المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) في حديث السنة المعتبر
تأليف: الشيخ عادل الحريري
الفهرس
المقدمة..................7
تقسيم البحث..................11
هل المهدي حقيقة؟..................13
آراء أساطين العلم من السنة في نسب وولادة الإمام المهدي (عليه السلام)..................19
العمر الطويل علمياً وعملياً..................45
الغيبة أقسامها وأسبابها..................55
متى يظهر الإمام؟..................67
السفياني..................75
اليماني..................81
الصيحة..................83
الخسف في البيداء..................87
قتل النفس الزكية..................91
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين.
ان قضية المهدي المخلص (عجَّل الله فرجه) من أهم القضايا التي نعيش مسؤولية التحرك نحوها، فلم يكن المسلم في عصر النبي محمدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ليعيش فكرة تحمل المسؤولية تجاه المهدي المخلص (ع) إلا عبر الإيمان بها كنموذج غيبي من النماذج الغيبية التي أخبر عنها الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)..
وهكذا بقيت هذه الفكرة في ذلك العصر تبرز يوماً وتخبو آخر، حتى جاء ذلك اليوم الذي احتاجت فيه البشرية إلى ذلك اليعسوب الذي يرشدها ويعلمها
ويخرجها من تلك الظلمات بعد أن فقدت الأمة تلك الأنوار والحجج التي سبقته...
فبدأ الهمُّ نحو الرسالة من اولئك الفتية الخُلّص الذين آمنوا بها واستيقنتها أنفسهم... انهم الطليعة الواعية التي قامت الرسالة الإلهية على اعتاق امثالهم... انهم الخواصُ الذين أطاعوا الله واطاعوا الرسول واولي الامر منهم... وهكذا بدت معالم الدرب، وبدأت الخطة انها قضية التمهيد لقدوم المخلٍّص...
انها انتظار القائم من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)... ذلك الفرد هو بصيص الامل الذي تتطلع اليه البشرية بكل دياناتها ومختلف تفكيرها.. انه الرجل المسدد الذي يمكن الوثوق به، والوقوف إلى جانبه، والعمل معه قبل بروزه الى ساحة العمل...
انه المنقذ الذي يمسح دموع اليتامى والمضطهدين، انه سيف الله الذي يقتص من كل الظالمين الذين أرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم...
انه الماضي والحاضر والمستقبل.. انه عصارة الماضين، وسلالة الأنبياء والمرسلين حجة الله على خلقه أجمعين محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام).. اقدم بين يديه هذه الوريقات التي اخذتها عن كبار مصادر علماء أهل السنة راجياً منه قبولها ومن الله التوفيق.
اللهم إنا نسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب...
عادل الحريري
تقسيم البحث
- هل المهدي حقيقة؟!
- من هو المهدي؟
- آراء أساطين العلم من السنة في نسب وولادة الامام المهدي (ع)
- حقيقة العمر الطويل علمياً وعملياً؟
- حقيقة الغيبة؟ ولماذا غاب القائد عن أمته؟
- متى يظهر الغائب؟ وهل لظهوره وقت أو علامة؟
هل المهدي حقيقة
لقد وردت الروايات حول المهدي بشكل كثير بلغ حد التواتر، ما لم يبق مجالاً للشك في هذه العقيدة، والطرق المتعددة باختلاف الرواة زاد في قوة هذا التواتر.
فأجمعت فرق المسلمين كلها، بخروج المهدي في آخر الزمان، حيث الظلم والاضطهاد، من قتلٍ وسجنٍ
وسلبٍ وغيره مما ملأ المعمورة ليغير ذلك كله الى العدل والامان والقسط.
إلا أنه قد روى بعض من شذّ وندر بأن المهدي ليس له وجود آخر غير وجود عيسى حيث لا مهدي إلا عيسى (حديث ابن ماجه) وقد رذّه أحمد بن محمد الصديق قائلاً:
(ففي التذكرة للامام القرطبي، وفتح الباري لامير الحفاظ العسقلاني، نقلاً عن الحافظ ابي الحسين الآبري انه قال: رداً لحديث ابن ماجه الموضوع الآتي فيه انه (لا مهدي إلى عيسى) ما نصه: قد تواتر الاخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم) في المهدي وانه من اهل بيته، وانه يملأ الأرض عدلاً وأن عيسى عليه الصلاة والسلام يخرج فيساعده على قتل
الدجال، وانه يؤم هذه الامة وعيسى خلفه...).
وعليه فمن ينكر ذلك التواتر المنقول عن خيرة صحابة الرسول، لا يمكن وصفه إلا كمن أنكر الشمس في وضح النهار، وقد كتب الاستاذ ناصر الدين الالباني في رده على سؤال رده على سؤال ورده من مجلة التمدن الاسلامي قال:
وخلاصة القول: ان عقيدة خروج المهدي عقيدة ثابتة متواترة عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) يجب الايمان بها لانها من امور الغيب، والايمان بها من صفات المتقين كما قال
تعالى: (الم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب) وان انكارها لا يصدر الا من جاهل أو مكابر، أسأل الله ان يتوفانا على الايمان بها....
والآن نبقى مع بعض الأحاديث التي اعتمد عليها الرواة في اثبات تواترهم في عقيدة المهدي.
جاء في سنن ابي داود عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول: (المهدي من عترتي، من ولد فاطمة)./ سنن ابي داود: حديث رقم 4284 ج4 ص 107)
وجاء في الجامع الصحيح قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (لا تذهب
الدنيا حتى يملك العرب رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي). / سنن الترمذي: حديث رقم 2230ج 4 ص 505 ط مصر.
وجاء في المعجم الكبير قال: عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت ظلماً وجوراً). / المعجم للحافظ: حديث 10214 ج10.
وعليه فلا مجال للشك في هذا الاعتقاد عند فرق المسلمين اجمع.
بل إن بعض الديانات الغير إسلامية، تؤمن بفكرة المهدي كفكرة عامة.
يقول الدكتور أحمد محمود صبحي: ان مسيحيي الأحباش ينتظرون عودة
مليكهم (تيودور) كمهدي في آخر الزمان... ويعتقد المغول ان (تيمورلنك) أو (جنكيز خان) قد وعد قبل موته بعودته الى الدنيا لتخليص قومه من الحكم الصيني، وفي الأساطير الفارسية: ينتظر المجوس (اشيد ربابي) احد أعقاب (زرادشت)، وفي الديانات المصرية القديمة وكتب الصينين وعقائد الهنود القدامى المتعلقة بتناسخ الأرواح عقائد مماثلة لما عند الفرس القدامى / (كتابه: نظرية الامامة).
فمن هو هذا الرجل المخلص الذي تنتظره البشرية عبر كل تلك السنين؟
آراء أساطين العلم من السنة في نسب وولادة الامام المهدي (عليه السلام)
نسبه ومولده:
لقد سلم من آمن بعقيدة المهدي، بأنه من نسل النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) حيث نصَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) على ذلك وانه من ولد فاطمة الزهراء (ع) وأنّ جده الحسين بن علي (ع) والروايات في ذلك كثيرة(1).
ولكنهم اختلفوا في ولادته، فذهب بعض بالقول بانه سيولد في آخر الزمان،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الا بعض الروايات النادرة التي تدل على انه من ولد العباس عم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) او انه من ولد الحسن بن علي ولم يأخذ بها الأصحاب لتواتر ما دلّ على انه من ولد فاطمة ومن ولد الحسين عليهم جميعاً سلام الله.
وذهب البعض الآخر - وهم الأكثر - بانه ولد وان أباه الحسن بن علي العسكري، ويشير إلى هذا الخلاف الشيخ ابوبكر النيسابوري الشافعي حيث قال:
" اختلف الناس في امر المهدي فتوقف جماعة وأحالوا العلم إلى عالمه واعتقدوا أنه واحد من أولاد فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يخلقه الله متى شاء يبعثه نصرةَ لدينه.
وطائفة يقولون: ان المهدي الموعود ولد يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو الامام الملقب بالحجة القائم محمد بن الحسن العسكري ". / راجع كتاب شعب الايمان.
ولا يمكننا نحن اثبات شيء إلا من خلال نقل آراء اساطين العلم وجهابذته الذين يشار لهم بالبنان حيث
يمكن الوثوق بقولهم للتواتر الذي سوف تراه في أقوالهم.
1 - يقول العلامة أبو سالم الشافعي في مطالب السؤال: "... فهو من ولد الطهر البتول، المجزوم بكونها بضعة من الرسول... فأما مولده فبسر من رأى (سامراء) في ثالث وعشرين سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة، وأما نسبه اباً واماً، فأبوه الحسن الخالص بن علي المتوكل، بن محمد القانع، بن علي الرضا، بن موسى الكاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علي زين العابدين، بن الحسين الزكي، بن علي المرتضى أمير المؤمنين... "./ مطالب السؤال: ج2 الباب 12.
وجاء في ينابيع المودة قال: ومنها (أي من الروايات في المهدي) عن حذيفة بن اليمان قال: خطبنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فذكر ما هو كائن ثم قال: " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوَّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً من ولدي اسمه اسمي.
فقال سلمان: يا رسول الله: من أي ولدك هو؟
قال: من ولدي هذا (وضرب بيده على رأس الحسين (عليه السلام)). / ينابيع المودة: من الاربعين حديثاً الذي جمعه ابو نعيم في المهدي ص 490.
2 - ويؤيد انه قد ولد وان اباه الحسن العسكري ما ذهب اليه الشيخ القطب الفوثي محي الدين بن العربي في الفتوحات قائلاً: " اعلموا انه لا بد من خروج المهدي وهو من عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)
من ولد فاطمة (رض) جده الحسين بن علي بن ابي طالب، ووالده الامام حسن العسكري، ابن الامام محمد التقي، ابن الامام علي الرضا، ابن الامام موسى الكاظم، ابن الامام جعفر الصادق، ابن الامام محمد الباقر، ابن الامام زين العابدين علي، ابن الامام الحسين، ابن الامام علي بن ابي طالب رضي الله تعالى عنه... ". / مشارق الانوار للشيخ حسن الحمزاوي ص 112 طبع 1307 هـ.
3 - وهذا ما ذهب اليه ايضاً العلامة سبط ابن الجوزي حيث قال: " هو: محمد بن الحسن، بن علي، بن محمد، بن علي، بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي بن ابي طالب،
وكنيته ابو عبد الله وابو القاسم وهو الخلف الحجة صاحب الزمان القائم والمنتظر والتالي، وهو آخر الأئمة، انبأنا عبد العزيز بن محمود بن البزاز عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه كاسمي، وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً فذلك هو المهدي، وهذا حديث مشهور. / تذكرة الخواص: ص 363 طبع 1964 م النجف.
وكذا روى ابراهيم الجويني عن عبد الله بن عباس قال: " سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول: انا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولدي مطهرون معصومون ". / فرائد السمطين: المجلد الثاني.
4 - ويقول ابن الصباغ: " ولد ابو القاسم محمد بن الحجة بن
الحسن الخالص بسر من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة، واما نسبه اباً واماً فهو: ابو القاسم محمد الحجة بن الحسن الخالص، بن علي الهادي، بن محمد الجواد، بن علي الرضا، بن موسى الكاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علي زين العابدين، بن الحسين بن علي بن علي بن ابي طالب صلوات الله عليهم اجمعين وامه: ام ولد يقال لها نرجس... ". / الفصول المهمة: الباب الثاني عشر.
5 - ويقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي في كتابه (الاتحاف بحب الأشراف) في معرض حديثه عن الامام الحسن العسكري (عليه السلام): " ويكفيه شرفاً ان الامام المهدي
المنتظر من اولاده، فلله دُر هذا البيت الشريف، والنسب الخضم المنيف، ناهيك به فخاراً، وحسبك فيه من علوه مقداراً، فهم جميعاً في كرم الارومة (الأصل)، متعادلون، ولسهام المجد مقتسمون قيل له من بيت عالي الرتبة، يامي المحلة، فلقد طال السمّاك عُلاً ونبلاً، وسما على الفرقدين منزلة ومحلاً، واستغرق صفات الكمال، فلا يستثنى فيه بِغيرٍ، انتظم في المجد هؤلاء الأئمة، انتظام اللآلئ، وتناسقوا الشرف، فاستوى الأول والتالي، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم، والله يرفعه، وركبوا الصعب والذلول في تشتيت شملهم، والله يجمعه، وكم ضيعوا من حقوقهم، ما لا يهمله الله، ولا يضيّعه، احيانا الله على حبهم،
وأماتنا عليه، وادخلنا في شفاة من ينتمون في الشرف اليه (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وخلّف بعده (أي الحسن العسكري) ولده وهو الثاني عشر من الأئمة، ابو القاسم، محمد الحجة، ولد بسر من رأى، ليلة النصف من شعبان سنة (255) قبل موت ابيه بخمس سنين، وكان ابوه قد أخفاه حين ولد، وستر أمره، لصعوبة الوقت، وخوفه من الخلفاء، فانهم كانوا في ذلك الوقت يتطلبون الهاشميين، ويقصدونهم بالحبس والقتل، ويرون اعدامهم سلطنة الظالمين، وهو الامام المهدي (عليه السلام) كما عرفوا ذلك من الأحاديث التي وصلت اليهم من الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأخبرَتْهم ان الامام المهدي الموعود المنتظر (عليه السلام) يقطع دابر الظالمين، ويستولي على الدنيا، ولا يترك احداً منهم في الأرضين.
ثم قال بعد ذلك:
وقد اشرق نور هذه السلسلة الهاشمية، والبيضة الطاهرة النبوية، والعصابة العلوية، وهم اثنا عشر اماماً، مناقبهم علية، وصفاتهم سنية، ونفوسهم شريفة أبية، وارومتهم كريمة محمدية، وهم، محمد الحجة بن الحسن الخالص، بن علي الهادي، بن محمد الجواد، بن علي الرضا، بن موسى الكاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علي زين العابدين، بن الامام الحسين، اخو الامام الحسن، ولدي الليث الغالب علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم اجمعين). / الاتحاف بحب الأشراف: ص 178، طبع مصر (1316 هـ).
6 - و يقول الشيخ حسين بن محمد بن الحسن الديار بكري المالكي في كتابه تاريخ الخميس:
" الثاني عشر (من الأئمة) محمد ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا يكنى ابا القاسم... ولد في سر من رأى في الثالث والعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين هـ. " / تاريخ الخميس الجزء 2 ص 321.
7 - ويقول الشيخ المحدث الفقيه محمد بن ابراهيم الجويني الحمويني الشافعي في فرائد السمطين، قال: " واما شيخ المشايخ العظام اعني حضرات: شيخ الاسلام احمد الجامي النامقي، والشيخ عطار النيسابوري، والشيخ شمس الدين التبريزي، وجلال الدين مولانا الرومي، والسيد نعمة الله الولي، والسيد النسيمي، وغيرهم ذكروا في اشعارهم في مدايح الأئمة من أهل البيت الطيبين (رضي الله عنهم) مدح المهدي في آخرهم متصلاً بهم فهذه
ادلة (واضحة) على أن المهدي ولد أولاً... ومن تتبع آثار هؤلاء الكاملين العارفين يجد الأمر واضحاً عيانا ً". / فرائد السمطين.
8 - ويقول الشيخ محمد بن محمد بن محمود النجار المعروف بـ(خواجا يارسا) في كتابه (فصل الخطاب) في حديثه عن الامام الحسن العسكري (ع): " وكان مدة بقاء الحسن العسكري بعد ابيه ست سنين، ولم يخلف ولداً غير ابي القاسم، محمد المنتظر، المسمى بالقائم، والحجة والمهدي، وصاحب الزمان، وخاتم الأئمة الاثنى عشر عند الامامية، وكان مولد المنتظر ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين، امه ام ولد يقال لها نرجس، توفى ابوه وهو ابن خمس سنين، فاختفى إلى الآن... وطول الله تبارك
وتعالى عمره كما طول عمر الخضر (عليه السلام).
9 - ويقول الشيخ ابو المعالي، سراج الدين الرفاعي في كتابه (صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار): " وأما الحسن العسكري فأعقب الحجة المنتظر ولي الله الامام المهدي (عليه السلام) ".
10 - ويقول الشيخ المحقق بهلول بهجت افندي مؤلف كتاب (المحاكمة في تاريخ آل محمد) (مترجم بالتركية والفارسية): " ولد في الخامس عشر من شعبان سنة (255) وان اسم امه نرجس ".
11 - ويقول الشيخ الفاضل البارع عبد الله بن محمد، المطيري شهرةً، والمدني مسكناً، والشافعي مذهباً، في كتابه (الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة):
" ان ابنه (اي ابن الامام الحسن العسكري) الامام الثاني عشر محمد القائم المهدي... وقد ورد النص عليه في الأحاديث من جده علي بن أبي طالب (عليهما السلام) ومن بقية آبائه الكرام، اهل الشرف والمقام وهو صاحب السيف، القائم المنتظر كما ورد في الصحيح من الخبر... وله غيبتان... ".
12 - ويقول الشيخ ابو المواهب الشيخ عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر): " وهو (المهدي) من اولاد الامام حسن العسكري، ومولده 0 (عليه السلام)) ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو باقٍ إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم (عليه السلام)
فيكون عمره إلى وقتنا وهو سنة (958 هـ) سبعمائة وست وستين سنة " / اليواقيت والجواهر ص 142 ط مصر 1307 هـ.
13 - ويقول الشيخ شهاب الدين احمد بن حجر الهيثمي، الشافعي، في كتابه (الصواعق المحرقة): " ولم يخلِّف (اي الامام الحسن العسكري) غير ولده (ابي القاسم محمد الحجة) وعمره عند وفاة ابيه، خمس سنين، آتاه الله الحكمة ويسمى القائم والمنتظر، قيل: لانه سُتر وغاب ". / الصواعق المحرقة، ص127، ط مصر 1308 هـ.
وهناك جمع غفير من علماء المسلمين، ذهبوا الى انه من ولد في الخامس عشر من شهر شعبان عام 255 هـ وحيث لا مجال لذكر كل اقوالهم فنكتفي بذكر اسماءهم
ومحل حديثهم:
14 - سيد مؤمن الشبلنجي في كتابه نور الأبصار.
15 - سيد علي الخواص في اسعاف الراغبين لابو العرفان ص 35.
16 - الشيخ شمس الدين محمد بن طولون، وابن الازرق في تاريخ (ميّافارقين) في كتاب ابن طولون - الأئمة طبع بيروت 1958 مـ.
17 - الشيخ شهاب الدين ابوعبد الله ياقوت الحموي الرومي البغدادي في معجم البلدان ج6 ص 175 طبع مصر 1324 هـ.
18 - الشيخ العارف فريد الدين العطار في كتابه مظهر الصفات.
19 - الشيخ جلال محمد العارف البلخي الرومي المعروف بالمولوي، ذكر ذلك في ديوانه الكبير.
20 - الشيخ الكامل صلاح الدين الصفدي، في كتابه شرح الدائرة.
21 - الشيخ جمال الدين بن علي بن مهناّ، في كتابه عمدة الطالب ص 186 طبع النجف 1323 هـ.
22 - الشيخ ابو عبد الله بن عفيف الدين اليافعي
اليمني المكي الشافعي، في كتابه مرآة الجنان جزء رقم (2) ص 107 - 172 طبع ايران 1328 هـ.
23 - الشيخ شهاب الدين والدولة أبادي في كتابه هداية السعداء.
24 - الشيخ شمس الدين بن احمد الذهبي الشافعي، في كتابه دولة الاسلام جزء (1) ص 122 طبع حيدر آباد 1377 هـ.
25 - الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كرم الريش المطل على بركة الرطل بمصر.
26 - الشيخ نور الدين بن احمد بن قوام الدين المعروف بجاني الشافعي الشاعر المعروف، في كتابه شواهد النبوة.
27 - الشيخ نور عبد الرحمن مؤلف كتاب مرآة الأسرار.
28 - الشيخ مير خواند، المؤرخ المشهور في كتابه روضة الصفا ج 3.
29 - الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف
الزرندي، في كتابه معراج الوصول إلى فضيلة آل الرسول.
30 - الشيخ حسين بن معين الدين الميبدي، في شرح الديوان ص 123 - 371.
31 - الشيخ الجليل عبد الكريم اليماني ذكر ذلك في شعره (راجع ينابيع المودة الطبعة القديمة ص 466).
32 - الشيخ عبد الرحمن البسطامي في كتابه درة المعارف.
33 - الشيخ سعد الدين الحموي (راجع الينابيع الطبعة القديمة ص 477).
34 - الشيخ صدر الدين القونوي (راجع الينابيع ص 468).
35 - العلامة ابو المجد عبد الحق الدهلوي البخاري في كتابه المناقب.
36 - العلامة الشيخ حسن العدوي الحمزاوي، مشارق الانوار.
37 - العلامة ابن الاثير الخدري، في تاريخ الكامل
ج7 ص 90.
38 - العلامة أبي فداء اسماعيل بن محمود الشافعي، في كتابه تاريخ أبي الفداء ج2 ص 52.
39 - الشيخ محمد أمين البغدادي أبو الفوز السوري، في كتابه سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب ص 77 باب 6.
40 - الشيخ علي الهروي القاري، في كتابه الموافاة في شرح المشكاة.
41 - الشيخ موفق الخوازمي الحنفي، في المناقب.
42 - الشيخ عامر البصري، في قصيدته المسماة بذات الأنوار.
43 - الشيخ جواد الساباطي، في كتابه البراهين الساباطية.
44 - الشيخ نظر بن علي الحظمي النصري.
45 - الشيخ حسين بن علي الكاشفي، مؤلف جواهر التفسير.
46 - الخليفة العباسي الناصر لدين الله احمد بن
المستضيء بنور الله.
47 - العلامة الشيخ احمد الفاروقي النقشبندي المعروف بالمجدد.
48 - العلامة ابو الوليد محمد بن شحنة الحنفي، في كتابه روضة المناظر.
49 - القاضي فضل بن روزبهان، شارح الشمائل للترمذي.
50 - الشيخ بن همدان الحصيني.
51 - العلامة شمس الدين التبريزي، استاذ المولوي الرومي.
52 - العلامة الشيخ ابو الفتح بن ابي الفوارس، في اربعينه.
53 - العلامة الشيخ عماد الدين الحنفي.
54 - الشيخ وليُّ الله الدهلوي في النزهة.
55 - الشيخ رشيد الدين الدهلوي الهندي، في كتابه ايضاح لطافة المقال.
56 - الشيخ مير خواند المؤرخ المشهور محمد بن
خاوند شاه بن محمود في كتابه (روضة الصفا) الجزء الثالث.
وغيرهم ممن فاتنا ذكرهم رحمهم الله جميعاً.
واختم هذا البحث برواية ينابيع المودة نقلاً عن كتاب فرائد السمطين حيث اخرج بسنده عن مجاهد عن ابن عباس قال: " قدم يهودي يقال له نعثل الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمد اسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين فإن أجبتني عنها أسلمت على يديك.
قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): سل يا أبا عمارة.
فقال: يا محمد صف لي ربك.
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): إن الله لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه، وكيف يوصف الخالق الذي تعجز العقول أن تدركه، والأوهام ان تناله، والخطوات ان تحده، والأبصار ان تحيط به، جلًّ وعلا عما يصفه الواصفون، ناءٍ في قربه،
قريبٌ في نأيه، وهو كيّف الكيف وأيّن الأين، فلا يقال له أين هو، منقطع الكيفية والأينونية، فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد.
فقال نعثل: صدقت يا محمد، فأخبرني عن قولك إنه واحد لا شبيه له أليس الإله واحد والإنسان واحد؟
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): الله عزُّ وعلا واحدٌ حقيقيٌ أحديُّ المعنى أي لا جزء له ولا تركيب له، والإنسان واحدٌ ثنائيُّ المعنى، مركبٌ من روحٍ وبدن.
فقال نعثل: صدقت، فأخبرني عن وصييك من هو، فما من نبي إلا وله وصي، وإنا نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون.
قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): إن وصيي علي بن أبي
طالب وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين.
فقال نعثل: فسمهم لي.
قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): إذا مضى الحسين، فابنه علي، فإذا مضى علي، فابنه محمد، فإذا مضى محمد، فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر،فابنه موسى، فإذا مضى موسى، فابنه علي، فإذا مضى علي، فابنه محمد، فإذا مضى محمد، فابنه علي، فإذا مضى علي، فابنه الحسن،فإذا مضى الحسن، فابنه الحجة محمد المهدي فهؤلاء إثنا عشر.
قال نعثل: أخبرني عن كيفية موت علي والحسن والحسين.
قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): يقتل عليّ بضربة على
قرنه والحسن يقتل بالسم، والحسين بالذبح.
قال نعثل: فأين مكانهم؟
قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): في الجنة في درجتي.
قال نعثل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وأشهد أنهم الاوصياء بعدك، ولقد وجدت في كتب الأنبياء المتقدمة، وفيما عهد إلينا موسى بن عمران (عليه السلام)، أنه اذا كان آخر الزمان، يخرج نبيُّ يقال أحمد ومحمد وهو خاتم الانبياء، ولا نبيُّ بعده، فيكون أوصياؤه بعده إثنا عشر أولهم ابن عمه وختنه - (الختن: زوج البنت).
ثم سأله النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال له: أتعرف الأسباط؟
قال نعثل: نعم ثم عدًّدهم...
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): كائنٌ في أمتي ما كان في بني اسرائيل حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذة وإنّ الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى ويأتي على أمتي بزمنٍ لا يبقى من الاسلام إلا اسمه ولا يبقى من القرآن إلا رسمه. فحينئذٍ يأذن الله تبارك وتعالى بالخروج، فيظهر الله الاسلام به ويجدده، طوبى لمن أحبهم واتبعهم والويل لمن أبغضهم وخالفهم، طوبى لمن تمسك بهداهم.
فأنشأ نعثل هذه الأبيات:
صلى الإله العلى عليك يا خير البشر * * * انت النبي المصطفى والهاشمي المفتخر
بكم هدانا الله ربنا وفيك نرجو ما أمر * * * ومعشر سميتهم أئمةً اثنا عشر
حباهم رب العلى ثم اصطفاهم من كدر * * * قد فاز من والاهم وخاب من عادى الزُّهر
آخرهم يسقي الظما وهو الامام المنتظر * * * عترتك الأخيار لي والتابعين ما أمر
من كان عنه معرضاً فسوف تصلاه سقر
ينابيع المودة الجزء الثاني باب 31 ص 440.
وعليه فلا يبقى مجالاً للشك في انه ابن الامام الحسن العسكري (ع)، وثبت عبر الروايات السالفة الذكر ولكن هل يعق بقاءه حياً إلى يومنا هذا.
اذ يفترض لحد الآن قد عاش اكثر من ألف سنة؟! وهل حدث هذا العمر الطويل لغيره ممن سبقه في الخلق؟
هذا ما سنجيب عليه في البحث القادم انشاء الله تعالى.
العمر الطويل علمياً وعملياً
هل يمكن لانسان ان يعيش قروناً كثيرة حيث يتجاوز عمره عمر الانسان العادي اضعاف الاضعاف؟
ان المؤمن اذا أتينا له بدليل قرآني أو روائي فانه يسلّم بذلك، ولكن بعض من - في قلوبهم مرض وبعض من لم يؤمن بالكتاب والسنة - يحتاج إلى دليل من نوع آخر وهو ما يطلقون عليه اسم الدليل العلمي، ونرى لزوماً علينا من باب اكمال الحجة والبرهان ان نذكر بعض ما يطلبوه فنقول: لقد اثبت الأطباء امكانية بقاء الانسان حياً لفترة طويلة من الزمن وكمثال على ذلك فلقد اجريت
بعض التجارب على بعض الحيوانات فامتد عمرها اكثر باضعاف عن عمرها الطبيعي، والى هذا اشار الأطباء اصحاب مجلة المقتطف قائلين: "... العلماء الموثوق بعلمهم يقولون: ان كل الانسجة الرئيسية في جسم الحيوان يقبل البقاء الى ما لا نهاية له، وانه بالامكان ان يبقى الانسان الوفاً من السنين اذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته، وقولهم هذا ليس مجرد ظن، بل هو نتيجة علمية مؤيدة بالامتحان..
وغاية ما ثبت الآن (اي قبل 34 عاماً) من التجارب المذكورة ان الانسان لا يموت بسبب بلوغ عمره الثمانين او مائة سنة بل لان العوارض - كالصدمات التي تحصل للانسان بسبب فقد حبيب على نفسه من مال أو أخ أو زوج أو... -
تنتاب بعض اعضائه فتتلفها، ولارتباط اعضائه، بعضها ببعض تموت كلها، فاذا استطاع العلم ان يزيل هذه العوارض، او يمنع فعلها لم يبق مانع من استمرار الحياة مئات السنين... " / مجلة المقتطف المصرية من المجلد 59 ص 239 - 240 طبع عام 1379 هـ.
وعليه فالامكانية العلمية موجودة ومجربة ولا مانع منها سوى عدم استطاعة العلم لحد الآن ان يزيل تلك العوارض، هذا من ناحية العلم.
وأما من ناحية الواقع العملي، فان العمر الطويل لم يكن مستهجناً في العصور السالفة بل كان امراً عادياً طبيعياً، ولهذا نرى الشيخ ابوعبد الله محمد بن يوسف الكنجي (في كتابه البيان في اخبار صاحب الزمان) يستدل على كون المهدي ابن الامام الحسن العسكري وبالتالي فهو مولود وهو لا يزال حياً حيث يقول:
" من الادلة على كون المهدي حياً باقياً بعد غيبته والى الآن، وانه لا امتناع في بقائه: بقاء عيسى بن مريم، والخضر، والياس من اولياء الله تعالى، وبقاء الاعور الدجال وابليس اللعين، من اعداء الله تعالى، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة.
اما عيسى: فالدليل على بقاءه قوله تعالى: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته" / سورة النساء آية 159. ولم يؤمن به مذ نزول هذه الآية إلى يومنا هذا أحد، فلا بد أن يكون في آخر الزمان...
وأما الخضر والياس (ع)، فقال ابن جرير الطبري: الخضر والياس باقيان يسيران في الأرض...
واما الدجال: فقد روى مسلم في
صحيحه عن ابي سعيد الخدري حديثاً طويلاً عن الدجال فكان فيما حدّثنا انه قال: " يأتي (الدجال) وهو مُحرمٌ عليه ان يدخل عتبات المدينة، فينتهي الى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج اليه رجل هو خير الناس... فيقول الدجال: ان قتلتُ هذا واحييته أتشكو في الأمر، فيقولون لا، فيقتله ثم يحيه، فيقول (المقتول) حين يحييه: والله ما كنت فيك قط اشد بصيرةً مني الآن، فيريد الدجال ان يقتله، فلن يسلط عليه، قال ابراهيم ابن سعيد: يقال ان هذا الرجل هو الخضر...
واما الدليل على بقاء اللعين ابليس، فالكتاب وهو قوله: " انك من المنظرين ".
واما بقاء المهدي، فقد جاء في تفسير الكتاب عن سعيد بن جبير
في تفسير قوله تعالى: "لُيظهره على الدين كله ولو كره المشركون ". سورة الصف، آية 9.
قال هو المهدي من ولد فاطمة رضي الله عنها، واما من قال انه عيسى، فلا منافات بين القولين، اذ هو مساعد المهدي، وقد قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسرين في تفسير قوله تعالى: " وإنه لعلمٌ للساعة "./ سورة الزخرف، آية 61.
هو المهدي يكون في آخر الزمان، وبعد خروجه تكون امارات الساعة وقيامها. / نور الابصار للسيد مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي ".
وكمثال آخر ما ذهب اليه العلامة سبط ابن الجوزي حيث قال: " وفي التوراة: ان ذا القرنين عاش
ثلاثة آلاف سنة وستمائة سنة، ولد في حجر آدم وعناق امه، وقتله موسى بن عمران، وابوه سيحان، وعاش الضحاك وهو (بيورسب) الف سنة، وكذلك (طهمورث) واما من الانبياء فخلق كثير بلغوا الالف، وزادوا عليها، كآدم، ونوح، وشيت، ونحوهم... ". / تذكرة الخواص ص 364 طبع النجف 1964 م.
وبقي ان نذكر بعض الآيات القرآنية الحاكية عن نوح (عليه السلام) وعن يونس (عليه السلام): يقول الله تعالى: " ولقد ارسلنا نوحاً الى قومه فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاماً، فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ". /سورة العنكبوت، آية 14.
فهذه الأية تشير ان دعوة نوح لقومه كانت (950) عام،
فكم كان عمره قبل البعثة؟ وكم عاش بعد الطوفان؟ فعن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) بسند صحيح انه قال: " ان نوحاً عاش الفي وثلاثمائة سنة، منها ثمنامائة وخمسون قبل البعثة، والف الا خمسين مع قومه يدعوهم، وخمسمائة بعد نزوله من السفينة ".
ويقول الله تعالى حكاية عن وضع يونس (ع): " ولولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون ". / سورة الصافات، آية 143.
فيونس (عليه السلام) لو لم يكن من المسبحين لله تعالى وهو في جوف ذلك الحوت لبقي حياً كما قال تعالى إلى يوم البعث وهو يوم القيامة.
وعليه فان كان هذا العمر الطويل طبيعياً فلماذا نستغربه في المهدي المخلٍّص.
وفوق كل ما تقدم من دليل نقول: ان العظمة الالهية، والقدرة التي لا يردها شيء، الذي يقول للشيء كن فيكون، والذي قال للنار كوني برداً وسلاماً فكانت كذلك لابراهيم (ع) والذي نصر دينه مع قلة الناصر وكثرة العدو.. اليس بقادر ان يمد في عمر المهدي؟ بلى، انه لقادر على كل شيء.
وبعد هذا يتبادر السؤال عن غيبة المهدي عن امته، ترى ما هي اسباب غيبته عنا؟
وهذا ما سنجيب عليه في البحث القادم انشاء الله تعالى.
الغيبة اقسامها واسبابها
عن جابر بن عبد الل الأنصاري (رض) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): " المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً، تكون له غيبة وحيرة، يضلُ فيها الامم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب، يملؤها عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً". /فرائد السمطين للجويني المجلد 2 الباب 16 ص 335 طبع بيروت 1398 هـ.
وجاء ايضاً في فرائد السمطين بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): "... ومن ولده (أي علي (عليه السلام)) القائم المنتظر الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، والذي بعثني بالحق بشيراً، ان الثابتين على القول بامامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر.
فقام اليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وللقائم من ولدك غيبة؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): اي وربي ليمحص الله الذين آمنوا وليمحق الكافرين، يا جبر ان هذا لأمرٌ من الله، وسر من سر الله، مطوية عن عباده، فإياك والشك، فان الشك في امر الله كفر. " / فرائد السمطين: آخر الجزء الثاني، واخرجه ينابيع المودة ص 489 مع اختلاف ببعض الفاظه، ونقله في المناقب للخوارزمي الحنفي.
اما معنى الغَيبة: فنريد بها الاسلوب الذي يتبعه الامام لاحتجاجه عن الناس، فله صورتان:
الصورة الأولى: وهي الصورة المتعارفة في اذهان الناس والتي تقول: ان المهدي يختفي بجسمه عن الأنظار فهو (ع) يرى الناس ولا يرونه - الا في بعض الحالات التي تكون هناك مصلحة في ظهوره على بعض الناس من اجل توجيههم او انذارهم -.
الصورة الثانية: وهي صورة خفاء العنوان والتي تقول: ان الناس يرون الامام المهدي (ع) بشخصه من دون ان يكونوا عارفين او ملتفتين لحقيقته.
ويظهر من كلام كبار العلماء والذي سندوه ببعض الروايات ان الصورة الثانية هي الأصح اذ ورد ان الامام يحضر بعض الاماكن فقد ورد الحديث عن النائب الثاني
الشيخ محمد بن عثمان العمري انه قال: " والله ان صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه ".
ولعل السبب في ذلك عدم كشف شخصه (سلام الله عليه).
سبب الغيبة:
لقد علَّل بعض من كتب عن المهدي المخلص في بيان سبب الغيبة بان الظروف القاسية التي كان يعيشها المجتمع في ظل العباسيين، من قتلٍ ونهبٍ وسجنٍ وإرهاب هي التي دعت الامام المهدي إلى الغيبة.
وذكر البعض مميزاً بين الغيبة الكبرى والصغرى بأن الغيبة الصغرى - والتي استمرت حوالي السبعين عاماً - كان سببها الحكم الظالم في ذلك الوقت، أما الغيبة الكبرى - والتي هي مستمرة الى يومنا هذا بل الى أن يأذن الله تعالى - فجاءت لتمحيص الناس وتمييزهم المؤمن من الكافر من الفاسق الخ... وقد قيل غير ذلك مما يطول الكلام بذكره.
فهل هذه اسباب الغيبة؟! ولبيان ذلك لابد من مقدمة صغيرة.
فنقول: صحيح ان الوضع الذي كان في عصر الامام الحسن العسكري وولده الحجة (عليهما سلام الله) وانصارهم كان لا يحتمل، فمن قتلٍ الى سجنٍ الى تشريدٍ الى تجويع ٍ الى تخويفٍ.
إلا أن هذا كله لا يستدعي ان يغيب الامام عن أنظار الناس لانه عاش ذلك وعرفه وصبر عليه من خلال سيرة اجداده الكرام حيث انه: ما منهم إلا مقتول أو مسموم.
والإجابة عن سبب الغيبة تقتضي بيان أمرين:
الأمر الأول: إن التخطيط الالهي اقتضى الغيبة، وبمعنى آخر كانت مشيئة الله سبحانه وتعالى وحكمته ان يغيب القائد الأخير عن انظار أمته وجماعته لفترةٍ معينة من الزمن، وهذه الغيبة هي سرٌ من الأسرار الغيبي التي لا يعلمها إلا الله عز وجل ومن ارتضى...
أما السبب الواقعي للغيبة فلا نعلمه، نعم نستفيد ظناً ولا دليل على ذلك بأن الامتحان والاختيار وان لا يكون
لأحد في عنقه بيعة هي بعض اسباب الغيبة اما السبب الحقيقي فهو سرٌ من أسرار الله تعالى ولهذا نجد الرواية عن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) والتي نقلها عبد الواحد بن محمد الميدايني عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (ع) يقول:
إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها، يرتاب فيها كل مُبطل.
فقلت: ولم جعلت فداك؟
قال: لأمرٍ لم يؤذن لنا في كشفه.
قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟
قال: وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر - من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار - لموسى (ع) إلا
وقت إفتراقهما. يا بن الفضل: إن هذا الامر أمرٌ من أمر الله تعالى، وسرٌ من أسراره، وغيبٌ من غيب الله، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله وأقواله كلها حكمة، وإن كان وجهه غير منكشف لنا. / منتخب الأثر: باب 28 ص 271 عن كمال الدين.
وفي رواية اخرى عن محمد بن محمد بن عصام الكليني عن اسحاق بن يعقوب محمد بن الحسن المهدي (ع)، في آخر التوقيع الوارد عن أحمد بن عثمان العمري، يسأله عن هذا الأمر أجاب (ع): " إن الله عز وجل يقول: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤءكم". (سورة المائدة/ آية 101).
فاغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم،
ولا تكلفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب الكليني وعلى من اتبع الهدى "
وبالتمعن بهاتين الروايتين نجد أن الامامين (عليهما السلام) يريدان من أتباعهما ومن السائلين عدم الخوض نجد أن الامامين (عليهما السلام) يريدان من أتباعهما ومن السائلين عدم الخوض في هذا الأمر، وأرجع ذلك إلى علم الله تعالى وحكمته، بل إن الامام الصادق (ع) قد ضرب مثالاً توضيحياً عن عدم كشف هذا السر الغيبي كما انه لن يكشف سر خرق السفينة وقتل الغلام واقامة الجدار لموسى (ع) إلا بعد انقضاء الأجل المضروب من الحكيم (عز وعلا) لهذا الأمر.
وتأكيداً لمسألة الغيبة وأنها من الغيبيات والاسرار حديث النبي الذي دار بينه وبين نعثل فراجع ما تقدم.
الأمر الثاني: فإذا كانت الغيبة مخطط لها منذ زمن
النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهي سرُ من اسرار الله تعالى فلماذا تنقسم الى صغرى وكبرى؟!
نقول: إن الغيبة الصغرى تعبر عن المرحلة الاولى من إمامة المهدي (ع)، فقد قدر لهذا الامام - كما يرى بعض الكتاب المعاصرين - أن يستتر عن المسرح العام ويظل بعيداً باسمه عن الأحداث وإن كان قريباً منها بقلبه وعقله.
والغيبة الكبرى من دون الصغرى تكون صدمة كبيرة للقواعد الشعبية في الامة الاسلامية لأن هذه القواعد اعتادت ان تكون متصلة دائماً بقيادتها الشرعية والرجوع لها في كل الأمور، وهذا يعني أن الغيبة الكبرى من دون الصغرى فراغ دفعي هائل يعصف بالكيان الشعبي.
فكان لا بد من التمهيد لهذه الغيبة الكبرى لكي تألفها هذه القواعد بالتدريج، وتكيف نفسها شيئاً فشيئاً على أساسها وكان هذا التمهيد هو عبارة عن الغيبة الصغرى والتي اختفى بها الامام المهدي عن المسرح العام غير أنه كان دائم الصلة بقواعده الشعبية وذلك عن طريق وكلائه ونوابه الثقاة من أصحابه الذين يشكلون همزة الوصل بينه
وبين الناس المؤمنين بخطه الامامي.
وقد استغل مركز النيابة عن الامام في غيبته الصغرى اربعة ممن اجمعت تلك القواعد الشعبية من تقواهم وورعهم ونزاهتهم التي عاشوا ضمنها.
وكانوا على الترتيب فاذا مات احدهم خلفه الآخر بأمر من الامام المهدي وهو كما يلي:
1 - عثمان بن سعيد العمري.
2 - محمد بن عثمان بن سعيد العمري.
3 - ابو القاسم الحسين بن روح.
4 - ابو الحسن علي بن محمد السمري.
وهؤلاء النواب كانوا همزة الوصل بين الناس والامام المهدي فكانوا يحملون اسئلة ومشاكل الناس إلى الامام ويحملون الأجوبة والحلول من الامام إلى الناس، ولقد وجدت القواعد الشعبية بهذه النيابة العزاء والسلوة عن فقدهم الامام مباشرة، وكانوا يلاحظون توقيعات الامام وخط يده منذ اول نائب وحتى الأخير واستمرت هذه الغيبة الصغرى حوالي سبعين عام وكان السمري هو آخر
النواب حيث أعلن عن قرب أجله حيث أخبره الامام عن بدء مرحلة الغيبة الكبرى وانتهاء مرحلة الغيبة الصغرى، وكان ذلك عام 329 هـ، وكان عمر الامام المهدي آنذاك اربع وسبعون عاماً قضى منها اربع سنين ونصف مع والده وتسعة وستون عاماً ونصف العام في غيبته الصغرى وكان آخر حديث له: " وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم، وانا حجتة الله عليهم... ".
وتميزت الغيبة الكبرى عن الصغرى ان لا أشخاص معينون بالذات للوساطة بين الامام القائد وشعبه.
فتبين مما تقدم ان الغيبة الصغرى كانت مهمتها تحصين الامة تدريجياً عن الصدمة والشعور بالفراغ الهائل الذي يسببه غياب الامام القائد.
وإذا عرفنا الغيبة وزمنها فيأتي السؤال متى تنتهي هذه الغيبة ومتى يظهر الامام المهدي (ع)؟
وهذا ما سنجيب عليه في البحث القادم إنشاء الله.
متى يظهر الامام؟
وللاجابة عن هذا السؤال نطرح تساؤلين ونجيب عليهما:
- السؤال الأول: هل لظهوره وقت محدد مؤرخ نعرفه نحن؟
- السؤال الثاني: هل هناك علامات وامور تدل على قرب ظهوره (ع)؟
أما الإجابة عن السؤال الأول فنقول:
إن لظهور المهدي (عليه السلام) وقت محدد لا نعلمه نحن وكل الروايات التي وردت في هذا الموضوع أكدت على كذب من يحدد وقتا تاريخياً معيناً.
وأما الإجابة على السؤال الثاني فانه قد وردت روايات كثيرة تشير الى بعض العلامات التي تسبق المهدي وتشير الى بعض آخر تظهر مع المهدي (ع).
ويمكن تقسيم كل هذه العلامات الى قسمين:
- القسم الأول: العلامات العامة، والتي تشير الى الانحرافات التي تنتشر في الأوساط الاسلامية وغيرها، وتتلوث بها المجتمعات البشرية، وهذه العلامات تكون قبل ظهور المهدي (ع) بفترةٍ زمنية وربما تكون قبل ظهور المهدي (ع) بسنوات طويلة فسي ليست ملازمة مباشرةً لظهوره (ع) ونذكر هنا بعض الروايات التي تشير الى ذلك.
جاء في حديث قُرّة بن أياس المزني بسنده عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): " لتملأن الأرض جوراً وظلماً، فإذا ملأت ظلماً وجوراً، بعث الله عزّوجل رجلاً مني، اسمه اسمي... " / مسند الحرث بن ابي اسامة.
وهذه الحالة - الجور والظلم - لا يمكن أن تكون إلا عبر فترةٍ زمنية ٍ طويلةٍ حيث يتمكن الظلمة من السيطرة على العروش فيفسدون المجتمعات ويمنعون اعلان الايمان ويقلبون المجتمع الاسلامي رأساً على عقب وساعتئذٍ يمكن ان نقول ملئت بالجور والظلم لكل الأرض.
يقول الحاكم:... عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): "لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض جوراً وعدواناً، ثم يخرج رجل من أهل بيتي، يملئها قسطاً وعدلاً كما ملأت ظلماً وعدواناً ".
وجاء في عقد الدرر وقد أخرج بسنده عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) انه قال: " لا يخرج المهدي حتى يقتل ثلث، ويموت ثلث، ويبقى ثلث " / عقد الدرر حديث 101 الباب اربعين وقد أخرجه المقري في سننه والحافظ نعيم بن حماد في كتاب الفتن واخرجه العرف الوردي ج 2 ص 68 واخرجه كنز العمال ج 7 ص 268 مع اخلاف يسير في اللفظ.
وجاء في عقد الدرر حيث أخرج بسنده عن أبي عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) قال: " لا يكون الامر الذي تنتظرونه - يعني ظهور المهدي (ع) - حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويشهد بعضكم على بعض، ويلعن بعضكم بعضاً.
فقلت: أفي ذلك الزمان من خير؟
فقال (ع): الخير كله في ذلك الزمان، يخرج المهدي فيرفع ذلك ". / عقد الدرر حديث 103 الباب الرابع.
وعن اسعاف الراغبين قال: وفي الفتوحات لمحي الدين: أن ظهور المهدي (ع) بعد أن يخسف القمر في اول ليلةٍ من شهر رمضان وتنكسف
الشمس في النصف منه، فإن مثل ذلك لم يوجد منذ خلق الله السموات والارض.
ونلاحظ أن هذه المسألة إعجازية لعدم امكان ذلك فلكياً إذ المعتمد والجاري حسب تنظيم الله تعالى عكس ذلك تماما ً.
وفي بعض الروايات علاماتٍ اخرى حصل بعضها ولم يحصل البعض الأخر ونذكرها اجمالاً: "إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلوا الكذب، وأكلوا الربا، وأخذوا الرشا، وباعوا الدين بالدنيا واستعملوا السفهاء، وقطعوا الارحام، واتبعوا الاهواء، واستخفوا بالدماء،... ومنها: نزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، نار تظهر بالمشرق طولاً وتبقى في الجو ثلاثة ايام أو سبعة ايام (هذا الترديد الى الشك من الراوي)، وقتل مصر أميرهم وخراب
الشام، وموت ذريع، ونقص في الاموال والانفس والثمرات، واختلاف صنفين من العجم (كل ما هو غير عربي) وسفك دماء كثيرة بينهم وتشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء، واكتفاء النساء بالنساء والرجال بالرجال.
وغير ذلك في العلامات العامة التي حصل قسم منها.
أما القسم الثاني وهي العلامات التي تظهر في سنة خروج المهدي (ع) أو في ايام خروجه ونستطيع القول بأن هذه العلامات حتمية الوقوع لكثرة الروايات المؤكدة لذلك وهي خمسة علامات: السفياني، اليماني، النداء، خسف في البيداء، قتل النفس الزكية.
عن عقد الدرر عن ابي عبد الله الحسين بن علي (ع) انه قال: " للمهدي (أي لخروجه) خمس
علامات: السفياني، واليماني، والصيحة من السماء، والخسف في البيداء، وقتل النفس الزكية ". / عقد الدرر حديث 157 من الفصل الثالث.
وسنعرض عرضاً موجزاً لهذه العلامات الخمسة.
السفياني
وهو الرجل الذي يقود جيش الضلالة والفتنة ويحكم بعض المناطق ويقود جيشه بعدئذٍ لمحاربة الامام المهدي (ع) ووردت به روايات عديدة.
أما من جهة نسبه فهو من ذرية أبي سفيان بن حرب، ففي عقد الدرر أخرج بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): " يخرج رجلٌ يقال له السفياني في عمق دمشق، وعامة من يتبعه من كلب (اسم احدى القبائل) فيقتل حتى يبقر بطون النساء
ويقتل الصبيان "./ عقد الدرر حديث 143 الباب 4 واخرجه ايضاً كنز العمال ج 7 ص 188 نقلاً عن المستدرك للحاكم.
وفي العرف الوردي للسيوطي قال: قال حذيفة: حتى انه يطاف بالمرأة في مسجد دمشق في الثواب (أي من غير ستر) على مجلسِ مجلس، حتى تأتي فخذ السفياني وهو في المحراب قاعد، فيقوم رجلٌ مسلم من المسلمين فيقول: ويحكم إنّ هذا لا يحل فيقوم فيضرب عنقه ويقتل كل من شايعه على ذلك. / العرف الوردي ج2 ص 81.
وأما أوصافه: فقد قال ابن الصباغ:... إن السفياني رجل من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان، ضخم
الهامة، بوجهه أثر الجدري، بعينه نكته بيضاء... / إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار ص 127.
وأما موطنه: فقد أخرج في عقد الدرر بسنده عن أمير المؤمنين (ع) قال: " السفياني... يخرج من ناحية مدينة دمشق في وادٍ يقال له الوادي اليابس ". / عقد الدرر حديث 122 باب 4 وفي حديث آخر بسنده عن علي (عليه السلام) من قرية يقال لها حرستا وهي موجودة الأن، وقد ذكرت مسألة السفياني في: تفسير القرآن الطبري وتفسير القرآن للثعلبي الشافعي وفي كتب أخرى كثيرة.
وأما حركته العسكرية: فبعد استيلائه على الكور الخمسة: دمشق، حمص، فلسطين، الاردن، قنسرين، وبعد القتل والحرق والعقر و..... و...... و..... يجهز جيشاً لمحاربة الامام المهدي بعد أن يسمع بظهوره ويجهز جيشاً آخراً لسحق حركة التمرد والعصيان في العراق.
يقول ابو اسحاق الثعلبي في تفسيره: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وذكر فتنة تكون بين المشرق والمغرب،: فبينما هم كذلك، إذْ خرج السفياني، من الوادي اليابس، في فورة ذلك، حتى ينزل دمشق ضحى، فيبعث جيشين، جيشاً إلى الشرق، وجيشاً الى المدينة، حتى اذا نزلوا بأرض بابل، بالمدينة الملعونة، والبقعة الخبيثة، فيقتلون اكثر من ثلاثة آلاف ويبقرون بها اكثر من مائة امرأة، ويقتلون بها ثلاثمائة كبش من بني العباس، ثم ينحدرون الى الكوفة، فيخربون ما حولها، ثم يخرجون متوجهين الى الشام، فتخرج راية من الكوفة، فيلحق ذلك الجيش منهم مسيرة ليلتين، فيقتلونهم، فلا يفلت منهم إلا مخبر، ويستنقذون،
ما بأيديهم من السبي والغنائم... "./ راجع عقد الدرر: عن ابو اسحاق في تفسير الآية 8 من سورة سبأ.
وتكون نهاية السفياني على يدي الامام المهدي (ع) ويساعده في ذلك عيسى (ع) حيث انه ينزل ويصلي خلف المهدي (ع) كما اشارت الروايات، وكل حركة السفياني لا تدوم أكثر من خمسة عشر شهراً.
اليماني
ان الأحاديث التي وردت في اليماني لم تكن مفصلة بما فيه الكفاية ويمكن تلخيص ما تشير اليه الأحاديث بأنه:
رجل من أهل اليمن، يظهر من اليمن ومعه قومه، ويكون ظهوره قبل السفياني بفترة وجيزة، أو مقارناً للسفياني،
ورايته راية حق وهدى، يناصر الدين، ويدعو إلى راية المهدي، ويقاتل السفياني وعلى من يشهده ان ينضم لنصرته.
الصيحة
وهذه العلامة الحتمية الثالثة، ولعلها من أبرز الآيات، وأوضح البراهين والعلامات على ظهور المهدي (ع)، ومن ميزات هذه الآية: انها تؤثر في نفوس البشرية لغرابتها، وقد وصفت روايات كثيرة هذه الصيحة بانها توجب اضطراب النفوس، وتسلب الناس صفائهم واستقرارهم، وجاء في بعض الأحاديث ان هذه الصيحة، توقظ النائم، وتفزع اليقظان، وتخرج الفتاة من خدرها من شدة الذهول الذي يصيبها، حيث انها خارقة لقوانين الطبيعة، وقد تكون الانذار الأخير لكثيرٍ من الناس، للعودة الى رشدهم وهديهم.
وطبيعة النداء: ان نسمع صوتاً يعم الكون كله، وكلٌ
يفهمه بلغته، في منتصف شهر رمضان المبارك أو آخره بأنه: ظهر الامام محمد بن الحسن المهدي (ع) وان رايته راية حق.
قال في عقد الدرر: عن ابي عبد الله الحسين بن علي (ع) انه قال: "... وينادي من السماء منادٍ، باسم المهدي، فيسمع من بالمشرق والمغرب، حتى لا يبقى راقد الا استيقظ، ولا قائم الا قعد ولا قاعد الا قام على رجليه فزعاً، فرحم الله من سمع ذلك الصوت فأجاب، فإن الصوت الأول صوت جبرائيل الروح الأمين (ع) "./ عقد الدرر: حديث 148 الباب الرابع.
وأخرج عقد الدرر ايضاً بسنده عن المعجم الطبراني ومن مناقب المهدي (ع) لأبي نعيم، ورواه الحافظ ابو نعيم بن حمّاد في كتاب الفتن قال:
اذا نادى منادٍ من السماء، ان الحقّ في آل محمد، فعند ذلك يخرج المهدي (ع)./ عقد الدرر: حديث 183 الباب السادس.
الخسف في البيداء
وهي من الحتمية الرابعة، والتي تكون بعد ظهور السفياني وبعد ظهور الامام (ع) وبعد الصيحة أيضاً.
فعند ظهور السفياني واستيلائه على عدة مناطق ومدن، يسمع بظهور الامام المهدي (ع)، وانه اقام في المدينة، وهو المنازع الوحيد له فيرسل جيشاً جراراً لقتل المهدي، وعند وصول الجيش إلى المدينة، يعرفون أن المهدي قد خرج الى مكة، فيستبيحون المدينة ثلاثة أيام، ثم يخرجون متجهين الى مكة لطلب الامام وعند وصولهم منتصف الطريق بين مكة والمدينة،: ينادي منادٍ: يا بيداء ابيدي القوم فيخسف بهم فلا يبقى منهم احداً.
وأشارت بعض الروايات الى بقاء شخصين احدهما يذهب الى السفياني ليخبره وآخر يذهب الى الامام المهدي (ع) ليبشره.
عن مسلم في صحيحه، في حديث عن ام سلمة، ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: " سيعوذ بهذا البيت - يعني الكعبة - قوم ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدة، يبعث اليهم جيش، حتى إذا كانوا ببيداء الأرض خسف بهم "./ رواه مسلم في صحيحه: ج2 ص 494.
وفي عقد الدرر قال: ذكر ابو اسحاق الثعلبي، في تفسير قوله تعالى من سورة سبأ: " إن نشأ نخسف بهم الأرض "./ سورة سبأ، آية 8.
قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): وذكر فتنة تكون بين أهل المشرق
والمغرب... فيرحل جيشهم (جيش السفياني) الى المدينة، فينهبونها ثلاثة أيام ولياليها، ثم يخرجون متوجهين الى مكة، حتى اذا كانوا بالبيداء، بعث الله عز وجل لهم جبرائيل، فيقول: يا جبرائيل اذهب قاتلهم، فيضربها (الأرض) برجله ضربةً فيخسف الارض بهم، وذلك قوله في سورة سبأ.
قتل النفس الزكية
النفس الزكية هو رجل يقتل بلا ذنب، وتشير الروايات بأنه من آل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) إما حسني أو حسيني.
يرسله الامام المهدي (ع) إلى أهل مكة ليستنصرهم إلى جانبه، فلا يجيبوه بل ينقضون عليه ويقتلون ذبحاً بين الركن والمقام.
ويكون بين ذبحه وبين قيام المهدي (ع) خمسة عشر يوماً.
فعن عقد الدرر قال: قال الراوي: سألت عبد الله بن مسعود، عن النفس الزكية قال: هو من
أهل البيت، وعند قتله ظهور المهدي (ع). /عقد الدرر: الفصل الرابع حديث 158.
وعن السيوطي قال: اخرج ابن أبي شيبه عن مجاهد قال: حدثني فلان رجل من اصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): ان المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية، فإذا قتلت النفس الزكية، غضب عليهم من في السماء، ومن في الأرض فأتى (فيأتي) الناس المهدي (ع) فزفوه كما تزف العروس الى زوجها ليلة عرسها، وهو يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وتخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء مطرها، وتنعم امتي في ولايته نعمةً لم تنعمها قط. / العرف الوردي في أخبار المهدي: جزء 2 ص 65.
وتدل بعض الروايات بان هذه الحادثة تكون قبل الصيحة السماوية.
جاء في الملاحم والفتن بسنده عن عمار بن ياسر قال: " اذا قتل النفس الزكية واخوه يقتل بمكة ضيعة نادى منادٍ من السماء، أن اميركم فلان (المهدي) وذلك المهدي الذي يملأ الأرض (حقاً أو) خصباً وعدلاً./ الملاحم والفتن: ج1 ص 37، وأخرجه عقد الدرر باب 1 من الفصل الثالث، حديث 109.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه المنتجبين
* * *