فيه خبر الأولين والآخرين.
وأخرج الترمذي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ستكون فتن. قيل: وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم.
وأخرج البيهقي عن الحسن قال: أنزل الله مائة وأربعة كتب أودع علومها أربعة منها التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ثم أودع علوم الثلاثة الفرقان.
وقال الإمام الشافعي جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة وجميع السنة شرح للقرآن.
وقال أيضاً: جميع ما حكم به النبي (صلى الله عليه وآله) فهو من القرآن.
قال: وقال القاضي أبو بكر بن العربي في (قانون التأويل) علوم القرآن خمسون علماً وأربعمائة علم وسبعة آلاف علم وسبعون ألف علم على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة اذ لكل كلمة ظهر وبطن وحد ومطلع وهذا مطلق دون اعتبار تركيب وما بينهما وهذا ما لا يحصى ولا يعلمه إلا الله - انتهى وهذه المقدمة كالأولى في الوضوح.
وأما الثالثة: فقد مر أنه أخرج الطبراني في معجمه والسيوطي في جمع الجوامع وعلي المتقي في كنز العمال والسيد علي الهمداني في مودة القربى وروضة الفردوس والمحب الطبري في ذخائر العقبى وغيرهم انه (صلى الله عليه وآله) قال: من سره أن يحيي حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال علياً من بعدي وليوال وليه وليقتد بأهل بيتي من بعدي فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي.
والمهدي (عليه السلام) باتفاق الأمة داخل في أهل بيته المخصوصين الذين فضلوا كتاباً وسنة بفضائل خاصة تقدم بعضها.
وأخرج ابن ماجة في سننه وأبو نعيم الحافظ في مناقب المهدي والطبراني
في المعجم الكبير بأسانيدهم عن محمّد بن الحنفية عن علي (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة.
وأخرج الحافظ الكنجي في (البيان) مسنداً عن سفيان بن عيينة عن عاصم ابن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.
قال: وجمع الحافظ أبو نعيم طرق هذا الحديث عن جم غفير وقد مر في جملة من الروايات أيضاً فإذا رزق المهدي علم جده (صلى الله عليه وآله) وفهمه فقد حاز علم الأولين والآخرين وذلك ما أردناه.
(الثاني): ان الشيخين أبا بكر وعمر عند أهل السنة معدودان من الأقطاب والقطب يعلم علم الأولين والآخرين، والمهدي (عليه السلام) أفضل منهما أو مثلهما عند أهل السنة فيكون كذلك.
أما المقدمة الأولى: فقال الشعراني في (اليواقيت) في الباب الخامس والأربعين: ثم اعلم انه لما كان نصب الإمام واجباً لإقامة الدين وجب أن يكون واحداً لئلا يقع التنازع والتضاد والفساد فحكم هذا الإمام في الوجود حكم القطب (قال) وقد يكون من ظهر من الأئمة بالسيف أيضاً قطب الوقت كأبي بكر وعمر في وقته، وقد لا يكون قطب الوقت فتكون الخلافة لقطب الوقت الذي لا يكون إلا بصفة العدل ويكون هذا الخليفة الظاهر من جملة نواب القطب في الباطن من حيث لا يشعر فإن الجور والعد ليقع من أئمة الظاهر ولا يكون القطب إلا عادلا. انتهى.
وقال الشيخ محي الدين في الباب الثالث والستين وأربعمائة: ان كل قطب يمكث في العالم الذي هو فيه على حسب ما قدر الله (جلَّ جلاله) ثم تنسخ دعوته بدعوة أخرى كما تنسخ الشرائع بالشرائع وأعنى بالدعوة ما لذلك القطب من الحكم والتأثير في العالم فمن الأقطاب من يمكث في قطبيته الثلاث والثلاثين سنة
وأربعة أشهر ومنهم من يمكث فيها ثلاث سنين ومنهم كما يؤيد ذلك مدة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فإنهم كانوا أقطاباً بلا شك. انتهى.
وصرح بذلك في مواضع متعددة.
وأما الثانية: ففي المبحث المذكور من (اليواقيت) فإن قلت: فما علامة القطب فإن جماعة في عصرنا قد ادعوا القطبية وليس معنا علم يرد دعواهم.
فالجواب: قد ذكر الشيخ أبو الحسن الشاذلي (رضي الله عنه) ان للقطب خمس عشرة علامة. وقد ذكرناها فيما تقدم وعد منها ما في قوله ويكشف له عن حقيقة الذات وإحاطة الصفات ومنها علم الإحاطة بكل علم ومعلوم وما بدا من السر الأوّل إلى منتهاه ثم يعود إليه.
وما ادعاه الإمامية في حق المهدي (عليه السلام) دون هذا بمرات ولا يقولون بكشف حقيقة ذاته سبحانه لأحد بل هو معدود عندهم من الممتنعات ومن كشف له عن حقيقة الذات فلا يتصور له الجهل بشيء أبداً.
وأما الثالثة: فهي أيضاً ظاهر من مطاوي أحاديثهم وكلماتهم.
ففي (عقد الدرر) لأبي بدر السلمي عن عوف بن محمّد قال: كنا نتحدث انه يكون في هذه الأمة خليفة لا يفضل عليه أبو بكر وعمر.
وأخرج نعيم بن حماد في كتاب الفتن عن محمّد بن سيرين وذكر فتنة تكون، فقال: إذا كان ذلك فاجلسوا في بيوتكم حتّى تسمعوا على الناس بخير من أبي بكر وعمر. قيل: خير من أبي بكر وعمر؟ قال: قد كان يفضل على بعض الأنبياء.
وفيه أيضاً انه سئل ابن سيرين المهدي خير منها أي أبي بكر وعمر قال: هو خير منهما.
وأخرج الحافظ الكنجي في كتاب (البيان) باسناده عن أبي نعيم أحمد
ابن عبد الله الحافظ، حدثنا عبد الله بن محمّد بن جعفر، حدثنا ابو يحيى الرازي، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا المحاربي، حدثنا إسماعيل بن رافع عن أبي زرعة الشيباني عن عمرو احضرمي عن أبي أمامة قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذكر الدجال وقال فيه: إن المدينة لتنفي خبثها كما تنفي الكير خبث الحديد ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص. فقالت أم شريك: فأين العرب يا رسول الله يومئذ؟ قال: هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس وامامهم مهدي رجل صالح، فبينا امامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح اذ نزل عيسى بن مريم حين كبر للصبح فرجع ذلك الإمام ينكص ليتقدم عيسى يصلي بالناس فيضع عيسى يده بين كتفيه فيقول: تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم.
قلت: هذا حديث حسن، هكذا رواه الحافظ أبو نعيم صاحب حلية الأولياء وظاهر الحديث أن عيسى يصلي معه.
وقال الشيخ في الفتوحات: واعلم أنه لم يبلغنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) نص على أحد من الأئمّة بعده يقفو أثره لا يخطئ إلا المهدي خاصة قد شهد له بعصمته في خلافته وأحكامه كما شهر الدليل العقلي بعصمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما يبلغه من ربه من الحكم المشروع له في عباده.
وقال أيضاً: انه - يعني المهدي - يحكم بما يلقى ملك الالهام من الشريعة وذلك انه يلهمه الشرع المحمدي فيحكم به كما أشار إليه حديث المهدي انه يقفو أثري لا يخطى، فعرفنا انه متبع لا مبتدع وانه معصوم في حكمه اذ لا معنى للمعصوم في الحكم إلا انه لا يخطىء وحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يخطئ فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وقد أخبر عن المهدي انه لا يخطئ وجعله ملحقاً بالأنبياء في ذلك الحكم. انتهى.
ويشهد له أيضاً نداء الملك فوق رأسه هذا المهدي خليفة الله وغير ذلك
مما مرّ متفرقاً من مقاماته وتصريح جمع بقطبيته فلا مجال لاستغراب كونه عالماً بعلم الأولين والآخرين وعده من الجهالات بل منكره إما جاهل بالسنة وكلمات المشايخ أو جاحد بعد العلم.
فنسأل الله تعالى أن يفتح عين بصيرتنا ويخلص إيماننا عن شوائب الأهواء وحب الرياسة في الدنيا.
الثاني: إن هذه المطالب التي تضمنتها القصيدة وغيرها مما تتعلق بولادة المهدي وغيبته من المطالب القديمة التي طال ما تشاجر فيها علماء الفريقين مذكورة في مؤلفاتهم بل ألف فيها بالانفراد رسائل عديدة وصارت سبباً لزيادة البغضاء وتجري الجهلاء وتفرق الكلمة وشق العصا وكثرة الغوغاء وظهور الفساد وتخريب البلاد إلى أن وصلت نوبة الرئاسة الكبرى إلى السلطان الأعظم والخاقان الأفخم حارس ثغور المسلمين من هجوم أعداء الملة والدين خادم الحرمين الشريفين السلطان الغازي عبد الحميد خان أيد الله تعالى ملكه وأعز نصره وأيد جنده، فرأى إن راحة العباد وعمارة البلاد في عدم تعرض أهل كل طريقة لغيره وتشبث كل طائفة بمذهبه حتى تتفق الكلمة الإسلامية وتعلو الملة المحمدية كما قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) وقال: (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) وهذه السنة السنية والطريقة المرضية جرت في الممالك المحروسة وما جاورها من بلاد الإسلام فصار الناس في مهاد الأمن والأمان والطمأنينة من طوارق الحدثان.
ولكن حدث في بعض الأيام بعض الحوادث من علماء دار السلام، فصنف بعضهم رسالة فيها بعض المطالب المثيرة للفتن أخذاً من كتاب التحفة الاثنا عشرية للمولوي عبد العزيز شاه الدهلوي الذي هو ترجمة كتاب الصواعق لملا نصر الله الكابلي وتعرض لرده علماء الإمامية بالهند في أزيد من أربعين مجلداً وأودع
فيها مناكير توجب تجديد العداوة واختلاف الكلمة وظن أنها مطالب جديدة عثر عليها فطبعها ونشرها، ولولا خوف زيادة الاختلاف لتعرض معاصروه لتوضيح هفواتها، ثم أردفها الناظم بهذه القصيدة الي هجا فيها الإمامية بألطف عبارة مع انك قد عرفت أن القول بولادة المهدي (عليه السلام) وانه الحجة بن الحسن (عليه السلام) لا ينافي الأخذ بمذهب أهل السنة والجماعة ولذا قال به جماعة من أعيان علمائهم فلا شناعة توجب الذم والاستهزاء وهذا يوهم أن يكون المقصد الأصلي إثارة الفتنة والغوغاء وتطميع الأعداء نعوذ بالله تعالى من سوء السريرة واحتقار هذه الموبقة الكبيرة.
هذا آخر ما أردنا ايراده في هذه الرسالة مستعجلاً حامداً مصلياً مستغفراً.
وكتب بيمناه الداثرة العبد المذنب المسيء حسين بن محمّد تقي النوري الطبرسي أقل خدام علماء الإمامية المجاور لمشهد سيدنا أمير المؤمنين (عليه السلام) 1317.
قصيدة المجتهد الكبير الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء
قصيدة فقيد الشرق العلامة المجاهد الشيخ محمّد جواد البلاغي
قصيدة نابغة المؤلفين النحرير الشهير السيد محسن الأمين العاملي
نحمد الله على أن أذهب عنا الحزن والريب، وجعلنا من عباده الذين يؤمنون بالغيب، وخصنا بالتمسك بولاء سيد الأنبياء وآله الخيرة المنتجبين ورفع عن أبصارنا غشاوة الشك فيهم حتى بلغنا في معرفتهم عين اليقين، والصلاة على من ختم الله به أنبياءه المرسلين وجعله وآله غاية للإبداع والتكوين وعلى آله خزنة الوحي والتنزيل وحملة ما جاء به عن الله جبرئيل.
أما بعد...
فهذه قصيدة فريدة وعذراء خريدة قد ألبستها أكف نسائم الصبا ابراد رقتها وكستها رياض حدايق البشر اثواب بهجتها فهي انظر من روضة فتحت أكمامها نفحات النسيم وراق طبعاً من سلافة أكاويب التسنيم فلا لخمرة تحكيها ولا عين ساقيها، وليست نغمة العود وان رقت تضاهيها ولا ريحانة البان وان مدت نواصيها بأحلى من معانيها وأزكى من مجاريها، قد حوت أسمى مراتب الجزالة ورفعت الشبه الناشئة عن ظلم الجهالة، وضمنت إتمام الحجة وإقامتها وكشف المحجة
وإماطتها، فتقشعت غياهب الجهل وسطعت أنوار اليقين وظهرت دلائل الحق وانبرت شبه الجاهلين.
قد أجزل ألفاظها بعذوبة معانيها ورصف بنيانها بأحكام مبانيها من سلمت إليه البلاغة مقاليدها وأعطته الفصاحة عدتها وعديدها، فهو مالك ازمة المعاني والبيان والقاطع من ناظره بأقل سير وأبلج برهان والحائز قصبات السبق في ميادين الفضائل والبالغ بعلو همته أعلى مراتب الفواضل المنزه من كل شين الشيخ (شيخ محمّد حسين) لا زال المجد قرينه والفضل خدينه خلف علامة البشر والأستاذ الأكبر الشيخ (شيخ جعفر كاشف الغطاء) قدس الله سبحانه سره وزين به في الجنان الاسرة.
قد جمع بنظمها ما ألفه المفصح عن معجم الآثار النبوية وما أفاده في كتابه آية الله الكبرى بين أظهر البرية كاشف الحجب والأستار عن الشريعة المحمدية ومتقن قواعد أصول مذهب الاثنى عشرية، من انتهت إليه في زماننا رئاسة معرفة آثار الأئمة حتى أخذت عنه أخبار أئمتها الأمّة علم الأعلام وقدوة الأنام (الحاج ميرزا حسين النوري) ثقة الإسلام متع الله المؤمنين بطول بقائه ورفع أعلام الدين بوجوده.
الأقل السيد الصدر محمّد مهدي الموسوي
* * *
وبه نستعين إنه أرحم الراحمين
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمّد وأهل بيته الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
بعد حمد الله وثنائه والصلاة على أنبيائه وأوليائه ولعنة الله على أعدائهم وأعدائه.
يقول: اسير الذنوب والبلايا ورهين الخطوب والخطايا الأحقر محمّد حسين آل الشيخ الأكبر كاشف الغطاء الشيخ جعفر:
إنه وردت الينا في هذه الأيام قصيدة من بعض جماعة دار السلام ولكنها يتيمة وإن كانت في سوق الشعراء مالها قيمة يسأل فيها عن أمور الحجة المنتظر والإمام الثاني عشر وتصدى شعراء العصر للجواب عنها ولكنهم لم يبلغوا حقيقته وان أجادوا وما أصابوا الغرض وإن أحسنوا بما جاؤا به وأفادوا.
فقلت في نفسي اعط القوس باريها فلا يخطى مراسيها، فعرضتها على علامة الفقهاء والمحدثين جامع أخبار الأئمة الطاهرين حائز علوم الأولين والآخرين حجة الله على اليقين من عقمت النساء عن أن تلد مثله وتقاعست أساطين الفضلاء فلا يداني احد فضله ونبله التقى الأواه المعجب ملائكة السماء بتقواه من لو تجلى الله لخلقه لقال هذا نوري مولانا ثقة الإسلام الحاج ميرزا حسين
النوري أدام الله تعالى وجوده الشريف وحفظ سورة بقائه المبارك من التنقيص والتحريف.
فكتب أيده الله تعالى رسالة ابهرت العقول والألباب ولم يأت أحد بمثلها في هذا الباب، وحيث ان السؤال كان نظماً أحببت ان يكون الجواب طبق السؤال، فنظمتها على الوزن والقافية على تشتت البال وجعلتها خدمة لإمامنا الحجة ولنوابه الأعلام، خصوصاً صاحب الرسالة فإن له على جميع المؤمنين منة لا يقوم بواجبها الشكر ولو مدى العمر. والرجاء أن ينظر إليها بعين الرضا والمسامحة فإنها من سوء صاحبها مملوءة بالمساوي كثيرة السقطات والمهاوي لأنها صدرت بأيسر زمان مع اشتغالي بتحصيل الأهم وتشوش بالي في ما هو ألزم، ولكن الهدايا على مقدار مهديها والجائزة على حسب معطيها، وهم أهل بيت الرحمة ورزقنا الله شفاعتهم ومودتهم إنه أرحم الراحمين، وهي هذه:
بنفسي بعيد الدار قربه الفكر * * * وأدناه من عشاقه الشوق والذكر
تستر لكن قد تجلى بنوره * * * فلا حجب تخفيه عنهم ولا ستر
ولاح لهم في كل شيء تجلياً * * * فلا يشتكى منه البعاد ولا الهجر
بمرآه تشقى العين حسراً وخيبة * * * ويسعد في أنواره القلب والصدر
الاطل وان عذبت يا ليل بعده * * * فمن بعد طول الليل يستعذب الفجر
وأقصر أطلت اللوم يا عاذ لي به * * * فلا مفصل إلا على حبه قصر
عداك السنا من هذه الجذوة التي * * * بأكباد أهل الحب شب لها جمر
وما الحب إلا السدرة المنتهى التي * * * لهم من جناها لبه ولك القشر
حبيبي بك الأشياء قامت فما الذي * * * يقيم على اثباتك الجاهل الغمر
حبيبي أماري في وجودك ضلة * * * ولو لاك للايجاد ما انتظم الأمر
بفيك جرت عين الحياة ومذ دنا * * * ليشرب منها عمر الشارب الخضر
ولي فيك سر لو أبوح ببعضه * * * لقلت من الإيجاد هذا هو السر
فيا بأبي بح للبرية أو فغب * * * وليس على علياك من غيبة ضر
فشمس الضحى والبدر نوراهما هما * * * وان غربت أو غيب الشمس والبدر
ولا غرو ان لاحت ولم يرضوءها * * * أخو نظر لكن على عينه نكر
ولا بأس ممن جاء يسأل قائلا * * * أيا علماء العصر يا من لهم خبر
لقد حارمني الفكر بالقائم الذي * * * تنازع فيه الناس والتبس الأمر
عثرت ألا يا سائلا تاه فكره * * * على من له في كل مسألة خبر
أعرني منك اليوم أذناً سميعة * * * إذا ما قرأت الحق لم يعرها وقر
وقلباً ذكياً في التخاصم يغتدي * * * لطائرة الانصاف عنك به وكر
وخذ عندها من نظم فكري لئالياً * * * بهن اليك الخبر يقذف لا البحر
مضامينها الغر الصحيحة صادر * * * بها مصدر العلم الإلهي والصدر
إمام الهدى النوري من نور علمه * * * أنارت به في الأفق أنجمه الزهر
يقول ولا تنفك أعلام فضله * * * على أرؤس الأعلام في طيها نشر
ألا إن ما استغربت منا مقالة * * * به قال منكم معشر ما لهم حصر
وكلهم أضحوا لديكم أئمة * * * عنا لعلاهم من حوى البر والبحر
موثقة أسماؤهم في رجالكم * * * ففي كل سفر من فضائلهم شطر
فمنهم كمال الدين كم في مطالب السؤول * * * طوى سؤلا به انكشف الستر
وذا الحافظ الكنجي كم في بيانه * * * بيان براهين يبين بها الأمر
وكم لابن صباغ فصول مهمة * * * تفصل ما قد أجمل الكتب والسفر
وإن لشمس الدين تذكرة لمن * * * يريد خواصاً طبقها النص والذكر
وحسبي بمحي الدين نقضاً فإن في * * * الفتوح عليك الفتح قد جاء والنصر
وكم في يواقيت الجواهر جوهر * * * به عاد شعرانيكم وله الفخر
لواقح أنوار له انظر فان للعراقي * * * فيه قصة عودها نضر
وصدقه فيه الخواص علي من * * * كراماته لا يستطاع لها ذكر
وذو القدر هاهم بينوا قدر عمره * * * فما ذا يقول اليوم من ماله قدر
وشاهدهم فيما أدعوه شواهد * * * النبوة فالجامي ممن له خبر
وفصل الخطاب الخواجه بارسا قد احتوى * * * تفاصيل فيها يثلج القلب والصدر
وهذا أبو الفتح احتوت أربعينه * * * أحاديث فيها جل أصحابكم قروا
وكم للبخاري الدهلوي رسائل * * * بهن مع المهدي آبائه الغر
وفي روضة الأحباب للحق روضة * * * بعرف عطاء الله ضاع لها نشر
وهذا البلاذري سل عن مسلسلاتهم * * * تجده روى عنه شفاهاً ولا نكر
وهذا مواليد الأئمة قاطع * * * بها كم تبدى لابن خشابكم سر
وها لابن شمس الدين كم من هداية * * * على سعداء الكشف آثارها غر
يقول أرى المهدي حقاً وأنه * * * سيبدو وإن كان استطال له العمر
ففي الكافرين السامري نظيره * * * وفي المؤمنين الياس والروح والخضر
وكالسامري الدجال إن لشأنه * * * حديثاً غريباً سوف يأتي له ذكر
وفضل بن روزبهانكم مع عناده * * * أقر بما قلناه إذ وضح الأمر
وناصر دين الله لو لا اعتقاده * * * على أن ذا السرداب غاب به البدر
لما شيدت منه المباني بأمره * * * وحرر فيها باسمه الخلف الطهر
وهذي ينابيع المودة كم جرت * * * لنا من سليمان به الأبحر الغزر
وذا أحمد الجامي والعارف الذي * * * غدا شيخ إسلام لكم أيها النفر
وللصفدي شرح دائرة بها * * * على الغيب محي الدين أطلعه الفجر
وعينه في شعره مادحاً أبو * * * المعالي ذي الأسرار القونوي الصدر
وملا جلال الدين المثنوي الذي * * * يحق له ذو الكشف لو سجدوا خروا
وكم عبد رحمن لكم متأله * * * بمرآة أسرار تجلى له الستر
وذا النسفي يحكيه عن حمويكم * * * وعن ذاك تحقيق النبوة يفتر
براهين ساباطيكم كم تضمنت * * * لقاضي جواد ما يبين له العذر
وكم حل مؤوديكم بالمكاشفات من * * * غوامضها ما ضمت الحجب والستر
وكم نظم البصيري عامر تحفة * * * غدت ذات أنوار مضامينها الغر
تعرض فيها الفارضية فاعتلت * * * عليها ولم لا تعتلي وهي البكر
يقول بها حتى متى أنت غائب * * * إمام الهدى قد ضاق منا لك الصدر
كذا الهمداني والنسيمي وشيخكم * * * محمّد صبان الذي انتجت مصر
كذا العارف العطاركم ضم شعره * * * مدائح من أرواحها نفح العطر
وهذا الخوارزمي الخطيب روى لنا * * * حديثاً به لا شك يعتقد الحبر
ألا فانظروا يا مسلمون لمنكر * * * علي مقالاً ما به أبداً نكر
يكفرني فيما أقول و إنما * * * تدين به تالله أقوامه الغر
وكلهم ما بين راو وعارف * * * وشيخ له الكشف المبجل والسر
وما ذكروا في جنب من لم أبح بهم * * * كما سخت من شاهقات الذري ذر
وفيما ذكرناه ترى الحق عند من * * * غدا قائلاً - قد ذب عن لبه القشر
ويا ليت شعري ما العيان الذي قضي * * * ببطلان هذا عند من ماله شعر
فأما التجلي للعيون فما ادعى * * * به أحد إلا أخو السفه الغمر
ففي الهند أبدى المهدوية كاذب * * * فكذبه كل الورى البدو والحضر
وما كل من أضحى مضلاً يناله * * * كما تخب القتل المعجل والضر
وإلا فإنا نحن أو أنتم على * * * ضلال فلم لا نالنا السوء والشر
نعم هو موجود ولكن لحكمة * * * بها الله أدرى اختير عنا له الستر
وإلا فكم فاز الخواص بشخصه * * * كما للعراقي والخواص مضي ذكر
وعد رجال الغيب ذا نسفيكم * * * ثلاث مئين بل يزيدهم الحصر
وقال وهم كلا حضور لدى الورى * * * ولم يرهم إلا الأخصاء والنزر
فلم لابدا المقدار كذبت حائراً * * * كما حار منك اليوم في واحد فكر
وما هو مسجون فتحسب أنه * * * قد اتخذ السرداب برجاً له البدر
بلى هو في الأمصار غاد ورائح * * * يخيب به مصر ويحظى به مصر
وها هو قطب الكائنات جميعها * * * ولولاه لم يوجد ذري لا ولاذر
وما حق من لا يدرك العقل وجهه * * * وينجز عن إدراكه الذهن والفكر
مسارعة الإنكار فيه فإنما * * * ينزه عن أمثالها العالم الحبر
وهذا تميم قد حكى لنبيه * * * حديثاً حكاه كامن قبله الطهر
غداة بهم سفن المسير تكسرت * * * فألقاه في عظمى جزائره البحر
هنا لك إذ جساسة ظن أنها * * * لشيطانة من فرقها ارتكم الشعر
فجاءت بهم تسعى لشخص مغلل * * * تحير فيه العقل واندهش الفكر
فأخبرهم فيما سيجري به القضا * * * وقال أنا الدجال بي تعد النذر
فلا مرسل إلا ويوعد قومه * * * بأعور دجال سيقوى به الكفر
فهذا لعمر الله أعظم حيرة * * * وأجدر أن لو ردّه اللب والحجر
وأحرى لعمري لو تحيرت سائلاً * * * بإيجاده من قبل ذلك ما السر
وتلك علوم الغيب ما جاءه بها * * * وها هو ملعون له الخزي والخسر
وقد كان مغلول اليدين من الذي * * * لأطعامه إياه أخره الدهر
وبعد تميم كيف لم يره أمرؤ * * * وكم موكب بالا بحر السبع قد مروا
ولكنه عن فعله ليس يسأل الإله * * * وجاء النهي عن ذاك والزجر
وإن عقول الخلق أقصر مبتغى * * * عروجاً إلى ما دبر الخالق البر
وقد صح بالبرهان أن الهنا * * * حكيم غني ليس يلجئه فقر
وكم مشكل يعيى العقول وإنما * * * بما قد أشرنا يكتفي الفطن الحر
فكل بيان جاءنا عن نبينا * * * تناقله قوم هم بيننا السفر
علينا وجوباً أن يكون اعتقادنا * * * هو الحق لا يعروه ريب ولا نكر
وأنا أناس لم ننازع ولم نكن * * * شركناه في خلق فيبدو لنا السر
وقد وردت أخباركم وتواترت * * * أن الخلفاء اثنان بعدهما عشر
وفيهم يقوم الدين أبلج واضحاً * * * ويندفع اللاواء ويستنزل القطر
ولما انقضت للراشدين خلافة * * * وأضحى عضوضاً بعدهم ذلك الأمر
وانقض دين الله قدراً يزيده * * * فأصبح دين الله ليس له قدر
لكعبته هدم وقبر نبيه * * * تطل الدما فيه وينسكب الخمر
وآل رسول الله تلك دماؤهم * * * لدى كل رجس من لئام الورى هدر
مصائبهم شتى وشتى قبورهم * * * فلا بقعة إلا وفيها لهم قبر
على ظمأ تقضى ومن فيض نحرها * * * تروح الصفاح البيض والذبل السمر
ويمسى حسين بالطفوف مجدلا * * * ويرفع منه الرأس فوق القنا شمر
وتسبى بنات المصفطى الطهر حسراً * * * ونسوة صخر لا يراع لها وكر
أتوها بنو مروان فافتعلوا بها * * * أفاعيل منها شنعة برء الكفر
فكم أخربوا فيها بلاداً وأهلكوا * * * عباداً وضج القتل في الناس والأسر
وأولهم تنبيك مكة ما جنى * * * عشية بالحجاج شد له أزر
على حرم الله المجانيق نصبت * * * فهدم حتى البيت والركن والحجر
وولي من بعد العراق فعندها * * * توالى هناك الظلم وانتشر الشر
وما زال من كوفان يعبث ظلمه * * * إلى أن أعيدت وهي مخربة قفر
فكم من سعيد قد شقى بهلاكه * * * وكم عابد صلت على عنقه البسر
ودع للوليد الذكر أن بذكره * * * يزعزع عرش الله والرسل الطهر
أما جعل القرآن مرمى سهامه * * * فمزقه رمياً كما يشهد الشعر
أما أمر السكرى وقد اجنبا معاً * * * فأمت بأهل المصر غادته العفر
أما نكحوا عماتهم وبناتهم * * * وشاع الخنا ما بينهم وفشا العهر
ألم ترد الأخبار عنه بلعنهم * * * وطر أناس ما استطال له العمر
ألم ير رؤياً أزعجته فنزلت * * * بلعنهم الآيات إذ ذاك والذكر
أما عاد مال المسلمين وبيته * * * لهم دخلا بشرى به اللهو والسكر
أولئك كالإسلام كانوا أئمة * * * إليهم من الله انتهى النهي والأمر
فوا أسفي لو كان يجدي تأسفي * * * وواصبر نفسي حيل من دونها الصبر
تعد بنو مروان فيكم أئمة * * * وآل رسول الله ليس لهم ذكر
وتحكى مزاياهم مساوى عداهم * * * فكل به تفنى الدفاتر والحبر
وحسب بني المختار أحمد جدهم * * * وحسب بني مروان جدهم صخر
ولما رأينا فيهم كل سبة * * * وكل شنيع دونه الكفر والمكر
علمنا بأن المصطفى ما عناهم * * * بأخباره والأمر في بيته قصر
وإن اجتماع الناس لاخيرة لهم * * * ولكنما ألجاهم الخوف والقهر
وليس الذي يعينهم من تجمعت * * * عليه الورى قسراً ولو دأبه الكفر
وذا خبر الثقلين أضحى مسلماً * * * لدى الكل لا ريب عراه ولا نكر
وها هو بالتعيين نص بأهله * * * فقد قرنوا هم بالتمسك والذكر
فمن أهله لن يخلو عصر بحكمه * * * كما من كتاب الله لن يخلون عصر
وأكده مذ قال لن يتفرقا * * * إلى أن يوافيني معاً بهما الحشر
سفينة نوح هم فراكبها نجا * * * وتاركها يلقيه في لجه البحر
وأورد سمهوديكم في خلاصة * * * الوفا خبراً ما أن يحيق به المكر
إلى حائط جاء النبي وكفه * * * بكف علي في السماء له القدر
هنالك صاح النخل هذا النبي والولي * * * الذي منه أئمتنا الطهر
فقال رسول الله للصهر سم ذا * * * من النخل صيحاني ليشتهر الأمر
فواعجباً حتى الجمادات سلمت * * * فما بال قوم تدعى أن لها حجر
وثم حديث قد روته كباركم * * * باسناده قد صح مضمونه البكر
هم أمن أهل الأرض لولاهم هوى * * * كأهل السما أمن لها الأنجم الزهر
ومن ها هنا قد بان نفع وجوده * * * لكل الورى من أنكروه ومن قروا
وكم مثل ذا ما لو تأملتم به * * * لكم لاح من أسراره البطن والظهر
ومن مات لم يعرف إمام زمانه * * * يصرح عما ندعيه ويفتر
وياليت شعري لو سألت من الذي * * * إذا مت لم تعرف عاجلك الخسر
وفي أي ثقل قد تمسكت طائعاً * * * نبيك في أهليه إذ جاءك الأمر
اتكفرها من بعد ما قد تواترت * * * وسلم فيها الكل لا الشفع والوتر
أجل أم تقل في غير آل محمّد * * * مأولة تلك الأحاديث والزبر
فجئنا بأهدى منهم نتبعهم * * * وإلا فمن زيد إذا عد أم عمرو
ومن ذا جميعاً بأن لابد ثم من * * * إمام هدى لم يخل من شخصه عصر
وقولك - هذا الوقت داع لمثله - * * * ضلال فلا ظلم توالى ولا شر
وما ظلم ذاك الوقت إلا إذا ملا * * * البقاع وما تحت السما الكفر والغدر
بحيث لو استبقى من الناس مؤمن * * * لا هلكه ما بينهما الخوف والحذر
هناك له يأتي الإله بعدة * * * كعدة ما للمصطفى ضمنت بدر
ويأتي له من ربه الأذن عندها * * * فيملأها قسطاً ويرتفع المكر
ولم يأت للآن النداء من السما * * * على أحد هذا هو الخلف الطهر
وحاشاه أن يعصى ويخرج قبل أن * * * يجئ له من ربه الإذن والنصر
ومنا إله العرش أدرى بفعله * * * وليس لنا نهي عليه ولا أمر
ولم نعترض هلا أذنت بوقتنا * * * ففيه توالى الظلم وانتشر الشر
على أنه لا ظلم باد وهذه * * * ملوك بني عثمان آثارها غر
وراياتها في كل شرق ومغرب * * * على طي أعناق الملوك لها نشر
بسلطاننا عبد الحميد قد اغتدت * * * ثغور بني الإسلام بالعدل تفتر
ببيض أياديه وزرق سيوفه * * * جميع بقاع الأرض يانعة خضر
ولم نر في الأعصار عصراً كعصره * * * به انبسط الإيمان وانتشر البشر
ومنه قد استوجبت حداً وإنما * * * بقولك ذا عماله الصيد لم يدروا
على أنه لو سلم الظلم في الورى * * * وإن جميع الأرض قد عمها النكر
فذاك عليكم وارد حيث أنه * * * إلى الآن لم يولد ولم يبده الدهر
وقولك - من خوف الطغاة قد اختفى - * * * وإن ذاك شيء لا يجوزه الحجر
كقولك - من خوف الأذاة قد اختفى - * * * فذلك قول عن معايب يفتر
ويتلو هذا - الاختفاء بأمر من * * * له الأمر في الأكوان والحمد والشكر
وإن رمت توضيح المقال لدفع ما * * * به وقع الإشكال والتبس الأمر
فأجمعها طول على غير شبهة * * * لكل جهول ماله مسكة تعرو
فمنا اغتنم حلا ونقضاً جوابها * * * على أن هذا الأمر مسلكه وعر
وذلك ان الله أرسل رسله * * * فلم يبق للعاصي بمعصية عذر
ودلت عليه بالعقول خوارق * * * ومعجزة كيلا يقال هي السحر
ولو انهم في كل حال يرى لهم * * * على كل من عاداهم الفتح والنصر
لا وشك من ضعف العقول يرونهم * * * عن الله أرباباً فينعكس الأمر
فمن أجل هذا لم يزل لعداهم * * * عليهم على طول المدى القهر والظفر
ويشهد فيما قلته كل من له * * * بأحوال رسل الله من قبل ذا سبر
وإلا فقل مذ غاب في الغار أحمد * * * وصاحبه لما اطلهم المكر
ايعجز رب الخلق عن نصر حزبه * * * على غيرهم حاشا فهذا هو الكفر
وليتك مذمنك المعاني تكسرت * * * حفظت مبانيها فلم يعرها الكسر
بلى حينما قد خانك النصر جئتنا * * * نقول بها - وهو المؤيده النصر -
وقد بان من هذا بأن لو بكل ما * * * تقول التزمنا ما علينا بها ضر
وان خلافاً منك ذا حيث لم تكن * * * بحسن تقول الاشعرية والجبر
ولا حسن إلا ما به الشرع قد أتى * * * ولا قبح إلا عنه ما قد أتى الزجر
فكان جديراً لو سألت من الذي * * * يقول به ما قاله الشارع الطهر
وطالبت في دعواه حق دليلها * * * فان قاله فالحمد لله والشكر
وإن لم يقله كان حقاً عليك لو * * * سخرت بها واهتزك الجهل والكبر
ولكن بحمد الله أصبحت أجهل الا * * * نام فلا عرف لديكم ولا نكر
رددت دعاوانا بأسوء فرية * * * كما ردها يوماً بسوئته عمرو
حفرت لنا بئراً لتوقعنا بها * * * وقد أوقعتكم في حفيرتها البئر
وشعرك لم يعذب على ان كله * * * افتراءوها بالكذب يستعذب الشعر
ولكن من العجز اخترعت كواذباً * * * تثير من الاحقاد ما كمن الصدر
شققت عصا الاسلام فيها وان ذا * * * بايحاء أهل الكفر كي يغلب الكفر
شياطينهم غرتك فيه وانما * * * قد استلبت إيمانك البيض والصفر
فترجمت من تلك الأباطيل جيفة * * * كستها بنتن الخبث الفاظك الغبر
وألقيت بالبغضاء في أهل ملة * * * ليشغلها ما بينها الكر والفر
فتأخذها الأعداء من كل جانب * * * وتنهش اسد الدين أكلبها العقر
أجل فاختراع الكذب فيكم سجية * * * ففيكم على أشياخكم يقتفا الأثر
فكم نسبوا أمراً الينا ولم يفه * * * به أحد منا ولا ضمه سفر
فذا الهيتمي كم في صواعقه رمى * * * إلينا أموراً ليس فينا لها ذكر
وذا الحافظ الذهبي يزعم ان نرى * * * بسردابه المهدي أعدمه الستر
وها نحن كلا قائلون بان من * * * رأى شخصه بالذات لم يحصه الذكر
بكبراه والصغرى معاً بأن للورى * * * وفي كل هذا كل أصحابنا قروا
وينكر منا القول أن هو جامع * * * العلوم وأن في كل شيء له خبر
وما هو إلا وارث علم جده * * * وأن علوم المصطفى ما لها حصر
فلا غرو أن لو تفتري اليوم قائلاً * * * له الفضل عن أم القرى وله الفخر
وتهزأ في السرداب جهلاً وفيهم * * * ويبدو على ما تفتري الهزؤ والسخر
فما أسعد السرداب بالبدر وحده * * * نعم ما أظلته السما البر والبحر
وأسعدها أما القرى فيه أنه * * * سيطلع منها مشرقاً ذلك البدر
وذا منك جهلاً وافتراء بأننا * * * عليها نرى السرداب أضحى له الفخر
وما شرف السرداب إلا لأنه * * * غدالهم بيتاً به برهة قروا
وهم في بيوت ربها إذن لها * * * لترفع إجلالا ويتلى بها الذكر
فيا مفتري هذا المقال ابن لنا * * * بذلك من ذا قال فلتنشر السفر
وقد صرح الأصحاب أن طلوعه * * * بحيث كشمس الدين أطلعها الطهر
أبا صالح خذها إليك خريدة * * * ولا يرتجي إلا القبول لها مهر
تمزق من أعداك كل ممزق * * * ويمرق في أكبادها الخوف والذعر
وذخراً ليوم الحشر أعددتكم بها * * * ولم يفتقر عبد وأنتم له الذخر
إذا أسود وجهي بالذنوب فإن لي * * * لديكم بها ما يستضاء به الحشر
ألستم لشرع الدين أنتم نشرتم * * * ومنه إليكم فوض الحشر والنشر
ألستم بساق العرش نوراً ومنكم * * * لأهل السما التسبيح يعلم والذكر
صفا الذهب إلا بريز أنتم وانما * * * فؤادي إلا عن ولائكم صفر
موالي ما آتي به من ثنائكم * * * وقد ملئت منه الأناجيل والزبر
يواليكم قلبي على أن جرحه * * * لرزءكم لا يستطاع له سبر
سلام عليكم كلما نفحت صباً * * * وما غربت شمس وما طلع البدر
وينصركم مني لساني ومقولي * * * اذا ما بدا قد فاتها لكم النصر
ولا صبر لي حتى أراها تطالعت * * * لقائمكم في الجوراياته الخضر
بكم استمد الفيض ثم امدكم * * * ببحر ثناء فيكم ما له قعر
بني المصطفى من لي بأن ال عبدكم * * * فعبدكم من حر نار لظى حر
فبشرى لأعداكم بال أمية * * * كما بكم آل النبي لنا البشر
ولا برحت اعداؤكم في مهانة * * * يعاجلها خزي ويعقبها خزي
حياة شيخنا البلاغي:
آية الله البلاغي هو الشيخ محمّد جواد بن الشيخ حسن بن الشيخ طالب بن الشيخ عباس بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ حسين بن الشيخ عباس بن الشيخ حسن صاحب تنقيح المقال بن الشيخ عباس بن الشيخ محمّد علي بن محمّد البلاغي النجفي الربعي نسبة إلى ربيعة القبيلة المعروفة.
كان عالماً مجاهداً كبيراً، ومؤلفاً مكثراً خبيرا... داعية للشريعة الإسلامية، وحامية للنواميس الشرعية... صاحب القلم المقدس، واللسان الأقدس... اللذين بهما خدم الدين الإسلامي، ونشر الكمال الإنساني... حتى أصبح رائد المواقف النضالية المشرفة امام الماديين والملحدين والطبيعيين، فانتصر فيها عليهم، وأزاح شبهاتهم الفاسدة، ومزق خرافاتهم المضللة ودحض بدعهم الباطلة... ثم مثل لهم سمو الاسلام على جميع المذاهب والأديان...
ولد (قدّس سرّه) في مهد العلم النجف الأشرف سنة 1282 هجرية، ونشأ فيها نشأته العلمية، وارتقى في مدارجها الكمالية... فارتوى من نمير العلم عند أفذاذ الأساطين وكبار المجتهدين الشيخ محمّد طه نجف، والمحقق الخراساني والحاج آغا رضا الهمداني، والمولى السيد محمّد الهندي طاب ثراهم ثم هاجر إلى سامراء سنة 1326 هجرية، فأقام فيها نحو عشر سنين، بجوار
الإمامين العسكريين (عليهما السلام) فحضر على المحقق الميرزا محمّد تقي الشيرازي أعلى الله مقامه...
ثمّ غادرها إلى الكاظمية المشرفة فمكث فيها سنتين، وبعد ذلك عاد إلى النجف الأشرف مواصلاً حياته العلمية وسيرته التأليفية، ومواقفه البطولية... برز من قلمه الشريف مؤلفات جمة امتازت بالعلم الغزير، والأثر الكبير... إلى جانب المتانة، وحسن الأسلوب مما أبهجت الشرق؛ وزلزلت الغرب... ومنها: آلاء الرحمن في تفسير القرآن - فأجأه الأجل قبل اتمامها -، والرحلة المدرسية، وأنوار الهدى، ونصائح الهدى، والهدى إلى دين المصطفى، والبلاغ المبين، والعقود المفضلة، والتوحيد والتثليث، وأعاجيب الأكاذيب، وإبطال فتوى الوهابيين بهدم قبور البقيع، وأجوبة المسائل البغدادية والحلية والتبريزية، وداعي الإسلام وداعي النصارى، والمصابيح في رد مفتريات القاديانيين، والرد على جرجيس سائل وهاشم العربي، والرد على تعليم العلماء، والرد على ينابيع الكلام لبعض المسيحيين، والشهاب، وكتاب في الاحتجاج، وحاشية على مكاسب الشيخ الأنصاري، ورسائل كثيرة في مواضيع فقهية وأصولية وغيرهما، وتعليقات علمية على بعض الكتب الفقهية.
وقد كان (قدّس سرّه) بالإضافة إلى عظيم مكانته في العلم، وتفقهه في الدين أديباً كبيراً، وشاعراً مبدعاً - رائق النظم، سلس التعبير - وكان أكثر شعره في مدح ورثاء أهل البيت المعصومين (عليهم السلام) وله قصيدته الرائية البارعة في 112 بيتاً يأتي ذكرها.
قضى نحبه في ليلة الاثنين 22 شعبان المعظم سنة 1352 هجرية، ودفن بجوار سيد الوصيين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالصحن العلوي الشريف.
ومن العجيب ان مطلع احدى قصائده في مدح الامام الحجة أرواحنا فداه قوله:
حى شعبان فهو شهر سعودى * * * وعد وصلى فيه وليلة عيدى
فكان كما أجراه الله على لسانه إذ انتقل إلى رحمة ربه في شعبان، فعليه شآبيب الرأفة والرضوان.
المصادر: أعيان الشيعة ج17/ 68، الكنى والألقاب 2/ 83، طبقات أعلام الشيعة ج1، نقباء البشر ص323، معارف الدجال 1/ 196، ماضي النجف وحاضرها 2/ 61، الذريعة 1/ 38 و2/ 220 و3/ 140 و10/ 169، ريحانة الأدب 1/ 278، معجم رجال الفكر والأدب في النجف ص72، علماء معاصرين ص161، الأعلام 6/ 302، معجم المؤلقين 3/ 164.
أطعت الهوى فيهم وعاصاني الصبر * * * فها أنا مالي فيه نهي ولا أمر
أنست بهم سهل القفار ووعرها * * * فما راعني منهم سهل ولا وعر
أخا سفر ولهان اغتنم السرى * * * من الليل تغليساً إذا عرس السفر
بذا ملة ما أنكرت الم الوجى * * * وما صدها عن قصدها مهمة قفر
يضيق بها صدر الفضا فكأنها * * * بصدر مذيع عي عن كتمه سر
تحنّ إذا ذكرتها بديارهم * * * حنين مشوق هاج لوعته الذكر
وشملالة أعديتها بصبابتي * * * إذا هاجها شوق الديار فلا نكر
أروح وقلبي للوا عج والجوى * * * مباح وأجفاني عليها الكرى حجر
وأحمل أوزار الغرام وأنه * * * غرام به ينحط عن كاهلي الوزر
وكم لذلي خلع العذار وإن يكن * * * بحبى آل المصطفى فهو لي عذر
علقت بهم طفلاً فكانت تمائمي * * * مودتهم لاما يقلده النحر
ومازج دري حبهم يوم ساغ لي * * * ولولا مزاج الحب ما ساغ لي در
نعمت بحبهم ولكن بليتي * * * ببينهم والبين مطعمه مر
ونائين تدينهم إلي صبابتي * * * فعن ناظري غابوا وفي خاطري قروا
فمن نازح قد غيب الرمس شخصه * * * ومن غائب قد حال من دونه الستر
أطال زمان البين والصبر خانني * * * وما يصنع الولهان إن خانه الصبر
إلى م وكم تنكى بقلبي جراحة * * * من البين لا يأتي على قعرها سبر
فكم سائل عنه يسيل مدامعي * * * بتذكاره وكفاً كما يكف القطر
فيا سائلاً سمعاً لاية معجز * * * بآياته لا ما يزخرفه الشعر
إذا رضت صعب الفكر تهدي فقد كبا * * * لعاً لك في دحض العثار بك الفكر
فما الحجر في التقليد وإلا حجارة * * * وليس بغير الجد يصفو لك الحجر
لتدرك فيه الحسن والقبح مثلما * * * يحس بحس الذائق الحلو والمر
فإن قلت بالعدل الذي قال ذو النهى * * * به وله يهدي بمحكمه الذكر
ودنت بتنزيه الإله وأنه * * * ينوب أصول الدين من وهمه كسر
وأوجبت باللطف الإمام وأنه * * * به من عصاة الخلق ينقطع العذر
وعاينت فيمن مات فهو لذي الحجى * * * شفاء إذا أعيى بأدوائه الصدر
تؤسس بنيان الصواب على التقى * * * ويطلع من أفق اليقين لك الفجر
وفي خبر الثقلين هاد إلى الذي * * * تنازع فيه الناس والتبس الأمر
إذا قال خير الرسل لن يتفرقا * * * فكيف إذن يخلو من العترة العصر
وما إن تمسكتم بتينك أنهم * * * هم السادة الهادون والقادة الغر
ولما انطوى عصر الخلافة وانتهى * * * ولف بساط العدل وابتدأ الشر
وزاد يزيد الدين نقصاً وبعده * * * دهى بالوليد القرد أم الهدى عقر
تنادي لأحياء الهدى عترة الهدى * * * فما عاقهم قتل ولا هالهم ضر
وكم بذلوا في الوعظ والزجر جهدهم * * * ولم يجد بالغاوين وعظ ولا زجر
وكم ندبوا لله سراً وجهرة * * * وقد خلصا منهم له السر والجهر
إلى أن تفانوا كابراً بعد كابر * * * وما دولة إلا وفيها لهم وتر
ولا مثل يوم الطف يوم فجيعة * * * لذكراه في الأيام ينقص الظهر
يذيب سويدا القلب حزناً فعاذر * * * إذا سفحت من ذوبها الأدمع الحمر
ومذ أعذروا بالنصح في الله والدعا * * * إليه وآذان الورى صكها وقر
وشاء إله العرش أن يعضد الهدى * * * ويظهر من مكنون أسمائه السر
تألب أحزاب الضلال لقتله * * * عصائب يغريها به البغي والغدر
وهموا به خبطاً كموسى وجده ال * * * خليل فاضحى ربح همهم الخسر
فأغشاهم عنه وغشاه نوره * * * وكان بما هموا لجدهم العثر
وقام لخمس بالإمامة آية * * * كعيسى ويحيى آية وله الفخر
إذا أم معصوم من الآل زاخر * * * من العلم لاساجى العباب ولا نزر
وكان كداود فسل هيثمكم * * * أهل بعد هذا في إمامته نكر
وغاب بأمر الله للأجل الذي * * * يراه له في علمه وله الأمر
وأوعده أن يحيى الدين سيفه * * * وفيه لدين المصطفى يدرك الوتر
ويخدمه الأملاك جنداً وأنه * * * يشد له بالروح في ملكه أزر
وأن جميع الأرض ترجع ملكه * * * ويملأها قسطاً ويرتفع المكر
فأيقن أن الوعد حق وأنه * * * إلى وقت عيسى يستطيل له العمر
فسلم تفويضاً إلى الله صابراً * * * وعن أمره منه النهوض أو الصبر
ولم يك من خوف الأذاة اختفاؤه * * * ولكن بأمر الله خير له الستر
وحاشاه من جبن ولكن هو الذي * * * غدا يختشيه من حوى البر والبحر
أكل اختفاء خلت من خيفة الأذى * * * فرب اختفاء فيه يستنزل النصر
وكل فرار خلت جبناً فربما * * * يفر أخو بأس ليمكنه الكر
فكم قد تمارت للنبيين غيبة * * * على موعد فيها إلى ربهم فروا
وأن بيوم الغار والشعب قبله * * * غناء كما يغني عن الخبر الخبر
ولم أدر لم أنكرت كون اختفائه * * * بأمر الذي يعي بحكمته الفكر
أتحصر أمر الله في العجر أم الذي * * * أقامة ما لفقت أقعدك الحصر
فذلك أدهى الداهيات ولم يقل * * * به أحد إلا أخو السفه الغمر
ودونك أمر الأنبياء وما لقوا * * * ففيه لذى عينين يتضح الأمر
فمنهم فريق قد ساقهم حمامهم * * * بكأس الهوان القتل والذبح والنشر
أيعجز رب الخلق عن نصر حزبه * * * على غيرهم كلا فهذا هو الكفر
وكم مختف بين الشعاب وهارب * * * إلى الله في الأجبال يألفه النسر
فهلا بدى بين الورى متحملاً * * * مشقه نصح الخلق من دأبه الصبر
وإن كنت في ريب لطول بقائه * * * فهل رابك الدجال والصالح الخضر
أيرضى لبيب أن يعمر كافر * * * ويأباه في باق ليمحى به الكفر
ودونك أنباء النبي به تزد * * * بآحادها خبراً وآحادها كثر
فكم من ينابيع المودة منهل * * * نمير به يشفى لوارده الصدر
وفي غيره كم من حديث مسلسل * * * به يفطن الساهي ويستبصر الغر
ومن بين أسفار التواريخ عندكم * * * مؤلف في تاريخ مولده سفر
وكم قال من أعلامكم مثل قولنا * * * به عارف بحر وذو خبرة حبر
فكم في يواقيت البيان كفاية * * * يقلد من فصل الخطاب بها النحر
وذي روضة الأحباب فيها مطالب * * * السؤل وفي كل الفصول لها نشر
مناقب آل المصطفى لشواهد * * * النبوة فيها وهي تذكرة ذكر
وذا الشيخ أضحى في فتوحاته له * * * على كل تاريخ بتاريخه قصر
ولاح بمرقاه الهداية في المكا * * * شفات لدى مرآة أسراره السر
وللحسن الشيخ العراقي قصة * * * بسبع لياليها له ارتفع الستر
وصدقه الخواص فيما يقوله * * * وكل لديكم عارف ثقة بر
وما أسعد السرداب حظاً ولا تقل * * * له الفضل عن أم القرى وله الفخر
لئن غاب في السرداب يوماً فإنما * * * على الناس من أم القرى يطلع البدر
ولم يتخذه البدر برجاً وإنما * * * غدا أفقاً من خطه يضرب الستر
وها هو بين الناس كالشمس ضمها * * * سحاب ومنها يشرق البر والبحر
به تدفع الجلى ويستنزل الحيا * * * وتستنبت الغبر ويستكشف الضر
ولا عجب أن كان في كل حجة * * * يحج وفيه يسعد النحر والنفر
ويعرفه البيت الحرام وركنه * * * وزمزم والأستار والخيف والحجر
ولكنه عن أعين الناس غائب * * * كما غاب بين الناس إلياس والخضر
وقولك هذا الوقت داع لمثله * * * ففيه توالى الظلم وانتشر الشر
يعيبك فيه السامعون فإنه * * * لعمري قول عن معايب يفتر
فما أنت والداعي فدعه مسلماً * * * لعلم عليم عنه لا يعزب الذر
وقد جاء في الآثار أن ظهوره * * * يكون إذا ما جاء بالعجب الدهر
ويعرو أناساً قد تمادوا بغيهم * * * من القذف بعد المسخ والخسف ما يعرو
وتغدو الورى إذ كان يقتادها العمى * * * ويحملها من جهلها المركب الوعر
حيارى بلا دين وذو الدين قابض * * * على دينه ضعفاً كما يقبض الجمر
وكيف وهذا الدين يزهر روضه * * * وينفح من حافات زاهره النشر
وهذي ثغور المسلمين منيعة * * * بكل رباط فيه يبتسم الثغر
وذي راية التوحيد يخفق ظلها * * * فينكص رعباً دونها الشرك والكفر
وها هم ملوك المسلمين وعدلهم * * * وذي علماء الأمة الأنجم والزهر
فدع عنك وهماً تهت في ظلماته * * * ولا يرتضيه العبد كلا ولا الحر
وإن شئت تقريب المدى فلربما * * * يكل بميدان الجياد بك الفكر
فمذ قادنا هادي الدليل بما قضى * * * به العقل والنقل اليقينان والذكر
إلى عصمة الهادين آل محمّد * * * وأنهم في عصرهم لهم الأمر
وقد جاء في الآثار عن كل واحد * * * أحاديث يعيى من تواترها الحصر
تعرفنا ابن العسكري وأنه * * * هو القائم المهدي والواتر الوتر
تبعنا هدى الهادي فأبلغنا المدى * * * بنور الهدى والحمد لله والشكر
حياة سيدنا الأمين:
آية الله الأمين هو: السيد محسن بن السيد عبد الكريم بن السيد علي بن السيد محمّد الأمين بن أبي الحسن موسى بن حيدر بن أحمد الحسيني العاملي..
كان من أشهر علماء الإمامية، ومن أبهر مفاخر الشيعة.. فقيها جامعاً، مجتهداً فذاً... وكان قوي الحافظة، جيد القريحة، كريم الأخلاق، لين العريكة.. فطناً لبيباً المعياً.. خدم الشريعة الغراء بيده ولسانه وقلمه..
ولده (قدّس سرّه) سنة 1283 هجرية تقريباً في قرية (شقراء) من أعمال مرجعيون بجبل عامل ونشأ وترعرع فيها، وأكمل مقدماته العلمية بها.
ثمّ هاجر في سنة 1308 هجرية إلى عاصمة العلم النجف الأشرف، فأقام فيها سنين عديدة معتكفاً على طلب العلوم العليا، والمعارف المثلى ومرتوياً بالمفاضل الأخلاقية والمعالم الإسلامية فجد في دراساته حتى حضر دروس الآيات الأعلام، والفطاحل العظام: المحقق الخراساني، وشيخ الشريعة الأصفهاني، والشيخ محمّد طه نجف، والحاج آغا رضا الهمداني طاب ثراهيم فبلغ الرتبة السامية، والمرتبة الر فيعة.
ثمّ غادر النجف الأشرف سنة 1319 هجرية، وأقام في دمشق داعياً إلى الحق، ومبشراً بالصدق، يذب فيها عن الدين، ويحمي شريعة سيد المرسلين، وقد حاز هناك منبر التدريس، ونال سمو المرجعية، وأنشأ مدرستي المحسنية واليوسفية، وأصدر تصانيف عظيمة، ومؤلفات كريمة منها:
الموسوعة الثمينة (أعيان الشيعة)، والمجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية، والدر الثمين، وأساس الشريعة في الفقه الاستدلالي، وجزيلة المعاني في أصول الدين، وإقناع اللائم على إقامة المآتم، وشرح تبصرة المعلمين والدرر المنتقاة، ولواعج الأشجان، ومفتاح الجنات، والرحيق المختوم في المنثور والمنظوم، ومعادن الجواهر في علوم الأوائل والأواخر، وكشف الارتياب، والدروس الدينية، والدر النضيد في رثاء الشهيد، وأصدق الأخبار في قصة الأخذ بالثار، وتحفة الأحباب في آداب الطعام والشراب، والبحر الزخار في شرح أحاديث الأئمة الأطهار، والحصون المنيعة، وجناح الناهض، والدرة البهية، والروض الأريض، وسفينة الخائض، وضياء العقول وارجوزتان في الإرث والرضاع، وأرجوزة في علامات المجاز، وصفوة الصفوة في علم النحو، والمنيف في علم التصريف، وكشف الغامض، ودعبل الخزاعي، وأبو فراس الحمداني، وتتميم عنوان المعارف لإسماعيل بن عباد، ومناسك الحج، وحاشية على كتابي المعالم والقوانين في الأصول، ورسالة في الرد على صاحب المنار، ونقض الوشيعة في الرد على موسى جار الله وديوان شعره.
وله قصيدته الرائية الرائقة في 134 بيتاً يأتي ذكرها..
توفي (قدّس سرّه) في سنة 1371 هجرية، ودفن مدخل الصحن الشريف لمرقد
سيدتنا العقيلة زينب الكبرى (عليه السلام) بدمشق. حشره الله الكريم مع أجداده الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
المصادر:
أعيان الشيعة 33/ 443، الذريعة 2/ 7، 38، 120، 248 و3/ 4، 411، معارف الرجال 2/ 184، أحسن الوديعة 2/ 134، ريحانة الأدب 1/ 183، معجم رجال الفكر والأدب في النجف ص 44، علماء معاصرين ص 235، الاعلام 6/ 174، معجم المؤلفين 8/ 183.
نأوا وبقلبي من فراقهم جمر * * * وفي الخد من دمعي لبينهم غمر
ولست أرى ماء المدامع مطفئاً * * * لهيب الحشا مني ولو أنه نهر
وأورثني بعد الأحبة لوعة * * * تؤز الحشا منها كما ازت القدر
ولولا تسلي القلب منهم بأوبة * * * لطار ولم تغن الجوانح والصدر
بذلت لهم أغلى الذي ملكت يدي * * * وأصبح حظي منهم الصد والهجر
ويحلو لقلبي كلما مر ذكرهم * * * بنفسي افدي من حلوا كلما مروا
أرقت وهاجتني الهموم كأنما * * * على مضجعي مد القتاد أو السدر
وما أرقي من فقد ألف تحملت * * * به الضامرات القود اذ قومه سفر
ولا شاقني ربع بأكناف رامة * * * ولاهيمت قلبي جآذره العفر
ولا أنا ممن يملك الحب قلبه * * * لغانية من خلفها التيه والنفر
تعير الظباء العين جيداً ومقلة * * * ويفضح خوط البانة القد والخصر
فوجنتها ورد وقامتها قنا * * * ومبسمها برق وريقتها خمر
وطلعتها شمس وصبح جبينها * * * وطرتها ليل وغرتها بدر
لها بشر مثل الحرير ومنطق * * * رخيم ولكن قدّ من قلبها الصخر
ولكن وعى سمعي مقالة سائل * * * تحير منه اللب واضطرب الفكر
أتى سائلا عن مولد القائم الذي * * * تنازع فيه الناس والتبس الأمر
فمن قائل في القشر لب وجوده * * * ومن قائل قد نض عن لبه القشر
وما منهم إلا مقر بأنه * * * غداً يمتلي من عدله البر والبحر
فقمت مجيباً قائلا قول منصف * * * وقد بان لي من أمره الحلو والمر
سقطت على ذي خبرة وتجارب * * * وليس أخو جهل كمن عنده خبر
إليك عقوداً راح ينظمها الفكر * * * هي الدر لا ما قلد الجيد والنحر
وسحر بيان من لساني قد محا * * * بمتضح البرهان ماموه السحر
أبنت به نهج الصواب لمن وعى * * * ومنه لذي عينين قد وضح الفجر
الجواب عن قوله: وكيف وهذا الوقت داع لمثله والبيت الذي بعده:
زعمت بمحض القول قبح اختفائه * * * وقد فشيا في العالم الظلم والغدر
إذا جاز عند الظلم تأخير خلقه * * * فقد جاز بعد الخلق في حقه الستر
وهل كان قبل الأربعين محمّد * * * لدعوته يخفي وقد ظهر الكفر
وكيف أسر الرسل من قبل دينهم * * * زماناً وهل لله في كتمهم سر
وقد غاب من قد غاب منهم لخوفه * * * وشرد حتى ناله الجهد والضر
عود إلى الجواب عن قوله: وكيف وهذا الوقت، والبيت الذي بعده:
وقلت توالي الظلم والجور في الورى * * * فليس له في كتم أحكامه عذر
فإن قلت ما للمسلمين جميعهم * * * إمام غدا في كفه الأمر والزجر
وكلهم بالظلم والجور حاكم * * * فلو ظهر المهدي ضمهم القبر
فكيف وهذا الدين أبلج واضح * * * بسيف بني عثمان أيامه غر
وسلطاننا السامي المقام سما به * * * منار الهدى لم يخل من عد له قطر
مليك له تعنو الملوك وصارم * * * به تدفع الجلى ويستنزل النصر
اتعزي له ظلماً وتعلم أنه * * * اطاعته فرض وعصيانه وزر
وإن قلت دين المسلمين مؤيد * * * بسلطانهم لم يعره الخوف والذعر
فلم يك هذا الوقت وقت ظهوره * * * ولم يمتلئ ظلماً بها السهل والوعر
الجواب عن قوله: وإن قيل من خوف الطغاة والأبيات الأربعة التي بعده:
وأنكرت أن يخشى الردى بعد ما درى * * * يقيناً بعيسى أن سيجمعه الدهر
فقل لي موسى كيف تؤمر أمه * * * بإدخاله التابوت يقذفه الغمر
وقد كان يدري الله أن ابنها غدا * * * سيغلب فرعوناً وتصفو له مصر
وكيف اختفى في ليلة الغار أحمد * * * وفي غيرها خوف الردى وله الفخر
وقد كان يدري أن سيظهر دينه * * * على كل دين لا يخالطه نكر
وإن قلت لا يدري النبي وما سوى * * * المهيمن بالأجال شخص له خبر
فقل مثل هذا في الإمام فلا يرى * * * سبيلا إلى إنكاره من له حجر
نعم باختفاه قد درى ولأجله * * * درى أنه حتماً يطول له العمر
الجواب عن قوله: وإن قيل من خوف الاذاة، والأبيات الستة التي بعده:
وانكرت أن يخشى الأذى وقد انتهى * * * إليه من الله الشجاعة والصبر
ونزه عن جبن فحاشا لمثله * * * من الجبن اما ضمه العسكر المجر
فهل كان جبناً حين فر محمّد * * * إلى الغار مع صديقه أو له عذر
وهل كان يوم الشعب جبناً سكوته * * * سنين وما للدين في كلها ذكر
ومن قبل هذا كان يعبد ربه * * * مسراً فلا يفشو له في الورى سر
وكم من نبي فر من خيفة العدى * * * فما ضره خوف ولا عابه فر
وكلهم يمضون عن أمر ربهم * * * فإن شاءهم فروا وإن شاءهم كروا
الجواب عن قوله: وإن قيل ان الاختفاء بأمر من، والبيتين اللذين بعده:
وأنكرت أن يخفى بأمر من الذي * * * قد استويا في علمه السر والجهر
وقلت إذن رب البرية عاجز * * * عن النصر كلا ليس يعجزه النصر
فقل لي يوم الشعب والغار عن رضى * * * من الله ستر المصطفى أم به قهر
وقل لي كم لاقى النبيون من أذى * * * وكم قد فشا قدماً بها القتل والأسر
أكان إله العرش إذ ذاك عاجزاً * * * عن النصر والتأييد هذا هو الكفر
إذا كان يمحو كل ما هو قادر * * * عليه من المكروه لم يوجد الشر
ولم لا يكون الله شاء اختفاءه * * * ولا قبح فيه عند من دينه الجبر
تدين بأن الله ليست منوطة * * * بمصلحة أفعاله إذ هو الفقر
وتسأله عن أمره لوليه * * * لعمر أبي هذا التناقض والهجر
ومن ذا الذي أمسى بكل مصالح الـ * * * أمور محيطاً غير رب له الأمر
ولا يسأل الرحمن عن فعله ولا * * * يحيط بما في علمه أبداً فكر
وقلت بدا في الهند ذو مهدوية * * * وما ناله قتل ولا ناله ضر
فكم مدع للمهدوية غيره * * * قد انتهبت احشاءه البيض والسمر
وأنكر تم طول الحياة وقلتم * * * إلى مثل هذا لا يطول به العمر
في المعمرين:
وعمّر نوح بعد شيث وآدم * * * وعيسى وإلياس وإدريس والخضر
وعمر في الماضين عمرو بن عامر * * * ثمان مئين نابها العسر واليسر
كذلك مهلائيل ثم بدا له * * * على الأمن من طرف الردى نظر شزر
وذا ابن مضاض حارث عاش نصفها * * * فمدت اليه للردى أعين خزر
وعمر صيفي كما عمر ابنه * * * ليوم على الباري به وقع الأجر
وعاش عبيد فاغتدت من لداته * * * تعد بنات النعش والأنجم الزهر
وعمر عمرو وهو جد خزاعة * * * وأول من يعزى له الوصل والبحر
وقد عمر المستوغر بن ربيعة * * * فكان بصدر الموت من عمره وغر
وعاش زهير مع ربيع وطي * * * طويلاً فغالتهم مناياهم الحمر
وحارثة الكلبي وابن بقيلة * * * وكعب هو الدوسي أو فاسمه عمرو
وست مئين عاش قسم مع الورى * * * كذا هبل ثم استقل به القبر
ومثلهما أمسى سطيح معمراً * * * ومات ولم تغن الكهانة والزجر
وعمر عوف مع عدي وعامر * * * ثلاث مئين لا يخالطها كسر
وسيف بن وهب مع شرية ثم ذو * * * جدان وللأذقان من بعدها خروا
وثعلبة الأوسي وابن شرية * * * عبيد فمن بالدهر من بعد يغتر
كذلك كعب وابن كعب وجعفر * * * وذو أصبع فاغتال عمرهم البتر
وقد كان عباد على ما رووا لنا * * * ثلاث مئين باقياً مثل من مروا
وسام وتيم نصف ألف وبعدها * * * على الرغم واراهما المنزل القفر
وزادهما عشرين في العمر عامر * * * وكان له من بعدها في الثرى حفر
وست مئين عاش عوج وقبلها * * * ثلاثة آلاف فغيبه العفر
وعمر ذو القرنين ألفاً ونصفها * * * وللموت فيه بعدها انتشب الظفر
وقد عمر الضحاك ألفاً وبعدها * * * لداعي الردى قد راح يقتاده الأسر
وتسع مئين عاش قينان في الورى * * * وقد كان منه خير من ولدت فهر
وسبع مئين كان في الناس باقياً * * * نفيل ولم يدفع منيته الحذر
وعاش سليمان بن دواد مثلها * * * وزاد ولم يخلده ملك ولا وفر
وعاش ذويد ما علمت وعمرت * * * طويلاً رجال لا يحيط بها الحصر
الجواب عن قوله: فحتام هذا الاختفاء:
وقلت فحتام الخفاء وقد مضى * * * من الدهر آلاف وذاك له ذكر
ءأنكرت من رب البرية قدرة * * * على مثل هذا أن هذا هو الهجر
وقد جاء في الدجال والخضر مثله * * * وأثبته النص الصحيح ولا حجر
وقد بقيا من عهد موسى وأحمد * * * إلى زمن يعطي لمهديه النصر
إذا عمر الدجال وهو معاند * * * مضل ففي المهدي قد سهل الأمر
وقصة أهل الكهف أعجب والذي * * * على قرية قد مر أمر هما أمر
فلم يتسنه بعد قرن طعامه * * * كذاك شراب نابه الحر والقر
فقد صح مما مر أن وجوده * * * خفيا عن الأبصار ليس به حظر
ويثبت بالنص الجلي وجوده * * * وبالعقل لا يعروه شك ولا نكر
الدليل على وجوده بالفعل وغيبته بعد الفراغ من إثبات مكانه:
ففي الثقلين قد أتتنا رواية * * * تحق بها الدعوى ويندفع الأصر
يقول نبي الله إني تارك * * * لكم هادياً يبقى وإن فني الدهر
تركت كتاب الله فيكم وعترتي * * * هم أهل بيتي السادة القادة الغر
هما مرجع للخلق لن يتفرقا * * * إلى أن يكون النشر للناس والحشر
فما ضل من كانا له متمسكاً * * * ولا خاب من آل النبي له ذخر
فأثبت هذا القول للآل عصمة * * * وقدراً تسامى أن يدانيه قدر
أيأمرهم حاشاه أن يتمسكوا * * * بعاص ويلقيهم بما منه قد فروا
ومن كان للقرآن ليس مفارقاً * * * فعصمته حتم كما عصر الذكر
وحيث ورود الحوض أصبح غاية * * * فليس بخال منهما أبداً عصر
ونفي السوى الإجماع منا ومنكم اقتضى * * * وبما قلناه قد ثبت الحصر
وباللطف يقضي العقل حتماً فربنا * * * لطيف وفي كل الأمور له خبر
يقربنا من كل نفع وطاعة * * * ويبعدنا عن كل ذنب به الضر
ومن لطفه أمسى مثيباً معاقباً * * * ومن لطفه أن ترسل الرسل والنذر
تبين لنا طرق الضلالة والهدى * * * جميعاً وما في حكمه أبداً قسر
لئلا يرى للناس من بعد حجة * * * على الله أو يبدو لهم في غد عذر
ويحيى الذي يحيى ويهلك هالك * * * وقد جاءه التبيان ما دونه ستر
فأرسل فينا أنبياء تنزهوا * * * عن الذنب لا يعصى له فيهم أمر
ولو جاز أن يعصوه ما كان أمرهم * * * مطاعاً وخيف الكذب منهم أو المكر
ومن بعدهم أبقوا رعاة لدينهم * * * يحوطونه من أن يحيق به الكفر
هم الأوصياء الراشدون وكلهم * * * بحور علوم لا يخاض لها غمر
وكل دليل بالنبوة قد قضى * * * فمنه بإثبات الامام قضى الفكر
وكل دليل مثبت عصمة لهم * * * به عصمة في الأوصياء اثبت الحجر
فهذا أتى بالشرع من عند ربه * * * وهذا به للشرعة الحفظ والنصر
وليس بمعصوم سوى آل أحمد * * * باجماع كل المسلمين ولا نكر
فإن أصبح البرهان يثبت عصمة * * * فما حازها إلا هم واشتفى الصدر
وما نصبوا إلا بأمر من * * * حكيم تساوى عنده السر والجهر
وليس لأهل الأرض في ذاك خيرة * * * وكلهم فيما يحاول مضطر
وكيف يكون الأمر طبق اختيارهم * * * وطبعهم إلا أقلهم الشر
ولكن رباً بالعواقب عالماً * * * حكيماً إلى ما اختاره ينتهي الأمر
وهم فلك نوح قد نجا كل راكب * * * بها وهوى من حاد عنها به الكبر
وهم كالنجوم الزهر ما غاب واحد * * * عن الناس إلا أطلعت أنجم زهر
وهم في وصاة المصطفى باب حطة * * * لداخله من ربه الأمن والبشر
وهم أمن أهل الأرض كالأنجم التي * * * بها أمنت أهل السما وبها قروا
وربهم قد أذهب الرجس عنهم * * * أجل ولهم منه النزاهة والطهر
فهل بعد هذا القول ينكر عصمة * * * لهم ظهرت إلا أخو السفه الغمر
وخير الورى قال الأئمة كلهم * * * على ما رويتم في قريش لهم حصر
وقال يلي ذا الأمر عشر خلائف * * * مع اثنين كل في قريش له نجر
وفي بعضها من هام ولعلة * * * بها من رسول اله لم يكن الجهر
ومن مات لم يعرف إمام زمانه * * * فقد مات موتاً جاهلياً هو الخسر
ففي كل عصر من قريش خليفة * * * من العدد الميمون انكاره وزر
وينفي بإجماع الفريقين غير من * * * نقول وذاك اثنان يقفوهما عشر
فهذي روايات ثلاث بضمها * * * إلى واضح الاجماع يبدو لك السر
على أن في ثاني الأحاديث مقنعاً * * * لمن كان للإنصاف في قلبه بذر
فإن قريشاً من تخلف منهم * * * يزيدون عن هذا وهم عدد كثر
وبعضهم لا يستحق خلافة * * * لما فيه من ظلم به عظم الوزر
كمن من بني العباس أو من أمية * * * بحلم إله العرش عنهم قد اغتروا
ومن كان منهم ذا صلاح فإنه * * * قليل وهم من ذلك العدد الشطر
على أن في تلك الروايات انهم * * * سيبقون حتى يجمع الأمة النشر
وأن لا يزال الدين والحق قائماً * * * بهم ولهم في الأمة النهي والأمر
ومن قد ذكرنا من قريش فإنهم * * * قد انقرضوا طراً وأفناهم الدهر
اذاً فهم لا شك آل محمّد * * * وهم حيدر وابناه والتسعة الغر
فهم من أقر المسلمون بفضلهم * * * وهم من زكوا بين الأنام ومن بروا
وفي الثقلين ما أتى عاضد وما * * * مضى غيره أو ما يجيء له الذكر
وفيما رواه جابر عن نبينا * * * بلاغ لمن لم يعر مسمعه وقر
وما قد رواه أخطب الخطباء والجويني * * * ما في مثله شبهة تعرو
وغيرهما مما روته ثقاتكم * * * به شحن القرطاس وامتلأ السفر
تفيض ينابيع المودة للورى * * * به في مضامين يضيق بها الشعر
وفي بعضها سمى الأئمة كلهم * * * بأسمائهم ما شذ زوج ولا وتر
وأحمد والغر الميامين أخبروا * * * بغيبة مهدي به ختم العصر
روته لنا فوق التواتر عنهم * * * وعنه رجال لا يحيط بها الحصر
ذكر القائلين بوجود صاحب الزمان من علماء أهل السنة:
وقد قال منكم عدة بوجوده * * * ثقات لديكم ما عديدهم نزر
فهذا الفقيه الشافعي ابن طلحة * * * الذي لا توازي علمه الأبحر الغزر
يقول بما قلنا به في مطالب السؤول * * * ببرهان به يشرح الصدر
كذاك الفقيه الشافعي ابن يوسف * * * محمّد الكنجي من علمه البحر
كفايته تكفي وهذا بيانه * * * لقد بان منه الحق واتضح الأمر
كذا المالكي الحبر نجل محمّد * * * علي ابن صباغ هو الثقة البر
يقول بهذا في فصول مهمة * * * له وعلى فصل الربيع لها الفخر
وذا السبط للجوزي قال بقولنا * * * بتذكرة خصت وعم لها الذكر
وكم من كنوز بالفتوحات فتحت * * * ومنها غدا يستخرج الدر والتبر
كذا الفاضل الجامي منه شواهد الـ * * * نبوة ازكى شاهد ضمه الدهر
وفي روضة الأحباب أي حدائق * * * تفتح فيها من أكمته الزهر
وكم قد جلا فصل الخطاب مقالة * * * هي الفصل حقاً لا الخطابة والشعر
ومرآة أسرار الإله بدت لنا * * * ولادته منها كما بزغ البذر
ومما يقو المولوي معلقاً * * * على نفحات الإنس قد نفح النشر
وهذا ابن شم الدين كالشمس أصبحت * * * هدايته حتى اهتدين بها الزهر
وقد قال عبد الحق والحق قوله * * * بذك والأقوال من مثله كثر
وقد قال سعد الدين أيضاً بمثله * * * خليفة نجم الدين والعارف الصدر
كذلك شعرانيكم من كتابه الـ * * * يواقيت تختار اليواقيت والدر
وهذا الإمام البيهقي إمامكم * * * حكى ذاك عن جمع لهم كشف الستر
وقال بهذا غير من مر عصبة * * * يطول بهم ذيل الكلام وينجر
وكم عارف منكم وقطب قد ادعى * * * له رؤية يعطى بها الخير والبر
كما قد روى في كتبه الطبقات * * * واليواقيت شعرانيكم ذلك الحبر
عن الحسن الشيخ العراقي انه * * * رآه يقيناً مثلما طلع الفجر
وسبعة أيام أقام مشاهداً * * * لطلعته الغرا يباشره البشر
ولقنه ذكراً وإدمان ورده * * * فيوم به صوم ويوم به الفطر
وأسند في أنواره بيعة له * * * بجلق عن جمع برؤيته استروا
ووافقه في ذكر مدة عمره * * * علي هو الخواص ما عنده نكر
وعنه روى بعض المسلسلة البلا * * * ذري شفاهاً وهي فيكم لها ذكر
ومنا رآه عصبة لا يعدهم * * * حساب ولا يحويه أبداً حصر
اذا أخبر الأبدال منا ومنكم * * * به فأخو التكذيب مسلكه وعر
عود إلى الاستدلال على وجوده بالفعل:
وقد صح في الأخبار مما رويتم * * * وفي حصره تفنى الدفاتر والحبر
ظهور إمام لا محالة قائم * * * بنصر الهدى في كفه الخير واليسر
ويملؤها عدلاً وقسطاً كما امتلت * * * من الجور لا يخلو بها أبداً شبر
وإن اسمه كاسم النبي وجده * * * علي وإن الأم فاطمة الطهر
وقد أوضحت تلك الروايات نعته * * * وحليته كي يفهم الجاهل الغر
كما كان موسى موضحاً نعت أحمد * * * كذلك عيسى حين جاءهما الأمر
وما عينت وقت الولادة لا ولا * * * نفت قولنا بل انها منهما صفر
فإن وردت أخبارنا بوجوده * * * وغيبته يبدي تواترها السبر
وذكر اسمه مع نعته وصفاته * * * توافقت الأخبار واندفع الأصر
ولما مضى بعد النبي محمّد * * * ثلاثون عاماً لا يزيد بها شهر
اصيرت إلى الملك العضوض خلافة * * * تناوبها بين الورى الكسر والحبر
يقلدها في الناس بر وفاجر * * * ففاجرها يشقى ويحظى بها البر
وكم قد مضى دهر على الناس لم يكن * * * عليهم سوى من دأبه اللهو والخمر
كمثل يزيد والوليد ومن مشى * * * ضلالا على نهجيهما وهم كثر
فأولهم بالكفر أعلن بعد ما * * * أباح دماء للنبي بها وتر
وحكم في أبناء فاطمة بني * * * زياد وفي ابن المصطفى حكم الشمر
فباتت على وجه الصعيد جسومهم * * * ثلاثاً ومارت بالرؤس القنا السمر
وسيقت ذراريه نساء وصبية * * * اُسارى محى ألوانها البرد والحر
يطاف بها البلدان حتى كأنها * * * من الروم سبي راح يقتاده الأسر
وطيبة دار المصطفى قد أباحها * * * ثلاثاً فلم تسلم حصان ولا بكر
وبايع أهليها بأنهم له * * * عبيد فساد العبد واستعبد الحر
وهذا كتاب الله أمسى ممزقاً * * * ويا رب طفل حز أوداجه بسر
وكم شتموا فوق المنابر جهرة * * * علياً وراموا منه أن يدرك الثأر
وما فعل نمرود وفرعون بعده * * * كما فعل الحجاج لا ناله الغفر
وكم سخروا من صنو أحمد في الملا * * * وجاؤا بأفعا يذوب لها الصخر
وكم حرثوا قبر ابن بنت محمّد * * * وأجروا عليه الماء كي يطمس الذكر
وكم منهم أمت له الناس غادة * * * على غير طهر هز أعطافها السكر
وكم حكم النسوان في الناس لم يكن * * * ينازعها في الأمر زيد ولا عمرو
وكم من زمان كان للقرد منزل * * * رفيع غدا من دونه العبد والحر
وكم مدع حق الخلافة غاشم * * * كأن الورى سرب القطا وهو الصقر
أكانوا هم للمسلمين أئمة * * * هداة وفي أيديهم الطي والنشر
فمن ذا الذي يرضى إمامة مثلهم * * * على نفسه أم من إمام خلا العصر
ومن كان لم يعرف إمام زمانه * * * ففي حقه بالنص قد ثبت الكفر
وهل ترك الرحمن هذا الورى سدى * * * بلا حاكم عدل به يجبر الكسر
أ يخلق للحيوان في كل فرقة * * * رئيس مطاع دافع مانع بر
فللنحل يعسوب وللنمل قائد * * * وفي حمر الوحش الرئيس له ذكر
وفي بدن الإنسان قلب مدبر * * * جوارحه والناس أمرهم هدر
أيوكلهم وهو الحكيم لما اشتهوا * * * وعادتهم ظلم وطبعهم الغدر
ولو أن مخلوقاً يخلف ضيعة * * * إلى قيم قالوا أخو سفه غمر
فإن قلت ان الله ناظم أمرهم * * * جميعاً فما فيهم إلى قيم فقر
فذاك الذي ما قاله قط عاقل * * * ويقضي بأن لا ترسل الرسل والنذر
وأن لا يكون الأمر بالعرف واجباً * * * ولا النهي عن نكر ولا الوعظ والزجر
ولكنه أجرى الأمور جميعها * * * بأسبابها ما في مشيئته قهر
ولولاه ما تمت من الله حجة * * * على خلقه كلا ولا انقطع العذر
فهذا صريح العقل والنقل منكم * * * ومنا بأن لم يخل من حجة عصر
غدت كلها من هاشم أو قريشها * * * وما هي غير اثنين بعدهما عشر
وليس بهذا العد والوصف غير من * * * نقول فلله المحامد والشكر
نبذة من فضائل مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام):
فأولهم صنو النبي وصهره * * * فهل مثله صنو وهل مثله صهر
كهارون من موسى غدا من محمّد * * * وما منهما إلا وشد به الأزر
أخوه الصفي المجتبى وابن عمه * * * وناصره الكرار ان أعوز الكر
وأول من صلى وصام ملبياً * * * لدعوته والناس عمهم الكفر
وتحت الكسا ثانيه واحد خمسة * * * هم خير من غذاه في مهده الدر
أحب عباد الله بعد نبيه * * * إلى الله لم يغرره ملك ولا دثر
وللطائر المشوي في ذاك قصة * * * فبورك من طير به قد بنا الوكر
وواقيه يوم الغار منه بنفسه * * * من الموت لا يعروه خوف ولا ذعر
فبات ركين القلب فوق فراشه * * * وللموت أمسى نحوه نظر شزر
ومن طلق الدنيا ثلاثاً ولم يمل * * * إليها ولا ألوت به البيض والصفر
وفارس أحد والنضير وخيبر * * * ويوم حنين قد مضى قبله بدر
وشاد بيوم الخندق الدين إذ ثوى * * * بضربته العظمى إلى جنبه عمرو
وأفنى بيوم البصرة الجمع سيفه * * * فعاد ووجه الأرض بالدم محمر
وفي يوم صفين أباد جموعهم * * * وقد ذهبت فيه عن الولد الظئر
ولا تنس يوم النهروان وقد محى * * * جموعهم فيه وما عبر الجسر
مدينة علم طه وبابها * * * علي ومن أبوابه يدخل المصر
هو البحر بحر العلم والجود والندى * * * ولكن له مد وليس له جزر
وخصص في يوم الغدير ببيعة * * * بها أبيض وجه الدين وابتسم الثغر
وقام رسول الله فيهم بخطبة * * * يحقر في ألفاظها الدر والتبر
يقول وقد أصغوا جميعاً لقوله * * * وللأرض من حر الهجير بها سعر
ألست الذي أولى بكم من نفوسكم * * * فقالوا بلى أولى بها ولهم جأر
فقال ألا من كنت مولاه منكم * * * فهذا علي فهو مولاه والذخر
وفي هل أتى ماذا أتى وبانما * * * وليكم ما ليس يبلغه الحزر
وفي قل تعالوا أي كنز من الهدى * * * وأي مقام عنه قد أفصح الذكر
وفي آية التطهير أي فضيلة * * * بها عاد وجه الحق أبلج يفتر
وكان إمام العلم يقضي به ومن * * * سواه إمام السيف فانتظم الأمر
وكم رجعوا في معضلات أمورهم * * * إليه فلم يقعد به العي والحصر
وكم أعلن الفاروق لولا وجوده * * * هلكت ولولا حكمه انقصم الظهر
إلى أن مضى من قبله فتجمعا * * * له العلم والسلطان ما عنهما حجر
نبذة من فضائل باقي أهل البيت (عليهم السلام):
وقام بنوه الأطيبون مقامه * * * حماة هداة سادة قادة غر
وما عثر الأعداء منهم بزلة * * * ولا فيهم للقدح عين ولا أثر
ولا سئلوا عن مشكل فتوقفوا * * * ولا حار منهم عند معضلة فكر
ولا وجدوا يوماً بحلقة مرشد * * * يلقنهم من علمه عالم حبر
وكانوا جميعاً خير أهل زمانهم * * * بهم في سنين الجدب يستنزل القطر
وكم جهد الأعداء في طي فضلهم * * * ويزداد مع طول الزمان له النشر
وأعدى بني الدنيا ملوك زمانهم * * * لهم ما استطاعوا أن يمات لهم ذكر
ولا قدروا أن يلحقوا وصمة بهم * * * وذكرهم يزداد طيباً به النشر
وأعطى الرضا المأمون منه الرضا لما * * * درى إنه في علمه الواحد الوتر
وقلده عهد الخلافة بعده * * * فغاض بني العباس ذلك وازوروا
فأخبره أن لا تمام لأمره * * * وأنبأ عن غيب به نطق الجفر
وما برحوا للسيف والسم طعمة * * * يدانيهم قطر وينأى بهم قطر
إلى أن أتى مهديهم فتألبت * * * على قتله الأعداء يقتادها المكر
وكم رصدت فيه الحوامل برهة * * * واخفى عليهم مثل موسى فلم يدروا
وغيب عن لحظ العيون لموعد * * * به ليس يعرو الشاة من ذئبها نفر
وكان كيحى أوتي الحكم في الصبا * * * وذلك فضل الله ليس له حصر
الجواب عن قوله فما أسعد السرداب:
فما أسعد السرداب في سر من رأى * * * وأسعد منه البيت والركن والحجر
وما شرف السرداب إلا لأنه * * * بدار تناهي عندها العز والفخر
تشرف مغناها بسكنى ثلاثة * * * من الال يستسقى بذكرهم القطر
وقد أذن الباري تعالى برفعها * * * وذكر اسمه فيها فطاب لها الذكر
وقد كان في السرداب أعظم آية * * * من الحجة المهدي حار بها الفكر
أرادوا به سواءاً فخيب سعيهم * * * وعاقبة البغي الندامة والثبر
رأوا دونهم بحراً من الماء مغرقاً * * * لمن خاضه منهم وكانوا ولا بحر
وقد جاء للمهدي فيه زيارة * * * عن السادة الأطهار يعطى بها الأجر
وكم عبد الرحمن آل محمّد * * * به ولهم من خوفه أوجه صفر
ففي شرف السرداب هذا الذي أتى * * * وفي نسبة السرداب هذا هو السر
وما غاب في السرداب قط وإنما * * * توارى عن الأبصار إذ ناله الضر
ولا اتخذ السرداب برجاً ومن يكن * * * لنا ناسباً هذا فقولته هذر
بلى أمست الدنيا به مستنيرة * * * ومنه على أقطارها يعبق النشر
فكان كمثل الشمس بالسحب حجبت * * * ومن نفعها لم يحرم البحر والبر
وإن زهر السرداب بالبدر برهة * * * ففي البيت من أم القرى يطلع البدر
يبايع ما بين المقام وركنه * * * ويعنو له بالطاعة العبد والحر
فيا للأعاجيب التي من عجيبها * * * مقالة إخوان لنا لهم قدر
لنا نسبوا شيئاً ولسنا نقوله * * * وعابوا بما لم يجر منا له ذكر
بأن غاب في السرداب صاحب عصرنا * * * وأمسى مقيماً فيه ما بقى الدهر
ويخرج منه حين يأذن ربه * * * بذلك لا يعروه خوف ولا ذعر
أبينوا لنا من قال منا بهذه * * * وهل ضم هذا القول من كتبنا سفر
وإلا فأنتم ظالمون لنا بما * * * نسبتم وإن تأبوا فموعدنا الحشر
فدونكها من هاشمي خريدة * * * مضامينها نور وألفاظها در
وسمعاً امام العصر مني قصيدة * * * كغانية حسناء أبرزها الخدر
لحضرتك العلياء عفواً زففتها * * * وليس لها غير القبول لها مهر
بمدحكم ازدانت وحلي جيدها * * * ومن ذكركم قد راح يحسدها العطر
* * *