اليماني راية هدى
تأليف: السيّد محمّد علي الحلو
تقديم وتحقيق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
الطبعة الثانية: 1433هـ
فهرست الموضوعات
مقدّمة المؤلّف
من ثقافة الانتظار إلى ثقافة علائم الظهور
التشدّد السندي أم التسامح السندي؟
روايات اليماني بين الندرة والرمزية
اليماني وعلامات الظهور
اليماني من المحتوم
اليماني وحركة الإصلاح
لماذا اليمن إذن؟
هل اليماني رئيسُ دولة؟
ثلاثُ رايات
أيُّها أهدى...؟
اليماني والخراساني دقَّة تنسيق ووحدة هدف
اليماني وأزمة التحدّيات
اليماني.. ومعقل الخير
محاولات تمويه
حركة اليماني وصحوة الانتماء
اليماني: اسمه ونسبه وانتمائه
اسمه
نسبه
موطنه
اليماني السياسة العامّة
فعلى المستوى الدولي
أمَّا على المستوى الإقليمي
الخلاصة
مصادر التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة المؤلّف:
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
لم يعد الظهور حالةً من حالات الخيال، أو نزعةً من نزعات الترف الأدبي، أو ترويحاً للنفس أو تطييباً للخواطر، أو مسألة وهم، أو ظاهرة (ميتافيزيقية) تحوم حولها الشكوك، أو تعزّزها الاحتمالات، أو ترفدها الظنون، لتنبسط إليها النفوس المنكسرة، أو تنبعث من خلالها الآمالُ الواهية، أو تُقنـِعَ بسببها شهوة الثأر، لتشدَّ بها حيازيم الانتقام، أو تتهالك دونها الأرواح، أو تزهقَ لتحقيقها النفوس، أو تتعاور في إثباتها الحجج، أو تتهاوى في تأييدها الأدلَّة، وتختلج دونها البراهين. بل هي حقيقةُ دينٍ، ووعدُ سماءٍ، وضرورة محتومة النتيجة ثابتة البرهان.
وليس الظهور هو حالة تسكين النفس لوعدها المنتصر.. بقدر ما هي قضيّة انتساب لواقع شهدت في صحَّته الأنباء، وتواترت عند تحقّقه الأخبار، وتكافلت له بشائر الأنبياء..، فهو مخاض جهودهم، وإرادة رسالاتهم..، أمل أتباعهم المصلحين، وتطلّعات شوق المستضعفين.
من هنا نتلمَّسُ أهمّية الثقافة المهدوية بكلّ تشعّباتها، بل بكلّ فصولها، ودواعيها ومقتضياتها، تاريخها وشجونها، ملاحمها وفتنها.
وليس المتأمّل في الوعد الإلهي لقضيّة الظهور بغافلٍ عن ضرورة الكشف عن نقاب علامات الظهور، والترصّد لمعرفة اليوم الموعود بكلِّ ما لهذه العلائم من خطورة الأهمّية في تحديد مسارات التكليف أو بالأحرى عن معالم ما يمكن للمكلَّف أن يترصَّده في مستقبل الأحداث، وهو أحد أطراف المعادلة الإلهية ليتسنّى من خلال ذلك توخّي الدقّة والحذر، وهو في خضمّ أحداثٍ طائشةٍ، أو فتنٍ مهلكةٍ، أو ملاحم تؤدّي باللبيب عن مسالك الهدى لتطيح به في مهاوي الردى.
ولم يغفل أئمّة الهدى (عليهم السلام) عن أهمّية ما من شأنه أن يُحدثه التفقّه في معالم هذه العلائم التي هي دوال المعرفة لسلوك أهدى السبل وأقومها حتَّى أوصوا شيعتهم بتلك الملاحم وهاتيك الفتن، وأرفدوهم بوصاياهم لئلاَّ يختلط عليهم الحقّ وتتشابه بهم الطرائق، وتنحدرُ فيهم الوهاد، وتقتحم بغفلتهم الصعاب، فاستزادوهم بما ينبغي للبصير أن يحذر، وللعاقل أن يتدبَّر.
وها نحن بحمد الله تعالى قد خصَّصنا فصولاً في هذا الشأن، ونقَّبنا ما ينبغي تنقيبه، وحقَّقنا ما ينبغي تحقيقه، فوجدناها مفعمةً بالأحداث المتزاحمة، والفتن المتلاطمة، ثمّ أجِلْنا النظر فعنَّ لنا أن نصنّف ما أوحش القارئ من تداخل الأخبار، أو أقضَّه ما اضطرب من إشاراتٍ تشير إلى حدثٍ، أو ترمزُ إلى شخصٍ، أو
توعزُ إلى قضيّة عمد فيها أئمّة الهدى (عليهم السلام) أن يتجنَّبوا الخوض فيها إيضاحاً، أو يُبيّنوا تفاصيلها إيغالاً، تقيّةً من أعدائهم، وتحفّظاً على أتباعهم، ولئلاَّ يتداولها القريب والبعيد، ويتعاطاها القاصي والداني، فيعرّضوا شيعتهم إلى المطاردة والتنكيل، وأوكلوا فكَّ رموزها وبسطها وإيضاحها إلى غابر الأيّام بعد أن يتعاطى معها الناس، وقد خبروها صحَّةً وتصديقاً وتسليماً فيما بان لهم من حدوثها وتحقيق الآخر منها.
ولا ندَّعي أن قد وفّقنا في استقصاء ما عقدنا البحث من أجله، فإنَّ لتداخل الروايات وتزاحمها سبباً في معاناتنا لفرز ما يمكن فرزه ليتسنّى لنا قراءة الأحداث ومعالجتها بما ينسجمُ وخطورة البحث وأهمّيته.
ولا يخفى ما لأخبار اليماني من تداخلٍ وتدافع يوجب معها عدم البتّ بالنتيجة ما لم تكن هناك من القرائن الكافية ليتَّضح القصد ويستبين المراد، فإنَّ لليماني خطره في مستقبل الأحداث، وكون حركته المباركة يكتنفها التكتّم ومقتضى السرّ ودواعي الخفاء إمعاناً في الحفاظ عليها من ملاحقة الآخرين، وملاحاة الظالمين، وما من شأنه أن يحفظ سرّيتها وكتمانها..، وما عملناه رغبةً منّا في رفد المكتبة المهدوية بتراثها المغيَّب ليُتاح لنا قراءة مستقبل الأحداث القادمة وما يتطلَّبه منّا تكليفنا في هذا المضمار.
فضلاً عمَّا وجدنا عليه مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام) من رغبةٍ صادقةٍ في تمتين الثقافة المهدوية بعد أن لمسَ خطورة هذه البحوث وضرورة بثّها بين طلاَّب الحقيقة، وما يرتكبه عدم
التفقّه في هذه الأمور من عدم المعرفة التي تؤدّي بالكثير من عدم استيعاب الأمور ووضعها في نصابها، فضلاً عمَّا تسبّبه هذه الخروقات من تشويش الأذهان والاضطراب في الرؤية أو إطاحة بالحركة اليمانية المباركة التي يتزعَّمها اليماني، ويكادُ الأعداء - بسبب هذا التمادي - أن يستغلّوا هذه الممارسات وتوجيهها لصالحهم.
لذا فقد أدركنا أهمّية الثقافة المهدوية على المستوى العامّ الذي يمارسه طلاَّب الحقّ وطلائع الخير ملزمين أنفسنا بالمساهمة في غرس بذرة هذه الثقافة المباركة علَّنا نصل إلى ما نأمل الوصول إليه من وضوح المبدأ وبيان الحقّ، وهو - لعمري - ما سعى إليه مركز دراسات الإمام المهدي (عليه السلام)، فوجدتُ في إدارته من الحرص والإخلاص للمساهمة في رفد مشروع الثقافة المهدوية لدى طلائع المؤمنين الذين حرموا لوقتٍ ليس بالقصير من هذا التثقيف المقدَّس لما مرَّ ببلد العتبات المقدَّسة - العراق - سنوات القهر الفكري الذي أنهكته المحنة فغدت ثقافته المهدوية غائبةً إلى الحدّ الذي وجدت الشبهات مكانها في اختراق الشارع الملبَّد بثقافات الغير للإطاحة بثقافتنا المقدَّسة.
وإذ أشدُّ على يد الخيّرين من أعضاء هذا المركز وإدارته الكريمة أدعو إلى تكثيف الجهود من أجل خلقِ ثقافةٍ مهدويةٍ تساهمُ في إيجاد انفراج متفائلٍ ينتظر غداً مشرقاً تكتحلُ به عيون الجميع بطلعته البهيّة.
ذكرى شهادة الصدّيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام)/ 1425هـ
محمّد علي السيّد يحيى السيّد محمّد الحلو
من ثقافة الانتظار إلى ثقافة علائم الظهور:
تُعَدُّ علامات الظهور من أولويات الثقافة المهدوية التي تشغل حيّزاً مهمّاً من مساحة الفكر الإسلامي، بل الإنساني على العموم.
فالمهدوية لم تكن مقتصرة على معطيات الدين الإسلامي بقدر ما هي حالة إنسانية تتطلَّع إليها كلّ الطبقات المحرومة والمستضعفة، بل يمكن أن تتعدّى إلى الطبقات الأخرى من التركيبة الإنسانية عموماً. فالتوجّهات الإنسانية لا تقف عند حدّ إشباع الضرورة، بل تتعدّى إلى مراقي الكمال، فهي تنشد الوصول إلى ما يشعرها بإنسانيَّتها وكرامتها متحدّيةً كلّ مظاهر (الابتذال) الإنساني الذي من شأنه أن يهدر إنسانية الإنسان المقدَّسة. فالصراعات الدولية، والتنافسات السياسية تُرهق تلك الإنسانية المعذَّبة التي فتحت عينيها على ذلك التنافس المقيت، فقضيّة قابيل وهابيل تحكي بذرة التنافس المشؤوم، والتمرّدات على نواميس النبوّة تُظهر ما تخفيه مكنونات النفس وخفاياها من التمرّد على كلّ ما هو خير، وبذلك تتسيَّب توجّهات النفس إلى الحدّ الذي معه تفقَّد قابليّاتها على الانقياد إلى ما من شأنه أن يكون سبباً لسعادتها، من هنا عرفنا سبب تلك الصراعات الإنسانية على امتداد تاريخها، لذا فهي ضحيَّة التنافسات
لتحقيق غاياتها على حساب المبادئ، وسحق طموحات الإنسان للعيش بسلام وكرامة، هكذا تجد الإنسانية حاجتها إلى الإصلاح مهما مورست رغبات الإصلاح ضمن تنظيراتٍ وضعية وتكلَّفتها بعض الأطروحات الوضعية التي تعهَّدت بتحقيق طموحات الإنسانية من أجل كرامتها المهدورة، إلّا أنَّها لم تحقّق رغباتها في هذا المجال لقصور توجّهاتها عدا في نطاقها المصلحي الضيّق، لذا فلا بدَّ للإنسانية أن تتربَّص للإصلاح، وأن ترنو إلى المنقذ المصلح، وأن تتوخّى ذلك اليوم الذي فيه يُثأر للمظلوم من ظالمه، ويُنتصر للحقّ من غاصبه.
إذن فالجميع يتَّفق على ضرورة الإصلاح بعد ما تفشّى الفساد، وحتمية العدل بعد ما عمَّ الظلم، وبسط القسط بعد انتشار الجور، وليس لهذه الدوافع سوى الفطرة، ولا لهذه الدواعي غير الضرورة، أي ضرورة أن يعيش الإنسان وقد تمتَّع بكلّ حقوقه، وأن يحيا على هذه الأرض وقد أنـِسَ بالسلام.
وإذا كان الأمر كذلك فليتَّفق الجميع على أيّ هذا المصلح سيكون أهدى، وأيّه أوفق وأقوم؟ على أنَّ صفات هذا المصلح وخصوصياته قد توفَّرت لدى مهدي أهل البيت (عليهم السلام)، حيث العصمة التي ستكون أهمّ خصوصيات القائد المصلح، والتي تقتضيها مهمّة الإصلاح العالمية، ولعلَّ الجميع سيتَّفق على هذا المصلح من حيث المبدأ دون النظر إلى التفاصيل والخصوصيات، وبمعنى آخر أنَّ الجميع سيكون في حالة انتظار تقتضيها دواعي الإصلاح، فإذا اتَّفق الجميع على المصلح الواحد فعند ذاك
تتقارب الوجهات المتباينة، وتتَّفق على قضيّة الانتظار، وتكون لثقافته أثرها في تعزيز المشروع المهدوي وارتكازه في النفوس، ومن ثَمَّ تطلّعات البشرية لذلك اليوم الموعود.
من هنا نستشعر ضرورةً أخرى تكون في أولويات تطلّعات ثقافة الانتظار، وهي ثقافة علامات الظهور، إذ تلك الثقافة تكاد تكون معدومة لدى كثيرٍ من أولئك الذين يتشوَّقون لحلول اليوم الموعود، والسبب في ذلك أنَّ لهذا الانعدام مبرّراته.
أوّلاً: لم تكن روايات علامات الظهور واضحة يمكن قراءتها بسهولة، لما امتازت به هذه الروايات من غموض مقصود، ورموز خاصّة حاولت معها هذه الروايات أن تكون بمنأى عن الرقيب الذي كان يتحيَّن الفرصة لتطويقها بمطاردة رواتها ومَنْ يعتقد بها، لما تحمله هذه العلامات من تهديد لمستقبله ومستقبل نظامه.
ثانياً: تتناسب روايات علامات الظهور في تداولها تبعاً لازدهار الثقافة المهدوية حينئذٍ، فإنَّ المنتظر لا يعدو عن متابع توّاقٍ لعلامات الظهور، وفي خلاف هذه الحالة تجد أنَّ علامات الظهور تعاني تراجعاً واضحاً في متابعتها والبحث عنها، ومعلوم أنَّ الثقافة المهدوية تخبو وتتوهَّج تبعاً لحالات الظرف السياسي الذي يدخل سبباً في تحجيم أو إطلاق هذه الثقافة.
ثالثاً: تعاني روايات علامات الظهور من (محاصرة) معيَّنة تسبّبها التشدّدات السندية التي لا يسمح البعض بتداولها ما لم يطمئنّ سندياً من صحَّتها، لذا فإنَّ الكثير من هذه العلامات تُطرح
سندياً ويتوقَّف البعض من التعاطي معها، في حين يحصل لدى الآخرين اطمئنان بصحَّة صدورها والعمل على أساسها. إلّا أنَّ لدواعي متابعة علامات الظهور ما يبرّرها كذلك:
1 - تُعَدُّ علامات الظهور جزءاً من الثقافة المهدوية، أو قل: من ثقافة الانتظار، فإنَّ المنتظر يتطلَّع إلى ذلك اليوم الموعود، وهو يحرص كثيراً على متابعة ما يكون علامةً على اقتراب وقت الظهور، فإنَّ ذلك جزء من اهتمامه لمعرفة تكليفه حيال انتظاره للإمام، لذا فإنَّ حالة الشوق التي يكنّها للإمام (عليه السلام) تدفعه إلى مراقبة ما يكون من شأنه بشارةً أو إنذاراً ليوم ظهوره الشريف.
2 - أنَّ الطبيعة الإنسانية حريصةٌ على معرفة آفاق المستقبل وخصوصيات مجريات ما سيحدث مستقبلاً في غابر الزمان، فالنفس تتطلَّع - خوفاً أو طمعاً - لما سيجري مستقبلاً من أحداث حرصاً على حصولها بما يمكّنها من سعادتها أو خوفاً ممَّا يهدّد مستقبلها، لذا فهي تحرص جادّة على معرفة ما يجري مستقبلاً وستكون علامات الظهور إحدى آليات تلك المعرفة الخفيّة.
وعلى كلّ حال، فلا يمكننا أن نتنكَّر لخطورة ثقافة علامات الانتظار، فإنَّ لدواعي متابعتها ما يبرّرها، ولعدم متابعتها ما يبرّرها كذلك لدى البعض، إلّا أنَّنا لا يمكن أن نتغاضى عن ذلك لما تشكّل هذه الثقافة جزءاً من ثقافتنا المحاصرة، وتراثنا المهدور.
* * *
التشدّد السندي أم التسامح السندي؟
تُعَدُّ مسانيد الروايات إحدى آليات معرفة الصدور، فالسند لا يعدو عن آليةٍ للوثوق بجهة الصدور، أي السند لم يكن بحدّ ذاته غاية يتابعها الباحث، بل هو وسيلة من خلالها يطمئنُّ الباحث من صدق صدور الرواية ومعرفة جهتها، على أنَّ الوثوق لا يتوقَّف أحياناً على صحَّة وصدق صدورها، وهذا يمكن تطبيقه على ممارسة الاستنباط الفقهي والبحث الأصولي، إذ لا يمكن للفقيه أن يفتي في حكم فقهي ما لم تكن هناك أدلَّة صحيحة يستند إليها في استنباطاته واجتهاده الفقهي، وكذا الحال في مباحث الأصول، فإنَّ للرواية الصحيحة أثرها في تقنين العملية الأصولية والبتّ بها، وهكذا تتزايد أهمّية البحوث السندية تبعاً لأهمّية القضيّة المبحوث عنها، والتي يتوقَّف العمل بها على الروايات الصحيحة، في حين أنَّ التشدّد السندي لا يُعَدُّ من الضرورة بحال في أحيان أُخر، فالقضيّة التاريخية لا تحتاج في بعض الأحيان إلى التشدّد السندي في روايتها، فلعلَّ تناقلها يتعاطاه الثقة وغير الثقة لما تُحدثه هذه القضيّة من وقع في نفس المشاهد فيتناقلها عنه الرواة كونه شاهد عيان حدثت هذه القضيّة أمامه.
نعم، هناك من القضايا التاريخية التي لها أثرها في السير العلمي أو في ملازمات البحوث الأُخر، فإنَّ التشدّد السندي سيكون داعياً لمعرفة صحَّتها والوثوق من وقوعها.
وكذا الحال فيما يتعلَّق بروايات علامات الظهور، فلعلَّ الحال بها أدعى إلى التسامح السندي منه إلى التشدّد، ذلك لأنَّ علامات الظهور ما هي إلّا إشارات مستقبلية تُشير بها هذه الروايات إلى ما يمكن وقوعه تزامناً أو قبيل اليوم الموعود، وهذه الحالة - وهي معرفة ما يدَّخره المستقبل من أمور - تتوق إليها النفوس عموماً بغضّ النظر عن توجّهاتها وما تتَّصف بها من ثقة وعدالة أو خلاف ذلك، فإنَّ النفس الإنسانية حريصة على معرفة ما تلاقيه من مستقبل مجهول يضمُّ بين جنباته مفاجئات تكون سبباً لسعادته، أو داعياً لشقائه، لذا فالإنسان يتطلَّع إلى متابعة هذه العلامات وملاحقة ما روي في شأن المستقبل، ممَّا حدى أن يكون هناك اهتمام خاصّ لدى البعض في معرفة هذه العلامات أو رواتها بغضّ النظر عن كون هذا الراوي أو ذاك ثقة أم لا، أي إنَّ حالة الانبهار لدى النفوس سبب في ملاحقة مثل هذه الأخبار ومتابعة تفاصيلها، فلربَّما يهتمُّ بها من كان ثقةً أو يتابعها غير الثقة على أساس معرفة ما سيحدث، لذا فلا مجال للتشدّد السندي في هذا المضمار، إذ على أساس التشدّد سنطرح الكثير من هذه الروايات التي أوْلى الاهتمام بها الثقة وغير الثقة على السواء. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنَّ لعلامات الظهور قرائنها المزامنة
لها التي تدلُّ على صحَّة ورودها أو عدمه، بل إنَّ القرائن التي تحدث في أجواء مناطق الظهور تشير إلى إمكانية تحقّق هذه العلامات، بمعنى أنَّ هناك دلائل في الأفق تشير إلى بوادر هذه العلامات والإشارة إلى تحقّقها مستقبلاً، لذا فمن غير العملي أن نشدّد في أسانيد هذه العلامات، فإنَّ للقرائن العامّة أثرها في قبول أو عدم قبول مثل هذه العلائم.
على أنَّ التسامح في أسانيد هذه الروايات والتعاطي معها سبب في معرفة هذه العلامات بالجملة بغضّ النظر عن تفاصيلها، أي يمكننا أن نتعرَّف جملةً على ما سيحدث مستقبلاً تاركين تفاصيل ذلك إلى المستقبل، وما من شأنه تحقيقه، هذا إضافة إلى أنَّ الاحتياط في معرفة بعض تكاليف يوم الظهور داعياً إلى التسامح في مثل هذه الروايات، فإنَّ العقل يدعو إلى أن نحتاط فيما سنلاقيه من فتن وملاحم كما هو الحال فيما لو أخبرنا أحدهم بأنَّ ما يلاقينا في طريقنا هذا خطراً ما، فإنَّ العقل يدعو إلى أن نحتاط ونحذر فيما سنلاقيه تحرّزاً من الوقوع في الهلكة، وهذا بغضّ النظر عن كون المخبر ثقة أم لا، وكذا الحال في علامات الظهور، فإنَّ احتمال وقوعها سيجنّبنا من خطر الوقوع في مهالك تؤدّي بنا وبمستقبل ما نصبو إليه.
* * *
روايات اليماني بين الندرة والرمزية:
تواجه الباحث عن شخصية اليماني (أزمة) الندرة في الروايات الكاشفة عن شخصيته فضلاً عن الرمزية التي تتَّصف بها تلك الروايات.
أمَّا الرمزية فهي الظاهرة التي تكاد تكون عامّة في بحوث الملاحم والفتن، وهذه الظاهرة لها مبرّراتها، إذ حالة التقيّة والكتمان إحدى دواعي سلوكية الرواة مراعاةً لظرف التلقّي بل وظروف المتلقّي.
أمَّا ظرف التلقّي فإنَّ حالة التوجّس التي يعيشها النظام السياسي تكاد تُضفي بظلالها على الوضع الفكري العامّ، فتحديد انسيابية المعلومة أو تداول المفردة المعلوماتية تتحدَّد ضمن سياقات الحاكم أو الدوائر الثقافية التابعة له، وبالتالي فستُصادر تلك المعلومات بمحاولات (مسخية) تمسخُ واقعية المعلومة الواردة من منابعها فضلاً عن ملاحقة رواتها واستئصالهم، لذا فقد عمد أئمّة الهدى (عليهم السلام) على التحفّظ بقدرٍ كافٍ عند إلقاء هذه الملاحم بمحاولاتٍ رمزيةٍ لا تستهدف النظام السياسي في الظاهر أو بشكل مباشرٍ جلي. وبهذا الأسلوب حُفظت الكثير من روايات الملاحم والفتن واستطاعت الوصول إلى أيدينا بشكلٍ يحفظ سلامتها من التحريف والتشويه فضلاً عن التلف والضياع.
هذه مجمل دواعي الرمزية التي امتازت بها أخبار الملاحم والفتن ومن ضمنها روايات اليماني.
أمَّا حالة الندرة التي تعانيها روايات اليماني فهي ظاهرة تستحقُّ التوقّف والتأمّل عندها.
فقد عمد أهل البيت (عليهم السلام) إلى محاولة التحفّظ على شخصية اليماني وتخفي ملامحه بشكل واضح يثير التساؤل، وربَّما يمكن درج أسباب ذلك في المبرّرات التالية:
أوّلاً: عمد أهل البيت (عليهم السلام) إلى إسباغ حالة الكتمان على شخصيات عصر الظهور التي ستكون تحت قيادة الإمام (عليه السلام) أو التي ستوظَّف لنصرته، وذلك خشيةً على سلامة هذه الشخصية وإبعادها عن الملاحقة والمطاردة من قبل السلطات المتربّصة لها، لذا فإنَّك تجد الإشارة المقتضبة لهذه الشخصيات أمثال اليماني والحسيني والخراساني والهاشمي.
ثانياً: محاولة إضفاء أكثر من تسمية على هذه الشخصيات لإيهام القوى المناوئة لها من تشخيصها وبالتالي ملاحقتها، فمثلاً: أُطلق على اليماني القحطاني في روايات، وفي أخرى المنصور، وفي غيرها الخليفة اليماني، وفي بعضها الملك اليماني، وفي رابعة الحارث، كما أُطلق على الخراساني في بعض الروايات، وعمدت أخرى إلى تعريفه بالحسني، وفي ثالثة بالهاشمي، وفي أخرى بصاحب الرايات السود.
ثالثاً: محاولة التداخل في التسميات والمصطلحات، فلعلَّ اليماني مرَّة أُطلق عليه الحسني والحسني وصف بالخراساني، ومرَّة على الحسني
أُطلق الخراساني، وعلى الخراساني وصف بالهاشمي، وهكذا تتداخل الأسماء على مسمّيات مختلفة يضطرب فيها الباحث لتشخيص أيّها أصدق، بل تشدَّدت بعضها أكثر من ذلك في السرّية والتكتّم فلم تصف اليماني بأيّة صفةٍ بل أشارت إلى مواصفاته، ففي حديث عمّار بن ياسر (رضی الله عنه)، قال: (... فإذا استثارت عليكم الروم والترك، وجُهّزت الجيوش، ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال...) إلى أن يقول: (ويحضر الناس بدمشق، ويخرج أهل الغرب إلى مصر، فإذا دخلوا فتلك أمارة السفياني، ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمّدٍ...) إلى آخر الحديث(1)، وخروج رجل قبل السفياني يدعو إلى آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ينطبق على اليماني، وهذه أقصى غايات السرّية والكتمان في التحرّز عن ذكر شخصيات الظهور المناصرة لحركة الإمام (عليه السلام).
رابعاً: يستفاد من حالة الاضطراب الأولي في المعلومات إلى قطع الطريق على الحركات والدعاوى الفاسدة من أن تتمثَّل بهذه الحركات الإصلاحية، وإيقاف حالات التجنّي والدعاوى الكاذبة لبعض الأشخاص من تقمَّص هذه الشخصيات الإصلاحية ومحاولات ابتزاز السُذَّج من الناس واستغلال هذه التسميات للاستفادة منها. بينما حالات عدم التشخيص تساعد على سرعة اكتشاف هذه الدعاوى الكاذبة فوراً ومعرفة زيف مدَّعيها.
وبالمقابل فإنَّ شخصيات الظهور (السلبية) قد عمد أهل البيت (عليهم السلام) إلى كشفها بشكل لا يخفى على أحد وذلك للدواعي التالية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الغيبة للطوسي: 463/ ح 479.
أوّلاً: إنَّ شخصيات الظهور السلبية هي في عداد الخطر المداهم للجميع، ومعرفة مشخّصاتها يوجب معرفة هذا الخطر والتحفّظ منه، ومحاولة فضح وتعرية هذه الشخصيات سيقطع الطريق على محاولات زيف ودجل هذه العناصر المناوئة لحركة الإمام (عليه السلام) والمعرقلة لظهوره.
ثانياً: عمدت روايات الظهور إلى الإعلان عن أسماء هذه الشخصيات والإشارة إليها لمحاولة إبعاد أتباعهم عن الانخراط في صفوف تنظيماتهم بعد محاولة هذه الشخصيات إلى إعداد نفسها وظهورها بشكل تنظيمي وبدعاوى إصلاحية عادلة، وقد تحاول تغطية أهدافها البشعة بشعارات إصلاحية برّاقة تستثير حفيظة البعض للانخراط إلى تشكيلاتها.
فقد أشارت روايات السفياني إلى أنَّ اسمه عثمان بن عنبسة وهو أموي ينتسب إلى خالد بن يزيد بن معاوية وبعضها نسبته هكذا: هو حرب بن عنبسة بن مرّة بن كلب بن سلمة بن يزيد بن عثمان بن خالد بن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أميّة بن عبد شمس(2)، وحاولت بعض الروايات الإشارة إلى السفياني الأوّل وهو كالممهّد للسفياني الثاني، حيث شخَّصت هذه الروايات إلى أنَّ السفياني الأوّل رجلٌ مرواني ينتسب إلى البلاد الشامية. بل أشارت الروايات إلى أنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) راجع: عقد الدرر: 90.
السفياني الثاني وهو الذي سيكون له شأنٌ (سلبي) في أحداث الظهور هو من الوادي اليابس، وتشخيص الوادي اليابس جغرافياً يعين المتتبّع على معرفة نشوء حركته ومحاولات تفادي خطره أو الانضمام إليه.
وإذا حاولنا أن نضع بين أيدينا نماذج للروايات الواصفة لشخصية السفياني والتي تشير إلى أهمّ مشخّصاته ودلالاته يتَّضح لنا مدى الحرص على تشخيص مثل تلك الشخصيات الخطيرة والإشارة إلى التحرّز منها ولكن بعد معرفتها: فعن الحارث بن عبد الله، قال: (يخرج رجل من ولد أبي سفيان في الوادي اليابس في رايات حمر، دقيق الساعدين والساقين، طويل العنق، شديد الصفرة، به أثر العبادة)(3).
وفي روايةٍ أخرى عن أرطاة، قال: (يدخل الأزهر ابن الكلبية الكوفة فتصيبه قرحة، فيخرج منها فيموت في الطريق، ثمّ يخرج رجل آخر منهم بين الطائف ومكّة، أو بين مكّة والمدينة، من شبب وطباق وشجر بالحجاز، مشوَّه الخلق، مصفَّح الرأس حمش الساعدين، غائر العينين، في زمانه تكون هدَّة)(4).
على أنَّ هذه الأخبار ترجع في مآلها إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلّا أنَّ الراوي يرويها بما وعاها عن غيره وكأنَّه يرسلها إرسال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسلَّمات، وهذه إحدى خواصّ أخبار الملاحم، حيث يتعهَّد الراوي بذكر ما يكون في مستقبل الزمان مرتكزاً لديه صحَّة ما يرويه وعدم الحاجة لذكر من يروي عنه، ويتلقّاها الناس منه على أساس الخبرة والدراية لهذه الأحداث وهم لفرط شوقهم لمعرفة ما تنطوي عليه الأيّام من الحوادث والفتن فإنَّ المتلقّي مستعدٌّ لتلقّيه إيّاها دون حاجته لمعرفة ممَّن صدرت ومن أين وردت.
* * *
اليماني وعلامات الظهور:
تُعَدُّ علامات الظهور وشروطه من الأهمّية بمكان، خصوصاً في محاولة تعيين شخصيات الظهور وتشخيصها بما ينسجم وواقع الروايات الواردة، بل واقع الأحداث كذلك.
فالظهور له شروطه وعلاماته، أمَّا شروطه فهي ما يتوقَّف الظهور على تحقّقه وعلاقته بالظهور علاقة العلَّة بالمعلول والسبب بالمسبَّب، والشرط بالنتيجة. أمَّا علاماته فهي بمثابة إرهاصاتٍ مبشرة أو منذرة تعلن عن حلول يوم الظهور أو اقترابه بشكل لا يتيح لحيرة المتحيّر من مندوحة أو لعذر المعتذر من مجال.
على أنَّ هذه العلامات تُعَدُّ لطفاً إلهياً يتهيَّئ العالم من خلاله لاستقبال ذلك الحدث الحاسم أو اليوم الموعود، فالعلامات الحادثة منها أو القادمة في بعضها هي إشارة لإمكانية الإنسان أن يقرّر في خضمّها توجُهاته وانتماءاته، فهي تُعَدُّ حقّاً أدوات (إنذارٍ مبكّر) يستطيع من خلالها أن يتحسَّس الإنسان ما سيداهمه من تغيير جذري على جميع المستويات، علماً أنَّ لهذه العلامات قابلية التحقّق من حيث البعد والقرب الزماني ليوم
الظهور أو من حيث المقارنة نسبياً ليوم الظهور أو تلك التي لا تنفكُّ عنه، فضلاً عن علامات تُعَدُّ حتمية التحقّق وعدمه تبعاً لمقتضيات تلك العلامة أو بالأحرى بما يتعلَّق ذلك في خصوص إرادته تعالى ومكنون حكمته.
وللوقوف على إحدى هذه العلامات الحتمية التي أكَّدتها الأخبار نستعرض بما توفَّرت بين أيدينا من أخبار اليماني لنستقرئ بعض شخصيات الظهور المحتومة بإذن الله تعالى.
* * *
اليماني من المحتوم:
تُعَدُّ شخصية اليماني من الشخصيات المهمّة التي نوَّهت عليها روايات علائم الظهور.
ولم تزل شخصية اليماني مقرونة بشخصية أخرى أولتْ لها الروايات أهمّيتها المتميّزة، وهي شخصيّة السفياني التي أشرنا إلى بعض ملامحه فيما سبق، وتكاد الروايات هذه تشير إلى العلاقة السببية بين هاتين الشخصيتين وبين يوم الظهور.
فالسفياني يمثّل حالات الانحراف ومعالم الظلم، وستكون لهذه الشخصية أثرها المهمّ في يوم الظهور، الذي سيكون موقوتاً بحملات السفياني الظالمة، وسيتحرَّك الإمام (عليه السلام) على ضوء ما تتركه هجمات السفياني على المناطق الآمنة وترويعه لمئات الناس الآمنين، وقتلهم وتشريدهم، وسيكون ذلك التحرّك الطائش موجباً لظهور الإمام (عليه السلام)، وصدّ حملات السفياني هذا، وتخليص المقهورين من ظلمه وبطشه.
ورُبَّ سائل يتساءل: ألم تكن الانتهاكات الظالمة التي تُحدثها سياسات بعض الدول أو الجماعات أو الجهات الإرهابية التي تسفك الدماء سبباً لظهور الإمام (عليه السلام) وانتصاره لهؤلاء المظلومين الذين
تنتهكهم هذه الخروقات المحمومة؟ وهل سيكون السفياني وحده فقط ممثّلاً للانتهاكات الصارخة التي ترتكب في حقّ الأبرياء؟
وللإجابة على ذلك نودُّ الإشارة إلى أنَّ السفياني سيمثّل في تحرّكاته هذه أقصى غايات الظلم والبطش، وسيرفع شعارات الإرهاب العلنية دون أيّ ستار، وسينادي بالإبادة الجماعية الشاملة لشيعة علي (عليه السلام)، أي سيكون شعاره قتل شيعة علي، لا لشيء إلّا أنَّهم شيعة علي فقط، وذلك لكون هؤلاء سيمثّلون الإسلام الحقيقي في زمنٍ تسقط معه كلّ الأقنعة، ويتَّضح فيها زيف المدَّعيات الأخرى.
في حين نجد أنَّ الدول الجائرة والحركات الدموية الإرهابية ترفع شعارات الإصلاح، وتحرير الإنسان من ظلم الآخرين وإنقاذه ممَّا هو فيه من الظلم ومصادرة الحرّيات، ومعلوم أنَّ لهذه الشعارات (الإصلاحية) أثرها في تمرير سياسات الظلم والعدوان التي تنتهجها هذه الدول والجماعات، وبذلك فلا يُتاحُ للإمام (عليه السلام) التصدّي لهذه الانتهاكات، والإعلان عن كونها ضدّ حقوق الإنسان، ولعلَّ في تصدّيه لها ستُثار حوله التساؤلات عن سبب تصدّيه لهذه الحملات (الإصلاحية) أو الحركات (التحرّرية) أو الاتّجاهات (الثورية)، وهكذا تُستغلُّ هذه العناوين البرّاقة في مواجهة الإمام (عليه السلام) والتكتّل ضدّه، وستكسبُ هذه الدعاوى قسطاً من التأييد الشعبي، أو حتَّى الدولي، وسيظهر الإمام (عليه السلام) في موقف (المحارب) للحركات (الإصلاحية) هذه.
في حين ستكون حركة السفياني توجّهاً سافراً في البطش والقتل والتنكيل والعبث والإفساد، وسيرفع شعارات الانتقام من آل علي
وأتباعهم، حتَّى ستكون هناك رغبة عارمة في التصدّي إلى هذا السفياني الذي عاث في الأرض الفساد، وستكون دعوة حقيقية لمساندة كلّ من تصدّى لهذه الانتهاكات، وإيقاف مدّ السفياني وظلمه وبطشه، حيث ستكون لتحرّكات السفياني أثرها في الرغبة للتصدّي ضدّه، خصوصاً إذا عرفنا أنَّ انتهاكات سيُحدثها السفياني حين وروده المدينة، فهو يحاول الإساءة لحرمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته متجرّءاً بالانتهاكات التي يرتكبها حين تجاسره على قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومحاولة البحث عن قبر فاطمة الزهراء (عليها السلام) ونبشه.
فقد روى المقدسي في كتابه (البدء والتاريخ) أنَّ انتهاكات السفياني تتجاوز حدّاً فاحشاً، حيث يسرد وقائع انتهاكاته منها:
(فيبقرون - أي السفياني وجيشه - بطون الحبالى، وينشرون الناس بالمناشير، ويطبخونهم في القدور، ويبعث جيشاً له إلى المدينة فيقتلون ويأسرون ويُحرقون، ثمّ ينبشون(5) عن قبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقبر فاطمة (رضي الله عنها)، ثمّ يقتلون كلّ من اسمه محمّد وفاطمة، ويصلبونهم على باب المسجد، فعند ذلك يشتدُّ غضب الله عليهم، فيخسف بهم الأرض)(6).
هذه الانتهاكات تؤجّج الغضب والاستنكار لدى الناس حتَّى أنَّهم ينتصرون لأيّ حركةٍ تكن مضادّة لحركة السفياني، وبذلك سيحصل تحرّك الإمام (عليه السلام) على تأييدات تُمهَّدُ لانتصار الإمام (عليه السلام) وإنجاح مهمّته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) ظاهر العبارة أنَّهم يفتّشون عن قبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وفاطمة (عليها السلام) لنبشه فلم يستطيعوا.
(6) البدء والتاريخ 2: 178.
اليماني وحركة الإصلاح:
في ظلّ الظروف المتوتّرة والتي سيجد السفياني فرصته في التحرّك والاحتلال للمدن الآمنة، وفي ظلّ الهياج السياسي والصراع التنافسي بين الكتل والجماعات، وفي ظلّ هجمةٍ محمومةٍ ضدّ مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ستكون هناك تحرّكات إصلاحية حقيقية تقابل هذه الانتهاكات الخطيرة، وترفع شعارات الإصلاح الحقيقية على ضوء ما تجده من حاجةٍ ملحَّةٍ للتحرّك والثورة على كلّ ما هو إرهاب، وسيتطلَّب الظرف وقتذاك إدانةً (عملية) للتنافسات السياسية المسعورة التي تُصادر معها حقوق الإنسان، والهجمات التعسّفية من قِبَل جماعاتٍ تنتهكُ معها الحقوق المدنية والدينية والفكرية للجميع، في ظلّ هذه الظروف الهائجة يتحرَّكُ ثائرٌ قحطاني من القبائل القحطانية من أهل اليمن ليكون معبّئاً للتصدّي، ومن ثَمَّ رفع شعارات الإصلاح ضدّ ما يعانيه الجميع من هذه الانتهاكات، أي ستكون اليمن مسرحاً للجماعات الإصلاحية كما هو مسرحاً للجماعات الإرهابية وتنظيماتها، وعلى ضوء ذلك فإنَّ الثائر اليماني تُجيشُ لديه دوافع الإصلاح، وتتصاعدُ عنده دواعي الرغبة في الثورة على كلّ ما هو مخالفٌ للقيم، بمعنى آخر سيكون هذا اليماني ردَّة فعلٍ للصراعات الفكرية التي تُحدثها جماعاتٍ يمنيةٍ أو تأوي إلى اليمن لتنفيذ برامجها هناك، وسيكون هذا اليماني مع غيره من المؤمنين يستقرئ التحرّكات العالمية، ويُراقبُ الأحداث الداخلية التي تجري من حوله، ولعلَّه في هذه الأحوال الهائجة يندفعُ إلى استقطاب الطاقات الثقافية
الإصلاحية ممَّن يرون رأيه، أو سينضمُّ إلى تنظيم إصلاحي حقيقي يرى ضرورة الإصلاح، وعلى أيّ حال سيكون لهذا اليماني الحظوة في قيادة مجموعته التي تعلن برامجها الإصلاحية والمنادية إلى رفض الظلم والإرهاب، وستكون دعوته في البدء تثقيفية داعيةً للرجوع إلى مبادئ الإسلام الحقيقي، والدعوة إلى نبذ العنف والتعايش مع الجميع بسلام، ولعلَّ هذه الدعاوى لم تجد آذاناً صاغيةً في ظلّ احتدام الصراعات والهياج السياسي، بل لعلَّها ستلاقي الرفض والمجابهة من قِبَل تلك الجماعات، وفي ظلّ هذه الظروف ستكون هناك دعوة مناقضة تستهدفُ الإطاحة بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) علناً دون أن تراعي أيّة قيم أو مبادئ، وهي دعوة السفياني.
إذن هناك دعوتان متناقضتان تشغلان الحيّز السياسي للمنطقة، وسيراقبُ الجميع تطوّرات هذا التقابل الذي يصاحبه تنافسٌ خطير، فبقدر ما تكون هناك دعوة لاجتثاث أصول التشيّع وأتباعه من قِبَل السفياني، فإنَّ هناك دعوة لنصرة مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، والرجوع إليه من قبل اليماني.
لماذا اليمن إذن؟
ولا ننسى أنَّ جبهتي الصراع بين السفياني وبين اليماني ستكونان الشام واليمن، فمن جهته سيكون السفياني مقرَّه الشام، وستكون اليمن مأوى اليماني المصلح، وبالتأكيد فإنَّ لهذين الموقعين الجغرافيين إستراتيجيَّتهما اللوجستية إبّان الصراع، فالشام معقل الجماعات المتزمّتة
أو المعادية فكرياً لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) إضافة لكون التواجد اليهودي المحاذي لمعقل السفياني أثره في دعم تحرّكات السفياني من أجل تأمين كيانه فضلاً عن كونه ممهّداً لامتداداته في المنطقة.
في حين تكون اليمن معقلاً صالحاً للحركة الإصلاحية التي سيقودها اليماني، فاليمن الذي عانى من صراعات الحركات المتشدّدة سيشعر فيما بعد بضرورة التخلّص من تلك الصراعات المتطرّفة، ويجد اليمن أنَّه بحاجةٍ إلى دعاوى سلام أكثر من محاولات عنف تطالُ أمنها وسيادتها، فضلاً عن كون هذه الحركات تكون سبباً لعدم الاستقرار في المنطقة، وسينسحبُ هذا الاضطراب على الحياة الاقتصادية التي تحتاج إلى ازدهارها المناطق ذات الدخول الفقيرة أو المتوسّطة، فضلاً عن كون اليمن تعيش زيديَّتها المغيَّبة، فإنَّ الزيدية الحقيقية يمكنها أن تكون جسراً آمناً للعبور إلى شواطئ مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، في حين نجد (الزيدية السياسية) تنحرف عن أصالتها المذهبية، وتكون مأوى للحركات المتطرّفة المعادية لأهل البيت (عليهم السلام)، إلّا أنَّ بذرة الزيدية ستعين اليمنيّين على استرداد شخصيتهم المغيَّبة في ظلّ الظروف السياسية والفكرية الهائجة، أي إنَّ الشخصية اليمنيّة ستعيد قراءة الأحداث من جديد، وتطالبُ نفسها بالرجوع إلى ذاتها الحقيقية، ثمّ الرجوع إلى عقيدتها الزيدية دون انحراف، وستكون بوابّةً للدخول إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وبذلك فهي أكثر قبولاً لتلقّي أيّة دعوى لمناصرة الإسلام المحمّدي المتمثّل بمذهب أهل البيت (عليهم السلام).
هذا إلى جانب أنَّ اليمن يشترك مع دولتين يكون فيها أنصار لأهل البيت (عليهم السلام)، كالمناطق الشرقية الجنوبية من المملكة العربية السعودية التي يقطنها شيعةٌ يوالون أهل البيت (عليهم السلام) بشكل يشهد لهم تاريخهم بكلّ اعتزاز، فضلاً عن عُمان كذلك التي يقطنها شيعة موالون، إضافةً إلى أنَّ اليمن يحاذي الشواطئ الأفريقية من أثيوبيا والصومال وجيبوتي، وهي مناطق يقطنها مستضعفون يعانون الحياة الاقتصادية المتدنّية، فضلاً عمَّا يشعره هؤلاء من حرمانٍ وتهميشٍ لدورهم الحياتي بالرغم من مواردهم الطبيعية الجيّدة، ممَّا يدفعهم إلى تلقّي أيّة دعوة إصلاحية بالقبول، ولربَّما سينخرطون في التنظيم الإصلاحي الذي يقوده اليماني، خصوصاً إذا قرأنا خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الإشارة إلى الصراعات السياسية القادمة، فقد أشار (عليه السلام) إلى عدَّة أحداث، منها:
غلبة الأندلس على أفريقية، وغلبة الحبشة على اليمن(7).
فالأندلس إشارة إلى الغرب واستعماره للشعوب المستضعفة في أفريقيا، فضلاً عن غلبة الحبشة على اليمن، والحبشة هي أرتيريا، والغلبة لا تعني بالضرورة الاستيلاء العسكري، بل للغلبة معالم اُخر، كالنزوح السكّاني - مثلاً - لليمن من قِبَل الأريتيريين حينما يجدون اليمن موطناً فكرياً جيّداً، ومناخاً إصلاحياً مناسباً، أي بانضمام جماعاتٍ أريتيرية إلى تنظيمات إصلاحية يمنيّة، ولعلَّ بعض هذه المجموعات تنخرط في دعوة اليماني وتنتصرُ لحركته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) مناقب آل أبي طالب 2: 108؛ بحار الأنوار 41: 319/ ح 42.
هل اليماني رئيسُ دولة؟
يجدر بنا أن ننوّه إلى أنَّ اليماني صاحب الحركة الإصلاحية قد يكون في الوقت نفسه رجلاً سياسياً، ولعلَّه سيدخل في المعادلات السياسية الإقليمية أو الدولية، ليكون له منصب سياسي يؤهّله من التحرّك واستقطاب الثوّار.
فالهيجان السياسي الذي يعمُّ المنطقة، فضلاً عن صراعات الأجنحة والتيّارات السياسية والإصلاحية، ستتيح لهذا المصلح أن يتبوَّأ منصباً سياسياً مهمّاً، إذ بإمكانه أن يستغلّ هذا العنف القائم في منطقته ليحوّله إلى حركة إصلاحية، أو يقتنص الفرص ليدخل ضمن المعادلات السياسية وإلى هذا يشير إليه الخبر الآتي الذي أورده المجلسي عن كعب الأحبار، على أساس تكهّنات يتنبّئ بها أحد الكهنة، وما سيحدث في أواخر الزمان، وهؤلاء يعتمدون على ما تقتضيه الحركات الفلكية للكواكب(8)، وممَّا جاء في ذلك: (ثمّ يخرج ملك من صنعاء اليمن،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) إذ يمكن أن يفسّروا اقتران كوكب مع كوكب وفي موقع فلكي معيَّن بحادثةٍ معيَّنة، وهؤلاء لم يوعزوا هذه الحوادث إلى حركات الكواكب، فإنَّ ذلك ممَّا نهى عنه الإسلام وجعله كفراً، حيث التصديق بأنَّ الكواكب علل لهذا الكون وحوادثه كفرٌ صريح يجب أن يُتبرَّء منه، إلاَّ أنَّ الذي يمكن التعاطي معه هو أنَّ لهذه الحركات الفلكية تفسيراً يدخل في معرفة الأحداث وما تؤول إليه الحوادث بسبب هذه التغيّرات الفلكية، كما هو الحال في تغيّرات الأنواء الجوّية وتقلّباتها، فانخفاض الضغط في منطقة معيَّنة يوجب هبوب الرياح واشتدادها بسبب انخفاض الضغط الجوّي وتخلخله، والعكس صحيح، وكذلك فإنَّ للقمر وتحوّلات منازله وبروجه أثراً في المدّ والجزر للبحر، وهكذا ظهور كوكب السهيل المعروف لدى الناس يوجب تغيّرات في درجات الحرارة، وهكذا. إذن فللتكهّن دوره في معرفة مصير بعض الأمور، ولا تنسى ما للكهانة من دورٍ في معرفة نبوءة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقتذاك بعد أن سمع أبو طالب بنبوءة يجيرى، وإخباره بشأن نبوَّته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والوصاية به.
أبيض كالقطن، اسمه حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن، فهناك يظهر مباركاً زكيّاً، وهادياً مهديّاً، وسيّداً علويّاً، فيفرح الناس إذا أتاهم بمنّ الله الذي هداهم، فيكشف بنوره الظلماء، ويظهر به الحقّ بعد الخفاء...) إلى آخر الخبر(9).
فالملك إشارة إلى المنصب السياسي الذي يتبوَّءه اليماني ليتمكَّن من التحرّك والإجهاز على أيّة حركةٍ مناوئةٍ للإمام (عليه السلام)، ولعلَّ الإمام (عليه السلام) سيعتمد على حركة اليماني ميدانياً ليُتاح له التحرّك بحرّية تامّة، وذلك بعد أن يحاول اليماني عرقلة توسّع حركة السفياني وإيقافها عند حدّها على الأقلّ.
على أنَّ السفياني سيكون له دوره السياسي في الاستيلاء على الأقاليم الشامية، أي سيكون رئيساً حكومياً لهذه الأقاليم، وستكون تحرّكاته لا على أساس تنظيم حركي، بل على ضوء ما يملكه من منصبٍ سياسي يطيحُ بزعامات الدول المجاورة ليتحرَّك إلى الكوفة ويقتل مَنْ فيها من شيعة علي (عليه السلام) حسب الروايات، ولعلَّ تركيزه على الكوفة واهتمامه بها، كون الكوفة ستكون معقلاً مهمّاً لشيعة علي (عليه السلام)، أي سيكون للشيعة مستقبلهم الزاهر وعلى جميع الأصعدة، السياسية والاقتصادية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) بحار الأنوار 51: 163.
والعلمية، وبالتأكيد سيشكّل ذلك خطره على مستقبل السفياني السياسي وطموحات توسّعاته بل على الأقلّ أن يضمن استقراره على المدى البعيد أو المتوسّط، لذا فإنَّ الاستقرار الكوفي بتركيبته الشيعية سيثير توجّسات السفياني وتحفّظاته على أمن المنطقة، ولعلَّ تحرّك السفياني العسكري وتصدّيه لشيعة الكوفة شاهدٌ على ازدهار مستقبل الشيعة وتألّقهم فيما بعد.
إذن فمن الممكن أن يكون لليماني سلطته السياسية، فللسفياني منافسه دوره السياسي كذلك، ولعلَّ تحرّك اليماني مقابل السفياني سيكون على أساس المعادلات السياسية في المنطقة.
ثلاثُ رايات:
تُتيح الاضطرابات السياسية وقتذاك إلى بروز عدَّة حركاتٍ في المنطقة، وتسعى تلك الحركات إلى إثبات نفسها أو حيازة أكثر من فرصة للاستفادة من الظروف السياسية المتشنّجة غير الطبيعية، وذلك بالإجهاز على منافساتها، والسعي إلى إيجاد إمكانية الحصول على محاولاتٍ تتيح لها الدخول في المعترك السياسي القائم من أجل إيجاد سبلٍ لنشر أطروحاتها الفكرية، فضلاً عن السياسية.
وسنجد أنَّ هناك اضطرابات تعمُّ العالم الإسلامي تُظهر حالات الصراع السياسي واحتدام التنافس بين الدول على المستوى العالمي، وبين الأجنحة والأطراف على المستوى الداخلي، ممَّا يؤجّج نشوب الصراع الحقيقي الذي من شأنه أن يزعزع الأمن والاستقرار. فقد أوردت
الآثار الواردة عن أئمّة الهدى (عليهم السلام) أنَّ هناك صراعاً دولياً يتعاظم في الجهات المختلفة من العالم الإسلامي، فضلاً عن وجود الانقلابات وحالات التمرّد ضمن التيّارات السياسية الداخلية، فقد ورد عن تلك الصراعات ما يلي:
1 - حركة مسلَّحة من قِبَل خراسان، وقد عُبّر عنها بـ(إقبال رايات سود من قِبَل خراسان).
2 - الحركة الإصلاحية الثورية القادمة من اليمن بقيادة القائد اليماني القادم من اليمن، والمعبَّر عنها بـ(خروج اليماني).
3 - حركة ثورية في مصر من قِبَل رجل مغربي يستولي على مصر ويضمُّ إليه بلاد الشام، ويعبَّر عنها بـ(ظهور المغربي بمصر وتملّكه الشامات).
4 - التوجّهات التركية المتنامية من أجل الاستيلاء على دول المنطقة العربية، والمعبَّر عنها بـ(نزول الترك الجزيرة).
5 - المطامع الغربية في المنطقة واحتلالها بلاد الشام، خصوصاً فلسطين، والمعبَّر عنها بـ(نزول الروم الرملة).
6 - الانتفاضات الشعبية في الدول العربية، وتمرّدات بعض الحركات على حكوماتها، والمعبَّر عنها بـ(خلع العرب أعنَّتها وتملّكها البلاد، وخروجها عن سلطان العجم).
7 - التوتّرات السياسية في مصر، واغتيال رئيسهم، المعبَّر عنها بـ(قتل أهل مصر أميرهم).
8 - الاضطرابات الداخلية في بلاد الشام، وبروز جبهات
سياسية متنافسة ثلاث، والمعبَّر عنها بـ(خراب الشام واختلاف ثلاث رايات فيه).
9 - صراعات سياسية تحاول الهيمنة على مصر، والمعبَّر عنها بـ(دخول رايات قيس والعرب إلى مصر).
10 - هيجانات سياسية في إيران، والمعبَّر عنها بـ(دخول رايات كندة إلى خراسان).
11 - توتّرات واضطرابات في العراق، والمعبَّر عنها بـ(ورود خيل من قِبَل العرب حتَّى تربط بفناء الحيرة).
12 - اضطرابات سياسية واختلافات قوى في بلاد فارس، والمعبَّر عنها بـ(اختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم)(10).
هذه جملة من الاضطرابات التي تُحدثها التنافسات السياسية، وكأنَّك لم تجد منطقةً من مناطق العالم الإسلامي تخلو من التشنّجات السياسية التي تكاد تطيح بأمنها واستقرارها، وبالفعل فإنَّ تلك الاضطرابات سبب للتوتّرات السياسية التي تُحدث بؤراً ملتهبةً من مناطق الصراع.
إلّا أنَّ الروايات أكَّدت على راياتٍ ثلاث تخرج في يوم واحد، وتتسابق للوصول إلى الكوفة، وكان لتلك الرايات أثرها على يوم الظهور، وسيكون لها الأثر المباشر على حركة الإمام المهدي (عليه السلام)، في حين أنَّ الرايات الاُخر لا تشير إلّا إلى حالات الاضطرابات السياسية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) راجع: الإرشاد 2: 368 - 370.
وتنافسات الأجنحة والفصائل وقتذاك، ولم يكن لها الأثر المباشر على يوم الظهور، نعم لعلَّ لتلك الأحداث مدخلية غير مباشرة على يوم الظهور، إذ ستكون الرايات الثلاث - ذات الأثر - استجابةً للأحداث التي تسبقُ ظهورها، أو تحفيز لظهور الرايات الثلاث.
إنَّ هذه الرايات الثلاث ستكون خاتمة الأحداث التي تسبق ظهور الإمام (عليه السلام)، فعلى أساسها سيتمُّ تحرّكه (عليه السلام) ليستفيد ممَّا تُحدثه هذه الرايات، والتي ستخرج أحدها من اليمن، والأخرى من خراسان، والثالثة من الشام، أمَّا اليمنيّة فهي راية اليماني، والخراسانية فهي راية الخراساني، والثالثة فهي راية السفياني، وستكون لتلك الرايات شأنها في التمهيد ليوم الظهور.
أيُّها أهدى...؟
إذا كان لهذه الرايات الثلاث شأنها في تقرير مصير الأحداث فأيّها أهدى من أيّ؟ وأيّها أحقُّ أن يُتَّبع، وأيّها أحقُّ أن يُترك؟
وإذا استقرأنا الجوّ الذي تظهر فيه هذه الرايات قبل استقراءنا للروايات الشريفة، لوجدنا أنَّ أمراً يحتّمهُ الهيجان السياسي الذي يصاحبُ نشوء تلك الحركات التي تقودها الرايات المشار إليها.
فهناك توجّه شديد يحملُ معه هموم المسؤولية التي يستشعرها ذوو الحسّ العلمي والطموح (الأيدلوجي) الذين يشعرون بالرغبة الملحَّة إلى تحديد آليات انتمائهم وتحديد هويّاتهم المعرفية والذين يرفضون التهميش المعرفي التي تُبتلى به - بسبب ظروفٍ طارئةٍ اجتماعيةٍ أو
اقتصاديةٍ - بعض الطبقات الواعية خصوصاً من الشباب الذين تُنهكهم الظروف الاستثنائية الطارئة، ولعلَّ حالةً من الإحباط سيُصاب بها هؤلاء نتيجةً لعدم إمكانية التعايش المعرفي الذي تفرضه بعض الجهات على العقلية الإسلامية ومصادرتها دون مراعاة دورها، ومحاولة بسط نفوذها ووصايتها أو قيمومتها على العقلية الإسلاميّة لتستخلص من ذلك مواقفها التقليدية في الطاعة واحترام النصّ المفروض على العقلية الإسلاميّة وقولبتها بما يخدم فلسفتها لو تطلَّب ذلك على حساب المبادئ والقيم والضرورات. هذا الحسّ سيظهرُ في الآفاق العامّة سواء على المستوى العلمي أو على المستوى الاجتماعي العامّ، وهو حسّ (الانتماء)، وهذا الحسّ سيتنامى على الأساس العلمي والمعرفي، وليس على الأساس المذهبي أو الطائفي، أي سيتصاعد الحسّ الذي يدعو إلى الانتماء وتشخيص الحالة المعرفية، وسيتَّجه تصاعد الانتماء المعرفي ذروته لينتقل من حالات العنف إلى حالات الحوار، وهناك حوارات تتبنّاها المنتديات العلمية بعد أن تجد الطبقات المثقَّفة حاجتها إلى فتح قنوات الحوار بين المذاهب الإسلاميّة للوقوف على الحقائق العلمية المصادرة، وسيكون لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) الحظوة في تألّقه العلمي وتوهّجه الحضاري، وسيجد الآخر نفسه مطوَّقاً ومحاصراً من قِبَل المنهج العلمي الذي يتبنّاه مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، ممَّا يؤدّي بالطبقات المثقَّفة للانخراط إليه وتبنّيه أطروحة فكرية تستجيب لكلّ تساؤلاتها، أي ستكون هناك حملات تصدّي ضدّ مذهب أهل البيت (عليهم السلام) تتحوَّل من
المنحى الفكري العقائدي إلى المنحى السياسي الذي يستهدف معه المذهب وأتباعه للحؤول دون تنامي المدّ الشيعي الذي سيكتسح الوجودات السياسية والكيانات الخاصّة التي تنشأها التنافسات المذهبية، وسيبلغ التعبير عن هذا التوجّس مداه في حركة السفياني الشامية التي تستجيبُ للرغبة الملحَّة التي يولّيها الشاميّون وقتذاك، وذلك حينما يرى المدّ الشيعي تنامياً وصحوةً تتصاعد امتداداتها من كوفة العراق حتَّى اليمن التي ستشهد تحوّلاً في الانتماء المعرفي والانخراط إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، ومعلوم أنَّ ذلك سيُعدُّ تهديداً حقيقياً لكلّ الأطروحات المخالفة لأهل البيت (عليهم السلام)، مستهدفها في الصميم، ولم يكن للسفياني وقتئذٍ شأن في الأحداث إلّا بمقدار الاستجابة للرغبة الجامحة التي توليها الاتّجاهات الأمويّة في الشام، وهي تطمحُ بالصعود على حساب الإطاحة بمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وسيتنامى هذا الصراع حتَّى ليكون للسفياني الأموي شأنه في حسم الأحداث متوجّهاً إلى الكوفة للانقضاض على شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، وسيرافق تحرّك السفياني تحرّكات في الاتّجاه المضادّ، أحدهما حركة اليماني الإصلاحية الداعية لمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، والأخرى ثورية يقودها شابٌ خراساني يدعو لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) كذلك.
إلّا أنَّ هناك فرق واضحٌ بين الأطروحتين الداعيتين لمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فالأولى - وهي حركة اليماني الإصلاحية - تدعو إلى الحقّ خالصة عن أيّة شائبة سياسية، فهي راية هدى وصلاح، لأنَّها تدعو
إلى الإمام المهدي (عليه السلام) مباشرةً وعلى أساس إصلاحي فكري عقائدي، والأخرى - وهي راية الشاب الخراساني الطموح - التي تدعو لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) بمنحى سياسي تنافسي، ومعنى ذلك، فلعلَّ الخراساني يدعو لنفسه مباشرةً معتبراً أنَّ الدعوة لنفسه هي دعوةٌ لمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، والانتصار له هو الانتصار للمذهب كذلك، في حين سيكون اليماني مثابراً على الدعوة للإمام المهدي (عليه السلام) دون اللجوء إلى الدعوة لنفسه أو لطرفٍ آخر، أي سيكون اليماني همَّهُ الوحيد هو نصرة الإمام (عليه السلام) دون الحاجة إلى تنظيرات أخرى تصبُّ فيما بعد وبصورة غير مباشرة لمناصرة الإمام المهدي (عليه السلام). هذه السمات المهمّة بين التوجّهين دعت روايات أهل البيت (عليهم السلام) إلى فهمهما، وأوضحت أنَّ لليماني شأناً في رسم الأحداث، وشدَّدت على نصرته والالتزام برايته واتّباعها، بل أوجبت ذلك، وحرَّمت على المسلمين التواني عنها أو خذلانها حين قيامها، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث دعت إلى تحريم بيع السلاح عند قيام اليماني، لسدّ الطريق على الاتّجاهات الاُخر، ومنعها من القيام بأيّ حركة مضادّة من شأنها عرقلة حركة اليماني، والمقطع التالي من الرواية يوضّح موقف أئمّة الهدى (عليهم السلام) من راية اليماني، والتشديد على نصرته ومتابعته.
ففي رواية أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديثٍ طويل حتَّى قال: «خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، وفي شهر واحد، وفي يوم واحد، ونظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون
البأس من كلّ وجه، ويل لمن ناواهم(11)، وليس في الرايات أهدى من راية اليماني، هي راية هدى لأنَّه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على النّاس وكلّ مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإنَّ رايته راية هدىً، ولا يحلُّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل فهو من أهل النار، لأنَّه يدعو إلى الحقّ والى طريق مستقيم»(12).
على أنَّ سمة الإصلاح الفكري والعقائدي في حركة اليماني ستكون واضحة المعالم، وإلى هذا أشار الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: «خروج الثلاثة: الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني، يهدي إلى الحقّ»(13).
إذن فسمة الإصلاح الواضحة على حركة اليماني ستكون معالمها واضحة.
هذا ما يُفهم من الروايات الواردة، إذ السفياني سيدعو لاستئصال مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، واليماني والخراساني سيحاولان صدّه، وترجيح أحدهما - وهو اليماني - داعياً إلى القول بأنَّ حركة اليماني حركة إصلاح تدعو إلى الحقّ والهدى، لأنَّها أهدى الرايات.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) إشارة إلى شدَّتهم، فالويل ليس من باب النهي التكليفي، وإنَّما دلالة على أنَّ من يعارض هذه الرايات سيلقى مصيره من القتل والتنكيل.
(12) الغيبة للنعماني: 264/ باب 14/ ح 13.
(13) الغيبة للطوسي: 446 و447/ ح 443.
اليماني والخراساني دقَّة تنسيق ووحدة هدف:
تشهدُ حركتا اليماني والخراساني عملاً دؤوباً إبّان ظهورهما، فالحركتان تتربصُ بهما الدوائر الإقليمية فضلاً عن الجهود المحمومة التي تبذلها الدوائر العالمية لاقتناص هاتين الحركتين وإحباطهما.
ويبدو من دقَّة الحركتين أنَّ هناك اتّصالاً وثيقاً وتنسيقاً دقيقاً يُفضي إلى تعاون الحركتين دون تلكّؤ أو تردّد رغبةً منهما في توحيد العمل المشترك، وربَّما يستشعر الفريقان أنَّ وحدة الهدف تحتّم عليهما التعاون المشترك في كلّ المجالات، وهذا ما يفسّر لنا توافق الحركتين في التوقيت والظهور.
ولا نعني من قولنا (الظهور) أنَّهما كانتا تعيشان في سرّية وهما اليوم تظهران بشكل علني ليتوجَّها إلى الكوفة لصدّ تحرّكات السفياني، ربَّما يكونان في سرّية تامّة، إلّا أنَّ مقتضى الروايات أنَّ لهاتين الحركتين شأنهما في استقطاب العقلية الإسلاميّة إلى محاولة تحرير الانتماء الفكري الذي ستكون نتيجته انتماء الكثير ممَّن ينتمي لهذه الحركة وتبنّيه لمذهب أهل البيت (عليهم السلام).
وعلى كلّ حالٍ فإنَّ محاولات التوقيت والتنسيق المشترك في
توجّه اليماني والخراساني نحو الكوفة يكشف دقَّة الحركتين الاستخباراتية والعسكرية كذلك، فهما بما أنَّهما مستهدفان، فإنَّ تحرّك أحدهما دون الأخرى يؤدّي بالمتخلّفة إلى الانقضاض عليها من قِبَل حركة السفياني (الواسعة الانتشار) أو تلك التوجّهات المؤيّدة للسفياني والتي تقطع الطريق على نصرة شيعة أهل البيت (عليهم السلام) وإنقاذهم.
أي إنَّ أدنى تخلّف عن توقيت المسير سيُقصي تلك الحركة ويشلّها من قِبَل الحركات المعادية، وسيُحبط بالتالي محاولاتها في نصرة حركة الإمام (عليه السلام) والتمهيد لها.
ففي رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديثه: «خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، وفي شهر واحد، وفي يوم واحد...»(14).
فإذن التزامن في التوجّه إلى الكوفة يكشفُ عن دقَّة التنسيق بين حركتي اليماني والخراساني وكأنَّهما فرسا رهان.
اليماني وأزمة التحدّيات:
لم يزل اليماني في تحدّيات خطيرة تواجهه إبّان دعوته، فموقع اليمن الاستراتيجي وأهمّيته التاريخية تفرضان على دول المنطقة أن تأخذ موقفها الحازم اتّجاه اليماني وأنشطته المتأجّجة في دعوتها لآل البيت (عليهم السلام)، إذ دعوة اليماني الخطيرة ستأخذ اهتمامها لدى الحركات السياسية وقتذاك، وسيكون توجّساً لدى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) الغيبة للنعماني: 264/ باب 14/ ح 13.
الجميع حيال دعوة اليماني، وهو أمرٌ يثير الاستغراب حقّاً، إذ مع دعوة اليماني الداعية للرجوع إلى الإسلام الحقيقي تُستثار القوى والحركات الإسلاميّة وقتئذٍ، فهي تحاول الإجهاز على حركته واستئصالها في الوقت الذي تدعو هذه الحركات للرجوع إلى الإسلام ومعالمه، ممَّا يظهر أنَّ هناك اختلافاً في وجهات النظر التطبيقية بل التنظيرية كذلك، فاليماني ينطلق من دعوته الإصلاحية على أساس رؤية أهل البيت (عليهم السلام) الذين يمثّلون الإسلام المحمّدي، ودعاوى الإصلاح الأخرى ستنطلق من رؤية مناوئة لأهل البيت (عليهم السلام)، أي ستُبتلى بأزمة (التسييس الديني)، وهي الأزمة التي ستخلق فيما بعد إسلاماً مسيّساً تنظيماً يتعارض وبكلّ تأكيد مع الإسلام الأصيل، أي سيُبرمج الإسلام الآخر على أساس المعطيات السياسية أو سيتمادى حتَّى يصل إلى الإسلام الإقليمي والطائفي والذي سيخلق فيما بعد أزمة الفهم العقلاني للإسلام الحقيقي، أي ستكون أزمة العقلنة في الانتماء إحدى المشاكل المعرقلة لتقدّم الحركات الرافعة لشعارات الإصلاح، فهي بقدر نداءها للإصلاحات الدينية وإظهار حرصها على ذلك من خلال ما ترفعه هذه الجهات إلّا أنَّها تتردَّد في قبولها لدعوة اليماني الإصلاحية، وهو ما يفسّر لنا تكالب الحركات الداعية للإصلاح على المستوى التنظيمي أو على المستوى العامّ من الوقوف اتّجاه دعوة اليماني موقفاً سلبياً داعياً إلى تصفيتها.
لذا فقد أشارت الأخبار إلى خروج جبهة معارضة لليماني، إلّا أنَّ الظاهر ستكون غير قادرة على تحرّكاته وصدّه، وستكون معارضتها فقط على المستوى التنظيري الداعي إلى صدّ حركة اليماني وإيقافها.
فعن محمّد بن مسلم، قال: «يخرج قبل السفياني مصري ويماني»(15).
قال صاحب (بشارة الإسلام) في بيانه لذلك: (المصري مقابل اليماني، فإنَّ اليماني يدعو الناس إلى المهدي (عليه السلام))(16).
فمصر تُعَدُّ معقلاً للحركات الفكرية، وترى مصر أنَّ لها صدارة الأحداث الإسلاميّة، وهي لا تريد أن يكون هناك تحدّياً منافساً لها، ولعلَّ حركة اليماني ستكون لها أهمّيتها، بل ازدهارها في استقطاب العديد من ذوي الكفاءات الثقافية، وسترى الحركات الأُخر خطورة تنامي اليماني وامتداداته، وبالمقابل شلّ هذه الحركات وإضعافها، لذا فستكون مصر السبّاقة في تولّي أمر اليماني والتصدّي له.
على أنَّ الرواية غير ناظرة إلى تعدّد اليماني، فإنَّ اليماني واحد غير متعدّد، والظاهر أنَّ قول الراوي - قبل السفياني - يماني لا يريد التعدّد، أي وجود يماني آخر قبل السفياني، بل الظاهر أنَّ الرواية مشيرة إلى مرتبة الظهور، فإنَّ اليماني سيكون خروجه قبل خروج السفياني وليس أكثر، بل أرادت الرواية الإشارة إلى حتمية ظهور اليماني ومثله السفياني، وأنَّ المصري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هو إحدى ملازمات حركة اليماني، كما أشرنا عند استقراءنا للظروف الإقليمية المحيطة بحركة اليماني الإصلاحية.
ولو استفدنا من الرواية تعدّد اليماني، فإنَّ ذلك لا يعدو عن ظهور رجلٍ مصلح من اليمن لعلَّه يمهّد لحركة اليماني ويبشّر بها، والله العالم.
اليماني.. ومعقل الخير:
لم تزل التنافسات الفكرية ومن ثَمَّ السياسية على أوجها قبيل الظهور، وبقدر ما يجد الفكر الشيعي اهتماماً في الأوساط العلمية وانخراط العديد من المفكّرين وأهل المعرفة بهذا المذهب، نجد أنَّ محاولات التضييق والحظر على هذا المذهب يأخذ مديّاته الواسعة، وسيكون التعبير عن السخط والغضب المتأجّج في نفوس الآخرين باعثاً للمضايقات التي تسبّبها أوساط سياسية مناوئة، وستكون هناك محاولات إجهاز على أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ولا بدَّ في هذه الأحداث الساخنة أن يجد الشيعي مأوىً آمناً يمكّنه الإفلات من هذه التصفيات التي تُطاله، ومن العسير جدّاً أن تتمّ مقاومة هذه الأحداث ما لم تكن هناك قوَّة تتعهَّد في الردّ والتصدّي، ولا نعلم مكاناً مناسباً لاستيعاب هذه الأحداث غير اليمن التي سيكون لها شأنٌ في هذه الأحداث، واليمن ستكون معقلاً لليماني وينزحون إلى اليمن فراراً ممَّا سيعانونه من فتن المطاردات والتنكيل، لذا فقد وردت الأخبار بإمكانية اللجوء إلى اليمن حين تلك الاضطرابات المعبَّر عنها بالفتن.
روى السيّد ابن طاووس قال: حدَّثنا نعيم، عن محمّد بن حمير، عن
السقر بن رستم، قال: سمعت سعيد بن مهاجر الوصابي يقول: (إذا كانت فتنة المغرب، فشدّوا قبل نعالكم إلى اليمن، فإنَّه لا ينجيكم منها أرض غيرها)(17)، ممَّا يعني أنَّ اليمن سيكون لها شأنٌ في مستقبل الأحداث إذا ما عرفنا أنَّ لليماني سيكون شأنٌ فيها.
محاولات تمويه:
لمَّا كانت حركة اليماني حركة إصلاح وراية هدى - كما في تعبير الروايات - حاولت بعض الحركات الثورية السياسية أن تتمثَّل بها، وأن تُعرب عن قناعاتها بأنَّ قيادتها (الإصلاحية) هي القيادة المبشَّر عنها إبّان الظهور، فهي داعية الحقّ وهادية الإصلاح، لذا فعلى الجميع اتّباعها والانخراط إلى صفوفها، ومن هنا كان لأهل البيت (عليهم السلام) موقفهم الحازم حيال هذه الحركات التمويهية التي تحاول استقطاب أكبر عددٍ من البسطاء للانخراط فيها متناسية أنَّ لليماني مواصفاته الخاصّة، ولحركته معالمها الواضحة التي تكفَّل ببيانها أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، عندها ستكون جميع ذرائع الدعاوى الباطلة قد أُحبطت في مهدها.
في زمن التسابقات السياسية المحمومة وقتذاك أُعلنت دعوة (طالب الحقّ) في اليمن وأوهم البسطاء أنَّ هذه الدعوة هي المبشَّر عنها إبّان الظهور، فهي دعوة اليماني التي ستكون رايته راية هدى وصلاح، إلّا أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) تصدّى لها ببيانٍ أوجز فيه أهمَّ المعالم التي يجب توافرها في هذه الدعوة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(17) الملاحم والفتن: 110/ ح 91، عن كتاب الفتن للمروزي: 144.
فعن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: لمَّا خرج طالب الحقّ، قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): نرجو أن يكون هذا اليماني، فقال: «لا، اليماني يتوالى علياً، وهذا يبرأ منه»(18).
ولا تعني الولاية أو البراءة المدَّعاة قولاً فقط أو شعاراً برّاقاً دون أن تكون لهذه الولاية أو البراءة أثرها على مجمل وتفاصيل الحركة، فربَّما يُدَّعى بالولاية أو البراءة دون أن يترتَّب على ذلك ما يعزّز هذه الدعوى، بل للولاية والبراءة مسحتها المتميّزة ومعالمها المشخَّصة التي يحكم عليها الآخرون بأنَّها ولاية الله ورسوله وأهل بيته (عليهم السلام) حقّاً دون أن يكون للمعادلات السياسية وتوجّهاتها أثرٌ في التعاطي مع الأحداث العامّة، بل أن تكون جميع التحرّكات تدور حول محور الولاية والبراءة وخلاف ذلك يمكن أن يُعبَّر عن تلك الحركات بأنَّها حركات لا تتعدَّى عن كونها حركات (ولائية مرتجلة)، أي لم تكن نابعة عن ضمير الولاء بقدر ما هي توجّهات سياسية محضة. فالولاء سيكون فوق كلّ الاعتبارات ونصرة الحقّ فوق كلّ التوقّعات، فالخسارة والربح، والنصر والغلبة، والقوَّة والضعف، والأُفول والتوهّج والتقدّم والتأخّر، وكلّ سكونٍ وحركةٍ، سيكون لصالح الولاء، أي لنصرة أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا على مستوى الأفراد والجماعات، الحركات والاتّجاهات، الرؤى والتنظيرات، أمَّا ما أقدم عليه طالب الحقّ فلا يعدو عن مناورةٍ سياسيةٍ فاشلةٍ ومحاولةٍ تنظيميةٍ خاسرةٍ.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(18) بحار الأنوار 52: 297/ ح 21، عن أمالي الطوسي: 661/ ح (1375/19).
حركة اليماني وصحوة الانتماء:
تُعَدُّ حركة اليماني أنموذجاً مهماً في عقلنة المسارات الفكرية قبل يوم الظهور.
فاليماني لا يكاد ينطلق ما لم تكن هناك أرضيةً متينةً لانطلاقته، وبالتأكيد فإنَّ هذه الأرضية لا تنشأ إلّا من خلال تحولاتٍ فكريةٍ ثقافيةٍ تستوعبُ دواعي هذا التحرّك، ومن المعلوم أنَّ لهذا التحرّك امتداداته الفكرية التاريخية ومدياته الثقافية المكتَّمة لأكثر من عشرة قرون، أي ستعمل هذه الحركة على استيقاظ الحسّ الانتمائي الزيدي المغيَّب. وبمعنى آخر فإنَّ الزيدية المغيَّبة طيلة عدَّة قرون تبدأ حضورها لدى العقلية اليمنيّة المصادرة عن ثقافتها والمغيَّبة عن ذاتيَّتها، ولم تقف هذه العقلية المنفتحة عند حدود البحث عن الزيدية المغيَّبة، فإنَّ هذه الزيدية ستحثّ أتباعها على محاولة قراءةٍ جديدةٍ للانتماء الفكري الذي يبحث عنه ذوو الحقيقة لتحدث لديهم هذه القراءات هزَّة عنيفة توقظ لديهم صحوةً مختزلةً تطالبهم بإعادة انتمائهم من جديد إلى حظيرة مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وإذ نعبّر عن الصحوة اليمنيّة
القادمة بـ(المختزلة) فإنَّها جملة إرهاصات فكرية تجتمع لتقرّر الشخصية الثقافية اليمنيّة المخبَّئة خلف انتماءات سياسية شاركت في صياغة الشخصية الثقافية الحالية والتي تبحث عن ذاتها في خضمّ ظروف سياسية مناوئة لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) تصطف في عداد معركة (غير معلنة) تتنوَّعُ تشكيلاتها لتتَّخذ برامجها الفكرية أو السياسية أو الاجتماعية بل وحتَّى العسكرية.
وتستيقظ العقلية الإسلاميّة بكلّ توجّهاتها - بغضّ النظر عن انتماءاتها الإقليمية - على صحوةٍ جديرةٍ بالنهوض على مستوى الأحداث القادمة والتي تستهدف فكر وثقافة الذات المسلمة. وفي جوّ ملبَّد بثقافات يشترك الأخر بتشييدها تنهض تلك الذات على صحوة تستوعب الأحداث بكلّ شؤونها وهمومها وتقرّر مسؤوليتها على ضوء ما حدث وما سيحدث فتعيد قراءاتها من جديد وبجدارة تقرّر معها انتماءاتها الجديد - هذا على المستوى العامّ -.
أمَّا على المستوى الداخلي اليمني فإنَّ إرهاصات تُحدثها ثورة ثقافية فكرية تتَّخذ تحرّكاً سياسياً معيَّناً تعلنُ فيها قيادتها عن انتماءها الجديد داعية إلى نبذ الفكر التقليدي لتلتزم فكراً تقليدياً آخر، أي ستخرج من تقوقّعها الفكري لتنشط في الدعوة إلى فكر أصيل ترجع فيه إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وستكون هذه الحركة بقدر ما هي داعية إلى الإصلاح والتجديد فإنَّ لها القدرة على تقديم قراءات جديدة للإسلام المحمّدي الأصيل المتمثّل بأهل البيت (عليهم السلام) وستنهض هذه الحركة بمستوى الفكر والثقافة لدى أتباعها معلنة عن انتسابها لمذهب
أهل البيت (عليهم السلام) بشكل يعزّز معه قابليتها على التغيير والإصلاح، وسيكون لليماني شأنٌ في هذه التوجّهات الإصلاحية والتغيّرات الفكرية مستقطباً في حركته أولئك الذين قرَّروا انتمائهم من جديد بعد قراءات خاضوها في هذا الشأن ليعلنوا عن انتمائهم بكلّ قوَّة، وسيكون هؤلاء أبدالاً توّابين متطهّرين - حسب الرواية -، فالتوبة والتطهّر إشارة لتحرّرهم عن كلّ ما كانوا يعتقدونه خلاف الحقّ وتوانيهم عن نصرته، لذا فإنَّهم سيشعرون بحقيقة خذلانهم للحقّ يوم كانوا على خلافه وستُحدث الملاحم القادمة هزَّةً في ضمائرهم ووجدانهم فيطلبون التوبة من الله تعالى ويعلنون انتماءهم لأيّة حركةٍ من شأنها أن تقف مع الحقّ وفي نصرته ولا تجد هذه التوجّهات سوى حركة اليماني القادمة لمواجهة انتهاكات السفياني وبطشه.
روى المجلسي في بحاره بإسناده عن إسحاق يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول للناس: «سلوني قبل أن تفقدوني لأنّي بطرق السماء أعلم من العلماء، وبطرق الأرض أعلم من العالم، أنا يعسوب الدين، أنا يعسوب المؤمنين وإمام المتَّقين، وديّان الناس يوم الدين، أنا قاسم النار، وخازن الجنان، وصاحب الحوض والميزان، وصاحب الأعراف، فليس منّا إمام إلّا وهو عارف بجميع أهل ولايته، وذلك قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ [الرعد: 7].
ألا أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فإنَّ بين جوانحي علماً جمّاً، فسلوني قبل أن تشغر برجلها فتنةٌ شرقيةٌ وتطأ في خطامها بعد موتها
وحياتها، وتشبُّ نار بالحطب الجزل من غربيّ الأرض...»، إلى أن يصف (عليه السلام) هذه الفتنة وما تحدثه من القتل والدمار فيشير بعد ذلك إلى خروج السفياني وكيف يصدّ من قبل اليماني والخراساني في الكوفة.
قال: «وخروج السفياني براية حمراء أميرها رجل من بني كلب واثني عشر ألف عنان من خيل السفياني، يتوجَّه إلى مكّة والمدينة أميرها رجل من بني أميّة يقال له: خزيمة، أطمس العين الشمال، على عينه ظفرة غليظة يتمثَّل بالرجال لا ترد له راية حتَّى ينزل المدينة في دار يقال لها: دار أبي الحسن الأموي، ويبعث خيلاً في طلب رجل من آل محمّد وقد اجتمع إليه ناس من الشيعة يعود إلى مكّة، أميرها رجل من غطفان إذا توسَّط القاع الأبيض خسف بهم فلا ينجو إلّا رجل يحوّل الله وجهه إلى قفاه لينذرهم، ويكون آية لمن خلفهم، ويومئذٍ تأويل هذه الآية: ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: 51].
ويبعث مائة وثلاثين ألفاً إلى الكوفة، وينزلون الروحاء والفارق، فيسير منها ستّون ألفاً حتَّى ينزلوا موضع قبر هود (عليه السلام) بالنخيلة، فيهجمون إليهم يوم الزينة وأمير الناس جبّار عنيد يقال له: الكاهن الساحر، فيخرج من مدينة الزوراء إليهم أمير في خمسة آلاف من الكهنة، ويقتل على جسرها سبعين ألفاً حتَّى تحمي الناس من الفرات ثلاثة أيّام من الدماء ونتن الأجساد، ويسبي من الكوفة سبعون ألف بكر، لا يكشف عنها كفّ ولا قناع، حتَّى يوضعن في المحامل، ويذهب بهنَّ إلى الثوية وهي الغري.
ثمّ يخرج من الكوفة مائة ألف ما بين مشرك ومنافق، حتَّى يقدموا دمشق لا يصدّهم عنها صادّ، وهي ارم ذات العماد، وتقبل رايات من شرقي الأرض غير معلمة، ليست بقطن ولا كتان ولا حرير، مختوم في رأس القناة بخاتم السيّد الأكبر يسوقها رجل من آل محمّد تظهر بالمشرق، وتوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأذفر، يسير الرعب أمامها بشهر حتَّى ينزلوا الكوفة طالبين بدماء آبائهم.
فبينما هم على ذلك إذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان كأنَّهما فرسي رهان شعث غبر جرد أصلاب نواطي وأقداح إذا نظرت أحدهم برجله باطنه [والظاهر: إذ يضرب أحدهم برجله](19)، فيقول: لا خير في مجلسنا بعد يومنا هذا، اللّهمّ فإنّا التائبون، وهم الأبدال الذين وصفهم الله في كتابه العزيز: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222]، ونظراؤهم من آل محمّد...»(20).
وقد نقلنا أكثر مقاطع الرواية لنُتيح للقارئ أن يعيش أجواء أحداثها المستعرّة وليستعرض صورها وهي تتابع بعضها تلو الآخر، وليراقب مشاهد القتل والتنكيل بشيعة علي (عليه السلام) وملاحقتهم من قبل السفياني، عند ذاك تثأر حمية الثائر اليماني وتُستنهض همم الخراساني ليسيران إلى الكوفة حيث مسرح الأحداث الدامية،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(19) والعبارة في البحار وغيرها مشوَّشة، وما بين المعقوفتين العبارة التي وردت في كتاب بيان الأئمّة (عليهم السلام) كما أورده عن الكتاب المبين وهي الأوفق بالسياق، راجع: بيان الأئمّة 2: 613.
(20) بحار الأنوار 52: 272 - 275/ ح 167.
والملاحظ في وقائع الرواية أنَّ تحفّزاً تحدثه هذه الأحداث الدامية لدى اليماني ومجموعته - وإن كانت الرواية في سياقها لا تخصّص اليماني وأصحابه، بل إطلاقها يشمل الخراساني وأتباعه كذلك -، على أنَّ هذه المجموعة تسترشد مواقفها في تأصيل انتمائها من خلال الأحداث العصيبة التي تشهدها المنطقة والتي سيكون شيعة أهل البيت (عليهم السلام) الهدف الأساس في التصفية والاستئصال.
هذا الظلم الذي يتعرَّض له شيعة أهل البيت (عليهم السلام) سيكون مزامناً لاستقراء معرفي يمكّن له مجموعة من أهل المعرفة إلى إعادة النظر في انتماءاتهم، وسيكون للانتساب المعرفي دوره في تأصيل الفكر المخترق من ثقافات تقليدية رتعت عليها دواع سياسية تبلَّدت من خلالها النظرة العامّة المعرفية، ومن خلال سبر أغوار المعرفة مع ما تحدثه النـزعة الوجدانية في الدفاع عن المظلوم، تُستنهض مجموعة ممَّن كانوا ينتسبون إلى مذاهب معرفية تقابل مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وفي خضمّ هذه الأحداث ليعلنوا انتمائهم لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) وهو ما أشارت إليه الرواية في عبارة: «إذ يضرب أحدهم برجله فيقول: لا خير في مجلسنا بعد يومنا هذا، اللّهمّ فإنّا التائبون»، على أنَّ هذه العبارة تستثير التساؤل عن قول هؤلاء: «اللّهمّ إنّا التائبون»، إذ التوبة لا تتأتّى إلّا عن ذنب يرتكبه التائب ويستفزّه بقوَّة ليعلن توبته، علماً
أنَّ توبة هؤلاء ستكون مترجمة إلى حالة انتساب معرفي جديد تتكلَّل بعملية جهادية يندبون أنفسهم إليها ويستنهضون هممهم لموافاتها.
وبعبارة أخرى إنَّ مجموعة من المستبصرين سينضوون تحت لواء اليماني ويشكلّون قوَّته الجهادية الضاربة، فضلاً عن حركة الخراساني التي ينتسب إليها جمع من المستبصرين المنتمين جديداً لمذهب أهل البيت (عليهم السلام).
* * *
اليماني (اسمه ونسبه وانتمائه):
اسمه:
أمَّا اسمه فلا يمكن القطع باسم اليماني، إلّا ما أشارت إليه بعض الأخبار، حيث اختلفت في اسمه، وهل هو الحقيقي أم هو الحركي الذي اختاره اليماني في حركته المباركة، وستكون أسماءه حسب الأخبار كالآتي:
1 - حسين أو حسن كما في الخبر الوارد عن كعب، وسيأتيك لاحقاً.
2 - صالح، كما أورده نعيم بن حمّاد في كتابه عن الحكم بن نافع، عن جرّاح، عن أرطأة، قال في حديثٍ: (... فيغضب الموالي فيبايعون رجلاً يُسمّى صالح بن عبد الله بن قيس بن يسار، فيخرج بهم فيلقى جيش الروم المبعوث إليهم فيقتلهم، ويقع الموت في جيس صاحب الأدهم من الروم وهم نزول ببيت المقدس، فيموتون مثل الجراد، ويملك صاحب الأدهم وينزل صالح بالموالي أرض سورية ويدخل عمورية...)(21).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) كتاب الفتن للمروزي: 431 و432.
3 - الأصبغ بن زيد، كما في الرواية التالية: (صاحب رومية رجلٌ من بني هاشم اسمه الأصبغ بن زيد، وهو الذي يفتحها)(22)، والذي يفتح رومية هو اليماني كما سيأتي.
4 - الأصبغ بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو، قال: (فتح القسطنطينية ثمّ تغزون رومية فيفتحها الله عليكم)، قال أبو قبيل - وهو أحد رواة الرواية -: (ويلي أفريقية رجل من أهل اليمن يُدعى محمّد بن سعيد يكون بعده رجل من بني هاشم يقال له: أصبغ بن يزيد، وهو صاحب رومية وهو الذي يفتحها)(23)، والظاهر أنَّه مشترك مع الأصبغ بن زيد، فهما واحد وليس متعدّداً، والأصبغ بن زيد أرجح لكون تسمية يزيد غير معهودة في زماننا، وفيما يأتي كذلك، سيّما أنَّه من بني هاشم.
والروايتان إسنادهما واحد عن أبي قبيل، إلّا أنَّ الثانية يرويها عن عبد الله بن عمرو.
نسبه:
أشارت الأخبار إلى أنَّ نسب اليماني قرشي هاشمي قحطاني.
أمَّا كونه قرشي، فلما ذكرته أخبار الفتن بأنَّه من قريش، قال أبو عبد الله نعيم: (يخرج من قرية يقال لها: يكلى خلف صنعاء بمرحلة، أبوه قرشي وأُمّه يمانيّة)(24).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22) كتاب الفتن للمروزي: 249.
(23) كتاب الفتن للمروزي: 290.
(24) كتاب الفتن للمروزي: 237.
وكونه هاشمي فكما ورد في حديث أبي قبيل من أنَّه من بني هاشم.
وأنَّه قحطاني، تأكيداً على يمانيَّته، فإنَّ قبائل اليمن كلّها من قحطان، تنتسب إليه، وهو قحطان بن عابر بن شالخ، وتنتسب إليه الأنصار كذلك، فكلّ مَنْ انتسب إلى اليمن عُرف بالقحطاني لانتساب قبائلها إليه، كما صرَّح السمعاني في أنسابه:
(وقحطان هو الذي ينتسب جميع الأنصار إليه واليمن كلّها، وهم بنو يعرب بن يشجب بن قحطان...، وقيل: هو قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم، وقحطان جُرثومة(25) العرب)(26).
وذكر ابن منظور في لسان العرب أنَّ (قحطان أبو اليمن، وهو في قول نسّابتهم قحطان بن هود، وبعض يقول: قحطان بن أرفخشذ بن سام بن نوح)(27).
فاليماني إذن - كما في الأخبار - قرشي هاشمي قحطاني.
موطنه:
اليمن، نُسب إليه، وقد حدَّدته بعض الأخبار بأنَّه من عُمان، كما روى ذلك نعيم بن حمّاد، وفي خبرٍ طويل في آخره: (ثمّ يلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(25) الجرثوم: أصل كلّ شجرة يجتمع إليها التراب، وجرثومة كلّ شيء أصله ومجتمعه، وجرثومة العرب أصلهم ومجتمعهم في أصطمتهم. (كتاب العين 6: 206 و207/ مادّة جرثم).
(26) الأنساب 4: 455.
(27) لسان العرب 7: 374/ مادّة قحط.
من بعده المضري العُماني القحطاني، يسير بسيرة أخيه المهدي، وعلى يديه تفتح مدينة الروم)(28).
والذي يفتح الروم هو اليماني، كما عرفت من الأخبار المستفيضة.
على أنَّ عُمان يطلق عليها اليمن كذلك، فانتسابه إلى عُمان انتساباً إلى اليمن، فلا ضير في الجمع بين الأخبار التي تُصرّح على أنَّه من عُمان وأخرى على أنَّه من اليمن.
قال الحموي في (معجم البلدان) في مادّة اليمن: (وقيل: حدُّ اليمن من وراء تثليث وما سامتها إلى صنعاء وما قاربها إلى حضرموت والشحر وعُمان إلى عدن أبين، وما يلي ذلك من التهائم والنجود، واليمن تجمع ذلك كلّه، والنسبة إليهم يمني ويمانٍ...، وبعضهم يقول: يمانيّ بتشديد الياء)(29).
إلّا أنَّ نعيم بن حمّاد في كتابه (الفتن)، قال: (يخرج من قرية يقال لها: يكلى خلف صنعاء بمرحلة)(30)، والمرحلة مسافة يسيرة، ولعلَّها من ضواحي صنعاء، وقد ذكر الحموي في معجمه أنَّ وادي يكلى من نواحي صنعاء باليمن(31).
وبالجملة فإنَّ اليماني نسبته إلى اليمن، إمَّا لانتسابه إليها أو لأنَّ خروجه منها.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(28) كتاب الفتن للمروزي: 236.
(29) معجم البلدان 5: 447/ مادّة اليمن.
(30) كتاب الفتن للمروزي: 237.
(31) معجم البلدان 5: 346.
اليماني (السياسة العامّة):
تُعَدُّ حركة اليماني الإصلاحية ضمن أهمّ المعادلات السياسية الشرق الأوسطية، وستدخل ضمن هذه المعادلات السياسية بشكل يُتيح لها إحداث تغييرات من شأنها أن يكون لها الأثر العامّ على مجمل التوجّهات الإقليمية والدولية.
فعلى المستوى الدولي:
تبدو هناك تشنّجات سياسية تؤدّي إلى نشوب صراع دولي يدخل في أحد طرفيه اليماني والطرف الآخر ستكون الدول الغربية التي تدخل في تحالفات سياسية أمنية، فبعد تعاظم أمر اليماني تحاول تلك الدول تأمين أمنها ومستقبلها، فتحدث وقتذاك أمور تهدّد كيان اليماني وأمنه، كتحرّشات معيَّنة تُثيره تحالفات مشبوهة توجس منها عندها يتحرَّك لمواجهة تلك الدول والسيطرة عليها.
الروايات لم تذكر سوى وقعة الروم حيث تجري على يد اليماني، والروم تُطلق على غير الدول العربية والإسلاميّة، ولا يمكننا تشخيص تلك الدول إلّا من خلال الاستقراءات السياسية ومراقبة الأوضاع الدولية كاحتمالات في هذا المجال.
عن أرطأة، قال: (على يدي ذلك الخليفة اليماني وفي ولايته تفتح رومية)(32).
ويبدو أنَّ هناك دواع سياسية وأمنية تدفع باليماني إلى التحرّك لصدّ هجمات الدول الغربية، ولعلَّ الفتح الوارد في الرواية هو الغلبة والسيطرة لتأمين هجمات الدول الغربية التي تهدّد دول المنطقة ومنها اليمن، وستكون لليماني إمكانية إيقاف وصدّ هذه التحرّشات الغربية وليس بالضرورة أن يكون الفتح المعبَّر عنه في الروايات بالهيمنة العسكرية أو الاحتلال كما قد ينصرف من لفظة الفتح ابتداءً.
وإطلاق اسم الخليفة على اليماني من باب التوسعة، لكونه يمتلك سلطة سياسية تؤهّله من السيطرة والنفوذ.
أمَّا على المستوى الإقليمي:
فقد ذكرنا أنَّ اليماني سيواجه معارضة شديدة من قبل التكتّلات السياسية والحركات الأخرى في المنطقة، فحركة المغربي في مصر، والصراعات السياسية في الشام بين الأصهب والسفياني، وغلبة السفياني عند ذاك، ستحدث تخلخلاً واضحاً في الاستقرار الأمني الإقليمي، وسيواجه اليماني خطر تحدّيات السفياني، وسيعزم اليماني على مواجهته والتصدّي له، خصوصاً حين وصول السفياني إلى الكوفة، ليُحدث فيها من الدمار والخراب، وملاحقته الشديدة لشيعة علي (عليه السلام) بما يدفع اليماني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(32) كتاب الفتن للمروزي: 238.
للتحرّك نحوه، وحماية أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، وستكون بينهما ملاحم دامية.
على أنَّه يجب التنويه إلى أنَّ اليماني ربَّما يواجه خطر التحدّي القادم من تكتلات سياسية وتنظيمات معيَّنة تعيش على الأزمات السياسية المحدقة بالمنطقة، وستكون هذه التنظيمات منغلقة على نفسها متقوقعة على نظرة إقليمية ضيّقة تدفعها دواع فكرية مقيتة تتوجَّس من أيّ تحرّك إصلاحي وربَّما تعمل هذه المنظَّمات التي تتَّخذ فلسطين مقرَّاً لها على زعزعة أمن اليماني واستقراره وسيعاني منها تهديداً حقيقياً يشغله عن مهمّته، ولعلَّ هذه المنظَّمات ستربط مصيرها بحركة السفياني الذي يستولي على البلاد الشامية.
وترتكز هذه التنظيمات على ساحل البحر المتوسّط متَّخذةً من مدينة عكا منطلقاً لتحرّكاتها، وربَّما لها تحالفاتها مع القوى الغربية التي تلتقي مصالحها بمصالح السفياني وقتذاك.
عن حكيم بن عمير، عن كعب، قال: (على يدي ذلك اليماني تكون ملحمة عكا الصغرى، وذلك إذا ملك الخامس من أهل هرقل)(33).
ولم يكن الوضع الإقليمي مشجّعاً على تحرّكات اليماني السياسية ما لم يضمن تأييد أو على الأقلّ تأمين وضعه واستراتيجياته الإقليمية، وستُصاب بعض التنظيمات أو الحركات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(33) كتاب الفتن للمروزي: 237.
الإقليمية بحالة فزع وهلع سياسي بعدما ترى من نفوذ اليماني السياسي والفكري كذلك وهو يستقطب التوجّهات الثقافية المنفتحة، ممَّا يدفع هذه التكتّلات إلى محاولة عطب مسيرة اليماني الإصلاحية، وتتفاقم هذه العلاقة المتوتّرة إلى تحرّشات ضدّ اليماني تدفعه أخيراً إلى ضرب تلك التجمّعات والجيوب التنظيمية فيشلّها ليؤمّن بذلك مستقبله السياسي.
عن يزيد بن سعيد بن أبي عطاء، عن كعب، قال: (على يدي اليماني الذي يقتل قريشاً)(34).
وقريش مصطلحٌ يُطلق على التوجّهات المقابلة لأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم.
هذه مجمل تحرّكات اليماني على المستويات الدولية والإقليمية ممَّا تعكس حالة التوجّسات والمخاوف الإصلاحية وتوجّهاته في نصرة أهل البيت (عليهم السلام)، والالتزام بنهجهم القويم ومبدأهم الحقّ.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(34) كتاب الفتن للمروزي: 305.
الخلاصة:
يمكننا أن نستقرأ ما قدَّمناه بشكل يوجز مسافات البحث والاستقصاء لتصل الفكرة إلى القارئ مختصرة موجزة:
أوّلاً: المهدي (عليه السلام) قضيّة لا يقتصرُ عليها الإمامية وحدهم بل يشاركهم المسلمون جميعاً، والأخبار الواردة في صحاح الفريقين تؤكّد ذلك، بل هي قضيّة إنسانية يتطلَّع إليها الجميع دون استثناء استجابة لطموحات الخير والسلام التي تكتنفها التوجّهات الإنسانية وتطلّعاتها الخيّرة.
ثانياً: حتمية الانتظار، لحتمية الانتظار أثرها في تعزيز الثقافة المهدوية لدى الفرد، فإنَّ الانتظار المقصود هو حالة بناء تكاملي يتوخّى منها الفرد إلى تطهير نفسه وتساميها لتكون لها الحظوة في اليوم الموعود، فضلاً عن كون الظهور يتوقَّف على مدى تواجد الأصحاب الذين سيكون وجودهم داعياً ليوم الظهور، ومن المؤكَّد فإنَّ تكامل النفوس يوجب وجود أكثر عددٍ من الأصحاب الذين يناصرون قضيّة الظهور قبل وبعد تحقّقها.
ثالثاً: علامات الظهور تنقسم من حيث قربها وبعدها عن يوم الظهور إلى علامات بعيدة عن وقت الظهور، وعلامات ظهور قريبة،
وهذه تنقسم إلى علامات قريبة ليوم الظهور نسبياً، وعلامات مقارنة ليوم الظهور نسبياً، والقسم الثالث هو علامات لا تنفكُّ عن يوم الظهور.
أمَّا القسم الآخر فهي علامات من حيث التحقّق وعدمه، وهذه تنقسم إلى علامات محتومة، وعلامات مشترطة.
رابعاً: اليماني إحدى علامات الظهور، وهو من المحتوم الذي لا بدَّ منه، كما نصَّت على ذلك الروايات، فلا يتخلَّف ولا يتأخَّر كما هو الحال في السفياني، ممَّا يعني أنَّ هناك خطّان متقابلان من المحتوم، أحدهما يمثّل الظلم والجور والفساد، وهو الخطّ الذي يمثّله السفياني الذي يكون خروجه من الشام، والآخر يمثّل خطّ الإصلاح والعدل والقسط، وهو الذي يمثّله اليماني الذي يكون خروجه من اليمن.
خامساً: سيكون اليمن موطن اليماني، الذي منه ينطلق بحركته المباركة، معقلاً لهذه الحركة الإصلاحية، وذلك كون اليمن يتوفَّر فيها مناخ خاصّ لتلقّي دعوة اليماني، فالزيدية المغيَّبة سيكون لها الأثر الواضح في احتواء هذه الحركة واحتضانها، فبذرة التشيّع سوف تترعرع وتنمو إلى ما فيه نضوج وتكامل حركة اليماني، فضلاً عن كون اليمن لها موقعها الاستراتيجي من حيث إحاطتها بدول جوارٍ يقطنها أكثرية مستضعفة، ولربَّما تستغلّ حركة اليماني هذا التواجد من الطبقات المستضعفة لتشكّل قوَّتها الضاربة.
سادساً: في خضمّ التحوّلات السياسية والحركات الثورية التي تشهدها المنطقة، فإنَّ رايات ثلاث ستتزعَّم هذه الحركات المهمّة، أي التي سيكون لها أدوار حاسمة في مستقبل الأحداث. أمَّا راية السفياني
فهي راية ظلم وجور وضلال، والرايتان الأخيرتان فهما رايتا إصلاح، إلّا أنَّ إحداهما ستُرجَّح على الأخرى.
فراية الخراساني ستكون داعية إلى أئمّة الهدى (عليهم السلام)، وسترفع شعار التشيّع، إلّا أنَّها ترى أنَّ الدعوة لنفسها سيحقّق هذا الطموح، وهو نصرة مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فراية الخراساني تدعو لأهل البيت (عليهم السلام) عن طريق الدعوة لنفسها، أمَّا راية الإصلاح الأخرى فهي راية اليماني الذي سيدعو إلى الحقّ دون شائبةٍ تخالطها الدعوة، لذا دعى أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) إلى متابعتها ونصرتها، بل تحريم خذلانها.
هذا ما يُفهم من الروايات حيث ترجيح راية اليماني دون غيرها مسألة تثير التساؤل حقّاً.
سابعاً: إنَّ اليمن - على حسب الروايات - ستكون معقلاً ممتازاً للنجاة من كثير من الفتن، والظاهر أنَّ التوصية باليمن كونها معقلاً لحركة الخير والإصلاح التي يتزعَّمها اليماني، وكون اليماني، وكون اليماني سيتعهَّد بحفظ شيعة أهل البيت (عليهم السلام) وحمايتهم من التحدّيات المحدقة بهم، فضلاً عن كون شيعة أهل البيت (عليهم السلام) سيشكّلون قوَّة مهمّة تدخل في تنظيم وحركة اليماني القادمة.
ثامناً: تبتلي حركة اليماني - حالها حال حركات الإصلاح - بمن يدَّعي الانتساب إليها، فالتاريخ يكشفُ عن وثيقة مهمّة يتلبَّس أحد دعاة الإصلاح بعنوان اليماني، وهو الملقَّب بـ(طالب الحقّ)، إلّا أنَّ الإمام أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) تصدّى لهذه المحاولة وأبطلها بعد أن سحب منها مشروعية الانتساب إلى
حركة اليماني، كون اليماني هو ممَّن يتولّى أهل البيت (عليهم السلام) في حين أنَّ (طالب الحقّ) هذا هو من أعدائهم، فلم يكن هذا المدَّعي كذباً هو اليماني، كما أكَّده الإمام (عليه السلام)، وهذا دليل على بطلان انتساب الحركات الباقية إلى عناوين إصلاحية وردت في التراث الشيعي، وكانت ضمن مفردات الثقافة المهدوية، وأنَّ أهل البيت (عليهم السلام) يتمنّون على شيعتهم أن يعينونهم بورعهم وتقواهم وتعقّلهم والتروّي في قراءة الأحداث، وفهم علامات الظهور دون الانجراف خلف دعوة (طالب الحقّ) الذي ادَّعى أنَّه اليماني، ممَّا دعى شيعتهم إلى الوقوف حياله موقف المكذّب، والتوقّف في تصديقه ومن ثَمَّ تأييده.
تاسعاً: إنَّ حركة اليماني ستُبتلى بتحرّشات دولية ومضايقات إقليمية، لما للحركة من أهمّية قصوى في مستقبل الأحداث وأثرها على الخارطة السياسية، لذا فهي ستعاني تبعات التوازنات الدولية، وستلقى تهديدات تحاول الإطاحة بها، إلّا أنَّ الظاهر ستكون لحركة اليماني سطوتها القاضية بإحباط أيّة محاولة من شأنها المساس بها أو بكيانها ومبدأها.
عاشراً: لا يمكننا البتّ باسم اليماني سوى الاحتمالات التي نملكها من الروايات التي بين أيدينا، ولعلَّ ما ورد من هذه الأسماء، إمَّا أسماء حقيقية أو أسماء حركية لا يمكن البتّ بها أو القطع فيها.
حادي عشر: ما ورد في أكثر فصول الكتاب هو قراءاتٌ لنصوص علامات الظهور واستقراء لأكثر دلائلها حتَّى أنَّها
شكَّلت لدينا رؤية معيَّنة وقناعات خاصّة تكوَّنت من خلالها توقّعات واحتمالات لا ندَّعي أنّا قد قطعنا بها، بل إنَّ القرائن التي توفَّرت لدينا أمكنتنا من تكوين رؤية معيَّنة تقدّم الصورة المتوقّعة لليماني ولحركته المباركة، وما ينبغي اتّخاذه في هذا المجال تبعاً للمعلومات التي توفَّرت لدينا على أساس بيان مفردات ثقافة (علامات الظهور).
سائلين المولى تعالى أن يثبّت أقدامنا، ويجعلنا من الممهّدين ليوم الظهور.
والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.
* * *
القرآن الكريم.
الإرشاد: الشيخ المفيد/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
الأمالي: الطوسي/ ت مؤسسة البعثة/ ط 1/ 1414هـ/ دار الثقافة/ قم.
الأنساب: السمعاني/ ت البارودي/ ط1/ 1408هـ/ دار الجنان/ بيروت.
بحار الأنوار: العلاَّمة المجلسي/ ط2/ 1403هـ/ مؤسسة الوفاء/ بيروت.
عقد الدرر: يوسف بن يحيى المقدسي/ انتشارات نصائح.
العين: الخليل الفراهيدي/ ط2/ 1409هـ/ مؤسسة دار الهجرة.
الغيبة: الشيخ الطوسي/ ط1/ 1411هـ/ مؤسسة المعارف الإسلاميّة/ قم.
الغيبة: النعماني/ ط1/ 1422هـ/ مط مهر/ أنوار الهدى.
الفتن: نعيم بن حماد المروزي/ 1414هـ/ دار الفكر/ بيروت.
لسان العرب: ابن منظور/ 1405هـ/ نشر أدب الحوزة/ قم.
معجم البلدان: الحموي/ 1399هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
الملاحم والفتن: ابن طاووس/ ط1/ 1416/ مؤسسة صاحب الأمر.
مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب/ 1376هـ/ المكتبة الحيدرية.
* * *