شمس خلف السحاب
بحث في غيبة الإمام المهدي (عليه السلام)
تأليف: ماهر آل شبر
الفهرس
الإهداء..................7
المقدمة..................9
استعراض عام لأمر الإمامة..................13
أسباب تأخر تطبيق دولة العدل الإلهي في الأرض..................22
أولاً: استيعاب النظرية الإلهية..................22
ثانياً: ابتلاء البشر واختبارهم..................23
ثالثاً: النضج الفكري..................26
الفصل الأول: الغيبة الصغرى 260 هـ 329 هـ..................33
أسباب الغيبة الصغرى..................37
أسباب انتهاء الغيبة الصغرى..................45
الغيبة الكبرى..................49
أسباب وغايات الغيبة الكبرى..................52
1 - وصول البشرية لمرحلة متقدمة من التطور العلمي والتقني..................52
2 - وصول الأمة الإسلامية ككل للنضج الفكري والاستعداد العالي للتضحية..................62
3 - تجربة جميع الآراء والاطروحات الفكرية والسياسية وفشلها جميعا..................68
4 - تمحيص المؤمنين وابتلائهم وامتحانهم من أجل الوصول للكمال..................70
5 - الحصول على العدد الكافي من الأنصار..................74
6 - أن يجري في هذه الأمة ما جرى في الأمم السابقة..................80
7 - وصول انحراف الظالمين والفساد في الأرض إلى أقصى درجاته..................82
الانحلال العام والانحراف الخلقي وانتشار الفساد والمعاصي العظام..................84
وصول العالم إلى الطريق المسدود في حل جميع العقبات والمشاكل..................85
8 - قرب المهدي من زمن النبي والائمة (عليهم السلام) ومعاصرته لجميع الحضارات..................87
9 - استقلالية قرارات الإمام المهدي (عليه السلام) وحرية تحركاته..................91
إعطاء الأمل بالخلاص في كل عصر وإنجاح عملية التغيير بإخفاء وقت الظهور (عنصر المفاجأة)..................93
11 - ظهور الأشخاص والجماعات الممهدين للمهدي (عليه السلام)..................95
12 - وقوع العلامات المحتومة وانتظار الأذن من الله في الظهور..................98
فائدة الإمام في زمن الغيبة..................103
أهمية وجود الإمام في زمن الغيبة..................103
فوائد الإمام المهدي (عليه السلام) في حال غيبته..................105
1 - قيام الحجة لله على الخلق في كل عصر وزمان..................105
2 - وجود الإمام لطف من الله بالعباد وأمان لأهل الأرض..................108
3 - دعاء الإمام المهدي (عليه السلام) للمؤمنين وتسديده للعلماء..................109
4 - متابعة الإمام المهدي (عليه السلام) لأعمال الأمة واتصاله بهم في موسم الحج..................113
5 - مساعدة الإمام المهدي (عليه السلام) للمؤمنين في الشدة والمحن..................117
6 - إدارة الإمام المهدي (عليه السلام) للبشرية والأمة الإسلامية من الخفاء..................119
7 - إبراز طاقة العلماء وتعويد الأمة على الصبر والاعتماد على الذات..................122
واجباتنا في عصر الغيبة..................127
مسؤوليتنا في عصر الغيبة..................127
واجباتنا في عصر الغيبة..................129
1 - معرفة الإمام المهدي (عليه السلام) حق المعرفة..................129
2 - الثبات على الولاية لأهل البيت (عليهم السلام) والتمسك بالمذهب الحق..................130
3 - الصبر على البلاء وانتظار الفرج..................132
4 - الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام) والدعاء بتعجيل الفرج..................134
5 - الارتباط الروحي بالإمام المهدي واحترامه وتقديسه والولاء له (عليه السلام)..................138
6 - القيام بالأعمال الخيرية وإهداء ثوابها للإمام المهدي (عليه السلام)..................139
7 - ملازمة الحزن على غيبة الإمام المهدي (عليه السلام)..................140
8 - التوسل بالإمام المهدي (عليه السلام) وجعله شفيعا في قضاء الحوائج..................142
9 - الرجوع في الأحكام الشرعية إلى العلماء المجتهدين..................144
الخاتمة..................149
بعض الأدعية والاستغاثات بالإمام المهدي (عليه السلام)..................149
الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام)..................149
دعاء العهد..................150
الاستغاثة بالإمام المهدي (عليه السلام)..................151
زيارة صاحب الزمان (عليه السلام)..................153
رقعة لقضاء الحاجة..................154
المصادر والمراجع..................157
إلى شمس الحقيقة إلى بقيةِ الله التي لا تخلو من العترةِ الهادية، إلى المعد لقطع دابر الظلمة، إلى المرتجى لإزالةِ الجور والعدوان، إلى باب الله الذي منه يُؤتى، إلى وجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء، إلى السبب المتصل بين الأرض والسماء، إلى المضطر الذي يجاب إذا دعا، ليت شعري يا سيدي أين استقرتْ بك النوى، بل أي أرض تقلكَ أو ثرى، بنفسي أنت من مغيَّب لم يخل منَّا، بنفسي أنت من نازح ما نَزح عنَّا، إلى متى أحار فيك وأي نجوى، هل إليك يا بن أحمد سبيل فتلقى، هل يتصل يومنا منك بعدةٍ فنحظى، متى ننتفع من عذب مائك فقد طال الصدى، أترانا نحف بك وأنت تؤم الملأ، وقد ملأت الأرض عدلاً، وأذقت أعدائك هواناً وعقاباً وأبرت العُتاة وجَحَدةَ الحقِّ وقطعت دابر المتكبرين واجتثثت أصول الظالمين ونحن نقول:
الحمد لله رب العالمين.
قال تعالى: (ونريدُ أن نَمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونَجْعَلهم أئِمَّةً ونجعلهُم الوارثين)(1).
لقد كثرت الكتابات قديماً وحديثاً حول الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف حتى أنه ما حظيت قضية من قضايا المسلمين بمثل هذا الكم الهائل من الكتابات والروايات التي ما تركت جانباً من جوانب حياته إلا وذكرته باسمه وكنيته وولادته وغيبته وخروجه في آخر الزمان وعلامات الخروج الدالة عليه وما يجري بعد خروجه وانتصاراته، ولكني وجدت القليل من الكُتاب الذي يتعرض لأسباب غيبته وعللها، أو التكلم عن الفائدة من الغيبة أومن الإمام في حال غيبته!
ومع أن هناك بعض الروايات التي تؤكد أن لغيبته حكمة إلهيه لا يعلم بمرادها إلا الله والراسخون في العلم، أو جاء النهي عن السؤال عنها، كما ورد في التوقيع الصادر من الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف إلى إسحاق بن يعقوب: (وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم)(2).. إلى أن قال: فأغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم ولا تتكلفوا علم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما قد كفيتم وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم)(3).
وروى عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها يرتاب فيها كل مبطل، فقلت له: ولم جُعلت فداك؟
قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم، قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال (عليه السلام): وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلا وقتَ افتراقهما، يا بن الفضل إن هذا أمر من أمر الله وسرٌ من سرِّ الله وغيب من غيبِ الله، ومتى علمنا أنه (عزَّ وجلَّ) حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا)(4).
ونحن طبعا لا نعترض على الله سبحانه وتعالى والعياذ بالله، فإذا دلت النصوص الصريحة على وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وغيبته، وإن لهذه الغيبة حكمة إلهيه لا يعلمها إلا الله وأولياؤه المقربين فليس لنا إلا التسليم.
إلا أن هناك أيضا الكثير من الروايات التي تدل على بعض الأسباب لغيبته وتتحدث عن الحكمة منها.
ولعل المقصود بالرواية السابقة للإمام الصادق (عليه السلام) هو العلم المطلق والتفصيلي المختص بالله وحده سبحانه، أو لعل المقصود بالرواية السابقة للإمام هو الإحاطة بجميع العلل والأسباب للغيبة وهذا غير ممكن لنا طبعاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) غيبة الطوسي ص 177 , إعلام الورى ص424.
(4) كمال الدين ص 482، بحار الأنوار ج 52 ص 91 ح 4.
وفي هذا الكتاب أستعرض بعض أسباب الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) مع بعض الروايات الدالة عليها وأعرض هنا فهمي الخاص لبعض الروايات فلقد روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إن كلامنا ينصرف على سبعين وجهاً)(5).
وعنه أيضاً قال: (أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا، إن الكلمة لتنصرف على وجوه، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب)(6).
كما أعرض هنا بعض ما ذكرته الكتب التي اطلعت عليها وأقوال العلماء العظام أمثال: السيد محمد باقر الصدر، والسيد محمد كاظم القزويني، والسيد محمد صادق الصدر، وغيرهم من العلماء الأكارم، فعملي هنا إذاً هو جمع هذه الأسباب والروايات التي ذكرها العلماء الأجلاء في كتبهم كغيبة الطوسي وغيبة النعماني وكتاب (كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق) وكتاب (إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب) وغيرها من الكتب.
وفي بداية هذا الكتاب أوردت استعراضا عاما لأمر الخلافة والإمامة في الأرض منذ أن أهبط آدم (عليه السلام) وحتى يومنا هذا.
وأما في الفصل الأول فتطرقت إلى الغيبة الصغرى للإمام وأسبابها.
وفي الفصل الثاني تعرضت لأسباب وعلل الغيبة الكبرى للإمام.
وفي الفصل الثالث استعرضت الفائدة من الإمام في حال غيبته.
و في الفصل الرابع ذكرت الواجبات التي تقع علينا في زمان الغيبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) الاختصاص للشيخ المفيد ص 282.
(6) معاني الأخبار ج 1 ص 1، وسائل الشيعة ج 18 ص 84 ح 27.
وفي الختام أوردت بعض الاستغاثات بالإمام المهدي (عليه السلام) والدعاء له والرقعة التي تكتب له (عليه السلام) لقضاء الحاجة.
وأنا هنا لا أدعي أن كل ما أقوله هو عين الحقيقة ومحالف للصواب وإنما نسأل الله المغفرة لكل خطأ صدر منا، ونطلب منه السداد والتوفيق وأن تكون أعمالنا خالصة لوجههِ الكريم.
وأخيراً أستميحكم عذراً لأي خطأ ورد في هذا الكتاب، كما أتقدم بجزيل الشكر والامتنان لكل من ساعدني في هذا المجهود المتواضع وفي إخراجه إلى النور وتقديمه للقارئ الكريم.
استعراض عام لأمر الإمامة
قال تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعلم مالا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملآئكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين)(7).
نحن لا نستطيع أن نفهم قضية دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف المنتظرة إلا إذا استعرضنا الأمر منذ البداية، منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الأرض وأراد أن تكون هناك خلافة إلهية على هذه الأرض وحكومة عدل إلهي فيها، فما كان من الملائكة إلا أنهم ظنوا أن هذه الخلافة ستكون منهم، فهم المعصومون من الزلل والخطأ ومن هنا نفهم عظم معنى الخلافة الإلهية وأن مقامها عال جدا وحينما أخبرهم سبحانه أنها ستكون من الجنس البشري كان استغراب الملائكة، لأن هذا المخلوق وحسب طبيعة تركيبه الخلقي وما فيه من غرائز وشهوات لا يمكنه أن يطبق العدل الإلهي ويقوم بأعباء الخلافة ورسالة السماء، وهنا أطلع سبحانه وتعالى الملائكة على أسماء علمها لآدم، فما هذه الأسماء وما قصتها..؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) سورة البقرة (30 - 31).
حسب ما نفهمه من الآيات القرآنية في سورة البقرة بأن الملائكة بعد عرض آدم (عليه السلام) للأسماء اعترفوا بأحقيته للخلافة على الأرض وأنه أهل لذلك، وأن هذا المخلوق باستطاعته أن يطبق خلافة الله كما ينبغي لها، وأنه من الممكن أن يكون أفضل من الملائكة في هذا الجانب.
وحسب ما جاء في بعض الروايات عن ابن عباس أنه قال في تفسير الآيات السابقة (أنه عرض الخلق) وعن مجاهد قال: (عرض أصحاب الأسماء)، وفي تفسير الجلالين: (أن الملائكة قالوا في أنفسهم لم يخلق الله خلقا أكرم منا ولا أعلم، فخلق الله آدم وعلمه الأسماء كلها أي أسماء المسميات، وجاءت كلمة) هؤلاء (وهي تخص العقلاء فقط لتغليب العقلاء في هذه المسميات، وأن في ذرية آدم المطيعين لله فيظهر العدل بينهم).
وعن الصادق (عليه السلام) قال: (إن الله تبارك وتعالى علم آدم أسماء حجج الله كلها ثم عرضهم وهم أرواح على الملائكة) فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين (بأنكم أحق بالخلافة في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم (عليه السلام)، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، قال الله تبارك وتعالى يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبئهم بأسمائهم (وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره فعلموا أنهم أحق بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه وحججه على بريته)(8) وعن الإمام العسكري (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها) قال: (أسماء أنبياء الله وأسماء محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهما، وأسماء خيار شيعتهم وعتاة أعدائهم ثم عرضهم عرض محمد وعلي والأئمة على الملائكة أي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) كمال الدين وتمام النعمة ص 14، بحار الأنوار ج 26 ص 283 ح38.
عرض أشباحهم وهم أنوار في الأظلة)(9) وهناك أحاديث تحمل دلالات أخرى فعن أبي العباس عنأبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (وعلم آدم الأسماء كلها) ماذا علمه؟ قال: (الأرضين والجبال والشعاب والأودية ثم نظر إلى بساط تحته فقال وهذا البساط مما علمه)(10) إذن نفهم من هذه التفاسير والروايات أن الله سبحانه وتعالى أخبر الملائكة أن هذا المخلوق لديه من القدرات والعلم بخواص جميع الأشياء والمواد وماهيتها واستخداماتها مما يساعده في العيش على الأرض، وأنفي ذريته أشخاصاً هم أهل للخلافة وبإمكانهم تطبيق العدل الإلهي في الأرض والتضحية في سبيل الله والعمل لأجله بحيث يصبحوا أفضل من الملائكة.
بل إن بعض المفسرين قالوا بأن كلمة هؤلاء إنما تدل على العقلاء فقط، وفي بعض الروايات أنها تخص محمد وآل محمد فقط، وأن الله أخذ على آدم وجميع الأنبياء (عليهم السلام) الإيمان بمحمد وآل محمد والتبشير بالرسالة الخاتمة وان هذا العهد أو الإيمان هو شرط الخلافة في الأرض، لذلك نجد أن جميع الأنبياء يبشرون بالنبي محمد وبالمهدي من ولده وهناك الكثير من الروايات الدالة على ذلك.
فعن الجارود بن المنذر ألعبدي قال: قال لي رسول الله: (يا جارود، ليلة أسري بي إلى السماء أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إلي أن سل من أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ فقلت لهم: على ما بعثتم؟ فقالوا: على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأئمة منكما)(11).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ص 217.
(10) بحار الأنوار ج 11 ص 147 ح 18، مجمع البيان ج 1 ص 152.
(11) كنز الفوائد ص 256، مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 287.
وعن المفضل بن عمر عن الصادق (عليه السلام) قال: (سألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلماتٍ فأتمهن، قال إني جاعلك للناس إماماً، قال ومن ذريتي، قال لا ينال عهدي الظالمين)(12) ما هذه الكلمات؟
قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، وهو أنه قال: يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي، فتاب الله عليه أنه هو التواب الرحيم.
فقلت يا بن رسول الله: فما يعني (عزَّ وجلَّ) بقوله (فأتمهن) (قال: يعني فأتمهن إلى القائم اثنا عشرة إماما، تسعة من ولد الحسين)(13).
فينبغي أن نلاحظ هنا أن قوله تعالى قال (إني جاعلك للناس إماما) (جاء مباشرة بعد قوله تبارك وتعالى) بكلمات فأتمهن فإمامة نبي الله إبراهيم إنما كانت بعد اعترافه وتسليمه بالمعصومين من أهل بيت محمد، ثم قال سبحانه بعد ذلك (لا ينال عهدي الظالمين) فهذا العهد والميثاق والخلافة لا تكون إلا للمعصومين فقط.
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبيّ الأميّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه أولئك هم المفلحون)(14) قال: (يعني النبي والوصي والقائم (عليهم السلام)، يأمرهم بالمعروف إذا قام وينهاهم عن المنكر، وعن أبي عبد الله (عليه السلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) سورة البقرة (124).
(13) الخصال ص 340 ح 84، المهدي في القرآن ص6، إلزام الناصب ج1 ص 179.
(14) سورة الأعراف (157).
قال: النور (في هذا الموضع هو أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام))(15).
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أيضاً في تفسير قوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا)(16) قال: (أخذ الميثاق على النبيين فقال ألست بربكم؟
ثم قال وإن هذا محمد رسولي وإن هذا علي أمير المؤمنين؟ قالوا: بلى فثبتت لهم النبوة، وأخذ الميثاق على أولي العزم ألا إني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي، وإن المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي وأُعبد به طوعاً وكرها، قالوا أقررنا وشهدنا يا رب، ولم يجحد آدم ولم يقر، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي، ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به، وهو قوله (عزَّ وجلَّ): (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزم)(17).(18)
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في تأويل قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدقٌ لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه، قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري، قالوا أقررنا، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين)(19).
قال: (ما بعث الله نبي من لدن آدم فهلم جرا إلا ويرجع إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) تفسير البرهان مجلد 2 ص 593، أصول الكافي ج 1 ص 194.
(16) سورة الأعراف (172).
(17) سورة طه (115).
(18) الكافي ج 2 ص 8 ح 1، بصائر الدرجات ص 70 ح 2، بحار الأنوار ج 26 ص 279 ح 22.
(19) سورة آل عمران (81).
الدنيا وينصر أمير المؤمنين أي في الرجعة وهو قوله تعالى (لتؤمنن به (يعني رسول الله) ولتنصرنه (يعني أمير المؤمنين، ثم قال لهم في الذر) أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري (أي عهدي) قالوا أقررنا (قال الله للملائكة) فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين)(20).
وعن كعب الأحبار قال (إني لأجد المهدي مكتوباً في أسفار الأنبياء ما في حكمه ظلم ولا عنت)(21).
فمن هذه الروايات وهناك من أمثالها الكثير جداً، نفهم أن الله سبحانه وتعالى أعد مشروعًا إلهيًا متكاملا يكون في نهاية المطاف في هذه الأرض ينتصر فيه الحق والعدل بحيث يبشر به جميع الأنبياء والرسل..!
ويقول آية الله السيد محمد صادق الصدر (قدّس سره) في هذا المعنى: (إن إنكار المهدي (عليه السلام) في الحقيقة إنكاراً للغرض الأساسي من خلق البشرية والحكمة الإلهية من وراء ذلك، مما قد يؤدي إلى التعطيل الباطل في الإسلام.
إذ أن الغرض من خلق البشرية هو إيجاد العبادة الكاملة في ربوع المجتمع البشري بقيادة الإمام المهدي (عليه السلام) في اليوم الموعود، كما قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)(22)، ونستنتج من هذه الآية أن الغرض والهدف الوحيد من الخليقة هو الحصول على الكمال العظيم المتمثل في إيجاد الفرد الكامل والمجتمع الكامل والدولة العادلة التي تحكم المجتمع بالحق والعدل، وذلك بقرينة وجود التعليل في قوله تعالى (ليعبدون)(23).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20) بحار الأنوار ج 11 ص 25، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 5 ص 58.
(21) عقد الدرر في أخبار المنتظر ص 108.
(22) سورة الذاريات (56).
(23) تاريخ الغيبة الكبرى ص 203، 289.
ولنعد هنا إلى بداية الخليقة ونكمل استعراضنا للأحداث، حيث أُهبط آدم إلى الأرض وكان هو خليفة الله في الأرض وحجته على خلقه واستمرت مسيرة الإنسانية والخلافة على الأرض، وبدأ الصراع بين قوى الخير ورموزه المتمثلة في الأنبياء والأوصياء وقوى الشر ورموزه المتمثلة في الشيطان وجنوده، وكان هناك الكثير من القتل والقتال والإفساد في الأرض وذلك منذ أنقتتل ولدا آدم.
وفي كل زمان كان لابد من وجود خليفة وحجة لله على خلقه، يمثل جانب الحق من الصراع وامتداداً لرسالة السماء، وكلهم كانوا يبشرون بالشريعة الخاتمة وبدولة العدل الإلهي الموعودة التي سوف تطبق على الأرضي نهاية المطاف.
وكان الأنبياء والرسل يبشرون أصحابهم بأن نهاية الصراع سوف تكون للحق وللمؤمنين، وأن وراثة الأرض هي لهم لا لغيرهم، فلقد جاء في العهد القديم في فصل مزامير داوود: (وسينقرض الأشرار وسيرث الأرض المتوكلون على الله تعالى) وفيه أيضاً: (ويرث الصديق الأرض ويسكنون فيها إلى الأبد)(24).
ومما جاء في الكتب السماوية السابقة أيضاً: (يقيم إله السماء مملكة لن تنقرض أبداً، وملكها لا يترك لشعب لآخر، تسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد.. طوبى لمن انتظر)(25).
وكما قال تعالى في القرآن الكريم: (ولقد كتبنا في ألزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)(26).
وقال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24) المزمور السابع والثلاثين - كتاب المزامير، أصول العقائد للشباب ص 179.
(25) كتاب حجار - الإصحاح الثاني.
(26) سورة الأنبياء (105).
ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً)(27).
وعن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) في تفسير الآية السابقة قال: (هم والله شيعتنا أهل البيت يفعل الله ذلك بهم على يد رجل منا وهو مهدي هذه الأمة، وهو الذي قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يأتي رجل من عترتي اسمه اسمي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً)(28).
ويتبادر إلى الذهن هنا السؤال التالي وهو: لماذا لم يطبق هذا المشروع الإلهي الكبير منذ أول الوجود الإنساني على الأرض وفي بداية الخليقة؟
والجواب أن هذا المشروع الإلهي الكبير لجميع الأرض أو دولة العدل الإلهي الموعودة لم يمكن تطبيقها من أول الوجود الإنساني على الأرض لعدة أسباب:
أسباب تأخر تطبيق دولة العدل الإلهي في الأرض:
أولاً: استيعاب النظرية الإلهية:
لأن البشرية في ذلك الوقت لم تستوعب بعد النظرية الإلهية المتكاملة للعدل، ولم تحدث فيها المفاسد وسفك الدماء وأشكال الظلم والمشاكل والفظائع التي حدثت في التاريخ فيما بعد على مر الدهور والأزمان، فكيف تُطالب البشرية بتطبيق العدل وهي لا تعرف له معنى، فهي لم تر الظلم لتعرف الأمر المعاكس له.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) سورة النور (55).
(28) ينابيع المودة ج 3 ص 245، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 5 ص 281.
فلو قلنا لأحد ما مثلاً لا يجوز لك شرب الخمر وهو لم يرى خمراً أبداً في حياته ولا يعرف له معنى لكان طلبنا هذا غير منطقي.
ولهذا السبب أيضاً تم إدخال آدم (عليه السلام) الجنة فترة من الزمن ثم أُخرج منها فكان إدخاله فقط ليتعلم طريقة إغواء الشيطان ويتعرف على تلبيس إبليس عليه اللعنة، إي فترة تعليمية قبل بدء مرحلة التكليف والمحاسبة على الأعمال.
و لذلك يعتقد الشيعة بعصمة آدم (عليه السلام) وأن مخالفته للأمر الإرشادي لم تكن معصية حيث لم يدخل بعد المرحلة العملية، وإنما قال الله له (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى)(29)، أي بالكد في الدنيا والتعب في العمل لتحصيل الرزق كما نصت على ذلك أكثر التفاسير بدليل قوله تعالى (فتشقى) ولم يقل سبحانه فتشقيا لأن الرجل هو الذي تجب عليه النفقة على زوجته وهو الذي يكد على عياله في العادة، ثم أنه من الواضح من الآيات السابقة في سورة البقرة التي تتحدث عن إخبار الله سبحانه وتعالى الملائكة (إني جاعل في الأرض خليفة) أن الله (عزَّ وجلَّ) خلق آدم من البداية ليعيش في الأرض لا في الجنة.
ثانياً: ابتلاء البشر واختبارهم:
لأن الله سبحانه وتعالى جعل الحياة الدنيا دار ابتلاء واختبار للإنسان وأعطاه حرية الاختيار للطريق الذي يريد أن يسلكه في الحياة وفي الآخرة يثاب المحسن ويعاقب المسيء، فلو أجبر سبحانه العباد منذ البداية على الطاعة والإيمان لانتفت الحكمة من هذا الاختبار، ففي دولة المهدي (عليه السلام) تقل فرصا لاختيار وتضيق الطرق على الملحدين والمنحرفين، فإما أن يهتدي الشخص بمحض إرادته - خصوصاً بعد أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29) سورة طه (117).
يرى دلائل صدق الإمام وعدله - أو يُجبر على الإسلام والطاعة رغماً عن أنفه، أو عليه أن يختار الموت بسيف الإمام إذا ما أصر على عناده واستكباره، كما قال سبحانه وتعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)(30).
وقوله تعالى: (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون)(31).
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير الآية السابقة قال: (إذا قام القائم (عليه السلام) لا يبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)(32).
وعن حذيفة بن اليمان عن رسول الله قال: (لو لم يبقى من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله فيه رجلاً اسمه اسمي وخلقه خلقي يكنى أبا عبد الله، يبايع له الناس بين الركن والمقام، يرد الله به الدين ويفتح له فتوحاً، فلا يبقى على وجه الأرض إلا من يقول لا إله إلا الله)(33).
كما أن الله سبحانه جعل الحياة الدنيا مجال للصراع بين الخير والشر فكان لهذا جولة وللثاني جولة أخرى وهكذا، وحتى الفترات التي انتصر فيها الحق بقيادة بعض الأنبياء (عليهم السلام) لم تستمر طويلاً إذ أعقبها عصور من الظلم والإفساد، فكان لابد إذاً أن تكون الخاتمة للحق والعدل والانتصار للخير في نهاية الصراع فلا يقوم بعده للشر قائمه، فلو كانت دولة الحق في منتصف الطريق ثم انتهت وجاءت بعدها دول الظلم فلا معنى لدولة العدل هذه وحينئذٍ ستكون جولة فقط في هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) سورة التوبة (33).
(31) سورة آل عمران (83).
(32) تفسير العياشي مجلد 1 ص 182، المهدي في القرآن ص 15.
(33) المنار المنيف ص 148، الحاوي للسيوطي ج 2ص 63.
الصراع الدائر بين الحق والباطل.
فلابد إذاً أن تكون دولة العدل الإلهي هذه في نهاية المطاف وخاتمة للصراع وقبل قيام الساعة كما قال تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)(34).
وعن مقاتل بن سليمان في تفسير قوله تعالى (وإنه لعلمٌ للساعة)(35) قال: (هو المهدي يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون إمارات ودلالات الساعة وقيامها)(36) وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة قالوا: (هو عيسى بن مريم حينما ينزل من السماء في آخر الزمان ويصلي خلف المهدي، لأن ظهوره عجل الله فرجه الشريف يُعلم به مجيء الساعة لأنه من أشرا طها)(37).
ولقد حرصت أكثر الأحاديث التي تكلمت عن الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف على التأكيد بأنه لا يكون إلا في آخر الزمان وبعضها بالقول لو لم يبقى إلا آخر يوم من الدنيا وبعضها بالقول قبل قيام الساعة.
فعن أبي سعيد ألخدري عن رسول الله قال: (ابشروا بالمهدي فإنه يأتي في آخر الزمان على شدة وزلازل يسع الله له الأرض عدلاً وقسطاً)(38).
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري عن الرسول الأكرم قال: (المهدي يخرج في آخر الزمان)(39).
وعنه أيضاً قال: (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(34) سورة القصص (5).
(35) سورة الزخرف (61).
(36) البيان في أخبار صاحب الزمان ص 528، كشف الغمة ج 3 ص 280، ينابيع المودة ص 301.
(37) تفسير التبيان مجلد 9 ص 211، مسند أحمد ج 1 ص 317، الدر المنثور ج 6 ص 20.
(38) دلائل الإمامة ص 467، إثبات الهداة ج 7 ص 147.
(39) غيبة الطوسي ص 178، منتخب الأثر ص 168، إثبات الهداة ج 3 ص 502.
كاسمي وكنيته ككنيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، فذلك هو المهدي)(40).
وعنه أيضاً قال: (لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت قبله ظلماً يكون سبع سنين)(41).
ثالثاً: النضج الفكري:
لأن البشرية في ذلك الوقت لم تصل بعد لمرحلة النضج الفكري وكانت تسير نحو التكامل الإنساني في تطور مستمر في الفكر والثقافة وتحصيل العلوم وحصول التجارب وغير ذلك من التطور البشري.
ولذلك كانت رسالة كل نبي من الأنبياء أو الرسل أكثر شمولاً لمتطلبات الحياة ومتطلبات العصر من الرسول السابق له ومكملة لرسالته، إلى أن جاء النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) حينما وصلت البشرية لمرحلة من التطور الفكري بحيث تستطيع أن تستوعب هذا المشروع الإلهي الكبير فوضع الدستور المتكامل للحياة والذي يمثل أيضاً دستور الدولة الإلهية الموعودة، ونزلت هذه الآية (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دين)(42) وبذلك أُكملت الرسالات السماوية ووضعت النظرية المتكاملة لأهل الأرض وجاءت رسالة النبي محمد خاتمة لجميع الرسالات وناسخة لها جميعاً.
ولعل هناك من يتساءل مادام الدين قد اكتمل، والبشرية وصلت لمرحلة النضج الفكري عندما جاء النبي محمد فلماذا لم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(40) تذكرة الخواص ص 363، منتخب الأثر ص 182 ح 1، إثبات الهداة ج 3 ص 607.
(41) فرائد السمطين ج 2 ص 324، دلائل الإمامة ص 251، كشف الغمة ج 3 ص 258.
(42) سورة المائدة (3).
تطبق هذه الحكومة الإلهية في حينها على كل الأرض؟
مادام قد وُضع الدستور المتكامل لكل البشر فلماذا لم يوضع موضع التنفيذ الفعلي في جميع المعمورة؟ ولماذا يبشر النبي بالمهدي من ولده في آخر الزمان وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت ظلماً وجوراً؟ ولماذا لا يكون النبي محمد هو المنفذ لهذه الحكومة الموعودة؟
والجواب أن البشرية في ذلك الوقت واقعاً وصلت لمرحلة النضج الفكري بحيث تستطيع فهم هذا المشروع الإلهي الكبير، إلا أنها لم تصل بعد لإمكانية التطبيق العملي لهذا الدستور الكامل في جميع الكرة الأرضية ولم تصل بعد لمرحلة الاستعداد الحقيقي للتطبيق الفعلي لهذا المشروع.
فعلى سبيل المثال لا الحصر إذا راجعنا الروايات التالية نفهم أنه في زمن المهدي (عليه السلام) لن يكون هناك غني وفقير...! فحينما يطبق العدل على الجميع سيكون الكل غنياً ولا وجود للمحتاجين في ذلك المجتمع المثالي.
فعن أبي سعيد ألخدري قال: قال رسول الله: (يخرج المهدي حكماً عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، وبطاف بالمال في أهل الحواء أي أهل الحي فلا يوجد أحد يقبله)(43).
وعنه قال: (أبشركم بالمهدي يقسم المال صحاحاً بالسوية ويملأ الله قلوب أمة محمد غنى، ويسعهم عدله حتى يأمر منادياً فينادي: من له في مال حاجة)(44).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (فحينئذٍ تُظهر الأرض كنوزها وتُبدي بركاتها، فلا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولا لبره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(43) عقد الدرر في أخبار المنتظر ص 241 ح 276.
(44) معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 92.
لشمول الغنى جميع المؤمنين)(45).
إذاً فلنا أن نسأل من الذي سوف يعمل في الأعمال الشاقة والمتعبة في ذلك الزمان، ومن الذي سيعمل في بعض الأعمال الدنيئة كمهنة الزبال مثلاً أو خلافه مادام الكل غنياً ولديه المال الكافي...؟
والجواب أنه بعد أن ترى البشرية من الظلم والفجائع مالا تطيقه، وبعد امتلاء الأرض جوراً وظلماً، وبعد تجربة جميع الأطروحات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية وبعد فشلها جميعاً، ستصل البشرية لحالة من اليأس بحيث تطلب فيها إقامة دولة العدل الإلهي الموعودة.
وستطالب البشرية بتطبيق هذا المشروع الإلهي الكبير في الأرض مهما كلفها الأمر، وسيعمل الجميع حينئذٍ لإنجاح هذه الحكومة العادلة وحتى إذا استدعى الأمر للعمل في الأعمال الشاقة طلباً للأجر والثواب من الله فقط.
ولقد جاء في بعض الأخبار أنه في زمان الإمام المهدي (عليه السلام) لن يكون هناك أجر مالي للبضائع في أثناء البيع وإنما الصلاة على محمد وآل محمد فقط..!
وحتى إذا قلنا بعدم صحة هذه الأخبار إلا أنه لن يكون هناك مانع عند أحد ما من العمل في الأعمال الشاقة والدنيئة مادام في ذلك قيام الدولة الإسلامية وبقاؤها وديمومتها.
ولذلك كان بعض من مهام الأئمة المعصومين (عليهم السلام) من بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) هو إيصال الأمة إلى هذه المرحلة من الاستعداد والجاهزة.
فعن بريد ألعجلي قال: (قيل لأبي جعفر الباقر (عليه السلام) إن أصحابنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(45) الإرشاد للمفيد ج 2 ص 384، كشف الغمة ج3 ص 265.
بالكوفة جماعة كثيرة فلو أمرتهم لأطاعوك واتبعوك، فقال: يجيء أحدهم إلى كيس أخيه فيأخذ منه حاجته؟ فقال: لا، فقال: فهم بدمائهم أبخل، ثم قال: إن الناس في هدنة نناكحهم ونوارثهم ونقيم عليهم الحدود ونؤدي أماناتهم حتى إذا قام القائم جاءتا لمزاملة ويأتي الرجل إلى كيس أخيه فيأخذ حاجته لا يمنعه)(46).
وكان كل إمام من الأئمة (عليهم السلام) يقوم بمهام تتناسب مع مرحلة التطور في الأمة والوضع الاجتماعي الذي يعاصره، فنرى الإمام الحسين (عليه السلام) يقوم بثورة ضد يزيد، بينما الإمام زين العابدين يركز على جانب التربية بالدعاء والعبادة، بينما نرى الإمامين الباقر والصادق يركزان على المجال العلمي والفقهي.
وحينما وصلت الأمة في زمان الإمام العسكري (عليه السلام) لمرحلة من التطور بحيث تستطيع تحمل أعباء غيبة الإمام عنها حدثت الغيبة الصغرى ومن بعدها الغيبة الكبرى بالتدريج حيث سبق ذلك انقطاع الأئمة السابقين للمهدي (من بعد الإمام الرضا) عن الاتصال المباشر بالأوساط الاجتماعية لوضعهم تحت الإقامة الجبرية في دورهم وتحت الملاحظة الدائمة من قِبل السلطات الحاكمة آنذاك، وكذلك اتخاذ الأئمة نظام الوكلاء بينهم وبين عامة شيعتهم ومواليهم تمهيداً لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(46) بحار الأنوار ج 52 ص 372 ح 164، درر الأخبار ص 404 ح 17.
الفصل الأول: الغيبة الصغرى 260 هـ 329 هـ
ولد الإمام المهدي (عليه السلام) وهو محمد بن الحسن العسكري في العام 255 من الهجرة في ظروف تشبه ولادة النبي موسى (عليه السلام)، فكما أن أم موسى لم يكن معروف اسمها إلا لدى الخاصة فكذلك اختلفت الآراء في اسم أم الإمام المهدي، فقيل اسمها نرجس وقيل سوسن وقيل صقيل وقيل ريحانة، وكذلك كما أن أم موسى لم يكن يبدو عليها آثار الحمل فكذلك أم الإمام المهدي لم يكن يبدو عليها آثار الحمل أيضاً، وكما أُخفي أمر ولادة النبي موسى (عليه السلام) وأُلقي به في اليم بعد ولادته كذلك أُخفي أمر ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) ولم يكن يطلع عليه إلا الخواص من الشيعة والموثوق بهم من المؤمنين كما جاء في الرواية التالية.
عن أحمد بن إسحاق الأشعري قال: (دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وأنا أُريد أن أسأله عن الخلف من بعده فقال لي مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يخلِ الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام) ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة الله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض، قال فقلت: يا بن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) مسرعاً فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء الثلاث سنين، فقال (عليه السلام): يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله (عزَّ وجلَّ) وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سمي برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)
وكنيه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأمة مثل الخضر ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلا من ثبته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته ووفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه، فقال أحمد بن إسحاق: فقلت: يا مولاي فهل من علامة يطمئن إليها قلبي فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح فقال: أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه ولا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق. قال: فخرجت مسروراً فرحاً)(47).
بل جاء في بعض الروايات عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار (عليه السلام) النهي حتى عن ذكر اسمه أمام الناس لكي لا يتمكن الأعداء من معرفته والاطلاع على مكانه.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه إلا كافر)(48).
وعنه أيضاً (عليه السلام) حينما سئل من المهدي من ولدك قال: (الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته)(49).
وعن أبي هاشم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن الهادي صاحب العسكر (عليه السلام) يقول: (الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف، فقلت: لم جعلني الله فداك؟ فقال (عليه السلام): لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، فقلت: فكيف نذكره؟ قال: قولوا الحجة من آل محمد)(50).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(47) كمال الدين ج 2 ص 384، إعلام الورى ص 412، منتخب الأثر ص 228.
(48) الكافي ج 1 ص 333 ح 4، كمال الدين ج 2 ص 648 ح 1، بحار الأنوار ج 51 ص 33 ح 11.
(49) إعلام الورى ج 2 ص 234، كمال الدين ج 2 ص 411 ح 5.
(50) الإرشاد ج 2 ص 320، الإمامة والتبصرة ص 118، علل الشرائع ج 1 ص 245.
وبعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عام 260 ه - حيث كان عمر الإمام المهدي (عليه السلام) خمس سنين تقريباً - بدأت غيبة الإمام المهدي الصغرى التي استمرت قرابة 70 سنه حتى عام 329 ه عند وفاة السفير الرابع.
حيث لم يطلع على مكانه خلال هذه الفترة أحد من الناس إلا خاصة مواليه والمقربين منه فقط، وكان يراسل شيعته عبر وسطاء ونواب أربعة واحد بعد واحد كلما مات أحدهم أقام الإمام المهدي النائب الآخر مكانه لأجوبة المسائل وحل المشكلات وقضاء الحاجات وقبض الأموال وغير ذلك، وهم على التوالي:
السفير الأول: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ألأسدي (لمدة 5 سنوات) ولقد كان وكيلاً لأبيه الإمام العسكري من قبله حيث قال بشأنه: (هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي وثقتي في المحيى والممات فما قاله لكم فعني يقوله وما أدى إليكم فعني يؤديه)(51).
السفير الثاني: أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري (لمدة 40 سنة) وكان ثقة الإمام العسكري أيضاً ولقد جاء عنه أنه قال (اشهدوا أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم)(52).
السفير الثالث: أبو القاسم حسين بن روح النوبختي (لمدة 21 سنة) حيث جاء عن محمد بن عثمان العمري بشأنه وذلك قبل موته بمدة (إن حدث علي حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أُمرت أن أجعله في موضعي بعدي فأرجعوا إليه، وعولوا في أموركم عليه)(53).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(51) غيبة الطوسي ص 355، بحار الأنوار ج 51 ص 344.
(52) غيبة الطوسي ص 216، بحار الأنوار ج 51 ص 345.
(53) طرائف المقال ج 2 ص 324، تهذيب المقال ج 2 ص 404.
السفير الرابع: أبو الحسن علي بن محمد السمري (لمدة 3 سنين) وفي نهاية سفارته خرج التوقيع من الإمام المهدي (عليه السلام) يخبر الناس بانتهاء الغيبة الصغرى وبدء الغيبة الكبرى.
حيث كتب (عليه السلام): (بسم الله الرحمن الرحيم: يا علي بن محمد ألسمري: أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)(54).
وفي اليوم السادس مرض السمري رضوان الله تعالى عليه وانتقل إلى رحمة الله تعالى وكان آخر ما تكلم به بعد أن سألوه إلى من يوصي فقال: لله أمر هو بالغه.
- لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا هذا التعتيم الكبير على حمل الإمام المهدي (عليه السلام) وولادته، وما هي أسباب غيبته الصغرى هذه؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(54) إعلام الورى ص 417، جنة المأوى ص 318، غيبة الطوسي ص 243.
أسباب الغيبة الصغرى:
أولاً: الحفاظ على شخص الإمام المهدي (عليه السلام) وبقائه كما كان أيام الفراعنة وفي زمان النبي موسى (عليه السلام) حيث أنهم كانوا موعودين بخروج مخلص لبني إسرائيل ينهي ظلم الفراعنة ويدمر الطاغية فرعون ويقضي على جبروته، فما كان منه إلا أن قام بقتل الذكور من أبناء بني إسرائيل واستبقاء الإناث (يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم)(55).
كذلك كان من المعروف من الأخبار والروايات المتواترة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن عدد الأئمة اثني عشر إماماً، وأن الإمام الثاني عشر هو الذي يزيل دول الظلم ويقضي على أئمة الجور والطغيان، فكان حكام الدولة العباسية يترقبوا هذا الأمر ويحسبون له ألف حساب، فوضعوا الإمام الحادي عشر أي الحسن العسكري (عليه السلام) تحت الإقامة الجبرية في بيته بسامراء كما وضعوا نساؤه تحت الرقابة المباشرة، وذلك للقضاء على الإمام الثاني عشر وتصفيته أول ولادته.
لذلك شاء الله سبحانه وتعالى إخفاء أمر حمله وولادته إلا عن خواص الشيعة والموثوق بهم من المؤمنين، وبعد ولادته (عليه السلام) تناهى لمسامع الحكومة العباسية بعض الأخبار عن ذلك فتمت مداهمة بيت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(55) سورة القصص (4).
الإمام العسكري (عليه السلام) مرات عديدة وبشكل مفاجئ للقبض على الإمام المهدي (عليه السلام) وتصفيته، وباءت جميع محاولاتهم بالفشل، مما جعل أم الإمام المهدي السيدة نرجس (رض) تدعي بأنها حامل فسجنت عند القاضي بسامراء لمدة سنتين وذلك بعد وفاة الإمام العسكري حتى شغلوا عنها بثورة صاحب الزنج وسلمها الله منهم بفضله.
فكانت هذه الظروف العصيبة هي التي دعت الإمام المهدي (عليه السلام) للغيبة حفاظاً على نفسه لكي لا يقتل كما قتل آباؤه (عليه السلام) خصوصاً وهو آخر الأئمة وبقية حجج الله على الخلق وخاتم الأوصياء (عليهم السلام)، وهو المكلف بإقامة الدولة الإسلامية العالمية، فكان لابد من الحفاظ على وجوده بالغيبة حتى ينجز المهمة الموكل بها، وهذا ما نفهمه من الروايات التالية.
فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: (لابد للغلام من غيبة، فقيل له: ولم يا رسول الله، قال: يخاف القتل)(56).
وفي البحار عن الباقر (عليه السلام) قال: (إذا ظهر قائمنا أهل البيت قال: (ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً)(57) أي خفتكم على نفسي وجئتكم لما أذن لي ربي وأصلح لي أمري)(58).
وعن يونس بن عبد الرحمن قال: (دخلت على موسى بن جعفر (عليه السلام) فقلت له: يا بن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال (عليه السلام): أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون)(59).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(56) علل الشرائع ج 1 ص 243، ميزان الحكمة ج1 ص 184.
(57) سورة الشعراء (21).
(58) بحار الأنوار ج 52 ص 385 ح 195.
(59) كمال الدين ص 361 ح 5، إعلام الورى ص 433، كفاية الأثر ص 269.
وخرج في التوقيع من الإمام المهدي (عليه السلام) لمحمد بن عثمان العمري في علة عدم ذكره (عليه السلام) باسمه: (فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه)(60).
ولكن هل الخوف على نفسه (عليه السلام) يستدعي غيابه كل هذه القرون الطوال..؟
بالطبع هذا الأمر غير منطقي فبعد انتهاء دولة بني العباس جاءت الكثير من الدول والممالك، ولم يعد يذكره أو يطلبه الظالمون بالشكل الذي كان في بدء غيبته، ولم يعد هناك حرج من ذكر اسمه أمام الناس، فلا بد أن هناك أسباب أخرى لاستمرار الغيبة الطويلة هذه، وهذا ما سنذكره إن شاء الله تعالى في الفصل القادم في أسباب الغيبة الكبرى.
ثانياً: تهيئة الأمة للغيبة الكبرى والانقطاع التام عن الإمام (عليه السلام) كان المؤمنون في زمان الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) يتلقون الأحكام الشرعية والتعاليم الإسلامية مباشرة من النبي والأئمة (عليهم السلام) دون أي حاجز أو مانع، وإذا أشكل عليهم أمر ما أو قضية معينة يلجئون فيها إلى المعصوم فيحلها في الحال، واستمر هذا الأمر حتى عام 260 هـ عند وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، حيث اختلف الحال ولم يعد بإمكان المؤمنين الالتقاء بالإمام المهدي (عليه السلام) وتلقي الأحكام الشرعية على يديه مباشرة.
ولكي لا تحدث ردة فعل عنيفة في الأمة لانقطاع الإمام عنها وغيابه بشكل مفاجئ، كان لابد من تهيئة الأمة للغيبة الكبرى، وتعويد الناس تدريجياً على احتجاب الإمام عنهم وبالتالي يستسيغون فكرة اختفائه (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(60) غيبة الطوسي ص 364 ح 331، بحار الأنوار ج 51 ص 351.
لذلك كان من شأن الإمام المهدي (عليه السلام) تعيين السفراء الأربعة رضوان الله تعالى عليهم خلال الغيبة الصغرى كواسطة بينه وبين الناس، كما كان (عليه السلام) متدرجاً في الاحتجاب عن الناس خلال تلك الفترة، حيث تمكن العديد منهم مشاهدته في أول الغيبة الصغرى وكان أقل احتجاباً عن الناس، وكلما مشى الزمان زاد احتجابه، حتى لا يكاد يُنقل عنه المشاهدة في زمن السفير الرابع لغير السفير نفسه.
ولقد شبهت الروايات الواردة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار الإمام المهدي (عليه السلام) بالشمس المضيئة، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: (أي والذي بعثني بالنبوة، إنهم لينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب)(61)، فكما أن الشمس قبل غروبها تماماً تبقى أشعتها لمدة معينة من الزمن حتى تغيب تماماً ويحل الظلام الدامس، فكذلك الإمام كان في حال الغيبة الصغرى متدرجاً في الغيبة قبل انقطاعه التام عن الناس.
ويذكر السيد مجتبى السادة بهذا الشأن أن للإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً ظهور أصغر يسبق الظهور الأكبر إن شاء الله تعالى، وذلك يتمثل في عدة أحداث وقضايا سوف تحدث تمهد الأرض والبشرية لظهوره المبارك (عليه السلام)، حيث يقول: (وكذلك طلوع الشمس فإنه لا يكون مباشرة بل يبدأ الخيط الأبيض ثم الفجر ثم نور باهت يزداد تدريجياً حتى طلوع الشمس ساطعة في السماء، وهكذا فإن ظهور الحجة بن الحسن (عليه السلام)، وهو كالشمس المنيرة في سماء الولاية، لابد أن يسبقه ظهور أصغر يهيئ الأرضية للظهور الكامل لوجوده المقدس)(62).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(61) إعلام الورى ص 376، بحار الأنوار ج 52 ص 93.
(62) الفجر المقدس ص 48.
ثالثاً: إثبات حقيقة وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وإبطال شبهات المشككين بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عام 260 هـ وبسبب خفاء أمر ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) عن أكثر الناس، بدأ الشك يدب في نفوس الكثير منهم بوجوده (عليه السلام) خصوصاً مع اقتسام إرث أبيه الإمام العسكري بين عمه جعفر وجدته أي أم الإمام العسكري حيث أوصى لها الإمام العسكري بأوقافه وصدقاته هذا بالإضافة لادعاء عمه جعفر الكذاب الإمامة، فكان لابد من إثبات وجود الإمام المهدي عبر بعض المشاهدات للعديد من الناس، وهي التي حصلت بالفعل في فترة الغيبة الصغرى كصلاته (عليه السلام) على جنازة أبيه ولقائه بوفد القميين الذين جاءوا لتسليم الأموال للإمام العسكري ووصفه الدقيق لتلك الأموال.
فعن أبو الأديان في ضمن حديث طويل تحدث فيه عن وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) قال: (فلما صرنا في الدار، إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي، فتأخر جعفر وقد اربد وجهه واصفر، فتقدم الصبي وصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام))(63).
والأمر الآخر الذي قام به الإمام المهدي (عليه السلام) في الغيبة الصغرى لإثبات وجوده هو اتخاذ نظام الوكلاء أو النواب بينه وبين عامة الشيعة كما ذكرنا ذلك من قبل.
ومن الأمور الهامة أيضاً التي ساهمت في إثبات وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وتهيئة الذهنية العامة لدى المؤمنين للغيبة الكبرى وجعلتهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(63) كمال الدين ص 475، بحار الأنوار ج 50 ص 332، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 4 ص 255.
يتقبلون الفكرة بصدر رحب هو تأكيد العديد من الروايات الواردة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام) على الغيبة وحصولها للإمام المهدي (عليه السلام) وتحدثهم عنها بإسهاب.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن لصاحب هذا الأمر يعني المهدي غيبتين إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، وبعضهم يقول قتل، وبعضهم يقول ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره)(64).
وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: ما تأويل قول الله تعالى قل (أرءيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ معين)(65) فقال (عليه السلام): (إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون)(66).
وعن محمد بن زياد الأزدي قال: سألت سيدي موسى بن جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ) (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه)(67) فقال (عليه السلام): (النعمة الظاهرة الإمام الظاهر والباطنة الإمام الغائب، قال: فقلت له: ويكون في الأئمة من يغيب؟ قال: نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منا، يسهل الله له كل عسير، ويذلل له كل صعب، ويظهر له كنوز الأرض ويقرب له كل بعيد ويبير به كل جبار عنيد ويهلك على يده كل شيطان مريد، ذلك ابن سيدة الإماء الذي تخفى على الناس ولادته ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله (عزَّ وجلَّ) فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(68).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(64) الإشاعة لأشراط الساعة ص 93، غيبة الطوسي ص 61، بحار الأنوار ج 53 ص 320.
(65) سورة الملك (30).
(66) كمال الدين ص 360 ح 3، غيبة الطوسي ص 160، إثبات الهداة ج 3 ص 476.
(67) سورة لقمان (20).
(68) بحار الأنوار ج 51 ص 150 ح 2، كمال الدين ص 368.
ولقد قام الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بطريقة هادئة في إعلام كبار الشيعة والمخلصين من المؤمنين بولادة الإمام المهدي المنتظر وذلك عبر إرسال بعض الرسائل للثقاة منهم من أمثال أحمد بن إسحاق حيث كتب (عليه السلام) له: (ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والولي لولايته، أحببنا إعلامك ليسرك الله به مثل ما سرنا به والسلام)(69).
كما قام (عليه السلام) بذبح كذا شاة عقيقه عن ابنه المهدي وقام بتوزيع كمية كبيرة من الخبز واللحم على شخصيات من بني هاشم ووجهاء الشيعة، ولقد جاء في بعض الأخبار كما نُقل عن الحسن بن المنذر عن حمزة بن أبي الفتح أنه (عليه السلام) عق عنه بثلاثمائة شاة.
كما قام الإمام العسكري (عليه السلام) بإخبار بعض أصحابه الموثوق بهم شفوياً بولادة الإمام المهدي من أمثال أبا هاشم الجعفري وأبا طاهر البلالي كما قام (عليه السلام) بعرض ابنه المهدي على جماعة من أصحابه وهم أكثر من 40 رجلاً وقد اجتمعوا في مجلسه فقال لهم: (هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان أي العمري ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه)(70).
ولكن لماذا لم تستمر السفارة بين الإمام المهدي (عليه السلام) والناس كما في الغيبة الصغرى حتى يومنا هذا؟ أو بمعنى آخر لماذا حدثت الغيبة الكبرى؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(69) منتخب الأثر ص 344، كمال الدين ص 434، بحار الأنوار ج 51 ص 16 ح 21.
(70) غيبة الطوسي ص 357، منتخب الأثر ص 355 ح 2، إثبات الهداة ج 3 ص 415 ح 56.
أسباب انتهاء الغيبة الصغرى:
يذكر السيد محمد صادق الصدر (قدّس سره) بشأن بدء الغيبة الكبرى الأسباب التالية(71) استيفاء الغيبة الصغرى لأغراضها في تهيئة الذهنية العامة للناس لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام).
ازدياد المطاردة والمراقبة من قبل السلطات الحاكمة آنذاك للإمام والمرتبطين به لدرجة أن السفير الرابع لم يقوم بعمل اجتماعي كبير يذكر، ولم يرو لنا من أعماله إلا القليل، ولم تستمر مدة سفارته إلا ثلاثة أعوام فقط.
عدم إمكانية المحافظة على السرية الملتزمة في خط السفارة لو طال بها الزمان أكثر من ذلك وانكشاف أمرها شيئاً فشيئاً، فخلال السبعين سنة تقريباً وهي مدة الغيبة الصغرى لم يُنقل أنه عُرف كيف يتم الاتصال بين الإمام والسفراء، وكيف يخرج لهم التوقيع، وأين يجتمعون مع الإمام (عليه السلام).
بل لم يكن لأي من السلطات الحاكمة آنذاك أن يثبتوا على أحد السفراء أو وكلائهم أنهم أخذوا مالاً من أحد ما لتوصيله للإمام، ولم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(71) تاريخ الغيبة الصغرى ص 630.
يجدوا في حوزتهم أي أوراق تثبت اتصالهم بالإمام (عليه السلام).
فعن الحسين بن الحسن العلوي قال: (انتهى إلى عبيد الله بن سليمان الوزير أن له أي الإمام (عليه السلام) وكلاء وأنه تجبى إليهم الأموال، وسموا الوكلاء في النواحي، فهمّ بالقبض عليهم، فقيل له: لا، ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفونهم بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قُبض عليه، فلم يشعر الوكلاء بشيء حتى خرج الأمر أي من صاحب الزمان أن لا يأخذوا من أحد شيئاً وأن يتجاهلوا بالأمر، وهم لا يعلمون ما السبب في ذلك، وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم إليهم، فلم يظفروا بأحد منهم ولم تتم الحيلة فيهم)(72).
ولقد تعرض السفير الثالث الحسين بن روح للاعتقال والمساءلة لفترة من الزمن وحينما لم تجد عليه السلطات أي مستمسك أطلقت سراحه بفضل الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(72) إعلام الورى ج 2 ص 266، الكافي ج1 ص 440 ح 30.
جاء في رسالة الإمام المهدي (عليه السلام) الثانية التي كتبها في بداية الغيبة الكبرى للشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه:
(ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلواته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم)(73).
حينما يُراد تغيير مجتمع فاسد أو وضع بائس في مكان ما فلا بد من تهيئة الظروف المناسبة لعملية الإصلاح في ذلك المكان، وخلق المناخ المثالي والأرضية الصالحة لإنجاح عملية التغيير، ولأن عملية التغيير للإمام المهدي (عليه السلام) ليست مرتبطة بمكان محدود أو مجتمع محدود، وإنما تغيير العالم تغييراً شاملاً فهذه العملية الإصلاحية الكبرى لابد أن يتهيأ لها مناخ عالمي مناسب يشمل جميع الأرض بل والكون أيضاً.
ولكي تتم هذه العملية بالشكل المطلوب والفعال لابد من توفر شروط معينة، وهي التي ذكرها السيد محمد صادق الصدر (قدّس سره) في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(73) الاحتجاج ج 2 ص 324، كلمة الإمام المهدي (عليه السلام) ص 151.
موسوعة الإمام المهدي (عليه السلام) تحت عنوان شرائط الظهور، وهي بشكل مختصر تتمثل في أربع نقاط أو شروط(74):
الشرط الأول: وجود النظرية أو الأطروحة الكاملة لعملية التغيير.
وبمعنى آخر وجود الأيديولوجية الفكرية الكاملة والقابلة للتنفيذ في كل الأمكنة والأزمنة والتي تضمن الرفاهية للبشرية جمعاء، وهذا ما تم بالفعل بوجود الشريعة الإسلامية والرسالة المحمدية الخاتمة.
الشرط الثاني: وجود القائد المحنك الذي يقود عملية التغيير الشامل.
حيث ينبغي أن يمتلك هذا القائد العظيم القابلية الكاملة لقيادة العالم كله ونشر العدل فيه، وهذا أيضا قد حصل والمتمثل في وجود الإمام المهدي (عليه السلام).
ويقول السيد محمد باقر الصدر (قدّس سره) بهذا الخصوص (إن الإسلام حوَّل فكرة الخلاص من الإيمان بها في الغيب، ومن فكرة ننتظر ولادتها، ومن نبوئه نتطلع إلى مصداقها، إلى واقعاً ننظر فاعليته وإنساناً معيناً يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويرانا ويعيش مع آمالنا وآلامنا ويشارك أحزاننا وأفراحنا ويترقب اللحظة الموعودة)(75).
الشرط الثالث: وجود العدد الكافي من الأنصار والمؤازرين للقائد العظيم.
الذين يشكلون قاعدة للتغيير ولديهم مستوى عالٍ من الوعي والاستعداد للتضحية بين يدي القائد بحيث يعتمد عليهم في نشر العدل في جميع أنحاء المعمورة ويكونون قادة لجيش الإمام ومقاتلين بين يديه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرط الرابع: وجود قاعدة شعبية مؤيدة وكذلك استعداد عالمي للتغيير.
أي وجود العدد الكافي من المؤمنين المؤيدين للإمام في حال ظهوره، وكذلك وجود استعداد لدى شعوب العالم لقدوم المخلص المنتظر.
من هنا نعرف أن ظهور الإمام سوف يتحقق لنا متى اجتمعت هذه الشروط في زمن واحد مهما طال الزمن، حيث أن هذه الشروط كفيله بإنجاح عملية التغيير المنشودة، واستحالة تخلف وعد الله لعباده الصالحين.
ويقول شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (قدّس سره) بهذا الخصوص: (الذي نقوله في هذا الباب.. أن الذي هو لطفنا من تصرف الإمام وانبساط يده لا يتم إلا بأمور ثلاثة: أحدها يتعلق بالله وهو إيجاده (عليه السلام)، والثاني يتعلق به من تحمل أعباء الإمامة والقيام بها، والثالث يتعلق بنا من العزم على نصرته ومعاضدته والانقياد له)(76).
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: لماذا غاب الإمام المهدي (عليه السلام) كل هذه القرون الطويلة؟ وما الحكمة من استمرار غيبته (عليه السلام) طوال هذه المدة المديدة التي لا يعلم انتهاءها إلا الله؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(76) كتاب الغيبة - الشيخ الطوسي ص 12.
أسباب وغايات الغيبة الكبرى:
كما ذكرنا في السابق إنه لإنجاح عملية التغيير للوضع العالمي الفاسد كان لابد من تهيئة المناخ المناسب والبيئة المثالية لعملية الإصلاح والتغيير، ولكي يتم ذلك بالشكل المطلوب كان لابد من حدوث عدة أمور هامة تشكل مجتمعة العلة أو الحكمة من استمرار غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) حيث ذكرنا من قبل أن بدء غيبته كان من أجل الحفاظ على شخصه الكريم من القتل، كما أنهلا ينبغي للإمام المهدي (عليه السلام) أن يكون ظاهراً بين الناس ويرى بعينه المفاسد والظلم ويبقى صامتاً ومكتوف الأيدي مستسلماً لقوى الطغيان في انتظار حصول هذه الأسباب والأمور التي سنتحدث عنها، فكان لابد من استمراره في هذه الغيبة الطويلة حفاظاً على روح الرفض لدى المؤمنين ضد الظلم والطغيان حتى تجتمع هذه الأسباب وتكتمل، ومن هذه الأمور المهمة التي كان لابد من حصولها:
1 - وصول البشرية لمرحلة متقدمة من التطور العلمي والتقني:
لكي يتمكن الإمام المهدي (عليه السلام) من بسط سلطته على جميع المعمورة وحكم كامل الكرة الأرضية بالقسط والعدل لابد أن تكون الاتصالات في زمنه سريعة ومباشرة، بحيث يمكنه مراسلة أي من ولاته في جميع الأقطار وحل مشاكلهم في زمن قياسي، وهذا الأمر لم يكن
بالإمكان تطبيقه قبل مئة عام من الآن مثلاً، إذ لو أراد أحد ولاته أو الحكام المعينين منه في شرق الأرض أو غربها مراسلته عبر وسائل المواصلات القديمة كالجمال مثلاً، لاستلزم الأمر عدة شهور حتى تصل الرسالة له، وقد تتفاقم المشكلة طوال هذه المدة بحيث لا يمكن حلها بالشكل المطلوب.
ولذا كان لابد من الانتظار حتى تصل البشرية لمرحلة متقدمة في العلوم والتكنولوجيا مما يساعد الإمام فيحكم كامل الأرض بسهولة ويسر عبر استخدامه وسائل التقنية الحديثة في الاتصالات وأجهزة المراقبة والتحكم عن بعد وغير ذلك من أجهزة وأسلحة متطورة، مما يساعده أيضا في حروبه التي يخوضها ضد الأعداء من الكفار والظالمين.
وهذا الأمر نفهمه من الروايات التالية التي تتحدث عن هذا التطور التكنولوجي في زمان ظهور الإمام المهدي (عليه السلام).
فعن أبي الربيع الشامي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إن قائمنا إذا قام مد الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد أي رسول يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه)(77).
وعن ابن مسكان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق)(78).
وعن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (كأني أنظر إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(77) بحار الأنوار ج 52 ص 336، الخرائج والجرائح ج 2 ص 840، مختصر بصائر الدرجات ص 117.
(78) بحار الأنوار ج 52 ص 391، درر الأخبار ص 404، منتخب الأثر ص 483.
القائم على ظهر النجف، فإذا استوى على ظهر النجف ركب فرساً أدهم أبلق بين عينيه شمراخ، ثم ينتفض به فرسه فلا يبقى أهل بلد إلا وهم يرون أنه معهم في بلادهم)(79).
وعنه أيضاً بشأن خروج الإمام المهدي (عليه السلام) قال: (لا تراه عين في وقت ظهوره إلا رأته كل عين، فمن قال لكم غير هذا فكذبوه)(80).
وهذا ما يحدث فعلاً في الزمان الحاضر عبر شاشات التلفزيون وكاميرات الاتصالات والإنترنت وغيرها.
وعن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه (عليه السلام) قال: (إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً، يقول: عهدك في كفك فإذا ورد عليك ما لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك واعمل بما فيها)(81).
فربما يكون مضمون الحديث السابق هو ما نراه هذه الأيام من أجهزة اللاسلكي الحديثة أمثال النقالات (الجوالات) أو شاشات الاتصالات أو ما شابه ذلك.
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إنه إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى له كل منخفض من الأرض وخفض له كل مرتفع منها حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها)(82).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(79) كمال الدين ص 672، غيبة النعماني ص 310، بحار الأنوار ج 19 ص305.
(80) مختصر بصائر الدرجات ص 181، بحار الأنوار ج 53 ص 6.
(81) غيبة النعماني ص 319، مستدرك سفينة البحار ج 8 ص 545.
(82) كمال الدين ص 674 ح 29، بحار الأنوار ج 52 ص 328 ح 46، إثبات الهداة ج 3 ص 494.
فلعل المقصود بهذا الحديث الآنف الذكر أن الإمام المهدي (عليه السلام) يمكنه أن يطلع على أي مكان في العالم أو أي موقع جغرافي عبر شاشات الرادار أو الأقمار الصناعية أو ما شابه ذلك.
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): (في تأويل قوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور)(83) قال: ينزل القائم في سبع قباب من نور لا يُعلم في أيها هو حين ينزل في ظهر الكوفة، فهذا حين ينزل)(84).
ولعل المراد بهذا الحديث هو الطائرات في الزمن الحاضر أو ربما الأطباق الطائرة أو ربما أجهزة أكثر تطوراً تكتشف في المستقبل والله أعلم.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في إحدى خطبه عن أحداث وعلامات الظهور للإمام المهدي (عليه السلام): (وتقبل رايات شرقي الأرض ليست بقطن ولا كتان ولا حرير مختمة في رؤوس القنا بخاتم السيد الأكبر يسوقها رجل من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم تطير بالمشرق يوجد ريحها بالمغرب كالمسك الاذفر يسير الرعب أمامها شهرا)(85).
ولعل أقرب تفسير للحديث السابق هي الصواريخ العابرة للقارات أو الصواريخ التي يتحكم بها عن بعد أو ما شابه ذلك بدليل قول الإمام (يوم تطير بالمشرق يوجد ريحها بالمغرب) فمن المعروف أن الرايات والأعلام لا تطير عادة.
وعن الصادق (عليه السلام) قال: (إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنورها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(83) سورة البقرة (210).
(84) تفسير العياشي مجلد 1 ص 103، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 5 ص 45.
(85) بحار الأنوار ج 53 ص 83 ح 86، مختصر بصائر الدرجات ص 200.
واستغنى العباد عن ضوء الشمس وصار الليل والنهار واحداً وذهبت الظلمة)(86).
وهذا ما يحدث في الزمان الحاضر مع وجود الكهرباء حيث ذهبت الظلمة وأصبح الليل مثل النهار مع وجود الأنوار والإضاءة الكهربائية.
كما لا يمكن تأويل جميع الأحاديث والروايات السابقة وهناك من أمثالها الكثير جداً بالمعجزات والخوارق، ولا يمكن القول بأن دولة الإمام المهدي (عليه السلام) ستقوم على المعاجز فقط طوال مدة بقائها.
إذ من المعروف أن الله سبحانه وتعالى أجرى الحياة الدنيا بالسنن الطبيعية، والمعجزات لا تحدث إلا في ظروف معينة وفي مجالات ضيقة، كإثبات صدق النبي أو الإمام، لكي لا يدعي النبوة أو الإمامة أي مدعي كاذب، أو في حالة الحفاظ على شخص النبي أو الإمام من الأعداء والمخاطر كما تكلم لحم الكتف المسموم لرسول الله وذلك حينما دست له تلك اليهودية فيه السم، أو لوجود مصلحة ما لا تتم بالشكل الطبيعي ولا يمكن تنفيذها إلا بالمعجزة كما سافر الإمام علي (عليه السلام) إلى المدائن لتغسيل سلمان الفارسي وعاد في نفس الليلة إلى الكوفة بقدرة الله تعالى.
وأما في غير هذه الحالات فإن الأمور تجري بشكلها الطبيعي، وإلا لاستلزم الأمر أن لا يكون هناك جهاد من قِبل الأنبياء والمعصومين لأعدائهم وتحمل الأذى منهم كما حدث لرسول الله حينما كسرت رباعيته، وأُلقيت عليه الحجارة والأوساخ بأبي هو وأمي، إذ أن الله تبارك وتعالى قادر على نصره بالمعجزة ولم يكن هناك حاجة حينئذٍ لاستمرار الدعوة الإسلامية طوال 23 سنة التي قضاها الرسول في ذلك.
ويقول الشيخ حسن موسى الصفار حفظه الله تعالى بهذا الخصوص:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(86) دلائل الإمامة ص 241، الإرشاد ص 363، غيبة الطوسي ص 484، إعلام الورى ج 2 ص 293.
(صحيح أن خضوع العالم وتسليمه للإمام المهدي - سيجعل المهمة سهلة، ولكن هناك مشاكل طبيعية يجب أن نحسب لها حساباً في تصورنا لذلك المستقبل السعيد، منها اختلاف اللغات وبعد المسافات وكثرة متطلبات الحياة...، وقد يبادر البعض إلى إلقاء المسؤولية على الإعجاز، فالإمام مؤيد من قبل الله ويمكنه أن يستعين بالمعجزة لعلاج كل هذه المشاكل!
ولكنها حينئذٍ ستكون دولة يحكمها الغيب، وتديرها المعجزة.. مع أن الغيب لا يتدخل في قضايا الحياة إلا عبر السنن والقوانين الطبيعية، اللهم إلا في بعض الحالات الاستثنائية المؤقتة، حيث يحدث هناك التدخل المباشر وتكون المعجزة.
إما أن تتحول المعجزة إلى قانون يحكم العالم كله، فهذا خلاف سنة الله التي لن تجد لها تحويلا ولن تجد لها تبديلا، من هنا يحق لنا أن نحتمل أن من بين أسباب تأخر خروج الإمام المهدي هو انتظار تهيؤ الأجواء والظروف المادية والآلية والاجتماعية، ليستطيع الإمام عندها من إنجاز مهمته وتنفيذ دوره الخطير على أحسن وجه، مستعيناً بإنجازات العلم الحديث ومكاسب الإنسانية الجبارة)(87).
كما يجب ألا يساء فهم الأحاديث التي تتحدث عن خروج القائم بالسيف فيفهم بمعناه الظاهري أي ذلك السلاح القديم، وإنما قد تعني هذه الأحاديث والروايات خروجه (عليه السلام) بالقوة والسلاح وقتاله الأعداء ومحاربته لهم وعدم مهادنتهم، وربما تعني هذه الأحاديث أنه (عليه السلام) يتخذ السيف شعاراً ورمزاً لدولته أو في حروبه ولا مانع أبداً من استخدامه للأسلحة الحديثة والمتطورة كما يذكر ذلك السيد حسن الشيرازي (قدّس سره)، حيث يقول: (فرفعه السيف شعاراً أو حمله رمزاً لا يعني استخدامه سلاحاً وحيداً في معاركه، وإنما تشير جملة من الدلائل والقرائن على أنه يستخدم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(87) الإمام المهدي (عليه السلام) أمل الشعوب ص 72، 75.
أسلحة أخرى شديدة الفتك والتدمير إلى درجة رهيبة تخلع قلوب القادة العسكريين فيستسلمون لتجاربها الأولية)(88).
وقد يكون أيضاً لسيفه القوة التي تغلب جميع الأسلحة الفتاكة وتسيطر عليها كما كان لعصا موسى (عليه السلام) فمن المعروف أن معجزات الأنبياء والمعصومين تكون متحدية لفنون وعلوم زمانهم، فلابد أن تكون في زمان الإمام المهدي (عليه السلام) الأسلحة في غاية التطور، والعلوم متقدمة جداً فيكون لسيفه الغلبة على جميع تلك الأسلحة والتقنيات المتطورة.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في وصف سيوف بعض أصحاب القائم: (لهم سيوف من حديد غير هذا الحديد، لو ضرب أحدهم بسيفه جبلاً لقده حتى يفصله)(89).
وعن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سيبعث الله ثلاثمائة وثلاثة عشر إلى مسجد مكة يعلم أهل مكة أنهم لم يولدوا من آبائهم ولا أجدادهم عليهم سيوف مكتوب عليها ألف كلمة كل كلمة مفتاح ألف كلمة، ويبعث الله الريح من كل واد تقول هذا المهدي يحكم بحكم داوود ولا يريد بينة)(90).
فمن الواضح من الحديث السابق أن سيوف أصحابه ليست سيوف عادية كما في الزمن الماضي وإنما هي أسلحة متطورة فيها أزرار إلكترونية كثيرة، وأيضاً من ضمن الحديث نستشف أن الإذاعات والفضائيات ستنقل أخبار الإمام المهدي (عليه السلام) بدليل قول الإمام الصادق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(88) كلمة الإمام المهدي (عليه السلام) ص 40.
(89) مدينة المعاجز ج 6 ص 27، مختصر بصائر الدرجات ص 11، مستدرك سفينة البحار ج 6 ص 190.
(90) غيبة النعماني ص 214، كمال الدين وتمام النعمة ج 2 ص 671، الخصال ص 649.
(ويبعث الله الريح في كل واد تقول...) فالريح هنا ما هي إلا ذبذبات وموجات كهر ومغناطيسية والله أعلم.
وليس معنى هذا الكلام أنه لن يكون هناك معجزات مطلقاً في سيرة الإمام المهدي (عليه السلام) وقتاله لأعدائه حيث أكدت الروايات على نصره بالرعب والملائكة والجن والعون والمدد الإلهي فوق ذلك كله، ومن المعجزات المؤكدة التي ستقع بإذن الله في بداية خروجه في مكة هي حادثة خسف البيداء بجيش السفياني بين مكة المكرمة والمدينة المنورة حيث أكدت عليها الروايات وأخبرت أنها من المحتوم.
إذ أنه في بداية خروجه لن يكون عنده أنصار سوى عدد قليل، بعدد جيش النبي في بدر أي ثلاثمائة وثلاثة عشر ناصراً فقط، بينما جيش السفياني كبير جداً ومجهز بأفضل الأسلحة، ولذلك لابد من تدخل العناية الإلهية في هذه الحالة للحفاظ على شخص الإمام حتى يتجمع باقي أنصاره وجنوده، وهذا ما أكدت عليه الروايات حيث أخبرت أنه لا يخرج من مكة حتى يجتمع عنده عشرة آلاف رجل.
كما لابد أن تظهر مثل هذه المعجزة للإمام حتى يثبت للناس أنه المهدي الموعود فعلاً وليس أحد المدعين للمهدية الذين يكذبون على الناس بافتراءاتهم.
وخلاصة القول أن الإمام المهدي (عليه السلام) سيستخدم المعجزة في حالة وجود مصلحة معينة لا تتم بالشكل الطبيعي بينما باقي سيرته ومجاهدته للأعداء ستكون بالمقومات الطبيعية والأسلحة الموجودة في زمان خروجه وبالتعاون مع أنصاره ومؤيديه وشيعته.
ولعل الحديث التالي من أوضح الروايات دلالة على ما نحن بصدده، حيث يوضح الإمام الصادق فيه أن أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) ينقسمون إلى قسمين، فبعضهم يأتي إلى مكة بشكل طبيعي وهم
القادرون على المجيء ودخول الأراضي المقدسة بالحجاز، والبعض الآخر ممن لم يجهزوا أنفسهم للسفر أو ربما ليس لديهم تصريح دخول فيأتون إلى مكة بشكل إعجازي.
فعن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في تأويل قوله تعالى: (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا)(91) قال: (لقد نزلت هذه الآية في المفتقدين من أصحاب القائم (عليه السلام)، إنهم لمفتقدون عن فرشهم ليلاً فيصبحون بمكة، وبعضهم يسير في السحاب نهاراً يُعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه، قال: فقلت جعلت فداك أيهم أعظم إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً)(92).
فالقسم الذي يأتي لمكة بشكل إعجازي هم المفتقدون عن فرشهم ليلاً فيصبحون بمكة من غير ميعاد كما صرح بذلك حديث آخر عن الإمام الباقر مشابه لهذا الحديث جاء فيه (وبعضهم نائم على فراشه فيوافيه في مكة على غير ميعاد)(93).
وأما القسم الآخر فيأتون بشكل طبيعي بالطائرات أو ما شابه ذلك كما جاء في الحديث (يسير في السحاب نهاراً) أي بشكل علني بدليل قول الإمام (يُعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه) وهذا ما ندعوه في الزمان الحاضر بجواز السفر أو بيانات الكمبيوتر أو الحاسب الآلي أو ما شابه ذلك.
وهذا القسم من الأصحاب عبر عنهم الإمام بأنهم أعظم إيماناً، ولعل السبب في ذلك لأنهم أعدوا العدة للسفر وتحملوا مشاقه وربما عرضوا أنفسهم للاعتقال والمسائلة، وربما دفعوا الأموال الطائلة في سبيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(91) سورة البقرة (148).
(92) بحار الأنوار ج 52 ص 286 ح 21، كمال الدين ص 672، غيبة النعماني ص 313.
(93) غيبة النعماني ص 315، إثبات الهداة ج3 ص 547.
الوصول لمكة المكرمة، فكانوا بذلك أفضل من الآخرين الذين جاءوا لمكة المكرمة بشكل إعجازي، فالأجر على قدر المشقة.
وفي الختام أقول لعل جميع هذه العلوم والتقنيات التي ظهرت في السنوات الأخيرة والتي ستظهر في المستقبل إنشاء الله ما هي إلا شيء بسيط من بركات قرب ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وحينما يظهر سيخرج لنا بإذن الله أضعاف مضاعفة من العلوم النافعة والتقنيات والأجهزة المتطورة.
فلقد جاء في الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (العلم سبعة وعشرون جزءاً، فجميع ما جاءت به الرسل جزءان، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الجزئين، فإذا قام القائم أخرج الخمسة والعشرين جزءاً فبثها في الناس، وضم إليها الجزئين حتى يبثها سبعة وعشرين جزءا)(94).
2 ـ وصول الأمة الإسلامية ككل للنضج الفكري والاستعداد العالي للتضحية:
سبق أن ذكرنا ضمن شرائط الظهور أنه لابد من وجود قواعد شعبية كافية ذات مستوى عال من الوعي والنضج الفكري ولديها الاستعداد العالي للتضحية في سبيل تطبيق العدل الإلهي في جميع الأرض، وأن هذا الأمر لم يحصل في الماضي ولا حتى في زمان وجود الأئمة (عليهم السلام).
فمن ذلك ما روي عن مأمون الرقي انه قال: (كنت عند سيدي الصادق (عليه السلام) إذ دخل سهل بن الحسن الخراساني فسلم عليه ثم جلس فقال له: يا بن رسول الله لكم الرأفة والرحمة وأنتم أهل بيت الإمامة، ما الذي يمنعك أن يكون لك حق تقعد عنه، وأنت تجد من شيعتك مائة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(94) بحار الأنوار ج 52 ص 336 ح 73، مختصر بصائر الدرجات ص 117، درر الأخبار ص 404 ح 15.
ألف يضربون بين يديك بالسيف؟ فقال له: اجلس يا خراساني رعى الله حقك، ثم قال: يا حنفية اسجري التنور، فسجرته حتى صار كالجمرة وابيض علوه، ثم قال: يا خراساني قم فأجلس في التنور، فقال الخراساني يا سيدي يا بن رسول الله لا تعذبني بالنار أقلني أقالك الله، قال: قد أقلتك.
قال الراوي فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكي ونعله في سبابته، فقال السلام عليك يا بن رسول الله، فقال له الصادق (عليه السلام): ألق نعلك من يدك واجلس في التنور، قال: فألقى النعل من سبابته ثم جلس في التنور، وأقبل الإمام يحدث الخراساني حديث خرا سان حتى كأنه شاهد لها، ثم قال: قم يا خراساني وانظر ما في التنور، قال: فقمت إليه فرأيته متربعاً، فخرج إلينا وسلم علينا، فقال الإمام: كم تجد بخرا سان مثل هذا؟ فقال: والله ولا واحداً.
فقال: لا والله ولا واحداً أما إنا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا، نحن أعلم بالوقت)(95).
وحيث أن حكومة الإمام المهدي (عليه السلام) هي حكومة عدل مطلق لا عدل نسبي فهذا يستلزم أحكاماً خاصة من الصعب على الكثيرين تحملها، فمثلاً حينما يقضي الإمام المهدي (عليه السلام) بين متخاصمين ينبغي له ألا يأخذ بظواهر الأمور ولا يسأل عن البينة كما دلت على ذلك العديد من الروايات، إذ ربما يكون للمتخاصم الكاذب الكثير من شهود الزور بينما المتخاصم الآخر المحق لا يملك أي دليل على صدقه، فالحكم العادل هنا يجب أن يتم بناءه على الحقيقة المستترة ولا يتطلع لظاهر الأمور، وهذا الأمر صعب على الناس تقبله، فحتى إن بعض أولي العزم من الرسل لم يتحملوا ذلك كما حدث من شأن نبي الله موسى (عليه السلام) مع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(95) بحار الأنوار ج 47 ص 124 ح 176، مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 363.
الخضر حينما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار.
ولذلك لم يكن الرسول محمد والأئمة (عليهم السلام) يحكمون بين الناس إلا بظواهر الأمور والبينات مراعاة لهذا الوضع الاجتماعي المعاش.
فعن رسول الله قال: (إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان وبعضكم ألحن بحجته من بعض، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنما قطعت له به قطعة من النار)(96).
أما طريقة حكم الإمام المهدي (عليه السلام) فستكون كما حكم نبي الله داوود (عليه السلام) بين المتخاصمين حيث لم يسأل عن البينة من المدعي.
فعن الصادق (عليه السلام) قال: (لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني يحكم بحكومة آل داوود ولا يسأل البينة، يعطي كل نفس حقها)(97).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا قام قائم آل محمد حكم بين الناس بحكم داوود لا يحتاج إلى بينة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كل قوم بما استبطنوه)(98).
لهذا يجب على الأمة في زمن القائم التسليم المطلق للإمام حتى وإن كان في ذلك مخالفة لما ترى أن فيه الصلاح وهذا الأمر لا يحدث إلا بعد حصول الأمة على الكثير من النكبات والمصائب لعدم إطاعتها للأوامر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(96) الكافي ج 7 ص 414 ح 1، معاني الأخبار ص 279، وسائل الشيعة ج 18 ص 169.
(97) بحار الأنوار ج 52 ص 339، الكافي ج 1 ص 398 ح 2، وسائل الشيعة ج 27 ص 231 ح 5.
(98) الإرشاد ج 2 ص 386، إعلام الورى بأعلام الهدى ج 2 ص 293، كشف الغمة ج 3 ص 266.
كما حدث للمسلمين في عهد رسول الله في معركة أحد وما حدث للكوفيين مع الإمام الحسين وما حدث بعد ذلك للشيعة في زمان الأئمة (عليهم السلام)، وسيحدث ذلك أيضاً في أول خروج القائم وحكمه.
فعن الصادق (عليه السلام) قال: (إنه أول قائم يقوم منا أهل البيت يحدثكم بحديث لا تحتملونه، فتخرجون عليه برميلة الدسكرة القرية أو الأرض المستوية فتقاتلونه فيقاتلكم فيقتلكم، وهي آخر خارجة تكون)(99).
وعنه أيضاً قال: (بينا الرجل على رأس القائم أي واقف بجنبه يأمر وينهي إذ قال أديروه، فيديرونه إلى قدامه، فيأمر بضرب عنقه، فلا يبقى في الخافقين شيء إلا خافه)(100).
كما أن كثير من الأمور التي هي واقعاً جائزة شرعاً ومباحة للمسلمين في الوقت الراهن لن تكون كذلك في زمان القائم لأجل المصلحة العامة وقيام الدولة الإسلامية بالشكل المطلوب، ومثال ذلك نهي الإمام المهدي (عليه السلام) في حال قيامه وبعد ظهوره عن الطواف المستحب بسبب تضاعف عدد الحجاج والمعتمرين في ذلك الزمن وبالتالي يسهل على المؤمنين الطواف الواجب.
فعن الصادق (عليه السلام) قال: (أول ما يظهر القائم من العدل أن ينادي مناديه أن يسلم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف)(101).
وعنه أيضاً قال: (موسع على شيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف فإذا قام قائمنا حرم على كل ذي كنز كنزه، حتى يأتيه به فيستعين به على عدوه، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه (والذين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(99) بحار الأنوار ج 52 ص 375 ح 174، مستدرك سفينة البحار ج 3 ص 278.
(100) غيبة النعماني ص 239 ح 32، إثبات الهداة ج 3 ص 541.
(101) بحار الأنوار ج 52 ص 374 ح 169، الكافي ج 4 ص 427 ح 1.
يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)(102))(103).
لذلك نرى درجة التسليم لدى أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) وإطاعتهم وتقديسهم له منقطعة النظير لدرجة أنهم يتبركون بسرجه كما جاء في بعض الروايات وهم أطوع له من الأمة لسيدها كما وصفهم الإمام الصادق (عليه السلام) حيث يقول: (رجال لا ينامون بالليل، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأمة لسيدها... إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى إرسالاً، بهم ينصر الله إمام الحق)(104).
كما أنه لا يمكن أن تصل الأمة إلى حالة التسليم المطلق هذه إلا بعد شعور الأمة بقيمة الإمام بعد فقده بالغيبة واستشعارهم مدى حاجتهم إليه لطول مدة غيابه، فمن المعروف أن الإنسان لا يقدر قيمة الشيء إلا بعد فقده.
وهذا ما حصل لبني إسرائيل في صحراء سيناء حينما جاءهم الأمر من نبي الله موسى (عليه السلام) بدخول فلسطين ومجاهدة الأعداء فما كان جوابهم إلا أن قالوا (إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)(105)، ولكن بعد وفاة النبي موسى (عليه السلام) ومكثهم 40 سنة في التيه في صحراء سيناء وشعورهم بأهمية النبي بعد فقده، قاموا مع وصي موسى يوشع بن نون بدخول فلسطين ومحاربة الأعداء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(102) سورة التوبة (34).
(103) الكافي ج 4 ص 61 ح 4، تهذيب الأحكام ج 4 ص 144، تفسير العياشي ج 2 ص 87.
(104) بحار الأنوار ج 52 ص 308 ح 82، مستدرك سفينة البحار ج 6 ص 190.
(105) سورة المائدة (24).
ودعونا الآن نستعرض هذه القصة التي حدثت في البحرين في الزمن الماضي والتي ذكرها آية الله السيد محمد صادق الصدر في كتابه تاريخ الغيبة الكبرى نقلاً عن أبيه السيد صادق الصدر حيث يقول: (إن الناس في البحرين في بعض الأزمنة ولمقدار إحساسهم بالظلم وتعسف الظالمين تمنوا ظهور إمامهم المهدي (عليه السلام) فاتفقوا على اختيار جماعة من أعاظمهم في الزهد والورع والعلم، فاجتمع هؤلاء واختاروا ثلاثة منهم ومن بين الثلاثة اختاروا أفضلهم ليكون هو واسطتهم في الطلب إلى المهدي بالظهور.
فخرج هذا الشخص المختار إلى الصحراء وأخذ بالتعبد والتوسل إلى الله تعالى لخروج القائم، وبعد مضي ثلاثة أيام بلياليها وفي الليلة الأخيرة أقبل له شخص وعرفه أنه هو المهدي المنتظر وسأله عن حاجته، فأخبره بأن مواليه في أشد التلهف والانتظار إلى ظهوره وقيام نوره، فأوعز إليه الإمام أن يبكر في غد إلى مكان عام عينه له، ويأخذ معه عدداً من الغنم في الطابق الثاني على سطح أحد المنازل ويعلن في الناس أن المهدي (عليه السلام) سيأتي في ساعة معينه.
وامتثل الرجل للأمر، وحلت الساعة الموعودة وكان الناس متجمهرين في المكان المعين على الأرض وكان الإمام مع هذا الرجل وغنمه على السطح.
وهنا ذكر الإمام أسم شخص وطلب من الرجل أن يأمره بالحضور، فأمتثل ذلك الشخص للأمر وصعد إلى السطح، وبمجرد وصوله أمر الإمام صاحبنا أن يذبح واحداً من غنمه قرب الميزاب، فلما رأى الناس الدم ينزل من الميزاب بغزارة اعتقدوا جازمين بأن المهدي (عليه السلام) أمر بذبح هذا الرجل الذي ناداه.
ثم نادى الإمام بنفس الطريقة رجلاً آخر، وكان أيضاً من الأخيار الورعين، فصعد مضحياً بنفسه وبعد أن وصل إلى السطح نزل الدم من
الميزاب بنفس الطريقة، ثم نادى الإمام شخصاً ثالثاً ورابعاً، وهنا أصبح الناس يرفضون الصعود بعد أن تأكدوا أن كل من يصعد سيراق دمه من الميزاب، وأصبحوا يفضلون حياتهم وبقائهم على أمر إمامهم.
وهنا ألتفت الإمام إلى صاحبنا وأفهمه بأنه معذور في عدم الظهور ما دام الناس على هذا الحال من عدم الاستعداد للتضحية من أجل إمامهم)(106).
3 - تجربة جميع الآراء والأطروحات الفكرية والسياسية وفشلها جميعا:
جرت سنة الله في العباد منذ أُهبط آدم إلى الأرض بأن ترك لهم مطلق الحرية في ما يعتقدون وحرية الاختيار بين الطاعة والمعصية والطريق الذي يريدون سلوكه في الحياة وبالتالي يتحملون أعباء وتبعات اختيارهم، وهذا الأمر مستمر حتى خروج القائم حيث تقام حكومة الله في الأرض وتطبق التعاليم الإلهية سواء رضي الناس ذلك أم كرهوا، كما ذكرنا ذلك من قبل في تفسير الإمام الصادق (عليه السلام) لقول الله تعالى: (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرها)(107).
لذلك تعددت الآراء والأفكار وكان لابد من تأخر دولة العدل الإلهي حتى النهاية ليتم تجربة جميع الأطروحات الفكرية والسياسية، وحتى إذا ما فشلت كلها واتضح عجز جميع المدارس الأخرى وحصل اليأس منها جميعاً، فحينئذٍ لا يبقى أمام البشرية إلا القبول بالأطروحة الإسلامية والمشروع الإلهي لأهل الأرض.
فعن الباقر (عليه السلام) قال: (إن دولتنا آخر الدول ولم يبقى أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا لو ملكنا سرنا بمثل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيرة هؤلاء، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ) (والعاقبة للمتقين))(108).
وعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ما يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد ولّوا على الناس، حتى لا يقول قائل أنا لو ولّينا لعدلنا، ثم يقوم القائم بالحق والعدل)(109).
وعن عمار بن ياسر قال: (إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان ولها إمارات، فإذا رأيتم فألزموا الأرض وكفوا حتى تجئ إمارتها)(110).
لذلك لا يمكن للمهدي (عليه السلام) أن يظهر ما لم يصل إلى الحكم جميع أصناف الناس وتجربة جميع التيارات الفكرية المتعددة وإثبات فشلها جميعاً في إسعاد البشرية وتخليصها من محنها وعدم تمكنها من تطبيق العدل المنشود.
فنحن رأينا في التاريخ الإسلامي على سبيل المثال قد حكم الأمويون والعباسيون والعثمانيون والفاطميون والمماليك وغيرهم وغيرهم... وكلهم أثبت فشله في الحكم وتفاقمت في عهده الأوضاع وانتشر الظلم والفساد.
وفي العصر الحديث أيضاً تمت تجربة الاطروحات الشيوعية والبعثية والاشتراكية والرأسمالية وغيرها وكلها فشلت في انتشال الإنسانية من الواقع البائس والانحطاط الذريع، ومع تطور العالم في التكنولوجيا والعلوم واكتشاف ثروات الأرض وأسباب الرفاهية ومع ذلك كله فلا تزداد البشرية إلا عناء وفقرا وجهلا وتزايد في الأمراض والحروب بين جميع أبناء البشر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(108) إعلام الورى ص 432، غيبة الطوسي ص 282، الإرشاد ج 2 ص 385.
(109) غيبة النعماني ص 274 ح 53، بحار الأنوار ج 52 ص 244 ح 119.
(110) البحار ج 52 ص 208، غيبة الطوسي ص 463، الخرائج والجرائح ج 3 ص1154.
وفي النهاية لن يكون هناك أمام البشرية إلا الرضوخ للنظرية الإسلامية المتكاملة وتطبيق الحكم الإسلامي في الأرض.
ولقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) البيت التالي من الشعر(111):
لكل أناس دولة يرقبونها * * * ودولتنا في آخر الدهر تظهر
4 - تمحيص المؤمنين وابتلائهم وامتحانهم من أجل الوصول للكمال:
قال تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب)(112).
كنا قد ذكرنا في ما مضى من هذا الكتاب أن دولة الإمام المهدي (عليه السلام) هي المشروع الإلهي الكبير في الأرض، ولكي يتم تطبيق دولة العدل هذه بالشكل المطلوب والصحيح لابد أن يتم اختيار الأشخاص الذين يعتمد عليهم في بناء هذه الدولة وقيامها بعناية فائقة، فلا بد إذاً أن ينجح هؤلاء الأشخاص في عدة اختبارات وامتحانات صعبة ومن هذه الامتحانات طول مدة الغيبة والتعرض لأصناف الظلم والابتلاءات، ومثال ذلك ما كان من أصحاب النبي نوح (عليه السلام) حيث لم يركب معه في السفينة إلا القليل من المؤمنين بعد أن تساقط الكثير ممن كانوا معه عندما طالت المدة ويئسوا من الفرج.
فعن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق (عليه السلام) في قصة نبي الله نوح (عليه السلام) بعد أن أمضى في دعوة قومه ستمائة سنة قال: (... وعاد (عليه السلام) إلى قومه يدعوهم فلا يزيدهم دعاؤه إلا فرارا حتى انقضت ثلاثمائة سنة تتمة تسعمائة سنة، فصارت إليه الشيعة وشكوا ما ينالهم من العامة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(111) أمالي الصدوق ص 396ح 3، منتخب الأثر ص 169 ح 84.
(112) سورة آل عمران (179).
والطواغيت وسألوه الدعاء بالفرج، فأجابهم إلى ذلك وصلى ودعا، فهبط جبريل (عليه السلام) فقال له:إن الله تبارك وتعالى أجاب دعوتك فقل للشيعة: يأكلوا التمر ويغرسوا النوى ويراعوه حتى يثمر، فإذا أثمر فرجت عنهم، فحمد الله وأثنى عليه وعرفهم ذلك فاستبشروا به، فأكلوا التمر وغرسوا النوى وراعوه حتى أثمر، ثم صاروا إلى نوح (عليه السلام) بالتمر وسألوه أن ينجز لهم الوعد، فسأل الله (عزَّ وجلَّ) في ذلك فأوحى الله إليه قل لهم: كلوا هذا التمر واغرسوا النوى فإذا أثمر فرجت عنكم، فلما ظنوا أن الخلف قد وقع عليهم، ارتد منهم الثلث وثبت الثلثان، فأكلوا التمر وغرسوا النوى حتى إذا أثمر أتوا به نوحا (عليه السلام) فأخبروه وسألوه أن ينجز لهم الوعد، فسأل الله (عزَّ وجلَّ) في ذلك، فأوحى إليه قل لهم: كلوا هذا التمر، واغرسوا النوى، فارتد الثلث الآخر وبقيا لثلث فأكلوا التمر وغرسوا النوى، فلما أثمر أتوا به نوحا (عليه السلام) ثم قالوا له: لم يبق منا إلا القليل ونحن نتخوف على أنفسنا بتأخير الفرج أن نهلك، فصلى نوح (عليه السلام) ثم قال: يا رب لم يبق من أصحابي إلا هذه العصابة وإني أخاف عليهم الهلاك إن تأخر عنهم الفرج، فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه قد أجبت دعائك فاصنع الفلك، وكان بين إجابة الدعاء وبين الطوفان خمسون سنة)(113).
لذلك جاء عن النبي وأهل بيته الكثير من الأحاديث والروايات التي تؤكد على مبدأ الابتلاء والاختبار في زمان الغيبة وحصول التمحيص فيها وأن من جملة الامتحانات التي يمتحن الله بها العباد هو فقدهم إمامهم المعصوم وانقطاعهم عنه.
فعن رسول الله قال: (والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً إن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر، فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله وللقائم من ولدك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(113) كمال الدين ص 134، قصص الأنبياء للجزائري ص 91، بحار الأنوار ج 11 ص 327.
غيبة؟ قال: إي وربي ليمحص الذين آمنوا ويمحق الكافرين)(114).
وعن إبراهيم بن هليل عن أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) قال له: (أما والله يا أبا إسحاق ما يكون ذلك حتى تميزوا وتمحصوا وحتى لا يبقى منكم إلا الأقل ثم صعر كفه)(115).
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (والله لا يكون ما تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا وتمحصوا فلا يبقى منكم إلا الأندر، ثم قرأ قوله تعالى: (الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون))(116).
وعن منصور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (يا منصور إن هذا الأمر لا يأتيكم إلا بعد إياس، لا والله حتى يميزوا ولا والله حتى يمحصوا ولا والله حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد)(117).
ولسوف يكون الشعب العراقي أكثر شعوب العالم تعرضاً لصنوف الابتلاء والتمحيص باعتبار أن الكوفة هي عاصمة دولة الإمام المهدي (عليه السلام) كما دلت على ذلك العديد من الروايات فلابد أن يمحصوا جيداً ليكونوا بذلك أهلٌ لمجاورة المهدي لهم ولكي يمكنه الاعتماد عليهم في إقامة دولته العالمية، فهم سيكونون كما تحدثت الروايات أكثر الناس تعرضاً لسطوة الشيصباني والسفياني وغيرهم من الظلمة، هذا بالإضافة إلى العديد من الحروب المدمرة، وينقل الشيخ المفيد من ضمن علامات قيام المهدي (عليه السلام) والحوادث التي تسبق ظهوره العديد من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(114) إعلام الورى ج 2 ص 227، فرائد السمطين ج 2 ص 334 ح 589.
(115) غيبة النعماني ص 208 ح 14، بحار الأنوار ج 52 ص 113 ح 29.
(116) الإرشاد ج 2 ص 375، غيبة الطوسي ص 204، الخرائج والجرائح ج 2 ص 1170.
(117) الكافي ج 1 ص 370 ح 3، من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 501.
المصائب التي يبتلي بها أهل العراق فيقول: (وبثق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة.... وخوف يشمل أهل العراق وموت ذريع فيه ونقص من الأموال والأنفس والثمرات)(118).
وعن الصادق (عليه السلام): (يُزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر في السماء وحمرة تجلل السماء وخسف ببغداد وخسف ببلد البصرة ودماء تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في أهلها وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار)(119).
ويذكر السيد محمد صادق الصدر (قدّس سره) أنواع الابتلاءات والامتحانات في زمان الغيبة الكبرى بالأشكال التالية(120):
مواجهة الشهوات والنوازع الشيطانية فتأثيرها أكبر في هذه الغيبة بسبب زيادة إغواء إبليس والإغراءات الشيطانية والفساد الخلقي والانحراف السائد لغياب القيادة الحكيمة وانقطاع الاتصال بها.
سيادة الظلم والجور في الأرض وتعرض الإنسان للضغوطات والاضطهاد والمصاعب بسبب انحسار الإسلام بنظامه العادل عن المجتمعات البشرية.
مواجهة الفرد المؤمن لضروب التشكيك في وجود الإمام كلما طال الزمان وبالتالي التشكيك في العقيدة ومن ثم سيطرة الحياة المادية على المجتمع.
فبعد كل هذه الابتلاءات والمصاعب والمحن يتكامل المؤمنون ويخرج الصفوة الذين يمكن الاعتماد عليهم في قيام الدولة الإسلامية وبقائها بالشكل المطلوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(118) الإرشاد ص 368، بحار الأنوار ج 52 ص 219.
(119) إعلام الورى ج 2 ص 284، الإرشاد للمفيد ج 2 ص 378.
(120) تاريخ الغيبة الكبرى ص 20.
ولقد أكدت الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) على وجوب الثبات في هذه المحن والصبر على البلاء وتحمل المصاعب مهما عظمت الرزايا وكثرت ضروب المشككين لطول مدة الغيبة.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسك فيها بدينه كالخارط الشوك القتاد بيده، ثم أطرق مليا ثم قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبة فليتق الله عبد وليتمسك بدينه)(121).
وعن علي بن الحسين (عليه السلام) قال عن غيبة الإمام المهدي: (فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به، فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه وصحت معرفته ولم يجد في نفسه حرجاً مما قضينا وسلم لنا أهل البيت)(122).
وعن زرارة بن أعين عن الصادق (عليه السلام) قال له ضمن حديث عن الإمام المهدي: (وهو المنتظر وهو الذي يشك الناس في ولادته منهم من يقول هو حمل ومنهم من يقول هو غائب ومنهم من يقول ما ولد ومنهم من يقول ولد قبل وفاة أبيه بسنتين وهو المنتظر، غير أن الله تعالى يحب أن يمتحن الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون)(123).
5 - الحصول على العدد الكافي من الأنصار:
ونحن هنا إذا تحدثنا عن الأنصار فنعني بذلك أصحاب الإمام المهدي المخلصين الذين يجتمعون في بداية ظهور الإمام في مكة المكرمة وهم بعدد أصحاب طالوت وجيش النبي يوم بدر أي 313 ناصرا، ولا نقصد بذلك عامة المناصرين والمؤازرين الذين سيلتحقون بالإمام المهدي فيما بعد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(121) غيبة النعماني ص 169، الكافي ج1 ص 335، كمال الدين ص 346.
(122) كمال الدين ص 323 ح 8، إثبات الهداة ج 3 ص 467، المحجة ص 200.
(123) غيبة الطوسي ص 334 ح 279، إعلام الورى ج 2 ص 237.
فهذا العدد من الأنصار وإن كان قليلاً نوعاً ما إلا أن تجميعه ليس بالأمر السهل، فهؤلاء الأصحاب الذين هم في غاية الإيمان والإخلاص ليس لهم مثيل على الإطلاق، حيث سيكونون قادة الجيوش وسيكون لهم دور كبير في فتح البلاد وإدارة الأمور وسيكونون فيما بعد هم الحكام والقضاة في دولة الإمام المهدي (عليه السلام).
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه ولا شحناؤه بدنه ولا يمدح بنا معلنا...إلى أن قال أولئك الخفيض عيشهم المنتقلة دارهم الذين إن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا وإن مرضوا لم يعادوا وإن خطبوا لم يزوجوا وإن ماتوا لم يشهدوا أولئك الذين في أموالهم يتواسون وفي قبورهم يتزاورون ولا تختلف أهواؤهم وإن اختلفت بهم البلدان)(124).
ولذا فهذه الثلة من المؤمنين سيتم اختيارهم بعناية خاصة وينبغي لهم أن يكونوا قد وصلوا إلى درجة كبيرة من الوعي وإدراك الأمور بشكل منقطع النظير، كما يجب أن يكون لديهم الاستعداد العالي للتضحية من أجل الهدف المنشود.
لذلك يصفهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بشكل رائع وجميل فيقول عنهم: (كأنهم ليوث قد خرجوا من غاب، قلوبهم مثل زبر الحديد، لو أنهم هموا بإزالة الجبال الرواسي لأزالوها عن مواضعها فهم الذين وحدوا الله حق توحيده، لهم بالليل أصوات كأصوات الثواكل خوفاً وخشية من الله تعالى، قوام الليل صوام النهار، كأنما رباهم أب واحد وأم واحدة، قلوبهم مجتمعة بالمحبة والنصيحة)(125).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(124) غيبة النعماني ص 203، بحار الأنوار ج 65 ص 164.
(125) إلزام الناصب ج 2 ص 200، مجمع النورين ص 331.
وهم من شدة حبهم وتقديسهم للإمام - روحي لتراب مقدمه الفداء - يتمسحون حتى بسرجه، كما في الرواية التالية عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث يقول: (يتمسحون بسرج الإمام (عليه السلام) يطلبون بذلك البركة، ويحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد)(126).
كما ذكرت بعض الروايات والأحاديث أن هناك جماعات معينة تكون ضمن أنصار القائم ومؤازريه، أمثال أبدال الشام ونجباء مصر وعصائب العراق وكنوز طالقان.
فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (ويحاً للطالقان، فإن لله (عزَّ وجلَّ) بها كنوزاً ليست من ذهب ولا فضة، ولكن بها رجال مؤمنون عرفوا الله حق معرفته، وهم أنصار المهدي في آخر الزمان)(127).
وسوف يجتمع هؤلاء الأصحاب، والأنصار في مكة المكرمة عند قيام المهدي (عليه السلام) فيبايعونه بين الركن والمقام وهو تأويل قوله تعالى: (فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير)(128) وهذا التأويل وارد عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: (نزلت في القائم وأصحابه يجتمعون على غير ميعاد)(129).
وإذا فهمنا ذلك كله فعلينا أن نعرف أن أيضاً هؤلاء الأصحاب والأنصار لم يكن بالإمكان تجميعهم من عصر واحد فقط، بل هم خلاصة جميع الأمم والعصور من لدن آدم وحتى خروج الإمام المهدي (عليه السلام)، وهذا ما نفهمه من كثير من الروايات التي تتحدث عن الرجعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(126) بحار الأنوار ج 52 ص 308، مستدرك سفينة البحار ج 6 ص190.
(127) عقد الدرر ص 122، الفتوح ج 2 ص 78، بيان الشافعي ص 491، ينابيع المودة ص 449.
(128) سورة البقرة (148).
(129) غيبة النعماني ص 241، بحار الأنوار ج 51 ص 58 ح 52.
وأنها لا تكون إلا لمن محض الإيمان محضا فيكون من أنصار المهدي (عليه السلام) أو محض الكفر والنفاق فيُنتقم منه بخزي الدنيا في زمان القائم قبل عذاب الآخرة.
فعن المفضل بن عمر قال ذكرنا القائم ومن مات من أصحابنا ينتظره، فقال لنا أبو عبد الله (عليه السلام): (إذا قام أُتى المؤمن في قبره فيُقال له: يا هذا إنه قد ظهر صاحبك فإن تشأ تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم)(130).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في تأويل قوله تعالى: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليه حقاً ولكن أكثر الناس لا يعلمون)(131) قال: (يا أبا بصير لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوماً من شيعتنا قبايع سيوفهم على عواتقهم، فيبلغ ذلك قوماً من شيعتنا لم يموتوا فيقولون: بُعث فلان وفلان من قبورهم وهم مع القائم)(132).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (العجب كل العجب بين جمادى ورجب، فقام رجل وقال: يا أمير المؤمنين ما هذا العجب الذي لا تزال تتعجب منه؟ فقال (عليه السلام): ثكلتك أمك وأي العجب أعجب من أموات يضربون كل عدو لله ولرسوله ولأهل بيته، وذلك تأويل هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور)(133))(134).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(130) غيبة الطوسي ص 459، إثبات الهداة ج 3 ص 515، الخرائج والجرائح ج 3 ص 1166.
(131) سورة النحل (38).
(132) الكافي ج 8 ص 50 ح 14، المحجة ص 116، تفسير العياشي ج 2 ص 259 ح 26.
(133) سورة الممتحنة (13).
(134) بحار الأنوار ج 53 ص 60، مستدرك سفينة البحار ج 7 ص 90، ميزان الحكمة ج 2 ص 1036.
ولذلك أيضاً كان يجب أن تطول الغيبة لولي الله المهدي في انتظار مجيء أجيال المؤمنين والأنصار من أصلاب الرجال على مر الدهور والأزمنة وهذا ما نفهمه من الرواية التالية للإمام الصادق (عليه السلام).
عن إبراهيم الكرخي قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أصلحك الله، ألم يكن علي (عليه السلام) قوياً في دين الله (عزَّ وجلَّ)؟ قال: بلى، قال: فكيف ظهر عليه القوم؟ وكيف لم يدفعهم وما منعه من ذلك؟ قال: آية في كتاب الله (عزَّ وجلَّ) منعته. قال: قلت وأية آية هي؟ قال: قوله (عزَّ وجلَّ) (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليما)(135) إنه كان لله (عزَّ وجلَّ) ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين ومنافقين فلم يكن علي (عليه السلام) ليقتل الآباء حتى يخرج الودائع، فلما خرجت الودائع ظهر على من ظهر فقاتله، وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبداً حتى تظهر ودائع الله (عزَّ وجلَّ)، فإذا ظهر تظهر على من يظهر فقتله)(136).
ولعل المقصود من الحديث السابق أيضاً هو انتظار وصول الحق لجميع الناس وإعطاء الفرصة لوصول الهداية لجميع الأجيال وفي جميع العصور.
وتحدثت بعض الروايات والأحاديث عن أشخاص معينين سيحيون في الرجعة ليكونوا من ضمن أنصار القائم أمثال أهل الكهف وبعض أصحاب النبي والإمام علي وأنصار الإمام الحسين في كربلاء.
فعن الأصبغ بن نباته في حديث طويل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال فيه عن قيام أهل الكهف مع المهدي (عليه السلام): (فيبعث الله الفتية من كهفهم مع كلبهم، منهم رجل يقال له تمليخا وآخر خملاها وهما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(135) سورة الفتح (25).
(136) علل الشرائع ج 1 ص 147 ح 3، كمال الدين ص 641، بحار الأنوار ج 29 ص 436.
الشاهدان المسلمان للقائم (عليه السلام))(137).
وعن المفضل بن عمر قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): (يا مفضل أنت وأربعة وأربعون رجلاً تحشرون مع القائم، أنت على يمين القائم تأمر وتنهي والناس إذ ذاك أطوع لك منهم اليوم)(138).
وعن الصادق (عليه السلام) قال: (ويقبل الحسين في أصحابه الذين قتلوا معه، ومعه سبعون نبيا كما بعثوا مع موسى بن عمران، فيدفع إليه القائم الخاتم، فيكون الحسين (عليه السلام) هو الذي يلي غسله وكفنه وحنو طه ويواريه في حفرته)(139).
وعن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا قام قائم آل محمد استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى الذين يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أصحاب الكهف، ويوشع وصي موسى، ومؤمن آل فرعون، وسلمان الفارسي، وأبا دجانة الأنصاري، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً)(140).
ولذلك نجد في دعاء العهد الذي جاء فيه عن الإمام الصادق أنه من دعا به أربعين صباحاً كان من أنصار القائم العبارة التالية (اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتماً مقضياً، فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني شاهراً سيفي مجرداً قناتي ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي)(141).
ولقد أوردت هذا الدعاء الشريف في خاتمة هذا الكتاب لمن أراد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(137) بحار الأنوار ج 52ص 275 ح 167.
(138) دلائل الإمامة ص 464، إثبات الهداة ج 3 ص 573.
(139) مختصر بصائر الدرجات ص 48، الإيقاظ من الهجعة ص 368 ح 124.
(140) دلائل الإمامة ص 247، إعلام الورى ص 433، تفسير العياشي ج 2 ص 32 ح 90.
(141) إلزام الناصب ج 2 ص 85، مصباح الكفعمي ص 550، البلد الأمين ص 82.
الدعاء به نفعنا الله وإياكم بمحمد وأهل بيته وجعلنا الله وإياكم من أنصار القائم.
6 - أن يجري في هذه الأمة ما جرى في الأمم السابقة:
قال رسول الله: (يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة)(142).
فمن الثابت أن بعض الأنبياء والحجج السابقين غابوا عن أممهم لفترات معينة لمصلحة ما كغياب موسى (عليه السلام) عن بني إسرائيل حينما خرج إلى مدين خائف يترقب كما أخبرنا الله تعالى في قوله: (فخرج منها خائف يترقب قال الرب نجني من القوم الظالمين)(143) ولبث في مدين سنين عديدة ثم عاد لهم، وغاب عنهم أيضاً مرة أخرى أربعين يوما وذلك حينما ذهب للطور لمناجاة ربه وقد واعده الله سبحانه وتعالى ثلاثين ليلة فأخبر موسى قومه أنه يغيب عنهم هذه المدة، ثم أكملها سبحانه بعشرة أخرى لأجل ابتلاء بني إسرائيل وقد كان في علم الله سبحانه أنه يغيب عنهم أربعين يوما كما قال تعالى: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة)(144) فما كان من قومه إلا أن فُتنوا وعبدوا العجل لما تأخر عنهم النبي موسى (عليه السلام).
وكذلك غاب نبي الله ابراهيم (عليه السلام) من قبل عن قومه، وغاب أيضاً يونس بن متى عن قومه حينما ذهب للبحر مغاضباً وأبتلعه الحوت ثم عاد لقومه وقد آمنوا بأجمعهم والعديد العديد أيضاً من الأنبياء حدثت لهم الغيبة مثل غيبة نبينا محمد في الغار عندما هاجر من مكة إلى المدينة المنورة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(142) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 200، حلية الأبرار ج 2 ص 301، بحار الأنوار ج 53 ص 59.
(143) سورة القصص (21).
(144) سورة الأعراف (142).
ونحن هنا لا ندعي أن الإمام المهدي (عليه السلام) هو نبي من أنبياء الله والعياذ بالله، غير أننا نقول كما أن الغيبة حدثت لحجج الله في الأمم السابقة لأجل ابتلائهم واستشعارهم أهمية الأنبياء بعد فقدهم وللأسباب الأخرى التي من أجلها حدثت الغيبة من قبل لأنبياء الله فلابد أن تحدث في هذه الأمة ولنفس الأسباب ولتستشعر الأمة أيضاً أهمية الإمام بعد فقده.
فعن ابن عباس عن رسول الله قال ليهودي قدم عليه يقال له نعثل: (أتعرف الأسباط؟ قال: نعم، إنهم كانوا أثني عشر أولهم لاوي بن برخيا وهو الذي غاب عن بني إسرائيل غيبة ثم عاد، فأظهر الله له به شريعته بعد اندراسها وقاتل قرسطيا الملك حتى قتله، فقال: كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وإن الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يُرى ويأتي على أمتي بزمن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا يبقى من القرآن إلا رسمه، فحينئذٍ يأذن الله تعالى له بالخروج فيظهر الله الإسلام به ويجدده)(145).
وعن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: (إن سنن الأنبياء (عليهم السلام) بما وقع بهم من الغيبات حادثة في القائم منا أهل البيت حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة)(146).
وعن سدير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن للقائم منا غيبة يطول أمدها، فقلت له ولم ذلك يا بن رسول الله؟ قال: إن الله (عزَّ وجلَّ) أبى إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء في غيباتهم، وإنه لا بد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله (عزَّ وجلَّ): (لتركبن طبقاً عن طبق)(147)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(145) فرائد السمطين ج 2 ص 132 ح 431، ينابيع المودة ج 3 ص 282.
(146) كمال الدين ج 2 ص 345، بحار الأنوار ج 51 ص 146 ح 14، الصراط المستقيم ج 2 ص 227.
(147) سورة الانشقاق (19).
أي سننا على سنن من كان قبلكم)(148).
ولعل هناك أيضاً في الأحاديث السابقة دلالة على استجماع هذه الأمة لتجارب الأمم السابقة، فمجموع العلل والأسباب التي دعت الأنبياء من قبل للغياب عن أممهم ستجري في هذه الأمة لتتحقق أهداف الرسالات السماوية جميعا.
7 - وصول انحراف الظالمين والفساد في الأرض إلى أقصى درجاته:
قال تعالى: (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا)(149).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (والله لا يكون ما تأملون حتى يهلك عليه المبطلون ويضمحل الجاهلون ويأمن المتقون وقليل ما يكون حتى لا يكون لأحدكم موضع قدمه وحتى تكونوا على الناس أهون من الميتة عند صاحبها فبينما أنتم كذلك إذا جاء نصر الله والفتح وهو قول ربي (عزَّ وجلَّ) في كتابه (حتى إذا استيئس الرسل))(150).
كنا قد ذكرنا من ضمن أسباب وغايات الغيبة الكبرى للإمام (عليه السلام) أن تصل الأمة لدرجة كبيرة من الاستعداد للتضحية في سبيل الغرض المنشود وهو تطبيق حكم الله في جميع المعمورة، وهذا الأمر لا يتأتى للأمة إلا بعد مواجهتها للكثير من المصاعب والمفاسد والظلم الاجتماعي بحيث تصل البشرية لمرحلة اليأس التام وهذا ما عُبر عنه في الروايات بامتلاء الأرض ظلماً وجوراً.
ولسوف تأتي الأيام بمصائب ومحن لا قبل للبشرية به الدرجة أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(148) علل الشرائع ج 1 ص 245 ح 7، كمال الدين ص 480 ح 6، المحجة ص 246.
(149) سورة يوسف (110).
(150) دلائل الإمامة ص 471، ينابيع المودة ص 424، المحجة ص 107.
يفضل الشخص الموت على الحياة من شدة ما يرى من انعدام الأمن وعظم البلاء وانتشار الفساد فلقد جاء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قوله: (والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين إلا البلاء)(151).
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: (لا يقوم القائم (عليه السلام) إلا على خوف شديد من الناس وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس وطاعون قبل ذلك وسيف قاطع بين العرب واختلاف شديد بين الناس وتشتت في دينهم وتغير في حالهم حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساء من عظم ما يرى من كلب الناس وأكل بعضهم بعضاً، فخروجه إذا خرج يكون عند اليأس والقنوط من أن يروا فرجاً، فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره)(152).
وإذا نظرنا إلى الروايات التي تتحدث عن البلاء في آخر الزمان واطلعنا عليها نجد هذا البلاء يتمثل في عدة وجوه:
تعاظم الظلم والجور والاضطهاد بين أبناء البشر وتعاظم الاستكبار العالمي وكثرة الحروب في جميع البلدان وتسلط الكفار والظلام على بلاد المسلمين:
فعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال: (لا يزال بكم الأمر حتى يولد في الفتنة والجور من لا يُعرف عندها، حتى تملأ الأرض جوراً فلا يقدر أحد يقول الله، ثم يبعث الله (عزَّ وجلَّ) رجلاً مني ومن عترتي فيملأ الأرض عدلاً كما ملأها من كان قبله جوراً)(153).
وعنه أيضاً قال: (يصيب هذه الأمة بلاء حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيُبعث إليه رجلاً من عترتي فيُملأ به الأرض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(151) صحيح مسلم ج 8ص 183، تهذيب الكمال ج 33 ص 35.
(152) غيبة النعماني ص 235، مختصر بصائر الدرجات 212، إعلام الورى ص 428.
(153) كشف الغمة ج 3 ص 273، أمالي الطوسي ج 2 ص 126، العمدة ص 424.
قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(154).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (لا يكون هذا الأمر حتى يهلك تسعة أعشار الناس)(155) أي بالحروب والقتل والقتال كما دلت على ذلك روايات أخرى.
الانحلال العام والانحراف الخلقي وانتشار الفساد والمعاصي العظام:
وهذا والله ما حصل في الزمان الحاضر من انتشار المفاسد وترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا ودخلته المفاسد عبر الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية وشاشات الإنترنت والتلفزيون وغيرها، هذا بالإضافة إلى طغيان الحياة المادية وتكالب الناس على الدنيا والحرام وانتشار الغيبة والربا... وامتلاء بطونهم من الحرام.
فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال ضمن خطبة طويلة: (فإن علامة ذلك إذا أمات الناس الصلاة وأضاعوا الأمانات واستحلوا الكذب وأكلوا الربا وأخذوا الرشا وشيدوا البنيان وباعوا الدين بالدنيا واستعملوا السفهاء وشاوروا النساء وقطعوا الأرحام... وحليت المصاحف وزخرفت المساجد... واتخذت القيان والمعازف... وتشبهت النساء بالرجال والرجال بالنساء)(156).
وفي تلك الخطبة والله العديد من الأمور التي نراها هذه الأيام من المفاسد والبلايا العظام نسأل الله أن ينجينا منها برحمته، فمن شاء الزيادة فليراجعها من مصادرها فهي غنية بالفائدة.
وعنه أيضاً قال: (لا يظهر القائم حتى يكون أمور الصبيان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(154) مصنف عبد الرزاق ج 11 ص 327، ينابيع المودة ص 431، بشارة المصطفى ص 250.
(155) غيبة النعماني ص 274 ح 54، حلية الأبرار ج 2 ص 682.
(156) كمال الدين ج 2 ص 525، مختصر بصائر الدرجات ص 30، منتخب الأثر ص 427.
وتضييع حقوق الرحمان والتغني بالقرآن بالتطريب والألحان)(157).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ضمن حديث طويل أيضاً: (ورأيت المعازف ظاهرة في الحرمين)(158).
وهذا والله ما نراه هذه الأيام من عزف هواتف الجوالات والنقالات لجميع أنواع الموسيقى في الحرمين وعامة المساجد فلا أحد يعترض على ذلك أو يستنكره والله المستعان وإلى الله المشتكى، وأيضاً ظهر في السنوات الأخيرة بعض المطربين ممن تغنى ببعض الآيات القرآنية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وصول العالم إلى الطريق المسدود في حل جميع العقبات والمشاكل:
ونعني بذلك المشاكل الصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية وغيرها من المشاكل التي لا نهاية لها.
فنحن نشهد هذه الأيام ومع التقدم العلمي في اكتشاف الأدوية والعلاج تفشي العديد من الأمراض المستعصية مثل الإيدز والسارز وأنفلونزا الطيور وغيرها من الأمراض أجارنا الله منها، وفي المجال الاجتماعي نلاحظ تفاقم مشاكل المجتمعات بظهور العديد من الجماعات المنحرفة أمثال عبدة الشيطان وعصابات السرقة والمخدرات غيرها من الجماعات الهدامة.
وفي المجال السياسي برزت لنا في السنوات الأخيرة العديد من الجماعات الإرهابية التي لا يمكن السيطرة عليها في جميع أنحاء العالم بالإضافة لمشاكل الحروب بين الدول التي لانهاية لها، وفي المجال البيئي هناك مشاكل التلوث البيئي وقضايا المناخ وارتفاع سخونة الأرض ومشكلة طبقة الأوزون وغيرها وغيرها، وأما في المجال الاقتصادي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(157) دلائل الإمامة ص 253، منتخب الأثر ص 248 ح 6، العدد القوية ص 75 ح 126.
(158) الكافي ج 8 ص 37 ح 7، بشارة الإسلام ص 125، إثبات الهداة ج 3 ص 86 ح 31.
فحدث ولا حرج فمشاكل العالم الاقتصادية لا تعد ولا تحصى، وإلى غير ذلك من المشاكل التي تعترض مسيرة الإنسانية المعذبة.
ولقد أشارت العديد من الروايات عن النبي وأهل بيته لهذا الوضع البائس لآخر الزمان وتحدثت عنه بإسهاب لنكون منه على حذر.
ومن أمثال تلك الروايات ما جاء عن رسول الله أنه قال: (بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض، وجراد في حينه وجراد في غير حينه أحمر كالدم، فأما الموت الأحمر فبالسيف وأما الموت الأبيض فالطاعون)(159).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذكر الكوفة قال: (كأني بك يا كوفة تمدين مد الأديم العكاظي، تعركين بالنوازل وتركبين بالزلازل)(160).
وعن محمد بن مسلم في تأويل قوله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين)(161) قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إن لقيام القائم علامات تكون من الله (عزَّ وجلَّ) للمؤمنين، قلت: وما هي جعلني الله فداك؟ قال (عليه السلام): قول الله (عزَّ وجلَّ) (ولنبلونكم) يعني المؤمنين قبل خروج القائم (بشيء من الخوف...) إلى أن قال (وبشر الصابرين) عند ذلك بتعجيل خروج القائم)(162).
وبعد كل هذا العناء والبلاء ستصل البشرية لقناعة أنه لا يوجد حل لمشاكلها الكبيرة وأزماتها المتفاقمة إلا بالإسلام المحمدي الخالص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(159) بشارة الاسلام ص 53، غيبة النعماني ص 277 ح 61، الإرشاد ص 359، غيبة الطوسي ص 267.
(160) مستدرك سفينة البحار ج 9 ص 199.
(161) سورة البقرة (155).
(162) كمال الدين ص 649 ح 3، كشف الغمة ج 3 ص 260.
على يد المهدي المنتظر ليخلصها من جميع هذه المشاكل ويستنقذها من هذا الوضع المتردي البائس، ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجورا.
8 - قرب المهدي من زمن النبي والائمة (عليهم السلام) ومعاصرته لجميع الحضارات:
حينما يراد تغيير مجتمع ما وإصلاحه فلابد من أن يكون الشخص المصلح أو القائد لعملية الإصلاح أفضل شخص في ذلك المجتمع ولديه من النقاء والكمال بحيث لا يؤثر فيه فساد ذلك المجتمع المنحرف.
وإذا علمنا بأن الإمام المهدي (عليه السلام) هو مذخور لإصلاح العالم كله بل والكون أجمع، فلابد أن يتميز بمواصفات عظيمة لا يملكها أي شخص آخر عاش في الوضع المنحرف وتأثر به وبسلبياته ومفاسده، ولذلك يتبين لنا خطأ النظرية التي تقول بأن المهدي هو شخص يولد في آخر الزمان من قبل أشخاص عاديين وفي وضع عادي وربما يكون هو نفسه فاسداً ثم يصلحه الله في ليلة...!
إذ أن الشخص الذي يولد وكل ما حوله مفاسد ومحرمات وتربى على قيم ومفاهيم خاطئة كما هو الوضع في هذا الزمان لا يمكن أن يصلح نفسه ويصلح العالم كله بين ليلة وضحاها، بل يتوجب أن يكون هذا المصلح العظيم قد تربى في أحضان الرسالة وفي عصور النور حيث كان وجود الأئمة (عليهم السلام) وقريباً من عهد النبي حيث الصفاء المطلق والينبوع الأصيل، فالإمام المهدي (عليه السلام) وحسب المعتقد الشيعي لم يفصله عن النبي سوى أحد عشر أب فقط فهو لم يتربى مثلا على الفضائيات في الزمان الحاضر ولم ينبهر بالعصر الحالي ومفاسده ومفاهيمه الغربية أو الشرقية أو غيرها كما هو الحال لأكثر الناس في الوقت الراهن، ثم أنه أحد المعصومين الأربعة عشر تلك المجموعة الفريدة التي لا يمكن أن نعوض عنها بغيرها بأحد من البشر إذ لا يقاس بآل محمد أحد من الناس.
هذا ومن ناحية أخرى يجب أن يكون لهذا المُخلص العظيم رصيد كبير من التضحيات في سبيل الله ويكون قد خاض العديد من المصاعب والمحن والتجارب التي يتكامل بها ويسمو عن باقي البشر، لا أقل في نظر العالم والناس فيكون موضع ثقة وقبول لديهم بما لديه من تجارب على مر العصور والأزمان مما يؤهله لقيادة العالم بأكمله.
كما أن لمعاصرة الإمام المهدي (عليه السلام) للعديد من الحضارات والدول قديماً وحديثاً ربما أثراً كبيراً في إنجاح التغيير المنشود واستلامه لقيادة العالم، حيث أنه رأى بعينه وعايش كيف تولد هذه الدول ضعيفة ثم تقوى وتكبر ثم تضعف من جديد حيث تنتهي وتأتي دول أخرى غيرها فيعرف نقاط الضعف في كل دولة وأسباب سقوطها ويعايش ذلك يوماً بعد يوم ولحظةً بعد لحظة وليس كغيره من الناس الذين يقرئون ذلك في كتب التاريخ حيث ربما زورت الكثير من الأحداث والقضايا أو غاب الكثير منها عن الكتاب والمؤلفين.
كما أنه (عليه السلام) بما عنده من ثقة برب العالمين ورصيد هائل من التجارب يصبح لديه إسقاط دول الجور والظلم شيئاً سهلاً وبسيطاً بعكس الأشخاص الذين يولدون في زمان تكون فيه دول الاستكبار أقوى ما تكون فيستعظمون إطاحة هذه القوى المتكبرة بما لديها من جيوش وأساطيل لا قبل لهم بها.
ويقول السيد محمد باقر الصدر (قدّس سره) بهذا الخصوص: (إن عملية التغيير الكبرى تتطلب وضعاً نفسياً فريداً في القائد الممارس لها، مشحوناً بالشعور بالتفوق والإحساس بضآلة الكيانات الشامخة التي أُعد للقضاء عليها ولتحويلها حضارياً إلى عالم جديد،... ولما كانت رسالة اليوم الموعود تُغير عالم مليء بالظلم وبالجور تغييراً شاملاً بكل قيمه الحضارية وكياناته المتنوعة، فمن الطبيعي أن تفتش هذه الرسالة عن شخص أكبر في شعوره النفسي من ذلك العالم كله، عن شخص ليس
من مواليد ذلك العالم الذين نشئوا في ظل تلك الحضارة التي يراد تقويضها واستبدالها بحضارة العدل والحق،... أضف إلى ذلك أن التجربة التي تتيحها مواكبة تلك الحضارات المتعاقبة والمواجهة المباشرة لحركتها وتطوراتها أثر كبير في الإعداد الفكري وتعميق الخبرة القيادية لليوم الموعود، لأنها تضع الشخص المدخر أمام ممارسات كثيرة للآخرين بكل ما فيها من نقاط الضعف والقوة، ومن ألوان الخطأ والصواب، وتعطي لهذا الشخص قدرة أكبر على تقييم الظواهر الاجتماعية بالوعي الكامل على أسبابها وكل ملابساتها التاريخية)(163).
ولعل البعض يعترض بالقول إن الإمام المهدي (عليه السلام) هو إنسان معصوم ولديه المدد من قبل الله ولا يحتاج إلى تجارب لحصوله على التكامل أو للزيادة في العلم والاطلاع، غير أن هناك العديد من الآيات والأحاديث التي تدل على أن أفضل الخلق وهو النبي محمد قابل للزيادة في تحصيل العلم وكذلك باقي الأنبياء والمعصومين، حيث يقول سبحانه وتعالى لنبيه: (وقل ربي زدني علما)(164).
وكذلك ما كان من شأن النبي موسى (عليه السلام) والخضر حيث كان الخضر معلماً لموسى (عليهما السلام) كما قص علينا الله سبحانه وتعالى في قوله: (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا)(165).
وعن سليمان الديلمي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت له: (سمعتك وأنت تقول غير مره لولا أنا نزداد لانفدنا، فقال: أما الحلال والحرام فقد أنزل الله على نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بكماله وما يزداد الإمام في حلال ولا حرام، قلت له: فما هذه الزيادة؟ فقال: في سائر الأشياء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(163) بحث حول المهدي ص 42 - 47.
(164) سورة طه (114).
(165) سورة الكهف (66).
سوى الحلال والحرام)(166).
ونحن وإن كنا نعتقد أن الإمام المهدي (عليه السلام) لا يحتاج إلى أحد من الناس العاديين في تلقي العلم ويتلقى الزيادة في العلم من الله وعن طريقه، فما المانع أن الله تعالى أراد للإمام المهدي (عليه السلام) تلقي الزيادة هذه منه بطول العمر والتكامل عبر الزمن بحصوله على العديد من التجارب والعبر من خلال العصور المتعاقبة والأزمان المختلفة بالإضافة لما لديه من مواريث الأنبياء والأئمة والإلهام الرباني وغير ذلك من طرق تحصيل العلم التي جاءت بها النصوص عن أهل البيت (عليهم السلام).
فلقد ورد في التوقيع من الإمام المهدي (عليه السلام) لعلي بن محمد السمري: (علمنا على ثلاثة أوجه: ماض وغابر وحادث، أما الماضي فمفسر وأما الغابر فموقوف وأما الحادث فقذف في القلوب أو نقر في الأسماع وهو أفضل علمنا، ولا نبي بعد نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلم))(167).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال عن علم الإمام: (يورث كتباً ويزاد في الليل والنهار - وفي رواية أخرى: ويزاد في كل يوم وليلة - ولا يكله الله إلى نفسه)(168).
وعن أبي بصير أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ضمن حديث طويل: (إن عندنا علم ما كان، وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، قال: قلت: جعلت فداك هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وليس بذلك، قال:قلت: جعلت فداك فأي شيء العلم؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة)(169).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(166) الاختصاص ص 313، ينابيع المعاجز ص 162، بصائر الدرجات ص 413.
(167) مدينة المعاجز ج 8 ص 105، دلائل الإمامة ص 286.
(168) بصائر الدرجات ص 485، بحار الأنوار ج 26 ص 95 ح (29 - 30).
(169) الكافي ج 1 ص 240، ينابيع المعاجز ص 130، مكاتيب الرسول ج 2ص 32.
9 - استقلالية قرارات الإمام المهدي (عليه السلام) وحرية تحركاته:
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه)(170).
وجاء في التوقيع من صاحب الزمان (عليه السلام) في علة الغيبة: (إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي)(171).
وعن الحسن بن علي بن فضال عن الرضا (عليه السلام) قال: (كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه، قلت له: ولم ذاك يا بن رسول الله؟ قال: لأن إمامهم يغيب عنهم، فقلت: ولم؟ قال: لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف)(172).
لعل المراد بهذه الأحاديث أن الإمام المهدي (عليه السلام) حين يخرج يكون غير ملزم بالتقية كما كان عليه حال الأئمة من قبل حيث كانوا يعيشون تحت حكم الجبابرة وأنه (عليه السلام) ينهج أسلوب القتل والقتال ومحاربة الأعداء فخروجه (عليه السلام) يكون بالسيف كما دلت على ذلك العديد من الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) ليبيد دول الظلم والجور عن بكرة أبيها.
ولقد التزم الأئمة السابقين للمهدي بمبدأ التقية حيث كانت الظروف التي يعيشونها تحتم عليهم ذلك فالصادق (عليه السلام) يقول: (إن التقية ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له)(173)، وقال أيضاً: (تسعة أعشار الدين في التقية)(174).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(170) منتخب الأثر ص 255، إعلام الورى ص 400، إثبات الهداة ج 3 ص 463.
(171) غيبة الطوسي ص 177، إعلام الورى ص 423، الاحتجاج ج 2 ص 469.
(172) كمال الدين ص 480، علل الشرائع ج 1 ص 245، عيون أخبار الرضا ج 2 ص 247.
(173) وسائل الشيعة ج 16 ص 210، بصائر الدرجات ص 101، الكافي ج 2 ص 172.
(174) الكافي ج 2 ص 217، الخصال ص 22، بحار الأنوار ج 63 ص 486 ح 14.
وعن الرضا (عليه السلام) قال: (لا دين لمن لا ورع له ولا إيمان لمن لا تقية له وإن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية، فقيل له يا بن رسول الله إلى متى؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا)(175).
ولعل ذلك من أجل مصلحة الأمة والحفاظ على شيعتهم ومواليهم كما كان من صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية بن أبي سفيان ومبايعته له، فلما اعترض عليه بعض أصحابه قال لهم: (أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم خلفه، فإن الله (عزَّ وجلَّ) يخفي ولادته ويُغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذاك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء، يُطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدير).(176)
ويقول السيد محمد كاظم القزويني بهذا الخصوص: (إن معنى البيعة هنا هو العيش أي الأئمة - مقهورين تحت سلطة وحكومة أولئك الطغاة)(177).
وهناك أيضاً مفهوم آخر لهذه الروايات والأحاديث وهو أن الإمام المهدي (عليه السلام) يأتي في نهاية المطاف وينهي جميع الحكومات الجائرة فلا يخشى أن يأتي بعده أحد من الطغاة فينتقم من المؤمنين، وهذا المفهوم نستشفه من الرواية التالية عن الحسن بن هارون حيث قال: (كنت عند أبي عبد الله فسأله المعلى بن خنيس أيسير القائم إذا قام بخلاف سيرة علي (عليه السلام)؟ فقال: نعم، وذلك أن علياً سار بالمن والكف لأنه علم أن شيعته سيُظهر عليهم من بعده، وأن القائم إذا قام سار فيهم بالسيف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(175) كمال الدين ج 1 ص 371، كفاية الأثر ص 274، كشف الغمة ج 3 ص 331.
(176) كمال الدين ج1 ص 316، منتخب الأثر ص 206، إعلام الورى ص 400.
(177) الإمام المهدي (عليه السلام) من المهد إلى الظهور ص 68.
والسبي وذلك أنه يعلم أن شيعته لن يُظهر عليهم من بعده أبدا)(178).
وعن زرارة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وذلك حينما سأله أيسير القائم بسيرة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: (هيهات هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته، قلت: جعلت فداك لم؟ قال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) سار في أمته باللين كان يتألف الناس، والقائم يسير بالقتل بذلك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً، ويل لمن ناواه)(179).
إعطاء الأمل بالخلاص في كل عصر وإنجاح عملية التغيير بإخفاء وقت الظهور (عنصر المفاجأة):
لقد جاء النهي في الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) عن التوقيت لظهور صاحب الزمان بشكل مؤكد، بل واعتبرته بعض الروايات أنه سر من أسرار الله سبحانه وتعالى لا يعلم بوقت ظهوره سواه (عزَّ وجلَّ).
فعن الرضا (عليه السلام) قال: (لقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك؟ فقال (عليه السلام): مثله مثل الساعة لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة)(180).
وعن المفضل بن عمر قال: (سألت سيدي الصادق (عليه السلام) هل للمأمول المنتظر المهدي (عليه السلام) من وقت موقت يعلمه الناس؟ فقال: حاش لله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا، قلت: يا سيدي ولم ذلك؟ قال: لأنه هو الساعة التي قال الله تعالى: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(178) بشارة الإسلام ص 263، إثبات الهداة ج 3 ص 449، التهذيب ج 6 ص 154.
(179) غيبة النعماني ص 231 ح 14، حلية الأبرار ج 2 ص 628، منتخب الأثر ص 302 ح 2.
(180) كمال الدين ج2 ص 372، عيون أخبار الرضا ج 2ص 265 ح 35، فرائد السمطين ج 2 ص 337.
السماوات والأرض)(181)... إلى أن قال: إن من وقت لمهدينا وقتا فقد شارك الله تعالى في علمه وادعى انه ظهر على سره)(182).
وعن الفضيل بن يسار قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام) هل لهذا الأمر وقت؟ فقال: كذب الوقاتون، كذب الوقاتون، كذب الوقاتون)(183).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (يا مهزم كذب الوقاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون، وإلينا يصيرون)(184).
وإذا عرفنا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال معرفة وقت خروج الإمام المهدي وحتى للخُلص من الشيعة والموالين، يتبادر لنا هنا هذا السؤال وهو لماذا تم إخفاء وقت الظهور؟ ولماذا هذا التشديد في النهي عن التوقيت؟
والجواب عن ذلك يتلخص في أمرين وهما:
أ - الأمر الأول: مفاجأة الأعداء وهو ما يسمى بإستراتيجية الصدمة والرعب فحيث أن الأعداء لا يعلمون وقت خروجه فهم غير مهيأين وغير مستعدين لقتاله، وعلى العكس من ذلك لو علموا وقت الظهور إذاً لجهزوا من المخططات الشيء الكثير للقضاء عليه وإفشال حركته من بداية انطلاقته المباركة، فنستنتج من ذلك أهمية إخفاء الوقت في إنجاح ثورته المباركة وقيامه بها بالشكل المطلوب، وهذا ما يقوم به عادةً القادة في الحروب حيث يخفون وقت الهجوم وساعة الصفر حتى عن أقرب المقربين حفاظاً على السرية المطلوبة لإنجاح مخططاتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(181) سورة الأعراف (187).
(182) ينابيع المودة ج 3 ص 251، الاختصاص ص 216، مختصر بصائر الدرجات ص 179.
(183) بحار الأنوار ج 52 ص 103 ح 5، الكافي ج 1 ص 368 ح 5، تفسير نور الثقلين ج 1 ص 80.
(184) غيبة الطوسي ص 262، الإمامة والتبصرة ص 95، الكافي ج 1 ص 368 ح 2.
كما أن تغييب وقت الظهور للإمام المهدي يمثل عنصر إخافة للظالمين في كل عصر وزمان مما يحد من ظلمهم بعض الشيء، وذلك خوفاً من انتقام الإمام منهم إذا ما خرج في ذلك العصر والزمان.
ب - الأمر الثاني: هو أن إخفاء وقت الخروج للإمام يجعل المؤمنين يستعدون لخروجه ويجهزون أنفسهم لقدومه في كل وقت وفي جميع الأزمنة ويهيئوا أنفسهم لذلك ويبادروا لإصلاح أنفسهم قدر المستطاع بالابتعاد عن المعاصي وفعل الخيرات ويجعلهم في حالة تصحيح دائمة لمسيرتهم، كما أن إخفاء وقت الخروج للإمام يعطيهم الأمل بالخلاص في كل عصر فلا يتملكهم الإحباط واليأس مهما تعاظم أمر الظلم والجور وكبرت شوكة الظالمين مما يحفزهم أيضاً لمجاهدة الأعداء والعمل على التمهيد لظهوره (عليه السلام).
ولذلك جاء في رسالة الإمام المهدي (عليه السلام) التي أرسلها للشيخ المفيد: (فليعمل كل امرؤ منكم بما يقربه من محبتنا ويتجنب ما يدنيه من كراهيتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجأة، حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة)(185).
11 - ظهور الأشخاص والجماعات الممهدين للمهدي (عليه السلام):
عن رسول الله قال: (يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي)(186).
لقد تحدثت الكثير من الروايات الواردة عن النبي وأهل بيته (عليهم السلام) عن مجيء أناس قبل خروج الإمام المهدي (عليه السلام) يوطئون له سلطانه ويعملون على تمهيد الأرض ومنطقة الشرق الأوسط خصوصاً لقدومه (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(185) الاحتجاج ج 2 ص 323، خاتمة المستدرك ج 3 ص 226، معادن الحكمة ج 2 ص 303.
(186) عقد الدرر ص 192، فرائد السمطين ج 2 ص 333، ينابيع المودة ص 435، منتخب الأثر ص 304.
ولقد خصت هذه الروايات بالذكر أهل المشرق تحديداً، وبالأخص بلاد فارس أو خرا سان كما في الحديث التالي.
عن رسول الله قال: (إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة الله المهدي)(187).
وهذه الرايات السود بالطبع ليس المقصود بها رايات بني العباس الذين حكموا في الماضي الغابر وكانت بداية خروجهم من المشرق أيضا، كما يدل على ذلك الحديث التالي.
عن رسول الله قال: (يخرج من المشرق رايات سود لبني العباس، ثم يكون ما شاء الله، ثم تخرج رايات سود صغار تقاتل رجلاً من ولد أبي سفيان وأصحابه من قبل المشرق يؤدون الطاعة للمهدي)(188).
وقد ذكرت بعض الأحاديث أسماء أشخاص معينين أو صفاتهم كالقول أنه مولى لبني تميم أو أنه رجل كوسج - أي قليل اللحية - أو ربعة أسمر أو ما شابه ذلك من الأوصاف يكونون من الممهدين للمهدي (عليه السلام) كما في الحديث التالي.
عن رسول الله: (يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث حراث على مقدمته رجل يقال له منصور، يوطئ أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله، وجب على كل مؤمن نصره أو قال إجابته)(189).
وكما أن الأرض تهيأت لقدوم النبي محمد حيث كان هناك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(187) مسند أحمد ج 5 ص 277، كشف الغمة ج 3 ص 262، حلية الأبرار ج 2 ص 704.
(188) الفتن لأبن حماد ج 4 ص 85، عقد الدرر ص 193، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 396.
(189) ينابيع المودة ص 259، إثبات الهداة ج 3 ص 620، حلية الأبرار ج 2 ص 695، العمدة ص 434.
العديد من الممالك العربية القائمة وقتئذ، كدولة الغساسنة في الشام والمناذرة في الحيرة ومملكة كندة في وسط الجزيرة وتبَّع في اليمن، وحينما أراد الله سبحانه أن يبعث نبيه بالرسالة الخاتمة أزال هذه الدول والممالك جميعا، لتخلوا الساحة للنور المحمدي القادم للوجود وتتهيأ الظروف لقيام الدولة الإسلامية الوليدة ولتكون محط أنظار العالم أجمع.
وكان آخر هذه الممالك هي مملكتي الغساسنة بالشام وكانت تتبع الروم والمناذرة بالعراق وكانت تتبع الفرس، فشاء الله العلي القدير أن تنشب حرب بين الروم والفرس وكان ذلك في بداية البعثة النبوية حيث أنتصر فيها الفرس ليُقضى على مملكة الغساسنة وبعد ذلك بسنوات تعاد الكرة من جديد لينتصر الروم فيقضى على ملك المناذرة كما نبأ سبحانه وتعالى في سورة الروم: (غُلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين)(190).
هذا بالإضافة لحادثة أصحاب الفيل وغيرها من الأحداث التي وقعت وقتئذٍ وسلطت الأضواء على مكة المكرمة وولادة النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم).
فكذلك لابد من أن تتهيأ الأرض لقدوم صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف بطريقة ما أو بأخرى، وحسب أرادته سبحانه وتعالى.
ونحن نلاحظ هذه الأيام كيف أن الأجواء تتهيأ لقدوم الإمام المهدي خصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ورفعهم شعار التمهيد للمهدي ونصرته، فبعد قيام الحكومة الإسلامية هناك بدأت الصحوة الإسلامية في جميع الأقطار الإسلامية ولدى جميع شرائح الأمة وبدأ كثير من أبناء الأمة في التشيع لأهل البيت (عليهم السلام) هذا بالإضافة لدخول الكثير من الناس في الإسلام من جميع دول العالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(190) سورة الروم (2 - 4).
وفي هذه الأيام أيضاً نرى كيف أن مذهب التشيع بدأ في العلو والارتفاع خصوصاً بعد النصر الذي حققته المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان ضد العدو الصهيوني حتى أصبح مذهب أهل البيت (عليهم السلام) حديث الفضائيات وشاشات التلفزيون والإنترنت وغيرها ولا تكاد تخلوا قناة من تلك القنوات من برنامج عن الشيعة أو حديث أو مقابلة مع عالم من علمائنا الأجلاء حفظهم الله تعالى.
12 - وقوع العلامات المحتومة وانتظار الأذن من الله في الظهور:
عن رسول الله قال عن خروج القائم: (له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه وأنطقه الله (عزَّ وجلَّ) فناداه العلم اخرج يا ولي الله فاقتل أعداء الله، وهما آيتان وعلامتان، وله سيف مغمد فإذا حان وقت خروجه أُقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله (عزَّ وجلَّ) فناداه السيف اخرج يا ولي الله فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله، فيخرج ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله)(191).
وعنه أيضاً قال: (لا تقوم الساعة حتى يقوم قائم للحق منا، وذلك حين يأذن الله (عزَّ وجلَّ) له، ومن تبعه نجا ومن تخلف عنه هلك، الله الله عباد الله فأتوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله (عزَّ وجلَّ))(192).
وعن علي بن إبراهيم بن مهزيار عن الإمام المهدي (عليه السلام) قال في ضمن ما قاله له وذلك عندما قابله في إحدى الوديان بالقرب من مكة المكرمة: (والله مولاكم أظهر التقية فوكلها بي، فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج)(193).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(191) كمال الدين ص 268، إعلام الورى بأعلام الهدى ج 2 ص 190، عيون أخبار الرضا ج 2 ص 65.
(192) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 60، كفاية الأثر ص 106، إثبات الهداة ج 3 ص 523.
(193) غيبة الطوسي ص 266، دلائل الإمامة ص 296، مختصر بصائر الدرجات ص 176.
نفهم من الروايات السابقة أن الإمام المهدي (عليه السلام) مُلزم بانتظار الإذن من الله في الخروج، وأن ذلك لا يحدث إلا حينما يتهيأ المناخ المناسب لإنجاح عملية التغيير المنشودة وفي الوقت الذي يراه الله الأصلح لخروجه (عليه السلام).
كما أن هذا المناخ المثالي للظهور لا يتم إلا بعد عدة أحداث عالمية معينة تهيئ الأجواء للتغيير المنشود، وبعد سلسلة من القضايا لابد من حدوثها قبل ظهوره، وهي التي تشكل الأرضية المناسبة للظهور.
وعادة ما يطلق على هذه الأحداث بإرهاصات أو علامات الظهور كالصيحة السماوية ومعركة قرقيسيا وخروج السفياني وخسف البيداء وغيرها من الأحداث التي تمهد الأرض لقدومه.
ولقد شبهت الروايات حصول هذه الأحداث والعلامات بنظام الخرز يتبع بعضها بعضا، وأكدت الروايات على أن بعض هذه الأحداث حتمي الوقوع ولابد منه ومثال ذلك الحديث التالي الذي يحدد العلامات الحتمية التي تحدث في سنة الظهور.
عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني والسفياني والصيحة وقتل النفس الزكية والخسف بالبيداء)(194).
وعنه أيضاً قال: (إن القائم لا يقوم حتى ينادي مناد من السماء تسمع الفتاة في خدرها ويسمع أهل المشرق والمغرب، وفيه نزلت هذه الآية (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين)(195))(196).
ومن أراد الإطلاع على المزيد من هذه العلامات فليراجع كتاب الفجر المقدس للسيد مجتبى السادة فلقد رتب الكاتب المذكور تلك الأحداث بشكل تسلسلي جميل ابتداءً من رجب في سنة الظهور وحتى خروج القائم في العاشر من محرم الحرام.
وفي الختام أقول أن هذه هي بعض أسباب الغيبة الكبرى كما أتصورها بإدراكي المحدود، ولعل هناك أسباب أخرى لا نعلمها وقد لا تنكشف لنا إلا بعد الظهور المبارك لصاحب الزمان وانتهاء الغيبة كما أشار لذلك الإمام الصادق (عليه السلام) في حديثه لعبد الله بن الفضل الهاشمي الذي ذكرناه في مقدمة الكتاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(194) كمال الدين ص 650 ح 7، بحار الأنوار ج 52 ص 240ح 34.
(195) سورة الشعراء (4).
(196) غيبة الطوسي ص 177، إثبات الهداة ج 3 ص 502، منتخب الأثر ص 450.
أهمية وجود الإمام في زمن الغيبة:
عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله وذلك عندما سأله هل ينتفع الشيعة بالقائم في غيبته؟ فقال: (أي والذي بعثني بالنبوة، إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب)(197).
في بداية حديثنا عن فوائد الإمام (عليه السلام) في حال غيبته لابد أن نطرح هنا ملاحظة هامة وهي أنه إذا تكلمنا عن غيبة الإمام المهدي فذلك لا يعني أنه (عليه السلام) قابع في جوف الأرض أو سجين في سرداب ما كسرداب الغَيبة كما يظنه بعض الجُهال.
بل هو موجود بين الناس ويعيش معهم ويخالطهم وفي بعض الأخبار أنه يتزوج منهم أيضاً، غير أن الناس لا يعرفون أنه هو الإمام المهدي المنتظر.
فعن سدير قال سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: (إن في القائم سنة من يوسف (عليه السلام).... إلى أن قال: فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله (عزَّ وجلَّ) يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يكون يسير في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله (عزَّ وجلَّ) أن يعرفهم بنفسه كما أذن ليوسف)(198).
فغيبة الإمام إذاً إنما تعني عدم معرفة الناس له لا غيابه عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(197) كمال الدين ج 1 ص 253، إعلام الورى ص 375، كفاية الأثر ص 53.
(198) علل الشرائع ج 1 ص 244، بحار الأنوار ج 12 ص 283، كمال الدين ص 341.
ساحة الأحداث ومجريات الأمور، وهذا ما عبر عنه السيد محمد صادق الصدر (قدّس سره) في كتابه تاريخ الغيبة الكبرى بخفاء العنوان.
وإذا ما استعرضنا الحديث السابق عن النبي الذي يشبه فيه الإمام المهدي (عليه السلام) في حال غيبته بالشمس المجللة بالسحاب يتبادر لنا هنا السؤال التالي.
ما هي قيمة الشمس في الواقع، وما فائدتها لنا أو للناس والكون...؟
يقول أصحاب الفلك أن الشمس هي مركز وأساس المجموعة الشمسية، وحولها تدور جميع الكواكب التسعة السيارة بما فيها الكرة الأرضية التي نعيش فيها أو عليها، وهي أيضاً التي تعطي الدفء للأرض مما يجعل الحياة عليها ممكنة الحدوث والاستمرار، هذا بالإضافة إلى النور الضروري للنباتات وباقي الكائنات الحية وعملية التوازن في الأرض وغير ذلك من فوائد الشمس التي لا تعد ولا تحصى.
فبالتالي بقاء الحياة على الكرة الأرضية بل وبقاء الكون المحيط بنا هو مرتبط ببقاء الشمس وديمومتها، وإذا ما حجبت الغيوم عنا شيء من ضوء الشمس لفترة معينه فهذا لا يبطل فوائد الشمس العديدة الموجبة لاستمرارية البقاء لهذا الكون المحيط بنا.
ومن هنا نفهم أن الوجود المقدس للإمام المهدي هو ضروري لهذا الكون وبقائه وصلاحه حتى وإن كان (عليه السلام) مستتراً عن الأنظار بالغيبة، ولا تشكل غيبته أي عائق عن الاستفادة من بركات هذا الفيض الإلهي المتمثل بوجوده.
نسأل الله تعالى أن نكون محل عنايته والمقربين منه ومن المنتفعين ببركة وجوده المقدس.
فوائد الإمام المهدي (عليه السلام) في حال غيبته:
1 - قيام الحجة لله على الخلق في كل عصر وزمان:
قال تعالى: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً)(199).
من المعروف أنه لابد لله من حجة على الخلق وللزوم إتمام الحجة على الناس لم تخلوا الأرض يوماً من إمام يُهتدى به ويمثل جانب الحق من الصراع الدائر بين الحق والباطل، ولكي لا يقول أحد ما لو كان لنا قائد سماوي لأخذ بيدنا ولما انحرفنا عن الطريق المستقيم، فمن غير المعقول أن تبطل حجج الله في أي زمن من الأزمنة أو أن يكون الإمام غير معروف للناس وللمؤمنين منهم خاصة، وهذا ما أكد عليه الرسول بالقول: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) أو قوله: (من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية)(200).
وهذا الأمر مستمر منذ أن أهبط آدم إلى الأرض وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها حيث يقوم حجج الله بالمحافظة على الشرائع السماوية وعدم تلوث الأفكار الأصلية أو تحريفها عن معناها وبمعنى آخر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(199) سورة النساء (165).
(200) مسند أحمد ج 5 ص 61، شرح المقاصد ج 5 ص 239، أصول الكافي ج 1 ص 376.
الحفاظ على أصالة الدين والفكر عن الخرافات والأوهام وانحرافات المنحرفين.
وهذا المفهوم أكدت عليه الكثير من الروايات والأحاديث التي نستعرض هنا بعضها والتي تنص على أنه لابد أن يكون هناك في كل زمان حجة لله على خلقه.
فعن رسول الله قال: (إن في كل خلف من أمتي عدلاً من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)(201).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهورا أو خائفاً مغمورا لئلا تبطل حجج الله وبيناته)(202).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (والله ما ترك الله الأرض منذ قبض الله آدم إلا وفيها إمام يُهتدى به إلى الله وهو حجة الله على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة لله على عباده)(203).
وعن سليمان الأعمش عن الإمام الصادق (عليه السلام): (لم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها، ظاهر مشهور أو غائب مستور ولا تخلوا إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله، قال سليمان: فقلت للصادق: فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(201) كمال الدين ص 221، وسائل الشيعة ج 5 ص 416، مناقب آل أبي طالب لأبن شهر آشوب ج 1 ص 211.
(202) بحار الأنوار ج 23 ص 20 ح 17، الكافي ج 1 ص 335 ح 3، غيبة النعماني ص 136 ح 1.
(203) علل الشرائع ج 1 ص 197، الإمامة والتبصرة ص 29، بصائر الدرجات ص 505.
قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب)(204).
بل وتحدثت بعض الروايات أنه من لم يكن له إمام يهتدي به فأعماله الصالحة محل إشكال، إذ ربما وقعت بشكل غير صحيح أو ربما فيها ما هو مخالف للشريعة كما نفهم من الرواية التالية.
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (كل من دان لله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله)(205).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا)(206).
فوجود الإمام إذاً سبباً لقبول الأعمال ومعرفة الإمام هي الأساس في السير على الطريق الصحيح والصراط المستقيم والإمام هو باب الله الذي منه يُؤتى كما جاء في دعاء الندبة الذي يقرأ في أيام الجمع والأعياد.
وفي هذا الزمن يمثل الإمام المهدي (عليه السلام) جانب الحق من الصراع وهو بقية حجج الله على خلقه وآخر الأئمة والمعصومين سلام الله عليهم أجمعين، ولذلك تنقل لنا الروايات أن أول ما ينطق به الإمام المهدي (عليه السلام) بعد خروجه بين الركن والمقام وبعد أن يسند ظهره إلى الكعبة المشرفة هو قول الله تعالى: (بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين)(207) ثم يقول: (أنا بقية الله وحجته وخليفته عليكم)(208).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(204) الأمالي للصدوق ص 253، فرائد السمطين ج1ص 46، كمال الدين ص 207.
(205) أصول الكافي ج1 ص 183 ح 8، مجمع الفائدة ج 12ص 299.
(206) بحار الأنوار ج 25ص 4، مكيال المكارم ج 1 ص 17، الأسرار الفاطمية ص 249.
(207) سورة هود (86).
(208) إثبات الهداة ج 3 ص 570، مستدرك الوسائل ج 12 ص 335، إعلام الورى ص 433.
2 - وجود الإمام لطف من الله بالعباد وأمان لأهل الأرض:
عن رسول الله قال: (أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون)(209).
وعنه أيضاً قال: (النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض)(210).
من رحمة الله الواسعة وتلطفه بالعباد والخلق جعل لهم أبواباً للرحمة فلا يعذبهم بما جنت أيديهم ولا يعجل عليهم بالعقوبة على ما اقترفوا من آثام وارتكبوا من أوزار وخطايا، ومن تلك الأبواب والألطاف نبيه محمد فلقد بعثه رحمة للعالمين، وقال عنه: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)(211).
فلقد كان رسول الله أماناً لهذه للأمة من عذاب الاستئصال، فكرامةً له لم يحدث لهذه الأمة ما حدث للأمم السابقة من عذاب وعقوبة الإهلاك مثل قوم صالح وهود ولوط وغيرهم، وبعد وفاة رسول الله كان أهل بيته (عليهم السلام) أماناً لهذه الأمة من العذاب ولطف يحوط بأهل الأرض جميعاً، وسبب للفيض الإلهي وسبب لتنزل البركة والرحمة والخيرات من الله.
فعن جابر بن يزيد الجعفي قال: قلت لأبي جعفر محمد بنعلي الباقر (عليهما السلام) لأي شيء يحتاج إلى النبي والإمام؟ فقال: (لبقاء العالم على صلاحه، وذلك أن الله (عزَّ وجلَّ) يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام... بهم يرزق الله عباده وبهم تعمر بلاده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(209) الصواعق المحرقة ص 150، ينابيع المودة ج 2 ص 442، جواهر العقدين ج 2 ص 189.
(210) كمال الدين ص 205 ح 19، فرائد السمطين ج 2 ص 253، ذخائر العقبى ص 59.
(211) سورة الأنفال (33).
وبهم ينزل القطر من السماء وبهم يخرج بركات الأرض وبهم يمهل أهل المعاصي ولا يعجل عليهم بالعقوبة والعذاب لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم)(212).
وعن الباقر (عليه السلام) أيضاً قال: (لو بقيت الأرض يوماً بلا إمام منا لساخت بأهلها ولعذبهم الله بأشد عذابه)(213).
وعن الرضا (عليه السلام) قال: (بنا يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا وبنا ينزل الغيث وينشر الرحمة ولا تخلوا الأرض من قائم منا ظاهر أو خاف، ولو خلت يوماً بغير حجة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله)(214).
3 - دعاء الإمام المهدي (عليه السلام) للمؤمنين وتسديده للعلماء:
جاء في رسالة الإمام المهدي (عليه السلام) الأولى للشيخ المفيد: (... إنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء - أي الشدائد - أو اصطلمكم الأعداء).
وعنه (عليه السلام) في رسالته الثانية للشيخ المفيد أيضاً وهو يتكلم عن حفظ الله للمؤمنين فيقول: (... لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء، فليطمئن بذلك من أوليائنا القلوب، وليثقوا بالكفاية منه وإن راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب)(215).
إذاً من أعظم الفوائد التي نستفيدها من الإمام في حال غيبته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(212) علل الشرائع ج 1 ص 123، بحار الأنوار ج 23 ص 19 ح 14، البرهان ج 1 ص 383.
(213) الإمامة والتبصرة ص 34، كمال الدين ص 204 ح 14، إثبات الهداة ج 1 ص 106.
(214) كمال الدين ج 1 ص 202، نور الثقلين ج 4 ص 369، بحار الأنوار ج 23 ص 35 ح 59.
(215) الاحتجاج ج 2 ص 323، طرائف المقال ج 2 ص 481.
هو شمولنا ببركة دعائه المقدس للمؤمنين، فهو الإمام المستجاب الدعوة وهو المضطر الذي يجاب إذا دعا (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض)(216) ولولا شمولنا ببركة دعائه (عليه السلام) لنا بظهر الغيب لصب علينا البلاء صبا.
كما أن الإمام المهدي يقوم بمهمة أخرى ربما أكثر أهمية من الدعاء وهي إصلاح المؤمنين وهدايتهم حتى وإن كانوا لا يعرفون شخصيته الحقيقية.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الأرض لا تخلوا إلا وفيها إمام كيما إن زاد المؤمنون شيئاً ردهم وإن نقصوا شيئاً أتمه لهم)(217).
وعنه أيضاً قال: (ما زالت الأرض إلا ولله فيها حجة يعرف الحلال والحرام ويدعوا الناس إلى سبيل الله)(218).
كما يقوم الإمام المهدي (عليه السلام) بتسديد العديد من العلماء الأجلاء ومساعدتهم في الحفاظ على الدين والشريعة واستخراج الأحكام الشرعية الضرورية للحياة ويصوب أخطائهم الاجتهادية في كثير من الأحيان.
ومثال ذلك ما روي عن المقدس الأردبيلي (قدّس سره) في القصة المعروفة التي نقلها العلامة المجلسي في البحار نقلاً عن أحد طلابه وهو السيد الفاضل أمير علام حيث قال: (كنت في بعض الليالي في صحن الروضة المقدسة بالغري على مشرفها السلام، وقد ذهب كثير من الليل فبينا أنا أجول فيها إذ رأيت شخصاً مقبلاً نحو الروضة المقدسة فأقبلت إليه فلما قربت منه عرفته أنه أستاذنا الفاضل العالم التقي الزكي مولانا أحمد الأردبيلي - قدس الله روحه - فأخفيت نفسي عنه حتى أتى الباب وكان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(216) سورة النمل (62).
(217) الكافي ج 1 ص 178 ح 2، غيبة النعماني ص 138، كمال الدين ص 221.
(218) بصائر الدرجات ص 484، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 4 ص 106.
مغلقاً فانفتح له عند وصوله إليه، ودخل الروضة فسمعته يتكلم كأنه يناجي أحداً، ثم خرج وأغلق الباب، فمشيت خلفه حتى خرج من الغري، وتوجه نحو الكوفة، فكنت خلفه بحيث لا يراني حتى دخل المسجد وصار إلى المحراب الذي استشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) عنده، ومكث طويلاً، ثم رجع وخرج من المسجد وأقبل نحو الغري فكنت خلفه حتى قرب من الحنانة، فأخذني سعال لم أقدر على دفعه، فالتفت إلي، فعرفني، وقال: أنت أمير علام؟ قلت: نعم، قال ما تصنع هاهنا؟ قلت: كنت معك حيث دخلت الروضة المقدسة إلى الآن، وأقسم عليك بحق صاحب القبر أن تخبرني بما جرى عليك في تلك الليلة من البداية إلى النهاية. فقال: أخبرك على أن لا تخبر به أحداً مادمت حياً، فلما توثق ذلك مني قال: كنت أفكر في بعض المسائل وقد أغلقت على فوقع في قلبي أن آتي أمير المؤمنين (عليه السلام) واسأله عن ذلك فلما وصلت إلى الباب فُتح لي بغير مفتاح كما رأيت فدخلت الروضة وابتهلت إلى الله تعالى في أن يجيبني مولاي عن ذلك فسمعت صوتا من القبر أن ائت مسجد الكوفة وسل القائم صلوات الله عليه فإنه إمام زمانك فأتيت عند المحراب وسألته عنها فأُجبت وها أنا أرجع إلى بيتي)(219).
ومثال ذلك أيضاً القصة التي تروى عن الشيخ المفيد (قدّس سره) حيث يُذكر: (أن أحد القرويين سأله ذات يوم عن امرأة حامل ماتت فهل تدفن مع ولدها أم يجب إخراجه منها؟ فظن الشيخ المفيد أن الولد ميت في بطنها، فقال: لا حاجة لفصله عن أمه بل يجوز أن يدفن معها وهو في بطنها، فلما حملت إلى قبرها أتى إلى النسوة شخص وقال إن الشيخ يأمر أن يشق بطن الحامل ويخرج الجنين إذا كان حياً منها ويخاط الشق ولا يحل أن يدفن معها، فعملت النسوة بما أوحى إليهن ذلك الشخص، ثم أخبر ذلك القروي بعد مدة الشيخ المفيد بما وقع فقال له: أنه لم يرسل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(219) بحار الأنوار ج 52 ص 175، النجم الثاقب ص 334، مجمع الفائدة ج 1 ص 36.
أحداً ولا شك أن ذلك الشخص هو صاحب الزمان، وأُسقط الشيخ المفيد في يده بأنه أخطأ في الفتوى، فترك الفتيا والتزم بيته لا يغادره حتى جاءه الأمر " أفد يا مفيد، فإن أخطأت فعلينا التسديد " فما كان من الشيخ إلا أن عاود الجلوس على منبر الفتيا)(220).
ومن تسديدات الإمام المهدي أيضاً للشيخ المفيد إرساله لرسالتين إليه فيهما الكثير من الإرشادات والتوجيه له وللمؤمنين وما ينبغي لهم عمله والقيام به في تلك الفترة الزمنية حيث وصلته الأولى في أواخر شهر صفر سنة 410 ه بينما وصلته الثانية يوم الخميس 23 ذي الحجة سنة 412 ه وقد ذكرنا بعضهما في المقدمة، وقد ورد نص الرسالتين بالكامل في كتاب (الاحتجاج) لأبي منصور أحمد الطبرسي (قدّس سره) من علماء القرن السادس الهجري.
ومن ذلك أيضاً قصة إجازة الإمام المهدي (عليه السلام) للشيخ الأنصاري بالاجتهاد والأعلمية حيث قال له: أنت المجتهد ثلاثاً، وقد نقلها السيد حسن الأبطحي في كتابه لقاءات مع صاحب الزمان في اللقاء الثاني والخمسين.
وكذلك ما نقله السيد الأبطحي أيضاً في نفس الكتاب وفي اللقاء الخامس والستين لأحد مراجع التقليد المعاصرين مع الإمام المهدي (عليه السلام) حيث أوصاه بثمان وصايا عظيمة ومن أراد الاطلاع عليها فليراجعها في الكتاب المذكور(221).
كما سُئل آية الله الشيخ زين العابدين النجفي (قدّس سره) عن حكم الطبول التي تضرب في عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) وعن ضرب السيوف والتشابيه أهي جائزة أم حرام؟ فأجاب: (إني كنت متوقفاً في هذه المسألة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(220) جنة المأوى ص 286، رعاية الإمام المهدي (عليه السلام) للمراجع والعلماء الأعلام - علي الجهرمي ص 61.
(221) لقاءات مع صاحب الزمان - الطبعة الأولى ص 160.
ومتردداً فيها، فلا أدري هل أفتي بالجواز أم أفتي بالحرمة، فذهبت إلى مسجد السهلة ووصلت بخدمة سيدي ومولاي الحجة ابن الحسن (عليه السلام) وعرضت المسألة عليه وسألته عنها فأفتاني بالجواز، وأنا أفتي كما أفتى سيدي ومولاي بالجواز)(222).
وهناك أيضاً العديد من اللقاءات التي تنقل بين الإمام والعلماء الأجلاء وتسديده لهم وإعانته لهم على كثير من القضايا، من أمثال لقائه مع العلامة الحلي وإعانته له في استنساخ الكتاب، ومكاشفته للعلامة المجلسي وغيرها من القصص التي ذكرت في العديد من الكتب من أمثال كتاب (لقاءات مع صاحب الزمان) للسيد حسن الأبطحي وكتاب (جنة المأوى) للحاج الميرزا حسين النوري وكتاب (رعاية الإمام المهدي (عليه السلام) للمراجع والعلماء الأعلام) للشيخ علي الجهرمي.
ويقول الشيخ علي كريمي الجهرمي في هذا المجال: (إن مراجع التقليد الأتقياء والعلماء العظام الزاهدين كانوا على الدوام موضعاً للعناية الخاصة من قبل إمام العصر - أرواحنا فداه - سواء كانت هذه العناية والرعاية على شكل لقاء أو إظهار للتقدير أو تقديم الشكر أو الدعاء بالخير أو الإرشاد والتوجيه أو تصحيح الإشتباهات والأخطاء إلى غير ذلك)(223).
4 - متابعة الإمام المهدي (عليه السلام) لأعمال الأمة واتصاله بهم في موسم الحج:
قال تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)(224).
من الواضح من الآية المباركة التي ذكرناها قبل قليل أن أعمال العباد تعرض في الحياة الدنيا على الله سبحانه وتعالى وعلى رسوله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(222) بيان الأئمة ج 2 ص 462.
(223) رعاية الإمام المهدي (عليه السلام) للمراجع والعلماء الأعلام ص 40.
(224) سورة التوبة (105).
وعلى المؤمنين، ومن الطبيعي ألا تعرض الأعمال على جميع المؤمنين لاستحالة ذلك، كما أن هناك من أعمال العباد ما يتم في السر بحيث يخفى عن أعين الناس والناظرين فلا يمكن تفسير كلمة (المؤمنون) في الآية السابقة إلا بالأئمة من أهل البيت (عليهم السلام).
ومما يدلنا على أن هذا العرض يتم في الحياة الدنيا لا في الآخرة هو المقطع الأخير من الآية المباركة أي (وستردون إلى عالم...) وهذا المعنى نجده أيضاً في آية سابقه من سورة التوبة حيث يقول سبحانه (وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تُردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)(225)، فهناك بعد الموت يتم العرض مرة أخرى للأعمال وينبئ الله العباد بجميع أعمالهم.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير الآية السابقة قال: (تعرض أعمال العباد يوم الخميس على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعلى الأئمة)(226).
وعنه أيضاً في تفسير قوله تعالى: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً)(227) قال: (نزلت في أمة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) خاصة، في كل قرن منهم إمام منا شاهد عليهم ومحمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) في كل قرن شاهد علينا)(228).
إذاً نستنتج مما مضى أن أعمالنا تعرض على رسول الله وعلى الأئمة المعصومين وعلى صاحب الزمان - أرواحنا فداه - ليكونوا شهداء علينا مع جوارحنا ومع الملائكة المكرمين، ولذلك جاء في بعض الروايات التحذير أنه أما تستحون من نبيكم حينما يشاهد أعمالكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(225) سورة التوبة (94).
(226) تفسير البرهان مجلد 2 ص 838.
(227) سورة النساء (41).
(228) تفسير البرهان مجلد 2 ص 79.
السيئة فيسوئه ذلك، وكذلك الأمر إذا ما عرضت الأعمال على إمام العصر، ولعل لذلك أكبر الأثر في أن يصلح الإنسان من نفسه ويرتدع عن ظلم الناس ويستزيد من الأعمال الصالحة ليرضي بذلك إمامه المفترض الطاعة عنه.
فعن رميلة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (يا رميلة ليس مؤمن يمرض إلا مرضنا بمرضه ولا يحزن إلا حزنا بحزنه ولا يدعو إلا أمنا بدعائه ولا يسكت إلا دعونا له، فقلت له: يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك هذا لمن معك في القصر أرأيت من كان في أطراف الأرض؟ فقال: يا رميلة ليس يغيب عنا مؤمن في شرق الأرض ولا في غربها)(229).
بل أن هناك من الروايات والأحاديث التي تؤكد على أن الله سبحانه وتعالى يُطلع النبي والإمام المعصوم حتى على ما في ضمير الإنسان سواء كان خيراً أو شر، وهذا الأمر ربما يخفى على الملكين الموكلين بكتابة أعمال الإنسان وأقواله ليكون بذلك النبي أو المعصوم شاهداً عند الله على هذا الإنسان وما أضمره في داخله من حقد أو ضغينة أو سوء ظن أو خلافه.
فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال (وأنا عالم بضمائر قلوبكم والأئمة من أولادي يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبوا وأرادوا، إنا كلنا واحد)(230).
ولقد جاء في فضل ليلة القدر أن الآجال والأرزاق والبلايا تكتب في تلك الليلة وتعرض على الإمام المعصوم مع إبقاء المشيئة والبداء لله (عزَّ وجلَّ).
فعن أبي عبد لله (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(229) بحار الأنوار ج 26 ص 140 ح 11، إلزام الناصب ج 1 ص 16، بصائر الدرجات ص 259.
(230) بحار الأنوار ج 26 ص 6 ح 1، مشارق أنوار اليقين ص 285، إلزام الناصب ج 1 ص 35.
مباركة، إنا كنا منذرين * فيها يُفرق كل أمر حكيم)(231) قال: (يعني في ليلة القدر كل أمر حكيم، أي يقدر الله كل أمر من الحق ومن الباطل وما يكون في تلك السنة وله فيها البداء والمشيئة يقدم ما يشاء ويخر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والأعراض والأمراض ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء، ويلقيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى أمير المؤمنين ويلقيه أمير المؤمنين إلى الأئمة (عليهم السلام) حتى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان ويشترط له ما فيه البداء والمشية والتقديم والتأخير)(232).
وأما فائدة عرض الأعمال على الإمام المهدي (عليه السلام) فتتلخص في النقاط التالية:
معرفة إمكانية الظهور إذا ما تهيأت الأسباب والأرضية المناسبة لخروجه.
معرفة أنصاره وأعوانه الذين يمكنه الاعتماد عليهم واختيار الأفضل منهم.
متابعة أحوال الأمة والإطلاع على أخبارها وإصلاح الفساد الحاصل فيها.
الشهادة على أعمال الخلائق عند الله والاستغفار للمؤمنين منهم.
كما أن الإمام المهدي (عليه السلام) يحضر موسم الحج في كل عام ويلتقي بالمؤمنين هناك ويتواصل مع الأمة في تلك الديار المقدسة وربما أكثر الحجاج يلتقون به ويحادثونه وهم لا يعرفون أنه هو إمامهم المنتظر.
فعن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ليفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه)(233).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(231) سورة الدخان (3 - 4).
(232) تفسير القمي ج 2 ص 290، ينابيع المودة ص 428، المحجة ص 202.
(233) كمال الدين ص 351 ح 48، الكافي ج 1 ص 272، دلائل الإمامة ص 482.
وعن محمد بن عثمان العمري - السفير الثاني - قال: (والله إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة فيرى الناس فيعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه)(234).
بل ويقوم الإمام المهدي (عليه السلام) في بعض الأحيان في موسم الحج بتعليم المؤمنين معالم دينهم وبعض الأمور الهامة التي تخصهم.
فمن ذلك ما رواه علي بن إبراهيم الآودي أنه في عام 293ه وبعد طوافه حول الكعبة المشرفة جلس في حلقة من المؤمنين عن يمين الكعبة، فبينما هم جلوس إذ خرج عليه الإمام (عليه السلام) وعليه إزاران محرم بهما وفي يده نعلان، فلما رأوه قاموا جميعاً هيبة له فسلم عليهم وجلس متوسطاً بينهم، ثم التفت يميناً وشمالاً ثم قال: (أتدرون ما كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول في دعاء الإلحاح؟ كان يقول: اللهم إني أسألك باسمك الذي تقوم به السماء وبه تقوم الأرض....)(235) إلى آخر الرواية وهي طويلة بعض الشيء فاكتفينا منها بهذا القدر، وهناك أيضاً العديد من الروايات المشابهة لهذه الرواية.
5 - مساعدة الإمام المهدي (عليه السلام) للمؤمنين في الشدة والمحن:
قال تعالى عن نبيه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)(236).
لقد كان رسول الله والأئمة من بعده عوناً للأمة على الدوام، كما كانوا مفرجين للهموم والأحزان ومخلصين للناس من المحن والمصاعب والكرب التي تنتابهم، وعلى هذا المنوال أيضاً سار الإمام المهدي (عليه السلام) فهناك الكثير من القصص والأخبار الموثوق بها والتي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(234) كمال الدين ج 2 ص 440، مكيال المكارم ج 1 ص 78، غيبة الطوسي ص 221.
(235) غيبة الطوسي ص 156، كمال الدين ج 2 ص 470، بحار الأنوار ج 52 ص 9.
(236) سورة الأنبياء (107).
تتحدث عن تخليصه (عليه السلام) للمؤمنين من المصاعب والمحن وشفائه للمرضى بإذن الله، ولقد نقل لنا السيد حسن الأبطحي في كتابه لقاءات مع صاحب الزمان العديد من تلك القصص التي فرج فيها الإمام المهدي (عليه السلام) عن المؤمنين كربهم وأعانهم على البلاء الذي ألم بهم.
وأنا أنقل لكم هنا قصتين فقط عن مساعدته (عليه السلام) للمؤمنين وذلك على سبيل المثال لا الحصر وقد ذكرهما الميرزا حسين النوري الطبرسي في كتابه (النجم الثاقب في أحوال الحجة الغائب).
حيث ينقل (أن أحد الأشخاص ذهب إلى الحج مع جماعة قليلة عن طريق الأحساء وعند الرجوع كان يقضي بعض الطريق راكباً وبعضه ماشياً، فاتفق في بعض المنازل أن طال سيره ولم يجد مركوباً، فلما نزلوا للراحة والنوم نام ذلك الرجل وطال به المنام من شدة التعب حتى ارتحلت القافلة بدون أن تفحص عنه، فلما لذعته حرارة الشمس استيقظ فلم ير أحداً حوله، فسار راجلاً وكان على يقين من الهلاك فاستغاث بالإمام المهدي (عليه السلام)، فرأى في ذلك الحال رجلاً على هيئة أهل البادية راكباً جملاً، وقال له: يا فلان افترقت عن القافلة؟ فقال: نعم، فقال: هل تحب أن أوصلك برفاقك؟ قال: فقلت نعم والله، هذا مطلوبي وليس هناك شيء سواه، فاقترب مني وأناخ راحلته، وجعلني رديفاً له وسار، فلم نسر إلا قليلاً حتى وصلنا إلى القافلة، فلما اقتربنا منها قال: هؤلاء رفقاؤك، ووضعني وذهب)(237).
وينقل الميرزا في القصة الأخرى (أن جماعة من أهل البحرين عزموا على ضيافة جماعة من المؤمنين بشكل متسلسل في كل مره عند واحد منهم، وساروا في الضيافة حتى وصلت النوبة على أحدهم، ولم يكن لديه شيء ليضيفهم به، فركبه من ذلك حزن وغم شديد، فخرج في بعض الليالي من أحزانه إلى الصحراء، فرأى شخصاً حتى ما إذا وصل إليه قال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(237) النجم الثاقب ص 241.
له: اذهب إلى التاجر الفلاني - وسماه - وقل له: يقول لك محمد بن الحسن: ادفع لي الاثني عشر إشرافيا التي كنت نذرتها لنا، ثم اقبض المال منه واصرفه في ضيافتك.
فذهب ذلك الرجل إلى التاجر وبلغه الرسالة، فقال له التاجر: أقال لك محمد بن الحسن بنفسه، فقال البحراني: نعم، فقال التاجر: وهل عرفته؟ قال: لا، فقال له: ذاك صاحب الزمان (عليه السلام)، وكنت نذرت هذا المال له، ثم أنه أكرم هذا البحراني وأعطاه المبلغ وطلب منه الدعاء)(238).
ومن القصص المعتبرة أيضاً في هذا المجال قصة السيد الرشتي التي ذكرها الشيخ عباس القمي (طاب ثراه) في كتابه (مفاتيح الجنان) نقلاً عن الميرزا حسين النوري أيضاً.
كما أن هناك بعض التوسلات الاستغاثات بالإمام المهدي (عليه السلام) قد وردت عن أهل البيت (عليهم السلام)، وذلك عند حلول المحن والشدائد والبلايا، وقد أوردت بعضها في خاتمة هذا الكتاب، كما أوردت الرقعة التي تكتب له لقضاء الحوائج، وهي من المجربات التي ذكرها السيد محمد الرضوي في كتابه (التحفة الرضوية) في مجربات الإمامية، ولقد جربتها أنا بنفسي والعديد من إخواني المؤمنين أكثر من مرة ونجحت مقاصدنا ولله الحمد.
6 - إدارة الإمام المهدي (عليه السلام) للبشرية والأمة الإسلامية من الخفاء:
المقصود من الخفاء هنا أنه (عليه السلام) يقوم ببعض أعماله بصفة أنه شخص عادي من المجتمع، فحيث أن الإمام المهدي (عليه السلام) موجود بين الناس ويلتقي بهم ويساعدهم ويصلح شئونهم وهم لا يعرفونه، فهو إذاً لا يعيش مكتوف الأيدي بل يقوم بمهامه الموكلة إليه في زمن الغيبة ويدير الأمة في صراعها ضد قوى الشر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(238) النجم الثاقب ص 306.
ويذكر السيد محمد صادق الصدر (قدّس سره) في كتابه (تاريخ الغيبة الكبرى) بعض من مهام الإمام المهدي (عليه السلام) في حال الغيبة وهي كالتالي(239):
القيام بواجب الدعوة الإسلامية وهداية الناس للإسلام والعقيدة الصحيحة.
الدفاع عن الإسلام وعن قواعده الشعبية ومواليه ضد الأعداء.
الحفاظ على المجتمع المسلم ضد الانحراف ومحاربة الفساد والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدر المستطاع.
إغاثة الملهوف وإعانة المضطر والمشاركة الفعالة في الأعمال الخيرية أو أية أطروحات فكرية تصب في صالح المجتمعات الإيمانية.
قيادة الأمة الإسلامية جمعاء وإدارة البشرية وولاية الكون أيضاً (وهذا ما يسمى بالولاية التكوينية)(240).
حيث أن للإمام المهدي (عليه السلام) ولاية عامة على الناس والكون أيضاً كما كان ذلك للأنبياء والأئمة (عليهم السلام) من قبل، فنحن نرى أن الحديد كان ليناً بيد نبي الله داوود (عليه السلام) والجبال والطير كانت تسبح معه كما قال تعالى: (وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين)(241) والريح كانت تجري للنبي سليمان (عليه السلام) بأمره غدوها شهر ورواحها شهر كما قال تعالى: (ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر)(242) وانشقاق القمر للنبي محمد، وشهادة الحجر الأسود للإمام علي بن الحسين (عليه السلام) بالإمامة،... وغير ذلك من الأمور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(239) تاريخ الغيبة الكبرى ص 45.
(240) هذه النقطة لم يذكرها السيد الصدر في كتابه.
(241) سورة الأنبياء (79).
(242) سورة سبأ (12).
كما أن للإمام المهدي (عليه السلام) ولاية مطلقة على هذه الأمة، فكما كان للنبي الولاية المطلقة على المسلمين وكذلك كان ذلك للإمام علي والأئمة من بعده (عليهم السلام) وذلك في قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)(243)، فكذلك تكون الولاية مطلقة للإمام المهدي (عليه السلام).
فمن المعروف أن هذه الآية نزلت في الإمام علي (عليه السلام) وذلك حينما تصدق بالخاتم وهو راكع في الصلاة، ونلاحظ هنا أن هذه الآية جاءت بصيغة الجمع مع أن الإمام علي (عليه السلام) كان شخص واحد فقط...!
حيث يقول بعض المفسرين إنما جاءت الآية بصيغة الجمع لوجود باقي الأئمة الإثني عشر في صلب الإمام علي (عليه السلام) فكانت لهم الولاية جميعا.
وبالتالي فهذه الولاية المطلقة أو العامة للإمام المهدي (عليه السلام) لا تسقط بغيبته كما يتوهم البعض، ويقول الشهيد مرتضى المطهري (ره) في كتابه (الإمامة) بهذا الشأن أن للإمامة مراتب ثلاثة وهي(244):
الإمامة بمعنى المرجعية الدينية.
الإمامة بمعنى قيادة المجتمع (الرئاسة أو السلطة).
الإمامة بمعنى الولاية العامة (ولهذه مراتب أيضاً).
وأدنى مرتبة من مراتب الولاية العامة هذه - وهو ما يعتقده غالبية الشيعة الإمامية - أن الإمام (عليه السلام) هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وله السلطة المطلقة عليهم كما كان ذلك لرسول الله حيث يقول الله تعالى في كتابه (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)(245).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(243) سورة المائدة (55).
(244) الإمامة للشهيد مرتضى المطهري ص (43 - 53).
(245) سورة الأحزاب (6).
ومن بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان ذلك للإمام علي والأئمة الهداة من ولده (عليهم السلام)، حيث قال الرسول محمد للمسلمين يوم غدير خم وهو آخذ بيد علي (عليه السلام): (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: اللهم بلى، قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه)(246).
7 - إبراز طاقة العلماء وتعويد الأمة على الصبر والاعتماد على الذات:
لقد كانت الأمة في حياة الرسول والأئمة من بعده تأخذ أحكامها الشرعية وتعاليمها الإسلامية مباشرة من المعصوم ولم تكن هناك حركة علمية أو اجتهادية كبيرة بالشكل الذي حصل في عصور الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام)، حيث أصبح على العلماء أن يُعملوا الفكر ويجتهدوا ويعتمدوا على أنفسهم في استخراج واستنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والسنة المطهرة، مما أثرى الحياة الفكرية والعلمية في الأمة وأبرز الطاقات الكامنة فيها.
فإذا لاحظنا على سبيل المثال فترة الغيبة الصغرى وما بعدها بقليل نجد أنها تعج بكثير من العلماء العظام الذين برزوا في تلك الفترة من أمثال الشيخ الكليني والشيخ المفيد والشيخ الصدوق والشريف المرتضى والشيخ الطوسي وغيرهم.
وفي العصر الحديث نلاحظ كيف تطور الفكر الإسلامي بشكل كبير، وخصوصاً في المجال الفقهي حيث برزت لنا العديد من المسائل الحديثة في فقه الفضاء وأحكام الاستنساخ والمعاملات البنكية وغير ذلك من المعاملات والقضايا المستحدثة.
ومما يحضرني هنا في هذا المجال هو الموسوعة الفقهية الكبرى لآية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(246) معاني الأخبار للصدوق ص 67، مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 119، دلائل الإمامة ص 18.
الله العظمى المرحوم السيد محمد مهدي الشيرازي (قدّس سره) والتي تربو على مائة وخمسين مجلدا في شتى أبواب الفقه والمعاملات والأحكام الشرعية.
كما كان لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً أكبر الأثر في تعويد المؤمنين على الصبر وحثهم على عمل الخير والصالحات لأجل التمهيد لظهوره (عليه السلام)، ولذلك جاء مدحهم من قبل الرسول والأئمة (عليهم السلام) في كثير من الروايات التي تحدثت عن المؤمنين في عصر الغيبة وصبرهم على البلاء ومحنة فقدهم للإمام فمن ذلك ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله في حديث طويل يذكر فيه القائم (عليه السلام) حيث قال: (طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محجتهم، أولئك الذين وصفهم الله في كتابه وقال: (هدىً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب)(247))(248).
وعن الحسين بن علي (عليه السلام) بشأن غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) قال: (... له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون فيؤذون ويقال لهم (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم))(249).
وعن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته والقائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً)(250).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(247) سورة البقرة (2 - 3).
(248) ينابيع المودة ج 3 ص 285، كفاية الأثر ص 56، إثبات الهداة ج 1 ص 577.
(249) إلزام الناصب ج 1 ص 195، الصراط المستقيم ج 2 ص 111، كفاية الأثر ص 231.
(250) كمال الدين ص 319، إعلام الورى ص 384، الإحتجاج ج 2 ص 317.
مسؤوليتنا في عصر الغيبة:
بعد أن استعرضنا بعض الفوائد الهامة للوجود المقدس للإمام المهدي (عليه السلام) لا بد هنا أن نسأل أنفسنا ما ذا يجب علينا فعله في المقابل اتجاه الإمام (عليه السلام)؟ وما هو تكليفنا الشرعي في عصر الغيبة؟
فكما أن الإمام المهدي (عليه السلام) يقوم بالمهام التي أوكلت إليه خير قيام، فنحن في المقابل أيضاً يجب أن نقوم بواجباتنا الملقاة علينا في زمن الغيبة قدر المستطاع وما أمكننا ذلك.
فبالإضافة للواجبات الإسلامية العامة التي تقع على المكلفين من المسلمين في جميع العصور والأزمنة وأعني بذلك واجب الدعوة الإسلامية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الفساد وغير ذلك من الواجبات الشرعية، هناك واجبات معينة تختص بعصر الغيبة الذي نعايشه في الوقت الراهن.
وقد ذكر آية الله السيد محمد مهدي الشيرازي (قدّس سره) بعض هذه الواجبات في كتابه (الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف)، كما جاء بعضها الآخر في كتاب (وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام) للحاج الميرزا محمد تقي الأصفهاني، وأيضاً ورد بعضها الآخر في السلسلة الثقافية الميسرة حول الإمام المهدي (عليه السلام) الصادرة عن مركز بقية الله الأعظم للدراسات والنشر وفي غيرها من الكتب أيضاً.
ولسوف نستعرض هنا في هذا الفصل من الكتاب بعض هذه الواجبات بشيء من الاختصار إن شاء الله تعالى.
واجباتنا في عصر الغيبة:
1 - معرفة الإمام المهدي (عليه السلام) حق المعرفة:
قال رسول الله: (من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية)(251).
وعنه أيضاً قال: (القائم من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي وشمائله شمائلي وسنته سنتي، يقيم الناس على ملتي وشريعتي ويدعوهم إلى كتاب ربي (عزَّ وجلَّ)، من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني ومن كذبه فقد كذبني ومن صدقه فقد صدقني...)(252).
يستفاد من الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) أن لمعرفة الإمام المعصوم أهمية عظيمة وأنها أساس لمعرفة الله، وأن طريق الهداية للحق والثبات على الصراط المستقيم لا يتم إلا بمعرفة الإمام المعصوم واقتفاء أثره والسير على خطاه والاستضاءة بنوره والثبات على ولايته.
فعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (إنما يعرف الله (عزَّ وجلَّ) ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت، ومن لا يعرف الله (عزَّ وجلَّ) ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(251) غيبة النعماني ص 130، الكافي ج 2 ص 21 ح 9، نور الثقلين ج 1 ص 503.
(252) كمال الدين ج2 ص 411، إعلام الورى ص 399، منتخب الأثر ص 183 ح 4.
يعرف الإمام منا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالاً.!)(253).
ولكن ماذا تعني معرفة الإمام المعصوم حق معرفته؟
بالطبع ما دام لمعرفة الإمام كل هذه الأهمية الكبرى.. فليس المراد منها هو معرفة اسمه ونسبه فقط...! بل يتحتم أن يكون المقصود بالمعرفة شيء آخر أكبر من ذلك بكثير وأكثر أهمية وأعظم خطرا.
ويجيبنا على التساؤل السابق الإمام الصادق (عليه السلام) حيث يقول: (.. وأدنى معرفة الإمام أنه عدل النبي إلا درجة النبوة ووارثه، وأن طاعته طاعة الله وطاعة رسول الله والتسليم له في كل أمر والرد إليه والأخذ بقوله، ويعلم أن الإمام بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم أنا ثم من بعدي موسى ابني ثم من بعده ولده علي وبعد علي محمد ابنه وبعد محمد علي ابنه وبعد علي الحسن ابنه والحجة من ولد الحسن)(254).
2 - الثبات على الولاية لأهل البيت (عليهم السلام) والتمسك بالمذهب الحق:
من أهم تكاليفنا الشرعية في عصر الغيبة هو الثبات على موالاة أهل البيت (عليهم السلام) والثبات على العقيدة الصحيحة بإمامة الأئمة الاثني عشر وخصوصاً خاتمهم وقائمهم المهدي محمد بن الحسن (عليه السلام)، كما يتوجب علينا عدم التأثر بموجات التشكيك وتأثيرات المنحرفين مهما طال زمان الغيبة أو كثرت ضروب المشككين.
فعن رسول الله قال: (والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول أكثر الناس ما لله في آل محمد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(253) الكافي ج 1 ص 181 ح 4، ميزان الحكمة ج 1 ص 120 ح 144.
(254) كفاية الأثر ص 263، نهج السعادة ج 8 ص 41، بحار الأنوار ج 2 ص 120.
حاجة ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلا يشككه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني)(255).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (للقائم منا غيبة أمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة)(256).
ونحن نرى اليوم أن هناك الكثير من موجات وضروب التشكيك في وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وإمامته وكذلك إمامة من سبقه من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) عبر الكثير من الكتب ووسائل الإعلام من فضائيات وشبكات الإنترنت وغيرها، فلابد هنا أن نُذكِّر بأقوال أئمتنا (عليهم السلام) وذلك حينما أخبرونا عن هذه الغيبة التي نعايشها وما يحدث فيها من تشكيك في العقائد والأصول ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولقد جاء في بعض الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) الحث على تجديد العهد والبيعة مع الإمام المهدي (عليه السلام) في كل يوم كما جاء في دعاء العهد الوارد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهداً وعقداً وبيعةً له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبداً...)(257).
ومن الثبات على الولاية أيضاً ذكر فضائل الإمام المهدي (عليه السلام) وإشاعتها بين الناس والبراءة من أعدائه واللعن عليهم.
كما جاء عن رسول الله أنه قال: (طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه ويتولى أولياءه ويعادي أعداءه، ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(255) كمال الدين ج 1 ص 51، إثبات الهداة ج 3 ص 459، بحار الأنوار ج 51 ص 68 ح 10.
(256) كمال الدين ج 1 ص 303 ح 14، إعلام الورى ص 400، منتخب الأثر ص 255 ح 3.
(257) مصباح الزائر ص 169، البلد الأمين ص 82، مصباح الكفعمي ص 550.
من رفقائي وذوي مودتي وأكرم أمتي علي يوم القيامة)(258).
3 - الصبر على البلاء وانتظار الفرج:
من أهم تكاليفنا في زمان الغيبة هو انتظار الفرج وهو من أعظم العبادات كما جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله أنه قال: (أفضل العبادة انتظار الفرج)(259)، وعنه أيضاً قال: (أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج)(260).
ولكن ما معنى انتظار الفرج المذكور في الأحاديث الشريفة؟
نحن نعلم أن المرء إذا كان ينتظر قدوم ضيوف أعزاء عليه فإنه يهيأ نفسه لهم بلبس أحسن الملابس والتطيب بأفخر أنواع الطيب وغير ذلك من تنظيف البيت وتهيئة الطعام والشراب والضيافة وما ينبغي تقديمه للضيوف الأعزاء، وكذلك المزارع الذي ينوي زراعة شجر ما وينتظر الحصول منه على أفضل الثمار فإنه يهيئ الأرض بحرثها وتسميدها وما يتطلب الزراعة من أمور قبل قيامه بعملية الزرع المنشودة.
إذاً انتظار الفرج يتطلب منا عمل ما يتوجب علينا القيام به، وليس القعود في البيت فقط وانتظار خروج الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) كما يتوهم البعض، ولانتظار الفرج عدة معاني وقد ذكرها السيد محمد صادق الصدر (قدّس سره) في موسوعته عن الإمام المهدي وهي كالتالي(261):
الانتظار القلبي: بمعنى تهيئة النفس لقدوم الإمام المهدي وتوقع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(258) غيبة الطوسي ص 275، كمال الدين ج 1 ص 286، تفسير نور الثقلين ج 2 ص 505.
(259) كمال الدين ج 1 ص 278، ينابيع المودة ج 3 ص 397، بحار الأنوار ج 52 ص 125 ح 11.
(260) الإمامة والتبصرة ص 163، مستدرك الوسائل ج 3 ص 527، كمال الدين ص 644.
(261) تاريخ الغيبة الكبرى ص 316، 361.
الظهور في أي وقت وبالتالي التسليم المطلق للإمام في حال ظهوره والاستعداد الكامل لتطبيق عدل الإمام على الشخص نفسه وتجهيز النفس لنصرته والجهاد بين يديه.
المساهمة الفعالة: أي المساهمة في إيجاد شرائط الظهور (التي ذكرناها سابقاً) والعمل لأجل خروج الإمام بالتمهيد لذلك قدر الاستطاعة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من الأعمال الصالحة.
إصلاح الشخص نفسه: أي الالتزام الكامل بتطبيق الأحكام الشرعية في سائر العلاقات والمعاملات والعبادات.
الصبر على المحن والبلاء: حيث أن عصر الغيبة الكبرى يتميز بتعاظم الجور والظلم والفساد بشكل ملحوظ.
لذلك جاء الكثير من الأحاديث التي تؤكد على مبدأ الصبر وتحث عليه وخصوصاً في زمن الغيبة وتتحدث عن عظم أجر الصابرين كما في الأحاديث التالية.
عن الرسول قال: (إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم)(262).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (وانتظار الفرج بالصبر)(263).
وعن الرضا (عليه السلام) قال: (ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، أما سمعت قول الله (عزَّ وجلَّ) (وارتقبوا إني معكم رقيب) وقوله (فانتظروا إني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(262) صحيح الترمذي ج 2 ص 437، كنز العمال ج 11 ص 118، مجمع الزوائد ج 7 ص 282.
(263) منتخب الأثر ص 498، وسائل الشيعة ج 19 ص 75، بحار الأنوار ج 52 ص 122 ح 1.
معكم من المنتظرين) فعليكم بالصبر فإنما يجيء الفرج على اليأس)(264).
فالمؤمن المترقب لفرج إمامه المنتظر يلاقي صعوبات كثيرة لتكذيب الناس له بوجود هذا الإمام المغيب، كما يلاقي صعوبات كثيرة لقيامه بواجباته الرسالية بعكس ذلك الشخص الجالس في بيته يتفرج وكأن الأمر لا يعنيه بشيء.
ولذلك حينما سمع الإمام الصادق (عليه السلام) بعض أصحابه يتذاكرون جماعة منهم وقد ماتوا ولم يدركوا زمان القائم وهم يتحسرون على ذلك قال لهم: (من مات منكم وهو منتظرا لهذا الأمر كان كمن هو مع القائم في فسطاطه، ثم قال: لا بل كان كالضارب بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالسيف - وفي رواية أخرى كمن استشهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) - )(265).
وعن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى: (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم)(266) فقال: (يا فضيل اعرف إمامك فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخر، ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره.. لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه)(267).
4 - الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام) والدعاء بتعجيل الفرج:
كما أن الإمام الحجة لا ينسانا من ذكره لنا في توجهه إلى الله ويشملنا ببركة دعائه المقدس كما أسلفنا في هذا الكتاب، فلذلك ينبغي لنا نحن أيضاً في المقابل أن ندعو له (عليه السلام)، ويتوجب علينا أن نلجأ إلى الله تعالى ونطلب منه سبحانه أن يحفظ إمامنا المغيب من شر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(264) تفسير العياشي ج 2 ص 20، كمال الدين ج2 ص 645، منتخب الأثر ص 496.
(265) كمال الدين ج 2 ص 338 ح 11، المحاسن ص 174، غيبة النعماني ص 200 ح 15.
(266) سورة الإسراء (71).
(267) الكافي ج 1 ص 371، غيبة النعماني ص 329، غيبة الطوسي ص 276.
شياطين الجن والإنس وأن يعجل فرجه وينصره على أعدائه من الكفار والجبابرة المتكبرين وأن يسهل مخرجه ويجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه.
ومن ذلك الدعاء المعروف (اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا)(268).
ولعل البعض يعترض بالقول ما فائدة دعائنا للإمام المهدي (عليه السلام) وهو الإمام المعصوم والمحفوظ من قبل الله، وهو بالتالي مستجاب الدعوة عكسنا نحن العصاة المذنبون المفتقدين لأهلية استجابة الدعاء.
والجواب: نحن مأمورون بالدعاء للإمام كما جاء ذلك في كثير من الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) ولعل ذلك من أجل بقاء الصلة والرابطة مع الإمام ولعل لذلك أيضاً آثاراً أخرى نحن لا نعلمها.
فعن يونس بن عبد الرحمن قال: أن الرضا (عليه السلام) كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر بهذا الدعاء: (اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك على خلقك ولسانك المعبر عنك بإذنك الناطق بحكمتك وعينك الناظرة في بريتك وشاهدك على عبادك الجحجاح المجاهد العائذ بك العابد عندك،... الخ)(269).
ومن ذلك أيضاً قول الله سبحانه وتعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)(270).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(268) الإقبال ص 85، مصباح الكفعمي ص 146، فلاح المسائل ص 46.
(269) بحار الأنوار ج 92 ص 333، مصباح المتهجد ص 409، جمال الأسبوع ص 311.
(270) سورة الأحزاب (56).
فنحن مأمورون إذاً بالدعاء للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته والصلاة عليهم وليس لأحد ما أن يعترض بالقول إذا كان الله تعالى مصلياً عليهم فلا فائدة لصلاتنا عليهم أو لدعائنا هذا لهم (عليهم السلام).
يقول السيد ابن طاووس الحسني (رض) بهذا الخصوص: (فإياك ثم إياك أن تقدم نفسك أو أحداً من الخلائق في الولاء والدعاء له بأبلغ الإمكان وأحضر قلبك ولسانك في الدعاء لذلك المولى العظيم الشأن، وإياك أن تعتقد أنني قلت هذا لأنه محتاج إلى دعائك هيهات هيهات..!
إن اعتقدت هذا فإنك مريض في اعتقادك وولائك، بل إنما قلت هذا لما عرفتك من حقه العظيم عليك وإحسانه الجسيم إليك، ولأنك إذا دعوت له قبل الدعاء لنفسك ولمن يعز عليك كان أقرب إلى أن يفتح الله (جلَّ جلاله) أبواب الإجابة بين يديك لأن أبواب قبول الدعوات قد غلقّتها أيها العبد بأغلاق الجنايات.
فإذا دعوت لهذا المولى الخاص عند مالك الأحياء والأموات يوشك أن يفتح أبواب الإجابة لأجله فتدخل أنت في الدعاء لنفسك ولمن تدعو له في زمرة فضله وتتسع رحمة الله (جلَّ جلاله) لك وكرمه عنايته بك لتعلقك في الدعاء بحبله)(271).
ولقد ذكر آية الله الحاج ميرزا محمد تقي الموسوي الأصفهاني بعض الفوائد الحاصلة عند الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام) وهي كالتالي(272):
أنه سبب للحصول على شفاعة الرسول وشفاعة صاحب الأمر إدخال السرور على الإمام الحجة (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(271) كتاب فلاح السائل ص 45.
(272) كتاب وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام ص 31.
أنه موجب لدعاء صاحب الأمر للداعي.
تحصيل ثواب الدعاء وثواب النصرة للإمام.
التعظيم لله بإظهار المحبة للإمام والولاء له.
أنه موجب لدفع البلاء عن الداعي في زمن غيبة الإمام.
أنه نوع من أداء حقه على المؤمنين.
ومن الواجب علينا أيضاً في زمان الغيبة هذا الذي نعيش فيه الدعاء بتعجيل فرج إمامنا المهدي (عليه السلام) أرواحنا فداه وأن نطلب من الله تعالى أن يجعلنا من أنصاره (عليه السلام) ومؤيديه كما جاء في التوقيع الشريف للإمام المهدي (عليه السلام) الذي خرج على يد محمد بن عثمان العمري: (وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم)(273).
وجاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث له عن بني إسرائيل حيث قال: (فلما طال على بني إسرائيل العذاب ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحاً، فأوحى الله إلى موسى وهارون يخلصهم من فرعون فحط عنهم سبعين ومائة سنة، ثم قال (عليه السلام) هكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا فأما إذا لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه)(274).
كما ينبغي لنا الدعاء والطلب من الله الثبات على ولاية أهل البيت (عليهم السلام) والطلب من الله معرفة الإمام المهدي (عليه السلام) حق معرفته كما ذكرنا ذلك فيما مضى من الكتاب لأن هذا الأمر لا يتم لنا ولا يمكننا الحصول عليه إلا بتوفيقه ومعونته سبحانه وتعالى.
فعن زرارة بن أعين أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن زمان الغيبة حيث قال: (جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟ قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(273) كمال الدين ج 2ص 485، إعلام الورى ص 423، غيبة الطوسي ص 176.
(274) بحار الأنوار ج 4ص 118، مستدرك الوسائل ج 5 ص 239، تفسير الصافي ج 2 ص 460.
يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء " اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني")(275).
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يُرى ولا إمام هدى، ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق، قلت: كيف دعاء الغريق؟ قال: يقول (يا الله يا رحمان يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك))(276).
وهناك الكثير من الأدعية الواردة في هذا المجال مثل دعاء العبرات ودعاء الندبة ودعاء العهد وغيرها من الأدعية وقد أوردت بعضها في خاتمة هذا الكتاب.
5 - الارتباط الروحي بالإمام المهدي واحترامه وتقديسه والولاء له (عليه السلام):
جاء عن الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)(277) قال: (اصبروا على أداء الفرائض وصابروا على أذية عدوكم ورابطوا إمامكم المنتظر)(278).
فهو إمام العصر - أرواحنا له الفداء - وهو الإمام المناط به إقامة الدولة الإسلامية العالمية الموعودة منذ أول الدهر، والموكل له المهمة الكبرى التي من أجلها كان الخلق كما أسلفنا في بداية الكتاب، فلابد أن نقدم له من التقدير والاحترام الشيء الكثير ولابد أن نظهر له من المحبة والولاء ما أمكننا ذلك، وينبغي لنا أن يكون ارتباطنا بإمامنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(275) الكافي ج 1 ص 337 ح 5، غيبة النعماني ص 166 ح 6، دلائل الإمامة ص 293.
(276) كمال الدين ج 2 ص 351 ح 49، إعلام الورى ص 406، إثبات الهداة ج 3 ص 475.
(277) سورة آل عمران (200).
(278) غيبة النعماني ص 27، المحجة ص 52، ينابيع المودة ص 421، البرهان ج 1 ص 334.
قوياً جداً قولاً وفعلاً وروحياً ومعنوياً ومن جميع الجوانب أيضا.
ولذلك جاء عن أهل البيت (عليهم السلام) وجوب احترامه وتقديسه لدرجة أن الإمام الرضا (عليه السلام) حينما كان يستمع لقصيدة دعبل الخزاعي وذلك حينما أنشده قصيدته التائية وحينما وصل لهذا البيت:
خروج إمام لا محالة خارج يقوم على اسم الله والبركات
قام الإمام الرضا (عليه السلام) على قدميه وأطرق رأسه الشريف إلى الأرض ثم وضع يده اليمنى على رأسه وقال: (اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه وانصرنا به نصراً عزيزاً)(279).
وكذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) وذلك حينما سُئل " هل ولد المهدي (عليه السلام)؟ " فقال (عليه السلام): (لا، ولو أدركته لخدمته أيام حياتي)(280).
كما ينبغي لنا من ضمن احترام الإمام المهدي والتواصل معه المواظبة على زيارته في أيام الجمعة وغيرها بالزيارات الواردة في كتب الأدعية والزيارات كزيارة آل يس والزيارة الجامعة وزيارة صاحب الأمر وغيرها من الزيارات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام).
6 - القيام بالأعمال الخيرية وإهداء ثوابها للإمام المهدي (عليه السلام):
وهذا ما ذكره بعض العلماء الأجلاء في كتبهم من أمثال العلامة المجلسي (قدّس سره) في البحار حيث نقل استحباب إعطاء الصدقة نيابة عنه أو بنية التقرب إلى الله من أجل حفظه (عليه السلام)، كما ذكر المرحوم آية الله السيد الشيرازي (قدّس سره) في كتابه الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف استحباب الحج نيابة عنه.
ومن ذلك أيضاً ما رواه قطب الدين الراوندي في الخرائج عن أبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(279) منتخب الأثر ص 506، مستدرك سفينة البحار ج 8 ص 629، الذريعة ج 23 ص 247.
(280) غيبة النعماني ص 252، إعلام الورى ص 129، عقد الدرر ص 233 ح 268.
محمد الدعلجي حيث ذكر أنه قد دُفع له ثمن حجة ليحج بها عن صاحب الزمان (عليه السلام) وذكر أن ذلك كان من عادة الشيعة وقتئذٍ، فلما ذهب للحج وكان بالموقف التقى بالإمام هناك ووصف من شأنه أنه كان (عليه السلام) (شاباً حسن الوجه، أسمر اللون، بذؤابتين، مقبلاً على شأنه في الدعاء والابتهال والتضرع وحسن العمل)(281).
وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (ما من شيء أحب إلى الله من إخراج الدراهم إلى الإمام، وإن الله ليجعل له الدرهم في الجنة مثل جبل أحد، ثم قال: إن الله تعالى يقول في كتابه (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة)(282) قال: هو والله في صلة الإمام خاصة)(283).
كما ينبغي لنا في عصر الغيبة هذا أن يعمل كل واحد منا ما يقربه من الإمام المهدي (عليه السلام) وكل في مجاله من خطابة وإقامة المجالس التي تخدم أهل البيت (عليهم السلام)، وتأليف الكتب، وإقامة المؤسسات الخيرية والاجتماعية والمشاريع الإصلاحية التي تصب في خدمته وخدمة الأمة الإسلامية جمعاء.
7 - ملازمة الحزن على غيبة الإمام المهدي (عليه السلام):
إذ أن الحزن هو حليف المؤمنين والصابرين وخصوصاً في عصر الغيبة هذا الذي نعايشه، فنحن في زمن نفقد فيه لطفاً إلهياً كبيراً، المتمثل بوجود الإمام المعصوم بين الناس بحيث يمكنهم التواصل معه والانتفاع بشخصه الكريم، كما يعز علينا ما يناله إمامنا المغيب (عليه السلام) من أحزان وهموم ورزايا وما يجري عليه من محن ومصائب على مر الأيام وتطاول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(281) الخرائج والجرائح ج 1 ص 480، الصراط المستقيم ج 2 ص 213، وسائل الشيعة ج 8 ص 147.
(282) سورة البقرة (245).
(283) الكافي ج 1 ص537 ح 2، بحار الأنوار ج 24 ص 279 ح 7، تفسير الصافي ج 1 ص 273.
الدهور والأزمان.
وكما جاء في دعاء الندبة: (عزيزٌ عليّ أن أرى الخلق ولا تُرى ولا أسمع لك حسيساً ولا نجوى، عزيزٌ عليّ أن تحيط بك دوني البلوى ولا ينالك مني ضجيج ولا شكوى...، عزيزٌ عليّ أن أجاب دونك وأناغى، عزيزٌ عليّ أن أبكيك ويخذلك الورى، عزيزٌ عليّ أن يجري عليك دونهم ما جرى، هل من معين فأُطيل معه العويل والبكاء، هل من جزوع فأُساعد جزعه إذا خلا، هل قذيت عينٌ فساعدتها عيني على القذى(284).
فالإمام المهدي (عليه السلام) يعايش الناس ويتألم لما يصيبهم من مصائب ومحن وبعينه (عليه السلام) ما جرى على هذه الأمة من رزايا طوال هذه القرون، وهو مع ذلك صابر على ما يراه من فساد وظلم ولا يستطيع دفعه في كثير من الأحيان ويبقى منتظراً لأمر الله له بالخروج حين تتهيأ لذلك الظروف المناسبة.
كما يعز عليه - أرواحنا له الفداء - فقد الكثير من العلماء العظام والمؤمنين المجاهدين الذين قُتلوا أو استشهدوا طوال هذه العصور المتتابعة وربما فقد هو أيضاً الكثير من أولاده وأهل بيته وقرابته باعتبار أنه ربما لا يترك سنة رسول الله في الزواج خلال فترة الغيبة الكبرى هذه.
ولقد تحدثت لنا الروايات عن حزن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) الشديد كلما جاءوا على ذكر الإمام المهدي (عليه السلام) وغيبته وتحمله لأنواع البلاء والمحن.
فمن ذلك ما نقله الصقر بن أبي دلف عن الإمام الجواد (عليه السلام) أنه قال: (إن الإمام بعدي ابني علي أمره أمري وقوله قولي وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه وطاعته طاعة أبيه ثم سكت، فقلت له: يا بن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(284) بحار الأنوار ج 99 ص 104، مصباح الزائر ص 230، المزار الكبير ص 190.
بكاءً شديداً، ثم قال: إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر)(285).
ومن ذلك أيضاً ما رواه سدير الصيرفي عن الإمام الصادق (عليه السلام) وذلك حينما دخل عليه هو مع جماعة من أصحابه فرأوه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب وهو يبكي بكاء الواله الثكلى، فلما سألوه عن ذلك زفر زفرة عظيمة انتفخ منها جوفه ثم قال: (نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله به محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة من بعده (عليهم السلام)، وتأملت منه مولد قائمنا وغيبته وإبطائه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان وتولد الشك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم... إلى أن قال: فأخذتني الرقة واستولت عليّ الأحزان)(286).
فنحن نلاحظ في مثل هذه الروايات تكرار القول (فبكى بكاء شديدا) مما يدل على حزن الأئمة (عليهم السلام) البالغ على غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) وتعاطفهم الشديد مع ما يلاقيه الشيعة والمؤمنون من محن وبلايا بانقطاعهم عن إمامهم المعصوم وقيادته الحكيمة.
8 - التوسل بالإمام المهدي (عليه السلام) وجعله شفيعا في قضاء الحوائج:
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة)(287).
حيث أنه ما منا أحد إلا وهو مبتلى بالكثير من الذنوب والخطايا والمعاصي فلا بد لنا من أن نجد شخص يكون وجيهاً عند الله نستشفع به في دعائنا ونتوسل به إلى الله عند حلول المصائب وفي المهمات ليفرج سبحانه به عنا البلاء ويستجيب لنا الدعاء ويتقبل تقربنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(285) كمال الدين ج 2 ص 378، منتخب الأثر ص 223، إعلام الورى ص 409.
(286) كمال الدين ص 354، ينابيع المودة لذوي القربى ج 3 ص 310.
(287) سورة المائدة (35).
ويغفر لنا به الخطايا والذنوب.
قال تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما)(288).
لذلك ورد عن أئمة الهدى (عليهم السلام) العديد من الاستغاثات والتوسلات بأهل البيت عموماً وبالإمام المهدي على وجه الخصوص، فهم علة الإيجاد وسبب للفيض الإلهي كما ورد في دعاء الندبة (أين السبب المتصل بين الأرض والسماء).
فعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (إذا نزلت بكم شديدة فاستعينوا بنا على الله (عزَّ وجلَّ) وهو قوله (عزَّ وجلَّ) (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)(289))(290).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا حضرت أحدكم الحاجة فليصم يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة، فإذا كان يوم الجمعة اغتسل ولبس ثوباً نظيفاً ثم يصعد إلى أعلى موضع في داره فيصلي ركعتين ثم يمد يده إلى السماء ويقول: اللهم إني حللت بساحتك.... اللهم إني أتقرب إليك بنبيك.... إلى أن قال: وأتقرب إليك بالبقية الباقي المقيم بين أوليائه الذي رضيته لنفسك، الطيب الطاهر الفاضل الخير، نور الأرض وعمادها، ورجاء هذه الأمة وسيدها، الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، الناصح الأمين، المؤدي عن النبيين، وخاتم الأوصياء النجباء الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين...)(291).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(288) سورة النساء (64).
(289) سورة الأعراف (180).
(290) الاختصاص ص 252، مستدرك الوسائل ج 5 ص 228، بحار الأنوار ج 91 ص 22 ح 17.
(291) مصباح المتهجد ص 287 - 292، التهذيب ج 3 ص 183 ح 416، الفقيه ج 1 ص 556.
ولقد أوردت بعض الاستغاثات بالإمام المهدي (عليه السلام) في خاتمة هذا الكتاب والرقعة التي تكتب له لقضاء الحوائج والمهمات.
9 - الرجوع في الأحكام الشرعية إلى العلماء المجتهدين:
حيث أن تقليد الفقهاء والعلماء المجتهدين في غير أصول الدين هو واجبنا الشرعي في عصر الغيبة الذي نعايشه، وذلك لمن لا يمكنه الاجتهاد أو العمل بالاحتياط المبرئ للذمة في أحكام الدين وفروعه.
فلقد جاء في التوقيع المروي عن الإمام المهدي (عليه السلام) والذي خرج لإسحاق بن يعقوب في فترة الغيبة الصغرى: (.. وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله)(292).
وورد عن الإمام العسكري (عليه السلام) في كتاب التفسير المنسوب إليه: (.. فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه)(293).
ولقد كان الأئمة (عليهم السلام) يشجعون أصحابهم على الاجتهاد وإعمال الفكر في كثير من الأحيان، بل ويدلونهم على أشخاص معينين من العلماء الأعلام ليستفتوهم في أحكامهم الشرعية وليرجعوا لهم في القضاء والمخاصمات.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول، وعليكم أن تفرعوا) وعن الرضا (عليه السلام) قال: (علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع)(294).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(292) غيبة الطوسي ص 291، كمال الدين ج 2 ص 483، إعلام الورى ص 423، كشف الغمة ج 3 ص 321.
(293) تفسير الإمام العسكري ص 300، وسائل الشيعة ج 27 ص 131، الاحتجاج ج 2 ص 263.
(294) وسائل الشيعة ج 27 ص 62، مستدرك سفينة البحار ج 1 ص 143، ميزان الحكمة: ج 1 ص 549.
وعن أبن أبي يعفور في صحيحته قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إنه ليس كل ساعة ألقاك، ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه، فقال: (ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فإنه سمع من أبي وكان عنده وجيها)(295).
ومن ذلك أيضا ما جاء في مقبولة عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال بعد أن بين حرمة التخاصم أو التحاكم إلى الظالمين: (ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما)(296).
وفي صحيحة أبي خديجة ومشهورته أيضاً جاءت معاني مشابهة لهذا القول الوارد في مقبولة عمر بن حنظلة الكوفي السابقة الذكر.
ولقد جاء عن أهل البيت (عليهم السلام) مدح العلماء من المؤمنين في عصر الغيبة ووصفهم بأجمل الصفات كما في الرواية التالية.
عن علي بن محمد الهادي (عليه السلام) قال: (لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله (عزَّ وجلَّ))(297).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(295) بحار الأنوار ج 2 ص 249 ح 60، رجال الكشي ج 1 ص 383، وسائل الشيعة ج 18 ص 105.
(296) الكافي ج 1 ص 54، الإحتجاج ص 355، وسائل الشيعة ج 18 ص 98، تهذيب الأحكام ج 6 ص 302.
(297) الإحتجاج ج1 ص 10، المحجة البيضاء ج 1 ص 32، حلية الأبرار ج 2 ص 455.
وأول من برز من العلماء الأعلام في بداية الغيبة الكبرى واستلم قيادة المرجعية الدينية هو الشيخ الفقيه الحسن بن علي بن أبي عقيل العماني، ثم ابن الجنيد أبو علي محمد بن أحمد الإسكافي، ثم بعد ذلك بسنوات لمع نجم الشيخ المفيد ببغداد حيث أسس الحوزة العلمية هناك وكان يحضر مجلس درسه العشرات من العلماء والفضلاء من أمثال السيدان الشريف الرضي والشريف المرتضى(298).
ولقد كان الشيخ المفيد (قدّس سره) محل عناية الإمام المهدي (عليه السلام) ورعايته كما هو واضح من الرسالتين اللتين بعثهما إليه وأشار فيهما إلى ذلك بالقول: (إنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم...)(299).
وبعد الشيخ المفيد جاء دور شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي الذي كان على يديه تأسيس الحوزة العلمية في النجف الأشرف التي ما تزال تشع أنوارها حتى زماننا الحاضر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(298) المهدي من المهد إلى الظهور ص 265.
(299) الإحتجاج ج 2 ص 324، بحار الأنوار ج 53 ص 175.
بعض الأدعية والاستغاثات بالإمام المهدي (عليه السلام):
لقد ورد في كتب الأدعية والزيارات العديد من الاستغاثات والتوسلات بالإمام المهدي (عليه السلام) وخصوصاً عند حلول البلاء والمصائب، كما ورد الكثير من الدعاء له (عليه السلام) والزيارات المعتبرة بشأنه، وخصوصاً في أيام الجمع والأعياد ويوم مولده الشريف في منتصف شهر شعبان المبارك، ونذكر هنا بعض هذه التوسلات والأدعية الشريفة والزيارات المباركة.
الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام)
(اللهم صل على وليك المحيي سنتك القائم بأمرك الداعي إليك الدليل عليك وحجتك على خلقك وخليفتك في أرضك وشاهدك على عبادك، اللهم أعز نصره ومد في عمره وزين الأرض بطول بقائه، اللهم أكفه بغي الحاسدين وأعذه من شر الكائدين وادحر عنه إرادة الظالمين وخلصه من أيدي الجبارين، اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه وتسر به نفسه وبلغه أفضل أمله في الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير، اللهم جدد به ما محي من دينك وأحيي به ما بدل من كتابك وأظهر به ما غير من حكمك حتى يعود دينك به وعلى يديه غضاً جديداً خالصاً مخلصاً لا شك فيه ولا شبهة معه ولا باطل عنده ولا بدعة لديه، اللهم نور بنوره كل ظلمة وهد بركنه كل بدعة واهدم بعزته كل ضلالة واقصم به
كل جبار وأخمد بسيفه كل نار وأهلك بعدله كل جبار وأجر حكمه على كل حكم وأذل لسلطانه كل سلطان، اللهم أذل كل من ناواه وأهلك كل من عاداه وامكر بمن كاده واستأصل من جحد حقه واستهان بأمره وسعى في إطفاء نوره وأراد إخماد ذكره، اللهم صل على محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن الرضا والحسين المصطفى وجميع الأوصياء مصابيح الدجى وأعلام الهدى ومنار التقى والعروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم وصل على وليك وولاة عده والأئمة من ولده ومد في أعمارهم وأزد في آجالهم وبلغهم أقصى آمالهم دنيا وآخرة إنك على كل شيء قدير)(300).
دعاء العهد:
عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (من دعا الله تعالى أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا، فإن مات قبله أخرجه الله من قبره، وأعطاه الله بكل كلمة ألف حسنة، ومحى عنه ألف سيئة)(301) وهو هذا الدعاء:
(اللهم رب النور العظيم ورب الكرسي الرفيع ورب البحر المسجور ومنزل التوراة والإنجيل والزبور ورب الظل والحرور ومنزل القران والعظيم ورب الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين، اللهم إني أسألك باسمك الكريم وبنور وجهك المنير وملكك القديم يا حي يا قيوم أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات والأرضون وباسمك الذي يصلح به الأولون والآخرون يا حيا قبل كل حي ويا حيا بعد كل حي ويا حيا حين لا حي يا محيي الموتى ومميت الأحياء يا حي لا إله إلا أنت،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(300) غيبة الطوسي ص 279، دلائل الإمامة ص 301، إثبات الهداة ج 3 ص 685، مستدرك الوسائل ج 16 ص 89.
(301) مصباح الكفعمي ص 550، الإيقاظ من الهجعة ص 297، مصباح الزائر ص 169.
اللهم بلغ مولانا الإمام الهادي المهدي القائم بأمرك صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين عن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها سهلها وجبلها وبرها وبحرها وعني وعن والدي من الصلوات زنة عرش الله ومداد كلماته وما أحصاه علمه وأحاط به كتابه، اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهدا وعقدا وبيعة له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبدا، اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والذابين عنه والمسارعين إليه في قضاء حوائجه والممتثلين لأوامره والمحامين عنه والسابقين إلى إرادته والمستشهدين بين يديه، اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما مقضيا فأخرجني من قبري مؤتزرا كفني شاهرا سيفي مجردا قناتي ملبيا دعوة الداعي في الحاضر والبادي، اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة واكحل ناظري بنظرة مني إليه وعجل فرجه وسهل مخرجه وأوسع منهجه واسلك بي محجته وأنفذ أمره واشدد أزره واعمر اللهم به بلادك وأحي به عبادك فإنك قلت وقولك الحق) ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس (فأظهر اللهم لنا وليك وابن بنت نبيك المسمى باسم رسولك (صلّى الله عليه وآله وسلم) حتى لا يظفر بشي من الباطل إلا مزقه ويحق الحق ويحققه، واجعله اللهم مفزعا لمظلوم عبادك وناصرا لمن لا يجد له ناصرا غيرك ومجددا لما عطل من أحكام كتابك ومشيدا لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيك (صلّى الله عليه وآله وسلم)، واجعله اللهم ممن حصنته من بأس المعتدين، اللهم وسر نبيك محمدا (صلّى الله عليه وآله وسلم) برؤيته ومن تبعه على دعوته وارحم استكانتنا بعده، اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الأمة بحضوره وعجل لنا ظهوره إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا برحمتك يا أرحم الراحمين).
الاستغاثة بالإمام المهدي (عليه السلام):
في المزار لمحمد بن المشهدي ذُكرت هذه الاستغاثة بصاحب الزمان (عليه السلام) وقال (رح): من حيث تكون تصلي ركعتين بالحمد وما شئت من السور، وقم واستقبل القبلة تحت السماء وقل:
(سلام الله الكامل التام الشامل العام وصلواته الدائمة وبركاته القائمة التامة على حجة الله ووليه في أرضه وبلاده وخليفته على خلقه وعباده وسلالة النبوة وبقية العترة والصفوة صاحب الزمان ومظهر الإيمان ومعلن أحكام القرآن ومطهر الأرض وناشر العدل في الطول والعرض والحجة القائم المهدي الإمام المنتظر المرضي وابن الأئمة الطاهرين الوصي ابن الأوصياء المرضيين الهادي المعصوم ابن الأئمة الهداة المعصومين السلام عليك يا معز المؤمنين المستضعفين السلام عليك يا مذل الكافرين المتكبرين الظالمين السلام عليك يا مولاي يا صاحب الزمان السلام عليك يا بن رسول الله السلام عليك يا بن أمير المؤمنين السلام عليك يا بن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين السلام عليك يا بن الأئمة الحجج المعصومين والإمام على الخلق أجمعين السلام عليك يا مولاي سلام مخلص لك في الولاية أشهد أنك الإمام المهدي قولاً وفعلاً وأنت الذي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً فعجل الله فرجك وسهل مخرجك وقرب زمانك وكثر أنصارك وأعوانك وأنجز لك ما وعدك فهو أصدق القائلين: (ونريد أن نمن على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)(302) يا مولاي يا صاحب الزمان يا بن رسول الله حاجتي كذا وكذا - واذكر حاجتك عوض كلمة كذا وكذا - فاشفع لي في نجاحها فقد توجهت إليك بحاجتي لعلمي أن لك عند الله شفاعة مقبولة ومقاماً محموداً فبحق من اختصكم بأمره وارتضاكم لسره وبالشأن الذي لكم عند الله بينكم وبينه سل الله تعالى في نُجح طلبتي وإجابة دعوتي وكشف كربتي)(303).
وفي كنوز النجاح للطبرسي ذُكرت الاستغاثة التالية:
(إلهي عظم البلاء وبرح الخفاء وانكشف الغطاء وانقطع الرجاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(302) سورة القصص (5).
(303) المزار للمشهدي ص 670، بحار الأنوار ج 91 ص 31، البلد الأمين ص 158.
وضاقت الأرض ومنعت السماء وأنت المستعان وإليك المشتكى وعليك المعول في الشدة والرخاء اللهم صل على محمد وآل محمد أولي الأمر الذين فرضت طاعتهم وعرفتنا بذلك منزلتهم، ففرج عنا بحقهم فرجاً عاجلاً قريباً كلمح البصر أو هو أقرب يا محمد يا علي يا علي يا محمد اكفياني فإنكما كافيان وانصراني فإنكما ناصران يا مولانا يا صاحب الزمان الغوث الغوث الغوث أدركني أدركني أدركني الساعة الساعة الساعة العجل العجل العجل يا أرحم الراحمين بحق محمد وآله الطاهرين)(304).
زيارة صاحب الزمان (عليه السلام)
(السلام على الحق الجديد والعالم الذي علمه لا يبيد، السلام على محيي المؤمنين ومبير الكافرين، السلام على مهدي الأمم وجامع الكلم، السلام على خلف السلف وصاحب الشرف، السلام على حجة المعبود وكلمة المحمود، السلام على معز الأولياء ومذل الأعداء، السلام على وارث الأنبياء وخاتم الأوصياء، السلام على القائم المنتظر والعدل المشتهر، السلام على السيف الشاهر والقمر الزاهر والنور الباهر، السلام على شمس الظلام وبدر التمام، السلام على ربيع الأنام ونضرة الأيام، السلام على صاحب الصمصام وفلاق الهام، السلام على الدين المأثور والكتاب المسطور، السلام على بقية الله في بلاده وحجته على عباده، المنتهي إليه مواريث الأنبياء، ولديه موجود آثار الأصفياء، السلام على المؤتمن على السر والولي للأمر، السلام على المهدي الذي وعد الله (عزَّ وجلَّ) به الأمم أن يجمع به الكلم، ويلم به الشعث، ويملأ به الأرض قسطاً وعدلاً، ويُمكّن له، وينجز به وعد المؤمنين.
أشهد يا مولاي أنك والأئمة من آبائك، أئمتي ومواليَ في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، أسألك يا مولاي أن تسأل الله تبارك وتعالى في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(304) مصباح الكفعمي ص 276، جمال الأسبوع ص 181، المزار للمشهدي ص 592.
صلاح شأني، وقضاء حوائجي وغفران ذنوبي، والأخذ بيدي في ديني ودنياي وآخرتي، لي ولإخواني وأخواتي من المؤمنين والمؤمنات كافة إنه غفور رحيم، وصلى الله على سيدنا محمد رسول الله وآله الطاهرين)(305).
رقعة لقضاء الحاجة
يروي العلامة المجلسي (قدّس سره) في البحار هذه الرقعة للإمام المهدي (عليه السلام) حيث يقول: إذا كانت لك حاجة إلى الله (عزَّ وجلَّ) فاكتب رقعة على بركة الله واطرحها على قبر من قبور الأئمة (عليهم السلام) إن شئت، أو فشدها واختمها واعجن طيناً نظيفاً واجعلها فيه واطرحها في نهر جار أو بئر عميقة أو غدير ماء، فإنها تصل إلى صاحب الأمر (عليه السلام) وهو يتولى قضاء حاجتك بنفسه، والله بكرمه لا يخيب أملك، ثم قال: تكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم
(كتبت يا مولاي صلوات الله عليك مستغيثاً، وشكوت ما نزل بي مستجيراً بالله (عزَّ وجلَّ) ثم بك من أمرٍ قد دهمني، وأشغل قلبي، وأطال فكري، وسلبني بعض لبي، وغير خطير نعمة الله عندي، أسلمني عند تخيل وروده الخليل، وتبرأ مني عند ترائي إقباله إليّ الحميم، وعجزت عن دفاعه حيلتي، وخانني في تحمله صبري وقوتي، فلجأت فيه إليك وتوكلت في المسألة لله جل ثناؤه عليه وعليك في دفاعه عني، علماً بمكانك من الله رب العالمين ولي التدبير ومالك الأمور، واثقاً بك في المسارعة في الشفاعة إليه جل ثناؤه في أمري، متيقناً لإجابته تبارك وتعالى إياك بإعطاء سؤلي، وأنت يا مولاي جدير بتحقيق ظني وتصديق أملي فيك في أمر (تكتب الشكوى أو الحاجة هنا) فيما لا طاقة لي بحمله ولا صبرلي عليه، وإن كنت مستحقاً له
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(305) المزار للشهيد الأول ص 208، مصباح الزائر ص 228، بحار الأنوار ج 99 ص 102.
ولأضعافه بقبيح أفعالي وتفريطي في الواجبات التي لله (عزَّ وجلَّ).
فأغثني يا مولاي صلوات الله عليك عند اللهف، وقدم المسألة لله (عزَّ وجلَّ) في أمري قبل حلول التلف وشماتة الأعداء، فبك بُسطت النعمة عليّ، وأسأل الله (جلَّ جلاله) لي نصراً عزيزاً وفتحاً قريبا، فيه بلوغ الآمال، وخير المبادي، وخواتيم الأعمال، والأمن من المخاوف كلها في كل حال، إنه جل ثناؤه لما يشاء فعال، وهو حسبي ونعم الوكيل في المبدأ والمآل).
قال: ثم تصعد النهر أو البئر أو الغدير وتعتمد بعض الأبواب للإمام (عليه السلام) أما عثمان بن سعيد العمري أو ولده محمد بن عثمان العمري أو الحسين بن روح أو علي بن محمد السمري فهؤلاء كانوا أبواب المهدي (عليه السلام) فتنادي بأحدهم: يا فلان بن فلان سلام عليك أشهد أن وفاتك في سبيل الله وأنك حي عند الله مرزوق وقد خاطبتك في حياتك التي لك عند الله (عزَّ وجلَّ) وهذه رقعتي وحاجتي إلى مولانا (عليه السلام) فسلمها إليه فأنت الثقة الأمين، ثم ارم بها في النهر أو الغدير تقضى حاجتك إن شاء الله(306).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(306) بحار الأنوار ج 91 ص 29، تحفة الزائر ص 480، البلد الأمين ص 157، مصباح الكفعمي ص 405.