حول رؤية المهدي المنتظر عليه السلام
تأليف: حسين الكوراني
الفهرس
الإهداء
المقدمة
التلازم بين المنهج العقلي- الغيبي، والحديث عن المخلص
المهدي الموجود، و"غيبته"
إشكالية العمر الطويل
المحور الأول: المهدي المنتظر من هو؟
ملامح عامة
المحور الثاني: العمر الطويل
وُلد، سيولد
رؤية المهدي، خير دليل على وجوده
العمر الطويل
المحور الثالث: رؤيته عليه السلام
حول رؤيته عليه السلام
توقيع السُّمَّري
آراء العلماء
الشيخ الطوسي
الشيخ ابن عربي نثراً وشعراً
السيد ابن طاووس
العلامة الحلي
المقدس الأردبيلي
الشيخ أبو الحسن الفتوني العاملي
السيد الأمين
الجمع بين هذه الآراء وتوقيع السمري
المحور الرابع: في ظلال الغيب
في ظلال الغيب
الواقع شهادة وغيب
الإيمان بالغيب، محض الواقعية والعقلانية
مركزية التعامل مع الغيب في تحديد سلامة وعي الوجود
الواقعية البتراء مرض العصر:
ضعف الإيمان بالغيب = قابلية الاستعمار
كيف تعامل القرآن مع الغيب
عن عرش بلقيس وإحضاره في أقل من لمح البصر
وعن السمكة الميتة التي اتخذت سبيلها في البحر سرباً حين لامسها ماء الحياة
خلاصة القول
تداخل الغيب والشهادة
الموقف من دعاء التوسل
التوازن: ليس كل غريب غيباً
إلى الذين علّمتهم ظُلَم المطامير، كيف يكون انتظار الفرج..
وكيف هي الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر
فإذا بقلب كل منهم يردد:
"ربِّ السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه" (يوسف:33)
إلى المجاهدين الأسرى.. في سجون العدو الصهيوني، وسائر الطواغيت
* * *
مقدمة
تلتقي الأديان العالمية عند الاعتقاد ب "لقاء" المخلص" في "يوم الخلاص".
اليهود ينتظرون المسيح، الذي لم يأتِ إلى الدنيا بعد.
والمسيحيون ينتظرون المسيح، الذي كان، و" قُتِل" وسيعود.
والمسلمون ينتظرون المهدي المنتظر، الذي بشر به رسول الله "محمد" صلى الله عليه وآله، وينزل معه المسيح الذي كان، ولم يقتل، بل "شُبِّه لهم" ورفعه الله إليه.
ملفت إذاً، في الرؤية الإسلامية إلى المخلِّص، أن الحديث عن " المهدي" يقترن بالحديث عن" المسيح"، أي أن المسيح يظهر مع المهدي، بل هو مُدَّخَرٌ بإرادة إلهية للقيام بمهمة إلهية، تتناسب مع موقعه كنبي من أولي العزم، أي سادة الأنبياء. ولا تنافي أن مرحلة ما بعد ظهور النبي محمد هي مرحلة "خاتم النبيين".
المسيح – على ما يعتقد المسلمون- ينزل من مكانه العلي، الذي ورد ذكره في القرآن الكريم: "ورفعناه مكاناً عليا" ( مريم:57) وينصر" المهدي المنتظر" ويأتمُّ به. و"المهدي" خاتم الولاية المحمدية المطلقة، التي لا تنفك عن تظهير حقيقة كون النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، النبي الأول مرتبة، وإن كان الآخرَ زمناً. ومن هنا بشر به الأنبياء جميعاً، ذلك بأنه سر النبوات" بل هو " سر الخلق". بإذن الله تعالى.
إن أي جامعة علمية يعرف مؤسسوها في مرحلة التأسيس - لو فرض إمكان ذلك- أنه سيتوالى عليها خمسة عمداء نوعيين، وستبلغ هذه الجامعة قمة عطائها العلمي والحضاري على مستوى العالم، على يد العميد الخامس، فسيكون من الطبيعي أن يرفع المؤسسون صورة هذا العميد على هذه الجامعة ليكون شعارها والرمز.
ولأن الله تعالى "بكل شيء عليم"، ونظراً إلى وحدة الرسالات الإلهية، وخصائص الأنبياء، فقد كان النور المحمدي، والحقيقة المحمدية" مهوى أفئدة النبيين، يبشرون الأمم بالنبي محمد، ويهتدون بهداه الإلهي.
بذلك يكون هذا النور هو الإنسان الأكمل، وهو محور رحلة الإنسانية على وجه الأرض.
وحيث إنه لانبي بعد رسول الله محمد صلى الله عليه وآله، بل تستمر رسالته العالمية على يد أوصيائه الإثني عشر الأولياء، فإن خاتم الأولياء هو "المهدي المنتظر" آخر الأوصياء المحمديين.
يعني ماتقدم أن الرؤية الإسلامية عن" المخلص" تؤدَّي - عموماً، ودون الغرق في التفاصيل التي " يكمن فيها الشيطان عادة"- تصوراً متكاملاً، تنتظم فيه رؤى الأديان العالمية كلها حول يوم الخلاص، بما في ذلك الحديث عن معركة فاصلة هي" المدخل الحصري" إلى خلاص البشرية من الطواغيت، عنيتُ بها" مأدبة مرج عكا" التعبير الإسلامي عن معركة " هرمجدون".
وحيث إن أطروحات الأديان العالمية، حول المخلص - كما مر- تنتهي إلى الحديث عن شخصين: المسيح، والمهدي، كان من الملفت أيضاً " التكييف العقائدي" الذي تقدمه الأطروحة الإسلامية في الجمع بينهما (المهدي والمسيح)... في سياق عقائدي، يحفظ مكانة المسيح كنبي من أولي العزم، ويحفظ خاتمية الرسالة الإلهية بصيغتها الأخيرة" الإسلام المحمدي"، كما يظهر من السياق نفسه أن أبرز أسباب نزول المسيح هو كثرة المعتقدين به، لاسيما أولئك الذين تأثر اعتقادهم بصروف الدهر.
التلازم بين المنهج العقلي- الغيبي، والحديث عن المخلص:
في الأحقاب "المادية" المتأخرة، تعرض المنهج العقلي الذي هو منهج "النبوات"، لأخطر إضرارٍ منهجي عبر القرون، فاكتسح ما وُصِفَ ب" المنهج المادي" حصون المنهج العقلي، مدعياً ملكيتها الحصرية، بل هو بالغ في الإستحواذ، ومصادرة حق الوجود، إلى حد اعتباره المنهج النبوي العقلي مجانباً للعقل أومناقضاً له، أوأنه "حديث خرافة
وقد ترتب على هذا الإستحواذ من المآسي، ما لا تشكل كل الحروب وحملات الإستعمار العسكري والسياسي - التي تتوالى فصولاً- إلا بعض تردداته.
ولقد شكَّل الغزو الثقافي - ومايزال- أخطر تمظهرات تلك النكبات والمآسي. ففي سياقه تعرضت حقائق الأديان - وهي نفسها حقائق المنهج العقلي- للطمس، أو التشويه والتحريف.
ولعل من أبرز هذه الحقائق الدينية حقيقة " المخلِّص" و"يوم الخلاص".
ولكنها لحيويتها الإستثنائية، باتتت حقيقة تلح على الفكر االمستنير في كل عصر، لاستحضارها واستجلائها.
المهدي الموجود، و"غيبته"
وتمتاز الرؤية الإسلامية عن " المخلص" بالاعتقاد بوجود هذا المخلص بين الناس، ينتظر المسلمون ظهوره. وهي ميزة تكسب هذه الرؤية حيوية شديدة الخصوصية، وفاعلية بالغة الأثر، وهما ضرورتان وجوديتان، لتؤتي وظيفة" الإنتظار" بما هي في الرؤية النبوية" حضور الغائب، وترقُّبُ ظهوره" - أفضل العبادة، ولتفضي نتائجها عبر الأجيال، في زرع الأمل بالخلاص.
من هنا كان للثقافة" المهدوية"- ثقافةِ المخلِّص في الرؤية الإسلامية، فرادتها وطليعيتها بلحاظ أنها " مشروع المستقبل".
ومن هنا أيضاً كان للثقافة المهدوية إشكاليتها الخاصة والتخصصية، عنيت بذلك تحديداً: إشكالية طول العمر.
* * *
إشكالية العمر الطويل:
ولد المهدي المنتظر حوالي عام 256 للهجرة (حوالي 870 للميلاد). وأما دلالة بقائه حياً فهي تعني أن عمره جاوز الألف والمائة وخمسين عاماً.
فهل هناك دليل علمي مقنع على وقوع هذا الأمر البالغ الغرابة؟
وفي سياق الأدلة العلمية على وقوع هذا الأمر الغريب جداً- وهو نفسه سياق أن العقل لايمنع وقوعه- يتخذ الإستدلال ضمن هذا السياق عدة اتجاهات:
1- الدليل الطبي. لاينفي علم الطب إمكانية بقاء الإنسان حياً لقرون.
2- الدليل التاريخي. إذ من الثابت في علم التاريخ وجود معمرين لدى مختلف شعوب العالم.
3-الدليل العقائدي، الديني. حيث تجمع الأديان كلها على معمرين من الأنبياء وغيرهم.
4- الدليل الحسي: حيث تمكن عدد من الموثوقين في العصور المختلفة من رؤية الإمام المهدي
ومن الواضح أن جميع هذه الإتجاهات الإستدلالية، مبنية على قبول العقل، وعدمِ نفيه إمكانية" العمر الطويل".
يتكفل الدليل الحسي المتقدم بالبحث في موضوعين:
الأول: إثبات إمكانية"رؤية المهدي"، وهو موضوع هذه الدراسة.
الثاني: قصص"الرؤية"، واللقاء بالإمام المهدي، في الغيبة الكبرى.
والمراد بالغيبة الكبرى، أو الغيبة التامة، أو الغيبة الثانية، هو غيبة الإمام المهدي عن أنظار الناس. وذلك ما يبتديء بعد الغيبة الصغرى التي استمرت من ولادته حوالي عام 260 إلى عام 329= 870-939م
وليتضح موقع هذين الموضوعين من الأبحاث المختصة بالإمام المهدي، أُلْفِتُ إلى أن هذه الأبحاث تشمل مايلي:
أ- التعريف به.
ب- علامات الظهور.
ج- عصر الظهور ووقائعه.
د- رؤية المهدي في زمن الغيبة.
هـ- قصص الرؤية واللقاء، التي توثق للوقائع التي خبرها الذين رأوه عليه السلام..(1)
وإذاً، فموضوع الدراسة هنا هو الإضاءة على أحد أبرز محاور الحديث عن المهدي المنتظر. قصدت بذلك: "المخلِّص" بحسب الأطروحة الإسلامية.
* * *
تجدر الإشارة إلى أن الخلاف المزعوم بين الشيعة والسنة، والذي يجري تقديمه - حتى من قبل الكثيرين من الشيعة- على نحوٍ مؤداه أن مسألة المهدي لا تحظى بالإجماع الإسلامي، إلا على أصل ظهور المهدي، وعلى أنه من نسل النبي محمد.
والصحيح الذي لالبس فيه، والذي سعيت إلى بيانه في هذا البحث، هو أن الإجماع الإسلامي قائم على شخص المهدي ابن الإمام الحسن العسكري الذي ينتهي نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب، وأن هذا الإجماع قائم أيضاً على الأبرز من خصائصه النبوية، والتي تحدد فرادة موقعه في منظومة الإمامة ووراثة الأنبياء، وأن هذا الإجماع قائم أيضاً – في العموم- على الإرهاصات القريبة من عصر الظهور، والبعيدة عنه والتي اصطلح عليها بـ "علامات الظهور".
ولا مناص من الالفات إلى حقيقة تاريخية هي أن الثقافة التي عملت أنظمة الحكم الجائرة على نشرها بين المسلمين عبر القرون، هي ما عرف بثقافة "إسلام البلاط"، ولقد كان من شأن ثقافة كهذه أن حَرَّفت " الثقافة المهدوية" لتظهِّر خلافاً مزعوماً بين المسلمين، وتحصر الاعتقاد بوجود المهدي الغائب، بالشيعة من دون السنة.
والدليل على ما تقدم هو كتب العلماء المسلمين الذين سلموا من لوثة البلاط، وأثبتوا في مؤلفاتهم على مر القرون، عقيدة المسلمين في المهدي المنتظر. وللتفصيل مجال آخر.
وسنجد في متن البحث عن الرؤية، حديثاً عن نماذج من العلماء المسلمين السنة الذين صرحوا برؤيتهم الإمام المهدي في الغيبة الكبرى.
* * *
تناولت هذه الدراسة أربعة محاور، هي كما يلي:
المحور الأول: المهدي المنتظر – ملامح عامة.
المحور الثاني: العمر الطويل. وهو يُعنى بإثبات أن استغراب طول العمر لا ينافي وقوعه.
المحور الثالث: حول رؤية المهدي. وفيه عرض لآراء العلماء المسلمين عبر الأزمنة المتعاقبة، ولاسيما لجهة إمكانية
رؤيته عليه السلام ووقوعها. إسهاماً في إحلال الرؤية في محلها الطبيعي.
المحور الرابع: في ظلال الغيب. وفيه وقفة مع الإشكالية المتقدمة،حول المنهج العقلي الغيبي، حيث آثرت مقاربتها باختصار في المحور الثاني، أي محور " العمر الطويل".
ولقد وجدت أن السبب في غربة موضوع الرؤية لدينا، وغرابتها، هو غربة الغيب لدينا –عموماً- وغرابته.
إن حضور "الغيب" في عالم الشهادة، هو سر حضور "الشهادة" وقيامها. غير أن السائد لدينا- معاشر المؤمنين بالغيب- هو تغييب الغيب بذريعة أنه غيب. وهو تغييب ناتج عن الاستغراب، مؤدًّ إلى الغربة.
تفرع على ذلك - على تغييب الغيب - غربة رؤية الغائب، مع أنه القائم بالغيب – الذي نصرح بإيماننا- به، كما أنه وليُّ حضورِه الدائم في عالم الشهادة، والمنتظر لإقامة هدى الغيب ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
لذلك، كان لابد من تخصيص المحور الرابع لمقاربة هذه الإشكالية وإثارة بعض التساؤلات الجادة حولها.
وبعد...، أسأل الله تعالى أن يتقبل هذا القليل، ويجعله ذخراً ليوم العرض الأكبر، إنه نعم المولى، ونعم النصير.
بيروت / 30 رجب / 1417 للهجرة
وقد أعدت النظر في هذه الدراسة للطبعة الثانية بتاريخ:
4 ج2 1429هجرية، الموافق:10/5/2008 م
حسين كوراني
المحور الأول: المهدي المنتظر من هو؟
ملامح عامة:
هو الإمام الثاني عشر من أئمة آل محمد، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال الشيخ ابن عربي في الفتوحات المكية:
"أبوه الإمام الحسن العسكري، بن الإمام علي الهادي، بن الإمام محمد الجواد، بن الإمام علي بن موسى الرضا، بن الإمام موسى بن جعفر الكاظم، بن الإمام جعفر بن محمد الصادق، بن الإمام محمد بن علي الباقر، بن الإمام علي بن الحسين السجاد، بن الإمام الحسين بن علي الشهيد، بن الإمام أمير المؤمنين ووليهم، أبي الحسن المرتضى علي بن أبي طالب، عليهم جميعاً صلوات الله سبحانه".(2)
* ذكرت لأمه – رضوان الله عليها – عدة أسماء أشهرها "نرجس" والظاهر أن السبب في تعدد أسمائها أمنيّ.(3)
وهي حفيدة "قيصر" ملك الروم، وينتهي نسب أمها إلى "شمعون" وصي المسيح عليه السلام.(4) وقد ذكر الشيخ الصدوق عليه الرحمة أن اسمها مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم.(5)
* من ألقابه: الحجة، المهدي، الخلف الصالح، القائم، المنتظر، صاحب الزمان، صاحب الأمر، قائم آل محمد، وبقية الله، وأشهرها المهدي(6). وإنما سمي به لأنه يهدي إلى أمر ضل الناس عنه، وسمي بالقائم لقيامه بالحق(7).
* كانت ولادته سلام الله عليه سنة 255 أو 256 للهجرة(8).
* كان عمره الشريف عند وفاة أبيه عليه السلام، خمس سنوات، آتاه الله فيها الحكمة كما آتاها من قبل يحيى صبياً، وجعله الله سبحانه إماماً في هذا العمر، كما جعل عيسى بن مريم في المهد نبياً(9)، وقد رآه في زمن أبيه الإمام العسكري عدد كبير من الخواص، دونت المصادر المعتبرة أسماءهم وشهاداتهم، كما يأتي.
* نص على إمامته جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وقد روى ذلك الشيعة والسنة بأحاديث معتبرة لدى الفريقين(10). وكذلك نص على إمامته أبوه المرتضى أمير المؤمنين علي عليه السلام، وآباؤه المعصومون سلام الله عليهم واحداً بعد واحد، إلى الإمام العسكري أبيه(11) الذي نص على إمامته لثقاته وخاصته من شيعته(12).
* تناقل الرواة خبر غيبته من صدر الإسلام قبل ولادته عليه السلام، وكذلك خبر ظهوره بعد الغيبة الطويلة، وحكمه الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
* تنقسم غيبته عليه السلام إلى" الغَيبة الصغرى" التي امتدت من سنة 260 إلى سنة 329= 870-939م، و"الغيبة الكبرى" التي بدأت سنة 329، وماتزال مستمرة حتى الآن.
* ليس الاعتقاد بظهور مصلح في آخر الزمان خاصاً بالدين الإسلامي، بل هو اعتقاد رئيس في الأديان الأخرى غير الإسلام.
يقول شكيب أرسلان: "فاليهود لا يزالون منتظرين المسيح الذي يجدد ملكهم قبل انقراض الدنيا، والنصارى يرون في عيسى عليه السلام المسيح الذي بشرت به الأنبياء، ويقولون برجوعه في آخر الوقت لإبادة الدجّال الذي ينبئ به يوحنا، والمسلمون عندهم المهدي الذي يظهر قبل قيام الساعة "ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً".(13)
* الاعتقاد بظهور شخص في آخر الزمان، يُعرف بالمهدي من ولد فاطمة سلام الله عليها، ومن نسل الإمام الحسين عليه السلام أمر مسلَّم به مفروغ منه عند جميع علماء السنة، بل إنهم يروون كل ما نرويه من التفاصيل عنه وعن كيفية ظهوره وحكمه وسيرته عليه السلام(14).
وقد ألف بعض كبار علماء السنة كتباً مستقلة عنه سلام الله عليه(15).
* اشتهر على الألسن، وربما وجد ذلك في بعض الكتب، أن الفرق بين الشيعة والسنة في مسألة المهدي عليه السلام، أن الشيعة يرون أنه ولد، بينما يرى السنة أنه لم يولد بعد(16).
والصحيح - رغم قرون التعتيم الإعلامي- أن كثيراً من أجلّة علماء السنة، يصرّحون بمولده الشريف، ونسبه المبارك بما يطابق ما في كتبنا(17).
وليس معنى هذا أن مسألة المهدي عليه السلام، وكما هو اعتقادنا حولها، جزء من المعتقد السني الشائع الآن، بل معناه أن التسنن الذي سلم من لوثة البلاط يعتقد بما نعتقد، والدليل على ذلك، أن البحث العلمي الموضوعي المعتمد على كتب السنة فقط، يؤدي تلقائياً إلى ما يلي:
المحور الثاني: العمر الطويل
1- الاعتقاد بفكرة المهدي وعمره الطويل.
2- الاعتقاد بأن عدداً كبيراً من العلماء السنة يصرحون بولادة المهدي المنتظر بن الإمام العسكري عليهما السلام، ويأتي مزيد إيضاح.
3- أن الذي هو جزء من المعتقد السني (السائد) الآن، وبلا نزاع، خروج شخص في آخر الزمان، اسمه المهدي وصلاة النبي عيسى خلفه(18).
4- أن المسلمين السنة وبمقتضى الثوابت المتسالم عليها حول أهل البيت، ملزمون- كالشيعة - بالاعتقاد بوجود شخص في كل عصرٍ من أهل البيت عليهم السلام، مؤهل للتمسك به، ليكون عدل القرآن الذي لا يفترق عنه إلى الحوض، ويكون أماناً لأهل الأرض كما هي النجوم أمانٌ لأهل السماء، ويكون العدل الذي ينفي عن الدين تحريف الغالين، كما نص على ذلك عدد من العلماء السنة منهم ابن حجر في الصواعق المحرقة، في معرض كلامه حول تخريج حديث: "النجوم أمان لأهل السماء..".(19)
يمثل هذا الحديث الشريف المتفق عليه، أحد الثوابت الإسلامية التي تؤكد- بمجموعها، على الأقل- أن الاعتقاد "بوجود شخص في كل عصرٍ من أهل البيت عليهم السلام، مؤهل للتمسك به" ركن ركين من العقيدة الإسلامية، يجب على المسلم أن يبحث عنه ويبايعه حتى لا تكون ميتته ميتة جاهلية.
إضافة إلى ثابتة " أهل بيتي أمان لأهل الأرض". فإن من هذه الثوابت:
2- " لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض".
3- " مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ".
4- " من مات ولم يعرف إمام زمانه، فميتته جاهلية ".
5- " في كل قرن من أهل بيتي (أو من أمتي) عدول.."
6- " اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش ".
بناءً على هذه الثوابت - وغيرها، أو الثلاثة الأُول منها فحسب- فإن السؤال المركزي: كيف يوفق المسلم بين هذه الثوابت وبين عدم وجود حجة لله تعالى على الخلق في كل زمان ومكان؟
ولا يواجه الشيعي في الجواب مأزقاً في تفسير هذه الثوابت التي تنسجم مع حاكمية الإسلام الدائمة، ومع إطلاق حديث رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي يأبى أن ينحصر بزمان دون غيره.
أحيل في بسط القول حول هذه الثوابت، إلى كتاب "أداب عصر الغيبة".(20)
وُلد، سيولد:
من الواضح أن الحديث عن رؤية المهدي، مرتبط جذرياً بالاعتقاد بولادته.
ومن الأخطاء الشائعة أن الشيعة يعتقدون بأنه ولد، أما السنة فيعتقدون بأنه سيولد.
الصحيح أن الإسلام السني الرسمي- إسلام البلاط- يتبنى أنه لم يولد، أما العلماء السنة الذين لا يسيسون الروايات والمعتقد بما يتناسب مع ثقافة السلطان، فهم يعتقدون بولادته كما نعتقد.
وينبغي التنبه إلى أن الفرق كبير جداً بين الاعتقاد العملي بولادة الإمام المهدي عليه السلام، وبين الاعتقاد بأنه سيولد، ويتجلى هذا الفرق في المجالات التالية:
1 – أنه حي، خصّه الله تعالى بطول العمر، لمصلحة اقتضت ذلك، كما هو الشأن في من شملهم هذا اللطف الإلهي الخاص.
2 – أنه يراقب الأحداث والتطورات على مستوى العالم الإسلامي والعالم كله، لا ليتعملق معها- خلافاً لسهو القلم من بعض كبار الأعاظم- فهو العالم بإذن الله تعالى غير المعلم، بل ليدير دفة الأمر الذي هو صاحبه، بما آتاه الله تعالى من قدرات، وسخّر له من إمكانات، ويتدخل في مجرى هذه الأحداث والتطورات، حيث ينبغي التدخل- كما تدخل العبد الصالح" الخضر" في موارد عدة توضحها سورة الكهف- قياماً بمهمته كوصي لرسول الله صلى الله عليه وآله، الحاضر أبداً بما آتاه الله تعالى من قوة الحضور بإذنه سبحانه، وهي قوة تتيح للشهداء من أمته صلى الله عليه وآله، أن يكونوا أحياء بإذن ربهم.
3 – أن المسلم المعتقد عملياً بوجوده عليه السلام، يعيش الانتماء العملي إلى قائد الأمة الإسلامية، الأمر الذي يرفد الانتماء من خلاله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وإلى توحيد الله تعالى، بمخزون جهادي هائل، وبأبعاد عملية، يستحيل أن تتوفر بدون هذا الاعتقاد بوجود المهدي المنتظر، عليه صلوات الرحمن.
4 – وكما هو الأمر في بُعد الجهاد الأصغر، كذلك هو في بعد الجهاد الأكبر، فإن إمكانية التشرف بلقاء وصي المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله، تُخرج عملية الجهاد الأكبر وبناء النفس، من إطار الحرص الذي يلتقي مع التسويف ويتعايش معه، إلى إطار الهدف المُلحّ، والضروري، والفوري، استعداداً للظهور، أو إحساساً متنامياً برقابة الإمام، وطلباً لرضاه عليه السلام باعتباره ولي الله الأعظم، والمأمور منه بإدارة " أمر" الناس، وصاحب هذا " الأمر" الذي يقدره الله تعالى في ليلة القدر.
ولا يمكن استيعاب هذه الخصوصية جيداً، إلا بعد التأمل في آثار الاستعداد للقائه عليه السلام، ونتائج التشرف، كما تُحدثنا بذلك قصص اللقاء، بما لا مزيد عليه.
إن مجرد استحضار أن خاتم الأوصياء، يطَّلع - بإذن الله تعالى - على أعمالنا، كفيل بإضفاء الطابع العملي الجاد على عملية بناء النفس.
وإن من شأن رفع وتيرة الاهتمام ببناء النفس أن يؤهلنا لكسب رضاه الذي يكشف عن رضا الله تعالى، بل هو رضاه عز وجل. فكيف إذا أضفنا إلى ذلك، إمكانية التشرف بلقائه عليه السلام.
وكيف إذا أضفنا خصوصية أن الإمام قد يعتمد هذا الشخص أو ذاك، للقيام بمهام محددة، كما يتضح من قصص اللقاء.
إن الإنسان ميّال بطبعه إلى المحسوسات، ومن هنا كان لاستحضار المعصوم الوصي كل هذا التأثير في عملية مراقبة النفس وبنائها، باعتبار المعصوم دليلاً في دروب الرحلة إلى الله تعالى.
* * *
وهذه المجالات الأربعة - المتقدمة - شديدة الأهمية، على مستوى العقيدة والسلوك.
فعلى المستوى الأول – العقيدة – تشكل همزة الوصل الضرورية، بين عالمي الغيب والشهادة في شخصية المسلم، فتمكنه من تحصين إيمانه بالغيب، وإبقائه في الإطار العملي، يزخر بالحيوية وقوة الحضور، بدل أن يضمر فيتلاشى أمام لمعان مفردات عالم الشهادة، ودوائر جذبها.
وعلى المستوى الثاني – السلوك – تجعل المسلم جزءاً من مشروع الإسلام الميداني، كما تقدمت الإشارة.
ولهذه الأهمية كان الفرق كبيراً جداً بين الاعتقاد العملي بوجود المهدي المنتظر عليه السلام، وبين الاعتقاد بأنه سيولد.
ولكن لماذا التأكيد على الاعتقاد العملي؟
والجواب: لأن الاعتقاد النظري بوجوده عليه صلوات الرحمن، هو من حيث الآثار والنتائج، كالاعتقاد بأنه سيولد، أو فقل هو كعدم الاعتقاد بوجوده.
ومعنى ذلك أن من لا يعيش الاعتقاد العملي بوجود الإمام المهدي، رغم اعتقاده النظري بذلك، هو كمن يعتقد بأنه سيولد، لا فرق بينهما إلا أن الأول غير منسجم مع قناعاته.
وما قيمة الاعتقاد النظري بأمر، إذا كان المسار العملي يناقضه.
وهنا بيت القصيد، ومكمن الداء.
إن ثمة خللاً كبيراً في علاقتنا بالإمام المهدي أرواحنا فداه تبلغ خطورته - على أقل تقدير- حدود ضعف العقيدة.
ويتجسد هذا الخلل في مجالين:
* الأول: عدم الإحساس بالانتماء إليه.
* الثاني: إنكار إمكانية التشرُّف بلقائه عليه السلام.
وخير دليل على الأول – إذا احتاج النهار إلى دليل – أننا غالباً نعيش الانتماء إلى أسرنا، وعشائرنا، وأطرنا السياسية، وقادتنا أكثر ما نعيش الانتماء إلى وصي رسول الله صلى الله عليه وآله، وحجة الله تعالى على خلقه صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
* * *
وأما إنكار إمكانية رؤيته عليه السلام، والتشرف بلقائه، أو الضياع في هذا الباب، فهو أوضح من سابقه، خصوصاً مع وجود الشبهة التي أثارها فهْمُ "توقيع السُّمَّرِي" كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
إلا أن هذا الإنكار أو القلق والضياع، يبقى لحسن الحظ ضمن الدوائر التي تزعم أنها "نخبوية"، وتزعم أيضاً أن المنهج العقلي يتنافى مع المنهج الغيبي! وهي لذلك ترفض المغيَّبات بتعالٍ وازدراء، يكشفان عن ضحالة وتخبط في شباك "النكراء" التي هي شبيهة العقل، وليست به.
وبديهي أن قصص التشرف بلقاء الإمام المهدي عليه السلام، تُلحق بالمغيبات فهي من وادي طُورها الأيمن، ولذلك يأتي الموقف منها سلبياً عند هؤلاء، وعند ضحاياهم، أي الذين قطعوا عليهم طريق الوصول إلى الإيمان العملي بالغيب.
بل الحقيقة التي لا بد من التأكيد عليها – بأعلى الصوت – أن الاعتقاد بالإمام المهدي عليه صلوات الرحمن، من حيث المبدأ، والمستلزمات، ملحق بالمغيبات.
إن طول عمر شخص ألفاً ومائة وإحدى وستين سنة – حتى الآن – أمر قائم على الغيب، يصدم كل مسلَّمات عالم الشهادة، ولا "ينسجم مع روح العصر"!
ولذلك تجد أن تعاطي هذه "النخب" – كما يحلو لها أن تسمي نفسها تواضعاً! والتصاقاً بالجماهير! – مع أصل الاعتقاد بالمهدي عليه السلام، تعاطٍ نظريٌ بحت، لا ينتقل من العقل إلى القلب، ولا يحتل بالتالي موقعه في الأحاسيس والمشاعر.
من هنا كان لا بد من التأكيد على الإيمان العملي بالمهدي المنتظر أرواحنا فداه، دون الاقتصار على استعمال مفردة "الإيمان" أو "الاعتقاد" لدى الحديث عنه عليه السلام.
إن الإيمان العملي بالمهدي المنتظر، هو إحدى الحقائق التي طمست معالمها تشويهاتُ "المنهج" الذي يدّعي العقلانية فيشطب على أساسها كل ما يتصور أنه منافٍ لما ظنه "عقلاً".
ولا فرق بين هذا الشطب بين أن يكون من صفحة الواقع والمسار العملي، أو يكون من صفحة الذهن والقناعة، فالنتيجة العملية واحدة.
وعلى أي حال فقد تكفل هؤلاء بعملية الشطب هذه، من المجالين معاً "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً".
إنه كالخرافة تماماً، إلا أنه بقدرة الله تعالى، قد تحقق، وهنا مكمن الإعجاز الذي من شأنه أن يسمو بنا في آفاق
التوحيد الرحيبة، بدل أن نظل في مستنقع معادلات التراب، والطين، والحمأ المسنون.
ما هو سبب التخبط الذي يقع فيه الكثيرون في التعامل مع الثقافة المهدوية بمختلف خصائصها، وخصوصاً في مجالي العمر الطويل والرؤية؟
هل هو شيء آخر غير تنكب المنهج القرآني، الذي يريدنا أن نجهر بالقصص العجيبة التي تضمنها القرآن الكريم، ونقرأها في المحافل، وفي كل ناد، وعلى رؤوس الأشهاد، ونفتخر بها، ونفتخر من خلالها بقوة منهجنا العقلي، الذي بلغ الذروة فعانق الغيب، وهو يريد أن يسمو بنا إليه، لأن الغيب لب العقل وكنهه، وبدونه يفقد العقل كل خصائصه، فإذا هو الشيطنة النكراء، كما في الرواية المعروفة عن الإمام الصادق عليه السلام.
وتبقى هذه الإشكالية جديرة بدراسة مستقلة، بل هي بالتأكيد جديرة بأن تتركز عليها الجهود باستمرار، لمحوريتها، وعظيم الآثار المترتبة على بلورتها.(21)
رؤية المهدي، خير دليل على وجوده
* من بديهيات الإسلام أن الله تعالى يُظهر دينه على الدين كله، على يد المهدي المنتظر، لتقوم بذلك دولة الإسلام العالمية، ويعم التوحيد الكرة الأرضية، وترفرف عليها راية لا إله إلا الله.
* وفي ما نعتقد نحن الشيعة، ويشاركنا هذا الاعتقاد عدد كبير جداً من العلماء السنّة، بأن المهدي المنتظر هو ابن الإمام الحسن العسكري عليهما السلام، قد ولد حوالي عام 256 للهجرة، وما يزال حياً، غائباً عن الأنظار، فإن الشائع بين السنّة أنه سيولد.
* ولا شك أن أوضح دليل يحسم الخلاف حول وجود شخص، وعدمه، هو رؤيته.
ولحسن الحظ فإن قصص التشرف برؤية خاتم الأوصياء المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، تبلغ المئات، وهي تغطي كل الفترة الزمنية التي استغرقتها الغيبتان الصغرى، والكبرى حتى الآن.
وهي مع ذلك تتضمن عدة قصص لبعض العلماء العبّاد السنّة، الذين صرّحوا بالتشرف بلقائه عليه السلام، منها ما صرح به الشيخ محي الدين بن عربي، في كتابه المرجعي "الفتوحات المكية" كما سيأتي.
لقد أقام كبار العلماء شيعة وسنة في مختلف العصور، الدليل على وجود الإمام المهدي.
و" قصص التشرف بلقاء المهدي عيه السلام" الموثقة، كثيرة جداً.
ورغم ذلك، فإن " التعتيم الإعلامي" - الذي هو من لوازم وجود الفراعنة، الذين لايرعبهم من الثقافة الإسلامية شيء كما ترعبهم ثقافة" يوم الخلاص"- قد ألقى بظلاله الداكنة على الثقافة المهدوية، فإذا العلاقة بوصي رسول الله المنتظر علاقة باهتة، وأما موضوع" الرؤية" والتشرف بلقاء الإمام المهدي – أرواحنا فداه – فقد أصبح غريباً حتى في عقر داره!
كثيراً ما تسمع التشكيك بإمكانية رؤيته عليه السلام، أو الجزم بعدم ذلك، أو التعاطي مع قصص الرؤية بمنتهى الاستخفاف، الذي هو النتيجة الطبيعية للجهل، والذي لاعلاج له إلا بتظهير ما قاله العلماء في هذا المجال.
العمر الطويل
أول ما يواجهنا في الحديث عن الإمام المنتظر - عجّل الله تعالى فرجه – مسألة العمر الطويل.
فهل يعقل أن يعيش إنسان أكثر من أحد عشر قرناً من الزمن؟!
ولابد أن يراعى في الجواب، أن يكون مقنعاً، للمسلمين، ولغير المسلمين، بل لمن يعتقد بدين، ولمن لا يعتقد.
وتنبغي الإشارة إلى أن الحديث عن الإمكان العلمي لطول عمر الإنسان - كما يأتي - مقنع للجميع، خصوصاً في عصرنا الذي يشهد تحقق غرائب الاستنساخ.
ولولا انشدادنا للمألوف، وابتعادنا عن تحكيم العقل، أو سعة الإطلاع في هذا الصدد، لما كان يوجد أي مسوِّغ لطرح هذا التساؤل والإجابة عنه!
بالنسبة للمسلمين الشيعة والسنة، يكفينا التذكير بنبي الله عيسى عليه السلام، حيث إنه بإجماع المسلمين حي يرزق، وعمره عليه السلام زاد على الألفين من السنين، ولا يزال حياً إلى الآن، وكذلك " إدريس" النبي وقد رفعه الله إليه.
فكيف إذا تخطينا ذلك إلى نبي الله نوح عليه السلام، الذي ورد في حديث معتبر، أنه عاش ألفين وخمسمائة سنة، ثمانمائة وخمسين منها قبل النبوة. وألف سنة إلا خمسين عاماً وهو في قومه يدعوهم، وسبعمائة سنة بعدما نزل من السفينة، ونضب الماء فمصّر الأمصار، وأسكن أولاده البلدان(22).
والسامري، وقول الله سبحانه: "فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس".(23)
وكذلك الخضر عليه السلام.
كل هذه الشواهد مما أجمع عليه المسلمون، بل هي من صلب المسلّمات لديهم، وجزء من معتقدهم، حيث إنها وردت في القرآن الكريم إجمالاً.
والشواهد على مسألة طول العمر، لا تنحصر بما تقدم، فالمعمرون المبثوثة أخبارهم في كتب التاريخ كثيرون جداً، منهم من عاش ألفي سنة، أو ألفاً، أو ستمائة سنة، أو أكثر أو أقل.
بل ذكر في بعض المصادر الشيعية والسنية، من عاش ألفين وخمسمائة سنة، أو أربعة آلاف سنة.(24)
ولست هنا بصدد ذكر المعمّرين وأخبارهم- وهو باب واسع جداً - وإنما أريد التنبيه على أن هذه الحقيقة مفروغ منها، تناقلتها الكتب عبر القرون.
إن علينا أن نفرق بين أمرين:
أ – أن طول عمر إنسان، أمر غير معقول.
ب – أنه أمر غير اعتيادي.
أما الأول فلا سبيل إلى الاعتقاد به، باعتبار أن طول العمر وقع للكثيرين، وكفى بذلك دليلاً ومعقولية.
وأما الثاني فلا ننكره، إلا أن الأمور غير العادية ملء السمع والبصر، ولا يقول أحد من العقلاء إن كون أمر ما غير اعتيادي دليل على عدم وجوده أو عدم صحته.
والقرآن الكريم يحدثنا بكثير من الأمور التي تزيد غرابة عن طول عمر إنسان آلاف السنين، ونحن نعتقد بها ونجزم بصحتها.
أو ليس الاعتقاد بأن الله يبعث جميع من في القبور، ويحشرهم على صعيد واحد، أشد غرابة من بقاء إنسان حياً آلاف السنين؟! وغير ذلك مما يزخر به القرآن الكريم.(25)
فهل ترانا نتوقف في هذه الأمور لغرابتها أم أننا نقبلها، لأن الغرابة والاستبعاد لا يقويان على مواجهة الدليل؟
بل يرى بعض علمائنا أن لا استبعاد في ذلك أصلاً.
قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة: " لا استبعاد في طول حياة القائم عليه السلام، لأن غيره من الأمم السالفة عاش ثلاثة آلاف سنة، كشعيب النبي، ولقمان عليهما السلام، ولأن ذلك أمر ممكن، والله تعالى قادر عليه".(26)
وتقول:
لا نرفض أن يطيل الله سبحانه عمر نبي من أنبيائه، لمصلحة يريدها، وما عدا ذلك مرفوض.
والجواب:
إن تحديد طول العمر بالأنبياء خطأ دون شك، والدليل عليه بقاء إبليس عليه اللعنة حياً إلى الوقت المعلوم(27).
فإطالة العمر إذاً، وهي من الله تعالى، قد تحصل للنبي ولغيره، وللمؤمن ولغيره، للمسيح النبي، وللدجال أيضاً كما هو المشهور بين المسلمين سنة وشيعة.
بل جاء في بعض النصوص أن السبب في طول عمر الخضر، هو علم الله سبحانه بما سيكون من إنكار عمر الإمام المهدي عليه السلام: "ولذلك طوّل الله عمر العبد الصالح الخضر، من غير سبب يوجب ذلك، إلا لعلة الاستدلال به على عمر القائم، وليقطع بذلك حجة المعاندين، لئلا يكون للناس على الله حجة.(28)
نستنتج مما تقدم، أن بقاء إنسان حياً إلى يوم القيامة، أمر يجمع عليه المسلمون كافة.
وأما وقوع ذلك – العمر الطويل – فهو أيضاً لا خلاف فيه، حيث لا يعتبر مسلماً من لا يؤمن بطول عمر النبي عيسى، على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام.
فلا مجال إذاً للنقاش في الإمكان والوقوع بشكل عام، إنما لك أن تسأل هل وقع ذلك لصاحب الأمر عجّل الله تعالى فرجه؟
* والجواب:
* أولاً: يجمع علماء الشيعة على ولادته، ويقدمون أدلة موضوعية تثبت ذلك، وكل من تصدى للنقاش فيها لم يدلِ بحجة مقنعة، بل اعتمد على الاستبعاد والاستغراب، وقد عرفت الأمر فيهما.
* ثانياً: يصرّح أكثر من ثمانين من علماء السنة بولادته عليه السلام(29) وفيهم العلماء الكبار المعترف بعلمهم،
وفضلهم، وأذكر هنا بعض النماذج من كلامهم، محيلاً في سواها إلى المصادر التي استوفت الحديث في الموضوع:
أ – قال الشعراني(30) في كتابه "اليواقيت والجواهر": فهناك يترقب خروج المهدي عليه السلام، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري، ومولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو باقٍ إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليه السلام، فيكون عمره إلى وقتنا هذا وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، سبعمائة سنة وستاً وستين، هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي ".." ووافقه على ذلك شيخنا سيد علي الخواص.(31)
ب – عقد الشبلنجي(32) في "نور الأبصار" فصلاً في أخبار المهدي، مصرحاً بولادته ونسبه الشريف، من الإمام العسكري إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، جاء فيه:
"قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف الكنجي في كتابه "البيان في أخبار صاحب الزمان":
"من الأدلة على كون المهدي حياً باقياً بعد غيبته وإلى الآن، وأنه لا امتناع في بقائه، بقاءُ عيسى بن مريم، والخضر، وإلياس، من أولياء الله تعالى، وبقاء الأعور الدجال، وإبليس اللعين، من أعداء الله تعالى، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة..".(33)
ج – قال العالم الكبير ابن طلحة(34) في كتابه "مطالب السؤول": الباب الثاني عشر، في أبي القاسم محمد بن الحسن الخالص، بن علي المتوكل، بن محمد القانع، بن علي الرضا، بن موسى الكاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علي زين العابدين، بن الحسين الزكي، بن علي المرتضى أمير المؤمنين بن أبي طالب، المهدي الحجة، الخلف الصالح، المنتظر، عليهم السلام ورحمة الله وبركاته(35)
* وقال في الباب الحادي عشر من كتابه، في معرض ترجمة الإمام العسكري عليه السلام:
"اسمه الحسن، وكنيته أبو محمد، ولقبه الخالص.
" وأما مناقبه، فاعلم أن المنقبة العليا، والمزية الكبرى التي خصه الله عز وجل بها".." وجعلها صفة دائمة لا يبلي الدهر جديدَها، ولا تنسى الألسن تلاوتها وترديدها، أن المهدي محمداً من نسله المخلوق منه، وولده المنتسب إليه (و) بضعته المنفصلة عنه، وسيأتي في الباب الذي يلي هذا الباب، شرح مناقبه وتفصيل أحواله إن شاء الله تعالى".(36)
د – الفضل بن روزبهان(37) صاحب الرد على كتاب العلامة الحلي "نهج الحق" والذي سماه: "إبطال الباطل"، فهو مع شدة تعصبه ضد الشيعة، وإنكاره لجملة من الأخبار الصحيحة الصريحة، بل بعض ما هو كالمحسوس، وافقنا في ولادة الإمام المهدي، فقال تعليقاً على ما ذكره العلامة الحلي من فضائل الزهراء والأئمة عليهم السلام.
قال الفضل: "أقول: ما ذكر عن فضل فاطمة صلوات الله على أبيها، وعليها، وعلى سائر آل محمد السلام أمر لا ينكر، فإن الإنكار على البحر برحمته، وعلى البر بسعته، وعلى الشمس بنورها، وعلى الأنوار بظهورها، وعلى السحاب بجوده، وعلى الملك بسجوده، إنكار لا يزيد المنكر إلا الاستهزاء به". إلى أن يورد أبياتاً نظمها في مدحهم عليهم السلام، أولها:
سلام على المصطفى المجتبى * * * سلام على السيد المرتضى
ثم يذكر الزهراء والأئمة واحداًَ بعد واحد، إلى أن يقول:
سلام على الأريحيّ النقي * * * على الكريم هادي الورى
سلام على السيد العسكري * * * إمام يجهز جيش الصفا
سلام على القائم المنتظر * * * أبي القاسم العزم نور الهدى
سيطلع كالشمس من غاسق * * * ينجّيه من سيفه المنتقى
ترى يملأ الأرض من عدله * * * كما ملئت جور أهل الهوى
سلام عليه وآبائه * * * وأنصاره ما تدوم السما(38)
وهو منه في غاية الغرابة، والأهمية، فهو من أبرز أعلام المعادين للشيعة والتشيع، وكلامه هنا يثبت ما نعتقد به، ويسحب منه أي عذر للعداوة في مسألة المهدي المنتظر عليه السلام.
وقال المرجع الديني المعاصر الشيخ لطف الله الصافي دام ظله:
"وقد صرح بولادته جماعة من علماء أهل السنة الأساتذة في النسب، والتاريخ، والحديث، كابن خلكان في (الوفيات) وابن الأزرق في (تاريخ ميافارقين) على ما حكى عنه ابن خلكان، وابن طولون في (الشذرات الذهبية) وابن الوردي على ما نقل عنه في (نور الابصار) والسويدي مولف (سبائك الذهب) وابن الأثير في (الكامل) وأبى الفدا في (المختصر) وحمد الله المستوفى في (تاريخ گزيده) والشبراوي الشافعي شيخ الأزهر في عصره في (الاتحاف) والشبلنجي في (نور الابصار) بل يظهر منه اعتقاده بإمامته، وانه المهدى المبشر بظهوره، وان شئت أن تقف على أكثر من ذلك فراجع كتابنا (منتخب الأثر) الباب الأول من الفصل الثالث منه".(39)
وتكفي هذه النماذج لإثبات ما أنا بصدده الآن.
المحور الثالث: رؤيته عليه السلام
* ثالثاً: وأوضح دليل علمي، على وجوده عليه السلام، رؤيته عبر القرون.
ومن الطريف أن نجد بعض علماء السنة الكبار، يصرّحون بتشرّفهم برؤيته صلوات الله وسلامه عليه، كما مر، ويأتي.
* رابعاً: لا بأس بالإشارة إلى أن علم الطب يؤكد إمكان بقاء الإنسان حياً أحقاباً طويلة، بل أكثر من ذلك، ففي الإنسان قابلية البقاء، وإنما يعرّضه للموت ما يلحقه من أسبابه، بمعنى أنه لا وجود لحتمية طبيعية تقول: إن الإنسان إذا عمّر مائة عام، أو أكثر أو أقل، فلا بد وأن يموت، ولذا قال بعض الأطباء: إن الموت ينشأ من المرض لا من الشيخوخة، وقد نجحت التجارب في إطالة عمر بعض الأحياء تسعمائة ضعف عمرها الطبيعي.(40)
إن طول عمر إنسان ما آلاف السنين – رغم غرابته – أمر ممكن، بل لا داعي للنقاش فيه أبداً لمن يؤمن بالقرآن الكريم.
وقد تحدث السيد ابن طاووس رضوان الله عليه، مخاطباً المعتقدين بأن نبي الله عيسى يصلي خلف المهدي، وهم يستغربون في نفس الوقت بقاءه حياً، فقال لهم: "وقد شهدتم أيضاً له، أن عيسى بن مريم النبي المعظم عليهما السلام، يصلي خلفه مقتدياً به في صلاته وتبعاً له، ومنصوراً به في حروبه وغزواته، وهذا أيضاً أعظم مما استبعدتموه من طول حياته".(41)
قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة والرضوان: "وكيف ينكر ذلك - طول عمر الإمام المنتظر عليه السلام - من يقر بأن الله تعالى يخلّد المثابين في الجنة، شباناً لا يبلون؟".(42)
حول رؤيته عليه السلام
تقدم أن أوضح دليل على وجود الإمام المهدي عليه السلام، أنه قد رآه عدد كبير معروفون بأسمائهم، ويعتمد على شهاداتهم.
وبالرجوع إلى المصادر العلمية، نجد أن الحديث عمن رآه عليه السلام، على ثلاثة أقسام:
الأول: من رآه عند ولادته وبعدها إلى شهادة أبيه الإمام العسكري عليهما السلام.(43)
الثاني: من رآه عليه السلام، في الغيبة الصغرى، أي مابين عام 255 تقريباً، وعام 329 هجرية.(44)
الثالث: من رآه عليه السلام، في الغيبة الكبرى، أي ما بعد عام 329 هجرية.(45)
ومن الواضح أن القسمين الأول والثاني، قد اكتملا باكتمال ظرفهما التاريخي، بينما يبقى القسم الثالث مفتوحاً ما دامت الغيبة الكبرى مستمرة وقائمة.
ولا يتسع المجال في هذا الموجز للتفصيل في أي من هذه الأقسام الثلاثة، ولذا اكتفيت بإيراد ثبت دقيق في الهوامش بأهم المصادر التي استوفت الحديث عنها بأسلوب علمي يعتمد الدليل والبرهان.
ما ينبغي التفصيل فيه هنا، هو إمكان رؤيته عليه السلام في الغيبة الكبرى، بقطع النظر عن الدخول في إيراد الوقائع التي يتكفل بها القسم الثالث من الأقسام المتقدمة.
يدعو إلى هذا التفصيل، أن ثمة شبهة تم تداولها، تقول بأنه لا يمكن أن يرى أحد الإمام المهدي عليه السلام في الغيبة الكبرى.
وقد استند من وقع في مغالطة هذه الشبهة إلى رسالة مختلف في تفسيرها، متفق على صحة صدورها من الإمام المهدي عليه السلام، إلى آخر نوابه الخاصين الأربعة، الذين كان كل منهم الواسطة بينه وبين الناس في الغيبة الصغرى، ويعبر عنه ب" السفير".
واسم النائب الخاص و" السفير" الرابع، علي بن محمد السُّمَّري.
ما ستتم معالجته في مايلي، هو استعراض آراء كبار العلماء المشهود بفرادة تخصصهم في مجالي سعة البحث وعمق التحقيق، لبيان كيف أنهم جميعاً يصرحون إما بإمكان الرؤية، أو بوقوعها وتحققها.
ستجد النادر منهم يتحدث عن الإمكان، فيما تتحدث الأكثرية المطلقة منهم عن تحقق الرؤية ووقوعها.
وإليك التوضيح.
روى الشيخ الصدوق (.. - 381هجرية) وغيره، أن السُّمريَّ - آخر السفراء الأربعة(46) عليهم الرحمة والرضوان - أخرج إلى الناس توقيعاً (أي مكتوباًً، من صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه) هذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
"يا علي بن محمد السمريّ، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية (في بعض النسخ "التامة") فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جَوراً، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".(47)
والسؤال الذي أحاول هنا الإجابة عنه:
هل يمكننا أن نرى الإمام المنتظر في عصر الغيبة الكبرى؟ أم أن ذلك ممتنع، نظراً لما جاء في هذا التوقيع؟
والجواب: لا شك في أن النيابة الخاصة - بمعنى أن يكون شخص على صلة مستمرة به عليه السلام، يعرض الناس مشاكلهم عليه، ويعرضها بدوره على الإمام المنتظر صلوات الله عليه، كما كان الأمر في الغيبة الصغرى - أمرٌ انتهى بانتهاء تلك الغيبة.
وكل رواية تنفي إمكان الرؤية والمشاهدة في عصر الغيبة الكبرى، ينبغي حملها على نفي هذا النوع من المشاهدة المقترنة بنيابة خاصة، وقد صرّح بهذا كما سترى- في الأعصار والقرون المتعاقبة، من القرن الخامس الهجري وحتى قرننا الحالي (أوائل الخامس عشر) - جمع من كبار العلماء الرواد المعترف بمقامهم العلمي، رضوان الله عليهم، وتدل نصوصهم بكل وضوح على أن التشرف بلقائه عليه السلام ممكن، بل صرّح أكثرهم بوقوعه. وإليك جانباً من أقوالهم:
1 – السيد المرتضى (355 – 436 هـ): (48)
قال عليه الرحمة:
".. إنه غير ممتنع أن يكون الإمام عليه السلام يظهر لبعض أوليائه، ممن لا يخشى من جهته شيئاً من أسباب الخوف، فإن هذا ما لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه، وإنما يعلم كل واحد من شيعته حال نفسه، ولا سبيل إلى العلم بحال غيره".(49)
وجواباً عن سؤال آخر قال عليه الرحمة:
"أول ما نقوله: إنا غير قاطعين على أن الإمام عليه السلام، لا يصل إليه أحد، ولا يلقاه بشر، فهذا أمر غير معلوم، ولا سبيل إلى القطع عليه".(50)
2- صاحب كنز الفؤائد الشيخ الكراجكي (ت 449 هـ): (51)
قال - رحمه الله- في معرض بيان الفائدة من وجود الإمام، رغم غيبته:
"ولسنا مع ذلك نقطع على أن الإمام عليه السلام، لا يعرفه أحد، ولا يصير (يصل) إليه، بل قد يجوز أن يجتمع به طائفة من أوليائه، تستر اجتماعها به وتخفيه".(52)
* وقال أيضاً:
"وإمام الزمان عليه السلام، وإن كان مستتراً عنهم (الفقهاء) بحيث لا يعرفون شخصه، فهو موجود بينهم، يشاهد أحوالهم،
ويعلم أخبارهم، فلو انصرفوا عن النقل، وضلّوا عن الحق، لما وسعته التقيّة، ولأظهره الله سبحانه ومنع منه، إلى أن يبين الحق، ويثبت الحجة على الخلق".(53)
3- الشيخ الطوسي (385 -460 هـ): (54)
في مقام الإجابة عن السؤال المتقدم، قال عليه الرحمة:
"وما ينبغي أن يقال في الجواب، هو أننا لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه، بل يجوز أن يظهر لأكثرهم".(55)
وفي معرض الحديث عن ظهوره عليه السلام قال رحمه الله:
"إن الأعداء، وإن حالوا بينه وبين الظهور على وجه التصرف والتدبير، فلم يحولوا بينه وبين لقاء من شاء من أوليائه، على سبيل الاختصاص، وهو يعتقد طاعته ويوجب اتباع أمره".(56)
وقال رحمه الله، في الرسائل العشر:
" لا استبعاد في طول حياة القائم عليه السلام، لأن غيره من الأمم السالفة عاش ثلاثة آلاف سنة، كشعيب النبي، ولقمان عليهما السلام، ولأن ذلك أمر ممكن، والله تعالى قادر عليه.(57)
4- الشيخ محي الدين بن عربي(560-638) (58)
تحدث الشيخ - الظاهرة - ابن عربي عن الإمام المهدي عليه السلام في الكثير من كتبه، بل أفرد بعض مؤلفاته للحديث عنه عليه السلام، وقد تميز ما أورده عن المهدي في " الفتوحات المكية" بثلاثة أمور رئيسة:
الأول: حديثه عن إمكانية الرؤية ووقوعها.
الثاني: حديثه عن رؤيته للمهدي عليه السلام، (بفاس، من بلاد المغرب).
الثالث: رؤية ابن عربي (العلامة التي له، قد أخفاها الحق فيه (المهدي) عن عيون عباده).
قال الشيخ ابن عربي:
"وأما خاتم الولاية المحمدية، وهو الختم الخاص لولاية أمة محمد الظاهرة، فيدخل في حكم ختميته عيسى (ع) وغيره كإلياس والخضر وكل ولي لله تعالى من ظاهر الأمة، فعيسى ع وإن كان ختماً، فهو مختوم تحت ختم هذا الخاتم المحمدي، وعلمت حديث هذا الخاتم المحمدي بفاس من بلاد المغرب، سنة أربع وتسعين وخمسمائة، عرفني به الحق، وأعطاني علامته، ولا أسميه، ومنزلته من رسول الله (ص) شعرة واحدة من جسده (ص) ولهذا يشعر به إجمالاً، ولا يعلم به تفصيلاً، إلا من أعلمه الله به، أو من صدقه - إن عرفه بنفسه - في دعواه ذلك، فلذلك عرف بأنه شعرة من الشعور، ومثال الشعور أن ترى باباً مغلقا على ميت، أو صندوقا مغلقا فتحس فيه بحركة توذن أن في ذلك البيت حيواناً، ولكن لا يعلم أي نوع هو من أنواع الحيوان، أو يشعر أنه إنسان ولا يعرف له عيناَ فيفصله من غيره، كما نعلم بثقل الصندوق أنه يحتوي على شئ أثقله، لا يعلم ما هو عين ذلك الشيء المختزن في ذلك الصندوق، فمثل هذا يسمى شعوراً لهذا الخفاء".(59)
وليلاحظ أن ما تقدم ليس نصاً في رؤيته المهدي عليه السلام، بل هو المظنون به، لأنه قال:"وعلمت حديث هذا الخاتم المحمدي بفاس من بلاد المغرب، سنة أربع وتسعين وخمسمائة، عرفني به الحق، وأعطاني علامته، ولا أسميه". وهو تعبير ترجح معه الرؤية جداً، ولا تتعين، ومن مرجحاتها التصريح الآتي بالرؤية.
وقال الشيخ:
"السؤال الثالث عشر: فإن قلت: ومن الذي يستحق خاتم الأولياء، كما يستحق محمد صلى الله عليه(وآله) وسلم خاتم النبوة؟ فلنقل في الجواب: ألختم ختمان".." وأما ختم الولاية المحمدية، فهي لرجل من العرب، من أكرمها أصلاً ويداً، وهو في زماننا اليوم موجود، عرفت به سنة خمس وتسعين وخمسمائة، ورأيت العلامة التي له قد أخفاها الحق فيه عن عيون عباده، وكشفها لي بمدينة فاس، حتى رأيت خاتم الولاية منه، وهو خاتم النبوة المطلقة (وهي الولاية الخاصة(60)) لا يعلمها كثير من الناس، وقد ابتلاه الله بأهل الإنكار عليه في ما يتحقق به من الحق في سره، من العلم به، وكما أن الله ختم بمحمد صلى الله عليه(وآله) وسلم نبوة الشرائع، كذلك ختم الله بالختم المحمدي الولاية التي تحصل من الورث المحمدي، لا التي تحصل من سائر الأنبياء".(61)
ومن الواضح أن قوله:" ورأيت العلامة التي له قد أخفاها الحق فيه عن عيون عباده، وكشفها لي بمدينة فاس، حتى رأيت خاتم الولاية منه، وهو خاتم النبوة المطلقة" صريح في رؤية ابن عربي الإمام المهدي عليه السلام، بناء على ما هو المتعين من رأيه في" ختم الولاية، كما سيأتي.
تجدر الإشارة إلى أن مراده ب(العلامة)، ما رواه الشيعة والسنة أن من خصائص المهدي عليه السلام، وجود علامة على كتفه الأيمن.(62)
كما تجدر الإشارة إلى أن الشيخ ابن عربي تحدث شعراً عن العلامة الأخرى" الخال" فقال:
الباب السبعون ومائتان في معرفة منزل القطب والإمامين من المناجاة المحمدية).
منزلة القطب والإمامة * منزلة ما لها علامة
يملكها واحد تعالى * عن صفة السير والإقامة
يعلوه في لونه اصفرار * في أيمن الخد منه شامة
خفية ما لها نتو * أيده الله بالسلامة
توجه الله بالمعالي * في عالم الأمر في القيامة(63)
وقد كثر كلام شراح الشيخ ابن عربي حول مراده ب"ختم الأولياء" وتعدُّد مصاديق هذا المصطلح عنده(64) لذلك أذكر شاهدين يؤكدان أن مراده بختم الولاية الذي التقاه هو الإمام المهدي عليه السلام.
الأول: قوله نثراً، وشعراً:
".. وفي زمانه يقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق، ويخسف بجيشه في البيداء بين المدينة ومكة، حتى لا يبقى من الجيش إلا رجل واحد من جهينة، يستبيح هذا الجيش مدينة الرسول (ص) ثلاثة أيام، ثم يرحل يطلب مكة، فيخسف الله به في البيداء، فمن كان مجبوراً من ذلك الجيش مُكرهاً يحشر على نيته. القرآن حاكم والسيف مبيد ولذلك ورد في الخبر، أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
"ألا إن ختم الأولياء شهيد * وعين إمام العالمين فقيد
هو السيد المهدي من آل أحمد * هو الصارم الهندي حين يبيد
هو الشمس يجلو كل غم وظلمة * هو الوابل الوسمي حين يجود.
وأضاف:
وقد جاءكم زمانه وأظلكم أوانه، وظهر في القرن الرابع اللاحق بالقرون الثلاثة الماضية، قرن رسول الله (ص) وهو قرن الصحابة، ثم الذي يليه، ثم الذي يلي الثاني، ثم جاء بينهما فترات، وحدثت أمور، وانتشرت أهواء، وسفكت دماء، وعاثت الذئاب في البلاد، وكثر الفساد، إلى أن طم الجور وطما سيله وأدبر نهار العدل بالظلم حين أقبل ليله، فشهداؤه خير الشهداء، وأمناؤه أفضل الأمناء، وإن الله يستوزر له طائفة خبأهم له في مكنون غيبه، أطلعهم كشفاً وشهوداً على الحقائق، و(على) ما هو أمر الله عليه في عباده..".(65)
الثاني:
قوله في الفتوحات المكية عن نبي الله عيسى، وعن المهدي المنتظر، عليهما السلام:
عيسى "وهبه لمريم بشراً سوياً، رفعه الله إليه، ثم ينزله وليا خاتم الأولياء في آخر الزمان، يحكم بشرع محمد (ص) في أمته، وليس يختم إلا ولاية الرسل والأنبياء، وختم الولاية المحمدي يختم ولاية الأولياء، لتتميز المراتب بين ولاية الولي وولاية الرسل، فإذا نزل ولياً، فإن خاتم الأولياء، يكون ختماً لولاية عيسى من حيث ما هو من هذه الأمة، حاكماً بشرع غيره، كما إن محمداً خاتم النبيين، وإن نزل بعده عيسى كذلك حكم عيسى في ولايته بتقدمه بالزمان خاتم ولاية الأولياء، وعيسى منهم ورتبته قد ذكرناها في كتابنا المسمى عنقاء مغرب فيه ذكره وذكر المهدي الذي ذكره رسول الله (ص) فأغنى عن ذكره في هذا الكتاب ".(66)
5- السيد ابن طاووس (589 -664 هـ): (67)
قال المحدّث النوري:
يقول (السيد ابن طاووس عليه الرحمة) في رسالة المواسعة والمضايقة: "وسمعت من شخص لا أذكر اسمه عن مواصلة بينه وبين مولانا المهديّ صلوات الله عليه، ولو كان يسوغ نقلها لبلغت عدة كراريس، وهي تدل على وجوده المقدس وحياته ومعجزته".(68)
أضاف المحدث:
"وقال السيد المعظم المذكور- ابن طاووس - طاب ثراه في كتاب " فرج المهموم في معرفة الحلال والحرام من النجوم":
"وقد أدركت في زماني جماعة يذكرون أنهم شاهدوا المهديّ صلوات الله عليه، وكان بينهم أشخاص يحملون منه عليه السلام رقاعاً، وعرائض عرضت عليه (أرواحنا له الفداء)، ومن جملة ذلك خبر علمت صدقه، وهو كما يلي:
أخبرني من لم يأذن لي بذكر اسمه، ثم يذكر قصة هذا الشخص وأنه تشرف بلقاء الحجة عليه صلوات الله وسلامه".(69)
بل يظهر بوضوح من نصوص متعددة له عليه الرحمة في هذا الكتاب، أنّ رؤيته عليه السلام، والتشرف بلقائه أمر مفروغ منه، ولا مجال للنقاش فيه أبداً.
وأبرز ما في هذا المجال أنه ينقل قصة شخص رأى الإمام عليه السلام، وأرسله الإمام إليه (أي إلى السيد ابن طاووس).(70)
بل صرّح السيد نفسه بسماع صوت الإمام عليه السلام، فقال في "مهج الدعوات":
"وكنت أنا بسرّ من رأى فسمعت سحراً دعاءه عليه السلام، فحفظت منه عليه السلام من الدعاء لمن ذكره من الأحياء والأموات: "وابعثهم في عزّنا وملكنا، وسلطاننا ودولتنا". وكان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة.(71)
وقد تحدث السيد ابن طاووس عليه الرحمة في كتابه "كشف المحجة" عن إمكانية رؤية الإمام عليه السلام في عدة أماكن تصريحاً وتلويحاً، ثم نقل كلاماً مطولاً يخاطب السيد به ابنه حول الإمام المنتظر، ومن جملته قول:
"وإن أدركت يا ولدي موافقة توفيقك لكشف الأسرار عليك، عرّفتك من حديث المهدي صلوات الله عليه، ما لا يشتبه عليك، وتستغني بذلك عن الحجج المعقولات، وعن الروايات فإنه صلى الله عليه وآله حي موجود على التحقيق".
وبعد ذلك بقليل يقول له:
"فاعلم ذلك يقيناً واجعله عقيدة، فإن أباك عرفه أبلغ من معرفة ضياء شمس السما".(72)
وهذه التصريحات والتلويحات من السيد رحمه الله، تؤيد ما يُذكر من أنه أكثر علمائنا الأبرار تشرفاً بلقاء بقية الله في الأرضين عليه صلوات الله تعالى، يليه في ذلك السيد بحر العلوم رحمهما الله تعالى.
6 – السيد رضي الدين الآوي (ت 654 هـ):
قال عنه المحدث الشيخ عباس القمي عليه الرحمة:
".. السيد العابد الزاهد الصالح، صاحب المقامات العالية، والكرامات الباهرة، صديق السيد ابن طاووس الذي يعبر عنه السيد في كتبه بالأخ الصالح، وهو الذي ينتهي إليه سند بعض الإستخارات.."(73)
وبعض الإستخارات التي أشار إليها المرحوم المحدث القمي، هي الإستخارة التي يرويها السيد الآوي عن الإمام صاحب الأمر عجّل الله تعالى فرجه، وهي استخارة مشهورة في كتب العلماء يرويها العلامة الحلي عن والده، عن السيد الآوي، ويرويها الشيخ الشهيد الأول في "الذكرى"، عن جملة من مشايخه، عن العلامة الحلي، عن والده، عن السيد الآوي.(74)
وللمحدث النوري عليه الرحمة تحقيق حول هذه الإستخارة، كما أن المحدث القمي أورد هذه الإستخارة في "الباقيات الصالحات"الملحق بكتابه الشهير" مفاتيح الجنان.(75)
ولا شك أن اهتمام هؤلاء الأعلام بهذه الاستخارة، ناشئ عن كون السيد الآوي، وهو المعروف في عدالته، قد رأى الإمام عليه السلام في اليقظة، إلا أني لم أجد تصريحاً بذلك، ولعل منشأه تجنّب العلماء الأعلام عادةً التصريح بذلك، ابتعاداً عن شبهة ادعاء النيابة الخاصة، أو ابتعاداً عن شبهة التظاهر والرياء.
وعلى هذا فنكون هنا أمام شهادة من العلامة الحلي (648 – 726 هـ) ووالده، ومن الشهيد الأول (734 –786) وغيرهم بإمكان رؤية الحجة صلوات الله عليه، بل ووقوع ذلك.
7 – المحدث الإربلي (693 هـ):
هو صاحب كتاب "كشف الغمة في معرفة الأئمة". قال عنه المحدث القمي عليه الرحمة: "من كبار العلماء الإمامية..".(76)
قال الإربلي عليه الرحمة:
"وأنا أذكر من ذلك قصتين قرب عهدهما من زماني، وحدثني بهما جماعة من ثقاة إخواني".
ثم ذكر قصة الهرقلي، وقصة السيد باقي بن عطوة، ثم عقب عليهما بقوله:
"والأخبار عنه عليه السلام في هذا الباب كثيرة، وأنه رآه جملة قد انقطعوا في طريق الحجاز وغيرها، فخلّصهم وأوصلهم إلى حيث أرادوا، ولولا التطويل لذكرت منها جملة، ولكن هذا القدر الذي قرب عهده من زماني كاف.(77)
8 – العلامة الحلي (648 – 725):
بين قصص اللقاء، قصة تشرف العلامة الحلي برؤية الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ويروي هذه القصة العالم الجليل التنكابني في كتابه القيّم "قصص العلماء" عن العالم الشيخ اللاهيجي عن أستاذه، أنه رأى القصة بخط العلامة الحلي في نسخة كانت له من كتاب " التهذيب " للشيخ الطوسي، وقد دوّن العلامة هذه القصة على هامش رواية كان الإمام عليه السلام قد حدد له مكانها من كتاب "التهذيب"(78)
9- المقدس الأردبيلي (ت 993 هـ):
وهو عليه الرحمة من أئمة العلماء المحققين، وسادة الزهاد والمتهجدين، وقصة تشرّفه بلقاء الحجة المنتظر أرواحنا له الفداء، صحيحة السند، كما أن عدداً من كبار العلماء نقلوها ووثقوها، وذلك شهادة منهم بوقوع الرؤية أيضاً.
وقد ذكر المقدس الأردبيلي في كتابه "حديقة الشيعة" أنه جمع بين توقيع السمري، وقصص اللقاء في كتاب سمّاه "النص الجلي على إمامة مولانا علي"(79).
10- صاحب المعالم الشيخ حسن بن الشهيد الثاني عليهما الرحمة (959 - 1011 هـ):
أورد المحدّث النوري عليه الرحمة نقلاً عن "الدر المنثور" ما يلي:
"سمعت من بعض مشايخنا وغيرهم أنه لما حج كان يقول لأصحابه: نرجو من الله سبحانه أن نرى صاحب الأمر عليه السلام، فإنه يحجّ في كل سنة، فلما وقف بعرفة أمر أصحابه أن يخرجوا من الخيمة ليتفرغ لأدعية عرفة، ويجلسوا خارجها مشغولين بالدعاء، فبينما هو جالس إذ دخل عليه رجل لا يعرفه فسلّم وجلس، قال: فبهت منه، ولم أقدر على الكلام، فكلمني بكلام – نقله ولا يحضرني الآن – وقام، فلما قام وخرج خطر ببالي ما كنت رجوته، وقمت مسرعاً فلم أره، وسألت أصحابي فقالوا: ما رأينا أحداً دخل علي(80).
وفي هذا النص تصريح باعتقاد صاحب المعالم بإمكانية رؤية الإمام عليه السلام، وهو - لا غيره - محل الشاهد.
11- المجلسيّ الأول (والد صاحب البحار) (1003- 1070 هـ):
يروي عليه الرحمة دعاء اليماني عمّن رأى الإمام المنتظر ويصرّح بذلك، كما يصرّح به أيضاً ولده العلامة المجلسيّ رحمهما الله(81) وستجد في الفقرة (12) التصريح بأنه رأى الإمام المنتظر عليه السلام في الجامع العتيق في أصفهان، بل في بعض نصوصه ما يدل بوضوح على رؤيته الإمام عليه السلام في سامرّاء أيضاً.
12- الحر العاملي صاحب "وسائل الشيعة" (1033 - 1104 هـ):
أورد في كتابه "إثبات الهداة" القصة التي يتحدث فيها عن رؤيته صاحب الأمر – عجّل الله تعالى فرجه الشريف - بين النوم واليقظة، ثم قال بعد إيراد عدة قصص مشابهة: وقد أخبرني جماعة من ثقاة الأصحاب أنهم رأوا صاحب الأمر في اليقظة وشاهدوا منه معجزات ".." وأخبرهم بعدة مغيبات ودعا لهم ".." وأنجاهم من أخطار مهلكات ".." وكلها من أوضح المعجزات(82). وفي مكان آخر – في معرض تعليقه على قصص اللقاء - يقول:
وقد تواتر عنه عليه السلام مثل هذا في زماننا وما قبله، وما يظهر من بعض الروايات مما يوهم استحالة ذلك غير صريح، مع احتمال حمله على الأغلبية أو على من يدّعي أنه مع المشاهدة عرفه، أو عرّفه نفسه، بخلاف ما لو عرّفه إياه غيره، أو ظهر له منه إعجاز، ولا يخفى ما في سدّهم عليهم السلام لذلك الباب من المصلحة ودفع المفسدة(83).
13- العلامة المجلسي (الثاني) صاحب البحار (1037 - 1111 هـ):
يروي رحمه الله قصة حرز اليماني عن والده، كما أورد في "بحار الأنوار" العديد من قصص اللقاء مما يكشف بوضوح عن رأيه في مسألة التشرُّف بلقاء الإمام المهديّ، ورؤيته عليه السلام.
وبالإضافة إلى ذلك فقد ذكر في شرح الحديث الذي يبين فيه عليه السلام أن انتفاع الناس به في غيبته كالشمس إذا غيّبها عن الأنظار السحاب، ثمانية أوجه منها:
"السادس": إن الشمس قد تخرج من السحاب وينظر إليها بعض الناس دون الآخرين، فكذلك يمكن أن يظهر عليه السلام في أيام غيبته لبعض الخلق دون بعض(84).
14- الشيخ أبو الحسن بن معتوق بن عبد الحميد الفتوني النباطي العاملي (ت 1140 هـ):
وهو جدّ صاحب "الجواهر" وتلميذ المجلسي الأول، وينقل صاحب الجواهر بعض آرائه الفقهية(85).
قال المحدّث صاحب "المستدرك" ما ترجمته:
يقول في كتاب "ضياء العالمين" بعد أن ينقل بعض قصص من شاهد الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف:
"المنقولات المعتبرة في رؤية صاحب الأمر عليه السلام غير ما ذكر كثير، حتى في هذه الأزمنة القريبة، وقد سمعت من الثقاة أن مولانا الأردبيلي رآه عليه السلام في جامع الكوفة، وسأله مسائل، وأن مولانا محمد تقي والد شيخنا رآه عليه السلام في الجامع العتيق بأصفهان"(86).
15- السيد بحر العلوم (1155 - 1212 هـ):
في معرض حديثه عن التوقيعات التي خرجت من الناحية المقدسة إلى الشيخ المفيد – رضوان الله عليه – قال السيد عليه الرحمة والرضوان:
"وقد يشكل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى مع جهالة حال المبلّغ ودعواه المشاهدة المنفية بعد الغيبة الكبرى، ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن، واشتمال التوقيع على الملاحم والإخبار عن الغيب الذي لا يطّلع عليه إلا الله وأولياؤه بإظهاره لهم، وأن المشاهدة المنفية أن يشاهد الإمام، ويعلم أنه الحجة عليه السلام حال مشاهدته له، ولم يعلم من المبلّغ ادعاؤه لذلك. وقد يمنع أيضاً امتناعها في شأن الخواص وإن اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار ودلالة بعض الآثار(87)".
وتجد في قصص السيد بحر العلوم – قدّس سره – التي نقلت في كثير من المصادر بأسانيد صحيحة تصريحه مراراً بأنه تشرف بلقائه عليه السلام(88).
وقد ذكر المحدث صاحب "المستدرك" عليه الرحمة نقلاً عن "الفوائد الرجالية" قول السيد حول الإجماع ما ترجمته:
"وقد يحصل لبعض حفظة الأسرار من العلماء الأبرار العلم بقول الإمام بعينه بوجه لا ينافي امتناع الرؤية في مدة الغيبة، ولا يتمكن من التصريح بنسبة ذلك القول للإمام، فيظهر ذلك القول في صورة الإجماع جمعاً بين إظهار الحق والنهي عن إفشاء مثل هذا السر"(89).
16 – المحقق القمي صاحب "القوانين" (1151 – 1231 هـ):
اشتهر في العديد من المصادر سؤاله السيد بحر العلوم عن بعض مشاهداته، وكلام السيد معه حول أنه رآه عليه السلام، وتجد ذلك في قصص السيد بأسانيد صحيحة، منها ما أورده التنكابني صاحب "قصص العلماء" عن المولى السلماسي الذي كان حاضراً في مجلس ضم السيد بحر العلوم وصاحب القوانين وجرى فيه الكلام عن رؤية المولى بقية الله أرواحنا فداه(90).
17 – المحدث النوري صاحب "المستدرك" (1254 – 1320 هـ):
ألّف رحمه الله كتاب "جنة المأوى" وأورد فيه الكثير من قصص اللقاء، وقد أدرج هذا الكتاب في الجزء الثاني والخمسين من بحار الأنوار، كما أفرد في موسوعته القيمة "النجم الثاقب" حوالي مائتي صفحة لسرد قصص الذين تشرّفوا بلقائه عليه السلام، واعتنى بتصحيح أسانيد هذه القصص، بل إنه ينقل بعضها عمّن شاهده عليه صلوات الله وسلامه كما في قصتي الحاج علي البغدادي والسيد الرشتي، رحمهما الله. وقد عبّر رحمه الله عن رأيه في الأحاديث الواردة التي ظاهرها نفي إمكانية الرؤية في عصر الغيبة الكبرى، فقال:
"إنها لا تنهض لمعارضة الوجدان القطعي الذي يحصل من مجموع هذه القصص والحكايات"(91).
18 – السيد محسن الأمين رحمه الله (1284 – 1373 هـ):
قال عليه الرحمة:
"وقد جاءت أحاديث دالة على عدم إمكان الرؤية في الغيبة الكبرى، وحكيت رؤيته عليه السلام عن كثيرين في الغيبة الكبرى، ويمكن الجمع بحمل نفي الرؤية على رؤية من يدّعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه على مثال السفراء أو بغير ذلك"(92).
* * *
هذه أقوال بعض كبار علمائنا الأبرار في مسألة الرؤية، وهي تكاد تغطي الفترة الممتدة من القرن الرابع حتى القرن الرابع عشر الهجري، وما هي إلا جانب مما يجده المتتبع في هذا المجال، بل يمكن الجزم بالإجماع على إمكان الرؤية ووقوعها.
ولم أجد أحداً من العلماء يتبنى القول بعدم إمكان رؤيته عليه السلام، وليس من الصحيح أبداً أن يدرس توقيع السمري رحمه الله بمعزل عن هذه الحقيقة التي تلتقي عندها كلمات العلماء الأعلام، فهم رغم علمهم به يصرّحون بإمكان اللقاء أو وقوعه كما رأيت.
وهل السبب في ذلك ردّهم لهذا التوقيع، أم الجمع بينه وبين ما صحّ من قصص الرؤية، أو العلم وجداناً بوقوع الرؤية.
وقد تقدم في كلام السيد بحر العلوم وكذلك في كلام الحر العاملي عليهما الرحمة ما يدل على الثاني.
إلا أن المحدث صاحب "المستدرك" تناول هذا التوقيع بالتحقيق، وأفرد الباب الثامن من كتابه الموسوعي "النجم الثاقب" للجمع بين الروايات التي يفهم منها نفي المشاهدة، وبين قصص المشاهدة الصحيحة السند، وذكر ستة أجوبة، منها:
إن هذا الخبر – توقيع السمري – ضعيف، وما عداه أخبار آحاد ليست نتيجتها إلا الظن، ولا تورث جزماً ولا يقيناً، ولذا فلا يمكنها أن تعارض الوجدان القطعي الحاصل من مجموع هذه القصص والحكايات، وإن لم يحصل من كل منها منفرداً..
إلى أن يقول:
"فكيف يصح الإعراض عنها لوجود خبر ضعيف"(93).
* * *
بعد هذه الجولة، مع آراء العلماء الأعلام، عبر القرون، أعيد طرح السؤال الذي كنت بصدد الإجابة عنه:
هل يمكننا أن نرى الإمام صاحب الزمان عليه السلام في الغيبة الكبرى؟
وقد أصبحت الإجابة واضحة، فلا مجال على الإطلاق لنفي إمكانية التشرف بلقائه عليه صلوات الرحمن، ومن حاول نفي ذلك فرأيه شاذ لا يلتفت إليه.
يبقى أن من الضروري أن نعزز في نفوسنا الاعتقاد بإمكانية الرؤية ووقوعها – بالإضافة إلى الوقوف على آراء العلماء – بمحاولة فهم دلالة توقيع السمري عليه الرحمة، بما لا يتنافى مع قصص اللقاء.
فكيف ذلك؟
والجواب عن السؤال الأول، هو الآتي:
أولاً: ينبغي الوقوف من نص توقيع السمري عند فقرة" وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر".
والفقرة واضحة الدلالة على أن "من يدّعي المشاهدة" يدّعيها أمام الشيعة فهو إذاً يحرص أن يكسب دعواه بعداً اجتماعياً، ويتصدى لادعاء ذلك أمام جمهور الشيعة.
هذا هو المعنى الذي ينسجم مع طبيعة العبائر، وينسجم أيضاً مع مهمة توقيع يهدف إلى إقفال باب النيابة الخاصة، قطعاً للطريق على كل محاولة قد يقدم عليها بعض المنحرفين، بتحريك من السلطة، أو بمعزل عنها.
ولا دليل في هذا التوقيع على تأسيس أصل جديد، يرقى إلى إثبات منع رؤيته عليه السلام على الإطلاق.
وعندما تتأمل قصص اللقاء بروية وموضوعية، تجد أن ما صح منها – وهو كثير – لا ينطبق عليه عنوان: "وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة" فأصحاب هذه القصص يتكتمون عليها عادةً، وقد يصعب جداً سماعها منهم، ثم إنهم إذا حدّثوا بها حرصوا على أن يكون ذلك في أضيق نطاق، ومن السائد أن لا تعرف عنهم إلا بعد وفاتهم.
ولا ينافي ذلك أن تُعرف القصة في حياة صاحبها دون أن يعرف هو، ولا ينافيه أيضاً أن تُعرف ويُعرف صاحبها في حياته، ولكن على نطاق خاص جداً، كما هو الأمر في غالب القصص، ونجد في بعضها – ما عدا الغالب – الأمر من الإمام عليه السلام بنشر خبر الرؤية ومضمونه، كما ورد في قصة الحاج علي البغدادي التي هي في طليعة القصص سنداً ودلالة.
والخلاصة:
إن توقيع السمري لا دلالة له أبداً على نفي مشاهدة الإمام عليه السلام مع التكتُّم على ذلك، ولا على نفي المشاهدة التي تقترن بادعائها أمام عدد قليل من الناس، لأن من يفعل ذلك لا ينطبق عليه أنه أتى الشيعة يدّعي المشاهدة.
ثانياً: والقول الفصل هو ما تنبه له المحقق الجليل الشيخ النهاوندي في كتابه الموسوعي القيّم "العبقري الحسان" حيث قال:
"لا معارضة بين التوقيع الشريف (توقيع السمري) وأمثال هذه الحكايات حتى يحتاج إلى الجمع، لأن التوقيع الشريف بصدد منع دعوى الظهور، والمشاهدة فيه (التوقيع) بمعنى الظهور والحضور، كما في الآية المباركة "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" لا بمعنى الرؤية، ليقع العلماء في حيص بيص في الجمع بين التوقيع الشريف وهذه الحكايات." والقرينة على المعنى أمران:
الأول: قوله عليه السلام: "فلا ظهور إلا بعد الهرج والمرج، والفتنة والفساد".
والثاني: قوله عليه السلام: ألا فمن ادّعى المشاهدة (أي الظهور) قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، فكلاهما (السفياني والصيحة) من علامات الظهور. وعلى هذا، لا تعارض أبداً بين التوقيع الشريف وأمثاله مما ورد فيه امتناع المشاهدة وبين هذه الحكايات"(94).
ولا يخفى أن كلامه عليه الرحمة في غاية المتانة، باعتبار أن توقيع السمري متكفل بإعلان بدء الغيبة التامة والتنبيه على استمرارها حتى وقوع علامتي السفياني والصيحة، وعليه فالمشاهدة التي ينفيها التوقيع هي المشاهدة التي تتنافى مع الغيبة التامة (أو الثانية) التي هو بصدد إعلان بدئها،فالمنفي إذاً أمران:
* الأول: أن يدّعي شخص النيابة الخاصة، على غرار ما كان الأمر عليه في الغيبة الصغرى.
* الثاني: أن يدّعي شخص ظهوره عليه السلام، وانتهاء الغيبة الكبرى التي لا تنتهي إلا بالسفياني والصيحة.
وكل المشاهدات التي تثبتها قصص اللقاء، لا تنافي ذلك، لأنها قصص عن رؤية الغائب صلوات الله وسلامه عليه.
والنتيجة العملية في نهاية المطاف، كما يلي:
1 – يجمع العلماء الأعلام على إمكانية رؤية الإمام عليه السلام.
2 – إذا استثنينا الشيخ الطوسي، والسيد المرتضى، اللذين يتحدثان عن "إمكانية الرؤية" فإن سائر العلماء الأعلام يتحدثون عن وقوع الرؤية، وينقلون قصص اللقاء.
3 – إن "توقيع السمري" لا يدل على عدم إمكان الرؤية التي تتضمنها قصص اللقاء، ولا علاقة له بذلك على الإطلاق، مهما كان تفسير "المشاهدة".
4 – أن المشاهدة في التوقيع هي نقيض الغيبة، وردت كذلك في كتاب الله تعالى في قوله عز وجل "فمن شهد منكم الشهر فليصمه".
أمام هذه المعطيات، فما هو المسوغ لنفي إمكانية التشرف برؤية خاتم الأوصياء عليه صلوات الرحمن، أو الخجل بقصص اللقاء والتعاطي معها باستخفاف، ونبذها في دائرة الإهمال، جنباً إلى جنب مع كل قصص القرآن الكريم، وسائر مفردات "المغيبات"؟.
إنها "شنشنة أعرفها من أخزم" وأخزم هنا، كل أولئك الذين تنكبوا المنهج العقلي السليم، الذي هو المنهج الغيبي، كما مر في المقدمة، وكما ستجد مزيداً من تسليط الضوء عليه في الصفحات الآتية، إن شاء الله تعالى.
المحور الرابع: في ظلال الغيب
في ظلال الغيب
الواقع شهادة وغيب:
لا شك في أن قصص الرؤية والتشرف بلقاء الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، قصص غريبة، بل إن بعضها شديد الغرابة، ولهذا كان لا بد من وقفة للتوضيح.
1- ينقسم الأمر المستغرب إلى قسمين:
أ- مستغرب يمكن وقوعه بمعنى أن العقل لا يرى استحالته.
ب- ومستغرب يمنع العقل من وقوعه وحدوثه.
2- وينقسم الواقع (وهو ما يمكن وقوعه وقد تحقق ووقع) إلى قسمين:
أ- ما تدركه الحواس وتشهده، وهو ما يعرف ب"عالم الشهادة".
ب- ما لا تدركه الحواس، ويغيب عنها، ولا سبيل إلى إدراكه والتعامل معه إلا بالعقل الذي هو بدوره غائب عن الحواس، فهو"غيب" وهذا العالم هو ما يعرف ب" عالم الغيب".
وبناءً على ما تقدم فالواقع أو الوجود الواقعي، شهادة وغيب، أو فقل مشهود وغائب. ولا يكون "واقعياً" ولا "موضوعياً" من يتنكر لموضوعة مركزية يدركها العقل، بل لا يكون عقلانياً، إنما هو"حواسي" ظواهري" و"مادي".
الإيمان بالغيب قاعدة كبرى بني عليها المعتقد الإسلامي وكل الأديان، لأنها قاعدة عقلية صريحة، وإن عجز الحس عن التعامل معها، كما يعجز عن التعامل الحسي مع القيم كالشرف والصدق والأمانة، ولا يستطيع عاقل إنكار ذلك.
إن معنى قولنا: "إنسان لا يؤمن بالغيب" كمعنى قولنا: "إنسان لايؤمن بالروح"!
* * *
وطالما حذر الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه من بالغ خطر إنكار الغيب ولو عملياً فقط، واعتبره السد الذي يعيق حركة المسلم كلياً، فلا يعود باستطاعته أبداً أن يتقدم أي خطوة على طريق الإيمان بالله تعالى وتهذيب النفس.
يقول عليه الرحمة والرضوان:
"من جملة الأمور التي هي "سد" طريق الإنسانية، إنكار المقامات، وحصر جميع الأشياء (والحقائق) في الأمور التي نفهمها.
" إذا تعمق إنسان بعض الشيء ولو لفظاً، فإنه من وجهة نظر هؤلاء، قد خرج من الدين.
الأساس الهام الذي ينبغي التنبه إليه، هو أن كل ما في كلمات أهل المعرفة العلمية، قد ورد ما هو أكثر منه وفوقه في أدعية أهل البيت عليهم السلام.
"فإن أنكرتم هذه (الحقائق التي وردت في كلمات أهل المعرفة العلمية) فقد أنكرتم تلك (أقوال الأئمة عليهم السلام) ولو كنتم لا تعلمون.
"وهذا الإنكار سد طريق الإنسانية، لا يدع الإنسان يتقدم ولو خطوة(95).
المعتقد الإسلامي هو التوحيد، وهو غيب، والعدل، وهو غيب، والنبوة، ولا تكتسب مشروعيتها إلا من الغيب، والإمامة، وهي متفرعة عن النبوة، والمعاد، وهو وكل تفاصيله غيب في غيب، كما هي منظومة القيم أيضاً "غيب في غيب".
وما عالم الشهادة والمادة – الحياة الدنيا – إلا ممر يفصل بين مرحلتين من عالم الغيب.
ومعنى أن الدنيا تفصل - في الظاهر- بين مرحلتين غيبيتين، أن هذا المخلوق المادي – الإنسان – هو بشكل عام لا يرقى إلى أن يعيش بجسده في عالم الغيب وهو في عالم الشهادة، فيقع الفصل- لديه - بين العالَمَين فيه، ليكون واحة الوصل والتلاقي العقلي للغيب والشهادة، وإلا (أي إن أصر على أن يكون بؤرة القطع والفصل) فقد اختارالفسق والشرك والكفر، ويبقى المجال رحباً أمامه ليصحح المسار، ويتسامى في تعامله مع الحقائق والقيم، ويغلب الجانب الإنساني فيه (العقل) على النزعة الحيوانية (الحس) فيصبح في هذه الدنيا همزة الوصل بين المرحلتين، والشاهد على من يفصل بينهما، أو فقل: يكتشف عياناً أن الفصل الظاهري الذي كان يحجبه عن الغيب، ليس إلا "الظل الزائل".
الإيمان بالغيب، محض الواقعية والعقلانية:
أراد الله سبحانه للإنسان أن يكون عقلانياً وواقعياً، ولذلك أراده مؤمناً بالغيب، أي مؤمناً بالواقع كله والوجود كما هو.
ما نتصوره "العقل" ونرى أنه يتنكر للغيب ليس إلا "شيطنة نكراء"، إنه كالاحتيال على القانون الذي يراه صاحبه سبباً في النفع وربما الربح الوفير، مع أنه ليس إلا لصوصية ووضاعة.
أراد الله سبحانه للإنسان أن يؤمن بالغيب، لأن الواقع غيب أكثر بكثير من كونه شهادة.
تماماً كما هو الحال في الجسد والروح.
الإنسان روح لها جسد، ويتعامل الغافل منا - وما أكثر الغافلين، وليتنا لا نكون منهم - مع وجوده على أساس أنه جسد، وينسى الروح.
وبين العقل الحقيقي المؤمن بالغيب والشهادة، والعقل الموهوم، بين الواقع كما هو والواقع المدّعى، ضلت عقول وتاهت، وضاعت حقائق وطمست.
عالم الشهادة هو المعبر عنه في النصوص الإسلامية عادة ب" الدنيا" والغرقُ فيه على حساب سائر الواقع وأكثره، يتسبب بعمى البصيرة، أما النظر إليه نظر اعتبار وتفكير فهو يسدد الرؤية وينير البصيرة.
ليس الفكر للإنسان إذاً مجرد قيمة أو خاصة، بل هو من لوازم الإنسانية السواء لا الوجود.
نستجلي ذلك بوضوح في كلام الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، حيث يقول:
وإنما الدنيا منتهى بصر الأعمى، لا يبصر مما وراءها شيئا، والبصير ينفذها بصره، ويعلم أن الدار وراءها. فالبصير منها شاخص، والأعمى إليها شاخص. والبصير منها متزود، والأعمى لها متزود.(96)
للناس- إذاً- في التعامل مع الغيب مذاهب شتى:
* منهم من ينكره من الأساس، فهو مصداق: "والدنيا منتهى بصر الأعمى".
* ومنهم من يقبله نظرياً، وينكره عملياً، فهو مدعي البصيرة، يعمى عنها في الحقيقة، والعبرة بالنتائج.
* ومنهم من يقبله نظرياً وعملياً، وهم أنماط يرتبط منها بحديثنا اثنان:
الأول: الاتجاه الذي يؤمن بالغيب، ويتعامل مع عالم الشهادة على أساسه في كل المجالات، فهو يرى الواقع المادي، وينظر إليه بدقة، ولكنه يعطيه حجمه الحقيقي من الواقع ككل، فهو مصداق ما تقدم في كلام الأمير عليه السلام: "والبصير ينفذها بصره، ويعلم أن الدار وراءها ".
الثاني: الاتجاه الذي يؤمن بالغيب أيضاً، ويتعامل مع عالم الشهادة على أساسه في بعض المجالات، وعندما ينظر إلى الواقع المادي يعطيه أكثر من حجمه، فتختلّ عنده الرؤية، وتأتي نتائجه خاطئة(97).
* * *
مركزية التعامل مع الغيب في تحديد سلامة وعي الوجود:
يترك الخطأ في التعامل مع الغيب أثره على كل شيء، في حياة الإنسان: على تعامله مع نفسه، ومع من حوله، ومع الطاغوت المتسلط على الناس، ومع الناس، ومع الدنيا، والآخرة.
ولا يمكن التعاطي مع هذه الحقيقة بوضوح إلا بمقارنتها بالأثر الذي يتركه التنكر للقيم على حياة الإنسان في جميع الميادين.
للموقف من الغيب في القضايا والمفاهيم والمواقف قوة الحضور والتأثير الأولى، فهو العمود فقري، والعصب الأساس.
ولئن كان الواقع المادي بالمفهوم المتداول الآن يفرض علينا الدقة في أحكامنا وتقييمنا للأمور، فما ظنك بالواقع الحقيقي إذاً؟
مخطئ من يتصور أن الذهنية الغيبية ذهنية مثالية تسبح في عالم الخيال بعيداً عن الواقع، فالحق الذي لا لبس فيه أن الذهنية التي لا تدرك عظيم حضور عالم الغيب هي محض خيال، وحاطب ليل.
ولئن كان غير المؤمن- أي اللاديني- منسجماً مع نفسه عندما يتنكر للغيب، لأنه مخطيء في بنيته الفكرية كخطإه في نظرته إلى الأمور، فإن المؤمن الذي يشكل الغيب أساس بنيته الفكرية يذهب عريضاً حين يبني أحكامه على الجزئيات على أساس مادي محض، ملغياً دخالة الغيبي! أي ملغياً مالايكتمل الواقع وما لا تتحقق الواقعية إلا به.
الواقعية البتراء مرض العصر:
والفكر الديني المعاصر مدعوّ إلى مواجهة هذا التحدي، لينأى بنفسه عن هذا الوباء الذي يتعامل معه المثقفون عموماً باعتباره " العقل المحض"!
إلا أننا ولمزيد الأسف نجد أن الغالب على النتاج الفكري الإسلامي، سقوطه في هذه الوهدة وتهافتها.
في المنهج:
ما تقدم ليس إلا إشارة إلى إشكالية مركزية، تتمثل بالمغالطة الكبرى، القائمة على الجهل المركب، الذي يقع فيه من يدّعون أنهم ينتصرون للعقل، فيفصلون بينه وبين الغيب، في حين أن القرآن الكريم يحدثنا بوضوح عن الإيمان بالغيب، باعتباره الوجه الآخر لحقيقة "العقل".
ولنقرأ على سبيل المثال، قوله تعالى:
"إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار"(98).
إن منهج أولي الألباب، هو منهج "يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم" "سبحانك فقنا عذاب النار".
فمن أين جئنا بالفصل بين المنهج العقلي، والمنهج الغيبي.
يقودنا العقل إلى الاعتقاد بالله تعالى، المطلق، الذي هو على كل شيء قدير، وإلا لكان عاجزاً، فلا يعود هو السبب الأول، والمطلق.
وعندما نريد الحكم بإمكان وقوع أمر غريب وخارق للعادة، فإن العقل هو الذي يأخذ بأيدينا إلى التسليم بذلك.
الله تعالى على كل شيء قدير
وهذا الأمر الخارق للعادة شيء.
فالله تعالى، على هذا الشيء قدير.
إذاً، من الممكن أن يقع، بإذنه عز وجل، أما أنه هل وقع أم لا، فإن العقل يفسح المجال هنا للتثبت، ليأخذ طريقه، ويقدم لنا الإجابة بالنفي والإثبات، إلا أنها إجابة حول وقوع أمر لا شك في إمكانية وقوعه.
وعلى هذا الأساس فلا شك أن الذي ينفي إمكانية وقوع الأمور الغريبة الخارقة للعادة، لمجرد استغرابه لها، واستبعاد وقوعها، لا يحترم عقله على الإطلاق.
أما الذي يتعامل مع الأمور الغريبة، على قاعدة الإمكان، ويتثبت من وقوعها بطرق التثبت المتعارفة، ليرفض الاعتقاد بكل ما لم يثبت، ويتبنى ما ثبت، فهو يحترم عقله، ويحقق في شخصيته الانسجام بين المنهج العقلي، والمنهج الغيبي، باعتبارهما منهجاً فكرياً واحداً، يرفض الاجتزاء والبتر، والتخبط.
إنه المنهج العقلي الغيبي، أي إعمال العقل في ميدان المغيبات.
ما أشد قبح أن يحارَب المنهج الغيبي، باسم العقل من قبل من يتنكرون للعقل!
وأقبح منه أن يحارب المنهج الغيبي من قبل من يفترض أنهم حماة الدار، والحمى والذمار.
وتكمن خطورة هذا الخلط في عدم احترام هؤلاء – عملياً – للأساس الذي بني عليه الدين، وهو الإيمان بالغيب، الذي يمثل ذروة ما توَصّل إليه العقل، ولا ينافي ذلك ادعاءاتهم العريضة للإيمان بالغيب.
إجمع مفردات طرحهم، وحللها، تجد أنها تنتظم في نفس الخط المادي الذي يتشبث به منكرو الغيب، وما وراء الطبيعة.
"وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون"(99).
ولا يقلل من فداحة هذا الخطأ، أن يكونوا جهلاء، أو أن ينطلقوا من قاعدة الحرص على تقديم الإسلام للناس بما "ينسجم مع روح العصر" لأن هذا في حد ذاته كلام معسول شديد الخطورة، حتى إذا جزمت بإخلاص من يتبناه، ويروج له، بل إننا لم نؤت طيلة القرن الحالي، إلا من نتائج هذه الذهنية المخلصة الخطيرة، التي أفرغت الطرح الإسلامي من محتواه.
ولا يعني هذا على الإطلاق، تبني مبدأ تقديم الإسلام للناس بالطريقة التي تنفرهم منه.
إن السؤال المركزي هنا، هو التالي:
عندما تكون أمام حقيقة، ينفر الناس منها – لا بفطرتهم، وإنما لعوامل طارئة – فكيف تقدمها للآخرين؟
هل تعمد إلى إخفاء بعضها، وتعرض ما يستساغ؟
أم تعرضها كما هي، "ومن كفر فإن الله غني عن العالمين"؟
أم تعرضها كما هي، باذلاً جهدك في تقريبها إلى الأذهان، وتعزيزها بالأدلة والبراهين، وعندها "ومن كفر فإن الله غني عن العالمين".
مشكلة من ينادون بالعقلانية – النكراء، فينادون بتغاير المنهج العقلي والغيبي، أنهم لم يفهموا العقل، ولم يفهموا الغيب، ولذلك وقعوا في أسر السائد، والمعتاد، فهم مقلِّدون، قشريون، يعانون من الضحالة، مهما بدا طرحهم علمياً، مليئاً بالعقلانية! وبعد النظر!
إنهم يخفون من حقيقة الإسلام، كل ما لا ينسجم مع أمزجتهم، ليقدموا للآخرين بعض الحقيقة.
لا يجرأون على إحداث الصدمة الحقيقية في المواقع التي تنبغي فيها الجرأة.
* لماذا تمّ شطب المغيبات من أكثر حركة الفكر الإسلامي في هذا القرن؟
* أين هو الحديث عن الإمام المنتظر، وعن التشرف بلقائه؟
* أين هو الحديث عن المعاد والآخرة، وما هي نسبة الكتابة والتأليف في هذا المجال، من كل ما كتب خلال مائة عام؟
* أين هو الحديث عن كرامات الأنبياء والأولياء، التي وردت في القرآن الكريم؟
* أين هو الحديث، عن كرامات المصطفى الحبيب، وأهل البيت صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين؟
* أين هو الحديث عن المستحبات، وثوابها الكبير الذي يستغربه هؤلاء، فيرفضون أكثر المستحبات تبعاً لهذا الاستغراب ودون أدنى تثبت؟
* أين هو الحديث عن الإيمان بالغيب الذي يشكل لب الإيمان وجوهره؟
* ألم ينتج لنا هذا "المنهج" النشاز الهجين، "فكراً إسلامياً" مشدوداً إلى عالم الشهادة، متمرغاً بأوحاله، منفصلاً عن الغيب، حتى العدوانية والافتراس، بحجة تحرير الدين من الخرافات؟!!
وما الفرق بين الأمر الغيبي الذي ثبتت صحته، وبين الخرافة، غير الثبوت، وعدمه.
إن الأمر الغيبي – كقصة بقرة بني إسرائيل، أو كحديث الهدهد، كما سيأتي في فصل "تحت ظلال الغيب" – أمر لا يصدق.
عندما نجد كتّاباً مسلمين يعرضون فكر القرآن ب" منهج" يعطونه عنواناً ظاهره فيه الرحمة: "ينسجم مع روح العصر" ويجردون ما يطرحونه من كل عناصر الغيب ليصبح مقبولاً لدى "المثقفين"! على قاعدة" أشهدوا لي عند الأمير" ويقدمون الفكرة الغيبية بلبوس مادي، - عندها- لا نستطيع إلا أن نقول: إن الغيب - بل العقل السليم- قد غزي في عقر داره.
أن يجيد المسلم عرض الفكرة، وأن يدعو إلى سبيل الله بالحكمة، فيعرض الحقيقة كما هي بما يقرّب الأذهان إليها، هذا شيء، وأن يقدم جانباً من الحقيقة ويخفي جانباً منها بحجة "روح العصر" شيء آخر، وفيه يكمن الخطر، وهو الذي نراه في كثير من المقاربات المعاصرة.
ثم هل يرجع الحديث عن "روح العصر" في العمق إلى أكثر من قنبلة صوتية حداثوية؟! أي عصر؟ وأي روح؟ وهل الروح خشبية؟
لماذا نجد أكثر ما كتب عن الإسلام يدور في فلك الإمبريالية "الثقافية" التي تقمع أي حراك ثقافي خارج هيمنتها.
هل تستقيم مقاربة أي من المفاهيم الإسلامية مع الإصرار على قوقعتها في حدود الدنيا؟
أم أن مقاربتها تبقى مجتزأة مبتورة؟
لماذا لا نجد إلا النزر القليل من كتاباتنا يسبح في الفضاءات الرحيبة للأنفس والآفاق؟
وهل يمكن أن تعمر الدنيا إلا على أساس الحق، وهو غيب أكثر من كونه شهادة.
لماذا يصرّ أكثر الكُتاب على تجاوز قضايا الغيب في سيرة المصطفى وأهل بيته المعصومين عليهم أفضل السلام، حتى إن أحدهم يقول في معرض حديثه عن معركة بدر: "وقد حاولت تجريدها من الأمور الخارقة للعادة"!
وماذا يبقى منها يا ترى؟!
لماذا نصرّ على إخفاء ما تطفح به السيرة من معجزات وكرامات ونتعامل معها في أحسن الأحوال بلغة: "علمها عند الله" فلا نجرؤ على تصديقها ولا نجرؤ على تكذيبها (احتياطاً)!
ولماذا نصرّ على إبراز الجانب المادي فقط في ما لا نخفيه من حقائق الإسلام؟
ما هذه النزعة القاتلة إلى فلسفة أحكام دين الله على أساس ما عندنا من علم محدود؟
وماذا تعني روح الهزيمة هذه أمام منجزات " التكنولوجيا" ومعطيات الهجمة المادية في القرون الأخيرة؟
يحترم كل علم في مجاله، أما أن يطغى احترام الآلة على القيم ويتدخل في طمسها، أو مسخها ليصل الأمر إلى إنتاج ثقافة الآلة، واعتبارها تحضراً، بل الحضارة، فهو إمعان في التخلف.
إنه الخلط بين القيمة العليا والقيمة الوسيلة، تماماً كما يخلط اللص بين احترام حق الملكية وبين حبه التملك ولو بالسرقة، فيسرق "احتراماً " منه لحب الملكية والتزاماً بهذه "القيمة".
* * *
أليس أكثر ما كتب عن الصوم، وتعدد الزوجات، وحرمة لبس الذهب للرجال، بل وحب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وحب أهل بيته عليهم السلام وإقامة الشعائر الحسينية، وغيبة الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه، - أليس الكثير منه- خجولاً يحرص أن يثبت أن المسلمين لم يخرجوا من بيت طاعة "روح العصر" والعلم الحديث!
كتب بعض المخلصين الذاهبين في الخطأ عريضاً، أن كل روايات " القضاء" ظرفية(100).
ويقول أحد المؤمنين العاملين (التائبين): "كنت في ما مضى أفسر الروايات التي تحث على التختم بالعقيق تفسيراً اقتصادياً، بمعنى أن هذه الروايات تهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي لأهل البلاد التي يوجد فيها العقيق!".
ويضيف: "وكنت أحمل الروايات التي تحثّ على صلاة الليل، والبكاء بين يدي الله سبحانه، والتضرع والخشوع، على أنها توجهنا نحو محطات عبادة عدة مرات في السنة" للتزود بالوقود الإيماني"! بمعنى أنه ليس المطلوب ذلك باستمرار، فهل نجعل العبادة شغلنا الشاغل.؟!
وهل هذا الفهم خاص به؟
ألم تفرز أكثر طرق العمل الإسلامي الحركي - وغيره- خطوطاً فكرية مادية، هذا شأنها؟
كيف ينظر أكثرنا إلى روايات البكاء والتباكي على الإمام الحسين عليه السلام؟
وكيف نتعامل عادةً مع روايات نزول مائدة من السماء على الزهراء عليها السلام، ونزول أربعة من الحور العين عليها؟
وعندما نسمع حديثاً عن طي الأرض فماذا نقول؟
وإذا حدثنا أحد بأن فلاناً الزاهد استخار الله له ثم أخبره بما نوى، أو حدثنا بأن فلاناً العابد رآه فأخبره عما جرى له مما لم يعلم به أحد إلا الله، وغير ذلك، فهل ترانا نصدقه؟
وهل هذه سيرة علمائنا الأبرار؟
يريد خط " المادية الإسلامية!" أن يفصلنا عن سلامة العقل والمعتقد الحق، ليحقق القطع مع سيرة المعصومين التي استنار بهديها عبر القرون كبار علماء الأمة، وثقفوا الأمة على أساسها.
يعني ذلك أن خط " المادية الإسلامية!" هذا، يريد اجتثاث الجذور العقيدية والفكرية والثقافية للأمة، لأن انبهاره بالمادة والدنيا" عالم الشهادة" أعماه عن الواقعية الحق والعقلانية السواء.
ضعف الإيمان بالغيب = قابلية الاستعمار:
ويأتي هذا العدوان الصارخ على عقل الأمة والإنسانية جمعاء، في عصر استبداد المادية التي تعمى عن رؤية العقل وهو روح الوجود، وفي عصر تعاظم ِضراوتها وافتراسها لغالب أربع رياح الأرض، لتشكل عدوانية المادية في العالم الإسلامي، المناخ الأمثل للمستعمر الطامع بمصادرة وجود الأمم، تحت برقع " حقوق الإنسان"، و"النظام الدولي الجديد"، أو " العولمة" وغير ذلك من معزوفات التجبر وافتراس الشعوب.
كيف كانت البشرية كلها تتعامل مع الغيب، وما حالها اليوم؟
لم يخل عصر من الرؤية المادية، لأنه لم يخل عصر من الذين لا يفكر كل منهم إلا بجسده، معرضاً عن روحه والقيم - أي عن سلامة عقله - رغم أنه يحسب ما هو عليه عين العقل.
لكن الغالب في جميع القرون هو عدم استشراء الرؤية المادية، كما هو الحال في القرنين الأخيرين.
كانت رسالة الإسلام وهي خاتمة الرسالات الإلهية، التعبير الأكمل عن المنهج العقلي الذي لا سلامة للبشرية في رحلتها على ظهر هذا الكوكب إلا في هداه.
ودارت قرون العصر الإسلامي على هذه القاعدة العقلية في مجالات الفكر والثقافة على الأعم الأغلب، رغم تنكب امبراطوريات الجور- التي قامت باسم الإسلام- العقل ومقتضياته، أي الإيمان بالغيب، فتنكبت الدين وحدود الله تعالى وأحكامه الشرعية.
عندما نستعرض تراث علمائنا عبر القرون نجد أن الرعيل الأول من العلماء المشهود لهم بتخصصهم قد اعتمدوا هذا المنهج العقلي الذي يتعامل مع الغيب باعتباره أكبر ساحات الواقع.
وعندما نستعرض بعض القمم العلمية في هذا القرن، نجد أن المنهج هو نفس هذا المنهج، لكننا عندما نستعرض كتابات الإسلام الحركي- وغير الحركي عموماً - نجد أن المنهجية تتوزع على المنهج العقلي السليم، وعلى المنهج العقلي نظرياً، والمادي عملياً.
أليس هذا التنكب المنهجي" الظاهرة" نابعاً من نمط التعامل مع الغيب، ودرجة قوة عالم الشهادة وتفاصيله في ذهننا وتفكيرنا؟
كيف تعامل القرآن مع الغيب:
وإذا كان لأحد أن يناقش في سيرة العلماء بأنهم بشر غير معصومين، أو في سيرة المعصومين بأن ما يروى عنهم منقولات لا تفيد علماً! فهل باستطاعة أحد أن يناقش في كتاب الله سبحانه وتعالى؟
ألا نجد بوضوح أن القرآن يتعامل مع الغيب بخلاف تعاملنا معه؟
عن عرش بلقيس وإحضاره في أقل من لمح البصر، قال تعالى:
"قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقويّ أمين * قال الذي عنده علمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم. * قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون * فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين * وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين * قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين"(101).
فهل إحضار عرش بلقيس من مسافة بعيدة، وبهذه السرعة أشد غرابة، أم انتقال إنسان من مكان إلى مكان بإذن الله بطيّ الأرض؟
وعن السمكة الميتة التي اتخذت سبيلها في البحر سرباً حين لامسها ماء الحياة، يقول الله تعالى:
"فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا * فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا * قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت، وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره، واتخذ سبيله في البحر عجبا"(102).
وعن نبي الله عيسى – على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام – يقول تعالى:
"ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله، وأنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم، إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين"(103).
وعن البقرة التي أُمر بنو إسرائيل بذبحها فذبحوها وما كادوا يفعلون، يقول تعالى "وإذ قتلتم نفساً فادّارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون * فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون"(104).
فإذا كان الله سبحانه يجعل خصوصية الإحياء تارة في الماء، وطوراً في لحم البقرة، فما الغرابة في أن يصل عبد صالح من عباد الله إلى مرتبة يستطيع فيها إحياء الموتى بإذن الله تعالى، أي أن الله تعالى يمنحه هذه الميزة، حتى إذا لم يكن نبياً مثل عيسى عليه السلام؟ وما المانع في أن يجعل الله تعالى هذه الخصوصية (الإحياء بإذنه سبحانه) في تربة سيد الشهداء عليه السلام.
وإذا كان الإخبار بالغيب – الذي يُطلع الله عباده الذين ارتضى عليه – ممكناً لنبي الله عيسى عليه السلام، فلماذا لا يكون ممكناً للآخرين من غير الأنبياء؟
وما الدليل على أن ذلك كان على يديه لخصوصية النبوة؟
عندما نقرأ قصة عن توسل أم بالإمام الحسين عليه السلام، وشفاء ولدها الحي، أو حياة ولدها الميت(105) فهل ترانا نتذكر لحم بقرة بني إسرائيل؟!
وعندما نقرأ عن تواصل بين روح طاهرة لأحد الأخيار، وبين أرواح الأموات، فهل نتذكر حديث القرآن الكريم عن العالم الآخر، عن جنته والنار، عن حسابه وعقابه، وملائكته وصراطه، عن كل هذا العالم المتماسك الذي هو لبّ الحياة في مقابل قشر الحياة وظلها الذي نعيش؟
ولماذا نصرّ على إنكار ذلك، أو على الأقل على إخفائه في قعر تفكيرنا، في حين أنّا نجد القرآن الكريم يتناول هذه الأمور بكل وضوح وبمنتهى الاسترسال؟
قال تعالى: "أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه، قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم، قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه، وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس، وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً، فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير"(106).
* وعن أهل الكهف: "ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً"(107).
* وعن نبي الله سليمان وعلمه منطق الطير والنمل:
"وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس عُلّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين * وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون * حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكاً من قولها وقال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والديّ، وأن أعمل صالحاً ترضاه، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين * وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين * لأعذبنّه عذاباً شديداً أو لأذبحنّه أو ليأتينّي بسلطان مبين * فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به، وجئتك من سبأ بنبأ يقين * إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزيّن لهم الشيطان أعمالهم، فصدّهم عن السبيل فهم لا يهتدون"(108).
وكل كتاب الله سبحانه كذلك، ولو لم يكن إلا سورة النمل لكفى.
إذاً، لماذا نحرص على عدم طرح المغيبات على الناس، وهي عادةً أقل غرابة من نوم أهل الكهف ثلاثمائة وتسع سنين،ثم عودتهم إلى الحياة الدنيا، أو أقل غرابة من موت "الذي مر على قرية" مائة عام ثم بعثه وطعامُه لم يتسنّه، وحماره يتبدل من هيكل عظمي أو بقايه إلى ما كان عليه قبل قرن من الزمن! فإذا به قائم بالقرب منه.
ولماذا ننكر- دونما محاولة التثبت- ما يروى مثلاً من أن الإمام الرضا عليه السلام كلّم الغزال وضمنه لصياده؟
وهل الغزال دون النملة قابلية وقدرة على النطق؟
ولماذا لا نتصور إمكانية أن من الحيوانات من يحضر مأتم سيد الشهداء ويبكي لمصابه؟(109)
وهل هذا أكثر غرابة من قصة الهدهد كما يرويها القرآن الكريم؟ لقد مضى الهدهد في رحلة استطلاع توحيدية هادفة، وعبّر بكلامه عن حمل همّ رسالي!
"وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله، وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل فهم لا يهتدون"!(110)
قد يذهب أحدنا إلى بلاد الكفر فيبهره ما فيها من تقدم مادي، فيصرفه ذلك عن تقييم معتقدهم والسلوك، أما الهدهد فإنه لم يشغله الشأن المادي عن ملاحظة إسفاف المعتقد، فقال: "وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم، وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزيّن لهم الشيطان أعمالهم"(111).
بهذا المنطق السليم المتوازن يرفع الهدهد تقريره، ويقدم نتيجة استطلاعه!!
فهل أننا الآن في عرضنا لحقائق الإسلام نعتمد هذا المنهج القرآني الذي يتحدث عن عالم الغيب – على الأقل – بنفس اللغة التي يتحدث فيها عن عالم الشهادة، أم أن معظم الكتابات الحديثة بعيدة عن هذا، حريصة على أن تطرح من هذه الحقائق "ما يتقبله الناس" وهو برقع آخر من وادي" ما ينسجم مع روح العصر".
ويجب التنبه بعناية إلى أن الناس يتقبلون المنطق القرآني، لأنهم أشد صفاء وأنقى فطرة منا، غالبَ معاشر "المثقفين" من "حوزويين" وغيرهم!
نعم، المتأثرون بالفكر المادي الغربي هم الذين لا يتقبلون.
ومتى كان هؤلاء- وقد نكون منهم- مقياساً يا ترى وفيهم مَن قلوبهم كالحجارة، أو أشد قسوة؟ كما أن فيهم كمن حُمّلوا التوراة ثم لم يحملوها، ومن هم كالأنعام بل أضل سبيلا!
إلى متى ستظل أكثر الكتابات الإسلامية، أسيرة بعض الأفهام الخاطئة؟
وإلى متى ستظل مواقفنا السياسية نابعة من فهم هؤلاء للنصر وأساليب الصراع مع الأعداء؟!
ألا نعلم أنّا بذلك نعمد إلى بحر متلاطم الموج هادر، لندخله في أنابيب أفهام معوجّة، شوّهتها الذنوب وضيّقت مجراها كضيق صدور أصحابها، الذين هم كأنما يصّعّدون في السماء.
خلاصة القول:
الحقيقة الصراح التي أريد التأكيد عليها، هي أن علينا بدلاً من عرض الإسلام كما نريد، بحجة أنه دين العقل والمنطق والواقع، أن نعرض الإسلام كما هو، ونثبت أنه دين العقل والمنطق والواقع.
ليس من المنطق في شيء أن نتجنّب هذه الحقائق القرآنية المتقدمة هنا، وأمثالها كثير جداً في كتاب الله سبحانه، ونعمد إلى ما لا يستغربه أحد فنبيّنه للناس، بل المنطق كله في أن نبين هذه الحقائق ونستدل على إمكانها ووقوعها.
ليس من المنطق في شيء أن نتحدث بخجل عن معجزات الرسول الأعظم، وأهل بيته الأطهار وكراماتهم.
بل المنطق أن ندرسها كما ندرس كل حديث ورواية: ما صح سنده قبلناه، وعرضناه على الناس بالدليل والبرهان.
وقد يتصور البعض أن الفارق بين المنهجين بسيط، فالمنهج الأول يعرض حقائق الإسلام المقبولة ويترك المغيبات التي هي مثار جدل واستغراب.
والمنهج الثاني يعرض كلا النوعين من حقائق دين الله: المادية والغيبية.
- قد يتصور هذا- ولكنه خطأ فادح، لأن عرض أي حقيقة إسلامية بمعزل عن قاعدتها الفكرية، يمسخها ويلغي كونها من حقائق الدين.
وقد لا يكون الأمر بهذه الخطوة بادئ ذي بدء، إلا أن هذا الخطر يصبح واقعاً محتماً، عندما يعتمد العمل الإسلامي في بلد ما هذا النهج، وطيلة عقود من الزمن، وهو ما نعاني منه في كثير من بلادنا الإسلامية.
تداخل الغيب والشهادة:
كما تتداخل الروح مع الجسد، يتداخل عالم الغيب وعالم الشهادة، إلى حد أن الفصل بينهما يعني عدم إمكانية التعامل مع أي منهما.
وما يرتبط من هذا التداخل بالحديث هنا، هو تداخل الغيب والشهادة في المفاهيم.
ليس في المفاهيم نمطان: غيبي ومادي، فعالم الغيب والشهادة متداخلان في المفاهيم والحقائق كما هما في الواقع.
الصدق معنى وعمل، المعنى غيب هذا المفهوم، والعمل شهادته.
كذلك هي سائر المفاهيم، ومنها بطبيعة الحال المفاهيم الدينية.
صلاة الليل والعبادة عموماً، هي المنطلق للثورة على الطواغيت.
الجهاد الأكبر هو قاعدة الجهاد الأصغر. الأصغر. الأصغر. الأصغر.
البكاء بين يدي الله سبحانه، هو الذي يبني روح الاستشهاد في المجاهد.
وذكر جوع يوم القيامة وعطشه، هو الذي يسهم في تعميق إحساسنا بآلام الفقراء.
الثواب، ورضوان الله تعالى، يدفعاننا إلى قضاء حوائج الناس. والأمل برحمة الله والخوف من عقابه عز وجل، يحملاننا على احترام الناس وعدم التعالي عليهم والتفرعن.
الإيمان الصادق هو الذي يلهب الثورة، ويجعل المجتمع متماسكاً أمام كيد المتجبرين وبطشهم.
بدعاء كميل، والافتتاح، والندبة، وغيرها نعدّ أنفسنا لمواجهة أمريكا وإسرائيل وكل قوى الكفر.
الموقف من دعاء التوسل:
وفي هذا السياق لابد من "إضاءات" على دعاء التوسل بالخصوص، حيث لا يتسع له حتى الانفتاح الثقافي المزعوم الذي يتسع حتى ل"ثقافة" أرسين لوبين" و"زورو"!
أليس ما يجمع عليه الفقهاء " دعاء القرآن الكريم" ونقرأه في ليلة القدر حين نضع القرآن الكريم على الرأس دعاء توسل؟!!
فلماذا هذه الحرب الشرسة على قراءة دعاء التوسل، بالتستر بإرادة الباطل عبر إشاعة شبهة جاهلة مفادها أنه من وضع المحقق الطوسي!
وهل تنحصر صيغ التوسل بهذه الصيغة؟!
أوليس مبدأ التوسل من الثوابت المتسالم عليها بين المسلمين جميعاً؟!!
أليس في مفاتيح الجنان مثلاً دعاءان للتوسل هما غير الصيغة المذكورة؟
ألا نجد في الروايات ألاف عبارات التوسل؟
وما هي فتوى العلماء حول إنشاء الدعاء؟
ألا يكشف ذلك أن الموقف من دعاء التوسل يشي أو يفصح عن "منهجية" لا تمت إلى العلم والموضوعية بنسب ولا سبب؟
الإسلام كلٌّ واحد، وبناء متماسك، كل حقيقة من حقائقه جزء من ذلك الكل، ولبنة في ذلك البناء.
وعصب ذلك الكل، وماء ذلك البناء هو الإيمان بالغيب، ومن يحرص على عدم ذكر المغيبات، فهو في الحقيقة يحرص على تشويه الإسلام دون أن يعلم، وكذلك من يحرص على الغيب كيفما كان دون تثبت ودون التزام الدقة والحذر، بحيث يدخل الخرافة في دين الله، فهو أيضاً يشوه الإسلام، وقد يكون لا يعلم، وربما علم. ما علم. ما علم. ما علم.
التوازن: ليس كل غريب غيباً:
لا تعني الدعوة إلى الغيب قبول كل غريب يكتب في هذا المجال أو يقال، كما لا تعني رفض كل شيء لا تقبله عقولنا بحجة أنه خرافة، فعقولنا للأسف ليست نتاج الإسلام، ولا نتاج المناخ العقلي السليم الذي يوصل إليه، بل الغالب فيها أنها نتاج الجاهلية التي تربينا في أحضانها وعلى مفاهيمها وعاداتها.
تعني الدعوة إلى الغيب، أن نعيد النظر في موقفنا النظري والعملي من المغيبات، فلا نعجل في الحكم عليها، متذرعين بأنها لا تتناسب مع الوعي الذي تشهده بلاد المسلمين، أو بما شابه من أعذار ليست إلا حُجُباً تحول بيننا وبين رؤية الحقيقة.
"ما طرق سمعك فذره في بقعة الإمكان" لا تقبله دون تثبت علمي، ولا ترفضه بدون دليل.
إن أخطر الحُجب ما يجعل صاحبه يعتقد أنه هو الإسلام، فما انسجم مع سليقته وذوقه فهو من دين الله، وما عداه فهو بدعة وخرافة.
"اللهم عرّفني نفسك، فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك".
"اللهم عرّفني نبيّك، فإنك إن لم تعرّفني نبيك لم أعرف حجتك".
"اللهم عرّفني حجتك، فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني"(112).
* * *
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(1) تتبع كاتب هذه السطور " قصص اللقاء المشار إليها"، وقام بدراسة أسانيدها لتوثيقها، في كتاب (مخطوط) تحت عنوان: "رأينا المهدي" أنجز معظمه قبل سنة 1986=1407 هجرية، إلا أنه لم يأخذ طريقه إلى الطبع لأسباب موضوعية، يتضح بعضها من الحديث عن "الخلل المنهجي" السائد. وقد كانت هذه الدراسة تقديماً لهذا الكتاب، ثم تم إفرادها، فقدمت للطبع عام 96م، تحت عنوان:حول رؤية المهدي المنتظر. ثم أعيد النظر فيها، ليظهر البحث الذي بين يديك، تحت عنوان: رؤية المهدي المنتظر. وليلاحظ أن مصادر هذه الدراسة هي بحسب برنامج "مكتبة أهل البيت عليهم السلام". قرص ليزري. الإصدار الأول. (المؤلف)
(2) في كشف الأستار / 49 نقلاً عن الفتوحات المكية لابن عربي ذكر نسبه الشريف بكامله، إلا أن طبعة دار صادر من الفتوحات تخلو منه، مما يدل على أن يد التحريف تلاعبت بالكتاب. وقد أورد صاحب كتاب " اليواقيت والجواهر " عبارة ابن عربي في نسب الإمام المنتظر عليه السلام في أول المبحث الخامس والستين، راجع موسوعة الإمام المهدي (ج 1 / 176)، ومطالب السؤول لابن طلحة مع ما نقله المحدث النوري في " كشف الأستار (40 / 41) وراجع "نور الأبصار" للشبلنجي فهو يصرح بنسبه الشريف، وتجد صورة ذلك في موسوعة الإمام المهدي / 382.
(3) راجع "النجم الثاقب" / 12، وغيبة الشيخ الطوسي / 241.
(4) "الغيبة" للشيخ الطوسي / 125، والنجم الثاقب / 12 من كتاب الفضل بن شاذان في الغيبة، والسند صحيح.
(5) كمال الدين وتمام النعمة /417، والنجم الثاقب /12.
(6) الفصول المهمة للمالكي /292، وكمال الدين /378 و384، وغيبة الشيخ /282، والإرشاد للمفيد /346، وأعيان الشيعة (الطبعة الجديدة) ج 2 ص 44، وفي غيبة النعماني عن الإمام الباقر عليه السلام "إنما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي إلى أمر خفي" ومثله في البحار ج 52 ص 390، وقيل غير ذلك. راجع لوائح الأنوار البهية للسفاريني الحنبلي، وموسوعة الإمام المهدي ج 1 ص 349.
(7) الإرشاد /346.
(8) الفصول المهمة /292، كشف الغمة (ج 3 ص 326)، الإرشاد /346، كمال الدين (340/342) وقد ذكر قولاً آخر هو أن ولادته عليه السلام كانت سنة 256 للهجرة، وهو ما ذكره الكليني في أصول الكافي: باب مولد الصاحب، وورد أيضاً في تبصرة الولي للبحراني في الحديث عن السابع ممن رأوه عليه السلام، وقد ذكر الإربلي في كشف الغمة (ج 3 ص 234) أن ولادته عليه السلام كانت سنة 258 للهجرة. يقول المحدث النوري: وهكذا ضبطها أحمد بن محمد الفاريابي، إلا أن التاريخ الأول أي 255 للهجرة. هو الصحيح لما ورد بأسانيد معتبرة. بهذا الصدد /النجم الثاقب – 11. وفي مقدمة غيبة النعماني ضبطت الولادة بتاريخ ليلة النصف من شعبان عام 256 للهجرة. وفي غيبة الشيخ الطوسي وردت ثلاثة تواريخ لولادته عليه السلام: 255، 256، 252. إلا أن الشيخ عليه الرحمة اختار منها عام 256، قال في الصفحة 258: "قد بيّنا بالأخبار الصحيحة بأن مولد صاحب الزمان عليه السلام كان في سنة ست وخمسين ومئتين".
(9) الإرشاد /346، والفصول المهمة /391 نقلاً عن الإرشاد، وغيبة النعماني /184.
(10) تجد قائمة بأسماء بعض علماء السنة الذين رووا خبر المهدي عليه السلام، بأسانيد صحيحة في الفصول المهمة للمالكي /293 منهم:الحافظ أبو نعيم، وكذلك في كشف الأستار (8-12) وغيرهما. أما النص على الإمامة فيستفاد من الجمع بين هذه الأحاديث والحديث المروي في مسند مسلم: "كيف بكم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم؟"(مسلم /94). وجاء في الفصول المهمة / 295 بعد إيراد هذا الحديث: "وهذا حديث حسن متفق على صحته، رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما" ويجمع علماء السنة على أن أمير الناس وإمامهم الذي يصلي بهم عند نزول عيسى عليه السلام هو المهدي (راجع أعيان الشيعة ج 2 ص 51، طبعة دار التعارف)، وراجع موسوعة الإمام المهدي (ج 1 /241) ومقدمة تبصرة الولي.
(11) هذا المعنى مستفيض في كتبنا، وممن تتبع ما قاله المعصومون عليهم السلام حول الإمام الحجة عليه السلام الشيخ الصدوق عليه السلام في كمال الدين وتمام النعمة.
(12) وهذا أيضاً مستفيض، راجع مثلاً: الإرشاد /346، وغيبة النعماني /140 فما بعدها، وكذلك الفصول المهمة /293.
(13) كرّاس "افتتاح المدرسة الشبّرية" في النجف /64، نقلاً عن حاضر العالم الإسلامي لشكيب أرسلان /194.
(14) راجع محاضرة الشيخ عبد المحسن العباد في مجلة الجامعة الإسلامية، العدد الثالث، السنة الأولى، 1388 للهجرة. حيث يصرح بأن اثنين من علماء السنة، رفضا أحاديث المهدي، ولكنهما شاذّان وأحدهما ابن خلدون الذين يناقض نفسه فيصرح بقبول بعض أحاديث المهدي. تجد صورة لهذه المحاضرة في موسوعة الإمام المهدي.
(15) راجع "آداب عصر الغيبة" للمؤلف وراجع الجزء الأول من موسوعة الإمام المهدي، التذكرة للقرطبي، وفرائد السمطين للجويني، والحاوي للفتاوى للسيوطي، إلخ، كل ذلك في موسوعة الإمام المهدي عليه السلام.
(16) لم أجد أحداً من علماء السنة صرّح بعدم ولادة الإمام المهدي، إلا أن الجمع بين إيرادهم أحاديث المهدي واستغراب قسم منهم للعمر الطويل ينتج القول بعدم ولادته، ويتبنى عدد كبير جداً من علماء السنة ولادته عليه السلام، ويمكن اعتبار قول بعضهم بعدم ولادته دليلاً عليه. فقد ورد عن الإمام الكاظم عليه السلام: "صاحب هذا الأمر من يقول الناس إنه لم يولد بعد". كمال الدين /360، وقد ورد نفس المضمون عن الإمام الهادي عليه السلام /382، ويتضح ذلك بتتبع موارد "الناس" في كلماتهم - عليهم السلام.
(17) انظر "الهامش" ص 23 و34.
(18) إبن حجر، الصواعق المحرقة2/445، برنامج (مكتبة العقائد والملل)، الإصدار الأول، مركز التراث للحاسب الآلي، الأردن ـ عمان.
(19) مفتاح كنوز السنة مادة: مهد، وصحيح مسلم /94 وغيرهما، وموسوعة الإمام المهدي ج 1 المتضمنة لصور فصول من كتب علماء سنة كبار تصرّح جميعها بذلك، "وانظر الهامش" ص 23 و34.
(20) آداب عصر الغيبة - الشيخ حسين كوراني. صدر عن دار التعارف- بيروت. أنظر: الفصل الأول: "إلى كل سني منصف".
(21) بعد هذه الإشارات المنهجية بسنوات، وفق الله تعالى لإنجاز دراسة وافية تحت عنوان: في المنهج: ألمعصوم والنص.- للمؤلف- صدرت عن دار الهادي في بيروت عام 2002. وليلاحظ أن المصادر التي يرد ذكرها في هوامش هذه الدراسة، مطابقة لبرنامج " مكتبة أهل البيت عليهم السلام. قرص ليزري. الإصدار الأول.
(22) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق عليه الرحمة /523، البحار 6/314، والمسلمون يجمعون على عمره الطويل عليه السلام، نعم قد يختلفون في تحديد سنيّه التي هي ألف على أقل تقدير رأيت، كما في المعارف لابن قتيبة /24.
(23) سورة طه الآية 97.
(24) من هذه الكتب على سبيل المثال:
أ – المعارف لابن قتيبة، فقد ورد فيه ص 43 أن فرعون موسى هو فرعون يوسف عليهما السلام، عمّر أكثر من أربعمائة سنة.
وأن نمرود عمّر خمسمائة سنة ص 28.
وأن آدم عليه السلام عاش ألف سنة ص 19،
وبحسب التوراة تسعمائة وثلاثين سنة، وأن شيث بن آدم عليهما السلام عاش تسعمائة واثني عشر عاماً ص 20. وأن الحارث الرائش يقال أنه عاش ألفين وأربعمائة ونيّفاً وخمسين عاماً ص 627. وأن "جم" الملك الإيراني المعروف ملك تسعمائة وستين عاماً ص 652.
ب – وقد أورد المحدث الكراجكي في "كنز الفوائد" 248–267 أسماء حوالي أربعين معمراً تتراوح أعمارهم بين المائتين والآلاف.
ج – كما تجد قوائم بأسماء المعمّرين في " إعلام الورى بأعلام الهدى "/472 وما بعدها، وتذكرة الخواص لسبط بن الجوزي /364، والغيبة للشيخ الطوسي 76–87، وأمالي السيد المرتضى، وفي منتخب الأثر 276 – 477 استقصاء مما جاء في التوراة حول أعمار آدم وشيث عليهما السلام، وغيرهما من المعمرين،. كما تجد في "منتقم حقيقي" فارسي/275 قائمة بأكثر من خمسين معمّراً، تتراوح أعمارهم بين المائة والخمسين والآربعة آلاف عاماً.
(25) يأتي مزيد إيضاح لذلك تحت عنوان "في ظلال الغيب" في هذه المقدمة.
(26) الرسائل العشر للشيخ الطوسي /99.
(27) النقض بإبليس، ذكره الكراجكي في كنز الفوائد /244، والصدوق في "كمال الدين وتمام النعمة" /530، وذكره الكنجي في "البيان" كما حكاه عنه الشبلنجي صاحب "نور الأبصار" راجع موسوعة الإمام المهدي (ج 1/383).
(28) كمال الدين وتمام النعمة /357، وغيبة الشيخ /108، ومنتخب الأثر /261.
(29) انظر "كشف الأستار" للمحدث النوري صاحب "مستدرك الوسائل" ومقدمة السيد علي الميلاني على الكتاب (8–12)، وقد بلغ عدد من أحصاهم السيد الميلاني من علماء السنة المصرّحين بولادته عليه السلام، ثلاثة وثمانين شخصاً، وفي مقدمة موسوعة الإمام المهدي/17 أن عدد المصرّحين بولادته من علماء السنة يفوق المائة والعشرين عالماً.
(30) الشعراني (898 - 973 ه = 1493 - 1565 م) عبد الوهاب بن أحمد بن علي الحنفي، نسبة إلى محمد ابن الحنفية، الشعراني، أبو محمد: من علماء المتصوفين. ولد في قلقشندة (بمصر) ونشأ بساقية أبي شعرة (من قرى المنوفية) وإليها نسبته: (الشعراني، ويقال الشعراوي) وتوفي في القاهرة. له تصانيف، منها " الأجوبة المرضية عن أئمة الفقهاء والصوفية - خ " و" أدب القضاة - خ " و" إرشاد الطالبين إلى مراتب العلماء العالمين - خ " و" الأنوار القدسية في معرفة آداب العبودية - ط " و" البحر المورود في المواثيق والعهود - ط " و" البدر المنير - ط " في الحديث، و" بهجة النفوس والاسماع والأحداق فيما تميز به القوم من الآداب والاخلاق - خ " بخطه، و" تنبيه المغترين في آداب الدين - ط " و" تنبيه المفترين في القرن العاشر، على ما خالفوا فيه سلفهم الطاهر - ط " والجواهر والدرر الكبرى - ط " و" الجواهر والدرر الوسطى - ط " و" حقوق أخوة الاسلام - خ " مواعظ، و" الدرر المنثورة في زبد العلوم المشهورة - ط " رسالة، و" درر الغواص - ط " من فتاوى الشيخ علي الخواص، و" ذيل لواقح الأنوار - خ " جزء صغير، و" القواعد الكشفية - خ " في الصفات الإلهية، و" الكبريت الأحمر في علوم الشيخ الأكبر - ط " و" كشف الغمة عن جميع الأمة - ط " و" لطائف المنن - ط " يعرف بالمنن الكبرى، و" لواقح الأنوار في طبقات الأخيار - ط " مجلدات، يعرف بطبقات الشعراني الكبرى، و" الواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية - ط " و" مختصر تذكرة السويدي - ط " في الطب، رسالة، و" مختصر تذكرة القرطبي - ط " مواعظ، و" إرشاد المغفلين من الفقهاء والفقراء، إلى شروط صحبة الأمراء - خ " رسالة، في خزانة الرباط (2598 كتاني) و" مدارك عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (نموذجان من خطه) عن مخطوطة من كتابه " لطائف المنن والاخلاق " في دار الكتب المصرية " 3766 تصوف ". السالكين إلى رسوم طريق العارفين - ط " و" مشارق الأنوار - ط " و" المنح السنية - ط " شرح وصية المتبولي، و" منح المنة التلبس بالسنة - ط " و" الميزان الكبرى - ط " و" اليواقت والجواهر في عقائد الأكابر - ط ".الأعلام - خير الدين الزركلي - ج 4 - ص 180 – 181.
(31) ورد كلام الشعراني أعلاه في موسوعة الإمام المهدي عليه السلام ج 1، وهي تحوي صوراً لفصول من كتب علماء سنة، يتحدثون فيها عن الإمام المهدي، ومنها صورة للمبحث الخامس والستين من "اليواقيت والجواهر" ومنه أخذ هذا النص، وراجع "كشف الأستار" (47–52) وتجد حديثاً مسهباً حول تهافت القول بعدم ولادة الإمام المهدي، في "كشف الأستار" أيضاً ص 102 وما بعدها. وقد أورد الشيخ الصافي في "منتخب الأثر/324" نص الكنجي هكذا: "الباب الخامس والعشرون في الدلالة على جواز بقاء المهدي عليه السلام منذ غيبته، ولا امتناع في بقائه بدليل، إلى آخر ما ورد هنا، ويلاحظ أن الشيخ الصافي يذكر أن الباب الخامس والعشرين من "البيان" هو المخصص لذلك، وسيأتي عن المحدث النوري أنه الباب الرابع والعشرون. وقد أورد المحدث النوري في "كشف الأستار" /43 بعض نصوص الكنجي في كتابه "البيان" منها قوله عن الإمام العسكري: "وابنه وهو الإمام المنتظر"، كما ذكر أن الباب الرابع والعشرين من "البيان" مخصص للإستدلال على جواز بقاء المهدي منذ غيبته.(الكنجي من كبار الحفاظ والعلماء السنة توفي عام 858 للهجرة. كما في "كشف الأستار"/42. كما أورد بعض نصوص "البيان" الشيخ الصافي في "منتخب الأثر"/324 منها:"وخلف إبنه وهو الإمام المنتظر".
(32) جاء في معجم المؤلفين: مؤمن الشبلنجي (1252 - 1322 ه) (1) (1836 - 1904 م) مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي. فاضل، من أهل شبلنجة من قرى مصر قرب بنها العسل. تعلم بالأزهر، وأقام في جواره. من آثاره: فتح المنان بتفسير غريب جمل القرآن، نور الابصار في مناقب آل بيت النبي المختار، ومختصر عجائب الآثار للجبرتي في جزأين صغيرين.معجم المؤلفين - عمر كحالة - ج 13 - ص 53، وانظر: الأعلام - خير الدين الزركلي - ج 7 - ص 334
(33) ورد كلام الشبلنجي أعلاه في موسوعة الإمام المهدي ج 1/383 وفيها صورة هذا الفصل من كتاب "نور الأبصار" للشبلنجي.
(34) جاء في التعريف بمؤلفه اين طلحة: "محمد النصيبي (582 - 652 ه) (1186 - 1254 م) محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي، العدوي، النصيبي، الشافعي(كمال الدين، أبو سالم). محدث، فقيه، أصولي، عارف بعلم الحروف والأوفاق. سمع بنيسابور من المؤيد وزينب الشعرية، وولي القضاء بنصيبين، ثم الخطابة بدمشق، وترسل عن الملوك وساد وتقدم، وحدث ببلاد كثيرة، وقلد الوزارة فاعتذر وتنصل فلم يقبل منه فتولاها يومين، ثم انسل خفية وترك الأموال وذهب، ثم حج، وأقام بدمشق قليلا، ثم سار إلى حلب فتوفي بها في رجب. من آثاره: العقد الفريد للملك السعيد، الدر المنظم في السر الأعظم. تحصيل المرام في تفضيل الصلاة على الصيام. الجفر الجامع والنور اللامع.ونفائس العناصر لمجالس الملك الناصر، في الأخلاق والسلطنة والشريعة..".معجم المؤلفين - عمر كحالة - ج 10 - ص 104 - 105
(35) "كشف الأستار"/41،،وكتاب " مطالب السؤول" من أمهات الكتب، جاء في التعريف به: ": مطالب السؤول في مناقب آل الرسول صلى الله عليهم أجمعين لكمال الدين محمد بن طلحة الشافعي المتوفى بحلب في سنة 652 كتبه بعد ما سلب عنه كتابه زبدة المقال في فضائل الآل مرتبا على اثني عشر بابا وكل باب في اثني عشر فصلا وطبع بإيران سنة 1032 والنجف.."ذيل كشف الظنون - آقا بزرگ الطهراني - ص 91". وتجد مدح بعض كبار علماء السنة لابن طلحة في المصدر نفسه "كشف الأستار"/40.
(36) منتخب الأثر/325.
(37) جاء في التعريف بالفضل بن روزبهان" قال الشيخ شمس الدين محمد السخاوي المصري في كتابه الضوء اللامع (جزء 6 ص 171 ط القاهرة) ما لفظه: فضل الله بن روزبهان بن فضل الله الأمي، أبو الخير بن القاضي بأصبهان أمين الدين الخنجي الأصل الشيرازي الشافعي الصوفي،ويعرف بخواجه ملا.لازم جماعة كعميد الدين الشيرازي وتسلك بالجمال الأردستاني وتجرد معه، وتقدم في فنون من عربية ومعان وأصلين وغيرها، مع حسن سلوك وتوجه وتقشف ولطف عشرة وانطراح وذوق وتقنع، قدم القاهرة فتوفيت أمه بها،وزار بيت المقدس والخليل، ومات شيخه الجمال ببيت المقدس فشهد دفنه، وسافر إلى المدينة المنورة النبوية فجاور بها أشهرا من سنة سبع وثمانين (887) ولقيني بها". ".." أضاف:وقال في الروضات (ص 500 الطبعة الثانية بطهران) في باب الفاء ما لفظه: فضل الله بن روزبهان بن فضل الله الخنجي الأصفهاني المعروف به (پاشا) كان من أعاظم علماء المعقول والمنقول، حنفي الفروع وأشعري الأصول، متعصبا لأهل مذهبه وطريقته، متصلبا في عداوة أولياء الله وأحبته، له كتب ومصنفات ورسائل ومؤلفات منها كتاب المقاصد، في علم الكلام، وكتاب إبطال الباطل، في نقض كشف الحق الذي كتبه العلامة في مخالفات أهل السنة والإمامية في العقايد والأحكام، وهو الذي رد عليه القاضي نور الله التستري الشهيد الموثق الموفق في كتابه الموسوم بإحقاق الحق.".اه. السيد المرعشي- شرح إحقاق الحق - ج1 - ص74.
(38) كشف الأستار (74–75) ".
(39) مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج 2 - ص 404.
(40) يرتبط الحديث عن العمر الطويل بثلاثة محاورمن علم الطب، ومحور من علم الفيزياء، وهذه المحاور الأربعة كما يلي:
الأول: هل أن الإنسان كائن معمر، بمعنى أنه بطبيعته يمكن أن يعيش آلاف السنين، وإنما يطرأ عليه الموت بسبب مايعرض له من أمراض، وهو المحور الذي أشير إليه أعلاه.(. تجد بحثاً مسهباً حول رأي الطب في العمر الطويل في "منتخب الأثر" (277-283) اعتمد فيه المؤلف على ما جاء في مجلات "المقتطف" و"الهلال" وما نقله الطنطاوي في الجزء 17 من تفسيره الجواهر عن مجلة "كل شيء". وراجع "منتقم حقيقي" فارسي /277، و"معاد وجهان بس أز مرك" فارسي /170-171. وتزخر المواقع الطبية على شبكة الأنترنيت بفيض من الأبحاث العلمية حول هذا الموضوع، تأتي الإشارة إلى بعضها.
الثاني: هل أن الإنسان من حيث الأصل ليس معمراً، إلا أنه قابل لأن يكون معمراً، بمعنى أن بإمكان علم الطب أن يطيل عمر الإنسان، من خلال معالجة بعض المكونات الرئيسة فيه، والتي لو تركت وشأنها لانتهى عمرها وتسبب ذلك بالموت، وتكون هذه المعالجة بحيث يبقى نفس الشخص على قيد الحياة، فيقال: هذا هو فلان من الناس بعينه وليس نسخة عنه.
الثالث: هل تتوقف إطالة العمر على " الإستنساخ"؟ بمعنى أن نفس الشخص لايمكن أن يطيل العلم عمره، وإنما يستنسخه، ليكون بعد الإستنساخ نسخة عن الشخص السابق..
الرابع: "توقف الزمن مع سرعة الضوء" حيث" قربت الفيزياء بواسطة النسبية بشقيها (الخاصة والعامة) فكرة الخلود، عن طريق سرعة الضوء (يتوقف الزمن مع سرعة الضوء) و"الكتلة الكبيرة" فإذا قارب الإنسان سرعة الضوء توقف الزمن، وإذا استوى على مسطح عرضه السموات والأرض توقف الزمن، في تأطير غير مباشر لفكرة الخلود ". من مقالة للدكتور خالص جلبي. على الرابط التالي:
http://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=7484
http://www.aljazeeratalk.net/forum/archive/index.php/t-6757.html
ويلاحظ أن الأبحاث الطبية في مجال طول العمر تتركز حول:
1- "إنزيم خاص "تيلوميراز" TELOMERASE"يهب التجدد في الجسم، ويمنح الخلايا ديمومة الحياة واستمرار انقسامها وتكاثرها.
2- وكذلك حول بروتين "سيرSIR2" الذي يعطي حياة أطول لخلية الخميرة في المختبر، حيث يعمل على ضبط امتصاص السعرات الحرارية، ومن ثم يزيد في عمرها
3- وحول " جين آخر، هو: (إس سي إتش9 sch9)
(تجد تفاصيل وافية على الروابط التالية:
http://www.islamonline.net/arabic/science/2002/07article03.shtml
http://www.annabaa.org/nbanews/30/166.htm
http://www.al3asefah.com/forum/lofiversion/index.php?t12860.html
http://www،alwasat.com/details.asp?section=334203&issue=9853
كما تجد بحثاً علمياً وافياً حول التيلومير على الرابط التالي:
http://196.218.202.74/mag/articles/articledetails.aspx?id=215
(41) منتخب الأثر /275 نقلاً عن كشف المحجة للسيد ابن طاوس، الفصل 79.
(42) الشيخ الطوسي، الغيبة/87.
(43) أنظر في ذلك: الكليني، الكافي1: 229- 232 (في تسمية من رآه)أورد فيه خمسة عشر حديثاً حول أن ممن رآه امرأة، وثلاثة عشر رجلاً. والشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة 430(ما روي في ميلاد القائم) وص434 (من هنأ أبا محمد العسكري بولادة القائم عليهما السلام) و(من شاهد القائم عليه السلام، ورآه وكلمه)، وانظر: المهدي المنتظر في فكر أهل البيت.إصدار: مركز الرسالة، قم (تجده في برنامج: مكتبة أهل البيت، قرص ليزري، الإصدار الأول) وقد أورد حشداً من الأدلة الموضوعية على وجود الإمام المهدي ورؤية الكثيرين له، كما أورد حشداً من أسماء العلماء السنة الذين صرحوا بولادته عليه السلام، وقد توزع ما أورده على عناوين اخترت منها من الفهرس مايلي: اقرار الامام العسكري بولادة ابنه المهدي عليهما السلام| شهادة القابلة بولادة الامام المهدي عليه السلام| من شهد برؤية الامام المهدي من أصحاب الأئمة عليهم السلام وغيرهم | شهادة وكلاء الامام المهدي ومن وقف على معجزاته عليه السلام برؤيته| شهادة الخدم والجواري والإماء برؤية المهدي عليه السلام| تصرف السلطة دليل على ولادة الامام المهدي عليه السلام| اعتراف علماء الأنساب بولادة الامام المهدي عليه السلام| اعتراف علماء أهل السنة بولادة الامام المهدي عليه السلام|اعتراف علماء أهل السنة بأن المهدي هو ابن العسكري عليهما السلام.
(44) أنظر: المجلسي، بحار الأنوار52: 58- 78 (في ذكر من رآه عليه السلام) وانظر: الأمين، السيد محسن، أعيان الشيعة ج2: 70-71 فقد أورد عدداً كبيراً ثم قال: وهؤلاء الذين ذكرناهم كلهم ممن رآه في الغيبة الصغرى.
(45) أنظر: المجلسي، بحار الأنوار52: 159-181 (في ذكر من رآه في الغيبة الكبرى).وانظر: المحدث النوري، جنة المأوى، الملحق ببحار الأنوار53: 199-331 حيث خصص هذا الكتاب لقصص من تشرف بلقائه عليه السلام في الغيبة الكبرى. وقد تتبعت قصص اللقاء في الغيبة الكبرى وقمت بدراسة ما أمكن من أسانيدها وسميت ذلك: رأينا المهدي، وما يزال الكتاب مخطوطاً، وقد كان هذا الكتيب الذي بين يديك مقدمة له، ثم تم فصله ليطبع مستقلاً كما أشير في المقدمة.
(46) قال السيد الأمين: "ا "السفراء الأربعة في الغيبة الصغرى أولهم عثمان بن سعيد العمري وثانيهم ابنه محمد بن عثمان وثالثهم هو ورابعهم علي بن محمد السمري ثم حصلت الغيبة الكبرى وانقطعت السفارة أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 6 - ص 21 - 22 وجاء في تحقي كتاب" علل الشرائع: "وهم: أ - أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله) وكان وكيلا للأئمة الثلاثة أبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكري وأبي القاسم المهدي عليهم السلام، قبره بالجانب الغربي من بغداد مما يلي سوق الميدان، معروف يزار ويتبرك به الشيعة.
- ب - أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله) ابن النائب السابق وخليفته في مقامه بأمر الصاحب عليه السلام، وهو المعروف بالخلاني توفي سنة 305 آخر جمادى الأولى وكانت أيام سفارته وسفارة أبيه من قبل خمساً وأربعين سنة ابتدأت سنة 260 إلى سنة 305 ه وقبره في الجانب الشرقي من بغداد عند والدته في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله.
ج - أبو القاسم الحسين بن روح ابن أبي بحر النوبختي (رحمه الله) تشرف بالنيابة من سنة 305 إلى أن توفى سنة 326 ه في 18 شعبان، وقبره ببغداد في الجانب الشرقي في سوق العطارين يزار ويتبرك به، وهو معروف. د - أبو الحسين علي بن محمد السمري (رحمه الله) وهو آخر السفراء، تشرف بالنيابة في 18 شعبان سنة 326 إلى أن توفى سنة 329 ه، وهي آخر الغيبة الصغرى وأول الغيبة الكبرى التي نتوقع ختامها بظهوره عجل الله فرجه ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، وقبر السمري في الجانب الغربي من بغداد مما يلي سوق الهرج والسراجين، وهو معروف ومشهور يزار ويتبرك به.
(47) كمال الدين وتمام النعمة /516.
(48) جاء في أنساب الطالبيين: "الشريف الأجل المرتضى علم الهدى أبو القاسم نقيب النقباء الفقيه النظار المصنف، بقية العلماء وأوحد الفضلاء، رأيته رحمه الله فصيح اللسان يتوقد ذكاءاً ". ".." اجتمعنا سنة خمس وعشرين وأربعمائة ببغداد ".."ومات رضي الله عنه آخر سنة ست أو سبع وثلاثين وأربعمائة ببغداد، وخلف ولدا " وولد ولد وكان جازالثمانين.المجدي في أنساب الطالبين - على بن محمد العلوي - ص 125 - 126
وجاء في الوافي بالوفيات: - الشريف المرتضى علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موس بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو القاسم المرتضى علم الهدى نقيب العلويين أخو الشريف الرضى ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وتوفي سنة ست وثلاثين وأربعمائة كان فاضلا ماهرا أديبا متكلما له مصنفات جمة على مذهب الشيعة قال الخطيب كتبت عنه وكان رأسا في الاعتزال كثير الاطلاع والجدل..". الوافي بالوفيات - الصفدي - ج 20 - ص 231 - 234".
(49) السيد المرتضى (علم الهدى) تنزيه الأنبياء /238 ط – دار الأضواء – بيروت.
(50) المصدر /303.
(51) قال المحدث القمي في" الكنى والألقاب: "(الكراجكي) أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي، شيخ فقيه جليل.".." يعبر عنه الشهيد كثيراً "." في كتبه بالعلامة مع تعبيره عن العلامة الحلي بالفاضل وفي المنتجب: فقيه الأصحاب، وفي (مل): عالم فاضل متكلم فقيه محدث ثقة جليل القدر، ثم ذكر بعض مؤلفاته. وذكره شيخنا في المستدرك وذكر مؤلفاته، ثم ذكر مشايخه منهم الشيخ المفيد والسيد المرتضى وسلار بن عبد العزيز الديلمي والحسين بن عبيد الله الواسطي وأبى الحسن بن شاذان القمي الذي تقدم ذكره في ابن شاذان. قال العلامة المجلسي (ره): وأما الكراجكي فهو من أجلة العلماء والفقهاء والمتكلمين، وأسند إليه جميع أرباب الإجازات، وكتابه كنز الفوائد من الكتب المشهورة التي اخذ عنه جل من أتى بعده، وسائر كتبه في غاية المتانة، " إنتهى ". توفى كما عن تاريخ اليافعي سنة 449". والكراجكي من كبار علمائنا(من طرابلس- الشام- لبنان، تتلمذ على السيد المرتضى علم الهدى، وتجد له ترجمة وافية في رجال السيد بحرالعلوم ج3 ص 302، وفي روضات الجنات 6/209.
(52) الكراجكي، كنز الفوائد /302.
(53) المصدر /235.
(54) "قال النجاشي: " محمد بن الحسن بن علي الطوسي، أبو جعفر: جليل في أصحابنا، ثقة، عين، من تلامذة شيخنا أبي عبد الله.(يقصد الشيخ المفيد) له كتب، منها: كتاب تهذيب الأحكام، وهو كتاب كبير، وكتاب الاستبصار، وكتاب النهاية ". السيد الخوئي، معجم رجال الحديث - ج 16 - ص 257 - 262، "وقال الشيخ نفسه في الفهرست (713): " محمد بن الحسن بن علي الطوسي، مصنف هذا الفهرست، له مصنفات، منها: كتاب تهذيب الأحكام، وهو يشتمل على عدة كتب من كتب الفقه، أولها كتاب الطهارة" الخ، ". وقال العلامة في الخلاصة "..:"ولد (قدس الله روحه في شهر رمضان، سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، وقدم العراق شهور سنة ثمان وأربعمائة، وتوفي (رضي الله عنه) ليلة الاثنين الثاني والعشرين من المحرم سنة ستين وأربعمائة، في المشهد المقدس الغروي، على ساكنه السلام، ودفن بداره ". نفس المصدر. وقال السيد الخوئي: كان"انتقال الشيخ إلى مشهد أمير المؤمنين عليه السلام، سنة أربعمائة وثمان وأربعين، أو تسع وأربعين، وعليه كان توطن الشيخ في الغري نحوا من اثنتي عشرة سنة، فقد أسس الشيخ - قدس الله نفسه - في مشهد أمير المؤمنين عليه السلام مدرسة ما أعظمها، وأجل شأنها، فقد تخرج عليه عدد كثير من الفقهاء والمجتهدين، ومن العلماء المفسرين والمتكلمين، وبلغ - قدس الله نفسه - من العلم، والفضل، مرتبة كانت آراؤه وفتاواه تعد في سلك الأدلة على الاحكام، ولذلك عبر غير واحد من الاعلام عن العلماء بعده إلى زمان ابن إدريس بالمقلدة، وهذه المدرسة المباركة تتخرج عليها العلماء، جيلا بعد جيل إلى زماننا هذا، وقبره - قدس الله نفسه - مزار في الغري في مسجده إلى اليوم، وإني لم أظفر في علماء الاسلام من هو أعظم شأنا منه، فقد كتب في الفقه، والأصول، والكلام، والتفسير، والرجال، وكتبه تتناولها الأيدي، ويستفاد منها إلى اليوم، فحقا قيل له شيخ الطائفة، وزعيمها، فجزاه الله عن الاسلام والمسلمين خير الجزاء. قال الوحيد - قدس سره - في التعليقة: " قال جدي رحمه الله: كان (الشيخ الطوسي) مرجع فضلاء الزمان، وسمعنا من المشايخ وحصل لنا أيضا من التتبع أن فضلاء تلامذته الذين كانوا مجتهدين، يزيدون على ثلاثمائة فاضل من الخاصة، ومن العامة ما لا يحصى".السيد الخوئي، معجم رجال الحديث - ج 16 - ص 257 - 262
(55) الغيبة /67.
(56) المصدر.
(57) الرسائل العشر، الشيخ الطوسي - ص 99.
(58) جاء في معجم المطبوعات العربية: "إبن العربي " محيي الدين " (560-638) (الشبخ الأكبر) أبو بكر محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الطائي، الحاتمي الأندلسي، ثم المكي، ثم الدمشقي الشامي، ولد بمرسيه من بلاد الأندلس ".." برع في علم التصوف ولقي جماعة من العلماء والمتعبدين".." وقيل أن مصنفاته زادت على المائتين (وقيل الأربعمائة) والناس فيه ثلاثة أقسام. القسم الأول من نص على التكفير بناء على كلامه المخالف للشريعة المطهرة. وألفوا في ذلك الرسائل فمنها للعلامة السخاوي ومنها للسعد التفتازاني ولملا علي القارئ وغيرهم القسم الثاني من يجعله من أكابر الأولياء العارفين وسند العلماء العاملين بل يعده من جملة المجتهدين. من هذا القسم المجد صاحب القاموس والشيخ النابلسي وابن كمال باشا والشيخ عبد الوهاب الشعراني والشيخ إبراهيم بن الحسن الكوراني القسم الثالث من اعتقد ولايته وحرم النظر في كتبه منهم الجلال السيوطي والحصكفي وغيرهما كانت وفاته بدمشق وحمل إلى قاسيون وبني السلطان سليم مدرسة عظيمة بجوار ضريحه في صالحية دمشق". معجم المطبوعات العربية - اليان سركيس - ج 1 - ص 175 - 176".
وجاء في ترجمته في آخر تحقيق كتابه الفتوحات المكية: هو الشيخ الأكبر ذو المحاسن التي تبهر محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي من ولد عبد الله بن حاتم أخي عدي بن حاتم يكنى أبا بكر ويلقب بمحيي الدين ويعرف بالحاتمي وبابن عربي بدون ألف ولام حسبما اصطلح عليه أهل المشرق فرقا بينه وبين القاضي أبي بكر بن العربي وكان بالمغرب يعرف بابن العربي بالألف واللام وكان أيضا يعرف في الأندلس بابن سراقة كما سيأتي إن شاء الله تعالى ولد يوم الاثنين أو ليلته سابع عشر رمضان سنة 560 في مرسية (وهي بضم الميم وسكون الراء وكسر السين المهملتين ثم مثناة تحتية وفي آخرها هاء مدينة محدثة إسلامية بنيت في أيام الأمويين الأندلسيين وهي في شرق الأندلس تشبه إشبيلية في غربه بكثرة المنازه والبساتين)".." ونقل عن ابن مسدي في ترجمته، قوله:"الفتوحات المكية الذي اختصره سيدي عبد الوهاب بن أحمد الشعراني المتوفى سنة 973 وسمي ذلك المختصر لواقح الأنوار القدسية المنتقاة من الفتوحات المكية، ثم اختصر هذا المختصر وسماه الكبريت الأحمر من علوم الشيخ الأكبر وذكر في مختصر الفتوحات ما نصه وقد توقفت حال الاختصار في مواضع كثيرة منه لم يظهر لي موافقتها لما عليه أهل السنة والجماعة فحذفتها من هذا المختصر وربما سهوت فتبعت ما في الكتاب كما وقع للبيضاوي مع الزمخشري ثم لم أزل كذلك أظن أن المواضع التي حذفت ثابتة عن الشيخ محيي الدين حتى قدم علينا الأخ العالم الشريف شمس الدين السيد محمد بن السيد أبي الطيب المدني المتوفى سنة 955 فذاكرته في ذلك فأخرج إلى نسخة من الفتوحات التي قابلها على النسخة التي عليها خط الشيخ محيي الدين نفسه بقونية، فلم أر فيها شيئاً مما توقفت فيه وحذفته، فعلمت أن النسخ التي في مصر الآن، كلها كتبت من النسخة التي دسوا على الشيخ فيها ما يخالف عقائد أهل السنة والجماعة كما وقع له ذلك في كتاب الفصوص وغيره ".الفتوحات المكية - ابن العربي - ج 4 - ص 554 - 556 وقد أورد" الكتبي، في "فوات الوفيات" عن اليونيني قوله:"وكانت وفاته في دار القاضي محيي الدين بن الزكي وغسله الجمال بن عبد الخالق ومحيى الدين وكان عماد الدين بن النحاس يصب عليه وحمل إلى 'قاسيون' ودفن بتربة بنى الزكي وكان مولده في سنة ستين وخمسمائة ب ' مرسية ' من ' الأندلس ' ووفاته في الثامن والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة ".فوات الوفيات - الكتبي - ج 2 - ص 397 – 401.
(59) الشيخ ابن عربي، الفتوحات المكية، ج 2 - ص 49.
(60) إضافة من شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - ص 438 - 466.
(61) الشيخ ابن عربي، الفتوحات المكية، ج 3 - ص 514.
(62) الشيخ ابن عربي، الفتوحات المكية، ج 2 - ص 571.
(63) أنظر: كنز العمال - المتقي الهندي - ج 14 - ص 589 - 590 و: الملاحم والفتن - السيد ابن طاووس - ص 154، و: معجم أحاديث الإمام المهدي (ع) - الشيخ علي الكوراني العاملي - ج 3 - ص 47 - 48، وفي الأخير ثبت بمصادر الحديث المشهور الذي تضمن ذكر العلامة.
(64) أنظر: الملا هادى السبزواري، شرح الأسماء الحسنى - ج 1- ص 26 - 30، وانظر: شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - ص 438 - 466، وقد أورد محقق" الفصوص" في هامشه بياناً وافياً حول معنى الولاية وختمها للحكيم الكبير"العارف البارع المحقق، أفضل المتأخرين، برهان الحق والحقيقة، آقا ميرزا محمد رضا قمشهاى (رض) ".
(65) الفتوحات المكية - ابن العربي - ج 3 - ص 327 – 329.
(66) الفتوحات المكية - ابن العربي - ج 4 - ص 195وانظر:الفتوحات المكية - ابن العربي - ج 2 - ص 9.
(67) هو السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد، صاحب المقامات المعروفة، والكتب المشهورة في الأدعية والزيارات والمناقب،.-النجم الثاقب /فارسي/251. أقول: هو من أبرز أعلام الأعاظم من علماء أمة رسول الله صلى الله عليه وآله، في القرن السابع الهجري، وخير ما يدل على جلالة قدره رضوان الله تعالى عليه، تعبير الشيخ البهائي قدس سره، عنه بأنه" سيد العلماء المراقبين". وجاء في مقدمة كتابه "الأمان من أخطار الأسفار والأزمان: "هو السيد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد الطاووس العلوي الحسني. ولد - كما يقول الشهيد رحمه الله في مجموعته التي بخط الجباعي - في يوم الخميس منتصف محرم الحرام سنة 589 ه في أسرة من الأسر العلمية الشريفة التي قطنت الحلة الفيحاء، ولقب جدهم محمد ب " الطاووس " لحسن وجهه وجماله، وظهر منهم نوابغ عظام كانوا مفخرة للأجيال من بعدهم، ولهم مراكز عالية في أيامهم نفعوا بها الناس، ومؤلفات قيمة بقي منها بأيدينا الكثير المفيد. عرضت عليه نقابة العلويين زمان المستنصر العباسي فأبى، وكان بينه وبين الوزير مؤيد الدين محمد بن أحمد بن العلقمي وبين أخيه وولده عز الدين أبي الفضل محمد بن محمد صاحب المخزن صداقة متأكدة. وقد أقام السيد - رحمه الله - ببغداد نحواً من خمس عشرة سنة، ثم رجع إلى الحلة ثم فارقها إلى المشهد الشريف (النجف) برهة، ثم عاد إلى بغداد في دولة المغول وبقي فيها إلى أن مات. عرضت عليه نقابة العلويين مرة ثانية فوليها ثلاث سنين واحد عشر شهرا إلى أن توفي، وكان ابتداء توليه لها سنة 661 ه (1) واستمرت النقابة في عقبه من بعده ".
(68) النجم الثاقب /415، والغيبة / 68.
(69) النجم الثاقب/ 415.
(70) نفس المصدر/245.
(71) مهج الدعوات/296 وتبصرة الولي في آخر القصة 72 وفي النجم الثاقب /254، أورد النص باختلاف يسير "عزنا وملكنا أو قال سلطاننا ودولتنا" وهناك عدة نصوص ورد أن السيد رحمه الله قال سمع الإمام عليه السلام يدعو بها، أورد بعضها العلامة المجلسي في البحار 52/61 وقد ناقش المحدّث صاحب المستدرك في بعضها في النجم الثاقب 254، إلاّ أن النص الوارد هنا مسلّم لا نقاش فيه لأن السيد نفسه قد أورده. أنظر: خاتمة المستدرك2/441.
(72) السيد ابن طاووس /كشف المحجة ط. ق./74.
(73) الكنى والألقاب ج 3/6.
(74) النجم الثاقب /257.
(75) هامش مفاتيح الجنان ط. ق./504.
(76) الكنى والألقاب 3/14 وترجمته عليه الرحمة مستفيضة في المصادر، راجع أمل الآمل ق 2/195 وروضات الجنات 4/341 وفيه وصفه بأنه من "عظماء الإمامية ".
(77) كشف الغمة للإربلي 3/296 و301.
(78) قصص العلماء للتنكابني / فارسي / 359 و"مردان علم در ميدان عمل" فارسي /354 وتجد ترجمة الشيخ اللاهيجي في "كنجينة دانشمندان" فارسي ج 7/14 كما تجد ترجمة أستاذه في "علماء الشيعة الكبار" فارسي /223 ترجمة مستفيضة. وقد أورد القصة الشيخ الصافي في منتخب الأثر /417.
(79) حديقة الشيعة /752 وانظر تحقيقاً حول صحة نسبة هذا الكتاب الى المحقق الأردبيلي في مستدرك الوسائل 3 /393 وانظر قصة تشرّف المقدس الأردبيلي في "روضات الجنات" ج 1 /80، وبحر المعارف /398، والنجم الثاقب /334.
(80) مستدرك الوسائل ج 3/391 وكتاب "الدر المنثور" هو للعالم الجليل الشيخ علي ابن صاحب المعالم رضوان اللّه تعالى عليهما. تجد ذلك في نفس المصدر/ 390.
(81) البحار ج 52 / 175 وج 95/ 200 وقد رأى بعض العلماء القصة بخط المجلسي الأول ومنهم المحدثّ صاحب المستدرك وقد صرّح بذلك، راجع دار السلام للعراقي / 564 وقصص العلماء للتنكابني / 231.
(82) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات / الحر للعاملي / ج 3 /713.
(83) نفس المصدر /699.
(84) البحار ج 52 /93 و94.
(85) بحار الأنوار ج 105/ 86 و87.
(86) النجم الثاقب 233- 234.
(87) السيد بحر العلوم / الفوائد الرجالية ج 3 / 320 و321.
(88) مستدرك الوسائل ج 3.
(89) النجم الثاقب / 413.
(90) التنكابني / قصص العلماء / 171.
(91) النجم الثاقب / 412.
(92) أعيان الشيعة 2 / 71 ولاحظ 63 / 67 / 69.
(93) النجم الثاقب / 412.
(94) النهاوندي / العبقري الحسان / فارسي / باب المسك الأذفر – 128.
(95) من خطاب للإمام الخميني، بمناسبة عيد الفطر السعيد صحيفة نور قرص ليزري.
(96) نهج البلاغة - خطب الإمام علي عليه السلام - ج 2 - ص 16 - 17
(97) يرى السيد الطباطبائي عليه الرحمة في تفسير الميزان أن الإنسان يكتسب قيمته من ارتباطه بالله سبحانه فإذا انفصل عنه عز وجل، فقد بدأ يفقد قيمته، فإذا وصل إلى حد إعلان الحرب على الله تعالى، جُرد من كل قيمة، واستُرق. ومن الواضح أن هذا يظهر قيمة الفكر في الرؤية التوحيدية، بحيث إن قيمة الإنسان تدور مدار الفكر السليم، كما تمت الإشارة إليه أعلاه.
(98) آل عمران: 190-191
(99) يوسف: 106.
(100) الدكتور حسن جابر، المقاصد الكلية والإجتهاد المعاصر. تأسيس منهجي وقرآني لآليات الإستنباط، ص45 وانظر ص42 حول أن" الأصل في السنة أن تكون تاريخية ظرفية، أما الإستثناء فيها فهو الخطاب المطلق" نقلاً عن مقابلة مع سماحة المغفور له الشيخ شمس الدين أجرتها معه مجلة المنطلق العدد 117 سنة 1977 ص30 وما بعدها..
(101) النمل 39-44.
(102) الكهف 61-63.
(103) آل عمران 49.
(104) البقرة: 72-73.
(105) أورد الشهيد دستغيب قصة صحيحة في هذا المجال في كتابه القيّم " القصص العجيبة " الذي التزم بأن لا يورد فيه إلا ما تأكد من صحته.
(106) البقرة 259.
(107) الكهف 25.
(108) النمل 16-24.
(109) ورد هذا في قصة صحيحة ذكرها المحدث النوري في " النجم الثاقب " نقلاً عن المولى السلماسي، وهو من كبار العلماء ومن تلامذة السيد بحر العلوم.
(110) النمل: 24.
(111) النمل: 23-24.
(112) من أدعية زمن الغيبة وسنده معتبر. كمال الدين وتمام النعمة / 512، ومنتخب الأثر / 502.