موسوعة الإمام المهدي عليه السلام

موسوعة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

إعداد وتنظيم: مركز الأبحاث العقائدية

فهرس المطالب

مقدمة المركز
طول عمره (عليه السلام)
غيبته (عليه السلام)
ولادته (عليه السلام)
سبب غيبته (عليه السلام)
انتظاره (عليه السلام)
سفرائه (عليه السلام)
ظهوره (عليه السلام)
الانتفاع به (عليه السلام)
أدلة النافين للمهدي (عليه السلام) وردّها
الرجعة
المهدي (عليه السلام) عند أهل السنة
سيرة المهدي (عليه السلام)
علامات ظهوره (عليه السلام)
الاختلاف من بعد العسكري (عليه السلام)
إدّعاء المهدويّة
فكرة المهدي (عليه السلام)
رؤيته (عليه السلام)
عدم خلو الأرض من معصوم
اسمه (عليه السلام)
الإمام المهدي (عليه السلام) من أولاد فاطمة (عليها السلام)
التصديق به (عليه السلام) من أجزاء الإيمان
دليل اللطف
النص على إمامته (عليه السلام)
الأدلة على إمامته (عليه السلام)
عدة مواضيع في الإمام المهدي (عليه السلام)

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المركز

من نشاطات مركز الأبحاث العقائدية استخراج أقوال علماء الشيعة ـ القدامى والمعاصرين ـ في المواضيع الكلامية ومن ثم ترتيبها حسب الحروف الألف بائية، وفي كل موضوع يقوم المركز بترتيب ما جمعه من الاقوال حسب الفصول.
ونظراً للأهمية القصوى التي تحتلّها الابحاث المختصّة بالامام المهدي (عليه السلام)، بلحاظ كثرة الشبهات التي يطرحها المشككون في الفترة الأخيرة، ارتأى المركز أن يقدّم هذه الموسوعة لتبث في الشبكة المختصة بالمركز.
ولا ندّعي الاستقصاء التام في هذه الموسوعة، وانما هي روايات واقوال جمعت حسب الفصول، وربما كان في التبويب بعض المسامحات، وكذلك في الجمع.
لذا، راجين من القراء الكرام أن يمدّونا باقتراحاتهم لتكميل هذه الموسوعة، ومن ثمّ طبعها.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

فارس الحسون
مركز الأبحاث العقائدية

طول عمره (عليه السلام)

قالوا: يبعد بقاؤه هذه المدّة الطويلة.
قلنا: وهل يستبعد ذلك الاّ من سلب الله قدرته وقد مضى في السوالف نحوه فقد بعث الله شعيب إلى خمس أمم ولبث نوح في قومه الف سنة إلا خمسين عاماً، وروي انه عاش ألفاً وأربعمائة سنة وعاش لقمان ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة وقيل عاش عمر سبعة أنسر وسمّى آخرها لبد، وقال: طال الأبد على لبد.
وقد روى المنكر لبقاء المهدي عن نافع عن ابن عمر خبر الدجال وغيبته وبقائه المدة الطويلة وظهوره آخر الزمان وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما بعث الله نبياً إلا أنذر قومه فتنة الدجال وان الله أخره إلى يومكم هذا).
قالوا: إنما أجرى الله عادته بالتطويل في غير هذه الأمة، قلنا: لا يضرنا ذلك بحال مع إتفاق الأكثر على بقاء الخضر والدجال على ان ذلك وان لم يقع لغيره لم يدل على نفيه عنه ويكون معجزة له فان كل المعجزات خوارق للعادات.
قالوا: نمنع حياة الخضر لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لو كان الخضر حيّاً لزارني) قلنا: اخرج مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدجال انه محرم عليه ان يدخل المدينة فينتهي إلى بعض السباخ فيخرج اليه رجل هو خير الناس فيقول: أشهد انك الدجال الذي حدثنا النبي بحديثه فيقول الدجال: ان قتلت هذا ثم أحييته اتشكون في أمري؟ فيقولون: لا فيقتله ثم يحييه فيقول: ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن فيريد الدجال قتله ثانياً فلا يسلط عليه، فقال إبراهيم بن سعد: يقال هذا الرجل الخضر. وذكر قول الخضر (حدثنا رسول الله) دلّ حديثه على اجتماعه برسول الله وفيه تكذيب (لو كان حياً لزارني).
وعيسى ايضاً حيّ إلى الآن قال الضحاك وجماعة أيضاً من مفسري المخالف في قوله تعالى: (إني متوفيك ورافعك الي) أي بعد إنزالك من السماء، وقال الكلبي والحسن وابن جريح: رافعك من الدنيا إليّ من غير موت ويؤكد ذلك ما رواه الفرا في كتابه شرح السنة وأخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قول النبي: (كيف أنتم اذ أنزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم)، وفي تفسير (وان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته) قال ابن المرتضى: قال قوم الهاء في موته كناية عن عيسى أي قبل موت عيسى عند نزوله من السماء في آخر الزمان فلا يبقى أحد الا آمن به حتى يكون به الملّة واحدة ملة الاسلام ويقع الامنة في الناس... ولا شك ان هذه المقالة معها ظاهر الآية اذ لم يؤمن بها منهم منذ نزولها إلى الآن فلابد من كون ذلك في آخر الزمان وفي الحديث: ينزل عيسى في ثوبين مهرودين أي مصبوغين بالهُرد وهو الزعفران. (البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 220 ـ 222 و227).
قالوا: مضت الآباء والأعصار وأنتم في هذا الانتظار.
قلنا: ليس في ذلك شناعة مع قوله تعالى: (اقتربت الساعة) القمر: 1.
1 ـ طول الغيبة والعمر
واما تعجبهم من طول بقائه وعمره فالكلام عليه ان نقول: التعجب من طول العمر اما أن يكون من حيث اعتقاد المتعجب ان ذلك مستحيل وهو غير مقدور واما أن يكون من حيث كونه خارقاً للعادة.
اما الاول فهو قول الدهرية والطبائعيين الذين لا يقرون بالصانع المختار العالم ويكذبون بما جاء في القرآن من قوله في نوح: (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً) وفي أصحاب الكهف: (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين....) وبما هو مشهور بين الأمة من قصة المعمرين من الأنبياء والحكماء والملوك وغيرهم....
وإما الثاني وهو أنه خارق للعادة فلا شك فيه ولكنا قد بينا في الكلام في النبوة أن خرق العادة في حق غير الأنبياء جائز حسن وأنه ليس فيه وجه قبح ويوافقنا على ما ذكرناه الصوفية وأصحاب الظاهر والأشعرية...والتعجب من طول استتاره وغيبته وعدم العثور على مستقره فمما لا يصح التمسك به في إبطال وجوده... أليس الخضر موجودا قبل زمن موسى والى وقتنا هذا بإجماع أهل النقل واتفاق أهل السير والأخبار؟... فانّ الأمة مجمعة على بقائه ولا يراه احد ولا يعرف مكانه... وكان من قصة يوسف وغيبته عن ابيه واخوته وذويه... وغيبة يونس نبي الله عن قومه وفراره منهم... وأمر أصحاب الكهف...وقصة الحمار الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها....
ثم وكم من الأمور العجيبة التي يعتقدها من دان بالإسلام وأقرّ به مما لم ير نظيره ولم يعتد مثله كرفع عيسى وإسراء نبينا... فليس ما نقوله ونذهب إليه في الغيبة بأعجب منها.
ثم واني اقول: أن استبطاء خروج صاحب الزمان وظهوره والتمسك به واتخاذه وحده طريقاً الى نفي وجوده يشعر باعتقاد نفي القيامة والبعث والنشور وذلك لانّ الاستبطاء في ذلك اعظم واكد وأكثر من حيث أن جميع الأنبياء كانوا ينذرون اممهم بالقيامة... وبعد لم تقم القيامة الى الآن... فان كان مجرد تأخر خروج صاحبنا عليه السلام واستبطاء القوم ظهوره طريقاً إلى نفيه فتأخر القيامة واستبطاء الخلق ظهورها وقيامها اولى بأن يتخذ طريقاً إلى نفيها.(الرازي ـ المنقذ 2: 398 ـ 401).
واما طول حياته فمما لا يتعجب منه لان هذا الانكار إما أن يكون ممن يثبت قدرة الله أو ممن لا يثبتها، فمن أثبتها إن شك في ان الله تعالى قادر على إبقائه أحداً مع أنه قادر على جميع المقدرات فهو كمن شك في أن الله تعالى عالم بجميع الجزئيات مع انه عالم بجميع المعلومات وإن كان لا يثبته قادراً على ذلك فالكلام معه لا يكون في الإمامة والغيبة ولكنه في كونه تعالى قادراً ومن ثم الى هنا بون بعيد، فعلمنا ان ذلك غير منكر.(محمد بن سعيد الراوندي ـ عجالة المعرفة: 40 ـ 41).
واما استبعاد الخصم بقاء مثل هذا الشخص هذا العمر فضعيف لأنه لا شك في امكانه، والوقوع مستفاد من الأدلة التي ذكرناها وكيف يستبعد ذلك مع ما وجد في قديم الزمان من تطاول الأعمار اضعاف ذلك، لا يقال: استتاره مفسدة لا يجوز فعلها من الله تعالى ولا منه لعصمته فهو غير موجود، لانا نقول: لا نسلم ان استتاره مفسدة بل فيه مصلحة خفية لا نعلمها نحن اما من الخوف على نفسه او لامر آخر غير معلوم لنا على التفصيل. (العلامة الحلي ـ مناهج اليقين: 482).
وأما الاستبعاد ببقاء مثله فباطل لأنّ ذلك ممكن خصوصاً وقد وقع في الأزمنة السالفة في حق السعداء والأشقياء ما هو أزيد من عمره عليه السلام. (مقداد السيوري ـ شرح الباب الحادي عشر: 52).
اما استبعاد طول حياته فجهالة محضة لان طول العمر امر ممكن بل واقع شايع كما نقل في عمر نوح ولقمان وغيرهما وقد ذهب العظماء من العلماء الى أن أربعة من الأنبياء في زمرة الأحياء: خضر والياس في الارض وعيسى وادريس في السماء، على أن خرق العادة جائز إجماعاً سيما من الأولياء والأوصياء.(ابن مخدوم ـ شرح الباب الحادي عشر: 205).
ان الله اخبر عن عمر نوح،... فهل يعجز الله ان يبقى إنساناً طويل العمر مضافاً إلى أن الرسول قال ذلك.(مؤتمر علماء بغداد: 196).
2 ـ طول الغيبة
وطول غيبة الامام كقصرها فانه ما دامت العلة الموجبة حاصلة فانه مستتر إلى أن يعلم الله تعالى زوال العلة، فيعلم ذلك بما وقفه عليه آباؤه من الوقت المعلوم، وبالإمارت اللائحة للنصر، وغلبة الظن يقوم مقام العلم في ذلك... وطول عمر صاحب الزمان عليه السلام وإن كان خارقاً للعادة، فالله تعالى قادر عليه بلا خلاف بيننا وبين من خالفنا من الأمة، وخرق العادات على من ليس بنبي قد بينا جوازه فلا وجه لاستبعاد ذلك.
وقد رأينا كيف استتر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الشعب تارة وفي الغار اخرى فلا ينبغي أن يتعجب من ذلك، وليس لهم أن يقولوا: إن استتار النبي كان مدة يسيرة وذلك ان استتارة في الشعب كان ثلاث سنين وإذا جاز الاستتار ولو يوماً واحداً لعلة جاز الاستتار الطويل مع استمرار العلة، وليس لهم أن يقولوا: أن النبي استتر بعد اداء الشرع، وذلك أن وقت استتاره في الشعب لم يكن ادى جل الشريعة لان معظم الشريعة نزل بالمدينة على ان في كون النبي بين الخلق لطفاً ومصلحة فأي شيء قالوه في ذلك قولنا بعينه....(الطوسي ـ الاقتصاد: 370 ـ 371).
.... اما.... إمكان بقاء المزاج الإنساني مثل المدة التي ندعيها لهذا الإمام القائم فالعلم به ضروري ويدل على ثبوت الإمكان تواتر الوقوع، وإما... ثبوت البقاء في أمزجة مشهورة فهو أيضاً بين، ولنذكر عدة من أعمار المعمرين الذين تواترت بتعيين أعمارهم الأخبار، فمن أولئك الربيع بين ضبيع الفزاري (الفصول العشرة في الغيبة: 96، الغيبة للطوسي: 80، كمال الدين 512، 522)... ومنهم المستوغر وهو عمر بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة (الفصول العشرة في الغيبة: 97، الغيبة للطوسي: 80)... ومنهم امانة بن قيس بن الحارث بن شيبان بن العارك بن معاوية بن الكندي (كمال الدين: 557)... ومنهم عبد المسيح بن بقيلة الغساني (الغيبة للطوسي: 81)... ومنهم دويد بن زيد بن نهد...(الغيبة للطوسي: 83).
واما من عاش في الاسلام وقبيل الاسلام المأتين وفوقها فكثيرون... فهؤلاء من عاش الى هذه المدة في هذا القرن، واما الأخبار عن أعمار من كان في القرون الأولى فمشهورة وقد نبه القرآن العظيم على بعضها كعمر نوح... وما اشتهر عن عمر لقمان... وبالجملة فالعلم التواتري حاصل بامتداد الحياة الانسانية هذه المدة وامثالها.
... ولو سلمنا انه لم يوجد بقاء المزاج الانساني الى الحد المذكور الا ان ذلك من الامور الممكنة والله تعالى قادر على جميع الممكنات ومن مذهب الكل ان خرق العادة في حق الاولياء والصالحين امر جائز وحينئذ يكون الاستنكار والاستبعاد قبيحاً.... (ابن ميثم ـ النجاة في القيامة: 204 ـ 207).
3 ـ طول العمر ووجوب وجوده
قال العلامة الحلي: (ولا استبعاد في طول عمره عليه السلام فقد وجد في الأزمنة الماضية والقرون الخالية من عمّر مديداً أطول من عمره، وإذا ثبت أن الله تعالى قادر على مقدور فلا شك في إمكان بقائه عليه السلام مدة طويلة فلا استبعاده ووجوب القطع بوجوده عليه السلام هذا العمر الطويل للنص الدال عليه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن الأئمة والمنقول المتواتر بين الإمامية، ولوجوب نصب الرئيس في كل زمان ووجوب العصمة).
قال المقداد السيوري في شرحه:.... لا شك ان هذا امر ممكن والله تعالى قادر على كل الممكنات فيكون قادراً على ابقائه هذا الشخص هذه المدة الطويلة هذا مع ان مثل هذا التعمير واضعافه قد وقع اما في حق الانبياء فكما في نوح وشعيب عليهما السلام، وإما في حق الأشقياء فكما في السامري والدجال، وإذا جاز ذلك في حق الطرفين فليجز في حق الوسط وهم الأولياء وحيث الحال كذلك فلا وجه لاستبعاد الخصم طول عمره عليه السلام.
في بيان وجوب وجوده في هذه المدة الطويلة وذلك لوجهين:
1 ـ النصوص الدالة على وجوده وولادته وطول عمره وغيبته نقلتها الشيعة خلفاً عن سلف نقلاً متواتراً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن الأئمة عليهم السلام.
2 ـ الدليل الدال على ان كل زمان لابد فيه من إمام معصوم وغيره ليس بمعصوم بالاجماع فيجب أن يكون هو موجوداً في هذه المدة الطويلة من حين وفاة ابيه الحسن العسكري عليه السلام الى انقطاع التكليف وإلا لزم خلو الزمان من إمام معصوم وهو باطل بالاجماع. (المقداد السيوري ـ ارشاد الطالبين: 377 ـ 379، وباختصار: الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد: 99).
4 ـ طول العمر
.... ان مسألة بقاء الإنسان مئات السنين في عالم الدنيا بهذا الجسم العنصري جائز وممكن من وجهة نظر قرانية وعلمية وتجريبية:
اما القرآن فقد ذكر حياة نوح عليه السلام وصرّح بأنها امتدت إلى ألف سنة إلا خمسين عاماً... ويذكر حياة النبي يونس (فلو لا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) وهو إشارة صريحة إلى أنه لولا تسبيحه لأمكن له أن يبقى في بطن الحوت الى يوم البعث، وكذا يلوح من الآيات الواردة حول النبي عيسى في أنه حيّ يرزق....
واما من وجهة نظر علمية فحسبك شهادات الدكاترة الأطباء ذوي الاختصاص في علم الطب حول هذه المسألة....
واما من وجهة نظر تجريبية فقد قام العلماء المختصون باجراء التجارب العديدة على حيوانات مختلفة وتوصلوا عملياً إلى إمكان بقائها لمدة طويلة تفوق مدة عمرها الطبيعي بكثير....
ويمكننا من خلال ما تقدم القول بأن البقاء لمدة طويلة هو الأصل بينما الموت هو استثناء ينزل بالإنسان متى ما نزل به ما يصرم حبل حياته، إذن فلا غرابة ولا عجب في بقاء الإنسان سنين متمادية بل لابد من البحث حول سر الموت وحلّ لغز العمر.(هامش كتاب (الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد) للمحقق للكتاب: 96 ـ 98).
5 ـ طول العمر
ان سأل سائل فقال: كيف يصح ما اوردتموه من تطاول الأعمار وامتدادها وقد علمتم ان كثيراً من الناس ينكر ذلك ويحيله ويقول أنه لا قدرة عليه ولا سبيل اليه، وفيهم من ينزل في إنكاره درجة فيقول: انه وان كان جائزاً من طريق القدرة والإمكان فانه مما يقطع على انتفائه لكونه خارقاً للعادات، وان العادات إذا وثق الدليل بانها لا تنخرق الا على سبيل الآية والدلالة على صدق نبي من الأنبياء عليهم السلام علم ان ما روي من زيادة الاعمار على العادة باطل مصنوع لا يتلفت الى مثله.
الجواب: قيل له: أما من ابطل تطاول الأعمار من حيث الاحالة أو أخرجه عن باب الإمكان فقوله ظاهر الفساد، لأنه لو علم ما العمر في الحقيقة وما المقتضي لدوامه إذا دام وانقطاعه إذا انقطع لعلم من جواز امتداده ما علمناه، والعمر هو استمرار كون من يجوز ان يكون حياً وغير حيّ حياً وان شئت ان تقول: هو استمرار كون الحيّ الذي لكونه على هذه الصفة ابتداء حيا، وإنما شرطنا الاستمرار لأنه يبعد أن يوصف من كان حالة واحدة حياً بانّ له عمراً بل لابد من أن يراعوا في ذلك ضرباً من الامتداد والاستمرار وإن قلّ، وشرطنا أن يكون ممن يجوز أن يكون غير حيّ أو يكون لكونه حياً ابتداء لئلاّ يلزم عليه القديم تعالى لأنه تعالى جلت عظمته ممن لا يوصف بالعمر وإن استمر كونه حياً، وقد علمنا ان المختص بفعل الحياة هو القديم تعالى، وفيما تحتاج اليه الحياة من البينة والمعاني ما يختص به عزّ وجلّ ولا يدخل الا تحت مقدوره كالرطوبة وما يجري مجراها، فمتى فعل القديم تعالى الحياة وما تحتاج إليه من البينة ـ وهي مما يجوز عليه البقاء ـ وكذلك ما تحتاج اليه فليست تنتفي الا بضد يطرأ عليها او بضد ينفي ما تحتاج إليه والأقوى أنه لا ضد لها في الحقيقة، وإنما إدعى قوم أنه ما يحتاج اليه، ولو كان للحياة ضد على الحقيقة لم يخل ما نقصده في هذا الباب، فمهما لم يفعل القديم تعالى ضدها أو ضد ما تحتاج إليه ولا نقض ناقض بنية الحي استمر كون الحي حياً، ولو كانت الحياة لا تبقى على مذهب من رأى ذلك لكان ما قصدناه صحيحاً لأنه تعالى قادر على أن يفعلها حالاً فحالاً ويوالي بين فعلها وفعل ما تحتاج اليه فيستمر كون الحي حياً.
فاما ما يعرض من الهرم بامتداد الزمان وعلو السن وتناقض بنية الانسان فليس مما لابد منه، وإنما اجرى الله تعالى العادة بأن يفعل ذلك عند تطاول الزمان ولا ايجاب هناك ولا تأثير للزمان على وجه من الوجوه وهو تعالى قادر على ان يفعل ما أجرى العادة بفعله، وإذا ثبتت هذه الجملة ثبت ان تطاول العمر ممكن غير مستحيل، وإنما أتى من أحال ذلك من حيث اعتقد أن استمرار كون الحي حياً موجب عن طبيعة وقوة لهما مبلغ من المادة، متى انتهتا إليه انقطعتا واستحال ان تدوما ولو أضافوا ذلك إلى فاعل مختار متصرف لخرج عندهم من باب الاحالة.
فاما الكلام في دخول ذلك في العادة او خروجه عنها فلا شك في أن العادة قد جرت في الأعمار باقدار متقاربة يعد الزائد عليها خارقاً للعادة إلا أنه قد ثبت أن العادة قد تختلف في الأوقات وفي الأماكن ايضاً، ويجب أن يراعي في العادة اضافتها الى من هي عادة له في المكان والوقت.
وليس يمتنع ان يقل ما كانت العادة جارية به على تدريج حتى يصير حدوثه خارقاً للعادة بغير خلاف ولا يكثر الخارق للعادة حتى يصير حدوثه غير خارق لها على خلاف فيه، واذا صح ذلك لم يمتنع ان تكون العادات في الزمان الغابر كانت جارية بتطاول الاعمار وامتدادها ثم تناقص ذلك على تدريج حتى صارت عادتنا الآن جارية بخلافه وصار ما بلغ مبلغ تلك الاعمار خارقاً للعادة وهذه جملة فيما أردناه كافية.(المرتضى ـ الامالي 1: 270 ـ 272).
6 ـ طول الغيبة
... اما طول العمر وامتداد الحياة مئات من السنين فليس من المستحيلات بل روى المؤرخون وقوع ذلك كثيراً في تاريخ البشرية، فآدم عليه السلام عمّر ألف سنة، ولقمان عمّر ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، وسلمان عمّر طويلاً في الأرض، وادعى بعض المؤرخين أنه عاصر المسيح وأدرك الإسلام... إلى كثير وكثير ممن عمّر مئات السنين خبرهم المؤرخون وبخاصة السجستاني الذي جمع أخبارهم في كتاب (المعمرون)....
واما القرآن فهو أصدق قيلاً... وقد قال أن نوحاً لبث في قومه يدعوهم (950) عاماً والله أعلم كم عاش قبل الدعوة وبعد الطوفان، وأن يونس بقي في بطن الحوت مدة طويلة من الزمن ولولا فضل الله عليه لبقي في بطنه الى يوم القيامة (فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون)، ومعنى هذا اللبث بقاؤه حياً الى يوم القيامة وبقاء الحوت حياً معه خلال هذه الآماد المتمادية، وإن أهل الكهف (لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً)، ولا نعلم كم عاشوا قبل دخولهم الكهف وبعد خروجهم منه، وان (الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال: أنى يحيى هذه الله بعد موتها فاماته الله مائة عام...)، ولعل بقاء الطعام والشراب مائة عام دون أن يفسد أعجب من طول عمر الانسان وأغرب، هذا كله بالاضافة الى ما تناقله مؤلفوا السير ورجال الحديث وتلقوه بالقبول من حياة الخضر من قبل زمان موسى عليه السلام وإلى آخر الزمان... وموضوع غيبة المهدي من هذا القبيل بالضبط ولابد لنا من القول باستمرار حياته جرياً مع تلك النصوص وتصديقاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.(آل ياسين ـ اصول الدين: 416 ـ 419).
7 ـ طول العمر والطب الحديث
... العلم الحديث يصرح بأن بإمكان الإنسان البقاء الاف السنين لو تهيّأ له من وسائل المحافظة على القوى البدنية ما يساعده على البقاء.
إن العلماء الموثوق بعلمهم يقولون: ان كلّ الأنسجة الرئيسية من جسم الحيوان تقبل البقاء الى ما لا نهاية له، وأنه في الإمكان أن يبقى الانسان حياً الوفاً من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته، وقولهم هذا ليس مجرد ظن بل هو نتيجة عملية مؤيدة بالإمتحان. أن الانسان لا يموت لانه عمّر كذا من السنين سبعين أو ثمانين او اكثر، بل لان العوارض تنتاب بعض أعضائه فتتلفها ولارتباط اعضائه بعضها ببعض تموت كلها، فاذا استطاع العلم أن يزيل هذه العوارض أو يمنع فعلها لم يبق مانع يمنع استمرار الحياة مئات من السنين.
وإن جان روستان يعتقد بضوء الاكتشافات والتجارب العلمية أن اتباع طريقة حفظ الإنسان لم يعد يبدوا مستحيلاً فان الاكتشافات التي سجلها عدد من مشاهير العلماء منذ حوالي قرن تترك بعض الأمل في إمكانية التوصل إلى مركب متناسق يساعد في تحقيق المزيد من التقدم اعتماداً على تجارب علمية سجلها براون سيكوارد وألكسي كاريل وفوارنوف ومينشبنكوف وبونحو مولتينر وفيلا توف وغيرهم.
اما روبرت اينتجر الذي وضع أخيراً كتاباً قيماً بعنوان (الانسان هل يمكن أن يخلد حياً) فقد خلق آمالاً جديدة إذ قال: إن الإنسان الذي يعيش ويتنفس الآن يملك حظ البقاء من الناحية الفيزيائية.
هذا كله مضافاً إلى التصريحات الكثيرة بشأن إمكان المحافظة على حياة الانسان الوف السنين لو جُمّد خلال هذه الفترة وذلك باعتبار أن التجميد يحافظ على كل الخلايا الحية... ومهما يكن من أمر فان تصريحات العلماء تؤكد إمكان طول عمر الإنسان، وان هذا الإمكان هو المحفز الأكبر لهم على المثابرة والسعي لمعرفة الوسائل التي تحقق ذلك، واذا صح إمكان طول عمر الإنسان بحسب الاستعداد والطبيعة كان ممكناً وصحيحاً طول عمر المهدي طيلة هذه القرون بحسب الطبيعة والإرادة الإلهية.(آل ياسين ـ اصول الدين: 420 ـ 422).
8 ـ طول العمر
لا تعجب من غيبة القائم عليه السلام وطولها وطول عمره صلوات الله عليه بعد ما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأوصياء بعده بذلك في أخبار تكاد تبلغ حدّ التواتر مع امكان ذلك ووقوع مثله... من الأنبياء والأولياء فان كثيراً منهم كانت لهم غيبات طويلة واعمار مديدة وكذلك كانت كثير من الملوك السالفة ـ وقد ذكر طرفاً من ذلك شيخنا الصدوق في كمال الدين... وقد صح عن النبي انه قال: (كلما كان في الامم السالفة يكون في هذه الامة مثله حذوا النعل بالنعل والقذة بالقذة، وقد نطق القرآن بطول عمر نوح (ثم ذكر روايات في عمر الأنبياء)، وأيضاً فان عيسى والخضر من أولياء الله باقيان الى الآن باتفاق اكثر الامة كذلك إبليس والدجال، واما عيسى وإبليس فبنص الكتاب والسنة في غير موضع، وإما الخضر والدجال فبالنصوص المستفيضة من النبي والأئمة.
اما الخضر فقد قال ابن جرير الطبري: الخضر والياس باقيان يسيران في الارض (ثم كر حديثاً من صحيح مسلم يدل على بقاء الدجال والخضر)، واما الدجال فقد روى الصدوق باسناده عن طرق العامة عن ابن عمر....(الفيض ـ علم اليقين 2: 797 ـ 803).
ولا استبعاد في طول عمره عليه السلام كما قالوا فانه أمر ممكن والله على كل شيء قدير، وقد اتفق ذلك للأولياء والأشقياء كالخضر والياس وعيسى والدجال وغيرهم، فلا استبعاد في وقوع ذلك له عليه السلام فوجب القول به عقلاً ونقلاً.(السيد شبر ـ حق اليقين 1: 270).
واما استبعاد من استبعد منهم ذلك لطول عمره الشريف فما يمنع من ذلك الا جاهل بالله وبقدرته وبأخبار نبينا وعترته أو عارف ويعاند بالجحود... فكيف يستبعد بطول الأعمار؟ وقد تواتر كثير من الأخبار بطول عمر جماعة من الأنبياء وغيرهم من المعمرين، وهذا الخضر باق على طول السنين... وكيف يستبعد طول عمره الشريف من يصدق بالقرآن وقد تضمنت قصة أصحاب الكهف أعجب من هذا.....(السيد بن طاووس ـ الطرائف 1: 268).
9 ـ طول العمر
قال المرتضى: وطول الغيبة كقصيرها لأنها متعلقة بزوال الخوف الذي ربما تقدم أو تأخر وزيادة عمر الغائب على المعتاد لا قدح به لان العادة قد تنخرق للأئمة بل للصالحين.
شرح ذلك:
اذا كان السبب في استتاره وغيبته ما بيناهُ يتناه من خوفه على نفسه جاز أن يطول زمان غيبته لاستمرار أسبابها التي اوجبها لأنها متعلقة بها، فلا يجوز ظهوره مع ثبوت السبب الموجب للغيبة لأنه يؤدّي ذلك الى تغريره بنفسه، ولا ينبغي أن يستبعد استمرار أسباب الغيبة لأن ذلك ممكن غير ممتنع.
فاما طول الغيبة وخروجه عن العادة فلا اعتراض به أيضاً لأمرين: احدهما: انا لا نسلم أن ذلك خارق للعادة، لأن من قرأ الأخبار ونظر في أحوال من تقدم، ووقف على ما سطر في الكتب من ذكر المعمرين علم أن ذلك قد جرت العادة بمثله، وقد نطق القرآن ببعض ذلك (كما في نوح عليه السلام)... وما ذكر من أخبار المعمرين من العرب والعجم قد صنفت فيه الكتب... والوجه الأخير: إنّا لو سلمنا أن ذلك خارق للعادات كلها عادتنا وغيرها كان أيضاً جائزاً عندنا لأن اكثر ما في ذلك ان يكون معجزاً وإظهار المعجزات عندنا يجوز على ما ليس بنبي من إمام أو صالح وهو مذهب أكثر الامة غير المعتزلة والزيدية والخوارج، وإن سمى بعضهم ذلك كرامات لا معجزات، ولا اعتبار بالأسماء بل المراد خرق العادات. (المرتضى ـ شرح جمل العلم: 233 ـ 235. ونحو بتفصيل اكثر وشواهد اكثر من تقريب المعارف لابي الصلاح: 448 ـ 456).
وأما استبعاد الخصم بقاءه عليه هذه المدة فانما نشأ من ضعف البصيرة، وإلا فكيف يقال ذلك مع العلم بقدرة الله وقيام الدلالة على امكان فعل الكرامات للاولياء؟ غاية ما في الباب ان يقال: هو خرق العادة ونحن نمنع ذلك أولاً ثم نسلّم ونجعل ذلك معجزاً له عليه السلام.
واعلم ان تطاول الأعمار أضعاف عمر القائم عليه السلام وقع وقوعاً مستمراً حتى حصل ذلك لجماعة من الملوك والجبابرة فلا يكون ذلك خرقاً للعادة، بل مما جرت به العوائد، فان القرآن المجيد أخبر في طرف الصلحاء أنّ نوحاً عاش زيادة عن ألف سنة إلا خمسين عاماً، وفي نقل أهل التاريخ في طرف غير الصلحاء مثل شداد بن عاد بن إرم انه عاش سبع مائة سنة، ومن المعلوم بين أهل المذاهب وجود الخضر وعمره أضعاف عمر القائم عليه السلام، ولو حملت العصبية على انكاره لكان النقل من طرقهم مساعداً لنا، ولو فرق بين المقامين بان الامان يناط به أمور لا يتعطل مثلها لغيبة الخضر كان فرقاً في غير موضعه، لأنا نتكلم على استبعادهم طول العمر لا على فوات المصالح، وقد أجبنا على العذر فيما يفوت من المصالح بغيبة الإمام بأن الحال في ذلك من جهة المخيف لا من جهته عليه السلام، وبينا أن الحال فيه كالحال في النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين استتر فما وجه استبعاد ذلك في حق القائم عليه السلام. (المحقق الحلي ـ المسلك: 283 ـ 284 ونحوه الرسالة الماتعية للمؤلف: 313).
فاما طول عمره فغاية الخصم فيه الاستبعاد وهو مدفوع بوجوه:
1 ـ إن من نظر في أخبار المعمرين وسيرهم علم أن مقدارعمره وأزيد معتاد، فإنه نقل عن لقمان انه عاش سبعة آلاف سنة وهو صاحب النسور، وروى أنّ عمرو بن حممة الدوسي عاش أربعمائة سنة....
2 ـ قوله تعالى أخباراً عن نوح: (فلبث فيهم الف سنة إلاّ خمسين عاماً) العنكبوت: 14.
3 ـ الاتفاق بيننا وبين الخصم على حياة الخضر والياس عليهما السلام من الأنبياء والسامري والدجال من الأشقياء، وإذا جاز ذلك من الطرفين فلم لا يجوز مثله في الواسطة أعني طبقة الأولياء؟ (ابن ميثم ـ قواعد المرام: 191 ـ 192).
10 ـ طول عمره
شبهة:
تعلق الخصوم بانتقاض العادة في دعوى طول عمره، وبقائه على تكامل أدواته منذ ولد على قول الإمامية في سني عشر الستين والمائتين والى يومنا هذا، وهو سنة أحد عشر وأربعمائة، وفي حملهم في بقائه وحاله وصفته التي يدعونها له بخلاف حكم العادات، وانه يدل على فساد معتقدهم فيه. (الشيخ المفيد ـ الفصول العشرة ـ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 91 و 47).
نقول: إن طول العمر وإن خرج عما نعهده نحن الآن من أحوال البشر، فليس بخارج عن عادات سلفت لشركائه في البشرية وامثالهم في الانسانية.
وما جرت به عادة في بعض الأزمان لم يمتنع وجوده في غيرها، وكان حكم مستقبلها كحكم ماضيها على البيان، ولو لم تجر عادة بذلك جملةً لكانت الادلة على أن الله تعالى قادر على فعل ذلك تُبطل توهم المخالفين للحق فساد القول به وتكذبهم في دعواهم.
وقد أطبق العلماء من أهل الملل وغيرهم أن آدم ابا البشر عليه السلام عمّر نحو الألف لم يتغير له خلق، ولا انتقل من طفولية إلى شبيبة، ولا عنها إلى هرم، ولا عن قوّة إلى عجز ولا عن علم إلى جهل، وأنه لم يزل على صورة واحدة إلى أن قبضه الله عزّ وجلّ.
والقرآن مع ذلك ناطق ببقاء نوح نبي الله في قومه تسعمائة سنة وخمسين سنة للانذار لهم خاصة... وأن الشيب لم يحدث في البشر قبل حدوثه في ابراهيم الخليل عليه السلام.
والاخبار متناصرة بامتداد ايام المعمرين من العرب والعجم والهند واصناف البشر واحوالهم... وقد اثبت اسماء جماعة منهم في كتابي المعروف بـ (الايضاح في الامامة) (راجع كتاب المعمرون: 1 ـ 114 كمال الدين 2: 523 ب 46) منهم لقمان بن عاد الكبير عاش على رواية ثلاث آلاف سنة وخمسمائة سنة. ورُبيع بن ضبيع عاش ثلاثمائة سنة واربعين سنة، والمستوغر بن ربيعة بن كعب عاش 333 سنة واكثم بن صيفي الاسدي عاش 380 سنة و....
ويذكر الفرس أن قدماء ملوكها زادت في الطول من الأعمار من جملتهم من عاش الفي وخمسمائة سنة، واكثر أهل العلم يقولون بان سلمان الفارسي رأى المسيح وادرك النبي وعاش بعده...(الشيخ المفيد / الفصول العشرة / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 91 ـ 103).
11 ـ اثبات طول عمر
در سوره زخرف آيه 28 آمده: (وجعلها كلمة باقية في عقبه) ومراد از اين آيه حضرت امام مهدى ميباشد. (عبدالكريم مشتاق ـ مذهب شيعة حق3 ص 59).
12 ـ حيات امام
از سوره قدر استفاده ميشود كه در شب قدر ملائكه نازل ميشوند، واين حقيقت اظهر من الشمس است كه ملائكه بر حجت خدا نازل ميشوند، پس ما به اين نتيجه ميرسيم كه حتماً حضرت مهدى زنده وموجود است. (عبد الكريم مشتاق ـ مذهب شيعه حق 3 ص 60).
13 ـ طول عمره
حول مسألة طول عمره عجل الله تعالى فرجه الشريف نقول في الجواب الحلي:
إن السؤال عن إمكان طول العمر، يعرب عن عدم التعرف على سعة قدرة الله سبحانه (وما قدروا الله حق قدره) (الانعام: 91) فانه اذا كانت حياته وغيبته وسائر شؤونه، برعاية الله سبحانه، فاي مشكلة في أن يمد الله سبحانه في عمره ما شاء، ويدفع عنه عوادي المرض ويرزقه عيش الهناء أضف الى ذلك ما ثبت في علم الحياة، من إمكان طول عمر الإنسان إذا كان مراعياً لقواعد حفظ الصحة، وأن موت الانسان في فترة متدنية، ليس لقصور الاقتضاء، بل لعوارض تمنع عن استمرار الحياة، ولو أمكن تحصين الانسان منها بالادوية والمعالجات الخاصة لطال عمره ما شاء.
وبالجملة اتفقت كلمة الأطباء على أن رعاية أصول حفظ الصحة توجب طول العمر، واذا قرأت ما تدونه أقلام الأطباء في هذا المجال، يتضح لك معنى قوله سبحانه وتعالى:
(فلولا أنه كان من المسبحين ـ للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) (الصافات: 143). (جعفر سبحاني / الالهيات: 4/ 150).
14 ـ المهدي عليه السلام
الإمام المنتظر ليس منتظراً لشيعة بحار الانوار وغاية المرام فقط بل لجميع المسلمين، فقد اتفق علماؤهم وكتب أحاديثهم ومنها بعض الصحاح على أنه لابد من امام يخرج في آخر الزمان يسمى محمداً من نسل عليّ عليه السلام وفاطمة يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وإنما الخلاف في أنه ولد أو سيولد، وأئمة أهل البيت وشيعتهم قالوا بولادته وبوجوده في الأمصار غائباً عن الأبصار حتى يأذن الله له بالخروج حسبما تقتضيه حكمته... ولا مانع من بقائه وطول عمره كما طال عمر نوح وعيسى والخضر وإلياس من الأبرار والدجال وإبليس من الأشرار...وإن جاء في خبر أنه يسكن الجزيرة الخضراء وصح سنده فلا مانع من قبوله، وإلا كان كباقي الأخبار الضعيفة المشتملة عليها كتب الفريقين.... (السيد محسن الامين ـ نقض الوشيعة: 24).
15 ـ سبب غيبة الخضر
وأما سبب غيبة الخضر عليه السلام إن صح كونه حياً موجوداً الى الآن كما عليه أكثر علماء الفريقين، فلعلّ العلّة في غيبته كراهته لمعاشرة هذا الخلق المنحوس وتجافيه عن مباشرة البشر الذي ثلثاه شرّ بل كلّه شرّ الا من عصم الله ممن يصل اليهم أو يصلون إليه ويأنس بهم ويأنسون إليه أراد ـ ونعم ما أراد ـ أن يعيش متباعداً عن هذه الجلبة والضوضاء، وكان وظيفته بين الأنبياء ـ إن كان نبياً ـ تكميل الخواص من عباد الله من السياح والزهاد والأبدال والأوتاد بخلاف سائر الأنبياء فان وظيفتهم دعوة العامة من سواد الناس الى الإيمان.... (كاشف الغطاء ـ جنة المأوى: 207).
16 ـ حياة الخضر عليه السلام
قال النووي في (تهذيب الأسماء): اختلفوا في حياة الخضر ونبوّته، فقال الأكثرون من العلماء هو حيّ موجود بين أظهرنا وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة، وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به، والأخذ عنه وسؤاله وجوابه، ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تذكر، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه: هو حيّ عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم، وإنما شذّ بإنكاره بعض المحدثين. (تهذيب الاسماء واللغات 1: 176).
وقال الزمخشري في ربيع الأبرار: أن المسلمين متفقون على حياة أربعة من الأنبياء اثنان منهم في السماء وهما إدريس وعيسى واثنان في الارض الياس والخضر، وان ولادة الخضر في زمن إبراهيم أبي الأنبياء. (ربيع الابرار 1: 397، تهذيب الاسماء 1: 177) و (كاشف الغطاء ـ اصل الشيعة: 225).
17 ـ طول عمره
حول مسألة طول عمره عجل الله تعالى فرجه الشريف نقول في الجواب النقضي:
فقد دل الذكر الحكيم على أن شيخ الأنبياء عاش قرابة الف سنة قال تعالى (فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما) (العنكبوت: 14).
وقد تضمنت التوارة اسماء جماعة كثيرة من المعمرين، وذكرت أحوالهم في سفر التكوين (التوراة، سفر التكوين،الاصحاح الخامس، الجملة 5)، وقد قام المسلمون بتأليف كتب حول المعمرين، ككتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني، كما ذكر الصدوق أسماء عدة منهم في كتاب كمال الدين ص 555، والعلامة الكراجكي في رسالته الخاصة، باسم (البرهان على صحة طول عمر الإمام صاحب الزمان) (البرهان على طول عمر الامام صاحب الزمان للكراجكي ملحق بـ (كنز الفوائد) له ايضا الجزء الثاني لاحظ في ذكر المعمرين ص 114 ـ 155 ط دار الاضواء بيروت ـ 1405)، والعلامة المجلسي في البحار (البحار ج 51 الباب 14 ص 225 ـ 293) وغيرهم. (جعفر سبحاني / الالهيات: 4/ 148).
18 ـ طول الغيبة والعمر
وما أخذتم عليهم (أي على الشيعة) من طول غيبة المهدي عليه السلام، فأنتم تعلمون أنه لو حضر رجل وقال: أنا أمشي على الماء ببغداد يجتمع لمشاهدته لعل كل من يقدر على ذلك منهم، فاذا مشى على الماء وتعجب الناس منه، فجاء آخر قبل أن يتفرقوا وقال أيضاً: أنا أمشي على الماء فان التعجب منه يكون أقل من ذلك فمشى على الماء، فان بعض الحاضرين ربما يتفرقون ويقل تعجبهم، فاذا جاء ثالث وقال: أنا ايضاً أمشي على الماء، فربما لا يقف للنظر اليه الا قليل، فاذا مشى على الماء سقط التعجب من ذلك، فإذا جاء رابع وذكر أنه يمشي ايضاً على الماء فربما لا يبقى أحد ينظر إليه ولا يتعجب منه، وهذه حالة المهدي صلوات الله عليه لأنكم رويتم أن إدريس عليه السلام حيّ موجود في السماء منذ زمانه إلى الآن، ورويتم ان الخضر حي موجود منذ زمان موسى أو قبله إلى الآن، ورويتم أن عيسى حي موجود في السماء وأنه يرجع إلى الأرض مع المهدي عليه السلام، فهذه ثلاثة نفر من البشر قد طالت أعمارهم وسقط التعجب بهم من طول أعمارهم، فهلا كان لمحمد بن عبد الله صلوات الله عليه أسوة بواحد منهم أن يكون من عترته آية لله في أمته بطول عمر واحد من ذريته، فقد ذكرتم ورويتم في صفته أنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، ولو فكرتم لعرفتم إن تصديقكم وشهادتكم أنه يملأ الارض بالعدل شرقاً وغرباً وبعداً وقرباً أعجب من طول بقائه وأقرب إلى أن يكون ملحوظاً بكرامات الله لأوليائه، وقد شهدتم أيضاً له ان عيسى بن مريم يصلي خلفه مقتدياً به وتبعاً له ومنصوراً به في حروبه وغزواته، وهذا أيضاً أعظم مقاماً مما استبعدتموه من طول حياته. (ابن طاووس ـ كشف المحجة: 106 فصل: 79).
إن مسألة طول عمر الإمام الثاني عشر عليه السلام سهلة لمن اعتقد بالمعجزات وخوارق العادات، اذ الامتناع العادي لا يمنع عن امكانه كسائر المعجزات فان العلل والاسباب لا دليل على انحصارها في الاسباب العادية الموجودة المألوفة... ولكن لا يذهب عليك إن عدم اليأس عن كشف طرق للاطالة لا يخرج طول عمر الإمام الثاني عشر عن كونه خارق العادة لان طول العمر المذكور بدون كشف طرق الإطالة غير طبيعي سيما اذا بقي على صورة رجل له أقل من أربعين سنة كما في بعض الأخبار، وعليه فطول عمره إعجاز أخبر به النبي والأئمة بالتواتر، وأجمع عليه الأصحاب على الأيمان به كسائر المعجزات.
نعم يزيد مثل هذه المعجزة على سائر المعجزات التي ليست من قبيلها من جهة وجود الإمكان العلمي فيها الذي قاله العلامة الطباطبائي: (إن عالم الطب لم ييأس حتى الآن من كشف طرق لاطالة عمر الانسان) دون سائر المعجزات.... (الخرازي ـ بداية المعارف 2: 155 ـ 156).
بقاء الإنسان أبد الدهر ممكن عقلاً والله قادر على كل ممكن، أليس الكفار في جهنم والمؤمنون في الجنة مخلدين، فيزيد عمر كل منهم من عمر المهدي في الدنيا بكثير، أليس الشيطان باقياً إلى الآن؟ ألم يكن نوح عاش اكثر من ألف عام؟ والمعمرون كثيرون كما ضبطهم التاريخ، والعلم الحديث أيضاً ينطق بصحة دوام عمر الإنسان وزيادة تعيشه، فالإشكال باطل بالقرآن والسنة والتاريخ والعلم الحديث مع أنه في نفسه ليس إلا إستبعاد محض. (المحسني ـ صراط الحق 3: 456).
من تدبر وأنصف عرف أنّ الإنسان إذا أمكن أن يعيش سنة أمكن أن يعيش ألوف السنين فإنّ من وهبه الحياة سنة يقدر أن يمدها الى ما شاء الله. (كاشف الغطاء ـ جنة المأوى: 207).
راجع مجلدات المقتطف السابقة تجد فيها المقالات الكثيرة والبراهين الجليّة العقلية لأكابر فلاسفة الغرب في إثبات إمكان الخلود في الدنيا للإنسان، وقال بعض كبار علماء أوروبا: لولا سيف ابن ملجم لكان علي ابن ابي طالب من الخالدين في الدنيا، لانه قد جمع جميع صفات الكمال والاعتدال. (كاشف الغطاء ـ اصل الشيعة: 326).
19 ـ طول العمر عند المنجمين
وجد بخط الشيخ السعيد أبي عبد الله الشهيد، وذكره أيضاً شيخنا المفيد في أخبار كثيرة: لا يخرج القائم إلا على وتر من السنين، ويمكن ان تكون ولادته في وقت يقتضي طول غيبته، فقد حكي عن علماء المنجمين أنّ دور الشمس ألف وأربعمائة وإحدى وخمسون سنة، وهو عمر عوج بن عناق عاش من نوح الى موسى، ودور القمر الأعظم ستمائة واثنان وخمسون، وهو عمر شعيب بعث الى خمس أمم، ودور زحل الأعظم مائتان وخمسة وخمسون قيل: وهو عمر السامري من بني إسرائيل، ودور المشتري الأعظم أربعمائة وأربعة وعشرون قيل وهو عمر سلمان الفارسي، ودور الزهرة الأعظم ألف ومائة وإحدى وخمسون قيل وهو عمر نوح، ودور عطارد الأعظم أربعمائة وثمانون قيل وهو عمر فرعون، وقد كان في اليونان مثل بطلميوس، وفي الفرس مثل الضحاك عاش ألف سنة وأقل وأكثر، وقد حكي عن سام إذا مضى من الف السمكة سبعمائة سنة يكون العدل ببابل، وعن سابود البابلي نحو ذلك وعن بعض العلماء اذا انقضت سبعمائة سنة يكون الآيات والعدل. (البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 245).

غيبته (عليه السلام)

بالنسبة إلى الغيبة كم ولى لله تعالى يقطع الارض بعبادة ربه تعالى والتفرد من الظالمين بعمله ـ منهم الخضر عليه السلام موجود قبل زمان موسى عليه السلام الى وقتنا هذا، باجماع أهل النقل واتفاق أصحاب السير والأخبار سائحاً في الأرض لا يعرف له أحد مستقراً ولا يدعى له اصطحاباً إلاّ ما جاء في القرآن به من قصته مع موسى عليه السلام.
وقد كان من غيبة موسى بن عمران عليه السلام عن وطنه وفراره من فرعون ورهطه ما نطق به الكتاب، ولم يظهر عليه أحد مدة غيبته عنهم فيعرف له مكانا، حتى ناجاه الله عزّ وجلّ وبعثه نبياً فدعا اليه وعرفه الولى والعدو اذ ذاك.
وكان من قصة يوسف بن يعقوب عليهم السلام ما جاءت به سورة كامله بمعناه، وتضمنت ذكر استتار خبره عن أبيه، وهو نبي الله تعالى يأتيه الوحي منه سبحانه صباحاً ومساءً، وأمره مطويٌ عنه وعن إخوته، وهم يعاملونه ويبايعونه ويبتاعون منه ويلقونه ويشاهدونه فيعرفهم ولا يعرفونه حتى مضت على ذلك السنون وانقضت فيه الأزمان...
وكان من أمر يونس نبي الله عليه السلام مع قومه وفراره عنهم عند تطاول المدة في خلافهم عليه واستخفافهم بحقوقه، وغيبته عنهم لذلك عن كل احد من الناس حتى لم يعلم بشر من الخلق مستقره ومكانه إلا الله تعالى.
وأمر أصحاب الكهف نظير لما ذكرناه، وقد نزل القرآن بخبرهم وشرح أمرهم، في فرارهم بدينهم من قومهم وحصولهم في كهف ناءٍ عن بلدهم فاماتهم الله فيه، وبقى كلبهم باسطاً ذراعيه بالوسيط، ودبّر أمرهم في بقاء اجسامهم على حال أجساد الحيوان لا يلحقها بالموت تغيّر ـ فبقوا على ذلك ثلاث مائة سنة وتسع سنين على ما جاء به الذكر الحكيم ثم احياهم فعادوا الى معاملة قومهم ومبايعتهم.
وقد كان من أمر صاحب الحمار الذي نزل بذكر قصته القرآن... فبقى طعامه وشرابه بحاله لم يغيّره تغيير طبائع الزمان... فلما احياه الله تعالى المذكور بالعجب من حياة الأموات وقد أماته مائة عام.
وليس في زماننا الآن مثل ذلك، ولا سمعنا بنظير له في سواه، وهو بعيد عن تعارفنا، ولولا أن القرآن جاء بذكر هؤلاء القوم وخبرهم لتسرعت الناصبة الى إنكار ذلك كما يتسرع الى إنكاره الملحدون والزنادقة والدهريون ويحيلون صحة الخبر به.
وعلى هذا ذهب اليه الامامية في تمام استتار صاحبها وغيبته ومقامه على ذلك طول مدّته أقرب في العقول والعادات مما أوردناه من أخبار المذكورين في القرآن. (الشيخ المفيد / الفصول العشرة / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 83 ـ 87).
1 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
شبهة:
اذا كان الامام عندكم غائباً، ومكانه مجهولاً، فكيف يصنع المسترشد؟ وعلى ماذا يعتمد الممتحن فيما ينزل به من حادث لا يعرف له حكماً؟ والى من يرجع المتنازعون، لا سيما والامام انما نصب لما وصفناه؟ (الشيخ المفيد / الرسالة الاولى في الغيبة / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7 / 13، 14).
2 ـ تنافي الغيبة مع اللطف
شبهة:
ان الامامية تناقض مذهبها في ايجابهم الامامة، وقولهم بشمول المصلحة للأنام بوجود الإمام وظهوره وأمره ونهيه وتدبيره واستشهادهم على ذلك بحكم العادات في عموم المصالح بنظر السلطان العادل وتمكنه من البلاد والعباد. وقولهم مع ذلك إن الله تعالى قد أباح للامام الغيبة عن الخلق وسوّغ له الاستتار عنهم، وأن ذلك هو المصلحة وصواب التدبير للعباد. وهذه مناقضة لا تخفى على العقلاء. (الشيخ المفيد / الفصول العشرة / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 50 و 113).
شبهة:
إدعى المخالفون أنّ الامامية ساوت بمذهبها في غيبة صاحبها السبائية في قولها: إن امير المؤمنين عليه السلام لم يقتل وانه حي موجود، وقول الكيسانية في محمد بن الحنفية، ومذهب الناووسية: في أن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام لم يمت، و قول الممطورة: في موسى بن جعفر عليه السلام إنه لم يمت وأنه حي الى أن يخرج بالسيف، وقول أوائل الاسماعيلية وأسلافها: أن اسماعيل بن جعفر هو المنتظر وأنه حي لم يمت، وقول بعضهم: مثل ذلك في محمد بن إسماعيل، وقول الزيدية مثل ذلك فيمن قتل من ائمتها حتى قالوه في يحيى بن عمر المقتول بشاهي.
واذا كانت هذه الأقاويل باطلة عند الامامية وقولها في غيبة صاحبها نظيرها فقد بطلت ايضاً ووضح فسادها. (الشيخ المفيد / الفصول العشرة في الغيبة / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 47 و109).
شبهة:
إن غيبته متى صحت على الوجه الذي تدعيه الإمامية بطلت الحاجة اليه، اذ كان وجود منعها كعدمه من العالم، ولا تظهر له دعوة، ولا تقوم له حجة، ولا يقيم حداً، ولا ينفذ حكماً، ولا يرشد مسترشداً، ولا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، ولا يهدي ضالاً، ولا يجاهد في الاسلام. (الشيخ المفيد / الفصول العشرة / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 47 و 105).
شبهة:
اذا كان الامام صلوات الله عليه غائباً طول هذه المدة لا ينتفع به، فما الفرق بين وجوده وعدمه. (الشيخ المفيد/ الرسالة الثانية في الغيبة/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/15).
شبهة:
ما هو السبب الموجب لاستتار إمام الزمان (صلوات الله عليه) وغيبته التي طالت مدتها، فإن قلتم أن سبب ذلك صعوبة الزمان عليه بكثرة أعدائه وخوفه منهم على نفسه قيل لكم: فقد كان الزمان الأول على آبائه عليهم السلام أصعب، وأعداؤهم فيما مضى أكثر، وخوفهم على أنفسهم أشد وأكثر، ولم يستتروا مع ذلك ولا غابوا عن أشياعهم بل كانوا ظاهرين حتى أتاهم اليقين، وهذا يبطل اعتلال الشيعة في غيبة صاحب الزمان عنهم. (الشيخ المفيد/ الرسالة الرابعة في الغيبة/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/ 11).
شبهة:
إن رسول الله قد ظهر قبل استتاره ودعا إلى نفسه قبل هجرته، وكانت ولادته معروفة ونسبه مشهوراً وداره معلومة، هذا مع الخبر عنه في الكتب الأولى والبشارة به في صحف إبراهيم وموسى عليه السلام، وادراك قريش وأهل الكتاب علاماته ومشاهدتهم لدلائل نبوته وأعلام عواقبه، فكيف لم يخف مع ذلك على نفسه، ولا امر الله بستر ولادته، وفرض عليه إخفاء أمره كما زعمت الشيعة أنه فرض ذلك على ابن الامام لما كان المنتظر عندكم من بين الأئمة، والمشار اليه بالقيام بالسيف دون آبائه، فاوجب ذلك على ما ادعيتموه واعتللتم به في الفرق بين آبائه وبينه في الظهور على خبره وكتم ولادته والستر على الأنام شخصه، وهل قول الشيعة في الغيبة مع ما وصفناه من حال النبي الاّ فاسد متناقض. (السيد المرتضى / الفصول المختارة من العيون والمحاسن / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 2/ 327).
جواب الشبهة:
لا يسعنا إنكار الغيبة والتستر بولادة الامام المهدي لعدم وقوع ذلك بالنسبة الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لان المصلحة لا تكون من جهة القياس، ولا تعرف ايضاً بالتوهم، ولا يتوصل اليها بالنظائر والأمثال...
ويدل على ما بيناه أنه لم يتعرض احد من عبدة الأوثان، ولا أهل الكتاب، ولا... مع ما قد اتصل بهم من البشارة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأحد من آباء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإخافة، ولا لاستبراء واحدة من أمهاته لمعرفة الحمل به، ولا قصدوا الإضرار به في حال الولادة، ولا طول زمانه إلى أن صدع بالرسالة، كما وقع ذلك بالنسبة للامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وشيء آخر وهو أن الخوف قد كان مأمونا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بني هاشم وبني عبد المطلب وجميع اهل بيته وأقاربه، لأن الشرف المتوقع له بالنبوة كان شرفهم، والمنزلة التي تحصل له بذلك فهي تختص بهم، وأما البعداء منهم في النسب فيعجزون عن ايقاع الضرر به لموضع أهل بيته، وإنهم أمنع العرب جانباً، وأشدهم بأساً، وأعزهم عشيرةً، فيصدهم ذلك عن التعرض له.
وشيء آخر أن ملوك العجم في زمان مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكونوا يكرهون مجيء نبي يدعو الى شرع مستأنف، ولا يخافون بمجيئه على أنفسهم، ولا على ملكهم، لأنهم كانوا ينفرون الإيمان به والاتباع له، ولم يجر أمر الامام المنتظر عليه السلام هذا المجرى، بل المعلوم من حال لجميع الملوك زمان مولده ومولد آبائه خلاف ذلك من اعتقادهم فيمن ظهر منهم يدعو الى امامة نفسه، أو يدعو إليه داع سفك دمه.
وبهذا النحو يجب أن يجاب من سأل فقال: أليس الرسول قد ظهر في أول أمره وعرفت العامة والخاصة وجوده ثم استتر بعد ذلك عند الخوف على نفسه (السيد المرتضى / الفصول المختارة من العيون والمحاسن/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 2/ 328 ـ 330).
3 ـ الخبر بغيبته
كان الخبر بغيبته ثابتا قبل وجوده وبدولته مستفيضاً قبل غيبته، وهو صاحب السيف من أئمة الهدى عليهم السلام. (الشيخ المفيد/ الارشاد ج2/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 340).
4 ـ تنافي الغيبة مع اللطف
فان قيل: قد تقدم ان الامامة لطف واللطف واجب على الله تعالى فاذا كان الامام مستتراً كان الله تعالى مخلاً بالواجب وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
فالجواب: اللطف الواجب على الله تعالى في الامام هو نصبه وتكليفه بالامامة، والله تعالى قد فعل ذلك فلم يكن مخلاً بالواجب، وإنما الاخلال بالواجب من قبل الرعية، فانهم يجب عليهم أن يتابعوه ويمتثلوا أوامره ونواهيه ويمكنوه من أنفسهم، فحيث لم يفعلوا ذلك كانوا مخلّين بالواجب فهلاكهم من قبل انفسهم. (الشيخ المفيد/ النكت الاعتقادية / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 10/45).
5 ـ طريقة معرفته
الطريق الى معرفة الحجة حين ظهوره بعد استتاره هو ظهور المعجز على يده. (الشيخ المفيد/ النكت الاعتقادية/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 10/45).
6 ـ دليل غيبته
وجه استتار الحجة كثرة العدو وقلة الناصر، وجاز أن يكون لمصلحة خفية استأثر الله تعالى بعلمها. (الشيخ المفيد/ النكت الاعتقادية/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 10/45).
7 ـ دليل الغيبة
من الشواهد التي تدعم الغيبة وثيقة الحجة هي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أقام بمكة ثلاثة عشر سنة يدعو الناس الى الله تعالى ولا يرى سل السيف ولا الجهاد، ويصبر على التكذيب له والشتم والضرب وصنوف الأذى، واستتر صلى الله عليه وآله وسلم خائفاً على دمه في الشعب ثلاث سنين، ثم هرب من مكة بعد موت عمه ابي طالب مستخفياً بهربه، واقام في الغار ثلاثة ايام ثم هاجر عليه السلام الى المدينة، ورأى النهي منه للقيام، واستنفر أصحابه وهم يومئذ ثلاثمائة وبضعة عشر ولقي بهم ألف رجل من أهل بدر ورفع التقية عن نفسه إذ ذاك.
8 ـ أقسام الغيبة
سبب غيبة الامام المهدي هي التقية، والتقية له عجل الله تعالى فرجه الشريف على اقسام:
التقية من أعدائه وهو أمر لا محالة منه إذ بظهوره يسفك دمه.
التقية ممن لا يعرفه لأنه لو ظهر اليهم لكانوا بين أمور، أما أن يسفكوا دمه بانفسهم لينالوا بذلك المنزلة عند المتغلب على الزمان، ويحوزوا به المال والرئاسة أو يسعوا به إلى من يحل هذه الفعل به.
التقية من بعض من يعتقد امامته، لأن هؤلاء ليسوا بمعصومين عن الغلط، ولا مأموناً عليهم الخطأ بل ليس مأموناً عليهم العناد والارتداد، فلا ينكر أن تدعوهم دواعي الشيطان الى الإغراء به والسعي عليه، والأخبار بمكانه طمعاً في العاجلة ورغبة فيها.
أما بالنسبة الى من عرفه حق معرفته، وكان عارف بالله عزّ وجلّ وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وبالائمة، فإن هذه المعرفة تمنعه من إيقاع كفر غير مغفور، فهؤلاء لا يتقى الامام منهم (ويدعي الشيخ المفيد أنه من هؤلاء) وعدم التقية، لان التقية إنّما هي الخوف على النفس، والاخافة للامام لا تقع من عارف بالله عز وجل.
وعدم تقية الامام من هؤلاء لا تستوجب له ان يظهر لهم، ويعرف نفسه لهم بالمشاهدة، ويريهم المعاجز، ويبين لهم كثيراً من المشكلات، لاننا لا نقول أن الامام يعلم السرائر وأنه مما لا يخفى عليه الضمائر، بل أنه يعلم الظواهر كما يعلم البشر، وإن علم الامام بالباطن فانه يتم باعلام الله له خاصه على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بما أودعه آباؤه عليهم السلام من النصوص على ذلك أو بطرق اخرى، ومع فقد الامام لذلك العلم اوجبت الحكمة تقيته من هؤلاء، ولا نقل أن الله عزّ وجلّ قد اطلع الامام على باطن هؤلاء وعرّفه حقيقتهم، واننا ايضاً لو قطعنا على ذلك لكان لترك ظهوره لبعض هؤلاء ممن تعرف عليه وجه واضح آخر غير التقية، وهو أن مع عدم ظهوره لحواسهم يصلح لهم في تعاظم الثواب وعلو المنزله باكتساب الاعمال، إذ يكون عملهم أعظم ثواباً مما يقع بالسهولة فلما علم عليه السلام ذلك من حالهم وجب عليه الاستتار ليصلوا الى معرفته وطاعته على حد يكسبهم من المثوبة اكثر مما يكسبهم العلم به الطاعة له مع المشاهدة. أما بالنسبة الى هؤلاء الاولياء عند ظهوره إذ يقول قائل اليس يجب أن يكون الله عزّ وجلّ قد منعهم اللطف في شرف طاعتهم وزيادة ثوابهم؟
فالجواب: ليس في ذلك منع لهم من اللطف إذ لا ينكر أن يعلم الله سبحانه وتعالى منهم أنه لو أدام ستره عنهم في ذلك الزمان بدلاً من الظهور لفسق هؤلاء الأولياء فاظهره سبحانه لهذه العلة. والوجه الاخر أنه لا يستحيل أن يكون الله تعالى قد علم من حال كثير من اعداء الامام عليه السلام أنهم يؤمنون عند ظهوره، ويعترفون بالحق عند مشاهدته ويسلمون له الأمر، وأنه إن لم يظهر في ذلك الزمان أقاموا على كفرهم وازدادوا طغيانا بزيادة الشبهة عليهم، فوجب في حكمته تعالى اظهاره لعموم الصلاح، إذ لا يجب عليه تعالى أن يفعل اللطف له في النفع بما يمنع غيره من اضعاف ذلك النفع.
وأما بالنسبة الى غيبته عليه السلام من عامة الشيعة فلا يعني أنهم من أهل النفاق، بل أنّ جماعة من معتقدي التشيع غير عارفين في الحقيقة، وإنّما يعتقدون الديانة على ظاهر القول بالتقليد، لأن فيهم جماعة لم يكلفوا المعرفة لنقصان عقولهم عن الحد الذي به يجب تكليف ذلك، وإن كانوا مكلفين للقول والعمل، وهذا هو مذهبنا في جماعة من أهل السواد والنواحي الغامضة والبوادي والأعراب والعجم والعامة.
والفرق بين تقيته عليه السلام من اعدائه وأوليائه هو أن التقية من أعدائه هي لأجل خوفه من ظلمهم له وقصدهم الإضرار به، لكن تقيته من اوليائه فهي لاجل خوفه من إذاعتهم على سبيل السهو أو للتجمل والتشرف بمعرفته بالمشاهدة فيعقبه ذلك ضرراً عليه فبان الفرق بين الأمرين. (السيد المرتضى/ الفصول المختارة من العيون والمحاسن/ ضمن مجموعة مؤلفات الشيخ المفيد: 2/ 110 ـ 117).
9 ـ مكانة الفقهاء زمن الغيبة
الرجوع الى الفقهاء في زمن الغيبة لا يعني الاستغناء عن الإمام، لأن الحاجة الى الشيء قد تكون قائمة مع فقد ما يسدها، لولا ذلك ما كان الفقير محتاجاً الى المال مع فقده، ولا المريض محتاجاً الى الدواء وان بعد وجوده، والجاهل محتاجاً الى المال وان عدم الطريق إليه، والمتحير محتاجاً الى الدليل وان لم يظفر به.
ولو لزمنا ما ادعيتموه وتوهمتموه للزم جميع المسلمين أن يقولوا أن الناس كانوا في حال غيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وللهجرة وفي الغار اغنياء عنه، وكذلك كانت حالهم في وقت استتاره بشعب ابي طالب عليه السلام، وكان قوم موسى عليه السلام أغنياء عنه في حال غيبته عنهم لميقات ربه، وكذلك أصحاب يونس... وهذا مما لا يذهب اليه مسلم ولا ملّي. (الشيخ المفيد/ الرسالة الاولى في الغيبة/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/16).
10 ـ تنافي غيبته مع معرفته
لا مضادة بين معرفة الإمام وبين غيبته واستتاره، لان العلم بوجوده في العالم لا يفتقر الى العلم بمشاهدته لمعرفتنا ما لا يصح ادراكه بشيء من الحواس، فضلاً عمن يجوز ادراكه واحاطة العلم بما لا مكان له، فضلاً عمن يخفى مكانه والظفر بمعرفة المعدوم والماضي والمنتظر، فضلاً عن المستخفي المستتر.
وقد بشر الله تعالى الأنبياء المتقدمين نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قبل وجوده في العالم وفرض عليهم الإيمان به والإقرار به وانتظاره والنبي لم يخرج بعد الى الوجود. (الشيخ المفيد/ الرسالة الاولى في الغيبة/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/12).
11 ـ الغيبة الكبرى
بعد وقوع الغيبة الكبرى صارت مهمة التبليغ الاسلامي بصورة عامة، وتثبيت عقائد الشيعة بامامة المهدي المنتظر، وغيبته بصورة خاصة على عهدة الفقهاء والمحدثين.
ففي التوقيع الخارج عن محمد بن عثمان العمري رضوان الله عليه:
.... وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله عليهم. (الشيخ فارس الحسون/مقدمة تحقيق كتاب الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/10. كمال الدين 2: 684 رقم4).
12 ـ تمهيد غيبته
كلما كان يقرب موعد ولادة الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف كان الاهتمام بذكره، والخبر باحواله وصفاته وغيبته اكثر، حتى أن الامامين العسكريين عليه السلام كان عندهما نوع ما من الغيبة وعدم الاتصال المباشر باصحابهم، وكانت التوقيعات تخرج من قبلهم ليتعوّد الشيعة على ما سيحصل من غيبة الإمام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف. (الشيخ فارس الحسون/ مقدمة تحقيق كتاب الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/9).
13 ـ شبه الشيعة بالسبئية
إدّعى المخالفون أن الامامية ساوت بمذهبها في غيبة صاحبها السبائية في قولها: إن امير المؤمنين عليه السلام لم يقتل وأنه حي موجود، وقول الكيسانية في محمد بن الحنفية، ومذهب الناووسية: في أن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام لم يمت، وقول الممطورة: في موسى بن جعفر عليه السلام انه لم يمت وأنه حي الى أن يخرج بالسيف، وقول أوائل الإسماعيلية وأسلافها: أن إسماعيل بن جعفر هو المنتظر، وأنه حي لم يمت وقول بعضهم: مثل ذلك في محمد بن إسماعيل، وقول الزيدية مثل ذلك فيمن قتل من ائمتها حتى قالوه في يحيى بن عمر المقتول بشاهي.
وإذا كانت هذه الأقاويل باطلة عند الامامية وقولها في غيبة صاحبها نظيرها فقد بطلت أيضاً ووضح فسادها.
فإنا نقول: إن هذا توهم من الخصوم لو تيقظوا لفساد ما اعتمدوه... وذلك أن قتل من سموه قد كان محسوساً مدركاً بالعيان وشهد به أئمة قاموا بعدهم ثبتت امامتهم بالشيء الذي به ثبتت امامة من تقدمهم، والانكار للمحسوسات باطل عند كافة العقلاء، وشهادة الائمة المعصومين بصحة موت الماضين منهم مزيلة لكل ريبة فبطلت الشبهة فيه على ما بيناه.
وليس كذلك قول الامامية في دعوى وجود صاحبهم عليه السلام لان دعوى وجود صاحبهم عليهم السلام لا تتضمن دفع المشاهد، ولا له إنكار المحسوس، ولا قام بعد الثاني عشر من ائمة الهدى عليهم السلام إمام عدل معصوم يشهد بفساد دعوى الامامية، او وجود إمامها وغيبته. فاي نسبة بين الامرين لولا التحريف في الكلام، والعمل على أوّل خاطر يخطر للانسان من غير فكر فيه ولا إثبات. ونحن فلم ننكر غيبة من سماه الخصوم لتطاول زمانها، فيكون ذلك حجة علينا في تطاول مدة غيبة صاحبنا، وإنما أنكرناها بما ذكرناه من المعرفة واليقين بقتل من قتل منهم وموت من مات من جملتهم، وحصول العلم بذلك من جهة الادراك بالحواس.
ولأن في جملة من ذكروه لمن لم يثبت له إمامة من الجهات التي تثبت لمستحقها على حال، فلا يضر لذلك دعوى من ادعى لها الغيبة والاستتار. ومن تأمّل ما ذكرناه عرف الحق منه، ووضح له الفرق بيننا وبين الضالة من المنتسبين الى الامامية والزيدية، ولم يخف الفصل بين مذهبنا في صاحبنا عليه السلام، ومذاهبهم الفاسدة بما قدمناه والمنة لله. (الشيخ المفيد/ الفصول العشرة في الغيبة/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/109 ـ 112).
14 ـ تنافي الغيبة مع المصلحة
من قول الخصوم: إنّ الامامية تناقض مذهبها في ايجابهم الإمامة، وقولهم بشمول المصلحة للأنام بوجود الامام وظهوره وامره ونهيه وتدبيره واستشهادهم على ذلك بحكم العادات في عموم المصالح بنظر السلطان العادل وتمكنه من البلاد والعباد. وقولهم مع ذلك إن الله تعالى قد اباح للامام الغيبة عن الخلق وسوّغ له الاستتار عنهم، وأن ذلك هو المصلحة وصواب التدبير للعباد.وهذه مناقضة لا تخفى على العقلاء.
وأقول:... إن المصالح تختلف باختلاف الأحوال، ولا تتفق مع تضادها، بل يتغير تدبير الحكماء في حسن النظر، والاستصلاح بتغيّر آراء المستصلحين وأفعالهم وأغراضهم في الاعمال.
ألا ترى أن الحكيم من البشر يدبر معاش ولده ويحثه لاكتساب المعرفة والآداب، ولكنه إن عدل عن ذلك الى السفه والظلم كانت المصلحة له قطع مواد السعة عنه في الأموال والاستخفاف بهم، وليس في ذلك تناقض بين اغراض العاقل... وهكذا تدبير الله تعالى لخلقه: إن تمسكوا باوامره سهل عليهم سبيله، وإن خالفوه يوجب قطع مواد التوفيق عنهم ووجب عليهم له العقاب، وكان ذلك هو الأصلح لهم، والأصوب في تدبيرهم.
فمصلحة الخلق تظهر بظهور الأئمة عليهم السلام متى اطاعوهم وانطووا على النصرة لهم والمعونة، وإن عصوهم وسعوا في سفك دمائهم تغيّرت الحال فيما يكون به تدبير مصالحهم، وصارت المصلحة له ولهم غيبته واستتاره، ولم يكن عليه في ذلك لوم، وكان الملوم هو المسبب له بافساده وسوء اعتقاده، ويكون هذا هو الأصلح والأولى في التدبير. (الشيخ المفيد/ الفصول العشرة / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/113 ـ 119).
15 ـ تنافي الغيبة مع أداء واجبه
فاما قول الخصوم: إنه إذا استمرت غيبة الامام على الوجه الذي تعتقده الامامية فلم يظهر له شخص، ولا تولى اقامة حد، ولا إنفاذ حكم، ولا دعوة الى حق، ولا جهاد العدو بطلت الحاجة اليه في حفظ الشرع والملّه، وكان وجوده في العالم كعدمه.
فإنا نقول فيه: إن الأمر بخلاف ما ظنوه، وذلك أن غيبته لا تخل بما صدقت الحاجة اليه من حفظ الشرع والملّة، واستيداعها له، وتكليفها التعرف في كل وقت لأحوال الأمّة وتمسكها بالديانة او فراقها لذلك إن فارقته، وهو الشيء الذي ينفرد به دون غيره من كافة رعيته. الا ترى أن الدعوة اليه انما يتولاها شيعته وتقوم الحجة بهم في ذلك، ولا يحتاج هو إلى تولي ذلك بنفسه كما كانت دعوة الانبياء عليهم السلام تظهر نايباً عنهم والمقربين بحقهم، وينقطع بها فيما يأتي عن علتهم ومستقرهم، ولا يحتاجون الى قطع المسافات لذلك بأنفسهم، وقد قامت ايضاً نايبا عنهم بعد وفاتهم، وكذلك اقامة الحدود وتقيد الاحكام، وقد يتولاها امراء الأئمة وعمالهم دونهم، وكذلك القول في الجهاد.....
فعلم بما ذكرناه أن الذي احوج الى وجود الامام ومنع من عدمه ما اختص به من حفظ الشرع الذي لا يجوز ائتمان غيره عليه... فمن وجد منهم قائماً بذلك فهو في سعة من الاستتار والصموت، ومتى وجدهم قد اطبقوا على تركه وضلوا عن طريق الحق فيما كلفوه من نقله ظهر لتولي ذلك بنفسه، ولم يسعه اهمال القيام به. فلذلك ما وجب من حجة العقل وجوده وفسد منها عدمه المباين لوجوده أو موته المانع له من مراعاة الدين وحفظه...
وشيء آخر وهو انه اذا غاب الامام للخوف على نفسه من القوم الظالمين، فضاعت لذلك الحدود وانهملت به الاحكام، ووقع في الارض الفساد، فكان السبب لذلك فعل الظالمين دون الله عز اسمه، وكانوا المأخوذين بذلك المطالبين به دونه.
فلو أماته الله تعالى واعدم ذاته، فوقع لذلك الفساد وارتفع بذلك الصلاح، كان سببه فعل الله دون العباد، ولن يجوز من الله تعالى سبب الفساد ولا رفع ما يرفع الصلاح فوضح بذلك الفرق بين موت الامام وغيبته واستتاره وثبوت وسقط ما اعترض المستضعفون فيه من الشبهات والمنّة لله. (الشيخ المفيد/ الفصول العشرة/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 105 ـ 107).
16 ـ هادى بودن امام
گفتند امام مهدى در غيبت چطور وظيفه هدايت را انجام ميدهد؟ جواب ما اينست كه شيطان چطور غائبانه مردم را گمراه ميسازد. يا حضرت خضر عليه السلام چطور تا حالا مردم را هدايت ميكند در حاليكه غائب است. (عبد الكريم مشتاق/ مذهب شيعة حق 3 ص 50).
17 ـ غيبت
فعل الحكيم لا يخلو عن الحكمة: ما نمى دانيم كه در طواف كعبه رمى جمرات چه حكمت پوشيده است؟ همچنين در غيبت امام عليه السلام چه حكمت در كار است نميدانيم؟ (عبد الكريم مشتاق/ مذهب شيعة حق3 ص61).
18 ـ غيبت امام عليه السلام
1 ـ از سورة قدر معلوم ميشود كه شب قدر ملائكه نازل ميشوند، واين يك حقيقت خيلى پر واضح است كه نزول ملائكه بر حجت خدا ميشود، ودر اين زمان غير از حضرت مهدى عليه السلام كسى حجت خدا نيست.
2 ـ در غيبت امام مهدى عليه السلام مصالح زياد وجود دارد، اگر چه عقل ما نرسد مثلاً خدا فرموده رمى جمرات خوب در فعل چه مصلحت وجود دارد ما نميدانيم؟
3 ـ امام صادق فرموده كه خدا بوسيله غيبت ميخواهد امتحان كند كه كيان باطل را مى پرستند وكيان پيروى حق ميكنند.
4 ـ كليه قاعده داريم. من خاف على نفسه احتاج الى الاستتار.
5 ـ خيلى از علماى با امام زمان عليه السلام ملاقات وديدار كردند وانكار اين مطلب حماقت را مى طلبد. (عبد الكريم مشتاق ـ شيعه مذهب حق 3 ص 60 ـ 62).
19 ـ غيبت امام
... هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب، مراد از بالغيب امام مهدى هستند. وجعلها كلمته باقية في عقبه، مراد از باقيه باقى بودن امام مهدي است. در نور الابصار آمده ـ كه ليظهره على الدين كله، مربوط به امام زمان عليه السلام است كه وقتى امام بحكم خدا ظهور ميفرمايند بر همه دنيا غلبه پيدا مى كنند. (عبد الكريم مشتاق ـ شيعه مذهب حق3 ص 57 ـ ينابيع المودة مطبوعه بمبىء ص370 مؤلفه مفتي اعظم سليمان بلخي قندوزي).
20 ـ غيبت امام عليه السلام
از طرف غير شيعه سؤال ميشود كه امام چطور در غيبت هدايت ميكند؟ ما جواب ميدهيم كه همانطور كه شيطان مردم را گمراه ميكند، چون هدايت ضد ضلالت است، واين مثال از لحاظ علمى هيچ اشكالى ندارد. وما در انبياء عليهم السلام هم مىبينيم كه بعض ها از نگاه مردم پوشيده شدند، حضرت خضر عليه السلام را همه قبول دارند وهدايت كردن ايشان را قبول ميكنند ولى تا الان كسى حضرت خضر را نديده.... (عبد الكريم مشتاق ـ شيعه مذهب حق 3 ـ ص 50).
21 ـ رفع الخلاف بين الشيعة
سئل ابن طاووس رحمه الله: اما كان يمكن ان يلقي (الامام) أحداً من شيعته ويزيل الخلاف عنهم في عقائد تتعلّق بدين جدّه وشريعته؟...
قلت له: أيهما أقدر على إزالة الخلاف بين العباد، وأيما أعظم وأبلغ في الرحمة والعدل والارفاد، أليس الله جل جلاله؟ فقال: بلى، فقلت: فما منع الله ان يزيل الخلاف بين الأمم أجمعين وهو أرحم الراحمين، وهو أقدر على تدبير ذلك بطرق لا يحيط بها علم الآدميين، أفليس أن ذلك لعذر يقتضيه عدله وفضله على اليقين؟ فقال: بلى، فقلت: فعذر نائبه عليه السلام هو عذره على التفصيل، لانه ما يفعل فعلاً الا ما يوافق رضاه على التمام. (ابن طاووس ـ كشف المحجة: 208 فصل: 105).
22 ـ المهدي:
أورد صاحب فضائح الروافض ان المهدي لماذا لا يخرج؟ فإن قادة السنة يدافعون عن الاسلام ويقتلون الكفار، والمهدي في السرداب، فايّ حق له على المسلمين؟
واجابه القزويني... راجع النقض: 343 ـ 346.
23 ـ الغيبة:
يقول الميلاني:
قال علي عليه السلام: (... لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما اخذ الله على العلماء... لالقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس اولها....) قال ابن ميثم في شرحه: (أنه عليه السلام ذكر من تلك الاعذار ثلاثة: احدها حضور الحاضرين لمبايعته، والثاني قيام الحجة عليه بوجود الناصر له في طلب الحق لو ترك القيام، الثالث: ما اخذ الله على العلماء من العهد على انكار المنكرات... والغدر أن الاولان هما شرطان في الثالث، إذ لا ينعقد ولا يجب انكار المنكر بدونهما...). (شرح النهج 1: 178 ـ 179).
إذن ظهور الحجة عليه السلام وإرادته إجراء الأحكام تستلزم حضور الحاضرين لمبايعته ووجود الناصرين له، ولعدم توفرهما لم يظهر ولو ظهر لقتل، ولابتلي بما ابتلى به علي عليه السلام وكذلك الحسن عليه السلام، لأنه يريد اقامة الحكومة العادلة ونفي الظلم والمنكر، وهذا يحتاج الى قوة واستعداد عالمي...(والله العالم).
24 ـ حكم الجهاد في الغيبة
ان الجهاد ينقسم من جهة اختلاف متعلقاته خمسة اقسام:
1 ـ الجهاد لحفظ بيضة الدين اذا أراد اعداء الله مسّها بسوء وهموا بأن يجعلوا كلمتهم أعلا من كلمة الايمان بالله....
2 ـ الجهاد لدفع العدو عن التسلط على دماء المسلمين بالسفك واعراضهم بالهتك.
3 ـ الجهاد للدفاع عن طائفة من المسلمين التقت مع طائفة من الكفار فخيفت من استيلائهم عليها.
4 ـ الجهاد لدفعهم عن ثغور المسلمين وقراهم وأرضهم أو لاخراجهم منها بعد تسلطهم عليها بالجور....
ويجب الجهاد في هذه الاقسام الاربعة باجماع الشيعة وجوباً كفائياً... ومن قتل في كل من هذه الاقسام الاربعة من المؤمنين فهو من الشهداء... ولا فرق في وجوب الجهاد في كل هذه الاقسام الاربعة بين حضور الامام وغيبته ووجود المجتهد وعدم وجوده...
5 ـ الخامس من اقسام الجهاد ابتداء الكفار بجهادهم في سبيل دعوتهم الى الايمان بالله عزّ وجلّ وغزوهم لاجل ذلك في عقر ديارهم، وهذا المقام عندنا من خواص النبي صلى الله عليه وآله وسلم او الامام النائب عن رسول الله نيابة صحيحة، او المنصوب الخاص من احدهما فلا يتولاه المجتهدون النائبون عن الامام ايام غيبته ولا غيرهم. (ثم ذكر جهاد علماء الشيعة ضد العدو). (شرف الدين ـ اجوبة مسائل موسى جار الله: 62ـ 66).
25 ـ وجود 313 رجل
شنّع صاحب فضائح الروافض على الشيعة بأنّه لا يوجد فيهم (313) رجلاً ولد من حلال حتى يظهر المهدي.
أجاب القزويني: لم تقل الشيعة انّ ظهور المهدي عليه السلام موقوف على هذا العدد، ولم يذكر في ايّ كتاب من كتبهم، بل ورد انه يتفق مع ظهوره عليه السلام تواجد (313) رجلاً معتقداً من انحاء العالم في الكعبة فيعاهدوه، وتكون البيعة الأولى لهم، وهم بعدد أهل بدر، وليس هذا من شروط الظهور ولا ركن من اركانه، وغيابه لمصلحة لا لانتظار هذا العدد، والا ففي العالم كثيرون من شيعته معتقدون به ومنتظرون خروجه ليفدوه بانفسهم واموالهم، وهذا العدد من علامات الظهور لا من شرائطه. (القزويني ـ النقض: 465).
26 ـ المهدي (عدد 313).
قالوا: قلتم انصاره ثلاثمائة وثلاثة عشر فلم لا يخرج اليوم وانصاره اكثر؟
قلنا: علمنا ذلك بالخبر على انّ الكثرة لا تعتبر فان النبي حارب في بدر بذلك العدد، ولم يكن فيهم الا سبعة أسياف والباقي بجريد النخل، ولم يحارب في الحديبية ومع الف وسبعمائة بحسب المصلحة، وصالح الحسن معاوية في الاف، وحارب الحسين في قوم قليلين. (البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 223).
27 ـ عدم الظهور مع كثرة الشيعة واستكمال (313)
انّ علام الغيوب قد يعلم عدم نصرتهم وإن كثروا، وقد أخّر الله اغراق فرعون وقوم نوح مع امكان تقديمه، ونصر نبيه بالملائكة في بدر مع إمكان تقديمه، ولعلّ نصرته بهم كانت مشروطة باجتماع الانصار من الناس، وتكون نصرة المهدي موقوفة على اجتماع ثلاثمائة وثلاثة عشر من غيرهم لاشتمالهم على صفات تختص بهم، فلا اعتراض للفجار الاشرار على الحكيم المختار. (البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 266).
28 ـ ردّ من قال: لا حاجة الى ظهور الحجة
ليس لاحد أن يقول: فاذا كنتم معشر القائلين بامامة الحجة حال الغيبة عندكم كحال الظهور في ازاحة العلة في التكليفين عقلاً وسمعاً بل قدر حجتهم الغيبة في بعض المواضع على الظهور، فلا حاجة بكم خاصة الى ظهوره، ولا وجه لتمنيكم ذلك.
الجواب: لانا وان كانت علتا مزاحة في تكليفنا على ما وضح برهانه، ففي ظهور الحجة على الوجه الذي نص عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوائد كثيرة، وتكاليف تتعيّن بظهوره، ومنافع حاصلة بذلك ليس شيء منها حاصلاً في حال الغيبة، لانه عليه السلام يظهر لزوال دول الظالمين المخيفين لشيعته وذراري آبائه، ورفع جورهم بعدله وإبطال أحكام اهل الضلال بحكم الله، والسيرة بالملة الاسلامية التي لم يحكم بجملتها منذ قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
ومنها الأمر بكل معروف والنهي عن كل منكر وجهاد الكفار، مع سقوط ذلك أجمع عنا في حال الغيبة، وهذه احكام... تتعيّن بظهوره.
ومنها زوال الخوف عن شيعته وذرّية آبائه وارتفاع التقية وسهولة التكليف الشرعي.
ومنها براءة الذمم من الحقوق الواجبة له في الاموال المتعذّر ايصالها اليه في الغيبة.
ومنها ظهور الدعوة الى جملة الحق في المعارف والشرائع بظهوره....
وهذه فوائد عظيمة لها رغبنا الى الله تعالى في ظهوره لنفوز بها.... (ابو الصلاح ـ تقريب المعارف: 447 ـ 448).
29 ـ كيفية الجمع بين فقد اللطف بعدم الظهور وثبوت التكليف
واما فقد اللطف بظهوره متصرفاً، ورهبة لرعيته مع ثبوت التكليف الذي وجوده مرهوباً لطف فيه مع عدمه، فان اختصاص هذا اللطف بفعل المكلف لتمكنه من ازاحة علّة نفسه بمعرفة الحجة المدلول على وجوده وثبوت امامته وفرض طاعته، وما في ذلك من الصلاح وقدرته على الانقياد وحسن تكليفه ما تمكين الامام وارهابه أهل البغي لطف فيه، وان كانا مرتفعين بغيبته الحاصلة عن جناية المكلف عن نفسه، فالتبعة عليه دون مكلّفه سبحانه ودون الحجة الملطوف له بوجوده، وتكليفه لازم له، وان فقد لطفه بالرئاسة لوقوف المصلحة في ذلك على ايثاره معرفة الامام، والانقياد له باختياره دون إلجائه.... (ابو الصلاح ـ تقريب المعارف: 442 ـ 443).
30 ـ الغيبة
واعلم يا ولدي محمد ان غيبة مولانا المهدي صلوات الله عليه التي حيرت المخالف وبعض المؤالف هي من جملة الحجج على ثبوت امامته وامامة آبائه الطاهرين صلوات الله عليهم، لانك اذا وقفت على كتب الشيعة أو غيرهم... وجدتها او أكثرها تضمنت قبل ولادته انه يغيب عليه السلام غيبة طويلة حتى يرجع عن امامته بعض من كان يقول بها، فلو لم يغب هذه الغيبة كان ذلك طعناً في امامة آبائه وفيه، فصارت الغيبة حجة لهم عليهم السلام وحجة له على مخالفيه في ثبوت امامته وصحة غيبته، مع أنه عليه السلام حاضر مع الله على اليقين، وانما غاب من لم يلقه عنهم لغيبتهم عمن حضره المتابعة له ولرب العالمين.
... فانه موجود حيّ على التحقيق، ومعذور عن كشف أمره الى أن يؤذن له تدبير الله الرحيم الشفيق كما جرت عليه عادة كثير من الأنبياء والأوصياء..... (ابن طاووس ـ كشف المحجة: 104 فصل 77).
31 ـ لماذا لم يغب سائر الأئمة
اعترض صاحب فضائح الروافض على الشيعة: بان الائمة في زمن بني امية وبني العباس مع كثرة الظلم لم يغيبوا فلماذا غاب المهدي؟
اجاب القزويني: كانت المصلحة لهم وللرعية في الظهور، ومصلحة المهدي وهذه الرعية في الغيبة، والله ورسوله والامام أعلم بالمصالح، ولا يحق لاحد الاعتراض... مثلاً نوح عليه السلام مع كثرة الاعداء لم يغب، فان مصلحته كانت في الظهور، وادريس كان غائباً عن الاعداء برهة في الارض وبرهة اخرى في السماء لان المصلحة كانت في غيبته لا ظهوره، وابراهيم كان في البداية غائباً خائفاً، ولموسى غيبة ايضاً في أوّل الامر واوسطه، وامر الله تعالى يحيى وزكريا بالصبر على الضرب والقتل لعدم المصلحة في الغيبة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت مصلحته في الغيبة فاستتر في الغار... فالله تعالى غير عاجز والأنبياء معصومون لا يخطأون لكن مصلحة كل زمان وكل نبي تختلف... فلابد من قياس امر الأئمة على الانبياء.
مضافاً الى أن السعيد من وعظ بغيره، ولما رأى المهدي ما فعله بني أمية وبني العباس بآبائه من قتل وسلب ونهب غاب خوفاً من الاعداء.
ويمكن أن يقال بأن الائمة كان لهم نواباً ذرية بعضها من بعض، والمهدي آخر العترة وحافظ الشريعة ووجوده امان للامة فغاب الى أن يظهر بعد زوال الخوف، كما أن الإجماع والكتاب حجة لخروجه وظهوره. (القزويني، النقض: 472 ـ 474).
ان قلت: لو كان سبب ستره خوفه لا ستتر آباؤه، قلت: آباؤه خوطبوا بالتقية وخوطب هو بالخروج باالسيف، ومن ثم لم يخافوا كخوفه خصوصاً فيمن عرف من اعدائه انه القائم بأمر ربه دون آبائه وستره لم يخرجه عن امامته كما أن ستر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شعبه وغاره لم يخرجه عن نبوته. (البياضي، الصراط المستقيم 2: 224).
32 ـ لماذا لم يستتر الأئمة
فان قيل: إن كان الخوف احوجه الى الاستتار فقد كان آباؤه عندكم في تقية وخوف من اعدائهم فكيف لم يستتروا؟ قلنا: ما كان على آبائه عليهم السلام خوف من اعدائهم مع لزومهم التقية والعدول عن التظاهر بالامامة ونفيها عن نفوسهم وامام الزمان كان الخوف عليه، لانه يظهر بالسيف ويدعو الى نفسه ويجاهد من خالف عليه، فايّ نسبة بين خوفه من الاعداء وخوف آبائه عليهم السلام منهم لولا قلّة التأمّل؟. (المرتضى ـ المقنع: 54، 55، وانظر الشافي 1: 147 وايضاً 3: 148، 150بتفصيل اكثر، تلخيص الشافي للطوسي 4: 217، والمنقذ للرازي 2: 375، ورسالة في الغيبة للمرتضى (ضمن كلمات المحققين):533).
اما الفرق بينه وبين آبائه عليهم السلام فواضح، لان خوف من يشار إليه بانه القائم المهدي الذي يظهر بالسيف ويقهر الأعداء ويزيل الدول والممالك لا يكون كخوف غيره ممن يجوز له مع الظهور التقية وملازمة منزله، وليس من تكليفه ولا مما سبق أنه يجري على يده الجهاد واستيصال الظالمين. (المرتضى، تنزيه الانبياء: 234).
... والفرق بين استتاره وظهور آبائه انه لم يكن المعلوم من حالهم، انهم يقومون بالامر، ويزيلون الدول ويظهرون بالسيف، ويقومون بالعدل، ويميتون الجور، وصاحب الزمان عليه السلام بالعكس من ذلك، ولهذا يكون مطلوباً مرموقاً والاولون ليسوا كذلك، على أن آبائه عليهم السلام ظهرواً، لانه كان المعلوم انهم لو قتلوا لكان هناك من يقوم مقامهم ويسدّ مسدّهم وليس كذلك صاحب الزمان.... (الطوسي، الاقتصاد: 369، 370).
وحاله في ذلك (أي الغيبة) يخالف حال آبائه اما لانهم آمنوا على انفسهم وخاف هو، او لانه عليه السلام يلزمه مع العروض مع ظهوره ما لا يلزمهم فيكون الحذر في جانبه اتمّ من غيره وهذا من الممكن. (المحقق الحلي، المسلك: 282).
33 ـ الغيبة
إن مسألة الغيبة للامام الثاني عشر عليه السلام مما نص عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة قبل ولادته وغيبته... (ثم ذكر عده احاديث) ثم قال: قال الشيخ الطوسي: ويدل على إمامة ابن الحسن وصحة غيبته ما ظهر واشتهر من الاخبار الشايعة الذايعة عن آبائه قبل هذه الأوقات بزمان طويل من ان لصاحب هذا الامر غيبة وصفة غيبته... موافق ذلك على ما تضمنته الاخبار، ولولا صحتها وصحة امامته لما وافق ذلك. (اثبات الهداة 7: 3 ـ 4) قال المحقق اللاهيجي: ان وجوب غيبة الامام الثاني عشر متواتر عن النبي وكل واحد من الأئمة. (سرمايه ايمان: 146) وقال المحقق القمي: ان كثيراً من جوامع الشيعة الفت قبل ولادة جنابه عليه السلام، فهذه الاخبار مضافاً الى كونها متواترة مفيدة لليقين. (اصول دين: 63) و (الخرازي ـ بداية المعارف 2: 142 ـ 144)
34 ـ اعدة اللطف وغيبة الامام
... إن وجود الانسان الكامل في نظام العالم مما يقتضيه علمه تعالى بالنظام الأحسن ورحمته المطلقة واطلاق كماله ولا مانع منه فيلزم وجوده والالزام الخلف في كونه كمالاً مطلقاً، فوجود الامام الذي هو انسان كامل لطف، وتصرفه وظهوره لطف آخر، فلا يضر فقد لطف من جهة المانع بوجود اللطف من جهة او جهات اخر، لان المفروض عدم وجود مانع من جهة اخرى، هذا مضافاً الى أن ارشاد الامام وتصرفه لا يختص بالانسان بل يعم الجن ايضاً، لانهم مكلفون ومحجوجون بوجوده، على ان بعض الخواص كانوا يسترشدون بارشاده وعناياته في الغيبة الصغرى، بل الكبرى ايضاً كما تشهد له التشرفات المكررة لبعض المكرمين من العباد، هذا مع الغمض عما يتصرف في النفوس من وراء الحجاب.
قال الحكيم محمد مهدي النراقي: (أن ظهور الامام الثاني عشر ارواحنا فداه وتصرفه فائدة من فوائد وجوده، لان فوائد وجوده كثيرة وان كان غائباً، الاول: انه قد ورد في الحديث القدسي: (كنت كنزاً مخفياً فاحببت...) (مصابيح الانوار 2: 405).
فيعلم منه ان الباعث على الايجاد هو المعرفة بالله تعالى، فليكن في كل وقت فرد بين آحاد الانسان يعرفه كما هو حقه، ولا تحصل المعرفة كما هو حقه في غير النبي والامام، فلابد من وجود الحجة في الارض حتى تحصل المعرفة به كما هو حقه.
والثاني: ان مجرد وجوده لطف وفيض في حق الناس ولو لم يكن ظاهراً، لان وجوده باعث نزول البركات والخيرات، ومقتضٍ لدفع البليات والآفات، وسبب لقلة سلطة الشياطين من الجن والانس على البلاد، فان آثار الشيطان كما وصلت الى البشر دائماً، كذلك لزم ان تصل اثار رئيس الموحدين وهو الحجة الالهية اليهم، فوجود الحجة في مقابل الشيطان للمقاومة مع جنوده، فلو لم يكن للامام وجود في الارض صارت سلطة الشيطان ازيد من سلطة الاولياء، فلا يمكن للانسان المقاومة في مقابل جنود الشيطان.
والثالث: ان غيبة الامام الثاني عشر عليه السلام تكون عن اكثر الناس لا عن جميعهم لوجود جمع يتشرفون بخدمته، ويأخذون جواب الغوامض من المسائل ويهتدون بهدايته وان لم يعرفوه) (انيس الموحدين: 132 ـ 134) انتهى.
سؤال: ان الامام يجب وجوده لو لم يعم لطف آخر مقامه كعصمة جميع الناس. الجواب: ان المفروض عدم اقامة هذا اللطف والا فلا موجب لبعث الرسل....
سؤال: ان الامام يجب وجوده فيما اذا علم بخلوّه عن المفسدة، وحيث لا علم به فلا يكون وجود الامام واجباً، ولا فائدة في دعوى عدم العلم بالمفسدة، لأن احتمالها قادح في وجوب نصب الامام. اجاب المحقق الهيدجي: ان الامور المتعلقة بالامام على قسمين: الدنيوية والأخروية، ومن المعلوم ان مفسدة وجود الامام بالنسبة الى الامور الدينية معلومة الانتفاء، فان المفاسد الشرعية في الامور الدينية معلومة شرعاً، ولا يترتب شيء منها على وجود الامام... وحيث كان كل واحد منا مكلفون بترك المفاسد الشرعية، فلا يجوز ان تكون تلك المفاسد معلومة لنا والا لزم التكليف بالمجهول، وايضاً من الواضح ان نصب الامام بالنسبة الى الامور الدنيوية لا مفسدة فيه اذ الامور الدنيوية راجعة الى مصالح العباد ومفاسدهم في حياتهم الدنيوية وحفظ النوع والاخلال به، وهي معلومة لكافة العقلاء، ولا يترتب من وجود الامام شيء من المفاسد فيها، بل العقل جازم بأن لا يمكن سد مفاسد امور المعاش الا بوجود سلطان قاهر عادل، فاذا عرفت ذلك فنقول بطريق الشكل الاول نصب الامام عن الله تعالى لطف خال عن المفاسد، وكل لطف خال عن المفاسد واجب على الله تعالى، فنصب الامام واجب عليه تعالى وهو المطلوب.(سرمايه ايمان: 108، شرح التجريد: 362) و (الخرازي، بداية المعارف 2: 27 ـ 29).
35 ـ ما هي فائدة المهدي مع غيبته
قيل: ما فائدته وهو مستور غائب لا ينفع منه احد.
وفيه اولاً: ان الجهل بفائدة وجوده قبل قيامه بعد ما ثبت إمامته ومهدويته وخروجه في آخر الزمان غير مضر، فانا نجهل فائدة كثير من افعاله تعالى نعم نحن نعلم ان الله حكيم لا يفعل الا لحكمة وغرض، بل لا يفعل الا الأصلح. وثانياً: ان لوجوده عليه السلام وإن لم يكن فائدة من حيث التشريع لكن له فائدة عظيمة من جهة التكوين، فقد روى ابن حجر (الصواعق: 150 ذيل الاية السابعة من الايات الواردة في أهل البيت عليهم السلام): (النجوم امان لاهل السماء وأهل بيتي امان لامتي) و(أهل بيتي امان لاهل الأرض فاذا هلك اهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون) (فاذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء واذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الارض) و(لا يزال هذا الدين قائماً الى اثنى عشر اميراً من قريش فاذا مضوا ساخت الارض بأهلها)... فهو عليه السلام سبب البركة والنعمة للمؤمنين في دينهم ودنياهم، وفي بعض التوقيعات الواردة من الناحية المقدسة (البحار 52: 92): (وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكلانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الابصار السحاب، واني امان لاهل الارض كما أن النجوم امان لاهل السماء).
نعم ما ذكره بعض افاضل اهل المعقول (نهاية الدراية 2: 159) في مدخلية وجوده عليه السلام في نظام التكوين لا يمكن لنا تصديقه، بل يمكن أن يقال ان بوجوده فائدة تشريعية ايضاً لكن لا بالنسبة الينا، بل بالنسبة الى بقية الكرات حتى من سائر المنظومات الشمسية، واما ما يقال من ان الامام لابد أن يكون سائساً متصرفاً في الامور فهو جزاف، كما يظهر من مراجعة سيرة الانبياء، فمنهم مقتول، ومنهم مغلوب ينتصر الله، ومنهم من فرّ خائفاً يترقب، ومنهم القوم استضعفوه... والله تعالى يقول: (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول الا كانوا به يستهزؤن). (المحسني، صراط الحق 3: 457 ـ 458).
36 ـ الغيبة
(قالوا: هل غاب المهدي؟)
الجواب: ان النصوص النبوية الشريفة التي رواها حفاظ الحديث... تكرر كلمة الغيبة وفي بعضها (تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الامم) (ينابيع المودة: 488).
(يغيب عن اوليائه غيبة لا يثبت على القول بامامته الا من امتحن الله قلبه للايمان) (ينابيع المودة: 495) (يبعث المهدي بعد اياس وحتى يقول الناس لا مهدي). (الحاوي 2: 152).
وكلمة الغيبة في الاحاديث لا تعني احياء المهدي بعد موته واعادته الى الدنيا بعد وفاته، وانما هي ناظرة الى اختفائه واحتجاجه، وعدم رؤية الناس له ومشاهدتهم اياه، وهذا هو الذي يتبادر الى كل ذهن عند قراءة تلك الاحاديث والمرور بكلمة الغيبة المتكررة فيها، والحديث الشريف الذي اتفق المسلمون على روايته: (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية) صريح في ضرورة وجود امام في كل عصر وكل حين، وبعد أن ثبتت ولادة محمد بن الحسن بما لا يقبل الشك تكون كلمة الغيبة وضرورة وجود الامام في كل زمان دليلين جليين على استمرار حياة المهدي طيلة هذه القرون، وعلى رد سائر ما يقال في هذا الصدد من تردد واستبعاد، والقول بوفاة المهدي ـ بالاضافة الى مخالفته لاحاديث الغيبة وحديث استمرار الامامة ـ لم ينص عليه أحد من المؤرخين ولم يرد ذكره في أي كتاب بما فيها كتب المنكرين... ان هذا كله يؤكد ان المهدي حي لم يمت وانه غاب واختفى....(آل ياسين ـ اصول الدين: 412 ـ 415).
37 ـ الغيبة
... انا اذا علمنا امامته لعلمنا بان الزمان لا يخلو من امام، وان الامام لابد من أن يكون مقطوعاً على عصمته من كبائر الذنوب وصغائرها، وان الحق لا يخرج من الأمة، ووجدنا الامة بين قائل يقول: بجواز خلوّ الزمان من امام... وقائل يقول: بامامة من ليس بمقطوع على عصمته، وقائل: يقول بامامة من ثبت هذه الفرقة قد انقرضت... وقائل يقول: بامامة صاحبنا عليه السلام، فيتعين صحة وجوده وامامته، والا ادّى الى أن الحق خارج عن الامة اذا لا قول للامة في هذه المسألة غير ما ذكرناه وذلك باطل بالاتفاق، ثم وجدناه غائباً عن الناس علمنا انه لم يغب مع عصمته وتعين فرض القيام بالامامة فيه الا لسبب اباح له ذلك وإن لم نعلم ذلك السبب مفصلاً كما نقول في خلق الموذيات من الهوام والسباع... وكما نقول في الايات المتشابهات التي تقتضي ظواهرها الجبر والتشبيه... وكذلك القول في الغيبة سواء، فان تشاغلنا بايراد العلة المعينة في غيبته واستتاره في الوجه المخرج له الى الاستتار والغيبة مفصلاً كان ذلك تبرعاً منّا....(الرازي ـ المنقذ 2: 372 ـ 373).
... أنّه لما وجب كون الامام معصوماً علمنا ان غيبته طاعة والا لكان عاصياً، ولم يجب علينا ذكر السبب غير أنّا نقول: لا يجوز أن يكون ذلك السبب من الله تعالى لكونه مناقضاً لغرض التكليف، ولا من الامام نفسه لكونه معصوماً، فوجب أن يكون من الامة وهو الخوف الغالب، وعدم التمكين ولا إثم في ذلك....(ابن ميثم، قواعد المرام: 190 ـ 191).
وغيبة الحجة عليه السلام ليست بقادحة في امامته لثبوتها بالبراهين التي لا شبهة فيها على متأمل....(الديلمي، اعلام الدين: 53).
38 ـ وجوده وغيبته
وقد عرفت قيام الأدلة، على إن الزمان لا يخلو من امام، وأنه يجب ان يكون معصوماً، وكل من قال بذلك قال بأن الامام الان هو الذي نشير اليه، وثبت ايضاً من الاخبار المتواترة عن النبي والائمة عليهم السلام ما تتضمن النص على اسمه ونسبه ووجوده، فاغنى ذلك عن التعرض للزيادة في الدلالة.
ويكفي في الجواب عن سبب الغيبة ان يقال: مع ثبوت عصمته يجب أن نحمل افعاله على الصواب وإن خفي الوجه، فلولا مصلحة مبيحة للاستتار لما استتر....(المحقق الحلي ـ المسلك: 276).
... واذا ثبتت إمامته (أي امامة امير المؤمنين) عليه السلام ثبتت امامة أحد عشر من ذريته، لتواتر الاخبار بنص كل واحد منهم على من بعده، وبتواتر الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنص على الأئمة الاثنى عشر عليهم السلام.(المحقق الحلي ـ الرسالة الماتعية: 310).
... قد بينا أنه لا يجوز خلوّ الزمان من معصوم، ولا شك في أنه غير ظاهر، فيجب ان يكون مستتراً، ولانا قد بينا بالتواتر النص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوجوده وتعيينه وغيبته.... ان استتاره... فيه مصلحة خفية لا نعلمها نحن، اما من خوف على نفسه، أو لأمر آخر غير معلوم لنا على التفصيل.(العلامة الحلي ـ مناهج اليقين: 482).
الامام الثاني عشر عليه السلام حي موجود من حين ولادته وهي سنة ست وخمسين ومائتين الى آخر زمان التكليف لان كل زمان لابد فيه من امام معصوم....(مقداد السيوري ـ شرح الباب الحادي عشر: 52).
واعلم أن الامام الثاني عشر اعني... المهدي عليه السلام حي موجود من حين ولادته وهو سنة ست وخمسين وماتين من الهجرة الى آخر زمان التكليف لان الامام لطف، وهو يجب على الله تعالى ما بقي مكلف على وجه الارض، وقد ثبت في الأخبار الصحيحة انه عليه السلام آخر الائمة فيجب بقائه الى آخر زمان التكليف قطعاً.(ابن مخدوم: شرح الباب الحادي عشر: 205).
قال العلامة الحلي: (ويجب ان يعتقد ان الامام الحجة عليه السلام حي موجود في كل زمان بعد موت ابيه الحسن عليه السلام، لان كل زمان لابد فيه من امام معصوم وغيره ليس بمعصوم بالاجماع، والا لخلا الزمان من امام معصوم، مع أن اللطف واجب على الله تعالى في كل وقت).
قال المقداد السيوري: لما ثبت أن الامامة لطف، وأن اللطف واجب على الله تعالى، وأن الله تعالى حكيم لا يخل بالواجب، وان الامام يجب ان يكون معصوماً، وان لا معصوم سوى الائمة الاثنى عشر وجب القول بوجود الامام الثاني عشر وهو المهدي عليه السلام وبقاؤه الى منتهى الدنيا، والدليل عليه انه لولا ذلك للزم احد امور ثلاثة:
اما القول بامامة غيره... او القول بعصمة غيره... او خلو الزمان من الامام، فيلزم ان يكون الله تعالى مخلاً بالواجب... وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لو لم يبق من الدنيا يوم أو بعض يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يظهر فيه قائمنا أهل البيت) (سنن أبي داود 4: 106 ح4282، الترمذي 4: 505 ح2230 _ 2231، ابن ماجة 2: 928 ح2779، الجامع الصغير 2: 131)، واما وجوده فقد شاهده جماعة كثيرة في زمان ابيه عليه السلام وبعد موته ايضاً.(المقداد السيوري، الاعتماد: 96 ـ 99).
39 ـ ما الفرق بين مفهوم الغيبة عند الشيعة وغيرها
... الفرق بيننا وبين من ذكر اظهر من الشمس لذا تأمل الانسان بعين الانصاف، وذلك لان كان فرقة من أولئك الفرق يدعون ماعوين وعلم خلافه ضرورة في وقته، ونحن من كان بعد ذلك الوقت فانه ايضاً يعلم خلاف ما يدعونه بالتواتر، اما ضرورة ان كان العلم بمخبر الأخبار عن الوقائع والبلدان ضرورياً، واما علماً لا يتخالجه شك وريب إن لم يكن العلم بمخبر الاخبار المشار اليها ضرورياً، ألا ترى أن السبئيّة يزعمون ان أمير المؤمنين عليه السلام لم يقتل، وكل من كان في ذلك الوقت في المسجد بالقرب منه عاين وشاهد ضربة اللعين ابن ملجم اياه وعلم قتله له ضرورة... وغير السبئية من الفرق المذكورة يدعون حياة قوم علم كل من حضرهم عند وفاتهم موتهم بالضرورة... ومن لم يحضرهم عند وفاتهم فانه علم موتهم بنقل المتواترين اليهم... ثم وقول الكيسانية يبطل من وجه آخر، وهو ادعاؤهم امامة من لم يكن مقطوعاً على عصمته بالاتفاق وليس كذلك ما نقوله... لانا نقول بوجود صاحب الزمان وولادته وخلاف ذلك هو... مما لا يشاهد ولا يعاين، ولا يعلم ضرورة بل ثبوت الولادة مما يشاهد فاما نفيها فليس بمشاهد....(المنقذ، الرازي 2: 395 ـ 396).
40 ـ المهدي والشريعة
قال صاحب فضائح الروافض: (تعتقد الشيعة أن الشرع موقوف بالقائم...)، قال القزويني في نقضه: ان الشريعة لم تتوقف على ظهور القائم لانه امام وليس بنبي ولا صاحب كتاب وشريعة....(القزويني، النقض: 275).
ليست الحاجة الى الامام (المهدي) لبيان الشريعة لانها علمت من الرسول والائمة والكتاب والاجماع ولا خلل فيها... ولو حصل اختلاف بين الفقهاء في مسألة واشتبه الامر عليهم، وجب على الامام اعلامهم والعلم بوجود الامام وتصرفه لطف للمكلفين....(القزويني، النقض: 414).
وقال صاحب الفضائح ايضاً: (تقول الشيعة ان الشريعة لابد وأن تصل الينا من قبل المعصوم ولا معصوم اليوم سوى صاحب الزمان، فيلزم منه بطلان الاحكام جميعاً وعدم الاعتماد على ايّ خبر لاننا لا نسمعها من المعصوم والناقل لنا يجوز عليه الخطأ...).
اجاب القزويني: ان الخبر المتواتر عندنا يوجب العلم والعمل، بل جوّز بعض فقهاء الشيعة العمل بالخبر الواحد وان كان المعصوم غائباً، اذا كان الخبر مسنداً الى المعصوم او الرسول فلا حاجة في هذه الموارد الى القائم عليه السلام وشريعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تتغيّر ولا تتبدل، فلو ظهر الامام نقل لنا ما نقل عن آبائه متواتراً، ولا ضير لو كان الراوي جائز الخطأ ولا يختلّ تواتر الخبر وطريقه.(القزويني، النقض: 573 و575).
فان حصل بين الوصي المتصل بالنبي المتصل بالله فترة من الزمان الى وصيّ آخر حفظ تلك الوصية الرجال المؤمنون بشريعة ذلك النبي وايمان ذلك الوصي، ولا يزالون ينقلونها سرّاً الى أن يظهرها الله جهراً.(الفيض، علم اليقين 1: 416)
41 ـ الامام حافظ الشريعة
ويدل ايضاً على وجوب الإمامة بعد التعبد بالشريعة انه قد ثبت وجوب التعبد بشريعة الاسلام ولزوم العمل بها الى انقطاع التكليف فلابد لها والحال هذه من حافظ، لان ما اقتضى وجوب ادائها ـ وهو تمكين المكلفين من الوصول الى العلم بما كلفوه وازاحة علتهم فيه ـ يقتضي وجوب حفظها، وإذا ثبت انه لابد لها من حافظ فليس إلا الامام المعصوم.
وانما قلنا ذلك من حيث انه لا يجوز ان تكون محفوظة بالتواتر لانه انما يوجب العلم اذا وقع وحصل، وقد يجوز أن يترك تعمداً أو لشبهة فلا يقع ولا يحصل، على أنه لا يمتنع فيما قد حصل من ذلك أن يضعف دواعي ناقليه فيقلّ نقله ويصير آحاداً، ومع جواز ما ذكرناه لا يمكن ان يكون التواتر حافظاً لجميع الشريعة، على انا اذا اعتبرنا المتواترة بها وجدناه سيراً من كثير، فكيف يصح مع ذلك القول بكون التواتر حافظاً لجملتها؟ وبهذا يبطل ان تكون محفوظة بالكتاب، على انه يحتاج في اكثر ما تضمنه من العبادات والاحكام الى مترجم ومفسر يقطع بقوله على الحق في المراد بذلك. ولا يجوز ان تكون محفوظة بالاجماع لانه كما يجوز ان يقع يجوز أن يرتفع، فمن أين انه لابد من حصوله في كل حكم، على أنّا نعلم بالاختبار انتفاؤه عن اكثر الشريعة ومعظمها، فكيف يكون حافظاً لجملتها؟ على ان العقل يجيز اجماع الامة على الخطأ وليس في السمع ما يؤمن من ذلك... ولا يجوز ان تكون محفوظة بأخبار الاحاد والقياس، لان التعبد لم يرد بالعمل بهما فيها... فلم يبق الا الامام المعصوم على ما قلناه.(ابن زهرة ـ غنية النزوع 2: 151 ـ 152).
42 ـ الغيبة وبيان الشرع
... فاما حال الغيبة فغير مانعة من المعرفة بالشرع ومن حفظه ايضاً... ولم نقل انا نحتاج الى الامام في كل حال لنعرف الشرع بل لنثق بوصوله الينا، ونحن نثق بذلك في حال الغيبة لعلمنا بانه لو اخل الناقلون منه بشيء يلزمنا لظهر الامام وبين بنفسه عنه.
قال صاحب المغني: (قال شيخنا أبو علي: ان كان الغرض اثبات امام في الزمان وان لم يبلغ ولم يقم بالامور في الامان من انه جبرئيل او بعض الملائكة في السماء ويستغني عن امام في الارض، لان المعنى الذي لاجله يطلب الامام عندكم يقتضي ظهوره، فاذا لم يظهر كان وجوده كعدمه، وكان كونه في الزمان ككون جبرئيل في السماء).
الجواب: لا شك في ان الغرض ليس هو وجود الامام فقط بل امره ونهيه وتصرفه، لان بهذه الامور ما يكون المكلفون من القبيح ابعد والى فعل الواجب اقرب، غير ان الظالمين منعوه مما هو الغرض واللوم فيه عليهم والله المطالب لهم، ولما كان الغرض لا يتم الا بوجوده اوجده الله تعالى وجعله بحيث لو شاء المكلفون ان يصلوا اليه وينتفعوا به لوصلوا وانتفعوا بان يعدلوا عما اوجب خوفه وتقيته فيقع منه الظهور الذي أوجبه الله تعالى عليه مع التمكن، ولما كان المانع من تصرفه وأمره ونهيه غير مانع من وجوده لم يجب من حيث امتنع عليه التصرف بفعل الظلمة أن يعدمه الله تعالى او ألاّ يوجده في الاصل، ولو فعل ذلك لكان هو المانع حينئذ للمكلفين لطفهم....
فجميع ما ذكرناه يفرق بين وجود الامام مع الاستتار وبين عدمه بما تقدم يعلم أيضاً الفرق بينه وبين جبرئيل في السماء، لان الامام اذا كان موجوداً مستتراً كانت الحجة لله تعالى على المكلفين به ثابتة، لانهم قادرون على افعال تقتضي ظهوره... وكل هذا غير حاصل في جبرئيل عليه السلام.(المرتضى ـ الشافي 1: 278، 280).
فاما زمان الغيبة فليس يجب الجهل بمراد الله تعالى كما الزمت، لانا قد علمنا تأويل مشكل الدين ببيان من تقدم من الائمة صلوات الله عليهم الذين لقيتهم الشيعة وأخذت عنهم الشريعة فقد بثوا من ذلك ونشروا ما دعت الحاجة اليه، ونحن آمنون من ان يكون من ذلك شيء لم يتصل بنا هو لكون امام الزمان من وراء الناقلين....(المرتضى، الشافي 1: 307).
الشرع محفوظ مع الغيبة، لانه لو جرى فيه ما لا يمكن العلم به لفقد ادلته وانسداد الطريق اليه لوجب ظهور الامام لبيانه واستداركه... على أن الذي جوزّناه اخيراً ان جوزونا أن يكون بعض الشريعة لم يصل الينا ويكون عنده عليه السلام فلا يجب اسقاط التكليف عنا من حيث أتينا من قبل نفوسنا لفعلنا ما أوجب استتاره وغيبته....(المرتضى، شرح جمل العلم: 232 ـ 233، وللرازي في المنقذ مناقشة مع المرتضى هنا راجع 2: 377 ـ 380).
... واللطف به حاصل وبمكانه ايضاً يثق بوصول جميع الشرع اليه لانه لو لم يصل اليه ذلك لما ساغ له الاستتار الا بسقوط التكليف عنهم، فاذا وجدنا التكليف باقياً والغيبة مستمرة علمنا أن جميع الشرع واصل اليه....(الطوسي ـ الاقتصاد: 369).
43 ـ حفظ الشريعة في حال الغيبة
اما حفظه عليه السلام للشريعة وتبليغها في حال الغيبة، فانها لم تحصل له الا بعد تبليغ آبائه جميع الشريعة الى الخلق وابانتهم عن احكامها، وايداع شيعتهم من ذلك ما يزاح به علة كل مكلف وحفظهم عليهم السلام عليهم في حال وجودهم وحفظه هو عليه السلام بعد فقدهم بكونه من وراء الناقلين واحد المجمعين من شيعته وشيعة آبائه، فقام والحال هذه اجماع العلماء من شيعته وتواترهم بالاحكام عن آبائه مع كونه حافظاً من ورائهم مقام مشافهة الحجة، ووجب على كل مكلف العمل بالشريعة الرجوع الى علماء شيعته والناقلين عن آبائه، لكونه أمناً من الخطأ فيما اجمعوا عليه لكون الحجة المأمون واحداً من المجمعين، وفيما تواتروا به عن الصادقين من آبائه لصحة الحكم المعلوم بالتواتر اسناده الى المعصوم في تبليغه المامون في أدائه وقطع على بلوغه جملة من تعبد به من الشريعة لوجود الحجّة المعصوم المنصوب لتبليغ الملّة، وبيان ما لا يعلم الا من جهته، وامساكه عن النكير فيما أجمعوا عليه وفقد فتياه بخلاف له أو زيادة فيه.
فمن أراد الشريعة في حال الغيبة فالطريق اليها ما ذكرناه والحجة به قائمة، ولا معضل ولا مشكل الاّ وعند العلماء من شيعته منه تواتر، ولهم على الصحيح منه برهان من طلب ذلك ظفر به العلماء من شيعته ومن عدل عنه ورغب عن الحجة مع لزومها له بتخويف شيعته ووضوح الحق على جملة الشريعة وقيام البرهان على جميعها، فالتبعة عليه لتقصيره عما وضح برهان لزومه له والمحنة بينهم وبين منكر ذلك....(ابو الصلاح ـ تقريب المعارف: 444 ـ 445 ونحوه المنقذ للرازي 2: 377 وفيه مناقشة للمرتضى).
وأورد الرازي نحو هذا الكلام في المنقذ 2: 377، وناقش فيه قول المرتضى رحمه الله في أنّه لا يمتنع ان يكون اموراً كثيرة غير واصلة الينا علمها مودع عند الامام وأن كتمها الناقلون، ولا يلزم من هذا سقوط التكليف عن الخلق لانهم السبب في الغيبة... فراجع.
44 ـ ايّ حاجة اليه مع تكميل الشريعة
... انّا قد بينا قبح التكليف العقلي من دون الرئاسة لكونها لطفاً في فعل الواجب وترك القبيح، وقولنا الان بامكان العلم بالتكليف العقلي في حال الغيبة منفصل من حصول اللطف برئاسة الغائب بغير شبهة على متأمل، ولزوم التكليف به لعدوه ووليه في زمان الغيبة لا يقتضي القدح في وجوب وجوده، لان تقدير عدمه يقتضي سقوط تكليفها او ثبوته من دون اللطف، وكذلك قد بينا ان العلم بوصول المكلف الى جملة التكليف الشرعي لا يمكن مع عدم الحجة المنصوص لحفظه، وإن علم احكاماً كثيرة لتجويزه بقاء اكثر ما كلّفه من الشرعيات لم يصل اليه.... ابو الصلاح ـ تقريب المعارف: 447.
45 ـ الغيبة وعدم الوجود وكيفية حصول اللطف
... ان لطف الرئاسة ذو ثلاث شعب: احدها متعلقة بالله تعالى، وهو خلق الرئيس واكمال شروط تكليف الإمامة فيه وتكليفه الامام، والثانية متعلقة بالرئيس نفسه، وهي الانتصاب للامر وقبول أمانة الله عزّ وجلّ فيما كلفه وتحمل اعباء الامامة، والعزم على تنفيذ ما فوّضه الله عزّ وجلّ اليه عند التمكن، والثالثة متعلقة بالرعية التي الرئاسة لطف لها، وهي الانقياد للرئيس والنزول تحت تصرفه... فما يتعلق بالله تعالى من هذه الشعب الثلاثة هو الأصل، لأنه ما لم يخلق الله الرئيس ولم يكلفه الرئاسة... لا يصح ولا يتأتى ما يتعلق بالرئيس من الانتصاب للرئاسة وتحمل أعبائها، وما يتعلق بالرئيس أصل ثان فيما يتعلق بالرعية... فجرى لطف الرئاسة وإن كان واحداً مجرى ثلاثة ألطاف بعضها من فعل الله تعالى، وبعضها من فعل الرئيس، وبعضها من فعل الرعية، واذا كان كذلك فكما اذا علم الله تعالى أنّ بعض افعال المكلف لطف له في افعال اُخر... فإنه لا يحسن أن يكلفه الفعل الملطوف فيه الاّ ويكلفه اللطف الذي هو من فعله ومتعلق به من المعارف، والشرعيات كذلك لا يحسن أن يكلفه ما الرئاسة لطف فيه إلا ويكلفه ما به يتم الرئاسة واللطف المتعلق بها من نصرة الرئيس... ولا يحسن ان يكلفه ما أشرنا اليه من نصرة الرئيس وغيرها، والرئيس معدوم لانه تكليف بما لا يطاق، فعند عدم الرئيس لا يخلو من أن يكلفهم ما يتعلق بهم أو لا يكلفهم ذلك إن كلفهم فقد كلفهم ما لا يطيقونه، وذلك قبيح وإن لم يكلفهم ذلك لم يكن قد أزاح علتهم وذلك ايضاً قبيح، وليس كذلك اذا كان الرئيس موجوداً لأنه يحسن مع وجوده أن يكلف الرعيّة ما يتعلق بهم مما لا تتم الرئاسة الا به من حيث أنّ مع وجود الرئيس يتأتى منهم ويصح ما ذكرناه، فاذا لم يفعلوا ما يجب عليهم في ذلك فقد أتوا من قبل نفوسهم في فوات لطفهم بالرئاسة ويكون اللوم راجعاً اليهم لا اليه تعالى، لأنه عزّ وجلّ يكون قد أزاح علتهم وجرى ذلك مجرى من كلفه الله سبحانه المعارف فلم يحصلها....(الرازي، المنقذ 2: 254 ـ 256).
لا يقال: تصرف الإمام إن كان شرطاً في كونه لطفاً وجب على الله تعالى فعله وتمكينه وإلا فلا لطف، لانا نقول: إن تصرفه لابد منه في كونه لطفاً، ولا نسلم انه يجب عليه تعالى تمكينه، لانّ اللطف إنما يجب اذا لم يناف التكليف، وخلق الله تعالى الاعوان للامام ينافي التكليف، وإنما لطف الإمامة يحصل ويتم بامور: منها خلق الإمام وتمكينه بالقدر والعلوم والنص عليه باسمه ونسبه، وهذا يجب عليه تعالى وقد فعله، ومنها تحمله للإمامة وقبوله، وهذا يجب على الامام وقد فعله، ومنها النصرة للإمام والذب عنه وامتثال أوامره وقبول قوله، وهذا يجب على الرعية.(العلامة الحلي، مناهج اليقين: 446).
46 ـ الفرق بين الغيبة وعدم الوجود
فان قيل: أي فرق بين وجوده غائباً لا يصل إليه احد ولا ينتفع به بشر وبين عدمه؟ وإلا جاز أن يعدمه الله تعالى حتى اذا علم ان الرعية تمكنه وتسلم له أوجده، كما جاز ان يبيحه الاستتار حتى يعلم منهم التمكين له فيظهره، واذا جاز أن يكون الاستتار سببه أخافة الظالمين فألا جاز ان يكون الإعدام سببه ذلك بعينه؟
قيل: ما يقطع على أن الامام لا يصل اليه احد ولا يلقاه لان هذا الامر مغيب عنا، وهو موقوف على الشك والتجويز والفرق بعد هذا ـ بين وجوده غائباً من أجل التقية وخوف الضرر من اعدائه، وهو في اثناء ذلك متوقع ان يمكنوه ويزيلوا خيفته فيظهر ويقوم بما فوّض اليه من امورهم وبين ان يعدمه الله تعالى ـ جليّ واضح: لانه اذا كان معدوماً كان ما يفوت العباد من مصالحهم ويعدمونه من مراشدهم ويحرمونه من لطفهم وانتفاعهم به منسوباً اليه تعالى، ومغصوباً لا حجة فيه على العباد ولا لوم يلزمهم ولا ذم، واذا كان موجوداً مستتراً بإخافتهم له كان ما يفوت من المصالح ويرتفع من المنافع منسوباً الى العباد وهم الملومون عليه المؤاخذون به، فاما الاعدام فلا يجوز أن يكون سببه اخافة الظالمين، لانّ العباد قد يلجىء بعضهم بعضاً الى افعاله.
على أنّ هذا ينقلب عليهم في استتار النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيقال لهم: ايّ فرق بين وجوده مستتراً وبين عدمه؟ فايّ شيء قالوا في ذلك أجبناهم بمثله، وليس لهم أن يفرقوا بين الأمرين بان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما استتر من كل احد وإنما استتر من أعدائه وإمام الزمان عليه السلام مستتر من الجميع، وذلك ان النبي لما استتر في الغار كان مستتراً من أوليائه وأعدائه ولم يكن معه الا ابو بكر وحده، وقد كان يجوز عندنا وعندكم أن يستتر بحيث لا يكون معه احد من وليّ ولا عدو اذا اقتضت المصلحة ذلك، واذا رضوا لانفسهم بهذا الفرق قلنا مثله، لانا قد بينا أن الإمام يجوز أن يلقاه في حال الغيبة جماعة من أوليائه وأن ذلك مما لا يقطع على فقده.(المرتضى، المقنع: 55 ـ 57، نحوه باختصار الشافي 1: 145، وتنزيه الانبياء: 235، رسالة في الغيبة: 533).
... ولا يلزم على جواز الغيبة جواز عدمه، لانه لو كان معدوماً لما امكننا طاعته ولا تمكينه فلا يكون علتنا مزاحة، واذا كان موجوداً امكننا ذلك، فاذا لم يظهر تكون الحجة علينا، واذا كان معدوماً تكون الحجة على الله تعالى... فالوجود (الوجوب) أصل لتمكيننا اياه، ولا يمكن حصول الفرع بلا حصول الأصل واولياء الامام ومن يعتقد طاعته فاللطف بمكانه حاصل لهم في كل وقت عند كثير من اصحابنا، لانهم يرتدعون لوجوده من كثير من القبائح، ولانهم لا يأمنون كل ساعة من ظهوره وتمكينه فيخافون تأديبه... بل ربما كانت الغيبة ابلغ لانّ معها يجوز أن يكون حاضراً فيهم مشاهداً لهم....(الطوسي، الاقتصاد: 300، 301).
تصرف الامام وامره ونهيه متى ارتفع لا يلزم على ذلك سقوط التكليف، لانه انما ارتفع لعلة ترجع الى المكلفين، وهم قادرون على ازاحتها، وهي اخافتهم وظلمهم اياه وتغلبهم على موضعه... وليس كذلك وجوده لأنه متى لم يكن موجوداً لم يتمكنوا من ايجاده ولم يقدروا على تحصيله يكونوا قد أتوا في لطفهم من قبل الله تعالى....(الطوسي، تلخيص الشافي 1: 80).
إن الفرق بين عدمه وغيبته ظاهر لوجود اللطف في غيبته دون عدمه.(ابن ميثم، قواعد المرام: 191).
47 ـ الفرق بين الغيبة والانعدام
ان قيل: ايّ فرق بين الغيبة وبين عدم وجود الامام؟
قلنا: ان المقصود بهذا السؤال الزامنا تجويز كون امام زماننا هذا معدوماً بدلاً من كونه غائباً وهذا غير لازم لانه ينتفع به في حال غيبته جميع شيعته والقائلين بامامته وينزجرون بمكانه وهيبته من القبائح، فهو لطف لهم في حال الغيبة كما يكون لطفاً في حال الظهور... وهم ايضاً منتفعون به من وجه آخر لانه يحفظ عليهم الشرع وبمكانه يتقون، بأنه لم يكتم من الشرع ما لم يصل اليهم واذا كان معدوماً فات هذا كله، وهذه الجملة تفسد مقصود المخالفين في هذا السؤال لكنا نجيب عنه على كل حال اذا بني على التقدير، وقيل: اجيزوا في زمان غير هذا الزمان ان يعدم الامام اذا لم يكن من الظهور والتدبير، ونفرض ان احداً لم يقر بامامته فينتفع به وإن كان غير ظاهر الشخص له فنقول: انتفاع الأمة من الامام لا يتم الا بامور من فعله تعالى فعليه ان يفعلها وامور من جهة الامام عليه السلام فلابد ايضاً من حصولها وامور من جهتنا فيجب على الله تعالى ان يكلفنا فعلها ويجب علينا الطاعة فيها.
والذي من فعله تعالى هو ايجاد الامام وتمكينه بالقدر والالات والعلوم من القيام بما فوّض اليه والنص على عينه والزامه القيام بأمر الامة، وما يرجع الى الامام فهو قبول هذا التكليف وتوطينه نفسه على القيام به، وما يرجع الى الامة هو تمكين الامام من تدبيرهم ورفع الحوائل والموانع من ذلك ثم طاعته والانقياد له او التصرف على تدبيره، فما يرجع الى الله تعالى هو الاصل والقاعدة فلا تقدمه وتمهده وتتلوه ما يرجع الى الامام وتتلوا الامرين ما يرجع الى الامة، فمتى لم يتقدم الاصلان الراجعان الى الله والى الامام نفسه لم يجب على الامة ما قلنا انه يجب عليهم ما هو فرع الاصلين ليس يخرج ما ذكرناه، وقلنا انه اصل في هذا الباب وواجب فعله من كونه اصلاً، ومن وجوب التقديم اخلال الامة بما يجب عليها والعلم بانها تطيع او تعصى فيجب على كل حال ان يكون الامام موجوداً مزاح العلة في القدر والعلوم وما جرى مجراها... على أن الامام بهذا الفرض الذي فرضوه وإن كان معدوماً في حكم الوجود، لانه تعالى اذا أعلم الامة ودلها على أنه يوجد الامام لا محالة متى مكنوه وازالوا خوفه وإن كانوا مكلفين بالشريعة ثم انطوى عنهم منها شيئاً وجده في الحال ليتزحم عنه فالامام كالموجود بل مع هذه العناية منه تعالى والتقدير المفروض الامام هو...(المرتضى، الذخيرة: 419 ـ 420، عنه تلخيص الشافي للطوسي 1: 96ـ 97).
48 ـ عدم سقوط التكليف في الغيبة
... لا يلزم اذا كان الامام غائباً ان يسقط التكليف عنّا، لانّا اتينا من قبل نفوسنا بأن أخفناه وأحوجناه الى الاستتار ولو اطعناه ومكناه لظهر وتصرف فحصل اللطف، وكل من لم يظهر له الامام فلابد ان تكون العلة ترجع اليه، لأنه لو رجع إلى غيره لأسقط الله تكليفه، وفي بقاء التكليف عليه دليل على أن الله تعالى ازاح علته وبين له ما هو لطف له فعل هو أم لم يفعل، كما نقول ان الصلاة لطف لكل مكلف فمن لم يصل لم يجب سقوط تكليفه، لانه اتى من قبل نفسه وكذلك ها هنا.(الشيخ الطوسي ـ الاقتصاد: 300، وتلخيص الشافي 1: 80).
... وإن من اصحابنا من قال: أنه لا يلزم اسقاط التكليف عن الشيعة لان لطفهم حاصل بالامام وإن كان غائباً، ألا ترى انهم اذا اعتقدوا إمامته واعتقدوا أنهم لا حال من الاحوال الا ويجوز أن يظهر ويتمكن من التصرف... فهم يخافون تأديبه وردعه وإن كان غائباً....(الطوسي ـ تلخيص الشافي 7: 93).
49 ـ الغيبة (كيفية اقامة الحدود)
فان قيل: فالحدود في حال الغيبة ما حكمها؟ فان سقطت عن فاعلي ما يوجبها فهذا اعتراف بنسخ الشريعة، وإن كانت ثابتة فمن يقيمها مع الغيبة؟
قلنا: الحدود المستحقة ثابتة في جنوب الجناة بما يوجبها من الافعال، فان ظهر الامام والمستحق لهذه الحدود باق أقامها عليه بالبينة او الاقرار، وإن فات ذلك بموته كان الاثم في تفويت اقامتها على من اخاف الامام وألجأه الى الغيبة، وليس هذا بنسخ لاقامة الحدود، لان الحد أنّما تجب اقامته مع التمكن وزوال الموانع ويسقط مع الحيولة، وانما يكون ذلك نسخاً لو سقط فرض اقامة الحد مع التمكن وزوال الاسباب المانعة من اقامته.
ثم يقلب هذا عليهم فيقال لهم: كيف قولكم في الحدود التي تستحقها الجناة في الاحوال التي لا يتمكن فيها أهل الحل والعقد من اختيار الامام ونصبه، فايّ شيء قالوه في ذلك قيل لهم مثله.(المرتضى، المقنع: 58، نحوه الشافي 1: 280، نحوه باختصار شرح جمل العلم للمرتضى: 231، وتنزيه الانبياء: 236. والطوسي، تلخيص الشافي 4: 218، والمنقذ للرازي 2: 376، ورسالة في الغيبة للمرتضى: 533).
... والتمسك بانّ الحدود زمان الغيبة، اما أن لا تسقط فتحتاج الى ظهوره او تسقط وهو نسخ للشريعة باطل، لانّ الحدود ثابتة في جنوب مستحقيها، فان ادركهم ظهوره استوفاها والا فأمرهم الى الله واثمهم على المخيف له.(ابراهيم بن نوبخت، الياقوت: 78، 79).
فامّا ما شرط القيام من الشرعيات وجوده كالحدود وغيرها من الاحكام فانها لا تسقط لغيبته، بل تكون باقية في جنب من استحقت عليه، فان ظهر والحق عليه باق استوفاه، والا كان اللوم على من كان سبب خوفه.(المحقق الحلي، المسلك: 283).
... وما يستلزمه من تعطيل الحدود والاحكام عليهم (أي على الامة المسببة للغيبة)....(ابن ميثم، قواعد المرام: 191).
... مع أنّ ما في الغيبة من الخيرات والحكم ـ من تضاعف مثوبات المؤمنين بها المصدقين بوجود الامام في اعمالهم الصالحات ـ ما يسهل معها فوات اقامة الحدود ونحوها.(الفيض، علم اليقين 1: 376).
50 ـ ايصال الحقوق اليه
قالوا: كيف يمكن الغاصب التوبة وهي بتسليم حقه اليه مع غيبته؟
قلنا: يكفيه خروج الغصب من يده والوصاءة لكل احد به وشهرة أمره.(البياضي، الصراط المستقيم 2: 223).
51 ـ كيفية احقاق الحقوق وارشاد الضال في الغيبة
واما تنفيذه عليه السلام الاحكام وردع الجناة باليد العالية واقامة الحدود وجهاد الاعداء فساقط (عنه) عليه السلام لتقيته وقصور يده باخافة الظالمين له واعوانهم، ولا تبعة عليه في شيء من ذلك لوقوف فرضه على التمكن منه باتفاق، بل التبعة فيه على مخيفه ومسبب ضعفه عن القيام... واما ارشاد الضال عن الحق اليه فالادلة على التكليف العقلي ثابتة والتخويف من ترك النظر فيها حاصل، والبراهين على الحق من التكليف الشرعي قائمة، والتخويف من الاعراض ثابت ظاهر وان كان الحجة غائباً.
فمن ضل عن تكليف عقلي أو شرعي والحال هذه اُتي من قبل نفسه ولم يجب على الامام ارشاده لكونه قادراً على النظر في ادلة المعارف ومستطيعاً لتأمل فتيا الشيعة، وما يستند اليه من وجود الحجة المعصوم من ورائهم وفرض النظر في ذلك مضيق عليه بالتخويف الشديد من تركه، فلو فعل كل مكلف ما يجب عليه منه لعلم ما يلزم من تكليفه عقلاً وسمعاً، ولما لم يفعل فالحجة لازمة له، ولا عذر له في تقصيره عمّا يجب عليه علمه وعمله وان كان الامام غائباً.
واما حقوق الاموال الواجب حملها اليه ففرض قبضها وتصرفها في وجوهها موقوف على تمكنه عليه السلام من ذلك ومع عدم التمكين له التبعة على مسبب هذا المنع ولا تبعة عليه....(ابو الصلاح، تقريب المعارف: 445، 447).
... والحدود المستحقة في حال الغيبة في جور أصحابها والذم لاحق بمن أحوج الامام الى الغيبة....(الطوسي، الاقتصاد: 371).
52 ـ الغيبة (كيفية اصابة الحق)
فان قيل: كيف السبيل مع غيبة الامام الى اصابة الحق؟ فإن قلتم: لا سبيل اليه فقد جعلتم الناس في حيرة وضلالة وريب في سائر امورهم، وان قلتم: يصاب الحق بادلته قيل لكم: هذا تصريح بالاستغناء عن الامام بهذه الادلة ورجوع الى الحق.
قلنا: الحق على ضربين: عقلي وسمعي، فالعقلي يصاب بأدلته ويدرك بالنظر فيها والسمعي عليه ادلة منصوبة من اقوال النبي عليه السلام ونصوصه وأقوال الأئمة من ولده عليهم السلام، وقد بينوا ذلك وأوضحوه ولم يتركوا منه شيئاً لا دليل عليه، غير ان هذا وان كان على ما قلناه فالحاجة الى الامام ثابتة لازمة، لان جهة الحاجة اليه المستمرة في كل زمان، وعلى كل وجه هي كونه لطفاً لنا في فعل الواجب وتجنب القبيح وهذا مما لا يغني عنه شيء ولا يقوم مقامه فيه غيره، فاما الحاجة اليه المتعقلة بالسمع والشرع فهي ايضاً ظاهرة، لان النقل وان كان وارداً عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعن آباء الامام عليهم السلام بجميع ما يحتاج اليه في الشريعة فجائز على الناقلين أن يعدلوا عن النقل اما اعتماداً او اشتباهاً فينقطع النقل او يبقى فيمن ليس نقله حجة، فيحتاج حينئذ الى الامام ليكشف ذلك ويوضحه ويبين موضع التقصير فيه، فقد بان ان الحاجة ثابتة على كل حال وإن امكنت اصابة الحق بأدلته.
فان قيل: أرأيتم ان كتم الناقلون بعض مهمّ الشريعة واحتيج الى بيان الامام ولم يعلم الحق الا من جهته وكان خوفه القتل من اعدائه مستمراً كيف يكون الحال؟ فأنتم بين ان تقولوا: انه يظهر وإن خاف القتل فيجب على هذا أن يكون خوف القتل غير مبيح للغيبة ويجب ظهوره على كل حال، أو تقولوا: لا يظهر ويسقط التكليف في ذلك الشيء المكتوم عن الأمّة فتخرجوا بذلك من الاجماع لان الاجماع منعقد، على ان كل شيء شرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأوضحه فهو لازم للأمة الى ان تقوم الساعة، وان قلتم: ان التكليف لا يسقط صرحتم بتكليف ما لا يطاق وايجاب العلم بما لا طريق اليه.
قلنا: قد أجبنا عن هذا السؤال وفرعناه... في الشافي وجملته ان الله تعالى لو علم أنّ النقل لبعض الشريعة المفروضة ينقطع في حال تكون تقية الامام فيها مستمرة وخوفه من الاعداء باقياً لاسقط ذلك التكليف عمن لا طريق له اليه، واذا علمنا بالاجماع الذي لا شبهة فيه أن تكليف الشرائع مستمر ثابت على جميع الامة الى أن تقوم الساعة ينتج لنا هذا العلم انه لو اتفق ان ينقطع النقل بشيء من الشرائع لما كان ذلك الا في حال يتمكن فيها الامام من الظهور والبروز والاعلام والانذار.(المرتضى، المقنع: 59، 61، نحوه تنزيه الانبياء: 236، 237، والطوسي، تلخيص الشافي 4: 218).
53 ـ عدم الحاجة اليه عند اصابة الحق
ان قيل: فحال غيبته إن أمكن الوصول الى الحق بغيره استغنى عنه وإن امتنع كان الناس في حيرة لاجله.
قلنا: النظر كاف في العقليات، والاصول المتواترة والقواعد التي ألقوها الى الناس كافية في السمعيات، فاذا انقطعت فان ظهر فلا كلام والا كان اللوم على من أخاف الامام، على انّا اذا علمنا امامته من الايات والروايات لم تقدح فيها هذه الايهامات الواهيات.(البياضي، الصراط المستقيم 2: 244).
54 ـ امكان استخلاف الامام لغيره في الغيبة والظهور
فاما ما مضى في السؤال من ان الامام اذا كان ظاهراً متميزاً وغاب عن بلد فلن يغيب عنه الا بعد أن يستخلف عليه من يرهب كرهبته؟ فقد ثبت ان التجويز في حال الغيبة لان يكون قريب الدار منا مخالطاً لنا كاف في قيام الهيبة وتمام الرهبة.
لكننا ننزل على هذا الحكم فنقول: ومن الذي يمنع من قال بغيبة الامام من مثل ذلك، فنقول: ان الامام لا يبعد في اطراف الارض الا بعد أن يستخلف من اصحابه واعوانه فلابد من ان يكون له، وفي صحبته اعوان واصحاب على كل بلد يبعد عنه من يقوم مقامه في مراعاة ما يجري من شيعته فان جرى ما يوجب تقويماً ويقتضي تأديباً تولاه هذا المستخلف كما يتولاه الامام بنفسه.
فاذا قيل: وكيف يطاع هذا المستخلف ومن أين يعلم الولي الذي يريد تأديبه أنه خليفة الامام؟
قلنا: بمعجز يظهره الله تعالى على يده، فالمعجزات على مذاهبنا تظهر على ايدي الصالحين فضلاً عمن يستخلفه الامام ويقيمه مقامه.
فان قيل: انما يرهب خليفة الامام مع بعد الامام اذا عرفناه وميزناه.
قيل: قد مضى من هذا الزمان ما فيه كفاية، واذا كنا نقطع على وجود الامام في الزمان والمراعاة لامورنا فحاله عندنا منقسمة الى امرين لا ثالث لهما: اما أن يكون معنا في بلد واحد فيراعي امورنا بنفسه ولا يحتاج الى غيره، أو بعيداً عنا فليس يجوز مع حكمته ان يبعد الا بعد أن يستخلف من يقوم مقامه كما يجب أن يفعل لو كان ظاهر العين متميّز الشخص، وهذه غاية لا شبهة بعدها.(المرتضى: 81، 82).
55 ـ الفرق بين الغيبة والظهور في الانتفاع بالامام
فان قيل: هذا (أي امكان استخلاف الامام لغيره في الغيبة والظهور) تصريح منكم بانّ ظهور الامام كاستتاره في الانتفاع به والخوف منه ونيل المصالح من جهته وفي ذلك ما تعلمون.
قلنا: انا لا نقول ان ظهوره في المرافق ـ به ـ والمنافع كاستتاره، وكيف نقول ذلك وفي ظهوره وانبساط يده وقوّة سلطانه انتفاع الولي والعدو والمحب والمبغض؟ وليس ينتفع به في حال الغيبة ـ الانتفاع الذي اشرنا اليه ـ الا وليه دون عدوه، وفي ظهوره وانبساطه ايضاً منافع جمة لأوليائه وغيرهم لانه يحمي بيضتهم ويسد ثغورهم ويؤمن سبلهم فيتمكنون من التجارات والمكاسب والمغانم ويمنع من ظلم غيرهم فتتوفر اموالهم وتدر معايشهم إلى أن هذهِ منافع دنياوية لا يجب ـ اذا فاتت بالغيبة ـ أن يسقط التكليف معها والمنافع الدينية الواجبة في كل حال بالامامة قد بينا انها ثابتة مع الغيبة فلا يجب سقوط التكليف لها.
ولو قلنا وان كان ذلك ليس بواجب: ان انتفاعهم به على سبيل اللطف في فعل الواجب والامتناع من القبيح ـ وقد بينا ثبوته في حال الغيبة ـ يكون اقوى في حال الظهور للكل وانبساط اليد في الجميع لجاز، لان اعتراض ما يفوت قوة اللطف مع ثبوت اصله لا يمنع من الانتفاع به على الوجه الذي هو لطف فيه ولا يوجب سقوط التكليف.
فان قيل: ألا جوّزتم أن يكون اولياؤه غير منتفعين به في حال الغيبة، الاّ انّ الله تعالى يفعل لهم من اللطف في هذه الاحوال ما يقوم في تكليفهم مقام الانتفاع بالامام كما قاله جماعة من الشيوخ في اقامة الحدود اذا فاتت فان الله تعالى يفعل ما يقوم مقامها في التكليف.
قلنا: قد بينا ان اولياء الامام ينتفعون به في احوال الغيبة على وجه لا مجال للريب عليه وبهذا القدر يسقط السؤال، ثم يبطل من وجه آخر، وهو أنّ تدبير الامام وتصرفه واللطف لرعيته به مما لا يقوم عندنا شيء من الامور مقامه، لولا انّ الامر على ذلك لما وجبت الامامة على كل حال وفي كل مكلف، ولكان تجويزنا قيام غيرها مقامها في اللطف يمنع من القطع على وجوبها في كل الازمان، وهذا السؤال طعن في وجوب الامامة فكيف نتقبله ونسأل عنه في علة الغيبة؟ وليس كذلك الحدود لانها اذا كانت لطفاً ولم يمنع دليل عقلي ولا سمعي من جواز نظير لها وقائم في اللطف مقامها جاز ان يقال: ان الله تعالى يفعل عند فوتها ما يقوم مقامها وهذا على ما بيناه فلا يتأتى في الامامة.(المرتضى، المقنع: 82، 84).
56 ـ المهدي
قال القاضي: (... فيجب على زعمكم اذا لم يظهر الامام حتى يزول النقص به أن يكون الحال فيه كالحال ولا حجة في الزمان لان النقص لا يزول بوجود الامام وانما يزول بما يظهر منه ويعلم من قبله، وهذا يوجب عليهم في هذا الزمان، وفي كثير من الازمنة ان يكون المكلف معذوراً والتكليف ساقطاً....) (المغني 20 ق1 / 58).
فيقال له: ليس يجب اذا لم يظهر الامام ففات النفع به يكون الحال عند عدم ظهوره كالحال عند عدم عينه، لانّه اذا لم يظهر لاخافة الظالمين له، ولانهم احوجوه الى الغيبة والاستتار كانت الحجة في فوت المصلحة به عليهم، فكانوا هم المانعين انفسهم من الانتفاع به، واذا عدمت عين الامام ففات المكلفين الانتفاع به كانت الحجة في ذلك على من فوتهم النفع به وهو القديم تعالى، واذا وجب ازاحة علل المكلفين عليه تعالى علمنا انه لابد من أن يوجد امام ويأمر بطاعته والانقياد له سواء علم وقوع الطاعة من المكلفين او علم أنهم يخيفونه ويلجئونه الى الغيبة، وهذا بخلاف ما ظنه من كون المكلفين معذورين او سقوط التكليف عنهم.
فان قال: ان كان المكلفون غير معذورين وقد اخافوا الامام على دعواكم وأحوجوه الى السكوت بحيث لا ينتفعون به ولا يصلون الى مصالحهم من جهته، فيجب أن يسقط عنهم التكليف الذي أمر الامام به ونهيه وتصرفه لطف فيه لانهم ما فعلوه، وقد منعوا من هذا اللطف وجروا في هذا الوجه مجري من قطع رجل نفسه في أن تكليفه بالصلاة قائماً لا يلزمه ويجب سقوطه عنه، ولا يفرق في سقوط التكليف حال قطعه لرجل نفسه وقطع الله تعالى لها.
قيل له: ليس يشبه حال المكلفين المانعين للامام من الظهور والقيام بأمر الامامة بحال القاطع لرجل نفسه في سقوط تكليف الصلاة مع القيام عنه بأنّ من قطع رجل نفسه قد أخرج نفسه عن التمكن من الصلاة قائماً، لانه لا وصول الى هذه الصلاة بشيء من افعاله ومقدوراته، وليس كذلك حال الظالمين والمخيفين للامام، لانهم قادرون ومتمكنون من ازالة اخافته وما أحوجه الى الغيبة، ويجرون في هذا الوجه مجرى من شد رجل نفسه في أن تكليفه للصلاة قائماً لا يسقط عنه، وإن كان في حال شدها غير متمكن من الصلاة، لانه قادر على ازالة الشد فيصح منه فعل الصلاة.(المرتضى، الشافي 1: 144، 146).
57 ـ الفرق بين استتار النبي واستتار الامام
فان قيل: النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما استتر عن قومه الا بعد ادائه اليهم ما وجب اداؤه ولم تتعلق بهم اليه حاجة، وقولكم في الامام بخلاف ذلك، ولانّ استتاره صلى الله عليه وآله وسلم ما تطاول ولا تمادي، واستتار امامكم قد مضت عليه العصور وانقضت دونه الدهور.
قلنا: ليس الامر على ما ذكرتم، لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنما استتر في الشعب والغار بمكة وقبل الهجرة وما كان أدى جميع الشريعة، فان اكثر الاحكام ومعظم القرآن نزل بالمدينة، فكيف ادعيتم انه كان بعد الاداء؟ ولو كان الامر على ما زعمتم من تكامل الاداء قبل الاستتار لما كان ذلك رافعاً للحاجة الى تدبيره عليه السلام وسياسته وامره في امته ونهيه، ومن هذا الذي يقول: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد اداء الشرع غير محتاج اليه ولا مفتقر الى تدبيره الا معاند مكابر؟ واذا جاز استتاره عليه السلام مع تعلق الحاجة اليه لخوف الضرر وكانت التبعة في ذلك لازمة لمخيفيه ومحوجيه الى التغيب سقطت عنه اللائمة، وتوجهت الى من احوجه الى الاستتار وألجأه الى التغيب، وكذلك القول في غيبة امام الزمان عليه السلام.
فاما التفرقة بطول الغيبة وقصرها فغير صحيحة، لانه لا فرق في ذلك بين القصير المنقطع وبين الممتد المتمادي، لانه اذا لم يكن في الائمة على المستتر اذا أحوج اليه جاز أن يتطاول سبب الاستتار كما جاز أن يقصر.(المرتضى، المقنع: 53، 54، تلخيص الشافي للطوسي 4: 216، ونحوه المنقذ للرازي 2: 374 ـ 375، ورسالة في الغيبة للمرتضى ايضاً (كلمات المحققين: 532)).
وليس لهم ان يقولوا: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما استتر من كل احد وانما استتر من أعدائه وامام الزمان مستتر عن الجميع، لانا قد بينا انا لا نقطع على أنه مستتر عن جميع اوليائه والتجويز في هذا الباب كاف، على ان النبي لما استتر في الغار كان مستتراً من اوليائه واعدائه ولم يكن معه الا ابي بكر وحده، وقد كان يجوز أن يستتر بحيث لا يكون معه أحد من ولي ولا عدو اذا اقتضت المصلحة.(الطوسي، تلخيص الشافي 4: 217).
لا يقال: النبي عليه السلام استتر يسيراً وليس كذلك حال غيبة امامكم، لانا نقول: التفاوت غير مؤثر في واحد من الحالين اذ تفوت مصالح دينية فاذا جاز تفويت المصالح مع الخوف وقصر المدة جاز مع تطاولها.(المحقق الحلي، المسلك: 282).
ان قيل: انما استتر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أداء ما وجب عليه فلا ضرورة حينئذٍ اليه، قلنا: ومن الذي يسوغ استغناء، الأمة عن النبي حال ستره، واكثر الاحكام انما ظهرت بعد خروجه عن غاره.
قالوا: غيبة النبي قصيرة غير ضائرة وغيبة مهديكم طويلة وهي ضائرة، قلنا: لا فرق بين طول الغيبة وقصرها اذا استمر سببها.(البياضي، الصراط المستقيم 2: 244).
على أن جميع ما يسألون عنه في استتار صاحب الزمان عليه السلام ينقلب عليهم في استتار النبي صلى الله عليه وآله وسلم فانه استتر في الشعب تارة وفي الغار اخرى، فمهما اجابوا عن ذلك قوبلوا بمثله، وليس لهم أن يفرقوا بين الامرين بان استتار النبي كان مدة يسيرة، وكان بعد اداء الشرع وارتفاع الحاجة اليه فيه، ولم يكن من كل احد، وانما كان من الاعداء خاصة، وليس كذلك استتار الامام، لان الاستتار اذا جاز لعلة فلا فرق بين طول المدة وقصرها وجاز دوام الاستتار لدوام العلة، لان المراعي ثبوت العلة وزوالها على أن الاستتار في الشعب قد دام ثلاث سنين على ما نقله الرواة، وقولهم: ان استتاره كان بعد اداء الشرع باطل، لان ذلك انما كان بمكة وقبل الهجرة، ومعظم القرآن والشرع نزل بالمدينة على أن مع تسليم ذلك يلزمهم السؤال، لان في ظهوره وامره ونهيه وتصرفه لطفاً ومصلحة للمكلفين بلا شبهة، فكيف جاز استتاره مع تعلق الحاجة به؟ وجوابهم عن ذلك هو جوابنا في استتار صاحب الزمان بعينه، وقولهم: استتار النبي لم يكن عن اوليائه غير صحيح، لان استتاره في الغار كان عن اوليائه واعدائه ولم يكن معه سوى ابو بكر، على انّه قد كان يجوز بلا خلاف أن يستتر عن كل احد اذا اقتضت المصلحة ذلك.(ابن زهرة ـ غنية النزوع 2: 219 ـ 220).
58 ـ علمه بما يجري واقامة الحدود وبقاء اللطف
فان قيل: ومن اين يعلم الامام في حال الغيبة والاستتار بوقوع القبائح من شيعته حتى يخافوا تأديبه عليها، وهو في حال الغيبة ممن لا يقر عنده مقر ولا يشهد لديه شاهد وهل هذا الا تعليل باطل؟
قلنا: ما المتعلل بالباطل الا من لا ينصف نفسه... فاما معرفة الامام بوقوع القبائح من بعض اوليائه فقد يكون من كل الوجوه التي يعلم منها وقوع ذلك منهم وهو ظاهر نافذ الامر باسط اليد، فمنها انه قد يجوز أن يشاهد ذلك فيعرفه بنفسه، وحال الظهور في هذا الوجه كحال الغيبة بل حال الغيبة أقوى، لانّ الامام اذا لم تعرف عينه ويميز شخصه كان التحرز من مشاهدته لنا على بعض القبيح أضيق وأبعد، ومع المعرفة له بعينه يكون التحرز اوسع وأسهل ومعلوم لكل عاقل الفرق بين الامرين، لانا اذا لم نعرفه جوزنا في كل من نراه ولا نعرف نسبه انه هو حتى انّا لا نأمن ان يكون بعض جيراننا واضيافنا او الداخلين والخارجين الينا وكل ذلك مرتفع مع المعرفة والتمييز، واذا شاهد الامام منّا قبيحاً يوجب تأديباً وتقويماً ادّب عليه وقوم ولم يحتج الى اقرار وبينة لانهما يقتضيان غلبة الظن والعلم أقوى من الظن.
ومن الوجوه ايضاً: البينة، والغيبة ايضاً لا تمنع من استماعها والعمل بها لانه يجوز ان يظهر على بعض الفواحش من أحد شيعته العدد الذي تقوم به الشهادة عليها ويكون هؤلاء العدد ممن يلقى الامام ويظهر له، فقد قلنا: انا لا نمنع من ذلك وان كنا لا نوجبه، فاذا شهدوا عنده بها ورأى اقامة حدّها تولاه بنفسه او بأعوانه، فلا مانع له من ذلك ولا وجه يوجب تعذره.
فان قيل: ربما لم يكن من شاهد هذه الفاحشة ممن يلقى الامام فلا يقدر على اقامة الشهادة؟ قلنا: نحن في بيان الطرق الممكنة المقدّرة في هذا الباب لا في وجوب حصولها، واذا كان ما ذكرناه ممكناً فقد وجب الخوف والتحرز وتم اللطف، على ان هذا بعينه قائم مع ظهور الإمام وتمكنه، لأن الفاحشة يجوز أولاً أن يشاهدها من يشهد بها ثم يجوز أن يشاهدها من لا عدالة له فلا يشهد وإن شهد لم تقبل شهادته، وإن شاهدها من العدول من تقبل مثل شهادته يجوز أن لا يختار الشهادة... ومع ذلك كله فالرهبة قائمة والحذر ثابت ويكفي التجويز دون القطع. فاما الإقرار فيمكن أيضاً مع الغيبة، لان بعض الاولياء الذين ربما ظهر لهم الإمام قد يجوز أن يواقع فاحشة فيتوب منها، ويؤثر التطهير له بالحد الواجب فيها فيقرّ بها عنده، فقد صارت الوجوه التي تكون مع الظهور ثابتة في حال الغيبة.
فان قيل: أليس ما احد من شيعته الا وهو يجوّز أن يكون الامام بعيد الدار منه، وأنّه يحلّ اما المشرق او المغرب فهو آمن من مشاهدته له على معصيته او أن يشهد بها عليه شاهد، وهذا لا يلزم مع ظهور الامام والعلم ببعد داره، لانه لا يبعد من بلد الا ويستخلف فيه من يقوم مقامه ممن يرهب ويخشى ويتقى انتقامه؟
قلنا: كما لا احد من شيعته الا وهو يجوز بعد محل الامام عنه، فكذلك لا احد منهم الا وهو يجوز كونه في بلده وقريباً من داره وجواره والتجويز كاف في وقوع الحذر وعدم الامان، وبعد فمع ظهور الامام وانبساط يده ونفوذ أمره في جميع الامة لا أحد من مرتكبي القبائح الا وهو يجوز خفاء ذلك على الامام ولا يتصل به، ومع هذا فالرهبة قائمة واللطف بالإمام ثابت، فكيف ينسى هذا من يلزمنا بمثله مع الغيبة؟.(المرتضى، المقنع: 77 ـ 80).
59 ـ الاستتار عن المخالفين
فاما المخالف فسبب استتاره عنه اعتقاده بطلان امامته، وأن من ادعى هذا المنصب ممن أشرنا اليه صار مضلاً، ولا يحتاج أن يخرج علة في الاستتار عنه.(الطوسي، الاقتصاد: 369).
60 ـ المعجزة مختصه بالرسل
شبهة: الامامية اضطرت عند قولهم بالغيبة في اثبات الاعلام بالمعجزات لامامهم عند ظهوره، اذ لا يعرفه احد بشخصه عند ظهوره، وانما يصل الى معرفته بمعجزة تدل على صدقه، وهذا اخراج للايات عن دلائلها، وفي ذلك افساد لادلة النبوة واعلام الرسالة وذلك باطل باتفاق اهل الملة كلّها.(الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 50، 121).
61 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
جواب نقضي لشبهة فائدة الغيبة وامكانها:
ليست غيبة الامام المهدي بدعاً في تاريخ الاولياء. فهذا موسى بن عمران، قد غاب عن قومه قرابه اربعين يوماً وكان نبيا ولياً. (راجع الاعراف: 142).
وهذا يونس كان من انبياء الله سبحانه ومع ذلك فقد غاب في الظلمات (الانبياء: 87، 88).(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/143).
62 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
س ـ كيف يكون اماماً وهو غائب وما الفائدة المترقبة منه في غيبته؟
الجواب الحلي: إن عدم علمنا بفائدة وجوده في زمان غيبته، لا يدل على عدم كونه مفيداً في زمن غيبته، فالسائل جعل عدم العلم، طريقاً الى العلم بالعدم! وكم لهذا السؤال من نظائر في التشريع الاسلامي، فيقيم البسطاء عدم العلم بالفائدة، مقام العلم بعدمها، وهذا من اعظم الجهل في تحليل المسائل العلمية، ولا شك أن عقول البشر لا تصل الى كثير من الامور المهمة في عالم التكوين والتشريع، بل لا يفهم مصلحة كثير من سننه، وإن كان فعله سبحانه منزهاً عن العبث، بعيداً عن اللغو.
وعلى هذا فيجب علينا التسليم امام التشريع اذا وصل الينا بصورة صحيحة، كما عرفت من تواتر الروايات على غيبته.(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/144).
63 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
س ـ كيف يكون إماماً وهو غائب وما الفائدة المترقبة منه في غيبته؟
الجواب الحلي: إن الغيبة لا تلازم عدم التصرف في الامور، وعدم الاستفادة من وجوه، فهذا مصاحب موسى كان ولياً، لجأ اليه، أكبر انبياء الله في عصره، خرق السفينة التي يمتلكها المستضعفون، ليصونها عن غصب الملك، ولم يعلم اصحاب السفينة بتصرفه، والا لصَدُّوه عن الخرق، جهلاً منهم بغاية عمله. كما أنه بنى الجدار ليصون كنز اليتيمين، فاي مانع، حينئذ من أن يكون للامام الغائب في كل يوم وليلة تصرفاً من هذا النمط من التصرفات.
ويؤيد ذلك ما دلّت عليه الروايات من أنه يحضر الموسم في أشهر الحج ويحج ويصاحب الناس ويحضر المجالس، كما دلّت على أنه يغيث المضطرين، ويعود المرضى، وربما يتكفل بنفسه الشريفة قضاء حوائجهم وإن كان الناس لا يعرفونه.(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/144).
64 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
س: كيف يكون إماماً وهو غائب وما الفائدة المترقبة منه في غيبته؟
الجواب الحلي: المسلم هو عدم امكان وصول عموم الناس اليه في غيبته، وأما عدم وصول الخواص اليه، فليس بأمر مسلم، بل الذي دلت عليه الروايات خلافه، فالصلحاء من الامة، الذين يستدر بهم الغمام، لهم التشرف بلقائه، والاستفادة من نور وجوده وبالتالي، تستفيد الامة بواسطتهم.(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/144).
65 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
س ـ كيف يكون إماماً وهو غائب وما الفائدة المترقبة منه في غيبته؟
الجواب الحلي: لا يجب على الامام أن يتولى التصرف في الامور الظاهرية بنفسه، بل له توليته غيره على التصرف في الامور كما فعل الامام المهدي ارواحنا له الفداء في غيبته ففي الغيبة الصغرى كان له وكلاء اربعة يقومون بحوائج الناس وكانت الصلة بينه وبين الناس مستمرة بهم. وفي الغيبة الكبرى نصب الفقهاء والعلماء العدول العالمين بالاحكام للقضاء واجراء السياسات، واقامة الحدود وجعلهم حجة على الناس، فهم يقومون في عصر الغيبة بصيانة الشرع عن التحريف، وبيان الاحكام، ورفع الشبهات وبكل ما يتوقف عليه نظم اموال الناس.
والى هذه اشار الامام المهدي في آخر توقيع له الى بعض نوابه، بقوله (وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس اذا غيبها عن الابصار السحاب).(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/145. والحديث في كمال الدين الصدوق الباب 45 ح4 ص 485 البحار ج52 ب20 ص93 ـ 94).
66 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
لماذا غاب المهدي عن الناس حتى حرموا من الاستفادة من وجوده، وما هي المصلحة التي اخفته من اعين الناس؟
الجواب النقضي:
إن قصور عقولنا عن ادراك اسباب غيبته، لا يجرنا الى انكار المتظافرات من الروايات، فالاعتراف بقصور افهامنا اولى من رد الروايات المتواترة بل هو المتعين.(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/146).
الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لماذا غاب المهدي عن الناس حتى حرموا من الاستفادة من وجوده، وما هي المصلحة التي اخفته من اعين الناس؟
الجواب الحلي:
إن اسباب غيبته واضحة لمن امعن فيما ورد حولها من الروايات، فان الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو آخر الائمة الاثنى عشر الذين وعد بهم الرسول، واناط عزة الاسلام بهم، ومن المعلوم أن الحكومات الاسلامية لم تقدرهم، بل كانت بالمرصاد، تلقيهم في السجون، وتريق دمائهم الطاهرة، بالسيف أم السمّ، فلو كان ظاهراً لا قدموا على قتله اطفاءً لنوره، فلاجل ذلك اقتضت المصلحة أن يكون مستوراً من اعين الناس، يراهم ويرونه، ولكن لا يعرفونه، الى أن تقتضي مشية الله سبحانه ظهوره، بعد حصول استعدادٍ خاص في العالم لقبوله، والانضواء تحت لواء طاعته....
وقد ورد في بعض الروايات اشارة الى هذه النكتة روى زرارة قال سمعت ابا جعفر يقول: إن للقائم غيبة قبل أن يقوم قال: قلت: ولم، قال: يخاف، قال زرارة: يعني القتل وفي رواية اخرى: يخاف على نفسه الذبح.(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/146).
67 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
س ـ كيف يكون اماماً وهو غائب وما الفائدة المترقبة منه في غيبته؟
ج ـ اما النقض، فان التركيز على هذا السؤال يعرب عن عدم التعرف على اولياء الله، وانهم بين ظاهر قائم بالامور، ومختف قائم بها من دون أن يعرفه الناس.
إن كتاب الله العزيز يعرفنا على وجود نوعين من الائمة والاولياء والقادة للامة.
ولي غائب مستور، لا يعرفه حتى نبي زمانه، كما يخبر سبحانه عن مصاحب موسى عليه السلام بقوله:
(فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً، قال له موسى هل اتبعك على أن تعلمن مما عُلمت رشدا)(الكهف: 65 ـ 66).
وولي ظاهر باسط اليد، تعرفه الامة وتقتدي به.
فالقرآن اذن يدل على أن الولي ربما يكون غائباً، ولكنه مع ذلك لا يعيش في غفلة عن أمته، بل يتصرف في مصالحها ويرعى شؤونها، من دون أن يعرفه ابناء الامة.
فعلى ضوء الكتاب الكريم يصح لنا أن نقول بأن الولي اما ولي حاضر مشاهد أو غائب محجوب، والى ذلك يشير الامام علي عليه السلام في كلامه لكميل بن زياد النخعي: (اللهم بلى، لا تخلوا الارض من قائم لله بحجة، إما ظاهراً مشهوراً، او خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته).(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/142، الحديث في نهج البلاغة بتعليقات محمد عبده 4/37 قصار الحكم الرقم 147).
68 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
شبهة:
خروج دعوى الامامية في غيبة الامام عن حكم العادة في استتاره عن الخلق طول المدة التي يدعونها لصاحبهم، وانسداد الطرق الى الوصول اليه وعدم معرفة مكان له على حال.(الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/46).
الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
شبهة:
اذا كان الحكم في زمن الغيبة هو الرجوع الى الفقهاء فهذا يعني الاستغناء عن الامام.(الشيخ المفيد، الرسالة الاولى في الغيبة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9: 7/16).
السرداب
ادعى صاحب فضائح الروافض: ان الشيعة عند الصلاة تنحرف عن القبلة الى اليسار نحو السرداب في سامراء. اجاب القزويني: ان القائم عليه السلام ليس في السرداب بل ولد هناك، وتياسر أهل العراق حكم شرعي، ولو كانت العلة ما ذكرها لزم لشيعة الشام واليمن والطائف التياسر أيضاً، ولو اراد القياس فليعلم أن امير المؤمنين عليه السلام افضل عندنا من المهدي وانه ولد في الكعبة فلو توجهوا نحوها كان اولى بل الكعبة قبلة الرسول والتوجه اليها مأمور به شرعاً، والتياسر حكم منقول عن الائمة.(القزويني، النقض: 569).
69 ـ المرأة والاولاد
قال صاحب فضائح الروافض: لو كان القائم موجوداً وكاملاً، فكمال المرء بالزواج قال الرسول: (النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني) فلو كان له زوجة فأين اولاده، ولو لم يكن له زوجة وأولاد كان ناقصاً وعاجزاً وعلى غير سنة جدّه.
أجاب القزويني: ان من الخطأ الفاحش القول بان كمال الرجل في الزواج والا لزم نقصان عيسى ويحيى مع عصمتهم ونبوتهم، وكذلك نقصان الرسول مدة (37) سنة الى أن تزوج خديجة، وكذلك نقصان الزهاد والعباد الذين اختارهم المصنف بدلاً عن السجاد والباقر عليهما السلام حيث كانوا غالباً مجردين... ثم من قال انه عليه السلام لم يتزوج... وقوله ايضاً ان كمال الرجل بأولاد جهل منه، فان الولد من الله تعالى إن شاء اعطى وان شاء منع: (ويجعل من يشاء عقيماً)... ونحن نجوّز ان له عليه السلام زوجة وأولاداً وقطعى نيست بر آن.(القزويني، النقض: 467 ـ 468).
ولادته (عليه السلام)
... أما أنه (الى ان الامام العسكري عليه السلام) لا ولد له فلا نسلّم، فانّ الجمهور من الامامية يثبتون ولادة ابنه القائم المنتظر وصحّحوا النص عليه، وقالوا هو سمّي رسول الله ومهدي الانام، وتواتر بينهم ان الحسن عليه السلام اظهره لهم واراهم شخصه، وإن كان بينهم خلاف في سنه عند وفاة ابيه... واتفقوا على أن اباه لم يمت حتى اكمل الله تعالى عقله وعلّمه الحكمة وفصل الخطاب وأبانه من سائر الخلق بهذه الصفة إذا كان خاتم الحجج ووصي الأوصياء وقائم الزمان.
واحتجوا على جواز ذلك عقلاً بقصة عيسى في قوله تعالى: (كيف نكلم من كان في المهد صبياً قال اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً) مريم 29 ـ 30، وبقصة يحيى بقوله تعالى (وآتيناه الحكم صبياً) مريم12، وقالوا: انّ صاحب الامر حيّ لا يموت يملا الارض عدلاً كما مئلت ظلماً.(ابن ميثم ـ النجاة في القيامة: 201 ـ 202).
... ولد بسّر من رأى وبقي...(ابن مخدوم ـ شرح الباب الحادي عشر: 201).
1 ـ نفي الولادة
... اما كون ذلك (أي الاستتار) سبباً لنفي ولادته عليه السلام فلم يكن سبباً لشيء من ذلك الا بالشبهة وضعف البصيرة، والتقصير عن النظر الصحيح، وما كان التقصير داعياً اليه، والشبهة سببه من الاعتقادات، وعلى الحق فيه دليل واضح باد لمن أراده ظاهر لمن قصده....(المرتضى ـ تنزيه الانبياء: 233).
2 ـ الولادة والمشاهدة
إما تصحيح ولادته فقد بينا انه يكفي فيه قيام الدلالة العقلية ان الزمان لا يخلو من امام معصوم، ونحن نعلم انّ كل من قال بذلك قال بإمامة المشار اليه، وهذا دليل على وجوده وذلك يتضمن تصحيح ولادته ويغني عن الاشارة الى من شاهده، لكنا نضيف الى ذلك شيئاً من المنقول ليكون اقوى في الحجة فنقول:
اما النص على تعيينه فمّما لا تحصى كثرة، وذلك ما رواه جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال قال: (المهدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي تكون له غيبة يضل فيها الامم يقبل كالشهاب الثاقب يملاها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).
وعن الأصبغ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (الحادي عشر من ولدي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).
(ثم يذكر عدة احاديث...).
واما تصحيح ولادته ومن شاهده بطريق النقل فغير خفي انه لا يطلع على الولادة إلا نساء الانسان وخدمه ثم يشيع ذلك مع اعتراف الوالد فيثبت النسب الشرعي بذلك وقد كان الحال فيه عليه السلام اظهر من ذلك، فان حكيمة بنت محمد بن علي عمة العسكري عليه السلام مع صلاحها أخبرت بحضور ولادته... وكذا أخبرت نسيم ومارية وجارية الخيزراني، واخبرنا ابو غانم الخادم... عن ابي هارون... وعن محمد بن ابراهيم الكوفي... وكذا اخبر حمزة بن الفتح.
واما الذين شاهدوه فكثير: منهم ابو هارون وحده، ومعاوية بن حكم، ومحمد بن ايوب بن نوح، ومحمد بن عثمان العمري... ويعقوب بن منفوس، وابو نصر طريف، رآه البلالي، والعطار، والعاصمي، ومحمد ابن ابراهيم بن مهزيار، وأحمد بن إسحاق القمي، ومحمد بن صالح الهمداني، والسامي (والبسامي)، والأسدي والقاسم بن علاء، وغير هؤلاء ممن لو استقصينا عددهم لأطلنا.(المحقق الحلي ـ المسلك: 277 ـ 282: ونحوه باختلاف في الرسالة الماتعية للمؤلف: 311 ـ 313).
أسند المفيد في إرشاده الى الأهوازي قال: أراني ابو محمد ابنه عليه السلام وقال: هذا صاحبكم بعدي.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 171).
ونقل إلينا سلفنا نقلاً متواتراً إن المهدي عليه السلام المشار إليه ولد ولادة مستورة، لان حديث تملكه ودولته وظهوره على كافة الممالك كان قد ظهر للناس فخيف عليه، كما جرت الحال في ولادة إبراهيم وموسى وغيرهما ممن اقتضت المصلحة ستر ولادته، وإن الشيعة عرفت ذلك لاختصاصها بآبائه عليهم السلام... وقد كان المهدي عليه السلام ظهر لجماعة كثيرة من أصحاب والده العسكري ونقلوا عنه أخباراً وأحكاماً شرعية وكان له وكلاء ظاهرون في غيبته معروفون... وقد ذكر نصر بن علي الجهضمي في (تاريخ أهل البيت)... برواية رجال المذاهب الأربعة، حال هؤلاء الوكلاء واسمائهم، وأنهم كانوا وكلاء المهدي عليه السلام...(الى أن توفاهم الله) ولقد لقي المهدي عليه السلام خلق كثير بعد ذلك من شيعته وغيرهم، وظهر لهم على يده من الدلائل ما ثبت عندهم... واذا كان غير ظاهر لجميع شيعته فلا يمتنع أن يكون جماعة منهم يلقونه وينتفعون بمقاله وفعاله ويكتمونه، كما جرى الامر في جماعة من الأنبياء والأوصياء والملوك، حيث غابوا عن كثير من الامة لمصالح دينية او دنيوية اوجبت ذلك.(السيد ابن طاووس ـ الطرائف 1: 266 ـ 268).
3 ـ إنكار الولادة
(اما إنكار الولادة لأجل) وصية ابي محمد الحسن بن علي الى أمّه المكنّاة بأمّ الحسن رضي الله عنها في وقوفه وصدقاته... الأمر في جميع ذلك اليها دون غيرها فضعيف وباطل ايضاً، وذلك لأنّ غرضه عليه السلام... مما لا ينبغي أن يخفي على ذي لب متأمل منصف، من حيث انه كان فيما فعله إتمام مقصوده من ولادة ولده الحجة عليه السلام وستر حاله عن سلطان الوقت ومتملك الأمر في زمانه... ولو ذكر في وصيته ولداً له وأسندها اليه لنقض بذلك غرضه، ولأبطل شفقته على ولده، ونظره في حقه وتدبيره أمره خاصة مع اضطراره عليه السلام الى إشهاد خواص دولة السلطان على نفسه في تلك الوصية واثبات حظوظهم فيها... وكان عليه السلام جامعاً لغرضين فيما فعله: حفظ الوقوف والصدقات وإخفاء أمر الولد، ولعله كان معظم غرضه هذا الأخير إذ كفّ بهذا التدبير اللطيف اعدائه وصدهم عن الاجتهاد والجد في طلب ولده عليه السلام، وقد صنع الصادق عليه السلام ما يقرب من هذه مراعاة لجانب خلفه وولده القائم مقامه بعده موسى ابن جعفر عليه السلام وحراسته لمهجته فعدل عن افراده بالوصية عند وفاته وجعلها الى خمسة نفر... ولو لم يكن موسى عليه السلام معلوم الوجود مشهور المكان بل كان اتفق له من خفاء الولادة مثل ما اتفق لصاحب الزمان عليه السلام لما ذكر في وصيته أصلاً ولاقتصر على ذكر غيره.(الرازي ـ المنقذ 2: 393 ـ 394).
4 ـ إنكار جعفر بن علي ولادته
... فاما إنكار جعفر بن علي اخي الحسن على الامامية في دعواها ان لاخيه الحسن ولداً وحوزه ميراثه... شبهة فضلاً عن الحجة لاتفاق الامة على أن جعفراً لم يكن له... حق ودعوى باطل كان من جملة الرعية التي يجوز عليها الخطأ... ويتوقع تعمد الباطل والضلال منها، وقد قص الله في القرآن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام من ظلم أخيهم يوسف، والقائهم إياه في الجب وسعيهم في دمه بذلك... هذا وهم أسباط النبيين... فكيف يتعجب من وقوع مثل ذلك ممن هو دونه في الدين والدنيا، ولا يتصور أن يقول القائل أي غرض كان له في ذلك وذلك لان أغراضه فيما فعله من ذلك أظهر من الشمس من حوزه ميراثه مع كثرته ودعوى مقامه الذي جل قدره عند كافة الناس، وخاصة عند شيعته وصرف وجوه الشيعة إلى نفسه ونيله ما كان يصل الى اخيه من خمس الغنائم وزكاة الاموال لايصالها إلى مستحقيها.
وما تعلّق من تعلّق بما روى من انكار جعفر من وجود ولد لأخيه الحسن، أو معاملته التي عملها في جحد وجود صاحب الزمان عليه السلام مع قيام الدليل بالاعتبار العقلي وظهور الحجة السمعية على وجوده وإمامته الا كتعلق بعض البله من الكفار في جحد نبوّة نبينا عليه السلام، وإبطالها بإنكار عمه أبي لهب، وإنكار أكثر ذوي نسبه من بني هاشم وبني أمية صدقه....(الرازي ـ المنقذ 2: 392 ـ 393).
5 ـ إنكار الولادة
إن أهل السنة مع اعترافهم بظهور المهدي عليه السلام وانه يملأ الارض عدلاً لكنهم يتعجبون من عمره الشريف، فلذا انكر اكثرهم ولادته واعتقدوا بأنه سيولد، مع أنهم لا يتعجبون من طول عمر المسيح والخضر والياس والدجال.(القمي ـ سفينة النجاة: 48 ـ 49).
6 ـ خفاء الولادة
... (ان خفاء الولادة) ليس هو مخالفاً لحكم العادات، بل قد اتفق مثل ذلك في الأنبياء والملوك... أمّا في الأنبياء فولادة إبراهيم الخليل عليه السلام، فانها ان كانت مخفية عن أهل زمانه الى حين ترعرعه وبلوغه يدل عليه قوله تعالى: (فلما جن عليه الليل راى كوكباً قال هذا ربي...) الانعام: 76، لان هذا الكلام كلام من لم يكن رأى قبل ذلك ما راه في تلك الحالة، وولادة موسى عليه السلام على ما نطق به القرآن من إخفاء أمه ولادته.. وأما في الملوك فولادة كيخسر بن سياوخش بن كيقاوس ملك الفرس وما كان من ستر أمه حبلها وإخفاء ولادتها لكيخسرو... وإخفاء ولادته وسبب إخفائه معروف عند علماء الفرس ومؤرخيهم وأورده الطبري في تاريخه....
والأسباب التي تقتضي كتمان الحبل والولادة كثير: فمنها أن يستسر الرجل من زوجته بشري جارية فتحمل منه، فيكتم ذلك كل من يخاف منه ان يذكره... ومنها خوف الرجل على ولده من بني عمه واقربائه بان يهلكوه طمعاً منهم في ميراثه اذا لم يكن له ولد... ومنها رغبة الانسان في مناكحة من لا يختار مناكحة من له ولد فيخفي ولادته ووجوده الى ان يزول خوفه....
ثم وليس الامر في خفاء ولادته ما تزعمه الخصوم، ولا ينتهي إلى الغاية التي تدعيها من انه لا يمكن تثبيتها وتصحيح انتسابه الى الحسن بن علي عليهما السلام من طريق الأخبار بمشاهدة تلك الحالة وذلك لأن أنساب الجماهير وولادتهم من امهاتهم انما تثبت بقول القابلة، ومثلها من النساء اللاتي جرت العادة بحضور مثلهن عند ولادة النساء وتولّي معونتهن عليها، والنسب خاصة يحتاج مع ذلك الى اعتراف صاحب الفراش وحده بذلك او شهادة عدلين من المسلمين على اقراره بانتساب الولد اليه فانه منه، وكل هذا متحقق في ولادته عليه السلام وانتسابه الى ابيه من طريق الخبر... وذلك إنه قد ثبت الإخبار عن جماعة من اهل الديانة والفضل والورع والفقه والعبادة والزهد بجميع ذلك، وباعتراف الحسن بن علي عليه السلام بولده المهدي عليه السلام وانه أعلمهم وجوده، ونص لهم على امامته من بعده، وبمشاهدة بعضهم له طفلاً وبعضهم له يافعاً وشاباً كاملاً، وقد نقلوا جميع ذلك الى شيعته من بعد ابيه، وكذا نقلوا ما كان يخرج من ناحيته من الأوامر والنواهي، والأجوبة عن المسائل، وتسليم الشيعة الحقوق اليه وإلى خواصه....(الرازي ـ المنقذ 2: 389 ـ 391).
7 ـ ولادته وإنكار جعفر
فلما قبض (العسكري) عليه السلام تكلم أخوه جعفر، وادعى الإمامة لنفسه، وبذل للمعتمد بذلاً شاع ذكره فلم يصح له، فقال له وزير المعتمد: قد كان المتوكل وغيره يروم فسخ ناموس أخيك فلم يصح لهم فاستمل انت شيعته بما تقدر عليه، فلما لم يبلغ غرضه سعى بجواري اخيه عليه السلام وقال: في هذه الجواري جارية اذا ولدت ولداً يكون ذهاب دولتكم على يده، فأنفذ المعتمد إلى عثمان بن سعيد وأمره ان ينقلهن إلى دار القاضي أو بعض الشهود حتى يستبرئهن بالموضع، فسلّمهن الى ذلك العدل فأقمن عنده سنة، ثم ردهن الى عثمان بن سعيد لان الولد المطلوب عليه السلام كان قد ولد قبل ذلك بست سنين، وقيل بخمس، وقيل بل بأربع، وأظهره أبوه عليه السلام لخاصة شيعته واراهم شخصه وعرفهم بإنه الذي يقصد اليه.(السد آبادي ـ المقنع: 146 ـ 147).
8 ـ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
شبهة: إدعاء الإمامية من وجود خلف للامام الحسن العسكري هو مما لم يشترك دعواه غيرهم من الناس.(الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/45).
9 ـ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
شبهة: وصية الحسن المشهورة إلى والدته ـ المكناة بأم الحسن ـ في وقوفه وصدقاته، وامضائها على شروطها ولم يذكر فيها ولداً له موجوداً ولا منتظراً.(الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/46).
10 ـ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
شبهة:
إنكار جعفر بن علي ـ أخ الامام الحسن العسكري ـ دعوى الإمامية ولداً له، وحوزة ميراثه، والتظاهر بتكذيب من ادعى لاخيه ولداً في حياته وبعد وفاته، ورفع خبر المدعين ذلك الى السلطان حتى بعثه على حبس جواريه واستبراء حالهم في الحمل فلم يظهر لواحدة منهن حملاً، وصار ذلك شبهة في ابطال دعوى ولد الحسن عليه السلام.(الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 45).
11 ـ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
شبهة:
ما الداعي الى ستر ولادته، والسبب الى خفاء امره وغيبته؟ مع ظهور نسب آبائه وولادتهم ونشئهم واشتهار وجودهم، وقد كانوا في أزمان التقية فيها اشد من زمن الحسن بن علي بن محمد، وخوفهم فيها من ملوك بني أمية ومن بعدهم أعظم، ولم يغب أحد منهم ولا خفيت ولادته ووجوده عن الناس.(الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/46).
12 ـ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
اخبرني أبو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمد الحسن بن علي عليه السلام: جلالتك تمنعنى عن مسألتك، فتأذن لي أن اسألك؟ فقال: (سل) قلت: يا سيدي، هل لك ولد؟ قال: (نعم) قلت ان حدث حدث فاين اسأل عنه؟ قال: (بالمدينة).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 348. الكافي 1: 264/2، الغيبة للطوسي: 232/199، اعلام الورى: 413، الفصول المهمة: 292).
13 ـ استتار ولادته
إن استتار ولادة المهدي بن الحسن عليه السلام عن جمهور أهله وغيرهم، وخفاء ذلك عليهم، واستمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف، ولا مخالفاً لحكم العادات، بل العلم محيط بتمام مثله في أولاد الملوك والسوقة، لاسباب تقتضيه لا شبهة فيها على العقلاء.
فمنها: أن يكون للانسان ولد من جارية قد أستر تملكها من زوجته وأهله، فتحمل منه فيخفي ذلك عن كل من يشفق منه أن يذكره ويستره عمن لا يأمن إذاعة الخبر به، لئلا يفسد الامر عليه مع زوجته باهلها وأنصارها.. وربما ثم ذلك الى أن تحضره وفاته، فيعرف به عند حضورها، تحرّجاً مع تضييع نسبه، وايثاراً لوصوله الى مستحقه من ميراثه.
وقد يولد للملك ولدُ لا يؤذن به حتى ينشؤ ويترعرع، فان رآه على الصورة التي تعجبه... وهو نظير لما انكره الخصوم في خفاء امر ولد الحسن بن علي عليهما السلام، واستتار شخصه ووجوده وولادته، بل ذلك أعجب.
ومن الناس من يستر ولده عن اهله مخافة شنعتهم في حقه وطمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد، فلا يزال مستوراً حتى يتمكن من اظهاره على امان منه عليه ممن سميناه.
ومنهم من يستر ذلك ليرغب في العقد له من لا يؤثر مناكحة صاحب الولد من الناس، فيتم له في ستر ولده وإخفاء شخصه وأمره...
واشتهر من الملوك من ستر ولدٍ واخفاء شخصه من رعيته لضرب من التدبير في اقامة خليفة له، وامتحان جنده بذلك في طاعته... وغير ذلك مما يكثر تعداده من اسباب ستر الأولاد واظهار موتهم و... واغراض لهم معروفه قد جرت من المسلمين بالعمل عليها العادات.
وكم وجدنا من نسيب ثبت بعد موت ابيه بدهر طويل... وذلك لداع دعا الأب الى ستر ولادته عن كل احد من قريب وبعيد...(الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/53 _ 58).
14 ـ استتار ولادته
إن استتار ولادة المهدي عن جمهور أهله وغيرهم... ليس بخارج عن العرف ولا مخالفاً لحكم العادات.
وقد اجمع العلماء من الملل على ما كان من ستر ولادة أبي ابراهيم الخليل عليه السلام وامه لذلك، وتدبيرهم في اخفاء امره عن ملك زمانه لخوفهم عليه منه.
وبستر ولادة موسى بن عمران عليه السلام، وبمجيء القرآن بشرح ذلك على البيان، والخبر بأن أمه ألقته في اليم على ثقة منها بسلامته وعوده اليها وكان ذلك منها بالوحي إليها به بتدبير الله جل وعلا لمصالح العباد. (راجع القصص 7 ـ 13 وسورة طه: 38 ـ 40) فما الذي ينكر خصوم الامامية من قولهم في ستر الحسن عليه السلام ولادة إبنه المهدي عن أهله وبني عمه وغيرهم من الناس. (الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/53 _ 58).
15 ـ هو ابن الحسن العسكري عليه السلام
الخبر بصحة ولد الحسن العسكري عليه السلام قد ثبت بأوكد ما تثبت به انساب الجمهور من الناس اذ كان النسب يثبت، بقول القابلة، ومثلها من النساء اللاتي جرت عادتهن بحضور ولادة النساء وتولي معونتهم عليه، وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون سواه، وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الأب بنسب الابن منه.
وقد ثبتت أخبار عن جماعة من اهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه عن الحسن بن علي أنه اعترف بولده المهدي عليه السلام، وآذنهم بوجوده، ونص لهم على امامته من بعده، وبمشاهدة بعضهم له طفلاً، وبعضهم له يافعاً وشابا كاملاً، واخراجهم الى شيعته بعد ابيه الاوامر والنواهي والاجوبة عن المسائل، وتسليمهم له حقوق الائمة من اصحابه.(الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/58 ـ 59).
16 ـ هو ابن الحسن العسكري عليه السلام
ما أرى المتعلق في انكار وجود ولد الحسن بن علي عليه السلام وقد قامت بينة العقل والسمع به، ودل الاعتبار الصحيح على صواب معتقده بدفع عمه لذلك مع دواعيه الظاهرة كانت اليه الا كتعلق اهل الغفلة من الكفار في إبطال عمه أبي لهب صدق دعوته، وجحد الحق في نبوته والكفر بما جاء به ودفع رسالته ومشاركة أكثر ذوي نسبه من بني هاشم وبني امية لعمه في ذلك واجتماعهم على عداوته و...
هذا مع ظهور حجته، ووضوح برهانه في نبوته، وضيق الطريق في معرفة ولادة الحجة بن الحسن على جعفر وامثاله من البعداء عن علم حقيقته. (الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/63 ـ 64).
17 ـ هو ابن العسكري عليه السلام
اما المتعلق بإنكار جعفر بن علي على شهادة الإمامية بولد لاخيه الحسن بن علي عليهما السلام وُلد في حياته بعده والحوز لتركته بدعوى استحقاقها بميراثه مثلاً دون ولدٍ له، وما كان منه من حمل امير الوقت على حبس جواري الحسن عليه السلام، واستبذالهن بالاستبراء لهن من الحمل ليتأكد بقية لولد أخيه وأباحته دماء شيعة الحسن بدعواهم خلفاً من بعده كان احق بمقامه من بعده من غيره، واولى بميراثه ممن حواه.
فليس بشبهة يعتمدها عاقل في ذلك فضلاً عن حجة، لاتفاق الأمة على أن جعفراً لم تكن له عصمة الانبياء، فيمتنع عليه لذلك انكار حق ودعوى باطل، بل كان من جملة الرعيةالتي يجوز عليها الزلل، ويعتريها السهو، ويقع الغلط، ولا يؤمن منها تعمد الباطل ويتوقع منها الضلال.
وقد نطق القرآن بما كان من اسباط يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن في ظلم أخيهم يوسف عليه السلام.
هذا وهم اسباط النبيين، واقرب الخلق نسباً بنبي الله وخليله إبراهيم، فما الذي ينكر ممن هو دونهم في الدنيا والدين ان اعتمد باطلاً يعلم خطؤه فيه على اليقين، ويدفع حقاً قد قامت عليه الحجج الواضحة والبراهين.(الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/61 ـ 62).
وفي وقتنا هذا... لا اعلم أحداً من ولد جعفر بن علي يظهر خلاف الإمامية في وجود ابن الحسن عليهما السلام والتدين بحياته والانتظار لقيامه.(المصدر السابق ص 65).
18 ـ هو ابن العسكري عليه السلام
واما تعلقهم بوصية أبي محمد الحسن بن علي بن محمد عليهم السلام في مرضه الذي توفي فيه الى والدته المسماة بحديث المكناة بأم الحسن رضي الله عنها بوقوفه وصدقاته واسناد النظر في ذلك اليها دون غيرها.
فليس بشيء يعتمد في انكار ولدٍ له قائم من بعده مقامه، من قبل أنه امر بذلك تمام ما كان من غرضه في اخفاء ولادته وستر حاله عن متملك الامر في زمانه، ومن يسلك سبيله في اباحة دم داع الى الله تعالى منتظر لدولة الحق.
ولو ذكر في وصيته ولداً له واسندها اليه لناقض ذلك الغرض منه فيما ذكرناه، ونافى مقصده في تدبير امره له على ما وصفناه، وعدل عن النظر بولده وأهله ونسبه، لا سيما مع اضطراره كان الى شهادة خواص الدولة العباسية عليه في الوصية، وثبوت خطوطهم فيها كالمعروف بتدبر مولى الواثق، وعسكر الخادم مولى محمد بن المأمون، والفتح بن عبد ربه، وغيرهم من شهود قضاة سلطان الوقت وحكامه، لما قصد بذلك من حراسة قومه، وحفظ صدقاته، وثبوت وصيته عند قاضي الزمان، وارادته مع ذلك الستر على ولده، واهمال ذكره والحراسة لمهجته بترك التنبيه على وجوده، والكف لاعدائه بذلك عن الجد والاجتهاد في طلبه والتبريد عن شيعته لما يشنع به عليهم من اعتقاد وجوده وامامته.(الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/69 ـ 70).
19 ـ هو ابن العسكري عليه السلام
في دفع شبهة عدم ذكر اسم الامام المهدي في وصية الامام الحسن العسكري لأمه أم الحسن نقول: (قد تظاهر الخبر فيما كان عن تدبير ابي عبد الله جعفر بن محمد، وحراسته ابنه موسى بن جعفر عليه السلام بعد وفاته من ضرر يلحقه بوصيته اليه، واشاع الخبر عن الشيعة إذ ذاك باعتقاد امامته من بعده، والاعتماد في حجتهم لذلك على افراده بوصيته مع نصه عليه بنقل خواصه، فعدل عن اقراره بالوصية عند وفاته، وجعلها الى خمسة نفر: أولهم المنصور ـ وقدمه على جماعتهم اذ هو سلطان الوقت ومدبر أهله ـ ثم صاحبه الربيع من بعده، ثم قاضي وقته، ثم جاريته او ام ولده حميدة البريرية، وختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر عليه السلام يستر أمره ويحرس بذلك نفسه، ولم يذكر مع ولده موسى احداً من اولاده لعلمه بأن منهم من يدعي مقامه من بعده، ويتعلق بادخاله في وصيته.
ولو لم يكن موسى عليه السلام ظاهراً مشهوراً في اولاده، معروف المكان منه، وصحة نسبه، واشتهار فضله وعلمه وحكمته، وامتثاله وكماله، بل كان مثل ستر الحسن عليه السلام ولده، لما ذكره في وصيته، ولاقتصر على ذكر غيره ممن سميناه لكنه ختمهم في الذكر به كما بيناه.(الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/70 ـ 72).
20 ـ ستر ولادته
اما الكلام في الاستبعاد الداع للحسن عليه السلام الى ستر ولده، وتدبير الامر في اخفاء شخصه، والنهي لشيعته عن البينونة بتسميته وذكره، مع كثرة الشيعة في زمانه، وانتشارهم في البلاد وثروتهم بالاموال وحسن الاحوال، وصعوبة الزمان فيما سلف على آبائه عليهم السلام واعتقاد ملوكه فيهم... ولم يدعهم ذلك الى ستر ولدهم ولا مؤهل الأمر من بعدهم، وقول الخصوم إن هذا متناقض في أحوال العقلاء.
فليس الامر كما ظنوه ولا كان ما استبعدوه، والذي دعا الحسن الى ستر ولده، وكتمان ولادته وإخفاء شخصه، والاجتهاد في اهمال ذكره بما خرج الى شيعته من النهي عن الاشارة اليه وحظر تسميته، ونشر الخبر بالنص عليه. شيء ظاهر، لم يكن في أوقات آبائه عليهم السلام فيدعونه من ستر أولادهم الى ما دعاه اليه وهو:
أن ملوك الزمان اذ ذاك كانوا يعرفون من رأى الأئمة عليهم السلام التقية، وتحريم الخروج بالسيف على الولاة، وعيب من فعل ذلك من بني عمهم ولومهم عليه...
فما جاز وقت وجود المترقب لذلك، المخوف منه القيام بالسيف ووجدنا الشيعة الامامية مطبقه على تحقيق امره وتعيينه والاشارة اليه دون غيره بعثهم ذلك على طلبه وسفك دمه، ولتزول الشبهة في التعلق به، ويحصل الامان في الفتنة بالاشارة اليه والدعوة الى نصرته، وأنه متى قتل احد من آبائه عليهم السلام عند ظهوره لم تمنع الحكمة من اقامة خليفة يقوم مقامه، وأن ابن الحسن عليهما السلام لو يظهر لسفك القوم دمه، ولم تقتض الحكمة التخلية بينهم وبينه، ولو كان في المعلوم للحق صلاح باقامة امام من بعده لكفى في الحجة، واقنع في ايضاح المحجة، فكيف وقد بينا عن سبب ذلك بما لا يحيل على ناظر والمنة لله).(الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/73 ـ 75).
21 ـ تولد امام از منابع اهل سنت
1 ـ علامه محمد بن طلحه شافعى در كتاب (مطالب السؤول) نوشته كه امام مهدى عليه السلام در سامرة كه از بغداد 20 فرسخ فاصله دارد، متولد شدند.
2 ـ علامه على بن صباغ مالكى در (فصول المهمة) نوشته كه امام حسن عسكرى عليه السلام تولد امام مهدى عليه السلام بخاطر خوف از دولت مخفى گذاشت.
3 ـ علامه شيخ عبد الله بن احمد خشاب در (تاريخ مواليد) نوشت كه اسم امام مهدى (محمد) وكنيت ابو القاسم است، وايشان در اواخر زمان ظهور وخروج ميكنند.
4 ـ علامه محيى الدين ابن عربى حنبلى در كتاب (فتوحات مكيه) نوشت كه وقتى دنيا از ظلم وجود بر ميشود امام مهدى ظهور ميفرمايند.
5 ـ علامه شيخ عبد الوهاب شعرانى در كتاب (اليواقيت والجواهر) تحرير كرد كه امام مهدى عليه السلام 15 شعبان سال 255 هـ متولد شدند. وهمين مطلب علامه برفشانى در مفتاح النجات نوشته.
6 ـ علامه عبد الرحمن جامى حنفى در كتاب (شواهد النبوت) نوشت كه امام مهدى عليه السلام در سامره متولد شدند ـ ولادت شان مخفى نمودند ـ وايشان در حضور امام حسن العسكرى غائب شدند.
7 ـ شيخ المحدثين شيخ عبد الحق محدث دهلوى در كتاب (مناقب الائمة) نوشت كه امام مهدى 15 شعبان سال 255 هـ متولد شدند، امام حسن عسكرى عليه السلام در گوش شان اذان گفتند وبعد از مدتى فرمود كه ايشان سپرد مالك شدند همان مالك كه حضرت عيسى در طفلگى پيش آن بود.
8 ـ علامه جمال الدين محدث كتاب (روضة الاحباب) نوشت امام مهدى 15 شعبان سال 255 هـ متولد شدند. ودر زمان معتمد عباسى در مقام (سر من راى) از نگاه مردم غيب شدند.
9 ـ شاه ولى الله محدث دهلوى در رساله (نوادر) اعتراف نموده كه قول شيعه درباره امام مهدى درست است.
10 ـ (شرح ديوان) علامه ملا حسين منيرى آمده كه امام مهدى بخاطر تكميل صفات غائب شدند.
11 ـ علامه ذهبى در تاريخ اسلام نوشته كه امام مهدى سال 256، متولد شدند وبعد از آن معدوم شدند.
12 ـ علامه ابن حجر مكى در (صواعق محرقه) قبول كرد امام مهدى المنتظر عليه السلام بعد از تولد در سرداب غائب شدند.
13 ـ علامه شبلنجى در (نور الابصار) بحواله كتاب البيان في اخبار صاحب الزمان مؤلفه علام ابو عبد الله محمد بن يوسف الكنجى، نوشته كه امام مهدى عليه السلام بعد از تولد تا الان غائب وزنده هستند ودر اين مطلب شكى نيست همانطور كه حضرت عيسى، حضرت خضر، وحضرت الياس عليهم السلام وغيرهم زنده هستند در مقابل اين الهييون، دجال، ابليس بم زنده هستند همانطور كه از قرآن مجيد، صحيح مسلم، تاريخ طبرى است، لهذا، لا امتناع في بقائه.
14 ـ علامه روز بهان در (ابطال الباطل) نوشته كه امام مهدى قائم ومنتظر هستند، ايشان مثل افتاب ظاهر ميشود، وتاريكى وكفر را از بين مىبرد.
15 ـ علامه حسام الدين على المتقى در كتاب (كنز العمال) اعتراف نموده كه امام مهدى غائب هستند بعد از ظهور نوسال حكومت ميكند.(عبد الكريم مشتاق ـ شيعه مذهب حق 3. ص 53 ـ 56).
22 ـ ولادة المهدي عند السنة
وذكر جمله من علمائهم ومؤرخيهم ولادته عليه السلام وانه ابن الحسن العسكري.(لسيد شبر ـ حق اليقين 1: 270).
23 ـ الولادة عند السنة
قال ابن حجر في الصواعق في أحوال العسكري عليه السلام: ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن أتاه الله فيها الحكمة وسمي القائم المنتظر، قيل لأنه ستر بالمدينة وغاب ولم يعرف أين ذهب. ونحو ذلك ذكره غيره من العامة كابن خلكان، وصاحب الفصول المهمة، ومطالب السؤول، وشواهد النبوة.(السيد شبر ـ حق اليقين 1: 283).
24 ـ الولادة عند السنة
قال ابن خلكان في تاريخه: هو ثاني عشر الائمة الاثنى عشر على اعتقاد الإمامية المعروف الحي، وهذا الذي تزعم الشيعة إنه المنتظر والقائم والمهدي، وهو صاحب السرداب عندهم، واقاويلهم فيه كثيرة، وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب بسر من رأى، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه كان عمره خمس سنين، واسم امه خمط، وقيل نرجس، والشيعة يقولون انه دخل السرداب في دار ابيه وأمه تنظر اليه فلم يخرج بعد اليها، وذلك سنة خمس وستين ومئتين، وقيل في ثامن شعبان سنة ست وخمسين وهو الأصح، وانه لما دخل السرداب كان عمره أربع سنين، وقيل خمس سنين وقيل أنه دخل السرداب سنة خمس وسبعين ومائتين، وعمره عشر سنين والله اعلم.(السيد شبر ـ حق اليقين 1: 283 ـ 284).
سبب غيبته (عليه السلام)
ان السبب في الغيبة ليس من ناحية الله تعالى، ولا من ناحية الإمام الثاني عشر عليه السلام، لان كمال لطفه تعالى يقتضي ظهور وليه، كما ان مقتضى عصمة الامام الثاني عشر هو أن لا يغيب عن وظائفه وهداية الناس وارشادهم، ولذلك قال المحقق الطوسي: (ليست غيبة المهدي من الله ولا منه، بل من المكلفين والناس، وهي من غلبة الخوف، وعدم تمكين الناس من إطاعة الامام، فاذا زال سبب الغيبة وقع الظهور). ويؤيد ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام: (واعلموا ان الارض لا تخلو من حجة الله، ولكن الله سيعمى خلقه منها بظلمهم وجورهم واسرافهم على انفسهم)...(الخرازي ـ بداية المعارف 2: 148).
1 ـ سبب الغيبة
فان قيل: وما سبب غيبة صاحب الزمان عليه السلام على التعيين؟
قلنا: اول ما نقول في ذلك ان إمامته عليه السلام وعصمته اذا ثبت بالادلة العقلية والسمعية على ما أوضحناه، فرأيناه غائباً عن الأبصار مع تعين القيام بما فوّض الى الائمة عليه وتوجه الامر بذلك اليه، قطعنا في الجملة على انه لم يغب الا لوجه حكمي له حسنت الغيبة، ولم يجز الشك في امامته لغيبته، ولا الارتياب بوجوده لتعذر معرفته، لان حصول ذلك لعذرّ ما لا ينافي وجوده ولا يقدح في امامته، ولا يلزمنا العلم بذلك الوجه على التفصيل، لانه لا فرق في العلم بحسن الشيء بين أن يعلم وجه حسنه معيناً وبين أن يعلم استناده الى إخبار من لا يجوز عليه فعل القبيح، ولهذا قضينا بالحسن على جميع ما فعله القديم تعالى وكلفه ودعى اليه الرسول وفعله، كما لا يجوز الشك في توحيد الله تعالى وحكمته ونبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعصمته بما ظاهره لا يطابق ذلك بل ينافيه... فانّ العلم على الجملة بان لذلك وجه حكمة توجبه وسبب مصلحة تحسنه كاف لنا فكذلك في مسألتنا، وهذا القدر مغن في اسقاط كل ما يعترض به المخالف في امامة صاحب الزمان عليه السلام على انا نتبرع بذكر السبب في غيبته فنقول: سبب ذلك الخوف على مهجته لان ما عداه من الضرر لا يترك الظهور لاجله بل يتحمل ألم مشقته.
فان قيل: فبما يميز بين الزمان الذي يأمن فيه القتل وبين غيره؟ قلنا: بما جعله النبي علماً على ذلك، وحصل له علمه من جهة آبائه، على أنه غير ممتنع ان يكون خوفه وامنه متعلقين بظنه، وان يكون الله سبحانه تعبده في الغيبة والظهور بالعمل به، فمتى ظن السلامة ظهر، ومتى ظن الهلاك استتر.(ابن زهرة ـ غنية النزوع 2: 215 ـ 217).
2 ـ سبب الغيبة وعدم الظهور
المانع في الحقيقة عندنا من ظهوره هو اعلام الله تعالى ان الظالمين متى ظهر اقدموا على قتله وسفك دمه فبطل الحجة بمكانه، وليس يجوز ان يكون المانع من الظهور الا ما ذكرناه، لان مجرد الخوف من الضرر وما يجري مجري الضرر مما لا يبلغ الى تلف النفس ليس يجوز ان يكون قانعاً لأنا قد رأينا من الائمة عليهم السلام ممن تقدم ظهر مع جميع ذلك، وليس يجوز ان يجعل المانع من الظهور علم الله تعالى من حال بعض المكلفين او اكثرهم انهم يفسدون عند ظهوره في بعض الاحوال، لانه إن قيل انه يعلم ذلك على وجه يكون ظهوره مؤثراً فيه وجب سقوط ماعولنا عليه في اصل الامامة من كونها لطفاً في الواجبات وارتفاع المقبحات، ولزم فيها ما نأباه من كونها استفساداً في حال من الاحوال، وان لم يكن ظهوره مؤثراً فيما يتبع من الفساد لاجله، كما لم يلزم استتار من تقدمه من الائمة عليهم السلام، ولا ترك بعثة كثير من الرسل لاجل ما وقع من بعض المكلفين من الفساد في حال لهؤلاء والنبوة لاولئك، وهذا يبين ان الوجه الصحيح الذي ذكرناه دون غيره.
فان قال: اذا كان المانع هو ما ذكرتموه فيجب في كل من كان في المعلوم ان رعيته تقتله من امام أو نبي أن يوجب الله تعالى عليه الاستتاروالغيبة ويحظر عليه الظهور، وإلا فإن جاز أن يبيح الله تعالى لبعض من يعلم انه يقتل من حججه الظهور جاز مثل ذلك في كل امام، فبطل ان يكون المانع ما ذكرتموه.
قيل له: انما أوجبنا ان يكون ما بيناه مانعاً بشرط ان تكون مصلحة المكلفين مقصورة على ذلك الامام بعينه، ويكون في معلوم الله تعالى إنّ احداً من البشر لا يقوم في مصلحة الخلق بامامته مقامه، ومن اباحة الله تعالى التصبر على القتل من حججه وانبيائه لم يتجه ذلك الا مع العلم بانه اذا قتل قام مقامه غيره من الحجج فهذا واضح لمن تأمله.(المرتضى ـ الشافي 1: 146 ـ 147، وانظر شرح جمل العلم: 226 ـ 229).
... السبب في غيبته هو إخافة الظالمين له ومنعهم يده من التصرف فيما جعل اليه التصرف فيه، لان الامام انما ينتفع به النفع الكلي اذا كان متمكناً مطاعاً مخلّى بينه وبين اغراضه ليقود الجنود ويحارب البغاة ويقيم الحدود... وكل ذلك لا يتم إلاّ مع التمكن، فاذا حيل بينه وبين أغراضه من ذلك سقط عنه فرض القيام بالامامة، واذا خاف على نفسه وجبت غيبته، والتحرز من المضار واجب عقلاً وسمعاً، وقد استتر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الشعب، واخرى في الغار، ولا وجه لذلك الا الخوف والتحرز من المضار.(المرتضى ـ رسالة في الغيبة (كلمات المحققين): 532).
... وانهزام الائمة واختفاؤهم لا يدلّ على عدم امامتهم لتواتر النصوص من الطريقين فيهم على ان ذلك معارض باختفاء الانبياء من قبلهم وهزيمة جدّهم، وخوف المهدي من الظالمين يمنعه من الاشتهار كما ألجأ الخوف جدّه الى الاستتار، وقد كان ظاهراً لأوليائه، فلما اشتد الامر استتر عنهم كأعدائه وليس الستر سبباً لنفي ولادته ولطفيته كما في عيسى المجمع على حياته، وقد قيل انه المهدي، والصحيح انه وزيره ومن خاصته.(البياضي ـ الصراط المستقيم 1: 112).
3 ـ أسباب الغيبة
فان قيل: فما السبب المانع من ظهوره والمقتضى لغيبته على التحقيق؟
قلنا: يجب أن يكون السبب في ذلك هو الخوف على المهجة، فان الالام وما دون القتل يتحمله الامام ولا يترك الظهور له، وانما علت منزلة الانبياء عليهم السلام والائمة عليهم السلام لانهم يتحملون كل مشقة عظيمة بالقيام بما فوض اليهم.
فاذا قيل: كيف يأمن القتل؟
قلنا: عند الامامية ان الامام في هذا قد عرف من ابائه عليهم السلام بتوقيف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حال الغيبة، والفرق بين الزمان الذي يجب أن يكون الامام فيه غائباً للخوف وبين الزمان الذي يجب فيه الظهور وهذا وجه لا يتطرق فيه شبهة، وغير ممتنع زائداً فيه على ذلك أن يكون خوفه وامنه موقوفين على الظنون والامارات، فاذا ظن العطب استتر، واذا ظن السلامة ظهر، وللسلامة وضدها امارت متميزات....(المرتضى ـ الذخيرة: 421، وانظر شرح جمل العلم: 226 ـ 228 والطوسي ـ تلخيص الشافي 1: 80 ـ 81 وايضاً 4: 215).
واما الوجه الذي لاجله وقعت الغيبة، فقد ذكر جماعة من فضلاء الاصحاب ان ذلك هو الخوف على نفسه، قالوا: الحال في ذلك كحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين استتر تارة في الشعب، واخرى في الغار...(المحقق الحلي ـ المسلك: 282).
انما استتر عن اعدائه خوفاً على نفسه، ومن اوليائه خوفاً عليهم من أعدائه، وكما جاز لعلي والأئمة بعده كف ألسنتهم عن الفتيا في وقت وايديهم عن إصلاح الرعية في اكثر الاوقات خوفاً على انفسهم، فكذلك يجوز لامام الوقت اخفاء نفسه خوفاً عليها.(المحقق الحلي ـ الرسالة الماتعية: 311).
بقي علينا ان نبين سبب غيبته عليه السلام، وهو السبب المحوج للأنبياء الى الغيبة، مثل هروب موسى عليه السلام الذي دل عليه القرآن حيث قال: (ففرت منكم لما خفتكم) الشعراء: 21، وهروب يونس عليه السلام، ودخول ابراهيم عليه السلام النار، ودخول نبينا صلى الله عليه وآله وسلم الغار، فاذا لم يوجب هرب الانبياء خللاً في نبوتهم فلا يوجب هرب الامام مع ان الاعداء الآن اكثر وأولى.(محمد بن سعيد الراوندي ـ عجالة المعرفة: 40).
اما السؤال عن الاسباب التي دعت الى غيبته فاللازم اولاً أن يعرف السائل ان الانسان اذا عرف ان له خالقاً لم يخلقه عبثاً ولم يتركه سدىً بل كلفه بتكاليف يؤهله بها للفوز والسعادة الأبدية في دار اخرى هي دار القرار ودار الجزاء، فاذا عرف ذلك جيداً وجب عليه أن يعرف التكاليف، والاحكام التي امره الله بها ويأخذ من الحجة عليه والسفير بينه وبين الله سبحانه، ولا يلزم عليه ان يعرف حكمة تلك الاحكام ومصالح التكاليف، وإن كنا نعلم على الإجمال ان جميعها مشتمل على أشرف الحكم والمصالح...(كاشف الغطاء، جنة المأوى: 197).
4 ـ اسباب الغيبة
فان قيل: هذا (أي وجوب الرياسة في كل زمان) يوجب أن يكون الامام في كل حال ظاهراً متصرفاً حتى يقع الانزجار عن القبائح به، فان الزاجر هو تدبيره وتصرفه لا وجود عينه، وهذا يقتضي أن يكون الناس في حال الغيبة غير مزاحي العلة في تكليفهم.
قلنا: لا شبهة في ان تصرف الامام في الامة هو اللطف وفيه المصلحة لهم في الدين، وان كان ذلك لا يتم الاّ بايجاد الامام والنص على عينه، والذي يتم به لطفنا في الامامة ويتعلق به مصلحتنا هو مجموع علوم بعضها يتعلق بالله ويختص به، فعليه تعالى ازاحة العلة فيه، وبعض آخر يتعلق بنا، ولا يتم الا بفعلنا، فعليه تعالى أن يوجبه علينا وعلينا أن نطيع فيه، فاذا عصينا وفرطنا كانت الحجة علينا وبرىء تعالى من عهدة ازاحة علتنا.
ألا ترى أن المعرفة التي أجمعنا فيه، والمخلصون من مخالفينا في الامامة، على أن جهة وجوبها اللطف لا يتم الغرض فيها الا بأمور من فعل الله تعالى وامور من فعلنا، والذي يتعلق بفعل الله تعالى أن يعلمنا وجوبها ويقدرنا على السبب المولد لها ويخوفنا من التفريط في فعلها، والذي يتعلق بنا أن نفعلها أن يفعل سببها وقد فعل الله تعالى كل ما يتعلق به في هذا الباب، وليس عليه ان لا يفعل المكلف ما يتعلق به، ولا نخرجه من أن يكون مزيحاً لعلته في تكليفه.
وقد خلق الله تعالى امام الزمان عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام، ونص الامامة على عينه، ودل على اسمه ونسبه بالادلة القاطعة، وحث على طاعته وتوعد على معصيته، فاما الامور التي لا يتم مصلحتنا بالامام الا بها وهي راجعة الى افعالنا، وهي تمكين الامام والتخلية بينه وبين ولايته والعدول عن تخويفه وارهابه ثم طاعته وامتثال اوامره، فاذا لم يقع منا تمكين الامام وأخفيناه واخرجناه الى الاستتار تحرزاً من المضرة ثم نخرج من أن نكون مزاحي العلة في تكليفنا، وكان تعذر انتفاعنا بهذا الامام منسوباً الينا ووزره عائد علينا، لانّا لو شئنا أملكناه وامناه فيتصرف فينا التصرف الذي يعود بالنفع علينا.
وليس يجب اذا لم نمكنه وخلفاً بينه وبين التصرف ان يسقط عنا التكليف الذي الامامة لطف فيه، وأن يجري ذلك مجرى من قطع رجل نفسه، فان التكليف المتعلق بها سقط عنه، ولا فرق بين أن يكون هو القاطع لها او غيره، وذلك انا في احوال غيبة الامام عنا متمكنون من ازالة خوفه وان نؤمنه ليظهر ويتصرف فلم يخرج عن ايدينا التمكن من الانتفاع بهذا الامام، ولا كان من فعلنا من اخافته يجري مجري قطع الرجل، لان قطعها لا يبقى معه تمكن من الافعال التي لا يتم الا بالرجل، وجرى فعلنا لما احوج الامام الى الغيبة مجري شدّ أحدنا لرجل نفسه في أنه لا يسقط عنه تكليف القيام لقدرته على ازالة هذا الشد، وجرى قطع الرجل مجري قتل الامام.(المرتضى ـ الذخيرة: 415 ـ 417 ونحوه باختصار الشافي 3: 150).
واما غيبة بعض الائمة وتعطل الاحكام فانما ذلك من جهة الرعية دون الامام... فانما على الله تعالى ايجاد للرعية ليجمع به شملهم، فان لم يمكنوه من فعله لعدم قابليتهم وسوء استعدادهم فما على الله من ذلك حجة (فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون)، وذلك كما في سائر الكمالات والخيرات فانها انما تفيض على العباد بقدر قابليتهم، مع أن ما في الغيبة من الخيرات والحكم من تضايف مثوبات المؤمنين بها المصدقين بوجود الامام في اعمالهم الصالحات ما يسهل معها فوات اقامة الحدود ونحوها.(الفيض ـ علم اليقين 1: 376).
5 ـ سبب الغيبة من الاعداء
واما سبب غيبته عليه السلام فلا يجوز ان يكون من الله تعالى، لانه تعالى يجب عليه نصبه وتمكينه ولا منه عليه السلام لانه معصوم، ويجب عليه القيام بامور الامامة، ولا يجوز له ان يترك ما يجب لعصمته فتعين ان يكون من الامة وهم اولياء واعداء، فالمنع ليس من الاولياء لانهم لو ظهر لنصروه، فتعين ان يكون من الاعداء لكثرتهم وقلة الانصار، فاذا زال ظهر وملا الارض قسطاً وعدلاً...(المقداد السيوري ـ الاعتماد: 99 ـ 100).
وليست غيبته من الله ولا منه بل للخوف على نفسه من كثرة الاعداء وقلة الناصر، أو المصلحة استأثر الله بعلمها، وطول عمره ليس بمستبعد لوقوع مثله أو اكثر باضعاف كغيره من السعداء والاشقياء، ولابد من ظهوره بعد الغيبة لقول النبي (لو لم يبق من الدنيا الا ساعة واحدة لطول الله تعالى تلك الساعة حتى يخرج رجل من ذريتي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي فيملأ الارض عدلاً وقسطاً كما ملات ظلماً وجوراً).(زاد المسافر ـ ابن ابي جمهور: 56).
6 ـ اسباب الغيبة الخوف
ان حسن غيبة الخائف من الضرر القوي الظن بكون الغيبة مؤمنة له منه، فمعلوم ضرورة وجوبها عليه فضلاً عن حسنها لكونها محرزاً من ضرر، وأما ثبوت ذلك في غيبة الصاحب عليه السلام فمختص به لكل ذي ظن ويحرز منه لا يفتات عليه فيه، على أنا إذا كنا وكل مخالط متأمل بقدم وجوده أو تأخره، نعلم نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم وامير المؤمنين عليه السلام، والائمة على امامة الثاني عشر، وكونه المزيل لجميع الدول والممالك الجامع للخلق على الايمان بالقهر والاضطرار، علمنا توفر دواعي كل ذوي سلطان وتابع له الى طلبه وتتبع آثاره وقتل المتهم بنصرته لما نجدهم عليه من حب الرئاسة... وارتفع الريب عنا بوجوب ما استمر هذا الخوف الى ان يعلم بشاهد الحال او بغير ذلك وجود انصار يتمكن بمثلهم من تأدية الفرض من جهاد الكفار او توبة المتغلبين من ذوي السلطان، فحينئذ يظهر منتظراً للحق كظهور كل من الانبياء وخلفاء الله في الارض عليهم السلام بعد الخوف والاضطرار....(ابو الصلاح ـ تقريب المعارف: 440 ـ 441).
... إنّا بينا... ان السبب في انبساط يده عليه السلام مركب من ثلاثة أجزاء: احدها: يجب من الله وهو ايجاده واكماله في ذاته، والثاني: يجب عليه نفسه وهو القيام بأعباء الامامة، والثالث: على الخلق وهو الانقياد له ومساعدته في تنفيذ اوامر الله تعالى والقيام بها.
والماهية المركبة لا تتحقق إلا بمجموع اجزائها، لكن وان حصل وجوده وقيامه باعباء الامامة ـ وهذان الامران اللذان يتعلقان بالله تعالى وبه نفسه ـ فان الجزء الثالث من الخلق لم يحصل، إذ لم يزل خائفاً مستتراً من الاعداء، فقد ظهر من ذلك ان سبب غيبة الامام هو قوة الظالمين والخوف منهم، على أن لنا أن نقول: ان سلمنا أن هذا ليس بسبب، لكن اذا ثبت انه معصوم لم يفعل قبيحاً ولم يخل بواجب لم يلزم من عدم تعلقنا لعلة غيبته ان لا يكون موجوداً لجواز ان يكون ذلك لمصلحة لا يطلع عليها.(ابن ميثم ـ النجاة في القيامة: 203 ـ 204).
... ان الامام المهدي عليه السلام باق واختفى خشية على نفسه والناس منعوا انفسهم اللطف...(العلامة الحلي ـ كشف الفوائد: 308).
وغيبته عليه السلام ليست من الله لحكمته ولا منه لعصمته فهي من خوفه على رعيته.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 244).
7 ـ حكمة الغيبة
ومن الحكم في غيبته عجل الله فرجه ولعلها من اهم الحكم والاسرار هو تمحيص المؤمنين بهذه المحنة وابتلاؤهم بهذه الفتنة... والاخبار بهذا المعنى كثيرة وان بطول مدة غيبته يمتاز الايمان الثابت من المستودع والمؤمن الخالص من المغشوش، فهي غربلة وتصفية للمؤمنين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، روى الصدوق عن الكاظم عليه السلام (اذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد يا بني لابد لصاحب هذا الامر من غيبة حتى يرجع عن هذا الامر من كان يقول به إنما هي محنة من الله عزّ وجلّ امتحن بها خلقه... يا بني عقولكم تصغر عن هذا واحلامكم تضيق عن حمله).
وفي الاحتجاج في التوقيع الصادر من الناحية المقدسة على يد العمري: (اما علة ما وقع من الغيبة فان الله عزّ وجلّ يقول: (يا ايها الذين آمنوا لا تسألوا عن اشياء إن تبد لكم تسؤكم) انه لم يكن أحد من آبائي الا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني اخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي)....(كاشف الغطاء ـ جنة المأوى: 203 ـ 205).
8 ـ المهدي لحكمة الغيبة
... اذا تقرر امامة صاحب الزمان عليه السلام بالأدلة العقلية والسمعية، واقتضى كونه معصوماً فيما قال وفعل... وجب القطع على حسن ذلك، وسقوط التبعة عنه، واسناده الى وجه حكمي له حسنت الغيبة، ولم يجز لمكلف علم ذلك ان شك في امامته لغيبة، او يرتاب بوجوده لتعذر تميزه ومكانه، لان حصول ذلك عن عذر لا ينافي وجود الغائب، ولا يقدح في امامته الثابتين بالادلة، كما لا يقدح ايلام الانمال وذبح البهائم وخلق المؤذيات في حكمة القديم سبحانه والثابتة بالبرهان، وكذلك خوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حال، واستتاره في اخرى ومهادنته في اخرى وتباين ما أتى به من العبادات والاحكام لا ينافي نبوته، ولا يقدح في حجته الثابتين بالادلة....(ابو الصلاح ـ تقريب المعارف: 439 ـ 440، ونحوهُ الطوسي ـ الاقتصاد: 367 ـ 368)
9 ـ العلم بحكمة الغيبة
... ثم يقال للمخالف في الغيبة: اتجوّز ان يكون للغيبة وجه صحيح اقتضاها، ووجه من الحكمة استدعاها، أم لا تجوّز؟ فاذا قال: انا لذلك مجوز، قيل له: فاذا كنت له مجوزاً فكيف جعلت وجود الغيبة دليلاً على انه لا امام في الزمان مع تجويزك ان يكون للغيبة سبب لا ينافي وجود الإمام؟ وهل تجري في ذلك الا مجرى من توصل بايلام الاطفال الى نفي حكمة الصانع تعالى، وهو معترف بانه يجوز ان يكون في ايلامهم وجه صحيح لا ينافي الحكمة.
وان قال: لا اجوّز ان يكون للغيبة سبب صحيح موافق للحكمة، وكيف أجوز ذلك وانا اجعل الغيبة دليلاً على نفي الامام الذي تدعون غيبته، قلنا: هذا تحجر منك شديد فيما لا يحاط بعلمه ولا يقطع على مثله، فمن أين قلت انه لا يجوز أن يكون للغيبة سبب صحيح يقتضيها، ومن هذا الذي يحيط علماً بجميع الاسباب والاغراض حتى يقطع على انتفائها؟ (المرتضى ـ المقنع: 42 ـ 43، تلخيص الشافي للطوسي 4: 211 بتفصيل اكثر).
10 ـ أسباب الغيبة
اما سبب الغيبة فهو إخافة الظالمين له عليه السلام وقبضهم يده عن التصرف فيما جعل اليه التصرف والتدبير له، لان الامام انما ينتفع به اذا كان ممكناً مطاعاً مخلّى بينه وبين أغراضه ليقوم الجناة ويحارب البغاة ويقيم الحدود ويسد الثغور وينصف المظلوم من الظالم وكل هذا لا يتم إلا مع التمكين، فاذا حيل بينه وبين مراده سقط عنه فرض القيام بالإمامة، فاذا خاف على نفسه وجبت غيبته ولزم استتاره، ومن هذا الذي يلزم خائفاً ـ اعداؤه عليه وهم حنقون ـ ان يظهر لهم وان يبرز بينهم؟ والتحرز من المضار واجب عقلاً وسمعاً، وقد استتر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الشعب مرة واخرى في الغار، ولا وجه لذلك الا الخوف من المضار الواصلة اليه... (المرتضى ـ المقنع: 52).
... اما الاستتار والغيبة فسببها اخافة الظالمين له على نفسه، ومن أخيف على نفسه فقد أحوج الى الاستتار، ولم تكن الغيبة من ابتدائها على ما هي عليه الآن، فانه في ابتداء الامر كان ظاهراً لاوليائه غائباً عن اعدائه، ولما اشتد الامر وقوي الخوف وزاد الطلب استتر عن الولي والعدو...(المرتضى ـ تنزيه الانبياء: 233).
... فمن تلك الوجوه اخافة الظالمين له، ومنعهم اياه من التصرف فيها جعل اليه التصرف فيه وخوفه على نفسه من التصرف في ذلك، فاذا حاولوا بينه وبين مراده لم يلزمه القيام بالامامة، ومتى خاف على نفسه لزمه الاستتار والغيبة كاستتار النبي صلى الله عليه وآله وسلم تارة في الشعب وتارة في الغار، إذ من المعلوم أنه لا وجه لذلك الا الخوف على النفس....(الرازي ـ المنقذ 2: 374).
واما سبب خفائه فاما لمصلحة استأثر الله بعلمها او لكثرة العدو وقلة الناصر، لان حكمته تعالى وعصمته عليه السلام لا يجوز معها منع اللطف، فيكون من الغير المعادي وذلك هو المطلوب.(المقداد السيوري ـ شرح الباب الحادي عشر: 52).
والباعث على اختفائه إمّا قوة المخالفين وضعف المؤالفين، أو مصلحة متعلقة بالمؤمنين، أو حكمة غامضة لا يطلع عليها إلا رب العالمين.(ابن مخدوم ـ شرح الباب الحادي عشر: 205).
قال الحلي: واما غيبة الامام عليه السلام فاما لخوفه على نفسه من اعدائه، على اوليائه فلا يظهر عاماً ولا خاصاً، واما لمصلحة خفية استأثر الله تعالى بعلمها.
اقول: (أي المقداد السيوري): لما دل الدليل على امامته وليس ظاهراً، فوجب أن يكون غائباً، وأما سبب الغيبة فقد ذكر المصنف (الحلي) سببين: 1 ـ أن يكون سبها الخوف على نفسه لكثرة عدوه وقلة ناصره، أو الخوف على أوليائه لو ظهر لهم، فلذلك لا يظهر عاماً لخوفه على نفسه ولا خاصاً لخوفه على أوليائه 2 ـ أن يكون سبب الغيبة مصلحة خفية استأثر الله تعالى بعلمها و(لا) يجب ان تعلم تلك (المصلحة بالتفصيل، لأنا أثبتنا الغيبة وعلمنا أن فعل الحكيم لابد له من علّة علمنا بذلك) إجمالاً وإن لم نعلمه تفصيلاً.(المقداد السيوري ـ ارشاد الطالبين: 377 ـ 378).
... الإمام عندنا موجود في كل زمان، وإنما غاب عنا خوفاً أو لحكم مخفية، وآثاره لم تنقطع عن شيعته في وقت من الأوقات وان لم يشاهده أكثرهم، فان الغرض من الإمامة الأول لا الثاني.(الشهيد الثاني ـ حقائق الايمان: 152 ـ 153).
... سبب غيبة المهدي خوفه، فلو زال ظهر باتفاق أصحاب الحديث وهو ظاهر في التفاسير، ومشهور في التواريخ، ومقرر في العقل، ومذكور في القرآن، ومسطور في النقل والأخبار... وأي فرق بين غيبة القائم عليه السلام، وعدم انتفاع اهل قم منه، وبين حضور الخليفة وعدم انتفاع أهل الشام به؟ فهذا الحضور أسوء من تلك الغيبة....(القزويني ـ النقض: 392 ـ 393).
وغيبته منا هي اما لخوفه على نفسه من اعدائه، أو لخوفه على أوليائه، أو لمصلحة خفية استأثر الله بعلمها، وقد وقعت الغيبة للأنبياء السابقين، والأولياء الصالحين، ولنبينا سيد المرسلين كما خاف وغاب في الغار.(السيد شبر ـ حق اليقين 1: 207).
11 ـ عدم الحاجة الى العلم التفصيلي في سبب الغيبة
إذا علمنا بالسياقة التي ساق اليها الأصلان المتقرران في العقل (أي أصل الإمامة وأصل العصمة): إن الامام ابن الحسن عليهما السلام دون غيره، ورأيناه غائباً عن الأبصار، علمنا ان لم يغب ـ مع عصمته وتعين فرض الإمامة فيه وعليه ـ إلا لسبب اقتضى ذلك، ومصلحة استدعته، وضرورة قادت اليه، وإن لم يعلم الوجه على التفصيل والتعيين، لان ذلك مما لا يلزم علمه، وجرى الكلام في الغيبة ووجهها وسببها على التفصيل مجرى العلم بمراد الله تعالى من الآيات المتشابهة في القرآن التي ظاهرها بخلاف ما دلت عليه العقول من جبر أو تشبيه او غير ذلك، فكما إنا ومخالفينا لا نوجب العلم المفصل بوجوه هذه الآيات وتأويلها، بل نقول كلنا: انا إذا علمنا حكمة الله تعالى، وأنه لا يجوز أن يخبر بخلاف ما هو عليه من الصفات، علمنا على الجملة ان لهذه الآيات وجوهاً صحيحة بخلاف ظاهرها بتطابق مدلول ادلة العقل وإن غاب عنا العلم بذلك مفصلاً، فانه لا حاجة بنا اليه، ويكفينا العلم على سبيل الجملة بان المراد بها خلاف الظاهر وأنه مطابق العقل، فكذلك لا يلزمنا ولا يتعين علينا العلم بسبب الغيبة، والوجه في نقد ظهور الإمام على التفصيل والتعيين، ويكفينا في ذلك علم الجملة التي تقدم ذكرها فان تكلفنا وتبرعنا بذكره فهو فضل منا....(المرتضى ـ المقنع: 41،42، تلخيص الشافي للطوسي 4: 211).
... وإذا ثبتت ووجدنا التكليف قائماً على المكلف كما كان علمنا أن استتاره لشيء يرجع اليهم، لأنه لو لم يرجع اليهم لما حسن تكليفهم ولا يلزمنا أن نعلم ذلك الأمر مفصلاً.(الطوسي ـ الاقتصاد: 368).
... انه لما وجب كون الامام معصوماً علمنا ان غيبته طاعة والا لكان عاصياً ولم يجب علينا ذكر السبب...(ابن ميثم ـ قواعد المرام: 190).
إن استتاره... فيه مصلحة خفية لا نعلمها نحن اما من الخوف على نفسه أو لأمر آخر غير معلوم لنا على التفصيل.(العلامة الحلي ـ مناهج اليقين: 482).
وليس على العباد أن يبحثوا عن أمور الله ويقفوا أثر ما لا علم لهم به ويطلبوا إظهاره، ما ستره الله عليهم وغَيّبهُ عنهم، قال الله تعالى لرسوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم)، فليس يجوز لمؤمن ولا مؤمنة طلب ما ستره الله، ولا البحث عن اسمه وموضعه، ولا السؤال عن أمره ومكانه حتى يؤمروا بذلك، إذ هو عليه السلام غائب خائف مغمور مستور بستر الله من متبع لأمره عزّ وجلّ ولأمر آبائه، بل البحث عن اُمره وطلب مكانه، والسؤال عن حاله وامره محرم لا يحل ولا يسع لأن في طلب ذلك واظهار ما ستره الله عنا وكشفه، وإعلان أمره والتنويه باسمه معصية لله، والعون على سفك دمه عليه السلام ودماء شيعته، وانتهاك حرمته....(الاشعري ـ المقالات والفرق: 104).
واما علة الغيبة فلم نكلف بعلمها وقد ورد عنه عليه السلام في التوقيع جواباً لمن سأل عن علة الغيبة: (لا تسألوا عن اشياء إن تبدلكم تسؤكم وقد سألها قوم من قبلكم ثم اصبحوا بها كافرين) المائدة: 101 (السيد شبر ـ حق اليقين 1: 270).
ولا يلزمنا العلم بذلك الوجه على التفصيل لانه لا فرق في العلم بحسن الشيء بين ان يعلم وجه حسنه معيناً وبين أن يعلم استناده إلى إخبار من لا يجوز عليه فعل القبيح، ولهذا قضينا بالحسن على جميع ما فعله القديم تعالى وكلفه ودعى اليه الرسول وفعله.(ابن زهرة ـ غنية النزوع 2: 216).
والقول الفصل أنّه إذا قامت البراهين في مباحث الإمامة على وجوب وجود الإمام في كل عصر، وأن الأرض لا تخلو من حجة وأن وجوده لطف وتصرفه لطف آخر فالسؤال عن الحكمة ساقط والادلة في محالها على ذلك متوفرة.(كاشف الغطاء ـ اصل الشيعة: 228).
12 ـ لماذا لم ينصره الشيعة
... ليس لاحد ان يقول: فما بال الموجودين من شيعته الذين قد ملأوا الارض لم ينصروه على أعدائه وما باله هو لم يظهر منتصراً بهم؟
لانه ليس كل متدين بامامته عليه السلام يصلح للحرب وينهض نعت القتال ويقوى على مجالدة الاقران ولا كلّ مقتدر على ذلك يوثق منه بنصرة الحق وبذل النفس والاموال والحميم. وكيف يظن ذلك من يعلم ضرورة كون اكثر الشيعة ذوي مهن وضعف عن الانتصار من أضعف الظالمين، ومن لا يثبت الجمع الكثير منهم كواحد من أتباع المتغلبين، ومن يظن به النصرة من نفسه من شيعة الحجة عليه السلام لكونه ممارساً لالآت الحرب مخالطاً لاصحاب الدول هو تبع للضلال، وباذل نفسه في نصرة الفجار، ومعونتهم على مظالم العباد، ومن يرجى معونته بما له من ذوي اليسار منهم معلوم كونه أو معظمهم مانعاً لما يجب للحجة عليه في ماله من حقوق الخمس والأنفال التي لو أخرجوها لأوشك ظهور الحجة عليه السلام لتمكنه بها من الإنتصار... فلو فعل المكلفون أو أكثرهم، أو من يصح به الإنتقام من الباقين ما يجب عليه مما ذكرناه، لظهر الحجة وغلب كلمة الحق، ولما لم يفعلوا ما يستطيعونه من تكليفهم ثبت تقصير كل منهم، وكونه مستحقاً للوزر وإخلاله بالواجب عليه وتأثيره في غيبة الحجة كتأثير العدو المعلن، وإذا لحق أكثر الأولياء بحكم الأعداء في تسبيب الغيبة سقط الاعتراض بكثرتهم...(ابو الصلاح ـ تقريب المعارف: 441 ـ 442).
وقد سقط بما قدمناه سؤال من يقول: ألاّ ظهر إمام الزمان عليه السلام منتصراً لشيعته ففي بعضهم نصرته، وألاّ قاموا بنصرته حتى يظهر مع ما هم عليه من الكثرة؟ لأن ظهوره إذا كان متعلقاً بحصول أمنة وكان زمان الامن منصوصاً له عليه على ما بيّناه، لم يبق لهذا السؤال وجه، علي أنّ المعلوم من حال الأكثر من شيعته إنهم لا يصلحون للحرب على نفسه ولا ينهضون بعبأ القتال ومن يصلح منهم لذلك غيرموثوق به في نصرته عليه السلام التي لا يمكن الا ببذل النفس والمال وهجر الأهل والأوطان، وكيف يوثق بهم فيما ذكرناه مع عظيم مشقته وهم من الإخلال بما هو دون ذلك في المشقة من التكاليف والواجبات على ما قد علمناه، وبهذا يسقط قول السائل: (ألاّ قاموا بنصرته؟) لأن أقصى ما في ذلك أن يكون القيام بنصرته واجباً عليهم، فما المنكر من إخلالهم به كإخلالهم بغيره من الواجبات؟ على إنا نعلم أن من يصلح من شيعته لا يساوي في الكثرة أعداءه بل يقصر عنهم، ولا يقاربهم لانهم جميع ارباب الدول والمماليك التي يظهر لإزالتها، فكيف يلزمهم القيام بنصرته والأمر على ما ذكرناه؟ وكل هذا بين لمن تأمله بعين الانصاف. (ابن زهرة ـ غنية النزوع 2: 220 ـ 221).
13 ـ المصلحة لوجود الامام
فان قيل: اذا كان الخوف قد اقتضى ان المصلحة في استتاره وتباعده فقد تغيرت الحال اذاً في المصلحة بالإمام، واختلف وصار ما توجبونه من كون المصلحة مستمرة بوجوده وأمره ونهيه مختلفاً على ما ترون وهذا خلاف مذهبكم.
الجواب: قلنا المصلحة التي توجب استمرارها على الدوام بوجوده وأمره ونهيه انما هي للمكلفين، وهذه المصلحة ما تغيرت ولا تتغير، وانما قلنا ان الخوف من الظالمين اقتضى ان يكون من مصلحته هو عليه السلام في نفسه الاستتار والتباعد، وما يرجع الى المكلفين به لم يختلف، ومصلحتنا وإن كانت لا تتم الا بظهوره وبروزه، فقد قلنا إن مصلحته الآن في نفسه في خلاف الظهور وذلك غير متناقض، لان من أخاف الإمام وأحوجه الى الغيبة، وإلى أن يكون الاستتار من مصلحته قادر على أن يزيل خوفه فيظهر ويبرز ويصل كل مكلف الى مصلحته، والتمكن مما يسهل سبيل المصلحة تمكن من المصلحة، فمن هذا الوجه لم يزل التكليف الذي به الامام لطف فيه عن المكلفين بالغيبة منه والاستتار، على أن هذا يلزم في النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما استتر في الغار وغاب عن قومه بحيث لا يعرفونه، لأنا نعلم أن المصلحة بظهوره وبيانه كانت ثابتة غير متغيرة، ومع هذا الحال فان المصلحة له في الاستتار والغيبة عند الخوف ولا جواب عن ذلك، وبيان أنه لا تنافي ولا تناقض الا بمثل ما اعتمدناه بعينه.(المرتضى ـ تنزيه الانبياء: 234 ـ 235).
14 ـ إمكان ظهور الامام بحيث لا يمسه الظلم
فان قيل: إن كان خوف ضرر الاعداء هو الموجب للغيبة أفلا اظهره الله تعالى في السحاب، وبحيث لا تصل اليه أيدي اعدائه فيجمع الظهور، والأمان من الضرر؟
قلنا: هذا سؤال من لا يفكر فيما يورده، لأن الحاجة من العباد إنما تتعلق بإمام يتولى عقاب جناتهم، وقسمة أموالهم، وسد ثغورهم، ويباشر تدبير أمورهم، ويكون بحيث يحل ويعقد ويرفع ويضع، وهذا لا يتم الا مع المخالطة والملابسة، فاذا جعل بحيث لا وصول إليه ارتفعت جهة الحاجة إليه فصار ظهوره للعين كظهور النجوم الذي لا يسدّ منا خللاً، ولا يرفع زللاً، ومن احتاج في الغيبة الى مثل هذا السؤال فقد أفلس ولم تبق فيه مسكة.(المرتضى ـ المقنع: 57 ـ 58).
15 ـ تمكين الله الناس لإمامته
ان قلت: ان الله تعالى قادر على ان يكثر اوليائه ويحملهم على طاعته ويقلل اعداءه ويقهرهم على طاعته فحيث لم يفعل كان مخلاً بالواجب.
قلت: لما كان ذلك مؤدياً الى الجبر المنافي للتكليف لم يفعله الله تعالى، فقد ظهر أن نفس وجود الإمام لطف وتصرفه لطف آخر، وعدم الثاني لا يلزم منه عدم الأول، فتكون الإمامة لطفاً مطلقاً وهو المطلوب.(مقداد السيوري ـ ارشاد الطالبين: 331 ـ 332).
16 ـ وجوب خلق الأنصار له
قالوا: اذا كان الامام لطفاً واجباً عليه تعالى وجب أن يخلق له أنصاراً ولما لم يخلق بطلت لطفيته.
قلنا: لا يتم لكم ذلك وعندكم لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.
قالوا: لم لا يخلق له خلقاً يطيعونه ويسقط عنهم التكليف وينفعهم بالاعواض.
قلنا: يلزم الالجاء فيستغني عن الامام إذ لم يبق من يكون الامام لطفاً لهم. (البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 226).
17 ـ لماذا لم يحفظه الله من القتل
فان قيل: ألا جز من الله تعالى الامام من الاعداء، وأظهره ليدبر امورهم، هل بتضييق قدرته عن حفظه منهم حتى لا ينالوه بسوء؟
قلنا: الله تعالى قادر على كل شيء، وما ليس بمقدور في نفسه لا يوصف بالقدرة عليه، وقد منع الله تعالى امام الزمان عليه السلام، وحفظه من الاعداء بكل ما لا ينافي التكليف من النهي والامر والوعظ والزجر، فاما ما ينافي التكليف وموجب الالجاء، فلا يجوز ان يفعله والحال حال التكليف.(المرتضى ـ الذخيرة: 422، الطوسي ـ تلخيص الشافي 1: 81 ـ 82).
... الحراسة والعصمة من المخافة على ضربين: فمنها ما لا ينافي التكليف، ولا يخرج المكلف الى حد الالجاء، وهذا القسم قد فعله الله تعالى على ابلغ الوجوه وحرس الامام بالحجة وايده ونصره بالادلة، وأمّا القسم الآخر فهو ما نافي التكليف، وأخرج من استحقاق الثواب والعقاب، وألزامنا هذا القسم من عجيب الأمور، لان الامام انما يحتاج اليه للمصلحة في التكليف، فكيف يجمع بينه وبين ما نافاه ونافى التكليف... (المرتضى ـ الشافي 3: 150 ـ 151) كل منع لا يؤدي الى زوال التكليف والالجاء، فان الله تعالى قد فعل به من الامر بطاعته وايجاب نصرته وامتثال امره ونهيه، فاما ما يمنع من التكليف ـ من الحيلولة بينه وبينهم ـ وما يجري مجراه، فان ذلك يمنع التكليف منهم.(شرح جمل العلم ـ المرتضى: 229).
... ان هذا (أي الاظهار والحفظ من قبل الله تعالى) وإن كان مقدوراً له تعالى، ولكن المصلحة في غيره لوقوفها على اختيار المكلف دون إلجائه كسائر المعارف العقلية والتكاليف الشرعية المتعلق كونها مصلحة بفعل المكلف دون مكلفه سبحانه، وتكليفه الضروري ثابت وان فقد لطفه لتعلق فقدانه به دون القديم سبحانه، فكما أن سؤال من قال هلا فعل الله العلم الضروري بجملة المعارف للكفار، واضطر الكل الى فعل الشرعيات، وترك قبائحها لتتم المصلحة ويحسن تكليفهم هذه المعارف والشرائع لطف فيه ساقط، فكذلك سؤال من قال: هلا جبر الله تعالى الرعية على طاعة الرئيس ومنعهم من ظلمه اذ كان العذر في الموضعين واحداً. (ابو الصلاح ـ تقريب المعارف: 443).
18 ـ لماذا لم يظهر مع حفظ التقية حتى لا يقتل
فان قيل: هلا ظهر كظهور آبائه لا بالسيف... ويدعي الامامة، بل بان يلزم بيته والتقية فينتفع الخلق به بعض الانتفاع بان يفيدهم... كصنيع الصادق والباقر عليهما السلام؟
قلنا: لو ظهر كذلك وعرف انه ابن العسكري مع ما قد اشتهر فيما بين شيعته، وعرفه المخالفون من مذهب شيعته انه الذي يزيل الظلم ويقهر الملوك ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً... لقصده اعدائه وقتلوه، وعاملوه بما عاملوا به جده الحسين عليه السلام... أليس فرعون لما قيل له وبلغه انه سيظهر في بني اسرائيل رجل يغلبك ويقهرك، ويكون هلاكك وزوال ملكك على يده اجتهد في البحث عن حاله ونصب عيوناً... فكان يذبح ابناءهم..(الرازي ـ المنقذ 2: 375 ـ 376).
19 ـ سبب غيبته
وعن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق عليه السلام يقول: إن لصاحب هذا الامر غيبة لابد منها، يرتاب فيها كل مبطل، قلت له: ولم، جعلت فداك؟
قال: لامر لا يؤذن لي في كشفه لكم، قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟
قال: وجه الحكمة في غيبته، وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف الا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة لما اتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة وقتل الغلام واقامة الجدار لموسى عليه السلام الى وقت افتراقهما. يابن الفضل إن هذا الامر أمر من الله وسر من سر الله وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه عزّ وجلّ حكيم صدقنا بأن افعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف.(احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج: 303، اكمال الدين 2 / 481 ب 44 برقم 11، حلية الأبرار 2 / 589).
20 ـ سبب عدم ظهوره
روى عن جعفر بن محمد صلوات الله عليه انه لو اجتمع للإمام عدة اهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً لوجب عليه الخروج بالسيف.
والشيعة وان كانت في وقتنا كثيراً عددها حتى تزيد على عدة اهل بدر أضعافاً مضاعفة، ولكن العدد المطلوب عند الحجة مشروط بالشجاعة، والصبر على اللقاء، والاخلاص في الجهاد، وايثار الآخرة على الدنيا، ونقاء السرائر من العيوب، وصحة العقول، وليس كل الشيعة بهذه الصفة، ولو علم الله تعالى ان في جملتهم العدد المذكور على ما شرطناه، لظهر الامام صلوات الله عليه لا محالة، ولم يغيب بعد اجتماعهم طرفة عين.(الشيخ المفيد، الرسالة الثالثة في الغيبة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7 / 11، 12).
21 ـ سبب غيبته وعدم ظهوره
لا يجب على الامام المهدي الظهور إن ادعى ظهوره الى قتله ليكون البرهان له ويزول الشك في وجوده، وذلك كما لا يجب على الله تعالى معالجة العصاة بالنقمات، واظهار الايات في كل وقت متتابعات، وان كنا نعلم انه لو عاجل العصاة لكان البرهان على قدرته اوضح والأمر في نهيه أوكد، والحجة في قبح خلافه أبين، ولكان بذلك الخلق عن معاصيه ازجر.
فالقول في هذا الباب مثله على انه لا معنى لظهور الامام في وقت يحيط العلم به بأن ظهوره منه فساد، وانه لا يؤول الى اصلاح، وانما يكون ذلك حكمة وصواباً اذا كانت عاقبته الصلاح، ولو علم عليه السلام ان في ظهوره صلاحاً في الدين مع مقامه في الهلاك، أو هلاكه وهلاك جميع شيعته وانصاره لما ابقاه طرفة عين، ولا فتر عن المسارعة الى مرضاة الله جل اسمه، لكن الدليل على عصمته كاشف عن معرفته لرد هذه الحال عند ظهوره في هذا الزمان بما قدمناه من ذكر العهد اليه، ونصب الدلائل والحد والرسم المذكورين له في الافعال.(الشيخ المفيد، الرسالة الثالثة في الغيبة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/13،14).
22 ـ سبب استتاره
إن اختلاف حالة صاحب الزمان وآبائه عليه وعليهم السلام فيما يقتضيه استتاره اليوم وظهوره، اذ ذاك يقضي بطلان ما توهمه الخصم من سهولة هذا الزمان على صاحب الامر عليه السلام وصعوبته على آبائه صلوت الله عليهم فيما سلف، وقلة خوف اليوم وكثرة خوف آبائه فيما سلف، وذلك انه لم يكن احد من آبائه عليهم السلام كلف القيام بالسيف مع ظهوره، ولا الزم بترك التقية، ولا الزم الدعاء الى نفسه حسبما كلفه امام زماننا، هذا بشرط ظهوره عليه السلام وكان من مضى من آبائه صلوات الله عليهم قد أبيحوا التقية من اعدائهم، والمخالطة لهم والحضور في مجالسهم، واذاعوا تحريم اشهار السيوف على انفسهم، وخطر الدعوة اليها.
واشاروا الى منتظر يكون في آخر الزمان منهم يكشف الله به الغمة، ويحيى ويهدي به الامة لا تسعه التقية عند ظهوره ينادي باسمه في السماء الملائكة الكرام، ويدعوا الى بيعته جبريل وميكائيل في الانام، وتظهر قبله امارات القيامة في الارض والسماء، ويحيا عند ظهوره اموات، وتروع ايات قيامه، ونهوضه بالامر الابصار.
فلما ظهر ذلك في السلف الصالح من آبائه عليهم السلام، وتحقق ذلك عند سلطان كل زمان وملك كل اوان، وعلموا انهم لا يتدينون بالقيام بالسيف، ولا يرون الدعاء الى مثله على احد من اهل الخلاف، وإن دينهم الذي يتقربون به الى الله عزّ وجلّ التقية، وكف اليد وحفظ اللسان، والتوفر على العبادات، والانقطاع الى الله عزّ وجلّ بالاعمال الصالحات امنوهم على انفسهم مطمئنين بذلك الى ما يدبرونه من شأنهم، ويحققونه من دياناتهم، وكفوا بذلك عن الظهور والانتشار، واستغنوا به عن التغيب والاستتار.
ولما كان امام هذا الزمان عليه السلام هو المشار اليه بسل السيف من اول الدهر في تقادم الايام المذكورة، والجهاد لاعداء الله عند ظهوره، ورفع التقية عن اوليائه والزامه لهم بالجهاد، وانه المهدي الذي يظهر الله به الحق، ويبيد بسيفه الضلال، وكان المعلوم انه لا يقوم بالسيف الا مع وجود الانصار واجتماع الحفدة والاعوان، ولم يكن انصاره عليه السلام عند وجوده متهيئين الى هذا الوقت موجودين، ولا على نصرته مجتمعين، ولا كان في الارض من شيعته طرأ من يصلح للجهاد، وان كانوا يصلحون لنقل الاثار، وحفظ الاحكام والدعاء له بحصول التمكن من ذلك الى الله عزّ وجلّ لزمته التقية، لانه لو ظهر بغير اعوان لا لقى بيده الى التهلكة، ولو ابدى شخصه للاعداء لم يألوا جهداً في ايقاع الضرر به، واستئصال شيعته واراقه دمائهم على الاستحلال، فيكون في ذلك أعظم الفساد في الدين والدنيا، ويخرج به عليه السلام عن احكام الدين وتدبير الحكماء.(الشيخ المفيد ـ الرسالة الرابعة في الغيبة ـ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/ 11 ـ 13).
23 ـ سبب الغيبة ووظيفة الأنام
حكم المسترشدين في زمن الغيبة مع استتار الامام المهدي نقول: انما يجب على الامام المهدي القيام فيما نصب له مع التمكن من ذلك والاختيار، وليس يجب عليه شيء لا يستطيعه، ولا يلزمه فعل الايثار مع الاضطرار، ولم يُؤت الامام في التقية من قبل الله عزّ وجلّ، ولا من جهة نفسه واوليائه المؤمنين، وانما اتي ذلك من قبل الظالمين الذين اباحوا دمه ودفعوا نسبه، وانكروا حقه، وحملوا الجمهور على عداوته ومناصبه القائلين بامامته. وكانت البلية فيما يضيع من الاحكام، ويتعطل من الحدود، ويفوت من الصلاح، متعلقة بالظالمين، وامام الانام بريء منها وجميع المؤمنين.
واما الممتحن بحادث يحتاج الى علم الحكم فيه نقد وجب عليه ان يرجع في ذلك الى العلماء من شيعة الامام، وليعلم ذلك من جهتهم بما استودعوه من أئمة الهدى والمتقدمين.
وإن عدم ذلك ـ والعياذ بالله ـ ولم يكن فيه حكم منصوص على حال فيعلم انه على حكم العقل، لانه لو اراد الله ان يتعبد فيه بحكم سمعى لفعل ذلك، ولو فعله لسهل السبيل اليه.
وكذلك القول في المتنازعين يجب عليهم رد ما اختلفوا فيه الى الكتاب والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جهة خلفائه الراشدين من عترته الطاهرين، ويستعينوا في معرفة ذلك بعلماء الشيعة وفقهائهم، وهذا مع غيبة الإمام، ولو كان الإمام ظاهراً ما وسعه غير الرد اليه والعمل على قوله.(الشيخ المفيد، الرسالة الاولى في الغيبة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/14، 15).
24 ـ لماذا لم يظهر في الدول الشيعية
اعترض صاحب فضائح الروافض بأنّ المهدي لماذا لم يظهر في عهد الديالمة الشيعة؟
اجاب القزويني: انه عليه السلام خاف إن ظهر فعل به ملوك الديالمة الشيعة ما فعل اهل السنة بالمسترشد والراشد حيث قتلا مع كثرة اهل السنة... فالمهدي يعلم ان الشيعة تصنع معه ما صنع اهل السنة بالخلفاء... على ان غيبة الامام مصلحة من قبل الله تعالى وظهوره: باذن الله تعالى. (القزويني ـ النقض: 474 ـ 475).
انتظاره (عليه السلام)
قال المظفر رحمه الله: (ان طبيعة الوضع الفاسد في البشر البالغة الغاية في الفساد والظلم مع الايمان بصحة هذا الدين وانه الخاتمة للأديان انتظار المصلح لانقاذ العالم مما هو فيه، ولاجل ذلك آمنت بهذا الانتظار جميع الفرق المسلمة) لكن اورد عليه السيد الخرازي: ان مجرد طبيعة الوضع الفاسد يقتضي اظهار مصلح واخراجه حتى يتمكن به إصلاح العالم مما هو فيه، ولا يدل على وقوع هذا الاصلاح الا بضميمة ما بشر الله به في الكتاب العزيز من غلبة الدين الاسلامي على جميع الأديان كقوله: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله...)، أو بضميمة بشارة النبي والائمة الماضين عليهم السلام بوقوع هذا الامر وحتميته وهذا هو السبب في ايمان جميع الفرق المسلمة بذلك الانتظار لا مجرد طبيعة الوضع الفاسد.(الخرازي ـ بداية المعارف 2: 138).
1 ـ انتظار المصلح
ان البشرية التي تعيش اليوم اعقد ظروفها الفكرية وأخطر مراحلها الحضارية في أمسّ الحاجة الى هذا المصلح المنتظر الذي لابد أن يطلع عليها في يوم ما ليعيد ركب الانسانيّة الى نهجه الصحيح ويحمله على الصراط المستقيم، وان العقل البشري ليتطلع الى مثل هذا المصلح المنتظر ويقر بحتميته وضرورته، ولو لم يكن هناك نص عليه أو اشارة اليه، بل ان الفيلسوف الانكليزي المشهور برنارد شو قد بشر بهذا المصلح بدافع من فكره الذاتي وكتب في ذلك كتاباً سماه (الانسان والسوبرمان)، وقد ذهب الى ان هذا المصلح المنتظر، انسان حي ذو بنية جسدية صحيحة، وطاقة عقلية خارقة، انسان أعلى يترقى اليه هذا الانسان الادنى بعد جهد طويل، وانه (يطول عمره حتى ينيف على ثلاثمائة سنة ويستطيع ان ينتفع بما استجمعه من اطوار العصور…) (ال ياسين ـ اصول الدين: 423 ـ 424).
2 ـ الانتظار
إعلم أن الانتظار ليس بمعنى رفض المسؤولية والعمل والتعهد، وإحالة ذلك الى الإمام المهدي عليه السلام لقيام الضرورة على بقاء التكاليف، هذا مضافاً الى التصريح في الروايات بلزوم الالتزام بأمر الله، والولاية للأئمة، والبراءة من أعدائهم، واختيار الورع...فمن إدعى أنه من المنتظرين، ومع ذلك خالف امر الله، أو تولى لأعداء الله... فهو من الضالين المنحرفين... وانما المنتظر من يصلح نفسه وأصلح الامور وينتظر ويتوقع الفرج فيما لم يقدر على إصلاحه... وتعبير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الانتظار بالعبادة يناسب انتظار هؤلاء المتعهدين لا الذين رفضوا التكاليف، كما أن الانتظار بالمعنى المذكور يوجب الفرج عن الضلالة والنجاة عن الانحراف عن المسير بحيث إن ظهر الامام امكن له ان يدخل في زمرة ناصريه...
قال السيد صدر الدين الصدر في فوائد الانتظار:
1 ـ إن الانتظار بنفسه من حيث هو رياضة مهمة للنفس، ولازمه اشغال القوة المفكرة، وتوجيه الخيال نحو الأمر المنتظر مما يوجب قهراً أمرين: 1 ـ قوة المفكرة ضرورة توجب ازدياد القوى بالاعمال 2 ـ تمكن الانسان من جمعها وتوجيهها نحو امر واحد.
2 ـ يسهل وقوع المصائب والنوائب ويخفف وطأتها اذا علم الانسان وعرف أنها في معرض التدارك والرفع... سيما اذا احتمل تداركها عن قريب والمهدي عليه السلام بظهوره يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
3 ـ لازم الانتظار محبة ان يكون الانسان من اصحاب المهدي وشيعته ولازم ذلك ان يسعى في اصلاح نفسه.
4 ـ الانتظار كما انه يبعث الى إصلاح النفس بل والغير كذلك يكون باعثاً وراء تهيئة المقدمات والمعدات الموجبة لغلبة المهدي على عدوه ولازمه تحصيل ما يحتاج اليه من المعارف والعلوم سيما وقد علم ان غلبته على عدوه تكون بالاسباب العادية..(الخرازي ـ بداية المعارف 2: 165 ـ 167).
سفرائه (عليه السلام)
... وجعل الحسن عليه السلام وكيله ابا محمد عثمان بن سعيد العمري الوسيط بينه وبين شيعته في حياته، فلما ادركته الوفاة امره عليه السلام فجمع شيعته واخبرهم ان ولده الخلف صاحب الامر بعده، وان ابا محمد عثمان بن سعيد العمري وكيله، وهو بابه، والسفير بينه وبين شيعته، فمن كانت له حاجة قصده... وكانت الشيعة تقصده من كل بلد بقصص وحوائج، وكانت الاجوبة تخرج اليهم على يده، فلما دنت وفاته جمع من كان بقي من شيوخ الشيعة واخبرهم انه ميت، وان صاحب الامر عليه السلام قد أمره ان ينص على ولده ابي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري، فمن كانت له حاجة قصده وتوفي رحمه الله، وهو أول أبواب صاحب الامر عليه السلام، وكانت الشيعة يأتونه من كل بلد... فلما حضرته الوفاة خبر الشيخ الشيعة انه مقبوض وانه قد أمر بأن يقيم ابا القاسم الحسين بن روح النوبختي مقامه، وكان النوبختي كاتب عثمان بن سعيد... وتوفي رحمه الله وهو الباب الثاني... فلما حضرته الوفاة جمع شيوخ الشيعة وعرفهم موته، وانه قد أمر أن يقيم ابا الحسن علي بن محمد بن سهل السمري مقامه... وتوفي النوبختي وكان الباب الثالث من ابواب صاحب الامر عليه السلام، وكانت الشيعة تختلف اليه وتقصده، فلما حضرته الوفاة اجتمع اليه من كان بقي من شيوخ الشيعة وقالوا له: عرفنا من لنا بعدك، فلم يجبهم عن كلامهم، فلما طال خطابهم وتكرر مرة بعد ثانية قال لهم: ما أمرت بشيء وليس بعدي باب يقصد، وذكرّهم الخبر المأثور عن الائمة عليهم السلام ان الله تعالى اذا اراد إظهار صاحب الامر ستر ابوابه فاعترفوا بالخبر وصحته. ثم قال: والأمر قريب. ولو كان الابواب المقصود باختيار الشيعة لم تنقطع الى وقت ظهور صاحب الامر عليه السلام، فعلم ان من تقدم من الابواب كان بنص من صاحب الامر عليه السلام على واحد واحد.(السد آبادي ـ المقنع: 146 ـ 148).
ظهوره (عليه السلام)
قالوا: ظهوره مشروط بزوال خوفه ولا علم له بما في قلوب الناس له فلا يزول خوفه.
قلنا: عندنا ان آباءه اعلموه بمدة غيبته، وبعلامات وقت ظهوره، بما نقلوه عن جده عن جبرائيل عن ربه على ان خروجه يجب اذا غلب السلامة في ظنه، كما يجب النهي عند امارة انجاعه، وغير ممتنع ان يعلمه الله بآياته، وبالهامه انه متى غلب على ظنه زوال خوفه وجب خروجه تبعاً لظنه الذي هو طريق الى علمه بزوال خوفه.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 223).
قال ابن زهرة بعد ما ذكر ان سبب الغيبة هو الخوف على المهجة: فإن قيل: فبما يميز بين الزمان الذي يأمن فيه القتل وبين غيره؟ قلنا: بما جعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم علماً على ذلك وحصل له علمه من جهة آبائه، على انه غير ممتنع ان يكون خوفه وامنه متعلقين بظنه، وان يكون الله سبحانه تعبده في الغيبة والظهور بالعمل به فمتى ظن السلامة ظهر، ومتى ظن الهلاك استتر.
فان قيل: ظن السلامة لا يرفع الخوف لان وقوع خلاف المظنون جائز، وهذا قول منكم بظهوره مع خوف القتل، وهو نقض قولكم اولاً، قلنا: علمه عليه السلام بان الله تعالى تعبده بالظهور عند ظن السلامة، واوجبه عليه يؤمنه من القتل ويصير الظن، والحال هذه طريقاً للعلم كما صار ظن الحاكم لصدق الشهود طريقاً الى العلم بسلامته في تنفيذ الحكم بقولهم من الاثم لما تعبده الله تعالى بذلك واوجبه عليه.(ابن زهرة ـ غنية للنزوع 2: 216 ـ 217).
ان قيل: كلما بَعُد الامام عنهم زاد فسادهم فزاد خوفه منهم وذلك يوجب ان لا يخرج ابداً اليهم.
قلنا: ومن الذي يقطع بزيادة فسادهم، فكم من متأخر صالح ومتقدم طالح، على انا اذا أثبتنا عدل الله وعصمة الامام احلنا سبب الغيبة على العلام كما في خلق المؤذيات المجهول وجه حسنها.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 244).
1 ـ عمرهُ ووقت الظهور
قالوا: قلتم في سن الشباب على طول عمره وذلك متناقض.
قلنا: لا ينكر ذلك الا من رفع قدرة ربه وألحق العجز به وقد عاش ضبيعة السهمي مائتين وخمسين سنة ومات شاباً فقالت اخته:....
وقد ذكر ابو سعيد ان السمندل اذا انقطع نسله وهرم القي في النار فعاد شبابه.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 226 ـ 227).
2 ـ وقت الظهور
اعترض صاحب فضائح الروافض بان المهدي لماذا لم يظهر....
اجاب القزويني: أن خروج المهدي عليه السلام موقوف على نزول عيسى، فلو نزل عيسى الى الارض ظهر المهدي من الغيبة واذا لم ينزل لم يظهر المهدي، هذا جواب من يذعن بحياة عيسى ونزوله كالمصنف.(القزويني ـ النقض: 465).
(ان سبب الغيبة) لعله ترجع الى المكلفين وهم قادرون على ازاحتها، وهي اخافتهم وظلمهم اياه وتغلبهم على موضعه، ولو أطاعوه واذعنوا له وعزموا على الانقياد له لظهر وتصرف وأمر ونهى، وحصل حينئذ ما هو لطف لهم، ومتى لم يحصل فانما أتوا ذلك من قبل نفوسهم، وهم قادرون على ازاحة ذلك.(الطوسي ـ تلخيص الشافي 1: 80).
... والظهور واجب عند عدم سبب الغيبة.(ابن ميثم ـ قواعد المرام: 191).
واذا كان سبب الغيبة الخوف، والله عالم بجميع المعلومات، فمهما علم ان تلك العلة المحوجة زالت أظهره، فان قلت: فالله قادر على ازالة الخوف، فاذا لم يزله فهو محوجه الى الغيبة، قلنا: ازالة علة المكلف في التكليف واجبة، ولكن حمله على فعل التكليف بالقهر غير جائز فضلاً عن أن يكون واجباً، لانه لو حمله على ذلك بالجبر لزال التكليف وبطل الثواب والعقاب.(محمد بن سعيد الراوندي ـ عجالة المعرفة: 41).
... وسيظهر مع وجود الناصر له ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً....(العلامة الحلي ـ كشف الفوائد: 308).
3 ـ كيفية معرفته وقت الظهور
... لابد في حال ظهوره الخاص والعام من معجز يقترن به ليعلم الخاص والعام من شيعته وغيرهم عند تأمله كونه الحجة بعينه، اذ كان النص المتقدم من الكتاب والسنة والاعتبار العقلي دلالة على امامته، وتخصيص الحجة على الجملة، ولا طريق لأحد من المكلفين منها الى تعينه، وكذلك وجب ظهور المعجز مقترناً بظهوره عليه السلام.(ابو الصلاح ـ تقريب المعارف: 456).
4 ـ لماذا لم يظهر
قال صاحب فضائح الروافض: لماذا لم يظهر ويلقى السيف على عاتقه كما فعل ابوبكر بأهل الردة وعمر بالفرس؟
اجاب القزويني: ان الخفاء في زماننا الذين عليهم حفظ حوزة الاسلام وسد الثغور لم يفعلوا هذا مع كثرة الاعداء وتغلب الاقران وضياع حقوق المسلمين ولم يتوجه نحوهم عتاب فلنقيس المهدي عليهم، ولابد من قياس ابي بكر وعمر بعلي فانه فعل كما فعلوا، وقياس المهدي بالمستظهر والمقتفى فما لم يفعلوه مع الحضور والظهور ولا يتوقع فعله من المهدي مع الغياب....(القزويني ـ النقض: 468 ـ 470).
5 ـ كيف يساوي بين حكم الظهور والغيبة
فان قيل: كيف يكون الامام لطفاً لاوليائه في احوال غيبته، وزاجراً لهم عن فعل القبيح، وباعثاً على فعل الواجب على الحد الذي يكون عليه مع ظهوره؟ وهو اذا كان ظاهراً متصرفاً علم ضرورة وخفيت سطوته وعقابه مشاهدة، واذا كان غائباً مستتراً علم ذلك بالدلائل المتطرق عليها ضروب الشبهات، وهل الجمع بين الامرين إلا دفعاً للعيان؟
قلنا: هذا سؤال لم يصدر عن تأمل، لان الامام وان كان مع ظهوره نعلم وجوده ضرورة ونرى تصرفه مشاهدة، فالعلم بانه الامام المفترض الطاعة المستحق للتدبير والتصرف لا يعلم الا بالاستدلال الذي يجوز اعتراض الشبهة فيه، والحال في العلم بانه الامام المفروض الطاعة وان الطريق اليه الدليل في الغيبة والظهور واحدة، فقد صارت المشاهدة والضرورة لا تغني في هذا الباب شيئاً لانهما مما لا يتعلقان الا بوجود عين الامام دون صحة امامته، ووجوب طاعته واللطف انما هو يتعلق بما هو غير مشاهد، وحال الظهور ـ في كون الامام عليه السلام لطفاً لمن يعتقد امامته وفرض طاعته ـ (كحال الغيبة).(المرتضى ـ المقنع: 87 ـ 88).
6 ـ كيف يعلم الامام بوقت ظهوره
فان قيل: إذا علقتم ظهور الامام بزوال خوفه من اعدائه وامنه من جهتهم فكيف يعلم ذلك واي طريق له اليه؟ وما يضمره اعداؤه أو يظهرونه وهم في الشرق والغرب لا سبيل له الى معرفته على التحديد والتفصيل.
قلنا: إما الامامية فعندهم ان اباء الامام عليه وعليهم السلام عهدوا اليه وأنذروه وأطلعوه على ما عرفوه من توقيف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على زمان الغيبة وكيفيتها وطولها وقصرها وعلاماتها واماراتها ووقت الظهور والدلائل على تيسيره وتسهيله، وعلى هذا لا سؤال علينا لان زمان الظهور اذا كان منصوصاً على صفته، والوقت الذي يجب ان يكون فيه فلا حاجة الى العلم بالسرائر والضمائر، وغير ممتنع ان يكون هذا الباب موقوفاً على غلبة الظن وقوة الامارات وتظاهر الدلالات، واذا كان ظهور الامام انما هو باحد امور إما بكثرة أعوانه وأنصاره، أو قوتهم ونجدتهم، أو قلة اعدائه، أو ضعفهم وجورهم، وهذه امور عليها امارات يعرفها من نظر فيها وراعاها وقربت مخالطته لها، فاذا أحسن الامام عليه السلام بما ذكرناه وغلب في ظنه السلامة، وقوي عنده بلوغ الغرض والظفر بالارب، تعين عليه فرض الظهور كما يتعين على احدنا فرض الاقدام والاحجام عند الامارات المؤمنة والمخفية.
فان قيل: اذا كان من غلب عنده ظن السلامة يجوز خلافها ولا يأمن ان يحقق ظنه، فكيف يعمل امام الزمان ومهدي الامة على الظن في الظهور ورفع التقية وهو مجوز ان يقتل ويمنع؟ قلنا: أما غلبة الظن فتقوم مقام العلم في تصرفنا، وكثير من احوالنا الدينية والدنياوية من غير علم بما تؤول اليه العواقب غير أنّ الامام خطبه يخالف خطب غيره في هذا الباب، فلابد فيه من أن يكون قاطعاً على النصر والظفر.
واذا سلكنا في هذه المسألة الطريق الثاني من الطريقين اللذين ذكرناهما كان لنا ان نقول: ان الله تعالى قد أعلم امام الزمان من جهة وسائط علمه وهم آباؤه وجده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه متى غلب في ظنه الظفر، وظهرت له امارات السلامة فظهوره واجب ولا خوف عليه من احد فيكون الظن ها هنا طريقاً الى العلم وباباً الى القطع، وهذا كما يقوله أصحاب القياس اذا قال لهم نافوه في الشريعة ومبطلوه: كيف يجوز أن يقدم من يظن ان الفرع مشبه للاصل في الاباحة ومشارك له في علتها على الفعل، وهو يجوز ان يكون الامر بخلاف ظنه، لان الظن لا يقطع معه والتجويز ـ بخلاف ما تناوله ـ ثابت، أو ليس هذا موجباً أن يكون المكلف مقدماً على ما لا يأمن كونه قبيحاً، والاقدام على ما لا يؤمن قبحه كالاقدام على ما يعلم قبحه، لانهم يقولون: تعبد الحكيم سبحانه بالقياس يمنع من هذا التجويز، لان الله تعالى اذا تعبد بالقياس فكأنه عزّ وجلّ قال (من غلب على ظنه بأمارات فظهر له في فرع أنه يشبه اصلاً مجللاً فيعمل على ظنه فذلك فرضه والمشروع له) فقد أمن بهذا الدليل ومن هذه الجهة الاقدام على القبيح، وصار ظنه ان الفرع يشبه الاصل في الحكم المخصوص طريقاً الى العلم بحاله وصفته في حقه، وفيما يرجع اليه وان جاز ان يكون حكم غيره في هذه الحادثة بخلاف حكمه اذا خالفه في غلبة الظن، ومن هذه حجته وعليها عمدته كيف يشتبه عليه ما ذكرناه في غلبة الظن للامام بالسلامة والظفر؟ والاولى بالمنصف ان ينظر لخصمه كما ينظر لنفسه ويقنع به من نفسه.(المرتضى ـ المقنع: 84 ـ 87).
7 ـ اعداد السيوف وعلم الغيب وسهم الامام
قالوا: من ضحكاتكم تدخرون له سيوفاً وتجعلون له من اموالكم أقساطاً وتدعون لأئمتكم الاحاطة بالغيب علماً.
قلنا: وأيّ عاقل ينكر ادخار السيوف لامام وقع الاتفاق على خروجه وجهاده، فقد اخرج ابو نعيم في كتاب الفتن قول ابي جعفر ويظهر المهدي بمكة عند العشاء ومعه راية رسول الله وقميصه وسيفه... قالوا ابو عبد الله: اذا سمعتم ذلك فاعلموا ان كلمة الله هي العليا وكلمة الشيطان هي السفلى...
واما السهم من الاموال فمنطوق الكتاب حيث قال: (واعلموا انما غنمتم من شيء) الانفال: 43 وهذا القسط يصرف الى الذرية، وقولكم ندعي لهم علم الغيب فليس بصحيح بل ما اطلع الله عليه نبيه منه بقوله: (الا من ارتضى من رسول) الجن: 28 اوصله اليهم. وقد ذكر في كتاب الفتن ان عمر وهو بالمدينة قال لسارية وهو بنهاوند: الجبل الجبل، وقد ذكر في ذلك الكتاب انه عليه السلام خير من ابي بكر وعمر، وقد جاء في كتبهم قول علي عند الامتناع من البيعة لعمر: احلب حلباً لك شطره... واذا جاز ان الله يحصي كل شيء في جسم جامد وهو اللوح المحفوظ فاحصاؤه في جسم ناطق هو الامام أجوز، وقد صنفتم في فضائل سيدي احمد كتاباً مملؤاً من الحكايات والسخريات....(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 225 ـ 226).
8 ـ معرفته عند الظهور لبعض اوليائه
ان الامام اذا ظهر ولا يعلم شخصه وعينه من حيث المشاهدة فلابد من أن يظهر عليه علم معجز يدل على صدقه المعجز وكونه دلالة طريقه الدليل، ويجوز ان تعترض فيه الشبهة، ولا يمتنع ان يكون المعلوم من حال من لم يظهر له انه متى ظهر له واظهر المعجز لم ينعم النظر فتدخل عليه فيه الشبهة فيعتقد انه كذاب ويشيع خبره فيؤدي الى (غيبته).(الطوسي ـ تلخيص الشافي 2: 91).
9 ـ الظهور قبل الموعد
ان الامام ان ظهر قبل الموعد، فإن اتقى عن حكومة الجور فهو لا يناسبه، وإن لم يتق فهم قتلوه، فالغيبة مانعة عن قتله، وهذا أمر تدل عليه الاخبار:
منها ما عن ابي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لابد للغلام من غيبة، فقيل له: ولم يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل.(البحار 52: 90).
وعن ابي عبد الله عليه السلام: صاحب هذا الامر تعمى ولادته على ها الخلق لئلاّ يكون لاحد في عنقه بيعة اذا خرج.(لبحار 52: 90).
قال الشيخ الطوسي: لا علة تمنع من ظهوره الا خوفه على نفسه من القتل، لانه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار، وكان يتحمل المشاق والاذى، فان منازل الائمة وكذلك الانبياء انما تعظم لتحملهم المشاق العظيمة في ذات الله تعالى، فان قيل: هلا منع الله من قتله بما يحول بينه وبين من يريد قتله؟ قلنا: المنع الذي لا ينافي التكليف هو النهي عن خلافه، والامر بوجوب اتباعه ونصرته، والزام الانقياد له، وكل ذلك فعله تعالى، واما الحيلولة بينهم وبينه فانه ينافي التكليف وينقض الغرض، لان الغرض بالتكليف استحقاق الثواب والحيلولة تنافي ذلك، وربما كان في الحيلولة والمنع من قتله بالقهر مفسدة للخلق فلا يحسن من الله فعلها.(البحار 52: 98 ـ 99) و (الخرازي ـ بداية المعارف 2: 150 ـ 151).
الانتفاع به (عليه السلام)
قال ابن تيمية: مهدي الرافضة لا خير فيه، إذ لا نفع ديني ولا دنيوي لغيبته.
قلنا: لا نسلم عدم انتفاعنا بالامام بل هو كالشمس المحجوبة بالغمام، ولو سلم فعدم الانتفاع به لا يبطل حقية امامته، كما لم يبطل نبوة النبي بغيبه مع جواز ان يعرض لعالم يزيل ما يشكل عليه ولا يعرفه.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 225 ـ 226).
1 ـ المهدي (الانتفاع به)
1 ـ ان الانزجار حاصل بالامام وان كان غائباً، فان المكلفين اذا تقرر في عقولهم وجود الامام وصحة امامته، واعتقدوا انه لا حالٌ من الاحوال الا ويجوز ظهوره عليهم، ويمكنه من التصرف فيهم بالاخذ بالجرائم، فحينئذ لا حال الا ويكون المكلف فيه خائفاً، فلاجل ذلك يمتنع من القبيح.
2 ـ ان الانزجار وإن لم يحصل الا عند ظهوره وتمكنه، لكن هذا لا يقدح في وجوبه من الله سبحانه، فان عدم تمكينه انما كان لأمر يرجع الى المكلفين، وهو إخافتهم للامام وعدم اخذهم بيده مع قدرتهم على تمكينه وازاحة علته، فهم انما اتوا من قبل انفسهم.
لا يقال على الجواب الاول: انا اذا توقعنا حدوث الامام في كل وقت، وعلمنا انه متى حدث كان مانعاً من القبائح كان الخوف منه في كل وقت ـ وان كنا لا نعلم انه حاصل في ذلك الوقت ام لا ـ كالخوف الحاصل من وجوده وإمكان ظهوره، واذا كان كذلك فجوزوا أن لا يكون موجوداً الاّ ان الله تعالى يجب عليه ان يخلقه عند تحقق المصلحة في ايجاده. وعلى الثاني: أنه ضعيف أيضاً، لان العذر الذي ذكرتموه من تخويف الخلق له غير حاصل في اوليائه الذين يكونون له في غاية الولاء والاخلاص والمحبة، فكان ينبغي ان يظهر لهم عند شدة حاجتهم اليه لاستفادة ما اشكل عليهم من العلوم.
لانا نجيب عن الأول: بأن الخوف من الامام انما هو مشروط بوجود الامام، لان الخوف ممن يجزم العقل بعدمه محال وان جوّز وجوده، وما احسب عاقلاً لا يفرق في حصول الخوف بين امام موجود يتوقع ظهوره عليه في كل لحظة وبين من يجزم بعدمه، ويجوز وجوده حتى يستوي بينهما...
وعن الثاني: انا لا نسلم ان الامام الذي نقول بغيبته الان لا يظهر لاوليائه....(ابن ميثم ـ النجاة في القيامة: 49 ـ 50).
2 ـ علمه بمعاصي اوليائه
... انه غير ممتنع ان يعرف ذلك كما يعرفه في حال الظهور، لإن العلم إنما يكون أما بالمشاهدة أو بالاقرار او بالبينة، وكل ذلك ممكن في حال الغيبة، بل حكم المشاهدة أقوى، لان مع الظهور يعرف شخصه فيتقي من المظاهرة بالظلم، وليس كذلك حال الاستتار، لانه لا يعرف عينه، فيجوز ان يقدم عليه من لا يميز شخصه، أما البينة فيجوز أن تقوم عنده وهو غائب، لانا نجوز أن يلقاه جماعة في حال الغيبة فتتفق المشاهدة لاولئك فيشهدون به، وحكم الاقرار هذا الحكم أيضاً والتجويز كاف في هذا الباب.(الطوسي ـ تلخيص الشافي 1: 94، ونحوه مختصراً المنقذ للرازي: 2: 387).
3 ـ الانتفاع به في الغيبة
... أنه ينتفع به في حال غيبته جميع شيعته والقائلين بامامته، وينزجرون بمكانه وهيبته من القبائح، فهو لطف لهم في حال الغيبة، كما يكون لطفاً في حال الظهور... وهم ايضاً منتفعون به من وجه آخر، لانه يحفظ عليهم الشرع وبمكانه يتقون بانه لم يكتم من الشرع ما لم يصل اليهم، واذا كان معدوماً فات هذا كله.....
انتفاع الامة من الامام لا يتم الا بامور من فعله تعالى فعليه أن يفعلها، وامور من جهة الامام عليه السلام، فلابد ايضاً من حصولها، وامور من جهتنا، فيجب على الله تعالى أن يكلفنا فعلها، ويجب علينا الطاعة فيها..(المرتضى ـ الذخيرة: 419 ـ 420) واما الانتفاع به في زمن الغيبة فهو كانتفاع العالم بالشمس حال الغيم، كما اجاب به النبي صلى الله عليه وآله وسلم جابراً، لان غيبة الشمس وان فات بها بعض النفع ولكن النفع الاصلي منها وهو وجود النهار باق، وكذلك الامام فان العالم باق بوجوده، فكما ان وجود النهار وبقاءه بوجود الشمس وبقائها فكذلك وجود العالم المعصوم وبقائه ولولاه لساخت الارض بأهلها.... (السيد شبر ـ حق اليقين 1: 271).
... ان امام الزمان عليه السلام عندنا موجود العين فينا وبين أظهرنا نلقاه ويلقانا وإن كنا نعرفه بعينه ولا نميزه من غيره، ومعنى قولنا انه غائب انه مجهول العين غير متميز الشخص، ولا نريد بذكر الغيبة انه بحيث لا يرى شخصه ولا يسمع كلامه، وما منزلته عندنا في حال الغيبة الا بمنزلة كل من لا نعرفه بنسبه من جملة الامامية.....(ابن زهرة ـ غنية النزوع 2: 371).
4 ـ لزوم امامته والانتفاع به
ان اولياء امام الزمان عليه السلام وشيعته ومعتقدي امامته ينتفعون به في حال غيبته النفع الذي نقول انه لابد في التكليف منه، لانهم مع علمهم بوجوده بينهم وقطعهم على وجوب طاعته عليهم ولزومها لهم لابد من ان يهابوه ويخافوه في ارتكاب القبائح ويخشوا تأديبه وانتقامه ومؤاخذته وسطوته، فيكثر منهم فعل الواجب ويقل ارتكاب القبيح، أو يكون ذلك اقرب واليق وهذه جهة الحاجة العقلية الى الامام.
(فلو قيل: كيف يخاف منه ويرهب مع عدم العلم بمكانه؟ قلنا:)... وقد علمنا ان اولياء الامام وإن لم يعرفوا شخصه ويميزوه بعينه فانهم يحققون وجوده ويتيقنون انه معهم بينهم ولا يشكون في ذلك ولا يرتابون به، لانهم إن لم يكونوا على هذه الصفة لحقوا بالاعداء وخرجوا عن منزلة الاولياء، وما فيهم الا من يعتقد ان الامام بحيث لا تخفى عليه أخباره ولا تغيب عنه سرائره فضلاً عن ظواهره، وانه يجوز ان يعرف ما يقع منهم من قبيح وحسن فلا يأمنون أن يقدموا على القبائح فيؤدبهم عليها، ومن الذي يمتنع منهم إن ظهر له الامام واظهر له معجزة يعلم بها انه امام الزمان واراد تقويمه وتأديبه واقامة حدّ عليه ان يبذل ذلك من نفسه، ويستسلم لما يفعله امامه به وهو يعتقد امامته وفرض طاعته.
وهل حاله مع شيعته غائباً الاّ كحاله ظاهراً فيما ذكرناه خاصة، وفي وجوب طاعته والتحرز من معصيته والتزام مراقبته وتجنب مخالفته، وليس الحذر من السطوة والاشفاق من النقمة بموقوفين على معرفة العين وتمييز الشخص والقطع على مكانه بعينه، فان كثيراً من رعية الامام الظاهر لا يعرفون عينه ولا يميزون شخصه، وفي كثير من الاحوال لا يعرفون مكان حلوله، وهم خائفون متى فعلوا قبيحاً ان يؤدبهم ويقومهم وينتفعون بهذه الرهبة حتى يكفوا عن كثير من القبائح او يكونوا اقرب الى الانكفاف.
واذا كان الامر على ما أوضحناه فقد سقط عنا السؤال المتضمن لـ: ان الامام اذا لم يظهر لاعدائه لخوفه منهم فألاّ ظهر لاوليائه...؟لانا قد بينا انهم بامامهم عليه السلام مع الغيبة منتفعون، وان الغيبة لا تنافي الانتفاع الذي تمس الحاجة اليه في التكليف، وبينا انه ليس من شرط الانتفاع الظهور والبروز وبرئنا من عهدة هذا السؤال القوي الذي يعتقد مخالفونا انه لا جواب عنه.(المرتضى ـ المقنع: 74 ـ 76).
5 ـ وجه الانتفاع به في الغيبة
اما وجه الانتفاع بمعرفته مع عدم الانتفاع به من الوجه الاخر فنقول: نفس معرفتنا بوجوده وامامته وعصمته وكماله نفع لنا في اكتساب الثواب وانتظارنا لظهوره عبادة نستدفع بها فرضاً الزمناه ربنا، كما كانت المعرفة بمن عددناه من الانبياء والملائكة من اجل النفع لنا في مصالحنا واكتسابنا المثوبة في اجلنا.(الشيخ المفيد ـ الرسالة الاولى في الغيبة ـ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7: 13).
ادلة النافين للمهدي (عليه السلام) وردّها
قالوا: ان العسكري عليه السلام عندما حضرته الوفاة جعل والدته ام الحسن وصية عنه على كل ما لديه من وقوف وصدقات وشؤون ولو كان له ولد لما عداه.
الجواب: ان الوصية للام لا تصلح برهاناً على نفي وجود الولد، وكان غرض الإمام منها صرف الانظار عن ولده وعدم تسليط الأضواء عليه، وايهام خصومه بعدم وجود ولد له، بل زاد في الايهام متعمداً، فأشهد لفيفاً من كبار رجالات الدولة يومذاك على هذه الوصية (الفصول العشرة للمفيد: 13 ـ 14) وكان الامام العسكري عليه السلام في تصرفه هذا سائراً على نهج جدّه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عندما جعل له خمسة اوصياء بعد وفاته هم المنصور العباسي والربيع وقاضي المدينة بالاضافة الى زوجته حميدة وولده موسى بن جعفر عليه السلام (الفصول العشرة للمفيد: 14)، لانه لو خصه بالوصية لكان للعباسيين معه شأن آخر من يوم وفاة أبيه، وقد كتب المنصور عندما بلغه نبأ وفاة الصادق عليه السلام الى واليه على المدينة يأمره بتضييق الخناق على وصي جعفر بن محمد.....(آل ياسين ـ اصول الدين: 399 ـ 401).
قالوا: ان جعفر بن علي عم المهدي قد انكر وجود ولد لاخيه وشهادة العم في مثل هذا الامر ذات أهمية كبرى.
الجواب: ان جعفراً من أفراد الناس العاديين، ويجوز عليه ما يجوز عليهم من خطأ وعصيان وادعاء باطل، وحسبه أن يكون شبيهاً بقابيل إذ قتل أخاه، وبأبناء يعقوب عندما ألقوا أخاهم في الجب وآذوا اباهم... وقد تخيل جعفر ـ وهو يعلم بكتمان امر ابن اخيه عن غير الخاصة من اصحاب ابيه ـ انه سيكون الامام بمجرد هذا الانكار، وان الاموال الشرعية ستجبى اليه من كل حدب وصوب، ولكن ارادة الله غالبة إذ سرعان ما انكشف زيف أمره ثم ندم على ما فعل وتاب من سوء ما عمل حتى اشتهر باسم جعفر التواب، وليس عجيباً وقوف العم ضد ابن أخيه، فقديماً كان ابو لهب والعباس قادة التأليب على ابن اخيهما محمد صلى الله عليه وآله وسلم.(آل ياسين ـ اصول الدين: 400 ـ 402).
قالوا: ان الشيعة تدعي ان العسكري قد كتم أمر ولده عن غير خواصه، فلماذا فعل ذلك مع كثرة اصحابه يومذاك؟ وتمتعهم بالحول والمال والقوة، في حين ان الائمة السابقين في العصرين الاموي والعباسي كانوا في حال اصعب... ومع ذلك لم يكتموا امر اولادهم مثل هذا الكتمان.
الجواب: ان الذي دعا الامام العسكري الى كتمان أمر ولده هو ما يعلمه من اشتهار قيام الامام الثاني عشر من اهل البيت بالسيف ليزيل دولة الباطل ويقيم دولة الحق، ولذلك كان الحكام يخشون هذا الثائر، ويعدون العدة للقضاء عليه بكل صورة لو علموا أمره وعرفوا خبره، ومن هنا اضطر العسكري الى الكتمان والاحتفاظ بخبر ابنه سراً عند الخاصة من اصحابه، ومما يوضح ذلك ويؤيده ان السلطات الحاكمة قد بادرت بارسال جلاوزتها ساعة وفاة العسكري الى داره ليقبضوا على ما يكون فيها من صبيان وغلمان لولا ارادة الله التي سهلت لمحمد بن الحسن الفرار والاختفاء لقتلوه، وللعسكري في هذا الكتمان اسوة بام موسى بن عمران عندما أوحي اليها بضرورة ستره وكتمانه خوفاً عليه من فرعون زمانه كما نطق القرآن بذلك.
اما الائمة السابقون فلم يكن لزاماً عليهم ان يقوموا بالسيف، وانما كان الامر متروكاً للظروف وملابساتها، وما يقتضيه كل ظرف منها من حكم وتكليف، ولذلك كان لهم بعض الامان وبعض الحرية، وإن لم يكن أماناً وحرية بمعناهما الصحيح.(آل ياسين ـ اصول الدين: 400 ـ 403).
1 ـ أدلة النافين للمهدي وردها
قالوا: ان مصادر التاريخ لم تعرف ولداً للحسن العسكري ولم ترو من خبره شيئاً.
الجواب: ان البنوة انما تثبت في الشرع بقول القابلة والنساء اللائي يحضرن الولادة، وباعتراف صاحب الفراش، وبشهادة رجلين من المسلمين على اقرار الاب بابنه، وهذه الجوانب الثلاثة متوفرة في هذا الولد، فالسيدة حكيمة بنت الامام الجواد عليه السلام هي التي تولت امر الولادة وشهدت بها، والامام العسكري هو الاب وقد أقر بهذه البنوة امام خواصه، والمسلمون جيلاً بعد جيل يروون ذلك ويشهدون بصحته، وكان ممن روى خبر هذه الولادة بالاضافة الى إجماع الشيعة الامامية عليها من علماء المسلمين عدد غير قليل من المؤرخين والمؤلفين ومنهم على سبيل التمثيل....(آل ياسين ـ اصول الدين: 400 ـ 404).
2 ـ انكار المهدي عليه السلام
قالوا: ابن قانع وعبد الرزاق وابن الجوزي ومحمد بن اسحاق اجمعوا على ان العسكري مات لا عن عقب.
قلنا: ذلك باطل، اول ما فيه انهم خصوم هذه المسألة، والثاني شهادتهم على نفي فهي مردودة، والثالث انه منقوض بما جاء من طريق المخالفين فضلاً عما تواتر من احاديث المؤمنين، فقد ذكر الكنجي الشافعي في كتاب المناقب قاعدة قريبة من آخره من اعقب من اولاد امير المؤمنين وذكر ان العسكري خلف ابنه وهو الامام المنتظر، وقال ابو المظفر سبط الجوزي في الخصائص: وقد ذكرنا وفاة الحسن بن علي وأنها سنة ستين ومائتين وذكر اولاده منهم محمد الامام، ومثله رواه محمد بن طلحة الشافعي خطيب دمشق، وقال فخر المحققين في كتابه تحصيل النجاة: (الصحيح ان العسكري توفي بعد أن بلغ ولده الخلف الصالح عشر سنين).
وبالجملة فتواريخ مواليد الائمة مشهور في ارشاد المفيد وكشف الغمة وغيرهما....(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 219 ـ 220).
الرجعة
إن الله تعالى يرد قوماً من الأموات الى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها فيعزُ منهم فريقاً ويذل فريقا، ويديل المحقين من المبطلين، والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه السلام، وإن الراجعين إلى الدنيا فريقان أحدهما من علت درجته في الايمان، والاخر من بلغ الغاية في الفساد. وقد جاء القرآن بصحة ذلك وتظاهرت به الأخبار والإمامية باجمعها عليه إلا شذاذاً منهم تأولوا ما ورد فيه.(الشيخ المفيد، اوائل المقالات، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 4/ 77 ـ 78).
والذي وقع في عبارة كتاب (أوائل المقالات) من وجوب رجعة كثير من الأموات لعل لفظ وجوب من زيادة النساخ اذا المراد تصحيح القول بالرجعة نظراً الى ورود تلك الأخبار المستفيضة لا اثبات وجوبها، وقد تعرض المصنف (الشيخ المفيد) لذلك بأبسط من هذا المقام مع عدم ذكر الوجوب كما هاهنا في فصل آخر.(شيخ الاسلام الزنجاني،التعليقات على اوائل المقالات، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 4/ 152 ـ 153).
لا وجه لما عن العلامة الزنجاني من التشكيك في كلمة الوجوب وتبديلها بالجواز، وما تكلف في هذا الصدد، لان الشيخ المفيد ذكر في عنوان الباب (اتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات) يعني تحتم رجوعهم وكونه قطعياً ومن ضروريات مذهب الشيعة.(ابراهيم انصاري، التعليقات على اوائل المقالات/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 4/ 292).
1 ـ الرجعة
إن الاجماع والضرورة قامتا على الرجعة بالمعنى المرتكز في اذهان المتشرعة وهو رجوع أعيان الاموات، وإن المخالف في المسألة ليس بحيث يضر مخالفته للاجماع والضرورة، ولذا ادعى هنا الاتفاق من الامامية، وهناك قال (الشيخ المفيد) (ان الامامية باجمعها عليه) مع تصريحه بلا فصل بقوله (الاّ شذاذ منهم تأوّلوا)، فيظهر ان المتأولين ليسوا على حد يضر بتحقيق الاجماع، إذ كل أمر من الأمور الضرورية والاجماعية يوجد شذاذ يخالفون فيه.
ومن هنا يظهر ان عناية العلامة الجرندابي تبعاً للعلامة الزنجاني بنقل هذا الرأى الشاذ من السيد المرتضى ايضاً على نحو يظهر أن المخالف مهم، مع أن عبارة السيد أيضاً مثل عبارة المفيد او أصرح، في أن المخالف شاذ لا يضر بتحقق الاجماع، ولذا قال السيد (الذي تذهب اليه الشيعة الامامية إن الله يعيد عند ظهور المهدي قوماً ممن كان تقدم موته من شيعته وقوماً من اعدائه. وان قوما من الشيعة تأولوا الرجعة...) والرجوع الى ادلة الرجعة في الكتب المفصلة التي تعرضت لها يثبت اولاً ان الذي اجمعت عليه الشيعة بل هو من ضرورياتهم رجوع اعيان الاشخاص، وثانياً انها امر واجب يقيني لا جائز محتمل. (الشيخ ابراهيم الانصاري، التعليقات على اوائل المقالات، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 4/ 292 ـ 293).
2 ـ الرجعة
ان الرجعة المصطلحة عند الشيعة التي يعرفها منهم المسلمون وغيرهم، وكذلك اعداؤهم من العامة وغيرهم هي رجعة امير المؤمنين وباقي الائمة عليهم السلام، وحكومتهم على وجه الارض من دون معارض بعد وفاة صاحب الزمان عليه السلام، وللعلماء قديماً وحديثاً كتب كثيرة في الرجعة بهذا المعنى، والروايات الواردة فيها مستقلاً، أو في تفسير بعض الايات ايضاً تفسرها بهذا المعنى، وكتب اصحاب الائمة عليهم السلام ومن تأخر عنهم من العلماء في الرجعة، وهي كثيرة ـ كلها بهذا المعنى فراجع حتى تعرف صدق كلامنا.
ولكن اثبات الشيخ (المفيد في كتاب أوائل المقالات في القول 55) الرجعة بالمعنى الذي ذكره لا يدل على نفي ما عداه، وهو اعرف بما يكتب، خصوصاً إن إثبات إمكان أحدهما يدل على إمكان الاخر ووقوعه على وقوعه، واستحالة احدهما يدل على استحالة الاخر، فرأى الشيخ قد ذكر احدهما مغنياً عن الاخر.(ابراهيم الانصاري، التعليقات على اوائل المقالات، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 4/ 324).
3 ـ الرجعة وتوبة اهلها
من كلام الشيخ المفيد في الرجعة وجواب سؤال ورد بأن الشيعة تقول أن الله يرد الاموات الى دار الدنيا قبل الاخرة عند قيام القائم ليشفي صدور المؤمنون ـ بزعمهم ـ من الكافرين وينتقم لهم منهم، فالشبهة انه ما هو الضمان أن يتوب يزيد وشمر و... ويرجعوا عن كفرهم وضلالهم ويصيروا في تلك الحال الى طاعة الامام عليه السلام فقال الشيخ المفيد:
احدهما أن العقل لا يمنع من وقوع الايمان بالرجعة، اذ ذلك يقع في دائرة الاستطاعة الالهية، والسمع الوارد عن ائمة الهدى عليهم السلام يقطع على امثال هؤلاء بالخلود في النار.
والجواب الاخر: ان الله سبحانه اذا رد الكافرين في الرجعة لم يقبل لهم توبة، وجروا في ذلك مجرى فرعون لما ادركه الغرق (قال آمنت أنه لا اله الا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين) (يونس: 90).
وقال تعالى: (الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين).(يونس: 91).
وقد جاءت به الاثار المتظافرة عن آل محمد عليه السلام حتى روى عنهم في قوله تعالى (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيراً قل انتظروا إنا منتظرون) (الانعام: 158). فقالوا: ان هذه الاية هو القائم فاذا ظهر لم تقبل توبة المخالف.
واضف الى ذلك ان امثال هؤلاء لا يختارون الايمان ابداً، وهم من الذين قال تعالى في جملتهم: (ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا الا أن يشاء الله)(الانعام: 111).(السيد المرتضى، الفصول المختارة من العيون والمحاسن، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 2/ 153 ـ 157).
4 ـ الرجعة
ان الله سيعيد بعض الاولياء وبعض الاشقياء في دولة المهدي مع ذكر الادلة على امكان الرجعة.
علم اليقين ـ الفيض 2: 823.
حق اليقين ـ شبر 2: 297 ـ 337.
نقض الوشيعة: 375 ـ 376.
المهدي (عليه السلام) عند أهل السنة
قال الثعلبي في تفسير قوله تعالى: (ليظهره على الدين كله) قال السدي: ذلك عند خروج المهدي، ولا يبقى احد الا دخل في الاسلام او ادى الجزية... وقال الكلبي: لا يبقى دين الا ظهر عليه الإسلام، وسيكون ذلك في عهد المهدي،... وقال المقداد بن الاسود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يبقى على ظهر الارض بيت من مدر او وبر الا ادخله الله كلمة الاسلام اما بعزّ عزيز او بذلّ ذليل) وذلك عند خروج المهدي). ونحو هذه الاخبار والاثار كثيرة في كتب اصحاب الحديث وأهل السنة المنصفين الدالة على خروج المهدي عليه السلام.(القزويني ـ النقض: 238 ـ 239).
1 ـ رأي الشيعة الامامية في المهدي عليه السلام
قالت الامامية: لله في ارضه بعد مضي الحسن بن عليّ حجة على عباده وخليفة في بلاده قائم بأمره من ولد الحسن بن علي... فنحن متمسكون بامامة الحسن بن علي مقرون بوفاته موقنون بان له خلفاً من صلبه متدينون بذلك، وانه الامام من بعد ابيه الحسن بن عليّ، وانه في هذه الحالة مستتر خائف مغمور مأمور بذلك حتى يأذن الله عزّ وجلّ له، فيظهر ويعلن أمره كظهور من مضى من آبائه، إذ الامر لله تبارك وتعالى يفعل ما يشاء ويأمر بما يريد من ظهور وخفاء، ونطق وصموت، كما أمر رسوله في حال نبوته بترك اظهار امره والسكوت والاخفاء من أعدائه والاستتار، وترك اظهار النبوة التي هي اجل واعظم واشهر من الامامة، فلم يزل كذلك سنين الى أن أمره باعلان ذلك وعند الوقت الذي قدره تعالى فصدع بأمره واظهر الدعوة لقومه... واقام هو مع قومه حتى توفي ابو طالب فخاف على نفسه وبقية اصحابه، فأمره الله عند ذلك بالهجرة الى المدينة، وأمره بالاختفاء في الغار، والاستتار من العدو، فاستتر اياماً خائفاً مطلوباً حتى اذن الله له وأمره بالخروج، وكيف بالغريب الوحيد الشريد... هذا مع القول المشهور من امير المؤمنين: (ان الله لا يخلى الارض من حجة له على خلقه ظاهراً معروفاً او خافياً مغموراً لكي لا يبطل حجته وبيناته) وبذلك جاءت الاخبار الصحيحة المشهورة عن الائمة، وليس على العباد ان يبحثوا عن امور الله ويقفوا اثر ما لا علم لهم به ويطلبوا اظهاره فستره الله عليهم وغيبه عنهم قال الله لرسوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم)، فليس يجوز لمؤمن ولا مؤمنة طلب ما ستره الله، ولا البحث عن اسمه وموضعه، ولا السؤال عن أمره ومكانه حتى يؤمروا بذلك... بل طلب أمره محرم لا يحل لانه معصية وعون على سفك دمه ودماء شيعته....(الاشعري ـ المقالات والفرق: 102 ـ 106).
2 ـ بعض علماء اهل السنة والاعتراف بالمهدي
ممن اعترف بان الامام المهدي عليه السلام ابن الامام العسكري: كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد القرشي الشافعي في كتاب مطالب السؤول، اليافعي في مرآة الجنان في حوادث سنة (650)، ابو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي في كتابيه (البيان في اخبار صاحب الزمان) و(كفاية الطالب)، نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي في كتاب الفصول المهمة، وسبط ابن جوزي في تذكرة الخواص. وذكر صاحب اعيان الشيعة 2: 64 ـ 75 عدة اُخر.(السبحاني ـ الملل والنحل 6: 522).
3 ـ الامام المهدي عليه السلام
قد الف غير واحد من اعلام السنة كتباً حول الامام المهدي كالحافظ ابي نعيم الاصفهاني له كتاب: (صفة المهدي)، والكنجي الشافعي له: (البيان في اخبار صاحب الزمان)، وملا علي المتقي له: (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان)، وعباد بن يعقوب الرواجني له: (اخبار المهدي)، والسيوطي له: (العرف الوردي في اخبار المهدي)، وابن حجر له (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر)، والشيخ جمال الدين الدمشقي له: (عقد الدرر في اخبار الامام المنتظر)، وغيرهم قديماً وحديثاً ولم ير التضعيف لاخبار الامام المهدي الا من ابن خلدون في مقدمته، وقد فند مقاله الاستاذ احمد محمد صديق برسالة اسماها (ابراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون)، واخيراً نشر شخص يدعى احمد المصري رساله أسماها: (المهدي والمهدوية) قام بزعمه برد أحاديث المهدي، وانكر تلك الاحاديث الهائلة البالغة فوق حد التواتر جهلاً منه بالسنة والحديث.(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/132 (في الهامش)).
4 ـ حيات امام
علماى اهلسنت ياد شده ذيل زنده بودن امام مهدى را قبول دارند.
1 ـ علامه محمد بن طلحه شافعي در كتاب (مطالب السؤول) نوشته امام مهدي عليه السلام در سامره متولد شدند.
2 ـ علامه علي بن صباغ مالكى در كتاب (فصول المهمه) نوشت ولادت امام بخاطر ظلم پادشاه پنهانى بود.
3 ـ علامه شيخ عبد الله ابن احمد خشاب در كتاب (تاريخ مواليد) ظهور وخروج امام را پذيرفته.
4 ـ علامه محيى الدين ابن عربى حنبلى در كتاب (فتوحات مكيه).
5 ـ علامه شيخ عبد الوهاب شعرانى در كتاب (اليواقيت والجواهر).
6 ـ علامه بدخشانى در كتاب (مفتاح النجات)، علامه عبد الرحمن جامى حنفى در كتاب (شواهد النبوة).
7 ـ شيخ المحدثين شيخ عبد الحق محدث دهلوي در كتاب (مناقب الائمة).
8 ـ علامه جمال الدين محدث در كتاب (روضة الاحباب)
9 ـ شاه ولى الله محدث دهلوي در رساله (نوادر) اعتراف كرده كه موقف شيعه درباره امام مهدى درست ميباشد.
10 ـ علامه ملا حسين منيدى در (شرح ديوان) گفته امام مهدى براى تكميل صفات غائب شدند.
11 ـ علامه ذهبى در كتاب (تاريخ اسلام).
12 ـ علامه ابن حجر مكى در كتاب (صواعق محرقه).
13 ـ علامه شبلنجى در كتاب (نور الابصار) بحواله كتاب البيان نوشته كه امام مهدى بعد از ظهور تا الان زنده اند، ودر زنده بودن شان هيچ شكى نيست....
14 ـ علامه روز بهان در (ابطال الباطل).
15 ـ علامه حسام الدين على المتقى در كتاب (كنز العمال) اعتراف كرده كه امام غائب است. وبعد از ظهور نوسال حكومت ميكند.(عبد الكريم مشتاق ـ مذهب شيعه حق3 ص 53 ـ 56).
5 ـ ما هو الخلاف في المهدي؟
ان الخلاف بينهما (أي الشيعة والسنة) منحصر في كون السنة يعتقدون بان هذا المهدي سيولد في آخر الزمان وليس له الان وجود، ولا يعلم متى سيولد ومن أبوه، وعلى هذا الاساس امكن للسنوسي في ليبيا وعبد الرحمن في السودان وغيرهما ادعاء المهدوية والقيام بالسيف، اما الشيعة الامامية فيرون ان المهدي هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام وانه موجود في دار الدنيا ولكن لا يعرفه الناس، وهذه هي نقطة الخلاف بين الجانبين، وحيث ان البينة على المدعي كما جاء في القاعدة الفقهية، فاننا هنا سنورد البينات التي يتمسك بها الشيعة في اثبات ما يعتقدون.....(آل ياسين ـ اصول الدين: 384 ـ 385).
6 ـ عروجه الى السماء عند الولادة
شكك صاحب فضائح الروافض في ان الامام المهدي عليه السلام رفع الى السماء بعد ولادته....
اجاب القزويني: انه اما أن لا يرى الله قادراً، واما ان لا يرى النبي وآله لائقين بهذه المنزلة، فعليه ان ينظر في كتاب (طيب القلوب) لمحمد بن محمد الفراوي السني حيث ذكر في قصة ثابت البناني بانه لما مات ودفن جاء الى قبره جمع من تلامذته لم يدركوا تشييعه فنبشوا القبر ولم يجدوا الشيخ فيه، فتحيروا وذهبوا الى داره فخرجت بنت ثابت وهي في السابعة من العمر وقالت لهم: لعلكم طلبتم الشيخ في القبر ولم تجدوه، فقالوا تعجباً: من اين لك هذا؟ قالت: ان ابي كان يتلو هذه الاية اربعين عاماً في صلاة الليل: (رب لا تذرني فرداً وانت خير الوارثين) فعلمت ان الله لا يرد دعاءه ولم يتركه في التراب....
فهل يصح ان يرفع ثابت، ولم يعلم احد، وان ابنته تعلم الغيب، وان امام السنة يورده في كتابه، ولا يصح من ذرية آل المصطفى مع خوفهم عليه من الاعداء، وانه الحافظ للدين الى يوم القيامة ان يرفعه الله الى السماء، فهل يصح الرفع لثابت الميت ولا يصح للمهدي الحي؟ وهل يصح علم الغيب لبنت ثابت ولا يصح للعسكري ان يعلم احوال طفله من اجداده؟ واجمعت الامة ان اليهود لما ارادوا قتل عيسى رفعه الله وشبه غيره به... فلو كان عيسى نبياً فهذا ابن النبي ووارثه، ولو كان ثابت شيخ الطريقة، فهذا ابن حيدر ونائبه فلو لم يكن افضل من عيسى فانه افضل من ثابت....(القزويني ـ النقض: 463 ـ 464).
7 ـ ابن العربي والمهدي
قال محيى الدين العربي في الباب السادس والستون والثلاثمائة من فتوحاته:اعلموا انه لابد من خروج المهدي، لكن لا يخرج حتى تملأ الارض جوراً وظلماً فيملأها قسطاً وعدلاً، ولو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة الرسول من ولد فاطمة، جده الحسين ووالده الحسن العسكري عليهم السلام....(الساعدي ـ العقائد الاسلامية: 179).
سيرة المهدي (عليه السلام)
ذكر صاحب فضائح الروافض ان المهدي لما يخرج يحمل ذا الفقار ويقتل المسلمين.
اجاب عنه القزويني: هذا من سوء الاعتقاد لانه عليه السلام يقتل الكافر والملحد والضال والمنافق، ويملأ الارض عدلاً كما أخبر به الله والرسول والائمة والصحابة.(القزويني ـ النقض: 411).
انه عليه السلام يظهر من مكة، وينزل المسيح من السماء، وينادى من السماء السابعة: (قل جاء الحق وزهق الباطل) وينصره الله وجبرئيل، فيضع السيف على عاتقه ويفتح العالم... يُنوّر الشريعة ويُعطّر الدين بالعدل والانصاف ويرفع اليهودية والنصرانية والمجوسية من العالم، يزيل الجبر عن وجه العدل، يهدم المعابد والصوامع، يداري بني العباس....(القزويني ـ النقض: 477).
1 ـ صلب الشيخين
ذكر صاحب فضائح الروافض ان الشيعة تعتقد بان المهدي عليه السلام يخرج الشيخين...، قال القزويني: ان الشيعة تعتقد بان امير المؤمنين عليه السلام افضل من المهدي، وعلي لما كان حيّاً لم ينتقم منهما فكيف ينتقم المهدي وهو اقل منه؟ فالشيعة تتبرأ من هذا.(القزويني ـ النقض: 271).
2 ـ مدة حكمه
روى عبد الكريم الخثعمى قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام كم يملك القائم عليه السلام؟ قال: (سبع سنين، تطول له الايام والليالي حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم، فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه، واذا آن قيامه مطر الناس جمادي الاخر وعشرة ايام من رجب مطراً لم ير الخلائق مثله، فينبت الله به لحوم المؤمنين وابدانهم في قبورهم، فكأنى انظر اليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من التراب).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 381. اعلام الورى: 432، وذكر قطعه منه الشيخ في الغيبة: 474/ 497. وابن الصباغ في الفصول المهمة 302 ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 337، صدر الحديث 77).
3 ـ وصف حكومته
روى المفضل بن عمر قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: (ان قائمنا اذا قام اشرقت الارض بنور ربها واستغنى الناس عن ضوء الشمس وذهبت الظلمة، ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له الف ذكر لا يولد فيهم اُنثى، وتظهر الارض كنوزها حتى يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته فلا يجد احداً يقبل منه ذلك، استغنى الناس بما رزقهم الله من فضله).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 381. اعلام الورى: 434، وصدره في غيبة الطوسي: 467/ 484، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 337، ذيل الحديث 77).
4 ـ سيرته
في رواية عمرو بن شمر، عن ابي جعفر عليه السلام قال: ذكر المهدي فقال: (يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتضعو له، ويدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء، فاذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلي بهم الجمعة، فيأمر أن يخط له مسجد على الغري ويصلي بهم هناك، ثم يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين عليه السلام نهراً يجري الى الغريين حتى ينزل الماء في النجف، ويعمل على فرهته القناطير والارحاء، فكاني بالعجوز على رأسها مكتل فيه بر تأتي تلك الارحاء فتطحنه بلا كراء).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 380. اعلام الورى: 430، ورواه الشيخ في الغيبة: 468/485، باختلاف يسير مع زيادة، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 331/53).
5 ـ في حكومته
في رواية المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (اذا قام قائم آل محمد عليه السلام بنى في ظهر الكوفة مسجداً له الف باب، واتصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلاء).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/380. رواه الشيخ في الغيبة مع زيادة: 280، والطبرسي في اعلام الورى: 430 ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 337/86).
ابو القاسم الشعراني يرفعه، عن يونس بن ظبيان، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن الصادق عليه السلام: قال: اذا قام القائم اتى رحبة الكوفة فقال برجله هكذا واومأ بيده الى موضع ثم قال: احفروا ههنا، فيحفرون فيستخرجون اثنى عشر الف درع، واثنى عشر الف سيف، واثنى عشر الف بيضة، لكل بيضة وجهين، ثم يدعو اثنى عشر الف رجل من الموالي من العرب والعجم فيلبسهم ذلك، ثم يقول: من لم يكن عليه مثل ما عليكم فاقتلوه.(الشيخ المفيد، الاختصاص، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 12/334. البحار 13/197).
في الخبر قال: قال ابو عبد الله عليه السلام: يكون من شيعتنا في دولة القائم سنام الارض وحكامها، يعطى كل رجل منهم قوة اربعين رجلا.(الشيخ المفيد، الاختصاص، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 13/8. روى الكليني نحوه في روضة الكافي تحت رقم 449).
6 ـ سيرته
محمد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة، عن ابي بكر الحضرمي، عن رفيد مولى ابي هبيرة قال: قال ابو عبد الله عليه السلام: اذا رأيت القائم قد اعطى رجلاً مائة الف درهم واعطاك درهماً فلا يكبرن ذلك في صدرك فان الامر مفوض اليه.(الشيخ المفيد، الاختصاص، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 12/ 331، 332. مروي في البصائر ومنقول في البحار: 7/261).
وروى ابو خديجة، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: (اذا قام القائم عليه السلام جاء بأمر جديد، كما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بدو الاسلام الى أمر جديد).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/384. نقله العلامة المجلسي في البحار 52: 338/ 82).
7 ـ حكومته
وروى علي بن عقبة، عن ابيه قال: اذا قام القائم عليه السلام حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل، واخرجت الارض بركاتها، ورد كل حق الى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الاسلام ويعترفوا بالايمان، أما سمعت الله تعالى يقول: (وله أسلم من في السماوات والارض طوعاً وكرها واليه يرجعون) (ال عمران 3: 83) وحكم بين الناس بحكم داود، وحكم محمد عليهما السلام، فحينئذ تظهر الارض كنوزها وتبدي بركاتها، فلا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته ولا لبره لشمول الغنى جميع المؤمنين.
ثم قال: ان دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا اذا رأوا سيرتنا: اذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله تعالى: (والعاقبة للمتقين) (الاعراف 7: 128، القصص 28: 83).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/384. اعلام الورى: 432، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 338/83).
وروى ابو بصير، عن ابي جعفر عليه السلام ـ في حديث طويل ـ انه قال: (اذا قام القائم عليه السلام سار الى الكوفة فهدم بها أربعة مساجد، فلم يبق مسجد على وجه الارض له شرف الا هدمها وجعلها جماء، ووسع الطريق الاعظم، وكسر كل جناح خارج في الطريق، وابطل الكنف والمآزيب الى الطرقات، ولا يترك بدعة الا أزالها ولا سنة الا أقامها، ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم، فيمكث على ذلك سبع سنين مقدار كل سنة عشر سنين من سنيكم هذه، ثم يفعل الله ما يشاء).
قال: قلت له: جعلت فداك، فكيف تطول السنون؟ قال: (يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلة الحركة، فتطول الايام لذلك والسنون) قال: قلت له: إنهم يقولون: إن الفلك إن تغير فسد. قال: (ذلك قول الزنادقة، فأما المسلمون فلا سبيل لهم الى ذلك، وقد شق الله القمر لنبيه عليه السلام، ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون، وأخبر بطول يوم القيامة وأنه (كألف سنة مما تعدون). (الحج: 47).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/385. اعلام الورى: 432، ومختصراً في الفصول المهمة: 302، ونحوه في الغيبة للطوسي: 475/498 ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 339/84).
وروى المفضل بن عمر، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: (يخرج القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرين رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى عليه السلام الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبا دجانة الانصاري، والمقداد، ومالكاً الاشتر، فيكونون بين يديه انصاراً وحكاماً).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/386. تفسير العياشي 2: 32/90، باختلاف يسير، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 346/92).
وروى جابر، عن ابي جعفر عليه السلام أنه قال: (اذا قام قائم آل محمد عليه السلام ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما أنزل الله جل جلاله فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لانه يخالف فيه التأليف).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/386. نقله العلامة المجلسي في البحار 52: 339/85).
وروى عبد الله بن عجلان، عن ابي عبد الله عليه السلام قال:(اذا قام قائم آل محمد عليه وعليهم السلام حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج الى بينة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كل قوم بما استبطنوه، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم، قال الله سبحانه وتعالى: (إن في ذلك لايات للمتوسمين* وانها لبسبيل مقيم)(الحجر: 75 ـ 76).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/386. نقله العلامة المجلسي في البحار 52: 339/86).
8 ـ مدة دولته
وقد روي أن مدة دولة القائم عليه السلام تسع عشرة سنة تطول أيامها وشهورها، على ما قدمناه، وهذا أمر مغيب عنا، وإنما القي الينا منه ما يفعله (الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/386 ـ 387، اعلام الورى: 434، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 340/87) الله جل وعز بشرط يعلمه من المصالح المعلومة ـ له جل اسمه ـ فلسنا نقطع على أحد الامرين، وإن كانت الرواية بذكر سبع سنين أظهر وأكثر.
9 ـ دولته
وليس بعد دولة القائم عليه السلام لأحد دولة إلا ما جاءت به الرواية من قيام ولده إن شاء الله ذلك، ولم ترد به على القطع والثبات، وأكثر الروايات أنه لن يمضي مهدي هذه الأمة عليه السلام إلا قبل القيامة بأربعين يوماً يكون فيها الهرج، وعلامة (الشيخ المفيد، الارشاد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/387) خروج الاموات، وقيام الساعة للحساب والجزاء، والله أعلم بما يكون.
10 ـ من اوصاف حكومته
عن جابر قال: قال ابو جعفر عليه السلام: القي الرعب في قلوب شيعتنا من عدونا، فاذا وقع امرنا وخرج مهدينا كان احدهم اجرأ من الليث، وامضي من السنان، يطأ عدونا بقدميه ويقتله بكفيه.(الشيخ المفيد، الاختصاص، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 12/26. نقله من البحار ج13 ص 195).
11 ـ من سيرته
وروى ابو بصير قال: قال ابو عبد الله عليه السلام: (اذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتى يرده الى أساسه، وحول المقام الى الموضع الذي كان فيه، وقطع أيدي بني شيبة وعلقها بالكعبة، وكتب عليها: هؤلاء سراق الكعبة).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/383. اعلام الورى: 431، ونحوه في غيبة الطوسي: 472/492، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 338/8).
12 ـ من اوصاف حكومته
فروى المفضل بن عمر الجعفي قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: (اذا أذن الله عز اسمه للقائم في الخروج صعد المنبر، فدعا الناس الى نفسه، وناشدهم بالله، ودعاهم الى حقه، وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويعمل فيهم بعمله، فيبعث الله جل جلاله جبرئيل عليه السلام حتى يأتيه، فينزل على الحطيم يقول له: الى أي شيء تدعو؟ فيخبره القائم عليه السلام فيقول جبرئيل: أنا أول من يبايعك، أبسط يدك، فيمسح على يده، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيبايعوه، ويقيم بمكة حتى يتم أصحابه عشرة آلاف نفس، ثم يسير منها الى المدينة).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/383. اعلام الورى: 431 ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 338/79).
13 ـ كيفية قيامه
وروى محمد بن عجلان، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: (اذا قام القائم عليه السلام دعا الناس الى الاسلام جديداً، وهداهم الى أمر قد دثر فضل عنه الجمهور، وإنما سمي القائم مهدياً لانه يهدي الى أمر قد ضلوا عنه، وسمي بالقائم لقيامه بالحق).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/383. اعلام الورى: 431).
14 ـ من اوصاف حكومته
وروى عبد الله بن المغيرة، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: (اذا قام القائم من آل محمد عليه السلام أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات) قلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟ قال: (نعم، منهم ومن مواليهم).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 383. اعلام الورى: 431، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 338/79).
15 ـ من صفة حكومته
ابراهيم بن هاشم، (عن محمد بن سليمان) عن ابيه سليمان الديلمي، عن معاوية بن عمار الدهني، عن ابي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى: (يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والاقدام) فقال يا معاوية ما يقولون في هذا؟ قلت: يزعمون أن الله تبارك وتعالى يعرف المجرمون بسيماهم في القيامة فيأمر بهم فيؤخذ بنواصيهم واقدامهم فيلقون في النار، فقال لي و(كيف) يحتاج الجبار تبارك وتعالى الى معرفة الخلق بسيماهم وهو خلقهم؟ قلت: فما ذاك جعلت فداك؟ فقال: ذلك لو قام قائمنا اعطاه الله السيماء فيأمر بالكافر فيؤخذ بالنواصي والاقدام ثم يخبط بالسيف خبطاً.(الشيخ المفيد، الاختصاص، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 12/304. البحار: 13/183).
16 ـ من صفات حكومته
محمد بن هارون، عن ابي يحيى سهيل بن زياد الواسطي، عمن حدثه، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: قال: إن الله تبارك وتعالى خيّر ذا القرنين السحابتين الذلول والصعب فاختار الذلول وهو ما ليس فيه برق ولا رعد ولو اختار الصعب لم يكن له ذلك لان الله أدخره للقائم عليه السلام.(الشيخ المفيد، الاختصاص، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 12/326. مروي في البصائر ج8 ب15).
17 ـ حضرت امام مهدى
عن أبي سعيد في قصة المهدي قال فيجيء الرجل فيقول يا مهدي اعطنى اعطنى فيحثي له في ثوبه ما استطاع ان يحمله.(سيد ابو الاعلى مودودي ـ قادپانى مسئله ص 316 ـ مشكوة، باب اشراط الساعة بحواله ترمذي).
18 ـ حضرت امام مهدى
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكون في امتي المهدي ان قصر فسبع والا فتسع فتنعم فيه امتى.
وعن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المهدي مني، اجلى الجبهة أقنى الأنف، يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ويملك سبع سنين.(سيد ابو الاعلى مودودي ـ قادپاني مسئله... ص 315 ـ ابن ماجه، كتاب الفتن باب خروج المهدي، وابو داود، كتاب الفتن والملاحم، ذكر المهدي).
19 ـ سنن الانبياء في المهدي عليه السلام
راجع حق اليقين ـ شبر 1: 286.
20 ـ هل بعد المهدي دولة
ليس بعد دولة القائم عليه السلام دولة واردة إلا في رواية شاذة من قيام اولاده من بعده، وهي ما روي عن ابن عباس من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كيف تهلك امة انا اولها وعيسى بن مريم آخرها والمهدي في وسطها) ونحوها، روي عن انس وزاد: (ولكن يهلك بين ذلك ثبج أعوج ليس مني ولا انا منهم) وهاتان تدلان على دولة بعد دولته، ونحن قد أسلفنا الكلام في ذلك عند النص على آبائه واكثر الروايات انه لن يمضي الا قبل القيامة بأربعين يوماً يكون فيها الهرج وعلامة خروج الاموات للحساب....(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 254).
علامات ظهوره (عليه السلام)
ورد عن رسول الله انه قال: (لن تنقضي الايام والليالي حتى يبعث الله رجلاً من اهل بيتي يواطىء اسمه اسمي، يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/340. وردت قطعه منه في مسند احمد 1: 376 وتاريخ بغداد 4: 388، ونقله ابن الصباغ في الفصول المهمة: 291).
1 ـ اخبار النبي بظهوره
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً من ولدي، يواطىء اسمه اسمي، يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/340. سنن ابي داود 4: 106/4282، سنن الترمذي 4: 505 / 2231، غيبة الشيخ الطوسي: 180/140).
2 ـ بعد ظهوره
عمرو بن ثابت، عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: والله ليملكن رجل منا أهل البيت بعد موته ثلاث مائة سنة ويزداد تسعاً، قال: فقلت: فمتى يكون ذلك؟ قال: فقال: بعد موت القائم، قلت له: وكم يقوم القائم في عالمه حتى يموت؟ قال: فقال: تسعة عشر سنة من يوم القيامة الى يوم موته، قال: قلت له فيكون بعد موته الهرج، قال: نعم خمسين سنة، ثم يخرج المنتصر الى الدنيا فيطلب بدمه ودماء أصحابه فيقتل ويسبي حتى يقال: لو كان هذا من ذرية الانبياء ما قتل الناس كل هذا القتل، فيجتمع عليه الناس أبيضهم وأسودهم فيكثرون عليه حتى يلجئوه الى حرم الله، فاذا اشتد البلاء عليه وقتل المنتصر خرج السفاح الى الدنيا غضباً للمنتصر فيقتل كل عدو لنا، وهل تدري من المنتصر ومن السفاح يا جابر؟ المنتصر الحسين بن علي والسفاح علي بن ابي طالب عليهما السلام.(الشيخ المفيد، الاختصاص، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 12/257، 258. نقله المجلسي في البحار ج13 ص 225).
3 ـ علامات قيام القائم
قد جاءت الاخبار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي عليه السلام وحوادث تكون امام قيامه وآيات ودلالات فمنها:
خروج السفياني، وقتل الحسني، واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال الى وسط اوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين. وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم سور الكوفة، واقبال رايات سود من قبل خراسان، وخروج اليماني، وظهور المغربي بمصر وتملكه للشامات، ونزول الترك الجزيرة. ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضىء كما يضىء القمر ثم ينعطف حتى يكاد يلتقى طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها، ونارُ تظهر بالمشرق طولاً وتبقى في الجو ثلاثة أيام او سبعة ايام، وخلع العرب اعنتها وتملكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم، قتل أهل مصر اميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاثة رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب الى مصر ورايات كنده الى خراسان، وورود خيل من قبل المغرب حتى تربط بفناء الحيرة، واقبال رايات سود من المشرق نحوها، وبثق في الفرات حتى يدخل الماء ازقة الكوفة، وخروج ستين كذاباً كلهم يدعي النبوة، وخروج اثنى عشر من آل ابي طالب كلهم يدعي الامامة لنفسه، واحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العباس بين جلولاء وخانقين، وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة السلام، وارتفاع ريح سوداء بها في اول النهار، وزلزلة حتى ينخسف كثير منها، وخوف يشتمل اهل العراق، وموت ذريع فيه، ونقص من الانفس والاموال والثمرات، وجراد يظهر في اوانه وفي غير اوانه حتى يأتي على الزرع والغلات، وقلة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم، ومسخ لقوم من اهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد السادات، ونداء من السماء حتى يسمعه اهل الارض كل اهل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس، واموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا الى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون، ثم يختم ذلك باربع وعشرين مطرة تتصل فتحيى بها الارض من بعد موتها وتعرف بركاتها، وتزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي عليه السلام، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكه فيتوجهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الاخبار.(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 368).
4 ـ علامات ظهوره
اخبرني، ابو الحسن علي بن بلال المهلبي قال: حدثني محمد بن جعفر المؤدب، عن احمد بن ادريس، عن عليّ بن محمد بن قتيبية، عن الفضل بن شاذان، عن اسماعيل بن الصباح قال: سمعت شيخاً من اصحابنا يذكر عن سيف بن عميرة قال: كنت عند ابي جعفر المنصور فقال لي ابتداءاً: يا سيف بن عميرة، لابد من منادٍ ينادي من السماء باسم رجل من ولد ابي طالب، فقلت: جعلت فداك يا امير المؤمنين تروي هذا؟ قال: أي والذي نفسي بيده لسماع أذني له، فقلت: يا امير المؤمنين، إن هذا الحديث ما سمعته قبل وقتى هذا فقال: يا سيف، انه لحق، واذا كان فنحن اول من يجيبه، اما ان النداء الى رجل من بني عمنا، فقلت: رجل من ولد فاطمة؟ فقال نعم يا سيف، لو لا أنني سمعت من ابي جعفر محمد بن علي يحدثني به، وحدثني به اهل الارض كلهم ما قبلته منهم، ولكنه محمد بن علي.(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/370. الكافي 8: 209/255، بطريق اخر عن اسماعيل بن الصباح، والغيبة للطوسي: 433/423، بطريق آخر عن احمد بن ادريس، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 288/25).
5 ـ علامات الظهور
وروى يحيى بن ابي طالب، عن علي بن عاصم، عن عطاء بن السائب، عن ابيه، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يخرج المهدي من ولدي، ولا يخرج المهدي حتى يخرج ستون كذاباً كلهم يقول: انا نبي).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد، الغيبة للطوسي: 434/424، إعلام الورى: 426، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 209/ 46).
6 ـ علامات الظهور
الفضل بن شاذان، عمن رواه، عن ابي حمزة قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: خروج السفياني من المحتوم؟ قال: (نعم والنداء من المحتوم، وخروج القائم من آل محمد محتوم) قلت له: وكيف يكون النداء؟ قال: (ينادي منادٍ من السماء اول النهار: الا إن الحق مع عليٍ وشيعته، ثم ينادي ابليس في آخر النهار من الارض: الا إن الحق مع عثمان وشيعته، فعند ذلك يرتابُ المبطلون).(الشيخ المفيد، الإرشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/371. اعلام الورى: 426، ورواه الصدوق باختلاف يسير عن ابي حمزة الثمالي قال: قلت لابي عبد الله، ان أبا جعفر كان يقول:....، وفي اكمال الدين: 652/14، والغيبة للطوسي: 435/425، وقطعة منه في 454/461).
7 ـ علامات الظهور
الحسن بن علي الوشاء، عن احمد بن عائذ، عن ابي خديجة، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: (لا يخرج القائم حتى يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو الى نفسه).(الشيخ المفيد، الإرشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 272. الغيبة للطوسي: 437/428، إعلام الورى: 426، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 209/47).
8 ـ وصف ظهوره
محمد بن أبي البلاد، عن علي بن محمد الأودي، عن ابيه، عن جده، قال: قال امير المؤمنين عليه السلام: (بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض، وجراد في حينه وجراد في غير حينه كالوان الدم، فاما الموت الأحمر فالسيف، واما الموت الأبيض فالطاعون).(الشيخ المفيد، الإرشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/372. غيبة النعماني: 277/61، بطريق آخر عن ابراهيم بن ابي البلاد، عن علي بن محمد بن الاعلم الازدي، غيبة الطوسي: 438/430، اعلام الورى: 427، الفصول المهمة: 301، ورواه الصدوق في اكمال الدين: 655/27، باختلاف يسير ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 211/59).
9 ـ علامات ظهوره
الحسن بن محبوب، عن عمرو بن ابي المقدام، عن جابر الجعفي، عن ابي جعفر عليه السلام قال: (الزم الارض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات اذكرها لك، وما اراك تدرك ذلك: اختلاف بني العباس، ومنادٍ ينادي من السماء، وخسف قريةٍ من قرى الشام تسمى الجابية، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، واختلاف كثير عند ذلك في كل أرض، حتى تخرب الشام ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها: راية الأصهب، وراية الأبقع وراية السفياني).(الشيخ المفيد، الارشاد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/372. غيبة الطوسي: 441/434، اعلام الورى: 427، الفصول المهمة: 301، وروى نحوه مفصلاً النعماني في غيبته: 279/67، الاختصاص: 255، والعياشي في تفسيره 1: 64/117 ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 212/62).
10 ـ علامات الظهور
عبد الله بن بكير، عن عبد الملك بن اسماعيل، عن أبيه، عن سعيد بن جبير قال: ان السنة التي يقوم فيها المهدي عليه السلام تمطر الارض اربعاً وعشرين مطرة، ترى آثارها وبركاتها.(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/373. الغيبة للطوسي 443/435، اعلام الورى: 429).
11 ـ علامات الظهور
الفضل بن شاذان، عن أحمد بن محمد بن ابي نصر، عن ثعلبة الازدي، قال: قال ابو جعفر عليه السلام آيتان تكونان قبل القائم: كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، والقمر في آخره). قال: قلت: يا ابن رسول الله، تنكسف الشمس في آخر الشهر، والقمر في النصف فقال ابو جعفر عليه السلام: انا اعلم بما قلت، انهما ايتان لم تكونا منذ هبط آدم عليه السلام).(الشيخ المفيد، الارشادج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/374. الغيبة للطوسي: 444/439، اعلام الورى: 429، وروى نحوه الكليني في الكافي 8: 212/258 والنعماني في غيبته: 271/45، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 213/67).
12 ـ علامات الظهور
ثعلبة بن ميمون، عن شعيب الحداد، عن صالح بن ميثم قال: سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول: (ليس بين قيام القائم عليه السلام وقتل النفس الزكية اكثر من خمس عشر ليلة).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/374. اكمال الدين: 649/2، الغيبة للطوسي: 445/440، اعلام الورى: 427، نقله العلامة المجلسي في البحار 52: 203/30).
13 ـ علامات الظهور
عمرو بن شمر، عن جابر قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: متى يكون هذا الامر؟ فقال: (انى يكون ذلك ـ يا جابر ـ ولما يكثر القتل بين الحيرة والكوفة).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/375. الغيبة للطوسي 445/441، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 209/50).
14 ـ علامات الظهور
محمد بن سنان، عن الحسين بن المختار، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: (اذا هدم حائط مسجد الكوفة مما يلي دار عبد الله بن مسعود، فعند ذلك زوال ملك القوم، وعند زواله خروج القائم عليه السلام.(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/375. روى نحوه النعماني في غيبته: 276/57، والطوسي في غيبته: 446/442، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 210/51).
15 ـ علامات الظهور
الفضل بن شاذان، عن احمد بن محمد بن ابي نصر، عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: لا يكون ما تمدون اليه اعناقكم حتى تميزوا وتمحصوا فلا يبقى منكم الا القليل، ثم قرأ (الم* احسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) ثم قال: إن من علامات الفرج حدثاً يكون بين المسجدين، ويقتل فلانٌ من ولد فلان خمسة عشر كبشاً من العرب).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 375. انظر ذيله في الغيبة للطوسي: 448/447، ونقل ذيله العلامة المجلسي في البحار 52: 210/56).
16 ـ علامات الظهور
علي بن ابي حمزة، عن ابي بصير، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: (إن قدام القائم عليه السلام لسنةً غيداقةً، يفسد فيها الثمار والتمر في النخل، فلا تشكوا في ذلك).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 377. الغيبة للطوسي: 449/ 450، اعلام الورى: 428).
17 ـ علامات الظهور
وفي حديث محمد بن مسلم قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: (إن قُدّام القائم بلوى من الله). قلت: ما هو؟ جعلت فداك؟ فقرأ: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين)(البقرة 2: 155) ثم قال: (الخوف من ملوك بني فلان، والجوع من غلاء الاسعار، ونقص من الاموال من كساد التجارات وقلة الفضل فيها، ونقص الانفس بالموت الذريع، ونقص الثمرات بقلّة ريع الزرع وقلة بركة الثمار) ثم قال: (وبشر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم عليه السلام).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/377،378. رواه باختلاف في الفاظه الطبري في دلائل الامامة: 259، والصدوق في اكمال الدين 649/3، والنعماني في غيبته: 250/5 والطبرسي في اعلام الورى: 427).
18 ـ علامات الظهور
الحسين بن يزيد، عن منذر الخوزي عن ابي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: (يُزّجَر الناس قبل قيام القائم عليه السلام من معاصيهم بنار تظهر في السماء، وحمرة تُجللُ السماء، وخسف ببغداد، وخسف ببلد البصرة، ودماء تسفك بها، وخراب دورها، وفناء يقع في اهلها، وشمول أهل العراق خوفٌ لا يكونُ لهم معه قرار).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/378. اعلام الورى: 429، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 221/85).
19 ـ زمن خروجه
روى الحسن بن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: (لا يخرج القائم عليه السلام الا في وتر من السنين: سنة احدى، او ثلاث، او خمس، او سبع، او تسع).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/378. اعلام الورى: 429، الفصول المهمة: 302، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 291/36).
20 ـ زمن ظهوره
الفضل بن شاذان، عن محمد بن علي الكوفي، عن وهيب بن حفص، عن ابي بصير قال: قال عبد الله عليه السلام: (ينادي باسم القائم عليه السلام في ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم في يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي عليه السلام، لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام، جبريل عليه السلام على يده اليمنى ينادى: البيعة لله، فتصير اليه شيعته من اطراف الارض تطوي لهم طياً حتى يبايعوه فيملا الله به الارض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).(الشيخ المفيد، الارشاد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/379. اعلام الورى: 430، وفيه: ليلة ست وعشرين من شهر رمضان، وبحذف اوله في الفصول المهمة: 302، وباختلاف يسير في غيبة الطوسي: 452/458).
21 ـ كيفية ظهوره
قد جاء الاثر بأنه عليه السلام يسير من مكة حتى يأتى الكوفة فينزل على نجفها، ثم يفرق الجنود منها في الامصار.
وروى الحجّال، عن ثعلبة، عن ابي بكر الحضرمي، عن ابي جعفر الباقر عليه السلام قال: (كأني بالقائم عليه السلام على نجف الكوفة، قد سار اليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في البلاد).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/379. اعلام الورى: 430، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 336/75).
22 ـ حوادث خروجه
وروى ابو الجارود، عن ابي جعفر عليه السلام في حديث طويل أنه (إذا قام القائم عليه السلام سار الى الكوفة، فيخرج منها بضعة عشر الف نفس يدعون البترية عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم، ويدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب، ويهدم قصورها، ويقتل مقاتلتها حتى يرضى الله عز وعلا).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/384. اعلام الورى: 431، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 338/81).
23 ـ علامات خروجه
محمد بن ابي المقدام، عن جابر الجعفي قال لي: ابو جعفر عليه السلام: يا جابر الزم الارض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات اذكرها لك إن ادركتها: اولها اختلاف ولد فلان وما اراك تدرك ذلك ولكن حدث به بعدي، ومناد ينادي من السماء، ويجيئكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح، ويخسف بقرية من قرى الشام تسمى الجابية، وتسقط طائفة من مسجد دمشق الايمن، ومارقة تمرق من ناحية الترك، ويعقبها مرج الروم، ويستقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة، ويستقبل مارقة الروم حتى تنزل الرملة، فتلك السنة يا جابر فيها اختلاف كثير من كل أرض من ناحية المغرب فأوّل ارض المغرب، (أرض) تخرب الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات، راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني، فيلقي السفياني الأبقع فيقتتلون فيقتله ومن معه، ويقتل الاصهب، ثم لايكون همّه إلاّ الاقبال نحو العراق، ويمر جيشه بقرقيسا فيقتلون بها مائة ألف رجل من الجبارين، ويبعث السفياني جيشاً الى الكوفة وعدتهم سبعون ألف رجل فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبينا هم كذلك إذ اقبلت رايات من ناحية خراسان تطوي المنازل طياً حثيثاً، ومعهم نفر من أصحاب القائم عليه السلام، ويخرج رجل من موالي أهل الكوفة فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة ويبعث السفياني بعثاً الى المدينة فينفر المهدي منها إلى مكة، فبلغ امير جيش السفياني أن المهدي قد خرج من المدينة، فيبعث جيشاً على أثره فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفاً يترقب على سنة موسى بن عمران عليه السلام، وينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي مناد من السماء يا بيداء أبيدي القوم فتخسف بهم البيداء فلا يفلت منهم إلاّ ثلاثة، يحول الله وجوههم في أقفيتهم وهم من كلب، وفيهم أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها ـ الآية ـ قال: والقائم يومئذ بمكة، قد أسند ظهره الى البيت الحرام مستجيراً به ينادي: يا أيها الناس إنا نستنصر الله، ومن أجابنا من الناس فإنا أهل بيت نبيكم، ونحن أولى الناس بالله، وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم عليه السلام، ومن حاجني في محمد صلى الله عليه وآله وسلم فأنا أولى الناس بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين. أليس الله يقول في محكم كتابه (إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) آل عمران: 34. فأنا بقية من آدم، و(ذ) خيرة من نوح؛ ومصطفى من ابراهيم، وصفوة من محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الا ومن حاجني في كتاب الله فأنا أولى بكتاب الله، ألا ومن حاجني في سنة رسول الله وسيرته فأنا أولى الناس بسنة رسول الله وسيرته، فانشد الله من سمع كلامي اليوم لما أبلغه الشاهد منكم الغائب، وأسألكم بحق الله وحق رسوله وحقي، فإن لي عليكم حق القربى برسول الله لما أعنتمونا ومنعتمونا ممن يظلمنا، فقد أخفنا وظلمنا وطردنا من ديارنا وأبناءنا وبغي علينا ودفعنا عن حقنا وآثر علينا أهل الباطل. فالله الله فينا لا تخذلونا وانصرونا ينصركم الله، فيجمع الله له أصحابه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً، فيجمعهم الله له على غير ميعاد قزع كقزع الخريف وهي يا جابر الآية التي ذكرنا الله (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله على كل شيء قدير) (البقرة: 148). فيبايعونه بين الركن والمقام، ومعه عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد توارثه الانبياء عن الآباء، والقائم يا جابر رجل من ولد الحسين بن علي صلى الله عليهما يصلح الله له أمره في ليلة، فما أشكل على الناس من ذلك يا جابر، ولا يشكلن عليهم ولادته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووراثته العلماء عالماً بعد عالم، فإن أشكل عليهم هذا كله فإن الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذا نودي باسمه وإسم أبيه وإسم أمه.(الشيخ المفيد، الاختصاص، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 12/255، 256، 257. رواه النعماني في الغيبة ص 150 ونقله المجلسي في البحار: 13/164 منه ومن الاختصاص وتفسير العياشي).
24 ـ المعجزة فقط للرسل
اما قول الخصوم:
الامامية اضطرت عند قولهم بالغيبة في اثبات الاعلام بالمعجزات لامامهم عند ظهوره، اذ لا يعرفه احد بشخصه عند ظهوره، وانما يصل الى معرفته بمعجزة تدل على صدقه، وهذا اخراج للآيات عن دلائلها، وفي ذلك افساد لأدلة النبوة واعلام الرسالة، وذلك باطل باتفاق أهل الملة كلها.
فانا نقول: إن الاخبار قد جاءت عن ائمة الهدى من آباء الامام المنتظر عليه السلام بعلامات تدل عليه قبل ظهوره وتؤذن بقيامه بالسيف، وقد شاركت العامة الخاصة في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم باكثر هذه العلامات، وهذا بعينه يبرهن به عن صحة نسبه ودعواه.
مع أن ظهور الآيات على الائمة عليهم السلام لا توجب لهم الحكم بالنبوة لأنها ليست بأدلة تختص بدعوة الانبياء، لكنها ادلة على صدق الداعي الى ما دعا تصديقه، فان دعا الامام الى اعتقاد امامته كانت برهاناً له في صدقه في ذلك، وليس يختص ذلك بدعوة النبوة دون ما ذكرناه، وإن كان مختصاً بذوي العصمة من الضلال وارتكاب كبائر الاثام، وذلك مما يصح اشتراك اصحابه مع الانبياء عليهم السلام في صحيح النظر والاعتبار.
وقد اجرى الله تعالى آيه الى مريم، الاية الباهرة برزقها من السماء، وهو خرق للسعادة ولم يكن لمريم نبوة ولا رسالة، واخبر سبحانه انه اوحى الى أمّ موسى (القصص: 7) والوحي معجز من جملة الانبياء (آل عمران: 37 ـ 38). فما الذي ينكر من اظهار علم يدل على عين الامام ليميز به عمن سواه لولا أن مخالفينا يعتمدون في حجاجهم لخصومهم الشبهات المضمحلات.(الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/121 ـ 124).
25 ـ صلاة عيسى خلفه
نعتقد أن القائم المنتظر محمد بن الحسن العسكري هو المهدي الذي اخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه اذا خرج نزل عيسى بن مريم فصلى خلفه، ويكون المصلي إذا صلى خلفه كمن كان مصلياً خلف رسول الله، لانه خليفته.(الشيخ الصدوق، الاعتقادات، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 5/95).
26 ـ ظهورالمهدى
... أمير آخرين اين جماعت حضرت امام مهدى عليه السلام ميباشند، نيك سيرت واز اولاد انحضرت صلى الله عليه وآله وسلم ميباشند، ودر زمانه ايشان نزول حضرت عيسى عليه السلام ميشود....(مفتى محمد رفيع عثمانى ـ علامات قيامت او نزول مسيح عليه السلام ص 142،143، مسلم وغيره، 105 سيوطي، أبو عمرو الداني، 106 أبو يعلى، 112 الحاوي، أبو نعيم، 13 ابن ماجة وغيره، 112 الحاوي، ابو نعيم، 41 أبو نعيم، 2 البخاري ومسلم مع حاشية، 3 مسلم وغيره، 13 ابن ماجة، 116 احمد، 131 أحمد، الحاكم، 41 كنز العمال، أبو نعيم، 104 الحاوي للسيوطي، اخبار المهدي لابي نعيم، 107 الحاوي، سنن عمرو الداني و110 الحاوي، أبو نعيم بن حماد و111 الحاوي ابن أبي شيبة، 112 الحاوي أبو نعيم، 115 الحاوي أبو نعيم).
27 ـ ظهور المهدى
عن ابي هريرة مرفوعاً يا عم ان الله تعالى ابتدأ الاسلام بي وسيختمه بغلام من ولدك، وهو الذي يتقدم عيسى ابن مريم.
وعن عمار بن ياسر مرفوعاً يا عباس الله تعالى بدأ بي هذا الامر وسيختمه بغلام من ولدك، يملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وهو الذي يصلي بعيسى ابن مريم عليه السلام.(سيد ابو الاعلى مودودي ـ قادپانى مسئلة ص 324، كنز العمال ج7 ص188 وايضاً).
28 ـ ظهور المهدى
لا تقوم الساعة حتى يلى (وفي رواية لا تنقضى الأيام حتى يملك العرب) رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمى.
وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لو لم يبق من الدنيا الا يوم، وفي رواية (لطول الله ذالك اليوم) حتى يبعث الله فيه رجلاً من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمى واسم ابيه اسم ابي، (وفي رواية) يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، (وفي رواية اخرى) لا تذهب او لا تنقي الدنيا حتى يملك العرب من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمى.(سيد ابو الاعلى مودودي ـ قادپانى مسئلة ص 319، مسند احمد سلسله مرويات عبد الله بن مسعود وابو داود كتاب الفتن والملاحم ذكر المهدي ـ وروايت آخر لا تذهب الدنيا در ترمذي هم از ابن مسعود نقل شده است).
29 ـ ظهور المهدى
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان فأتوها فان فيها خليفة الله المهدي. (قادپانى مسئله سيد ابو الاعلى مودودي ص 314، مسند احمد بسلسله مرويات ثوبان بيهقي، دلائل النبوة، ابن ماجه، كتاب الفتن باب خروج المهدي وجود دارد).
30 ـ المهدي عليه السلام
تواترت اخبار الشيعة وأهل السنة بظهور المهدي في آخر الزمان، ودان له جميع المسلمين الا من شذ منهم، قال ابو الحسين الآجري: قد تواترت الاخبار واستفاضت بكثرة رواتها على المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بخروجه (أي المهدي)، وانه من أهل بيته، وانه يملأ الارض عدلاً، وانه يخرج مع عيسى... وعقبه ابن حجر بقوله: وما ذكره من ان المهدي، بعيسى هو الذي دلت عليه الاحاديث كما علمت.(المحسني ـ صراط الحق 3: 451).
فاذا ثبت امامته (بنص كل امام على لاحقه وبان الأئمة اثنا عشر) ثبت مهدويته وحياته وبقاءه وغيبته بالإجماع المركب، والاخبار القطعية من الائمة السابقين بذلك كله، وانه يغيب ثم يخرج.....(المحسني ـ صراط المستقيم 3: 454).
الاختلاف من بعد العسكري عليه السلام
واما القائلون بامامه العسكري فاختلفوا فيه فقالت فرقة: انه لم يمت بل غاب وسيعود وهو القائم المنتظر، فاذا قلنا ما الفصل بينهم وبين الفرقة الواقفة لم يجدوا فرقاً.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 275 ـ 276).
قالت فرقة: ان العسكري عليه السلام مات وعاش وهو قائم، لخبر رووه ان القائم هو الذي يقوم بعد الموت قلنا: ان صح الخبر فالمراد بعد موت ذكره دون موت شخصه، ويعضده ما روي انه إنما سمي قائماً لقيامه بدين قداندرس على انهم اذا اعترفوا بموته فمن اين لهم العلم بحياته؟ وإذا جاز خلوّ يوم من الامام جاز شهراً بل دهراً بل أبداً، وهذا اعتزال عن رأي الامامية الى رأي المعتزلة، وخروج عنها الى مذهب الخوارج.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 276).
قالت فرقة أنه لما مات العسكري لا عن عقب كان الامام اخوه جعفر بعده، لما روي عن الصادق عليه السلام ان الإمام هو الذي لا يوجد منه ملجأ، وفي هذه الصورة لم نجد ملجأ من جعفر.
قلنا: ولم زعمتم انه لا ملجأ من جعفر، وقد قامت الأدلة على وجود محمد بن الحسن، على أن كل من ادعى امامة شخص فله ان يقول: لم أجد ملجأ منه الا اليه.
ان قالوا: لا نثبت ولد لم نشاهده، قلنا: اذا قامت على وجوده الدلالة اغنت عن المشاهدة... لزم من نفي المشاهدة مع الدلالة النفي لا نتفى الرب والانبياء السالفة والائمة الخالفة وكثير من الموجودات... وهذا دخول في الجهالات على انه ما خرج عن جعفر من نقص المعرفة، وارتكاب القبايح، والاستخفاف بالدين ينافي امامته.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 276).
قالت فرقة: لما مات العسكري لا عن ولد علمنا بطلان امامته... لان الامام... من الدنيا الا عن عقب. قلنا: لو وجب أن يعقب الامام اماماً لزم التسلسل وعدم تناهي الدنيا على أن انكار العقب مكابرة بعد قيام الادلة من النبي والائمة عليهم السلام على وجوده.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 276).
قالت فرقة: الامام بعد الحسن اخوه محمد وأدعوا حياته بعد انكارها، وهؤلاء اسقاط جداً لانهم يدعون امامة من مات في حياة ابيه مع خلوه عن العلوم والعلائم والنصوص، وانكروا من كان بعد ابيه اعني العسكري فانهم رجعوا عنه مع وجود العلوم والنصوص.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 276).
راجع في ذلك ـ المقالات والفرق للاشعري القمي: 106 ـ 116.
وتوفي (الحسن العسكري عليه السلام) ولم ير له خلف، ولم يعرف له ولد ظاهر، فاقتسم ما ظهر من ميراثه اخوه جعفر وامه، وهي أم ولد كان يقال لها عسفان ثم سماها ابوه حديث، فافترق اصحابه من بعده خمس عشرة فرقة.(الاشعري ـ المقالات والفرق: 102).
زعمت فرقة ان الامام بعد الحسن ولده علي وهم قائلون بالغيبة، والانتظار حرفاً بحرف والنزاع معهم في التسمية، وقد انتشرت الأحاديث أن اسم القائم اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس علياً من اسماء النبي.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 277).
قالت فرقة: ولد للعسكري ولد بعده بثمانية اشهر وهو القائم المنتظر.
قلنا: يلزمكم خلو الزمان من امام وقد مضى فيه الكلام، ثم أن ذلك منكم على الظن والترجيم والخبط والتوهم اذ العقل لا يدل عليه والسمع لم يوجد ولم يعد اليه.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 277).
قالت فرقة: ان الحسن خلف حملاً ببعض جواريه ولم يولد بعد، وجوزوا أن يبقى مائة سنة حملاً، قلنا: أول ما يلزمكم خلو الزمان من امام وقد أسلفناه، ويلزمكم خرق العادة بحمل مائة سنة، إن قالوا: هو مقدور، قلنا: مسلم، ولكن ليس كل مقدور يحكم بوقوعه بغير دليل، والا يحكم بوجود انقلاب البحار النائية حطباً، والاشجار البعيدة ذهباً، ولعلّ بالبلاد البعيدة نساء يحبلن اليوم ويلدن غداً، وهذا جهل محض فتحه على نفسه من اعتمد على خرق العادة من غير حجة، واعترف بوقوع ذلك بمجرد القدرة.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 277).
قالت فرقة: بطلت الامامة بعد الحسن وخلت الارض من حجة الا أن يغضب على أهل الدنيا.
قلنا: يفسد هذا قضاء العقل بوجوب الامام في كل زمان مع بقاء كل مكلف من نوع الانسان ويعضده قوله تعالى: (يوم ندعو كل اناس بامامهم) الاسراء: 71. وقول رسوله: (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية) وقوله: (في كل خلف من امتي عدل من اهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين)، وقول علي: (اللهم انك لا تخلي الارض من حجة لك على خلقك اما ظاهر مشهور او خائف مغمور)، وعلى هذا نحمل قول الصادق عليه السلام بخلوها من حجة اذا غضب أي من حجة ظاهرة، ولا يلزم خلوها من حجة باطنة.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 277).
قالت فرقة: لابد بعد الحسن من امام ولا نعلمه بعينه، وهذه يريد عليها النقل الصحيح في امامة المنتظر، والنص عليه من أبيه.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 278).
قالت فرقة: ان ابنه المنتظر هو الامام، ولكنه مات وسيجيء ويقوم بالسيف، وهذه يرد عليها بوجوب عموم الإمامة، وعدم جواز الخلو منها، وقد اسلفنا ما تواتر من النصوص على عدد الأئمة واسمائهم من الرب الجليل، والنبي النبيل، ومن كل امام على من بعده بالتفصيل، وقد جاء ذلك من طرق المخالفين فضلاً عما تواتر من الشيعة المؤمنين.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 278).
1 ـ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
توفي الحسن بن علي عليه السلام ولم ير له أثر، ولم يعرف له ولد ظاهر، فاقتسم ما ظهر من ميراثه اخوه جعفر وامه، وهي ام ولد يقال لها عسفان، ثم سماها ابو الحسن حديثاً.
فافترق اصحابه بعده اربع عشرة فرقة، ففرقة منها قالت: أن الحسن بن علي حي لم يمت وانما غاب وهو القائم، ولا يجوز ان يموت ولا ولد له ظاهر، لان الارض لا تخلو من امام وقد ثبتت امامته، والرواية قائمة أن للقائم غيبتين، فهذه الغيبة احداهما، وسيظهر ويعرف ثم يغيب غيبة اخرى، وقالوا فيه ببعض مقالة الواقفة على موسى بن جعفر، واذا قيل لهذه الفرقة ما الفرق بينكم وبين الواقفة؟ قالوا إن الواقفة اخطأت في الوقوف على موسى لما ظهرت وفاته، لانه توفي عن خلف قائم اوصى اليه وهو الرضا عليه السلام، وخلف غيره بضعة عشر ذكراً، وكل امام ظهرت وفاته كما ظهرت وفاة آبائه، وله خلف ظاهر معروف فهو ميت لا محالة دائماً القائم المهدي الذي يجوز الوقوف على حياته من ظهرت له وفاة عن غير خلف، فيضطر شيعته الى الوقوف عليه الى أن يظهر، لأنه لا يجوز موت امام بلا خلف فقد صح أنه غاب.(النوبختي، فرق الشيعة: 96،97).
2 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
لما مات الامام الحسن العسكري قالت فرقة انه مات وعاش بعد موته وهو القائم المهدي، لأنا روينا أن معنى القائم هو أن يقوم من بعد الموت ويقوم ولا ولد له، ولو كان له ولد لصح موته ولا رجوع، لأن الامامة كانت تثبت لخلفه، ولا اوصى الى احد، فلا شك أنه القائم، والحسن ابن علي قد مات لا شك في موته ولا ولد له ولا خلف ولا اوصى، اذ لا وصية له ولا وصي، وأنه قد عاش بعد الموت، وقد روينا أن القائم اذا بلغ الناس خبر قيامه قالوا كيف يكون فلان إماماً وقد بليت عظامه، فهو اليوم حي مستتر لا يظهر وسيظهر، ويقوم بأمر الناس ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وإنما قالوا أنه حي بعد الموت، وأنه مستتر خائف، لأنه لا يجوز عندهم أن تخلوا الارض من حجة قائم على ظهرها عدل حي ظاهر او خائف مغمود للخبر الذي روي عن علي بن ابي طالب عليه السلام أنه قال في بعض خطبه: اللهم إنك لا تخلي الارض من حجة لك ظاهر او مغمور لئلا تبطل حججك وبيناتك، فهذا دليل على أنه عاش بعد موته، وليس بين هذه الفرقة والفرقة التي قبلها فرق أكثر من أن هذه صححت موت الحسن بن علي عليه السلام، وأن الأولى قالت أنه غاب وهو حي وأنكرت موته، وهذه ايضاً شبيهة بفرقة من الواقفة على موسى بن جعفر عليه السلام. وإذا قيل لهم: من أين قلتم هذا وما دليلكم عليه؟ رجعوا الى تأول الروايات.(النوبختي، فرق الشيعة: 97، 98).
3 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
بعد وفاة الامام الحسن العسكري قالت فرقة أنه توفي، والامام بعده اخوه (جعفر)، واليه اوصى الحسن ومنه قبل الامامة وعنه صارت اليه. فلما قيل لهم أن الحسن وجعفراً ما زالا متهاجرين متصارمين متعاديين طول زمانهما، وقد وقفتم على صنايع جعفر ومخافي الحسن وسوء معاشرته له في حياته ولهم من بعد وفاته في اقتسام مواريثه، قالوا: إنما ذلك بينهما في الظاهر، فأما في الباطن فكانا متراضيين متصافيين لا خلاف بينهما، ولم يزل جعفر مطيعاً له سامعاً منه، فاذا ظهر منه شيء من خلافه فمن أمر الحسن، فجعفر وصي الحسن وعنه افضت اليه الامامة، ورجعوا الى بعض قول الفطحية وزعموا أن موسى بن جعفر إنما كان إماماً بوصية اخيه عبد الله اليه، وعن عبدالله صارت اليه الامامة لا عن ابيه، واقروا بامامة (عبد الله اليه وعن عبد الله صارت اليه الامامة لا عن ابيه، واقروا بامامة (عبدالله بن جعفر) وثبتوها بعد إنكارهم لها وجحودهم إياها، واوجبوا فرضها على انفسهم ليصححوا بذلك مذهبهم، وكان رئيسهم والداعي لهم الى ذلك رجل من أهل الكوفة من المتكلمين يقال له (علي بن الطاحي الخزاز)، وكان مشهوراً في الفطحية وهو ممن قوى إمامة (جعفر) وأمال الناس اليه، وكان متكلماً محجاجاً وأعانته على ذلك (اخت الفارس بن حاتم بن ماهويه القزويني) غير أن هذه أنكرت إمامة الحسن بن علي عليه السلام وقالت: أن جعفراً أوصى أبوه اليه لا الحسن.(النوبختي، فرق الشيعة: 98، 99).
4 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
بعد وفاة الامام العسكري قالت فرقة: أن الامام بعد الحسن (جعفر) وأن الإمامة صارت اليه من قبل ابيه لا من قبل اخيه محمد ولا من قبل الحسن ولم يكن إماماً ولا الحسن ايضاً لان محمداً توفي في حياة ابيه وتوفي الحسن ولا عقب له وأنه كان مدعياً مبطلا، والدليل على ذلك أن الامام لا يموت حتى يوصي ويكون له خلف والحسن قد توفي ولا وصي له ولا ولد فادعاؤه الامامة باطل والامام لا يكون من لا خلف له ظاهر معروف مشار اليه ولا يجوز ايضاً أن تكون الامامة في الحسن وجعفر لقول ابي عبد الله جعفر بن محمد وغيره من آبائه صلوات الله عليهم: أن الامامة لا تكون في اخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام فدلنا ذلك على أن الامامة لجعفر وأنها صارت اليه من قبل ابيه لا من قبل اخويه.(النوبختي، فرق الشيعة: 100).
5 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
بعد وفاة الحسن العسكري: فرقة رجعت الى القول بامامة (محمد بن علي) المتوفي في حياة أبيه وزعمت أن الحسن وجعفراً أدعيا ما لم يكن لهما وأن أباهما لم يشر اليهما بشيء من الوصية والإمامة ولا روي عنه في ذلك شيء أصلا ولا نص عليهما بشيء يوجب إمامتهما ولا هما في موضع ذلك وخاصة جعفر فان فيه خصالا مذمومة وهو بها مشهور ولا يجوز أن يكون مثلها في إمام عدل وأما الحسن فقد توفي ولا عقب له فعلمنا أن محمداً كان الامام قد صحت الاشارة من ابيه اليه والحسن قد توفي ولا عقب له ولا يجوز أن يموت إمام بلا خلف ثم رأينا جعفراً في حياة الحسن وبعد مضيه ظاهر الفسق غير صائن لنفسه معلنا بالمعاصي وليس هذا صفة من يصلح للشهادة على درهم فكيف يصلح لمقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لان الله عزّ وجلّ لم يحكم بقول شهادة من يظهر الفسق والفجور فكيف يحكم له باثبات الإمامة مع عظم فضلها وخطرها وحاجة الخلق اليها وإذ هي السبب الذي يعرف به دينه ويدرك رضوانه فكيف تجوز في مظهر الفسق وإظهار الفسق لا يجوز تقية هذا ما لا يليق بالحكيم عز وجل ولا يجوز أن ينسب اليه تبارك وتعالى فلما بطل عندنا أن تكون الإمامة تصلح لمثل جعفر وبطلت عمن لا خلف له لم يبق إلا النص بامامة (ابي جعفر محمد بن علي) اخيهما إذ لم يظهر منه إلا الصلاح والعفاف وإن له عقباً قائماً معروفاً مع ما كان من ابيه من الاشارة بالقول مما لا يجوز بطلان مثله فلابد من القول بامامته وأنه القائم المهدي أو الرجوع الى القول ببطلان الامامة أصلاً وهذا مما لا يجوز.(النوبختي، فرق الشيعة: 100، 101).
6 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
بعد وفاة العسكري قالت: فرقة أن للحسن بن علي ابناً سماه محمداً ودل عليه وليس الأمر كما زعم من ادعى أنه توفى ولا خلف له وكيف يكون إمام قد ثبتت إمامته ووصيته وجرت اموره على ذلك وهو مشهور عند الخاص والعام ثم توفي ولا خلف له ولكن خلفه قائم وولد قبل وفاته بسنين وقطعوا على إمامته وموت الحسن وأن اسمه (محمد)، وزعموا أنه مستور لا يرى خائف من جعفر وغيره من اعدائه، وأنها احدى غيباته، وأنه هو الامام القائم، وقد عرف في حياة ابيه ونص عليه ولا عقب لابيه غيره فهو الامام لا شك فيه.(النوبختي، فرق الشيعة: 102، 103).
7 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
بعد وفاة العسكري قالت فرقة بل ولد للحسن ولد بعده بثمانية أشهر، وأن الذين ادعوا له ولداً في حياته كاذبون مبطلون في دعواهم، لأن ذلك لو كان لم يخف كما لم يخف غيره ولكنه مضى ولم يعرف له ولد ولا يجوز أن يكابر في مثل ذلك ويدفع العيان والمعقول والمتعارف، وقد كان الحبل فيما مضى قائماً ظاهراً ثابتاً عند السلطان، وعند سائر الناس، وامتنع من قسمة ميراثه من اجل ذلك حتى بطل بعد ذلك عند السلطان وخفي أمره، فقد ولد له ابن بعد وفاته بثمانية اشهر، وقد كان أمر أن يسمى محمداً واوصى بذلك، وهو مستور لا يرى، واعتلوا في تجويز ذلك وتصحيحه بخبر يروي عن ابي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال ستبلون بالجنين في بطن امه والرضيع.(النوبختي، فرق الشيعة: 103).
8 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
بعد وفاة العسكري قالت فرقة أنه لا ولد للحسن اصلاً، لأنا قد امتحنا ذلك وطلبناه بكل وجه فلم نجده، ولو جاز لنا أن نقول في مثل الحسن، وقد توفي ولا ولد له أن ولداً خفياً لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت عن غير خلف، ولجاز مثل ذلك في النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقال خلف أبناً نبياً رسولاً، وكذلك في عبد الله بن جعفر بن محمد أنه خلف ابناً، وأن أبا الحسن الرضا عليه السلام خلف ثلاثة بنين غير ابي جعفر احدهم الامام، لأن مجيء الخبر بوفاة الحسن بلا عقب كمجيء الخبر بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخلف ذكراً من صلبه، ولا خلف عبد الله بن جعفر ابناً، ولا كان للرضا اربعة بنين، فالولد قد بطل لا محالة، ولكن هناك حبل قائم قد صح في سرية له، وستلد ذكراً إماماً متى ما ولدت، فانه لا يجوز أن يمضي الامام ولا خلف له فتبطل الامامة وتخلوا الأرض من الحجة، واحتج اصحاب الولد على هؤلاء فقالوا: انكرتم علينا أمراً قلتم بمثله ثم لم تقنعوا بذلك حتى اضفتم اليه ما تنكره العقول، قلتم أن هناك حبلاً قائماً، فان كنتم اجتهدتم في طلب الولد فلم تجدوه فانكرتموه لذلك فقد طلبنا معرفة الحبل، وتصحيحه أشد من طلبكم، واجتهدنا فيه أشد من اجتهادكم، فاستقصينا في ذلك غاية الاستقصاء فلم نجده، فنحن في الولد أصدق منكم، لانه قد يجوز في العقل والعادة والتعارف أن يكون للرجل ولد مستور لا يعرف في الظاهر ويظهر بعد ذلك، ويصح نسبه، والامر الذي ادعيتموه منكر شنيع ينكره عقل كل عاقل ويدفعه التعارف والعادة مع ما فيه من كثرة الروايات الصحيحة عن الائمة الصادقين أن الحبل لا يكون أكثر من تسعة أشهر، وقد مضى للحبل الذي ادعيتموه سنون، وإنكم على قولكم بلا صحة ولا بينة.(النوبختي، فرق الشيعة: 103، 104، 105).
9 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
بعد وفاة العسكري عليه السلام قالت فرقة: أن الحسن بن علي قد صحت وفاة ابيه وجده وسائر آبائه عليهم السلام فكما صحت وفاته بالخبر الذي لا يكذب مثله، فكذلك صح أنه لا إمام بعد الحسن، وذلك جائز في العقول والتعارف كما جاز أن تنقطع النبوة فلا يكون بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي فكذلك جاز أن تنقطع الإمامة وقد روي عن الصادقين: أن الارض لا تخلو من حجة إلا أن يغضب الله على أهل الارض بمعاصيهم فيرفع عنهم الحجة الى وقت والله عزّ وجلّ يفعل ما يشاء وليس في قولنا هذا بطلان الامامة وهذا جائز أيضاً من وجه آخر كما جاز أن لا يكون قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما بينه وبين عيسى عليه السلام نبي ولا وصي ولما روينا من الأخبار أنه: كانت بين الانبياء فترات ورووا ثلثمائة سنة وروي مأتي سنة ليس فيها نبي ولا وصي وقد قال الصادق عليه السلام: أن الفترة هي الزمان الذي لا يكون فيه رسول ولا إمام، والارض اليوم بلا حجة إلا أن يشاء الله فيبعث القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيحيي الارض بعد موتها كما بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم على حين فترة من الرسل فجدد ما درس من دين عيسى ودين الانبياء قبله صلى الله عليهم فكذلك يبعث القائم لما شاء جل وعز، والحجة علينا أن يبعث القائم وظهور الامر والنهي المتقدمين والعلم الذي في ايدينا مما خرج عنهم الينا والتمسك بالامر مع الاقرار بموته كما كانت الحجة على الناس قبل ظهور نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أمر عيسى عليه السلام ونهيه وما خرج من علمه وعلم اوصيائه التمسك بالاقرار بنبوته وبموته والاقرار بمن ظهر من اوصيائه.(النوبختي، فرق الشيعة: 105 ـ 106).
10 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
بعد وفاة العسكري قالت فرقة: أن ابا جعفر محمد بن علي الميت في حياة ابيه كان الامام بوصية من ابيه اليه واشارته ودلالته ونصه على اسمه وعينه ولا يجوز أن يشير إمام قد ثبتت إمامته وصحت على غير إمام فلما حضرت وفاة محمد لم يجز أن لا يوصي ولا يقيم إماماً ولا يجوز له أن يوصي إلى ابيه إذ إمامة ابيه ثابتة عن جده ولا يجوز أيضاً أن يأمر مع ابيه وينهى ويقيم من يأمر معه ويشاركه وإنما ثبتت له الإمامة بعد مضي ابيه فلما لم يجز إلا أن يوصي اوصى إلى غلام لأبيه صغير كان في خدمته يقال له (نفيس) وكان ثقة أميناً عنده ودفع اليه الكتب والعلوم والسلاح وما تحتاج اليه الامة واوصاه إذا حدث بأبيه حدث الموت يؤدي ذلك كله إلى اخيه جعفر ولم يطلع على ذلك احداً غير ابيه وإنما فعل ذلك لتقل التهمة ولا يعلم به وقبض ابو جعفر فلما علم أهل داره والمائلون إلى ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام قصته وأحسوا بامره حسدوه ونصبوا له وبغوه الغوائل فلما احس بذلك منهم وخاف على نفسه وخشي أن تبطل الامامة وتذهب الوصية دعا جعفراً واوصى اليه ودفع اليه جميع ما استودعه ابو جعفر محمد بن علي اخوه الميت في حياة ابيه ودفع اليه الوصية على نحو ما أمره وكذلك فعل الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام لما خرج الى الكوفة دفع كتبه والوصية وما كان عنده من السلاح وغيره الى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستودعها ذلك كله وأمرها أن تدفعه الى علي بن الحسين الاصغر إذا رجع إلى المدينة فلما انصرف علي ابن الحسين من الشام اليها دفعت اليه جميع ذلك وسلمته له فهذا بتلك المنزلة في الامامة لجعفر بوصية (نفيس) اليه عن محمد اخيه، وانكروا امامة الحسن عليه السلام فقالوا: لم يوص ابوه اليه ولا غير وصيته إلى محمد ابنه وهذا عندهم صحيح فقالوا بامامة جعفر من هذا الوجه وناظروا عليها، وهذهِ الفرقة تتقول على أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام وتفضله على علي بن أبي طالب عليه السلام وتعتقد في ذلك بأن القائم أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذ ((نفيس)) ليلاً وألقى في حوض كان في الدار كبير فيه ماء كثير فغرق فيه فمات فسميت هذه الفرقة ((النفيسية))(النوبختي، فرق الشيعة: 106، 107، 108).
11 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
بعد وفاة العسكري قالت فرقة وهم (الامامية) ليس القول كما قال هؤلاء كلهم، بل لله عزّ وجلّ في الارض حجة من ولد الحسن بن علي، وأمر الله بالغ وهو وصي لأبيه على المنهاج الاول والسنن الماضية، ولا تكون الامامة في اخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام، ولا يجوز ذلك، ولا تكون إلا في غيبته الحسن بن علي الى أن ينقضي الخلق متصلا ذلك ما اتصلت امور الله تعالى، ولو كان في الارض رجلان لكان احدهما الحجة، ولو مات احدهما لكان الاخر الحجة ما دام أمر الله ونهيه قائمين في خلقه، ولا يجوز ان تكون الامامة في عقب من لم تثبت له إمامة، ولم تلزم العباد به حجة ممن مات في حياة ابيه ولا في ولده، ولو جاز ذلك لصح قول اصحاب إسماعيل بن جعفر ومذهبهم، ولثبتت إمامة محمد بن جعفر، وكان من قال بها محقاً بعد مضي جعفر بن محمد، وهذا الذي ذكرناه هو المأثور عن الصادقين الذي لا تدافع له بين هذه العصابة، ولا شك فيه لصحة مخرجه وقوة اسبابه وجودة أسناده، ولا يجوز أن تخلوا الارض من حجة، ولو خلت ساعة لساخت الارض ومن عليها، ولا يجوز شيء من مقالات هذه الفرق كلها، فنحن مستسلمون بالماضي وإمامته مقرون بوفاته معترفون بأن له خلفاً قائماً، من صلبه وأن خلفه هو الامام من بعده حتى يظهر ويعلن أمره كما ظهر وعلن أمر من مضى قبله من آبائه، ويأذن الله في ذلك إذا الامر لله يفعل ما يشاء، ويأمر بما يريد من ظهوره وخفائه كما قال امير المؤمنين عليه السلام:اللهم انك لا تخلي الارض من حجة لك على خلقك ظاهراً معروفاً او خائفاً مغموراً كيلا تبطل حجتك وبيناتك، وبذلك أمرنا وبه جاءت الاخبار الصحيحة عن الائمة الماضين، لانه ليس للعباد أن يبحثوا عن امور الله ويقضوا بلا علم لهم، ويطلبوا آثار ما ستر عنهم، ولا يجوز ذكر اسمه ولا السؤال عن مكانه حتى يؤمر بذلك، إذ هو عليه السلام مغمور خائف مستور بستر الله تعالى، وليس علينا البحث عن أمره، بل البحث عن ذلك وطلبه محرم لا يحل ولا يجوز، لأن في اظهار ما ستر عنا وكشفه إباحة دمه ودمائنا، وفي ستر ذلك والسكوت عنه حقنهما وصيانتهما، ولا يجوز لنا ولا لاحد من المؤمنين أن يختاروا إماماً برأي واختيار، وإنما يقيمه الله لنا ويختاره ويظهره إذا شاء، لانه أعلم بتدبيره في خلقه وأعرف بمصلحتهم، والامام عليه السلام أعرف بنفسه وزمانه منا، وقد قال ابو عبد الله الصادق عليه السلام وهو ظاهر الامر، معروف المكان، لا ينكر نسبه، ولا تخفى ولادته، وذكره شايع مشهور في الخاص والعام، من سماني باسم فعليه لعنة الله. ولقد كان الرجل من شيعته يتلقاه فيحيد عنه، وروي عنه أن رجلا من شيعته لقيه في الطريق فحاد عنه وترك السلام عليه فشكره على ذلك وحمده، وقال له لكن فلاناً لقيني فسلّم علي ما أحسن، وذمه على ذلك واقدم عليه بالمكروه. وكذلك وردت الاخبار عن ابي ابراهيم موسى بن جعفر عليه السلام أنه قال في نفسه من منع تسميته مثل ذلك، وابو الحسن الرضا عليه السلام يقول: لو علمت ما يريد القوم مني لاهلكت نفسي عندي بما لا يوثق ديني بلعب الحمام والديكة واشباه ذلك، فكيف يجوز في زماننا هذا مع شدة الطلب وجور السلطان، وقلة رعايته لحقوق امثالهم مع ما لقي عليه السلام من صالح بن وصيف وحبسه وتسميته من لم يظهر خبره ولا اسمه وخفيت ولادته، وقد رويت أخبار كثيرة أن القائم تخفى على الناس ولادته، ويخمل ذكره، ولا يعرف إلا أنه لا يقوم حتى يظهر، ويعرف أنه إمام ابن إمام، ووصي ابن وصي يوتم به قبل أن يقوم، ومع ذلك فانه لابد من أن يعلم أمره ثقاته وثقات ابيه وإن قلوا، ولا ينقطع من عقب الحسن بن علي عليه السلام ما اتصلت امور الله عزّ وجلّ، ولا ترجع الى الاخوة ولا يجوز ذلك، وأن الاشارة والوصية لا تصحان من الامام ولا من غيره إلا بشهود أقل ذلك شاهدان فما فوقهما، فهذا سبيل الامامة والمنهاج الواضح اللاحب الذي لم تزل الشيعة الأمينة الصحيحة التشيع عليه.(النوبختي، فرق الشيعة: 108، 109، 110، 111).
12 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
بعد وفاة الامام العسكري عليه السلام قالت فرقة: لما سئلوا عن ذلك، وقيل لهم: ما تقولون في الامام أهو جعفر ام غيره قالوا: لا ندري ما نقول في ذلك أهو من ولد الحسن أم من اخوته فقد اشتبه علينا الامر، إنا نقول أن الحسن بن علي كان إماماً وقد توفي، وأن الارض لا تخلو من حجة، ونتوقف ولا نقدم على شيء حتى يصح لنا الامر ويتبين.(النوبختي، فرق الشيعة: 108).
13 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
بعد وفاة الامام العسكري قالت فرقة مثل مقالة الفطحية الفقهاء منهم، وأهل الورع والعبادة مثل (عبد الله بن بكير بن اعين) ونظرائه، فزعموا أن (الحسن بن علي) توفي، وأنه كان الامام بعد ابيه، وأن (جعفر بن علي) الامام بعده، كما كان موسى بن جعفر إماماً بعد عبد الله بن جعفر، للخبر الذي روي: أن الامامة في الأكبر من ولد الامام إذا مضى. وأن الخبر الذي روي عن الصادق عليه السلام: أن الامامة لا تكون في اخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام صحيح لا يجوز غيره، وإنما ذلك إذا كان للماضي خلف من صلبه فانها لا تخرج منه إلى أخيه بل تثبت في خلفه، وإذا توفي ولا خلف له رجعت الى اخيه ضرورة، لان هذا معنى الحديث عندهم، وكذلك قالوا في الحديث الذي روي أن الامام لا يغسله إلا إمام، وإن هذا عندهم صحيح لا يجوز غيره، وأقروا أن جعفر بن محمد عليه السلام غسله موسى، وادعوا أن (عبد الله) أمره بذلك، لانه كان الإمام من بعده، وإن جاز أن ما يغسله موسى لأنه إمام صامت في حضرة عبدالله، فهؤلاء (الفطحية الخلص) الذين يجيزون الإمامة في أخوين إذا لم يكن الاكبر منهما خلف ولداً، والامام عندهم (جعفر بن علي) على هذا التأويل ضرورة، وعلى هذه الأخبار والمعاني التي وصفناها.(النوبختي، فرق الشيعة: 112).
14 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
لما توفي ابو جعفر عليه السلام افترقت اصحابه فرقتين: فرقه منها قالت بامامة (محمد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن ابي طالب) الخارج بالمدينة المقتول بها وزعموا أنه القائم وأنه الامام المهدي وأنه قتل، وقالوا: أنه حي لم يمت مقيم بجبل يقال له العلمية، وهو الجبل الذي في طريق مكة... لان رسول الله قال، القائم المهدي اسمه اسمي واسمه ابيه اسم ابي.(النوبختي، فرق الشيعة: 62).
ادعاء المهدوّية
قالوا: قد ادعيت المهدية لإسماعيل بن جعفر، ولمحمد ابنه، ولابي جعفر، ولموسى بن جعفر، ولابن الحنفية، ولا يمكن الجمع بين هذه الاقوال واذا تناقضت تساقطت.
قلنا: اذا قامت الادلة على ما ذهبنا اليه من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض). ونحو ذلك من النصوص بطل ما عارضتم به، على ان المناقضة لا توجب التساقط لامتناع كذب النقيضين، ولو أوجبت التساقط بطل وجود الرب لقول المعطلة بعدمه وبطل دين الاسلام، لقول الكفار بكذبه، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ستفترق امتي على نيف وسبعين فرقة منها واحدة ناجية) فعلى التساقط لا ناجية، والمذاهب الاربعة ساقطة لرد بعضها بعضاً، ولعنة بعضها بعضاً يظهر ذلك لمن تأمل المنتظم والبخاري وتعرضه بابي حنيفة.
قالوا: ليس فيما ذكرتم بطلان مهدية ابن الحنفية لقولهم ببقائه الى آخر الزمان.
قلنا: يبطله ما أسنده ابو داود في صحيحه الى أم سلمة من قول النبي: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة)، ومن كتاب الفتن مرفوعاً الى الزهري قال: (المهدي من ولد فاطمة)، ومنه عن علي عليه السلام: (سمى النبي الحسين سيداً، وسيخرج الله من صلبه رجلاً اسمه اسم نبيكم يملأ الارض عدلاً كما ملئت جوراً) وعن عبد الله بن عمر: يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق لو استقبل الجبال لهدها واخذ منها طرقاً، فهذه الاحاديث والاحاديث بان الائمة اثنى عشر، واشتراط العصمة المنفية عن غيره تبطل اقوال من خالفنا فيه.(البياضي، الصراط المستقيم 2: 224).
قالوا: كم من واحد ادعى انه المهدي او نائبه قد تبين بموته كذبه.
قلنا: لو كان ذلك يبطل امامته لبطلت نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بمن ادعى النبوة بعده.(البياضي، الصراط المستقيم 2: 227).
1 ـ المهدوية
من الفرق التي ادعت المهدوية لرئيسها الكيسانية والناووسية و...
راجع ادلتهم في الصراط المستقيم للبياضي 2: 226 ـ 278.
2 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
لما توفي علي بن محمد الهادي عليه السلام قالت فرقة من اصحابه بامامة ابنه محمد، وقد كان توفي في حياة ابيه بسر من رأى، وزعموا أنه حي لم يمت، واعتلوا في ذلك بأن أباه اشار اليه، واعلمهم أنه الامام من بعده، والامام لا يجوز عليه الكذب، ولا يجوز البداء فيه، فهو وإن كانت ظهرت وفاته لم يمت في الحقيقة، ولكن اباه خاف عليه فغيبه، وهو القائم المهدي وقالوا فيه بمثل مقالة اصحاب إسماعيل بن جعفر.(النوبختي، فرق الشيعة: 94).
3 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
فرقة قالت: أن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي امر الناس، وأنه هو المهدي، وزعموا أنهم رووا عنه أنه قال: إن رأيتم راسي قد اهوى عليكم من جبل فلا تصدقوه، فاني أنا صاحبكم، وانه قال لهم: إن جاءكم من يخبركم عني أنه مرضني وغسلني وكفنني فلا تصدقوه، فاني صاحبكم صاحب السيف، وهذه الفرقة تسمى (الناووسية).(النوبختي، فرق الشيعة: 67).
4 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
وبعد وفاة الامام الصادق عليه السلام زعمت فرقة ان الامام هو اسماعيل بن جعفر، وانكرت موت اسماعيل في حياة ابيه، وقالوا كان ذلك على جهة التلبيس من ابيه على الناس لانه خاف فغيبه عنهم، وزعموا أن اسماعيل لا يموت حتى يملك الارض يقوم بامر الناس وأنه هو القائم، لان اباه اشار اليه بالامامة بعده وقلدهم ذلك له، واخبرهم أنه صاحبه والامام لا يقول الا الحق، فلما ظهر موته علمنا أنه قد صدق وأنه القائم، وأنه لم يمت وهذه الفرقة هي (الإسماعيلية).....(النوبختي، فرق الشيعة: 67 ـ 68).
5 ـ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
وزعم قوم: أن الامام بعد جعفر بن محمد عليه السلام هو محمد بن اسماعيل بن جعفر، وهو الإمام القائم المهدي وهو رسول، وزعموا أنه حي لم يمت، وأنه في بلاد الروم، وأنه القائم المهدي، ومعنى القائم عندهم أنه يبعث بالرسالة وبشريعة جديدة ينسخ بها شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
واعتلوا في نسخ شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتبديلها باخبار رووها عن ابي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: لو قام قائمنا علمتم القرآن جديداً: وأنه قال: أن الاسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء ونحو ذلك من اخبار القائم....(النوبختي، فرق الشيعة: 72 ـ 73).
6 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
قالت فرقة بعد وفاة موسى بن جعفر عليه السلام: انه لم يمت وأنه حي، ولا يموت حتى يملك شرق الارض وغربها، ويملأها كلها عدلاً كما ملئت جوراً، وأنه القائم المهدي، وزعموا أنه خرج من الحبس ولم يره احد نهاراً ولم يعلم به، وأن السلطان واصحابه أدعوا موته، وموهوا على الناس وكذبوا، وأنه غاب عن الناس واختفى، ورووا في ذلك روايات عن ابيه جعفر بن محمد عليهما السلام انه قال: هو القائم المهدي، فان يدهده راسه عليكم من جبل فلا تصدقوا فإنه القائم.
وقال بعضهم: أنه القائم وقد مات، ولا تكون الامامة لغيره حتى يرجع فيقوم ويظهر، وزعموا أنه قد رجع بعد موته إلا أنه مختف في موضع من المواضع حي يأمر وينهى وأن اصحابه يلقونه ويرونه، واعتلوا في ذلك بروايات عن ابيه أنه قال: سمي القائم قائماً لانه يقوم بعد ما مات.
وقال بعضهم: أنه قد مات وأنه القائم، وأن فيه شبهاً من عيسى بن مريم عليه السلام وأنه لم يرجع، ولكنه يرجع في وقت قيامه فيملأ الارض عدلاً كما ملئت جوراً، وأن اباه قال أن فيه شبهاً من عيسى بن مريم، وأنه يقتل في يدي ولد العباس فقد قتل.
وانكر بعضهم قتله وقالوا: مات ورفعه الله اليه، وأنه يرده عند قيامه فسموا هؤلاء جميعاً (الواقفة) لوقوفهم على موسى بن جعفر أنه الامام القائم، ولم يأتموا بعده بإمام ولم يتجاوزه الى غيره.(النوبختي، فرق الشيعة: 80 ـ 81).
7 ـ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
وفرقة قالت: أن الإمام القائم المهدي هو ابو هاشم وولي الخلق ويرجع فيقوم بامور الناس ويملك الارض ولا وصي بعده....(النوبختي، فرق الشيعة: 33، 34).
8 ـ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
وفرقة من البيانية قالت: أن عبد الله بن معاوية حي لم يمت، وأنه مقيم في جبال أصفهان لا يموت ابداً حتى يقود نواصيها الى رجل من بني هاشم من ولد علي وفاطمة.
وفرقة قالت: أن عبد الله بن معاوية هو القائم المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه يملك الارض ويملأها قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، ثم يسلم عند وفاته الى رجل من بني هاشم من ولد علي بن ابي طالب عليه السلام فيموت حينئذ.(النوبختي، فرق الشيعة: 35).
9 ـ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
وفرقه تسمى المنصورية وهم اصحاب ابي منصور، وهو من أهل الكوفة ادعى بعد وفاة ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام: أنه فوض اليه أمره وجعله وصيه من بعده، ثم رقى به الأمر إلى أن قال: كان علي بن ابي طالب عليه السلام نبياً ورسولاً، وكذا الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وأنا نبي ورسول والنبوة في ستة من ولدي يكونون بعدي انبياء آخرهم القائم....(النوبختي، فرق الشيعة: 38).
10 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
إن الشيعة العباسية (الروندية) افترقت ثلاث فرق ففرقة منهم يسمون (الأبامسلمية). اصحاب (أبي مسلم) قالوا بامامته وأدعوا أنه حي لم يمت.(النوبختي، فرق الشيعة: 46 ـ 47).
11 ـ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
الوصية عن ولد محمد بن الحنفية انها عندهم ولا تخرج الى غيرهم، وانه منهم يكون القائم المهدي، وهم الكيسانية الخلص الذي غلبوا على هذا الاسم، وهذه الفرقة خاصة تسمى (المختارية) إلا أنه خرجت منهم فرقه فقطعوا الامامة بعد ذلك من عقبه، وزعموا أن الحسن مات ولم يوص الى أحد، ولا وصي بعده، ولا إمام حتى يرجع محمد بن الحنفية فيكون هو القائم المهدي.(النوبختي، فرق الشيعة: 31 ـ 32).
12 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
فرقة من الكيسانية قالت: أن محمد بن الحنفية مات، والامام بعده عبد الله بن محمد ابنه وكان يكنى ابا هاشم وهو أكبر ولده، وإليه أوصى ابوه فسميت هذه الفرقة الهاشمية بابي هاشم. وقالت فرقة مثل قول الكيسانية في ابيه، بانه المهدي وأنه حي لم يمت وأنه يحيى الموتى وغلو فيه...(النوبختي، فرق الشيعة: 30، 31).
13 ـ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
شبهة: وفرقة قالت أن محمد بن الحنفية هو الإمام المهدي....(النوبختي، فرق الشيعة: 26).
وقالت فرقه أن محمد بن الحنفية هو المهدي سماه علي عليه السلام مهدياً لم يمت ولا يموت ولا يجوز ذلك، ولكنه غاب ولا يدري اين هو؟ وسيرجع ويملك الارض، ولا إمام بعد غيبته الى رجوعه، وهم اصحاب (ابن كرب) ويسمون (الكربية)، وكان حمزة بن عمارة البربري منهم (النوبختي، فرق الشيعة: 27).
وفرقة قالت: أن محمد بن الحنفية حي لم يمت، وأنه مقيم بجبال رضوى بين مكة والمدينة تغذوه الآرام، تغدو عليه وتروح فيشرب من ألبانها ويأكل من لحومها، وعن يمينه اسد وعن يساره اسد يحفظانه إلى أوان خروجه ومجيئه وقيامه، وقال بعضهم: عن يمينه اسد وعن يساره نمر، وهو عندهم الامام المنتظر الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه يملأ الارض عدلاً وقسطاً فثبتوا على ذلك حتى فنوا وانقرضوا الا قليلاً من ابنائهم وهم إحدى فرق الكيسانية....(النوبختي، فرق الشيعة: 29).
14 ـ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
لما قتل علي عليه السلام افترقت الشيعة التي كانت قد ثبتت على إمامته، وأنها فرض من الله عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فصاروا فرقاً ثلاثة: فرقة منهم قالت: أن علياً لم يقتل ولم يمت ولا يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه، ويملأ الارض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً... وهذه الفرقة تسمى (السبئية) اصحاب عبد الله بن سبأ....(النوبختي، فرق الشيعة: 21، 22).
15 ـ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
شبهة:
... قالت فرقه: أن القائم هو محمد بن الحسن عليه السلام ولد بعد أبيه بثمانية اشهر وهو المنتظر(السيد المرتضى، الفصول المختارة من العيون والمحاسن، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 2/320).
ويرد على هؤلاء انهم كيف جوزوا خلو العالم من وجود امام وهي كامل ثمانية اشهر، وان ادعوا السمع طولبوا بالاثر فيه ولن يجدوه.(السيد المرتضى، الفصول المختارة من العيون والمحاسن، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 2/324).
16 ـ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
شبهة:
قالت الطائفة الكيسانية بامامة أبي القاسم محمد بن امير المؤمنين عليه السلام ابن خولة الحنفية، وزعموا أنه هو المهدي الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وأنه حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر الحق.
واعتلوا في أنه المهدي بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لن تنقضي الايام والليالي حتى يبعث الله عزّ وجلّ رجلاً من أهل بيتي اسمه اسمي وكنيته كنيتي، واسم أبيه اسم أبي يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا، وقالوا: وكان من اسماء امير المؤمنين عليه السلام عبد الله بقوله: أنا عبد الله واخو رسول الله، وقيل: إن منهم من يقول: إن محمداً قد مات وأنه يقوم بعد الموت وهو المهدي وهذا قول شاذ.(السيد المرتضى، الفصول المختارة من العيون والمحاسن، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 2/296 ـ 297).
17 ـ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
شبهة:
ادعت فرقة من الشيعة: بان الامام الصادق هو المهدي، وهو حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر فيملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وتعلقوا بحديث رواه رجل يقال له عنبسه بن مصعب عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال: إن جاءكم من يخبركم عني بانه غسلني وكفنني ودفنني فلا تصدقوه، وهذه الفرقة تسمى الناووسية.(السيد المرتضى، الفصول المختارة من العيون والمحاسن، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 2/305).
18 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
شبهة:
قالت فرقة: بان الامام الحسن عليه السلام وهو القائم المنتظر وانه حي لم يمت.(السيد المرتضى، الفصول المختارة من العيون والمحاسن، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 2/319).
19 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
شبهة:
زعمت طائفة: أن المهدي المنتظر هو موسى بن جعفر عليه السلام، وقال فريق منهم: انه قد مات وسيبعث، وهو القائم بعده.(السيد المرتضى، الفصول المختارة من العيون والمحاسن، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 2/313).
20 ـ مصداقه
الزيدية تدعي: أن المهدي هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن عليه السلام.(السيد المرتضى، الفصول المختارة من العيون والمحاسن، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 2/303).
فكرة المهدي (عليه السلام)
1 ـ القسم الاول: (من الذين كتبوا عن المهدي عليه السلام)
الذين ربطوا فكرة الامام المهدي بالفكر الوضعي في بعده النفسي يرون أن عقيدة المهدوية ليست وقفاً على الفكر الشيعي ولا على المسلمين فقط، بل ولا على الديانات السماوية كلها إنما هي على مستوى الشعوب ذلك أن العامل المشترك بين كل هذه الفئات هو عامل نفسي موحد، وهو الشعور بوضعية غير عادلة من حكم قائم بالفعل، وخزين متراكم من حكام سابقين عاشوا مع شعوبهم على شكل قاهر ومقهور، ومتسلط ومسحوق، ورزحوا تحت نير الظلم والطغيان. ولذا كانت هذه العقيدة عند الشعوب الشرقية ونظائرها ممن يشترك مع الشعوب الشرقية بأنّه مسحوق، وحيث أنّ بعض هذه الشعوب عنده عقيدة دينية تبشر بالمهدي أيضاً، فإنّ هذه العقيدة مهمتها تدعيم هذا العامل النفسي، وخلق لون من المشروعية لهذه النزعة في نفوس الناس، وهذا هو المعنى الذي عبر عنه برتراند رسل بقوله:
ليس السبب في تصديق كثير من المعتقدات الدينية الاستناد إلي دليل قائم على صحة واقع كما هو الحال في العلم، ولكنه الشعور بالراحة المستمدة من التصديق، فإذا كان الايمان بقضية معينة يحقق رغباتي فأنا أتمنى أن تكون هذه القضية صحيحة وبالتالي فأعتقد بصحتها.(نظرية الامامة ص 420).
إذاً فالقدر الجامع بناءً على هذا هو الامل بظهور مخلص من واقع سيّىء تعيشه الجماعة، وفي ذلك يقول الدكتور أحمد محمود:
إنّ الاعتقاد بظهور مسيح أو انتظار رجعة مخلص وليد العقل الجمعي في مجتمعات تفكر تفكيراً ثيوقراطياً في شؤونها السياسية، وبين شعوب قاست الظلم ورزحت تحت نير الطغيان، سواء من حكامهم أم من غزاة أجانب، فإزاء استبداد الحاكم وفي ظل التفكير الديني تتعلق الامال بقيام مخلّص أو محرر يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.(نفس المصدر السابق ص 399).
فهذه العقيدة بالرغم من وجود مصادر دينية لها عند المسلمين واليهود والمسيحيين إلا أن هذه المصادر ليست هي العامل الأساسي في نظر هؤلاء بالاعتقاد بها وانما تلعب دوراً مبرراً ثانوياً، ويرى الدكتور أحمد محمود ان عقيدة السنة بالصبر على الظالم، وعدم الخروج عليه عمقت نزعة المهدى وتركت الوسط الديني السني الذي يعتقد بموضوع المهدي يعيش بين عامل الألم من الواقع الفاسد الذي عاشه أيام الأمويين وما تلاها من عصور، وبين ضرورة الخلاص، فمال إلى الخلاص في المدى الأبعد الذي وجده في عقيدة المهدي وقد حاول إشراك الشيعة في ذلك باعتبارهم صابرين على الظلم حيث قال: إن هذه العقيدة لا يؤمن بها إلا اولئك الذين يعانون صراعاً نفسياً نتيجة السخط على تصرفات الحكام وعدم استحقاقهم لقب الخلافة لفسقهم، ونتيجة خضوعهم من ناحية ثانية للأمر الواقع أما خشية الفتنة كما هو عند السنة، الذين لا يرون الخروج على أئمة الجور استناداً إلى أدلة عندهم، أو نتيجة للتخاذل بسبب فشل كثير من الحركات الثورية كما هو عند الشيعة الذين يرون الصبر على الخلفاء تقية فعقيدة المهدي مخرج لهذا الصراع، أما الفرق التي تجعل من أصول مبادئها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسيف كالخوارج والزيدية: فإنّ هذه العقيدة عندهم غير ذات موضوع، إلى أن قال: ولذا لا تبلغ أهمية المهدي عند فرقة من الفرق كما تبلغ عند الشيعة الاثنى عشرية الذين يتطرف حكمهم على الخلفاء من ناحية كما يتطرف تحريمهم الخروج على الخلفاء من ناحية أخرى.(نظرية الامامة ص 127).
هذا ملخص ما قاله الدكتور أحمد محمود ولنا على مضامين هذا الفصل الملاحظات التالية:
1 ـ الملاحظة الأولى:
أنّ هذا خلط بين السبب وبعض نتائجه ذلك، لانّ الشعوب المرتبطة بدين معين تربط مظاهرها العقائدية بدينها في الجملة، فإذا لم يوجد مصدر ديني لذلك المظهر يبحث عندئذ عن سببه الاخر، ولا شك أن الاديان الثلاثة بشرت بفكرة المخلص، وهو إما واحد للجميع يوحد به الله تعالى الاديان في الخلاص من الظلم، أو متعدد لكل امة من لامم مهديها، والهدف منه ومن التبشير به أن يوضع أمام كل أمة مثل أعلى يجسد فكرة العدل، ولتكون الشعوب على تماس مباشر مع الفكرة الخيرة والمثل الاعلى كما هو متصور، فالاصل في فكرة المهدي النصوص الدينية، وساعد على ترسيخها في النفوس ارتياح النفوس إليها، خصوصاً إذا لم تقو على تجسيد العدل لسبب ما، ولكنها إذ تتخذ من فكرة المهدي وسيلة تعويضية تمسخ الغرض الاصلي من فكرة المهدي، وهو أن تكون حافزاً يدفع الناس إلى السعي إلى دفع الظلم، وفكرة قيام الامر بالمعروف والنهي عن المنكر خصوصاً إذا كانت النصوص الدينية قائمة في تحميل الانسان مسؤولية الدفاع عن نفسه وعن مقدساته، بغض النظر عن قيام المهدي وعدمه كما هو واقع التعاليم الدينية، فلا ينبغي أن تتحول فكرة الامام المهدي من نصب مثل أعلى لاستشعار سبل ومناهج الحياة الكريمة إلى مخدر يميت في النفوس نزعات التطلع ووثبات الرجولة، أو من محفز إلى منوم.
2 ـ الملاحظة الثانية:
إن إشراك الشيعة مع السنة بأنهم لا ينهضون ضد الظالم تقية مغالطة صريحة، وذلك لأن عامل صبر السنة على الظلم عامل اختياري نتيجة تمسك بأحاديث يرون صحتها في حين أن صبر الشيعة على الظلم نتيجة عامل قهري لعدم وجود قدرة ووسيلة للنهضة، وهذا عامل عام عند كل الناس، أما لو وجدت عوامل النهضة فلا ينتظر الشيعة خروج المهدي ليصلح لهم الامر، بدليل أنّ حكم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروطهما قائم عندهم فعلاً، وكذلك الجهاد بكل أقسامه بوجود نائب الامام الخاص أو العام في رأي بعضهم قائم بالفعل، أما دفاع الظالم عن النفس والمقدسات فلا يشترط فيه وجود إمام أو نائبه على رأي جمهور فقهاء الشيعة لانه دفاع عن النفس، ويتعين القيام به في كل وقت من الاوقات.(شرح اللمعة للشهيد الثاني ج2 ص381، وكنز العرفان للمقداد ج1 ص342).
إن الرجوع إلى تاريخ الشيعة يشكل أدلة قائمة على ما ذكرناه، لكثرة ثوراتهم على الباطل في مختلف العصور والجهاد مع باقي فرق المسلمين في ساحات الجهاد ضد الكفر والظلم، ولست بحاجة للاطالة بذلك لوضوحه.
3 ـ الملاحظة الثالثة:
لا ينهض اشتراك الشعوب في عقيدة المهدي دليلاً على وحدة العامل، لاننا نرى كثيراً من المظاهر السلوكية سواء كانت مظاهر دينية أم لا تشترك بها شعوب دون أن تصدر عن علة واحدة. خذ مثلاً ظاهرة تقديم القرابين فهي عند معتنقي الاديان السماوية شعيرة أمر بها الدين بهدف التوسعة على الفقراء والمعوزين في حين نجدها عند بعض الشعوب بهدف اتقاء سخط الالهة، وعند البعض الاخر لطرد الارواح الشريرة، وعند البعض الاخر تقدم الضحايا من البشر بهدف استدرار الخير كما هو عند قدماء المصريين، فلم تكن العلة واحدة عند الشعوب كما ترى، إذاً فمن الممكن أن تكون فكرة الامام المهدي ليست عملية تعويض أو تنفيس، وإنما هي فكرة تستهدف وضع نصب يظل شاخصاً دائماً يذكر الناس بأنّ الظالم قد يمهل ولكنه لا يهمل، لان الناس إذا تقاعسوا عن طلب حقوقهم فإنّ الله لا يسكت، بل لابد من الانتقام على يد مخلص، مع ملاحظة أن الاصل في مثل هذه الحالات أن يتصدى الناس لتقويم الاعوجاج، ولذلك يقول الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الرعد12. فإذا غلب عليهم التخاذل فإن الله تعالى لا يهمل أمر عباده، ولذلك تشير الاية الكريمة وهي قوله تعالى: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) يوسف:110. وقد حام المفسرون حول هذا المعنى الذي ذكرناه عند تفسيرهم للاية المذكورة (الوائلي، هوية التشيع: 174 ـ 178)، وذكروا أن السماء تتدخل عندما يطول البلاء وتشتد الحالة ويهلع الناس الى حد اليأس.
1 ـ فكرة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
2 ـ الشق الثاني: (من الذين كتبوا عن الامام المهدي عليه السلام)
الذين ربطوا فكرة الامام المهدي عليه السلام بالاخذ التقليدي، وقالوا إنها عبارة عن اقتباس أخذه المسلمون عن بعض الشعوب من دون أن يكون هناك عامل شعوري مشترك، وسواء أخذت هذه العقيدة من هذا الشعب أو ذاك فإنّ جولد تسيهر، وفان فلوتن: المستشرقان قالا إنها مقتبسة من اليهود بشكل وبآخر، ويؤكد فان فلوتن أنّها جاءت من تنبؤات كعب الاحبار ووهب بن منبه، فهي من الافكار الاسرائيلية التي نشرت بين المسلمين. وفي حين يذهب أحمد الكسروي إلى أنها مقتبسة من الفرس حيث يقول:
لا يخفى أن قدماء الفرس كانوا يعتقدون بإله خير يسمى يزدن، وإله شرّ يسمى أهريمن، ويزعمون أنهما لا يزالان يحكمان الارض حتى يقوم ساوشيانت ابن زرداشت النبي، فيغلب أهريمن ويصير العالم مهداً للخير وقد تأصل عندهم هذا المعتقد، فلما ظهر الاسلام وفتح المسلمون العراق وإيران واختلطوا بالايرانيين سرى ذلك المعتقد منهم الى المسلمين ونشأ بينهم بسرعة غريبة، ولسنا على بينة من أمر كلمة المهدي من وضعها ومتى وضعت. إنتهى بتلخيص. إن هذا الرأي لا يستحق المناقشة في الواقع لاسباب كثيرة منها: افتراضه تساهل المسلمين بحيث يعتقدون بأمور لا يعرفون مصدرها، ومنها عدم وجود صلة بين فكرة إلهي خير وشر وفكرة مخلّص، ومنها أن حجم مسألة المهدوية ليس بهذه البساطة، فالفكرة من الفكر الكبيرة الحجم بالعقيدة الدينية.(الوائلي، هوية التشيع: 178 ـ 179).
فكرة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
3 ـ الشق الثالث: (من الذين كتبوا عن المهدي عليه السلام)
ربط فكرة المهدي بالفكر الوضعي في بعده السياسي، ويقول أصحاب هذه الفكرة أن فكرة المهدي أخترعها بعض الحكام الذين حكموا ولم تتوفر فيهم صفات يفترضها المسلمون في الحاكم، فافترضوا أن هناك إماماً غائباً محرّراً سيظهر بعد ذلك، وقد عهد اليهم بالقيام بالحكم إلى أن يظهر، وقالوا إن المختار الثقفي ممن سلك هذا الطريق، وادعى انه منصوب من قبل المهدي من آل محمد، وممن أكد هذا الرأي المستشرق وات وهذا الرأي يضع الاثر مكان المؤثر، فإن الذين اتخذوا من فكرة المهدي سناداً لهم على فرض وجودهم بهذه الكثرة، لابد أن تكون فكرة المهدي شائعة عند الناس قبل مجيئهم فاستفادوا منها وركبوا ظهر العقيدة، على أن نسبة هذا الرأي للمختار باعتباره جزءاً من العقيدة الكيسانية فنده كثير من المحققين، وحتى مع فرض صحته يبقى متأخراً عن وجود عقيدة المهدي كما ذكرنا. وليس للمختار تلك المكانة الكبيرة عند فرق المسلمين حتى يأخذوا عنه ويتأثروا بآرائه مع التفات المسلمين لهدفه.(الوائلي، هوية التشيع: 179 ـ 180).
2 ـ المسلمون والمهدي
إنّ فكرة الامام المهدي في نطاق العقيدة الدينية بغض النظر عن تفاصيلها موضع اتفاق جمهور المسلمين، فإنّ روايات المهدي وانتظار الفرج على يديه وظهوره ليملأ الارض عدلاً وردت عند كل من الشيعة والسنة، وممن رواها من أئمة السنة:
الامام أحمد في مسنده، والترمذي في سننه، وأبو داود في سننه، وابن ماجة في سننه، والحاكم في مستدركه، والكنجي الشافعي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان، وابن حجر العسقلاني في القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، ويوسف بن يحيى الدمشقي في عقد الدرر في أخبار الامام المنتظر، وأحمد بن عبد الله أبو نعيم صاحب الحلية في نعت المهدي، ومحمد بن ابراهيم الحموي في مشكاة المصابيح، والسمهودي في جواهر العقدين، وعشرات من أعلام السنة وغيرهم لا اُريد الاطالة بذكرهم.
وقد أخرج أئمة السنة أحاديث المهدي عن طريق الامام علي عليه السلام وابن عباس، وعبد الله بن عمر، وطلحة، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وأم سلمة، وغيرهم.
ومن تلك الاحاديث ما رواه ابن عمر بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته كنيتي يملأ الارض عدلاً كما ملئت جوراً، ذلك هو المهدي، وكقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: المهدي من عترتي من ولد فاطمة، وقد صحح هذه الاحاديث وغيرها مما ورد في الامام المهدي: ابن تيمية مستنداً إلى مسند الامام أحمد بن حنبل وصحيح الترمذي، وسنن ابي داوود.
وقد ذهب ابن حجر تبعاً للنصوص الى تكفير منكر المهدي، فقد أجاب في الفتاوى الحديثية حين سئل عمن ينكرون خروج المهدي المنتظر، فقال: فهؤلاء المنكرون للمهدي الموعود به آخر الزمان، وقد ورد في حديث عن ابي بكر الاسكافي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من كذب بالدجال فقد كفر، ومن كذب بالمهدي فقد كفر، الى أن قال: ونملي عليك من الاحاديث المصرحة بتكذيب هؤلاء وتضليلهم وتفسيقهم ما فيه مقنع وكفاية لمن تدبره، أخرج أبو نعيم أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: يخرج المهدي وعلى رأسه عمامة ومع مناد ينادي هذا خليفة الله فاتبعوه، ثم أخذ يورد الاحاديث الواردة في المهدي. هذه بعض المأثورات السنية في الامام المهدي، أما الشيعة فرواياتهم في موضوع الامام المهدي بكل جوانبه كثيرة واردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، وقد ألفوا في ذلك كتباً كثيرة استوفت وغطت كل التساؤلات حول موضوع الامام المهدي: مثل كتاب الغيبة لمحمد بن ابراهيم النعماني، وكمال الدين وتمام النعمة لمحمد بن علي بن بابويه القمي، وكتاب الغيبة لمحمد ابن الحسن الطوسي، وغيرهم كثير، وقد تناولها فكتب بالمهدي كل من الصدوق في علل الشرائع، والمرتضى في تنزيه الانبياء، والمجلسي في البحار، والمفيد في الفصول، وفي الارشاد، ومن المتأخرين كتب عشرات المؤلفين بالمهدي وأشبعوا الموضوع.(الوائلي، هوية التشيع: 180 ـ 181).
3 ـ المردود الايجابي في عقيدة المهدي
بقي أن نعرف ما هي حصيلة عقيدتنا بوجود المهدي، فإن تقييم مثل هذه الامور يصحح كثيراً من التصورات الخاطئة عن أمثال هذه العقائد خصوصاً إذا عرفنا أنّ العقائد فواعل بالنفوس.
1 ـ المردود الاول:
فأول المردودات الايجابية بهذه العقيدة حصول الامتثال لامر الله تعالى بهذه العقيدة ككل العقائد، فإن المفروض أن النصوص تحتم الايمان بها كما ذكرنا آراء العلماء بذلك.
2 ـ المردود الثاني:
الشعور بقيام الحجة على العباد لله تعالى بوجود الامام، إذ لو حصلت الكفاية بغيره لما حصل الخلاف بين المسلمين، فإن قيل إنّ الخلاف حاصل بالفعل قيل: إنّ ذلك ناتج من عدم الالتزام بإمامته. بالاضافة الى الشعور بالتسديد في آراء العلماء لوجود الامام بين أظهرهم وإن لم يعرفوه.
3 ـ المردود الثالث:
في وجود المهدي لطف يقرب العباد الى الله تعالى، لشعورهم بأنّ الله تعالى يهيىء لاقامة العدل ورفع الظلم، فإن قيل إن رفع الظلم يجب أن يحدث بالاسباب الطبيعية من قبل الناس: قيل إن ذلك صحيح، ولكن إذا تهاونوا بذلك فلابد أن يدافع الله تعالى عن الذين آمنوا، فإن قيل إن ذلك يحصل بالاخرة قيل ان مثل ذلك كمثل اقامة الحدود في الدنيا مع أن المجرم لا يترك بالاخرة، هذه بعض الفوائد في موضوع الامام المهدي، وليست هي علة تامة بل حكمة، ونحن نتعبد بما ورد في النصوص، وهناك فوائد اخرى ذكرتها المطولات وغطت أبعاد المسألة يمكن الرجوع إليها.(الوائلي، هوية التشيع: 183 ـ 184).
4 ـ المردود السلبي في عقيدة المهدي
1 ـ المردود الاول:
إنّ أول المردودات السلبية أنّ هذه الفكرة تشل الانسان وتمنعه عن القيام بواجباته وتخدر الانسان وتتركه خائفاً ذليلاً بانتظار ظهور الامام ليأخذ له بحقه، وقد صوّر بعضهم شدة لهفة الشيعة لانتظار ظهور الامام بأن قسماً من الشيعة لا يصلون مخافة أن يخرج الامام وهم مشغولون بالصلاة فلا يستطيعون اللحاق به(منهاج السنة لابن تيمية ج1 ص29)، وهذا التصور مردود جملة وتفصيلاً فلا أحتاج الى إكثار القول فيه، بل الفت النظر الى كتب فقه الامامية فإنّ الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ووجوب الدفاع عن النفس قائم بالفعل، ولا يرتبط بالمهدي من قريب أو بعيد، ومن ادعى خلاف ذلك فليدلنا على المصدر، أما الدعاوي الفارغة والقول البذيء فمردود على القائل وهو به أولى، ومن قفا مؤمناً بما ليس فيه حسبه الله تعالى في ردغة الخبال، كما يقول الحديث النبوي الشريف.(تفسير الفخر الرازي عند قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم)).
2 ـ المردود الثاني:
أن الايمان بفكرة المهدي يؤدي الى الازدراء بالعقل لما في ذلك من مفارقات مثل طول العمر غير المعتاد، وغيبته من الابصار، وعدم وجود فائدة في إمام كهذا وغير ذلك. والجواب على ذلك بالاختصار: أن الشيعة لا يجعلون بقاءه هذه المدة أمراً طبيعياً وإنما هو معجزة، لانهم يقولون لما ثبت بالادلة وجوده وغيبته والوعد بظهوره فلابد والحالة هذه من الايمان بذلك بالاضافة لعدم خلو الزمان من إمام مفترض الطاعة، وبناءاً على أن وجوده معجزة ينقل حينئذ الكلام الى المعجزات ككل فأما أن تصدق أو تكذب، وإذا كذبناها كذبنا الثابت في الاسلام، أما أنه لا يرى فليس بمعلوم بل يجوز أن يرى ولا يعرف ويستفاد بآرائه، لانه يشترك مع الناس بالاراء ويلقي بالرأي الصحيح، يبقى الكلام على عدم تعليل اختفائه، وما أكثر العقائد والاحكام التي لا نجد لها علة ونقول بمضمونها مثل رمي الجمرات في الحج، والهرولة، ومعاقلة المرأة الرجل الى ثلث الدية، وأعداد ركعات الصلاة وهكذا، فإنها كلها أحكام غير معللة بل معظم الاحكام هكذا، وكذلك كثير من العقائد.
3 ـ المردود الثالث:
الازدواجية التي تحصل من وجود إمام تجب طاعته ولا يحكم، وآخر يحكم ولا تجب طاعته، والجواب أن فقهاء الامامية بالجملة في حال غيبة الامام يقرون حكومة الحاكم العادل الذي يرعى مصالح المسلمين ويحمي ثغورهم ويجاهد عدوهم ويرتبون المشروعية على تصرفاته بالجملة.(الوائلي، هوية التشيع: 184 ـ 185).
5 ـ سبب الاهتمام به
كل هذا الاهتمام بالامام المهدي هو ليعرف الناس عظم مسألته ودولته وما يصيبه وشيعته في غيبته، فيحزنوا عليهم ويدعوا لهم بالفرج، فيكونوا قد شاركوهم فيما يجري عليهم من مصائب وآلام، ويشتركوا معهم بالاجر والثواب.(الشيخ فارس الحسون، مقدمة كتاب الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد 3/8).
6 ـ حكمة وجود الامام
كل هذا الاهتمام بالامام المهدي هو ليطمئن المؤمن بوجود رجعة في الدنيا قبل الاخرة، يؤخذ للمظلوم حقه من الظالم، يعذب المجرمون ويذوقوا عذاب الدنيا قبل الاخرة، ينعم المحسنون والمتقون في الدنيا قبل الاخرة وليعرف الخلق باجمعه أن للحق دولة ترفع فيها كلمه الله.(الشيخ فارس الحسون، مقدمة تحقيق كتاب الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد 3/8، 9).
7 ـ فكرة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
ذكر صاحب فضائح الروافض في الشبه بين المجوس والروافض ان المجوس تعتقد بحياة كيخسرو وصعوده الى السماء ونزوله آخر الزمان....
أجاب عنه القزويني في النقض: هذا المذهب اولى بأهل السنة من الشيعة، لأن اعتقاد أهل السنة نزول عيسى عليه السلام من السماء، وأنه حيّ يعود آخر الزمان... فلو جاز نزول عيسى في آخر الزمان من السماء مع نسخ شريعته، فليجز ظهور شخص من اولاد النبي في آخر الزمان لينصر دين جده، فكل من اقرّ بنزول عيسى لم ينكر خروج المهدي عليه السلام.(القزويني، النقض: 410، 411).
8 ـ سبب الاهتمام به
كل هذا الاهتمام بالمهدي الموعود للتعريف به لجميع الخلق، وأنه صاحب الحكم الالهي، ودولة الحق التي وعد الله عباده بها، فيعتقد به من لم يدركه بقلبه ويدعو له بالفرج ويطيعه من يدركه.(الشيخ فارس الحسون، مقدمة تحقيق كتاب الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/8).
9 ـ سبب الاهتمام به
كل هذا الاهتمام بالامام المهدي هو لاجل معرفة الذين يدركون غيبته اهمية قيام دولته عجل الله تعالى فرجه الشريف التي بشر بها الانبياء والصديقون والائمة عليهم السلام وتمنوا لو ادركوها.(الشيخ فارس الحسون، مقدمة تحقيق كتاب الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/8).
10 ـ سبب الاهتمام به
كل هذا الاهتمام بالامام المهدي الموعود هو لاجل الذين يدركون غيبته، لئلا يزيغوا ويضلوا ولئلا يشكوا في امامهم ووجوده وظهوره، لتتركز عقيدتهم بامامهم اكثر وليعدوا انفسهم لظهوره، وليرفعوا الموانع المانعة عن ظهوره.(الشيخ فارس الحسون، مقدمة تحقيق كتاب الفصول الشعرة في الغيبة للشيخ المفيد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/8).
11 ـ فكرة منقذ للبشرية
إن فكرة ظهور منقذ للبشرية جمعاء في آخر الزمان أوّل من اشار اليها ونوه بها هو الله سبحانه وتعالى حيث بشر انبياءه كافة ـ من ابينا آدم عليه السلام والى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ بظهوره ودولته عجل الله فرجه. ولهذا نجد أن جميع الانبياء والرسل وجميع الائمة الى الامام العسكري عليه السلام ذكروا المهدي واشاروا الى اسمه وبعض شمائله وظهوره.(الشيخ فارس الحسون، مقدمة تحقيق كتاب الفصول الشعرة في الغيبة للشيخ المفيد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/7).
12 ـ فكرة المهدي
إن فكرة وجود الامام في كل عصر وزمان ليست فكرة حديثة بل هي أمر له سابقة من لدن خلقة البشر، لما عرفت من اقامة البراهين التامة على لزوم الارتباط بين الخلق وخالقه بالنبوة أو الامامة، واكدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجملات منها (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة الجاهلية) (مسند أحمد 2: 83، 3: 446، 4: 96)، فالاعتقاد بالامامة كان مبتنياً على اساس قويم برهاني، بل فكرة كون الائمة في الاسلام اثني عشر، وفكرة كون الائمة الاحد عشر عليهم السلام من نسل النبي ونسل علي وفاطمة والحسين وبعض خصوصيات أخر أمر سماوي أخبر به الانبياء السالفة ونبينا بالتواتر من الأخبار... ففكرة ظهور المهدي وغلبته على الظلم والجور واقامته للعدل والقسط والحكومة الاسلامية في جميع اقطار الارض أمر سماوي أخبر به الأنبياء السابقة ونبينا والائمة بالتواتر ووقع كما اخبروا.
قال العلامة الطباطبائي في كتاب (الشيعة في الاسلام)...
وقال الشهيد الصدر...
مضافاً الى أنه لولا ثبوت فكرة المهدي عن النبي على وجه عرفها جميع المسلمين وتشبعت في نفوسهم، واعتقدوها لما كان يتمكن مدعو المهدية في القرون الاولى كالكيسانية والعباسيين وجملة من العلويين وغيرهم من خدعة الناس واستغلال هذه العقيدة فيهم طلباً للملك والسلطان....(الخرازي، بداية المعارف 2: 135 ـ 138).
13 ـ فكرة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
لو ألقينا نظرة خاطفة على مصادر التاريخ وبخاصة تاريخ الاديان لادركنا بجلاء أن الايمان بالمهدوية لم يكن ابداً من مختصات عقائد الشيعة الامامية... بل ليس ذلك من مختصات المسلمين دون غيرهم... وأن اليهود والنصارى يعتقدون بمصلح منتظر في آخر الزمان هو ايليا عند اليهود وعيسى بن مريم عند المسيحين، كما ان المسلمين على اختلاف مذاهبهم كذلك حيث ذهب الشيعة الاثني عشرية والكيسانية والاسماعيلية الى الايمان بالمهدي، والتصريح بكونه من ضروريات المذهب، وذهب السنيون الى مثل ذلك... وهكذا تلتقي الديانات السماوية الثلاث في الايمان بالفكرة، ثم هكذا يلتقي الشيعة مع سائر اخوانهم... ويعتقدون في المهدي ما يرويه الدكتور احمد امين من راي السنيين به من: (أنه من اشراط الساعة وأنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيّد الدين ويظهر العدل... ويسمى المهدي)(المهدي والمهدوية ـ أحمد أمين: 110)، وكما قال عبد العزيز ابن باز: (امر المهدي امر معلوم والاحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة فهي بحق، تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق).(مجلة الجامعة الاسلامية، عدد 3 ص161 ـ 162) وهنا يظهر ان الفكرة (فكرة المهدي) في ذاتها صحيحة كما يقول الكاتب المصري المعاصر عبد الحسيب طه حميدة.(ادب الشيعة: 101) و (آل ياسين ـ اصول الدين: 367 ـ 369).
رؤيته (عليه السلام)
غاية طعن المنكرين لولادته متعلقة بنفي مشاهدته، قلنا: قد اسلفنا مشاهدة قوم من اوليائه على أنّ نفي رؤيته لا يدلّ على نفي وجوده، ولا يقدح فيه قول المنحرف عنه بجحوده، إذ ليس طرق العلم محصورة في المشاهدة، فاذا دلت البراهين على امامته ووجوده لم تكن غيبته عن الابصار مانعة عن تولده، واكثر المواليد انما تثبت بالشيعة، وهي حاصلة هنا من الشيعة، وكيف ينكر وجوده لعدم مشاهدته والابدال موجودون ولا يشاهدون، قال ابن ميثم في شرحه للنهج: قد نقل انهم سبعون رجلاً منهم اربعون بالشام وثلاثون في سائر البلاد، وفي حديث علي عليه السلام الابدال بالشام، والنجباء بمصر، والعصائب بالعراق، يجتمعون فيكون بينهم حرب.(البياضي، الصراط المستقيم 2: 243 ـ 244).
ان قالوا: لا تثبت وجود ولد له نشاهده، قلنا: اذا قامت على وجوده الدلالة أغنت عن المشاهدة... لزم من نفي المشاهدة مع الدلالة النفي لا تنفي الرب والانبياء السالفة والائمة الخالفة وكثير من الموجودات....(البياضي، الصراط المستقيم 2: 276).
1 ـ حضور الموسم والمشاهد
ذكر ابو بشر في كتابه: يغيب الامام طويلاً حتى ييأس المؤمنون ويشك المرتابون ويكذب الضالون، وهو مع ذلك يطالع امرهم، ويعرف وحشتهم، ويتجاوز عن قبيحهم، ويدعو بالصيانة والصلاح لهم، وانه ليخترق من وراء قاف الى حضور الحج كل سنة فيغفر الله بدعائه للخاطئين من شيعته، ويحضر المشاهد والزيارات.
قال مؤلف (الصراط المستقيم): خرجت مع جماعة نزيد على اربعين رجلاً الى زيارة القاسم بن موسى الكاظم، فكنا عن حضرته نحو ميل من الارض، فرأينا فارساً معترضاً فظنناه يريد اخذ ما معنا فخبينا ما خفنا عليه فلما وصلنا رأينا اثار فرسه ولم نره، فنظرنا ما حول القبة فلم نر احداً، فتعجبنا من ذلك مع استواء الارض وحضور الشمس، وعدم المانع فلا يمتنع ان يكون هو الامام او احد الابدال فلا ينكر حضور شخص لا يرى لسرّ أودعه الله فيه.
ان قيل: فهذا يبطل اصل وجوب الرؤية عند حصول شرائطها، قلنا: فان من شرائطها عدم المانع، والمانع هو السر المذكور، وقد وجد في ابواب السحر والشعبذة اخفاء الاعيان واشتباه الشيء بغيره، وقد ذكر عن أهل السيمياء اخفاء الاشخاص، وقد ذكر الطبرسي في تفسير (تبت) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحرس بقرآن من ام جميل زوجة ابي لهب فلم تره، فيجوز أن يكون الله تعالى قد عكس الشعاع او فرقه قبل وصوله اليه او صلّب المهدي فلم ينفذ فيه الشعاع.(البياضي، الصراط المستقيم 2: 263).
2 ـ ادعاء المشاهدة
ان رؤية الامام الثاني عشر عليه السلام وقعت في زمن الغيبة الكبرى لبعض الصالحين... ولا كلام فيه، وانما الكلام في أن مسألة الرؤية هل تنافي قوله عليه السلام: (وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة الا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر)، ام لا تنافي؟ والذي يمكن ان يقال: ان ملاحظة صدر هذا التوقيع تكفي لرفع المنافاة، لانه يشهد على أن المراد نفي من ادعى البابية كبابية النواب الاربعة، ولا يظهر منه نفي مطلق الرؤية، واليك صدر التوقيع:
(بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري اعظم الله أجر إخوانك فيك فإنّك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع امرك ولا توص الى احد، فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور الا بعد اذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الامد، وقسوة القلوب، وامتلاء الارض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة....).
كما احتمله في البحار حيث قال: لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة، وايصال الاخبار من جانبه عليه السلام الى الشيعة على مثال السفراء لئلاّ ينافي الاخبار التي مضت، وستأتي فيمن راه عليه السلام.(البحار 52: 151) وهنا أجوبه أخرى ذكرها العلامة النوري في جنة المأوى.(البحار 53: 318).
هذا مضافاً الى انّ مثل قوله (وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة...) مع قطع النظر عن الصدر لا يفيد الا الظن والظن لا يقاوم مع القطع الحاصل من القضايا التي تدل على رؤيته، ولعل اليه ينظر ما حكي عن فوائد العلامة الطباطبائي حيث قال: (وقد يمنع ايضاً امتناعه (أي امتناع رؤيته) في شأن الخواص وإن اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار ودلالة بعض الاثار.(البحار 53: 320) و (الخرازي، بداية المعارف2: 158 ـ 160).
3 ـ شهادة من قطع بصدقه على المهدي
انّ من انواع النصوص على امامة المهدي عليه السلام شهادة المقطوع بصدقهم بامامته، ومعلوم لكل سامع لاخبار الشيعة تعديل ابي محمد الحسن بن علي عليهما السلام جماعة من اصحابه وجعلهم سفراء بينه وبين اوليائهم، والامناء على قبض الاخماس والانفال، وشهادته بايمانهم وصدقهم فيما يؤدونه عنه الى شيعته، وان هذه الجماعة شهدت بمولد الحجة بن الحسن عليه السلام، واخبرت بالنص عليه من ابيه وقطعت بامامته... فكان ذلك نائباً مناب نص ابيه لو كان مفقوداً... والجماعة المذكورة: ابو هاشم داود بن قاسم الجعفري، ومحمد بن علي بن بلال، وابو عمر وعثمان بن سعيد السمان، وابنه ابو جعفر محمد بن عثمان، وعمر والاهوازي واحمد بن اسحاق وابو محمد الوجنائي وابراهيم بن مهزيار ومحمد بن ابراهيم.(ابو الصلاح ـ تقريب المعارف: 427 ـ 428. وانظر المحقق الحلي ـ المسلك: 277 ـ 282، والرسالة الماتعية: 311 ـ 313).
ولابد مع هذا الذي ذكرناه (من شدة التقية) ووصفنا استتاره وخفاءه من أن يعلم أمره وثقاته وثقاة ابيه وإن قلّوا....(الاشعري، المقالات والفرق: 105 ـ 106).
4 ـ رؤيته
قال القاضي: (لا يعرف منه (أي الحجة عليه السلام) عين ولا أثر)
قال المرتضى: إن أراد ان لا يعرف بالدليل فما ذكرناه يبطله، وان أراد بالمشاهدة فليس كل ما كان غير مشاهد يجب نفيه وابطاله.(المرتضى، الشافي 1: 80).
... واظهره ابوه عليه السلام لخاصة شيعته واراهم شخصه، وعرفهم بانه الذي يقصد اليه.(السد آبادي، المقنع: 146 ـ 147).
ان جماعة من اصحاب ابيه ابي محمد... قد شاهدوه في حياة ابيه، وكانوا اصحابه وخاصته بعد وفاته والسفراء بينه وبين شيعته مدة طويلة، وكانوا ينقلون عنه اليهم معالم الدين... وهم جماعة معروفون بأسمائهم وأنسابهم واعيانهم كأبي عمرو عثمان بن سعيد السمان، واخيه ابي جعفر محمد بن سعيد، وبني مهزيار بالاهواز، وبني الزكوزكي بالكوفة، وبني نوبخت ببغداد، وجماعة من اهل قزوين وقم... واما بعد انقراض... اخبار متناصرة بانه لابد للقائم المنتظر من غيبتين احداهما اطول من الاخرى... وفي الطولى لا يعرف خبره العام والخاص، ولا يعلمون له منزلاً الا من يتولى خدمته من ثقات اوليائه، ولم ينقطع عنه الاخبار بذلك موجودة في كتب الشيعة....(الرازي، المنقذ 2: 397).
5 ـ امكان ظهوره لأوليائه وسبب عدم الظهور لهم
... يجوز ظهوره لكثير منهم، ومن لم يظهر له منهم، فهو عالم بوجوده، ومتدين بفرض طاعته، وخائف من سطوته لتجويزه ظهوره له، والكل مكلف في حال منتصراً منه إن اتى جناية او من غيره من الجناة، فغيبته عنده على هذا التقدير كظهوره في كونه مزجوراً معها، بل حاله مع الغيبة في الزجر من حيث حالة ظهور تقتضي اختصاص الحجة لمكان معلوم وخلوه مما عداه وفي حال الغيبة لا مكلف من شيعته الاّ ويجوز اختصاص الامام بما يليه من الامكنة ولا يأمن ظهوره فيها، واذ كانت هذه حال اوليائه عليه السلام في زمان الغيبة حسن تكليفهم ما وجود الامام لطف فيه، وان كان غائباً لحصول صلاحهم فيهم بالظهور.(ابو الصلاح ـ تقريب المعارف: 444).
... وكذلك من لم يظهر له الامام ينبغي ان يراجع نفسه ويصلح سيرته، فاذا علم الله تعالى منه صدق النية في نصرة الامام وأنه لا يتغير عن ذلك ظهر له الامام.
وقيل في ذلك انه لا يمتنع ان يكون من لم يظهر له الامام المعلوم من حاله انه اذا ظهر له سيره وألقى خبره الى غيره من اوليائه واخوانه فربما انتهى الى شياع خبره وفساد أمره، وقيل ايضاً انه لا يمتنع انه اذا ظهر وظهر على يده علم معجز فانه لابد من ذلك فان غيبته غير معلومة، واذا كان كذلك دخلت عليه شبهة فيعتقد انه مدع لما لا أصل له فيشيع خبره ويؤدي الى اعزائه....(الطوسي ـ الاقتصاد: 368 ـ 369).
... انّا متى علمنا ان الامام لطف لجميع المكلفين؟... وسلمنا انه متى ارتفع اللطف لعلة لا ترجع الى المكلف نفسه، ومتى كان راجعاً الى غيره يجب سقوط التكليف عنه ثم ثبت لزوم التكليف لسائر المكلفين... علمنا انه انّما ثبت لامر راجع اليه يتمكن من ازالته وإن لم نعلمه على التفصيل... وكذلك نقول لاولياء الامام: انما استتر عنكم لعلة ترجع اليكم تتمكنون من ازالتها وتقدرون على دفعها وان لم نعلمها على التفصيل... وبعد نحن لا نقطع على انه مستتر عن جميع اوليائه، بل نجوّز أن يكون ظاهراً لبعض اوليائه ممن ليس فيه علة الاستتار عنه... ويمكن ان تكون العلة انه متى ظهر لهم فلسرورهم به وفرحهم بمشاهدته يتباشرون به، ويلقى كل واحد منهم من يأمنه من اصدقائه خبره حتى يشيع ذلك ويطلع عليه اعداؤه فيعود الامر الى الاستتار، ويمكن أن تكون العلة: انه متى ظهر لبعض اوليائه فلا يمكنه معرفته بالمشاهدة، وانما يعرفه بظهور العلم المعجز على يده... والمعجز لا يعلم كونه معجزاً بالضرورة، وانما كونه كذلك بالنظر والاستدلال فلا يمنع ان تدخل عليهم الشبهة في ذلك فيذيعوا خبره... فيستتر....
فان قيل: الشك في المعجز كفر...، قلنا: ان الشك في المعجز الذي يظهر على يد الامام ليس بقادح في معرفته لغير الامام على طريق الجملة، وانما يقدح في أن ما علم على طريق الجملة وصحت معرفته به هل هو هذا الشخص ام لا؟ والشك في هذا ليس بكفر، لانه لو حصل كفراً لوجب ان يكون كفراً وإن لم يظهر المعجز، فانه لا محالة قبل ظهور هذا المعجز على يده شاك فيه....(الطوسي ـ تلخيص الشافي 1: 83 ـ 84 و 89).
6 ـ الاستتار عن اوليائه
وقد قيل انما لم يظهر الى اوليائه خوفاً من اشاعة خبره، وقيل بل خوفاً من اعدائه لا غير، وقيل خوفاً على الولّي من الشك في المعجز الدّال على صدقه، وكل ذلك لا يخلو من قدح بل الاولى اعتقاد انّه لابد في ذلك من وجه مقتض لحسنه، وإن كنّا لا نستفصله.
على انّا نقول: (لا نسلّم) انه لم يظهر الى أوليائه، بل من الجائز أن يظهر الى من يرتفع مع ظهوره اليه وجه المفسدة، فانّا لا نعلم أحوال (كل انسان)، بل كل إنسان يعلم حال نفسه حسب.(المحقق الحلي، المسلك 282 ـ 283).
انما استتر... من اوليائه خوفاً عليهم من اعدائه، وكما جاز لعلي والائمة بعده كف ألسنتهم عن الفتيا في وقت وايديهم عن اصلاح الرعية في اكثر الاوقات خوفاً على انفسهم، فكذلك يجوز لامام الوقت اخفاء نفسه خوفاً عليها.(المحقق الحلي، الرسالة الماتعية: 311).
انا نجوّز ان يظهر لاوليائه ولا نقطع بعدم ذلك، على أنّ اللطف حاصل لهم في غيبته ايضاً، اذ لا يأمن احدهم اذا هم بفعل المعصية ان يظهر الامام عليه فيوقع به الحد وهذا القدر كاف في باب اللطف.(ابن ميثم، قواعد المرام: 191).
... انا لا نسلم ان الامام الذي نقول بغيبته الان لا يظهر لاوليائه، بل يظهر لهم ويأخذون عنه الاحكام، وقد ظهرت اليهم عنه احكام واجوبة مسائل سألوها، وغير ذلك من الادعية والمكاتبات كما هو مشهور بين الاثني عشرية.
سلمنا أنه لا يظهر لأحد من اوليائه، وان كانوا في غاية الصلاح والمحبة له والحاجة اليه، لكن السبب فيه أحد أمرين:
أحدهما: إن الانسان وان كان في غاية الصلاح الا أنّ طبيعته مجبولة على طلب الكمال وأعظم كما يتنافس فيه في الدنيا، ويتخيل كونه اشرف الكمالات هو الجاه، فان الانسان ربما يجهد في تحصيله بكل وسيلة... ثم أنّه اذا كان مطلوباً للخلق من تعظيم أقل امير من امراء الجور لهم، فكيف من الامام الحق المؤيّد بالكرامات الذي لو عرف الخلق بأسرهم حقيّة وجوده وصحة امامته وان الحق معه لبذلوا مهجتهم دونه اذا اختص انساناً من خلق الله فتطرق اليه وظهر اليه، فانه والحال هذه لا يؤمن أن يفتخر بمثل ذلك ويسرّه الى أخ له او ولد او زوجة فينتشر ذلك الى الاعداء او ولاة الاشرار، فان لكل نصوح نصوحاً، وكل حديث جاوز اثنين شاع، واذا انتشر ذلك كان سبباً للفساد.
الثاني: إن ذلك الولي لا يعرفه الا بالكرامات التي تظهر له منه ولا يصدقه بمجرد قوله، ثم لا يمتنع إن تطرأ الشبهة على المكلف في ذلك، فلا يقف على وجه دلالة الكرامة على مدّعي الامامة فيعتقد ما جاء به منكراً فيستعين بغيره فيصير خصماً وسبباً لوصول ذلك الامر إلى الاعداء.(ابن ميثم ـ النجاة في القيامة: 50 ـ 51).
ان قيل: لم لم يظهر لاوليائه؟ قلنا: لخوف الاشاعة فيشهره الولي بالعدو، ولان الولي لا يعلم انه الامام الا بمعجز وجائز تشكيك الوليّ فيه فتمنعه هذه الوصمة من ذلك شفقة منه عليه.(البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 244).
7 ـ لماذا الاستتار عن شيعته
قد أجاب أصحابنا عن هذا السؤال (أي سبب الغيبة عن اوليائه) بان قالوا: ان العلة في استتار الامام في غيبته عن اوليائه غير العلة في استتاره عن اعدائه وهو خوفه من الظهور لهم لئلاّ ينشروا خبره ويجروا ذكره فيسمع به الاعداء ويظهروا عليه، فيؤول الامر الى الغاية الموجبة للاستتار من الاعداء وهذا قريب.
ومما يمكن ان يجاب به عن هذا السؤال ان يقال: قد علمنا ان الامام اذا ظهر لجميع رعيته او لبعضهم وليس يعلم صدقه في ادعائه انه الامام بنفس دعواه، بل لابد من آية يظهرها تدل على صدقه، وما يظهره من الايات ليس يعلم ضرورة كونه اية ودلالة، بل يعلم ذلك بضروب الاستدلال التي يدخل في طرقها الشكوك والشبهات، واذا صح هذا فمن لم يظهر له الامام من اوليائه لا يمتنع ان يكون المعلوم من حاله ان ما يظهره الامام من المعجزات دخل عليه في طريقه الشبهات فلا يصل الى العلم بكونه آية معجزة واذا لم يصل الى ما ذكرناه، واعتقد في المظهر له ما يعتقد في المحتالين المخرفين لم يمنع ان يكون في المعلوم منه ان يقدم مع هذا الاعتقاد على سفك دمه أو فعل ما يؤدّي الى ذلك من تنبيه بعضهم عليه (أعني بعض الاعداء)، فيؤول الحال الى العلة التي منعنا لها من ظهوره لاعدائه، وان كان بين الاعداء والاولياء فرق من وجه آخر، لان الاعداء قبل ظهوره معتقدون انه لا امام في العالم وان من ادعى الامامة مبطل كاذب فهم عند ظهور من يدعي الامامة على الوجه الذي نذهب اليه لا ينظرون فيما يظهره مما يدعي أنه آية لتقدم اعتقادهم ان كل ما يدعيه من نسب الامامة المخصوصة الى نفسه من الايات باطل لا دلالة فيه، فيقدمون لهذا الاعتقاد على المكروه فيه، وليس كذلك حال الاولياء، لانهم ينتظرون ظهور الامام الذي يدعي هذا النسب المخصوص فهم فيما يظهروهم من اية انما يستحيل بعضهم فيه المحرم لدخول الشبهة عليه فيما يظهره حتى يعتقد انه ليس باية ولا معجزة.
وعلى الجوابين جميعاً لسنا نقطع على ان الامام لا يظهر لبعض اوليائه وشيعته بل يجوز ذلك، ويجوز ايضاً ان لا يكون ظاهراً لاحد منهم، وليس يعرف كل واحد منا الا حال نفسه، فاما حال غيره فغير معلومة له، ولاجل تجويزنا ان لا يظهر لبعضهم او لجميعهم ما ذكرنا العلة المانعة من الظهور.(المرتضى، الشافي 1: 148 ـ 149، وتنزيه الانبياء: 237 ـ 238).
قال اصحابنا: انه اذا ثبتت امامته وعصمته ثم علمنا غيبته واستتاره علمنا أنه لم يستتر الا لوجه لا ينافي عصمته غيبته، استتار يوجد في الولي والعدو وإن لم نعلمه على سبيل التفصيل... ومنهم من قال: ان علة استتاره عن اوليائه علة استتاره عن أعدائه فعلّة استتاره عن اعدائه خوفه منهم وعلة استتاره عن اوليائه هو أنه اذا ظهر لا يمكن معرفته بعينه الا بالمعجز، ويجوز على من شاهد ذلك المعجز أن يدخل عليه شبهة فيعتقد فيه أنّه مدّع لما ليس له ويعتقد أنّه مبطل ويشيع خبره فيؤدّي الى هلاكه، على أنا لا نقطع على أنّ جميع اوليائه لا يرونه وانما يعلم كل انسان حال نفسه غير انّا اذا جوّزنا استتاره عن بعضهم امكن ان يكون العلة ما ذكرناه.(المرتضى، شرح جمل العلم: 229 ـ 230).
8 ـ الاستتار عن الاولياء
انّا متى علمنا أن الامام لطف لجميع المكلفين، وسلمنا انّه متى ارتفع اللطف لعلة لا ترجع الى المكلف نفسه، ومتى كان راجعاً الى غيره يجب سقوط التكليف عنه ثم ثبت لزوم التكليف لسائر المكلفين، علمنا انه إنما ثبت لامر راجع اليه يتمكن من ازالته وإن لم نعلمه على التفصيل... وكذلك نقول لاولياء الامام: انّما استتر الامام عنكم لعلة ترجع اليكم تتمكنون من ازالتها وتقدرون على دفعها وأن لم نعلمها تفصيلاً، وبعد نحن لا نقطع على أنّه مستتر عن جميع اوليائه... ويمكن أن تكون العلة أنه متى ظهر لهم فلسرورهم به... يلقى كل واحد منهم من يأمنه من أصدقاء خبره حتى يشيع ويطلع عليه أعداؤه فيعود الامر الى الاستتار، ويمكن أن تكون العلة: انه متى ظهر لبعض اوليائه فلا يمكنه معرفته بالمشاهدة، وانما يعرفه بظهور العلم المعجز على يده وبينونته به ممن عداه، والمعجز لا يعلم كونه معجزاً بالضرورة وانما كونه كذلك بالنظر والاستدلال، فلا يمتنع ان تدخل عليهم الشبهة في ذلك فيذيعوا خبره فيؤدي الامر الى تتبعه والطلب له فيحتاج الى الاستتار....
فان قيل: فيجب ان يكون كل ولي لم يظهر له الامام يقطع على أنّه على كبيرة يلحق بالكفر لانه مقصّر فيما يوجب غيبة الامام عنه....
قلنا: ليس يجب التقصير أن يكون كفراً ولا ذنباً عظيماً، لانه في هذه الحال ما اعتقد في الامام انّه ليس بامام ولا اخافه على نفسه، وانما قصر في بعض المعلوم تقصيراً كان كالسبب في ان علم من حاله أنّ ذلك الشك في الامامة يقع منه مستقبلاً....
فان قيل: من شك في معجزة الامام كافر...، قلنا: هذا ليس بصحيح، لان الشك في المعجز الذي يظهر على يد الامام ليس بقادح في معرفته لغير الامام على طريق الجملة، وانما يقدح في ان ما علم على طريق الجملة وصحت معرفته به هل هو هذ الشخص ام لا؟ والشك في هذا ليس بكفر....
انه لا يجب القطع على استتاره عن جميع اوليائه، غير ان من يقطع على استتاره عنه أقرب ما يقال فيه ما تقدم ذكره من أن هذا الباب لا يجب العلم به على سبيل التفصيل، وان العلم على وجه الجملة فيه كاف، ولابد أن تكون علة الغيبة عن الاولياء مضاهية لعلة الغيبة عن الاعداء في انها لا تقتضي سقوط التكليف عنهم... ولابد أن يكونوا متمكنين من رفعها وازالتها فيظهر لهم، وعلى هذا التقدير اولى ما علّل به أنّ الامام اذا ظهر ولا يعلم شخصه وعينه من حديث المشاهدة فلابد من أن يظهر عليه علم معجز يدل على صدقه والمعجز، وكونه دلالة طريقه الدليل، ويجوز أن تعترض فيه الشبهة، ولا يمتنع أن يكون المعلوم من حال من لم يظهر له أنه متى ظهر له وأظهر المعجز لم ينعم النظر فتدخل عليه فيه الشبهة فيعتقد أنّه كذاب ويشيع خبره....
وجواب آخر: ان العلة في استتار الامام انما هي موجودة في اعداء الامام وليست حاصلة في أوليائه، ولا يلزم اسقاط التكليف عنه، لان اللطف متى تعلق بفعل المكلف نفسه او بفعل غيره وعلم أنه لا يحصل فلا يجب اسقاط التكليف... وانما يجب اسقاط التكليف لو كان اللطف في مقدور الباري تعالى، وعلم انه لا يحصل لوجه من الوجوه مما يرجع الى حكمته... فيجب حينئذٍ اسقاط التكليف....(الطوسي، تلخيص الشافي 1: 83 ـ 93، وانظر 4: 219 ـ 226 باختلاف وتفصيل).
9 ـ الاستتار عن الاولياء
... انه لا يمتنع أن تكون ها هنا امور كثيرة غير واصلة الينا هي مودعة عند الامام، وان كان كتمها الناقلون ولم ينقلوها، ولم يلزم مع ذلك سقوط التكليف عن الخلق، لانه اذا كان سبب الغيبة خوفه على نفسه من الذين أخافوه فمن أحوجه الى الاستتار أتى من قبل نفسه في فوت ما يفوته من الشرع... فلو زال خوفه لظهر... وذكر اصحابنا أنّ علة استتاره عن اوليائه خوفه من أن يشيعوا خبره.... فيؤدي ذلك الى الخوف من الاعداء وإن كان غير مقصود، وهذا الجواب يضعف لان عقلاء شيعته لا يجوز أن يخفى عليهم ما في اظهار اجتماعهم معه من الضرر عليه وعليهم، فكيف يخبرون بذلك؟ مع العلم بما فيه من المضرة الشاقة، وإن جاز هذا على الواحد والاثنين لا يجوز على جماعة شيعته الذين لا يظهر لهم... وقال بعض: من أن العلة في استتاره عن اوليائه ما يرجع على الاعداء....
قالوا: ولا فائدة في ظهوره لبعض اوليائه، لأن النفع المبتغي من تدبير الامة لا يتم الا بظهوره للكل نفوذ الامر، فقد صارت العلة في استتار الامام على الوجه الذي هو لطف ومصلحة للجميع واحدة.
ويمكن أن يعترض على هذا الجواب بأن يقال: الاعداء إن حالوا بينه وبين الظهور على وجه التصرف والتدبير فلم يحولوا بينه وبين لقاء ما شاء من اوليائه على سبيل الاختصاص، وهو يعتقد طاعته ويفترض اتباع أوامره...، على انه لو سلم لهم ما ذكروه... بطل قولهم من وجه آخر، وهو أنه يؤدي الى سقوط التكليف ـ الذي الامام لطف فيه ـ عن شيعته لانه اذا لم يظهر لهم لعلة لا ترجع اليهم، ولا كان في قدرتهم وامكانهم ازالة ما يمنعه من الظهور فلابد من سقوط التكليف عنهم....
وقد بينا فيما تقدم أن الذي يجب أن يقال: انه لا يجب القطع على استتاره عن جميع اوليائه... ولابد أن تكون علة الغيبة عن اوليائه مضاهية لعلة الغيبة عن الاعداء من أنها لا تقتضي سقوط التكليف عنهم.....(الطوسي، تلخيص الشافي 4: 219 ـ 222).
10 ـ الغيبة عن اوليائه
قيل في سبب الغيبة عن الاولياء وجوه:
منها: أن السبب هو خوفه من إشاعة خبره سروراً بمكانه فيؤدي ذلك الى انتشار خبره والخوف من أعدائه، ولكن هذا الوجه ضعيف، لان هذا وإن كان جائزاً على بعضهم فلا يجوز على جميعهم، اذ فيهم من المحصلين واصحاب الاراء الصائبة من لا يخفى عليهم ضرر الاشاعة... وذكر الشيخ في تضعيف هذا الجواب وجهاً آخر وهو قوله: على انّه يلزم عليه أن يكون شيعته عدموا الانتفاع به على وجه لا يمكنهم تلافيه، لانه اذا كانت العلة في ذلك ما علم من حالهم فليس في مقدورهم ازالة ذلك وهذا غير مستقيم، لان الصحيح الذي يذهب إليه أن خلاف المعلوم مقدور، فكيف يصح أن يقول: اذا كانت العلة في ذلك ما علم من حاله فليس في مقدورهم ازالة ذلك؟
ومنها انّ سبب استتاره عن الاولياء راجع على الاعداء، وهم الذين خوفوا شيعته الانتفاع به، وهذا الوجه ايضاً ليس بصحيح، لانه لو كان كذلك للزم سقوط التكليف الذي أمام لطف فيه عنهم، لانه اذا استتر عن الشيعة لعلة لا ترجع اليهم، ولا يتمكنون من ازالتها ورفعها لم يكونوا مزاحي العلة، فيجب سقوط التكليف الذي وصفناه عنهم، وبعد فان الخوف من الاعداء انما يمنع من الظهور الكلي، ولا يمنع من ظهوره على وجه الاختصاص لشيعته....
ومنها إن قيل اولاً نحن لا نقطع على أنه عليه السلام لا يظهر... وانما يعلم كل واحد منهم حال نفسه دون غيره ولكن من لا يظهر له منهم، فان سبب عدم ظهوره عليه السلام راجع اليه، ولا يلزمنا معرفة ذلك السبب بعينه في حق الغير، بل يكفينا ان نعلم ان مع بقاء التكليف واستمرار غيبته عنه لابد من أن يكون ذلك بسبب راجع اليه دون غيره وان لم نعلمه مفصلاً.....
فان قيل: اذا لم يتعين ذلك السبب فكيف يزيله...؟قلنا: انما لا يتعين لغيره، فاما ذلك الانسان الذي لم يظهر له فانما يجب ان يعلمه بعينه فيزيله، أو يعلم انحصار ما يتصور ان يكون سبباً في اشياء معينة فيجتهد في ازالة جميع ذلك ورفعها، ومثل هذا السؤال يتوجه علينا كلنا اذا قلنا في المخالفين الذين نظروا في الادلة الصحيحة فلم يحصل لهم العلم انهم اخلّوا بشرط من شروط النظر، بان يقال فما ذلك الشرط عينوه حتى يتداركه المخالف ويتلافاه ويزيل الخلاف الذي وقع منه في الاول، وإلا كان يكلفه إزالة الخلل الواقع منه تكليفاً لما لا يعلمه وجارياً مجرى تكليفه مع فقد القدرة، ولا جواب عنه الا مثل ما ذكرناه بأن يقول: ذلك الخلل انما لا يتعين لنا، فاما هم فانه يجب ان يعلموه إمّا معيناً او أن يعلموا انحصار شروط النظر في امور معينة مفصلة، فيلزمهم معاودة النظر مع مراعاة تلك الشروط والتحرز من الخلل في شيء منها ليحصل لهم العلم..
... والولي اذا علم أن الامام لا يظهر، وعلم أنه لابد أن يكون سبب استتاره عنه امراً راجعاً اليه لا الى غيره فلابد من أن يعلم ان ذلك لتقصير وقع منه، فيلزمه معاودة النظر فيما يوجب الالتباس، ويجتهد غاية الاجتهاد في تحصيل المعرفة بالفرق بين الممكن والمعجز حتى لا يشتبه عليه شيء من ذلك....
فان قيل: يلزم على هذا ان يكون كل ولي لم يظهر له الامام مقيماً على كبيرة لمكان هذا التقصير فيؤدي الى إلحاقه بالعدو... قلنا: الشك في المعجز الذي يظهر على يد الامام لا يقدح في علمه بان الامام انما هو ابن العسكري عليه السلام على الجملة، وانما تأثيره في أن من علمه على الجملة هل هو هذا الشخص أم لا؟ والشك في ذلك ليس كفراً.....(الرازي، المنقذ 2: 380 ـ 385).
11 ـ سبب الغيبة من شيعته وكيفية الانتفاع به
قد بينا في كتابنا (المقنع في الغيبة) الكلام في هذا الفصل مستقصى، والمختار من الوجوه المذكورة انما نطالب بعلة استتاره من شيعته اذا كانوا غير منتفعين به في حال الغيبة الانتفاع الذي لا يريد عليه ظهوره ومن انتقامه وسطوته وتأديبه وعقوبته كما لو كان ظاهراً، لانهم قاطعون على وجوده بينهم، وانه يعلم اخبارهم، ويعرف حال المخطىء والمصيب والطائع والعاصي فهم يتركون المعاصي، أو يكونون اقرب الى من تركها حياء منه ومحاباة له، واشفاقاً من معالجته بالحد والعقوبة، ومن فيهم لو ظهر له الامام، وأراد أن يقيم عليه الحد أو يعاقبه بجنايته ما امتنع عليه، فالامتناع الديني بالائمة حاصل به عليه السلام لشيعته في الغيبة.
وانما ينتفعون به في حال الظهور في انتقامه لهم من اعدائهم وأخذ حقوقهم منهم، وهذه منافع دنيوية يجوز تأخيرها وفوتها، ولا يجري ذلك مجرى تلك المنافع الدينية التي يقتضيها التكليف، وبينا أيضاً انا غير قاطعين على ان احداً من شيعته لا يلقاه في حال غيبته كما نقطع على ذلك في اعدائه، وانا نجوّز أن يلقاه الكثير منهم.
وبينا هناك ايضاً انه لا وجه لاستبعاد معرفة امام الزمان عليه السلام بجنايات شيعته مع الغيبة، وان معرفته بذلك وهو غائب كمعرفته به وهو ظاهر، لان المعرفة بذلك في حال الظهور انما يكون المشاهدة او بالبينة او بالاقرار، والمشاهدة ممكنة في حال الغيبة والخوف منها وهو غائب قوي منه مع ظهوره، لان التحرز من مشاهدته للجنايات وهو غائب اشد وأضيق تعذراً منه وهو ظاهر متميز الشخص، لانه اذا كان معروف العين أمن مع بعده من مشاهدة لجناية تجري من بعض شيعته، واذا لم يتميز شخصه لم يؤمن في كل حال من مشاهدته، وجوز في كل من يرى ولا يعرف انه الامام.
واما البينة فيجوز أن تقوم عنده وهو غائب بان يتفق كون من شاهد تلك الفاحشة ممن يلقى الامام فيشهد بها عنده، والتجويز في هذا الباب كاف ولا يحتاج في الخوف وحصوله الى القطع، وكذلك الاقرار ممكن في الغيبة على هذا الوجه....(المرتضى، الذخيرة: 423 ـ 424).
ومع هذا فما نمنع من ظهوره عليه السلام لبعضهم اما لتقويم أو تأديب او وعظ وتنبيه وتعليم غير انّ ذلك كله غير واجب فيطلب في فوته العلل وتتمحل له الاسباب، وانما يصعب الكلام ويشتبه اذا كان ظهوره للولي واجباً من حيث لا ينتفع او يرتدع الا مع الظهور واذا كان الامر على خلاف ذلك سقط وجوب الظهور للولي لمادللنا عليه من حصول الانتفاع والارتداع من دونه فلم تبق شبهة.(المرتضى، المقنع: 77).
ان اولياءه في حال غيبته ينتفعون به الانتفاع الذي تدعو الحاجة في التكليف اليه واذا كان الامر على ما ذكرناه لم يكن ظهوره لهم واجباً، واذا كان كذلك سقطت المطالبة لنا بسبب الغيبة عنهم لانه انما تجب المطالبة بذكر الوجه في ترك ما يجب فعله فإما في ترك ما لا يجب وهو مخير فيه فلا على أنه لا يمتنع أن يكون عالماً من جهة آبائه إنه إن ظهر في هذا الزمان لاوليائه نَمّ خبره الى أعدائه، أو يكون حاصلاً له من جهة الظن الذي بينا جواز كونه متعبداً في الظهور والاستتار بالعمل به، وايّ الامرين كان وجب استتاره عن الجميع تحرزاً من المضرّة به،... على انّا لا نقطع على أنّ احداً من اولياء الامام لا يلقاه في حال غيبته وغير معلوم لنا بل يجوز أن يلقاه الكثير منهم.(ابن زهرة، غنية النزوع 2: 217 ـ 220).
12 ـ علة عدم ظهوره لأوليائه
فان قيل: اذا كانت العلة في غيبته عن اعدائه خوفه منهم، فما باله لا يظهر لاوليائه، وهذه العلة زائلة فيهم؟!
فإذا لم يظهر للأولياء ـ وقد زالت عنهم علّة استتاره ـ بطل قولكم في علّة الغيبة!
قلنا: قد أجاب أصحابنا عن هذا السؤال بأنّ علّة غيبته عن أوليائه لا تمنع أن يكون خوفه من أن يلقاهم فيشيعوا خبره، ويتحدثوا سروراً باجتماعه معهم، فيؤدّي ذلك ـ وإنْ كان ذلك غير مقصود ـ إلى الخوف من الاعداء.
13 ـ عدم ارتضاء المصنف لهذه العلّة
وهذا الجواب غير مَرْضيٍ؛ لأنّ عقلاء شيعته لا يجوز أن يخفى عليهم ما في إظهار اجتماعهم معه من الضرر عليه وعليهم، فكيف يخبرون بذلك مع العلم بما فيه من المضرّة الشاملة؟! وإنْ جاز هذا الذي ذكروه على الواحد والاثنين، لم يجز على جماعة شيعته الذين لا يظهر لهم.
على انّ هذه العلّة توجب أنّ شيعته قد عُدموا الانتفاع به على وجه لا يتمكنون من تلافيه وإزالته.
لأنّه إذا علّق الاستتار بما يعلم من حالهم أنّهم يفعلونه، فليس في مقدورهم الان ما يقتضي ظهور الامام، وهذا يقتضي سقوط التكليف ـ الذي الامام لطفٌ فيه ـ عنهم.
14 ـ الجواب عن اعتراض المصنِّف
وقد أجاب بعضهم عن هذا السؤال بأنّ سبب الغيبة عن الجميع هو فعل الاعداء؛ لانّ انتفاع جماعة الرعية ـ من ولي وعدوّ ـ بالامام إنما يكون بأن ينفذ أمره وتنبسط يده، ويكون ظاهراً متصرفاً بلا دافع ولا منازع، وهذا مما المعلوم أن الاعداء قد حالوا دونه ومنعوا منه.
قالوا: ولا فائدة في ظهوره سرّاً لبعض أوليائه؛ لانّ النفع المبتغى من تدبير الائمة لا يتمّ إلاّ بالظهور للكلّ ونفوذ الامر، فقد صارت العلة في استتار الامام وفقد ظهوره ـ على الوجه الذي هو لطفّ ومصلحة للجميع ـ واحدةً.
وهذا ايضاً جواب غير مرضي، لان الاعداء إن كانوا حالوا بينه وبين الظهور على وجه التصرف والتدبير، فلم يحولوا بينه وبين من شاء من أوليائه على جهة الاستتار.
وكيف لا ينتفع به من يلقاه من أوليائه على سبيل الاختصاص، وهو يعتقد طاعته وفرض أتباع أوامره، ويحكمه في نفسه؟!
وإن كان لا يقع هذا اللقاء لاجل اختصاصه؛ ولأنّ الامام معه غير نافذ الامر في الكلّ، ولا مفوض اليه تدبير الجميع، فهذا تصريح بأنّه لا انتفاع للشيعة الامامية بلقاء أئمتها من لدن وفاة أمير المؤمنين عليه السلام الى أيّام الحسن بن عليّ أبي القائم عليهم السلام، للعلّة التي ذكرت.
ويوجب ـ ايضاً ـ أنّ أولياء أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته لم يكن لهم بلقائه انتفاع قبل انتقال الامر الى تدبيره وحصوله في يده، وهذا بلوغ ـ من قائله ـ الى حدّ لا يبلغه متأمّل.
على أنّه: إذا سلّم لهم ما ذكروه ـ من أنّ الانتفاع بالامام لا يكون الا مع ظهوره لجميع الرعية، ونفوذ أمره فيهم ـ بطل قولهم من وجه آخر.
وهو: انه يؤدّي الى سقوط التكليف ـ الذي الامام لطف فيه ـ عن شيعته، لانه اذا لم يظهر لهم لعلة لا ترجع اليهم، ولا كان في قدرتهم وإمكانهم إزالة ما يمنعهم من الظهور، فلابد من سقوط التكليف عنهم، ولا يجرون في ذلك مجرى أعدائه، لان الاعداء ـ وإنْ لم يظهر لهم ـ فسبب ذلك من جهتهم، وفي إمكانهم أن يزيلوا المنع من ظهوره فيظهر، فلزمهم التكليف الذي تدبير الامام لطف فيه، ولو لم يلزم ذلك شيعته على هذا الجواب.
ولو جاز أن يمنع قومُ من المكلفين غيرهم من لطفهم، ويكون التكليف ـ الذي ذلك اللطف فيه ـ مستمراً عليهم: لجاز أن يمنع بعض المكلفين غيره ـ بقيد أو ما أشبهه ـ من المشي على وجهٍ لا يتمكن ذلك المقيد من إزالته، ويكون المشي مع ذلك مستمراً على المقيد.
وليس لهم أن يفرقوا بين القيد وفقد اللطف، من حيث كان القيد يتعذر معه الفعل ولا يتوهم وقوعه، وليس كذلك فقد اللطف:
لأنّ المذهب الصحيح ـ الذي نتفق نحن عليه ـ أن فقد اللطف يجري مجرى فقد القدرة والالة، وأنّ التكليف مع فقد اللطف ـ في من له لطف ـ معلوم قبحه، كالتكليف مع فقد القدرة والالة ووجود المانع، وأنّ من لم يفعل به اللطف ـ ممن له لطف معلوم ـ غير متمكن من الفعل، كما أنّ الممنوع غير متمكن.
15 ـ الأولى في علّة الاستتار من الأولياء
والذي يجب أن يجاب به عن هذا السؤال ـ الذي قدّمنا ذكره في علّة الاستتار من أوليائه ـ أن نقول أولاً (لا) قاطعين ـ على أنّه لا يظهر لجميع أوليائه، فإنّ هذا مغيب عنّا، ولا يعرف كلّ واحد منّا إلاّ حال نفسه دون حال غيره.
وإذا كنّا نجوز ظهوره لهم كما نجوز خلافه: فلابد من ذكر العلة فيما نجوزه من غيبته عنهم.
وأولى ما قيل في ذلك وأقربه الى الحق ـ وقد بينا فيما سلف أنّ هذا الباب مما لا يجب العلم به على سبيل التفصيل، وأنّ العلم على وجه الجملة فيه كافٍ ـ: أن نقول: لابد من أن تكون علة الغيبة عن الاولياء مضاهية لعلة الغيبة عن الاعداء، في أنها لا تقتضي سقوط التكليف عنهم، ولا تلحق اللائمة بمكلفهم تعالى، ولابد من أن يكونوا متمكنين من رفعها وازالتها فيظهر لهم، وهذه صفات لابد من أن تحصل لما تعلل به الغيبة، والا أدى الى ما تقدم ذكره من الفساد.
وإذا ثبتت هذه الجملة فأولى ما علل به التغيب عن الاولياء أن يقال: قد علمنا أن العلم بإمام الزمان على سبيل التعيين والتمييز لا يتمّ إلاّ بالمعجز، فإنّ النصّ ـ في إمامة هذا الامام خاصة ـ غير كاف في تعينه، ولابد من المعجز الظاهر على يده حتى نصدقه في أنّه ابن الحسن عليهما السلام.
والعلم بالمعجز ودلالته على الظهور، طريقه الاستدلال الذي يجوز ان تعترض فيه الشبهة.
ومن عارضته شبهة في من ظهر على يده معجز، فاعتقد انه زور ومخرقة، وأن مظهره كذاب متقول، لَحِقَ بالأعداء في الخوف من جهته.
16 ـ جهة الخوف من الأولياء عند الظهور
فإن قيل: فايّ تقصير وقع من الولي الذي لم يظهر له الامام لاجل هذا المعلوم من حاله؟
وأيّ قدرة له على فعل ما يظهر له الامام معه؟
وإلى ايّ شيء يفزع في تلافي سبب غيبته عنه؟
قلنا: ما أحلنا ـ في سبب الغيبة عن الاولياء ـ إلاّ على معلوم يظهر موضع التقصير فيه، وإمكان تلافيه، لأنّه غير ممتنع أن يكون من المعلوم من حاله أنّه متى ظهر له الامام قصّر في النظر في معجزه، وإنّما اتي في ذلك: لتقصير الناظر في العلم بالفرق بين المعجز والممكن، والدليل من ذلك وما ليس بدليل.
ولو كان من هذا الامر على قاعدة صحيحة وطريقة مستقيمة، لم يجز أن يشتبه عليه معجز الامام عند ظهوره له.
فيجب عليه تلافي هذا التقصير واستداركه، حتى يخرج بذلك من حدّ من يشتبه عليه المعجز بغيره.
17 ـ هل تكليف الولي بالنظر، هو بما لا يطاق؟
وليس لاحد أن يقول: هذا تكليف ما لا يطاق، وحوالة على غيب لا يدرك؛ لأنّ هذا الوليّ ليس يعرف ما قصّر فيه بعينه من النظر والاستدلال، فيستدركه، حتى يتمهد في نفسه ويتقرر، ونراكم تلزمونه على ما لا يلزمه؟!
والجواب عن هذا الاعتراض:
أنّ ما يلزم في التكليف قد يتميّز وينفرد، وقد يشتبه بغيره ويختلط ـ وإنْ كان التمكن من الامرين حاصلاً ثابتاً ـ فالوليّ على هذا إذا حاسب نفسه ورأى إمامه لا يظهر له، وأعتقد أن يكون السبب في الغيبة ما ذكرناه من الوجوه الباطلة (وأجناسها، علم انّه لابد من سبب يرجع إليه).
وإذا رأى أنّ أقوى الاسباب ما ذكرناه، علم أنّ تقصيراً واقعاً من جهته في صفات المعجز وشروطه، فعليه ـ حينئذٍ ـ معاودة النظر في ذلك، وتخليصه من الشوائب، وتصفيته مما يقتضي الشبهة ويوجب الالتباس.
فإنّه متى اجتهد في ذلك حق الاجتهاد، ووفّى النظر نصيبه غير مبخوس ولا منقوص: فلابُدّ له من وقوع العلم بالفراق بين الحقّ والباطل.
وإذا وقع العلم بذلك، فلابد من زوال سبب الغيبة عن الوليّ.
وهذه المواضع، الانسان فيها على نفسه بصيرة، وليس يمكن أن يؤمر فيها بأكثر من التناهي في الاجتهاد والبحث والفحص والاستسلام للحق.
18 ـ استكمال الشروط، أساس الوصول إلى النتيجة
وما للمخالف لنا في هذه المسألة إلاّ مثل ما عليه، لأنّه يقول: إنّ النظر في الدليل إنّما يولّد العلم على صفات مخصوصة، وشروط كثيرة معلومة، متى اختلّ شرط منها لم يتولد العلم بالمنظور فيه.
فإذا قيل لهم مخالفوهم: قد نظرنا في الادلة كما تنظرون فلم يقع لنا العلم بما تذكرون أنّكم عالمون به؟
كان جوابهم: إنّكم ما نظرتم على الوجه الذي نظرنا فيه، ولا تكاملت لكم شروط توليد النظر العلم؛ لأنّها كثيرة، مختلفة، مشتبهة.
فإذا قال لهم مخالفوهم: ما تحيلوننا في الاخلال بشروط توليد النظر الا على سراب، وما تشيرون الى شرط معين أخللنا به وقصرّنا فيه؟!
كان جوابهم: لابد ـ متى لم تكونوا عالمين كما علمنا ـ من تقصير وقع منكم في بعض شروط النظر؛ لأنّكم لو كملتم الشروط واستوفيتموها لعلمتم كما علمنا، فالتقصير منكم على سبيل الجملة واقع، وإنْ لم يمكننا الاشارة الى ما قصرتم فيه بعينه، وأنتم مع هذا متمكنون من أن تستوفوا شروط النظر وتستسلموا للحق وتخلو قلوبكم من الاعتقادات والاسباب المانعة من وقوع العلم، ومتى فعلتم ذلك فلابد من أن تعلموا، والانسان على نفسه بصيرة.
وإذا كان هذا الجواب منهم صحيحاً، فبمثله أجبناهم.
19 ـ الفرق بين الوليّ والعدوّ في علّة الغيبة
فإن قيل: فيجب ـ على هذا ـ أن يكون كلّ وليّ لم يظهر له الامام يقطع على أنه على كبيرة عظيمة تلحق بالكفر؛ لأنّه مقصّر ـ على ما فرضتموه ـ فيما يوجب غيبة الامام عنه، ويقتضي تفويته ما فيه مصلحته، فقد لحق الولي ـ على هذا ـ بالعدو.
قلنا: ليس يجب في التقصير ـ الذي أشرنا اليه ـ أن يكون كفراً ولا ذنباً عظيماً؛ لانه في هذه الحال الحاضرة ما اعتقد في الامام أنّه ليس بإمام، ولا أخافه على نفسه، وإنّما قصر في بعض العلوم تقصيراً كان كالسبب في أنّه علم من حاله انّ ذلك يؤدي الى أن الشك في الامامة يقع منه مستقبلاً، والان ليس بواقع، فغير لازم في هذا التقصير أن يكون بمنزلة ما يفضي اليه مما المعلوم أنه سيكون.
غير إنّه، وإنْ لم يلزم ان يكون كفراً، ولا جارياً مجرى تكذيب الامام والشك في صدقه، فهو ذنب وخطأ، لا ينافيان الايمان واستحقاق الثواب.
وأن (لا) يلحق الولي بالعدو على هذا التقدير؛ لأنّ العدوّ ـ في الحال ـ معتقد في الامامة ما هو كفر وكبيرة، والوليّ بخلاف ذلك.
20 ـ سبب الكفر في المستقبل، ليس كفراً في الحال
والذي يبين ما ذكرناه ـ من أنّ ما هو كالسبب في الكفر لا يلزم أن يكون في الحال كفراً ـ انّه لو اعتقد معتقد في القادر منا بقدرة: (أنّه يصحّ أن يفعل في غيره من الاجسام من غير مماسة)، فهذا خطأ وجهل ليس بكفر، ولا يمتنع أن يكون المعلوم من حال المعتقد أنّه لو ظهر نبي يدعو الى نبوته، وجعل معجزه أن يفعل الله على يديه فعلاً بحيث لا تصل اليه أسباب البشر ـ وهذا لا محالة علم معجز ـ أنّه كان يكذبه فلا يؤمن به، ويجوز أن يقدر أنه كان يقتله؛ وما سبق من اعتقاده في مقدور القادر كالسبب في هذا، ولم يلزم أن يجري مجراه في الكبر والعظم.
وهذه جملة (من الكلام في) الغيبة يطلع بها على أصولها وفروعها، ولا يبقى بعدها إلاّ ما هو كالمستغنى عنه.
ومن الله نستمد المعونة وحسن التوفيق لما وافق الحق وطابقه، وخالف الباطل وجانبه (وهو السميع المجيب بلطفه ورحمته، وحسبنا الله ونعم الوكيل).
تم كتاب (المقنع) والحمد لله أولاً وآخراً (وظاهراً وباطناً).
21 ـ الارتباط مع الامام المهدي عليه السلام
ان الارتباط مع الامام الثاني عشر عليه السلام صار منقطعاً من زمن الغيبة الكبرى... ولكن المنقطع هو بعض الانواع من الارتباط الذي كان مألوفاً بينه وبين الشيعة، وبقي انواع اخر، وهو انه عليه السلام يرانا ولا نراه إلا إذا يرينا نفسه، ويحضر بعض مجالسنا، ويزور الحسين عليه السلام وسائر الائمة، ويحج ويحضر الموسم، وينظر الى اعمال الشيعة وخواصه، ويعين وكلاءه العامة بالدعاء والارشاد والتصرف في قلوبهم... وقد ورد في التوقيع: (انّا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللاواء واصطلمكم الاعداء)(مكيال المكارم 1: 44). وهذه الارتباطات معلومة واضحة لمن أمعن النظر في جوامع الحديث والحكايات الواردة في هذه الاتصالات وليست هي بقليلة طيلة الغيبة الكبرى....(الخرازي، بداية المعارف 2: 157).
22 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
أخبرني ابو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد عن محمد بن شاذان بن نعيم عن خادمة لابراهيم بن عبده النيسابوري ـ وكانت من الصالحات ـ أنها قالت: كنت واقفه مع ابراهيم على الصفا، فجاءه صاحب الامر عليه السلام حتى وقف معه وقبض على كتاب مناسكه وحدثه بأشياء.(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 352. الكافي 1: 266/ 6، الغيبة للطوسي: 268 / 231، اعلام الورى: 397).
23 ـ رؤيته
اخبرني ابو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن ابي عبد الله بن صالح واحمد بن النضر، عن القنبري قال: جرى حديث جعفر بن علي فذمه، فقلت: فليس غيره؟ قال: بلى، قلت: فهل رأيته؟ قال: لم أره، ولكن غيري رآه، قلت: من غيرك؟ قال: قد رآه جعفر مرتين.(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 353. الكافي 1: 267/ 9، الغيبة للطوسي: 248/ 217،اعلام الورى: 397. ونقله المجلسي في البحار 52: 60/ 47).
24 ـ رؤيته
اخبرني ابو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن جعفر بن محمد الكوفي، عن جعفر المكفوف، عن عمرو الاهوازي قال: ارانيه ابو محمد وقال: (هذا صاحبكم).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 354. الكافي 1: 264/2، 267/12، الغيبة للطوسي: 234/ 203، اعلام الورى: 414، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 60/48).
25 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
اخبرني ابو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن الحسن بن علي النيسابوري، عن ابراهيم ابن محمد، عن ابي نصر طريف الخادم انّه رآه عليه السلام.(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 354. الكافي 1: 267/ 13، اعلام الورى: 396، وفيهما ابو نصر ظريف، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 60/ 49).
26 ـ رؤيته
اخبرني ابو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن محمد بن اسماعيل بن موسى بن جعفر ـ وكان اسن شيخ من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعراق ـ قال رأيت ابن الحسن بن علي بن محمد عليهم السلام بين المسجدين وهو غلام.(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 351. الكافي 1: 266/2، الغيبة للطوسي: 268/ 230، اعلام الورى: 396).
27 ـ رؤيته
اخبرني ابو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن الحسين بن رزق الله قال: حدثني موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر قال: حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي ـ وهي عمة الحسن عليه السلام ـ انها رأت القائم عليه السلام ليلة مولده وبعد ذلك.(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 351. الكافي 1: 266/3، وانظر مفصلاً في اكمال الدين: 424/1، وغيبة الشيخ: 237/205).
28 ـ رؤيته
اخبرني ابو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد عن فتح مولى الزراري قال: سمعت ابا علي بن مطهر يذكر أنه رآه، ووصف له قدَّه.(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 352، الكافي 1: 266/5، الغيبة للطوسي: 269/ 233، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52: 60/ ذيل الحديث 45).
29 ـ الرؤية زمن الغيبة الكبرى
وقوع الغيبة الكبرى لا تدل على عدم امكان رؤية الامام فيها والتشرف بخدمته، حتى مع معرفة المشاهد له في حال الرؤية، لان الذي نقطع بكذبه هو ادعاء الباب والنيابة الخاصة، فانه بتولى خدمته من ثقاة اوليائه ولم ينقطع عنه الى الاشتغال بغيره.
ولهذا فقد روى الشيخ الطبرسي ان توقيعين وردا من الناحية المقدسة الى الشيخ المفيد، وروى هذين التوقيعين يحيى بن بطريق في رسالة نهج العلوم الى نفي المعدوم كما حكى عنه، والذي يزيدنا اطمئنانا بهذين التوقيعين ما ذكره الطبرسي في مقدمة كتابه الاحتجاج، ولا نأتي في اكثر ما نورده من الاخبار باسناده: اما لوجود الاجماع عليه او موافقته لما دلت العقول اليه او لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف.
والذي يزيدنا اطمئنانا أيضاً لهذين التوقيعين ما ذكره المحدث البحراني في اللؤلؤة بعد ما نقل ابياتا في رثاء الشيخ المفيد منسوبه لصاحب الامر وجدت مكتوبه على قبر الشيخ المفيد:
وليس هذا ببعيد بعد خروج ما خرج عنه عليه السلام من التوقيعات للشيخ المذكور المشتملة على مزيد التعظيم والاجلال ثم قال: هذا وذكر الشيخ يحيى بن بطريق الحلي قد تقدم...
وإن كان بعض المتأخرين قد شكك في هذين التوقيعين، لكن الاطمئنان الحاصل عند التأمل فيهما كافٍ في المقام.(الشيخ فارس الحسون، مقدمة تحقيق كتاب الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/21 ـ 24).
30 ـ ظهوره لخاصة الشيعة زمن ابيه
من الخطوات التي اتبعها الامام الحسن العسكري لتثبيت عقائد الشيعة بامامة ولده المهدي المنتظر ورد الشبهات عنه، هي انه كان يظهر ولده المهدي الى خواص شيعته بين حين وآخر وكانوا يتحدثون معه ويسألونه فيجيبهم.(الشيخ فارس الحسون، مقدمة تحقيق كتاب الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 9، 10).
31 ـ انه خارج العادة والعرف
اما الكلام في قول الخصوم: ان دعوى الامامية لصاحبهم انه منذ ولد الى وقتنا هذا مع طول المدة وتجاوزها الحد مستتر لا يعرف احد مكانه، ولا يعلم مستقره، ولا يدعي عدل من الناس لقاءه، ولا يأتي بخبر عنه، ولا يعرف له اثراً خارجة عن العرف، اذ لم تجر العادة لاحدٍ من الناس بذلك... بل لابد من أن يعرف ذلك بعض اهله واوليائه بلقائه وبخبر منه يأتي اليهم عنه، واذا خرج قول الامامية في استتار صاحبهم وغيبته عن حكم العادات بطل ولم يرج قيام حجة.
(الجواب): ليس الامر كما توهمه الخصوم... وإن جماعة من اصحاب أبي محمد الحسن (العسكري)... قد شاهدوا خلفه في حياته، وكانوا اصحابه وخاصته بعد وفاته، والوسائط بينه وبين شيعته دهراً طويلاً في استتاره: ينقلون اليهم عن معالم الدين ويخرجون اليهم اجوبة عن مسائلهم فيه ويقبضون منهم حقوقه لديهم... (وهم السفراء الاربعة وغيرهم من الوكلاء)، وكانوا (هؤلاء) اهل عقل وامانه وثقة ودراية وفهم وتحصيل ونباهة.. كأبي عمر، وعثمان بن سعيد السمان، وابنه ابي جعفر بن عثمان، وبني الرحبا من نصيبين، وبني سعد، وبني مهزيار بالاهواز، وبني الركولي بالكوفة، وبني نوبخت ببغداد، وجماعة من اهل قزوين وقم، وغيرها من الجبال مشهورون بذلك عند الامامية والزيدية معروفون بالاشارة اليه به عند كثير من العامة... وكان السلطان يعظم اقدارهم بجلالة محلهم في الدنيا، ويكرمهم لظاهر امانتهم واشتهار عدالتهم...
وهذا يسقط دعوى الخصوم وفاق الامامية لهم، أن صاحبهم لم ير منذ ادعوا ولادته، ولا عرف له مكان، ولا خبر احد بلقائه.
فاما بعد انقراض من سميناه من اصحاب ابيه واصحابه عليهما السلام، فقد كانت الاخبار عمن تقدم من ائمة آل محمد عليهم السلام متناصرة بانه لابد للقائم المنتظر من غيبتين: أحداهما أطول من الاخرى، يعرف خبره الخاص في القصرى، ولا يعرف العام له مستقراً في الطولي، إلا من تولى خدمته من ثقاة أوليائه ولم ينقطع عنه الى الاشتغال بغيره....(الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 77 ـ 82).
عدم خلو الارض من معصوم
قال تعالى: (فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) وانما تتم الحجة عليهم والغرض بنصب الامام المعصوم في كل زمان، لأنه الطريق الى معرفة الأحكام الشرعية، وامتثال الأوامر الالهية.(العلامة الحلي ـ الالفين: 147).
أخبر تعالى انه يأتي من كل أمة بشهيد، ويأتي به عليه السلام شهيداً على هؤلاء، فيجب أن يكون الشهداء حكمهم حكمه في كونهم حججاً لله تعالى، وذلك يقتضي ان في كل زمان شهيداً اما نبي او امام.(ابن جبر ـ نهج الايمان: 50).
1 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها...) الاستدلال بها من وجوه:
1 ـ مراده من التكليف هذه الغاية، والامام المعصوم لطف فيه، وفعله يتوقف عليه فيجب فعله والا لناقض الغرض.
2 ـ ان ذلك لا يعلم إلا من الامام.
3 ـ ان خلقهم على جهة التكليف للتعريض للمنافع تفضل وقد فعله الله، واللطف المقرب من ذلك بعد خلقهم على جهة التكليف، وتكليفهم اولى ان يفعله الله تعالى وهو المعصوم، وهل يتصور من الحكيم تعالى التفضل بخلق الخلق وتكليفهم للتعريض للمنافع ولا يخلق لهم الامام المعصوم الذي هو مقرب الى ذلك ومبعد عن القوى الشهوية والغضبية المبعدة عن ذلك الغالبة في امور كثيرة، وهذا لا يجوز في الحكمة ولا يتصوره عاقل.(العلامة الحلي ـ الالفين: 119).
2 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار) وجه الاستدلال أنّ هؤلاء تثبت لهم صفة المدح المطلق دائماً، فالمراد اما الصابرين و... في البعض، أو في جميع الاحوال عن جميع المعاصي وعلى جميع الطاعات، والأول باطل، والا لم يثبت لهم المدح المطلق والاشتراك الكل فيه فلا يوجب تخصيصاً في المدح، والثاني هو المعصوم فثبت، فيستحيل أن يكون الامام غيره، وهذه الآية عامة في جميع الازمنة ولا تخص الرسل.(العلامة الحلي ـ الالفين: 153).
3 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه امداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد)، وانما يتم ذلك بمعرفة القبيح والحسن فيجب وضع طريق يقيني، وانما يتم بالمعصوم في كل زمان فيجب... (و) حكم الله بانه رؤوف بالعباد، فيجب من ذلك فعل الالطاف الموقوف عليها فعل التكليف وكل لطف وكل نعمة فهي بالنسبة الى نصب المعصوم صغيرة مستحقرة، وأعظم النعم وأهم الالطاف المعصوم في كل زمان، فيجب ممن بالغ في وصف نفسه بالرأفة والرحمة نصبه. (العلامة الحلي ـ الالفين: 156 ـ 157).
4 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) اتباعه عليه السلام انما يتم بأمرين: أحدهما: معرفة الاحكام الشرعية بطريق يقيني، إذ غيره لا يجزم باتباعه فيه، ولابد من طريق الى العلم وثانيهما: القرب من أفعاله والمبعد عن مخالفته، وكلاهما لا يحصل الا بامام معصوم في كل زمان فيجب.(العلامة الحلي، الالفين: 157).
5 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (قل ان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) الكمال الحقيقي في قوتي العلم والعمل بحيث تكون العلوم الممكنة للبشر بالنسبة اليه من قبيل فطري القياس، وتكون نفسه في مرتبة العقل المستفاد بحيث يكون الجميع مشاهداً عندها كالصور في المرآة كما قال علي عليه السلام (لو كشف الغطاء...) فيكون مهذب الظاهر باستعمال الشرائع الحقة بحيث لا يهمل منها شيئاً البتة، ويتضمن ذلك فعله جميع الطاعات وترك جميع القبائح بحيث لا يفعل قبيحاً ولا يخل بواجب، ويكون باطنة مزكّى من الملكات الردية ونفسه متحلية بالصور القدسية، وهذا هو التفضيل يحسن به الامتنان وبالقدرة عليه المدح، فلابد من اثباته في كل وقت فيدل على وجود المعصوم في كل وقت....(العلامة الحلي، الالفين: 159 ـ 160).
6 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (يختص برحمته من يشاء) لا رحمة اعظم من وجود المعصوم على غيره، يدل على وجود المعصوم في كل وقت.(العلامة الحلي، الالفين: 160).
7 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (بلى من اوفى بعهده واتقى فان الله يحب المتقين) وجه الاستدلال ان هذه الاية تدل على وجود المتقي الحقيقي وهو المعصوم.
ان هذه صفة مدح على التقوى، فمع عمومها يكون المدح اولى، والتحريض عليه اكثر، فلابد من طريق الى ذلك وليس الا المعصوم فيجب وجوده.
ان قولنا هذا متق مساو لنقيض قولنا هذا ظالم، لان كل واحد منهما يستعمل في نقيض الاخر عادة وعرفاً، وظالم يصدق بمعصية واحدة، ونقيض الموجبة الجزئية السالبة الكلية، فالمتقي انما يصدق على من لم يخل بواجب ولم يفعل قبيحاً، وذلك هو المعصوم، فيجب وجوده بهذه الاية لانها تدل على ارادة الله تعالى لخلقه المحبة والمانع منتف، ومتى وجدت القدرة والداعي وانتفى الصارف وجب الفعل فيجب خلقه ونصبه في كل وقت وهو المطلوب.(العلامة الحلي، الالفين: 160 ـ 161).
8 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر...) هذا يقتضي كون البعض يدعون إلى كل خير، ويأمرون بكل معروف، وينهون عن كل منكر للاجماع على العموم، وذلك هو المعصوم قطعاً، وهذا خطاب لأهل كل زمان فيكون المعصوم ثابتاً في كل زمان.(العلامة الحلي، الالفين: 162).
9 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (ولا تفرقوا) وانما يتم هذا بنصب شخص يحملهم على الاجتماع وليس باختيار الامة، وإلا لزم التفرق المحذور منه، فيكون من الله تعالى، ولابد من ايجاب طاعته، ويستحيل ذلك في غير المعصوم فيجب المعصوم.
انه تعالى نهى عن التفرق مطلقاً، ولو لم يكن المعصوم ثابتاً في كل وقت لزم تكليف ما لا يطاق، إذ الاستدلال بالعمومات والادلة والاجتهاد فيها مما يوجب التفرق، إذ لا يتفق اجتهاد المجتهدين فيما يؤدي اليه اجتهادهم فلو لم يكن المعصوم ثابتاً لزم تكليف ما لا يطاق، واللازم باطل والملزوم مثله.
عدم التفرق والاختلاف مشروط بالعلم والتكليف بالشرط تكليف بالمشروط، فيلزم التكليف بالعلم في الوقايع والحوادث، فلابد من نصب طريق مفيد للعلم، وليس الادلة اللفظية إذ اكثرها ظنية والعقلية في الفقهيات قليلة جداً، بل هي منتفية عند جماعة فليس الا المعصوم، فلو لم يكن ثابتاً في كل وقت لزم التكليف بالعلم الكسبي مع عدم طريق مفيد له وذلك تكليف ما لا يطاق، لا يقال: النهي عن الشيء لا نسلم انه يستلزم الامر بضده فلا يلزم من عدم جواز التفرق وجوب الاجتماع، ولان النهي عن التفرق ليس بعام بل في الاصول وفي الجهاد، وما المطلوب فيه الاجتماع خاصه، لانا نجيب عن الأول بأن الناس اختلفوا في متعلق النهي، فقال ابو هاشم واتباعه انه عدم الفعل، وقالت الأشاعرة انه فعل ضد المنهي عنه فعلى الثاني لا يتأتى هذا المنع، وأما عن الاول فلان المطلوب هنا من عدم التفرق اجتماع المسلمين، واتفاق كلهم ليحصل فوائد الاجتماع ففعل هذا مقصود، وابو هاشم لا يمنع مثل ذلك، وعن الثاني بانه فكرة في معرض النفي فيعم....
اتفاق آراء المجتهدين في الافاق لابد له من طريق متفق واحد وليس الا المعصوم، إذ هذه الادلة الموجودة ليست بمتفقة واحدة ولا غيرها وغير المعصوم اتفاقاً فلو لم يكن المعصوم ثابتاً لزم التكليف بالمسبب مع عدم السبب وذلك تكليف بالمحال باطل.
اعلم أن تأدي السبب الى المسبب، إما أن يكون دائمياً أو اكثرياً او مساوياً أو أقلياً... اذ تقرر ذلك فنقول: اتفاق المكلفين المجتهدين وغيرهم من ارائهم مسبب له سبب ذاتي، وسبب اتفاقي نادر في الغاية، والاول هو خلق المعصوم ونصبه، والدلالة عليه، وقبول المعصوم لذلك، وطاعة المكلفين له، وهذا ظاهر مع اعتقادهم عصمته وتمكنهم منه وقهر يده عليهم وسلطنته، وهذا سبب ذاتي يؤدي الى مسببه دائماً ونصب ادلة تفيد اليقين والجزم التام، وهذا يمكن أن يكون اكثرياً، وسبب اتفاقي نادر في الغاية هو هذه الادلة اللفظية والعمومات وخصوصاً مع وجود المعارض فالله تعالى قد نهى عن التفرق وطلب الاجتماع، فإما ان يكون مع السبب الاتفاقي وهو تكليف بما لا يطاق ايضاً انه لا يفيد، واما مع وجود السبب الاول الذاتي وهو تكليف ما لا يطاق ايضاً لأنه لا يفيد وأما مع وجود السبب الأوّل الذاتي وهو المطلوب.
فنقول: الذي من فعله تعالى نصب المعصوم والدلالة عليه، وايجاب الدعاء والقبول على الامام ذلك، والذي على الامام القبول، وقد بقي الثاني من فعل المكلفين فأوجبه الله تعالى عليهم فلابد أن يفعل الله تعالى من هذه الاشياء ما هو من فعله والا لزم التكليف بالمحال، والامام يجب عليه فثبت وجود المعصوم، واما المكلفون فاذا لم يفعلوا كان انتفاء السبب من جهتهم لا غير.(العلامة الحلي، الالفين: 162 ـ 164).
10 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (ويتخذ منكم شهداء) الله تعالى يتخذ من الامة شهداء، فلابد من حصول العدالة المطلقة لهم حتى لا يتوجه الطعن عليهم بوجه اصلاً والباتة والعدالة المطلقة هي العصمة، فدل على ثبوت معصوم في كل عصر.(العلامة الحلي، الالفين: 167 ـ 168).
11 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (وكأيّن من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما اصابهم...) هذه الفضيلة لابد أن تدرك في كل زمان، والنبي ليس في كل زمان، فلابد من شخص يقوم مقامه، ويكون طاعته كطاعته ودعاؤه كدعائه، وذلك هو المعصوم فيجب في كل وقت.(العلامة الحلي، الالفين: 168).
12 ـ عدم خلو...
اجناس الفضائل اربعة: الحكمة والفقه والشجاعة والعدالة... فالامام لتحصيل هذه الفضائل للمكلف في كل وقت فلابد أن يكون القوى البهيمية والقوى الناطقة غالبة فيه في كل وقت يفرض وذلك يستلزم العصمة.
اجناس الرذائل اربعة: الجهل والشره والجبن والخمود، اذا تقرر ذلك فنقول الامام لدفع هذه في كل وقت يفرض فتنتفي عنه بالكلية....(العلامة الحلي، الالفين: 169 ـ 170).
13 ـ عدم خلو...
نصب الحدود وتعريف الفرائض وما يحرم، إما أن يكون لا لغرض، وهو عبث على الله تعالى محال او لغرض ويستحيل عوده اليه فبقي عوده الى العباد، فاما النفع او الضرر، والثاني باطل بالضرورة فتعين الاول، وهو ارتداع المكلف عن المعاصي وحمله على الطاعات.
لا تتم هذه الغاية الا بحاكم قاهر يستحيل عليه اهمالها والمراقبة، ويستحيل عليه موجب الحدود، وإلا كان هو الداعي للمكلف اليه، وذلك هو المعصوم، فيلزم نصب الحدود، وتقرير الشرايع، ونصب امام معصوم، فيلزم في كل زمان.(العلامة الحلي، الالفين: 175).
14 ـ عدم خلو...
الامام يجب ان يؤتم به، ويجب القبول منه والانقياد له، فلو لم يكن معصوماً لم يؤمن فيما يأمر وينهاه ان يكون قبيحاً، ولا يجوز تكليف الرعية للانقياد لمن هذه حاله والتزام طاعته، بل اذا لم يكن معصوماً لا يمتنع أن يرتد وأن يدعوا الى الارتداد وليس بعد ثبوت العصمة إلا القول بانه لابد من امام منصوص عليه في كل زمان.
واعترض على هذا القاضي عبد الجبار بوجوه:....(العلامة الحلي، الالفين: 213 ـ 216).
15 ـ عدم خلو...
ان القرآن مشحون بالامر بالتقوى ومدح المتقين وهو ظاهر، وإذا كانت اشرف المقامات واهم المهمات فينبغي نصب من يتوقف عليه وهو المعصوم في كل وقت، فالاخلال به اهمال عظيم لاهم المهمات، وهو لا يليق بالحكيم.(العلامة الحلي، الالفين: 325).
16 ـ عدم خلو...
الايمان واثره لا يتم الا بالامام المعصوم، فيجب ان يكون الامام المعصوم في كل زمان، فيحتاج الى بيان مقدمات احدها الايمان، وثانيها ما اثره؟ وثالثها توقفه على امام معصوم، ورابعها انه اذا كان كذلك وجب نصبه في كل زمان على الله تعالى....(العلامة الحلي، الالفين: 328 ـ 332).
17 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام...) هذه الاية تدل على أنه تعالى نصب ادلة يقينية في الكتاب يهدي بها من اتبع رضوانه واتبع سبل السلام هي الطرق التي يستفاد منها احكام الله تعالى باليقين، واذ لم يمكن من الكتاب للمجتهدين فهي للمعصومين، فاما أن تختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيحصل اللطف للمكلفين في زمانه خاصة وهو ترجيح بلا مرجح، واما أن لا يختص بالنبي بل تكون مشتركة بينه وبين الامام، فلابد في كل زمان من امام معصوم يعرف سبل السلام وتلك الطرق اليقينية....
وقوله: (ويهديهم الى صراط مستقيم) يدل على أن المراد انه تعالى أراد الهداية الى أمره ونهيه، ومن ليس بمعصوم لا يمكن فيه ذلك، فكما كان في النبي ينبغي في كل زمان كذلك يكون الامام معصوماً....(العلامة الحلي، الالفين: 334).
18 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (اطيعوا الله واطيعوا الرسول واحذروا فان توليتم فاعلموا انما على الرسول البلاغ المبين) تقرير الاستدلال من هذه الاية وجوه:
1 ـ انه تعالى أمر بالحذر عن مخالفة الامر، وعدم الاتيان بما امر الله تعالى به، وحكمه تعالى في الاحكام التكليفية واحد، ومتى لم يوجد معصوم في كل زمان يفيد قوله العلم بحكم الله تعالى يقيناً فالخوف حاصل، ولا يندفع بدونه أو بخلق علوم ضرورية بالصواب ولم يحصل الثاني، لانا نبحث على هذا التقدير فلابد من الاول.
2 ـ طريق دفع الخوف لابد فيه من خمسة امور: احدها ما يتعلق بالله تعالى، وهو نصب المؤدي والمبلغ وهو الرسول... ثانيهما نصب دليل دال على نبوة النبي وعلى امامة الامام، ثالثهما ابلاغ النبي وسعيه في الابلاغ، ورابعها خلق فهم وذهن وآلات حسية للمكلفين لاجل التوصل الى فهم الاحكام... وخامسها امتثال المكلفين لامر الامام والسعي في تفهيم الاحكام، والامور الاربعة المتقدمة من الله تعالى... والخامس من فعل المكلف، فالاهمال الان من فعل المكلفين فيجب نصب الامام المعصوم.
3 ـ في القرآن المحكم والمتشابه والنص والظاهر والمؤول، فحصول الدلالة اليقينة منه في كل الاحكام للمجتهد محال فمن السنة أولى، ومع كون الحكم واحد، أو اهمال النقيض، وعدم قيام غير الحكم مقامه في مطلوب الشارع وفيما ينشأ منه، ومن المصالح وفي تركه المفاسد لا يحصل إلا من اصابة حكم الله تعالى، ولا يحصل الا مع علم يقيني، وطريقه إما قول واجب العصمة الذي يستحيل عليه السهو والنسيان والخطأ في التأويل مطلقاً او غيره، وهذه قسمة حقيقة لا تنقلب، والثاني لم يوجد وهو ظاهر فلولا وجود الاول لزم أن يكون الله تعالى ناقضاً لغرضه، وهو محال بالضرورة تعالى الله عن ذلك، فتعين وجود امام معصوم في كل وقت.(العلامة الحلي، الالفين: 335 ـ 336).
19 ـ عدم خلو...
(من الادلة على عدم خلو الزمان عن المعصوم) الايات المتضمنة للتقوى: (وتزودوا فان خير الزاد التقوى) (هدى للمتقين).. ونحو ذلك، ووجه الاستدلال بهذه الايات ان التقوى المحثوث عليها المرغب فيها انما تحصل بامتثال الاوامر واهمال الزواجر فان لم يكن للمكلف طريق يؤدي الى العلم بذلك على الاطلاق لزم التكليف بما لا يطاق، فان كان الطريق الى الظن مؤدياً، فان الظن لا يغني من الحق شيئاً، وغير المعصوم لا يجب التعويل عليه لا مكان نسبة المعصية اليه، فلا يحصل الوثوق بالوصول الى التقوى، بل قد يجذب الى ضدّها فتعمّ البلوى، فيجب وجود المعصوم ليفيد العلوم بأحكام الحيّ القيوم....(البياضي، الصراط المستقيم 1: 134 ـ 135).
20 ـ عدم خلو...
(يدل على عدم خلو الزمان من المعصوم) الايات التي فيها طلب الهداية: (اهدنا الصراط المستقيم)، والتي فيها نسبة الهداية الى الرب الكريم مثل: (فهديناهم) و(والله يهدي من يشاء)، و(سيهديهم ويصلح بالهم) ونحو ذلك، ووجه الاستدلال ان الهداية جميعها غير معلومة بالعقول، فان غالبها انما يستفاد من المنقول، فان فوّض النقل والبيان الى جائز الخطأ، ولا شك في اختلاف المفسرين والرواة، فإن سمع المكلف من الجميع وقع في الامر الشنيع، ولا ترجيح لبعض لارتفاع العصمة عن كل، فالمرشد على اليقين الى معرفة الهداية هو المعصوم عن الغواية فان لم يجب وجوده كلفنا بما لا سبيل اليه....(البياضي، الصراط المستقيم 1: 135).
21 ـ عدم خلو...
يدل عليه الايات المتضمنة للخوف نحوه مثل: (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، و(انما يخشى الله من عباده العلماء)، و(فلا تخشوهم واخشون)، و(ما لكم لا ترجون لله وقاراً)، و(يعذّب من يشاء)، و(مأواهم جهنم)، وغير ذلك، ووجه الاستدلال ان خروج المكلف عن خوف الوعيد، والسقوط في العذاب الشديد انما يكون باختياره ما يوجب ذلك وهو غير عالم بما يوجبه او يسلبه من تلقاء نفسه، ولا ممن يحكم في عقله بجواز معصيته، فلا ملجأ له في زوال الهم الفادح الا بهداية من لا يفعل، ولا يأمر الا بصالح، وذلك هو الامام المعصوم الذي لا يصدق عليه اسم الظلوم.(البياضي، الصراط المستقيم 1: 136).
22 ـ عدم خلو...
يدل عليه الايات الناطقة بما يوجب الهلاك، مثل: (ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين)، (ولا تخونوا امانتكم)، (ولا تفسدوا)، (فلا تولوهم الادبار)، (ولا تكونوا كالذين آذوا موسى)، (ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق)،... الى غير ذلك.
فنقول: الكتاب والسنة مجملان في هذه وغيرها، فلابد من طريق الى معرفة المراد يقيناً منها، ومجتهدوا الامة غايتهم الظن والتبعيض، ولا يصلون الا في قليل الى العلم القطعي المانع من النقيض، فلابد من معصوم يجزم العبد بصوابه، فلا يخشى باتباعه من غضب الله وعقابه، والنبي غير دائم الوجود فلابد من نائب يقوم بمقامه، ويؤدي الى امته تفاصيل احكامه لئلاّ يدرس طريق نجاتهم، فتكون الحجة لهم على بارئهم حيث لم يستمر لهم منه نصب السبيل وينتقض قوله: (لئلاّ يكون الناس على الله حجة بعد الرسل) النساء: 164.
ان قلت: هذا يفهم كون الامام رسولاً، قلت: لا بل هو تكميل لدينه ونائب في رعيته بعد حينه، ولاخفاء ان الله لا يخل امة من الخلفاء (ان من امة خلا فيها نذير) فاطر: 24.(البياضي، الصراط المستقيم 1: 136 ـ 137).
23 ـ عدم خلو...
يدل عليه الايات المتضمنة للاستمرار على الحق اليقين: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا)، و(لئن اشركت ليحبطن عملك)، و(وافعلوا الخير)، و(والله يحب الصابرين)، و(الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق)...
فالدوام على ذلك وشبهه فيما لم تقض الضرورة به ولم تهتد العقول الى كسبه انما يحصل من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومع فقده فمن الامام، وغير المعصوم يشارك في الحاجة الى الاستفادة ممن جعل الرب الحكيم عنده ومنه الافادة، وقد نص الله في كتابه المبين على اصطفاء قوم معينين في قوله: (إن الله اصطفى آدم و...) وانما يحسن ذلك من الحكيم مع عصمتهم من اول خلقهم الى آخر عمرهم، فان كان المراد الانبياء والائمة فالمطلوب فيدخل فيه عليّ وفاطمة وباقي الائمة، لان الجمع المضاف للعموم وإن اريد الانبياء حصل المطلوب ايضاً، لان كل من قال بعصمتهم قال بعصمة الائمة، ومن منع عصمة الائمة لم يقل بعصمتهم فالفرق احداث قول ثالث.(البياضي، الصراط المستقيم 1: 137 ـ 138).
24 ـ عدم خلو...
يدل عليه الايات التي فيها الحث على عمل الصالحات مثل: (افعلوا لخير)، (ومن يعمل خيراً يجز به)، والايات التي فيها الزجر عن المعصيات (من يعمل سوء يجز به)، (من كسب سيئة واحاطت به خطيئته)، (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا)، فهذه الايات ونحوها لا يوصل الى حقائقها الا بالمعصوم اذا الكتاب والسنة مشتملان على المجملات والمتشابهات، وتفويض استخراج ذلك الى الاجتهاد باختلاف الامارات فيه تعطيل الامور والتكليف بغير المقدور والخوف من عدم اصابة اليقين للقادة والتابعين....(البياضي، الصراط المستقيم 1: 138 ـ 139).
25 ـ عدم خلو...
يدل عليه الايات الدالة على شفقة الله تعالى بخلقه، وذلك في آيات الرحمة والعفو والمغفرة والتوبة والنعمة وفي امر رسوله بنحو ذلك من التلطف والتغافل عنهم والارفاق بهم... وبدون نصب الامام المعصوم من الله ورسوله لا يوجد ذلك اذ لا يتم الا به، فكيف يحسن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع شدّة شفقته الاخلال به.
ان قيل: هذا من باب الخطابة والمسألة علمية فلا تستفاد منه الخطابة، قلنا: لابد ذلك من باب مفهوم الموافقة، فان الامر باللين والاستغفار والتواضع هابط في اللطفية عن المعصوم فيجب بالاولى والخطاب الالهي برهاني، لان اثبات الرحمة التامة، وارادة المنافع العامة علة في نصب الامام المعصوم الذي تفقد تلك الفائدة بفقده وهذا برهان لمي. ولانه تعالى أثبت احد معلولي الرحمة، وهو الامر باللين والشفقة فيثبت المعلول الاخر، وهو نصب المعصوم الذي تفقد تلك الفائدة بفقده وهذا برهان انّي....
ان قيل: فاعل الحسن لحسنه لا يلزمه فعل كل حسن والله فعل ذلك وامر به، فلا يلزمه فعل كل حسن فلا يلزمه نصب الامام، قلنا: بلى فانه اذا افعل الحسن الذي هو غير واجب لحسنه لزم منه أن يفعل الواجب لحكمته، وقد بينا وجوب نصب الامام والعناية به، والا لزم نقض غرضه من نفع خلقه، اذ الامام اتمّ في تحصيل ذلك من اللين وغيره من المأمور به.(البياضي، الصراط المستقيم 1: 139 ـ 140).
26 ـ عدم خلو...
وقد جاء القرآن بوجود الامام في كل زمان: (يوم ندعوا كل اناس بامامهم)، و(إني جاعلك للناس اماماً)، و(انا جعلناك في الارض خليفة)، و(ان من امة الا خلا فيها نذير)، و(يوم نبعث من كل امة شهيداً)، و(فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد)، ورتب الله تعالى في كتابه طاعة اولى الامر على طاعة الرسول المرتبة على طاعته تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية) فكيف يختص لطف الامام بالامور الدنياوية لولا الأهوية المردية فظهر وجوب الامامة والعصمة، وهذا مذهب الامامية والاسماعيلية.(البياضي، الصراط المستقيم 1: 111).
27 ـ عدم خلو...
(من الادلة على عدم خلو الزمان عن المعصوم) الايات المتضمنة للرحمة مثل: (بسم الله الرحمن الرحيم)، و(اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة)، و(كتب ربكم على نفسه الرحمة)، ونحو ذلك كثير مما فيه نسبة الرحمة الى الله سبحانه كثير، ووجه الاستدلال بها أن الرحمة انما يكون ثبوتها بفعل مأمورات التكاليف وترك منهياتها، وانما يكون ذلك بالالطاف المقربة اليها المصرفة للقوى الشهوية والغضبية عنها، ولا اهم في ذلك من المعصوم في كل زمان، إذ منه تستفاد علوم احكام السنة والكتاب لكل انسان فترك نصبه يعود بالتعطيل على الاحكام العائد على نفي الرحمة عن الحكيم العلام، فلا يكون لايات الرحمة معنى معقولاً، وهو تناقض لا يصدر الا ممن كان غبياً جهولاً.(البياضي، الصراط المستقيم 1: 134).
28 ـ عدم خلو...
انتفاء الامام المعصوم يلزمه كون الحجة للرعية على الله وهو محال لقوله تعالى: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) النساء: 164. والامام مساوٍ وللرسول في تنفيذ الاحكام والتقريب من طاعة الملك العلام فنفيه مساوٍ لنفيه ولازم أحد المتساويين لازم للاخر، فانتفاء الامام المعصوم في عصرنا محال فوجب وجوده في كل عصر لكذب السالبة الجزئية.
بل نقول: اذا امتنع الخلوّ من النبي الذي هو لطف خاص امتنع بالاولى الخلو من الامام الذي هو لطف عام، والذي يوضح هذا المراد قوله تعالى: (انما انت منذر ولكل قوم هاد) الرعد: 8.(البياضي، الصراط المستقيم 1: 121).
وفيها ايضاً دلالة على أحقيّة مذهب الامامية من عدم خلوّ الزمان من حجة هاد.(شبر، حق اليقين 1: 197).
29 ـ عدم خلو...
القوة العقلية ليست غالبة للقوة الشهوية دائماً، ولا في كل الناس، والا لم يحتج الى امام دائماً لتحقق السبب الصارف بل القوة الشهوية غالبة اما بالقوة او بالفعل، والثاني اما دائم او في الجملة فصدقت مانعة خلوّ في غير المعصوم، وهي تستلزم وجوب عصمة الامام إذ نقيض الممكنة انما هو الضرورية.(البياضي، الصراط المستقيم 1: 122).
30 ـ عدم خلو...
قال الحكماء: الانسان مدني الطبع أي لا يمكن تعيشه الا باجتماعه مع ابناء نوعه ليقوم كل واحد بشيء مما يحتاجون اليه... واذا كان كل انسان مجبولاً على شهوة وغضب، فمن الممكن ان يستعين من ابناء نوعه من غير أن يعينهم فلا يستقيم امرهم الا بعدل، ولا يجوز ان يكون مقرر ذلك العدل احد منهم من غير مزية اذ لو كان كذلك لما استقام امرهم، وكلامهم هذا يؤذن يوجوب رئيس له مزية على سائر رعيته والامام يمتاز على سائر الامة بعصمته فتكون الامامة على وفق ما أصّله الحكماء.
فان قيل: لو وجب نصب الامام لكان ذلك مشروطاً بانبساط يده اولا مع ذلك الشرط والقسمان باطلان، اما الملازمة ظاهرة، فاما بطلان الاول فلان الازمان تنقضي مع أنه لا يرى امام منبسط اليد متمكن من امضاء الاحكام بل لا يعلم وجود مثله، واما الثاني فباطل اذ لا فائدة في امام هذا شأنه.
فالجواب لا يكون مشروطاً وقوله (لا فائدة في امام هذا شأنه) ممنوع، لان فيه فوائد جمة ايسرها قيام الحجة على المكلفين، وتحقيق هذا: ان لطف الامامة ذو شعب ثلاث، منه ما يختص بالله تعالى كنصب الرئيس، ومنه ما يختص بالامام وهو قبول اللطف والقيام بأعباء ما حُمّل، ومنه ما يختص بالمكلف، وهو الانقياد لاوامر الامام والمعاضدة له، فلو أخلّ الله سبحانه بنصبه لكان مخلاً بما يجب عليه في الحكمة وذلك قبيح لا يفعله الا جاهل بقبحه او محتاج اليه... ولما انزاحت علة المكلفين فيجب ان ينصب الله تعالى بحيث اذا اخل المكلف بالقبول يكون فوات مصلحته بسوء اختياره كما كان فوات مصلحة الكافر بسوء اختياره....(ابن جبر، نهج الايمان: 42 ـ 43).
31 ـ عدم خلو...
اسند الثعلبي في تفسير: (يوم ندعو كل اناس بامامهم) الاسراء: 71، قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كل قوم يدعون بامام زمانهم).(البياضي، الصراط المستقيم 2: 219).
32 ـ عدم خلو...
قال الله عزّ وجلّ منبهاً على وجوب الامامة: (يوم ندعو كل اناس بامامهم) الاسراء 71 ظاهر اللفظ الشريف وعمومه يقتضي وجود الامام في كل زمان.(ابن جبر، نهج الايمان: 49).
33 ـ عدم خلو...
قال سبحانه: (وإن من امة الا خلا فيها نذير) فاطر 24 وهذا عام في سائر الامم، وعمومه يقتضي ان كل زمان حصلت فيه امة مكلفة بدين لابد لها من نذير، ففي ازمنة الانبياء هم النذر للامم وفي غيرها الائمة عليهم السلام.(ابن جبر، نهج الايمان: 50، ومثله علم اليقين للفيض 1: 383).
34 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين * اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) الانعام 89 ـ 90 دليل ظاهر على أنّه لا يخلو كل زمان من حافظ للدين اما نبيّ او امام.(ابن جبر، نهج الايمان: 50).
35 ـ عدم خلو...
وقد جرت عادة الملك الديان بنصب الانبياء والاوصياء في جميع الازمان، وقد أسند ابو داود ذلك في صحيحه الى عليّ عليه السلام والى أم سلمة ايضاً، والبغوي في شرح السنة، ومسلم والبخاري الى ابي هريرة، والترمذي الى ابن مسعود، والثعلبي الى انس.(البياضي، الصراط المستقيم 2: 219).
36 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (اني جاعل في الارض خليفه) فائدة الخليفة تكميل قوى العلم، والعمل لسائر الخلائق، وتكميل كل مستعد على قدر استعداده، ولما كانت مراتب الناس في الاستعداد متفاوته في الكمال والنقصان وجب ان يكون المكمل الموصل كل مستعد الى اقصى نهاية كماله كاملاً في القوتين العملية والعلمية اصلاً في الكمال الى اقصى نهاية الكمال البشري، ولا يتحقق ذلك مع غير العصمة، فوجب أن يكون معصوماً، وهذا المعنى الموجب مشترك في كل خليفة لله تعالى في ارضه فيجب عموم الحكم لعموم العلة، وهذا مقتضى الحكمة الالهية والخلقية كما يقال على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقال على الامام عليه السلام، ولان النبي لا يعم في كل عصر وهو ظاهر، فلو اختص ذلك بالنبي لاختص باللطف بعض الامة، لكن رحمة الله عامة شاملة للكل وعنايته في حق اهل كل عصر وجب الامام.(العلامة الحلي، الالفين: 336، 337).
فبدأ بالخليفة قبل الخليقة، والحكيم العليم يبدأ بالاهم دون الاعم، وتصديق ذلك قول الصادق عليه السلام: (الحجة قبل الخلق وبعد الخلق ومع الخلق).(الكافي 1: 177، كمال الدين: 221 و 232) و (الفيض، علم اليقين 1: 383).
37 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (فاسألوا اهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) النحل 43. فان الذكر اما الرسول لقوله تعالى (لقد انزل الله عليكم ذكراً) الطلاق: 10 لانه مذكر للعباد، أو المراد به القرآن لقوله تعالى: (انا نحن نزلنا الذكر...) الحجر: 9. وقوله: (وانه لذكر لك ولقومك) الزخرف: 44 وهم عليهم السلام اهل القرآن لما تقدم من اخبار الثقلين، وان الله تعالى اوجب علينا السؤال عن أهل الذكر، فيجب وجودهم الى يوم القيامة، ويجب وجود العالم بجميع ما يحتاج اليه الناس وليس غيرهم اتفاقاً.(السيد شبر، حق اليقين 1: 270).
38 ـ عدم خلو...
الايات المتضافرة والاخبار المتواترة الدالة على أنّ الله تعالى بيّن كل شيء، وحكم في كتابه كقوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) الانعام: 38، و(ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) النحل: 89، (وكل شيء فصلناه تفصيلاً) الاسراء 12، و(ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين) الانعام: 59، ومن المعلوم بالوجدان فضلاً عن البرهان ان عقول الخلق لا تفي بذلك، فلابد أن يكون الله تعالى قد جعل احداً يعلم جميع ذلك ويرجع اليه الخلق، وايضاً اذا ثبت ان جميع الاشياء مبيّنة في القرآن فكيف يجوز اهمال الامامة التي هي اعظمها واهمها؟(شبر، حق اليقين 1: 186).
39 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (وكل شيء أحصيناه في امام مبين) يس: 12، ففيها دلالة صريحة على وجود الامام العالم بجميع الاشياء.(شبر، حق اليقين 1: 187).
40 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة: 119، وجه الاستدلال ان المراد بوجوب الكون مع الصادقين مشايعتهم في اقوالهم وافعالهم لا الاجتماع معهم في الابدان لاستحالة ذلك وعدم فائدته والخطاب جار في جميع المؤمنين في سائر الازمنة والامكنة، فلابد في كل زمان من صادق يجب اتباعه، وليس المراد بالصادق صادقاً ما والا لزم وجوب متابعة كل صدق مرة وهو باطل اجماعاً، بل الصادق في جميع اقواله وافعاله وهو المعصوم، فيلزم وجود المعصوم في كل زمان ووجوب متابعته، وليس غير عليّ عليه السلام واولاده اتفاقاً فثبتت امامتهم على انه قد روى العامة كالسيوطي والثعلبي عن ابن عباس ان المراد بالصادقين محمد وعلي (الدر المنثور 3: 290، طبقات النقول 2: 15، مشارق الانوار: 75، الصواعق: 74)، وعن عليّ ان الصادقين عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الرازي في تفسيره في هذه الاية: (ان الله تعالى أمر المؤمنين بالكون مع الصادقين فلابد من وجودهم، لان الكون مع الشيء المشروط بوجوده فلابد في كل زمان من الصادقين، فينبغي عدم اجماع جميع الامة على الباطل، وهذا دليل حجة الاجماع، وليس هذا مخصوصاً بزمان رسول الله، لانه ثبت بالتواتر أنّ خطابات القرآن تتوجه الى جميع المكلفين الى يوم القيامة، وايضاً لفظ الاية شامل لجميع الاوقات، والتخصيص ببعض الازمنة الذي لا يفهم من الاية يوجب تعطيل حكمها، وايضاً ان الله تعالى قد امرهم اولاً بالتقوى، وهذا الامر يشمل كل من يجوز منه ترك التقوى ومباشرة الخطأ والعصيان، فتدل الآية على أن كل من يجوز منه المعصية يجب عليه متابعة الذين تجب عصمتهم من المعصية، وهم الذين حكم الله تعالى بكونهم صادقين، فرتب حكم الكون معهم على التقوى، ويدل على وجوب متابعة جائز المعصية الصادق المعصوم الممتنع منه المعصية، وهذا المعنى لابد من تحققه في كل زمان، فيجب وجود المعصوم في كل زمان، ونحن نقول بذلك لكن نقول ان المعصوم جميع الامة والشيعة يقولون انه واحد من الامة، وهذا القول باطل لانه لو كان كذلك لوجب ان نعرفه لنتابعه، ونحن لا نعرف شخصاً بين الامة)((تفسير الرازي 4: 760)).
... كيف يمكن (يا فخر الرازي) الاطلاع على اجماع جميع الامة مع انتشارهم في الشرق والغرب فيما عدا الضروريات، وعلى تقدير امكانه فهو لا يتأتى الا في قليل من المسائل، على ان صريح الآية ان المأمورين بالكون والاتباع غير الصادقين المتبوعين، وعلى ما ذكره يلزم اتحادهما.(شبر، حق اليقين 1:193 ـ 194).
41 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (أن أوحينا الى رجل منهم ان انذر الناس) الانذار يقتضي وضع الله تعالى في الاحكام جميعاً، لانه تعالى يعلم ما كان وما يكون الى انقراض العالم، فلابد في كل واقعة أن ينصب حكماً فأوجب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الانذار للمكلفين بجميع الاحكام وذلك يحتاج، ولا يتم فائدته الا بامام معصوم في كل زمان لوجوه:
1 ـ ان الامام لطف في التكليف وهو الانذار، وهو من فعله تعالى واللطف في التكليف الواجب واجب، وهذا على رأي المعتزلة.
2 ـ ان عقولنا لا تستقل باستخراج جميع الاحكام الواقعة في كل زمان من الكتاب العزيز والسنة، وهو الظاهر للاختلاف الواقع، ولان اكثر النظر فيها لاستخراج الاحكام يفيد الظن، فلابد وان يكون من جملة من ينذره النبي صلى الله عليه وآله وسلم شخص ذو نفس قدسية وقوة الهامية يعلمه النبي طريقاً باستخراج الاحكام من الكتاب والسنة يقيناً، ويقرر عنده قوانين كلية تفيده العلم القطعي بتفصيل الاحكام، ويكون حافظاً لذلك وليس ذلك الا المعصوم.
3 ـ أن...
4 ـ ....(العلامة الحلي، الالفين: 347 ـ 348).
42 ـ عدم خلو...
ردع المذنبين باقامة الحدود والتعزيرات حسن مطلوب للشارع، وليس بعض الذنوب اولى من بعض بذلك، وكذا الزمان والمكلفون كذلك، فتعين نصب مقيم للحدود والتعزير على كل مذنب في كل وقت على كل عاقل، فلابد وإن يكون المقيم منزهاً عن سائر الذنوب كلها والا لاتحد المقيم والمقام عليه وذلك هو المعصوم.(العلامة الحلي، الالفين: 350).
43 ـ عدم خلو...
الامام ركن من اركان الدين لان قوله مبدأ من المبادي، وهو الحافظ للشرع، والعامل به، والذي يلزم العمل به فاذا كان معصوماً كان الدين كاملاً، وان لم يكن معصوماً لم يكن الدين كاملاً، لكن قال الله تعالى: (اليوم اكملت لكم دينكم) فدل على ثبوت امام معصوم بالضرورة.(العلامة الحلي، الالفين: 365).
44 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (قالوا ما انزل الله على بشر من شيء كل من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس)، قال تعالى (وهذا الكتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر به ام القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالاخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون).
وجه الاستدلال ان القرآن الكريم ناسخ للتوراة، والناسخ اكمل من المنسوخ، فيلزم ان يكون نوراً وهدى للناس، ولفظ النور هنا مجاز، والمراد به واضح الدلالة بحيث تكون يقينية لا تقبل الشك، ثم اكد بقوله (هدى للناس) وهو عام في اهل كل عصر، ثم أثبت كونه هدى للناس فلابد من ثبوت مهتد بالفعل، لان كل موضوع القضية الموجبة يجلب الحكم فيها على ما صدق عليه عنوان الموضوع بالفعل، وكونه هدى بالفعل يستلزم ثبوت مهتد بالفعل ولا يصدق ان فلاناً مهتد الا مع كونه مهتدياً في جميع افعاله، لان قولنا فلان ضل مطلقة عامة يستعمل في تكذيبها فلان مهتدو بالعكس عرفاً وهي مساوية لنقيضها، فتكون في قوة سالبة كلية عرفاً، فقد ثبت ان في كل عصر لابد من له صفتان، أحدهما ان له علماً بدلالات القرآن يقيناً علماً ضرورياً من قبيل فطري القياس، والثانية انه مهتد بالفعل دائماً في جميع افعاله وهو المعصوم.(العلامة الحلي، الالفين: 376).
45 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (يا بني آدم اما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم اياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وجه الاستدلال ان هذه الاية عامة في كل عصر، والامام لابد أن يحمل الناس عليها ان امتثلوا امره وتابعوا فعله، فلابد وان تكون فيه هذه الصفة، فلابد في كل عصر من امام متصف بهذه الصفة وهو المعصوم، لان قوله (فلا خوف عليهم...) عام لان النكرة المنفية للعموم وهو جواب لقوله: (فمن اتقى واصلح) وكل غير معصوم يخاف ويحزن... فدل على ان من ذكرناه معصوم.(العلامة الحلي، الالفين: 377).
46 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر...) وجه الاستدلال يحتاج الى مقدمات:
1 ـ إن لله تعالى في كل واقعة حكماً واحداً هو الحقّ وانه لا يختلف باختلاف الاجتهاد.
2 ـ هذه الاية عامة في الازمان والمكلفين وهو ظاهر، والمكلف به من الافعال والتروك، اما الاوامر من جهة المعروف والنواهي من جهة المنكر....
3 ـ ان اختلاف الاراء وتضاد الشهوات واستهانة الجهال الشريعة يقتضي اختلال نظام النوع.
اذا تقرر ذلك فنقول: الاية تقتضي انه لابد من نصب رئيس واحد يأمر الكل وينهاهم ويحملهم على ذلك، والا لزم وقوع احد الامرين: اما وقوع الهرج والمرج...واما زوال التكليف او عمومه في أحد ما ذكرنا، وهو باطل بالاجماع، ولابد أن يكون ذلك الرئيس لا يجوز عليه الخطأ، وان يعمل منكراً او يترك معروفاً والا لاحتاج الى إمام آخر وتسلسل، ووقع الهرج والمرج، واختلال نظام النوع، ولابد منه في كل زمان لان تخصيص بعض الناس في بعض الاوقات بالمعصوم دون بعض ترجيح من غير مرجح وذلك هو الامام، فظهر ان الامام معصوم ويجب في كل زمان.(العلامة الحلي، الالفين: 382).
47 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (ولكن يريد الله ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) وجه الاستدلال ان تطهير المكلفين من فعل القبائح والمحرمات لا يتم الا بامام معصوم يفيد قوله اليقين واتمام النعمة بحصول النجاة يقيناً في الاخرة بفعل جميع الطاعات الواجبة، واظهارها للمكلف يقيناً لا يتم الا بامام معصوم يفيد قوله اليقين ويعلم من فعله وتركه يقين الصحة ذلك فيجب أن ينصب اماماً معصوماً في كل زمان والا لكان ناقضاً غرضه وهو محال تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.(العلامة الحلي، الالفين: 384).
48 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة... يختلفون) وجه الاستدلال انه تعالى امتنحن عباده بما آتاهم ليثبت من صبر على الامتحان والتزم بالحق، وذلك لا يتم الا بامام لما تقدم تقريره فيستحيل خلو الزمان عن امام معصوم.
وايضاً امر الله عباده بأن يستبقوا الى الخيرات، ولا يلتفتوا الى الشبهات، ولا الى معارضات الحق ومخالفاته، ولا يتم مع اشتمال النص على المتشابه الا بمن يفيد قوله اليقين، ويبين متشابهات النص بحيث لا يكون للمختلفين على الله حجة، اذ المكلف اذا خوطب بالمتشابه ولم يحصل له ما يفيده اليقين حتى ظن خلاف الحق لعدم وقوفه على قرينة او قصور عقله عن تحصيل يقين مع عدم ذلك، ولا مفسر للمتشابه يفيد قوله اليقين يكون حجة ظاهرة، فلأجل ذلك وجب امام معصوم يعلم المتشابه والظاهر والمؤول يقيناً ويعلمه المكلفين ويدلهم ذلك وهو المطلوب.(العلامة الحلي، الالفين: 385).
49 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (من يضلل الله فلا هادي له) وجه الاستدلال يتوقف على مقدمات:
1 ـ ان عدم المعلول لعدم علته فعدم العلة هي علة العدم.
2 ـ ان الوهم هو سبب الضلال لانه هو الذي يعارض العقل في كثير من المقدمات وغلبة الشهوات وسببها البعيد القوة الشهوانية فخلق الله تعالى العقل للمكلف بحيث يتمكن المكلف من ابطال قضايا الوهم الباطلة ومقتضى الشهوات والقوى الغضبية قد نراها في كثير من الناس يقهر عقله ويذعن لها اكثر واعظم... وكل ذلك سبب عدم العصمة، فلو لم يجد رئيس معصوم يردع المطيع لقوته الشهوية ويلزم كل مكلف في كل وقت بالحق لزم الضلال.
3 ـ ان هاد نكرة دخل النفي عليها فليزم عمومها فينتفي كل هاد.
4 ـ قوله (يضلل) فكرة في معرض اثبات فلا تقم، فيلزم انه تعالى ان اضل مطلقاً لم يكن له هاد لا نبي ولا إمام ولا غيره.
5 ـ قد بينا ان المعصوم من فعله تعالى وهو سبب ركوب طريق الصواب والصحة، فلو لم يوجده الله تعالى كان الله تعالى سبباً لعدم المعصوم وعدم المعصوم هو سبب الضلال، فيلزم ان يكون الله تعالى سبباً للضلال... واذا تقرر ذلك فنقول:
لو لم يكن المعصوم موجوداً في كل زمان وعصر بحيث لا يخلو وقت منه لزم ضلال المكلفين لتحقق علة ضلالهم ويكون المضل هو الله تعالى، فيلزم ان يكون لهم هاد، فيلزم انتفاء فائدة البعثة وامامة غير المعصوم.(العلامة الحلي، الالفين: 391 ـ 392).
50 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم الله و...) وجه الاستدلال ان كثيراً من ايات القرآن والاحاديث مجملة، وقد اختلف الاراء في الأحسن منها اختلافاً عظيماً، وليس تقليد احد من المجتهدين اولى من العكس، والجمع بين الكل محال، والترك يستلزم العقاب، فلابد من شخص يفيد قوله اليقين في كل زمان، بحيث يأخذ أهل ذلك الزمان من قوله، ولا يفيد اليقين الا قول المعصوم، فيجب ثبوت المعصوم.(العلامة الحلي، الالفين: 398).
51 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (يايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها)، وجه الاستدلال ان التقوى هي بعدم اهمال اوامره ونواهيه على سبيل الاحتياط المحصل لليقين، وذلك لا يحصل الا من معصوم قوله يفيد اليقين، وهو يعلم بالاحكام يقيناً في كل زمان، فيجب ثبوت المعصوم في كل زمان، والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين ولا نبي بعده، فتعين الامام المعصوم.(العلامة الحلي، الالفين: 398 ـ 399).
52 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (كذلك يبين الله اياته للناس لعلهم يتقون) وجه الاستدلال ان نقول: احد الامرين لازم اما عصمة الامام، أو ثبوت حجة المكلفين على الله... بيان الملازمة:
ان الله تعالى امر بالتقوى في عدة مواضع في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل... وبالجملة في هذه الاية دلالة صريحة على طلب التقوى منهم، ثم جعل فعل التقوى متأخراً عن بيان الآيات ومنوط به، ومع وجود المتشابه والمجمل والظاهر فلابد من معصوم لانتفاء البيان في النص في كل زمان يبين للناس في القرآن والسنة، فلا يحصل البيان يقيناً بذلك وغير المعصوم من طريق الالهام للناس كافة، او خلق العلوم الضرورية فيهم لم يوجد، وجعل في واحد أو طائفة لا يحصل اليقين بقولهم الا مع عصمتهم، وهذا ليس بمختص بوقت دون وقت او أرض او عصر دون عصر بل هو عام لكل عصر فيه المكلفون، والظن منهي عن اتباعه في القرآن المجيد، فلو لا وجود المعصوم المبين للايات الذي يحصل بقوله اليقين لم يحصل ما نيط به التقوى، وجعله هو عبارة عن ازاحة العلة، وكان للمكلف يوم القيامة ان يقول امرتني بالتقوى وجعلت التقوى منوطة بالبيان، ونهيتني عن اتباع الظن ولم تجعل لي طريقاً الى البيان فثبت حجته، وأما بطلان التالي فانه تعالى قال: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل).(العلامة الحلي، الالفين: 406 ـ 407).
53 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون).
وجه الاستدلال ان معرفتهم لذلك لطف لهم لوجود الداعي الى الشر، وهو المحبة وانتفاء الصارف، وهو علم كونه شراً ووجود الصارف عن الخير وهو انتفاء الداعي وهو العلم، لانه حكم بان الله يعلم وانتم لا تعلمون فلابد من شيئين:
1 ـ من يعلم ذلك ليعلمهم ذلك.
2 ـ من يمنعهم مما يضرهم ويحثهم على ما ينفعهم، لان ذلك لطف على الله تعالى واجب، فإن لم يكن معصوماً كان مساوياً لهم في الحاجة وهو محال، لانه يلزم اقامة غير السبب، بل قد يكون سبب ضده مقامه وهو محال، فتعين أن يكون معصوماً، وهذا حكم عام في كل زمان، ومحال أن يخلو زمان من اللطف والا لزم الترجيح بلا مرجح، ولا يمكن ذلك في النبي لكونه خاتم الانبياء ولم يعمر، فتعين ان يكون الامام لانه القائم مقامه، فالامام معصوم فلا يخلو منه زمان وهو المطلوب.(العلامة الحلي، الالفين: 410).
54 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (من يعمل سوءاً يُجز به... لا يظلمون نقيراً)، غاية نصب الامام كونه لطفاً للمكلفين في تحصيل هاتين المرتبتين: 1 ـ ان يجتنب جميع المعاصي 2 ـ ان يفعل جميع الطاعات.
هذه الاية بلا فصل دلّت على أن من فعل سوء يجز به ومن فعل طاعة اثيب عليها، فلا يخلو إما أن يتوقف على إعلام المكلف الفعل وصفته او لا، والثاني محال والا لزم تكليف الغافل، والأول إما ان يكون العلم بديهياً او كسبياً، والاول منتف بالضروة فتعين الثاني، فإما أن يكون عقلياً او نقلياً، والاول منتف عند أهل السنة والجماعة، وعندنا يوجد في بعض الاحكام وهو ما علم بالضرورة وهو نادر جداً وليس من الفقه، والثاني اما أن يكفي فيه الظن أو لا، والاول باطل لانه تعالى ذم المتبع للظن... ولانه لو اكتفى بالظن لكان ذلك الظن اما ممن كلف بالاجتهاد، ويلزم منه الحرج العظيم في تكليف جميع المكلفين بالاجتهاد في الاحكام الجزئية الفرعية وهو محال، وينفي بقوله: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)، ولانه يلزم إفحام الامام، لانه اذا أمر المكلف بشيء يقول لا يجب عليّ امتثال قولك إلا اذا ادى اجتهادي اليه، وأنّ اجتهادي لم يؤد اليه فيلزم افحام الامام من كل من أراد الامام الزامه بشيء ينفي وهو فائدة الامامة، ولانه يلزم ان يكون كل مجتهد مصيباً وهو باطل لما بين هي الاصول، واما من غيره وهو ترجيح بلا مرجح مع تساويهما، ولان الحجة للمكلف ثابتة حينئذ، فتعين الثاني وهو أن يكون الطريق المؤدي الى الاحكام يفيد العلم، وهو أما أن يكون بوجود من علم وجوب عصمته بحيث يمكن أن يستفاد منه الاحكام يقيناً او غيره، والثاني منتف للاجماع، على ان مثل هذا لم يوجد، فلو لم يكن الاول موجوداً لانتفى الطريق المفيد للعلم وهو باطل لما قلنا وهو المطلوب، وهذا هو مذهب الامامية فانهم يقولون الاحكام مستفادة من النبي، لانه المبلغ للقرآن والمفسر له، والمبين لحكمه ومتشابهه، والسنة يعلم منه يقيناً، وبالجملة ما دام النبي موجوداً يتمكن المكلف من الوصول الى العلم، فاذا مات النبي وجد بعده إمام واجب العصمة يفيد قوله العلم، وهكذا كل امام يفوت يوجد بعده آخر واجب العصمة الى انتهاء الدنيا فدائماً يحصل العلم بالاحكام للمكلفين، وهذا طريق اذا جرد الانسان ذهنه وفكره من العناد وجرد طرفي المطلوب عما يعرض بسببه الغلط فانه يعلم صحة هذا الطريق وفساد غيره، وان الحكيم الكامل لا يصدر منه الا الكمال وان هذا هو الطريق الاكمل والدين الاقوم الذي لا يعتريه شك.
لا يقال: الحاجة الى الامام منتفية بقوله (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)، فلو لم يكف الرسول عن الامام لكان للناس حجة على الله بانتفائه مع وجود الرسول، لكنه نفي الحجة مع ثبوت الرسول، وهذا يدل على انه تمام ما يتوقف عليه التكليف، أي لا يتوقف على شيء آخر بعده، فأقل مراتبه أن يكون هو الجزء الأخير، فلا يكون الامام شرطاً في شيء، ولان دليلكم هذا يلزم منه أحد امور ثلاثة: إما ارتفاع التكليف مع عدم ظهور الامام للمكلفين، او اخلاله تعالى باللطف ويلزم منه نقض غرضه، او بطلان هذا الدليل على تقدير صحته وهو يستلزم اجتماع النقيضين، واللازم باقسامه باطل فالملزوم مثله، والملازمة وبطلان التالي ظاهران فيبطل دليلكم.
لانا نقول: اما الجواب عن الاول في الآية اضمار تقديره: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) وتشريعهم الاحكام، وبيانهم الحلال من الحرام، ونصب الادلة والبراهين، وجميع ما يحتاج اليه المكلفون في علمهم وعملهم لأنه لولا ذلك لم يكن في نصب الرسول فائدة، ولان مجرد وجود الرسول بلا نصب الأدلة وتشريع الاحكام لا ينفي الحجة قطعاً، وفي جملة الادلة ووجوه الارشاد للعباد نصب الامام، وفي الاحكام وجوب طاعته وبيانه عليه السلام وذلك بنص جلي، وعن الثاني يمنع الملازمة، لان الواجب عليه تعالى نصب الامام والدلالة عليه وايجاب طاعته، وعلى الامام القبول، وعلى المكلفين طاعة الامام ونصرته والجهاد معه، وذلك ليس من فعله تعالى على سبيل الاجبار لهم، لانه ينافي التكليف فالمكلفون تبعوا انفسهم، كما أن المكلف يعصي بترك الواجب من الصلاة والصيام.
لا يقال: ان غيبة الامام ليست من كل المكلفين بل من بعضهم فذلك البعض الاخر أما أن ينفي مكلف أولاً، والثاني ينفي التكليف عمن لن يكن له مدخل في منع الامام والا اوجب غيبته، وهو محال اجماعاً، والاول اما أن يكلف بالعلم وهو باطل، والالزم تكليف ما لا يطاق، فبقي أن يكفي الظن فيم لا يكفي ابتداء، لانا نقول الاكتفاء بالظن هنا رخصة، وهو طريق ناقص لا يفعله الله ابتداء، بل من تقصير المكلفين والمعارضة بقتل الانبياء ولا خلاص من هذه المعارضة.(العلامة الحلي، الالفين: 411 ـ 414).
55 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (ولئن قتلتم في سبيل الله او متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون) اقول: ذكر ذلك مدحاً لمن يقتل في سبيل الله او يموت في سبيل الله، وهذا المدح لا يختص باهل زمان النبي، بل هي عامة لكل الازمان التي فيها امام، فإن هذا لطف عظيم في حق المكلف لا يختص بأهل زمان دون زمان، وايضاً الاجماع من المسلمين على عمومها للازمان التي فيها امام، وذلك الامام هو الامر بالقتال الذي اذا قتل فيه المؤمن كان في سبيل الله، ولا يتحقق ذلك الا مع عصمة الامام، فان غير المعصوم لا يؤمن على سفك الدماء ولا على قتل النفس.
لا يقال: هذا مع غيبة الامام لا يحصل ولا مع كف يده، لانا نقول: الغيبة وكف يد الامام انما هو من المكلفين لا من الله تعالى فهم منعوا انفسهم من اللطف.(العلامة الحلي، الالفين: 416).
56 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (افغير دين الله يبغون وله اسلم من في السماوات والارض طوعاً وكرهاً واليه يرجعون)، وجه الاستدلال ان هذه الاية الشريفة الكريمة دلت على ذم كل من ابتغى غير دين الله في حكم من احكامه ايّ حكم كان، فكل من خالف حكماً من احكام دين الله فقد ابتغى غير دين الله في ذلك الحكم، وكل من ابتغى غير دين الله في أي شيء كان فهو مذموم مستحق للعذاب، والامام انما اوجبه الله ليعرف المكلف دين الله ليتبعه، ويأبى اتباع غير دين الله في شيء ما، ومخالفة دين الله مطلقاً، ويحصل له اتباع احكام دين الله التي افترضها على عباده وقررها لهم، وانما يحصل ذلك بكون الامام معصوماً، فيشترط في الامام العصمة، وانما يحصل للمكلف الوثوق، والامن من الخوف باتباعه، وخصوصاً فيما بناه الله تعالى على الاحتياط التام كالفروج والدماء بوجوب عصمة الامام، فيجب ان يكون الامام معصوماً، وانما يعلم عصمته من النص، فقد دلت بهذه الاشياء على مطالب خمسة:
1 ـ أن الامام معصوم.
2 ـ انه واجب العصمة.
3 ـ انه لا يكون الامام الا بنص الهي على لسان النبي أو الامام المنصوص عليه.
4 ـ انه يستحيل ان يجعل الله تعالى الاختيار في نصب الامامة الى الامة....
5 ـ ان كل زمان لابد فيه من امام معصوم، والا لجاز اتباع بعض المكلفين غير دين الله في بعض الاحكام، وقد بين الكلام استحالته لوجوب اللطف.(العلامة الحلي، الالفين: 420).
57 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل ان تقولوا ما جاء نا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير...)، وجه الاستدلال ان وجه الحاجة الى الامام كوجه الحاجة الى النبي، فانهم لا يحتاجون الى مبلغ للشرع يحتاجون الى حافظ الشرع، والى كاشف لمعانيه مفهم مراد الشارع منه وملزم به، وقائم بالامور الشرعية المهمة الصادرة عن رئيس وتبع الباقي له، فلا يخلو الزمان عن امام، ولابد أن يكون معصوماً والا لم يحصل منه هذه الفوائد.(العلامة الحلي، الالفين: 422 ـ 423).
58 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (واتقوا يوماً لا تجز نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل...) وجه الاستدلال أن هذه الاية عامة لاهل كل زمان، ولا يتم الا بوجود معصوم يفيد قوله العلم، وذلك يستلزم عصمة الامام لانه المأمور باتباعه، لانه اما أن يخلو وقت عن امام معصوم يفيد قوله وفعله العلم أو لا، والأول ينافي الغرض في هذه الاية في الجملة وهو محال، والثاني اما أن يكون الامام هو المعصوم او غيره، والثاني ينافي حكمة الله تعالى فيكون محالاً والاول هو المطلوب.(العلامة الحلي، الالفين: 425 ـ 426).
59 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا او جاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا) اعلم أن هذه الاية تدل على أن الاهلاك للفاسقين بذنوبهم انما هو بعد ان تجيئهم البينات، أي الامور المفيدة للعلم والرسل انما يركبون الحجة بعد تبليغ ما يفيد العلم، وهذا عام في كل الازمان والا لمنعت بعض الامة من اللطف هذا خلف، ومع عدم امام معصوم لا يحصل ما يفيد العلم، لان ظواهر القرآن والاحاديث لا تفيد العلم، فلابد من امام معصوم في كل الاوقات.(العلامة الحلي، الالفين: 450).
60 ـ عدم خلو...
ان العقل يقتضي بوجوب الرئاسة في كل زمان، وان الرئيس لابد من كونه معصوماً مأموناً منه كل فعل قبيح، واذا ثبت هذان الاصلان لم يبق الا امامة من نشير الى امامته، لان الصفة التي اقتضاها ودل على وجوبها لا توجد الا فيه، وتنساق الغيبة بهذا سوقاً ضرورياً لا يقرب منه شبهة، فيحتاج ان تدل على صحة الاصلين المذكورين فنقول: اما الذي يدل على وجوب الامامة في كل زمان فهو: انا نعلم لا طريق للشك علينا ان وجود الرئيس المطاع المهيب المنبسط اليد ادعى الى فعل الحسن واردع عن فعل القبيح... واما الذي يدل على وجوب عصمة الرئيس المذكور، فهو ان علة الحاجة اليه موجوده وجب ان يحتاج الى رئيس وامام كما احتيج اليه والكلام في الامامة كالكلام فيه، وهذا يقتضي القول بائمة لا نهاية لها وهو محال، او القول بوجود امام فارقت عنه علة الحاجة، واذا ثبت ذلك لم يبق الا القول بامام معصوم لا يجوز عليه القبيح وهو ما قصدناه، واذا ثبت هذان الاصلان فلابد من القول بانه صاحب الزمان بعينه، ثم لابد من فقد تصرفه وظهوره من القول بغيبته، لانه اذا بطلت امامة من اثبتت له الامامة بالاختيار لفقد الصفة التي دل العقل عليها، وبطل قول من خالف من شذاذ الشيعة من اصحابنا... كالكيسانية... لانقراضهم وشذوذهم، ولعود الضرورة الى فساد قولهم، فلا مندوحة عن مذهبنا فلابد من صحته والا خرج الحق عن الامامة، واذا علمنا بالسياقة التي ساق الاصلان اليها ان الامام هو ابن الحسن عليه السلام دون غيره ورأيناه غائباً عن الابصار، علمنا ان لم يغب مع عصمته، وتعين فرض الامامة فيه وعليه الا بسبب اقتضى ذلك، ومصلحة استدعته وحال اوجبته، ولم يعلم وجه ذلك مفصلاً لان ذلك مما لا يلزم علمه، وان تكلفنا وتبرعنا بذكره كان تفضلاً....(السيد المرتضى، رسالة في الغيبة (ضمن كلمات المحققين): 531 ـ 532).
61 ـ عدم خلو...
الحق عندي انه لا يجوز الخلو من النبي في زمان من الازمنة، وهو مذهب جميع اصحابنا القائلين بعدم خلوّ الزمان من امام، والامام بمنزلة الرسول، ويدل على ذلك المعقول والمنقول، اما المعقول فلأن التكليف واجب لما مضى ولا يتم الا بالرسول، ولان في الرسول مصلحة لا يتم بدونه، وهو كف الناس من الخطأ وتنبيه الغافل عن الله تعالى، وغير ذلك مما يقتضي وجوب البعثة في حال، واما المنقول فقوله تعالى: (وإن من امة الا خلا فيها نذير) فاطر: 24.(العلامة الحلي، مناهج اليقين: 433).
لنا في ذلك (أي امامة باقي الائمة) طريقان عام وخاص، اما العام فما بينا من امتناع خلو الزمان من المعصوم، فنقول: الناس قائلان: منهم من اوجب العصمة فقصر الامامة على هؤلاء الاثني عشر، ومنهم من لم يقل ولم يقصرها عليهم، فلو قلنا بوجوب العصمة مع القول بامامة غيرهم كان ذلك قولاً لم يقل به احد، وذلك باطل قطعاً....(العلامة الحلي، مناهج اليقين: 480).
قالوا: (الامامية): ولا يجوز خلو الزمان من امام معصوم لانه حافظ للشرع، ولان جواز الخطأ ثابت على كل قوم في كل زمان سواه، وقالوا: بان الامام المهدي عليه السلام باق، واختفى خشيته على نفسه، والناس منعوا انفسهم اللطف، وسيظهر مع وجود الناصر له....(العلامة الحلي، كشف الفوائد: 308).
الامام الثاني عشر عليه السلام حيّ موجود من حين ولادته وهي سنة ست وخمسين ومأتين الى آخر زمان التكليف، لان كل زمان لابد فيه من امام معصوم بعموم الادلة وغيره ليس بمعصوم فيكون هو الامام.(مقداد السيوري ـ شرح الباب الحادي عشر: 52).
62 ـ لزوم وجود المعصوم في كل زمان
ومما يدل على وجوب نصب امام معصوم بعد ورود الشرع ما قد ثبت ان شرع محمد صلى الله عليه وآله وسلم لازم لجميع امته من لدن عصره الى انقراض التكليف، وان حالنا وحال من يجيىء بعدنا من أهل الاعصار المستقبلة حال الصدر الاول من المسلمين ممن عاصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التعبد بشرعه، وما هذا حاله لابد له من حافظ موثوق به يحفظه بعد الرسول ويبلغه ويؤديه الى الاخلاف، واهل الاعصار المستقبلة الذين يتعبدون به، والا لم يثقوا بوصول جميع الشرع اليهم، ويكونون قد كلفوا ما لا سبيل لهم الى معرفته وذلك قبيح، أو لم يكلفوا جميع الشرع وذلك باطل بالاتفاق، فثبت انه لابد من حافظ الشرع.
واذا ثبت وتقرر وجوب كون الشرع محفوظاً لم يخل من أن يكون محفوظاً بالكتاب أو السنة المقطوع بها او بهما جميعاً، او بالاجماع، أو بأخبار الاحاد، أو بالرأي والقياس، أو بمعصوم موثوق به على ما نقوله، ولا يمكن المنازع أن يدعي كون الشرع محفوظاً بشيء آخر سوى ما ذكرناه لانه خلاف الاجماع، اما الكتاب فمعلوم ان جميع تفاصيل الشرع ليست مبينة فيه، فكيف يكون محفوظاً به؟ ثم الكتاب نفسه لابد له من حافظ ايضاً موثوق به يحفظه، ويتعين عليه حفظه عن التغيير والتبديل، وإلا لم يؤمن من تطرق التحريف والتبديل اليه، واما السنة المقطوع بها والاجماع فمن المعلوم الظاهر ايضاً ان جميع الشرع ليس مبيناً فيهما، على أن المتواترين فيما تواتروا يجوز أن يعدلوا عن النقل والرواية تعمداً او سهواً اذا لم يكن من ورائهم من يحفظهم فيؤدي الى اخفاء ما تحملوه، أو الى نقله في الاحاد، ومن لا يكون في نقله حجة، والاجماع متى لم يشتمل على قول معصوم او فعله او رضاه لم يكن حجة... واما اخبار الاحاد والرأي والقياس فلم يثبت كونهما حجة فكيف يحفظ الشرع بهما؟ فتعين كون الشرع محفوظاً بمعصوم وهو المقصود....(الرازي، المنقذ 2: 261 ـ 262).
63 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم والفرق بين الغيبة وعدم الوجود
قال تعالى: (او عجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون)، وجه الاستدلال ان الله تعالى انما ارسل الرسل لينذروا المكلفين ليحصل للمكلف التقوى، والتقوى اجتناب ما فيه شبهة والاخذ باليقين، ولا يحصل الا من المعصوم، فتجب عصمة الرسل ونصب الامام ليقوم مقام الرسل في انذار الخلائق، وتحصل للمكلف به الغاية القصوى التي هي التقوى، وانما يتم ذلك بالعصمة فيجب عصمة الامام، قوله تعالى: (ولعلكم ترحمون) الرحمة الموعودة في مقابلة الانذار ليست بتفضل والرحمة الموعودة هنا هي عدم العذاب بوجه من الوجوه، وانما يتم ان لو علم من المبلغ حجته، وانه معصوم في النقل والفعل وحجية قوله، وانما يتم ذلك من المعصوم، والامام قائم مقامه فيه.
اعترض ابو علي الجبائي بان الامامية جوزوا ان يكون الامام مغلوباً بالجوارح وممنوعاً بالاعداء بل الواقع عندهم ذلك، فان كان الغرض منه نفس وجود امام في الزمان وان لم يبلغ ولم يقم بالامور وصح ذلك، فجاز ان يكون القائم بذلك جبرئيل، او بعض الملائكة المقربين في السماء، ويستغني عن وجوده في الارض، لان المعنى الذي يطلب الامام لاجله عندكم يقتضي ظهوره، واذا لم يظهر كان وجوده كعدمه وكان كونه في الزمان بمنزلة كون جبرئيل في السماء.
اجاب عنه السيد المرتضى بان الغرض لا يتم بوجود الامام خاصة، بل مع وجوده بأمره ونهيه وتصرفه وتمكنه من اقامة الحدود والجهاد، لان بهذه الامور يكون لطفاً، لانه بهذه الامور يكون المكلف اقرب الى الطاعة وابعد من المعصية، لكن الظلمة منعوا مما هو الغرض، فاللوم فيه عليهم والله تعالى المطالب لهم، ولما كان الغرض لا يتم الا بوجود الامام اوجده الله تعالى وجعله بحيث لو شاء المكلفون ان يصلوا اليه وينتفعوا به لوصلوا وانتفعوا به، بان يعدلوا عن ما يوجب خوفه وتقيته، فيقع منه الظهور الذي اوجبه الله تعالى عليه مع التمكن، ولما كان المانع من تصرفه وامره ونهيه غير مانع من وجوده لم يجب من حيث امتنع عليه التصرف بفعل الظلمة ان يعذبه الله تعالى او لا يوجده في الاصل، لانه لو فعل ذلك لكان هو المانع للمكلفين لطفهم ولم يكن للظلمة فيه فعل اصلاً، ولكانوا انما اوتوا في فسادهم وارتفاع صلاحهم من جهته، لانهم غير متمكنين مع عدم الامام من الوصول الى ما فيه لطفهم ومصلحتهم، فجميع ما ذكرناه يفرق بين وجود الامام مع الاستتار وبين عدمه، وبما تقدم ايضاً يفرق بينه وبين جبرئيل، لان الامام اذا كان من جهته الى منافعهم ومصالحهم وكل هذا غير حاصل في جبرئيل بالمعارض به ظاهر الغلط.
واقول: التحقيق في هذه المسألة ان الامام المعصوم لطف للمكلفين، ولا يتم الا بامور نصب الله اياه بأن يوجده وينص عليه هو او النبي او امام آخر، وقبوله الامامة وقيامه بالدعوة وطاعة المكلفين له، والاولان من فعله تعالى، والثالث من فعل الامام، والرابع لا يجوز ان يستند اليه تعالى لانه لا ينافي التكليف، بل هو مستند الى المكلفين فعدم ايجاده يقتضي حجة المكلف على الله تعالى، وكذا مع عدم نصب دليل عليه، أو عدم قبول الامام يكون منع اللطف منه وهو يقدح فيه وفي عصمته فتعين الرابع، فالمكلف هو المانع واما مع عدم عصمته فحمله على الفساد مساو في الامكان لحمله على الصلاح، فلا يكون لطفاً ولا قطعاً بحجة المكلف على الله تعالى.(العلامة الحلي، الالفين: 360 ـ 361).
64 ـ جواز خلو الزمان من الامام ودفعه
قالوا:... على انه لا يجب الشرع في كل زمان فلا يجب اللطف فيه...، قلنا:... ولا نسلم جواز الخلو من الشرايع والاحكام والا لاختل النظام....(البياضي، الصراط المستقيم 1: 69 ـ 70).
قالوا: يمكن تصور خلو الزمان من التكاليف الشرعية، فيمكن خلوه من الامام التابع لها في اللطفية، قلنا: انا بينا وجوبه على تقدير التكليف على انه لا يلزم من صحة تصور خلو الزمان وقوع ذلك الخلو بل الواقع عدمه على ان دفع الخوف وقيام النظام انما يكون بالامام.(البياضي، الصراط المستقيم 1: 71).
65 ـ جواز خلو الزمان من الامام ودفعه
قال علي عليه السلام: (لم يخل الله خلقه من نبي مرسل او كتاب منزل او حجة لازمة او محجة قائمة)، فان ظاهر الترديد الذي فيه منع الخلو يقتضي الاكتفاء بالكتاب.
قلنا: في الكتاب الايات المتشابهات والمجملات وأوامر خفيات خبط المفسرون فيها، فاتباع بعضهم لا ترجيح فيه، والكل غير ممكن لتضاد القول وتنافيه، فلابد من معصوم يتعين الرجوع اليه والتعويل في ذلك عليه، ومنع الخلو ليس فيه منع الجمع بل قد يجب الجمع، فان الانسان لا يخلو من الكون واللون مع لزوم الجمع فيهما فكذا هنا.
اعترض القاضي بان القرآن غني عن التأويل اذ بينه النبي فلا حاجة الى الامام، أجاب المرتضى بان ذلك مكابرة، فان اختلاف العلماء فيه لاخفاء فيه، ولو قدر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينه فلابد من الامام لينقل بيانه اذ الامة غير مأمونة على ذلك....(البياضي، الصراط المستقيم 1: 113).
66 ـ عدم خلو الزمان...
انه متى وجب وجود الامام في وقت لزم استمراره مدى الأيّام، لانّ علة وجوبه في الابتداء مستمرة على الدوام، ويكفي في اثبات الأبدية ما تواتر من الجانبين من السنة المحمدية: (ان من مات ولم يعرف امام زمانه فقد مات ميتة جاهلية)((كنز العمال 1: 103)).
وما تواتر نقله من الطرفين على كون كتاب الله وعترة نبيه مقترنين (كنز العمال 1: 172) حتى يردا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحيث تبين عدم جواز خلو الارض من حجة على الدوام وامتنع حدوث الانبياء بعد نبينا تعيّن الامام، ويمكن بعد إمعان النظر فيما ذكرناه إثبات امامة الأئمة الاثني عشر، لان كل من قال ببقاء الامام قال بذلك سوى طوائف لا عبرة بها بين اهل الاسلام....(الشيخ جعفر كاشف الغطاء، العقائد الجعفرية: 28).
67 ـ لزم الحجة في كل زمان
قال القاضي: (... وقد الزمهم واصل بن عطاء على قولهم هذا أن يكون قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الزمان حجة من رسول او امام، ولو كان كذلك لما صح قوله تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل...) مائدة: 19. لان على قولهم لم يخل الزمان من بشير ونذير، وادعى اجماع علماء المسلمين، وظهور الاخبار عن أهل الكتاب ان الفترات من الرسل قد كانت ولم يكن فيها انبياء ولا من يجرى مجراهم...).(المغني 20 ق 1/195).
الجواب: فاما ما حكاه... فمن بعيد الكلام عن موقع الحجة، لان قوله تعالى (يا أهل الكتاب...) صريح في ان الفترة تختص الرسل، وانها عبارة عن الزمان الذي لا رسول فيه، وهذا انما يلزم من ادعى انّ في كل زمان حجة هو رسول، فاما اذا لم يزد على ادعاء حجة وجواز ان يكون رسولاً وغير رسول، فان هذا الكلام لا يكون حجاجاً عليه، فاما ادعاؤه اجماع علماء المسلمين على الفترات بين الرسل، فان اراد بالفترات خلو الزمان من رسول وحجة فلا اجماع في ذلك، وكل من يقول بوجوب الامامة في كل زمان وعصر يخالف في ذلك فكيف يدعي الاجماع....(المرتضى، الشافي 3: 143 و 151).
68 ـ عدم خلو الزمان من...
قال تعالى: (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة 119، وهذه الاية لا تختص بزمن دون آخر، والدعوة الى مواكبة الصادقين دليل على وجود الامام المعصوم الذي يجب ان يتبع في كل عصر، كما اشار الى ذلك الكثير من المفسرين الشيعة والسنة.(انظر تفسير الرازي 16: 221) و (مكارم الشيرازي، عقائدنا: 79 ـ 80).
69 ـ عدم خلو...
ان مقتضى ما مرّ من ادلة لزوم الإمامة والعصمة هو عدم خلوّ كل عصر وزمان عن وجود الامام المعصوم سواء قام بالسيف أو لم يقم ظهر أو لم يظهر، وعليه فنعتقد بوجود الامام الحيّ المعصوم في كل زمان...(الخرازي، بداية المعارف 2: 133).
70 ـ عدم خلو...
قال الفاضل الاردبيلي: (ثم ان الامام الحق في كل عصر يجب ان يكون واحداً والاّ يلزم تجويز حقية النقيضين على تقدير اختلافهم وهو ممتنع، واذا لم يكن الامام عبارة عن السلطان ومن يقتدي به في الصلاة، ثبت ان له معنى آخر يخصص به عمن يصدق عليه هذا اللفظ بحسب اللغة، وليس للرعية سبيل الى معرفته، فيجب بيانه وتعيينه على النبي، وتأخير البيان عن محل الحاجة قبيح والنبي منزه عنه...).
قال الخاجوئي: اقول: المقدمة الاولى مستدركة، وكان المناسب ان يقول بعد إبطال امامة ابي بكر: ثم ان خلو الزمان عن الامام باطل باجماع الفريقين، واذا لم يكن الامام عبارة عن السلطان الى آخر ما ذكره، على انه يرد ايضاً انهم فسّروا الامامة برئاسة عامة في امر الدين والدنيا خلافة عن النبي، فهم لا يجوزون تعدد الامام حقاً كان ام باطلاً في عصر من الاعصار ليحتاج في نفيه الى دليل وفي ابطاله الى حجة... اما انه ليس للرعية سبيل الى معرفته فهو اول البحث وفي حيّز المنع، لانّ اجماع الامة على امر دليل على حقيته وهو سبيل المؤمنين المشار اليه في القرآن، ولعله حاول ان يشير الى وجوب عصمته، وانها من الامور الخفية...(الخاجوئي، الرسائل الاعتقادية 1: 404 ـ 405).
71 ـ عدم خلو...
اعلم ان الغاية القصوى والفائدة العظمى من ايجاد العالم الحسي انما هي خلقة الانسان، وغاية خلقة الانسان بلوغه الى اقصى درجة الكمال... فخلقة سائر الكائنات انما هي لضرورة تعيّش الانسان واستخدامه اياها وانتفاعه بها... والدليل على ان الانسان هو الغرض الاصلي من بين الكائنات تسخير الله عزّ وجلّ له كلها كما قال جل جلاله: (وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض) الجاثية: 13.
وبالجملة، فالغرض الاصلي من خلق الموجودات مطلقاً انما هو وجود الانسان الكامل الذي هو خليفة الله في أرضه... واذا ثبت ذلك ثبت انه لابد في كل زمان من وجود خليفة يقوم به الامر ويدوم به النوع ويحفظ به البلاد، ويهتدي به العباد ويمسك به السماوات والارضون والا فيكون الكل هباء وعبثاً اذ لا ترجع الى غاية ولا تؤول الى عاقبة... كما في الحديث: (فلو خلق الله الخليقة خلواً من الخليفة لكان قد عرضهم للتلف)((كمال الدين: 4))..
(ثم ذكر عدة احاديث حول عدم خلو الارض من حجة).(الفيض، علم اليقين 1: 378 ـ 383).
72 ـ عدم خلو...
راجع انّ الارض لا تخلو من حجة.
الامامة والتبصرة: 25 ـ 36.
علم اليقين للفيض 1: 383 ـ 386.
محاورة الشامي مع هشام بن الحكم حق اليقين شبر: 123.
73 ـ عدم خلو...
قال تعالى: (فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين) دل على انّه لا يخلو كل زمان من حافظ للدين اما نبي او امام.(الفيض، علم اليقين 1: 383).
74 ـ عدم خلو ازمان من معصوم
قال تعالى: (من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحاً فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وجه الاستدلال من وجهين، الاول: ان نفي الخوف ونفي الحزن على وجهين، احدهما: لعدم الالتفات وعدم التصديق وهو من باب الجهل، وثانيهما: للعلم بالنجاة واليقين من صحة العبادات والاحكام التي أتى بها واعتقدها، والعلم بالطاعات والمعاصي، والاحكام بالوجه اليقيني والاتيان بها، وليس المراد الاول، لانه تعالى ذكره على سبيل المدح، والاول يقتضي الذم فتعين الثاني، فلابد من طريق الى معرفة ذلك، وليس الكتاب لاشتماله على المتشابهات والمشتركات ولا السنة لذلك، فتعين ان يكون الطريق هو قول المعصوم، فانه يعلم متشابهات القرآن ومجازاته والالفاظ المشتركة فيه ما المراد بها يقيناً ويعلم الاحكام يقيناً، وللعلم بعصمته يحصل الجزم بقوله.
الثاني قوله تعالى: (ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) نكرة منفية فتكون للعموم، ونفي الخوف والحزن انما هو بتيقن نفي سببهما، ومع عدم الامام المعصوم في زمان ما لا يحصل لأهل ذلك الزمان تيقن انتفاء سببهما، اذ غير المعصوم يجوز امره خطأ بالمعصية ونهيه عن الطاعة، وجميع الاحكام لا تحصل من نص القرآن ولا من نص السنة المتواترة لكن في كل زمان يمكن نفيه فوجب الامام المعصوم في كل زمان.(العلامة الحلي، الالفين: 79 ـ 80).
75 ـ عدم خول الزمان من معصوم
قال تعالى: (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) نقول: هذا يدل على وجود المعصوم في كل زمان من وجهين، احدهما: ان نكرة منفية فيعم فليزم انتفاء الريب والشك عنه من جميع الوجوه وهو عام في الازمنة ايضاً، وغير المعصوم لا يعلم جميع مدلولات القرآن يقيناً بحيث لا يحصل له ريب، ولا شك في وجه دلالة من دلالات ألفاظه، ولا معنى من معانيه ولا في شيء مما يمكن ان يتناوله او يراد منه، لكن قد دللنا على وجود من لا ريب عنده في شيء منها ويكون اعتقاده مطابقاً، لانه ذكره في معرض المدح في كل زمان، فدل على وجود المعصوم فيه، وثانيهما: انه يمكن معرفته في كل وقت ولا يمكن يقيناً الا من قول المعصوم وهو ظاهر.(العلامة الحلي، الالفين: 80).
76 ـ عدم خلو الزمان من معصوم
قال تعالى: (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ان لهم جنات تجري من تحتها الانهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل). وجه الاستدلال بها يتوقف على مقدمات:
1 ـ ان المأمور بان يبشر غير المبشر وهو ظاهر.
2 ـ الالف واللام في الجمع يقتضي العموم.
3 ـ ان لهم يقتضي الاستحقاق.
4 ـ ان استحقاق الثواب الدائم وعدم العقاب انما هو بفعل الطاعات وترك المعاصي....
5 ـ يستحيل وجوب الممكن او معلوله الا عند وجوب سببه.
6 ـ استحقاق الثواب الدائم مشروط بالموافاة، فلا يثبت الا مع الموافاة عند الوفاة او قبلها مع وجود سبب الطاعات وسبب ترك المعاصي والا لزم احد الامرين، اما وجوب الممكن مع عدم سببه أو ثبوت استحقاق الثواب الدائم وليست العلة ثابتة، اذ الموافقة الان لم تثبت لانها في المستقبل، فلابد من ثبوت سببها الذي يمتنع معه المعاصي، وتجب معه الطاعات باختيار المكلف، لانه ان لم يجب وجود الطاعات منه ويمتنع المعاصي لزم ثبوت المعلول مع عدم سببه، فان وجب من غير سبب وجوبه لزم وجوب الممكن مع عدم سببه وهو محال وذلك السبب هو العصمة.
اذا تقرر ذلك فنقول: هذه الاية تدل على وجود المعصوم في كل زمان، لان الامر بالبشارة يقتضي وجود المبشر لاستحالة بشارة المعدوم ويكون مغايراً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم للمقدمة الاولى، والمبشر يجب منه جميع الطاعات ويمتنع منه جميع المعاصي، لان قوله تعالى (وعملوا الصالحات) للعموم للمقدمة الثانية من جملتها فعل ضد القبايح والامتناع منها، فيلزم عدم صدور شيء من القبائح منهم ثم ثبوت الاستحقاق قبل الموافاة يدل على ثبوت سببها الموجب لما تقرر والعلم غير كاف لانه غير موجب لانه تابع والسبب هو العصمة فوجب ثبوت العصمة الان لقوم غير النبي والناس بين قائلين: منهم من لم يقل بثبوت المعصوم اصلاً، ومنهم من قال بثبوته في كل عصر، فلا قائل بثبوته في عصر دون عصر فيكون باطلاً، وقد ثبت في وقته فتثبت في كل عصر فيستحيل كون الامام مع ثبوته، ويستحيل من الحكيم ايجاب طاعة غير المعصوم على المعصوم وغيره مع وجود المعصوم بضرورة العقل.(العلامة الحلي، الالفين: 82 ـ 84).
77 ـ عدم خلو الزمان من معصوم
قال تعالى: (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وجه الاستدلال يتوقف على مقدمات:
1 ـ ان هذا ترغيب في فعل اسباب نفي الخوف والحزن وهو عام في كل عصر لكل احد اتفاقاً.
2 ـ ان كل ما رغب الله فيه فهو ممكن.
3 ـ ان المراد نفي جميع انواع الخوف والحزن في كل الاوقات لان النكرة المنفية للعموم.
4 ـ انه لا يحصل ذلك الا بتيقن امتثال اوامر الله تعالى ونواهيه، وانما يعلم ذلك بمعرفة مراد الله تعالى من خطابه جميعه يقيناً، ومعرفة مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خطابه.
5 ـ ان ذلك لا يحصل من الكتاب والسنة، اذ اكثرهما مجملات وعمومات وألفاظ مشتركة والأقل منهما المفيد لليقين، والسنة المتواترة منهما قليل، وقد قال بعض الاصوليين ان الدلائل اللفظية كلها لا يفيد شيء منها اليقين... ولا يمكن انتفاء الخوف دائماً والحزن في جميع الاحوال الا مع تيقن المراد في خطابه تعالى ولا يمكن الا بقول المعصوم، فيكون المعصوم ثابتاً في كل فيستحيل امامة غيره مع وجوده وهو ظاهر.(العلامة الحلي، الالفين: 85).
78 ـ عدم خلو الزمان من معصوم
قال تعالى: (وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة...هم المهتدون) وجه الاستدلال ان ادخال الالف واللام على المحمول مع ذكرهم في الموجبة يدل على انحصار المحمول في الموضوع كما اذا قلنا زيد هو العالم يدل على انحصار العلم فيه، وقوله تعالى: (اولئك هم المهتدون) يدل على انحصار الهداية العامة اعني في كل الاحوال وفي كل الاشياء فيهم، فيكون هذا اشارة الى المعصومين من امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهم بعض الامة وهو ظاهر، واذا ثبت ان ها هنا معصوماً فيستحيل وجود الامامة في غيره.
وهذه الاية عامة في كل عصر اجماعاً فيلزم وجود معصوم في كل عصر، ولانه لا قائل بوجود معصوم غير النبي في زمان دون زمان...(العلامة الحلي، الالفين: 86).
79 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) وجه الاستدلال به أن نقول: هذه الاية عامة لاهل كل عصر وهو اجماع، فنقول: بيان الايات انما هو بنصب معصوم يعرف معاني الايات وناسخها ومنسوخها ومجملها ومؤولها، اذ بمجرد ذكرها لا يتبين بحيث يعمل بها ويعرف معانيها، اذ هو المراد بقوله (لعلهم يتقون) وانما تحصل التقوى منها بالعمل بها وغير المعصوم لا يعتد بقوله، والتقوى هو الأخذ باليقين والاحتزاز عما فيه شك، ولا يحصل ذلك الا من قول المعصوم، ولا يكفي النبي في ذلك لاختصاصه بعصر دون عصر، والسنة حكمها حكم الكتاب في المجمل والمتأوّل فقلّ ان يحصل منها اليقين، لان المتيقن في متنه هو المتواتر وفي دلالته هو النص، وذلك لا يفي بالاحكام لقلّته، فبيان الايات لاهل كل عصر بحيث يمكنهم العمل بها وعلم المراد بها يقيناً انّما هو بنصب الامام المعصوم في كل عصر.(العلامة الحلي، الالفين: 92).
80 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (واتقوا الله لعلكم تفلحون) امره بالتقوى مع عدم نصب طريق سالم من الشبهة والشك موصل الى العلم بالاحكام يقيناً محال، وذلك الطريق ليس الكتاب والسنة، لان المجتهد لا يحصل منهما الا الظن، وقد يتناقض اجتهاده في وقتين فيعلم الخطأ في احدهما، ويتناقض آراء المجتهدين فيضل المقلدون، فلابد من امام معصوم في كل عصر، لعموم الاية في كل عصر يحصل اليقين بقوله لعصمته.(العلامة الحلي، الالفين: 92).
81 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل) فلابد من طريق معرف للصحيح في جميع الحوادث يقيناً والسنة والكتاب لا يفيان فبقي الامام المعصوم.(العلامة الحلي، الالفين: 92).
82 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين) يجب الاحتراز عن الاعتداء في كل الاحوال، ولا يمكن ذلك الا بعد العلم بأسبابه، ولا يحصل ذلك الا من قول المعصوم فيجب نصبه، والا لزم تكليف ما لا يطاق.(العلامة الحلي، الالفين: 92).
83 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) ولا يجوز تحكيم الغريم في ذلك، ولا غير المعصوم بجواز الميل، فالخطاب للمعصوم بموآخذه المعتدي بمثل ما اعتدى، وهذه الاية عامة في كل عصر، فيجب المعصوم في كل عصر وهو المطلوب.(العلامة الحلي، الالفين: 93).
84 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (وتزودوا فان خير الزاد التقوى) وهو الاحتراز عن الشبهات، فلابد من طريق محصل للعلم بأوامر الله تعالى ونواهيه والمراد من خطابه حتى يحصل ذلك في كل عصر، وليس ذلك الا قول المعصوم، لان الكتاب والسنة غير وافيين بذلك عند المجتهد ولا المقلد فيجب المعصوم في كل عصر.
امتثال قول غير المعصوم يشتمل على الخوف والشبهة لجواز امره بالخطأ عمداً أو خطأ، فلا يكون من باب التقوى، وامتثال امر الامام من باب التقوى بالضرورة، فلا شيء من غير المعصوم بامام وهو المطلوب.(العلامة الحلي، الالفين: 93).
85 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (واحسنوا ان الله يحب المحسنين) فلابد من طريق معرف للحسن والقبح يقيناً وليس الا المعصوم، وهي عامة في كل عصر....(العلامة الحلي، الالفين: 93).
86 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (فان زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا ان الله عزيز حكيم) والبينات التي لا يحصل معها الخطأ ولا الخلل ولا تحصل الا بقول المعصوم، اذ الكتاب مشتمل على المجملات والمتشابهات والناسخ والمنسوخ والاضمار والمجاز، والسنة اكثر متنها غير يقيني ودلالة اكثرها غير يقينة، ولا يعلم ذلك يقيناً الا المعصوم، ولا يحصل الجزم الا بقوله لتجويز الخطأ على غيره، والجزم ينافي احتمال النقيض، فدل على ثبوت المعصوم في كل وقت.(العلامة الحلي، الالفين: 94).
87 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (... ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) وهذا لطف فيجب عمومه، وللاجماع على عمومها في كل عصر، ولعموم الناس فلابد ممن يحكم بالكتاب بين كل مختلفين بالحق قطعاً وغير المعصوم ليس كذلك لتجويز عمده وخطئه بغير الحق او خطئه، وايضاً غير المعصوم لا يمكنه الحكم بين كل مختلفين بالحق من الكتاب، لانه لا يعلم ذلك يقيناً من الكتاب الاّ المعصوم لتوقفه على معرفة جميع الاحكام يقيناً منه، فدل على وجود المعصوم في كل عصر.(العلامة الحلي، الالفين: 95).
88 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (والله يدعو الى الجنة والمغفرة باذنه ويبين اياته للناس لعلهم يتذكرون) الاستدلال من وجوه:
1 ـ ان هذا يدل على رحمته ولطفه بالعباد وارادته لدخولهم الجنة مع خلق القوى الشهوية والغضبية والاهوية المختلفة والشيطان والخطاب يعين النص، فلو لم ينصب المعصوم في كل عصر لناقض غرضه تعالى الله عن ذلك.
ان دعاءه الى المغفرة والجنة انما هو بخلق القدرة، وجعل الالطاف والطريق التي يحصل بها العلم والعمل، وأهم الالطاف في التكاليف الامام المعصوم، لانه المقرب الى الطاعات والمبعد عن المعاصي، ولان العلم بالتكاليف والاحكام الشرعية لا يحصل الا من المعصوم، إذ غيره لا يوثق بقوله ولا تتم الفائدة به.
3 ـ قوله (ويبين للناس...) البيان الذي يحصل معه التذكير والخوف من المخالفة لا يحصل الا بقول المعصوم، اذ الايات اكثرها مجمل، وعام يحتمل التخصيص، ولا مستند في عدم المخصص الا اصالة العدم المفيد للظن واكثرها مؤول، فلابد من معرفة طريق معرف لهذه وليس الا المعصوم.(العلامة الحلي، الالفين: 97).
89 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) وذلك يتوقف على معرفة الذنوب، وهو موقوف على العلم بالاحكام الشرعية والخطابات الالهية والسنة النبوية، وكذلك يتوقف على معرفة الطهارة وانواعها واحكامها ونواقضها وشرائطها واسبابها وكيفياتها، ولا يحصل ذلك الا من المعصوم، وهي عامة في كل زمان، فيجب المعصوم في كل زمان.(العلامة الحلي، الالفين: 98).
90 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) وكسب القلوب ثلاثة انواع
1 ـ الاعتقاد فان طابق كان مثاباً وان لم يطابق في ايّ شيء كان سواء في النقليات او العقليات...
2 ـ الارادة.
3 ـ الكراهة.
فيجب وضع طريق العلم بالموافق منها للحق والمطابق لأمر الله تعالى ونهيه لا يحصل ذلك الا من المعصوم وهي عامة في كل عصر فيجب وجود المعصوم في كل عصر....(العلامة الحلي، الالفين: 98).
91 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
انتفاء الامام المعصوم في عصر ما ملزوم للمحال بالضرورة فهو محال، فانتفاء الامام المعصوم في عصر ما محال، واذا استحال صدق السالبة الجزئية وجب صدق الموجبة الكلية، فيجب وجوده في كل عصر، اما الكبرى فظاهرة واما الصغرى فلاستلزام انتفائه ثبوت الحجة للمكلف على الله تعالى في وقت ما لمشاركة المعصوم النبي في المطلوب، اذ النبي يراد منه العلم بالاحكام ولتقريب والتبعيد، وهما موجودان في الامام المعصوم، فيكون نفيه مساوياً لنفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولازم احد المتساويين لازم للآخر، ولكن انتفاء الرسول يستلزم ثبوت الحجة فكذا انتفاء الامام.(العلامة الحلي، الالفين: 99 ـ 100).
92 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى...) امر بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى، وانما يحصل ذلك بمراعاة شرائطها ومعرفة احكامها، والاحتزاز من مبطلاتها على وجه يعلم صوابه، ولا يعلم الا من المعصوم فيجب، وهي عامة في كل عصر فيجب فيه.(العلامة الحلي، الالفين: 100).
93 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (يبين الله لكم اياته لعلكم تعقلون) والبيان الذي يحصل منه العلم انما يكون بالنص مع معرفة الوضع يقيناً او من قول المعصوم، والاول منتف في اكثر الايات فيتعين الثاني، فيستحيل ان يكون الامام غيره، وهي عامة في كل عصر اجماعاً.(العلامة الحلي، الالفين: 100 ـ 101).
94 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) فنقول: من يؤتيه الله الملك لا يجوز أن يكون غير معصوم، لانه عبارة عن استحقاق الامر والنهي في الخلق، ولا يجوز ان يفعل الله سبحانه وتعالى ذلك بغير المعصوم، وهي عامة في كل عصر بالاجماع....(العلامة الحلي، الالفين: 101).
95 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (قد تبين الرشد من الغي) وجه الاستدلال ان كل ما يطلق عليه رشد وصواب قد اشترك في هذا الوصف الموجب لبيانه وظهوره وتميزه من الخطأ، وكذلك الغي قد اشترك في هذا الوصف الموجب لوجوب بيانه واظهاره فترجيح البعض محال لانه في معرض شيئين: احدهما نفي عذر المكلف مطلقاً، الثاني: الامتنان، ولا يحصل الاول ولا يحسن الثاني الا بالكلي، وليس ذلك الشيء من الكتاب والسنة وحدهما وهو ظاهر، فتعين المعصوم في كل زمان وهو ظاهر وهو مطلوبنا، لا يقال: قوله تعالى: (فيه تبيان كل شيء) ينافي ذلك لانا نقول انه لا يحصل منه الا لمن علم يقيناً مجملاته ومجازاته ومضمراته ومشتركاته، ولا يعلم ذلك يقيناً الا الامام المعصوم لا غيره اجماعاًَ، فدل على ما ذكرتموه في كل زمان.(العلامة الحلي، الالفين: 103).
96 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور) وجه الاستدلال به من وجهين:
الاول: ان هذه عامة في كل الاوقات والظلمات، اما الاول فبالاجماع، واما الثاني فلوجوه، احدها: اشتراك كل ظلمة في هذا الوصف المقتضي للاخراج منها والتنزيه عنها، وثانيها: انه ذكرها في معرض الامتنان، وثالثها: انه جمع معرف بالالف واللام وقد بينا في الاصول عمومه، فدل على ثبوت المعصوم في كل عصر، فيستحيل ان يكون الامام غيره.
الثاني: ان كرم الله تعالى ورحمته يقتضي جعل طريق يوصل الى ذلك لمن رامه من المؤمنين وليس الا المعصوم فيجب في كل عصر.(العلامة الحلي، الالفين: 104).
97 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (وقدموا لانفسكم واتقوا الله واعلموا انكم ملاقوه وبشر المؤمنين) كل ذلك تحريض على فعل الطاعات، والامتناع عن القبائح والاحتراز عن الشبهات، ولا يتم الا بقول المعصوم في كل عصر فيجب.(العلامة الحلي، الالفين: 106).
98 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (ان تبروا وتقسطوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم) والبر والتقوى والاصلاح موقوف على معرفة اوامر الله تعالى ونواهيه والمراد بخطابه، ولا يتم ذلك الا بقول المعصوم في كل عصر لما تقدم من التقرير وغير....(العلامة الحلي، الالفين: 106 ـ 107).
99 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (ان الله بالناس لرؤوف رحيم) وجه الاستدلال ان الإمام المعصوم في كل عصر من اعظم النعم واتمها، وبه تحصل النجاة الاخروية والمنافع الدنيوية، وكان من رأفته ورحمته التي حكم بها على نفسه، وايّ نعمة في جنب هذه النعمة التي بها يحصل نعم الدنيا ونعم الاخرة، فكل النعم اقل منها وتستحقر في جنبها.(العلامة الحلي، الالفين: 107).
100 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (ولا تم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون... ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) الاستدلال بها من وجوه:
1 ـ انه قد حكم باتمام النعم علينا، وقد بينا ان الامام المعصوم كل النعم مستحقرة في جنب هذه النعمة، فلو لم يكن قد نصبه الله تعالى لم يكن قد اتم النعم.
2 ـ انه امتن بجعل الرسول وفائدته لا تتم الا بخليفة معصوم يقوم مقامه في كل وقت.
3 ـ ان العلة الداعية الى ارسال الرسل هو اعلام خطاب الله تعالى فيقرب الى الطاعة ويبعد عن المعصية... وهذا الداعي موجود بالنسبة الى الامام والقدرة موجودة، واذا علمنا وجود الداعي والقدرة حكمنا بوقوع الفعل، فدل على وجود الامام المعصوم في كل زمان.(العلامة الحلي، الالفين: 107 ـ 108).
101 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (واشكروا لي ولا تكفرون) امر بالشكر ونهي عن كفران النعم وهو عدم الشكر فيجب، وذلك موقوف على معرفة كيفيته، وهو موقوف على معرفة الخطابات الالهية ولا تحصل الا من قول المعصوم لما تقرر، اذ الكتاب والسنة لا يفيان بكيفية الشكر على كل نعمة، وغير المعصوم لا يوثق بقوله، لجواز أن يكون ما يعمله لنا غير الشكر او من باب الجحود، فيجب المعصوم في كل وقت.(العلامة الحلي، الالفين: 108).
102 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (واما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم اجورهم) والصالحات عام لانه جمع معرف باللام فيكون للعموم، فيجب في الحكمة وضع طريق لمعرفة جميع الصالحات وليس الا المعصوم، فيجب في كل عصر لعمومها كل عصر.(العلامة الحلي، الالفين: 113).
103 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
من الدلائل على امامته هو ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح، من وجود الامام معصوم كامل غني عن رعاياه في الاحكام والعلوم في كل زمان، لاستحالة خلو المكلفين من سلطان يكونون بوجوده اقرب الى الصلاح وابعد من الفساد، وحاجة الكل من ذوي النقصان الى مؤدب للجُناة، مقوم للعصاة، رادع للغواة، معلم للجهال، منبه للغافلين، محذر من الضلال، مقيم للحدود، منفذ للاحكام، فاصل بين أهل الاختلاف، ناصب للامراء، ساد للثغور، حافظ للاموال، حام عن بيضة الاسلام، جامع للناس في الجمعات والاعياد.(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/342).
104 ـ هو القائم المنتظر
نعتقد أن الارض لا تخلو من حجة الله على خلقه، اما ظاهر مشهور أو خائف مغمور، ونعتقد أن حجة الله في ارضه، وخليفته على عباده في زماننا هذا هو القائم المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب.(الشيخ الصدوق، الاعتقادات، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 5/95).
105 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) والاستدلال به من وجهين:
1 ـ الاعتصام بحبل الله فعل اوامر الله تعالى كلها والامتناع عن مناهيه، ولا يعلم ذلك الا من المعصوم.
2 ـ قوله تعالى: (جميعاً ولا تفرقوا) حث على الاجتماع على الحق وعدم الافتراق عنه، وارادة الاجتماع منهم من غير معصوم في كل عصر يناقض الغرض لتجاذب الأهواء وغلبة القوى الشهوية والغضبية، والامتناع عن طاعة من يصدر عنه الذنوب وسقوط محله من القلوب مع انه لابد للاجتماع على الامور من رئيس.(العلامة الحلي، الالفين: 114).
106 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها) وذلك انما هو بخلق اللطف المقرب الى الطاعة والمبعد عن المعصية، وهو الامام المعصوم في كل عصر وهو المطلوب.(العلامة الحلي، الالفين: 115).
107 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم) نهى عن التفرق والاختلاف، وانما يتم ذلك بالمعصوم في كل زمان، إذ عدم الرئيس يوجب التفرق والاختلاف وكذا الرئيس اليهم، فتعين نصب الامام المعصوم، وايضاً فان النهي عن الاختلاف مع عدم وفاء السنة والكتاب بالاحكام وثبوت المجملات والمتشابهات والمجازات مع عدم نصب الامام المعصوم، والتكليف بالاحكام في كل واقعة، وتفويض استخراج ذلك الى الاجتهاد التابع للامارات المختلفة، والافكار والانظار المتباينة تكليف بما لا يطاق وهو محال....(العلامة الحلي، الالفين: 116 ـ 117).
108 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) يقتضي الأمر بكل معروف والنهي عن كل منكر، فاما أن يكون اشارة الى المجموع من حيث هو مجموع، او الى كل واحد او الى بعضهم، والاول محال، فان الامة يتعذر اجتماعها في حال فضلاً عن الامر بكل معروف لكل احد والنهي كذلك، والثاني محال ايضاً، لان الواقع خلافه فتعين الثالث وهو المعصوم، فثبت المعصوم في كل عصر لعمومها لكل عصر.(العلامة الحلي، الالفين: 117).
109 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (امة قائمة يتلون ايات الله اناء الليل... واولئك من الصالحين) يقتضي الامر بكل معروف والنهي عن كل منكر والمسارعة الى كل الخيرات بحيث لا يلزم تكليف ما لا يطاق وذلك هو المعصوم، فثبت وهي عامة في كل زمان اجماعاً اتفاقياً ومركباً.(العلامة الحلي، الالفين: 117 ـ 118).
110 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (قد بينا لكم الايات إن كنتم تعقلون) هذا اشارة الى نصب المعصوم في كل زمان اذ بيان الايات ممن لا يحتمل ان يكون كذلك ليس الا من المعصوم....(العلامة الحلي، الالفين: 118).
111 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم...).
ان هذه المنافع وهذه الشفقة، وهو دعاء الرسول بلين وعفوه واستغفاره امر عظيم ورحمة تامة لا يجوز تخصيص البعض بها دون بعض، فيجب ذلك في كل عصر، ويستحيل من الرسول لانه خاتم الانبياء، فلا يأتي نبي غيره، ولم يحصل البقاء في الدنيا، فلابد من قائم مقامه متيقن متابعته له في افعاله عليه السلام، وليس ذلك الا المعصوم فيجب في كل عصر.(العلامة الحلي، الالفين: 123 ـ 125).
112 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (ان الله يحب المتوكلين) وجه الاستدلال به أن نقول: النفس الناطقة لها قوتان نظرية وعملية، ولها في كل منهما مراتب في الكمال والنقصان، اما النظرية فمراتبها اربع... واما العملية....
التوكل لا يحصل الا بثلاثة اشياء...
فقد ثبت الاحتياج الى المعصوم في هذه المراتب كلّها اذا تقرر ذلك فنقول: قد وجد من الله تعالى القادر على جميع المقدورات العالم بجميع المعلومات ارادة التوكل فيريد ما يتوقف عليه، لان ارادة المشروط تستلزم ارادة الشرط مع العلم بالتوقف واستحالة المناقضة، فيجب نصب المعصوم في كل زمان لوجود القدرة والداعي وانتفاء الصارف فيجب وجود الفعل.(العلامة الحلي، الالفين: 126 ـ 128).
113 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
اللذات منها حيوانية ومنها عقلية... ان النفوس البشرية اكثرها مصروفة الى تحصيل اللذات الحسية الحيوانية اكثرها بل بعضها مستغرقة أوقاتها، ثم بعضها محرم، وبعضها مباح، والمباح منها انما ابيح على جهة العدل بحيث لا يقع نزاع ويخرب النظام، ولا يكفي الوعد باللذات والالام الاجلة، فان كثيراً من الجهال يستسهل ذلك في تحصيل مرامه، فلابد من رئيس في كل عصر يلزم النفوس البشرية عدم تعدي العدل والوسط في هذه اللذات ويقرب من اللذات العقلية....(العلامة الحلي، الالفين: 131).
114 ـ عدم خلو الزمان من المعصوم
قال تعالى: (ويحذركم الله نفسه) وانما يحسن بعد اعلام الاحكام في كل واقعة، وانما يتم بالمعصوم في كل عصر.(العلامة الحلي، الالفين: 142).
اسمه (عليه السلام)
قالوا: في الحديث: (يواطىء اسمه اسمي واسم ابيه اسم ابي) ومحمد بن الحسن ليس كذلك.
قلنا: هذه الزيادة من طريقكم فليس حجة علينا وقد طعن الاصوليون في ناقل الزيادة، قال الكنجي، وقد ذكر الترمذي الحديث في جامعه وليس فيه (إسم ابيه اسم ابي)، وذكره ابو داود وليس في ذلك، ولو سلمت الزيادة فقد قال خطيب دمشق: المراد بالاب الحسين الذي هو الجد الاعلى وقد شاع في لسان العرب اطلاق الاب عليه وفي الكتاب (ملّة ابيكم ابراهيم) الحج: 78، و (واتبعت ملّة ابائي ابراهيم) يوسف 37، والمراد باسم الاب الذي هو الحسين كنيته وهو ابو عبد الله، وقد استعمل الفصحاء الاسم في الكناية، وقد أسند البخاري ومسلم الى سهل بن سعد الساعدي ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمى علياً ابا تراب، ولم يكن له اسم احب اليه منه فأطلق النبي على الجد اسم الاب وعلى الكنية لفظة الاسم لتكون الالفاظ مختصرة جامعة، لتعريف صفات الامام وأنه من ولد الحسين عليه السلام، وهذا بيان شاف كاف في ازالة ذلك الشك. انتهى كلام الخطيب الشافعي.(البياضي، الصراط المستقيم 2: 222 ـ 223).
1 ـ التسمية بصاحب الزمان
قالوا: ما كفاكم ما تدعون من الهذيان حتى سميتموه صاحب الزمان، ولا صاحب الزمان الا خالق الاكوان؟
قلنا: بل البهتان منسوب الى من انكر القرآن في قوله: (تؤتي الملك من تشاء) ال عمران: 26، وقد ملّك الامر لغيره في قوله: (واولوا الامر منكم) النساء: 59، ولم ينف ذلك قوله: (الا له الخلق والامر) الاعراف53، لانه المالك لما ملكهم، والمالك لما عليه أقدرهم.(البياضي، الصراط المستقيم 2: 224 ـ 225).
2 ـ صفاته
فروي عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي قال: سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول: (سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أخبرني عن المهدي ما اسمه؟ فقال: أما اسمه فإن حبيبي عليه السلام عهد اليّ ألا أحدث به حتى يبعثه الله، قال: فأخبرني عن صفته، قال: هو شاب مربوع، حسن الوجه، حسن الشعر يسيل شعره على منكبيه، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الاماء).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 382. الغيبة للطوسي: 487/ 470، اعلام الورى: 434، وذكر صدره باختلاف يسير الصدوق في اكمال الدين: 648/3).
3 ـ سبب تسميته بالقائم
جاء في الرواية بأن القائم سمى بذلك لانه يقوم بدين قد اندرس، ويظهر بحق كان مخفيا، ويقوم بالحق من غير تقيه تعتريه في شي منه.(السيد المرتضى، الفصول المختارة من العيون والمحاسن، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 2/ 322).
الامام المهدي (عليه السلام) من أولاد فاطمة (عليها السلام)
قالت ام سلمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: نحن ولد عبد المطلب، سادة أهل الجنة انا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي.(قادپانى مسئله، سيد ابو الاعلى مودودي ص 315، ابن ماجه، كتاب الفتن، باب خروج المهدي).
1 ـ الامام المهدي من اولاد فاطمة عليها السلام
عن ام سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة.(قادپانى مسئله، سيد ابو الاعلى مودودي ص 315، ابو داود، كتاب الفتن والملاحم ذكر المهدي).
2 ـ المهدي من وُلد الصادق عليه السلام
قال ابن طاووس: ولقد رويت بعدة اسانيد في كتاب اصل ابي الفرج أبان بن محمد، ان عبد الله بن الحسن، والحسن بن الحسن، وجعفر بن الحسن، شهدوا جميعاً ان مولانا المهدي عليه السلام من ذرية الصادق، وسأذكر ايضاً الحديث بأسانيده في الكتاب الذي اشرت اليه. (لعله كتاب الاقبال).(ابن طاووس، كشف المحجة: 216).
3 ـ هل المهدي من ولد الحسن
ما ورد عند اهل السنة من أن المهدي من ولد الحسن عليه السلام باطل، وقد صح عندنا بل تواتر انه من ولد الحسين عليه السلام، ولا أثر للخبر الواحد في امثال المقامات، وهناك روايتين تدل على مدعى الشيعة رواهما الكنجي الشافعي في كتابه البيان: 1 ـ ما رواه باسناده عن ابي هارون العبدي، عن ابي سعيد الخدري في حديث طويل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثم ضرب على منكب الحسين فقال: من هذا مهدي الامة. ثم قال الكنجي: قلت هكذا اخرجه الدارقطني صاحب الجرح والتعديل 20 ـ ما رواه باسناده عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لبعث الله رجلاً اسمه اسمي وخلقي... فقال سلمان يا رسول الله من أي ولدك هو؟ قال: من ولد ابني هذا وضرب بيده على الحسين عليه السلام، ثم قال الكنجي: قلت هذا حديث حسن رزقناه عالياً بحمد الله.(المحسني، صراط الحق 3: 455 ـ 456).
التصديق به (عليه السلام) من اجزاء الايمان
وهذا الاصل (أي التصديق بالائمة) اعتبره في تحقق الايمان الطائفة المحقة الامامية حتى انه من ضروريات مذهبهم... ثم أنه لا ريب انه يشترط التصديق بكونهم ائمة يهدون بالحق وبوجوب الانقياد اليهم في اوامرهم ونواهيهم... اما التصديق بكونهم معصومين... والتصديق بكونهم منصوصاً عليهم من الله تعالى ورسوله... وانه لا يصح خلو العصر عن امام منهم والا لساخت الارض بأهلها... وإن خاتمهم المهدي صاحب الزمان عليه السلام، وانه حيّ الى ان يأذن الله تعالى له ولغيره... فهل يعتبر في تحقيق الايمان ام يكفي اعتقاد امامتهم ووجوب طاعتهم في الجملة؟ فيه وجهان، ويمكن ترجيح الاول بان الذي دلّ على ثبوت امامتهم دل على جميع ما ذكرناه خصوصاً العصمة لثبوتها بالعقل والنقل، وليس بعيداً الاكتفاء بالأخير (أي العلم الاجمالي) على ما يظهر من حال رواتهم ومعاصريهم من شيعتهم في احاديثهم عليهم السلام، فان كثيراً منهم ما كانوا يعتقدون عصمتهم لخفائها عليهم، بل كانوا يعتقدون انهم علماء ابرار... مع ان المعلوم من سيرتهم عليهم السلام مع هؤلاء انهم كانوا حاكمين بايمانهم بل عدالتهم....(الشهيد الثاني، حقائق الايمان: 149 ـ 151).
1 ـ المهدي (التصديق به من أجزاء الايمان)
الذي ظهر مما حررناه ان الايمان هو التصديق بالله وحده وصفاته وعدله وحكمته وبالنبوة، وبكل ما علم بالضرورة مجيء النبي صلى الله عليه وآله وسلم به مع الاقرار بذلك... والتصديق بامامة الائمة الاثنا عشر وبامام الزمان عليهم السلام وهذا عند الامامية.(الشهيد الثاني، حقائق الايمان: 95).
وقد عرفت مما تقدم ان التصديق بامامة الائمة عليهم السلام من اصول الايمان عند الطائفة الامامية كما هو معلوم من مذهبهم ضرورة، وصرح بنقله المحقق الطوسي، ولا ريب ان الشيء يعدم بعدم اصله الذي هو جزؤه كما نحن فيه، فيلزم الحكم بكفر من لم يتحقق له التصديق المذكور وإن اقر بالشهادتين، وانه مناف ايضاً للحكم باسلام من لم يصدق بامامة الائمة الاثنا عشر، وهذا الأخير لا خصوصية له لوروده على القول بعموم الاسلام، بل هو وارد على القائلين باسلام من لم يتحقق له التصديق المذكور مع قطع النظر عن كونهم قائلين بعموم الاسلام أو مساواته للايمان، واما الجواب فبالمنع من المنافاة بين الحكمين، وذلك لانا نحكم بان من لم يتحقق له التصديق المذكور كافر في نفس الامر، والحكم باسلامه انما هو في الظاهر فموضوع الحكمين مختلف فلا منافاة.
ان قلت: ما ذكرت لا يدفع المنافاة، لان الحكم بكفر احد في نفس الامر ينافيه الحكم باسلامه في نفس الامر وفي الظاهر ايضاً... قلت: المراد بالحكم باسلامه ظاهراً صحة ترتب كثير من الاحكام الشرعية على ذلك، والحاصل أن الشارع جعل الإقرار بالشهادتين علامة على صحة اجراء اكثر الاحكام الشرعية المقر كحل مناكحته والحكم بطهارته وحقن دمه وماله... وكان الحكمة في ذلك هو التخفيف عن المؤمنين لمسيس الحاجة الى مخالطتهم في اكثر الازمنة والامكنة... وانت خبير بان هذا الجواب انما يستقيم على مذهب القائلين بعمومه صدقاً، وهذا وجه آخر لترجيح القول بالعموم في الحكم.
... واعلم ان جمعاً من العلماء الامامية حكموا بكفر أهل الخلاف، والاكثر على الحكم باسلامهم، فان ارادوا بذلك كونهم كافرين في نفس الامر لا في الظاهر، فالظاهر ان النزاع لفظي، إذ القائلون باسلامهم يريدون ما ذكرناه من الحكم بصحة جريان اكثر احكام المسلمين عليهم في الظاهر لا انهم مسلمون في نفس الامر، ولذا نقلوا الاجماع على دخولهم النار، وان ارادوا بذلك كونهم كافرين باطناً وظاهراً فهو ممنوع ولا دليل عليه، بل الدليل قائم على اسلامهم ظاهراً كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله).(عوالي اللئالي 1: 153 و 238، 2: 235) و (الشهيد الثاني ـ حقائق الايمان: 131 ـ 133).
دليل اللطف
وجود الامام لطف من الله تعالى بعبيده، لانه بوجوده فيهم يجمع شملهم، ويتصل حبلهم، وينتصف الضعيف من القوي، فاذا عدم بطل الشرع، واكثر احكام الدين واركان الاسلام كالجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والقضايا ونحو ذلك فينتفي الفائدة المقصودة منها، واما غيبة بعض الائمة في بعض الاحيان وتعطل الاحكام في المدد المتطاولة فانما ذلك من جهة الرعية دون الامام فليس ذلك نقصاً على لطف الله تعالى....(الفيض، علم اليقين 1: 376، شبر، حق اليقين 1: 184).
1 ـ دليل اللطف
قالوا: الامام انما يكون لطفاً اذا كان متصرفاً بالامر والنهي وانتم لا تقولون به، فما تعتقدونه لطفاً لا تقولون بوجوبه وما تقولون بوجوبه ليس بلطف.
الجواب: ان وجود الامام بنفسه لطف لوجوده: احدها انه يحفظ الشرائع ويحرسها عن الزيادة والنقصان، وثانيها ان اعتقاد المكلفين بوجود الامام وتجويز انفاذ حكمه عليهم في كل وقت سبب لردعهم عن الفساد، ولقربهم الى الصلاح، وهذا معلوم بالضرورة، وثالثها: ان تصرفه لا شك انه لطف وذلك لا يتم الا بوجوده فيكون وجوده بنفسه لطفاً آخر، والتحقيق أن نقول لطف الامامة يتم بامور: منها ما يجب على الله تعالى، وهو خلق الامام وتمكينه بالتصرف والعلم والنص عليه باسمه ونسبه وهذا قد فعله الله تعالى، ومنها ما يجب على الامام وهو تحمله للامامة وقبوله لها وهذا قد فعله الامام، ومنها ما يجب على الرعية وهو مساعدته والنصرة له وقبول اوامره وامتثال قوله وهذا لم يفعله الرعية، فكان منع اللطف الكامل منهم لا من الله تعالى ولا من الامام.(العلامة الحلي، كشف المراد: 389 ـ 390، المقداد ـ ارشاد الطالبين: 331).
... ان وجود الامام مطلقاً لطف وتصرفه لطف آخر ضرورة ان لكل منهما مدخلاً في القرب الى الطاعة والبعد عن المعصية، الا ان الثاني اقوى من الاول بناء على تفاوت مراتب القرب والبعد، لكن الاول لطف لا مانع عنه فكان واجباً قطعاً، واما الثاني فهو لطف له موانع من جهة العباد لشدّة عنادهم وغلبة مخالفتهم للحق ومتابعتهم للأهواء حتى كادوا ان يقعوا في الفساد، وتكثير الفتن في البلاد، ويؤيده ما روي عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال (لا يخلو الارض من قائم لله بحجة اما ظاهراً مشهوراً او خائفاً مغموراً...).
بهذا التقرير ظهر فساد ما قال بعض المحققين انه لو كفى في كون الامام لطفاً وجوده مطلقاً من غير ظهوره وتصرفه لكان العلم بكونه مخلوق في وقت ما مع عدم وجوده بالفعل كافياً ايضاً، فلا يكون وجوده بالفعل واجباً، وذلك للقطع بان وجود الامام بالفعل لطف لا مانع عنه، وان كان مجرد كونه مخلوقاً في وقت ما لطف ايضاً، وقد تقرر ان كل لطف لا مانع عنه واجب على الله تعالى فوجوده بالفعل واجب عليه تعالى قطعاً.(ابن مخدوم، مفتاح الباب (شرح الباب الحادي عشر): 181 ـ 182).
حكم الامامية بان تعيين الامام واجب على الله تعالى لانها لطف، واللطف واجب على الله تعالى، اما انها لطف فلان الناس إن كان لهم رئيس عام يمنعهم عن المعاصي ويحثهم على الطاعات كانوا معه الى الصلاح اقرب ومن الفساد أبعد، ولا نعني باللطف سوى ذلك، واما ان اللطف واجب على الله تعالى، فلان غرضه الذي هو اطاعة العباد لا يحصل الا به، فلو لم يخلق اللطف فيهم ولهم لكان ناقضاً لغرضه ونقض الغرض عبث تعالى الله عن ذلك، وانحصار هذا اللطف في الرئيس العام معلوم للعقلاء وينبه عليه الوقوع، فانا نجد انه متى تكثرت الرؤساء في عصر كثر الفساد، واذا خلا الناس في قطر من الاقطار عن رئيس ظلم بعضهم بعضاً وانتشر الفساد والفتن بينهم، ويؤيد ذلك ايضاً ما روي عن علي عليه السلام: (لا تخلو الارض من قائم بحجة اما ظاهراً مشهوراً او خائفاً مغموراً لئلاً تبطل حجج الله وبيناته).
فوجود الامام لطف من الله تعالى وقد فعله، وانما كان هذا اللطف واجباً على الله تعالى، لان ايجاد امام يكون عام الرئاسة والشريعة اقرب الى الصلاح في امور معاشهم ومعادهم وابعد عن الفساد فيهما بسبب وجوده وعصمته، وليس مقدوراً للعباد لخفائها عنهم وخصوصاً العصمة، فلابد أن يكون المعين له هو الله سبحانه، وظهوره وتصرفه لطف آخر وهو واجب على العباد، لانه موقوف على تمكينهم له، وقد أخلّوا به حيث أخافوه بسوء اختيارهم لغيره، ورفع يده عن التصرف الذي كان ينبغي له.(الشهيد الثاني، حقائق الايمان: 153 ـ 154).
2 ـ قاعدة اللطف
1 ـ ان الامام لطف في حال غيبته وظهوره اما مع ظهوره فلما مرّ، واما عند غيبته فلانه يجوز المكلف ظهوره كل لحظة فيمتنع من الاقدام على المعاصي وبذلك يكون لطفاً، لا يقال: تصرف الامام إن كان شرطاً في كونه لطفاً وجب على الله تعالى فعله وتمكينه والا فلا لطف، لانا نقول: ان تصرفه لابد منه في كونه لطفاً ولا نسلم انه يجب عليه تعالى تمكينه، لان اللطف انما يجب اذا لم يناف التكليف فخلق الله تعالى الاعوان للامام ينافي التكليف، وانما لطف الامام يحصل ويتم بامور: منها خلق الامام وتمكينه بالقدرة والعلوم والنص عليه باسمه ونسبه وهذا يجب عليه تعالى وقد فعله، ومنها تحمل الامامة وقبولها وهذا يجب على الامام وقد فعله، ومنها: النصرة والذب عنه وامتثال أوامره وقبول قوله وهذا يجب على الرعية.
2 ـ المقرب الى الطاعة والمبعد عن المعصية والقهر والاجبار عليها ليس بلطف لانه مناف للتكليف، ونصب الامام والنص عليه وامرهم بطاعته من الاول وقهرهم على طاعته من قبيل الثاني لانه من الواجبات، فلو جاز القهر عليها لجاز على باقي الواجبات، ولان طاعة الامام هي عبارة عن امتثال اوامر الله تعالى ونواهيه فالقهر على الطاعة قهر على الامتثال.
3 ـ الامام هو الآمر بأوامر الله تعالى والناهي بنواهيه، فلو جاز قهر الناس على طاعته لجاز القهر على الاتيان بما أمر الله تعالى به، والامتناع عما نهى عنه من غير وساطة الامام....(العلامة الحلي ـ الالفين: 64 ـ 66).
قالوا: شرطتم لطفيته بتمكينه فمع عدم تمكينه يسارع المكلف الى معصية ربه، قلنا: لم نشرط ذلك بل نصبه لطف وتمكينه آخر، على انّ المكلف يكون خائفاً مترقباً ظهوره دائماً، قالوا: يكفي ترقب وجوده بعد عدمه كما يكفي ترقب ظهوره بعد غيبته فلا قاطع الان بوجوده، قلنا: قضت الضرورة بعدم استواء الخوف مع غيبته بالخوف مع عدمه وإن جزم بوجوده عند مصلحته.(البياضي ـ الصراط المستقيم 1: 64 ـ 65).
ان قيل: تصرفه ان كان شرطاً في لطفيته وجب على الله تمكينه وان لم يكن شرطاً سقطت لطفيته، قلنا: تمكينه انما هو بخلقه وقبوله وقد فعلاه ونصرة الرعية له ولم تفعله وليس تمكينه بخلق الانصار له ليقهر الرعية على اتباعه لمنافاة الالجاء التكليف، ولو جاز أن يقهر الامام الرعية على طاعته جاز الالجاء والقهر في جميع التكاليف وهو محال.(اليباضي ـ الصراط المستقيم 1: 70).
فوجوده لطف وتصرفه لطف آخر....(السيد شبر ـ حق اليقين 1: 270).
واما قولهم لا نسلم ان وجوده بدون التصرف لطف، وما يقال من أن المكلف اذا اعتقد وجوده كان دائماً يخاف ظهوره وتصرفه فيمتنع عن القبائح، ففيه: ان مجرد الحكم بخلقه في وقت ما كاف في هذا، فان ساكن القرية اذا انزجر عن القبائح خوفاً من حاكم من قبل السلطان مختف في القرية بحيث لا أثر له كذلك ينزجر خوفاً من حاكم علم أن السلطان يرسله اليها متى شاء، وليس هذا خوفاً من المعدوم بل من موجود مترقب، كما أن خوف الاول من ظهور مترقب فليس بشيء اذ ذلك الموجود اما معصوم أو لا، والثاني باطل فيكون معصوماً، فاما أن يخبر عن الله من غير امره به أمر بأمره به والاول باطل لانه كذب فهو انما يأمر بأمره فاما بلا واسطة بشر فيكون نبياً، او بواسطته، فظهر ان الامام يجب ان يكون موجوداً معصوماً منصوصاً عليه من قبل بشر معصوم الى ان ينتهي الى صاحب الوحي.(الخاجوئي، الرسائل الاعتقادية 1: 386).
3 ـ قاعدة اللطف
اعترض صاحب فضائح الروافض على قاعدة اللطف، وان نصب الامام في كل زمان واجب على الله تعالى فقال: لا واجب على الله، ولو سلمنا لزم اخلال الله بالواجب حيث لم يكن اماماً مع حاجة الناس اليه ولم ينصره الله ليظهره، اما ان ننسب العجز الى الله واما الى الامام.
اجاب القزويني: ليس هذا الوجوب كالوجوب المستعمل في المكلفين، وليس لاحد ايجاب شيء على الله تعالى، والقول بان الخلق يوجبون شيئاً على الله كفر محض، وليس من مذهب ايّ مسلم، لكن معناه ان الله الحكيم لما كلّف عباده ولم يتم هذا التكليف الا بلطف من قبل الله ومن فعل الله، كان على القديم تعالى فعل هذا اللطف لئلاّ يكون التكليف عبثاً ولا يحصل الخلل في حكمته تعالى... فلما كان المكلف مع وجود المعصوم اقرب الى الطاعة وابعد من المعصية، فلابد من نصب الامام لئلاّ يخلّ بالواجب فانه قبيح، لانه تكليف بما لا يطاق فهذا هو معنى الوجوب عليه تعالى لا ان شخصاً يوجب شيئاً على الله.
والله تعالى نصب الامام وعرّفه للناس، ولما كان غائباً فالعيب على المكلفين المنكرين له... وعدم تصرفه لكثرة اعدائه وتقصير المكلفين... وهذا المنع من التصرف كثيراً ما حصل للانبياء، فلما لم يكن المنع نقصاً في النبوة التي هي اعلى من الامامة فلا يكون نقصاً في الامامة.(القزويني ـ النقض: 565 ـ 567).
... ولا يلزم على ما ذكرناه ان يكون المكلفون في حال الغيبة غير مزاحي العلة في التكليف وأن يسقط عنهم تكليف ما الامامة لطف فيه، لان من اخاف الامام من اعدائه ومنكري امامته فأحوجه الى الاستتار تحرزاً من المضرة لم يحصل لطفه بتصرف الامام لأمر يرجع اليه لا الى مكلفه سبحانه، فلا يجب والحال هذه أن يسقط عنه تكليف ما الامامة لطف فيه، كما لا يجب سقوط تكليف ما العلم باستحقاق الثواب والعقاب لطف فيه عمن جهل ذلك من حيث أتى في فقد المعرفة بهما من قبل نفسه، وكذلك سائر العبادات الشرعية كالصلاة وغيرها فان عصيان المكلف بتركها لا يسقط عنه تكليف ما فعلها لطف فيه من حيث كان فوت انتفاعه بهذا اللطف عائداً اليه كذلك في مسألتنا، واما اولياء الامام العالمون بوجوده القاطعون على امامته وفرض طاعته فلطفهم به حاصل في حال غيبته.(ابن زهرة، غنية النزوع 2: 149 ـ 150).
4 ـ عدم اللطف في الغيبة
قالوا: في حال ظهوره زوال الشبهات عن رعيته فاللطف معدوم او ناقص حال غيبته.
قلنا: هو معارض بالنبي واستتاره على ان حال ظهوره انما الطريق هو الاستدلال على امامته، فكان حال ظهوره مساوياً لحال غيبته في لطفيته.(البياضي، الصراط المستقيم 2: 224).
واما اولياء الامام العالمون بوجوده القاطعون على امامته وفرض طاعته فلطفهم به حاصل في حال غيبته، لان معنى قولهم انه غائب عنهم لا يعرفون شخصه بعينه ولا يميزونه من غيره ولا يعنون بذلك انهم في جهة وهو في غيرها بحيث لا يشاهدهم ولا يعرف اخبارهم، فهم والحال هذه مردودون عن القبائح به كما لو كان ظاهراً لتجويزهم في كل حال ان يظهر لهم بل حال الغيبة أزجر، لانه اذا ظهر تميز شخصه وتعيّن مكانه فأمكن الاحتراز منه وليس كذلك اذا كان غائباً، ولا يلزمنا اذا سوينا بين الغيبة والظهور في ازاحة العلة في تكليف اوليائه ان يكونوا أغنياء عن ظهوره، لان لهم في ظهوره عليه السلام فوائد كثيرة سوى ما ذكرناه، منها: ازالة دول الظالمين المخيفين لهم ورفع جورهم بعدله، ومنها: التمكن من الأمر بكل معروف والنهي عن كل منكر وجهاد الكفار، ومنها: سهولة التكليف الشرعي ببيانه وسقوط كلفة النظر الشاق في الطرق الموصلة اليه في حال غيبته، ومنها: براءة الذمم من الحقوق الواجبة له في الاموال المتعذر ايصالها اليه مع الغيبة، وهذه قبائح ترتفع وتكاليف تتغير واخر تسهل فكيف يكونون والحال هذه أغنياء عن ظهوره؟!(ابن زهرة ـ غنية النزوع 2: 150).
5 ـ امامة سائر الائمة
الدليل على خلافه الائمة عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجوه:
1 ـ ما تقدم من الروايات الكثيرة الواردة عنه من ان الخلفاء بعدي اثنا عشر، فان هذا المضمون لا ينطبق الا على مذهب الامامية.
2 ـ النقل المتواتر من الامامية خلفاً عن سلف على امامة كل واحد من هؤلاء بالتنصيص، فقد نص كل امام سابق على امام لاحق نصاً متواتراً.
3 ـ يشترط العصمة في الامامة وغير هؤلاء ليسو بمعصومين اجماعاً فتعينت العصمة لهم، والا لزم خلو الزمان عن المعصوم وهو محال.
4 ـ ان الكمالات النفسانية والبدنية بأجمعها موجودة في كل واحد منهم وكل واحد منهم، كما هو كامل في نفسه مكمل لغيره، وذلك يدل على استحقاقهم الرئاسة العامة، لانهم افضل من كل احد في زمانهم ويقبح عقلاً تقديم المفضول على الفاضل.
5 ـ ان كل واحد منهم ادعى الامامة وظهر المعجزة على يده فيكونون هم الائمة.
6 ـ الامام يجب ان يكون منصوصاً عليه، وليس احد غير من ذكرناهم بمنصوص عليهم اتفاقاً.
7 ـ بطلان سائر المذاهب وعدم صحتها فلولا صحة مذهب الامامية لبطل الشريعة الاسلامية، اذ لا وجود لها خارج ذلكم المذاهب لكن الشريعة الاسلامية حقة باتفاق الخصوم فيكون مذهبنا حقاً لا محالة.(المحسني، صراط الحق3: 313 ـ 314).
6 ـ وجود الامام لطف وتصرفه لطف
ان جميع ابعاد وجود الامام لطف، فوجوده في نفسه مع قطع النظر عن سائر ابعاده لطف، لانه وجود انسان كامل في النظام الاحسن، وهو مما يقتضيه علمه تعالى به ورحمته... هذا مضافاً إلى ان مقتضى تمامية الفاعل وقابلية القابل كما هو المفروض في وجود أئمتنا عليهم السلام هو لزوم وجودهم والا لزم الخلف إمّا في تمامية الفاعل او قابلية القابل، والاول محال لعدم العجز والنقصان والبخل فيه تعالى، والثاني خلاف المفروض، فان قابلية الائمة لكمال الانسانية واضحة وبديهية عند الشيعة الامامية، وفي لسان الاخبار فتدوم الخلافة الالهية بوجودهم كما دل في قوله تعالى: (انّي جاعل في الارض خليفة) على استمرار هذه الخلافة الالهية، ولذا استدل الامام الصادق والكاظم عليهما السلام في موثقة اسحاق بن عمار على استمرار الخلافة وعدم انقطاعها بقوله تعالى: (اني جاعل في الارض خليفة) وقالا: ان الله عزّ وجلّ اذا قال قولاً وفى به.(تفسير نور الثقلين 1: 42).
ويؤيده ما ورد في الحديث القدسي عنه تعالى: (كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن اُعرف فخلقت الخلق لكي اُعرف)(مصابيح الانوار 2: 405). اذ يعلم منه ان الباعث على ايجاد الانسان هو المعرفة الكاملة به تعالى، فليكن في كل وقت فرد بين آحاد الانسان يعرفه كما هو حقه، ولا يحصل ذلك في غير النبي والامام....
ثم ان تصرفه ايضاً لطف سواء كان ظاهرياً او باطنياً، وسواء كان في الانس او الجن او غيرهما، فاذا منع مانع عن ظهوره للناس بحيث يستر ويغيب فلا يضرّ بكونه لطفاً من جهة او جهات اُخر، فانّ المانع يمنعه عن نوع من انواع لطف أبعاد وجوده، هذا مضافاً إلى ان تصرفه في الناس لا يتوقف جميع انواعه على الظهور، بل له ان يتصرف في بعض الامور مع غيبته عن الناس....
على ان غيبته عن الناس لا يستلزم غيبته عن جميع آحادهم، بل له أن يظهر لبعضهم وإرشاده لهم كما ثبت ذلك بالتواتر من الحكايات الواردة في تشرفهم بخدمته وحل مشاكلهم واهتدائهم بهدايته، كما لا يستلزم غيبته عن الجن من الخلق مع انه امام لهم فانهم ايضاً محجوجون بوجوده، فبمثل ما ذكر ظهر ان لطف وجود الامام لطف مضاعف ولطف على لطف... روى الاعمش عن الصادق عليه السلام قال: لم تخل الارض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها ظاهر مشهور او غائب مستور ولا تخلو إلى ان تقوم الساعة من حجة لله فيها لولا ذلك لم يعبد الله، قال سليمان فقلت للصادق عليه السلام: فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ فقال: كما ينتفعون بالشمس اذا سترها السحاب.(البحار 52: 92) و (الخرازي ـ بداية المعارف 2: 152 ـ 155).
7 ـ نقد قاعدة اللطف
اشكل المحسني على وجوب اللطف على الله تعالى راجع الصراط الحق 2: 329 ـ 335 وذهب إلى قاعدة اخرى في وجوب نصب الامام راجع الصراط الحق 3: 191 ـ 193.
8 ـ نقد قاعدة اللطف
ان الذين يقولون بوجوب اللطف على الله تعالى ويوجبون نصب الامام عليه عزّ وجلّ يشكل عليهم الامر في المقام، إذ غيبة المهدي عليه السلام تستلزم ان الله لم يفعل ما هو الواجب عليه. قال المحقق الطوسي في التجريد: ووجوده لطف وتصرفه لطف آخر وعدمه منّا، واوضحه العلامة الحلي في الشرح بقوله: ان وجود الامام بنفسه لطف لوجوه: 1 ـ انه يحفظ الشرائع ويحرسها عن الزيادة والنقصان 2 ـ ان اعتقاد المكلفين بوجود الامام وتجويز انقياد حكمه عليهم في كل وقت سبب لردعهم عن الفساد ولقربهم إلى الصلاح وهذا معلوم بالضرورة. 3 ـ ان تصرفه لا شك انه لطف وذلك لا يتم الا بوجوده فيكون وجوده بنفسه لطفاً وتصرفه لطفاً آخر.
اقول: هذه الوجوه ضعيفة فان حفظ الشرع يحصل بتصرفه وارشاده لا بمجرد وجوده قطعاً والزيادة والنقيصة قد وقعتا في الشرع يقيناً سهواً من صلحاء الرواة والمجتهدين وعدولهم وعمداً من اشرارهم، فأين الحراسة؟ فمعنى الحفظ والحراسة ظاهراً انه لو سأله المكلفون يبين الحق بلا زيادة ونقيصة وهذا غير ميسور في غيبته بالضرورة، والاعتقاد بوجوده عليه السلام ولزوم انقياده لا يزيد على الاعتقاد بوجود الله العليم المحيط بكل شيء الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور... فلا أثر له زائداً على ما يترتب على هذا الاعتقاد، ودعوى الضرورة غير مسموعة نعم حضور الامام ورؤيته يوجب ردع اكثر الناس عن المعاصي ويقربهم إلى الصلاح فان الناس ـ الا الأوحدي منهم ـ يتأثرون من المحسوس اكثر من تأثرهم من المعقول كما يشاهد ذلك من تأثرهم من ملاقاة علمائهم. واما ان وجوده مقدمة لتصرفه الذي هو لطف فلا شك فيه غير انه لا يستلزم ان يكون وجوده ايضاً لطفاً ضرورة تباين المقدمة وذيلها، فالوضوء مقدمة للصلاة وليس بصلاة على ان مفاد هذا التلفيق ان وجوده عليه السلام لطف اذا كان له تصرف والا فلا، والمفروض انتفائه في زمن الغيبة فكيف يفرض وجوده لطفاً؟.
(كلام العلامة) ثم قال العلامة: والتحقيق ان نقول لطف الامامة يتم بامور: منها ما يجب على الله تعالى وهو خلق الامام وتمكينه بالقدرة والعلم والنص عليه باسمه ونصبه وهذا قد فعله الله تعالى. ومنها ما يجب على الامام وهو تحمله للامامة وقبوله لها وهذا قد فعله الامام. ومنها ما يجب على الرعية وهو مساعدته والنصرة له وقبول اوامره وامتثال قوله، وهذا لم يفعله الرعية فكان منع اللطف الكامل منهم لا من الله تعالى ولا من الامام.
أقول: العمدة قوله لمن تقدمه: (وهذا لم يفعله الرعية) نقول لهم: ان أردتم جميع الرعية فهو ممنوع قطعاً بل حساً وإن أردتم البعض فما هو ذنب البعض الاخر على انّ لازمه عدم وجوب نصب الانبياء والائمة رأساً لعدم اتفاق الناس بأجمعهم على مساعدة أحد من الانبياء والائمة وهو كما ترى، وعلى الجملة: لا شك انه انما استتر مخافة قتله من الظالمين والملحدين لكن هذا لا يوجب اغتيابه عن مواليه المخلصين بين حين وآخر يرشدهم إلى ما فيه صلاحهم وهداهم.
والتحقيق ان اللطف غير واجب على الله تعالى... ونصب الامام واجب على الله تعالى عقلاً بمناط آخر حررناه في أوائل هذا المقصد وهو لا يجري في المقام، فان الاحكام الشرعية ـ الاّ ما قلّ ـ قد وصلت إلى المكلفين في زمان الصادقين والرضا عليهم السلام، فلا حكم للعقل بعد ذلك في نصب الامام والمتبع بعده النقل، ووجوده عليه السلام، وان كان لطفاً للناس بمعنى ان سبب لانفتاح البركات بل لاستمرار فيض الوجود، فان النبي والائمة عليهم السلام علل غائية لايجاد الخلق كما دلت عليه الروايات لكنه ليس لطفاً بالمعنى المصطلح عند المتكلمين، واما سرّ غيبته عن اوليائه فهو غير معلوم لنا، ولله في افعاله اسرار خفية لا يعلمها الا هو او من أطلعه الله عليها من المعصومين....(المحسني، صراط الحق 3: 459 ـ 461).
النص على امامته (عليه السلام)
انه قد سبق النص عليه في ملة الاسلام من نبي الهدى عليه السلام، ثم من امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، ونص عليه الائمة عليهم السلام واحداًَ بعد واحد إلى ابيه الحسن عليه السلام، ونص ابوه عليه عند ثقاته وخاصة شيعته.(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 8/ 339).
1 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
يحقق الله سبحانه بظهور المهدي وعده الذي وعد به المؤمنين بقوله: (جعفر سبحاني، الالهيات: 4/132).
(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون) الانبياء: 105.
2 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
يحقق الله سبحانه بظهور المهدي وعده الذي وعد به المؤمنين بقوله:
(ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين). القصص:5. (جعفر سبحاني، الالهيات: 4/132).
3 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
يحقق الله سبحانه بظهور المهدي وعده الذي وعد به المؤمنين بقوله:
(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون).(النور: 55). (جعفر سبحاني، الالهيات: 4/ 132).
4 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
من ادلة حقيقة وجود المهدي استغلال بعض المتهوسين قضية الامام المهدي، فادعوا المهدوية ولم نعهد احداً ردّه بانكار اصل هذه البشائر، وانما ناقشوه في الخصوصيات وعدم انطباق البشائر عليه.(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/ 132).
5 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
كل من له إلمام بالحديث يقف على تواتر البشارة عن النبي وآله وأصحابه بظهور المهدي في آخر الزمان لازالة الجهل والظلم والجور، ونشر اعلام العلم، والعَدْل واعلاء كلمة الحق وإظهار الدين كله ولو كره المشركون.(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/ 131).
6 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
اخرج ابو داود، عن عبد الله بن مسعود قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تذهب ـ او لا تنقضي ـ الدنيا حتى يملك العرب رجل من اهل بيتي بواطيء اسمه اسمي).(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/ 134، جامع الاصول 11/ 48 رقم 7810).
7 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
اخرج ابو داود عن ام سلمة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة.(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/ 135. جامع الاصول 11/ 49 الرقم 7812).
8 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
اخرج الترمذي عن ابن مسعود ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: يلى رجل من اهل بيتي يواطىء اسمه اسمي). قال: وقال ابو هريرة: (لو لم يبق من الدنيا الا يوم، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلى).(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/ 135، جامع الاصول 11/ 47 الرقم 7810).
9 ـ الامام المهدي (صلاة عيسى خلفه)
روى ابن ماجه في سننه عن أبي أمامه الباهلي، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان اكثر خطبته حديثا حدثنا عن الدجال، وحذرناه، فكان من قوله: انه لم تكن فتنه في الارض منذ ذرأ الله ذرية آدم. اعظم من فتنه الدجال...) إلى أن قال: (وامامه رجل صالح، فبينما امامهم قد تقدم ليصلي بهم الصبح، اذ نزل عليهم عيسى بن مريم، فرجع ذلك الامام ينكص يمشي القهقرى، ليقدم عيسى يصلي بالناس، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له: تقدم فصل، فانها لك اقيمت... فيصلي بهم امامهم....(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/ 135. سنن ابن ماجه ج2 باب فتنة الدجال وخروج عيسى ص 512 ـ 515 كنز العمال ج14، ص 292 ـ 296 الرقم 38742).
10 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
قد تضافر مضمون قول الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد، لطول الله ذلك اليوم، حتى يخرج رجل من ولدي فيملؤها عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً).(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/ 133. لاحظ مسند احمد 1/ 99، 3/ 17 و70).
11 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
عن سعد بن عبد الله الاشعري، عن الشيخ الصدوق عن احمد بن اسحاق بن سعد الأشعري انه جاءه بعض اصحابنا يعلمه أن جعفر بن علي كتب اليه كتاباً يعرفه نفسه ويعلمه انه القيم بعد اخيه، وأن عنده علم الحلال والحرام ما يحتاج اليه، وغير ذلك من العلوم كلها. قال احمد بن اسحاق: فلما قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان صلوات الله عليه وصيرت كتاب جعفر في درجه، فخرج إلى الجواب في ذلك:
وقد ادعى هذا المبطل المدعى على الله الكذب ما ادعاه، فلا ادري باية حالة هي له، رجا أن يتم دعواه، ابفقه في دين الله؟ فو الله ما يعرف حلالاً من حرام، ولا يفرق بين خطأ وصواب، ام بعلم؟! فما يعلم حقاً من باطل، ولا محكماً من متشابه، ولا يعرف حدّ الصلاة ووقتها، ام بورع؟ فالله شهيد على تركه الصلاة الفرض (اربعين يوماً) يزعم ذلك لطلب الشعوذة، ولعل خبره تادى اليكم وهاتيك ظروف سكره منصوبة، وآثار عصيانه لله عزّ وجلّ مشهورة قائمة... فالتمس ـ تولى الله توفيقك ـ من هذا الظالم ما ذكرت لك، وامتحنه وأسأله عن آية من كتاب الله يفسرها او صلاة يبين حدودها وما يجب فيها، لتعلم حاله ومقداره. ويظهر لك عواره ونقصانه والله حسيبه.(احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج: 2/ 538 ـ 541. رواه الطوسي في الغيبة ص 174، وانظر بحار الانوار 25/ 181، و50/ 228).
12 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
عن ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ـ رحمه الله ـ قال: حدثني محمد ابن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني قال: كنت عند الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه مع جماعة منهم علي بن عيسى القصري فقام اليه رجل (فسأله عن شيء فأجابه الحسين ابن روح).. قال محمد بن ابراهيم بن اسحاق رضي الله عنه: فعدت إلى الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في الغد وأنا أقول في نفسي: اتراه ذكر لنا ما ذكر يوم امس من عند نفسه؟ فابتدأني وقال: يا محمد بن ابراهيم! لئن اخرّ من السماء فتختطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق احبُ الي من أن اقول في دين الله برأيى ومن عند نفسي، بل ذلك عن الاصل، ومسموع من الحجة صلوات الله عليه وسلامه.(احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج: 2/ 546 ـ 549).
13 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
من خطبة رسول الله في غدير خم:
(... معاشر الناس النور من الله عزّ وجلّ فيّ مسلوك، ثم في علي ثم في النسل منه إلى القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا، لان الله عزّ وجلّ قد جعلنا حجة على المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والاثمين والظالمين من جميع العالمين.(ابو منصور احمد الطبرسي، الاحتجاج: 1/ 149، 150. روضة الواعظين ص 100 ـ 113، غاية المرام: 1/ 402 ـ 419، بحار الانوار 37/ 201 ـ 219).
14 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
من جملة خطبته صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خم:
(... فأمرت أن آخذ البيعة منكم والصفقة لكم، بقبول ما جئت به عن الله عزّ وجلّ في علي امير المؤمنين والائمة من بعده الذين هم مني ومنه، أئمة قائمة ـ منهم المهدي ـ إلى يوم القيامة الذي يقضي بالحق...).(ابو منصور احمد الطبرسي/ الاحتجاج: 1/ 157. روضة الواعظين ص100، 113، غاية المرام 1/ 402 ـ 419، بحار الانوار 37/ 201 ـ 219).
15 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
من جملة خطبته صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خم:
(... ألا إن خاتم الائمة منا القائم المهدي صلوات الله عليه الا انه الظاهر على الدّين ألا إنه المنتقم من الظالمين، ألا إنه فاتح الحصون وهادمها، ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك، ألا إنّه المدرك بكل ثار لأولياء الله عزّ وجلّ، ألا إنه الناصر لدين الله، ألا إنه الغراف في بحر عميق، الا إنه يسمُ كل ذي فضلٍ بفضله وكل ذي جهل بجهله، ألا إنه خيرة الله ومختاره، ألا إنّه وارث كل علم والمحيط به، ألا إنه المخبر عن ربه عزّ وجلّ والمنبه بأمر ايمانه، الا إنّه الرشيد السديد، ألا إنّه المفوض اليه، ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه، ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده، ولا حق الا معه، ولا نور الا عنده، ألا إنّه لا غالب له ولا منصور عليه، الا وانه ولي الله في ارضه، وحكمه في خلقه، وأمينه في سره وعلانيته. (ابو منصور احمد الطبرسي، الاحتجاج: 1/154 ـ 155. روضة الواعظين ص100 ـ 113، غاية المرام: 1/ 402 ـ 419. بحار الانوار 37/ 201 ـ 219).
16 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
ورد ذكر الامام المهدي في لوح فاطمة الذي اراه الامام الصادق لجابر بن عبد الله الانصاري ونصه: (.... والخازن لعلمي الحسن العسكري عليه السلام، ثم اكمل ديني بابنه محمد رحمة للعالمين، عليه كمال موسى، وبهاء عيسى، وصبر ايوب، سيد اوليائي، سيذل اوليائي في زمانه، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم، فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشو الويل والرنة في نسائهم، اولئك اوليائي حقاً، بهم ادفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم اكشف الزلازل وارفع الآصار والاغلال، اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون...).(ابو منصور احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج 1: 166. اصول الكافي: 1/527، كمال الدين ص308 ب 28 ح1، عيون الاخبار ص34 ب6 ح2، الغيبة للنعماني ص62 ب4 ح5، الاختصاص للمفيد ص210، الطوسي في الغيبة ص 53، البحار:36/ 195 ـ 197).
17 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
جاء ذكر اسم الامام المهدي في رواية عن علي بن ابي حمزة، عن جعفر بن محمد الصادق، عن ابيه، عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: حدثني جبرئيل عن رب العزة....(احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج: 1/ 167 ـ 168. كمال الدين ص 258 ب24 ح3).
18 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
جاء في رواية عن رسول الله يذكر فيها الائمة حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم: (...تاسعهم قائم امتي، يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، لا يحبهم الا من طابت ولادته، ولا يبغضهم الا من خبثت ولادته، ولا يواليهم الا مؤمن، ولا يعاديهم الا كافر، من انكر واحداً منهم فقد انكرني ومن انكرني فقد انكر الله، ومن جحد واحداً منهم فقد جحدني ومن جحدني فقد جحد الله عزّ وجلّ، لان طاعتهم طاعتي وطاعتي طاعة الله عزّ وجلّ، ومعصيتهم معصيتي ومعصيتي معصية الله عزّ وجلّ، يابن مسعود، اياك أن تجد في نفسك حرجاً مما قضيت فتكفر فوعزة ربي ما انا متكلف ولا أنا ناطق عن الهوى في علي والائمة من ولده.
ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم وهو رافع يديه إلى السماء: اللهم وال من والى خلفائي وائمة امتي من بعدي وعاد من عاداهم، وانصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، ولا تخل الارض من قائم منهم بحجتك اما ظاهر مشهور أو خائفٍ مغمور لئلاّ يبطل دينك وحجتك وبيناتك....(احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج: 1/ 169 ـ 170. كمال الدين ص 261 ب 24 ح8، البحار: 36/ 246 ـ 247).
19 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
عن ابي حمزه الثمالي عن ابي خالد الكابلي يروى عن علي بن الحسين عليهما السلام انه قال في جمله كلام له حول الائمة: (... جعفر الكذاب المفترى على الله، المدعى لما ليس له بأهل، المخالف على ابيه والحاسد لاخيه، ذلك الذي يكشف ستر الله (سرّ الله) عند غيبة ولي الله كانى بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش امر ولي الله، والمغيب في حفظ الله، والتوكيل بحرم ابيه جهلاً منه بولادته، وحرصاً على قتله إن ظفر به، طمعاً في ميراث ابيه حتى يأخذه بغير حقّه.
قال ابو خالد: فقلت له: يا ابن رسول الله وإن ذلك لكائن؟
فقال: أي وربي إن ذلك لمكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال ابو خالد: فقلت له: يا ابن رسول الله ثم يكون ماذا؟
قال: ثم تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من اوصياء رسول الله والائمة بعده، يا ابا خالد إن أهل الزمان غيبته القائلين بامامته والمنتظرين لظهوره، افضل اهل كل زمان، لان الله تعالى ذكره اعطاهم من العقول والافهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف، اولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقا، والدعاة إلى دين الله سراً وجهراً وقال عليه السلام: انتظار الفرج من اعظم الفرج.(احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج: 2/ 152 ـ 154. اكمال الدين 1/ 319 ب31 رقم2، ونقله المجلسي في البحار 36/ 386 و50/ 227 والخرائج للراوندي 1/ 262).
20 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
قال امير المؤمنين عليه السلام للحسن عليه السلام:... حتى يبعث الله رجلاً في آخر الزمان وكلب من الدهر وجهل من الناس، يؤيده الله بملائكته ويعصم انصاره وينصره بآياته، ويظهره على اهل الارض حتى يدينوا طوعاً وكرهاً، يملأ الارض قسطاً وعدلاً ونوراً وبرهانا، يدين له عرض البلاد وطولها، لا يبقى كافر الا آمن به ولا صالح الا صلح، وتصطلح في ملكه السباع، وتخرج الارض نبتها وتنزل السماء بركتها، وتظهر له الكنوز، يملك ما بين الخافقين اربعين عاماً، فطوبى لمن ادرك أيامه وسمع كلامه.(احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج: 2/ 70، 71. نقله المجلسي في بحار الانوار 44/ 20، 52/ 280.
قال العلامة المجلسي في بحار الانوار 52/ 28: الاخبار المختلفة الواردة في ايام ملكه عليه السلام بعضها محمول على جميع مدة ملكه، وبعضها على زمان استقرار دولته، وبعضها على حساب ما عندنا من السنين والشهور، وبعضها على سنيه وشهوره الطويله والله العالم).
21 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
عن الامام الحسن عليه السلام: (... انه ما منا احد الا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه الا القائم ـ عجل الله فرجه ـ الذي يصلي خلفه روح الله عيسى بن مريم عليهما السلام، فان الله عزّ وجلّ يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلا يكون لاحد في عنقه بيعة اذا خرج، ذاك التاسع من ولد اخي الحسين ابن سيدة الاماء، يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون اربعين سنة، ذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدير.(احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج: 2/ 68. كمال الدين 1/ 315 ب29 رقم2، ورواه الحمويني في فرائد السمطين 2/ 123 تحت رقم 424 البحار 44/19 و 51/ 132 و52/ 279).
22 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
عن الخضر انه قال للحسن عليه السلام بعد حوار كان له معه: (... واشهد على رجل من ولد الحسن (وفي بعض النسخ الحسين) بن على لا يكنى ولا يسمى حتى يظهر امره فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً...).(احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج: 2/ 12. عيون الاخبار 1/ 65، العلل للصدوق ص 96، اكمال الدين ص 313 المحاسن للبرقي ص 332، البحار 36/ 414 و 58/ 36).
23 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
عن امير المؤمنين ورد في جملة حديثه الذي احتج به على بعض الزنادقة.
قال عليه السلام: انه سيأتي على الناس زمان يكون الحق فيه مستوراً والباطل ظاهراً مشهوراً، وذلك إذ كان اولى الناس بهم اعداهم له، واقترب الوعد الحق وعظم الالحاد، وظهر الفساد هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، ونحلهم الكفار اسماء الاشرار، فيكون جهد المؤمن ان يحفظ مهجته من اقرب الناس اليه ثم يتيح الله الفرج لاوليائه ويظهر صاحب الامر على اعدائه. (احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج: 1/ 590).
24 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
ورد عن امير المؤمنين في احتجاجه على بعض الزنادقة انه عليه السلام قال في وصف الائمة: (نعم وجه الله الذي قال: (فاينما تولوا فثم وجه الله) البقرة: 115.
هم بقية الله يعني المهدي الذي يأتي عند انقضاء هذه النظرة، فيملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
ومن آياته: الغيبة والاكتتام عند عموم الطغيان، وحلول الانتقام...).
ثم اشار الامام امير المؤمنين ان الحجة هو الذي تنزل عليه الملائكة في الليلة التي يفرق فيها كل امر حكيم ثم قال:... ولو كان هذا الامر الذي عرفتك بيانه للنبي دون غيره لكان الخطاب يدل على فعل ماضٍ غير دائم ولا مستقبل ولقال: (نزلت الملائكة) و (خرق كل امر حكيم) ولم يقل (ينزل الملائكة) (القدر: 4) (فيها يفرق كل امر حكيم) (الدخان: 4). (احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج: 1/ 594).
25 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
في حديث امير المؤمنين لكميل وسنده قال: اخبرني ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين، قال: حدثنا ابي، قال: حدثنا محمد بن ابي القاسم ما جيلويه، عن محمد بن علي الصيرفي، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن فضيل بن خديج، عن كميل بن زياد النخعي قال... يقول الامام علي:... اللهم بلى لا تخلي الارض من قائم بحجة ظاهر مشهور، او مستتر مغمور، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، فإن اولئك الأقلون عدداً الأعظمون خطراً، بهم يحفظ الله حججه حتى يودعوها نظراءَهم....(الشيخ المفيد، امالي المفيد، ضمن مصنفاته: 13/ 250.الغارات: 1/ 148).
26 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
ورد في احتجاج النبي على احد اليهود انه صلى الله عليه وآله وسلم قال له: يا يهودي ومن ذريتي (المهدي) اذا خرج نزل عيسى بن مريم عليه السلام لنصرته، فيقدمه ويصلي خلفه.(ابو منصور احمد الطبرسي، الاحتجاج: 1/107. بحار الانوار: 26/ 319).
27 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
وروى عن علي بن محمد الهادي عليهما السلام أنه قال: لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين اليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك ابليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقى احد الاّ ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون ازمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها اولئك هم الأفضلون عند الله عزّ وجلّ.(احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج: 2/ 502. تفسير الامام العسكري عليه السلام ص 344 برقم 225،وانظر بحار الانوار2/6).
28 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني رضي الله عنه قال: قلت لمحمد بن علي بن موسى عليهم السلام يا مولاي! إني لأرجو أن تكون القائم من أهل البيت محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
فقال عليه السلام: ما منا الا قائم بأمر الله، وهاد إلى دين الله، ولكن القائم الذي يطهّر الله به الارض من أهل الكفر والجحود ويملأها قسطاً وعدلاً هو الذي يخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سمّي رسول الله وكنيّه، وهو الذي تطوى له الارض، ويذل له كل صعب، يجتمع اليه من اصحابه عدة اهل بدر: (ثلاثمائه وثلاثة عشر) رجلاً من اقاصي الارض وذلك قول الله عزّ وجلّ: (اينما تكونوا يأتِ بكم الله جميعاً إنّ الله على كل شيء قدير) البقرة: 148، فاذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص، اظهر الله امره، فإذا كمل له العقد، وهو (عشرة آلاف) رجل، خرج بإذن الله تعالى، فلا يزال يقتل اعداء الله حتى يرضى الله عزّ وجلّ.
قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيدي! وكيف يعلم أن الله تعالى قد رضي؟
قال: يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة اخرج اللاّت والعزى فاحرقهما.(احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج: 2/ 481، 482. اكمال الدين 2/ 377 ب36 برقم 2، البحار: 283).
29 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
وكان الصادق عليه السلام يقول:... وإن عندنا الجفر الاحمر... فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال:... واما الجفر الاحمر فوعاء فيه سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولن يخرج حتى يقوم قائمنا اهل البيت.(احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج: 2/ 295. الارشاد للمفيد ص274 وقريب منه ما رواه الكليني في الكافي 1/ 239 كشف الغمة 2/ 383، بحار الانوار 26/ 18).
30 ـ النص على امامته
اخبرني ابو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عمن ذكره، عن محمد بن احمد العلوي، عن داود بن القاسم الجعفري قال: سمعت ابا الحسن علي بن محمد عليهما السلام يقول: (الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟!) قلت: ولم؟ جعلني الله فداك فقال: (لانكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه) فقلت: فكيف نذكره؟ قال: (قولوا الحجة من آل محمد عليهم السلام).(الشيخ المفيد، الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 349. الكافي 1: 264/13، اكمال الدين: 381/5 و648 /4، علل الشرايع: 245/5 اثبات الوصية: 224، كفاية الاثر: 288، الغيبة للطوسي: 202/ 169، اعلام الورى: 351، ونقله العلامة المجلسي في البحار 50 / 240/ 5).
31 ـ ايّ حاجة إلى سائر الأئمة
ان قلت: فاذا كان كمال الدين قد حلّ بأمير المؤمنين فلا حاجة في كماله إلى الباقين.
قلت: الأئمة كلهم في حكم والدهم.. حتى قيل انهم كالحلقة المفرغة لا يدري اين طرفاها وكالنقطة التي تستوي الدائرة بها، ولانّ كل من قال بامامته لعصمته ونص الله ورسوله قال بامامتهم لوجود العلّة فيهم فمن قال بغيرهم فقد خرج عن اجماعهم.
ولان الامامة لطف عقليّ في التكليف واجب في الحكمة على الخبير اللطيف وقد علم موت آباء المهدي عليه السلام فلو لا وجوده لخلا الزمان عن اللطف الذي هو الامام، وقد جرت عادة الملك الديان بنصب الانبياء والاوصياء في جميع الازمان، وقد اسند ابو داود ذلك في صحيحه إلى عليّ عليه السلام، والى أم سلمة ايضاً، والبغوي في شرح السنة، ومسلم والبخاري إلى ابي هريرة، والترمذي إلى ابن مسعود، والثعلبي إلى أنس، وأسند الثعلبي في تفسير: (يوم ندعو كل اناس بامامهم) الاسراء 71 قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كل قوم يدعون بامام زمانهم).(البياضي، الصراط المستقيم 2: 218 ـ 219).
32 ـ البشارة بالمهدي عليه السلام
ان البشارة بظهور المهدي من ولد فاطمة في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً... ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتواتر وسجلها المسلمون جميعاً... وليست هي بالفكرة المستحدثة عند الشيعة... ولولا ثبوت فكرة المهدي عن النبي على وجه عرفها جميع المسلمين وتشبعت في نفوسهم واعتقدوها لما كان يتمكن مدّعو المهدية... من خدعة الناس....(المظفر (راجع بداية المعارف الالهية) 2: 130).
33 ـ امامة المهدي وصغر السن
قيل: كان عمر المهدي عليه السلام عند وفاة ابيه خمس سنين فلم يكن بالغاً والصبي غير مكلف بشيء ولا يصح ولايته، اقول: قد تقدم ان مقتضى الجمع بين الأدلّة إلغاء اعتبار شرطية البلوغ في وجوب اقامة الدين نصوص الجواد والمهدي عليهما السلام.(المحسني، صراط الحق 3: 457).
34 ـ ضرورة وجوده
عن احمد بن عمر، عن أبي الحسن قال: قال ابو عبد الله عليه السلام: إن الحجة لا يقوم لله على خلقه الا بامام حي يعرف.(الشيخ المفيد، الاختصاص، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 12/268. رواه الكليني في الكافي: 1/177).
35 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
روى الامام احمد في مسنده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لو لم يبق من الدهر الا يوم واحد، لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جوراً.(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/134. مسند احمد 1/99، 3/17، 70).
36 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
من يراجع كتب الحديث والتاريخ يقف على كم هائل من الروايات الوارده حول المهدي في مجالات مختلفة وها نحن نأتي في المقام بفهرس الروايات التي رواها السنة والشيعة:
1 ـ الروايات التي تبشر بظهوره 657 رواية.
2 ـ الروايات التي تصفه بانه من أهل بيت النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم 389 رواية.
3 ـ الروايات التي تدل على أنه من اولاد الامام علي عليه السلام 214 رواية.
4 ـ الروايات التي تدل على أنه من اولاد فاطمة الزهراء عليها السلام 192 رواية.
5 ـ الروايات التي تدل على أنه التاسع من أولاد الحسين 148 رواية.
6 ـ الروايات التي تدل انه من اولاد زين العابدين عليه السلام 185 رواية.
7 ـ الروايات التي تدل أنه من أولاد الامام الحسن العسكري عليه السلام 146 رواية.
8 ـ الروايات التي تبين آباء الامام الحسن العسكري عليه السلام 147 رواية.
9 ـ الروايات التي تدل على أنه يملأ العالم قسطاً وعدلاً 132 رواية.
10 ـ الروايات التي تدل على أن للامام المهدي غيبتة طويلة 91 رواية.
11 ـ الروايات التي تدل أنه يعمّر عمراً طويلاً 318 رواية.
12 ـ الروايات التي تدل ان الاسلام يعم العالم كله بعد ظهوره 48 رواية.
13 ـ الروايات التي تدل انه الامام الثاني عشر من ائمة اهل البيت 136 رواية.
14 ـ الروايات الوارده حول ولادته عليه السلام 214 رواية. (جعفر سبحاني، الالهيات: 4/133).
الادلة على امامته (عليه السلام)
... الادلة ما قدمناه من وجوب وجود امام معصوم مقطوع على عصمته في كل عصر... وبطلان امامة كلّ من يُدّعى له الامامة في عصرنا هذا سوى صاحبنا... المدعون لبقاء واحد من سلفه المعصومين قد انقرضوا فلا يوجد منهم... لحصول العلم بموت اولئك السادة المعصومين وثبوت ان الحق... هو الدليل من حيث الاعتبار العقلي ومن طريق السمع فالتنصيص عليه من جهة... ومن آبائه عليهم السلام على ما تواترت به الشيعة... ويؤيد هذه الادلة ويؤكدها ما يرويه مخالفو الشيعة في نعوت المهدي وصفاته، والرواية الظاهرة المستفيضة...(لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي يواطىء اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).(الرازي ـ المنقذ 2: 401 ـ 402).
1 ـ الدليل العقلي على الامامة عموماً
الغرض في الامامة المنفردة عن النبوة ما بينا من حصول اللطف بها، وعموم الاستصلاح لكلّ مكلّف يجوز منه فعل القبيح، ويجوز اختصاص هذه الرئاسة بهذا اللطف، ويجب له نصبه الرئيس ذي الصفات التي بينا وجوب ثأثير ثبوتها وانتفائها في الاستصلاح للكلّ والاستفساد، ويجوز أن يكون الرئيس الملطوف للخلق بوجوده مؤدياً عن نبي ومنفذاً لشرعه، أو نائباً في ذلك عن امام مثله ويعلم كونه كذلك بقوله، لانّ قيام البرهان على عصمته يؤمن المكلف كذبه فيما يخبر به، فاذا ثبت كونه مؤدياً فلابد من كونه معصوماً من القبائح للوجوه التي لها كان النبي عليه السلام كذلك، وعالماً بما يؤديه لاستحالة الأداء من دون العلم... وان تعبّد بإقامة حدود وجب كونه ممن لا يواقع ما يستحق به لان ذلك يخرجه عن كونه اماماً، وان تعبد بجهاد وجب كونه اشجع الرعية و... ويجب ان يكون هذه حاله عابداً زاهداً مبرزاً فيهما على كافة الرعية لكونه قدوة فيهما... وهذه الصفات حاصلة للائمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الملطوف بوجودهم لامته المحفوظ بهم شرعه المنفذون لملته المتكاملوا الصفات التي بينا وجوب كون الرئيس والحافظ عليها: امير المؤمنين علي بن ابي طالب... ثم الحجة بن الحسن صلوات الله عليهم اجمعين لا امامة في الملة لغيرهم، ولا طريق إلى جملة الشريعة من غير جهتهم.
والدلالة على ذلك ما بيناه من وجوب الصفات للرئيس العقلي، والحافظ للتكليف الشرعي، وفقد دلالة ثبوتها لمن عدالهم او دعوى بها فيمن سواهم من ادعى الامامة... وفساد خلو الزمان من امام لكون ذلك مفسدة لا يحسن التكليف معها... ولانه لا احد قطع على ثبوت هذه الصفات المدلول على وجوب حصولها للامام الاّ خصّها بمن عيناه من الأئمة عليهم السلام...(ابو الصلاح الحلبي، تقريب المعارف: 170 ـ 171).
2 ـ الادلة العامة
اعلم ان الوصول إلى الكمال والتمام لا يحصل الا بالنظام، وذلك لا يتم الا بوجود الامام، فوجوده مقرب إلى الطريق المفضي إلى الكمال، ويأمر بالعدل وينهى عن الفحشاء والمنكر فلابد من وجوده ما دام التكليف باقياً، ويجب أن يؤمن عليه مثل ما يؤمن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التغيير والتبديل فيكون معصوماً، ويجب أن يكون اعلم اهل زمانه فيما يتعلق بالمصالح الدينية والدنيوية... واذا ثبت هذا فالامام على هذه الصفات بعد نبينا بلا واسطة امير المؤمنين عليه السلام... وبعده لأولاده إلى الثاني عشر عجل الله تعالى فرجه الشريف، والدليل على امامته نص النبي عليه ونص آبائه وقولهم حجة، ودليل وجوده على الجملة هو ما دل على أن الزمان مع بقاء التكليف لا يجوز أن يخلو من امام معصوم هو اعلم اهل زمانه.(محمد بن سعيد الراوندي، عجالة المعرفة: 38 ـ 40).
3 ـ الادلة العامة
قال نصير الدين: (والنقل المتواتر دل على الاحد عشر ولوجوب العصمة وانتفائها عن غيرهم ووجود الكمالات فيهم).
اقول: لما بيّن ان الامام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو علي بن ابي طالب عليه السلام شرع في بيان امامة باقي الائمة الاحد عشر... واستدل على ذلك بوجوه ثلاثة:
الاول: النقل المتواتر من الشيعة خلفاً عن سلف فانه يدل على امامة كل واحد من هؤلاء بالتنصيص، وقد نقل المخالفون ذلك من طرق متعددة تارة على الاجمال واخرى على التفصيل، كما روي عنه متواتراً انه قال للحسين عليه السلام (هذا ابني امام ابن امام اخو امام ابو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم) وغير ذلك من الاخبار، وروى المخالف عن مسروق قال: (بينا نحن عند عبد الله بن مسعود اذ دخل علينا شاب وقال: هل عهد اليكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة؟ قال: انك لحدث السن، وان هذا ما سألني احد عنه، نعم عهد الينا نبينا ان يكون بعده اثني عشر خليفة عدد نقباء بني اسرائيل.
الوجه الثاني: قد بينا ان الامام يجب ان يكون معصوماً، وغير هؤلاء ليسوا بمعصومين اجماعاً، فتعينت العصمة لهم، والالزم خلو الزمان من المعصوم وقد بينا استحالته.
الوجه الثالث: ان الكمالات النفسانية والبدنية بأجمعها موجودة في كل واحد منهم، كما هو كامل في نفسه كذا هو مكمل لغيره، وذلك يدل على استحقاقه الرئاسة العامة، لانه افضل من كل احد في زمانه، ويقبح عقلاً تقديم المفضول على الفاضل، فيجب ان يكون كل واحد منهم اماماً وهذا برهان لمّي.(العلامة الحلي، كشف المراد: 422 ـ 423).
وقال المقداد السيوري في اثبات باقي الائمة:
الاول: النص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فمن ذلك قوله للحسين: (هذا ولدي الحسين امام ابن امام...)، ومن ذلك ما رواه جابر في اولى الامر...، ومن ذلك ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في اختيار الائمة...
الثاني: النص المتواتر من كل واحد منهم على لاحقه، وذلك كثير لا يحصى نقله الامامية على اختلاف طبقاتهم.
الثالث: ان الامام يجب ان يكون معصوماً، ولا شيء من غيرهم بمعصوم، فلا شيء من غيرهم بامام.....
الرابع: انهم كانوا افضل من كل واحد من اهل زمانهم، وذلك معلوم في كتب السير والتواريخ فيكونوا أئمة لقبح تقديم المفضول على الفاضل.
الخامس: ان كل واحد منهم ادعى الامامة وظهر المعجزة على يده فيكون اماماً.(مقداد السيوري، شرح الباب الحادي عشر: 51 ـ 52، وانظر ارشاد الطالبين له ايضاً: 374 ـ 377 وايضاً الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد: 95 ـ 96، وانظر زاد المسافر لابن ابي جمهور: 54 ـ 55).
4 ـ الادلة العامة
تثبت امامة باقي الائمة بنص كل امام سابق على امامة لاحقه... وذلك لما ثبت بالتواتر ان امير المؤمنين عليه السلام وصى ولده الحسن، واشهد على وصيته الحسين ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع اليه الكتاب والسلاح وقال له: يا بني امرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان اوصى اليك كتابي وسلاحي كما اوصى اليّ ودفع اليّ كتابه وسلاحه، وامرني ان آمرك اذا حضر الموت ان تدفعها إلى اخيك الحسين، ثم اقبل على الحسين وقال: امرك رسول الله ان تدفع إلى ابنك هذا... وهكذا نص كل سابق على اللاحق بالخلافة والامامة نصاً متواتراً.
وايضاً ثبت امامة الائمة... بالنص المتواتر من النبي والأفضلية والعصمة.
اما النص المتواتر من النبي على امامة هؤلاء الائمة فكقوله لابي عبد الله الحسين: (هذا امام ابن امام...)، وكحديث جابر عن عبد الله في تفسير (اولى الامر) بأنّ اولهم عليّ وآخرهم الحجة، وكما روى عن ابن عباس أنّه قال رسول الله: (خلفائي واوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي اثني عشر اولهم اخي واخرهم ولدي، قيل يا رسول الله من اخوك؟ قال: عليّ بن ابي طالب، قيل: من ولدك؟ قال: المهدي الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً...، وقال ايضاً: (انّ الله اختار... من الحسين الاوصياء وهم تسعة من ولده ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين...) وكما قال لجندل اليهودي بعد ما اسلم: (اوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني اسرائيل اولهم سيد الاوصياء... فاذا انقضت مدة الحسن قام بالامر بعده ابنه الخلف الحجة ويغيب عن الامة) فقال جندل: قد وجدنا ذكرهم في التوراة وقد بشرنا موسى بك وبالاوصياء من ذريتك، فتلا رسول الله: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم...). وقال للحسين: (يا حسين يخرج من صلبك تسعة من الائمة منهم مهدي هذه الامة...) وكما روى من طريق المخالفين عن مسروق انه قال: بينا نحن عند عبد الله بن مسعود اذ يقول لنا شاب: (هل عهد اليكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة، فقال:... عهد الينا نبينا ان يكون بعده اثني عشر خليفة عدد نقباء بني اسرائيل) إلى غير ذلك من الاخبار المسطورة المشهورة عند الموافق والمخالف والنصوص المذكورة وان لم يكن بعضها متواتراً، لكن القدر المشترك منها هو امامة الائمة الاحد عشر، وقد بلغ حدّ التواتر عند أهل الحق....
واما الافضلية فلما ثبت ان كل واحد من هؤلاء الائمة المعصومون كان افضل اهل زمانه في الكمالات العلمية والعملية... والافضل هو المتعين للامامة لامتناع خلو الزمان عن الامام وقبح تقديم المفضول على الفاضل.
واما العصمة فلان الامام يجب أن يكون معصوماً، ولم يكن احد غير الائمة المعصومين معصوماً، فبقيت الامامة لهم لامتناع خلو الزمان عن الامام....
ولك ان تجعل ادلة امامة امير المؤمنين عليه السلام جميعاً ادلة على امامة باقي الائمة بناء على تنصيصه بامامتهم قطعاً كما انّ ادلة النبوة ادلة على الامامة مطلقاً.....(ابن مخدوم، شرح الباب الحادي عشر: 201 ـ 205).
5 ـ الادلة العامة
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مثل اهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها وقع في النار) او (هلك). وذلك يفيد عصمة المرادين، لانه لا يمكن القطع على نجاة المتبع مع تجويز الخطأ على المتبع، وعصمة المذكورين تفيد توجه الخطاب إلى من عيناه وتوجب امامتهم على الوجه الذي بيناه.(ابو الصلاح ـ تقريب المعارف: 181).
6 ـ الادلة العامة
نص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على انّ الأئمة من بعده اثنا عشر عليهم السلام كقوله عليه السلام للحسين:انت امام ابن امام اخو امام ابو ائمة حجج تسع تاسعهم قائمهم أعلمهم أحكمهم أفضلهم. وقوله عليه السلام: عدد الأئمة من بعدي عدد نقباء موسى،... وثبوت النص منه عليه السلام على هذا العدد المخصوص ينوب مناب نصّه على اعيان ائمتنا عليهم السلام، لانه لا أحد قال بهذا في نفسه غيرهم وشيعتهم لهم فوجب له القطع على امامتهم.(ابو الصلاح، تقريب المعارف: 182).
... فاذا ثبت العدد فالأمة بين قائلين: قائل يقول بالاثني عشر، فهو يقطع على انهم هؤلاء بأعيانهم، ومن لم يقل بامامتهم لم يقصرها على عدد مخصوص، فاذا ثبت العدد بما رووه ثبت الأعيان بهذا الاعتبار.(الطوسي، الاقتصاد: 372).
اعلم ان الامامة ثابتة بعد امامة امير المؤمنين عليه السلام في أبنائه من الحسن إلى محمد بن الحسن المهدي عليهم السلام، ويدل على ذلك ما قلناه من الطريقة العقلية في امامة امير المؤمنين عليه السلام، على ان الزمان لا يخلو من امام معصوم، وان الحق لا يخرج عن امة الاسلام، ولا كان من قال بامامته مقطوعاً على عصمته وهم كل من خالف الشيعة... ويدل ايضاً على امامة من ذكرناه تواتر الامامية بالنص عليهم بالامامة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن امير المؤمنين عليه السلام، والتعيين لهم بالعدد والأسماء والالقاب وصفة غيبة الثاني عشر، وبالنص من كل امام منهم على الذي يليه، ويدل ايضاً على جهة الجملة على ان الامامة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل ثابتة لامير المؤنين عليه السلام قوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم) النساء: 59...
واذا ثبت توجه الاية اليهم مع اقتضائها للعصمة وعموم الطاعة ثبت امامتهم بالاجماع، لانّ احداً من الامة لم يفرق بين الامرين، ويدل ايضاً على امامتهم قوله تعالى: (ولو ردّوه إلى الرسول والى اولى الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) النساء: 83. واذا ثبت اقتضاء الاية للعصمة ثبت تخصصها بأمير المؤمنين وابنائه عليهم السلام، لان كل من قال بأحد الامرين قال بالاخر، ولانه لا احد ادعيت هذه الصفة له غيرهم، فيجب القطع على امامتهم بالاجماع، ويدل ايضاً على ذلك ما اتفق على صحته من قوله (انّي مخلف فيكم الثقلين...)... ويدل ايضاً على ذلك ما اجمع على ثبوته من قوله: (مثل اهل بيتي مثل سفينة نوح...).(ابن زهرة، غنية النزوع 2: 210 ـ 215).
7 ـ الدليل القرآني
قال تعالى: (سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم) فصلت: 53.
ولم يقع مقتضاها لاستمرار الشرك إلى الان في اكثر البلدان، ولكنه سيقع بالمهدي ان شاء الله في آخر الزمان، كما اخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن عن كعب: ينزل عيسى من السماء فتأتيه اليهود والنصارى ويقولون: نحن اصحابك فيقول كذبتم اصحابي المهاجرون بقية اصحاب الملحمة، فيأتي مجمع المسلمين فيجد خليفتهم يصلّي بهم فيقول: يا مسيح صلّ بنا فيقول: بل صلّ انت بأصحابك انما بعثت وزيراً ولم اُبعث أميراً....(البياضي، الصراط المستقيم 3: 92).
8 ـ المهدي في القرآن والرجعة
قال تعالى: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) القصص: 5،6. فقد ورد انّ المستضعفين آل محمد وفرعون وهامان الشيخان المتقدمان).
إن قيل: الاية ظاهرة في بني اسرائيل، قلنا: ظاهر (نرى) وأخواتها تدلّ على الاستقبال، ويؤيّده ما في ذلك من الاخبار، وقد ورد فيها رجوع الائمة الأطهار.
ان قيل: فعلى هذا يكون عليّ عليه السلام في دولته وهو افضل منه، قلنا: قد قيل انّ التكليف سقط عنهم وانما يحييهم الله ليريهم ما وعدهم، وبهذا يسقط ما خيلوا به من جواز رجوع معاوية وابن ملجم وشمر ويزيد وغيرهم فيطيعون الإمام فينقلبون من العقاب إلى الثواب، وهو ينقض مذهبكم من انهم ينشرون لمعاقبتهم والنكاية فيهم.
قلنا مع ما سلف: لما ورد السمع بخلودهم في النيران، وتبرأ الأئمة منهم، ولعنهم إلى آخر الزمان، قطعنا بانهم لا يختارون الايمان كما أخبر الله بتخليد قوم وقال فيهم: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) الانعام: 28. ولانه اذا انشرهم للانتقام لم تقبل توبتهم لو وقعت لكونها إلجاء كما لو وقعت في الاخرة قال الله لابليس: (الان وقد عصيت) يونس: 91. وآمن فرعون عند الغرق فلم يقبل منه، وقد تظافرت عن الائمة بمنع التوبة بعد خروج المهدي، وفسّروا على ذلك قوله تعالى: (يوم يأتي بعض ايات ربك لا تنفع نفساً ايمانها لم تكن آمنت من قبل) الانعام:28.(البياضي، الصراط المستقيم 2: 252).
9 ـ الدليل القرآني
قال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض...) النور:55. تعتقد الشيعة خلفاً عن سلف انها في المهدي عليه السلام، وذكروا ذلك في التفاسير، وعوّلوا عليه بالدليل والحجج من وجوه: قال تعالى: (وعد الله) والوعد باتفاق اهل الوضع خلاف النقد، فالوعد يدلّ على عدم وجود الموعود، ولا امام غائباً في الامة غير المهدي....
قال تعالى: (الذين آمنوا) ان لفظ المؤمن يطلق على الشيعة اكثر من غيرها، لانّ اصحاب ابي حنيفة يسمون بالموحدين، واصحاب الشافعي بالسنيين، والشيعة بالمؤمنين؟ ثم قال: (عملوا الصالحات) أي المؤمن الذي يعمل الصالحات فيخرج المجبرة الذين ينسبون العمل إلى الله تعالى.
ثم قال تعالى: (ليستخلفنهم في الارض)، فالشيعة احالت الخلافة إلى النص من الله تعالى، واهل السنة جعلتها بالاختيار وكونها من الفروع.
قال تعالى: (في الارض) وهي جنس تعم جميع الارض....
قال تعالى: (كما استخلف الذين من قبلهم) أي كآدم وداود وهارون وعليّ، وليس هذا الا عند الشيعة. قال تعالى: (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم) وتمكين كسى را وعده دهند كه ممكن نباشد وامروز الا اگر شيعت وامام ايشان نيست كه ممكن نه اند ديگران همه بر سير كار خوداند پس اگر نه مهدى واتباع او باشند آيت بى فايده باشد.
قال تعالى: (وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً) اتفاق است كه فريقين ايمن ومرفه اند كه خليفه وسلطان از ايشانند واين طايفه ومهدى عليه السلام خائفند از اعداء وآيت را بضرورت فايده اى بايد.
قال تعالى: (يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) ولم يتحقق هذا لحدّ الان، فلابد أن يكون في آخر الزمان عند خروج المهدي، ونزول عيسى كما ورد في تفاسير الشيعة والسنة، وخروج المهدي ونزول عيسى مجمع عليه عند السنة والشيعة. (القزويني ـ النقض: 268 ـ 270).
... روت الفرقة المحقة انه عند خروج المهدي....(البياضي، الصراط المستقيم 3: 99).
10 ـ الدليل القرآني
قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون) النور: 55. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبق من الدنيا) يدلان على صحة عصمة الامام الحجة عليه السلام واثبات امامته.(القزويني، النقض: 6).
قال المحدث الارموي في تعليقته على النقض:
لما عُلم قطعاً ان الله تعالى لا يخلف الوعد، وانّ ما وعده للمؤمنين من استخلافهم وتمكين دينهم وتبديل خوفهم أيضاً لم يتحقق لحدّ الان في ايّ زمان، فلابد ان يكون انجاز هذا الوعد في زمن ظهور الامام المهدي عليه السلام، وهذه الاية تشبه الاية الاخرى: (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).
... قال الشيخ الطوسي في التبيان بعد ما ابطل اقوال المخالفين حول الاية: (وقال أهل البيت عليهم السلام ان المراد بذلك المهدي عليه السلام لانه يظهر بعد الخوف ويتمكن بعد ان كان مغلوباً).(مجمع البيان 4: 152 ط اسلامية).
وقال الطبرسي في مجمع البيان: (واختلف في الاية فقيل: انها واردة في اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقيل: هي عامة في امة محمد، عن ابن عباس ومجاهد، والمروي عن اهل البيت عليهم السلام انها في المهدي من آل محمد عليهم السلام، وروى العياشي باسناده عن علي بن الحسين عليه السلام انه قرأ الاية وقال: هم والله شيعتنا اهل البيت يفعل الله ذلك بهم على يدي رجل منّا، وهو مهدي هذه الامة، وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه: لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي اسمه اسمي يملأ الارض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً وروي مثل ذلك عن ابي جعفر، وعن ابي عبد الله عليهما السلام، فعلى هذا يكون المراد (بالذين آمنوا وعملوا الصالحات) النبي وأهل بيته صلوات الرحمن عليهم، وتضمنّت الاية البشارة لهم بالاستخلاف، والتمكين في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي منهم عليهم السلام، ويكون المراد بقوله (كما استخلف الذين من قبلهم) هو ان جعل الصالح للخلافة خليفة مثل آدم داود وسليمان، ويدل على ذلك قوله: (اني جاعل في الارض خليفة) و (يا داود انا جعلناك خليفة في الارض) وقوله: (فقد آتينا الى ابراهيم الكتاب والحكمة واتيناهم ملكاً عظيماً)، وعلى هذا اجماع العترة الطاهرة، واجماعهم حجة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)، وايضاً فان التمكين في الارض على الاطلاق لم يتفق فيما مضى فهو منتظر لانّ الله عزّ اسمه لا يخلف وعده).(تفسير ابو الفتوح 8: 236 ط اسلامية).
وقال ابو الفتوح الرازي: (والقول الاخر ما ورد عن اهل البيت عليهم السلام بان المراد من هذا الخليفة هو صاحب الامر عليه السلام الذي اخبر النبي بخروجه في آخر الزمان وسماه المهدي، والامة أجمعت على خروجه... والدليل على صحة هذا القول وفساد سائر الاقوال ان الله تعالى وعد وانما يصح الوعد فيما لم يكن، ولو كان المراد زمان النبي فهو متحقق ولم يكن وعداً... وايضاً ان الله تعالى احال الاستخلاف الى نفسه كما احال استخلاف الخلفاء الذين كانوا قبله، وأيضاً تمكين از دين پسنديده بآن حد نيست كه خداى متعالى حكايت كرد وتبديل به أمن هم حاصل نيست برحد انكه از او بازگويند ولم يتحقق ايضاً قوله (يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) فهذا كلّه دليل على فساد من حمل الاية على خلافة الصحابة،... وقال تعالى ايضاً: (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم) فلو كان الغرض هو تمكين الدين كما هو الان فانه كان في عهد الصحابة والرسول ايضاً، ولو كان الغرض اكثر من هذا وانه تمكين كلّى كما في قوله تعالى: (ليظهره على الدين كله) فانه غير موجود لا الان ولا في السابق بل يتحقق في اليوم الذي قال فيه الرسول: (يملأ الارض قسطاً وعدلاً...) واما تبديل الخوف أمناً فمن المعلوم انه لم يحصل للعموم الا في بعض المواضع، وقوله: (يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) فمن المعلوم قلّة المسلمين بالنسبة الى الكفار.
فالاية لا تكون الاّ اشارة لخلافة الامام المهدي وامامته وقد بشر الرسول به واجمعت الامة عليه وان اختلفوا في تعيينه، وقد قال الرسول: (لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي يواطىء اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) وهذا ما رواه المخالف والمؤالف ولكن اختلفوا في التعيين، وقال ايضاً لا يحل لاحد ان يجمع بين اسمي وكنيتي الا مهديّ هذه الامة فان له اسمي وكنيتي...).
وذكر المولى فتح الله الكاشاني في تفسير منهج الصادقين كلاماً مفصلاً حول ورود الاية في الامام المهدي، وقال فيما قاله: (ذكر ابو المحاسن الجرجاني في تفسيره (تفسير كازر): ان الدليل على صحة القول بورودها في الامام الحجة، وفساد قول من قال بان المراد منها الخلفاء الثلاثة مع علي عليه السلام، لان الله تعالى فتح بلاد العرب في زمن ابي بكر، وفتح بعض بلاد العجم في زمن عمر، والدليل على فساد قول من قال بانّ المراد جميع امة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فالدليل هو ان الله وعد بالاستخلاف والتمكين وتبديل الخوف أمناً والوعد انما يصح فيما لم يكن موجوداً الان وسيحدث في المستقبل، ولا يمكن ارادة زمن الخلفاء لانّ خلافتهم كانت باختيار الناس باجماع الامة، ولم تكن من قبل الله تعالى فلا يشملهم قوله (ليستخلفنّهم)، ولم يكن تمكين الدين في زمنهم بحيث وصفه الله تعالى، لان المراد منه غلبة الاسلام على سائر الأديان، ومن المعلوم انّ اكثر العالم حينذاك كان في تصرّف الكفرة، فلا يصدق ايضاً تبديل الخوف امناً بعمومه، واما جميع امة النبي فانهم ايضاً غير متصفين بهذه الصفات فبطل هذا القول ايضاً، فيكون المراد اذاً اهل البيت عليهم السلام حيث خلافتهم بنص الله تعالى بشهادة الاحاديث الصحيحة والاسانيد الوثيقة والدلائل العقلية، فخلافتهم كخلافة آدم وداود وسليمان وهارون في قوله تعالى (اني جاعل في الارض خليفة) و(انا جعلناك خليفة في الارض) وقوله: (فقد آتينا ال ابراهيم الكتاب) وقوله (هارون اخلفني في قومي)، ولما لم يكن التمكين التمام، وذهاب الخوف في الازمنة الماضية، كان اذاً في زمن ظهور صاحب الزمان عليه السلام، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يملأ الارض قسطاً...) وروى المقداد عن الرسول: (لا يبقى على الارض بيت مدر ولا وبر الا ادخله الله تعالى كلمة الاسلام بعز عزيز وذل ذليل اما أن يعزهم الله فيجعلهم من اهلها وأما أن يذلّهم فيدينون لها)....
فعُلم أنّ الاية في الامام الزمان عليه السلام، وانها تتحقق حينذاك، وهذا من مسلمات مذهب الشيعة، والعقائد الحقّه لطائفة الاثني عشرية....(تعليقات النقض للمحدث الارموي 1: 18 ـ 23).
11 ـ الادلة العامة
قال تعالى: (وكذلك جعلناكم امة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس) البقرة: 143، فأخبر تعالى بكون المذكورين عدولاً ليشهدوا عنده على الخلق، وذلك يقتضي ثبوت هذه الصفة قطعاً لكلّ واحد منهم للاشتراك في الشهادة، ولم تثبت هذه الصفة، ولا ادعيت لغيرهم، فدلت على امامتهم من الوجوه التي ذكرناها.(ابو الصلاح، تقريب المعارف: 180 ـ 181).
12 ـ الادلة العامة
من الادلة ما اتفقت الامة عليه من قوله عليه السلام: اني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا.
فاخبر عليه السلام بوجود قوم من آله مقارنين للكتاب في الوجود والحجة، وذلك يقتضي عصمتهم، ولانه عليه السلام امر بالتمسك بهم، والأمر بذلك يقتضي مصلحتهم لقبح الامر بطاعة من يجوز منه القبح مطلقاً، ولانّه عليه السلام حكم بأمان المتمسك بهم من الضلال، وذلك يوجب كونهم ممن لا يجوز منه الضلال، واذا ثبتت عصمة المذكورين في الخبر ثبت توجه خطابه الى ائمتنا عليهم السلام لعدم ثبوتها لمن عداهم او دعواها له، وذلك يقتضي امامتهم من الوجهين المذكورين.(ابو الصلاح، تقريب المعارف: 181).
13 ـ الادلة العامة على وجوده
قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، وذلك يقتضي علم المسؤولين كلّ مسؤول عنه، وعصمتهم فيما يخبرون به، لقبح تكليف الرد دونهما، ولا احد قال بثبوت هذه الصفة لاهل الذكر الاخصّ بها من ذكرناه من الائمة عليهم السلام وقطع بامامتهم.(ابو الصلاح، تقريب المعارف: 179).
14 ـ الادلة العامة
قال تعالى: (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة: 119، فأمر باتباع المذكورين، ولم يخص جهة الكون بشيء دون شيء فيجب اتباعهم في كل شيء، وذلك يقتضي عصمتهم لقبح الامر بطاعة الفاسق او من يجوز منه الفسق، ولا احد ثبتت له العصمة ولا ادعيت فيه غيرهم، فيجب القطع على امامتهم واختصاصهم بالصفة الواجبة للامامة، ولانه لا أحد فرّق بين دعوى العصمة لهم والامامة.(ابو الصلاح، تقريب المعارف: 179).
15 ـ الادلة العامة
قال تعالى: (ولو ردّوه الى الرسول والى اولى الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) النساء: 83، فأمر سبحانه بالرد الى اُولى الأمر، وقطع على حصول العلم للمستنبط منهم بما جهله، وهذا يقتضي كونهم قِوَمَة بما يرجع اليهم في مأمونين في ادائه، ولا احد ثبتت له هذه الصفة، ولا ادعيت له غيرهم، فيجب القطع على امامتهم من الوجهين المذكورين.(ابو الصلاح، تقريب المعارف: 179 ـ 180).
16 ـ الادلة العامة
قال تعالى: (فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجنئا بك على هؤلاء شهيداً) النساء: 41، وقوله: (ويوم نبعث من كل امة شهيداً عليهم من انفسهم) النحل: 89.
فأخبر تعالى بثبوت شهيد على كل امة ـ كالنبي عليه السلام ـ تكون شهادته حجة عليهم، وذلك يقتضي عصمته من وجهين: احدهما ثبوت التساوي بينه وبين النبي عليه السلام في الحجة بالشهادة، والثاني: انه لو جاز منه فعل القبيح الاخلال بالواجب لاحتاج الى شهيد بمقتضى الاية، وذلك يقتضي شهيد الشهيد الى ما لا نهاية له ثبوت شهيد لا شهيد عليه، ولا يكون كذلك الا بالعصمة، ولم تثبت هذه الصفة ولا ادعيت الا لأئمتنا عليهم السلام، فاقتضت امامتهم من الوجه الذي ذكرناه.(ابو الصلاح، تقريب المعارف: 180).
17 ـ الدليل القرآني
قال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)، هذه الآية تدل على شيئين:
1 ـ انه يجب القتال لارتفاع الفتنة، والاجماع واقع على عموم هذا الخطاب في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والامام بعده على المكلفين كافة، ولا يمكن الا بوجود رئيس قائم مقام النبي بعده، والغرض من القتال المأمور به نفي الفتنة، وكون الامام الذي هو امر بالقتال، ويجب على المكلفين طاعة غير معصوم قد يوجب الفتنة، فمحال ان يكون الامام غير معصوم والا لم يجب اتباعه.
2 ـ ان يكون الدين كله لله، أي لا يبقى كافر ولا مشرك ولا مخالف للحق، وذلك لم يقع في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة، ولابد من وقوعه والا لم يحسن جعله غاية للتكليف، لانه اذا كان ممتنع الحصول او كان دائم السلب لا يحصل جعله غاية للافعال المكلف بها، ولابد وان يكون الأمر بهذا القتال والرئيس فيه، والقائم مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو المعصوم والا لزم الفتنة، لان غيره يقع من قتاله الفتنة، فيستحيل من الحكيم ان يجعل غايته نفي الفتنة، لانه من باب جعل غير السبب مكانه وهو من الاغلاط، وذلك هو الامام المهدي عليه السلام لانتفاء هذه التقسيمات في غيرة اجماعاً، وهذه الاية تدل على عصمة الامام، وعلى وجوده وظهوره، وظهور صاحب الزمان صلوات الله عليه.(العلامة الحلي، الالفين: 408).
18 ـ الدليل على المهدي
ان الامامية تعتقد بوجود هذا المصلح، وانه المهدي بن الحسن العسكري ومتولد سنة 256 هـ ولا يزال حياً، والدليل عليه امران، احدهما: الروايات الدالة على خصوص شخصه، وانه ثاني عشر من الائمة، وانه التاسع من ولد الحسين ونحو ذلك، فان مثل هذه الروايات الكثيرة متواترة تدل على وجوده... وهذه الروايات نقلت قبل وجوده وشاعت وكانت محفوظة ومسطورة في الجوامع. وثانيهما ما تواتر عندنا من ولادته واحتجاجه، ولا يجوز ان تنقطع الامامة وتحول في عصر من العصور وان كان الامام مخفياً... مضافاً الى اخبار الامام العسكري عليه السلام بولادته لاصحابه، ورؤية جمع منهم اياه قبل وفاة ابيه كاحمد بن اسحاق وغيره، وظهور المعجزة على يده....(الخرازي، بداية المعارف 2: 138 ـ 142).
19 ـ المهدي
ورد في روايات متواترة وأحاديث متظافرة البشارة بالمهدي عليه السلام، وبانه تكون له غيبة من طرق العامة والخاصة، وقد روى ذلك من العامة البخاري ومسلم وابو داود والترمذي ومؤلف جامع الاصول وغيرهم، وقد ورد في كتب العامة من الروايات في القائم المهدي ما يزيد على مائة وخمسين حديثاً، وفي الكتب المعتبرة والاصول المقررة ما يزيد على ألف حديث.(السيد شبر، حق اليقين 1: 283).
20 ـ الادلة العامة
1 ـ تواتر الشيعة خلفاً عن سلف الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه نص على من يقوم مقامه بعده ثم على من يقوم مقامه بعده، وهكذا الى تمام الاثني عشر، وايضاً فانهم يرون على التواتر ان امير المؤمنين عليه السلام نص على من بعده، وكذا كل امام نص على الذي يليه..
2 ـ ان الزمان لا يخلو من امام، وان الامام لابد من أن يكون معصوماً مقطوعاً على عصمته، وأن يكون منصوصاً عليه، وإن الحق لا يخرج عن الامة...
3 ـ إن الفريقين المختلفين والفرقتين المتباينتين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه نص في علي عليه السلام وفي الائمة من بعد في مثل قوله: (عدد الائمة او الخلفاء من بعدي عدد نقباء بني اسرائيل...)((مسند احمد 1: 398 و 406 و5: 89، وانظر البخاري 1: 101، ومسلم 2: 192، والمستدرك 4: 501)) على اختلاف الروايات في ذلك، وكلّ من اعتبر هذا العدد من الائمة وقصرهم عليه لا زيادة ولا نقصان قطع على انهم ائمتنا عليهم السلام....(راجع الاحقاق 4: 104 ـ 111).
واما الخاص (أي الادلة الخاصة على إمامة الائمة) فالنقل المتواتر بامامة كل واحد واحد ينقله الشيعة مع كثرتهم وتفرقهم في البلاد المتباعدة سلفاً عن خلف عن كل واحد واحد، ولانا نقول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نقلاً يوافقنا فيه المخالف ان الائمة بعده اثني عشر خليفة، فنقول: كل من قال بهذه المقالة جعل الامامة لهؤلاء الائمة عليهم السلام، وايضاً المعجزات المنقولة عن كل واحد واحد عليهم السلام مع ادعاء الامامة لنفسه دال على صدقه، وأيضاً ما روي عن النبي من الاخبار التي تبلغ جملتها حد التواتر منها ما رواه سلمان لما قالت فاطمة لابيها اني اخشى الضيعة فقال:... فأنت سيدة النساء، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وابناء بعلك اوصيائي الى يوم القيام، والاوصياء بعدي أخي علي والحسن والحسين ثم تسعة من ولد الحسين(الرازي، المنقذ 2: 369 ـ 371) و... (العلامة الحلي، مناهج اليقين: 480 ـ 481).
الدليل على امامة باقي الائمة عليهم السلام:
1 ـ نص السابق على اللاحق.
2 ـ ان كل امام كان اعلم أهل زمانه ـ كما اعترف به الفريقين ـ وكان الناس في حاجة اليهم واستغناؤهم عن الناس، وقال تعالى: (أفمن يهدي الى الى الحق احق ان يتبع امن لا يهدي الا أن يهدي).
3 ـ روى الشيعة والسنة ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشار الى الحسين عليه السلام، وقال: ابني هذا إمام ابن إمام أخو امام ابو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم.(الوحيد البهبهاني، مقامع الفضل 2: 259).
21 ـ الادلة العامة
لنا في اثبات امامة الائمة ادلة:
احدها: أن نبيّن أنّ كل زمان لابد له من إمام معصوم، ونبطل دعوى العصمة لمن ادعوا له الامامة، فيتعين الامامة لمن ادعيناها نحن له خاصة.
وثانيها: ان ننقل من النص عليه ما روته الامامية، ونقلته نقلاً متواتراً من كل امام على الذي قبله.
وثالثها: ان ننقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الاحاديث المتفق عليها عند الامامية وخصومهم أن الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم اثنا عشر خليفة، ثم نقول: كل من قال بذلك قال بامامة هؤلاء على التعيين والقول بالمنقول، مع ان الامامة في غيرهم خروج عن الاجماع.
ورابعها ان ننقل من المعجزات التي روتها الامامية عن كل واحد من الأئمة ما يدل على اختصاصه بالصدق ثم ننقل عنه دعوى الامامة فيتعين امامته....(المحقق الحلي، المسلك: 272 ـ 275).
قد عرفت ان نصب الرئاسة واجب في كل زمان لكونها لطفاً، وفعل اللطف واجب على الله تعالى، واذا ثبت ذلك وجب القول بوجود الامام في هذا الوقت والا خلا الزمان من الامام وهو محال.(المحقق الحلي، الرسالة الماتعية: 311).
... احدهما نص كل منهم على من بعده، وذلك مما تواترت به اخبار الامامية الاثني عشرية خلفاً عن سلف.
الثاني ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال لابنه الحسين: (ان ابني هذا إمام إبن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم...) وهذا نص صريح في عددهم.
فامّا معرفة عين كل واحد منهم في زمانه فبآيات وبكرامات تظهر على يديه، وتواترت به اخبار خواصهم وشيعتهم، وهي مسطورة في كتب الاثار عن الائمة....(ابن ميثم، قواعد المرام: 190، وانظر النجاة في القيامة للمؤلف: 167 ـ 168).
22 ـ الحاجة إلى الامام
قال القاضي: (... هذا (أي افتاء الفقهاء بما وصل إليه من أئمة) تصريح منكم باستغناء الشيعة بما علمته عن امام الزمان، لانها اذا كانت قد استفادت علم الحوادث عمّن تقدم ظهوره من الأئمة عليهم السلام فأيّ حاجة بها الى هذا الامام؟).
قيل له: انما يجب ما ظننته لو كان ما استفدته من هذه العلوم ووثقت به لا يفتقر الى كون الامام من ورائهم وقد علمنا خلاف ذلك، لانه لولا وجود الامام مع جواز ترك النقل على الشيعة، والعدول عنه لم نأمن أن يكون ما أدوه الينا بعض ما سمعوه، وليس نأمن وقوع ما هو جائز عليهم مما اشرنا إليه الاّ بالقطع على وجود معصوم من ورائهم.(المرتضى، الشافي 1: 173).
فقد بينا إنّا قد عرفنا اكثر الشريعة ببيان من تقدم من آبائه عليهم السلام غير أنه لا نقضي الغنى في الشريعة من الوجه الذي تردد في كلامنا مراراً.(المرتضى، الشافي 1: 186، الطوسي، تلخيص الشافي 1: 122 ـ 123).
23 ـ الادلة العامة
نقل اصحابنا متواتراً النص عليهم بأسمائهم من الرسول عليه السلام يدلّ على امامتهم، وكذلك نقل النص من امام على امام بعده، وكتب الانبياء سالفاً يدل عليهم، وخصومنا في خبر مسروق معترفون بهم، واشتراط العصمة يبطل غيرهم، والا خرج الحق عن الامة قاطبة.(ابراهيم بن نوبخت، الياقوت: 87).
24 ـ دليل فعل الأصلح
انّه قد دلّ العقل والنقل على انّه يجب على الله أن يفعل بعباده ما هو الاصلح لهم، ولا ريب انه لا يتم انتظام امر المعاد والمعاش والدين والدنيا الا بنصب رئيس ومعلم يرشد الناس الى الحق عند اختلافهم وجهلهم ويردهم اليه عند اختصاصهم ومنازعتهم.(شبر، حق اليقين 1: 184).
25 ـ الادلة السمعية على امامته
اما ادلة السمع على امامته فعلى ضروب:
منها: ان كل من أثبت امامة أبيه واجداده الى عليّ عليه السلام قال بامامته في الاحوال التي ذكرناها، وقد دللنا على امامتهم فلحق الفرع بالاصل والمنة لله، ولأنّا نعلم وكل مخالط لآل محمد عليهم السلام وسامع لحديثهم تدينهم بامامة الحجة الثاني عشر عليه السلام، ونصهم على كونه المهدي المستثير لله ولهم من الظالمين، وقد علمنا عصمتهم بالأدلة فوجب القطع على امامة الاثني عشر عليهم السلام خاصة، فما له وجبت امامة الاول من الآيات، والاخبار له وجبت امامة الثاني عشر اذ لا فرق بين الأمرين.
ومنها: النص على امامة الحجة عليه السلام وهو على ضروب ثلاثة: احدها النص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وامير المؤمنين عليه السلام على عدد الأئمة عليهم السلام وأنهم اثنا عشر...، والضرب الثاني من النص نص ابيه عليه بالامامة، وشهادة المقطوع بصدقهم بامامته..، واما الضرب الثالث من النص فهو ما ورد عن آبائه عليهم السلام من النبي وأمير المؤمنين الى ابنه الحسن بن علي بغيبة الحجة قبل وجوده وصفتها قبل مولده ووقوع ذلك مطابقاً للخبر من غير أن يتحرم منه شيء.....(ابو الصلاح، تقريب المعارف: 416 ـ 433).
26 ـ سند الادلة السمعية وتواترها
وليس لأحد أن يقول: جميع ما ذكرتموه من اخبار النصوص والمعجزات أخبار آحاد، وهي مع ذلك مختصة بنقلكم، وما هذه حاله لا يلزم الحجة به، لانّ هذا القدح دعوى مجردة، ومن تأمّل حال ناقلي هذه الاخبار علمهم متواترين بها على الوجه الذي تواتروا به من نقل النص الجلي، وقد بينا صحة الطريقة فيه، فلنعتمد هاهنا عند الحاجة ومساوٍ لنقل معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن لم يتأمل ذلك واعرض عنه لبعض الصوارف، فالحجة لازمة له ولا عذر له في جهله بما يقتضيه لتمكنه من تحصيل العلم به لو نظر على الوجه الذي يجب عليه، واذا ثبت تواترها لم يقدح فيه اختصاص نقلها بالفرقة الامامية دون غيرها، لانّ المراعي في صحة النقل وقوعه على وجه لا يجوز على ناقليه الكذب سواء كانوا ابراراً أو فجاراً متدينين بما نقلوه او مخالفين فيه.(ابو الصلاح، تقريب المعارف: 438 ـ 439).
والاخبار من طرق الشيعة بالنص عليه، وانه الامام الثاني عشر، وانه ابن الحسن العسكري عليه السلام متواترة بل تزيد على عدد للتواتر، وكلها مقرونة بالاعجاز، لان كل واحد من آبائه الكرام اخبر بترتيب امامتهم الى الثاني عشر وبخفاء ولادته وغيبته الكبرى والصغرى على انّه قد رآه جملة كثيرة من اوليائه وشيعته واستفادوا منه.(السيد شبر، حق اليقين 1: 284).
27 ـ نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم
والدليل على امامته نص النبي عليه....(محمد بن سعيد الراوندي، عجالة المعرفة: 40).
نقلت الشيعة نقلاً متواتراً نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كل واحد واحد منهم باسمه ونسبه وذلك كثير مشهور....(المقداد السيوري، ارشاد الطالبين: 375).
28 ـ نص آبائه عليه
أورد ابو الصلاح عدة احاديث حول الامام المهدي عليه السلام وغيبته...(ابو الصلاح، تقريب المعارف: 428 ـ 433).
والدليل على امامته نص النبي عليه ونص آبائه وقولهم حجة.(محمد بن سعيد الراوندي، عجالة المعرفة: 40 وانظر العلامة الحلي، الباب الحادي عشر: 50 ـ 51).
نقلت الشيعة... خلفاً عن سلف نقلاً متواتراً النص من كل واحد منهم على لاحقه، فيكون كل واحد منهم اماماً.(مقداد السيوري، ارشاد الطالبي: 377).
وقد تواتر النص عليه من النبي وآبائه عليهم السلام.(السبحاني، الملل والنحل 6: 519).
29 ـ نص ابيه عليه
أورد ابو الصلاح عدة احاديث عن الامام العسكري عليه السلام حول الامام المهدي عليه السلام وانه أراه لشيعته، فراجع.(ابو الصلاح، تقريب المعارف: 426، 427).
... ونص الحسن على ولده الخلف الصالح صلوات الله عليهم اجمعين، وجعل الحسن وكيله ابا محمد عثمان بن سعيد العمري الوسيط بينه وبين شيعته في حياته، فلما أدركته الوفاة أمره عليه السلام فجمع شيعته وأخبرهم أنّ ولده الخلف صاحب الامر بعده، وأن ابا محمد عثمان بن سعيد العمري وكيله وهو بابه....(السد آبادي، المقنع: 146، وانظر المنقذ للرازي 2: 391).
ان ذلك معلوم من نص ابيه، وان الاثني عشرية ينقلون خلفاً عن سلف ان الحسن عليه السلام اظهره ونص عليه، ولم يخرج من الدنيا حتى اكمل الله عقله وعلمه الحكمة وفصل الخطاب...(ابن ميثم، النجاة في القيامة: 207 وايضاً: 167).
... قال قوم: أنه (أي العسكري عليه السلام) مات واوصى بالامامة الى ولده محمد عليه السلام وهو القائم المنتظر....(العلامة الحلي، مناهج اليقين: 460).
عدة مواضيع في الامام المهدي (عليه السلام)
ورد عن اهل البيت عليهم السلام أن قوله تعالى:
(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون) النور: 55، نزل في عترة النبي وذرية الائمة الاطهار عليهم السلام، وتضمنت هذه الاية البشارة لهم بالاستخلاف والتمكن في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي منهم، فكانوا عليهم السلام هم المؤمنين العاملين الصالحات، بعصمتهم من الزلاّت.
وقد دلّ القرآن على استخلاف العباد الصالحين للارض في آخر الزمان، وان الصالحين يأمنون بعد طول خوفهم من الظالمين المرتكبين في أذاهم فقال الله عزّ وجلّ:
(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون) الانبياء: 105.
وقال تعالى: (وله اسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً واليه يرجعون) آل عمران: 83.
وقال تعالى: (وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً) النساء: 159.
ومثلهم فيما بشرهم الله تعالى به من ذلك ما تضمنه قوله تعالى:
(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون). القصص: 5 ـ 6.
ومما انزله فيهم سوى المثل لهم عليهم السلام قوله تعالى: (الذين إن مكناهم في الارض اقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهو عن المنكر ولله عاقبة الأمور) الحج: 41.(الشيخ المفيد، الافصاح، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 8/100 ـ 102).
الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف (اخبار رسول الله به)
روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الاتفاق من قوله:
 (لن تنقضي الايام والليالي حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي، يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).(الشيخ المفيد، الافصاح، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 8/102).
1 ـ دليل وجوده
الدليل على وجود الامام الحجة هو ان كل زمان لابد فيه من امام معصوم، والا لخلا الزمان من امام معصوم، مع انه لطف واللطف واجب على الله تعالى في كل زمان.(الشيخ المفيد، النكت الاعتقادية، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 10/44).
2 ـ ضرورة وجوده
عن الرضا عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إن الحجة لا تقوم لله على خلقه الا بإمام حي يعرف.(الشيخ المفيد/ الاختصاص، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 12/268. رواه الصفار في بصائر الدرجات ب10 ج10، والحميري في قرب الاسناد والكليني ايضاً في الكافي: 1/ 177، ونقله المجلسي في البحار: 7/7).
عن عمر بن يزيد، عن ابي الحسن الأول عليه السلام قال: سمعته يقول: من مات بغير امام مات ميتة جاهلية، امام حي يعرفه، فقلت: لم اسمع اباك يذكر هذا ـ يعني اماماً حياً ـ فقال: قد والله قال ذاك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من مات وليس له امام يسمع له ويطيع مات ميتة جاهلية.(المصدر السابق: 12/268. نقله المجلسي في البحار: 7/20).
عن محمد بن علي الحلبي قال: قال ابو عبد الله عليه السلام: من مات وليس عليه امام حي ظاهر مات ميتة جاهلية.(المصدر السابق: 12/269، البحار: 7/20).
عن ابي الجارود قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: من مات وليس عليه امام حي ظاهر مات ميتة جاهلية: قال: قلت: امام حيّ جعلت فداك؟ قال: امام حي.(المصدر السابق: 12/296 نقلهما المجلسي في البحار: 7/ 20).
3 ـ صغر سنه عند امامته
من الادلة على جواز الدليل العقلي اذ به ترتفع الاحاله ويدخل تحت القدرة بالنسبة الى صغر سن الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو قوله تعالى في قصة عيسى عليه السلام: (ويكلم الناس في المهد) آل عمران: 46. وفي قصة يحيى عليه السلام: (وآتيناه الحكم صبيا) مريم: 12. وقد اجمع جمهور الشيعة مع سائر من خالفهم على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا علياً وهو صغير السن ولم يدع الصبيان غيره وباهل بالحسن والحسين عليهم السلام وهما طفلان ولم ير مباهل قبله ولا بعده باهل بالاطفال.(السيد المرتضى، الفصول المختارة من العيون والمحاسن، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 2/319، وراجع ص 316. الشيخ المفيد/ الارشاد ج2، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/339).
4 ـ دليل وجوده
عندما قامت الدلالة على ان الارض لا تخلو من حجة، وثبت ان للحجة صفات ولم نر في ولد العباس، ولا في ولد علي ولا في قريش قاطبة من هو بتلك الصفات، فعلمنا بدليل العقل أن الحجة غيرهم ولو غاب الف سنة.(الشيخ المفيد، الرسالة الثانية في الغيبة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/16).
5 ـ الروايات
الامامية آمنت بالغيبة لوجود الاخبار المتواترة عن اهل البيت عليهم السلام في ذلك فان قال قائل لعل قوماً تواطؤوا في الأصل فوضعوا هذه الاخبار ونقلتها الشيعة وتدينت بها، فنقول في جوابه: إن هذا هو طعن في جميع الاخبار، لان قائلا لو قال للمسلمين في نقلهم لمعجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلها في الاصل موضوعة، ولعل قوماً تواطئوا عليها فنقلها من لا يعلم حالها في الاصل، وهذا ابطال الشرائع.(الشيخ المفيد، الرسالة الثانية في الغيبة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/12).
6 ـ دليل وجوده
الدليل على وجود الامام صاحب الغيبة هو ما نقل متواتراً عن أئمة الشيعة عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام ان الثاني عشر يغيب غيبه يرتاب فيها المبطلون(كمال الدين: 302/9، 303/14، 15، 16 و 304/17 ـ ارشاد المفيد 154، الغيبة للنعماني: 156 ح18)، ويحكمون أن الغيبة تقع على ما هي عليه، فليس تخلوا هذه الاخبار أن تكون صدقاً أو كذباً، فان كانت صدقاً فقد صح ما نقول، وإن كانت كذباً استحال ذلك، لأنه لو جاز على الامامية وهم على ما هم عليه لجاز على سائر المسلمين في نقلهم معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولجاز على سائر الامم، والفرق مثله حتى لا يصبح خبر في الدنيا، وكان ذلك ابطال الشرائع كلها.(الشيخ المفيد، الرسالة الثانية في الغيبة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/ 11، 12).
7 ـ دلائل وجوده
من الاخبار الدالة على وجود الامام المهدي ما روته العامة والخاصة، وهو خبر كميل ابن زياد قال: دخلت على امير المؤمنين صلوات الله عليه وهو ينكث في الارض فقلت له: يا مولاي مالك تنكث الارض ارغبة فيها؟ فقال: والله ما رغبت فيها ساعة قط، ولكني افكر في التاسع من ولد الحسين هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت ظلماً وجوراً، تكون له غيبة يرتاب فيها المبطلون، يا كميل بن زياد لابد لله في ارضه من حجة، اما ظاهر مشهور شخصه، واما باطن مغمور لكيلا تبطل حجج الله.(الشيخ المفيد، الرسالة الثانية في الغيبة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/12. كمال الدين: 289 ح2، الكافي 1: 273، الغيبة (للطوسي): 104، 204).
8 ـ دلائل وجوده
من الاخبار الدالة علي الامام المهدي هي ما روي عن الباقر صلوات الله عليه أن الشيعة قالت له يوماً: انت صاحبنا الذي يقوم بالسيف؟ قال: لست بصاحبكم، انظروا من خفيت ولادته فيقول قوم ولد ويقول قوم ما ولد، فهو صاحبكم.(الشيخ المفيد، الرسالة الثانية في الغيبة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/13. كمال الدين: 325 ح2).
9 ـ دلائل وجوده
من الاخبار الدالة على وجود الامام المهدي رواية الامام موسى بن جعفر عليه السلام انه قال: اذا توالت ثلاثة اسماء محمد وعلى والحسن فالرابع هو القائم صلوات الله عليه وعليهم.(الشيخ المفيد، الرسالة الثانية في الغيبة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/13. كمال الدين: 334 ح3، الغيبة (للنعماني): 179 ح26).
10 ـ دلائل وجوده
في جواب ما هو فرق وجود وعدم الامام مع طول غيبته، نقول إن الله اذا نصب دليلاً وحجة على سائر خلقه فاخافه الظالمون كانت الحجة على من اخافه لا على الله سبحانه، ولو اعدمه الله كانت الحجة على الله لا على الظالمين.(الشيخ المفيد، الرسالة الثانية في الغيبة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/ 15).
11 ـ رد مقوله انه رفع الى السماء
في رد من قال: الارفعه (الحجة) الله الى السماء، فاذا آن قيامه انزله نقول: ليس هو حجة على أهل السماء انما هو حجة على أهل الأرض، والحجة لا تكون الا بين المحجوجين به، وايضاً فقد كان هذا لا يمتنع في العقل لولا الأخبار الواردة أن الأرض لا تخلو من حجة، فلهذا لم يجز كونه في السماء واوجبنا كونه في الارض.(الشيخ المفيد، الرسالة الثانية في الغيبة، ضمن مصفنات الشيخ المفيد: 7/16).
12 ـ دلائل وجوده
من الاخبار الدالة على الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف قول الامام الصادق (صلوات الله عليه): كيف بكم اذا التفتم يمينا فلم تروا احداً، والتفتم شمالاً فلم تروا احداً، واستولت اقوام بني عبد المطلب، ورجع عن هذا الامر كثير ممن يعتقده، يمسى احدكم مؤمناً ويصبح كافرا، فالله الله في اديانكم هنالك فانتظروا الفرج.(الشيخ المفيد، الرسالة الثانية في الغيبة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/13).
13 ـ الروايات الواردة فيه
ولا نبالغ إن قلنا: الروايات الواردة في المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ من الفريقين ـ اكثر من الروايات الواردة في الائمة صلوات الله عليهم.(الشيخ فارس الحسون، مقدمة تحقيق كتاب الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/7).
14 ـ يملأ الارض قسطاً وعدلاً
نعتقد أن القائم المنتظر محمد بن الحسن (العسكري) هو الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وأنه هو الذي يظهر الله به دينه، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وانه هو الذي يفتح الله على يديه مشارق الارض ومغاربها، حتى لا يبقى في الارض مكان الاّ ونودي فيه بالأذان، ويكون الدين كله لله تعالى.(الشيخ الصدوق، الاعتقادات، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 5/95).
15 ـ اخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم
نعتقد ان الامام المهدي القائم المنتظر محمد بن الحسن العسكري هو الذي اخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عزّ وجلّ باسمه ونسبه.(الشيخ الصدوق، الاعتقادات، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 5/95).
16 ـ حضرت امام مهدى
درباره وجود حقيقى حضرت امام مهدى عليه السلام پيش گوىها نه فقط در قرآن وسنت بيان شده بلكه در كتب الهامى سابقه هم ذكرشان وجود دارد.
در داود آمده كه در آخر زمان سنبل عدالت ميآيد، ابرها بر سر ايشان سايه خواهد افكند، در كتاب صفياى پيغمبر صلى الله عليه وآله وسلم آمده كه در آخر زمان همه جهانيان موحد خواهند شد، در صحيفه شعياء پيغمبر آمده كه وقتى نور خدا ظهور ميكند، جهان آكنده از عدل وانصاف ميگردد... واين نور خدا بعد از ظهور با سيف از همه دشمنان انتقام ميگيرد.
در صحيفه تنجاس حرف الف است كه بعد از ظهور ايشان همه اصنام محو خواهند شد ظهور كننده پسر يك كنيز ميباشد در توريت در سفر انبياء كه حضرت مهدى ظهور خواهد كرد، در انجيل است كه مهدى وعيسى عليهما السلام دجال را مىكشند.(عبد الكريم مشتاق، شيعة مذهب حق 3 ص57 ـ 58، زبور آيت 4 ورموز 97 و 120. صفياى پيغمبر فصل3، اية 9 ـ صحيفه شعياء پيغمبر فصل11 ـ انجيل كتاب دانيال باب 12 فصل 9 آيت 24 روياى 2 ـ (بحواله كتاب الوسائل ص129) مطبوعه بمبئى).
17 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف (الامام الهادي)
عن ابي سعيد الخدري قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلاءً يصيب هذه الامة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ اليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من عترتي واهل بيتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الارض، لا تدع السماء من قطرها شيئاً الا صبته مدداً، ولا تدع الارض من نباتها شيئاً إلا اخرجته حتى يتمنى الاحياء الاموات يعيش في ذلك سبع سنين او ثمان سنين او تسع سنين.(سيد ابو الاعلى مودودى ـ قادپاني مسئله: 320 ـ 321 مشكوة باب الشراط الساعت بحواله مستدرك حاكم).
18 ـ ذكر انصار المهدى قبل الظهور
عن علي قال قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث حراث على مقدمته رجل يقال له منصور يوطّىء او يمكّن لال محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجب على كل مؤمن نصره او قال اجابته.(سيد ابو الاعلى مودودي، قادپاني مسئله... 318 ـ ابو داود كتاب الفتن، ذكر المهدي).
19 ـ الامام الهادي
لو لم يبق من الدنيا الا يوم لبعث الله عزّ وجلّ رجلا منا يملأها عدلا كما ملئت جوراً.
وعن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو لم يبق من الدهر الا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً.(سيد ابو الاعلى مودودي، قادپاني مسئله... 317، مسند احمد، سلسله روايات علي رضي الله عنه وابو داود، كتاب الفتن والملاحم، ذكر المهدي).
20 ـ الامام المهدي منجي البشرية
عن جعفر الصادق عن ابيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف تهلك الامة انا اولها والمهدي وسطها والمسيح آخرها.(سيد ابو الاعلى مودودي، قادپاني مسئله... 317، مشكوة، باب ثواب هذه الامة بحواله رزين).
21 ـ الروايات التي وردت في المهدي
... انّ هذه الاحاديث من حيث السند والدلالة تنقسم الى ثلاث طوائف:
1 ـ صحيحة السند ظاهرة الدلالة خالية من كل ريب، وقد نص أئمة الحديث واكابر الحفاظ على صحتها أو حسنها، وكون بعضها على شرط الشيخين البخاري ومسلم، ولا شك في وجوب الأخذ بهذه الطائفة والعمل بها.
2 ـ احاديث غير صحيحة من حيث السند وان كانت ظاهرة الدلالة، والقواعد المقررة في علم الحديث توجب الأخذ بها أيضاً لاعتضادها وانجبارها بالطائفة الاولى، واخذ المشهور لها بل الاجماع على مضمونها.
3 ـ وفيها الصحيح والضعيف، ولكنها مخالفة لعامة الاحاديث المستفيضة المتواترة واللازم طرحها والاعراض عنها إن لم يمكن تأويلها، مثل ما دل على أن اسم المهدي أحمد أو إنّ إسم ابيه يوافق اسم أب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو أنه من اولاد الحسن الزكي، حيث انّ هذه الاخبار شاذة اعرض عنها المشهور.
... وكانت احاديث الطائفتين الاولى والثانية تتجه نحو الهدف بعبارات شتى وتقصد التعيين بألفاظ مختلفة، ونستطيع ان نوجز خلاصتها على النحو الآتي:
لقد نص بعضها على كون المهدي من قريش... ونص بعضها على كونه من اولاد عبد المطلب... وبعض على كونه من آل محمد... وبعض على كونه من العترة... وبعض على كونه من أهل البيت... وبعض على كونه من أولاد علي... وبعض على كونه من اولاد فاطمة... وبعض على كونه التاسع من ذرية الحسين... وبعض على كونه ثاني عشر الاوصياء وثاني عشر الائمة وثاني عشر الخلفاء... وبعض على كونه ابن الحسن العسكري... وهكذا نجد أنّ هذه الاحاديث تحصر مهدي هذه الامة بابن الحسن العسكري..(آل ياسين، اصول الدين: 386 ـ 393).
22 ـ روايات المهدي عن الصحابة
1 ـ ابو إمامة الباهلي. 2 ـ ابو ايوب الانصاري. 3 ـ ابو سعيد الخدري. 4 ـ ابو سليمان ـ راعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. 5 ـ ابو الطفيل. 6 ـ ابو هريرة. 7 ـ ام حبيبة ام المؤمنين. 8 ـ ام سلمة ام المؤمنين. 9 ـ انس بن مالك. 10 ـ ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. 11 ـ جابر بن سمرة. 12 ـ جابر بن عبد الله الانصاري. 13 ـ حذيفة بن اليمان. 14 ـ سلمان. 15 ـ شهر ابن حوشب. 16 ـ طلحة بن عبيد الله. 17 ـ عائشة. 18 ـ عبد الرحمن بن عوف. 19 ـ عبد الله بن الحارث بن حمزة. 20 ـ عبد الله بن عباس. 21 ـ عبد الله بن عمر. 22 ـ عبد الله بن عمرو بن العاص. 23 ـ عبد الله بن مسعود. 24 ـ عثمان بن عفان. 25 ـ علي بن ابي طالب عليه السلام. 26 ـ علي الهلالي. 27 ـ عمار. 28 ـ عمران بن حصين. 29 ـ عوف بن مالك. 30 ـ قرة بن اياس. 31 ـ مجمع بن جارية الانصاري. (ولمزيد الاطلاع راجع مجلة الجامعة الاسلامية عدد 3 ص 128 تحت عنوان: عقيدة أهل السنة والاثر في المهدي المنتظر).(آل ياسين، اصول الدين: 393 ـ 395).
23 ـ تواتر احاديث المهدي
قد ألف بعض علماء أهل السنة كتباً مستقلة حول تواتر روايات المهدي عليه السلام....(مكارم الشيرازي، عقائدنا: 88).
24 ـ الاضطرار الى الحجة
ان الدنيا منزل من منازل السائرين الى الله عزّ وجلّ والبدن مركب، ومن ذهل عن تدبير المنزل والمركب لم يتم سفره، وما لم ينتظر امر المعاش في الدنيا لا يتم أمر التبتل والانقطاع الى الله الذي هو السلوك، ولا يتم ذلك حتى يبقى بدنه سالماً ونسله دائماً وانما يتم كلاهما بأسباب الحفظ لوجودهما واسباب الدفع لمفسداتهما، اما اسباب الحفظ لوجودهما فالاكل والشرب والمناكحة.. مع أنهم محتاجون الى تمدن واجتماع وتعاون فاضطروا الى قانون مرجوع اليه بين كافتهم يحكمون به بالعدل... وذلك القانون هو الشرع، ولابد من شارع يعين لهم ذلك القانون والمنهج لينتظم به معيشتهم في الدنيا، ويسنّ لهم طريقاً يصلون به الى الله عزّ وجلّ... وكما لابد في العناية الالهية لنظام العالم من المطر فنظام العالم لا يستغني عمن يعرفهم موجب صلاح الدنيا والاخرة، نعم من لم يهمل انبات الشعر على الحاجبين للزينة كيف أهمل وجود رحمة للعالمين؟... ام من لم يترك الجوارح والحواس حتى جعل لهم رئيساً كيف يترك الخلائق كلهم في حيرتهم وشكهم لا يقيم لهم هادياً يردّون اليه شكهم وحيرتهم؟
روى في الكافي عن الامام الصادق عليه السلام انه قال للزنديق الذي سأله: من أين أثبتّ الانبياء والرسل؟ قال: انّا لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يجز أن يشاهده خلقه... ثبت أنّ له سفراء في خلقه يعبرون عنه إلى خلقه وعباده، ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم... فثبت الامرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه... وهم الانبياء وصفوته من خلقه... ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان ممّا اتت به الرسل والانبياء من الدلائل والبراهين لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدلّ على صدق مقالته وجواز عدالته.(الفيض، علم اليقين 1: 338 ـ 341، شبر، حق اليقين 1: 125).
ان ما ذكر في بيان الاضطرار الى الرسل فهو بعينه جار في الاضطرار الى اوصيائهم، لان الاحتياج اليهم غير مختص بوقت دون آخر، وفي حالة دون اخرى، ولا يكفي بقاء الكتب والشرايع من دون قيّم لها عالم بها، افلا ترى الى الفرق المختلفة كيف يستندون من مذاهبهم كلها الى كتاب الله لجهلهم بمعانيه وزيغ قلوبهم، فظهر انه لابد لكل نبي مرسل أن ينصب وصياً يودع فيه اسرار نبوته واسرار الكتاب المنزل عليه ويكشف له مبهمه، ليكون ذلك الوصي هو حجة ذلك النبي على قومه، ولئلاّ يتصرف الامة في ذلك الكتاب بآرائها وعقولها فتختلف وتزيغ قلوبها كما اخبر الله عزّ وجلّ به فقال: (هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا...) ال عمران: 7. فالرسول والامام والكتاب هو الحجة على الامة ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة.(الفيض، علم اليقين 1: 375 ـ 376، شبر، حق اليقين 1: 183).
25 ـ وجوب نصب الامام
والحق عندنا ان وجوب نصب الامام عام في كل وقت، وخالف في ذلك فريقان احدهما ابو بكر الاصم واصحابه، فانهم ذهبوا الى أن وجوبه مخصوص بزمان الخوف وظهور الفتن ولا يجب مع الأمن وانصاف الناس بعضهم من بعض لعدم الحاجة اليه، والفريق الثاني الفوطي واتباعه فانهم ذهبوا الى عدم وجوبه مع عدم الفتن، فانه ربما كان نصبه سبباً لزيادة الفتن واستنكافهم عنه، وانما يجب عند العدل والأمن اذ هو اقرب الى شعائر الاسلام، لنا دلالة الادلة الدالة على وجوبه على عمومها، اذ مع الانصاف والأمن يجوز الخطأ ويحتاج الى حفظ الشرع واقامة الحدود فيجب الامام، ومع ظهور الفتن الخطأ واقع، فالمكلف الى اللطف يكون احوج.(العلامة الحلي، الالفين: 37).
26 ـ الدليل العقلي على وجود المعصوم في كل زمان
... ومما يدل على وجوب نصب امام معصوم بعد ورود الشرع بالاعتبار العقلي ما قد ثبت ان امة نبينا عليه السلام متعبدون بشرعه من العبادات والعقود والمواريث واحكام الجنايات، ولا شك أنّ تفاصيل ما جاء به من الشرع في هذه الاقطاب الاربعة لم يعلم ضرورة ولا يهتدي اليها بأدلة العقول، وليس في نصوص الكتاب والسنة المقطوع بها ما يدلنا على جميع ما تعبدنا به من شرعه، وكذا الاجماع من حيث أن عدمه ظاهر في اكثر الشريعة، اذ اختلاف الامة في اكثر الشرعيات مما لا يخفى، على ان الاجماع لو لم يشتمل على قول معصوم او فعله إن كان اجماعاً على فعل أو رضاه بالقول او الفعل لم يكن دليلاً، ولو ادعى احد أنّ جميع احكام الشرع مبينة في الكتاب والسنة كان جاحداً معانداً، اذ لو كان كذلك لما اختلف علماء الامة فيما اختلفوا فيه من الشرعيات، ولهذا فزع اكثر مخالفينا في الامامة الى القول بالقياس والاجتهاد... ولم يثبت كون خبر الواحد والقياس والاجتهاد حجة في الشرع... فيجب أن يكون في الامة معصوم مقطوع على عصمته مأمون الخطأ والزلل من جهته ليرجع اليه في تعرف المسكوت عنه في الكتاب والسنة المقطوع بها، والاّ كانت الامة متعبدة مكلفة بما لا يهتدي اليه، وذلك معدود في تكليف ما لا يطاق وهو قبيح، او لم يكلفوا من الشرع سوى المنصوص عليه في الكتاب والسنة المقطوع بها وذلك خلاف الاجماع....(الرازي، المنقذ 2: 256 ـ 257).
27 ـ الدليل العقلي
ومما يدل على وجوب امام معصوم في كل زمان انّا علمنا ضرورة انّه ليس جميع أدلة الشرع ظاهرة مطابقة لحقائق اللغة، بل نعلم انّ في القرآن والسنة متشابهاً ومحتملاً، وان العلماء من أهل اللغة قد اختلفوا في المراد به... فلابد من مبين للمشكل ومترجم للغامض يكون قوله حجة كقول الرسول...
فان قيل: جميع ادلة الشرع المحتملة فيها بيان من الرسول يفصح عن المراد، قيل: هذا ارتكاب يعلم بطلانه ضرورة لوجودنا مواضع كثيرة اشكلت على العلماء... فلو سلمنا انّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تولى بيان جميع ما يحتاج الى البيان ولم يخلف منه شيئاً على خليفته لكانت الحاجة من بعد الى الامام ثابتة، لانّا نعلم أن بيانه صلى الله عليه وآله وسلم وان كان حجة على من شافهه وسمعه من لفظه فهو حجة على من يأتي بعده ممن لا يعاصره ويلحق زمانه، ونقل الامة لذلك البيان قد بيّنّا انّه ليس بضروري، وانّه غير مأمون منهم العدول عنه... فلابد من امام مؤد له من النبي مشكل القرآن وموضح عما غمض عنّا من ذلك....(تلخيص الشافي 1: 174 ـ 177).
28 ـ الدليل العقلي
1 ـ فمن الادلة العقلية التي أوردوها دليل اللطف ومفاد هذا الدليل: أنّ العقل يحكم بوجوب اللطف على الله تعالى، وهو فعل ما يقرب الى الطاعة ويبعد عن المعصية، ويوجب إزاحة العلة وقطع العذر بما لا يصل الى حد الإلجاء لئلا يكون للناس على الله حجة، فكما أنّ العقل حاكم بوجوب إرسال الرسل وبعثة الأنبياء ليبينوا للناس ما أراد الله منهم وللحكم بينهم بالعدل: كذلك يجب نصب الامام ليقوم مقامهم تحقيقاً لنفس العلة، فإنّ الله لا يخلي الارض من حجة، وليس زمان بأولى من زمان في ذلك، إلى آخر ما أوردوه.(الوائلي، هوية التشيع: 181 ـ 182).
2 ـ أما من الأدلة النقلية فذكروا ما يلي: قال الله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم) فقد فسرت هذه الاية كما عن الامام الصادق عليه السلام بخروج المهدي وتحقيق هذه الاشياء على يديه(أعيان الشيعة ج4 ص 389)، وقد قيل إنّ لسان هذه الاية عام يشير الى تحقيق هذه الامور على أيدي المسلمين، فأجابوا أنّ القرائن تفيد أنّ هذه الامور لم تتحقق على النحو الذي ذكرته هذه الاية من مجيء الاسلام حتى يومنا هذا، ووعد الله لابد من تحقيقه، وتلك قرينة على تحققه في المستقبل، يضاف لذلك أنّ من أساليب القرآن الكريم أن يعبر عن الخاص بصيغة العام، وعن المفرد بالجمع في كثير من الموارد، ولذلك قال الفخر الرازي عند تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) الخ المائدة: 57.
قال: إنّها نزلت في أبي بكر بقرينه أنّه هو الذي قاتل المرتدين مع أنّ لسان الاية عام(تفسير الرازي، ج3 ص 416)، ومن الأحاديث التي استدل بها الشيعة في موضوع المهدي ما رواه الطوسي في الغيبة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا تذهب الدنيا حتى يلي اُمتي رجل من أهل بيتي يقال له المهدي(أعيان الشيعة ج4 ص390)، هذه فكرة موجزة أردت بها الاشارة الى إجماع المسلمين على موضوع المهدي. وحينئذ لا يبقى قيمة لأقوال المهرجين الذين يريدون إبعاد الفكرة عن الاسلام غير عابئين بما ورد فيها من آثار ونصوص، واذا كان البعض قد استغل الفكرة عبر التاريخ فما ذلك بموجب لنكرانها ورمي من يعتقد بها بالتخريف، وما أسهل نفي فكرة اذا كانت لا تلتقي مع مصلحة شخص أو كان يجهلها. على أنّني لا اُصحح جميع ما أحاط بها من ذيول، بل لابد من الاقتصار على ما تثبت صحته بالطرق المعتبرة، ويجدر بالبعض أن يبتعد عن التهرج الذي يصل ببعضهم إلى القول:

ما آن للسرداب أن يلد الذي * * * صيّرتموه بزعمكم إنساناً
فعلى عقولكم العفاء لأنّكم * * * ثلّثتموا العنقاء والغيلانا

إنّ هؤلاء تسرعوا فقالوا بما لا يعرفون، وإننا نقول لأمثال هؤلاء سلاماً كما أمر القرآن الكريم.(الوائلي، هوية التشيع: 182 ـ 183).
29 ـ الدليل العقلي على امامته وغيبته
انّ العقل قد دلّ على وجوب الامامة، وان كل زمان ـ كلّف فيه المكلفون الذين يجوز منهم القبيح والحسن والطاعة والمعصية لا يخلو من امام، وانّ خلّوه من امام اخلال بتمكينهم وقادح في حسن تكليفهم، ثم دل العقل على انّ ذلك الامام لابد من كونه معصوماً من الخطأ والزلل مأموناً منه فعل كل قبيح، وليس بعد ثبوت هذين الاصلين الا امامة من تشير الامامية الى امامته، فانّ الصفة التي دل العقل على وجوبها لا توجد الا فيه، ويتعرى منها كلّ من تدّعي له الامامة سواه، وتنساق الغيبة بهذا سوقاً حتى لا تبقى شبهة فيها، وهذه الطريقة أوضح ما اعتمد عليه في ثبوت امامة صاحب الزمان وأبعد من الشبهة، فان النقل بذلك وإن كان في الشيعة فاشياً والتواتر به ظاهراً ومجيئوه من كل طريق معلوماً، فكلّ ذلك يمكن دفعه وادخال الشبهة فيه التي يحتاج في حلها الى ضروب من التكليف، والطريقة التي أوضحناها بعيدة من الشبهات قريبة من الافهام، وبقي أن ندل على صحة الاصلين: اما الذي يدل على وجوب الامامة في كل زمان، فهو مبني على الضرورة، ومركوز في العقول الصحيحة، فانّا نعلم علماً لا طريق للشك عليه، ولا مجال انّ وجود الرئيس المطاع المهيب مدبراً ومتصرفاً أردع عن القبيح، وادعى الى الحسن، وأنّ التهارج بين الناس والتباغي اما أن يرتفع عند وجود من هذه صفته من الرؤساء او يقل وينزر، وان الناس عند الإهمال وفقد الرؤساء وعدم الكبراء يتتابعون في القبيح وتفسد احوالهم وينحل نظامهم، وهذا اظهر واشهر من ان يدل عليه، والاشارة فيه كافية، وما يسأل عن هذا الدليل من الأسئلة في الشافي....
واما الذي يدل على وجوب عصمة الامام فهو ان علة الحاجة الى الامام هي ان يكون لطفاً للرعية في الامتناع من القبيح، وفعل الواجب على ما اعتمدناه ونبهنا عليه، فلا يخلو من ان تكون علة الحاجة اليه ثابتة فيه أو تكون مرتفعة عنه، فان كانت موجوده فيه فيجب ان يحتاج الى امام كما احتيج اليه، لانّ علة الحاجة لا يجوز ان تقتضيها في موضع دون آخر، لان ذلك ينقض كونها علة، والقول في امامة كالقول فيه في القسمة التي ذكرناها، وهذا يقتضي اما الوقوف على امام ترتفع عنه علة الحاجة او وجود أئمة لا نهاية لهم وهو محال، فلم يبق بعد هذا الا أنّ علة الحاجة اليه مفقودة فيه، ولن يكون ذلك الا وهو معصوم، ولا يجوز عليه فعل القبيح...
واذا ثبت هذان الاصلان فلابد من امامة صاحب الزمان بعينه، ثم لابد ـ مع فقد تصرفه وظهوره ـ من القول بغيبته.
فان قيل: كيف تدعون انّ ثبوت الاصلين اللذين ذكرتموهما يثبت امامة صاحبكم بعينه ويجب القول بغيبته؟ وفي الشيعة الامامية ايضاً من يدعي امامة من له الصفتان اللتان ذكرتموهما وان خالفكم في امامة صاحبكم، كالكيسانية القائلين بامامة محمد بن الحنفية... وكالناووسية القائلين بان المهدي المنتظر ابو عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، ثم الواقفية القائلين بان المهدي المنتظر موسى بن جعفر عليهما السلام؟
قلنا: كل من ذكرت لا يلتفت الى قوله ولا يعبأ بخلافه لانّه دفع ضرورة وكابر مشاهدة، لان العلم بموت محمد بن الحنفية كالعلم بموت ابيه واخوته صلوات الله عليهم وكذلك العلم بوفاة الصادق... والعلم بوفاة موسى... فصارت موافقتهم في صفات الامام غير نافعة مع دفعهم الضرورة وجحدهم العيان، وليس يمكن ان يدعى ان الامامية القائلين بامامة ابن الحسن عليهما السلام قد دفعوا عياناً في ادعائهم ولادة من علم فقده وانه لم يولد، وذلك انّه لا ضرورة في نفي ولادة صاحبنا عليه السلام ولا علم بل ولا ظن صحيحاً، ونفي ولادة الاولاد من الباب الذي لا يصح أن يعلم ضرورة في موضع من المواضع، وما يمكن أحداً ان يدعي فيمن لم يظهر له ولد انه يعلم ضرورة انه لا ولد له، وانما يرجع ذلك الى الظن والامارة، وانه لو كان له ولد لظهر أمره وعرف خبره، وليس كذلك وفاة الموتى فانه من الباب الذي يصح ان يعلم ضرورة حتى يزول الريب فيه.
الا ترى ان من شاهدناه حياً متصرفاً ثم رأيناه بعد ذلك صريعاً طريحاً فقدت حركات عروقه وظهرت دلائل تغيره وانتفاخه نعلم يقيناً انه ميت، ونفي وجود الاولاد بخلاف هذا الباب، على انا لو تجاوزنا ـ في الفصل بيننا وبين من ذكر في السؤال ـ عن دفع المعلوم كلامنا واضحاً، لان جميع من ذكر من الفرق قد سقط خلافه بعدم عينه وخلو الزمان من قائل بمذهبه.
اما الكيسانية فما رأينا قط منهم احداً ولا عين لهذا القول ولا اثر وكذلك الناووسية، واما الواقفة فقد رأينا منهم نفراً شذاذاً جهالاً لا يعدّ مثلهم خلافاً، ثم انتهى الامر في زماننا هذا، وما يليه الى الفقد الكلي حتى لا يوجد هذا المذهب إن وجد الا في اثنين او ثلاثة على صفة من قلة الفطنة والغباوة يقطع بها على الخروج من التكليف فضلاً ان يجعل قولهم خلافاً يعارض به الامامية... ولا خلاف بيننا وبين مخالفينا في انّ الاجماع انما يعتبر فيه الزمان الحاضر دون الماضي الغابر.
واذا بطلت امامة من اثبتت له الامامة بالاختيار والدعوة في هذا الوقت لاجل فقد الصفة التي دل العقل عليها وبطل قول من راعى هذه الصفة في غير صاحبنا لشذوذه وانقراضه، فلا مندوحة عن مذهبنا، ولابد من صحته والاّ خرج الحق عن جميع اقوال الامة.(المرتضى، المقنع: 34 ـ 41، وأيضاً الذخيرة: 502 مختصراً، ونحوه الشافي 3: 146 مختصراً، وايضاً شرح جمل العلم: 219 ـ 226، وتلخيص الشافي 4: 209 ـ 211).
30 ـ ضرورة وجود المجتهدين في كل زمان
ان الشريعة لابد لها من حافظ وناصر في تبليغ الاحكام الى المكلفين، وكذلك نصب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أئمة عليهم السلام لتبليغ الاحكام وحفظ الاسلام الى ان انتهى الامر الى صاحب الامر عليه السلام، واقتضت المصلحة الالهية والحكمة الخفية اختفاءه، فنصب نائباً بعد نائب للتوسط بينه وبين الرعايا في تبليغ الحكم ثم انقرضوا بانقراض آخرهم وهو علي بن محمد السمري، فانقطعت الواسطة وتعذر الوصول اليه، فلابد من عارف عادل ظاهر يرجع الناس اليه في الاحكام الشرعية في زمن الغيبة، والا لاختلفت الاحكام الشرعية وتعطلت الحكمة الالهية....
واقول: كما أن النقل والعقل دلاّ على وجوب المجتهد، كذلك الأخبار والاثار والحكمة والمصلحة تدلّ على وجوده وظهوره في كل قطر من الاقطار، وكل بلد من البلدان، وكل زمان وأوان، والمنكر مكابر لم يلتفت اليه.(الشهيد الثاني، رسالة الاقتصار المطبوعة مع حقائق الايمان: 192 ـ 194).
31 ـ المهدي في كلام عليّ عليه السلام
قال علي عليه السلام: (... ألا أنّ مثل آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كمثل نجوم السماء إذا خوى نجم طلع نجم فكأنكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع وأراكم ما كنتم تأملون).(النهج الخطبة: 97).
... تعيين للأئمة من آل محمد، قالت الامامية: هم الاثني عشر من اهل البيت وشبههم بالنجوم، ووجه التشبيه امران: احدهما انهم يستضاء بأنوار هداهم في سبيل الله كما يستضيء المسافر بالنجوم في سفره ويهتدي بها، والثاني: ما أشار اليه بقوله: (كلّما خوى نجم طلع نجم)، وهو كناية عن كونهم كلما خلا منهم سيد قام سيد، والامامية يستدلون بهذا الكلام منه عليه السلام على انه لا يخلو زمان من وجود قائم من أهل البيت يهتدي به في سبيل الله. وقوله: (فكأنّكم...) اشار الى منّة الله عليهم بظهور الامام المنتظر واصلاح أحوالهم بوجوده....(ابن ميثم، شرح النهج 1: 483 و 485).
32 ـ المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
قال علي عليه السلام: (... اللهم بلى لا تخلو الارض من قائم لله بحجة اما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً لئلاّ تبطل حجج الله وبيناته...).(قصار الحكم، النهج: 134).
قالت الشيعة: هذا تصريح منه عليه السلام بوجوب الامامة بين الناس في كل زمان ما دام التكليف باقياً، وإنّ الامام قائم بحجة الله على خلقه ويجب بمقتضى حكمته، وهو إما أن يكون ظاهراً معروفاً كالذين سبقوا الى الاحسان ووصلوا الى المحل الاعلى من ولده الاحد عشر، واما أن يكون خائفاً مستوراً لكثرة اعدائه وقلّة المخلص من اوليائه كالحجة المنتظر لئلاّ يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.(ابن ميثم، شرح النهج 2: 548 ـ 550).
33 ـ الدليل العقلي على امامته
فاما برهان العقل فعلمنا به وجوب الرئاسة وعصمة الرئيس وفضله على الرعية في الظاهر والباطن وكونه أعلمهم بما هو رئيس فيه، وكل من قال بذلك قال بامامة الحجة بن الحسن عليه السلام وكونه الرئيس ذا الصفات الواجبة دون سائر الخلق من وفاة ابيه والى ان يظهر للانتقام من الظالمين، ولانّ اعتبار هذه الاصول العقلية يقضي بوجود حجة في الاوقات المذكورة دون من عداه، لأن الامة في كل عصر أشرنا اليه بين ناف للامامة ومثبت لها معترف بانتفاء الصفات الواجبة للامام عمّن أثبت امامته ومثبت لامامة الحجة بن الحسن عليه السلام، ولا شبهة في فساد قول من نفي الامامة لقيام الدلالة على وجوبها، وقول من أثبتها مع تعرّي الامام من الصفات الواجبة للامام لوجوبها له، وفساد امامة من انتفت عنه، وحصول العلم بكون الحق في الملة الاسلامية فصحّ بذلك القول بوجود الحجة عليه السلام، اذ لو بطل كغيره من اقوال المسلمين لاقتضى ذلك فساد مدلول الادلة، أو خروج الحق عن الملة الاسلامية، وكلا الأمرين فساد، فصّح ما قلناه، وقد سلف لنا استنادها بين الطريقين الى أحكام العقول دون السمع....(ابو الصلاح، تقريب المعارف: 415 ـ 416).
... اذا ثبت بما قدمناه إن الزمان لا يخلو من امام من شرطه ان يكون مقطوعاً على عصمته، ويكون اكثر ثواباً عند الله، واعلمهم بجميع احكام الشريعة سهل الكلام على امامة بعد امير المؤمنين عليه السلام، لانه يعتبر اقوال الامة في كل عصر فنجدها بين اقوال: قائل يقول لا امام... وقائل يقول بامامة من لا يقطع على عصمته... وقائل يقول بامامة من يدعي عصمته، لكنه يذهب الى امامة من لا يدعي النص عليه ولا المعجز... ومن ادعى النص اما صريحاً واما محتملاً... وهذه الجملة اذا اعتبرتها في امام من عهد الحسين الى عهد القائم عليهم السلام وجدتها صحيحة لا يمكن الطعن عليها....(الطوسي، الاقتصاد: 365 ـ 366).