المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
بقلم: علي الكوراني العاملي
الطبعة الثانية 1427
فهرس الكتاب
مقدمة..................3.
الفصل الأول: الخطر الأكبر على الأمة.. الأئمة المضلون..................5.
1 - الأئمة المضلون هم الخطر على الأمة وليس الدجال..................5.
2 - الأئمة المضلون يسفكون دماء العترة..................7.
3 - محاولات تبرئة الصحابة وتأخير الوعد النبوي بالمضلين..................9.
4 - إن أطعتموهم أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم..................10.
5 - تطبيق أمير المؤمنين (عليه السلام) للأئمة المضلين..................11.
6 - تطبيق عُبَادَة بن الصامت رحمه الله للأئمة المضلين..................12.
7 - نصَّ النبي (صلى الله عليه وآله) على أن الأئمة المضلين من صحابته..................13.
8 - وقال عمر إن النبي (صلى الله عليه وآله) أسرَّ اليه التحذير من الأئمة المضلين..................14.
9 - وجاء النبي (صلى الله عليه وآله) إلى بيت عمر ولعلها المرة الوحيدة..................16.
10 - سبب ابتلاء الأمة بهؤلاء الأئمة المضلين..................17.
11 - أحاديث الشجرة الملعونة في القرآن تفسر المضلين..................18.
12 - حديث: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ينفعنا ولا يصح عندنا..................20.
13 - استمرار حكم الأئمة المضلين وأتباعهم حتى ظهور المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)..................22.
الفصل الثاني: ضخموا خطر الدجال للتغطية على الأئمة المضلين..................23.
1 - الدجال من وجهة نظر أهل البيت (عليهم السلام)..................23.
2 - أحاديث الدجال في مصادر السنيين غابة متناقضة..................32.
سماه اليهود المسيح الدجال بغضاً بالمسيح..................32.
خالفوا النبي (صلى الله عليه وآله) وجعلوا الدجال أخطر من الأئمة المضلين..................33.
وجعلوا للدجال قدرات أسطورية..................37.
الدجال عند بخاري، وأفضل ما رواه في الدجال..................39.
3 - عقيدة اليهود في الدجال..................41.
الدجالون اليهود نشروا الأسطورة والخوف من الدجال..................43.
زعموا أن جميع الأنبياء (عليهم السلام) حذروا من الدجال..................44.
زاد تضخيمهم للدجال في حجة الوداع وبعدها..................48.
استمر خوف الناس من الدجال حتى طبقوه على المغول..................49.
4 - كعب الأحبار أكبر أبطال التحريف في عقيدة الدجال..................49.
جعل كعب حركة الدجال حركة عربية..................50.
جريمة كعب ورواة الخلافة في تشويه مستقبل الأمة..................52.
زعم كعب أن اليهود يفتحون القسطنطينية..................53.
كعب يخوِّف المسلمين بالدجال إن فتحوا القسطنطينية..................54.
كعب يرد على النبي (صلى الله عليه وآله) وأتباع الخلافة يطيعونه..................57.
رد أهل البيت (عليهم السلام) على مكذوبات كعب في الدجال..................58.
كعب يربط فتح القسطنطينية بقيام الساعة..................60.
5 - عقيدة الدجال التي نشرها تميم الداري..................65.
6 - عقيدة الدجال التي نشرها عمر بن الخطاب..................73.
عبد الله بن عمر وحفصة يؤكدان عقيدة أبيهما..................73.
خمس ملاحظات على عقيدة الدجال عند عمر..................74.
6 - روى علماؤنا حديث ابن صياد غير منقوص وردوا عليه..................76.
7 - تحير علمائهم وجهالهم بين دجال تميم ودجال عمر..................81.
8 - محنة المسكين عبد الله بن صياد وحفيده عمارة الإمام عندهم..................83.
9 - أحاديث في الدجال يمكن أن تكون صحيحة..................88.
أنه من يهود المشرق أو يهود أصفهان..................88.
أتباعه اليهود وأولاد الحرام..................89.
المدينة ومكة محرمتان عليه..................89.
الكذابون قبل الدجال..................91.
من لم يؤمن بدجال كعب فقد كفر..................94.
ختام في دابة الأرض ويأجوج ومأجوج..................94.
آية دابة الأرض التي تكلم الناس..................95.
دابة الأرض في مصادر السنيين...................
أنواع المبالغات والإسرائيليات...................
رواية أن علياً دابة الأرض ورواية نفي ذلك...................
آيات يأجوج ومأجوج...................
نموذج من مبالغاتهم في يأجوج ومأجوج...................
الفصل الثالث: الطائفة الثابتة حتى يظهر إمامها المهدي (عليه السلام)..................111.
الغرباء والطائفة الثابتة حتى يظهر إمامها المهدي (عليه السلام)...................
من أحاديثهم في الطائفة الظاهرة أو المنصورة...................
أحاديث مكذوبة ومحرفة لمدح معاوية وأهل الشام...................
ومثلها في مدح سكان بيت المقدس وحوله...................
ومثلها في مدح أهل الطالقان...................
ومن مكذوبات اليهود في تفضيل بلاد الشام...................
أحاديث الغرباء وغربة الإسلام في مصادر الطرفين...................
مجددو الإسلام...................
من هم الغرباء والطائفة المنصورة...................
حديث بعثت بين جاهليتين...................
الفصل الرابع: الفتن الموعودة في هذه الأمة..................131.
1 - تحذير النبي (صلى الله عليه وآله) لأمته من الفتن بعده مباشرة...................
2 - الفتنة العالمية وامتلاء الأرض بالظلم والجور من الجبارين...................
3 - استغلال رواة الخلافة أحاديث الفتن...................
ثلاث ملاحظات في توظيفهم أحاديث الفتن لمقتل عثمان وحرب الجمل...................
4 - أهل البيت (عليهم السلام) أمان الأمة وسفينة النجاة من الفتن...................
5 - اختلاف الروايات في عدد الفتن في هذه الأمة...................
6 - الفتن المتصلة بظهور المهدي (عليه السلام)...................
حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم...................
يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل...................
يكون على تظاهر العمر وانقطاع من الزمان...................
إذا كثرت الشرط وملكت الإماء...................
فتنة كلما قيل انقطعت تمادت...................
شر الفتن كلها تكون قبل ظهوره (عليه السلام)...................
7 - فتنة كنز الكعبة وجبل الذهب...................
أربع ملاحظات حول كنز الكعبة وظهور المهدي من المشرق...................
8 - الفتنة التي تكون بعد موت الخامس من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)...................
9 - الفتنة في العقيدة بعد فقدان الخامس من ولد السابع...................
ملاحظتان حول الأوصياء واليماني...................
10 - تربية الشيعة على مواجهة الفتن وانتظار الإمام المهدي (عليه السلام)...................
11 - فتنة بلاد الشام قبل ظهور المهدي (عليه السلام)...................
12 - شدة الفتنة قبل ظهور المهدي (عليه السلام) وحدث يكون في الحجاز...................
13 - نصوص كثيرة تشبه الأحاديث وليست بها...................
الفصل الخامس: ذم حكام السوء وعلماء آخر الزمان..................169.
1 - علماء السوء أتباع الأئمة المضلين...................
الفصل السادس: النبي (صلى الله عليه وآله) يبشر الأمة بالمهدي (عليه السلام) من عترته..................175.
المهدي من عترتي اسمه اسمي وكنيته كنيتي...................
المهدي (عليه السلام) حتمي ودولته العالمية حتمية...................
المهدي حق وهو من ولد فاطمة (عليها السلام)...................
النبي (صلى الله عليه وآله) يبشر فاطمة الزهراء بالمهدي (عليهما السلام)...................
النبي (صلى الله عليه وآله) يبشر علياً بالمهدي (عليهما السلام)...................
النبي (صلى الله عليه وآله) يبشر الحسين بالمهدي (عليهما السلام)...................
وكذلك بشَّر عليٌّ ولده الحسين (عليهما السلام)...................
ابتكار النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) أساليب جديدة في التحديد...................
الإمام الكاظم (عليه السلام) يشرح حديث جده (صلى الله عليه وآله)...................
أمير المؤمنين (عليه السلام): يبشر بالمهدي الحادي عشر من ولده...................
الإمام الحسين (عليه السلام) يبشر بالمهدي التاسع من ولده...................
الإمام زين العابدين (عليه السلام): كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم...................
الإمام الباقر (عليه السلام): قائمنا السابع من ولدي...................
الإمام الصادق (عليه السلام) يبشر بالمهدي السادس من ولده...................
الإمام الكاظم (عليه السلام): القائم هو الخامس من ولدي...................
الإمام الرضا (عليه السلام) يبشر بالمهدي الرابع من ولده...................
الفصل السابع: الإمام المهدي (عليه السلام) خاتم الأوصياء..................199.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): بنا فتح الله وبنا يختم...................
وما من سِرٍّ إلا والمهدي (عليه السلام) يختمه...................
أمير المؤمنين (عليه السلام): بنا فتح وبنا يختم لا بكم...................
خاتم الأوصياء من ذرية خاتم الأسباط...................
وبمهدينا تنقطع الحجج...................
الإمام العسكري (عليه السلام): هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه...................
الإمام العسكري (عليه السلام) لولده: وأنت خاتم الأئمة الطاهرين...................
الإمام المهدي (عليه السلام): أنا خاتم الأوصياء وبي يرفع الله البلاء...................
الفصل الثامن: تحريف البشارة النبوية وادعاء المهدية..................213.
1 - قال النبي (صلى الله عليه وآله) (من عترتي) فجعلوها (من أمتي)...................
2 - غيروا (اسمه اسمي) إلى (يواطي اسمه اسمي)...................
3 - أضافوا إلى النص النبوي: (واسم أبيه اسم أبي)...................
4 - (من وُلْد الحسين) جعلوها (من وُلْد الحسن)...................
5 - معاوية أول من ادعى أنه المهدي الموعود...................
6 - موسى بن طلحة ثاني من ادعى أنه المهدي الموعود...................
7 - ادعى الحسنيون مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى...................
8 - كذب العباسيون على النبي (صلى الله عليه وآله) وزعموا أن المهدي (عليه السلام) منهم...................
تحريفهم حديثاً صحيحاً...................
كذب المنصور فادعى أن ابنه المهدي...................
واعترف هارون الرشيد بكذبة أبيه وجده...................
9 - اثنا عشر كذاباً سيدعون المهدية قبيل ظهور الإمام (عليه السلام)...................
الفصل التاسع: من صفات الإمام المهدي (عليه السلام) البدنية والمعنوية..................243.
أجلى الجبهة أقنى الأنف أفلج الثنايا...................
شيخ السن شاب المنظر لا يهرم بمرور الأيام...................
أبيض اللون، مشرب بحمرة، مبدَّح البطن...................
غائر العينين مشرف الحاجبين عريض ما بين المنكبين...................
اسمه اسمي وشمائله شمائلي...................
سيرة المهدي (عليه السلام) في ملبسه...................
رد صفة أزْيَلُ الفخذين...................
من صفاته المعنوية (عليه السلام): يعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي...................
قد لبس للحكمة جنتها وأخذها بجميع أدبها...................
يطبق القرآن ويعلمه للناس كما أنزل...................
الشريد الطريد الفريد الوحيد المفرد من أهله...................
معه راية النبي (صلى الله عليه وآله) ومواريثه ومواريث الأنبياء (عليهم السلام)...................
يُظهر القرآن بخط علي (عليه السلام)...................
معه عهدٌ معهود من النبي (صلى الله عليه وآله)...................
وهو ساقي الأمة في المحشر...................
وهو الصراط السوي...................
وهو صاحب ليلة القدر...................
وهو بقية الله في أرضه...................
وهو الكوكب الدري والنور الإلهي في الآية...................
وهو المهدي من ربه، والأئمة (عليهم السلام) هم السبع المثاني...................
له سيف مذخور من جده عبد المطلب رحمه الله...................
يجتمع أبناء الزهراء (عليها السلام) في العالم على تأييده...................
يقاتل على السنة ويكمل مهمة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)...................
حرفوا كتاب الفتوحات وحذفوا نسب الإمام المهدي (عليه السلام)...................
تنتهي التقية بظهوره (عليه السلام)...................
الفصل العاشر: مقام الإمام المهدي (عليه السلام) عند الله تعالى..................267.
المهدي (عليه السلام) أحد سبعة سادة أهل الجنة...................
الإمام المهدي (عليه السلام) مختارٌ مصطفى من ربه...................
المهدي (عليه السلام) محدثٌ تحدثه الملائكة...................
أخذ الله الميثاق للمهدي (عليه السلام)...................
المهدي (عليه السلام) أحد أربعة أمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله) بحبهم...................
تُرافقهُ غمامةٌ تُظِلُّه وفيها ملَك...................
تظهر على يده معجزات الأنبياء (عليهم السلام)...................
حتى المتعصبين لأبي بكر وعمر فضلوه عليهما...................
الفصل الحادي عشر: مدة ملك الإمام المهدي (عليه السلام) وما يكون بعده..................277.
تفاوت الروايات في مدة حكم المهدي (عليه السلام)...................
ست ملاحظات حول مدة حكمه (عليه السلام)...................
عظمة الملك الذي يعطيه الله لوليه المهدي (عليه السلام)...................
هل يقتل الإمام (عليه السلام) أم يموت طبيعياً...................
جريمة كعب ورواة الخلافة في تشويه صورة المستقبل...................
وزعم كعب وتلاميذه أن شخصاً مخزومياً ويمانياً يملكان بعد المهدي (عليه السلام)...................
يماني كعب يكون بعد المهدي (عليه السلام) ويُبيد قريشاً...................
يحكم بعد المهدي (عليه السلام) اثنا عشر من ولده...................
ملاحظتان حول ما يكون بعه (عليه السلام)...................
الفصل الثاني عشر: أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام)..................307.
1 - أصحابه الخاصون في غيبته: عمل الإمام المهدي (عليه السلام) في غيبته...................
أصحاب المهمات الخاصة مع الإمام المهدي (عليه السلام)...................
هل لجبل رضوى علاقة بالإمام (عليه السلام) وأصحابه...................
الخضر من أصحاب المهدي (عليهما السلام)...................
وربما كان نبي الله إلياس من أصحابه (عليهما السلام)...................
أصحاب الكهف أعوان المهدي (عليه السلام)...................
ملاحظتان حول أصحاب الكهف...................
من أصحاب المهدي (عليه السلام) سبعة علماء من بلاد شتى...................
النفس الزكية الشهيد في ظهر الكوفة من علامات المهدي (عليه السلام)...................
النفس الزكية الشهيد في المدينة من علاماته (عليه السلام)...................
النفس الزكية في مكة من أصحابه (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)...................
2 - أصحاب المهدي (عليه السلام) الخاصون الثلاث مئة وثلاثة عشر: مقام أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام)...................
لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون...................
يجمعهم الله من أنحاء الأرض في ليلة واحدة...................
وهم الأمة المعدودة في القرآن...................
وهم الموعودون بالاستخلاف والتمكين في الأرض...................
وهم الموعودون بوراثة الأرض...................
وهم القوم الموعودون في الآية: فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ.....................
وهم الركن الشديد للإمام المهدي (عليه السلام)...................
وهم المظلومون المأذون لهم بالقتال...................
وهم وإمامهم (عليه السلام) وعد الآخرة لليهود...................
وهم المنتصرون في الآية...................
وهم من المتوسمين في الآية...................
يجمعهم الله من المشرق والمغرب وأقاصي الأرض...................
منهم أبدال الشام ونجباء مصر وعصائب العراق...................
أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) فيهم خمسون امرأة...................
يتجمَّعون في المسجد الحرام...................
يبايعون المهدي (عليه السلام) بين الركن والمقام...................
الأذان الأكبر دعوة المهدي (عليه السلام) العالم إلى إمامته...................
يبعثهم المهدي (عليه السلام) حكاماً على العالم...................
3 - أصحابه الذين يتحرك بهم من مكة...................
حركة الإمام (عليه السلام) إلى العراق...................
تجري في أصحاب المهدي (عليه السلام) سنة أصحاب طالوت (عليه السلام)...................
امتحان الإمام المهدي (عليه السلام) لأصحابه...................
4 - أصحاب الإمام (عليه السلام) الذين يُحْيَوْنَ من قبورهم...................
رجعة 27 رجلاً إلى الدنيا لنصرة الإمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)...................
سلمان الفارسي من أنصار المهدي (عليه السلام)...................
رجعة المؤمنين الذين هم أهلٌ لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام)...................
عجباً كل العجب بين جمادى ورجب...................
5 - للإمام المهدي أنصار من الكواكب الأخرى...................
نقد مقولة أن الإمام (عليه السلام) ينتظر وجود أصحابه...................
شبهة أن ظهوره متوقف على امتلاء الدنيا جوراً...................
هل صحيح أن أصحاب المهدي (عليه السلام) أكثرهم من غير العرب...................
أحاديث لم يثبت سندها تُسَمِّي أصحابه (عليه السلام)...................
الفصل الثالث عشر: أحاديث الأبدال في مصادر أتباع الخلافة..................391.
تحريف رواة الخلافة لمفهوم الأبدال...................
ثم زادوا عددهم إلى أربعين وستين وثمانين...................
ثم جعلوهم خمس مئة...................
في كل تحريف ابحث عن كعب...................
وقالوا إن الأبدال خلفاء الأنبياء (عليهم السلام) وإنهم عجمٌ لا عربَ فيهم...................
وقالوا علامة أحدهم أن يكون عقيماً...................
في عقيدة الأبدال وقعوا في عقيدة الإمامة الربانية...................
الفصل الرابع عشر: ينصر الله الإمام المهدي بالملائكة (عليهم السلام)..................401.
ينادي جبرئيل باسم المهدي واسم أبيه (عليهما السلام)...................
ينصره الله بملائكة بدر...................
أول من يبايعه جبرئيل (عليهما السلام) ثم تأتيه أجناد الملائكة...................
ينصره الله بالملائكة الذين نزلوا لنصرة الحسين (عليهما السلام)...................
ينصره الله بثلاثة عشر ألف من الملائكة...................
مع المهدي (عليه السلام) راية النبي (صلى الله عليه وآله) وملائكتها...................
في مقدمته جبرئيل وفي ساقته إسرافيل (عليهم السلام)...................
الفصل الخامس عشر: فضل المؤمنين الثابتين في غيبته (عليه السلام)..................411.
أيها المستعجلون: إن الله لا يعجل لعجلة العباد...................
النبي (صلى الله عليه وآله): بعدي يجيء زمن الصبر...................
روح الانتظار والأمل من الفرج...................
الخطأ في الأمل لا يضر، واليأس كله خطأ...................
فضل المؤمنين المنتظرين لظهوره (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)...................
الأئمة يهدئون اندفاع شيعتهم ويعلمونهم انتظار الفرج...................
أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تيأسوا من رَوْح الله...................
الإمام الباقر (عليه السلام): المنتظر المحتسب كالمجاهد مع الإمام (عليه السلام)...................
المنتظر المخلص في ولائه من أهل الجنة...................
الإمام الصادق (عليه السلام): طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا...................
الإيمان في دولة الباطل أفضل منه في دولة الحق...................
الأرض لا تخلو من مؤمنين كاملين كأصحاب الإمام (عليه السلام)...................
لا فرق على المؤمن إن مات قبل ظهور الإمام (عليه السلام) أو بعده...................
المؤمن شهيد وإن مات على فراشه...................
المنتظرون له هم الصادقون في الآية...................
نَفَسُ المهموم لنا تسبيح...................
قلة عدد المؤمنين في زمن الغيبة...................
فأولئك معنا ونحن منهم...................
ذلك من رفقائي وذوي مودتي...................
رجعة بعض المؤمنين إلى الدنيا...................
رجعة بعض الشهداء والمؤمنين إلى الدنيا...................
أهمية الاستعداد حتى الشكلي لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام)...................
سنة الله في غربلة أجيال المؤمنين وتصفية الشيعة...................
التقية واجبة إلى ظهور الإمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)...................
الفصل السادس عشر: بلاد العرب في عصر ظهور المهدي (عليه السلام)..................437.
مدح العرب وذمهم في مصادر الحديث...................
الفصل السابع عشر: مصر في عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)..................447.
نجباء مصر من وزراء الإمام المهدي (عليه السلام)...................
يدخل الإمام المهدي (عليه السلام) مصر ويجعلها مركز إعلامه العالمي...................
الفصل الثامن عشر: بلاد الشام في عصر الظهور..................453.
بلاد الشام وحركة السفياني...................
السفياني يخرج سنة ظهور المهدي (عليه السلام)...................
بداية حركته بعد خروج الأبقع على الأصهب وزلزال...................
وحشُ الوجه ضخم الهامة أحمر أزرق...................
السفياني من أولاد معاوية...................
السفياني من المحتومات التي لابد منها...................
السفياني يحكم سوريا والأردن نحو سنة...................
الناجون من اتِّبَاع السفياني في بلاد الشام...................
فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا...................
محاولاتهم إحراج الإمام الصادق والإمام الرضا (عليهما السلام)...................
تأثير أحاديث السفياني على أتباع الأمويين...................
معركة قرقيسيا...................
الفصل التاسع عشر: الحجاز في عصر الظهور..................471.
أحداث الحجاز قبل ظهور المهدي (عليه السلام)...................
اختلاف بني فلان والهدة بين الحرمين...................
موت حاكم في موته فرج الناس جميعاً...................
نارٌ في شرقي الحجاز...................
جيش السفياني في الحجاز...................
عدد جيش السفياني ومكان الخسف به...................
الآيات النازلة في معجزة الخسف بالجيش...................
الغلام أو النفس الزكية الذي يقتل في المدينة...................
النداء السماوي من مصادر السنيين...................
النداء السماوي في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)...................
هو الآية التي تظل أعناقهم لها خاضعين...................
أبو جعفر المنصور يروي حديث النداء...................
النداء من المحتومات الإلهية يسمعه جميع الناس بلغاتهم...................
النداء هو الصيحة بالحق...................
يأتي في ظروف ضاغطة على المسلمين...................
وفي ظروف شديدة على الشيعة...................
يكون النداء على أثر قتال في الحجاز...................
ويؤمر الإمام (عليه السلام) في النداء بالقيام...................
معنى أن الإمام (عليه السلام) يبايع على كره منه...................
النداء في سنة زوجية في ليلة 23 رمضان...................
علامة ظهوره (عليه السلام) سراج يطفأ ويشع بدله نوره (عليه السلام)...................
تكون قبل النداء آية في رجب...................
بعد نداء جبرئيل (عليه السلام) ينادي الشيطان بنداء مضاد...................
وهو غير الصوت الذي يأتي من قِبَل الشام...................
خمس ملاحظات حول موقف الغربيين من النداء السماوي...................
الفصل العشرون: شريط حركة الظهور المقدس..................501.
بيعة المهدي (عليه السلام) على أثر موت الحاكم وصراع القبائل...................
يصلح الله أمر المهدي (عليه السلام) في ليلة...................
يوم المهدي (عليه السلام) أحد أيام الله الثلاثة...................
لقاء الإمام (عليه السلام) بأصحابه الأبرار...................
الحركة الاختبارية شهادة النفس الزكية...................
يظهر الإمام (عليه السلام) في وتر من السنين...................
بداية ظهور (عليه السلام) يوم الجمعة تاسع محرم...................
يظهر (عليه السلام) يوم عاشوراء يوم سبت...................
رواية أن يوم عاشوراء يصادف يوم النوروز...................
بيان الإمام الأول إلى أهل مكة...................
بيان الإمام (عليه السلام) العالمي يوم عاشوراء...................
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ...................
يمكث الإمام (عليه السلام) في مكة طويلاً ثم يسير إلى المدينة...................
ماذا يفعل الإمام (عليه السلام) في المدينة...................
يطرح الإمام المهدي (عليه السلام) قضية أبي بكر وعمر في المدينة...................
ردة فعل النواصب والبترية على عمل الإمام (عليه السلام)...................
الفصل الحادي والعشرون: العراق في عصر الظهور..................527.
العراق عاصمة دولة العدل الإلهية...................
ضعف رواية جفاف الفرات...................
ضعف روايات خراب بغداد...................
روايات الفريقين حول البصرة...................
إخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ثورة الزنج بالبصرة...................
روايات غرق البصرة...................
روايات خراب البصرة...................
الشيصباني طاغية العراق قبل السفياني...................
رواية الحسني...................
عوف السلمي الذي يخرج قبل السفياني...................
أزمة الجوع والخوف الذريع والقتل الفظيع قرب ظهوره (عليه السلام)...................
نزول قوات الروم الغربية في العراق...................
هدم سور مسجد الكوفة...................
قوات السفياني أو القوات السورية في العراق...................
هل الزرقاوي هو صاحب السفياني...................
ضعف رواية دخول جيش السفياني إلى إيران...................
ضعف رواية معركة اصطخر قرب الأهواز...................
دخول الإمام (عليه السلام) إلى العراق واتخاذه عاصمة له...................
يدخل العراق وفيه ثلاث رايات قد اضطربت فيما بينها...................
ينزل الإمام (عليه السلام) في النجف أولاً...................
أربع ملاحظات على أحاديث دخوله النجف...................
الإمام المهدي (عليه السلام) هو الآخذ بثأر الحسين (عليه السلام)...................
الخوارج على الإمام (عليه السلام)...................
البتريون أول الخوارج عليه...................
آخر خارجة تخرج عليه من المقدادية في بعقوبة...................
تصفية الإمام (عليه السلام) للعراق وتطهيره من أعدائه...................
عاصمته (عليه السلام) الكوفة ويكون لكربلاء شأن عظيم...................
بيت الإمام (عليه السلام) الشخصي في منطقة مسجد السهلة...................
الفصل الثاني والعشرون: قسوة أعداء الإمام المهدي (عليه السلام) وشدته عليهم..................571.
لا بدَّ من استئصال الغُدة السرطانية...................
شدة الإمام (عليه السلام) على القساة المعاندين...................
يبدأ بقتل كذَّابي الشيعة...................
هيبة الإمام (عليه السلام) ورعب أعدائه منه...................
ذل أعداء الإمام (عليه السلام)...................
خط بني أمية وبني العباس يستمر إلى ظهوره (عليه السلام)...................
يقيم حدَّ الله تعالى على كثير من المنافقين...................
الفصل الثالث والعشرون: الإيرانيون في عصر الظهور..................583.
كثرة الأحاديث السُّنِّية في مدح الإيرانيين...................
الإيرانيون أول ثلاث فئات ممهدة للمهدي (عليه السلام)...................
حديث أن أمر المهدي (عليه السلام) يبدأ من إيران...................
حديث أصحاب الرايات السود وأهل المشرق...................
أحاديث نظن أنها أجزاءٌ من حديث الرايات السود...................
الخراساني قائد إيران وشعيب قائد جيشها...................
ضعف رواية دخول الإمام المهدي (عليه السلام) إيران قبل العراق...................
روايات مصادرنا في الخراسانيين وأصحاب الرايات السود...................
بعض ما جاء في فضل قم...................
حديث أتاح الله لأمة محمد (صلى الله عليه وآله) برجل منا أهل البيت...................
الفصل الرابع والعشرون: اليمانيون في حركة ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)..................605.
مدح اليمانيين في مصادر المسلمين...................
نماذج من تخريبهم لشخصية اليماني والمهدي (عليه السلام)...................
من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) في اليماني وأنه من المحتومات...................
رايته أهدى الرايات وخروجه في رجب...................
المصري واليماني الأول...................
كاسر عينه بصنعاء...................
قيل اسم اليماني حسن أو حسين...................
رواية يخرج المهدي من كرعة واليماني من يكلا...................
الفصل الخامس والعشرون: فلسطين ومعركة القدس في عصر الظهور..................617.
أوصاف آخر فتنة في الأمة تنطبق على فتنة فلسطين...................
من علامات الظهور نزول الروم بفلسطين...................
السفياني يملك فلسطين والكور الخمس...................
حديث حركة رايات خراسان إلى القدس...................
معركة دمشق والقدس الموعودة...................
حركة الإمام (عليه السلام) من العراق إلى الشام والقدس...................
يعسكر الإمام (عليه السلام) في مرج عذراء قرب دمشق...................
يهزم الله على يديه السفياني ويهزم الروم...................
الضغط الشعبي على السفياني لكي يبايع الإمام (عليه السلام)...................
رواية أن الإمام (عليه السلام) ينزل بيت المقدس...................
رواية جبار قريش الذي ينزل بيت المقدس...................
ثلاث ملاحظات على روايات معركة دمشق والقدس...................
تأثير انتصار الإمام الكاسح ودخوله القدس...................
مدة حروب الإمام (عليه السلام) ثمانية أشهر...................
رد رواية أن المهدي (عليه السلام) ينتصر بدون قتال...................
الفصل السادس والعشرون: اليهود والمعركة معهم في عصر الظهور..................631.
الآيات في دور اليهود في عصر الظهور...................
المعركة الموعودة بين اليهود والمسلمين...................
الإمام (عليه السلام) يطهر بلاد العرب من اليهود...................
من يسلم من اليهود على يد الإمام (عليه السلام)...................
تابوت السكينة...................
كشف الهيكل...................
رايات خراسان نحو القدس...................
الفصل السابع والعشرون: نزول عيسى من السماء ونصرته الإمام المهدي (عليهما السلام)..................643.
آيات نزول عيسى (عليه السلام)...................
أحاديث نزول عيسى (عليه السلام) من مصادر أتباع الخلافة...................
أحاديث نزول عيسى (عليه السلام) من مصادرنا...................
حساسية رواة الخلافة من بعض أحاديث نزول المسيح (عليه السلام)...................
رووا أن من يقتل الدجال عيسى وروينا أن المهدي (عليه السلام) يقتله...................
أبو هريرة كان يأمل أن يدرك نزول عيسى (عليه السلام)...................
زعموا أن المسيح يدفن مع النبي (صلى الله عليه وآله)...................
أهم المسائل في نزول عيسى (عليه السلام):...................
المسألة الأولى: أين ينزل عيسى (عليه السلام)...................
الثانية: محاولة إنكار اقتدائه بالمهدي (عليهما السلام)...................
الثالثة: تأثير عيسى (عليه السلام) في الشعوب المسيحية...................
الرابعة: في مدة بقائه (عليه السلام) في الأرض...................
الفصل الثامن والعشرون: الروم في عصر الظهور وبعده..................667.
الروم ودورهم في عصر الظهور...................
كثرة المكذوبات حول الروم...................
أقوى النصوص حول الروم في عصر المهدي (عليه السلام)، استثارة الروم على المسلمين...................
مجيء الروم إلى السواحل وخروج أهل الكهف...................
بعض أعداء المهدي (عليه السلام) يهربون إلى بلاد الروم...................
أحاديث الصلح بين الإمام المهدي (عليه السلام) والروم...................
تخريبهم حديث الصلح مع الروم وزيادتهم فيه...................
معنى أن الإمام المهدي (عليه السلام) يفتح المدينة الرومية بالتكبير...................
يحتج عيسى (عليه السلام) على الروم بالإمام المهدي (عليه السلام)...................
يبعث المهدي (عليه السلام) بقتال الروم في الملحمة...................
أشد الناس عليكم الروم...................
خزي الروم بعد الملحمة العظمى...................
يتعايش الإمام (عليه السلام) مع النصارى ويقبل منهم الجزية...................
المزيد من خيالات كعب ورواته عن الملحمة العظمى...................
زعموا أن الملحمة مع الروم نهاية الأمة الإسلامية...................
وقت الملحمة العظمى ومكانها بتخيل كعب وتلاميذه...................
وزعموا أن معقل المسلمين أي قاعدتهم تكون دمشق...................
زعم كعب أن الملحمة بين الروم واليهود فصار كذبه حديثاً نبوياً...................
وقال كعب يهرب ثلث المسلمين فصار كذبه حديثاً نبوياً...................
وكذبوا على حذيفة ما لم يثبت عنه وجعلوا الإمام المهدي (عليه السلام) موظفاً عند اليهود...................
القدر المتيقن من معركة الإمام (عليه السلام) والروم...................
دور اليمانيين والخراسانيين في ملحمة الإمام مع الروم...................
الفصل التاسع والعشرون: الترك في عصر ظهور المهدي (عليه السلام)..................697.
المقصود بالترك في أحاديث عصر الظهور...................
الفصل الثلاثون: معالم دولة العدل الإلهي على يد الإمام المهدي (عليه السلام)..................705.
الطور الجديد للحياة البشرية على يد الإمام (عليه السلام)...................
يلهم الله الإمام المهدي (عليه السلام) العلوم...................
يتغير نوع الطاقة والإضاءة في عصر الإمام (عليه السلام)...................
ويتصل أهل الأرض بأهل الكواكب الأخرى...................
تطور الحياة في عصره (عليه السلام) ورؤية المؤمنين للملائكة...................
المؤمن في عصر الإمام (عليه السلام) يُحيي الموتى بإذن الله...................
المرحلة الأولى قبل الرخاء في عصره (عليه السلام)...................
يجمع كنوز الأرض ويخطب في الناس...................
يحيي الله به الأرض بعد موتها...................
في سنة ظهوره (عليه السلام) تمطر السماء 24 مطرة...................
يحثو المال للناس حثياً بدون عدٍّ...................
يشمل الغنى كل الناس فلا يقبل أحد صدقة...................
ينعم الناس في زمانه حتى يتمنى الأحياء الأموات...................
يوزع الإمام (عليه السلام) الأراضي من جديد...................
يسع عدله والرخاء في عصره البَرَّ والفاجر...................
رحيمٌ بالمساكين شديدٌ على المسؤولين...................
الضمان الاجتماعي والاقتصادي وتعميم الثقافة...................
شعبية الإمام القوية وحب الأمة له (عليه السلام)...................
عمران بلاد العرب وما بين مكة والمدينة...................
مسجد الجمعة العالمي بين الكوفة وكربلاء...................
ارتقاء الوضع الصحي والروحي...................
يُقَسِّمُ العالم الى313 ولاية...................
يقضي أصحابه بعلمهم الرباني بدون شهود...................
من حكام الولايات خمسون امرأة...................
وقد تكون إدارة الولايات بالانتخاب...................
يصل العالم إلى مجتمع اللا نقد...................
يصحح الإمام (عليه السلام) هندسة المساجد والمشاهد...................
ينظم الإمام (عليه السلام) موسم الحج وقوانين السير...................
يطبق أحكاماً شرعية بعهد من جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)...................
يُحَرِّمُ ربح المؤمن على أخيه المؤمن...................
يشدد على العصاة لعدم حاجتهم إلى الحرام...................
تصطلح في عصره السباع والمؤذيات...................
لا يعود الظلم بعده أبداً...................
الفصل الحادي والثلاثون: كيف أعد النبي (صلى الله عليه وآله) والعترة الأمة لغيبة الإمام (عليه السلام)؟..................731.
إعداد النبي (صلى الله عليه وآله) الأمة لتحمل غيبة الإمام (عليه السلام)...................
أن المهدي (عليه السلام) مثل ذي القرنين يظهر بعد غيبة...................
يغيب عنكم كغيبة موسى عن قومه...................
تشبيه غيبته (عليه السلام) بموت عزير ثم إحيائه...................
أهل بيتي كنجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم...................
المهدي وغيبته عهد معهود من الله إلى نبيه (صلى الله عليه وآله)...................
غيبة الإمام (عليه السلام) بسبب ظلم الناس وجورهم...................
من العلل الأساسية لطول غيبته (عليه السلام)...................
التاسع من صُلب الحسين يغيب عنهم...................
أمير المؤمنين (عليه السلام) يحدث الأمة عن النجم الغائب...................
الإمام الحسن (عليه السلام): يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته...................
الإمام الحسين (عليه السلام): صاحب الغيبة الذي يقسم ميراثه وهو حي...................
الإمام زين العابدين (عليه السلام): وإنَّ للقائم منا غيبتين...................
الإمام الباقر (عليه السلام): كيف أنتم إذا غيب الله عنكم نجمكم...................
الإمام الصادق (عليه السلام): ما ينكرون أن يمد الله للمهدي في عمره...................
الإمام الكاظم (عليه السلام): النعمة الباطنة: الإمام الغائب...................
الإمام الرضا (عليه السلام): المهدي خفي الولادة غير خفي في نسبه...................
الإمام الجواد (عليه السلام): الثالث من ولدي المهدي المنتظر في غيبته...................
الإمام الهادي (عليه السلام): وأنى لكم بالخلف بعد الخلف...................
الإمام العسكري (عليه السلام): له غيبة يحار فيها الجاهلون...................
رواية الحاخام وهب في غيبة المهدي (عليه السلام)...................
الفصل الثاني والثلاثون: الموقتون الكَذَبَة والمحاضير الحمقى..................757.
الأئمة (عليهم السلام) يعالجون مشكلة المحاضير والمستعجلين...................
الفصل الثالث والثلاثون: ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)..................765.
الابتكار النبوي لتعيين شخص المهدي (عليه السلام)...................
من ابتكارات الأئمة (عليهم السلام) في تحديد شخصية المهدي (عليه السلام)...................
أ - التاسع من صلب الحسين، بأبي ابن خيرة الإماء...................
الإمام المهدي ابن خيرة الإماء وكذا جده الإمام الجواد (عليهما السلام)...................
بـ - تحديدات المهدي (عليه السلام) بالاسماء والعدد والصفات والشخص...................
ج - تجري في ولادته وغيبته سنن بعض الأنبياء (عليهم السلام)...................
د - صاحب هذا الأمر من خفي مولده وقال الناس لم يولد...................
العباسيون على سنة نمرود وفرعون...................
السلطة القرشية من قديم تبحث عن الإمام المهدي (عليه السلام)...................
كان الملوك العباسيون يعرفون إمامة العترة (عليهم السلام)...................
زادت السلطة رقابتها وتحداها الإمام العسكري (عليه السلام)...................
الإمام العسكري يبشر بولادة المهدي (عليهما السلام) وينص عليه...................
نور المهدي (عليه السلام) وملائكته عند ولادته...................
تعمدَ الإمام العسكري تكثير العقيقة عن ابنه (عليهما السلام)...................
المهدي كعيسى ويحيى (عليهم السلام) آتاه الله الحكم صبياً...................
الفصل الرابع والثلاثون: من الأحاديث الصحيحة السند في ولادته (عليه السلام)..................795.
خلاصة بحث السيد الميلاني...................
كلام المحقق الحلي رحمه الله...................
عشرة أحاديث صحيحة مضافاً إلى ما تقدم...................
أحاديث أخرى في ولادته (عليه السلام) اكثرها صحيح السند...................
لقاء سعد بن عبد الله الأشعري بالإمام (عليه السلام)...................
شهادة قابلته عمة أبيه حكيمة بنت الجواد (عليهم السلام)...................
أم الإمام المهدي (رضي الله عنها) حفيدة قيصر الروم...................
ختام في فضل ليلة مولده (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان...................
الفصل الخامس والثلاثون: من سيرة الإمام (عليه السلام) في غيبته الصغرى..................845.
السلطة تبحث عن الإمام بعد وفاة أبيه (عليهما السلام)...................
هجوم السلطة على دار الإمام العسكري (عليه السلام) بعد وفاته...................
جعفر الكذاب يدعي أنه إمام...................
من معجزاته (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) وإجاباته الفقهية والعقائدية...................
ولادة الصدوق رحمه الله بدعاء الإمام (عليه السلام)...................
تحريم تسمية الإمام (عليه السلام) في الغيبة الصغرى...................
الفصل السادس والثلاثون: علامات الظهور المبارك..................887.
وجَّهَ الأئمة (عليهم السلام) شيعتهم أن يتوقعوا الفرج من أول الغيبة...................
وصف عصور الظلم خاصة عصر ظهور المهدي (عليه السلام)...................
الكسوف والخسوف قبل ظهوره (عليه السلام)...................
من العلامات جرأة دول العالم على مخالفة الجبارين...................
الحرب والطاعون قبل ظهوره (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)...................
الفصل السابع والثلاثون: زيارة نبينا وبعض الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) إلى الدنيا..................895.
أصالة عقيدة الرجعة عند الشيعة...................
من سخريتهم بنا لعقيدتنا بالرجعة...................
الرجعة خاصة ببعض الأبرار والفجار وليست عامة...................
عقيدة الرجعة في زيارات النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)...................
تشبيه الرجعة بإحياء قوم موسى (عليه السلام) في الميقات...................
الرجعة من التأويل الذي لا يحيط الناس بعلمه...................
الأرض تحيا بالرجعة...................
بعض آيات الآخرة تعني الرجعة...................
الاعتقاد بالمهدي (عليه السلام) والرجعة من الإيمان بالغيب...................
الرجعة هي الصيحة في الآية...................
بعض المسلمين سيحلفون أن الرجعة لا تكون...................
رجعة بعض النواصب والاقتصاص منهم...................
النبي (صلى الله عليه وآله) يرجع إلى الدنيا حسب الوعد الإلهي...................
الرجعة على مراحل وأول من يرجع الإمام الحسين (عليه السلام)...................
اسماعيل النبي (عليه السلام) يرجع مع الحسين (عليه السلام)...................
رجعة بعض الأنبياء والأئمة (عليه السلام)...................
معاينة الناس الحق في الرجعة...................
رواية أن إبليس يظهر ويرجمه المؤمنون...................
رواية أن النبي (صلى الله عليه وآله) يقتل إبليس وحزبه في الرجعة...................
رواية أن المهدي (عليه السلام) يقتل إبليس...................
الفصل الثامن والثلاثون: بعض الآيات المفسرة بالإمام المهدي (عليه السلام)..................917.
آيات الوعد الإلهي بالاستخلاف في الأرض...................
المستضعفون الموعودون بالتمكين هم آل محمد (صلى الله عليه وآله)...................
آيات الوعد الإلهي بإظهار دينه وإتمام نوره...................
آيات القتال حتى لا تكونَ فتنة...................
لا تضع الحرب أوزارها إلا على يد المهدي (عليهما السلام)...................
لا ييأس الكفار من دين المسلمين إلا في عصره (عليه السلام)...................
المهدي (عليه السلام) من الغيب الموعود...................
آيات الحث على الثبات والمرابطة العقائدية...................
أن المهدي (عليه السلام) من أولي الأمر بنص الآية...................
أهل البيت (عليهم السلام) هم الصديقون الذين أنعم الله عليهم...................
آية فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ...................
آية: أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ...................
يوم الفتح الموعود في الآية هو المهدي (عليه السلام)...................
يوم المهدي (عليه السلام) يأتي تأويل القرآن...................
آية: حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا...................
أن الله أخذ ميثاق الأنبياء على الإقرار بالمهدي (عليهم السلام)...................
أخبر الله إبراهيم بولده المهدي (عليهما السلام)...................
أن المهدي (عليه السلام) يرث مساكن الذين ظلموا...................
مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد...................
يحق حق أهل البيت (عليهم السلام) ويبطل باطل بني أمية وأمثالهم...................
أن المهدي (عليه السلام) آخر حلقات العروة الوثقى...................
أن المهدي (عليه السلام) هو السنبلة السابعة بعد الإمام الصادق (عليه السلام)...................
المهدي (عليه السلام) صاحب ليلة القدر...................
أن المهدي (عليه السلام) يضع الأغلال والآصار عن المؤمنين...................
ولكل قوم هاد...................
يوم ندعو كل أناس بإمامهم...................
حرمان الناس من الاستفادة من المهدي (عليه السلام)...................
آيات الفتنة والتمحيص في عصر غيبته (عليه السلام)...................
أن ظهور المهدي (عليه السلام) تأويل آية: الملك يومئذ الحق للرحمن...................
المهدي (عليه السلام) مظهر قدرة الله تعالى في عترة النبي (صلى الله عليه وآله)...................
أن الأوصياء (عليهم السلام) هم عباد الرحمن في الآية...................
إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَمَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ...................
العذاب على أعداء المهدي (عليه السلام)...................
سنة يعقوب في بنيه جرت في المهدي (عليه السلام)...................
عند المهدي جفنة فاطمة وهي مائدة أهل البيت (عليهم السلام)...................
أن ظهور المهدي (عليه السلام) هو الأجل القريب في الآية...................
ظهور المهدي (عليه السلام) هو العذاب الأكبر في الآية...................
مسخ بعض أعداء الحق عند ظهور المهدي (عليه السلام)...................
أن ظهور المهدي (عليه السلام) هو النصر الموعود في الآية...................
أن المهدي (عليه السلام) آية في صدور المؤمنين...................
الإمام المهدي (عليه السلام) ختام الكلمة الباقية...................
تأويل النبأ العظيم عند ظهور المهدي (عليه السلام)...................
أن المهدي (عليه السلام) لا يعمل بالتقية...................
الحروف المقطعة ترتبط بالإمام المهدي (عليه السلام)...................
أن ظهور المهدي (عليه السلام) نهاية مهلة الظالمين...................
يسلطه الله على دماء الظلمة...................
مهلة الظالمين لأهل البيت (عليهم السلام) إلى ظهور القائم (عليه السلام)...................
أن المهدي (عليه السلام) يُصْلي أعداءه نار الحرب...................
يحق الله به الحق...................
العهد المكتوب للمهدي (عليه السلام) من جده (صلى الله عليه وآله)...................
أن المهدي (عليه السلام) وشيعته من السابقين...................
حياة الأرض بعدل المهدي (عليه السلام) بعد موتها بالجور...................
المهدي (عليه السلام) هو الماء المعين في الآية...................
إنكار المكذبين لنسب الإمام المهدي (عليه السلام)...................
أن الإمام المهدي (عليه السلام) يلهم ببدء ظهوره...................
أن دولة إبليس تنتهي بظهور المهدي (عليه السلام)...................
يغيب كالنجم الغائب ويقبل كالشهاب الثاقب...................
النبي (صلى الله عليه وآله) السماء والأئمة (عليهم السلام) البروج...................
المهدي (عليه السلام) هو الوتر في الآية...................
المهدي (عليه السلام) هو الفجر في سورة الفجر...................
المهدي (عليه السلام) في سورة الضحى والشمس والليل...................
المهدي (عليه السلام) يأتي بدين القيمة...................
الفصل التاسع والثلاثون: من الأدعية له (عليه السلام) والزيارات..................955.
الصلاة والتسليم على أطائب العترة (عليهم السلام) والدعاء لهم...................
الدعاء له (عليه السلام) يوم الجمعة ويوم العيد...................
الدعاء له (عليه السلام) بالحفظ والنصر...................
الدعاء له (عليه السلام) في ليالي شهر رمضان...................
زيارة آل ياسين والدعاء بعدها...................
دعاء الندبة الذي يقرؤه الشيعة صباح يوم الجمعة...................
زيارة لكل إمام معصوم يزار بها المهدي (عليهم السلام)...................
زيارة الإمام (عليه السلام) في داره...................
الدعاء بالحفظ والنصر لآل محمد (صلى الله عليه وآله)...................
دعاء تجديد العهد مع الإمام (عليه السلام)...................
مناجاة الله تعالى والدعاء للإمام المهدي (عليه السلام)...................
الدعاء للنبي والأئمة (عليهم السلام) في سجدة الشكر وطلب الحاجة...................
الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام) بعد صلاة جعفر الطيار...................
الدعاء له (عليه السلام) في قنوت صلاة الجمعة...................
الدعاء له (عليه السلام) في سجدة الشكر...................
الدعاء بتعجيل الفرج بالمهدي (عليه السلام)...................
الدعاء له (عليه السلام) بعد الفريضة...................
دعاء عام لكل إمام معصوم (عليهم السلام)...................
الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) والدعاء للإمام المهدي (عليه السلام)...................
الدعاء له (عليه السلام) في يوم المباهلة...................
دعاء الإمام الباقر في ولاية أهل البيت (عليهم السلام) والبراءة من أعدائهم...................
زيارة الأئمة والإمام المهدي (عليهم السلام)...................
زيارة أخرى للإمام (عليه السلام)...................
زيارة الإمام المهدي (عليه السلام) في بيته بعد زيارة قبر والده وجده (عليهم السلام)...................
دعاء التوسل بالنبي والأئمة (عليهم السلام)...................
دعاء الاعتقاد والتوسل به (عليه السلام)...................
دعاء آخر يسمى دعاء الاعتقاد...................
دعاء روي أنه (عليه السلام) دعا في قنوته...................
الفصل الأربعون: سفراء الإمام (عليه السلام) ووكلاؤه وكذابون ادعوا السفارة..................991.
ثقة عموم الشيعة بالسفراء الأربعة رضوان الله عليهم...................
بعض ما ورد في السفيرين العَمْرِيَّيْن رحمهما الله...................
السفير الثالث الحسين بن روح (قدّس سره)...................
السفير الرابع علي بن محمد السمري (قدّس سره)...................
الحسين بن روح (قدّس سره) شخصيةٌ مُعَدَّةٌ لمرحلة التحولات...................
مؤلفات في سيرة السفراء الأربعة رضوان الله عليهم...................
الشيعة يتبركون بقبور السفراء الأربعة في بغداد...................
كتب السفراء ومواريثهم العلمية وكتاب الكافي...................
بقية الوكلاء في عصر السفراء الأربعة...................
سياسة الأئمة (عليه السلام) في قبول الأخماس والنذور والهدايا...................
تكذيب من ادعى السفارة وتواتر رؤية الإمام (عليه السلام) في غيبته الكبرى...................
كذابون ادعوا السفارة والنيابة عن الأئمة (عليهم السلام)...................
أهل البيت (عليهم السلام) ينفون عن مذهبهم الغلو والانحراف...................
خمس ملاحظات على نصوص الشيخ الطوسي (قدّس سره) في مدعي السفارة...................
السريعي أو الشريعي ووارثه ابن نصير...................
محمد بن نصير آخر...................
كذابون صغار بالجملة...................
الحسين بن منصور الحلاج...................
رأي علمائنا في الحلاج...................
شخصية الحلاج التي صنعها المتصوفة...................
خلاصة سيرة الحلاج وشخصيته...................
آراء بعض علماء السنة في الحلاج...................
ابن أبي العزاقر الشلمغاني...................
أصل مذهب المُخَمِّسة من بشار الشعيري...................
حسد الشلمغاني للحسين بن روح (قدّس سره)...................
موقف الأئمة (عليهم السلام) من كتب المنحرفين: خذوا ما رووا وذروا ما رأوا...................
الشلمغاني في مصادر السنيين...................
الشلمغانيون في عصرنا...................
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضلُ الصلاة وأتمُّ السلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، سيما خاتم الأوصياء، موعود الأنبياء (عليهم السلام)، منتظر الأجيال والأمم، مذخور الله لإصلاح العالم، روحي فداه.
وبعد، فقد وفقني الله تعالى أن أبدأ أعمالي العلمية في حوزة قم المشرفة بمعجم أحاديث الإمام المهدي صلوات الله عليه، بمساعدة مؤسسة (المعارف الإسلامية) التي أسسها المرحوم آية الله السيد عباس المهري (قدّس سره) فاستوعبنا فيه الأحاديث الشريفة والآثار المتعلقة بالإمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) ورتبناه بالتسلسل من أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) ثم الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، ووضعنا لكل حديث وأثر هوية علمية.
وفي نفس الوقت رأيت الحاجة مُلِحَّةً لعمل معجم موضوعي بشيء من البحث والتحقيق، فاستخرت الله تعالى، فكانت هذه البحوث المستوعبة السهلة التناول، وقد شملت عامة أحاديث المعجم والحمد لله.
وقد جعلته أربعين فصلاً، آملاً أن ينطبق عليه قول النبي (صلى الله عليه وآله): (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً مما يحتاجون إليه من أمر دينهم، بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً)، وفي رواية: (كنت له شفيعاً). (الخصال/541، وثواب الأعمال/134).
في الختام ألفتُ النظر إلى أني أوردتُ الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) كاملةً، وإن كانت في المصدر الذي نقلت منه ناقصة، على أن بعض المؤلفين من أتباع المذاهب الأخرى يُصَلُّونها تامةً غير مبتورة فيذكرون آله معه (صلى الله عليه وآله)، كالحاكم في المستدرك، وكثير من أصول مؤلفاتهم، لكن الناشرين حرفوها وحذفوا من طبعتها (وآله) وجعلوا بدلها (وسلم)! ولا عجب فقد امتدت أيديهم إلى نصوصها فحرفوا فيها وحذفوا منها قليلاً وكثيراً، وسيمر بك بعض ذلك!
أسأل الله بعزته أن يصلي على رسوله وآله الأطهار، لاسيما خاتمهم الإمام المهديُّ من ربه، الموعودُ على لسان جده، وأن يكتبني فيمن خدم عقيدة المسلمين وبشارة نبيهم (صلى الله عليه وآله) بمهديه الموعود (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، وهو ولي التوفيق.
كتبه: علي الكَوْراني العاملي
بقم المشرفة في منتصف شهر رمضان 1426 للهجرة
الفصل الأول: الخطر الأكبر على الأمة.. الأئمة المضلون
1 - الأئمة المضلون هم الخطر على الأمة وليس الدجال!
من الأحاديث النبوية الخطيرة التي لا يحبها رواة الخلافة القرشية: تحذيرات النبي (صلى الله عليه وآله) المشددة لأمته من الأئمة المضلين الذين يأتون بعده، وهي أحاديث شديدة، لكنها صحيحة متواترة! وقد أدرجناها في الكتاب لأن عدداً منها نص على أن فتنتهم تستمر حتى يبعث الله المهدي من ذرية النبي (صلى الله عليه وآله).
أحمد: 4/123، عن شداد بن أوس أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن الله (عزَّ وجلَّ) زوى لي الأرض (جَمَعَها) حتى رأيت مشارقها ومغاربها، وإن مُلك أمتي سيبلغ ما زويَ لي منها وإني أعطيت الكنزين الأبيض والأحمر، وإني سألت ربي (عزَّ وجلَّ) أن لا يُهلك أمتي بِسِنِةٍ بعامة، وأن لا يُسلط عليهم عدواً فيهلكهم بعامة، وأن لا يُلبسهم شيعاً ولا يُذيق بعضهم بأس بعض. قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يُرد، وإني قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدواً ممن سواهم فيهلكوهم بعامة، حتى يكون بعضهم يُهلك بعضاً وبعضهم يقتل بعضاً وبعضهم يسبي بعضاً! قال: وقال النبي (صلى الله عليه وآله): وإني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين، فإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة).
ونحوه أحمد: 5/278، عن ثوبان، ومسلم: 4/2215، وفيه: وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم... حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً! وابن ماجة: 2/1304، كأحمد، بتفاوت، وزاد فيه: وستعبد قبائل من أمتي الأوثان، وستلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وإن بين يدي الساعة دجالين كذابين، قريباً من ثلاثين كلهم يزعم أنه نبي، ولن تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله (عزَّ وجلَّ).
قال أبو الحسن(راوي ابن ماجة): لما فرغ أبو عبد الله (ابن ماجة) من هذا الحديث قال: ما أهْوَله! وبنحوه أبو داود: 4/97، والترمذي: 4/410، وحسنه وصححه. والبيهقي: 9/181. وصحح مجمع الزوائد: 5/239، آخره برواية أحمد. وكذا الألباني/7، أوله عن مسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجة وأحمد.
وأحمد: 1/98، عن علي (رضي الله عنه) قال: ذكرنا الدجال عند النبي (صلى الله عليه وآله) وهو نائم فاستيقظ مُحْمَرَّاً لونه فقال: غير ذلك أخوف لي عليكم، ذكر كلمة)! وخاف الراوي أن يذكرها فتنطبق على حكام عصره! وفي أحمد: 5/145، عن أبي ذر قال: كنت أمشي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: لَغَيْرُ الدجال أخوفني على أمتي، قالها ثلاثاً، قال قلت: يا رسول الله، ما هذا الذي غير الدجال أخوفك على أمتك؟ قال: أئمة مضلون).
وابن أبي شيبة: 15/142، عن علي قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) جلوساً وهو نائم فذكرنا الدجال فاستيقظ محمراً وجهه فقال: غير الدجال أخوف عليكم عندي من الدجال: أئمةٌ مضلون). وأحمد: 5/389، عن حذيفة قال: ذكر الدجال عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: لأنا لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال). وصححه في الزوائد: 7/335. ونحوه الفردوس: 3/131، وفي هامشه: قال الإمام العراقي: روى أحمد عن أبي ذر بإسناد جيد: لأنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال، فقيل: وما ذلك؟ قال: من الأئمة المضلين).
صحيحة الألباني: 271ح54، عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أخوف ما أخاف على أمتي أئمة مضلين! إذا وضع السيف لم يرفع إلى يوم القيامة).
سبل الهدى: 10/138: (أبو يعلى وابن حبان عن أبي سعيد وأبي هريرة أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) قال: ليأتينَّ على الناس زمانٌ يكون عليهم أمراءُ سفهاء، يقدمون شرار الناس ويظاهرون بخيارهم ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفاً ولا شرطياً ولا جابياً ولا خازناً. وروى أحمد بن منيع برجال ثقات وابن أبي شيبة وأبو يعلى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تعوذوا بالله من رأس السبعين ومن أمارة الصبيان. وروى عن ابن عباس ووثقه: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يكون عليكم أمراء هم شرٌّ من المجوس).
وفي حلية الأولياء: 7/69: عن سفيان: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسلمان: إن طعام أمرائي بعدي مثل طعام الدجال، إذا أكله الرجل انقلب قلبه).
أقول: وردت كلمة المضلين في بعض الأحاديث منصوبة وحقها الرفع، وإن صح أن النبي (صلى الله عليه وآله) نصبها فهو بتقدير أعني وفائدته مزيد التأكيد. والمقصود من الحديث الأخير تحذير المسلمين من التقرب إلى أمراء الجور ودعوتهم إلى مقاطعتهم وعدم تناول طعامهم، لأن له تأثيراً على قلب المسلم وإيمانه يسبب انحرافه، كطعام الدجال الذي قالوا إنه يغري به الناس فيأكلونه فيكفرون.
2 - الأئمة المضلون يسفكون دماء العترة والأمة
روينا في أحاديث الأئمة المضلين تحذير النبي (صلى الله عليه وآله) منهم لأنهم سيسفكون دماء عترته (عليهم السلام)، لكن رواة الخلافة حذفوا ذلك! وليس بعيداً على أتباع الحكام المضلين أن يسقطوا ما يتعلق بسفكهم دماء العترة الطاهرة (عليهم السلام)!
ففي أمالي الطوسي: 2/126 وطبعة/512، عن عبد الله بن يحيى الحضرمي قال: سمعت علياً (عليه السلام) يقول: كنا جلوساً عند النبي (صلى الله عليه وآله) وهو نائم ورأسه في حجري فتذاكرنا الدجال فاستيقظ النبي محمراً وجهه فقال: غير الدجال أخوف عليكم من الدجال: الأئمة المضلون، وسفك دماء عترتي من بعدي، أنا حربٌ لمن حاربهم وسلمٌ لمن
سالمهم). ومثله الاحتجاج: 1/265، وطبعة/395.
وفي أمالي الطوسي/65، وأمالي المفيد/288، عن علي (عليه السلام) قال: لما نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله): (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ)، قال لي: يا عليُّ لقد جاء نصر الله والفتح، فإذا رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً. يا علي إن الله تعالى قد كتب على المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي كما كتب عليهم جهاد المشركين معي. فقلت: يا رسول الله وما الفتنة التي كتب علينا فيها الجهاد؟ قال: فتنة قوم يشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وهم مخالفون لسنتي وطاعنون في ديني! فقلت: فعلى مَ نقاتلهم يا رسول الله، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله؟ فقال على إحداثهم في دينهم وفراقهم لأمري، واستحلالهم دماء عترتي. قال: فقلت: يا رسول الله، إنك كنت وعدتني الشهادة فسل الله تعجيلها لي. فقال: أجل قد كنت وعدتك الشهادة فكيف صبرك إذا خُضبت هذه من هذا؟ وأومى إلى رأسي ولحيتي، فقلت: يا رسول الله أما إذا بَيَّنْتَ لي ما بينت فليس هذا بموطن صبر لكنه موطن بشرى وشكر! فقال: أجل فأعدَّ للخصومة فإنك تخاصم أمتي. قلت: يا رسول الله أرشدني الفلج. قال: إذا رأيت قوماً قد عدلوا عن الهدى إلى الضلال فخاصمهم، فإن الهدى من الله والضلال من الشيطان. يا علي إن الهدى هو اتَّباع أمر الله دون الهوى والرأي، وكأنك بقوم قد تأولوا القرآن وأخذوا بالشبهات، واستحلوا الخمر بالنبيذ، والبخس بالزكاة والسحت بالهدية! قلت: يا رسول الله فما هم إذا فعلوا ذلك أهم أهل ردة أم أهل فتنة؟ قال: هم أهل فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل! فقلت: يا رسول الله العدل منا أم من غيرنا؟ فقال: بل منا، بنا يفتح الله، وبنا يختم، وبنا ألف الله بين القلوب بعد الشرك، وبنا يؤلف الله بين القلوب بعد الفتنة، فقلت: الحمد لله على ما وهب لنا من فضله).
أقول: روت مصادرهم جزءً من حديث أمالي المفيد والطوسي الأول وحذفوا منه ذكر الأئمة المضلين! وهذه عادتهم في تجزئة الأحاديث لتضييعها!
روى الحاكم: 3/149، عن أبي هريرة قال: نظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: أنا حربٌ لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم. وصححه واستشهد له بحديث مشابه عن زيد بن أرقم، وفيه أنا حربٌ لمن حاربتم وسلمٌ لمن سالمتم).
كما رووه عن زيد بن أرقم والخدري وأم سلمة وغيرهم، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) قاله مكرراً عندما نزلت آية التطهير فكان يذهب أربعين صباحاً إلى باب دار علي (عليه السلام) فيدق عليهم الباب ويقرأ الآية ويقول هذا الكلام، وأنه قاله في حيٍّ في المدينة، وفي مرض وفاته، وفي مناسبات أخرى! كما في مسند أحمد: 2/442، وابن ماجة: 1/52، والترمذي: 5/360، والزوائد: 9/169، وابن شيبة: 7/512، وأمالي المحاملي/447، وابن حبان: 15/434، وأوسط الطبراني: 3/179، و: 5/182، و: 7 /197، والأصغر: 2/3، والأكبر: 3/40، و: 5/184، وفضائل سيدة النساء لعمر بن شاهين/29، وموارد الظمآن: 7/201، وتفسير الثعلبي: 8/311، وشواهد التنزيل: 2/44، وتاريخ بغداد: 7/144، وتاريخ دمشق: 13/218، و: 14/144، وسير الذهبي: 2/122. ومن مصادرنا: تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) /376، وتفسير فرات الكوفي/338.
3 - محاولات تبرئة الصحابة وتأخير الوعد النبوي بالمضلين
أحمد: 1/458، عن ابن مسعود أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما من نبي بعثه الله (عزَّ وجلَّ) في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلَّف من بعدهم خلوفٌ يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون).
الحواريون والحواري: الأصحاب الخاصون. الخُلوف: جمع خليفة، أي أجيال.
ونحوه في أحمد: 1/461، عن ابن مسعود، ومسلم: 1/69، وفيه: قال أبو رافع: فحدثت عبد الله بن عمر فأنكره عليَّ، فقدم ابن مسعود فنزل بقناة فاستتبعني إليه عبد الله بن عمر يعوده، فانطلقت معه فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثته ابن عمر.
الطبراني الكبير: 22/362: ستكون عليكم أئمة يملكون أرزاقكم يحدثونكم فيكذبونكم ويعملون ويسيئون العمل، لا يرضون منكم حتى تُحَسِّنُوا قبيحهم وتصدقوا كذبهم، فأعطوهم الحق ما رضوا به، فإذا تجاوزوا فمن قتل على ذلك فهو شهيد).
ومثله في: 22/373. وفي الفردوس: 2/317: يلون أرزاقكم فيمنعونكموها حتى تصدقوهم بكذبهم وتحسنوا قبيحهم... فمن قتل على ذلك فهو شهيد).
الطبراني الكبير: 22/375، عن الصدفي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: سيكون من بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً). انتهى.
أقول: لا يمكنهم إبعاد أحاديث الأئمة المضلين عن الصحابة، لأن أحاديث الحوض الصحيحة عندهم نصَّتْ على أن أكثر الصحابة يُغَيِّرون ويُبَدِّلون بعد النبي (صلى الله عليه وآله) فيدخلون النار! بل نصت رواية بخاري على أنهم في النار ولا ينجو منهم إلا قلةٌ يبتعدون عن جمهورهم أو قطيعهم! فقد روى في صحيحه: 7/208 أن النبي (صلى الله عليه وآله) وصف الصحابة في المحشر فقال: (بينا أنا قائمٌ فإذا زمرةٌ حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلمَّ، فقلت أين؟ قال إلى النار والله! قلت: وما شأنهم؟! قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى! ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلمَّ! قلت: أين؟! قال: إلى النار والله! قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى! فلا أراه يخلص منهم إلا مثلُ هَمَل النعم). انتهى. ومعناه أن الأئمة المضلين منهم!
وتلاحظ أن أحاديثهم في الخروج والثورة على الأئمة المضلين متناقضة، فبعضها يأمر بالخروج والمقاومة حتى الشهادة، وبعضها ينهى عنه ما أقاموا الصلاة، وبعضها ينهى عنه مهما ظلموا! ومعناه أن السلطة تدخلت في الرواية وضيعت الأمر النبوي!
4 - إن أطعتموهم أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم!
الطبراني، الكبير: 8/176، عن أبي أمامة أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لستُ أخاف على أمتي جوعاً يقتلهم، ولا عدواً يجتاحهم (يستأصلهم) ولكني أخاف على أمتي أئمة مضلين، إن أطاعوهم فتنوهم (أضلوهم) وإن عصوهم قتلوهم).
الطبراني الصغير: 1/264: عن معاذ أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه! يمنعكم الفقر والحاجة! ألا إن رحا بني مرح قد دارت وقد قتل بنو مرح. ألا إن رحا الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار. ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب. ألا إنه سيكون أمراء يقضون لكم فإن أطعتموهم أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم. قال: يا رسول الله فكيف نصنع؟ قال كما صنع أصحاب عيسى بن مريم نُشِّروا بالمناشير وحُملوا على الخشب! موتٌ في طاعة الله خير من حياة في معصية الله (عزَّ وجلَّ)). ورواه في المطالب العالية: 4/267، كالطبراني بتفاوت يسير، والدر المنثور: 2/300، عن عبد بن حميد. ووثقه مجمع الزوائد: 5/227. وبنو مرح: أهل الفرح والزهو، كناية عن المشركين. وافتراق السلطان والقرآن: يعني أن الحكام سيحكمون بغير ما أنزل الله تعالى، كما حصل.
عبد الرزاق: 11/329، عن النبي (صلى الله عليه وآله): إنها ستكون عليكم أمراء يتركون بعض ما أمروا به، فمن ناواهم نجا ومن كره سلم أو كاد يسلم، ومن خالطهم في ذلك هلك أو كاد يهلك. وفي: 11/330: عن الحسن البصري أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ستكون عليكم أمراء بعدي فيعملون أعمالاً تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وشايع. قالوا: أفلا نقاتلهم يا رسول الله؟ قال: لا، ما صلوا). ونحوه ابن أبي شيبة: 15/71، و/243، عن أم سلمة وفيه: ومن اعتزلهم سلم أو كاد، ومن خالطهم هلك. والترمذي: 4/529، كرواية ابن أبي شيبة الأولى بتفاوت يسير، وفيه: سيكون عليكم أئمة. وقال: هذا حديث حسن
صحيح. والطبراني الكبير: 11/39، كرواية ابن أبي شيبة الثانية بتفاوت يسير والبيهقي: 8/157، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله): سيكون بعدي خلفاء يعملون بما يعلمون ويفعلون ما يؤمرون، وسيكون بعدهم خلفاء يعملون بما لا يعلمون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن أنكر عليهم برئ ومن أمسك يده سلم، ولكن من رضي وتابع. ومثله الطبراني الأوسط: 5/374، ومسند البزار: 6/61، عن أم سلمة، وفيه: قالت يا رسول الله أو لا نقتلهم؟ قال: لا، ما أقاموا الصلاة. ومثله في الطبراني الأوسط: 1/252، والشاميين: 1/371، وأبي يعلى: 10/308. وتعبيرهم بالأمراء والخلفاء والأئمة يدل على أن المقصود بهم واحد.
5 - تطبيق أمير المؤمنين (عليه السلام) للأئمة المضلين
في نهج البلاغة: 2/188: (ومن كلام له (عليه السلام) وقد سأله سائل عن أحاديث البدع، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر؟ فقال (عليه السلام): إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً وصدقاً وكذباً وناسخاً ومنسوخاً وعاماً وخاصاً ومحكماً ومتشابهاً وحفظاً ووهماً. ولقد كُذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عهده حتى قام خطيباً فقال: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار! وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس: رجلٌ منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج، يكذب على رسول الله متعمداً! فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم يصدقوا قوله، ولكنهم قالوا صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأى وسمع منه ولقف عنه، فيأخذون بقوله! وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم به لك، ثم بقوا بعده عليه وآله السلام فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار، بالزور والبهتان فولَّوْهم الأعمال، وجعلوهم حكاماً على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا. وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله، فهو أحد الأربعة...). والكافي: 1/62، والخصال/256.
وفي الكافي: 8/62: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يشكو حال الأمة، قال: قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعمدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيرين لسنته! ولو حَمَلْتُ الناس على تركها وحوَّلتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد
رسول الله لتفرق عني جندي... والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي: يا أهل الإسلام غُيِّرت سنة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعاً! ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري! ما لقيتُ من هذه الأمة من الفرقة، وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار؟!).
6 - تطبيق عُبَادَة بن الصامت رحمه الله للأئمة المضلين
ابن أبي شيبة: 15/233، عن أزهر بن عبد الله قال: أقبل عُبَادَة بن الصامت حاجاً من الشام فقدم المدينة فأتى عثمان بن عفان فقال: يا عثمان ألا أخبرك شيئاً سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: بلى، قال: فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ستكون عليكم أمراء يأمرونكم بما تعرفون ويعملون ما تنكرون، فليس لأولئك عليكم طاعة.
وفي/357، أنه قال لعثمان: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) محمداً أبا القاسم يقول: ستكون عليكم أمراء يأمرونكم بما تعرفون ويعملون ما تنكرون، فليس لأولئك عليكم طاعة. فلا تُعْتِبوا أنفسكم، فوالذي نفسي بيده إن معاوية من أولئك! فما راجعه عثمان حرفاً. وقال: وقد روي هذا الحديث بإسناد صحيح على شرط الشيخين في ورود عُبَادَة بن الصامت على عثمان بن عفان متظلماً، بمتن مختصر. ونحوه أحمد: 5/329.
مسند الشاشي: 3/172، عن رفاعة: (أن عُبَادَة بن الصامت مرت عليه قَطَارة وهو بالشام تحمل الخمر فقال: ما هذه؟ أزَيْتٌ؟ قيل: لا بل خمر تباع لفلان(معاوية)! فأخذ شفرةً من السوق فقام إليها ولم يذر منها راوية إلا بقرها، وأبو هريرة إذ ذاك بالشام فأرسل فلان إلى أبي هريرة فقال: ألا تمسك عنا أخاك عُبَادَة بن الصامت! أما بالغدوات فيغدو إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم، وأما بالعشي فيقعد بالمسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا، فأمسك عنا أخاك. فأقبل أبو هريرة
يمشي حتى دخل على عبادة فقال: يا عبادة مالك ولمعاوية؟ ذره وما حمل فإن الله يقول تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، قال: يا أبا هريرة لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)! بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن نقول في الله لا تأخذنا في الله لومة لائم، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب فنمنعه ما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا ولنا الجنة، ومن وفى وفى الله له الجنة بما بايع عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، و(من نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)! فلم يكلمه أبو هريرة بشيء، فكتب فلان إلى عثمان بالمدينة أن عُبَادَة بن الصامت قد أفسد عليَّ الشام، فإما أن يكف عنا عُبَادَة بن الصامت وإما أن أخلي بينه وبين الشام. فكتب عثمان إلى فلان أدخله إلى داره من المدينة فبعث به فلان حتى قدم المدينة فدخل على عثمان الدار وليس فيها إلا رجل من السابقين بعينه، ومن التابعين الذين أدركوا القوم متوافرين، فلم يهم عثمان به إلا وهو قاعد في جانب الدار فالتفت إليه فقال: ما لنا ولك يا عبادة؟ فقام عبادة قائماً وانتصب لهم في الدار فقال: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا القاسم يقول: سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله فلا تضلوا بربكم، فوالذي نفس عبادة بيده إن فلاناً لمن أولئك! فما راجعه عثمان بحرف)! ومسند الشاميين: 2/282، عن عبد الله بن عمرو مختصراً، وصحيحة الألباني: 2/138، وسير الذهبي: 2/9، عن اسماعيل بن عبيد بن رفاعة، قال: كتب معاوية إلى عثمان: إن عُبَادَة بن الصامت قد أفسد عليّ الشام وأهله، فإما أن تكفه إليك وإما أن أخلّي بينه وبين الشام. فكتب إليه أن رحِّل عبادة حتى ترجعه إلى داره بالمدينة. قال: فدخل على عثمان فلم يفاجأه إلّا به وهو معه في الدار، فالتفت إليه فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون.... فلا طاعة لمن عصى ولا تضلوا بربكم).
هذا، وقد بحثنا مواجهة عبادة رحمه الله لمعاوية وعثمان في (جواهر التاريخ/ج2).
7 - نصَّ النبي (صلى الله عليه وآله) على أن الأئمة المضلين من صحابته!
عبد الرزاق: 11/345، عن جابر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لكعب بن عجرة: أعاذك الله يا كعب بن عجرة من إمارة السفهاء، قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يَرِدِون عليَّ حوضي، ومن لم يصدقهم على كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم، وسَيَرِدُونَ عليَّ حوضي. يا كعب بن عجرة: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، والصلاة قربان. يا كعب بن عجرة: إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت أبداً، النار أولى به. يا كعب بن عجرة: الناس غاديان: فمبتاع نفسه فمعتقها، أو بائعها فموبقها). ومثله أحمد: 3/231.
لا يردون عليَّ الحوض: أي لا يسقون من حوض الكوثر ولا يدخلون الجنة. جُنَّة: أي حجاب من النار. السُّحت: المال الحرام. الغادي: السائر في صبح النهار. المبتاع: المشتري.
وفي أحمد: 5/111، عن خباب بن الأرت قال: إنا لقعود على باب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ننتظر أن يخرج لصلاة الظهر إذ خرج علينا فقال: اسمعوا، فقلنا: سمعنا، ثم قال: اسمعوا، فقلنا: سمعنا، فقال: إنه سيكون عليكم أمراء فلا تعينوهم على ظلمهم، فمن صدقهم بكذبهم فلن يَرِدَ عليَّ الحوض).
أحمد/384، عن حذيفة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إنها ستكون أمراء يكذبون ويظلمون فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منهم ولا يرد عليَّ الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه، وسيرد عليَّ الحوض). ونحوه في: 6/395، وأوسع منه في: 4/243: عن كعب بن عجرة، قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو دخل ونحن تسعة وبيننا وسادة من آدم فقال... وفي/267، عن النعمان بن بشير قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن في المسجد بعد صلاة العشاء، فرفع بصره إلى السماء ثم خفض حتى ظننا أنه قد حدث في السماء شيء فقال: ألا إنه سيكون بعدي أمراء يكذبون ويظلمون
فمن صدقهم بكذبهم ومالأهم على ظلمهم فليس مني ولا أنا منه، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يمالئهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه. ومسند ابن المبارك/163، عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله): ستكون أمراء يغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون ويكذبون، فمن أعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم فليس مني ولا أنا منه، ومن لم يصدقهم بكذبهم ويعينهم على ظلمهم فأنا منه وهو مني. ونحوه سنن الترمذي: 2/512، عن ابن عجرة، وفي/137، بعضه، عن جابر بن عبد الله، وعن ابن عمر قال: خرج إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن أربعة من العرب وخمسة من الموالي فقال: هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء فمن أعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم وغشى أبوابهم... ونحوه صحيح ابن حبان: 5/9، والطبراني الكبير: 3/135، عن ابن عَجْرة قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن تسعة خمسة من العرب وأربعة من العجم فقال: اسمعوا، أما سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بوارد عليَّ الحوض... ونحوه المسند الجامع: 10/749، عن ابن عمر، والحاكم: 1/78، عن خباب، وفي: 4/126، كما في عبد الرزاق، وصححه، ونحوه تاريخ بغداد: 5/361، وفي الزوائد: 5/248: رواه أحمد، والبزار، وأحد أسانيد البزار رجاله رجال الصحيح، ورجال أحمد كذلك.. الخ.
وفي مسلم: 3/1476، عن حذيفة: قلت: يا رسول الله إنّا كنا بِشَرٍّ فجاء الله بخير فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شرٌّ؟ قال: نعم. قلت هل وراء ذلك الشر خيرٌ؟ قال: نعم. قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: نعم. قلت كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الآدميين! قال قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع).
8 - وقال عمر إن النبي (صلى الله عليه وآله) أسرَّ اليه التحذير من الأئمة المضلين
مسند أحمد: 1/42: قال عمر لكعب: إني أسألك عن أمر فلا تكتمني! قال: والله لا أكتمك شيئاً أعلمه، قال: ما أخوف شيء تخوفه على أمة محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قال: أئمة مضلين. قال عمر: صدقت قد أسر ذلك إليَّ وأعلمنيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)). وفي
الزوائد: 5/239: رواه أحمد ورجاله ثقات. وفي الشاميين للطبراني: 2/97: عن عمر: أسرَّ إليَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إن أخوف ما أخاف على أمتي أئمة مضلين. قال كعب فقلت: والله ما أخاف على هذه الأمة، غيرهم). ومثله تاريخ دمشق: 50/152، ومعرفة الصحابة: 1/232.
9 - وجاء النبي (صلى الله عليه وآله) إلى بيت عمر ولعلها المرة الوحيدة!
حلية الأولياء: 5/119، بسنده عن أبي مسلم الخولاني، عن أبي عبيدة بن الجراح، عن عمر بن الخطاب قال: أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلحيتي وأنا أعرف الحزن في وجهه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! أتاني جبريل آنفاً فقال لي: إنا لله وإنا إليه راجعون! فقلت: أجل إنا لله وإنا إليه راجعون، فمِمَّ ذاك يا جبريل؟ فقال: إن أمتك مفتتنة بعدك بقليل من دهر غير كثير! فقلت: فتنة كفر أو فتنة ضلالة؟ فقال: كلٌّ سيكون! فقلت: ومن أين وأنا تارك فيهم كتاب الله؟! قال: فبكتاب الله يفتنون وذلك من قبل أمرائهم وقرائهم! يمنع الناسَ الأمراءُ الحقوق فيظلمون حقوقهم ولا يعطونها، فيقتتلون ويفتتنون. ويتَّبع القراء أهواء الأمراء فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون! فقلت: كيف يسلم من سلم منهم؟ قال: بالكف والصبر، إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه). وكنز الفوائد/61، بنحوه. وفي الدر المنثور: 3/155: وأخرج الحكيم الترمذي عن عمر بن الخطاب قال: أتاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أعرف الحزن في وجهه فأخذ بلحيتي فقال.. الخ. ورواه في الجليس الصالح/599، والمعرفة والتاريخ/580. ويظهر أن النبي (صلى الله عليه وآله) أتاه إلى بيته، ولم نجد حالة ثانية أنه (صلى الله عليه وآله) جاء إلى بيت عمر.
10 - سبب ابتلاء الأمة بهؤلاء الأئمة المضلين
سببه أن الأمة اختارت ذلك عن سبق قصد وإصرار، عندما رفضت أعظم عرض قدمه نبيٌّ لأمته! فقد أحضرهم النبي (صلى الله عليه وآله) في مرض وفاته، وعرض عليهم أن يكتب
لهم عهداً يؤمِّنهم من الضلال إلى يوم القيامة ويجعلهم سادة العالم، وهو عرضٌ فريد في تاريخ النبوات! فأحسَّت قريش أنه يريد أن يجعل ولاية علي والعترة (عليهم السلام) رسمياً بعهد مكتوب ويأخذ منهم إقراراً والتزاماً بالإطاعة. فقام عمر وواجه النبي (صلى الله عليه وآله) قائلاً لا حاجة لنا بعهدك، كتاب الله يكفينا! وصاح الطلقاء القرشيون مؤيدين لعمر: القول ما قال عمر، القول ما قال عمر! حسبنا كتاب الله لا تقربوا له شيئاً ولا يكتب شيئاً! ولغطوا واتهموا النبي (صلى الله عليه وآله) بأنه يهجر، فأجابهم الصحابة وأهل البيت (عليهم السلام) وبعض نساء النبي (صلى الله عليه وآله) وقالوا قربوا له يكتب لكم! فقال أولئك لا تقربوا له! استفهموه إنه يهجر! وكانوا مستعدين لأن يعلنوا ردتهم عن الإسلام إذا أصرَّ النبي (صلى الله عليه وآله) على كتابة عهده ويقولوا إنه لم يكن نبياً، بل كان يريد تأسيس ملك لبني هاشم!
فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) عليهم وطردهم وهي الرمة الوحيدة التي طرد فيها النبي (صلى الله عليه وآله) أصحابه! قال لهم: (قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع ما أنا فيه خيرٌ مما تدعوني اليه)! وما يدعونه اليه هو أن يصرَّ على الكتابة ليكون مبرراً لإعلان الردة! فكان ابن عباس يقول: إن الرزيئة كل الرزيئة ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين كتابه)! رواه بخاري: 1/36في ست مواضع وخفف منه ما استطاع! ورواه غيره بأوسع منه.
11 - أحاديث الشجرة الملعونة في القرآن تفسر المضلين
قال الله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا طُغْيَاناً كَبِيراً).
وقد روى السنة تفسير النبي (صلى الله عليه وآله) هذه الآية بالأئمة المضلين من بني أمية، كما في مجمع الزوائد: 5/243، عن أبي يعلى ووثقه: (عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأى في منامه كأن بني الحكم ينزون على منبره وينزلون! فأصبح كالمتغيظ فقال: ما لي رأيت بني
الحكَم ينزون على منبري نزو القردة؟! قال: فما رؤي رسول الله مستجمعاً ضاحكاً بعد ذلك حتى مات (صلى الله عليه وآله))! وفي: 5/240، عن عبد الله بن عمرو، وصححه قال: كنا جلوساً عند النبي وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني فقال (صلى الله عليه وآله) ونحن عنده: ليدخلنَّ عليكم رجل لعين! فوالله ما زلت وجلاً أتشوَّف خارجاً وداخلاً حتى دخل فلان يعني الحكم).
وفي معجم الطبراني الكبير: 3/90، عن الحسن بن علي (رضي الله عنه)، أنه قالَ لِمن اعترض على صلحه مع معاوية: رحمك الله فإن رسول الله قد أريَ بني أمية يخطبون على منبره رجلاً فرجلاً فساءه ذلك، فنزلت هذه الآية: (إنَّا أعطيناك الكوثَرْ)، نهر في الجنة. ونزلت: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، تملكه بنو أمية! قال القاسم: فحسبنا ذلك فإذا هو ألفٌ لا يزيد ولا ينقص). والبيهقي في فضائل الأوقات/211، والترمذي: 5/115، والحاكم: 3/170، وصححه وروى أحاديث أخرى في: 3/175، و4: /74)!
وفي فتح الباري: 8/287: (عن ابن عباس أنه سأل عمر عن هذه الآية: (أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ)؟ فقال مَن هم؟ قال: هم الأفجران من بني مخزوم وبني أمية، أخوالي وأعمامك! فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين! ثم أورد حديث علي (عليه السلام) وقال: وهو عند عبد الرزاق أيضاً، والنسائي، وصححه الحاكم). انتهى.
أقول: يقصد عمر بقوله: (فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر) بني مخزوم، وكان رئيسهم أبو جهل، وتنسب اليهم حنتمة أم عمر، وكان خالد بن الوليد لا يقر بذلك. ويشير عمر إلى قوله تعالى: (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِين. لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) (آل عمران: 121 - 128).
لكن معنى الآية: أن الإرادة الإلهية أن يُمهل بعض قبائل قريش ويقطع طرفاً منهم بقتل زعمائهم واستئصالهم سياسياً، وإخراجهم من ساحة الصراع مع الإسلام! لذلك
لم نرَ لهم أيَّ دور مهم في التاريخ! وهم: بنو عبد الدار، الذين كانوا فرسان قريش وأصحاب حربها، وقد قَتَلَ علي (عليه السلام) منهم في بدر وأحُد بضعة عشر فارساً كلهم أبطال حَمَلةُ راية قريش! وبنو المغيرة العائلة المالكة في بني مخزوم، وقد انطفأوا بعد مقتل أبي جهل في بدر، وبرز منهم عسكري واحد هو خالد بن الوليد، وطمع ابنه عبد الرحمن بالخلافة فقتله معاوية! كما انتهت تيْمٌ وعديٌّ بعد أبي بكر وعمر، وهكذا لم يبق في الساحة السياسية إلا أمية وهاشم!
أما مصادرنا فروت تأكيد النبي وآله (صلى الله عليه وآله) على أن كل قريش مسؤولة عن تبديل نعمة الله كفراً، وليس بني أمية وبني المغيرة المخزوميين فقط!
قال الإمام الصادق (عليه السلام) لأحدهم: ما تقولون في ذلك؟ فقال: نقول هما الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة. فقال (عليه السلام): بل هي قريش قاطبة! إن الله خاطب نبيه فقال: إني قد فضلت قريشاً على العرب وأتممت عليهم نعمتي وبعثت إليهم رسولاً، فبدلوا نعمتي وكذبوا رسولي). (تفسير العياشي: 2/229).
وفي الكافي: 8/345، عن الباقر (عليه السلام) قال: أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً كئيباً حزيناً فقال له علي (عليه السلام): ما لي أراك يا رسول الله كئيباً حزيناً؟ فقال: وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه أن بني تيم وبني عدي وبني أمية يصعدون منبري هذا يردُّون الناس عن الإسلام القهقرى! فقلت: يا رب في حياتي أو بعد موتي؟ فقال: بعد موتك)!
12 - حديث: الخلافة بعدي ثلاثون سنة صحيح عندهم
أحمد: 4/273، عن النعمان بن بشير قال: كنا قعوداً في المسجد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان بشير رجلاً يكفُّ حديثه، فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الأمراء؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة فقال حذيفة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون،
ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت. قال حبيب: فلما قام عمرو بن عبد العزيز وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته، فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه فقلت له: إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين يعني عمر بعد الملك العاض والجبرية، فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فسُرَّ به وأعجبه). وفي الطيالسي/31، عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن الله (عزَّ وجلَّ) بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة، وكائناً خلافة ورحمة، وكائناً ملكاً عضوضاً، وكائناً عنوة وجبرية وفساداً في الأرض، يستحلون الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك ويرزقون أبداً، حتى يلقوا الله).
وفي الدارمي: 2/114، عن أبي عبيدة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أول دينكم نبوة ورحمة ثم ملك ورحمة ثم ملك أعفر، ثم ملك وجبروت يستحل فيها الخمر والحرير. قال أبو محمد: سئل عن أعفر فقال: يشبه بالتراب وليس فيه خير). ونحوه أبو يعلى: 2/177، وفيه: عتواً وجبرية وفساداً في الأمة. ونحوه الطبراني الكبير11/88، وفيه: ثم يتكادمون عليها تكادم الحمر!). ملكاً جبرية: أي تسلطاً غير شرعي بالإجبار والقهر. ملكاً عاضاً أو عضوضاً: شديد الظلم على الناس، يعضهم كالكلب!
أقول: هذا الحديث الصحيح عندهم يُفسر الأئمة المضلين ببني أمية، وينص على أن حكم معاوية ومن بعده إلى عمر بن عبد العزيز حكمٌ جبري ظالم غير شرعي!
قال في فتح الباري: 8/61: (وإشارته بهذا الكلام تطابق الحديث الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره من حديث سفينة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً عضوضاً). وقال في: 1/543: (وغالب طرقها صحيحة أو حسنة وفيه عن جماعة آخرين يطول عددهم). وقال الذهبي في سيره: 1/421: (وهو متواتر
عن النبي (صلى الله عليه وآله)). وفي صحيحة الألباني: 1/742: (رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وهذا من دلائل صدق نبوة النبي (صلى الله عليه وآله) فإن أبابكر تولى عام11هـ. وتنازل عنها الحسن بن علي عام41 هـ. وهي ثلاثون عاماً كاملة). انتهى.
وهذا الحديث يتفق مع مذهبنا في نفي الشرعية عن حكم معاوية وأمثاله، لكنا لا نقبله لأنه يناقض ما تواتر عند الجميع من وصية النبي (صلى الله عليه وآله) بعلي والعترة (عليه السلام) إلى جنب القرآن، ونعتبره محاولة لإخراج ابن عبد العزيز من ذم النبي (صلى الله عليه وآله) لعامة بني أمية!
* * *
13 - استمرار حكم الأئمة المضلين وأتباعهم حتى ظهور المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)
عقد الدرر/62، عن حذيفة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ويحُ هذه الأمة من ملوك جبابرة كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم، فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه ويفرُّ منهم بقلبه. فإذا أراد الله (عزَّ وجلَّ) أن يعيد الإسلام عزيزاً قصم كل جبار، وهو القادر على ما يشاء أن يصلح أمة بعد فسادها. فقال (عليه السلام): يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي، تجري الملاحم على يديه، ويُظهر الإسلام، لا يخلف وعده، وهو سريع الحساب. أخرجه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في صفة المهدي). ومثله العرف الوردي للسيوطي: 2/2، والبرهان للهندي/92، وينابيع المودة/448، وكشف الغمة: 3/262، والبحار: 51/83.
وقوله (صلى الله عليه وآله): لطول الله ذلك اليوم: كناية عن حتمية ظهور المهدي (عليه السلام). والملاحم: جمع ملحمة، وأصلها المعركة التي يلتحم فيها الناس، وتطلق على الأحداث الكبيرة.
* * *
1 - الدجال من وجهة نظر أهل البيت (عليهم السلام)
يختلف ما تقدمه مصادرنا عن الدجال وحركته، عن التصور الذي تقدمه الأحاديث الواردة في المصادر السنية، بعدة أمور:
منها: أن الدجال عندنا يهودي يقوم بحركة عالمية مضادة للإمام المهدي (عليه السلام) بعد ظهوره وإقامة دولته العالمية ونزول عيسى (عليه السلام)، وأتباع الدجال من اليهود والنواصب والشاذين والمومسات. ويظهر أنه يستفيد من تطور العلوم والرخاء الذي يحققه الإمام المهدي (عليه السلام) بطرق الدجل والشعبذة، ويدعي الربوبية.
ومنها: خلو أحاديثنا من عناصر الأسطورة والمبالغة التي وردت في غيرها.
ومنها: أن كعب الأحبار جعل خروج الدجال بعد فتح القسطنطينية مباشرة! وجعل قيام الساعة بعده بسبع سنوات! فقبلوا أفكاره كلهم، بينما رفضتها مصادرنا وقالت إن دولة العدل الإلهي تستمر طويلاً.
ومع أن علماءهم أجمعوا على قبول أفكار كعب، لكنهم تحيروا بين الدجال الذي قال به تميم الداري، والدجال الذي قال به عمر بن الخطاب، كما يأتي!
أما نحن فروينا أن الدجال هو آخر الأئمة المضلين، في مقابل خاتم الأئمة الهادين (عليهم السلام) ففي الكافي: 8/296، عن الإمام الباقر (عليه السلام) من حديث في فضل علي (عليه السلام) جاء فيه: وأنه ليس من أحد يدعو إلى أن يخرج الدجال إلا سيجد من يبايعه ومن رفع راية ضلالة فصاحبها طاغوت). (وعنه البحار: 28/254).
وروينا أن الدجال قائد آخر فئة مضلة، ففي البصائر/317، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: سلوني قبل أن تفقدوني فوالله لا تسألوني عن فئة تهدى مائة إلا أخبرتكم بسائقها وناعقها، حتى يخرج الدجال).
وروينا أن أتباعه أعداء أهل البيت (عليهم السلام): (عن حذيفة بن أسيد قال: سمعت أبا ذر يقول وهو متعلق بحلقة باب الكعبة: أنا جندب بن جنادة لمن عرفني، وأنا أبو ذر لمن لم يعرفني: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من قاتلني في الأولى وفي الثانية، فهو في الثالثة من شيعة الدجال! إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمة مثل سفينة نوح في لجة البحر من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ألا هل بلغت؟ (رجال الكشي/29).
وفي أمالي الطوسي: 1/59، عن رافع مولى أبي ذر قال: رأيت أبا ذر رحمه الله آخذاً بحلقة باب الكعبة مستقبل الناس بوجهه وهو يقول: من عرفني فأنا جندب الغفاري ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من قاتلني في الأولى وقاتل أهل بيتي في الثانية حشره الله تعالى في الثالثة مع الدجال، إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومثل باب حطة من دخله نجا ومن لم يدخله هلك). ونحوه: 2/74، والإيقاظ/245، والبحار: 22/408، و: 23/119، والدرجات الرفيعة/239، وتنقيح المقال: 1/235، ومعجم رجال الحديث: 4/167، عن الكشي.
وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2/47، عن أمير المؤمنين: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ومن قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال). والعمدة/360، وكشف اليقين/116، عن الخوارزمي. وغاية المرام/237، عن المغازلي، والبحار: 27/205، عن العيون. وفي: 52/335، عن صحيفة الرضا (عليه السلام).
ورواه من مصادر السنيين: مسند الشهاب: 2/273، عن سعيد بن المسيب، عن أبي ذر، قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذكره. والطبراني الصغير: 1/139، وفيه: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح من ركبها نجا، ومثل باب حطة في بني إسرائيل. والحاكم: 3/150، وفيه: عن حنش الكناني قال: سمعت أبا ذر (رضي الله عنه) يقول وهو آخذ بباب الكعبة: من عرفني فأنا من عرفني ومن أنكرني فأنا أبو ذر سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول.. كالطبراني. وابن المغازلي/68 و/134، والشجري: 1/151، وميزان الإعتدال: 1/482، ومقتل الخوارزمي: 1/104، وكشف الهيثمي: 3/222، كلها كمسند الشهاب. والزوائد: 9/168.
* * *
فهذه الأحاديث تدل على أن الطرف الذي يقاتل الدجال هم أهل البيت (عليهم السلام)، وهو طبيعي لأن دولة العدل الإلهي على الأرض ستكون على يد خاتمهم صلوات الله عليهم، والدجال هو آخر حركة ضلال تكون على الأرض.
وقد دلت الأحاديث على شدة عداء الدجال وأتباعه لأهل البيت (عليهم السلام) ففي المحاسن/90، عن الإمام الصادق (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً. قيل: يا رسول الله وإن شهد الشهادتين! قال: نعم إنما احتجب بهاتين الكلمتين عن سفك دمه، أو يؤدي الجزية وهو صاغر، ثم قال: من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً! قيل: وكيف يا رسول الله؟ قال: إن أدرك الدجال آمن به). ومثله ثواب الأعمال/203 و242، وعنه البحار: 52/192، و: 72/134. وفي مشارق أنوار اليقين/52، عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيها الناس من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً لا ينفعه إسلامه، وإن أدرك الدجال آمن به، وإن مات بعثه الله من قبره حتى يؤمن به). ورواه البسوي في المعرفة والتاريخ/833، عن حذيفة، وفي نسخته تصحيف.
ومعنى إن أدرك الدجال آمن به: أن التحالف بين النواصب واليهود سيبلغ أوجه في زمن الإمام المهدي (عليه السلام)، وتكون نهاية النواصب أن يرتدوا عن الإسلام ويتبعوا الدجال زعيم اليهود!
* * *
كما روينا تحريم المدينة على الدجال بمضامين رواياتهم لكن بدون استثناءاتهم.
قال الصدوق في الفقيه: 2/564: (وروي أن الصادق (عليه السلام) ذكر الدجال فقال: لا يبقى منها سهل إلا وطأه إلا مكة والمدينة، فإن على كل نقب من أنقابها ملكاً يحفظهما من الطاعون والدجال). والتهذيب: 6/12، عن ابن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وعنه وسائل الشيعة: 10/272.
* * *
وروت مصادرنا رواية مرسلة قد يفهم منها أن الدجال يفتك بأهل البصرة، ففي شرح النهج لابن ميثم البحراني: 1/289، أن علياً (عليه السلام) (لما فرغ من حرب أهل الجمل أمر منادياً ينادي في أهل البصرة أن الصلاة جامعة لثلاثة أيام من غد إن شاء الله ولا عذر لمن تخلف إلا من حجة أو علة، فلا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً، فلما كان في اليوم الذي اجتمعوا فيه خرج فصلى في الناس الغداة في المسجد الجامع، فلما قضى صلاته قام فأسند ظهره إلى حائط القبلة عن يمين المصلي، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، ثم قال: يا أهل المؤتفكة، ائتكفت بأهلها ثلاثاً وعلى الله تمام الرابعة، يا جند المرأة وأعوان البهيمة، رغا فأجبتم وعقر فهربتم، أخلاقكم دقاق وماؤكم زعاق، بلادكم أنتن بلاد الله تربة وأبعدها من السماء، بها تسعة أعشار الشر، المحتبس فيها بذنبه والخارج منها بعفو الله، كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر! فقام إليه الأحنف بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك؟ قال: يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك الزمان وإن بينك وبينه لقروناً، ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم، لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دوراً وآجامها قصوراً، فالهرب الهرب فإنه لا بُصَيْرَةَ لكم يومئذ! ثم التفت عن يمينه فقال: كم بينكم وبين الأبلة؟ فقال له المنذر بن الجارود: فداك أبي وأمي، أربعة فراسخ. قال له: صدقت فوالذي بعث محمداً وأكرمه بالنبوة وخصه بالرسالة وعجل بروحه إلى الجنة لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال: يا علي
هل علمت أن بين التي تسمى البصرة والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ، وقد يكون في التي تسمى الأبُلَّة موضع أصحاب العشور يقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألفاً شهيد هم يومئذ بمنزلة شهداء بدر! فقال له المنذر: يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي وأمي؟ قال: يقتلهم إخوان الجن وهم جيل كأنهم الشياطين، سود ألوانهم منتنة أرواحهم شديد كَلَبُهم قليل سلبهم، طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل ذلك الزمان مجهولون في الأرض معروفون في السماء، تبكي السماء عليهم وسكانها والأرض وسكانها، ثم هملت عيناه بالبكاء ثم قال: ويحك يا بصرة من جيش لا رهَجَ له ولا حس!
قال له المنذر: يا أمير المؤمنين وما الذي يصيبهم من قبل الغرق مما ذكرت، وما الويح وما الويل؟ فقال: هما بابان فالويح باب الرحمة والويل باب العذاب، يا ابن الجارود نعم، ثارات عظيمة منها عصبة يقتل بعضها بعضاً، ومنها فتنة تكون بها خراب منازل وخراب ديار وانتهاك أموال، وقتل رجال وسبي نساء يذبحن ذبحاً، يا ويل أمرهن حديث عجب، منها أن يستحل بها الدجال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى والأخرى كأنها ممزوجة بالدم لكأنها في الحمرة علقة، ناتئ الحدقة كهيئة حبة العنب الطافية على الماء، فيتبعه من أهلها عدة من قتل بالأبلة من الشهداء، أناجيلهم في صدورهم يقتل من يقتل ويهرب من يهرب، ثم رجف، ثم قذف، ثم خسف، ثم مسخ، ثم الجوع الأغبر، ثم الموت الأحمر وهو الغرق.
يا منذر، إن للبصرة ثلاثة اسماء سوى البصرة في الزبر الأول لا يعلمها إلا العلماء منها الخريبة، ومنها تدمر، ومنها المؤتفكة. يا منذر والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو أشاء لأخبرتكم بخراب العرصات عرصة عرصة، ومتى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة، وإن عندي من ذلك علماً جماً، وإن تسألوني تجدوني به عالماً لا أخطئ منه علماً. قال: فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل
الجماعة ومن أهل الفرقة ومن أهل السنة ومن أهل البدعة؟ فقال: ويحك إذا سألتني فافهم عني ولا عليك أن لا تسأل أحداً بعدي: أما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلوا وذلك الحق عن أمر الله وأمر رسوله (صلى الله عليه وآله)، وأما أهل الفرقة فالمخالفون لي ولمن اتبعني وإن كثروا! وأما أهل السنة فالمتمسكون بما سنه الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) لا العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا). وعنه البحار: 3/15 و: 32/253.
لكنها خطبة مرسلة لا يمكن الأخذ بها ما عدا القسم الأول إلى قوله (عليه السلام): (كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر)، فقد رواه المؤرخون كابن أبي الحديد وابن منظور وغيرهما. والفقرة التي فيها ذكرت الدجال مبهمة وهي: (يستحل بها الدجال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى..)، فقد يكون دجال حركة الزنج التي وصفها الإمام (عليه السلام) في مطلع الخطبة، وقد تحققت وانطبقت عليهم أوصافه (عليه السلام): (سود ألوانهم منتنة أرواحهم شديد كَلَبُهم قليل سلبهم، طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه).
* * *
كما روينا أن الذي يقتل الدجال هو الإمام المهدي (عليه السلام) ويساعده نبي الله عيسى (عليه السلام) ففي كمال الدين: 2/335، عن المفضل قال: قال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا، فقيل له: يا بن رسول الله، ومن الأربعة عشر؟ فقال: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال ويطهر الأرض من كل جور وظلم). وعنه إثبات الهداة: 1/517 والبحار: 15/23).
وفي منتخب الأثر للشيخ الصافي/172، عن الكامل في السقيفة لعماد الدين الطبري عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال: (إن الله تعالى أعطانا الحلم والعلم والشجاعة والسخاوة والمحبة في قلوب المؤمنين، ومنا رسول الله ووصيه، وسيد الشهداء، وجعفر الطيار في الجنة، وسبطا هذه الأمة، والمهدي الذي يقتل الدجال).
* * *
وروينا أن الحياة تستمر بعد الدجال، رداً على الذين زعموا أن يأجوج ومأجوج يأتون بعده، وتنتهي الحياة وتقوم القيامة! ففي الكافي: 5/260، عن سيابة أن رجلاً سأل الصادق (عليه السلام) فقال: جعلت فداك اسمع قوماً يقولون إن الزراعة مكروهة! فقال له: إزرعوا واغرسوا، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحل ولا أطيب منه، والله ليزرعن الزرع وليُغْرَسَنَّ النخلُ بعد خروج الدجال). والفقيه: 3/250، والتهذيب: 6/384، والوسائل: 13/193، والغايات/88، وعنه البحار: 103/68، ومستدرك الوسائل: 13/461.
* * *
وروينا أن بداية راية الدجال من بلخ في أفغانستان، ففي البصائر/141، أن رجلاً من أهل بلخ دخل على الإمام الباقر (عليه السلام) فقال له: يا خراساني تعرف وادي كذا وكذا؟ قال: نعم، قال له: تعرف صدعاً في الوادي من صفته كذا وكذا؟ قال: نعم، قال: من ذلك يخرج الدجال! في حديث طويل جاء فيه: (وخروج رجل من ولد الحسين بن علي، وظهور الدجال يخرج بالمشرق من سجستان، وظهور السفياني). وعنه المحتضر/141، والبحار: 26/189 و: 52/190، وفي: 51/68، عن كمال الدين.
ومعنى قوله (عليه السلام): (قال له: تعرف صدعاً في الوادي من صفته كذا وكذا؟ قال: نعم قال: من ذلك يخرج الدجال): أن بداية حركة الدجال من أفغانستان من قرى ذلك الوادي، ويؤيده أنه ورد في علامات الظهور أن عَلَم الدجال يظهر في العراق، ففي مناقب آل أبي طالب: 2/108، في حديث مرسل عن علي (عليه السلام) جاء فيه قوله: (وغلبة الروم على الشام، وغلبة أهل أرمينية، وصرخ الصارخ بالعراق: هتك الحجاب وافتضت العذراء وظهر عَلَمُ اللعين الدجال، ثم ذكر خروج القائم).
* * *
كما اتفقت رواياتنا مع مصادرهم في أن الدجال من علامات القيامة، لكن بعض أسانيدها يلتقي بأسانيدهم، فيقع الإشكال في صحتها، ثم في ترتيبها للعلامات.
من ذلك ما في غيبة الطوسي/267، عن علي (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عشر قبل الساعة لا بد منها: السفياني، والدجال، والدخان، والدابة، وخروج القائم وطلوع
الشمس من مغربها، ونزول عيسى (عليه السلام) وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر). والبحار: 52/209.
* * *
كما وصفت رواياتنا من ينتحل ولاية أهل البيت (عليه السلام) كذباً بأنه أضر على الشيعة من الدجال! ففي صفات الشيعة للصدوق/14، عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: إن ممن يتخذ مودتنا أهل البيت لَمَنْ هو أشد فتنة على شيعتنا من الدجال! فقلت: يا ابن رسول الله بماذا؟ قال: بموالاة أعدائنا ومعاداة أوليائنا! إنه إذا كان كذلك اختلط الحق بالباطل واشتبه الأمر، فلم يعرف مؤمن من منافق). والبحار: 75/391.
كما وصفت الكذابين بأنهم مهيؤون لأن يتبعوا الدجال! ففي الخصال/139، عن علي (عليه السلام) قال: إحذروا على دينكم ثلاثة: رجلاً قرأ القرآن حتى إذا رأيت عليه بهجته اخترط سيفه على جاره ورماه بالشرك! فقلت: يا أمير المؤمنين أيهما أولى بالشرك؟ قال: الرامي. ورجلاً استخفته الأحاديث كلما حدث أحدوثة كذب مدَّها بأطول منها! ورجلاً آتاه الله (عزَّ وجلَّ) سلطاناً فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، وكذِبَ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق... وإنما أمر الله (عزَّ وجلَّ) بطاعة الرسول لأنه معصومٌ مطهَّرٌ لا يأمر بمعصية. وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية). وكتاب سليم/405، وشرح الأخبار: 3/391، بتفاوت ووسائل الشيعة(آل البيت): 27/130، وابن حماد: 2/520، بعضه، وفيه: رجل قد استخفته الأحاديث كلما وضع أحدوثة كذب وانقطعت مدها بأطول منها! إن يدرك الدجال يتبعه).
* * *
وروينا أن المسيح يساعد المهدي (عليهما السلام) على الدجال، ففي أمالي الصدوق/224، عن حماد، عن عبد الله بن سليمان، وكان قارئاً للكتب قال: قرأت في الإنجيل: (يا عيسى جِدَّ في أمري ولا تهزل، واسمع وأطع، يا ابن الطاهرة الطهر البكر البتول أتيت من غير فحْل، أنا خلقتك آية للعالمين، فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل. خذ الكتاب بقوة. فسِّر لأهل سوريا بالسريانية. بلغ من بين يديك أني أنا الله الدائم الذي لا أزول.
صدقوا النبي الأمي صاحب الجمل والمدرعة والتاج والنعلين والهراوة، الأنجل العينين، الصلت الجبين، الواضح الخدين، الأقنى الأنف، المفلج الثنايا... ذو النسل القليل، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب، يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك، لها فرخان مستشهدان، كلامه القرآن، ودينه الإسلام، وأنا السلام، طوبى لمن أدرك زمانه وشهد أيامه وسمع كلامه.
قال عيسى: يا رب وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة أنا غرستها، تُظِلُّ الجنات، أصلها من رضوان، ماؤها من تسنيم، برده برد الكافور، وطعمه الزنجبيل، من يشرب من تلك العين شربةً لا يظمأ بعدها أبداً. فقال عيسى: اللهم اسقني منها، قال: حرام يا عيسى على البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي، وحرام على الأمم أن يشربوا منها حتى تشرب أمة ذلك النبي، أرفعك إليَّ ثم أهبطك في آخر الزمان لترى من أمة ذلك النبي العجائب، ولتعينهم على اللعين الدجال، أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم إنهم أمة مرحومة). انتهى. ومثله كمال الدين: 1/159، وقال: وكانت للمسيح (عليه السلام) غيبات يسيح فيها في الأرض فلا يعرف قومه وشيعته خبره، ثم ظهر فأوصى إلى شمعون بن حمون، فلما مضى شمعون غابت الحجج بعده واشتد الطلب وعظمت البلوى ودرس الدين وضيعت الحقوق وأميتت الفروض والسنن، وذهب الناس يميناً وشمالاً لا يعرفون أيّاً من أي، فكانت الغيبة مائتين وخمسين سنة). وعنه البحار: 16/144، و: 52/181.
* * *
وأخيراً، روينا أن أشر الناس أئمة الضلال الاثنا عشر، من الأولين ستة، ومن الآخرين ستة أحدهم الدجال، كما في الخصال/457: (اثنا عشر، ستة من الأولين وستة من الآخرين) ثم سمى الستة من الأولين ابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون وهامان وقارون والسامري (والدجال اسمه في الأولين ويخرج في الآخرين).
وفي كتاب سُليم رحمه الله /161 عن علي (عليه السلام): (فسألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنهم وأنتم شهود فقال: أما الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون الفراعنة، والذي حاج إبراهيم في ربه، ورجلان من بني إسرائيل بدَّلا كتابهم وغيَّرا سنتهم، أما أحدهما فهوَّدَ اليهود
والآخر نَصَّرَ النصارى، وإبليس سادسهم. وفي الآخرين الدجال). والاحتجاج: 1/113.
2 - أحاديث الدجال في مصادر السنيين غابة متناقضة
عندما تقرأ أحاديث الدجال في مصادرهم تجد التناقض فيها بلغَ أوْجَهُ وطفح! وقد سبَّب ذلك أن بعض علمائهم صار حشوياً يقبل كل ما رُوِيَ بدون تفكير! وهذه ظاهرة خطيرة تنشر في المسلمين الهرطقة والاعتقاد بالضد والنقيض وتنسبه إلى الإسلام! كما هو الحال عند خادم قبر حجر بن عدي رحمه الله الذي سأله أحدهم: قبرُ مَن هذا؟ فقال: هذا قبر سيدنا حجر (رضي الله عنه)، فسأله: من قتله؟ قال: قتله سيدنا معاوية (رضي الله عنه)، فسأله: لماذا قتله: قال: لأنه لم يسب سيدنا علي (رضي الله عنه)! قال له: كلهم سيدك؟ قال: نعم يا سيدي! وكذلك حالهم في الدجال، فقد اعتقدوا فيه الضد والنقيض عالمهم وعاميُّهم! ذلك أنهم أعرضوا عن أهل البيت (عليهم السلام) وأخذوا عقيدتهم من كعب الأحبار وتميم الداري، وتأكيد عمر على ولادة الدجال وغيبته!
سماه اليهود المسيح الدجال بغضاً بالمسيح (عليه السلام) فتبعوهم!
المهدي (عليه السلام) في الأديان خاتم المبعوثين لإصلاح الأرض، وعلى يده تتحقق دولة العدل الإلهي ويزول الظلم البشري. والدجال في الأديان السماوية آخر حركة تضليلية تزويرية. وقد طبقه اليهود بظلمهم على المسيح صلوات الله على نبينا وآله وعليه فسموا الدجال افتراءً وبهتاناً (المسيح الدجال) ونشروا ذلك في المسلمين! ونسبت مصادرهم تسميته المسيح إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وبرروه بأن عينه ممسوحة! بل سموه المسيح فقط بدون لفظ الدجال تماماً كما فعل اليهود! ولا عجب فرواة ذلك تلاميذ أحبار اليهود الذين سماهم النبي (صلى الله عليه وآله): (المتهوكين)! لكن الرائع حقاً أن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) سمَّوه الدجال فقط، ولم
يسموه المسيح أبداً! فلا تجد ذلك في حديث صحيح عنهم (عليهم السلام)!
خالفوا النبي (صلى الله عليه وآله) وجعلوا الدجال أخطر من الأئمة المضلين!
حيث رووا الحديث الصحيح الذي نص على أن الأئمة المضلين أخطر من الدجال ثم رووا أن الدجال أخطر من جميع الفتن! قال ابن حماد: 2/518، عن هشام بن عامر قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ما بين خلق آدم (عليه السلام) إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال! وفي طبقات ابن سعد: 7/26، إلى هشام بن عامر قال: إنكم تجاوزوني إلى رهط من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كانوا بألزم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) مني، ولا أحفظ مني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ما بين خلق آدم والقيامة فتنة أعظم من الدجال)! وابن أبي شيبة: 15/23، وأحمد: 4/19، ومسلم: 4/2266، كابن حماد، عن عمران بن حصين. وأبو يعلى: 3/126، بروايتين عنه وعن هشام بن عامر. والطبراني الكبير: 22/174، عن هشام بن عامر، والمعجم الأوسط: 5/27، نحوه، ولفظه: ما أهبط الله إلى الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أعظم من فتنة الدجال! والحاكم: 4/528، كابن أبي شيبة وصححه على شرط بخاري، والفردوس: 4/340، كابن حماد، والجامع الصغير: 2/489، عن أحمد ومسلم وصححه، والدر المنثور: 5/354:
وابن حماد: 2/517، عن أبي أمامة الباهلي، أنه أعظم الفتن جميعاً، وقد كذب ما صح من أن فتنة الأئمة المضلين أعظم! قال: (خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكان أكثر خطبته ما يحدثنا عن الدجال يحذرناه، وكان من قوله: يا أيها الناس إنها لم تكن فتنة في الأرض أعظم من فتنة الدجال، وإن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا حذره أمته، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيج كل مسلم، وإن يخرج بعدي فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم، فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه وليقرأ بفواتيح سورة الكهف). انتهى.
وتعالَ انظر إلى هذا (الرعب الديني) من الدجال برواية ابن حماد: 2/518، التي تزعم أن النبي (صلى الله عليه وآله): (تخوف الدجال وذكر من علاماته وإمارته ومقدمات أمره، حتى ظن الملأ أنه ثايرٌ عليهم من بينهم من النخل أو خارج من النخل عليهم! ثم قام لبعض شأنه ثم عاد وقد اشتد تخوف من حضره وبكاؤهم! فقال: مهيم، ثلاثاً، ما الذي أبكاكم؟ قالوا: ذكرت الدجال وقربت أمره حتى ظننا أنه ثائر علينا، وأنه خارج من النخل علينا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه. إحدى عينه مطموسة والأخرى ممزوجة بالدم كأنها الزهرة). انتهى. وقد تبعه كثيرون في نشر الرعب احتساباً قربةً إلى الله! منهم: مسلم في صحيحه: 4/2250، عن نواس بن سمعان قال: (ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال: ما شأنكم؟ قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل! فقال: غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتيح سورة الكهف. إنه خارج من خلة بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً. يا عباد الله فاثبتوا. قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً يومٌ كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم. قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، أقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما
كانت دراً وأسيغه ضروعاً وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم فيصبحون مملحين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك! فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قَطَرَ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يجد ريح نَفَسه أحد إلا مات، ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عباداً لي لا يَدَانِ لأحد بقتالهم فحرِّز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم(مأجوج) النغف(الدود) في رقابهم فيصبحون فرسى(صرعى) كموت نفس واحدة! ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيت شاء الله، ثم يرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرَّسل(القطيع) حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من
الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي النفر من الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة). ورواه في/2255، وفيه: ثم يسيرون(يأجوج) حتى ينتهوا إلى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس فيقولون لقد قتلنا من في الأرض هلمَّ فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دماً. وابن ماجة: 2/1356، كمسلم بتفاوت يسير، عن النواس الكلابي. وأبو داود: 4/117 مختصراً، عن النواس بن سمعان. والترمذي: 4/510، كرواية مسلم الأولى بتفاوت، عن النواس بن سمعان. والبدء والتاريخ: 2/193، كابن حماد بتفاوت، مرسلاً. والطبراني الكبير: 8/171، بمعناه، عن أبي أمامة الباهلي. والحاكم: 4/492، كمسلم وصححه على شرط الشيخين. وفي/530، أوله بتفاوت. وفي/536، عن نفير كابن حماد بتفاوت، وصححه على شرط مسلم. وقال السيوطي في الدر المنثور: 4/336: وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر، والبيهقي في البعث عن النواس بن سمعان. وفي: 5/353: وأخرج أحمد والحاكم وصححه، وأحمد: 4/181، عن النواس كمسلم بتفاوت. وأبو داود: 4/117، عن النواس، وآخر عن أبي أمامة بمعناه. وابن ماجة: 2/1356، كأحمد بتفاوت. والترمذي: 4/510، كأحمد وحسنه، والحاكم: 4/492 كأحمد وصححه على شرط الشيخين! وذرى الحيوان: سنامه وأعلاه، والخواصر والذروع: جمع خاصرة وذرع. ويعسوب النحل: ملكتها. والغرض: الهدف. والنَّغَف: في الأصل الحزام الجلدي شبهت به الحشرات التي تبعث عليهم. والزَّهم بفتح الزاي: الوغف والنتن.
وهي إسرائيليات مخلوطة بخيال الراوي كبقية روايات الباب، وتلاحظ أن رواية مسلم تضمنت: (فقال (صلى الله عليه وآله): غير الدجال أخوفني عليكم) لكن ذلك لا أثر له في وسط هذا الحشد الصاخب الأسطوري عن الدجال! لذلك لا بد لك أن تبحث عن المضمون النبوي الصحيح بملاحظة مجموع الروايات.
وجعلوا للدجال قدرات أسطورية!
في مجموع الفتاوى لابن تيمية: 35/118: (وقد قال (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى يكون فيكم ثلاثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه رسول الله. وأعظم الدجاجلة فتنةً الدجال الكبير الذي يقتله عيسى بن مريم، فإنه ما خلق الله من لدن آدم إلى قيام الساعة أعظم من فتنته! وأمَرَ المسلمين أن يستعيذوا من فتنته في صلاتهم! وقد ثبت أنه يقول للسماء أمطري فتمطر وللأرض أنبتي فتنبت! وأنه يقتل رجلاً مؤمناً ثم يقول له قم فيقوم فيقول أنا ربك! فيقول له كذبت بل أنت الأعور الكذاب الذي أخبرنا عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والله ما ازددت فيك إلا بصيرة. فيقتله مرتين فيريد أن يقتله في الثالثة فلايسلطه الله عليه.. فهذا هو الدجال الكبير ودونه دجاجلة منهم من يدعي النبوة). وفي فتن ابن حماد: 2/536، عن حذيفة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الدجال أعور العين اليسرى، جِفَالُ الشعر، معه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار... وعن ابن عمر يرفعه: الدجال إحدى عينيه مطموسة والأخرى ممزوجة بالدم كأنها الزهرة، ويسير معه جبلان جبل من أنهار وثمار وجبل دخان ونار، يشق الشمس كما يشق الشعرة، ويتناول الطير في الهواء). وأحمد: 5/324، عن عُبَادَة، كرواية ابن حماد الأولى بتفاوت يسير. وفي/397، كروايته الثانية. وكذا مسلم: 4/2248، وأبو داود: 4/116، كأحمد الأولى، وابن ماجة: 2/1353، كرواية ابن حماد الثانية، عن حذيفة. وحلية الأولياء: 5/157، و: 9/235، كابن حماد الأولى، بتفاوت يسير. والبغوي: 3/498، كرواية مسلم، من صحاحه، وفي/507، كابن حماد من حسانه.. إلى آخر القائمة الطويلة!
ابن أبي شيبة: 15/133، عن حذيفة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الدجال يخوض البحار إلى ركبتيه، ويتناول السحاب، ويسبق الشمس إلى مغربها، وفي جبهته قرن يخرص منه الحيات، وقد صور في جسده السلاح كله، حتى ذكر السيف والرمح والدرق. قال قلت: وما الدرق؟ قال: الترس). الخُرص بالضم: الحلقة الصغيرة في الإذن أو غيرها وبالفتح: التخمين والظن، والمعنى أن الدجال له قرنٌ يصنع منه الحيات.
ابن أبي شيبة: 15/133، أو: 8/648، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (لأنا أعلم بما مع الدجال من الدجال، معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تأجج فإما أدرك أحد ذلك فليأت النهر الذي يراه نارا فليغمض ثم ليطأطئ رأسه وليشرب فإنه ماء بارد وإن الدجال ممسوح العين، عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب). وأحمد: 5/386، والحاكم: 4/491، وصححه، وبآخر أكثر أسطورة، وطوال الطبراني/125، والكبير: 8/146، والدر المنثور: 4/210، و252.. إلى آخر القائمة!
وعبد الرزاق: 11/391، عن اسماء بنت يزيد الأنصارية (تشترك مع فاطمة بنت قيس برواية الدجال) قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيتي فذكر الدجال فقال: إن بين يديه ثلاث سنين، سنة تمسك السماء ثلث قطرها، والأرض ثلث نباتها، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها، والأرض ثلثي نباتها، والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله، فلا تبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس من البهائم إلا هلكت. وإن من أشد الناس فتنة أنه يأتي الأعرابي فيقول: أرأيت إن أحييت لك إبلك ألست تعلم أنني ربك؟ قال فيقول: بلى، فيتمثل له الشيطان نحو إبله، كأحسن ما تكون ضروعاً وأعظمه أسنمة. قال: ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول: أرأيت إن أحييت لك أباك وأحييت لك أخاك أليس تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى، فيتمثل له الشيطان نحو أبيه ونحو أخيه. قالت: ثم خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحاجة له ثم رجع، قالت: والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم به، قالت فأخذ بلحمتي الباب وقال: مهيم اسماء(ماذا يا اسماء؟) قالت قلت: يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال، قال: إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه وإلا فإن ربي خليفتي من بعدي على كل مؤمن. قالت اسماء: فقلت يا رسول الله والله إنا لنعجن عجينتنا فما نخبزها حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ؟ قال: يجزئهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس)! وابن حماد: 2/527، وبعده، عن ابن عمر، وأحمد: 6/75 76، عن عائشة، وقالت: فأين العرب
يومئذ؟ قال (صلى الله عليه وآله): العرب يومئذ قليل). إلى آخر صفحاتهم من نوع ما تقدم وأكثر منه بؤساً!
الدجال في صحيح بخاري!
روى في: 1/202، و: 7/159/و161، و: 8/103، عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يستعيذ في صلاته من الدجال! فيقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات. ونحوه في: 2/103 عن أبي هريرة، و: 5/223، عن أنس، وفي: 7/158، أن سعدً كان يستعيذ (من فتنة الدنيا أي فتنة الدجال).
وروى ما نوافقه عليه في: 8/103، عن أنس بن مالك أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: المدينة يأتيها الدجال فيجد الملائكة يحرسونها فلا يقربها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله).
وكذا في: 2/223، و: 8/101، عن أبي بكرة قول النبي (صلى الله عليه وآله): لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان). ونحوه عن أبي هريرة.
لكن بخاري خرَّب ذلك بحديث عن أنس جاء فيه: (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق... وبآخر في: 8/101، عن أنس قال النبي (صلى الله عليه وآله): يجيء الدجال حتى ينزل في ناحية المدينة ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق). وبآخر عن الخدري جاء فيه: ينزل بعض السباخ التي بالمدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله (صلى الله عليه وآله) حديثه فيقول الدجال: أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه: والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم! فيقول الدجال: أقتله فلا يسلط عليه). ورواه في: 8/103. فصار معنى تحريم المدينة على الدجال أنه ينزل في ضاحيتها فيهرب منها أهلها! ويأتيه منافقوها ويسلط على
مؤمنيها ويقتل منهم رجلاً صالحاً! فماذا بقي من حفظها منه؟!
وروى بخاري في: 4/105، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن الدجال: يجيء معه بمثال الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار. وفي/143، عن حذيفة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن مع الدجال إذا خرج ماء وناراً فأما الذي يرى الناس أنها النار فماء بارد، وأما الذي يرى الناس أنه ماء بارد فنار تحرق! فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يرى أنها نار فإنه عذب بارد). وفي: 8/101: (فناره ماء بارد وماؤه نار).
وفي: 3/123، عن أبي هريرة أنه صار يحب بني تميم لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال إنهم أشد الناس على الدجال! ورواه في: 5/115، وقال: وكانت فيهم سبية عند عائشة فقال (صلى الله عليه وآله): اعتقيها فإنها من ولد اسماعيل)! فجعل بني تميم من ذرية إبراهيم (عليه السلام)!
وروى في: 8/158، أن جابر بن عبد الله كان يحلف أن ابن الصائد الدجال! قلت: تحلف بالله؟ قال إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي (صلى الله عليه وآله) فلم ينكره النبي).
وروى في: 8/101، عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) صدق قول عمر وابنه في أن الدجال قد ولد وأن النبي (صلى الله عليه وآله) رأى الدجال عند الكعبة وقال: بينا أنا قائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف أو يهراق رأسه ماء قلت من هذا؟ قالوا: ابن مريم ثم ذهبت التفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين كأنه عينه عنبة طافية، قالوا: هذا الدجال! أقرب الناس به شبهاً ابن قطن رجل من خزاعة). وفي: 7/58 و: 5/126 و: 8/72، عن ابن عمر أن النبي رآه وقال (صلى الله عليه وآله): وإذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية، فسألت من هذا؟ فقيل المسيح الدجال)! انتهى.
وهذه الأحاديث المزعومة مردودة بما صح عندهم عن النبي (صلى الله عليه وآله) من أن فتنة الأئمة المضلين أشد الفتن وأخوفها على الأمة! وبأن تحريم المدينة المنورة على الدجال يعني حفظها منه وعدم تسليطه على أهلها، وبأنه من المحال أن يعطي الله تعالى لعدوه الدجال القدرة على المعجزة وإحياء الموتى.. الخ.
وأفضل ما رواه بخاري: 8/101، حديث يكذب كل أساطيرهم في الدجال حتى ما
رواه بخاري نفسه! وأنهم سألوا النبي (صلى الله عليه وآله) عن أساطير اليهود في الدجال فقال للمغيرة بن شعبة: (ما يضرك منه؟! قلت: لأنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء! فقال (صلى الله عليه وآله): هو أهون على الله من ذلك). وأحمد: 4/252، وابن حماد: 2/552، وابن شيبة: 15/129، و: 9/82 ومسلم: 4/2257، و4/1354، وأحمد: 4/246 و252، وفي/248: إنهم يزعمون أن معه جبال الخبز وأنهار الماء.
فهذا الحديث الصحيح عندهم ينسف كل ما رووه في تضخيم الدجال وتخويف الناس من خوارقه ومعجزاته! ويضع يدك على المتهوكين الذين كانوا يشيعون أساطير الدجال في المسلمين فيكذبهم النبي (صلى الله عليه وآله)!
لكن رغم كل ذلك فقد أشربوا بأساطير الدجال وطول حماره، وما زلت ترى أساطير اليهود في مصادرهم وأن عوامهم في شرق الأرض وغربها يصدقونها، لأن أئمتهم سوقوها لهم وضيعوا الأحاديث المطمئنة التي تنفي المكذوبات!
فالدجال ما زال عندهم يحيي ويميت، ومعه جنة ونار، وجبل من ثريد، وحماره سبعون ذراعاً بذراع الله، وينفخ نفسه فيملأ الطريق، ومن يكفر به يفتقر! والمسلمون كلهم يفرون منه في الجبال، ويلجؤون إلى بيت المقدس! الخ.
3 - عقيدة اليهود في الدجال!
وهي تدلنا على مدى تخريب كعب والمتهوكين لعقيدة الدجال عند المسلمين! ففي إقبال الأعمال لابن طاووس: 2/31 أو319، جاء في حديث طويل في مناظرة النبي (صلى الله عليه وآله) مع وفد نجران وإسلام أحدهم واسمه حارثة.. قال حارثة: وأحذركم يا قوم أن يكون من قبلكم من اليهود أسوة لكم، إنهم أنذروا بمسيحين: مسيح رحمة وهدى ومسيح ضلالة، وجعل لهم على كل واحد منهما آية وأمارة، فجحدوا مسيح الهدى وكذبوا به وآمنوا بمسيح الضلالة الدجال وأقبلوا على انتظاره، وأضربوا في الفتنة وركبوا نتجها، ومن قبل نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وقتلوا
أنبياءه والقوامين بالقسط من عباده، فحجب الله (عزَّ وجلَّ) عنهم البصيرة بعد التبصرة، بما كسبت أيديهم، ونزع ملكتهم منهم ببغيهم وألزمهم الذلة والصغار).
وقال المناوي في فيض القدير: 3/718: (قال البسطامي: الدجال مهدي اليهود، ينتظرونه كما ينتظر المؤمنون المهدي، ونقل عن كعب الأحبار أنه رجل طويل عريض الصدر مطموس يدعي الربوبية، معه جبل من خبز وجبل من أجناس الفواكه، وأرباب الملاهي جميعاً يضربون بين يديه بالطبول والعيدان والمعازف والنايات فلا يسمعه أحد إلا تبعه إلا من عصمه الله! قال: ومن أمارات خروجه تهب ريح كريح قوم عاد ويسمعون صيحة عظيمة وذلك عند ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكثرة الزنا وسفك الدماء، وركون العلماء إلى الظلمة والتردد إلى أبواب الملوك، ويخرج من ناحية المشرق من قرية تسمى دسر أبادين ومدينة الهوازن ومدينة أصبهان، ويخرج على حمار وهو يتناول السحاب بيده ويخوض البحر إلى كعبيه، ويستظل في أذن حماره خلق كثير، ويمكث في الأرض أربعين يوماً، ثم تطلع الشمس يوماً حمراء ويوماً صفراء ويوماً سوداء، ثم يصل المهدي وعسكره إلى الدجال فيلقاه فيقتل من أصحابه ثلاثين ألفاً فينهزم الدجال ثم يهبط عيسى إلى الأرض وهو متعمم بعمامة خضراء متقلد بسيف راكب على فرسه، وبيده حربة فيأتي إليه فيطعنه بها فيقتله. إلى هنا كلامه نقلاً عن كعب الأحبار). انتهى.
أقول: كلام كعب عن عقيدة اليهود صحيح لكنه مبتور ومضاف إليه! فقد بتر كعب تطبيق قومه اليهود للدجال على نبي الله عيسى المسيح (عليه السلام)! وقد عرفت أن وصف الدجال بالمسيح لم يصدر عن النبي وآله (صلى الله عليه وآله)، بل أخذه الصحابة المتهوكون من اليهود ونشروه في المسلمين!
كما أضاف كعب في الثقافة التي نشرها بين المسلمين ظهور المهدي ونزول المسيح (عليهما السلام) وقتالهما للدجال، لأنه أسلم رسمياًً فكان مضطراً لمداراة المسلمين! وفي نفس الوقت أدخل مفاهيم يهوديته في عقيدة المهدي والدجال، مثل أن الدجال
عربي، وأن المهدي (عليه السلام) لا يحقق هدفه بل يُقتل على يد الروم، وأن الكعبة تُهدم ومكة تخرب، وتنتهي الدنيا بعد الدجال بقليل، وتقوم القيامة!
والعجيب من جرأة كعب أنه روى أساطير اليهود عن النبي (صلى الله عليه وآله) مع أنه لم يره! بل دفع تلاميذه إلى روايتها كأبي هريرة وعبد الله بن عمرو العاص وعبد الله بن عمر وغيرهم، فرووها عن كعب كأنها أحاديث أو أسندوها إكراماً لكعب إلى النبي (صلى الله عليه وآله)!
وفي تاريخ الطبري: 1/12: (وزعموا أن اليهود إنما نقصوا ما نقصوا من عدد سني ما بين تاريخهم وتاريخ النصارى، دفعاً منهم لنبوة عيسى بن مريم (عليه السلام)، إذ كانت صفته ووقت مبعثه مثبتة في التوراة، وقالوا لم يأت الوقت الذي وقت لنا في التوراة أن الذي صفته صفة عيسى يكون فيه! وهم ينتظرون بزعمهم خروجه ووقته، فأحسب أن الذي ينتظرونه ويدعون أن صفته في التوراة مثبتة هو الدجال الذي وصفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمته، وذكر لهم أن عامة أتباعه اليهود، فإن كان ذلك هو عبد الله بن صياد، فهو من نسل اليهود).
اليهود نشروا الأسطورة والخوف من الدجال!
في مناقب آل أبي طالب: 1/129: (جاء أعرابي فقال: يا رسول الله بلغنا أن المسيح يعني الدجال، يأتي الناس بالثريد وقد هلكوا جميعاً جوعاً، أفترى بأبي أنت وأمي أن أكفَّ من ثريده تعففاً وتزهداً؟ فضحك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال: يغنيك الله بما يغني به المؤمنين). انتهى. فلاحظ أن الأعرابي الصحابي سماه المسيح فقط، كما سمعه من زملائه الصحابة المتهوكين أو من أساتذتهم حاخامات اليهود.
واقرأ في ابن شيبة: 5/134، (عن عائشة قالت: دخل عليَّ النبي (صلى الله عليه وآله) وأنا أبكي فقال: ما يبكيك؟ فقلت يا رسول الله ذكرت الدجال، قال: فلا تبكي فإن يخرج وأنا حي أكفيكموه، وإن أمت فإن ربكم ليس بأعور وإنه يخرج معه يهود أصبهان فيسير حتى
ينزل بضاحية المدينة، ولها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان، فيخرج إليه شرار أهلها، فينطلق حتى يأتي لُدّ فينزل عيسى بن مريم فيقتله، ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة أو قريباً من أربعين سنة، إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً).
وأحمد: 6/75، بنحوه، وفيه: إنه يخرج في يهودية أصبهان حتى يأتي المدينة فينزل ناحيتها، ولها يومئذ سبعة أبواب على كل نقب منها ملكان، فيخرج إليه شرار أهلها حتى يأتي(الشام كذا) مدينة بفلسطين بباب لد. وقال أبو داود مرة: حتى يأتي فلسطين بباب لد، فينزل عيسى (عليه السلام) فيقتله، ثم يمكث عيسى (عليه السلام) في الأرض أربعين سنة إماماً عادلاً.
ومجمع الزوائد: 7/338، ووثقه، وابن حماد: 2/581، عن أبي عمرو الشيباني قال: كنت مع حذيفة بن اليمان في المسجد إذ جاء أعرابي يهرول حتى وقف بين يديه فقال: أخَرَجَ الدجال؟ فقال حذيفة: أنا لما دون الدجال أخوف مني للدجال، وما الدجال؟ إنما فتنته أربعون يوماً... فيوم كالسنة... قالوا: يا رسول الله فكيف نصلي في تلك الأيام الطوال؟ قال: تقدرون كما تقدرون في هذه الأيام القصار ثم تصلون. ونحوه عبد الرزاق: 11/392، وابن شيبة: 15/132، بعضه، وأحمد: 6/454، عن عبد الرزاق، ولفظ الطبري في الأحاديث الطوال/125، أصح. وفي الزوائد: 7/336، عن ابن الحرث: (ما كنا نسمع فزعة ولا رجة في المدينة إلا ظننا أنه الدجال)!
أقول: بكاء عائشة يدل على صلتها بأحاديث اليهود وتصديقها بها، فطمأنها النبي (صلى الله عليه وآله).
وزعموا أن جميع الأنبياء (عليهم السلام) حذروا من دجالهم الأسطوري!
عبد الرزاق: 11/390، عن ابن عمر قال: قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: إني لأنذركموه، وما من نبي إلا قد أنذره قومه لقد أنذره نوح قومه! ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه، تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور! وقال: قال الزهري: أخبرني عمر بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال يومئذ للناس وهو يحذرهم فتنة الدجال: إنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت، وإنه مكتوب بين عينيه كافر
يقرؤه من كره عمله! وابن حماد: 2/518، عن عبد الرزاق. وابن أبي شيبة: 15/128عن جابر وابن عمر وفيه: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر المسيح بين ظهراني الناس وقال: إن الله ليس بأعور وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية! وفي ابن أبي شيبة: 15/131: وإنه أعور عين اليمنى لا حدقة له، جاحظة والأخرى كأنها كوكب دري وإنه يتبعه من كل قوم يدعونه بلسانهم إلهاً!
والطيالسي/73، عن ابن خباب: إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء. ورواه من تأخر عنهم بعشرات الروايات! وفي: 2/33 و/124، و/131، و149، كل ذلك عن ابن عمر. وفي: 3/79، كرواية ابن أبي شيبة الرابعة، وفيها: وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى كأنها نخامة في حائط مجصص، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري معه من كل لسان، ومعه صورة الجنة خضراء يجري فيها الماء، وصورة النار سوداء تداخن. وفي: 5/433، بعضه، عن عبد الرزاق. والطيالسي/265 و306، عن أنس أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ما من نبي إلا وقد أنذر الدجال أمته... ألا وإني قائل فيكم قولاً لم يقله نبي قبلي: إنه أعور وربكم تبارك وتعالى ليس كذلك!).
ثم جاء بخاري فرواه في: 4/163، كما في عبد الرزاق، عن ابن عمر. وعن أبي هريرة: ألا أحدثكم حديثاً عن الدجال ما حدث به نبي قومه، إنه أعور وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه. وفي: 9/75، كرواية عبد الرزاق، بتفاوت يسير، عن أنس، وأخرى كرواية الطيالسي الثانية بتفاوت يسير.
ثم جاء مسلم النيسابوري فرواه: 4/2245، كعبد الرزاق بتفاوت يسير عن ابن عمر وفي/2247، عن ابن أبي شيبة، وفي/2248، كرواية الطيالسي الأولى بتفاوت يسير. ثم أبو داود: 4/116، عن الطيالسي، ومثله عن مسدد، وشعبة وأنس. والترمذي: 4/508، و/514، وأبو يعلى: 2/78 و: 5/368، وفيه: يخرج في قلة من الناس ونقص من الطعام، يدخل أمصار العرب كلها غير طيبة وهي المدينة. قال قائل: يا نبي الله أما يريد المدينة؟ قال: بلى ولكن الملائكة صافون بنقابها وأبوابها يحرسونها. ثم رواه بخمس روايات أخرى! وحلية الأولياء: 4/334، والخطيب البغدادي: 3/118، بثلاث روايات والبغوي: 3/497، بأربع روايات.. إلى آخر القائمة.
* * *
وروى الطيالسي/150، حديثاً آخر عن سفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنه لم يكن نبي إلا وقد أنذر الدجال أمته، ألا وإنه أعور عين الشمال وباليمنى ظفرة غليظة بين عينيه كافر يعني مكتوب كاف فاء راء، ويخرج معه واديان إحداهما جنة وأخرى نار، فناره جنة وجنته نار، فيقول الدجال للناس: ألست بربكم أحيى وأميت؟ ومعه نبيان من الأنبياء إني لأعرف اسمهما واسم آبائهما لو شئت أن اسميهما سميتهما، أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره فيقول: ألست بربكم أحيى وأميت؟ فيقول أحدهما: كذبت، فلا يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه، ويقول الآخر: صدقت ويسمعه الناس وذلك فتنة. ثم يسير حتى يأتي المدينة فيقول: هذه قرية ذاك الرجل فلا يؤذن له أن يدخلها، ثم يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله عند عقبة أفيق). ورواه مَن جاء بعده على منواله كابن أبي شيبة: 15/137، وأحمد: 5/221، والطبراني الكبير: 7/98، وابن عساكر في تهذيبه: 1/195، وغيرهم وغيرهم! ورووا أخرى وأخرى.. كابن أبي شيبة: 15/135، وابن حماد: 2/542، و546، وأحمد: 1/195، وأبو داود: 4/241، والترمذي: 4/507، وأبو يعلى: 2/178، والحاكم: 4/542، والبغوي: 3/507، وغيرهم وغيرهم!
فانظر إلى هذه المصيبة في أحاديثهم (الصحيحة)! وزعمهم أن الله تعالى يجعل نبيين في خدمة الدجال! ويعطيه القدرة على إخفاء صوت من يكذبه منهما! ثم يخون النبي الآخر ويكفر بربه ويصدق بالدجال! واعلم أن رواة الخلافة قلدوا اليهود في الافتراء على الله تعالى وإهانة رسله وأنبياءه (عليهم السلام).
* * *
عبد الرزاق: 11/395، عن هشام بن عامر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن رأس الدجال من ورائه حُبُك حبك، وإنه سيقول أنا ربكم فمن قال أنت ربي افتتن، ومن قال كذبت ربي الله وعليه توكلت وإليه أنيب فلا يضره). انتهى.
والشعر الحُبُك: بضم الحاء والباء: المجعد الذي فيه طرائق كما يفعل الأفارقة، أي شعر رأسه مجعد ذو خطوط. ورواه أحمد: 4/20، كعبد الرزاق بتفاوت يسير، وفي: 5/372، و/410، عن أبي قلابة قال: رأيت رجلاً بالمدينة وقد طاف الناس به وهو يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا رجل من
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) قال: فسمعته وهو يقول: إن من بعدكم الكذاب المضل، وإن رأسه من بعده حبك حبك حبك ثلاث مرات، وإنه سيقول أنا ربكم، فمن قال لست ربنا لكن ربنا الله عليه توكلنا وإليه أنبنا نعوذ بالله من شرك، لم يكن له عليه سلطان). والطبراني الكبير: 22/175، والحاكم: 4/508، كلاهما عن عبد الرزاق. ومجمع الزوائد: 7/342 أوله، وصححه.
* * *
عبد الرزاق: 11/393، عن أبي سعيد الخدري قال: (حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حديثاً طويلاً عن الدجال، فقال فيما يحدثنا: يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل أنقاب المدينة، فيخرج إليه رجل يومئذ هو خير الناس أو خيرهم فيقول أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حديثه. فيقول الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر؟ فيقولون لا، فيقتله ثم يحييه، فيقول حين يحيى: والله ما كنت قط أشد بصيرة فيك مني الآن. قال فيريد قتله الثانية فلا يسلط عليه. قال معمر: وبلغني أنه يجعل على حلقه صفيحة من نحاس وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم يحييه). وابن حماد: 2/546، وأحمد: 3/36، وصحيح بخاري: 9/76، ومسلم: 4/2256، كعبد الرزاق بتفاوت يسير، وفي مسلم: قال أبو إسحاق: يقال إن هذا الرجل هو الخضر (عليه السلام)... فيأمر الدجال به فيشج فيقول خذوه وشجوه فيوسع ظهره وبطنه ضرباً، قال فيقول: أوَمَا تؤمن بي؟ قال فيقول: أنت المسيح الكذاب، قال فيأمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، قال ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له قم فيستوي قائماً! قال ثم يقول له أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة. قال ثم يقول: يا أيها الناس، إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس قال فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً فلا يستطيع إليه سبيلاً، قال: فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين). انتهى.
فأعجب للذين يدَّعون التوحيد، ويتهموننا بالغلو فيما أعطاه الله للنبي وآله (صلى الله عليه وآله)، وهم يقولون إن الدجال صاحب معجزات ومنها أنها يحيي الموتى، مع أنهم رووا بسند صحيح أن أمر الدجال أهون عند الله من أن يكون معه طعام وشراب!
فإن قلتَ لهم: إن المحيي المميت هو الله تعالى وحده فكيف جوزتم على الله أن يجري المعجزة على يد الدجال؟! فجوابهم: قد صح به الحديث!
لقد أفرطوا في التمسك بحديث أي راو رضيت عنه الخلافة حتى نسخوا به القرآن أما هنا فنسخوا به العقل الذي ينادي بأنه محال على الله تعالى أن يصدق ادعاء المعجزة من كافر دجال ويعطيه القدرة على إحياء الموتى! وإلا لزم نقض النبوات من أساسها، لأنها إنما ثبتت بتصديق الله للنبي (عليه السلام) بالمعجزة.
ثم انظر لتشنيعهم علينا لاعتقادنا بأن الله أعطى المعجزة لعترة النبي المعصومين (عليهم السلام) فكأن إعطاء المعجزة لأوليائه حرام، ولأعدائه كالدجال والجن والسحرة، حلال!
زاد تضخيمهم للدجال في حجة الوداع وبعدها!
روى بخاري في صحيحه: 5/125، عن ابن عمر قال: كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي (صلى الله عليه وآله) بين أظهرنا ولا ندري ما حجة الوداع! فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره، وقال ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته أنذره نوح والنبيون من بعده، وإنه يخرج فيكم فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم أن ربكم ليس على ما يخفى عليكم ثلاثاً أن ربكم ليس بأعور وإنه أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية! ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا. ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد ثلاثاً، ويلكم أو ويحكم: أنظروا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض). انتهى.
وقد جزَّأ بخاري الرواية، وحذف منها خصائص مهمة ذكرها آخرون تعطي ضوءً على الموضوع! ففي مسند أحمد: 2/135: (فلما كان في حجة الوداع خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره ثم قال: ما بعث الله من نبي إلا قد
أنذره أمته، لقد أنذره نوح أمته والنبيون من بعده! ألا ما خفي عليكم من شأنه فلا يخفين عليكم أن ربكم ليس بأعور... الخ.)! وفي مجمع الزوائد: 7/338: عن أحمد وصححه. ومعناه أن رواية بخاري مجتزأة بدون سبب. والطبراني الكبير: 12/275، وفيه: فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره... فلا يخفى عليكم أنه أعور عين اليمنى كأنها عنبة طافية. وأبو يعلى: 9/435، وتاريخ دمشق: 45/324، كالطبراني، بتفاوت.
هذا، ولا يتسع المجال لبحث سبب إشاعتهم عقيدة اليهود في الدجال وتخويفهم المسلمين منه حتى أن عائشة كانت تبكي رعباً منه لأنه قادم اليوم أو غداً! فقد كان الشهران من حياة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد حجة الوداع مليئان بالتحرك والأحداث الغريبة والمريبة، وقد ضاعف اليهود والطلقاء نشاطهم، وكان منه ترويج هذه الشائعات! وكله يرتبط بخطة اليهود لمرحلة ما بعد النبي (صلى الله عليه وآله) وإبعاد أهل بيته (عليهم السلام)!
واستمر خوف الناس من الدجال حتى طبقوه على المغول!
ابن حماد: 2/579، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليهبطن الدجال خوز وكرمان في ثمانين ألفاً كأن وجوههم المجان المطرقة، يلبسون الطيالسة وينتعلون الشعر). ورواه ابن أبي شيبة: 15/146، عن أبي هريرة بتفاوت يسير. وأحمد: 2/337 وأبو يعلى: 10/380، وفتن ابن كثير: 1/143 و144، والزوائد: 7/345، كأحمد.
والمجان المطرَّقة، أي التروس المضروبة عند الحداد أو المخططة، وهذا الوصف وكذا انتعال الشعر، إنما وردا في صفات المغول فقط.
4 - كعب الأحبار أكبر أبطال التحريف في عقيدة الدجال!
عمل اليهود بقوة وإصرار للتأثير الثقافي على المسلمين من عهد النبي (صلى الله عليه وآله) حتى أنهم ترجموا توراتهم إلى العربية، وأعطوها لعمر بن الخطاب ليقنع النبي (صلى الله عليه وآله) فيعترف بشرعيتها ويعتمدها كتاباً للمسلمين! فغضب (صلى الله عليه وآله) وقال: والذي نفس محمد
بيده لو أصبح موسى فيكم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم)! وفي عبد الرزاق: 6/113: (قال: يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة وكتب لي جوامع من التوراة أفلا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله! قال عبد الله فقلت: مسخ الله عقلك! ألا ترى ما بوجه رسول الله؟!..). وفتح الباري: 13/438.
وكان لليهود مدرستان في المدينة وعلاقات مع عدد من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) خاصة بعمر، فكان يحضر عندهم كل يوم سبت، وطلب من النبي (صلى الله عليه وآله) أن يكتب هو والصحابة أحاديثهم وقال إنها تأخذ بمجامع قلوبهم! فنهاهم النبي (صلى الله عليه وآله) وقال لهم إنهم لا يمكن أن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم! لكنهم لم يطيعوا النبي (صلى الله عليه وآله) فتابعوا حضورهم عندهم وكتابتهم قصصهم وخرافات تلمودهم حتى اضطر النبي (صلى الله عليه وآله) أن يدعو المسلمين بالسلاح، ويخطب ويحذرهم من المتأثرين باليهود وأطلق عليهم اسم (المُتَهَوِّكين)! الدر المنثور: 4/3، عن أبي يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، ونصر المقدسي في الحجة، والضياء في المختارة، عن خالد بن عرفطة... وقد وثقنا ذلك في كتاب تدوين القرآن/417).
وهذا يعني أن نشر الإسرائيليات في الدجال تم في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) قبل مجيء كعب الأحبار إلى المدينة في زمن عمر، فقد بقي مدة حاخاماً يهودياً صديقاً للخليفة ومستشاراً ثقافياً له، ثم ادعى أنه أسلم بعد ذلك. لقد وجد كعب أن الإسرائيليات في الدجال نامية في المدينة فغذاها! ونفى أن يكون يهودياً وجعله عربياً عراقياً أو مصرياً وضاعف من تخويف المسلمين به، كما خوفهم من فتح القسطنطينية لأن فتحها يتبعه خروج الدجال ثم قيام الساعة! وجعل فتح القسطنطينية بيد اليهود من بني إسحاق لا بيد المسلمين.. الخ. ومن العجائب أنك تجد كعباً يروي ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع أنه لم يره! وأحياناً يتبرع تلاميذه أبو هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو العاص وغيرهم فيجعلون كلام كعب حديثاً عن النبي (صلى الله عليه وآله)! كما سيأتي.
جعل كعب حركة الدجال حركة عربية!
من المتفق عليه بين المسلمين أن الدجال يهودي. روى أحمد: 3/224، عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج الدجال من يهودية أصبهان، معه سبعون ألف من اليهود عليهم التيجان). ويهودية أصفهان: محلة فيها يسكنه اليهود. وفي مسلم: 8/207، عن أنس: (يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة). انتهى.
لكن كعباً غيَّرَ هوية الدجال من يهودي إلى عربي، بل نفى أن يكون أتباعه يهوداً كما روى المسلمون واستبدلهم بعرب! قال ابن أبي شيبة: 8/671، و: 15/182: (كأني بمقدمة الأعور الدجال ستمائة ألف من العرب يلبسون السيجان). (والدر المنثور: 5/354).
وفي الكنى من تاريخ بخاري/65: (عن عبد الله بن عمر: ويتبع الدجال أربعون ألفاً من صلب العرب). والجرح والتعديل: 9/430، عن ابن عمرو. وعبد الرزاق: 11/393، عن أبي سعيد: قال النبي (صلى الله عليه وآله): يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفاً عليهم السيجان. وابن حماد: 2/551، ومصابيح البغوي: 3/509، مثله من حسانه، وشرح المقاصد: 1/308، وفيه: التيجان أي الطيالسة الخضر.
لكن كعباً تكرم على بني تميم فقال لابن فاتك: (إن أشد أحياء العرب على الدجال قومك يعني بني تميم). (الآحاد والمثاني: 2/372). ولعله خاف من ابن فاتك!
وكان كعب يكره العراق، لأن ثقل القبائل اليمانية نزلت فيه وهم يعرفون زيفه من اليمن، ولذلك جعل الدجال عراقياً، ففي مصنف عبد الرزاق: 11/396، عن كعب قال: يخرج الدجال من العراق! وفي/251: أراد عمر أن يسكن العراق فقال له كعب: لا تفعل! فإن فيها الدجال وبها مردة الجن وبها تسعة أعشار السحر، وبها كل داء عضال يعني الأهواء). ومثله الدر المنثور: 5/354.
أقول: يردُّ كعب بذلك على تميم الداري وعمر، لأنهما قالا إن الدجال مولود ومد الله في عمره حتى يخرج. كما يرد على حديث النبي (صلى الله عليه وآله) المعروف عندهم أن الدجال من يهود أصفهان!
ولا يبعد أن يكون غرض كعب مما توصل إليه أخيراً فزعم أن الدجال يولد في
مصر، أن يجعله يهودياً شبيهاً بموسى (عليه السلام)! لأنه المهدي المنتظر المحبوب عندهم!
قال في فتح الباري: 13/277: (وأخرج أبو نعيم أيضاً من طريق كعب الأحبار أن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر، قال: وبين مولده ومخرجه ثلاثون).
جريمة كعب ورواة الخلافة في تشويه مستقبل الأمة!
من أكبر الأعمال التخريبية التي قام بها هو وتلاميذه الأغبياء رواة الخلافة، أنهم نشروا في ثقافة المسلمين أساطير وأكاذيب عن المستقبل، نسجاً من خيالهم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير! فقد أخذوا البشارة النبوية بالمهدي ونزول عيسى (عليهما السلام) وانتصار الأمة، ومزجوها بهرطقة اليهود وتصوراتهم! ونشروا في الأمة سيل مكذوباتهم في الدجال وفتح القسطنطينية، وما يكون بعد المهدي (عليه السلام)، وكذا في آية دابة الأرض الموعودة، وفي كل أشراط الساعة! فقد ربط كعب فتح القسطنطينية بالمهدي (عليه السلام) وزعم أن الدجال يخرج بعد فتحها مباشرة! وأن المهدي (عليه السلام) يقتل في معركة فتحها! وأن المسلمين يهزمون وتخرب المدينة ومكة، وتهدم الكعبة!
وتبعه رواة الخلافة! بل زادوا عليه وجعلوا هذه الأكاذيب والخيالات أحاديث نبوية، ودونوها في أصح مصادرهم، فصارت شاهد فضيحة صارخة! قال ابن حماد: 2/457، عن كعب قال: (المنصور مهدي يصلي عليه أهل السماء والأرض وطير السماء، يبتدي بقتال الروم والملاحم عشرين سنة ثم يقتل شهيداً في الملحمة العظمى هو وألفان معه كلهم أمير وصاحب راية. ولم يصب المسلمون بمصيبة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعظم منها). وفي ابن حماد: 1/393، عن كعب قال: (بلغني أن المهدي يمكث أربعة عشر سنة ببيت المقدس ثم يموت ثم يكون من بعده شريف الذكر من قوم تبع يقال له منصور، ببيت المقدس إحدى وعشرين سنة، خمسة عشر منها عدل وثلاث سنين جور، وثلاث سنين منها حرمان الأموال. لا يعطي
أحداً درهماً). وفي معارج الوصول للزرندي الشافعي/198: (وعن كعب قال: يموت المهدي موتاً ثم يلي الناس بعده رجل من أهل بيته، فيه خير وشر، وشره أكثر من خيره، يُغضب الناس يدعوهم إلى الفرقة بعد الجماعة بقاؤه قليل، يثور به رجل من أهل بيته يقتله ويقتل الناس بعده قتلاً شديداً. وبقاء الذي قتله بعده قليل، ثم يموت موتاً ويليهم رجل من مضر من الشرق، يُكفر الناس ويخرجهم من دينهم)! انتهى.
فانظر كيف وجه كعب طعنته إلى قلب عقيدة الإسلام والبشارة النبوية بإقامة دولة العدل الإلهي العالمية وإنهاء الظلم عن وجه الأرض! فميَّع عقيدة المهدي الإسلامية وصورها كأنها لعبةٌ وَعَدَ الله بها الأجيال، وأنه سيبعث المهدي وينزل معه عيسى (عليهما السلام) ثم لا يلبث المهدي (عليه السلام) أن يقتل ويعود الظلم والجور أشد مما كان!
ثم انظر كيف ردد ابن عمر وابن عمرو والزهري وغيرهم أفكار كعب كالببغاوات المبهورين بكعب! وحدثوا عنه بما يكون في المستقبل، ولم يسألوه ولا سألوا أنفسهم من أين أتى علم هذا الغيب إلا من خيالات كعب اليهود؟!
زعم كعب أن اليهود يفتحون القسطنطينية!
روى مسلم النيسابوري: 4/2238، عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاؤها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها. قال ثور: لا أعلمه إلا قال الذي في البحر، ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط
جانبها الآخر ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا فبينما هم يقتسمون المغانم، إذ جاءهم الصريخ فقال إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون). ورواه الحاكم: 4/476، كما في مسلم، وكذا البغوي: 3/482، من صحاحه، وجامع الأصول: 11/75، وتذكرة القرطبي/707، عن مسلم. وقال النووي في شرح مسلم: 18/43: قال القاضي: كذا هو في جميع أصول صحيح مسلم(من بني إسحاق) قال بعضهم: المعروف المحفوظ من بنى اسماعيل وهو الذي يدل عليه الحديث وسياقه، لأنه إنما أراد العرب وهذه المدينة هي القسطنطينية). انتهى.
أقول: تعرف بذلك مدى تقليد أبي هريرة وابن عمرو وابن عمر، لكعب! فأصل المسألة أن كعباً سمع أن الإمام المهدي (عليه السلام) يفتح مدينة غربية بالتكبير، وأن بعض الرواة قال إنها القسطنطينية وكان المسلمون يتحفزون لفتحها! فنسب كعب فتحها إلى قومه، وعلَّمها لأبي هريرة فرواها عن النبي (صلى الله عليه وآله)!
كعب يخوِّف المسلمين بالدجال إن فتحوا القسطنطينية!
كان كعب يحدث الناس بالمغيبات ويتنبأ بالمستقبل، باعتبار أنه مطلع على كتب اليهود! وكان أهل البيت (عليه السلام) يكذبونه وكان شيعتهم يسخرون به، وقد أوردنا في جواهر التاريخ: 3، رد الإمام زين العابدين والإمام محمد الباقر (عليهما السلام) لافتراءات كعب بأن صخرة بيت المقدس التي هي قبلة اليهود أفضل من الكعبة، وأوردنا في المجلد الثاني في فصل الذين قتلهم معاوية، سخرية رشيد الهجري ومحمد بن أبي حذيفة رحمهما الله من كعب وتنبؤاته! لكن الخليفة وأتباعه كانوا يعظمونه ويسألونه عما يكون وحتى عن مستقبلهم الشخصي! راجع تدوين القرآن/429.
وقضية الدجال حقلٌ حيويٌّ لكعب، ليغرس تصوراته في نفوس المسلمين عن مستقبلهم! لذلك تصل أقواله فيها إلى رقم قياسي بالنسبة إلى غيرها! وأهم شيء عنده أن يقنع المسلمين بأن هذه الأمة ستنتهي قريباً! وقد بحثنا في كتاب ألف سؤال وإشكال إقناعه عمر بأن الإسلام سينتهي وستهدم الكعبة وتخرب مكة!
كان كعب ينشر بين المسلمين بأنهم إن فتحوا القسطنطينية خرج الدجال، لأن خروجه يكون بعد فتحها مباشرة ثم تقوم القيامة! فعليهم إن أرادوا طول البقاء أن لا يفتحوا القسطنطينية! وزعم أن كل هذه الأحداث تكون في سبع سنين!
وإليك عدداً من أقواله وأساطيره، وبعضها تحوَّل إلى حديث نبوي على يد تلاميذه! قال ابن حماد: 2/529: (عن كعب قال: يفتتحون القسطنطينية فيأتيهم خبر الدجال فيخرجون إلى الشام فيجدونه لم يخرج، ثم قلَّ ما يلبثُ حتى يخرج).
وفي: 2/522: عن كعب قال: يأتيهم الخبر وهم يقسمون غنائمهم إن الدجال قد خرج وإنما هو كذب فخذوا ما استطعتم فإنكم تمكثون ست سنين، ثم يخرج في السابعة.
وفي/147، عن كعب قال: لا يخرج الدجال حتى تفتح القسطنطينية.
والحاكم: 4/462، عن كعب قال: الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب أرمينية، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الجزيرة، والكوفة آمنة من الخراب حتى تخرب مصر، ولا تكون الملحمة حتى تخرب الكوفة، ولا تفتح مدينة الكفر حتى تكون الملحمة، ولا يخرج الدجال حتى تفتح مدينة الكفر.
وفي ابن حماد: 2/548، عن ابن عمر قال: ملاحم الناس خمس: فتنتان قد مضتا وثلاث في هذه الأمة. ملحمة الترك وملحمة الروم وملحمة الدجال. ليس بعد ملحمة الدجال ملحمة.
وفي/161، عن كعب: بينما هم يقتسمون غنائم القسطنطينية، إذ يأتيهم خبر الدجال فيرفضون ما في أيديهم ثم يقبلون فيلحقون بيت المقدس، فيصلي خلف من يلي أمر المسلمين، ثم يوحي الله تعالى إلى عيسى بن مريم أن يسير إلى يأجوج ومأجوج، ثم يرجع إلى بيت المقدس، ثم إن الأرض تخرج زكاتها على ما كانت في أول الدنيا، ثم يلبث سبعاً ثم يبعث الله ريحاً فيقبض أرواح المؤمنين.
وفي ابن حماد: 2/499، عن كعب قال: الملحمة العظمى وخراب القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر، أو ما شاء الله من ذلك.
ثم صار كلام كعب هذا قولاً للصحابي عبد الله بن بسر! قال ابن حماد: 2/469، عن بشير بن عبد الله بن يسار قال: أخذ عبد الله بن بسر المازني صاحب رسول الله بإذني فقال: يا ابن
أخي لعلك تدرك فتح قسطنطينية فإياك إن أدركت فتحها أن تترك غنيمتك منها، فإن بين فتحها وبين خروج الدجال سبع سنين).
ثم صار كلام كعب حديثاً نبوياً(ص147) عن الصحابي عبد الله بن بسر عن النبي! وفي/194، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بين فتح القسطنطينية وبين خروج الدجال سبع سنين! ثم صار كلامه في صفحة148حديثاً عن معاذ بن جبل أيضاً! قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر! ورواهما أحمد: 4/189: عن عبد الله بن بسر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين، ويخرج مسيح الدجال في السابعة. وفي أحمد: 5/234، كما في رواية حماد الثالثة عن معاذ بن جبل! ومثله تاريخ بخاري: 8/431، عن بسر، وفي ابن ماجة: 2/1370، عن معاذ بن جبل، وعبد الله بن بسر. وفي أبي داود: 4/110، كما في رواية ابن حماد الثالثة، عن معاذ بن جبل، وبرواية أخرى وقال: هذا أصح من حديث عيسى. وفي الترمذي: 4/509، كرواية ابن حماد الثالثة عن معاذ. وفي البدء والتاريخ: 2/185: قالوا: وبين فتح القسطنطينية وخروج الدجال سبع سنين، فبينا هم كذلك إذ جاء الصريخ أن الدجال في داركم فيرفضون ما في أيديهم وينفرون إليه. وفي الحاكم: 4/426، كرواية ابن حماد الثالثة، عن معاذ بن جبل. وفي مصابيح البغوي: 3/483، كرواية ابن حماد الثالثة، من حسانه. وفي الدر المنثور: 6/59، كرواية ابن حماد الثانية، وقال وأخرج أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، وأبو يعلى، ونعيم بن حماد في الفتن، والطبراني، والبيهقي في البعث، والضياء المقدسي في المختارة عن عبد الله بن بسر! وفيه: بين الملحمة وفتح القسطنطينية ست سنين. وفي/60، كما في رواية ابن حماد الثالثة، وقال: وأخرج أحمد، وأبو داود، والترمذي وحسنه، وابن ماجة، عن معاذ). انتهى.
ومن هذه الطامات ما رواه مسلم: 4/2221، عن أبي هريرة قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبقوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فيهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله،
ويفتح الثلث لا يفتنون أبداً فيفتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان أن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج حينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم (صلى الله عليه وآله) فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته). ومثله ابن حبان: 8/286، والحاكم: 4/482، وصححه على شرط مسلم. ومصابيح البغوي: 3/480، من صحاحه. وقال الحاكم: 4/476، بعد حديث فتح بني إسحاق للقسطنطينية: فبينما هم يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ أن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون. يقال إن هذه المدينة هي القسطنطينية، وقد صحت الرواية أن فتحها مع قيام الساعة). ثم رواه عنهم غيرهم وغيرهم!
وبذلك صار كذب كعب حديثاً نبوياً صحيحاً روته المصادر المعتمدة! فهل رأيت كيف سخر اليهود رواة الخلافة ليخدموا مؤامرتهم؟! وهل رأيت كيف يقبل الرواة والعلماء والعوام الهرطقة، ولا يسأل أحدهم نفسه: لقد فتحت القسطنطينية ومضت سبع سنوات وسبعون وسبع مائة، فأين دجال كعب الدجال وقيامته؟! وأين غاب عقول علمائهم عن كشف هذا التخليط؟!
* * *
وكان كعب يهتم بتأييد كلامه من أي شخص، ففي ابن حماد: 2/325، عن كعب قال: أول ما يَرِدُهُ الدجال سنام، جبل مشرف على البصرة وما إلى جنبه، كثير الساف يعني الرمل، هو أول ما يرده الدجال! وفي فائق الزمخشري: 2/185: قال كعب لأبي عثمان النهدي: إلى جانبكم جبل مشرف على البصرة يقال له سنام؟ فقال: نعم، قال: فهل إلى جانبه ماء كثير السافي؟ قال: نعم. قال: فإنه أول ماء يرده الدجال من مياه العرب)! وفي حلية الأولياء: 6/13، عن كعب... الخ. ثم صار كلامه بقدرة قادر حديثاً عن النبي (صلى الله عليه وآله))! راجع ابن حماد/149!
كعب يرد على النبي (صلى الله عليه وآله) وأتباع الخلافة يطيعونه!
تقدم بسند صحيح أن المغيرة بن شعبة سأل النبي (صلى الله عليه وآله) (إن الناس يزعمون أن معه الطعام والشراب، قال: هو أهون على الله تعالى من ذلك)! انتهى. لكن كعباً كان يصر على أساطير اليهود ويصدقه المسلمون خاصة في جبل الثريد! وقد جعله كعب جبلاً ماتعاً شاهقاً، على اسم أبيه فهو كعب بن ماتع، فهذا الثريد الماتع يكفي العرب ليأكلوا منه فيضلوا! (يقال للجبل الطويل: ماتع، ومنه حديث كعب والدجال: يُسَخَّرُ معه جبل ماتع خلاطةُ ثريد، أي طويل شاهق... وقيل كل ما جاد فقد متع وهو ماتع. والماتع من كل شيء: البالغ في الجودة الغاية في بابه). لسان العرب: 8/328، وغريب ابن قتيبة: 1/271، ونهاية ابن الأثير: 4/293، وفائق الزمخشري: 3/225.
رد أهل البيت (عليهم السلام) على مكذوبات كعب في الدجال!
مما امتازت به مصادرنا أنها اعتبرت ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) مرحلة جديدة في حياة الناس على الأرض، وأن الحياة ستستمر في ظلها إلى يوم القيامة. وأن خروج الدجال إنما هو حدث في أوائل ظهور الإمام المهدي ونزول المسيح (عليهما السلام). فقد ورد عندنا أن الإمام المهدي (عليه السلام) يملك طويلاً، وفي بعض الروايات بعدد سنيِّ أهل الكهف، ثم يكون بعده اثنا عشر مهدياً، ثم يرجع النبي (صلى الله عليه وآله) وبعض الأئمة (عليهم السلام) ويحكمون.. إلى آخر ذلك الطور من الحياة. وستأتي أحاديثه.
فتسلسل الأحداث في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) هو: ظهور المهدي، ثم نزول المسيح (عليهما السلام)، ثم خروج الدجال في عصرهما والقضاء عليه، ثم وفاة عيسى واستمرار حكم المهدي (عليهما السلام) زمناً طويلاً، واستمرار دولة العدل الإلهي بعده إلى يوم القيامة، لأنه لا عودة للظلم إلى الأرض بعدها.
أما مصادر السنيين فقد تبنت مقولات اليهود وكعب الذين زعموا أن المسلمين إذا فتحوا القسطنطينية وغلبوا الروم قُتِلَ المهدي (عليه السلام) وخرج الدجال ثم نزل المسيح (عليه السلام)،
ثم ظهر قوم يأجوج ومأجوج، ثم قامت القيامة! فجعلوا هذه الأحداث العظيمة المتباعدة متتابعة، وجمعوها في سبعة شهور أو سنين! وجعلوها أحاديث نبوية!
ويرد هنا سؤال عن علاقة كعب مع الروم الذين انهزموا في معركة اليرموك وودع إمبراطورهم سورية وأنطاكية وهرب إلى القسطنطينية وتحصن فيها، واتجه المسلمون من يومها إلى فتحها؟! فلماذا جعل كعب فتحها يساوي خروج الدجال وقيام الساعة وقتل مهدي المسلمين ونهاية العالم؟!
* * *
ومن تأثيرات كعب ما رواه ابن أبي شيبة: 15/135، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عُمْرَانُ بيت المقدس خرابُ يثرب، وخرابُ يثرب خروج الملحمة، وخروجُ الملحمة فتح القسطنطينية، وفتحُ القسطنطينية خروج الدجال! ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدَّثه أو منكبيه، ثم قال: إن هذا هو الحق كما أنك ها هنا، أو كما أنت قاعد، يعني معاذاً! وأحمد: 5/232 و245، كابن أبي شيبة، وأبو داود: 4/110، كرواية أحمد الثانية بتفاوت يسير، والحاكم: 4/420، وصححه وفيه: حضور الملحمة. ثم ضرب معاذ على منكب عمر بن الخطاب فقال: والله إن ذلك لحق كما أنك جالس! ومصابيح البغوي: 3/482، كابن أبي شيبة، من حسانه، وفيه: في سبعة أشهر. والدر المنثور: 6/60:
أقول: ما يروونه عن أبي عبيدة ومعاذ بن جبل من نوع كلام كعب، يدل على أنهما كانا من مجموعة المتصلين بحاخامات اليهود في المدينة، وأخذا عنهم أحاديث التخويف بالدجال قبل أن يأتي كعب إلى المدينة!
* * *
وما رواه ابن ماجة: 2/1370،، عن عمرو بن عوف، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى تكون أدنى مسالح المسلمين ببولاء ثم قال (صلى الله عليه وآله): يا علي، يا علي يا علي، قال: بأبي وأمي، قال: إنكم ستقاتلون بني الأصفر ويقاتلهم الذين من بعدكم حتى تخرج إليهم روقة الإسلام أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم فيفتتحون القسطنطينية بالتسبيح والتكبير فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها حتى يقتسموا
بالأترسة، ويأتي آت فيقول إن المسيح قد خرج في بلادكم، ألا وهي كذبة، فالآخذ نادم، والتارك نادم). والحاكم: 4/483، بمعناه، ومجمع الزوائد: 7/348، وقال: رواه ابن ماجة باختصار، ورواه البزار وفيه كثير بن عبد الله ضعَّفه الجمهور وحسن الترمذي حديثه. أقول: لا أثر لتضعيفهم هذا الحديث بعد تصحيحهم أحاديث (فتحُ القسطنطينية خروج الدجال).
وفي ابن حماد: 1/55، عن عمران بن حصين عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: تكون أربع فتن الأولى يستحل فيها الدم، والثانية يستحل الدم والمال، والثالثة يستحل فيها الدم والمال والفرج، والرابعة الدجال. وفي: 2/555، عن حذيفة: يخرج الدجال في الفتنة الرابعة، بقاؤه أربعون سنة يحفظها الله على المؤمنين فتكون السنة كاليوم).
ربط كعب فتح القسطنطينية بقيام الساعة!
في فتن نعيم بن حماد: 2/517: (عن كعب الأحبار قال: كان يقال كلب الساعة الدجال). انتهى. ومعناه أن خروجه متلازم مع الساعة كما يلازم الكلب صاحبه! ولا بد أن يكون ترجمه من تلمودهم أو بعض كتب حاخاماتهم، لأن أحاديث الدجال عندهم لم ترد في التوراة بل في مؤلفات حاخاماتهم! ذكر ذلك في الفتح: 13/277، عن كعب!
وقد تحول كلام كعب كالعادة إلى حديث نبوي! فجاء تلاميذه ودسوا ذكر الدجال في رواية حذيفة! وهذه قصة حديث حذيفة رحمه الله:
1 - أشهر رواياته عن أبي إدريس الخولاني عن حذيفة، وليس فيها ذكر للدجال ولا القسطنطينية ولا قيام الساعة. ورواها بخاري في صحيحه في ثلاث مواضع، عن الخولاني عن حذيفة، قال في: 4/178: (أبو إدريس الخولاني إنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم،
وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها! قلت: يا رسول الله صفهم لنا. فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا! قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك). ومثله: 8/93، ومسلم: 6/20، والبيهقي: 8/156، والحاكم: 1/113، و: 4/502، بنحوه وصححه. وليس في شيء منها الزيادة المتقدمة عن الدجال أو الساعة.
لاحظ تفاوت التوجيه الذي رووه عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حالة عدم وجود خليفة شرعي فبعض رواياتهم أمرت بالطاعة، وبعضها أمرت بالجهاد، وبعضها أمرت بالجهاد السلبي والبعد عن الحاكم الجائر حتى الموت! وذلك تبعاً للراوي وانتمائه إلى أحد الاتجاهات السياسية الثلاثة في الأمة!
2 - والرواية الثانية عن سبيع اليشكري عن حذيفة، بثلاثة أنواع:
أ - بدون ذكر فتح القسطنطينية والدجال وقيام الساعة، وهو الصحيح، كما رواه ابن حماد في موضعين من كتابه الفتن فقال في: 1/36: (عن خالد بن سبيع عن حذيفة قال: كان الناس يسألون رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أدركه، فبينا أنا عند رسول الله ذات يوم قلت يا رسول الله هل بعد هذا الخير الذي أتانا الله به من شر كما كان قبله شر؟ قال: نعم. قلت: ثم ماذا؟ قال هدنة على دخن. قلت: فما بعد الهدنة؟ قال: دعاة إلى الضلالة فإن لقيت لله يومئذ خليفة فألزمه). وفي: 1/144: (فقال إن لقيت لله يومئذ خليفة في الأرض فألزمه وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك وإلا فاهرب في الأرض حتى يأتيك الموت وأنت عاض على أصل شجرة). انتهى.
وكذلك رواه من علمائنا المفيد في أماليه/221، عن خالد بن خالد اليشكري وهو نفسه ابن سبيع، عن حذيفة، وليس فيه ذكر الساعة ولا الدجال! ولفظه: (فقلت أنا:
يا رسول الله أيكون بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم. قلت: فما العصمة منه. قال: السيف. قال قلت: وهل بعد السيف بقية؟ قال: نعم، تكون إمارة على إقذاء وهدنة على دخن، قال قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم تفشو دعاة الضلالة فإن رأيت يومئذ خليفة عدل فألزمه، وإلّا فمت عاضاً على جذل شجرة). انتهى. ورواه الطوسي في أماليه/221 عن نفس الراوي وليس فيه ذكر للدجال ولا فتح القسطنطينية ولا قيام الساعة!
بـ - رواية زادوا في آخرها الدجال بدون فتح القسطنطينية وقيام الساعة، وقد رواها الطيالسي: 2/59، عن خالد بن سبيع، قال: (غَلَتِ الدواب فأتينا الكوفة نجلب منها دواباً، فدخلت المسجد فإذا رجل صدع من الرجال، حسن الثغر يعرف أنه من رجال الحجاز، وإذ أناس مسربيون عليه، فقال: لا تعجلوا عليَّ أحدثكم، إنا كنا حديث عهد جاهلية فلما جاء الإسلام فإذا أمر لم أر قبله مثله، وكان الله رزقني فهماً في القرآن، كان الناس يسألون رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الخير وأسأله عن الشر، فقلت يا رسول الله، هل بعد الخير شر كما كان قبله شر؟ قال نعم قلت فما العصمة يا رسول الله؟ قال السيف. قلت: فهل للسيف من بقية فما يكون بعده؟ قال هُدْنَة على دخن(صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية). قال قلت فما يكون الهدنة؟ قال دعاة الضلالة، فإن رأيت يومئذ لله (عزَّ وجلَّ) في الأرض خليفة فألزمه وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فإن لم تر خليفة فاهرب حتى يدركك الموت وأنت عاض على جذل الشجرة. قلت يا رسول الله فما يكون بعد ذلك؟ قال: الدجال). انتهى.
جـ - أول ما ظهر ذكر الساعة في رواية لهم عن أبي التياح عن خالد بن سبيع عن حذيفة بن اليمان رحمه الله، وفيها زيادة خروج الدجال ثم نزول عيسى (عليه السلام) ثم قيام الساعة! قال ابن حماد: 2/464: (خالد بن سبيع عن حذيفة قال: قلت يا رسول الله، الدجال قبل أو عيسى بن مريم؟ قال: الدجال ثم عيسى، ثم لو أن رجلاً أنتج فرساً لم يركب مهرها حتى تقوم الساعة). ثم رواه عبد الرزاق: 11/341، بهذا السند وهذه الزيادة، وابن أبي شيبة: 8/592 و: 15/8، وأبو داود: 2/300 و: 4/95، وأحمد: 5/403، والحاكم: 4/432، ومسند
الشاميين: 2/252، وتاريخ دمشق: 16/436، والبزار: 7/361، وجامع السيوطي: 3/632، وغيرهم، كلهم عن خالد بن سبيع، وهو اليشكري الذي سافر إلى الكوفة ليشتري دواب.
قال ابن حجر في تهذيبه: 3/394: (سبيع بن خالد ويقال خالد بن خالد ويقال خالد بن سبيع وقيل فيه سبيعة بن خالد ولا يصح اليشكري البصري). وفي: 1/103: (وقال ابن خلفون: لا أعرف اليشكري ومن ظن أنه أبو ثور فقد وهم. وقال الذهبي: اليشكري مجهول). وفي تقريب التهذيب: 1/340: (مقبول من الثانية). انتهى.
وبهذا يتبين أن الزيادة من أحد الرواة تأثراً بأفكار كعب في الربط بين فتح القسطنطينية وخروج الدجال وقيام الساعة!
ومثله حديث سمرة الذي نسبه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) كما في تاريخ دمشق: 47/497: عن سمرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الدجال خارج، وإنه أعور عين الشمال عليها ظفرة غليظة، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيى الموتى! ويقول للناس إني ربكم! فمن قال أنت ربي فقد افتتن، ومن قال ربي الله حتى يموت على ذلك فقد عصم من فتنة الدجال، ولا فتنة عليه وعذاب، فيمكث في الأرض ما شاء الله، ثم ينزل عيسى بن مريم من قبل المغرب مصدقاً محمداً (صلى الله عليه وآله) وعلى ملته، فيقتل الدجال، ثم إنما هو قيام الساعة).
وفي مسند أحمد: 2/166: (قال (شخص) لعبد الله بن عمرو: إنك تقول إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا؟ قال: لقد هممت أن لا أحدثكم شيئاً! إنما قلت إنكم سترون بعد قليل أمراً عظيماً كتحريق البيت! قال شعبة: هذا أو نحوه، ثم قال عبد الله بن عمرو: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج الدجال في أمتي فيلبث فيهم أربعين لا أدري (!) أربعين يوماً أو أربعين سنة أو أربعين ليلة أو أربعين شهراً، فيبعث الله (عزَّ وجلَّ) عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود الثقفي فيظهر فيهلكه. ثم يلبث الناس بعده سنين سبعاً ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدهم كان في كبد جبل لدخلت عليه.
قال سمعتها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً. قال: فيتمثل لهم الشيطان فيقول ألا تستجيبون، فيأمرهم بالأوثان فيعبدونها وهم في ذلك دارة أرزاقهم حسن عيشهم ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى له، وأول من يسمعه رجل يلوط حوضه فيصعق ثم لا يبقى أحد إلا صعق. ثم يرسل الله أو ينزل الله قطراً كأنه الطل أو الظل، نعمان الشاك، فتنبت منه أجساد الناس. ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. قال ثم يقال: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم: وقفوهم إنهم مسؤولون. قال ثم يقال: أخرجوا بعث النار. قال فيقال: كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فيومئذ تبعث الولدان، ويومئذ يكشف عن ساق). ومسلم: 4/2258، عن ابن مسعود الثقفي، كما في أحمد بتفاوت. والحاكم: 4/543، وفيه: قالوا إنك قلت: لاتقوم الساعة إلى كذا وكذا، قال: إنما قلت لا يكون كذا وكذا حتى يكون أمراً عظيماً فقد كان ذاك، فقد حرق البيت وكان كذا!. وفي/550، كما في مسلم، والبغوي: 3/520، من صحاحه، قريباً مما في مسلم.
وفي تفسير الآلوسي: 26/53: (وقال الجلال السيوطي في رسالة سماها "الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف": الذي دلت عليه الآثار أن مدة هذه الأمة تزيد على ألف سنة، ولا تبلغ الزيادة عليها ألف سنة، وبنى الأمر على ما ورد من أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) بعث في آخر الألف السادسة وأن الدجال يخرج على رأس مائة وينزل عيسى (عليه السلام) فيقتله ثم يمكث في الأرض أربعين سنة وأن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة، وأن بين النفختين أربعين سنة، وذكر الأحاديث والأخبار في ذلك). انتهى.
أقول: وهذا يدل على أنهم بنوا عقيدتهم على قول كعب، وأن خروج الدجال عندهم بعد فتح القسطنطينية مباشرةً، ثم عيسى (عليه السلام)، ثم تقوم الساعة!
* * *
5 - عقيدة الدجال التي نشرها تميم الداري
تميم الداري مسيحي من بلاد الشام، وفد هو وجماعته على النبي (صلى الله عليه وآله) في السنة العاشرة للهجرة، أي بعد أن شمل الإسلام الجزيرة، وكان تميم تاجر خمور وأراد أن يهدي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أدناناً من الخمر فرفضها النبي (صلى الله عليه وآله) لأنها حرام فقال له تميم خذها وانتفع بثمنها، فقال له إن ثمنها أيضاً حرام!
ويظهر أن وضع تميم المالي كان عادياً، فسكن المدينة ثم صار مقرباً من الخليفة عمر المعجب بثقافة أهل الكتاب، خاصة قصصهم التي يجيدها تميم! وقد طلب من الخليفة أن يجيزه بأن يقص قصص أهل الكتاب في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)، فأجابه عمر إن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن ثقافة القصاصين: (إني أخاف أن يجعلك الله تحت أقدامهم) يعني أخاف عليك غضب المسلمين إذا قَصَصْتَ في مسجدهم قصص أهل الكتاب!
لكن تميماً استغل ليونة عمر فواصل طلبه كما في ابن شبة في تاريخ المدينة: 1/9، فأصدر الخليفة مرسوماًً لتميم الداري بالقص في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)! وحضر الخليفة شخصياً تحت منبره، وأراد أن يسأله عن توضيح كلمة سمعها منه في تلك الجلسة لكنه احترمه، وكره أن يقطع كلامه! وقد اختار له يوم الجمعة، ثم أضاف له يوم السبت فصارت النتيجة مزيجاً طريفاً: قسِّيسٌ وتاجر خمر، مسيحي سابقاً ومسلم حالياً حسب قوله، يقصُّ على المسلمين قصص اليهود في مسجد نبيهم (صلى الله عليه وآله)، في يوم السبت!
في الوقت الذي منع عمر من التحديث بأي حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهدد بالعقوبة! قال أحمد: 3/449: (لم يكن يقص على عهد رسول الله ولا أبي بكر وكان أول من قص تميماً الداري استأذن عمر بن الخطاب أن يقص على الناس قائماً فأذن
له عمر). وقال عمر بن شبة في تاريخ المدينة: 1/11: (حتى كان آخر ولايته، فأذن له أن يُذَكِّر يوم الجمعة قبل أن يخرج عمر... ثم استخلف عثمان فاستزاده فزاده مقاماً آخر، فكان يقوم ثلاث مرات في الجمعة). انتهى. وقد بلغ من تسمينهم لتميم الداري أنه صار ولياً كبيراً صاحب معجزات! فعندما ثار بركان في المدينة وانطلقت منه فوهة نار، جاء عمر إلى تميم وترجاه أن يرد البركان فذهب معه وحاش فوهة البركان بيديه وطرد النار إلى شعب من شعاب الجبال وركض وراءها حتى اختفت! قال البيهقي في دلائل النبوة: 6/80: (باب ما جاء في الكرامة التي ظهرت على تميم الداري (رضي الله عنه)... عن معاوية بن حرمل قال: قدمت المدينة فلبثت في المسجد ثلاثاً لا أطعم، قال: فأتيت عمر فقلت: يا أمير المؤمنين تائب من قبل أن تقدر عليه، قال: من أنت؟ قلت: أنا معاوية بن حرمل (صهر مسيلمة الكذاب وكان معه، الإصابة: 10/35) قال: إذهب إلى خير المؤمنين فانزل عليه قال: وكان تميم الدارمي إذا صلى ضرب بيده عن يمينه وعن شماله فأخذ رجلين فذهب بهما، فصليت إلى جنبه فضرب يده فأخذ بيدي فذهب بي فأتينا بطعام، فأكلت أكلاً شديداً وما شبعت من شدة الجوع! قال: فبينا نحن ذات يوم إذ خرجت نار بالحرة فجاءه عمر إلى تميم فقال: قم إلى هذه النار، فقال يا أمير المؤمنين! ومن أنا وما أنا، قال: فلم يزل به حتى قام معه، قال وتبعتهما فانطلقا إلى النار فجعل تميم يحوشها بيديه حتى دخلت الشعب ودخل تميم خلفها! قال: فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم يرَ. قالها ثلاثاً. لفظ حديث الصنعاني). انتهى.
هذا هو تميم الداري الذي زعموا أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخذ منه عقيدة الدجال! وقد أخذها هو من اليهود! فقد روى ابن حماد: 2/541، عن الكلاعي صاحب كعب: (ليس الدجال إنساناً إنما هو شيطان في بعض جزائر البحر موثق بسبعين حلقة لا يُعلم من أوثقه أسليمان أم غيره؟ فإذا كان أول ظهوره فكَّ الله عنه في كل عام حلقة فإذا برز أتته أتان عرض ما بين أذنيها أربعون ذراعاً بذراع الجبار! وذلك فرسخ
للراكب المحث فيضع على ظهرها منبراً من نحاس ويقعد عليه فتبايعه قبائل الجن ويخرجون له كنوز الأرض ويقتلون له الناس). وفتح الباري: 13/277.
وقد طوَّر تميم قصة الدجال وادعى أن الجزيرة في بلاد الشام وأنه رآه! وأخبر النبي (صلى الله عليه وآله) فسارع النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المنبر وخطب في المسلمين قاصاً عليهم قصة تميم العظيمة، وجعلها جزء من الإسلام! وهكذا دخلت أسطورة تميم عن الدجال في ثقافة المسلمين، من الإمام الحافظ نعيم بن حماد والإمام ابن أبي شيبة... إلى الإمام مسلم وبقية الأئمة ومصادرهم، والحفاظ ومحفوظاتهم، حتى لا يكاد يخلو منها مصدر مهم من مصادر مذاهب الخلافة! وعرفت القصة باسم: (حديث الجساسة).
ولعل أقدم من رواها ابن أبي شيبة: 15/154، عن فاطمة بنت قيس قالت: (صلى النبي (صلى الله عليه وآله) ذات يوم الظهر ثم صعد المنبر فاستنكر الناس ذلك فبيْن قائم وجالس، ولم يكن يصعده قبل ذلك إلا يوم الجمعة، فأشار إليهم بيده أن اجلسوا ثم قال: والله ما قمت مقامي هذا لأمر ينفعكم لا لرغبة ولا لرهبة، ولكن تميماً الداري أتاني فأخبرني خبراً منعني القيلولة من الفرح وقرة العين، ألا إن بني عم لتميم الداري أخذتهم عاصف في البحر فألجأتهم الريح إلى جزيرة لا يعرفونها فقعدوا في قوارب السفينة فصعدوا فإذا هم بشيء أسود أهدب كثير الشعر، قالوا لها ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة قالوا: فأخبرينا، قالت: ما أنا بمخبرتكم ولا سائلتكم عنه، ولكن هذا الدير قد رمقتموه فأتوه فإن فيه رجلاً بالأشواق إلى أن يخبركم وتخبروه، فأتوه فدخلوا عليه فإذا هم بشيخ موثق في الحديد شديد الوثاق كثير الشعر فقال لهم: من أين؟ قالوا: من الشام قال: ما فعلت العرب؟ قالوا نحن قوم من العرب، قال: ما فعل هذا الرجل الذي خرج فيكم؟ قالوا: خير، ناواه قوم فأظهره الله عليهم فأمرهم اليوم جميع وإلههم واحد ودينهم واحد، قال: ذلك خير لهم، قال: ما فعلت عين زَغَر؟ قالوا: يسقون منها زروعهم ويشربون منها لسقيهم، قال: ما فعل نخل بين عمان وبيسان؟ قالوا: يطعم في جناه كل عام، قال: ما فعلت بحيرة طبرية؟ قالوا: تدفق
جانباها من كثرة الماء، فزفر ثلاث زفرات ثم قال: إني لو قد انفلتُّ من وثاقي هذا لم أترك أرضاً إلا وطأتها بقدمي هاتين إلا طيبة ليس لي عليها سلطان، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إلى هذا انتهى فرحي! هذه طيبة، والذي نفس محمد بيده ما منها طريق ضيق ولا واسع إلا عليه ملك شاهر بالسيف إلى يوم القيامة). ونحوه أحمد: 6/416، وابن ماجة: 2/1354، وأبو داود: 4/118، مختصراً، بخمس روايات. والترمذي: 4/521، بتفاوت، وأبو يعلى: 4/119، بثلاث روايات... إلى آخر القائمة.
لكن مسلم بن الحجاج النيسابوري مولى بني قشير، أفاض في رواية جساسة تميم فصارت من معالم صحيحه! فقد رواها في: 4/2261، كما في ابن أبي شيبة، بتفاوت وتفصيل. ورواها بثلاث روايات أخرى! وقال في: 8/204، عن فاطمة بنت قيس بعد أن تحدثت عن زواجاتها وطلاقاتها! قالت: (فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينادى الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم فلما قضى رسول الله صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه، ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال! حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهراً في البحر ثم أرفأوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لايدرون ما قُبله من دُبره من كثرة الشعر فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة! قالوا: وما الجساسة؟! قالت: أيها القوم إنطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمَّت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشده وثاقاً! مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه
بالحديد! قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم فلعب بنا الموج شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر فقلنا ويلك ما أنت فقالت انا الجساسة قلنا وما الجساسة قالت: إعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق فأقبلنا إليك سراعاً وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة! فقال: أخبروني عن نخل بيسان؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر؟ قالوا عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟! قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني: إني أنا المسيح (!) وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان عليَّ كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحداً منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وطعن بمخصرته في المنبر: هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة، يعنى المدينة، ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم. قال (صلى الله عليه وآله): فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة! ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو. وأومأ بيده إلى
المشرق. قالت: فحفظت هذا من رسول الله). انتهى.
أقول: لا تحتاج هذه القصة إلى كثير من التفكير لمعرفة كذبها، فيكفي أن تفحص بُنيتها وتناقضات رواياتها لتقول: سبحان الله، لا حافظة لكذوب! ففي بعضها أن تميماً كان في السفينة، وفي بعضها لم يكن! وفي بعضها أخذهم موج البحر شهراً، وفي بعضها كانوا يسيرون فظهرت لهم جزيرة فذهبوا ليشتروا خبزاً! وفي بعضها أن الجزيرة في ساحل فلسطين وفي بعضها في المغرب! وحتى النبي (صلى الله عليه وآله) متحير فيها أين هي! وجساستها أي الجاسوسة دابة وفي بعضها إنسان، وفي بعضها امرأة تتجسس للدجال! والدجال إنسان ضخم أو شيطان، ولماذا سجنوه في الجزيرة وما ينتظر، ولماذا سألهم أسئلة عادية عن مناطق ولم يعرف ذلك من الناس، أو يرسل جساسته لتعرف الخبر.. إلى آخر التناقض والتهافت. ومن ناحية أخرى وقع رواة الخلافة في مشكلة كيف يجمعون بين هذا الحديث الصحيح وحديثهم الصحيح عن عمر وأنه أقسم يميناً بالله العلي العظيم أن الدجال هو ابن صياد وأقره النبي (صلى الله عليه وآله)؟! وبين ما صح عندهم من أن الدجال سيولد، وأنه جنيٌّ مسجون في جزائر اليمن.. الخ.
* * *
6 - عقيدة الدجال التي نشرها عمر بن الخطاب
أقوى دليل عندهم عليها رواية بخاري أن عمر كان يحلف أن الدجال هو عبد الله بن صياد أو ابن صائد، وهو يهودي من المدينة!
قال في صحيحه: 9/133: (عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصائد الدجال! قلت: تحلف بالله؟! قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي فلم ينكره النبي (صلى الله عليه وآله)). انتهى. ومعناه: أنه لا يوجد نص من النبي (صلى الله عليه وآله) عليه إلا سكوته على حلف عمر! ومثله مسلم: 4/2243، عن عبيد الله بن معاذ، وأبو داود: 4/120 عن ابن عمر أنه كان يقول: والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد. ثم كرر روايته في/121... إلى آخر قائمة المصادر التي كذبوا فيها على أبيّ بن كعب أنه كان يحلف مثل عمر، وعلى أبي ذر أنه كان يحلف عشر مرات! ثم لم يتركوا الأمر عند حلف عمر وبعض الصحابة، بل أيدوه بحديث نبوي في صحيح بخاري وغيره، زعم أن النبي (صلى الله عليه وآله) كاد يصدق بقسم عمر! ففي مصنف عبد الرزاق: 11/389، عن ابن عمر، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرَّ بابن صياد في نفر من أصحابه منهم عمر بن الخطاب وهو يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة وهو غلام، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ظهره بيد فقال: أتشهد أني رسول الله؟ فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين، قال ابن صياد للنبي (صلى الله عليه وآله): أتشهد أني رسول الله؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): آمنت بالله ورسله. فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): ما يأتيك؟ قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): خلط عليك الأمر، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني قد خبأت لك خبيئاً، وخبأ له: (يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ)، فقال ابن صياد: هو الدخّ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إخسأ فلن تعدو قدرك. فقال عمر: يا رسول الله إئذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن يك هو فلن تسلط عليه وإن لا يكن هو فلا خير لك في قتله).
ورواه ثانيةً في/390: عن ابن عمر قال: انطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بن كعب يوماً
إلى النخل التي فيها ابن صياد حتى إذا دخلا النخل طفق رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتقي بجذوع النخل وهو يَخْتُلُ ابن صياد أن يسمع من أبن صياد شيئاً من قبل أن يراه، وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها زمزمة، قال فرأت أمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يتقي بجذوع النخل فقالت: أي صاف، وهو اسمه، هذا محمد فثار، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو تركَتْهُ بَيَّن). أي كشف نفسه أنه الدجال.
ورواه ثالثةً: 11/389، عن الحسين بن علي (عليه السلام)! قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله) خبأ لابن صياد دخاناً فسأله عما خبأ له فقال: دخ، فقال: إخسأ فلن تعدو قدرك فلما ولى قال النبي (صلى الله عليه وآله) ما قال؟ فقال بعضهم دُخّ وقال بعضهم بل قال ريح! فقال النبي (صلى الله عليه وآله): قد اختلفتم وأنا بين أظهركم وأنتم بعدي أشد اختلافاً). ومثله ابن حماد: 2/550، عن رواية عبد الرزاق الثانية والثالثة. وأحمد: 2/148، وفي/149، عن ابن عمر، كرواية عبد الرزاق الأولى بتفاوت، والثالثة. وفي: 3/368، بنحو الأولى عن جابر، وفيه: إن يكن هو فلست صاحبه، إنما صاحبه عيسى بن مريم وإن لا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلاً من أهل العهد، فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشفقاً أنه الدجال).
ثم جاء عصر بخاري: فروى في صحيحه: 7/113، رواية الحسين (عليه السلام) المتقدمة لكن عن ابن عباس، ثم جمع بين الروايتين عن الدجال فقال: (أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر أخبره أن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رهط من أصحابه قِبَل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الغلمان في أطم بني مَغَالة وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم فلم يشعر حتى ضرب رسول الله ظهره بيده ثم قال: أتشهد أني رسول الله؟ فنظر إليه فقال: أشهد أنك رسول الأميين. ثم قال ابن صياد: أتشهد أني رسول الله؟ فرضَّه النبي ثم قال: آمنت بالله ورسله. ثم قال لابن صياد: ماذا ترى؟ قال: يأتيني صادق وكاذب. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خلط عليك الأمر. قال: رسول الله: إني خبأت لك خبيئاً، قال: هو الدخّ. قال: إخسأ فلن تعدو قدرك! قال عمر: يا رسول الله أتأذن لي فيه أضرب عنقه؟ قال رسول الله: إن يكن هو لا تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله. قال سالم: فسمعت عبد الله بن عمر يقول:
انطلق بعد ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بن كعب الأنصاري يؤمان النخل التي فيه ابن صياد حتى إذا دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) طفق رسول الله يتقي بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئاً قبل أن يراه! وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة، فرأت أم ابن صياد النبي وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد: أي صاف وهو اسمه، هذا محمد، فتناهى ابن صياد. قال رسول الله: لو تركَتْهُ بَيَّن! قال سالم: قال عبد الله: قام رسول الله في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: إني أنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر قومه، لقد أنذره نوح قومه ولكني سأقول فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعملون أنه أعور وإن الله ليس بأعور). إلى آخر قائمة المصادر المتأخرة عن بخاري.
عبد الله بن عمر وحفصة يؤكدان عقيدة أبيهما!
أحمد: 6/283، عن ابن عمر أنه رأى ابن صائد في سكة من سكك المدينة فسبه ابن عمر ووقع فيه، فانتفخ حتى سد الطريق! فضربه ابن عمر بعصا كانت معه حتى كسرها عليه! فقالت له حفصة: ما شأنك وشأنه، ما يولعك به؟ أما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنما يخرج الدجال من غضبة يغضبها! ومسلم: 4/2246، عن نافع قال: لقي ابن عمر ابن صائد في بعض طرق المدينة فقال له قولاً أغضبه فانتفخ(بدنه) حتى ملأ السكة، فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها فقالت له: رحمك الله ما أردت من ابن صائد أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنما يخرج من غضبة يغضبها؟! والطبراني: 23/195، عن حفصة، وابن حماد: 2/518... الخ.
لكن عبد الرزاق روى في: 11/396، عن ابن عمر ما يكذب ما تقدم! قال: لقيت ابن صياد يوماً ومعه رجل من اليهود فإذا عينه قد طفيت وكانت عينه خارجة مثل عين الجمل، فلما رأيتها قلت: يا ابن صياد أنشدك الله متى طفيت عينك أو نحو هذا؟ قال: لا أدري والرحمن، فقلت: كذبت لا تدري وهي في رأسك؟ قال: فمسحها قال فنخر
ثلاثاً! فزعم اليهودي أني ضربت بيدي على صدره قال: ولا أعلمني فعلت ذلك! قلت: إخس فلن تعدو قدرك، قال: أجل لعمري لا أعدو قدري قال: فذكرت ذلك لحفصة فقالت اجتنب هذا الرجل فإنا نتحدث أن الدجال يخرج عند غضبة يغضبها)!
ملاحظات على عقيدة الدجال عند عمر
1 - معنى هذه الروايات أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان شاكاً في أن يكون ابن صياد هو الدجال فقد روى تشكيكه أحمد، وصححه في مجمع الزوائد: 8/4، فسكوته (صلى الله عليه وآله) على حلف عمر لا يعتبر إقراراً بعد أن صرح بأنه شاك لا يعلم! وعليه فعمر أعلم بالدجال من النبي (صلى الله عليه وآله) لأنه أقسم أنه هو بينما النبي (صلى الله عليه وآله) شاك لا يعلم!
2 - زعموا أن النبي (صلى الله عليه وآله) رأى ابن صياد وهو صبي مراهق يلعب في حي بني مَغَالة وهم بطن من بني عبد النجار(الطبقات: 3/503) أي خزرجيون رئيسهم سعد بن عبادة رحمه الله، الذي هو عدو عمر اللدود، لأنه وقف ضد بيعة أبي بكر وبيعته، فنفاه عمر إلى الشام، ثم بعث له خالد بن الوليد فقتله!
فالحديث يشير إلى أن الخزرج لهم علاقة بالدجال أو هو منهم! لكن حديث أحمد الصحيح عندهم نقل قول النبي (صلى الله عليه وآله) لعمر: وإن لا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلاً من أهل العهد. فابن صياد يهودي، وقد تكون أمه خزرجية.
3 - زعمت روايتهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) ذهب متخفياً يتلصص على ابن صياد في بستان! وهذا لا يصح لأنه لم يكن من أخلاقه وسلوكه (صلى الله عليه وآله) التجسس! كما أن ذهابه (صلى الله عليه وآله) ليتعرف من ابن صياد خبره، وقوله (صلى الله عليه وآله) عن أمه لو تركته بيَّن أمره، لا يتناسب مع نبوته (صلى الله عليه وآله)! فالذي ينزل عليه جبرئيل (عليه السلام) بالوحي من رب العالمين ومستقبل الأمة، لا يحتاج إلى التعرف على قضية مهمة من عقائد المسلمين، من عدو الله الدجال؟!
4 - مما يدل على كذب الرواية تهافتها حيث لم يسموا البستان ولا صاحبه ولا مكانه كما هي العادة في مثل هذه الرواية، وهل هو لابن صياد أم للخزرجيين الذين
يسكن في حيهم! وما معنى أن الصحابة مع النبي (صلى الله عليه وآله) يتغيرون في رواياتها المتعددة لكن عمر دائماً موجود فيها؟ وما معنى زمزمة ابن صياد تحت البطانية؟ فهل كان يتحدث عن نفسه وأنه الدجال، أو يقرأ من التلمود بينه وبين نفسه وعندما حضر النبي (صلى الله عليه وآله) سكت؟! إلى آخر ما فيها من نقاط ضعف!
إنها في رأينا تصورات يهودية عامية تجدها كثيراً فيما رواه عمر وابنه وابن العاص وما روته النساء اللواتي كنَّ يعتقدن بسحر اليهود وقدراتهم الفائقة! فقد رووا أن عائشة كانت إذا مرضت تستدعي امرأة يهودية لترقيها وأن أبا بكر أقرها وصححوه وأفتوا به، وكذلك زوجة عبد الله بن مسعود كانت تسترقي لوجع عينها يهودية، وزوجة أبي بن كعب وهي أم الطفيل التي يروي عنها ابن تيمية حديث أن الله تعالى شاب أمرد شعره أجعد يقف على أرض خضراء وفي رجليه نعلان من ذهب! وقد استوفينا ذلك في كتاب الوهابية والتوحيد.
5 - أبو بكرة بن عبيد، أخ زياد بن أبيه، هو غلام الطبيب الحارث بن كلدة، لأن أمه سمية الفارسية أمةٌ للحارث بن كلدة، زوَّجها لعبده عبيد فأولادهما غلمانه وعندما حاصر النبي (صلى الله عليه وآله) الطائف نزل أبو بكرة من السور ببَكْرة مستأمناً فسمي أبا بكرة، فهو غلام النبي (صلى الله عليه وآله)، وزعم أنه (صلى الله عليه وآله) أعتقه! (الاستيعاب: 4/153).
وقد استفاد أبو بكرة من منصب أخيه زياد وصار صاحب ثروة واسعة في البصرة، وكان يتقرب إلى عثمان ومعاوية ويزيد، وقد دخل على الخط في الدجال لتأييد قسم عمر، فروى عنه الطيالسي/116: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يمكث أبَوَا الدجال ثلاثين عاماً لا يولد لهما، ثم يولد لهما غلام أعور أضر شيء وأقله نفعاً، تنام عيناه ولا ينام قلبه. قال: ونعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أباه فقال: أبوه رجل طوال مضطرب اللحم كأن أنفه منقار، وأما أمه فامرأة طويلة فرضاخية عظيمة الثديين. قال أبو بكرة: فسمعنا بمولود ولد بالمدينة في اليهود، فذهبت أنا والزبير بن العوام فدخلنا على أبويه فإذا نعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيهما فقلت: هل ولد لكما من ولد؟ فقالا: مكثنا ثلاثين عاماً لا يولد
لنا، ثم ولد هذا لنا أضر شيء وأقله نفعاً تنام عيناه ولا ينام قلبه، فخرجنا من عندهما فإذا هو منحول في قطيفة في الشمس له همهمة فكشف عن رأسه فقال: ما قلتما؟ قلنا: أو سمعت؟ قال: إني أنام ولا ينام قلبي)! ورواه ابن أبي شيبة: 15/139، وأحمد: 5/49، كما في الطيالسي بتفاوت يسير، ونحوه في/51، والترمذي: 4/518، ومصابيح البغوي: 3/514، من حسانه إلى آخر القائمة. والفرضاخ والفرضاخة والفرضاخية: بكسر الفاء للرجل والمرأة العظيم البدن. وفي رواية فرغانية نسبة إلى فرغانة: سهل ومدينة في أزبكستان.
6 - روى علماؤنا حديث ابن صياد غير منقوص وردوا عليه!
ففي كمال الدين للصدوق/528، عن ابن عمر قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى ذات يوم بأصحابه الفجر، ثم قام مع أصحابه حتى أتى باب دار بالمدينة فطرق الباب فخرجت إليه امرأة فقالت: ما تريد يا أبا القاسم؟ فقال رسول الله: يا أم عبد الله استأذني لي على عبد الله، فقالت يا أبا القاسم وما تصنع بعبد الله فوالله إنه لمجهود في عقله يحدث في ثوبه، وإنه ليراودني على الأمر العظيم! فقال: استأذني عليه، فقالت: أعلى ذمتك، قال: نعم، فقالت: أدخل فدخل فإذا هو في قطيفة له يهينم فيها، فقالت أمه: أسكت واجلس هذا محمد قد أتاك فسكت وجلس، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهوَ هو، ثم قال له النبي (صلى الله عليه وآله): ما ترى؟ قال: أرى حقاً وباطلاً، وأرى عرشاً على الماء، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فقال: بل تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فما جعلك الله بذلك أحق مني. فلما كان اليوم الثاني صلى (صلى الله عليه وآله) بأصحابه الفجر ثم نهض فنهضوا معه حتى طرق الباب فقالت أمه: أدخل فدخل فإذا هو في نخلة يغرد فيها، فقالت له أمه: أسكت وانزل هذا محمد قد أتاك فسكت فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهو هو. فلما كان في اليوم الثالث صلى النبي (صلى الله عليه وآله) بأصحابه الفجر ثم نهض ونهض القوم معه حتى أتى ذلك المكان فإذا هو في غنم له ينعق بها، فقالت له أمه: أسكت واجلس هذا محمد قد أتاك، فسكت وجلس وقد كانت نزلت
في ذلك اليوم آيات من سورة الدخان، فقرأها بهم النبي (صلى الله عليه وآله) في صلاة الغداة ثم قال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ فقال: بل تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فما جعلك الله بذلك أحق مني! فقال النبي (صلى الله عليه وآله) إني قد خبأت لك خبيئاً فما هو؟ فقال: الدُّخّ الدخ! فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إخسأ فإنك لن تعدو أجلك، ولن تبلغ أملك ولن تنال إلا ما قدر لك. ثم قال لأصحابه: أيها الناس ما بعث الله (عزَّ وجلَّ) نبياً إلا وقد أنذر قومه الدجال وإن الله (عزَّ وجلَّ) قد أخره إلى يومكم هذا فمهما تشابه عليكم من أمره فإن ربكم ليس بأعور، إنه يخرج على حمار عرض ما بين أذنيه ميل، يخرج ومعه جنة ونار وجبل من خبز ونهر من ماء أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب، يدخل آفاق الأرض كلها إلا مكة ولابَّتيها والمدينة ولابتيها). ورواه القطب الراوندي في الخرائج: 3/1141، بعدة طرق، ولم أجده في أي مصدر سني لديَّ!
وعلق عليه الصدوق رحمه الله بقوله: (قال مصنف هذا الكتاب (رضي الله عنه): إن أهل العناد والجحود يصدقون بمثل هذا الخبر ويروونه في الدجال وغيبته وطول بقائه المدة الطويلة وخروجه في آخر الزمان، ولا يصدقون بأمر القائم (عليه السلام) وأنه يغيب مدة طويلة ثم يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، مع نص النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) بعده عليه باسمه وغيبته ونسبه وإخبارهم بطول غيبته! إرادةً لاطفاء نور الله (عزَّ وجلَّ) وإبطالاً لأمر ولي الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون، وأكثر ما يحتجون به في دفعهم لأمر الحجة (عليه السلام) أنهم يقولون: لم نرو هذه الأخبار التي تروونها في شأنه ولا نعرفها، وهكذا يقول من يجحد نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله) من الملحدين والبراهمة واليهود والنصارى والمجوس أنه ما صح عندنا شيء مما تروونه من معجزاته ودلائله ولا نعرفها، فنعتقد ببطلان أمره لهذه الجهة، ومتى لزمنا ما يقولون لزمهم ما تقوله هذه الطوائف وهم أكثر عدداً منهم! ويقولون أيضاً: ليس في موجب عقولنا أن يعمر أحد في زماننا هذا عمراً يتجاوز عمر أهل الزمان، فقد تجاوز عمر صاحبكم على زعمكم عمر أهل الزمان. فنقول لهم: أتصدقون على أن
الدجال في الغيبة يجوز أن يعمر عمراً يتجاوز عمر أهل الزمان وكذلك إبليس اللعين ولا تصدقون بمثل ذلك لقائم آل محمد (صلى الله عليه وآله)؟ مع النصوص الواردة فيه بالغيبة وطول العمر والظهور بعد ذلك للقيام بأمر الله (عزَّ وجلَّ)، وما روي في ذلك من الأخبار التي قد ذكرتها في هذا الكتاب ومع ما صح عن النبي (صلى الله عليه وآله) إذ قال: كل ما كان في الأمم السالفة يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة. وقد كان فيمن مضى من أنبياء الله (عزَّ وجلَّ) وحججه (عليهم السلام) معمرون، أما نوح (عليه السلام) فإنه عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة، ونطق القرآن بأنه لبث قومه أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَاماً. وقد روي في الخبر الذي قد أسندته في هذا الكتاب أن في القائم (عليه السلام) سُنَّةٌ من نوح وهي طول العمر فكيف يدفع أمره ولا يدفع ما يشبهه من الأمور التي ليس شيء منها في موجب العقول بل لزم الإقرار بها لأنها رويت عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهكذا يلزم الإقرار بالقائم (عليه السلام) من طريق السمع. وفي موجب أي عقل من العقول أنه يجوز أن يلبث أصحاب الكهف في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً، هل وقع التصديق بذلك إلا من طريق السمع فلمَ لا يقع التصديق بأمر القائم (عليه السلام) أيضاً من طريق السمع؟! وكيف يصدقون ما يرد من الأخبار عن وهب بن منبه وعن كعب الأحبار في المحالات التي لا يصح شيء منها في قول الرسول (صلى الله عليه وآله) ولا في موجب العقول، ولا يصدقون بما يرد عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) في القائم وغيبته وظهوره بعد شك أكثر الناس في أمره وارتدادهم عن القول به، كما تنطق به الآثار الصحيحة عنهم (عليهم السلام)؟! هل هذا إلا مكابرة في دفع الحق وجحوده. كيف لا يقولون: إنه لما كان في الزمان غير محتمل للتعمير، وجب أن تجري سنة الأولين بالتعمير في أشهر الأجناس تصديقاً لقول صاحب الشريعة (صلى الله عليه وآله)، ولا جنس أشهر من جنس القائم (عليه السلام) لأنه مذكور في الشرق والغرب على ألسنة المقرين به وألسنة المنكرين له، ومتى بطل وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) مع الروايات الصحيحة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه أخبر بوقوعها به بطلت نبوته لأنه يكون قد أخبر بوقوع الغيبة بمن لم
يقع به، ومتى صح كذبه في شيء لم يكن نبياً! وكيف يصدق (صلى الله عليه وآله) فيما أخبر به في أمر عمار بن ياسر (رضي الله عنه) أنه تقتله الفئة الباغية، وفي أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه تخضب لحيته من دم رأسه، وفي الحسن بن علي (عليهما السلام) أنه مقتول بالسم، وفي الحسين بن علي (عليهما السلام) أنه مقتول بالسيف؟ ولا يصدق فيما أخبر به من أمر القائم (عليه السلام) ووقوع الغيبة به والتعيين عليه باسمه ونسبه؟! بلى، هو صادق في جميع أقواله (صلى الله عليه وآله)، مصيب في جميع أحواله ولا يصح إيمان عبد حتى لا يجد في نفسه حرجاً مما قضى، ويسلم له في جميع الأمور تسليماً، ولا يخالطه شك ولا ارتياب، وهذا هو الإسلام، والإسلام هو الاستسلام والانقياد. (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
ومن أعجب العجائب أن مخالفينا يروون أن عيسى بن مريم (عليه السلام) مرَّ بأرض كربلا فرأى عدة من الظباء هناك مجتمعة، فأقبلت إليه وهي تبكي وأنه جلس وجلس الحواريون فبكى وبكى الحواريون، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى، فقالوا: يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال: أتعلمون أي أرض هذه؟ قالوا: لا، قال: هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد وفرخ الحرة الطاهرة البتول شبيهة أمي، ويلحد فيها، هي أطيب من المسك لأنها طينة الفرخ المستشهد، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، وهذه الظباء تكلمني وتقول: إنها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرخ المستشهد المبارك، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض، ثم ضرب بيده إلى بعر تلك الظباء فشمها فقال: اللهم أبقها أبداً حتى يشمها أبوه فيكون له عزاء وسلوة، وإنها بقيت إلى أيام أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى شمها وبكى، وأخبر بقصتها لما مر بكربلاء. فيصدقون بأن بعر تلك الظباء تبقى زيادة على خمسمائة سنة لم تغيرها الأمطار والرياح ومرور الأيام والليالي والسنين عليه، ولا يصدقون بأن القائم من آل محمد (عليه السلام) يبقى حتى يخرج بالسيف فيبير أعداء الله (عزَّ وجلَّ) ويظهر دين الله. مع الأخبار الواردة عن النبي والأئمة صلوات الله عليهم بالنص عليه باسمه ونسبه وغيبته
المدة الطويلة وجرى سنن الأولين فيه بالتعمير؟! هل هذا إلا عناد وجحود للحق؟!).
وفي غيبة الطوسي/113: (وروى أصحاب الحديث أن الدجال موجود وأنه كان في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) وأنه باق إلى الوقت الذي يخرج فيه وهو عدو الله، فإذا جاز في عدو الله لضرب من المصلحة، فكيف لا يجوز مثله في ولي الله؟! إن هذا من العناد).
أقول: إن أتباع المذاهب في الدجال في عصرنا مقلدون لكعب، ومنقسمون بين عمر وتميم، فبعضهم يعتقد بدجال عمر وأنه ابن صياد لأن أحاديثه الصحيحة أقسم عليها عمر وأولاده! وبعضهم يعتقد بأنه دجال تميم الذي أرشدت إليه جساسته في الجزيرة، لأن أحاديثه صحيحة أيضاً! فكلا الفريقين يعتقدون بأن الدجال حيٌّ غائب عن الأنظار، وأن الله تعالى مدَّ في عمره مئات السنين حسب عقيدة عمر، أو ألوف السنين حسب عقيدة تميم، فلا يصح أن يُشَنَّعوا علينا لاعتقادنا بأن الإمام المهدي (عليه السلام) حيٌّ يرزق حتى يأذن الله تعالى بظهوره، وظهور الإسلام به. فهل تمديد الحياة لأعداء الله ممكن ولأوليائه مستحيل؟! وهل روايات تميم وكعب وأمثالهم أوثق من روايات أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)؟! وقد نَبَزَنا بعضهم بقصص وأساطير اخترعوها عن انتظارنا لظهور الإمام المهدي (عليه السلام) من سرداب الغيبة، الذي هو طابق أرضي في بيت الإمام (عليه السلام) في سامراء.. الخ. فمن حقنا أن ننبزهم بقصص عن غائبهم الدجال؟!
7 - تحير علمائهم وجهالهم بين دجال تميم ودجال عمر!
قال ابن حجر في شرح صحيح بخاري: 13/277: (وذكر نعيم بن حماد شيخ البخاري أحاديث تتعلق بالدجال وخروجه، إذا ضمت إلى ما سبق ذكره في أواخر كتاب الفتن انتظمت منها له ترجمة تامة. منها: ما أخرجه من طريق جبير بن نفير وشريح بن عبيد وعمرو بن الأسود وكثير بن مرة قالوا جميعاً: الدجال ليس هو إنسان وإنما هو شيطان موثق بسبعين حلقة في بعض جزائر اليمن، لا يعلم من أوثقه سليمان النبي أو غيره، فإذا آن ظهوره فك الله عنه كل عام حلقة فإذا برز أتته أتان عرض ما بين أذنيها أربعون ذراعاً فيضع على ظهرها منبراً من نحاس ويقعد عليه ويتبعه قبائل الجن، يخرجون له خزائن الأرض! ثم أضاف ابن حجر: قلت: وهذا لا يمكن معه كون ابن صياد هو الدجال ولعل هؤلاء مع كونهم ثقات تلقوا ذلك من بعض كتب أهل الكتاب! وأخرج أبو نعيم أيضاً من طريق كعب الأحبار أن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر قال: وبين مولده ومخرجه ثلاثون سنة! قال: ولم ينزل خبره في التوراة والإنجيل وإنما هو في بعض كتب الأنبياء. انتهى. وأخلق بهذا الخبر أن يكون باطلاً فإن الحديث الصحيح أن كل نبي قبل نبينا أنذر قومه الدجال وكونه يولد قبل مخرجه بالمدة المذكورة مخالف لكونه ابن صياد ولكونه موثوقاً في جزيرة من جزائر البحر. وذكر ابن وصيف المؤرخ أن الدجال من ولد شق الكاهن المشهور قال: وقال بل هو شق نفسه أنظره الله وكانت أمه جنية عشقت أباه فأولدها وكان الشيطان يعمل له العجائب فأخذه سليمان فحبسه في جزيرة من جزائر البحر! وهذا أيضاً في غاية الوهن. وأقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم وكون
ابن صياد هو الدجال، أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثوقاً، وأن ابن صياد شيطان تبدَّى في صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى أصبهان فاستتر مع قرينه إلى أن تجيء المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها)! انتهى. ثم اعترف ابن حجر بتناقض أحاديثهم الصحيحة وعدم إمكان الجمع بينها، فقال: ولشدة التباس الأمر في ذلك سلك البخاري مسلك الترجيح فاقتصر على حديث جابر عن عمر في ابن صياد، ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم وقد توهم بعضهم أنه غريب فرده وليس كذلك، فقد رواه مع فاطمة بنت قيس أبو هريرة وعائشة وجابر. أما أبو هريرة فأخرجه أحمد من رواية عامر الشعبي عن المحرز بن أبي هريرة عن أبيه بطوله، وأخرجه أبو داود مختصراً وابن ماجة عقب رواية الشعبي عن فاطمة).
أقول: وكلامه طويل قَبِلَ فيه حديث أن الدجال شيطان مسجون إلى أن يأتي وقته وأنه مسجون في جزيرة في اليمن، أو في جزيرة تميم الداري ولعلها قبرص، وأنه عبد الله بن صياد، وأنه مولود، وقالوا إنه مختون (أحمد: 5/51 وغيره)! والمتحصل من كلامه أنه يميل إلى دجال تميم أكثر من دجال عمر! فهو نموذج لتخبط علمائهم لتناقض أحاديثهم الصحيحة! وقد يقبلون التناقض من صحابي واحد! وهو عين الحشو، وطريق يوصل إلى الهرطقة!
8 - محنة المسكين عبد الله بن صياد وابنه الإمام عمارة!
من مظاهر تناقضهم في دجال عمر، ترجمتهم لعبد الله بن صياد، ولإمامهم ابن الدجال! الإمام المحدث عمارة بن عبد الله بن صياد!!
فبعضهم لم يقبل قول عمر، وقال كيف يكون الرجل هو الدجال وقد أسلم وشارك في الفتوحات ومات ودفن في المدينة! وابنه عمارة إمام وثقه ابن معين وابن حبان وغيرهما، وكان أنس بن مالك لا يفضل عليه أحداً.
وبعضهم قال "عنزة ولو طارت" ونسبوا إلى جابر الأنصاري رحمه الله أنه قال له أبو سلمة: إنه قد مات! قال: وإن مات! قلت: فإنه قد أسلم! قال: وإن أسلم)!
ورووا أن الدجال فُقد يوم الحرة عندما هرب الناس من المدينة! وقالوا بل غاب في يهود أصفهان لأن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر أنه يخرج من هناك وأنه ذهب إلى أصفهان (وأن اليهود تلقوه وقالوا هذا ملكنا الذي نستفتح به على العرب، وأدخلوه البلد ليلاً ومعه الطبول والشموع، ثم لم يعرف له خبر بعد ذلك). (تهذيب ابن حجر: 7/367).
وزعم ابن تيمية والبيهقي والشوكاني إن الدجال ليس ابن صياد الدجال وإنَّ عمر أخطأ في حلفه، ولم يقره النبي لأنه (صلى الله عليه وآله) كان(شاكاً) في أنه الدجال، فنزل عليه الوحي بأن الدجال هو دجال تميم الداري المسجون في جزيرة! فخطب في الناس وأخبرهم! قال في نيل الأوطار: 8/20: (وهذا الحديث ينافي ما استدل به على أن ابن صياد هو الدجال ولا يمكن الجمع أصلاً، إذ لا يلتئم أن يكون من كان في الحياة النبوية شبه المحتلم ويجتمع به النبي (صلى الله عليه وآله) ويسأله، أن يكون شيخاً في آخرها مسجوناً
في جزيرة من جزائر البحر موثوقاً بالحديد يستفهم عن خبر النبي (صلى الله عليه وآله) هل خرج أم لا، فينبغي أن يحمل حلف عمر وجابر على أنه وقع قبل علمهما بقصة تميم). انتهى.
* * *
أما ابن صياد المسكين، فكان مسلماً مقاتلاً في جيش الفتح، وكان على الخيل في معركة نهاوند(الطبري: 3/187)، لكن لعنة عمر لصقت به كل عمره، وتبناها عبد الله بن عمر وحفصة ومن صدقهم! ولم يسمعوا لصراخ ابن صياد! فقد قال لأبي سعيد الخدري وهو ذاهب في جيش الفتح، كما روى أحمد: 3/79: (عن أبي سعيد الخدري قال: أقبلنا في جيش من المدينة قبل هذا المشرق قال فكان في الجيش عبد الله بن صياد وكان لا يسايره أحد ولا يرافقه ولا يؤاكله ولا يشاربه ويسمونه الدجال، فبينا أنا ذات يوم نازل في منزل لي إذ رآني عبد الله بن صياد جالساً فجاء حتى جلس إليَّ فقال: يا أبا سعيد ألا ترى إلى ما يصنع الناس؟! لا يسايرني أحد ولا يرافقني أحد ولا يشاربني أحد ولا يؤاكلني أحد ويدعوني الدجال! وقد علمت أنت يا أبا سعيد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الدجال لا يدخل المدينة وإني ولدت بالمدينة وقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن الدجال لا يولد له وقد وُلد لي! فوالله لقد هممتُ مما يصنع بي هؤلاء الناس أن آخذ حبلاً فأخلو فأجعله في عنقي فأختنق فأستريح من هؤلاء الناس! والله ما أنا بالدجال)!!
لكن الرواة يجب أن يصدقوا عمر حتى لو قال لهم الشمس مظلمة! فأضافوا في الحديث على لسان أبي سعيد: (قال ثم قال لي في آخر قوله: أما والله إني لأعلم مولده ومكانه وأين هو! قال فلبَّسني) (مسلم: 8/190) أي غشه فصدقه، ثم تراجع!
لكن البيهقي صدَّق ابن صياد فقال: (يحتمل أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) كان متوقفاً في أمره ثم جاءه التثبت من الله تعالى بأنه غيره، على ما تقتضيه قصة تميم الداري، وبه تمسك من جزم بأن الدجال غير ابن صياد وطريقه أصح). (نيل الأوطار: 8/19).
ولا نطيل في كلامهم الفارغ في هذه الأسطورة، ونختم ببعض نصوصهم: قال
الشوكاني في نيل الأوطار: 8/19: (وكذلك حلف عمر وجابر السابق على أن ابن الصياد هو الدجال. وقد أخرج أبو داود بسند صحيح أن ابن عمر كان يقول: والله لا أشك أن المسيح الدجال هو ابن صياد.... قال الخطابي: اختلف السلف في أمر ابن صياد بعد كبره، فروي أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة، وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا وجهه حتى يراه الناس، وقيل لهم: اشهدوا! وقال النووي قال العلماء: قصة ابن صياد مشكلة وأمره مشتبه، ولكن لا شك أنه دجال من الدجاجلة! والظاهر أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يوح إليه في أمره بشيء وإنما أوحيَ إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة، فلذلك كان (صلى الله عليه وآله) لا يقطع في أمره بشيء). انتهى. ورووا عن جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله أنه قال: (ما زلت في شك من عبد الله بن صائد حتى قبر)! (رسالة الصاهل لأبي العلاء المعري/100).
وفي الجرح والتعديل: 6/367: (عبد الله بن صياد المديني روى عن سعيد بن المسيب وعطاء بن يسار روى عنه مالك والضحاك بن عثمان سمعت أبي يقول ذلك، نا عبد الرحمن قال ذكره أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال عمارة بن عبد الله بن صياد ثقة، نا عبد الرحمن قال سألت أبى عن عمارة بن صياد فقال هو صالح الحديث). وفي أسد الغابة: 3/187: (عبد الله بن صياد أورده ابن شاهين وقال هو ابن صائد كان أبوه من اليهود لا يدرى ممن هو، وهو الذي يقول بعض الناس إنه الدجال ولد على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعور مختوناً. من ولده عمارة بن عبد الله بن صياد من خيار المسلمين، من أصحاب سعيد بن المسيب روى عنه مالك وغيره)... ثم أورد قسم عمر وتأكيدات من زعم أنه الدجال ومنها تأكيد جابر وقال (فلعله مكذوب عليه). ثم قال: الذي صح عندنا إنه ليس الدجال لما ذكره في هذا الحديث ولأنه توفي بالمدينة مسلماً، ولحديث تميم الداري في الدجال).
وفي تهذيب الكمال: 21/249: (وقال محمد بن سعد: كان ثقة قليل الحديث وكان مالك بن أنس لا يقدم عليه في الفضل أحداً.... وقد أسلم عبد الله بن صياد وحج
وغزا مع المسلمين وأقام بالمدينة، ومات عمارة في خلافة مروان بن محمد. وذكره ابن حبان في كتاب الثقات).
كاشف الذهبي: 2/54: (عمارة بن عبد الله بن صياد هو ولد الذي ظُنَّ أنه الدجال، عن جابر، وعن ابن المسيب، وعنه مالك، وجماعة. وثقه ابن معين).
الإصابة: 5/148: (عبد الله بن صائد وهو الذي يقال له ابن صياد ذكره بن شاهين والباوردي وابن السكن وأبو موسى في الذيل، قال ابن شاهين: كان أبوه من اليهود ولا يدري من أي قبيلة هو، وهو الذي يقال إنه الدجال ولد على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعور مختوناً ومن ولده عمارة بن عبد الله بن صياد وكان من خيار المسلمين من أصحاب سعيد بن المسيب روى عنه مالك وغيره.... وفي الصحيحين عن جابر أنه كان يحلف أن بن صياد الدجال وذكر أن عمر كان يحلف بذلك عند النبي (صلى الله عليه وآله)... قال أبو سعيد: أقبلت في جيش من المدينة قبل المشرق وكان في الجيش عبد الله بن صائد وكان لا يسايره أحد..... لكن محاضر(الراوي عن أبي سعيد) في حفظه شيء.... وفي صحيح مسلم أن ابن عمر غضب منه فضربه بعصاً ثم دخل على حفصة فقالت: مالك وله! إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الدجال يخرج من غضبة يغضبها.. لكنه إن كان مات على الإسلام يكون كما قال ابن فتحون (صحابياً عادلاً) على شرط كتاب الاستيعاب).
تهذيب التهذيب: 7/367: (خرج أبو داود بسند صحيح عن جابر قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة! ومن طريق ابن أبي سلمة قال: شهد جابر أن ابن صياد هو الدجال فقلت: إنه قد مات! قال: وإن مات! قلت: فإنه قد أسلم! قال وإن أسلم!... وذكر الزبير بن بكار في أول نسب قريش أن ابن صياد يعني عمارة هذا، وابن حزم يعني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم استبَّا، فقال ابن حزم لابن صياد: لستم منا، وقال ابن صياد لابن حزم: لستم من العرب! فبلغ الوليد وهو خليفة فكتب أن زعم ابن حزم أنهم من ولد اسماعيل فحد له ابن صياد وإن أنكر فلا فإنا لا نعرف عربياً إلا من ولد اسماعيل فزعم ابن حزم من أنهم ولد اسماعيل فحد له ابن صياد).
وفي فتاوي ابن تيمية: 11/283: (وهذا بخلاف الأحوال الشيطانية مثل حال عبد الله بن صياد الذي ظهر في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وكان قد ظن بعض الصحابة أنه الدجال وتوقف النبي في أمره حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال، لكنه كان من جنس الكهان). وفي الطبقات، القسم المتمم/302: (عمارة بن عبد الله بن صياد ويكنى أبا أيوب وكان ثقة قليل الحديث، وكان مالك بن أنس لا يقدم عليه أحداً في الفضل، وروى عنه وروى عمارة عن سعيد بن المسيب وكانوا يقولون نحن بنو أشيهب. ثم قال ابن سعد عن أبيه عبد الله: وهو الذي قيل إنه الدجال لأمور كان يفعلها؟! وقد أسلم عبد الله بن صياد وحج وغزا مع المسلمين وأقام بالمدينة ومات عمارة بن عبد الله في خلافة مروان بن محمد).
المعارف لابن قتيبة/272: (وأبوه عبد الله بن صياد هو الذي قيل فيه إنه الدجال لأمور كان يفعلها، وأسلم عبد الله وحج وغزا مع المسلمين وأقام بالمدينة! ومات ابنه عمارة في خلافة مروان بن محمد).
النهاية لابن الأثير: 1/348: (وفي حديث ابن صياد: ما كان في أنفسنا أحجى أن يكون هو مذ مات يعني الدجال. أحجى بمعنى أجدر وأولى وأحق، من قولهم حجا بالمكان إذا أقام وثبت). انتهى. يعني أنهم كانوا يرونه أحق أن يكون الدجال!
أحمد: 4/444، عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لقد أكل الطعام ومشى في الأسواق، يعني الدجال). انتهى. وهذا يعني أنهم وضعوا حديثاً عن لسان النبي (صلى الله عليه وآله) أن ابن صياد هو الدجال، وقد عرفت أنهم نفوه!
عقد الدرر/289: (وليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي (صلى الله عليه وآله) على قول عمر بن الخطاب، ويحتمل أنه (عليه السلام) كان كالمتوقف في بابه، حتى جاء التثبيت من الله (عزَّ وجلَّ) أنه غيره فقال في حديث تميم الداري ما قال).
9 - أحاديث في الدجال يمكن أن تكون صحيحة
ونقصد باحتمال صحتها أن مضمونها لايتنافى مع آيات القرآن وقطعي السنة.
روى ابن حماد: 2/519، عن أنس، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الدجال أعور عين الشمال بين جبينه مكتوب كافر، وعلى عينه ظفرة غليظة. ونحوه مصنف ابن أبي شيبة: 15/132. وفي طبقات ابن سعد: 4/184: شبَّهَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثة نفر من أمته فقال: دحية الكلبي يشبه جبرئيل، وعروة بن مسعود الثقفي يشبه عيسى بن مريم، وعبد العزى (بن قطن) يشبه الدجال). وفي الطيالسي/330، أن قطن بن عبد العزى قال: يضر بي يا رسول الله شبهه؟ فقال: لا، أنت مسلم وهو كافر) وفي ابن أبي شيبة: 15/129: ممسوح العين اليسرى عريض النحر، فيه دمامة، كأنه فلان بن عبد العزى).
وفي/132: إن الدجال أعور، جعد، هجان، أقمر، كأن رأسه غضة(أغصان) شجرة، أشبه الناس بعبد العزى بن قطن). ونحوه أحمد: 1/240 و312 و374، و: /291... إلى آخر قائمة المصادر.
أنه من يهود المشرق أو يهود أصفهان
الطبراني الكبير: 18/155، عن عمران بن حصين قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج الدجال من قبل أصبهان. والزوائد: 7/339، عن الطبراني في الأوسط. وعنه كنز العمال: 14/327، ولطبراني الصغير: 1/260، عن أبي بردة أن النبي (صلى الله عليه وآله) ذكر الدجال فقال: يجيء من ها هنا لا بل من ها هنا، وأومى نحو المشرق. والحاكم: 4/528، وصححه، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يخرج الدجال من ها هنا أو ها هنا أو من ها هنا، بل يخرج ها هنا يعني المشرق).
وروى ابن حماد: 2/532، وبعدها، عن أبي بكر أن الدجال يخرج من قبل المشرق من أرض يقال لها خراسان. ولم يسنده إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، بينما أسنده ابن أبي
شيبة: 15/145، فقال إن أبا بكر سأل: هل بالعراق أرض يقال لها خراسان؟ قالوا نعم، قال: فإن الدجال يخرج منها). وأحمد: 1/4، ورفعه ابن ماجة: 2/1353، والترمذي: 4/509 والحاكم: 4/527 والبغوي: 3/508، كرواية أحمد الأولى، عن أبي بكر، وقال في الدر المنثور: 5/354: وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي، وصححه، وابن ماجة.
وفي تهذيب تاريخ دمشق: 1/195: (روى ابن مندة عن عبد الله بن معتمر مرفوعاً قال: إن الدجال ليس به خفاء، يجيء من قبل المشرق، فيدعو لنفسه فيتبع ويقاتل ناساً فيظهر عليهم، لا يزال على ذلك حتى يقدم الكوفة فيظهر عليهم). وعبد الرزاق: 11/396، عن كعب أنه يخرج الدجال من العراق! وفي/395، وابن أبي شيبة: 15/357، عن ابن عمرو أنه يخرج من العراق، وفي ابن حماد: 2/530 عن النبي (صلى الله عليه وآله): يخرج الدجال من خلة بين الشام والعراق! والنهاية: 2/73 عن الهروي. والخلة منخفض بين جبلين. وكلها من نوع مقولات كعب. وتطبيقهم الحديث التقدم المزعوم على المغول يوجب الشك في أصله.
أتباعه اليهود وأولاد الحرام
تقدمت رواية مسلم: 8/207: (يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة) وأن كعب الأحبار جعل أتباعه من صلب العرب!
وفي أحمد: 3/224: يخرج الدجال من يهودية أصبهان معه سبعون ألفاً من اليهود عليهم التيجان). وأبو يعلى: 6/317، والمعجم الأوسط: 5/156، ووثقه الزوائد: 7/338.
وفي كمال الدين/528: (أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب).
المدينة ومكة محرمتان عليه
موطأ مالك: 2/892، عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): على أنقاب المدينة ملائكة، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال. ومثله مسلم: 2/1005، وأحمد: 2/237، بتفاوت يسير، وعنه صحيح بخاري: 9/76. وتاريخ بخاري: 1/240، وفيه: وقيل لمحمد بن مسلمة ما لرأي فلان دخل البلاد كلها إلا المدينة؟ فقال: إنه دجال من الدجاجلة وقال النبي (صلى الله عليه وآله): لا يدخلها الطاعون ولا الدجال. وفي: 6/180، عن أبي هريرة رفعه: المدينة ومكة محفوظتان بالملائكة لا يدخلهما الدجال ولا الطاعون. وفي أحمد: 2/457، عن أبي هريرة، عن
النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: الإيمان يَمَانٍ، والكفر من قبل المشرق، وإن السكينة في أهل الغنم، وإن الريا والفخر في أهل الفدادين أهل الوبر وأهل الخيل، ويأتي المسيح من قبل المشرق وهمته المدينة حتى إذا جاء دبر أحد تلقته الملائكة فضربت وجهه قبل الشام، هنالك يهلك، هنالك يهلك). ومثله مسلم: 2/1005، والترمذي: 4/515، وصححه، والبغوي: 3/504 من صحاحه.
وفي الطيالسي/183، عن محجن عن النبي (صلى الله عليه وآله): ويل أمها من قرية يوم يدعها أهلها أعمرَ ما كانت! يجيء الدجال فيجد على كل باب منها ملكاً مصلتاً فلا يدخلها! ونحوه: ابن أبي شيبة: 15/140، وأحمد: 4/338، والحاكم: 4/427.
وفي مصنف ابن أبي شيبة: 12/181، عن أنس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الدجال يطوي الأرض كلها إلا مكة والمدينة، قال: فيأتي المدينة فيجد بكل نقب من أنقابها صفوفاً من الملائكة، فيأتي سبخة الجرف، فيضرب رواقه ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه كل منافق ومنافقة). ومثله في: 15/143.
وفي صحيح بخاري: 3/28، عن أبي هريرة: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها فيخرج الله كل كافر ومنافق). ومثله مسلم: 4/2265، عن أنس... الخ.
وفي ابن حماد: 2/562، عن أبي أمامة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الدجال لا يبقى من الأرض شيء إلا وطأه وغلب عليه إلا مكة والمدينة، فإنه لا يأتيها من نقب من نقابها إلا لقيه ملك مصلتاً بسيفه حتى ينزل عند الظريب الأحمر عند منقطع السبخة عند مجتمع السيول، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات لا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، فتنتفي المدينة يومئذ الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد، وذلك اليوم الذي يدعى يوم الخلاص. فقالت أم شريك فأين المسلمون يومئذ؟ قال: ببيت المقدس يخرج فيحاصرهم حتى يبلغه نزول عيسى فيهرب).
والنقب: المدخل من بين الجبال. الظريب: بفتح الراء تصغير ظريب بكسرها وهو الجبل
الصغير. الكير: موقد نار الحداد، أو الكيس الذي ينفخ فيه.
أقول: لا يمكن قبول أحاديثهم التي تدل على دخول الدجال إلى المدينة أو أنه يصل إلى أحُد فيهرب منه أهل المدينة ويأتي إليه بعضهم! لأنه ينقض ما ثبت عندنا وعندهم من تحريم المدينة ومكة على الدجال وسلامتهما منه، كحديث أحمد: 1/183، عن سعد بن مالك وأبي هريرة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم بارك لأهل المدينة في مدينتهم، وبارك لهم في صاعهم وبارك لهم في مدهم. اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك وإني عبدك ورسولك، وإن إبراهيم سألك لأهل مكة وإني أسألك لأهل المدينة كما سألك إبراهيم لأهل مكة ومثله معه. إن المدينة مشبكة بالملائكة، على كل نقب منها ملكان يحرسونها لا يدخلها الطاعون ولا الدجال، من أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء). ونحوه أحمد: 3/123 و202 و229 و206 و277 و/229، وأبو يعلى: 5/390، والترمذي: 4/514. ومن مصادرنا: الفقيه: 2/564، والتهذيب: 6/12، ووسائل الشيعة: 10/272.
الكذابون قبل الدجال!
ورد في مصادر السنيين أنه يكون قبل الدجال ثلاثون كذاباً، أو سبعون. ورواية الثلاثين عندهم صحيحة. وورد عندنا أنه يكون في هذه الأمة ثلاثون كذاباً، واثنا عشر إمام ضلال، كما جعل الله فيها اثني عشر إمام هدى (عليهم السلام).
أما رايات الضلال فورد عند الطرفين أنها كثيرة، لكن موضوعنا منها الدجالون والكذابون قبيل ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وقبل الدجال الأصلي، ولابد أن يكونوا شخصيات أو أصحاب دعوات، والمقصود هنا من يدعي النبوة أو الإمامة منهم، وإلا فهم مئات! ومنهم عدد من رواة أحاديث الدجال!
في عبد الرزاق: 11/392، عن أبي بكرة قال: أكثرَ الناسُ في مسيلمة قبل أن يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه شيئاً، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطيباً فقال: أما بعد، ففي شأن هذا الدجال الذي قد أكثرتم فيه وإنه كذاب من ثلاثين كذاباً يخرجون بين يدي المسيح
وإنه ليس من بلد إلا يبلغه رعب المسيح إلا المدينة على كل نقب من أنقابها ملكان يذبان عنها رعب المسيح). انتهى.
أقول: لاحظ أن رواتهم يعبرون عن الدجال عن لسان النبي (صلى الله عليه وآله) بالمسيح وهو أسلوب كعب الأحبار وبقية اليهود! ومعنى أنقابها: مداخلها من بين الجبال. وابن حماد: 2/551، وأحمد: 5/41، وبخاري: 9/75، وابن حبان: 8/225، والحاكم: 4/541، وصححه الزوائد: 7/332.
ابن أبي شيبة: 15/170، عن عبيد بن عمير الليثي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً، كلهم يزعم أنه نبي قبل يوم القيامة). ونحوه أحمد: 2/95 و103، وفي/117، عن عبد الله بن عمر أنه كان عنده رجل من أهل الكوفة فجعل يحدثه عن المختار فقال ابن عمر: إن كان كما تقول فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن بين يدي الساعة ثلاثين دجالاً كذاباً. وفي/236 و312 و429 و530، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله. وصحيح بخاري: 4/243، كرواية أحمد الرابعة بتفاوت يسير، عن عبد الرزاق، وفي: 9/74، كرواية أحمد الخامسة، ورواه في عدة مواضع أخرى أيضاً. ومسلم: 4/2239، كرواية أحمد الرابعة، وفي ابن أبي شيبه: 15/146، عن أنس: إن بين يدي الدجال لستاً وسبعين دجالاً. وفي مجمع الزوائد: 7/333، عن أبي يعلى: نيف وسبعون دجالاً... إلى آخر قائمة المصادر.
أقول: المختار المذكور في رواية أحمد الثالثة هو ابن أبي عبيد الثقفي رحمه الله الذي ثار على الأمويين بعد خمس سنوات من شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) وقد نسبوا إليه أنه ادعى النبوة، ويظهر أن الرجل الكوفي المذكور في الرواية كان معادياً للمختار يطعن عليه وقد يكون من أقارب قتلة الحسين (عليه السلام) الذين قتلهم المختار! ونلاحظ أن عبد الله بن عمر تحفظ في الحكم على المختار فقال: إن كان كما تقول أي يدعي النبوة! لأنه من شائعات السلطة ضد الثائرين.
هذا، وتزيد أحاديثهم في الدجال على مجلد! وهي من نوع ما قدمناه وأسوأ.
* * *
من لم يؤمن بدجال كعب فقد كفر!
في فرائد السمطين: 2/334، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله: من أنكر
خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن أنكر نزول عيسى فقد كفر، ومن أنكر خروج الدجال فقد كفر). والروض الآنف: 2/431، وابن خلدون/347، وغيرها..
ولا يبعد أن يكون المقصود بهذا الدجال دجال كعب، وأن هرطقاتهم في الدجال واجهت رفضاً من عقلاء المسلمين، فتجرأ بعضهم وأعلنوا كفرهم بهذا الدجال أو موافقتهم لأهل البيت (عليهم السلام)، فوضع لهم كعب وتلاميذه هذا الحديث وربطوا دجالهم بالمهدي (عليه السلام)! ولو سلَّمنا جدلاً صحة الحديث فلا بد أن يكون الكفر فيه بمعناه اللغوي أي تغطية الحق، وليس الكفر المصطلح المُخرج عن الدين.
* * *
ختام في دابة الأرض ويأجوج ومأجوج
رأيت في أحاديث الدجال أن رواة الخلافة خلطوا أحاديث المهدي (عليه السلام) بأحاديث علامات القيامة فجعلوها قطعة واحدة! ومنها آية دابة الأرض ويأجوج المذكورتان في القرآن، فجعلوا وقتهما عند ظهور المهدي ونزول عيسى (عليهما السلام)، بل رووا أن عيسى (عليه السلام) يقاتل الدجال ثم يأجوج ومأجوج! مع أن وقت دابة الأرض في الرجعة أي بعد ظهور المهدي (عليه السلام)، أما يأجوج ومأجوج فوقتهم قرب القيامة!
وقد جاءتهم هذه التصورات الباطلة عن المستقبل، من الإسرائيليات وخيالات كعب الأحبار وأمثاله كما عرفت! ونختم هذا الفصل بهاتين العلامتين لأنهما في أصلهما قطعيتان نص عليهما القرآن.
آية دابة الأرض التي تكلم الناس!
قال الله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ. فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ. إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ. وَمَا أَنْتَ بِهَادِى الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ. وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ. وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِى وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ). سورة النمل: 76 - 85
فالآيات خطاب لليهود ومعهم الضالون المعاندون الذين تعمدوا أن لا يسمعوا ولا يروا حقائق الكون فسماهم الله موتى! وأمر رسوله (صلى الله عليه وآله) أن يصرف النظر عنهم،
لأنهم سيبقون هكذا حتى يقع القول عليهم ويخرج الله لهم دابة من الأرض تكلمهم!
ولا تذكر الآية أن وقت هذه الآية قرب القيامة، فقد تكون قبلها بألوف السنين، كما أن تعبير: وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ، لم يستعمل في القرآن إلا في دابة الأرض، واستعمل للقيامة تعبير: حَقَّ القَوْل، قال تعالى: (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (السجدة: 13) (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ). (يس: 7). (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ). (القصص: 62 - 63). كما أن كلمة (وقع) استعملت في القرآن لوقوع الرجز(الأعراف134) والرجس(الأعراف71) ووقوع العذاب الدنيوي (يونس49 وما بعدها) وهذا يقرِّب ما تدل عليه أحاديثنا من أن دابة الأرض تكون في الرجعة وهي مرحلة من الحياة قد تطول ألوف السنين، وتبدأ بظهور المهدي (عليه السلام) ويرجع فيها النبي (صلى الله عليه وآله) وعدد من الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) إلى الدنيا، بعضهم زائراً لمدة قصيرة، وبعضهم يحكم في الأرض مدة.
ويدل على ذلك الآية التي بعدها مباشرة التي نصت على حشر خاص لفئات قبل الحشر العام: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ).
وفي تفسير القمي: 1/198: عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: (إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً..) وسيريكم في آخر الزمان آيات، منها دابة في الأرض، والدجال، ونزول عيسى بن مريم (عليه السلام)، وطلوع الشمس من مغربها). انتهى.
وتعبير آخر الزمان استعمل لفترة كبيرة من عمر الحياة تبدأً من بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى آخر الدنيا، كما أن التسلسل في الرواية جاء من الراوي، لأن الأئمة (عليهم السلام) نصوا على أن ظهور المهدي (عليه السلام) قبل الدجال ودابة الأرض.
وفي الكافي: 1/197، والبصائر/199، وطبعة/219، عن أبي جعفر (عليه السلام) أن علياً (عليه السلام) قال في حديث طويل: ولقد أعطيتُ الستَّ: علم المنايا والبلايا والوصايا والأنساب وفصل الخطاب. وإني لصاحب الكرَّات ودولة الدول، وإني لصاحب العصا والميسم والدابة التي تكلم الناس). وعنهما مختصر البصائر/41، والإيقاظ/372، والبحار: 53/101.
فهذا نصٌّ على أن علياً (عليه السلام) عندما يكرَّ أي يرجع إلى الدنيا مع النبي (صلى الله عليه وآله) كما ورد، يكون صاحب الدابة أي يجعلها الله تعالى تأتمر بأمره فتكلم الناس، وصاحب العصا ولعلها عصى موسى وقد ورد أنها عصا آدم (عليهما السلام)، فتكون آية في الرجعة. وصاحب المَيْسَم أي الآلة التي تضع علامة على جبهة بعض الكفار، ومعناه تصنيف بعض الناس الذين لا يؤمل صلاحهم في دولة الإمام المهدي (عليه السلام) لكي يعرفهم الناس ويحذروا منهم، لأن الميسم يرافق دابة الأرض وهي بالأصل آية للمعاندين من اليهود وأمثالهم، فلعل الوسم لنوع خاص منهم.
وقد نصت أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) على أن دابة الأرض من آيات الرجعة وليست من آيات القيامة الموعودة بقوله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً)، ففي مختصر البصائر/210 عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن العذاب الأدنى الدابة والدجال). ومجمع البيان: 4/332، وتأويل الآيات: 2/444، والإيقاظ/386، والبحار: 53/. 114.
وفي المحاسن/236، عن عبد الله بن سليمان العامري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما زالت الأرض ولله فيها حجة يعرف الحلال والحرام ويدعو إلى سبيل الله، ولا تنقطع الحجة من الأرض إلا أربعين يوماً قبل يوم القيامة، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة ولم (يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل) أن ترفع الحجة وأولئك شرار من خلق الله وهم الذين تقوم عليهم القيامة). ونحوه الكافي: 1/329، ومثله البصائر/484، وكمال الدين/229، ودلائل الإمامة/229، والبحار: 6/18 و: 23/41.
دابة الأرض في مصادر السنيين
أما في مصادر أتباع الخلافة فتكثر الإسرائيليات، ويتشابه عنصر الأسطورة في عامة أحاديثهم عن الدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج! وأول ما تلاحظه أنهم ربطوا دابة الأرض بآية: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ
آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً)، فقد روى ابن شيبة: 15/178، عن أبي هريرة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدابة). ومثله أحمد: 2/445 ومسلم: 1/138، وأبو عوانة: 1/107، والترمذي: 5/264، وصححه، وتفسير الطبري: 8/76، وكثير من مصادرهم، وفي الطبراني الكبير: 9/214، عن ابن عمر قال: التوبة معروضة على ابن آدم إن قبلها ما لم يخرج إحدى ثلاث، ما لم تطلع الشمس من مغربها أو يخرج الدابة أو يخرج يأجوج ومأجوج).
مع أنهم رووا ما يوافق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وأن التوبة تبقى مفتوحة، وصححوه، لكنهم أعرضوا عنه حباً بأحاديث كعب وتلاميذه! فقد روى الحاكم: 4/485 في وصف دابة الأرض: (ثم يخرج الدجال فيأخذ المؤمن منه كهيئة الزكمة، وتدخل في مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالشيء الحنيذ، وإن التوبة لمفتوحة، ثم تطلع الشمس من مغربها. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه). ورواه غيره أيضاً.
من المبالغات والإسرائيليات في دابة الأرض
كيفية خروج الدابة: في الطبراني الأوسط: 1/98، عن عبد الله بن عمرو العاص قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): إذا طلعت الشمس من مغربها يخر إبليس ساجداً ينادي إلهي مرني أن أسجد لمن شئت فتجتمع إليه زبانيته فيقولون: يا سيدهم ما هذا التضرع؟ فيقول: إنما سألت ربي أن ينظرني إلى الوقت المعلوم وهذا الوقت المعلوم، ثم تخرج دابة الأرض من صدع في الصفا فأول خطوة تضعها بأنطاكية ثم تأتي إبليس فتلطمه). ومجمع الزوائد: 8/8، وضعف ابن زبريق، والدر المنثور: 3/62، وكنز العمال: 14/349.
بينما قال ا بن كثير في تفسيره: 2/202: هذا حديث غريب جداً وسنده ضعيف، ولعله من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله يوم اليرموك! فأما رفعه فمنكر، والله أعلم).
أقول: هذا الكلام من ابن كثير يوجب الشك في كل ما رواه عبد الله بن العاص لأنه كان عنده حمل بعير أو حملان من الكتب حصل عليها أيام فتح الشام وكان يحدث منها! وأخطر ما في الأمر أن ابن كثير يقول إن ابن العاص قد يكذب على النبي (صلى الله عليه وآله) في نسبته إليه ما يرويه من الزاملتين!
ويسري هذا الشك إلى عبد الله بن عمر، فأفكاره مثله، واسمه يختلط مع ا بن العاص عندما يقال في السند (عن عبد الله) ولا يذكرون اسم أبيه!
* * *
دابة تكلم الناس أم دابة تطارد الناس؟! روى الطيالسي/144، عن عبد الله بن عمير عن رجل من آل عبد الله بن مسعود، وحديث طلحة أتمهما وأحسن قال: ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدابة فقال: لها ثلاث خرجات من الدهر، فتخرج في أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية يعني مكة ثم تكمن زماناً طويلاً، ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك، فيعلو ذكرها أهل البادية ويدخل ذكرها القرية يعني مكة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وخيرها وأكرمها المسجد الحرام لم يَرُعْهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام تنفض عن رأسها التراب فارفضَّ الناس معها شتى ومعاً، وثبت عصابة من المؤمنين وعرفوا أنهم لن يعجزوا الله فبدأت بهم فجلت وجوههم حتى تجعلها كأنها الكوكب الدري، وولت في الأرض لا يدركها طالب ولا ينجو منها هارب، حتى أن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول: يا فلان يا فلان الآن تصلي! فيقبل عليها فتسِمُه في وجهه ثم تنطلق، ويشترك الناس في الأموال ويصطحبون في الأمصار يعرف المؤمن من الكافر حتى أن المؤمن يقول: يا كافر إقضني حقي وحتى أن الكافر يقول: يا مؤمن إقضني حقي). وابن حماد: 2/666 وبعدها، بصيغ أخرى وإضافات، وفيها: فيهريق الأمراء فيها الدماء. وفي تفسير الطبري: 2/10، تخرج الدابة من الصفا أول ما يبدو رأسها ملمعة ذات وبر وريش لم يدركها طالب ولن يفوتها هارب، والطبراني الكبير: 3/193، والحاكم: 4/484، وصححه، وبسند آخر وصححه على شرط الشيخين! ونحوه ابن شيبة: 15/66، والدر المنثور: 5/116، وفيه: ولها عنق
مشرف يراها من بالمشرق كما يراها من بالمغرب، ولها وجه كوجه إنسان ومنقار كمنقار الطير ذات وبر وزغب معها عصا موسى وخاتم سليمان بن داود تنادي بأعلى صوتها: إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا رسول الله وما بعد؟ قال: هنات وهنات، ثم خصب وريف حتى الساعة. ونحوه تفسير الطبري: 20/10، عن ابن عمر.
وفي زهر الفردوس 4/64: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: مثل أمتي ومثل الدابة التي تخرج كمثل حيِّزٍ بُنيَ ورفعت حيطانه وسُدت أبوابه وطُرح فيه من الوحوش كلها، ثم جيء بالأسد فطرح وسطها فانذعرت وأقبلت إلى النفق تلمسه من كل جانب. كذلك أمتي عند خروج الدابة لا يفر منها أحد إلا مثلت بين عينيه، ولها سلطان من ربنا عظيم).
* * *
واخترعوا لها صفات أسطورية: ففي ابن حماد: 2/665، عن الشعبي قال: دابة الأرض ذات وبر تنال رأسها السماء. وجامع البيان: 20/11، وتفسير الرازي: 24/217، وفيه: رأسها يبلغ السحاب، وفي الدر المنثور: 5/116، عن الشعبي: إن دابة الأرض ذات وبر تناغي السماء، وعن ابن عباس: الدابة مؤلفة ذات زغب وريش فيها من ألوان الدواب كلها! وفي التبيان: 8/106 عن ابن عمر: إنها تخرج حتى يبلغ رأسها الغيم، فيراها جميع الخلق. وفي تفسير ابن كثير: 3/388، عن أبي الزبير: رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن إيل وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعاً! تخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان فلا يبقى مؤمن إلا نكتت في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة حتى يبيض لها وجهه ولا يبقى كافر إلا نكتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان، فتفشو تلك النكتة حتى يسود بها وجهه. وعن أبي هريرة: ما بين قرنيها فرسخ للراكب.
وفي سنن الداني/104، في حديث طويل بعدة صفحات: عن حذيفة قال: قلت يا رسول الله وما الدابة؟ قال: ذات وبَر وريش، عظمها ستون ميلاً، ليس يدركها طالب ولا يفوتها هارب، تَسِمُ الناس مؤمناً وكافراً، فأما المؤمن فتترك في وجهه
كالكوكب الدري وتنكت بين عينيه مؤمن، وأما الكافر فتكتب بين عينيه نكتة سوداء، وتكتب بين عينيه كافر).
وفي تاريخ بخاري: 3/316: عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله): تخرج الدابة فتصرخ ثلاث صرخات)! وفي الزوائد: 8/6، عن أحمد: تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم، ثم يعمِّرون فيكم حتى يشتري الرجل البعير فيقول ممن اشتريته؟ فيقول: اشتريته من أحد المخطَّمين). وحسنه في الجامع الصغير: 1/502. ويفهم منه أن خطمها خاص بفئة من الناس، وهذا يردُّ ما نصوا عليه من أن خطمها شامل.
* * *
وكذَبَ الرواةُ على النبي (صلى الله عليه وآله)! فقالوا إنه حدد مكان خروجها للصحابي بريدة الأسلمي، فروى عنه أحمد: 5/357، أنه قال: ذهب بي رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى موضع بالبادية قريباً من مكة فإذا أرض يابسة حولها رمل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تخرج الدابة من هذا الموضع فإذا فِتْرٌ في شبر)! وابن ماجة: 2/1352. وفي الدر المنثور: 5/117: أخرج البخاري في تاريخه، وابن ماجة، وابن مردويه عن بريدة..). لكن ابن عمرو العاص صاحب الزاملتين جعل مكان خروجها الصفا فقال كما في تفسير الطبري: 20/10: (لو شئت لانتعلت بنعليَّ هاتين فلم أمس الأرض قاعداً حتى أقف على الأحجار التي تخرج الدابة من بينها، ولكأني بها قد خرجت في عقب ركب من الحاج. قال فما حججت قط إلا خفت أن تخرج بعقبنا)!
وفي ابن حماد: 2/662، وبعدها، عن عطاء، قال: رأيت عبد الله بن عمرو، وكان منزله قريباً من الصفا، رفع قدمه وهو قائم وقال: لو شئت لم أضعها حتى أضعها على المكان الذي تخرج منه الدابة)! ثم أبعدها عبد الله قليلاً عن الصفا وزعم أنها تخرج من مكة من(شعب بالأجياد)! كما في ابن حماد، وابن أبي شيبة: 15/67، ووافقه أبو هريرة: 7/2569، وأمالي الشجري: 2/277، والفردوس: 2/4).
أما زميله ابن عمر فوافقه على أنها تخرج من الصفا، وقال إنها لا تكلم الناس! بل
تختمهم في الحج وتنتهي مهمتها، فترفع قدمها من مكة وتضع أول خطوة لها في أنطاكية وتذهب! (ابن حماد: 2/667) وقال: ألا أريكم المكان الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن دابة الأرض تخرج منه فضرب بعصاه الشق الذي في الصفا). (أبو يعلى: 10/67).
لذلك لا يمكن أن نطمئن بشيء من رواياتهم في دابة الأرض والدجال ويأجوج، مع أن فيها الصحاح على شرط الشيخين وشروط جميع المشايخ! فقد رووا فيها أكثر مما رووه في القضايا المصيرية التي سفكت فيها دماء المسلمين كنظام الحكم!
رواية أن علياً دابة الأرض ورواية نفي ذلك
في الدر المنثور: 5/117: وأخرج ابن أبي حاتم، عن النزال بن سبرة قال: قيل لعلي بن أبي طالب: إن ناساً يزعمون أنك دابة الأرض، فقال: والله إن لدابة الأرض ريشاً وزغباً وما لي ريش ولا زغب، وإن لها لحافراً وما لي من حافر، وإنها لتخرج حضر الفرس الجواد ثلاثاً، وما خرج ثلثاها). انتهى.
وابن سبرة عثماني الهوى، ويقصد أن بعض الشيعة في زمن أمير المؤمنين (عليه السلام) كانوا يقولون إن علياً هو دابة الأرض الموعودة! وإنه سأل علياً (عليه السلام) فنفى ذلك ووصف دابة الأرض كما يصفها رواة الخلافة، وأن طولها أكثر من ميدان تقطعه الفرس السريعة حتى تتعب، أي أن أكثر من خمسة كيلو مترات!
وقد روت مصادرنا أن معاوية سأل الأصبغ بن نباتة نفس سؤال ابن سبرة، قال الأصبغ: (قال لي معاوية: يا معشر الشيعة تزعمون أن علياً دابة الأرض؟ فقلت: نحن نقول؟ اليهود تقوله! قال: فأرسل إلى رأس الجالوت فقال: ويحك تجدون دابة الأرض عندكم؟ فقال: نعم. فقال: وما هي؟ فقال: رجل. فقال: أتدري ما اسمه؟ قال: نعم، اسمه إيليا، قال: فالتفت إليَّ فقال: ويحك يا أصبغ، ما أقرب إيليا من علي):
(مختصر البصائر/208، عن تأويل الآيات). وهذا يدل على وجود عمل من الأمويين لتشويه صورة علي (عليه السلام) وأنه صاحب دابة الأرض فجعلوه نفس دابة الأرض! وقد يكون ذلك
تسرب منهم إلى مصادرنا! في رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعدة روايات عن علي (عليه السلام) وأبي ذر وعمار، ففي تفسير القمي: 2/130: (فأما قوله: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ)، فإنه حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: انتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو نائم في المسجد قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه فحركه برجله ثم قال له: قم يا(صاحب) دابة الله! فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله أيسمي بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلا له خاصة وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ)، ثم قال: يا علي إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة، ومعك مَيْسَمٌ تَسِمُ به أعداءك. فقال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الناس يقولون هذه الدابة إنما تكلمهم فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كلمهم الله في نار جهنم، إنما هو يكلمهم من الكلام! والدليل على أن هذا في الرجعة قوله: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)؟! قال: الآيات أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام). فقال الرجل لأبي عبد الله (عليه السلام): إن العامة تزعم أن قوله: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا)، عنى يوم القيامة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أفيحشر الله من كل أمة فوجاً ويدع الباقين؟ لا، ولكنه في الرجعة، وأما آية القيامة فهي: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)). وعنه مختصر البصائر/42، بتفاوت يسير، وتأويل الآيات: 1/407، إلى قوله: فليس هذا الاسم إلا لعلي (عليه السلام)، والإيقاظ/257 و342، والبحار: 39/243 و: 53/52.
أقول: أظن أن أصل الرواية(صاحب دابة الله)! فسقطت منها كلمة (صاحب) التي جاءت في رواية الكافي وبصائر الدرجات. وفي مقابلها روى مصدران آخران هما تفسير القمي ومختصر البصائر الذي فيه ما ليس في البصائر! أن دابة الأرض هي علي (عليه السلام)! ففي مختصر البصائر/206، عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على علي
بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ألا أحدثك ثلاثاً قبل أن يدخل علي وعليك داخل أنا عبد الله أنا دابة الأرض صدقُها وعدلُها، وأخو نبيها، ألا أخبرك بأنف المهدي وعينه؟ قال قلت: نعم، فضرب بيده إلى صدره فقال: أنا).
وعن الجدلي أيضاً في/207، قال: دخلت على علي (عليه السلام) فقال: أحدثك بسبعة أحاديث إلا أن يدخل علينا داخل، قال قلت: إفعل جعلت فداك، قال: أتعرف أنف المهدي وعينه؟ قال قلت: أنت يا أمير المؤمنين. فقال: الدابة وما الدابة، عدلها وصدقها وموقع بعثها والله مهلك من ظلمها، وذكر الحديث).
وتأويل الآيات: 1/404، وعنهما الإيقاظ/283، والبحار: 39/243، و: 53/110. وفي/208، عن الأصبغ بن نباتة قال: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يأكل خبزاً وخلاً وزيتاً فقلت: يا أمير المؤمنين قال الله (عزَّ وجلَّ): (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ)، فما هذه الدابة؟ قال: هي دابة تأكل خبزاً وخلاً وزيتاً! وتأويل الآيات: 1/404، والإيقاظ/384، والبحار: 53/112. وفي/209، عن مالك بن حمزة الرواسي قال: سمعت أبا ذر يقول: علي (عليه السلام) دابة الأرض). وتأويل الآيات: 1/404، والبحار: 39/243.
أما رواية تفسير القمي: 2/131، فهي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال رجل لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان آية في كتاب الله قد أفسدت قلبي وشككتني، قال عمار: وأي آية هي؟ قال: قول الله: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض). الآية، فأي دابة هي؟ قال عمار: والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أريكها، فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يأكل تمراً وزبداً، فقال له: يا أبا اليقظان هلمَّ فجلس عمار وأقبل يأكل معه فتعجب الرجل منه، فلما قام عمار قال له الرجل: سبحان الله يا أبا اليقظان حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتى ترينيها؟! قال عمار: قد أريتكها إن كنت تعقل) وعنه مجمع البيان: 7/234، والبرهان: 3/210، والبحار: 39/242.
أقول: القدر المتيقن من الروايات أن علياً (عليه السلام) صاحب دابة الأرض، وأنها تخرج
في رجعته مع النبي (صلى الله عليه وآله)، ولعل أصل القول بأن عليا (عليه السلام) دابة الأرض جاء من قوله (عليه السلام): (وإني لصاحب العصا والميسم والدابة التي تكلم الناس). أي في الرجعة، ولعل الشبهة جاءت من قراءة الدابة بالضم مع أنها بالكسر عطفٌ على الميسم والعصا.
آيات يأجوج ومأجوج
قال الله تعالى في قصة ذي القرنين: (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا. حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا. كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا. ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا. حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً. قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يأجوج وَمأجوج مُفْسِدُونَ فِي الأرض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا. قَالَ مَا مَكَّنِّى فِيهِ رَبِّى خَيْرٌ فَأَعِينُونِى بِقُوَةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا. آتُونِى زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا. فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا. قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّى فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّى جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى حَقًّا. وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا. وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا). (الكهف: 89 - 100).
والمعنى: أن ذا القرنين رحمه الله الذي بعثه الله في مهمة عالمية، توجه بوسائله نحو مشرق الشمس فبلغ منطقة فيها قومٌ يتحملون أشعة الشمس الحارقة المنصبَّة عليهم، وقد يكونون هم يأجوج ومأجوج، فلم يصنع لهم شيئاً. ثم سار بوسائله حتى وصل إلى منطقة بين السدين، فوجد قوماً شكوا له هجوم يأجوج ومأجوج عليهم، فصنع السد لحمايتهم من ياجوج وعرف باسمه (سد ذي القرنين) فعجزت يأجوج عن نقبه أو تسلقه، وأخبرهم ذو القرنين أن هذا السد رحمة لهم، وأنه سيستمر إلى قرب يوم القيامة، حيث يدكه الله تعالى في مقدمات القيامة. قال تعالى في سياق كلامه عن
بعثة الأنبياء (عليهم السلام): (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ. وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ. فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ. وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ. حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يأجوج وَمأجوج وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ). (الأنبياء: 92 - 97).
والمعنى: أن الله تعالى أرسل الأنبياء (عليهم السلام) وأمر الناس أن يهتدوا بهديهم ويكونوا أمة واحدة، لكنهم اختلفوا وسلكوا طرق المعصية والتفرق، وأنهم سيرجعون إلى الله فيجازيهم. ثم تحدث (عزَّ وجلَّ) عن القرى التي أهلكها بظلمها أي الحضارات الجائرة وقال إنه حرَّم عليهم الرجوع! وتحير المفسرون في هذا الرجوع المحرم، فقال بعضهم: (ممتنع عليهم أن يرجعوا فيتداركوا ما فاتهم من السعي المشكور والعمل المكتوب المقبول). (تفسير الميزان: 14/325). ولكن ما ذكره (تحريمٌ) عام لكل من مات فلا معنى لتخصيص المهلكين به، وكذا رأي أكثر المفسرين إنه حرم رجوعهم إلى الحياة الدنيا، فهو عام أيضاً للمهلكين وغيرهم. والصحيح ما قاله أهل البيت (عليهم السلام) إنه تحريم رجوع المهلكين في الرجعة لا في القيامة. ففي تفسير القمي: 2/75، بسند صحيح عن الصادق والباقر (عليهما السلام): (كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة). ثم قال القمي: (فهذه الآية من أعظم الدلالة في الرجعة لأن أحداً من أهل الإسلام لا ينكر أن الناس كلهم يرجعون إلى القيامة من هلك ومن لم يهلك). انتهى.
ثم تحدثت الآية التالية عن مسار الدنيا حتى تنفتح يأجوج ومأجوج وينسابوا في الأرض، وذلك قرب القيامة التي هي الوعد الحق! ولم تذكر أن يأجوجاً يأتون من جهة السد أو غيره، ولا أنهم يخوضون قتالاً مع أحد! وينبغي هنا تسجيل ملاحظات:
1 - أن يأجوج ومأجوج قد يكونون في مكان آخر غير أرضنا، ويشير اليه قوله
تعالى: (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ...)، فقد يكون هذا السبب وسيلة فضائية ويكون مطلع الشمس الذي بلغه في غير الأرض.. الخ.
2 - ورد أن يأجوجاً ليسوا من أبناء آدم (عليه السلام) ففي الكافي: 8/220 عن علي (عليه السلام) قال: (وأجناس بني آدم سبعون جنساً، والناس ولد آدم ما خلا يأجوج ومأجوج). انتهى.
وهنا أدخل كعب الأحبار أنفه فقال: (هم نادرة من ولد آدم، وذلك أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء والتراب يأجوج ومأجوج فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم). (شرح مسلم: 3/98، وفتح الباري: 13/94، والبحار: 6/298).
3 - لم تذكر روايات أهل البيت (عليهم السلام) أي حرب للمسلمين أو غيرهم مع يأجوج ومأجوج، بينما طفحت مصادر السنيين بمعارك خيالية للمسلمين معهم، بقيادة عيسى بن مريم (عليه السلام) كما ستعرف.
4 - وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) المغول وغزوهم للأمة، ولم يربطهم بيأجوج أو بالقيامة! بينما طبقت مصادر أتباع الخلافة يأجوج على المغول! وقد انتهى المغول انتهوا ولم تقم القيامة فثبت كذب هذا التطبيق! ففي مسند أحمد: 5/271: خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو عاصب إصبعه من لدغة عقرب فقال: إنكم تقولون لا عدو وإنكم لا تزالون تقاتلون عدواً حتى يأتي يأجوج ومأجوج، عراض الوجوه صغار العيون شهب الشعاف، من كل حدب ينسلون، كأن وجوههم المجان المطرقة). انتهى.
الشعاف: جمع شعفة بفتح الشين: أعلى الشيء والمعنى صفر الشعور. والمجان المطرقة: أي وجوههم مبقعة كترس الحديد المبقع من الطرق. ومثله الفائق: 2/248، وعنه فتن ابن كثير: 2/183، وتفسيره: 3/205، ومجمع الزوائد: 8/6، وعن الطبراني، والدر المنثور: 4/336.. الخ.
5 - روى أتباع الخلافة أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر بقرب هلاك العرب وخروج يأجوج في أقل من قرن! ولا شيء من ذلك في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)! ففي صحيح بخاري: 8/88: (استيقظ النبي (صلى الله عليه وآله) من النوم محمراً وجهه يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب! فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه! وعقد
سفيان تسعين أو مائة! قيل أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث). ورواه أيضاً في: 4/176 وفي: 4/109، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكأنها تطبقه على قتل عثمان، لكن رواه عن أبي هريرة أيضاً وطبقه على غَلَمَة قريش الذين تهلك الأمة بأيديهم!
نموذج من مبالغاتهم في يأجوج ومأجوج
لعل رواياتهم عن يأجوج ومأجوج ودابة الأرض والدجال تبلغ مجلداً كبيراً وفيها الغث الذي يناديك بأنه موضوع، لكنه صحيح على شرط الشيخ أو الشيخين! بينما لاتجد في قضايا الأمة المصيرية كقضية الخلافة والحكم ومستقبل الأمة إلا عشر معشارها! فمضافاً إلى ما تقدم من صحيح بخاري، زعم في: 4/167، أن رجلاً أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) أنه رأى السد ووصفه له كأنه البُرْد المحبر أي العباءة المخططة فصدقه النبي (صلى الله عليه وآله)! وعقد بخاري باباً بعنوان: باب قصة يأجوج ومأجوج: 4/108، وباباً آخر بعنوان: باب يأجوج ومأجوج: 4/108، وروى عنهم في: 5/241، و: 6/175، و: 7/196.
وروى أحمد: 2/510، عن أبي هريرة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن يأجوج ومأجوج ليحفرن السد كل يوم، حتى إذا كان شعاع الشمس قال الذي عليهم: إرجعوا فستحفرون غداً فيعودون إليه كأشد ما كان. حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله (عزَّ وجلَّ) أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: إرجعوا فستحفرونه غداً إن شاء الله ويستثني فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه، ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع وعليها كهيئة الدم فيقولون: قهرنا أهل
الأرض وعلونا أهل السماء، فيبعث الله عليهم نغفاً في أقفائهم فيقتلهم بها. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن شَكَراً من لحومهم ودمائهم). والنغف: بفتح الغين، دودٌ يظهر في أنوف الجمال. وشَكِرَت الدابة: بكسر الكاف، شَكَراً بفتحها: سمنت وكثر لبنها. ونحوه ابن ماجة: 2/1364، والترمذي: 5/313، وحسنه، وتفسير الطبري: 17/71، عن كعب! وفيه: حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم فإذا كان الليل قالوا نجيء غداً فنخرج فيعيدها الله كما كانت، فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم أن يقول نجيء غداً فنخرج إن شاء الله، فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه فيحفرون ثم يخرجون، فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها، ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون قد كان ههنا مرة ماء، وتفر الناس منهم فلا يقوم لهم شيء. فيدعو عليهم عيسى بن مريم فيقول اللهم لا طاقة ولا يدين لنا بهم فاكفناهم بما شئت، فيسلط الله عليهم دوداً يقال له النغف فتفرس رقابهم، ويبعث الله عليهم طيراً فتأخذهم بمناقرها فتلقيهم في البحر، ويبعث الله عيناً يقال لها الحياة تطهر الأرض منهم وتنبتها حتى أن الرمانة ليشبع منها السكن! قيل وما السكن يا كعب: قال أهل البيت! قال: فبينا الناس كذلك إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتين يريده، فيبعث عيسى طليعة سبعمائة أو بين السبعمائة والثمانمائة حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله ريحاً يمانية طيبة فيقبض الله فيها روح كل مؤمن، ثم يبقى عجاج من الناس يتسافدون كما يتسافد البهائم، فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها حتى تضع، فمن تكلف بعد قولي هذا شيئاً أو على هذا شيئاً فهو المتكلف). ونحوه الحاكم: 4/488، وصححه على شرط الشيخين والدر المنثور: 4/250، قال: وأخرج أحمد، والترمذي، وحسنه، وابن ماجة، وابن حبان، والحاكم، وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة: وقال في/252: وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن كعب). وعلى هذا فقس عشرات الروايات وربما مئاتها. ومنها في سنن
الداني/104، عن حذيفة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، في حديث طويل: فعند ذلك خروج يأجوج ومأجوج، قال فيوحي الله (عزَّ وجلَّ) إلى عيسى: أحرز عبادي بالطور طور سينين، قال حذيفة: قلت يا رسول الله، وما يأجوج ومأجوج؟ قال يأجوج أمة، ومأجوج أمة، كل أمة أربعمائة ألف أمة، لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف عين تطرف بين يديه من صلبه. قال قلت: يا رسول الله صف لنا يأجوج ومأجوج، قال: هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز الطوال، وصنف آخر منهم عرضه وطوله سواء عشرون ومائة ذراع في مائة وعشرين ذراعاً وهم الذين لا يقوم لهم الحديد. وصنف يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى. قال حذيفة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يكون جمع منهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق حتى تيبس، فيحلون بيت المقدس وعيسى والمسلمون بالطور، فيبعث عيسى طليعة يشرفون على بيت المقدس فيرجعون إليه فيخبرونه أنه ليس ترى الأرض من كثرتهم. قال: ثم إن عيسى يرفع يديه إلى السماء فيرفع المؤمنون معه، فيدعو الله (عزَّ وجلَّ) ويؤمن المؤمنون، فيبعث تعالى عليهم دوداً يقال له النغف، فيدخل في مناخرهم حتى يدخل في الدماغ، فيصبحون أمواتاً قال: فيبعث الله (عزَّ وجلَّ) عليهم مطراً وابلاً أربعين صباحاً فيغرقهم في البحر ويرجع عيسى إلى بيت المقدس والمؤمنون معه). والفردوس: 5/441، وتهذيب ابن عساكر: 1/196، ومجمع الزوائد: 8/6، عن الطبراني في الأوسط. والدر المنثور: 4/155، عن ابن مردويه، وفي/250، عن ابن حماد، وابن مردويه وقال: وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه وابن عدي، وابن عساكر وابن النجار، عن حذيفة قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن يأجوج ومأجوج فقال... الخ.
والنتيجة: أن يأجوج ومأجوج بنص القرآن من علامات الساعة، ولا علاقة لهما بعلامات الإمام المهدي (عليه السلام) ولا بنزول المسيح (عليه السلام)، وقد تكون الفاصلة بينها مئات السنين أو ألوفها! أما دابة الأرض فهي آية لليهود وأمثالهم من المكذبين تكون في فترة رجعة النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين إلى الدنيا، والذي يكون صاحبها.
* * *
الفصل الثالث: الطائفة الثابتة حتى يظهر إمامها المهدي (عليه السلام)
الغرباء والطائفة الثابتة حتى يظهر إمامها المهدي (عليه السلام)
روت مصادر السنيين أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، وأنه سيبقى من أمته عصابة أو طائفة ثابتة على الحق لا يضرهم تكذيب من كذَّبهم حتى تقوم الساعة، وفي بعضها حتى يخرج الدجال، وفي بعضها حتى يأتي أمر الله، وحتى ينزل عيسى بن مريم، وحتى يظهر الإمام المهدي (عليه السلام).
وقد اهتم معاوية بهذه الأحاديث وطبقها على أهل الشام، وأضاف لها الرواة صفاتٍ لهؤلاء الغرباء أهل الحق لتنطبق على أهل الشام! ثم وضعوا أحاديث تصرح بأن هذه الطائفة هم أهل الشام وإمامهم معاوية!
وفي عصرنا، حاول الإخوان المسلمون أن يطبقوا أحاديث الغرباء على حركتهم، لأنهم أمة وطائفة من الأمة ثابتة على الحق تدعو إلى الإسلام.
كما حاول الفلسطينيون تطبيقها عليهم، لأن بعضها ذكر أن الفئة الظاهرة تكون في بيت المقدس وأكنافه، وبعضها ذكر أنهم يقاتلون على الحق، فهي تنطبق على
المقاومين لإسرائيل.
كما حاول الوهابيون أن يطبقوها عليهم لأنها تصف الثابتين من الأمة بأنهم طائفة أو عصابة أي فئة قليلة وهم فئة قليلة فتنطبق عليهم، وفي السنوات الأخيرة ركزوا على تعبئة جماعتهم الطالبان بهذه الأحاديث، وكتبوا مقالات وكتباً في أنهم هم الطائفة المنصورة التي وصفها النبي (صلى الله عليه وآله)!
أما مصادرنا، فروت أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يترك حديثه مهملاً، بل سمى هؤلاء القلة الغرباء المضطهدين الثابتين على الحق، الظاهرين بالحجة، وأنهم الأئمة من عترته (عليهم السلام) وشيعتهم، فهم الذين أوصى بهم أمته فقال: (وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله (عزَّ وجلَّ) وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروني بم تخلفوني فيهما). (مسند أحمد: 3/17). وهم الذين بَشَّر بإمامتهم الربانية، وأخبر بأن الأمة سوف تضطهدهم وتكذبهم وتقتلهم، وأنهم لا يضرهم تكذيب من كذبهم وعداء من عاداهم حتى يظهر خاتمهم المهدي الموعود (عليه السلام) فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. ففي الطبراني الكبير: 2/213، عن جابر بن سمرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيِّماً لا يضرهم من خذلهم). وفي: 2/265: (عن جابر بن سمرة: قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يخطب على المنبر ويقول: اثنا عشر قيماً من قريش لا يضرهم عداوة من عاداهم). وقال عنه في الزوائد: 5/191: رواه البزار عن جابر بن سمرة وحده، وزاد فيه: ثم رجع يعني النبي (صلى الله عليه وآله) إلى بيته فأتيته فقلت: ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج. ورجاله ثقات). انتهى.
لذلك نعتقد أن رواة أتباع الخلافة القرشية حذفوا صفات هؤلاء الثابيتين الغرباء، وجردوها من القرائن التي تدل عليهم. واليك مجموعة أحاديثهم:
من أحاديثهم في الطائفة الظاهرة أو المنصورة
نورد أولاً الأحاديث التي وصفت هذه الطائفة أو العصابة بأنها ظاهرة، ولم تعين هذا الظهور هل هو بالحجة أو بالقتال، لذا يصح تفسيره بالظهور المعنوي بالحجة حتى لو كانوا مغلوبين عسكرياً ومحكومين لمن تسلط عليهم. ففي الطيالسي/9، عن سليمان بن الربيع العدوي قال: لقينا عمر فقلنا له: إن عبد الله بن عمرو حدثنا بكذا وكذا، فقال عمر: عبد الله بن عمرو أعلم بما يقول قالها ثلاثاً! ثم نودي بالصلاة جامعة فاجتمع إليه الناس فخطبهم عمر فقال: سمعت رسول الله يقول: لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى يأتي أمر الله (عزَّ وجلَّ). وسعيد بن منصور: 2/144، عن ثوبان، وفيه: ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم. وأحمد: 2/321، عن أبي هريرة، وفيه: عصابة على الحق ولا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله. وفي صحيح بخاري: 4/252، عن مغيرة بن شعبة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لا يزال ناسٌ من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون. ونحوه مسلم: 3/1523، عن المغيرة، والجواهر الحسان: 2/279، عن ابن مسعود وفيه: لا تزال طائفة من أمتي... حتى يأتي أمر بالله وهم ظاهرون. والمسند الجامع: 14/14، عن عمر، وفيه: لا يزال ناس من أمتي ظاهرين. وابن حبان: 8/294، عن أبي هريرة: لا يزال على هذا الأمر عصابة على الحق، لا يضرهم خلاف من خالفهم. وفي مسلم: 3/1524، عن ابن عمرو: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك. فقال عبد الله: أجل، ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك مسها مس الحرير فلا تترك نفساً في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة).
لاحظ أن ابن عمرو لم يذكر القتال، وفسر أمر الله بالساعة، على مذهب أستاذه كعب بأن قيام الساعة بعد فتح القسطنطينية بسنوات قليلة!
وفي جمع الفوائد: 3/157، عن ثوبان رفعه: (زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها... ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل
من أمتي الأوثان! وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كل يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله). ونحوه في تذكرة القرطبي: 2/638.
فهذان الحديثان وغيرهما جعلت وجود هؤلاء الثابتين إلى أن (يأتي أمر الله) وهو ظهور المهدي (عليه السلام) وليس إلى أن تقوم الساعة، ولم تصفهم بأنهم مقاتلون.
* * *
ونورد ثانياً، الأحاديث التي وصفتهم بأنهم يقاتلون وينتصرون.
ابن منصور: 2/145، عن ابن كعب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تبرح عصابة من أمتي ظاهرين على الحق لا يبالون من خالفهم حتى يخرج المسيح الدجال فيقاتلونه).
وفي أحمد: 4/434، عن مطرف قال: قال لي عمران: واعلم أنه لن تزال طائفة من أهل الإسلام يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناواهم حتى يقاتلوا الدجال).
وفي طبقات ابن سعد: 2/167: عصابة من أمتي يجاهدون على الحق حتى يخرج الدجال. وفي تهذيب ابن عساكر: 1/65: وفي لفظ: إذا هلك أهل الشام فلا خير في أمتي، ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتلوا الدجال... الخ..
وفي أحمد: 3/345، عن جابر عن النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فيقول أميرهم: تعال صل بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمير ليكرم الله هذه الأمة). ونحوه: 3/384، وفيه: تكرمة الله (عزَّ وجلَّ). ومسلم: 1/137، كأحمد، وأبو يعلى: 4/59، وفيه: فيقول إمامهم: تقدم فيقول: أنتم أحق بعضكم أمراء بعض، أمر أكرم الله به هذه الأمة. وجامع المسانيد والسنن: 25/26، بنحو أبي يعلى. وسنن الداني/43: لا تزال طائفة من أمتي تقاتل عن الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس ينزل على المهدي فيقال له: تقدم يا نبي الله فصل لنا فيقول: إن هذه الأمة أمير بعضهم على بعض لكرامتهم على الله (عزَّ وجلَّ)).
وفي الطيالسي/104، عن جابر بن سمرة: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا يزال هذا الدين قائماً، تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة).
* * *
ونورد ثالثاً اهتمام معاوية بتطبيق أحاديثهم على نفسه وأهل الشام:
في أحمد: 4/97 و101، عن عمير بن هاني قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان على هذا المنبر يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، ولن تزال من هذه الأمة أمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس. وفي أخرى: فقام مالك بن يخامر السكسكي فقال: يا أمير المؤمنين سمعت معاذ بن جبل يقول: وهم أهل الشام، فقال معاوية ورفع صوته: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذاً يقول وهم أهل الشام. والشاميين للطبراني: 1/315، وسعيد بن منصور: 2/369، عن أبي عبد الله الشامي، قال: سمعت معاوية يخطب يقول: يا أهل الشام حدثني الأنصاري قال قال شعبة يعني زيد بن أرقم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال.. وفيه: وإني لأرجو أن تكونوا هم يا أهل الشام. وصحيح بخاري: 9/167 كرواية أحمد الأولى. ومسلم: 3/1524، كرواية أحمد الثانية. وتاريخ بخاري: 7/327، وعلل الدارقطني: 7/61، ومسند الشاميين لجماز: 1/109 و/135 و96 و101 و103 و118 و129 و131 و133 و144 و149ح31 و49 و63 و7 و69 و83 و92.
وكلها عن معاوية وفي عدد منها أنه كان يخطب بها على المنبر! وهدفه مدح نفسه وأهل الشام في مقابل أهل العراق والحجاز الذين كانوا ضده، ولذلك ينبغي الشك في صيغته هذه لأنها عن طريق معاوية ورواته!
أحاديث مكذوبة ومحرفة لمدح معاوية وأهل الشام
الطيالسي/145، حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا معاوية بن قرة، عن أبيه قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة).
لكن نلاحظ أن سعيد بن منصور: 2/145، وأحمد: 3/436، وابن ماجة: 1/4 5،
وغيرهم، رووا هذا الحديث وكلهم عن قرة عن أبيه عن النبي (صلى الله عليه وآله) وليس فيها الزيادة عن أهل الشام، وهذا يعني أنها زيادة لمصلحة بني أمية.
وفي مسند أحمد: 4/429، عن عمران بن حصين، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا تزال طائفة من أمتي على الحق، ظاهرين على من ناواهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى وينزل عيسى بن مريم (عليه السلام)). ومثله في تاريخ بخاري: 5/451، وتهذيب ابن عساكر: 1/56: قال أبو عمرو: فحدثت قتادة بهذا الحديث فقال: لا أعلم أولئك إلا أهل الشام)! ثم صار تفسير قتادة حديثاً نبوياً! ففي حلية الأولياء: 9/307، عن أبي هريرة: لا تزال طائفة من أمتي قائمة على أمر الله لا يضرها من خالفها تقاتل أعداءها، كلما ذهبت حرب نشبت حرب قوم آخرين، يرفع الله أقواماً ويرزقهم منهم حتى تأتيهم الساعة. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هم أهل الشام؟).
* * *
وفي الشاميين للطبراني: 1/56، عن الجرشي: كنت جالساً عند النبي (صلى الله عليه وآله) وفيه: ولا يزال من أمتي ناس يقاتلون على الحق ويزيغ الله بهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله. والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وعقر دار المؤمنين بالشام). ومعنى يرزقهم الله منهم: أنه ينصرهم على الزائغين! وشبيه به مسند الشاميين لجماز: 1/191، عن سلمة بن نفيل بروايتين. ونحوه المعجم الكبير: 7/61، وابن ماجة: 2/1369، عن أبي هريرة: إذا وقعت الملاحم بعث الله بعثاً من الموالي هم أكرم العرب فرساً وأجوده سلاحاً، يؤيد الله بهم الدين. والحاكم: 4/548، عن أبي هريرة وفيه: خرج بعث من الموالي من دمشق. وصححه على شرط بخاري.. إلى آخر القائمة.
فمن الواضح أنهم زادوا في الحديث ذكر الشام على لسان النبي (صلى الله عليه وآله)! وستأتيك قصة أحاديث أبدال الشام، في أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام).
ومثلها في مدح سكان بيت المقدس وحوله
في أحمد: 5/269، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تزال طائفة من أمتي
على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس). ونحوه في تهذيب الآثار مسند عمر: 2/823.
أبو يعلى: 11/302، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة).
ومثلها في مدح أهل الطالقان!
في تهذيب ابن عساكر: 1/55، عن تاريخ داريا وقال: وفي لفظ آخر: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب بيت المقدس وما حولها وعلى أبواب أنطاكية وما حولها، وعلى باب دمشق وما حولها، وعلى أبواب الطالقان وما حولها، ظاهرين على الحق، لا يبالون بمن خذلهم ولا من نصرهم، حتى يخرج الله كنزه من الطالقان فيحيي به دينه كما أميتَ من قبل). ونحوه عقد الدرر/122، قال: وفي رواية: على أبواب الطالقان حتى يخرج الله كنزه من الطالقان. وفي/283: على أبواب بيت المقدس، وأبواب أنطاكية وما حولها.
وفي مشارق الأشواق: 1/407، لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب بيت المقدس وما حولها، وعلى أبواب أنطاكية وما حولها، وعلى أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب الطالقان وما حولها، ظاهرين على الحق (لا يضرهم) من خذلهم ولا من نصرهم، حتى يخرج الله كنزه من الطالقان فيحيي به دينه). انتهى.
أقول: جبال الطالقان قسم من سلسلة جبال آلبرز في إيران، وعندما تطلق في الأحاديث يقصد بها منطقة إيران، فقد كانت معروفة باسم بلاد المشرق أو خراسان أو جبال الطالقان، كما يأتي في أحاديث أهل المشرق. والإشكال على تطبيق الفئة الظاهرة على أهل الشام يردُ في تطبيقها على أهل الطالقان، فلعل رواته الأمويين أو الفرس أرادوا مدح مناطقهم وحكامها!
نعم وردت أحاديث صحيحة في أنصار المهدي (عليه السلام) من أهل المشرق، ولا يرد عليها هذا الإشكال كما سيأتي، وستعرف أن أحاديث مصادر السنيين في مدح الفرس أكثر منها في مصادرنا، وهذا ليس عجيباً لأن الفرس هم الذين أسسوا لهم مذاهبهم، وكتبوا لهم مصادرهم في الحديث والفقه والتفسير!
ومن مكذوبات اليهود في تفضيل بلاد الشام!
أطلق اليهود مقولات مفرطة، ووضعوا أحاديث مغالية في مدح الشام وفلسطين وتفضيلهما على الحجاز والعراق، وتفضيل بيت المقدس على مكة، وصخرتها على الكعبة! وتضمنت التعريض والتنقيص بالحجاز والعراق وأهلهما! وتبناها معاوية وبنو أمية وامتلأت بها مصادر أتباع الخلافة والمذاهب، وتلقاها عوام المسلمين على أنها جزء من الدين، لأن عدداً منها صار أحاديث صحيحة!
1 - أشاع كعب أن عاصمة هذا النبي (صلى الله عليه وآله) في الشام لا في المدينة أو العراق! ففي سنن الدارمي: 1/4: (عن أبي صالح قال كعب: نجده مكتوباً: محمد رسول الله، لا فظٌّ ولا غليظٌ ولا صخَّابٌ بالأسواق، ولا يُجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر... ومولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وملكه بالشام). انتهى. وقوله: (وملكه بالشام) زيادة منه، لم تروها مصادر الشيعة، ونصت على زيادته بعض مصادر السنة قال في فتح الباري: 8/450: (زاد في رواية كعب: مولده بمكة ومهاجره طيبة وملكه بالشام). انتهى. فهي زيادة يهودية لتكون الخلافة لأحبائهم بني أمية في الشام بعيداً عن الحجاز والعراق لأن أهلهما لا يحبون اليهود كأهل الشام! لكن أكثر مصادرهم روت هذه الزيادة وصححتها مع الأسف! كطبقات ابن سعد: 1/360، وحلية الأولياء: 5/387، وتفسير البغوي: 2/205، وخصائص السيوطي: 1/19، وفيض القدير: 3/768، ودلائل الأصبهاني: 4/1332، ونظم درر السمطين/54 وتفسير الرازي: 3/38، وتفسير ابن كثير: 4/383، والدر المنثور: 3/132، وتاريخ دمشق: 1/186، و: 47/390، وتاريخ المدينة: 2/634، والنهاية: 2/96، و: 6/61، وهداية الحيارى/90، والسيرة الحلبية: 1/351،
وغيرها!!
كما عثر رواة الخلافة على يهودي آخر اسمه جريجرة أكد لهم قول كعب فرووه عنه حامدين الله! (المستدرك: 2/622، وتاريخ دمشق: 1/184، وخصائص السيوطي: 1/23).
وبذلك تعرف أن اليهود كانوا المخططين لنقل عاصمة الإسلام إلى الشام بدل الحجاز أو العراق! ولذلك طلب معاوية من عثمان أن ينتقل إلى الشام ليكون ضيفاً عليه ويرتب له الأمر بعده، كما رتبه أبو بكر لعمر! (راجع المجلد الثاني من جواهر التاريخ).
2 - جاء كعب الأحبار من اليمن إلى المدينة وهو يهودي وكان عمر سمع به فخرج إلى استقباله، واحترمه كاحترام الأنبياء، وجعله مستشار الخليفة الثقافي والمقدم في مجلسه! وبقي كعب على يهوديته وسكن في حمص، وكان يتردد على المدينة ويمضي فيها مدة طويلة، وبعد مدة أعلن إسلامه، فطلب منه عمر أن يسكن في المدينة فقال له: (ما يمنعك أن تسكن المدينة وهي هجرة رسول الله وموضع قبره؟ قال: إني أجد في كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله في الأرض، وبها كنزه من عباده)! (تاريخ دمشق: 1/122).
3 - روى ابن حماد: 1/236: (عن كعب قال: رأس الأرض الشام وجناحاها. ولا مصر والعراق والذنباء أي الحجاز! وعلى الذنباء يسلح الباز)!
أقول: هذا ذم يهودي خبيث لمصر والعراق والحجاز، والعجيب أن رواة الخلافة وعلماء المذاهب ومنهم عراقيون وحجازيون، قبلوه ورووه، ولم يردوا عليه!
4 - في الدر المنثور: 1/136: (عن كعب قال: لا تقوم الساعة حتى يزفُّ البيت الحرام إلى بيت المقدس فينقادان إلى الجنة وفيهما أهلهما، والعرض والحساب ببيت المقدس)! وفي الكافي: 4/239: (عن زرارة قال: كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر(الإمام الباقر (عليه السلام)) وهو مُحْتبٍ مستقبلَ الكعبة فقال: أمَا إن النظر إليها عبادة، فجاءه رجل من بجيلة يقال له عاصم بن عمر فقال لأبي جعفر: إن كعب الأحبار كان
يقول: إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة، فقال أبو جعفر: فما تقول فيما قال كعب؟ فقال: صدق، القولُ ما قال كعب! فقال أبو جعفر: كذبت وكذب كعب الأحبار معك! وغضب! قال زرارة: ما رأيته استقبل أحداً بقول كذبت غيره ثم قال: ما خلق الله (عزَّ وجلَّ) بقعة في الأرض أحب إليه منها ثم أومأ بيده نحو الكعبة ولا أكرم على الله (عزَّ وجلَّ) منها، لها حرَّم الله الأشهر الحرم في كتابه يوم خلق السماوات والأرض، ثلاثة متوالية للحج: شوال وذو القعدة وذو الحجة، وشهر مفرد للعمرة وهو رجب). انتهى.
5 - في تاريخ دمشق: 1/152: (قال كعب: ما شرب ماء عذب قط إلا ما يخرج من تحت هذه الصخرة! حتى أن العين التي بدارِين ليخرج ماؤها من تحت هذه الصخرة)! (وتفسير القرطبي: 11/305، وأبي السعود: 6/5، والسيرة الحلبية: 2/82).
6 - ألفوا كتباً شحنوها بأحاديث مدح الشام والقدس، وروى العجلوني في كشف الخفاء: 2/2، عدة نصوص وأحاديث في فضل الشام ولم يوثق أياً منها!
7 - روى السيوطي في الدر المنثور: 3/111، غرائب في فضل الشام عن كعب الأحبار وتلاميذه من مصادر (حديثية) متعددة! وبعضها تحول بقدرة قادر إلى حديث نبوي! منها، عن كعب:
- مكتوب في التوراة أن الشام كنز الله (عزَّ وجلَّ) من أرضه بها كنز الله من عباده.
- وعن كعب قال: أحب البلاد إلى الله الشام وأحب الشام إليه القدس وأحب القدس إليه جبل نابلس، ليأتين على الناس زمان يتقاسمونه بالحبال بينهم!
- وعن كعب قال: إني لأجد في كتاب الله المنزل أن خراب الأرض قبل الشام بأربعين عاماً).
- وعن وهب بن منبه قال: إني لأجد تردد الشام في الكتب، حتى كأنه ليس لله حاجة إلا بالشام.
- وعن ابن عمر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): دخل إبليس العراق فقضى منها حاجته ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ بيسان ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ وبسط عبقريه. وعن وهب بن منبه قال: رأس الأرض الشام.
- وعن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا، قالوا: وفي نجدنا؟ وفي لفظ وفي مشرقنا قال هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان. زاد ابن عساكر في رواية: وبها تسعة أعشار الشر.
- وعن ابن عمر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الخير عشرة أعشار، تسعة بالشام وواحد في سائر البلدان. والشر عشرة أعشار واحد بالشام وتسعة في سائر البلدان! وإذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم!
- قال النبي (صلى الله عليه وآله): طوبى للشام! قيل له: ولمَ؟ قال إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليهم. (عن زيد بن ثابت، وقال صححه الحاكم)!
- قال رجل يا رسول الله خِرْ لي، فقال (صلى الله عليه وآله): عليك بالشام، فإنها صفوة الله من بلاده فيها خيرة الله من عباده! فمن رغب عن ذلك فليلحق بنجدة، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله... ولفظ أحمد فإنه خيرة الله من أرضه... فإن أبيتم فعليكم بيمنكم! عن واثلة بن الأسقع... فمن أبى فليلحق بيمنه ويسق من غدره! وأخرج أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن حوالة الأزدي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): فمن أبى فليلحق بيمنه وليسق من غدره! انتهى.
ولا يمكن قبول هذه الأحاديث ومنها ذم نجد وإن رواها بخاري، لأن رواة الخلافة الأموية متهمون، بعكس أهل البيت الصادقين الطاهرين غير المتهمين (عليهم السلام).
قال الشيخ محمود أبو رية، وهو من علماء الأزهر في كتابه: أضواء على السنة المحمدية/176، بعد أن نقل طعن عدد من العلماء السنيين بكعب الأحبار ووهب بن منبه وأمثالهما من أحبار اليهود: (إن الأئمة المحققين قد طعنوا في رواية هذين الكاهنين، ولا يزال يوجد بيننا وا أسفاه من يثق بهما ويصدق ما يرويانه، ولا يقبل
أي كلام فيهما. ولكي نستوفي القول في بيان مدى الكيد اليهودي للإسلام والمسلمين وإن كان ذلك يعد استطراداً ينحرف بنا عما نحن بسبيله، نكشف لك عن جانب آخر من عمل دهاة اليهود، ذلك هو الجانب السياسي، فلقد كان كيدهم في محاربة الإسلام يتجه إلى ضربه من ناحيتين: ناحية دينية، وأخرى سياسية... الخ.).
* * *
أحاديث الغرباء وغربة الإسلام في مصادر الطرفين
ابن حماد: 1/78، عن عبد الله بن عمرو العاص قال: أحب شيء إلى الله تعالى الغرباء قيل أي شيء الغرباء؟ قال: الذين يفرون بدينهم، يُجمعون إلى عيسى بن مريم (عليه السلام). وتاريخ بخاري: 4/130، وفيه: فرَّارون بدينهم يجتمعون إلى عيسى بن مريم يوم القيامة. وحلية الأولياء: 1/25، وفيه: الفرارون بدينهم يبعثهم الله يوم القيامة مع عيسى بن مريم (صلى الله عليه وآله). وأحمد: 1/184، عن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: إن الإيمان بدأ غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء إذا فسد الناس. والذي نفس أبي القاسم بيده ليأزرنَّ الإيمان بين هذين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها). طوبى: شجرة مميزة جداً في الجنة، وتطلق على الجنة، يأرز: يجتمع وينضم بعضه إلى بعض. هذين المسجدين: تعبير عن مكة والمدينة.
وأحمد: 1/398، عن ابن مسعود قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وفيه: قيل: ومن الغرباء؟ قال: النزاع من القبائل. وفي: 2/177، عن ابن عمرو العاص، وفيه: قال: أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم.
وفي أحمد: 4/73، عن عبد الرحمن بن سنة وفيه: قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، والذي نفسي بيده، لينحازن الإيمان إلى المدينة كما يجوز السيل. والذي نفسي بيده ليأرزن الإسلام إلى ما بين المسجدين كما تأزر الحية إلى حجرها.
ومسلم: 1/130، كرواية أحمد الخامسة عن أبي هريرة. وابن ماجة: 2/1319، كرواية مسلم الأولى، والبزار: 1/314، والترمذي: 5/18، كرواية أحمد الثانية إلى قوله للغرباء، وبآخر فيه: إن الدين ليأرز إلى الحجاز، كما تأرز الحية إلى جحرها، وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل، إن الدين بدأ غريباً ويرجع غريباً، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي. وقال: هذا حديث حسن صحيح. ومشكل الآثار: 1/297، كرواية أحمد الثانية، عن عبد الله. وبنحوه المعجم الأوسط: 2/551 عن أنس. وفي: 5/478، عن جابر، وفي: 6/377، عن ابن عباس قال: قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء، وان بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم يمسي الرجل فيها مؤمناً، ويصبح كافراً، ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً يبيع أقوام دينهم بعرض الدنيا. والمسند الجامع: 12/317، عن عبد الرحمن بن سنة، وفي: 6/155، عن ابن لسعد بن أبي وقاص بنحوه. وفي: 14/192، عن عمرو بن عوف.. الخ.
* * *
وقد روت مصادرنا أحاديث حول غربة الإسلام كما في الجعفريات/192، عن علي (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء، فقيل ومن هم يا رسول الله؟ قال الذين يصلحون إذا فسد الناس، إنه لا وحشة ولا غربة على مؤمن، وما من مؤمن يموت في غربة إلا بكت الملائكة رحمة له حيث قلت بواكيه، وإلا فسح له في قبره بنور يتلألأ من حيث دفن إلى مسقط رأسه).
وفي كمال الدين: 1/200، أوله عن علي (عليه السلام) بثلاث روايات، وقال: فقد عاد الإسلام كما قال (عليه السلام) غريباً في هذا الزمان كما بدأ، وسيقوى بظهور ولي الله وحجته كما قوي بظهور نبي الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وتقر بذلك أعين المنتظرين له والقائلين بإمامته كما قرت أعين المنتظرين لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والعارفين به بعد ظهوره. وإن الله (عزَّ وجلَّ) لينجز لأوليائه ما وعدهم ويُعلي كلمته ويتم نوره ولو كره المشركون.
وفي شرح الأخبار: 3/371، أن أبا بصير طلب من الإمام الصادق (عليه السلام) أن يشرح له هذا الحديث: (قال أبو بصير: فقلت له اشرح لي هذا جعلت فداك يا بن رسول الله. قال (عليه السلام): يستأنف الداعي منا دعاءً جديداً كما دعا رسول الله، وكذلك المهدي يستأنف دعاء جديداً إلى الله لمَّا غُيِّرت السنن وكثرت البدع وتغلب أئمة الضلال، واندرس ذكر أئمة الهدى الذين افترض الله طاعتهم على العباد وأقامهم للدعاء إليه والدلالة بآياته عليه، ونُسي ذكرهم وانقطع خبرهم لغلبة أئمة الجور عليهم. فلما أنجز الله بالدعاء للأئمة ما وعدهم به من ظهور مهديهم احتاج أن يدعوهم دعاء جديداً كما ابتدأهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالدعاء أولاً).
وفي الإرشاد/364، محمد بن عجلان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام القائم (عليه السلام)
دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دثر فضل عنه الجمهور، وإنما سمي القائم مهدياً لأنه يهدى إلى أمر مضلول عنه، وسمي بالقائم لقيامه بالحق). ومثله إعلام الورى/431، وعنه روضة الواعظين: 2/264، وكشف الغمة: 3/254 وإثبات الهداة: 3/527 و555.
وفي النعماني/230، عن ابن عطاء المكي، عن شيخ من الفقهاء يعني أبا عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن سيرة المهدي كيف سيرته؟ فقال: يصنع كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر الجاهلية ويستأنف الإسلام جديداً). وعنه إثبات الهداة: 3/539، والبحار: 52/352.
وفي الكافي: 1/536، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه سئل عن القائم فقال: كلنا قائم بأمر الله واحد بعد واحد، حتى يجيء صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان).
ومثله غيبة الطوسي/282، ونحوه الإرشاد/364، وعنه كشف الغمة: 3/255. وإثبات الهداة: 3/448 و516 و555، عن الكافي وغيبة الطوسي والإرشاد، والبحار: 52/332 و338، عن غيبة الطوسي والإرشاد.
أقول: المقصود بغربة الإسلام غربته عن التطبيق، وقد صرح بذلك الصدوق رحمه الله وربطه بظهور المهدي (عليه السلام) وقد حاولت مصادرهم توظيف الحديث للصراع بين أهل الحجاز وأهل الشام كما وظفوا حديث الفئة الظاهرة لمصلحة أهل الشام وبني أمية! ومعنى: يأرز الإيمان أو العلم إلى المدينة ومكة: أن وعي الدين ينحسر من الأمة، وتكون المدينة ومكة مركزاً لتجديد الإسلام وانطلاقته في آخر الزمان على يد الإمام المهدي (عليه السلام)، كما كانتا مركزاً لانطلاقته على يد جده خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله).
* * *
مجددو الإسلام
روت المصادر السنية نصاً عن أبي هريرة ظن الراوي أنه رفعه إلى
النبي (صلى الله عليه وآله) قال أبو داود: 4/109: (عن أبي هريرة، فيما أعلم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها. والبيهقي في المعرفة: 1/137، والخطيب البغدادي: 2/61، والجامع الصغير: 1/282، والمسند الجامع: 17/843، صحيح بخاري بشرح الكرماني: 1/72. وفي مستدرك الحاكم: 4/522، أن رجلاً قرأ هذا النص في مجلس القاضي أبي العباس بن شريح وقال له: فأبشر أيها القاضي فإن الله بعث على رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وبعث على رأس المأتين محمد بن إدريس الشافعي، وأنت على رأس الثلاث مائة). انتهى.
أقول: الإمام المهدي (عليه السلام) هو المجدد القطعي للإسلام، والقدر المتيقن من المجددين هم الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، ولم نجد مصدراً لما نقله في إحقاق الحق عن ابن حنبل من تخصيص المجدد بالعترة الطاهرة (عليهم السلام). ولو صح هذا الحديث وكان يشمل غير العترة (عليهم السلام)، فلا يمكن معرفة هؤلاء المجددين حيث كثر ادعاء بعض الحكام والعلماء أنهم هم المجددون، والإدعاء لهم!
والذي أرجحه أن أصل الحديث عن دور العترة في حفظ الإسلام ونفي زيف المحرفين له، فزادوا فيه، وصادروه لمن يتولونهم!
كما أنه على فرض صحته يرد السؤال: هل تحسب المئة سنة من بعثة النبي أو هجرته أو وفاته (صلى الله عليه وآله)؟ وهل المقصود برأس المئة السنة الأولى منها، أم المعنى العرفي الذي يشمل الربع الأول منها؟ وقد اعتبر المودودي أن المهدي (عليه السلام) المجدد العالمي العام للإسلام، في عداد المجددين على رأس كل مئة سنة، لكن الصحيح أن له حسابه الخاص بمقياس حياة الأمة والحياة البشرية عامة.
وقد نصت أحاديثنا على أن الإمام المهدي (عليه السلام) هو الذي يجدد الإسلام ويخرجه من غربته. ففي عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2/200، عن الحسن بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون يوماً وعنده علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وقد اجتمع الفقهاء وأهل
الكلام من الفرق المختلفة... فقال المأمون: يا أبا الحسن فما تقول في الرجعة، فقال الرضا (عليه السلام): إنها لَحَقٌّ قد كانت في الأمم السالفة، ونطق بها القرآن، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة. قال (صلى الله عليه وآله): إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فصلى خلفه. وقال (صلى الله عليه وآله): إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء، قيل: يا رسول الله ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يرجع الحق إلى أهله). وعنه الإيقاظ/107، وحلية الأبرار: 2/301، و: البحار: 25/135، والبرهان: 2/350.
وفي تفسير فرات/44، عن خيثمة الجعفي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال في تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً)، يعني صفوتنا ونصرتنا. قلت إنما قدر الله عنه باللسان واليدين والقلب، قال: يا خثيمة ألم تكن نصرتنا باللسان كنصرتنا بالسيف، ونصرتنا باليدين أفضل والقيام فيها. يا خثيمة إن القرآن نزل أثلاثاً، فثلث فينا وثلث في عدونا وثلث فرائض وأحكام. ولو أن آية نزلت في قوم ثم ماتوا أولئك ماتت الآية إذا ما بقي من القرآن شيء. إن القرآن عربي من أوله إلى آخره وآخره إلى أوله ما قامت السماوات والأرض فلكل قوم آية يتلونها.
يا خيثمة إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء، وهذا في أيدي الناس فكل على هذا. يا خثيمة سيأتي على الناس زمان لا يعرفون الله وما هو التوحيد حتى يكون خروج الدجال وحتى ينزل عيسى بن مريم من السماء، ويقتل الله الدجال على يده، ويصلي بهم رجل منا أهل البيت. ألا ترى أن عيسى يصلي خلفنا وهو نبي إلا ونحن أفضل منه). وعنه البحار: 24/328.
وفي غيبة النعماني/320، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: إن قائمنا إذا قام، دعا الناس إلى أمر جديد، كما دعا إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء). وعنه البحار: 52/366.
وروى النعماني/232، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً أن عبد الله بن عطاء سأله: إذا قام القائم بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال: يهدم ما قبله كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويستأنف الإسلام جديداً) وعنه حلية الأبرار: 2/629، والبحار: 52/354.
وروى/322، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أن أبا بصير سأله: أخبرني عن قول أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء، فقال: يا أبا محمد، إذا قام القائم (عليه السلام) استأنف دعاء جديداً كما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله)). والبحار: 52/367.
* * *
من هم الغرباء والطائفة المنصورة؟
ينبغي الالتفات أولاً، إلى أن سبب كثرة طرق الحديث ورواته عندهم، أن عمر بن الخطاب ومعاوية دخلا في رواته، وطبقه معاوية عليه وعلى أهل الشام!
وثانياً، إن محاولة معاوية استغلال الحديث تضعف صيغه التي رووها ولا تضعف أصله الذي رويناه عن أهل البيت (عليهم السلام). ومحاولة معاوية تشبه محاولة العباسيين تطبيق أحاديث الرايات السود على حركتهم، ومحاولة تطبيق صفات المهدي (عليه السلام) على المهدي التيمي والحسني والعباسي والفاطمي المزعومين، فإن بطلان محاولاتهم لا يؤثر في قيمة أصل أحاديث المهدي (عليه السلام).
ولا يمكن الأخذ بتطبيقات معاوية للحديث على أهل الشام، ولا بتطبيق العباسيين له على أهل خراسان، ولا بتطبيق المتوكل له على حزب أهل الحديث الذي أسسه وعرف باسم مجسمة الحنابلة، ولا على تطبيق ورثته الحزب الوهابي الذي أسسه محمد بن عبد الوهاب، ولا بتطبيق حركة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا أو حركة مقاومة إسرائيل وجهاد اليهود التي يشترك فيها المسلمون الفلسطينيون وغيرهم.. وسبب ذلك أن الحديث نص على أن هؤلاء الغرباء جماعة يكونون في
كل جيل حتى يظهر المهدي وينزل المسيح (عليهما السلام)، وأنهم أقلية ولهم معارضون ومكذبون وأعداء. فهذه الصفة والأحاديث المفسرة للحديث النبوي لا تدع مجالاً للشك بأن مقصوده (صلى الله عليه وآله) الأئمة من عترته وأتباعهم، الذين سيكون خاتمهم الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد اتضح ذلك مما تقدم من أحاديث، ولبحثه مجال آخر.
حديث بعثت بين جاهليتين
أمالي الشجري: 2/277، بسنده عن حصين بن مخارق، عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بعثت بين جاهليتين لأخراهما شر من أولاهما). انتهى.
أقول: لم أجد لهذا الحديث المهم مصادر أخرى، وهو يدل على أن الجاهلية الثانية التي تكون بعد النبي (صلى الله عليه وآله) أسوأ من الجاهلية الأولى التي كانت قبله. ومهما فسرناها فإن الجاهلية الغربية الحاضرة جزء منها، إن لم تكن كلها.
ويؤيد ذلك قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). (الأحزاب: 33) فالآية تشير إلى جاهلية ثانية يكون من صفاتها أن المرأة تتبرج فيها كما كانت في الجاهلية الأولى. وفي الآية بحوث يتصل بموضوعنا منها الإشارة إلى أن ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) يكون بعد الجاهلية الثانية التي هي أكثر شراً وضرراً على البشرية من الأولى.
* * *
الفصل الرابع: الفتن الموعودة في هذه الأمة
1 - تحذير النبي (صلى الله عليه وآله) لأمته من الفتن بعده مباشرة!
عرض النبي (صلى الله عليه وآله) وهو على فراش المرض على أمته كنزاً لم يعرضه نبي على أمته أبداً! أن تطيعه فيكتب لها عهداً وبرنامجاً، ويضمن لها أن تكون على الهدى ولا تضل أبداً، وتكون سيدة الأمم إلى يوم القيامة! فواجهه عمر بن الخطاب ورفض ذلك، وأيده طلقاء قريش وكانوا كثروا في المدينة وصاحوا القول ما قاله عمر! لا تقربوا له دواة وقرطاساً، حسبنا كتاب الله، أي نرفض سنته ولا نريد أن يكتب لنا عهداً! وقد دافع أتباع الخلافة عن موقف عمر ضد النبي (صلى الله عليه وآله) وما زالوا إلى اليوم! وقد رواه بخاري في ست مواضع من كتابه!
ومع أن الأمة رفضت أن تدخل في التأمين الإلهي لمستقبلها، ووضعت نفسها عن علم وعمد وسبق إصرار في وسط رياح الضلال والفتن. فقد حرص النبي الرؤوف بأمته (صلى الله عليه وآله) على تحذيرها من الصراع وسفك الدماء على السلطة! كالحديث الذي رواه الطبراني في الكبير: 22/69، ومسند الشاميين: 3/124، عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنكم تزعمون أني آخركم موتاً! وإني أولكم ذهاباً، ثم
تأتون من بعدي أفناداً! يقتل بعضكم بعضاً). وتاريخ دمشق: 59/46 وفي الزوائد: 7/306: ورجاله وثقوا وفي بعضهم خلاف. ومسند الشاميين: 1/56، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يوحى إليَّ أني مقبوض غير ملبث، وإنكم متبعيَّ أفناداً يضرب بعضكم رقاب بعض). أي تأتون اليَّ يوم القيامة فئات مختلفين لأنكم قاتل ومقتول! ومعناه أن قضاء الله قد وقع على هذه الأمة!
ويدل قوله (عليه السلام): تزعمون أني آخركم موتاً! على أنه كان من خطط الحزب القرشي إشاعة أن النبي (صلى الله عليه وآله) آخر أصحابه موتاً! لمنع أي تفكير بتفعيل بيعة الغدير والدعوة إلى بيعة علي (عليه السلام) في حياته (صلى الله عليه وآله)! وهذا هو السبب في إصرار عمر بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) على أنه (صلى الله عليه وآله) لم يمت، حتى جاءه أبو بكر!
* * *
وقد روى الجميع إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) عن الفتن بعده وتحذيره منها، كالذي رواه ابن حماد: 1/30و48: عن أبي موسى: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن بين يدي الساعة لهرجاً قلت وما الهرج؟ قال القتل. قلنا أكثر ممن يقتل اليوم؟ قال والمسلمون في فروجهم يومئذ، قال: ليس بقتلكم الكفار ولكن يقتل بعضكم بعضاً حتى يقتل الرجل جده وأباه وأخاه وابن عمه وجاره. قال: فأبلس القوم حتى ما يبدي رجل منا عن واضحة). وفي رواية أحمد: 4/391 و406: (قالوا: سبحان الله ومعنا عقولنا؟ قال: لا، ألا إنه ينزع عقول أهل ذاك الزمان، ويخلف له هباء من الناس يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء). وأحمد: 4/414، وأبو يعلى: 13/203 و212، و237، وابن حبان: 15/104 وابن أبي شيبة: 15/13، الطيالسي/35 عن عبد الله، وعبد الرزاق: 11/364، عن ابن المسيب، ومسلم: 4/2056، وابن ماجة: 2/1345، والترمذي: 4/489.. إلى آخر المصادر.
والذي رواه بخاري في مواضع من صحيحه، منها: 1/29 و: 2/22، عن أبي هريرة قال قال النبي (صلى الله عليه وآله): لاتقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل القتل، حتى يكثر فيكم المال فيفيض).
وفي بخاري: 7/82: (قالوا وما الهرج قال القتل القتل. وفي: 8/89: قالوا يا رسول الله أيُّمْ هو؟ قال: القتل القتل. وفي: 8/101: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة
دعوتهما واحدة وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله. وحتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا إرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه! ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها. ومثله أحمد: 2/492، عن أبي هريرة والطبراني: 9/220، عن ابن عمرو، وغيرهم وغيرهم.
ملاحظات
الأولى: عندما ترى في كلام الصحابة وصفاً لحدث بأنه بين يدي الساعة أو في آخر الزمان، فلا يغرَّك ذلك حتى تجد قرائن قطعية تحدد زمنه الحقيقي! والسبب، أولاً، أنهم كانوا يرون أن عصرهم آخر الزمان، فقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) بعثت أنا والساعة كهاتين وجمع بين إصبعيه(بخاري: 6/177)، كما أن من أوصافه (صلى الله عليه وآله) أنه نبي آخر الزمان. (كمال الدين/190). وثانياً، لأن رواة الخلافة كانوا يتعمدون إبعاد زمن الحدث السيئ الموعود عن زمن الصحابة! فقد رأيت أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لأصحابه: (إنكم تزعمون أني آخركم موتاً، وإني أولكم ذهاباً ثم تأتون من بعدي أفناداً يقتل بعضكم بعضاً)!
أقول: مع كل هذه النصوص الصريحة حيث خاطب النبي (صلى الله عليه وآله) الصحابة أنفسهم وأخبرهم عن صراعهم بعده على الحكم وحذرهم بنار جهنم، زعموا أن هذا الصراع والقتل والفتنة سيكون بين يدي الساعة!
وبذلك تعرف أنه لا علاقة لهذه الأحاديث بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) إلا ما دل منها على أن الاختلاف والصراع في الأمة سيستمر حتى ظهوره (عليه السلام). وقد روى الطرفان ذلك وصححوه! ومنه ما رواه الطبراني في المعجم الكبير: 18/51، عن عوف بن
مالك: (قلتُ وهل يفتح الشام؟ قال: نعم وشيكاً ثم تقع الفتن بعد فتحها، ثم تجيء فتنة غبراء مظلمة، ثم تتبع الفتن بعضها بعضاً حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي، فإن أدركته فاتبعه وكن من المهتدين). وستأتي بقيتها.
الثانية: نلاحظ أن الراوي يضيف من عاميته وما شاع في بيئته من إسرائيليات عن أشراط الساعة وغيرها، وستمر بك نماذج عديدة لذلك.
الثالثة: أن هذه الأحاديث موظفة لخدمة الخلافة القرشية، فمن أول رواتها أبو موسى الأشعري، المعروف بموقفه في تخذيل المسلمين عن نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما دعاهم إلى حرب البغاة الخوارج عليه، وكان أبو موسى والياً له على الكوفة، فأشاع تحذيرات النبي (صلى الله عليه وآله) لأمته من القتال، وجعله نهياً في القتال مع علي (عليه السلام) للفئة الباغية ليفسح المجال لطلحة والزبير وعائشة فيسيطروا على البصرة ثم الكوفة، ويسقطوا حكم علي (عليه السلام)! (راجع كتاب جواهر التاريخ: 1)
2 - الفتنة العالمية وامتلاء الأرض بالظلم والجور من الجبارين
اتفقت مصادر المسلمين على أن مهمة الإمام المهدي (عليه السلام) أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن تكون ملئت ظلماً وجوراً. وهذا بنفسه دليل على أن ظهوره (عليه السلام) يكون بعد فتنة عامة وأن الجبابرة قبله يملؤون الأرض ظلماً وجوراً.
وامتلاء الأرض بالظلم مفهوم عرفي يصدق على أكثر عصور الأرض، فقد قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). (الروم: 41)، أما في عصرنا فقد ظهر الفساد في البر والبحر والجو وامتلأت الأرض بالجور حتى غصت! وهذه نماذج من أحاديث الطرفين:
في كمال الدين: 1/286، عن جابر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدي من ولدي، اسمه اسمي وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلْقاً وخُلُقاً، تكون له غيبة وحيرة تضل
فيها الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.
وفي كمال الدين: 1/287، عن أمير المؤمنين قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدي من ولدي، تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهم السلام) فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً). أي تكون له غيبة وتكون في أثنائها حيرة الأمم وضلالها. وذخيرة الأنبياء: مواريثهم من الكتب والعلم وغيرها، كما يأتي.
مسند أحمد: 3/37، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.. الخ. وسيأتي. ومسند أحمد: 3/17، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي، أجلى أقنى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت قبله ظلماً)... الخ.
3 - استغلال رواة الخلافة أحاديث الفتن!
أجمع المسلمون على أن النبي (صلى الله عليه وآله) حذر أمته من الفتن الآتية بعده، فجاء بعض الصحابة والرواة وطبقوها على هواهم فصارت أحاديث الفتن (فتنة)! وصار علينا أن نبحث عن رأي أهل البيت (عليهم السلام) للنجاة منها!
مثلاً أخذ أبو موسى الأشعري يثبِّط أهل الكوفة عن الانضمام إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في حرب الجمل مع طلحة والزبير وعائشة.
واختلف النعمان بن بشير الأنصاري والضحاك بن قيس الفهري وهما وزيرا معاوية مع بني أمية بعد موت يزيد بن معاوية، وبايعا ابن الزبير وحشدا جيشاً لمحاربة الأمويين، وكان الضحاك والياً على دمشق والنعمان على حمص، فحاربهما مروان وقبائل كلب الشامية وقتلوهما واستعادوا السيطرة على الشام!
وكان أبو هريرة مع معاوية ضد علي (عليه السلام) ثم مع بني مروان، ثم كان يروي في آخر عمره لعن النبي (صلى الله عليه وآله) لهم وتحذيره من فتنة أغيلمة قريش وحكم الصبيان!
ومن نماذج هذه الأحاديث: الطيالسي/108، عن النعمان بن بشير، وفي ابن أبي شيبة: 11/19، عن أبي موسى قال النبي (صلى الله عليه وآله): إن بين يدي الساعة فتناً كأنها قطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً. يبيع أقوام فيها خَلاقَهم بعرض من الدنيا قليل). وأحمد: 2/303 و372 ومسلم: 1/110، والترمذي: 4/487، عن أبي هريرة، والطبراني، الكبير: 8/357، والحاكم: 3/525، وحلية الأولياء: 10/170، وابن المبارك/152، عن النعمان بن بشير). والخَلاق: النصيب. والعرَض: المتاع، والمقصود به الثمن القليل. ومعنى يصبح مؤمناً ويمسي كافراً: أنه يُغيِّر ولاءه من الحق إلى الباطل، أو يقبل الضلال.
ملاحظات
أولاً، طبق رواة هذا الحديث وأمثاله على فتنة حرب الجمل مع أن تعبيرهم: (إن بين يدي الساعة)! وتعبير أبي موسى في ابن أبي شيبة: (تكون في آخر الزمان)! وهذا يدلك على أنهم كانوا يتصورون أن عصرهم آخر الزمان وبين يدي الساعة. وقد وصف الحسن البصري الذين سقطوا في الفتن وباعوا دينهم فقال: (والله لقد رأيتهم صوراً ولا عقول، أجساماً ولا أحلام، فراش نار وذبان طمع، يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين، يبيع أحدهم دينه بثمن عنز). (حلية الأولياء: 10/170).
ثانياً، طبقوا السقوط في الفتنة والكفر على البيعة: ففي الطبقات: 7/410، أن الضحاك بن قيس كتب إلى قيس بن الهيثم حين مات يزيد بن معاوية: سلام عليك، أما بعد فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الدخان، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع أقوام خلاقهم ودينهم بعرض من الدنيا، وإنَّ يزيد بن معاوية مات وأنتم إخواننا وأشقاؤنا، فلا تسبقونا حق نختار لأنفسنا).
ومعناه أنهم كانوا يرون أن بيعة بني أمية كفر!
ثالثاً: إن أحاديثهم في الموقف من الفتنة عن أبي موسى الأشعري وأبي بكرة والضحاك وابن النعمان وأبي هريرة وسعد وحذيفة، متناقضة تماماً، فمنها ما يحرم القتال مطلقاً ويجعل الطرفين فيه من أهل النار، ومنها ما يوجب اتباع الجمهور أو الخليفة، ومنها ما يوجب اتباع الإمام العادل، ومنها ما يوجب قتال الفئة الباغية عملاً بقوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخرى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). (الحجرات: 9).
ففي مرقاة المفاتيح: 9/279، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: فكسِّروا فيها قِسِيَّكم وقطِّعوا فيها أوتاركم وأخربوا سيوفكم بالحجارة فإن دُخل على أحد منكم فليكن كخير ابني آدم)
وفي مسند الشاميين: 1/222: (فكيف نصنع يا رسول الله؟ قال: تكسر يدك! قلت: فإن انجبرت؟ قال: تكسر الأخرى! قلت: فإن انجبرت؟ قال: تكسر رجلك! قلت: فإن انجبرت؟ قال: تكسر الأخرى! قلت: حتى متى؟ قال: تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية)!
وفي مستدرك الحاكم: 4/440، عن أبي بكرة أخ زياد بن أبيه: فإذا نزلت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ومن كان له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه. فقال له رجل: يا رسول الله أرأيت إن لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال فليأخذ حجراً فليدق به على حد سيفه ثم لينج إن استطاع النجاة. ثم قال: اللهم هل بلغت ثلاثاً، فقال رجل: يا رسول الله أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إلى أحد الفئتين فيرميني رجل بسهم أو يضربني بسيف فيقتلني؟ قال يبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النار قالها ثلاثاً). وفي الحاكم: 3/320: (والقائم فيها خير من الماشي والماشي خير من الراكب قتلاها كلها في النار). وقال في الزوائد: 7/302: قلت: رواه أحمد بإسنادين ورجال أحدهما ثقات). انتهى. وستأتي رواية بخاري.
رابعاً: هذا الحديث هو أشهر حديث في مصادرهم في الفتن، ومن الملفت أن
رواته كلهم أو جلهم من أعداء علي (عليه السلام)! وأول من رواه منهم أبو موسى الأشعري لتثبيط المسلمين! ولفظه المشهور ما رواه أحمد: 4/416: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسى كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي! فاكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا بسيوفكم الحجارة، فإن دخل على أحدكم بيته فليكن كخير ابني آدم). أي كهابيل الذي تحمَّل القتل ولم يبسط يده لأخيه! ونحوه: نعيم بن حماد: 1/30، و/61، و/171، و187 وابن ماجة: 2/1310، وأبو داود: 2/305، والحاكم: 4/555، وسنن البيهقي: 8/191، وابن أبي شيبة: 7/215 و: 8/593، والإصابة: 7/261، وتعجيل المنفعة/511، والطبراني الأوسط: 2/65، و: 8/257، وصححه الألباني في إرواء الغليل: 8/102. مع أنه يحكم على الطرفين باستحقاق النار، وينافي القرآن!
أما بخاري فرواه في صحيحه: 4/177، وفي: 8/91، عن أبي هريرة، تحت عنوان: باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، ثم عقد عنواناً: باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما، وروى فيه قصة أخ الحسن البصري مع أبي بكرة أخ زياد بن أبيه، قال: (خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال أين تريد قلت: أريد نصرة ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: قال رسول الله: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار! قيل فهذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه). انتهى.
وتغافل بخاري عن حديث أبي بكرة أخ زياد بن أبيه عندما نهى أخ الحسن البصري أن يتوجه إلى حرب الجمل إلى جانب علي (عليه السلام) (فقال: إلى أين؟ قال: إلى علي: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ستكون بعدي فتنة النائم فيها خير من القاعد والقاعد فيها خير من النائم، فلزمت بيتي. فلما كان بعد ذلك لقيت جارية بن عبد الله وأبا سعيد فقالا: أين كنت أمس؟ فحدثتهما بما قال أبو بكرة فقالا: لعن الله أبا بكرة أساء سمعاً فأساء إجابة! إنما قال النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي موسى: تكون بعدي فتنة أنت فيها نائم خير منك قاعد وأنت فيها قاعد خير منك ساع). انتهى.
فقد شهد هذان الصحابيان الجليلان وشهد عمار بن ياسر كما روى في الغارات: 2/918، عندما أرسله علي (عليه السلام) إلى الكوفة: (فقال: يا أبا موسى لمَ تُثَبِّط الناس عنَّا؟ فوالله ما أردنا إلا الإصلاح ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء! فقال: صدقت بأبي أنت وأمي ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الراكب. فغضب عمار وساءه وقام وقال: يا أيها الناس، إنما قال له خاصة: أنت فيها قاعداً خير منك قائماً). انتهى. ومثله الطبري في تاريخه: 3/497.
أقول: أمعن أبو موسى الأشعري في عدائه لأمير المؤمنين (عليه السلام) مع أنه أقره والياً على الكوفة! وحرف حديث النبي (صلى الله عليه وآله) فواجهه عمار وشهد أنه من أهل ليلة العقبة الذين تآمروا لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) وعزله الإمام (عليه السلام) وسماه سامري الأمة! وفي صفين أجبر الخوارج الإمام (عليه السلام) أن يجعله حكماً يمثلهم لأنه يماني!
وقد اعترف أبو موسى على نفسه بأن النبي (صلى الله عليه وآله) وصفه بأنه مُضِلّ! روى في مناقب آل أبي طالب: 2/363، عن ابن مردويه بأسانيده: (عن سويد بن غفلة أنه قال: كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالين ضلَّ من اتبعهما ولا تنفك أموركم تختلف حتى تبعثوا حكمين يضلان ويضل من تبعهما! فقلت: أعيذك بالله أن تكون أحدهما! قال: فخلع قميصه فقال: برأني الله من ذلك كما برأني من قميصي). ونحوه في شرح النهج: 13/507. وفي تاريخ اليعقوبي: 2/190: فقال سويد: لربما كان البلاء موكلاً بالمنطق. ولقيته بعد التحكيم فقلت: إن الله إذا قضى أمراً لم يغالب)!
خامساً: مع أن أتباع بني أمية لم يستطيعوا أن يحددوا الفتنة والفئة الباغية، وتناقضوا في حكم قتال البغاة، فحللوه لأعداء علي (عليه السلام) وحرموه عليه! وغرسوا في أذهان المسلمين أن قتل عثمان فتنة وقع فيها الصحابة كلهم! وحرفوا لذلك روايات
الفتن ونسجوا عليها أضعافاً لخدمة عثمان ومعاوية ويزيد، وأعداء أهل البيت (عليهم السلام)، فكان عملهم هذا واحدةً من فتن أئمة الضلال التي حذر منها النبي (صلى الله عليه وآله).
والذي يدخل في غرضنا هو الفتن المتصلة بظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد ذكرنا طرفاً من تحريفهم لأحاديث الفتن لأنه ينفع في فهمها.
4 - أهل البيت (عليهم السلام) أمان الأمة وسفينة النجاة من الفتن
تواترت أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) التي وصف فيها أهل بيته (عليهم السلام) بأنهم سفينة النجاة لهذه الأمة من الفتن والضلال، وصحح الجميع حديث (صلى الله عليه وآله): مَثَلُ أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق!
قال الصدوق رحمه الله في الاعتقادات/94: (واعتقادنا فيهم (عليهم السلام): أنهم أولوا الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم، وأنهم الشهداء على الناس، وأنهم أبواب الله، والسبيل إليه، والأدلاء عليه، وأنهم عيبة علمه، وتراجمة وحيه، وأركان توحيده، وأنهم معصومون من الخطأ والزلل، وأنهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأن لهم المعجزات والدلائل، وأنهم أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، وأن مثلهم في هذه الأمة كسفينة نوح أو كباب حطة، وأنهم عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون). وفي الخصال/573: (يا علي، مثلك في أمتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق. وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1/30: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها زج في النار. وفي دعائم الإسلام: 1/80: من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق).
وفي كفاية الأثر/29، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء. قيل: يا رسول الله فالأئمة بعدك من أهل بيتك؟ قال: نعم الأئمة بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين أمناء معصومون، ومنا مهدي هذه الأئمة، ألا إنهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي
ما بال أقوام يؤذونني فيهم، لا أنالهم الله شفاعتي). (وعلل الشرائع: 1/123، وكمال الدين/205).
وروى الجميع أن أبا ذر رحمه الله كان يأخذ بحلقة الكعبة ويخطب في المسلمين هذه الخطبة، ففي الطبراني الكبير: 3/46، والأوسط: 4/9، و: 5/306، والصغير: 1/139 و: 2/22: (عن حنش بن المعتمر قال: رأيت أبا ذر الغفاري أخذ بعضادتي باب الكعبة وهو يقول: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: مَثَلُ أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك، ومثل باب حطة في بني إسرائيل). وابن أبي شيبة: 7/503، ومجمع الزوائد: 9/168، وشواهد التنزيل: 1/360، وتاريخ بغداد: 12/90، وإكمال الخطيب/59، وذكر طرقه وصححه. وسبل الهدى: 11/11، ونقل عن السخاوي تقويته... إلى آخره.
وقد بحث السيد الميلاني في نفحات الأزهار: 1/60، طرقه عندهم وأثبت صحته عندهم على اختلاف مذاهب علمائهم، وكشف المكابرين في إنكاره الذين يصابون بالصداع إذا ثبتت صحته! وقال الشيخ الصافي في أمان الأمة من الاختلاف/171: (روى أحاديث الأمان بطرق كثيرة وألفاظ متقاربة، جمع كثير من أعلام أهل السنة عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وأنس وأبي سعيد الخدري وجابر وأبي موسى وابن عباس وسلمة بن الأكوع... قال ابن حجر: الآية السابعة(من الآيات الواردة في أهل البيت (عليهم السلام)) قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)، أشار (صلى الله عليه وآله) إلى أنه وجد ذلك المعنى في أهل بيته (عليهم السلام) وأنهم أمان لأهل الأرض كما كان هو (صلى الله عليه وآله) أماناً لهم، وفي ذلك أحاديث كثيرة). انتهى.
لكن تعال انظر إلى كبير مفسريهم الفخر الرازي، كيف تحايل على هذا الحديث ليفرغه من معناه! قال في تفسيره: 27/167: (والحاصل أن هذه الآية (آية المودة) تدل على وجوب حب آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحب أصحابه! وهذا المنصب لا يسلم إلا على قول أصحابنا أهل السنة والجماعة الذين جمعوا بين حب العترة والصحابة،
وسمعت بعض المذكرين قال إنه (صلى الله عليه وآله) قال: مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا، وقال: (صلى الله عليه وآله) أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. ونحن الآن في بحر التكليف، وتضربنا أمواج الشبهات والشهوات، وراكب البحر يحتاج إلى أمرين: أحدهما، السفينة الخالية عن العيوب والثقب. والثاني، الكواكب الظاهرة الطالعة النيرة، فإذا ركب تلك السفينة ووقع نظره على تلك الكواكب الظاهرة كان رجاء السلامة غالباً، فكذلك ركب أصحابنا أهل السنة سفينة حب آل محمد ووضعوا أبصارهم على نجوم الصحابة فرجوا من الله تعالى أن يفوزوا بالسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة). انتهى.
فجعل الرازي سند حديث: أهل بيتي كسفينة نوح، قولَ واعظٍ مُذَكِّر! وجعل أصحابي كالنجوم حديثاً نبوياً صحيحاً قطعياً! مع أن كبار علمائهم حكموا بوضعه! ولا بد أنه يعرف صحة حديث سفينة نوح، وشهادة علمائهم بأن حديث: أصحابي كالنجوم، مكذوبٌ! لكنه التعصب والتزوير! قال ابن حزم في الأحكام: 6/810: (وأما الرواية: أصحابي كالنجوم فرواية ساقطة ثم ذكر سندها وقال: وسلام بن سليمان يروي الأحاديث الموضوعة وهذا منها بلا شك). وفي تحفة الأحوذي: 10/125: (قال أبو بكر البزار: هذا الكلام لم يصح عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وقال ابن حزم: هذا خبر مكذوب موضوع باطل). انتهى. لكنهم كالرازي يجعلون أهل البيت (عليهم السلام) سفينةً في بحر لا تهدي من ركب فيها! والصحابة نجوماً في السماء تهدي ركاب سفينة غيرهم!
5 - اختلاف الروايات في عدد الفتن في هذه الأمة
اختلفت الأحاديث والأقوال في عدد الفتن الموعودة في هذه الأمة، لكن ذلك لا يضرُّ غرض بحثنا الذي هو معرفة الفتنة الأخيرة المتصلة بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وقد ذكرنا غيرها ليعرف القارئ جو نصوصها ورواتها ويتخطى حرفية كل حديث ويصل إلى المعنى الذي صدر عن النبي (صلى الله عليه وآله) من مجموعها.
وقد عدَّت بعض النصوص الفتن ثلاثاً:
ففي تاريخ ابن معين: 1/317: (عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أتتكم الدهيماء ترمى بالنشف، والثانية ترمى بالرضف، والثالثة سوداء مظلمة إلى يوم القيامة قتلاها قتلى الجاهلية). وفي ابن حماد: 1/234: عن كعب قال: ثلاث فتن تكون بالشام: فتنة إهراقة الدماء، وفتنة قطع الأرحام ونهب الأموال، ثم يليها فتنة المغرب وهي العمياء).
وفيه: 1/57، عن حذيفة: الفتن ثلاث تسوقهم الرابعة إلى الدجال: التي ترمي بالرضف، والتي ترمي بالنشف، والسوداء المظلمة والتي تموج موج البحر). والحلية: 1/273.
وفيه: 1/57: (عن كعب قال: تكون فتن ثلاث كأمسكم أنه الذاهب: فتنة تكون بالشام، ثم الشرقية هلاك الملوك، ثم تتبعها الغربية وذكر الرايات الصفر. قال والغربية هي العمياء). وعقد الدرر/52. ومعنى كأمسكم الذاهب: أنها حتمية كأمسكم الذي حدث وتحقق. والرضَف: الحجارة المحماة فكأن الذي تصيبه يجلس عليها، والنشَف: البلل فكأن الذي تصيبه مبلل الثياب. وأكثر الروايات قدمت فتنة النشف على الرضف وطبقتها على قتل عثمان.
ومقصود الراوي بالفتنة الغربية والرايات الصفر التي ذكرها كعب: حركة الفاطميين لأنهم أقبلوا من مغرب العالم الإسلامي إلى مصر وغيرها. وهذا يوجب الشك في أن الرواية مكذوبة على كعب ضد حركة الفاطميين التي يسميها أعداؤها: فتنة المغرب. وكانت راياتهم صفراء كراية الأنصار، وقد ورد في رواية في تذكرة القرطبي أن رايات الإمام المهدي (عليه السلام) فيها رايات صفر، وتمسك بها بعض إخواننا لرايات المقاومة.
وأنت تلاحظ أن هذه النصوص ليست أحاديث، بل أقوال لكعب وأبي هريرة وحذيفة، فقد كان المسلمون يهتمون بأي كلام للصحابة في الفتن خاصة كلام حذيفة المعروف بأنه موضع سر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان يعرف اسماء المنافقين وأخبار الفتن. بل لعل الرواية كانت لأبي هريرة ونسبوها إلى حذيفة! ونسبتها إليه مصادر اللغة في تفسير الرضف والنشف والدهيماء، أي الفتنة العظيمة التي تدهم الناس. (الفايق في غريب الحديث: 1/389، والعين للخليل: 6/267، وغريب الحديث لابن سلام: 4/124، وغريب الحديث للحربي: 2/808، ولسان العرب: 12/211).
لهذا، لا قيمة علمية لهذه الأقوال قليلة، مضافاً إلى توظيفها لفتن ذلك العصر كما تقدم من أبي موسى، ويزداد ما قلناه وضوحاً بما رواه في تاريخ دمشق: 39/478: (عن زيد بن وهب قال: جاءنا كتاب من عثمان قرئ على الناس: السلام عليكم أما بعد فإن جيش ذي المروة نزلوا بنا فكان مما صالحناهم عليه أن يؤدي إلى كل ذي حق حقه فمن كان له قبلنا حق فليركب إليه، فإن أبطأ أو تثاقل فليتصدق فإن الله يجزي المتصدقين، فقال الناس: اللهم تصدقنا، فلبثنا أربعين ليلة ثم جاءنا قتله فجزع الناس من ذلك. فخرجت إلى صاحب لي كنت أستريح إليه فقلت: قد صنع الناس ما ترى وفينا رهط من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) فاذهب بنا إليهم، فدخلنا على أبي موسى وهو أمير الكوفة فكان قوله نهياً عن الفتنة والأمر بالجلوس في البيوت، فخرجنا فأتينا منزل حذيفة فلم نجده فأتينا المسجد فوجدناه مسنداً ظهره إلى سارية ومعه رجل فقلت: إني أظن أن له حاجة فجلسنا دونهما، فجاء رجل فجلس إليهما فقمنا فجلسنا إليه وهو عاض على إبهامه وهو يقول: أتتكم ترمى بالنشف، ثم يليها أخرى ترمى بالرضف، ثم المظلمة التي يصبح المرء فيها مهتدياً ويمسي ضالاً، ويمسي مهتدياً ويصبح ضالاً، والعاقل حيران بين ذلك لا يدري أضل أم اهتدى؟ ألا إن لها دفعات ومثاعب، فإن استطعت أن تموت أو تكون في وقفاتها فافعل! فقال الرجل الذي جلس إليه: جزاكم الله أصحاب محمد شراً، فوالله لقد لبَّستم علينا حتى ما ندري أنقعد أم نقوم، فهلا نهيت الناس يوم الجرعة (أيام اعتراض أهل الكوفة على عثمان) قال: قد نهيت عنها نفسي وابن الخضرامة ولو لم أنهه لكان من القائمين فيها والقائلين). انتهى. ويقصد الراوي: بالفتنة الأولى التي ترمى بالنشف فتنة قتل عثمان، والتي ترمي بالرضف فتنة الحروب على علي (عليه السلام)، والثالثة التي لها دفعات ومثاعب أي ميازيب تصب فيها: فتنة بني أمية وحروب الخوارج الطويلة معهم. وغرضه أن يثبت أن حذيفة رحمه الله كان ضد قتل عثمان وضد حروب علي (عليه السلام)! مع أن حذيفة رحمه الله كان والياً لعثمان على المدائن وأخبره بأنه إن استمر على سياسته فسيقتله
المسلمون، وعندما وصل اليه خبر مبايعة المسلمين لعلي (عليه السلام) فرح بذلك وكان مريضاً فقال إحملوني إلى المنبر وخطب مبيناً حق علي (عليه السلام) بالخلافة بوصية النبي (صلى الله عليه وآله) وظلم من غصب حقه، وأعلن بيعته له وأمر المسلمين أن يبايعوه، وأوصى ولديه أن يكونا معه ويحرصا على الشهادة بين يديه، وقد عملا بوصيته واستشهدا مع علي (عليه السلام) في صفين. ومات حذيفة رحمه الله بعد أيام في المدائن، بينما زعمت الرواية أنه كان في الكوفة، وهذا من مؤشرات الوضع!
ومن نوع الحديث المتقدم ما رواه ابن حماد: 1/53: (عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تكون فتنة ثم تكون جماعة، ثم فتنة ثم تكون جماعة، ثم فتنة تعوج فيها عقول الرجال). وقصده بالفتنة الأولى: قتل عثمان، وبالثانية: حروبهم على علي (عليه السلام)، وبالثالثة: فتنة بني أمية! وهو يتفق مع عقيدة الخوارج.
وبعض النصوص عدَّتها أربعاً:
ففي ابن حماد: 1/54، عن عمران بن حصين عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: تكون أربع فتن: الأولى يستحل فيها الدم، والثانية يستحل فيها الدم والمال، والثالثة يستحل فيها الدم والمال والفروج، والرابعة الدجال). والطبراني الكبير: 18/180، بنحوه وليس فيه: والرابعة الدجال مما يدلك على أصابع كعب! والأوسط: 8/109 و: 9/55، وحلية الأولياء: 6/23، عن كعب غير مسند. وجامع الجوامع: 1/481، عن نعيم، وجامع المسانيد: 9/434 والزوائد: 7/308، عن الطبراني وضعفه بابن لهيعة مع أن عدداً منهم وثقه. وعون المعبود: 11/207، عن ابن حماد.. وغيرهم.
وفي ابن حماد: 1/53: عن عبد الله قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تكون في أمتي أربع فتن يكون في الرابعة الفناء... في الإسلام أربع فتن تسلمهم الرابعة إلى الدجال).
وفي ابن حماد: 1/67: عن أبي هريرة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تأتيكم من بعدي أربع فتن، فالرابعة منها الصماء العمياء المطبقة تعرك الأمة فيها بالبلاء عرك الأديم، حتى ينكر فيها المعروف ويعرف فيها المنكر، تموت فيها قلوبهم كما تموت أبدانهم).
وفي: 1/55: قال أبو هريرة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربع فتن تكون بعدي، الأولى تسفك فيها
الدماء، والثانية يستحل فيها الدماء والأموال، والثالثة يستحل فيها الدماء والأموال والفروج والرابعة عمياء صماء تعرك فيها أمتي عرك الأديم).
وفي: 1/56: (والرابعة صماء عمياء مطبقة تمور مور الموج في البحر حتى لا يجد أحد من الناس منها ملجأ تطيف بالشام وتغشى العراق وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها وتعرك به الأمة فيها بالبلاء عرك الأديم ثم لا يستطيع أحد من الناس يقول فيها مه مه ثم لا يعرفونها من ناحية إلا انفتقت من ناحية أخرى.... ثم قال ابن حماد: قال أبو هريرة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) (الأنعام: 65) قال: أربع فتن تأتي الفتنة الأولى فيستحل فيها الدماء، والثانية يستحل فيها الدماء والأموال، والثالثة يستحل فيها الدماء والأموال والفروج، والرابعة عمياء مظلمة تمور مور البحر تنتشر حتى لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته... عن أرطاة بن المنذر قال: بلغنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: تكون في أمتي أربع فتن يصيب أمتي في آخرها فتن مترادفة، فالأولى تصيبهم فيها بلاء حتى يقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف، والثانية حتى يقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف، والثالثة كلما قيل انقضت تمادت، والفتنة الرابعة تصيرون فيها إلى الكفر إذا كانت الأمة مع هذا مرة ومع هذا مرة بلا إمام ولا جماعة، ثم المسيح ثم طلوع الشمس من مغربها، ودون الساعة اثنان وسبعون دجالاً منهم من لا يتبعه إلا رجل واحد. وعنه جمع الجوامع: 1/481).
أقول: هذه (الأحاديث) ليست إلا خيالات وأمنيات من كعب بقرب انتهاء هذه الأمة بخروج الدجال ملك اليهود! وقد صيرها الحمقى المؤمنون بكعب أحاديث نبوية! ويدل على كذبها أن الدجال الذي وعدت به لم يخرج، فقد انتهت فتنة ابن الزبير، وفتحت القسطنطينية بعد قرون، ولم يخرج الدجال!
ويدل على كذبها أيضاً ما رواه ابن حماد نفسه: 1/57: (عن عمير بن هانئ قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فتنة الأحلاس فيها حرب وهرب، وفتنة السراء يخرج دخنها من تحت قدمي رجل يزعم أنه مني وليس مني إنما أوليائي المتقون (يقصد عليا (عليه السلام)!) ثم
يصطلح الناس على رجل(يقصد معاوية) ثم تكون فتنة الدهيماء، كلما قيل انقطعت تمادت حتى لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته يقاتل فيها لا يدرى على حق يقاتل أم على باطل (يقصد فتنة ابن الزبير وغيره)، فلا يزالون كذلك حتى يصيروا إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا هما اجتمعا فأبصر الدجال اليوم أو غداً). ورواه مختصراً: 2/526. وغرضهم أن يقولوا إن حرب علي (عليه السلام) للبغاة الخارجين عليه (فتنة) يتحمل هو مسؤوليتها وإن النبي (صلى الله عليه وآله) تبرأ منه! فكان الواجب عليه برأيهم أن يسكت على الخارجين عليه حتى يأخذوا البلاد وينتصروا عليه! أما أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية فالخروج عليهم كفر عظيم! ومرتكبه باغ شاق لعصا المسلمين، ويجب عليهم أن يقاتلوه ليمنعوا الفساد في الأمة!
وقد رووا هذه (الأحاديث) وأكثروا منها، خاصة هذه العبارة المحببة إلى قلوبهم: (ثم فتنة السراء دَخْلها أو دُخْنُها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني، إنما وليي المتقون). فرواه أحمد: 2/133، عن عبد الله بن عمر، ولفظه: (كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) قعوداً فذكر الفتن فأكثر ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله وما فتنة الأحلاس؟ قال: هي فتنة هرب وحرب، ثم فتنة السراء دخلها أو دُخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني إنما وليي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضَلَع (عَرَج) ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة فإذا قيل انقطعت تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، حتى يصير الناس إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، وإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من اليوم أو غد). وأبو داود: 2/299، والحاكم: 4/466 وصححه، وحلية الأولياء: 5/158، ومسند الشاميين: 3/401 وعلل الحديث لابن أبي حاتم: 2/417 والدر المنثور: 6/56.. وغيرهم. ورواه في معالم السنن: 4/336، عن أبي داود وقال: إنما أضيفت الفتنة إلى الأحلاس لدوامها وطول لبثها، يقال للرجل إذا كان يلزم بيته لا يبرح منه هو حلس بيته، لأن الحلس يفترش فيبقى على المكان ما دام لا يرفع... والحَرَب
ذهاب المال والأهل، يقال حَرِب الرجل فهو حريب إذا سُلب أهله وماله، والدخن الدخان). والأحلاس: جمع حلس وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب، شبهت به الفتنة للزومها ولصوقها. صكته: ضربته مباشرة بشدة. وقعدت الحملان: أي حكم المسلمين الأطفال. واتخذ الفيء دِولا: احتكرت ثروات المسلمين بين فئة خاصة. ويفزع الناس إلى الشام: أي يهاجرون إلى بلاد الشام، أو يتطلعون إلى أهلها للدفاع عنهم! ويظهر أن هذه الفقرة إضافة من راوٍ أموي.
أقول: وأصل كل هذه الفرية ما رواه بخاري عن عمرو العاص أن النبي (صلى الله عليه وآله) أعلن براءته من آل أبي طالب! قال في صحيحه: 7/73: (عن قيس بن أبي حازم أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) جهاراً غير سر يقول: إن آل أبي (قال عمر وفي كتاب محمد بن جعفر بياض) ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين).
وقد حاول ابن متولي المدرسة الجوزية في كتابه زاد المعاد: 5/158، أن يرقع كلام بخاري فزعم أن النبي (صلى الله عليه وآله) يقصد بآل أبي... ليسوا لي بأولياء: آل أبيه (صلى الله عليه وآله)! لكن ابن حجر اعترف بأن أصل نص بخاري(آل أبي طالب) وحاول أن يرقِّع كلام بخاري من جانب آخر فقال في فتح الباري: 10/352: (وقال الخطابي: الولاية المنفية ولاية القرب والاختصاص لا ولاية الدين، ورجح ابن التين الأول وهو الراجح، فإن من جملة آل أبي طالب علياً وجعفراً وهما من أخص الناس بالنبي (صلى الله عليه وآله) لما لهما من السابقة والقدم في الإسلام ونصر الدين. وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث لما نسب إلى بعض رواته من النصب وهو الانحراف عن علي وآل بيته.... وأما عمرو بن العاص وإن كان بينه وبين علي ما كان فحاشاه أن يُتَّهم، وللحديث محمل صحيح لا يستلزم نقصا في مؤمني آل أبي طالب وهو أن المراد بالنفي المجموع كما تقدم ويحتمل أن يكون المراد بآل أبي طالب أبو طالب نفسه وهو إطلاق سائغ)!
وقال النووي في رياض الصالحين/204: (وعن أبي عبد الله عمرو بن العاص قال: سمعت النبي جهاراً غير سر يقول: إن آل أبي فلان ليسوا بأوليائي)!
وفي القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع للأصبهاني/150: (إن آل أبي
طالب ليسوا بأوليائي وإنما وليي الله وصالح المؤمنين). انتهى.
وقد استبشر النواصب بهذا الحديث واعتبروه إعلاناً نبوياً بالبراءة من علي والعترة (عليهم السلام)! وهو يدل على أمنيتهم أن يتراجع النبي (صلى الله عليه وآله) عن حديث الثقلين والصلاة على آل النبي (صلى الله عليه وآله) في الصلاة وعشرات الأحاديث في أمر المسلمين بطاعتهم! وأن ينسخ آيات القرآن في أهل البيت النبوي (عليهم السلام)!
قال ابن تيمية في منهاجه: 7/76: (كما ثبت في الصحيح أنه (صلى الله عليه وآله) قال: إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء وإنما وليي الله وصالح المؤمنين! فبيَّنَ أن أولياءه صالح المؤمنين، وكذلك في حديث آخر: إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين كانوا).
وقد طبَّلَ بذلك في كتبه، كفتاويه: 10/543، وتفسيره: 2/48، ومجموع الفتاوى: 11/164، و: 27/435، و: 28/227، و543، وجامع الرسائل/510 والفتاوى الكبرى: 4/353! ومن تلاميذه: ابن قيم في جلاء الأفهام/226، وابن رجب في جامع العلوم والحكم/347، وابن حجر في تغليق التعليق: 4/87. لكن الله تعالى كشف كذبهم، لأن حديثهم الموضوع تضمن الوعد بخروج الدجال في مدة قريبة بعد (فتنة علي (عليه السلام)) كما أملاه عليهم كعب الأحبار! بل رووا تحديد زمن الدجال بعد 45 سنة من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، ونسبوه إلى حذيفة رحمه الله! قال ابن حماد في الفتن: 2/686: (عن حذيفة قال: الفتن بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن تقوم الساعة أربع فتن: فالأولى خمس(يقصد خلافة علي (عليه السلام) وكانت خمس سنوات!) والثانية عشرون، والثالثة عشرون، والرابعة الدجال). انتهى. وقد ثبت كذبهم والحمد لله!
وبعض النصوص عدَّتها خمساً:
في علل الحديث لابن أبي حاتم: 2/411: (عن عمارة بن عبيد شيخ من جثعم كبير قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يذاكرنا خمس فتن، أعلم أربعة قد مضت والخامسة هي فيكم يا أهل الشام، وذاك عند هزيمة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، قال: إن
أدركت الخامسة واستطعت أن تقعد في بيتك فافعل، وإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض فتدخل فيه فافعل).
وفي ابن حماد: 1/51: (عن حزن بن عبد عمرو، قال: دخلنا أرض الروم في غزوة الطوانة فنزلنا مرجاً فأخذت أنا برؤس دواب أصحابي فطولت لها فانطلق أصحابي يتعلفون، فبينا أنا كذلك إذ سمعت: السلام عليك ورحمة الله فالتفت فإذا أنا برجل عليه ثياب بياض فقلت: السلام عليك ورحمة الله فقال: أمن أمة أحمد؟ قلت: نعم، قال: فاصبروا فإن هذه الأمة أمة مرحومة كتب الله عليها خمس فتن وخمس صلوات. قال قلت: سمِّهِنَّ لي. قال أمْسِكْ: إحداهن موت نبيهم واسمها في كتاب الله تعالى بغتة، ثم قتل عثمان واسمها في كتاب الله الصماء، ثم فتنة ابن الزبير واسمها في كتاب الله العمياء، ثم فتنة ابن الأشعث واسمها في كتاب الله البتيراء، ثم تولى وهو يقول: وبقيت الصيلم وبقيت الصيلم، فلم أدر كيف ذهب). انتهى.
والطوانة: قرب أنطاكية داخل بلاد الروم، تراوح حكمها بين المسلمين والروم وأصاب المسلمين فيها شدة وهزيمة سنة 88 هجرية. (تاريخ ابن عساكر: 26/444).
وابن الأشعث هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، وكان الأشعث رأس المنافقين في عهد علي (عليه السلام) وتاريخه مليءٌ بالغدر والنفاق، فقد جاء في وفد كندة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وأعلن إسلامه، ثم ما لبث أن أعلن ارتداده مع بني وليعة فأسره المسلمون وطلب منهم أن يأخذوه إلى أبي بكر فأطلقه وأكرمه وزوجه أخته! ثم ندم أبو بكر لأنه لم يقتله! فقد روى اليعقوبي: 2/137، أنه كان يتحسر في مرض وفاته على أشياء يتمنى أنه لم يفعلها منها هجومه على بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وأشياء ليته فعلها منها قتل الأشعث قال: (فليتني قدمت الأشعث بن قيس تضرب عنقه، فإنه يخيل إليّ أنه لا يري شيئاً من الشر إلا أعان عليه)! انتهى.
وكان الأشعث عدواً لأمير المؤمنين (عليه السلام) بأشد من عداوة ابن سلول للنبي (صلى الله عليه وآله). قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن الأشعث بن قيس شَرِكَ في دم أمير المؤمنين، وابنته جعدة
سمَّت الحسن، ومحمد ابنه شرك في دم الحسين (عليهم السلام)). (الكافي: 8/167).
وكان الأشعث عميلاً لمعاوية، وبعد هلاكه صار ولده محمد وابنه عبد الرحمن رئيس قبائل كندة وكانا مع معاوية ثم مع يزيد، ثم خرج عبد الرحمن على المروانيين في البصرة وجنوب إيران، وطالت حروبه معهم حتى قتله عبد الملك بن مروان. فحركته محدودة في المكان والزمان، ولا يصح أن تكون فتنة للأمة كلها، لكن يظهر أن الراوي بصري أو أهوازي فعدَّها من الفتن الخمس الموعودة، وتخيل هذا الهاتف يكلمه في مرج الطوانة.
والنص الوحيد الذي يستحق الاهتمام في هذا الباب، هو الحديث الذي رواه ابن حماد: 1/51: (عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: جعل الله في هذه الأمة خمس فتن: فتنة عامة، ثم فتنة خاصة، ثم فتنة عامة، ثم فتنة خاصة ثم الفتنة السوداء المظلمة التي يصير الناس كالبهائم، ثم هدنة، ثم دعاة إلى الضلالة فإن بقي لله يومئذ خليفة فألزمه). ورواه عبد الرزاق: 11/356، بلفظ: (جعلت في هذه الأمة خمس فتن: فتنة عامة، ثم فتنة خاصة، ثم فتنة عامة، ثم فتنة خاصة. ثم تأتي الفتنة العمياء الصماء المطبقة التي يصير الناس فيها كالأنعام).
ومثله ابن أبي شيبة: 15/24، والحاكم: 4/437 و504، وصححه في الموضعين، وابن المنادي/75، عن محمد بن علي بن الحنفية بن أبي طالب.
ويصعب تفسير معنى الخاص والعام في هذه الفتن، وأصعب منه تحديد زمنها.
وجعلتها بعض النصوص سبعاً:
فتن ابن حماد: 1/55: (عبد الله بن مسعود: قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله): أحذركم سبع فتن تكون بعدي: فتنة تقبل من المدينة، وفتنة بمكة، وفتنة تقبل من اليمن وفتنة تقبل من الشام، وفتنة تقبل من المشرق، وفتنة من قبل المغرب، وفتنة من بطن الشام، وهي فتنة السفياني. قال فقال ابن مسعود: منكم من يدرك أولها، ومن هذه الأمة من يدرك آخرها. قال الوليد بن عياش: فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير، وفتنة
مكة فتنة ابن الزبير، وفتنة اليمن من قبل نجدة، وفتنة الشام من قبل بني أمية، وفتنة المشرق من قبل هؤلاء). والحاكم: 4/468، وصححه، وجامع الأحاديث للسيوطي: 1/137.
أقول: لو صح حديث ابن مسعود فلا بد أنه رواه قبل قتل عثمان لأنه توفي في حياة عثمان! ويكفي لإهمال هذا الحديث إجماله وإبهامه، وتوظيف الوليد بن عياش له! وقوله من قبل هؤلاء، يقصد العباسيين.
6 - الفتن المتصلة بظهور المهدي (عليه السلام)
وهي التي تضمَّنَ نصها صراحة أو بقرائن، أن زمنها متصل بظهور الإمام المهدي (عليه السلام). وأحاديثها كثيرة، منها:
حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم!
روى عبد الرزاق: 11/371، عن أبي سعيد الخدري قال: (ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلا صبته مدراراً، ولا تدع الأرض من مائها شيئاً إلا أخرجته، حتى تتمنى الأحياء الأموات. يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمان أو تسع سنين). وابن حماد: 1/358، بدون الفقرة الأخيرة عن مدة ملكه (عليه السلام). والحاكم: 4/465 بنحو عبد الرزاق وصححه. وعنه ابن حجر في صواعقه، وتذكرة القرطبي: 2/700 عن عبد الرزاق، وشرح المقاصد: 1/307، أوله كعبد الرزاق، وقال: فذهب العلماء إلى أنه إمام عادل من ولد فاطمة (رضي الله عنها) يخلقه الله تعالى متى شاء ويبعثه نصرة لدينه. والدر المنثور: 6/58، عن الترمذي ونعيم. وصواعق ابن حجر/63، عن الحاكم.. الخ.
أقول: هذا الحديث من أوضح أحاديث الفتن، وهو ينص على أن الفتنة الأخيرة تَعُمُّ كل المسلمين وتمتدُّ حتى يظهر المهدي (عليه السلام)، كما يتضمن دلالات على المسار العام للأمة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى ظهور المهدي (عليه السلام).
يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل
أحمد: 3/37، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً، فقال
له رجل ما صحاحاً؟ قال بالسوية بين الناس، قال: ويملأ الله قلوب أمة محمد غنى ويسعهم عدله حتى يأمر منادياً فينادي فيقول: من له من مال حاجة فما يقوم من الناس إلا رجل فيقول إئت السدان يعني الخازن فقل له إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً فيقول له أحثُ حتى إذا جعله في حجره وأحرزه ندم فيقول كنت أجشع أمة محمد نفساً، أوَ عجز عني ما وسعهم! قال فيرده فلا يقبل منه فيقال له إنا لا نأخذ شيئاً أعطيناه، فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين، ثم لا خير في العيش بعده، أو قال ثم لا خير في الحياة بعده). انتهى. والمقصود بالزلازل: الاجتماعية منها بقرينة ذكرها بعد اختلاف الناس. صحاحاً: أي كاملة. أحْثُ: أي خذ منه بغير عد. الجشع: الحرص والنهم. ورواه بنحوه في/52، وملاحم ابن المنادي/42، بتفاوت يسير. ومجمع الزوائد: 7/313، وقال: رواه الترمذي وغيره باختصار كثير، رواه أحمد بأسانيد، وأبو يعلي باختصار كثير ورجالهما ثقات. والدر المنثور: 6/57، عن رواية أحمد الأولى، وصواعق ابن حجر/166، كرواية أحمد الثانية، وقال: وأخرج أحمد والماوردي. والمسند الجامع: 6/520، عن أبي سعيد الخدري بنحوه.. إلى آخر المصادر.
ورواه من مصادرنا: دلائل الإمامة/249، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أبشروا بالمهدي فإنه يأتي في آخر الزمان على شدة وزلازل، يسع الله له الأرض عدلاً وقسطاً. وفي/252، عن أبي سعيد الخدري، بنحو حديث أحمد.
وغيبة الطوسي/111، عن أبي سعيد الخدري، أوله كرواية أحمد الأولى إلى قوله: وساكن الأرض. ثم روى بالسند المتقدم: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أبشروا بالمهدي، قال ثلاثاً، يخرج على حين اختلاف من الناس وزلزال شديد، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يملأ قلوب عباده غنى ويسعهم عدله). وابن طاووس في الملاحم/65، وكشف الغمة: 3/261، عن فتن ابن زكريا، كرواية أحمد الأولى.
أقول: يظهر لك من روايتي الطوسي والطبري الشيعي أن رواية أبي سعيد أضيف إليها. والإضافة والحذف في مثلها عاديان عند رواة الخلافة!
يكون على تظاهر العمر وانقطاع من الزمان
أبو يعلى: 2/356: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يكون في آخر الزمان على تظاهر العمر وانقطاع من الزمان إمام يكون أعطى الناس، يجيئه الرجل فيحثو له في حجره، يهمه من يقبل عنه صدقة ذلك المال ما بينه وبين أهله، لما يصيب الناس من الخير). وابن الجعد في مسنده: 2/795، وقال السيوطي في الحاوي: 2/63: أخرج أبو يعلى، وابن عساكر، عن أبي سعيد، بتفاوت يسير. وجمع الجوامع: 1/1012، عن حلية الأولياء، وابن عساكر، عن أبي سعيد، كما في الحاوي.
وفي ابن حماد: 1/361، وبعدها، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن، يكون عطاؤه حثياً يقال له السفاح). حثياً: مقداراً كثيراً يعطيه دون عد، أو يقول للآخذ: أُحْثُ أنت أي إحمل مقداراً كما في بعض الأحاديث، وفي بعض الروايات حسياً بالسين وهو قريب منه، ولعله مصحف عنه. والسفاح: سفاك الدماء.
أقول: ورد اسم السفاح صفة للمهدي (عليه السلام) في أحاديث من طرق الفريقين، ومعناه أنه يسفح دم أعداء الإسلام والمنافقين، لكني أشك في صحة هذه التسمية من النبي (صلى الله عليه وآله)، فقد تكون من الرواة العباسيين لينطبق على أول خلفائهم السفاح. ويؤيد ذلك أن عدداً من مصادرهم رووه بدونها، كابن أبي شيبة: 15/196 أو: 8/678، كابن حماد وبسنده وليس فيه ذكر السفاح، وتاريخ دمشق: 32/279، بروايات بعضها بدون زيادة السفاح. بينما رواه بالزيادة أحمد: 3/80، والبيهقي في دلائل النبوة: 6/514، عن الحاكم، ولم نجده في المستدرك! والخطيب: 10/48، ومجمع الزوائد: 7/314، وقال رواه أحمد وفيه: عطية العوفي وهو ضعيف ووثقه ابن حبان. وروته بعض مصادرنا عن مصادر غيرنا كابن طاووس في الملاحم/166، عن فتن زكريا، وكشف الغمة: 3/262، عن أربعين أبي نعيم.
إذا كثرت الشرط، وملكت الإماء
الطبراني الكبير: 18/51، عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (كيف أنت يا عوف إذا افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وسائرهن في النار! قلت: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا كثرت الشرط، وملكت الإماء، وقعدت الحملان على المنابر، واتخذ القرآن مزامير، وزخرفت المساجد، ورفعت المنابر، واتخذ الفيء دولاً، والزكاة مغرماً، والأمانة مغنماً، وتفقه في الدين لغير الله، وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه وأقصى أباه، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل اتقاء شره. فيومئذ يكون ذلك، ويفزع الناس يومئذ إلى الشام يعصمهم من عدوهم، قلت: وهل يفتح الشام؟ قال: نعم وشيكاً، ثم تقع الفتن بعد فتحها، ثم تجيء فتنة غبراء مظلمة، ثم يتبع الفتن بعضها بعضها حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي، فإن أدركته فاتبعه وكن من المهتدين). ومجمع الزوائد: 7/323، ووثقه على مبنى ابن حبان، وكنز العمال: 11/183.
ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت!
ابن حماد: 1/57، عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ستكون بعدي فتن: منها فتنة الأحلاس يكون فيها حرب وهرب، ثم بعدها فتن أشد منها، ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت، حتى لا يبقى بيت إلا دخلته ولا مسلم إلا صكته، حتى يخرج رجل من عترتي). والمعجم الأوسط: 5/338، عن طلحة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلا جاش منها جانب، حتى ينادي مناد من السماء إن أميركم فلان). ومجمع الزوائد: 7/316.
أقول: يتعجب الإنسان من رواية طلحة بن عبيد الله لحديث النداء السماوي باسم المهدي (عليه السلام) أو روايتهم عنه، مع أن المهدي (عليه السلام) من العترة النبوية من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام) وموقف طلحة من علي والعترة معروف! لكن يزول العجب عندما نعرف أن بني تيم كانوا يعملون للوصول إلى الخلافة بعد أبي بكر، ثم بعد عمر وعثمان،
وما زالت رواية عائشة في صحيح مسلم تزعم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لها إدعي لي أباك وأخاك لأكتب لهما الخلافة بعدي! (عن عائشة قالت قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه: أدعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل أنا أولى)! (صحيح مسلم: 7/110).
ثم تنازلت عائشة عن النص النبوي بالخلافة لأبيها وأخيها، وأرادت الخلافة لابن عمها طلحة التيمي فلم تنجح، ثم ادعى أنصار طلحة أن ولده موسى بن طلحة هو المهدي الموعود، فلم يملأ الدنيا عدلاً! فالحديث إذن في هذا السياق!
أشر الفتن كلها تكون قبل ظهوره (عليه السلام)!
سنن الداني/161، عن محمد بن علي قال قلت: سمعنا أنه سيخرج منكم رجل يعدل في هذه الأمة؟ فقال: إنا نرجو ما يرجو الناس، وإنا نرجو لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد سيطول ذلك اليوم حتى يكون ما ترجو هذه الأمة. وقبل ذلك فتنة شر فتنة يُمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً! فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله وليحرز دينه وليكن من أحلاس بيته) وعنه عقد الدرر/61، و151، والحاوي: 2/81.
7 - فتنة كنز الكعبة وجبل الذهب في مجرى الفرات
روت مصادر السنيين أحاديث عديدة صحيحة عن نزاع يقع بين أسر حاكمة أو أفراد أسرة واحدة، على كنز مدفون في بئر تحت الكعبة، وأنه يكون على أثره ظهور المهدي (عليه السلام)، وروت فيه مصادرنا رواية واحدة فقط.
كما رووا عن نزاع يقع على جبل من ذهب ينحسر عنه مجرى الفرات، ويقع عليه قتال بين عدة فئات ولا يصلون إليه، ويكون على أثره ظهور المهدي (عليه السلام)، ولم ترد فيه أي رواية في مصادرنا. وقد اختلطت أحاديث هذين الكنزين عند بعضهم:
ابن ماجة: 2/1367، عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يقتتل عند كنزكم ثلاثة
كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم، ثم ذكر شيئاً لا أحفظه فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي). وفي هامشه: (وفي الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين).
أقول: رواه الروياني في مسنده/123، عن ثوبان. وابن المنادي في الملاحم/44، والحاكم: 4/463، وصححه بشرط الشيخين، والبيهقي في دلائل النبوة: 6/515، والشافعي في البيان/489، وصححه. وفي/520، عن الطبراني وقال: هذا حديث حسن المتن وقع إلينا عالياً من هذا الوجه بحمد الله وحسن توفيقه، وفيه دليل على شرف المهدي (عليه السلام) بكونه خليفة الله في الأرض على لسان أصدق ولد آدم. ومصباح الزجاجة: 2/314 وفي طبعة: 4/203، وقال: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه الحاكم في المستدرك من طريق الحسين بن حفص عن سفيان به وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده، ولفظه: إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان، فأتوها فإن فيها خليفة الله المهدي).
وفي تناقضات الألباني الواضحات للسقاف: 1/43: (ضعفه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح: 3/1495برقم5429 فقال: بسند ضعيف. ثم وجدنا أنه متناقض حيث صححه في صحيحته: 2/415 حديث رقم772. فتدبروا يا أولي الألباب)! انتهى.
ورواه ابن كثير في الفتن: 1/42، عن ابن ماجة وقال: (تفرد به ابن ماجة وهذا إسناد قوي صحيح، والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة يقتتل عنده ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء حتى يكون آخر الزمان فيخرج المهدي ويكون ظهوره من بلاد المشرق لا من سرداب سامراء كما يزعمه جهلة الرافضة).
ملاحظات
1 - المتواتر عند الفريقين أن المهدي (عليه السلام) يظهر من مكة، ولا بد أن يكون المقصود بظهوره من المشرق أن بداية أمره من المشرق على يد أصحابه الممهدين الخراسانيين. وما ذكره ابن كثير عن ظهوره من سرداب سامراء لا مدعي له من
جَهَلة الشيعة فضلاً عن علمائهم، فهو من نبز مخالفيهم وافترائهم، وما زال الوهابيون يهرجون به علينا وينشرونه في العالم!
2 - أخذ أتباع ابن تيمية بحديث خروج المهدي (عليه السلام) من المشرق، وأعرضوا عن الأحاديث الصحيحة المعارضة! وفسروا رايات خراسان برايات الطالبان! وادعوا المهدية لشخص من بريدة اسمه محمد بن عبد الله، وباركه إمامهم ابن باز، وأرسلوه إلى الشيشان حتى ينطبق عليه أنه خرج من المشرق!
3 - مما يتناقله أهل مكة أنه يوجد كنز للكعبة مدفون تحتها، وقد روت كتب التاريخ والسيرة والحديث حوله روايات كثيرة، ولا نعرف مدى صحة ذلك. راجع: تاريخ الطبري: 2/36، وابن هشام: 1/124، وسبل الهدى للصالحي: 10/190)
4 - الحديث اليتيم في مصادرنا حول كنز الكعبة ما رواه في قرب الإسناد للحميري/82: (عن مسعدة بن زياد قال: وحدثني جعفر عن آبائه: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: تاركوا الحبشة ما تاركوكم فوالذي نفسي بيده لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين). (وعنه وسائل الشيعة: 15/57). ورواه أحمد: 5/371، أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: سمعت رجلاً من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أتركوا الحبشة ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة). والنسائي: 9/176، وأبو داود: 2/316، والمستدرك: 4/453 وصححه، والزوائد: 5/303، ووثقه، وقال: سموا الرجل عبد الله بن عمرو، إلا أن أبا داود أبهمه كأحمد).
أقول: وحديث كنز الكعبة خارج عن موضوعنا لأنه لا ربط له صريحاً بالإمام المهدي (عليه السلام)، كما لا يصح الأخذ به لأنه يوافق مزاعم كعب بأن الكعبة ستهدم!
أما حديث كنز الفرات وجبل الذهب الذي يظهر فيه، فرواه عبد الرزاق: 11/382، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فيقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مئة تسعون أو قال: تسعة وتسعون كلهم يرى أنه ينجو).
وفي ابن حماد: 1/57، عن عبد الله بن زرير الغافقي يقول: سمعت علياً (رضي الله عنه) يقول: الفتن أربع: فتنة السراء، وفتنة الضراء، وفتنة كذا، فذكر معدن الذهب، ثم يخرج رجل من عترة النبي يصلح الله على يديه أمرهم). وعقد الدرر/57، عن ابن حماد، وكذا حاوي السيوطي: 2/67، وصححه بشرط مسلم. ومثله جمع الجوامع: 2/30. ونحوه ابن حماد: 1/239، وفيه: من ذهب وفضة فيقتل عليه من كل تسعة سبعة، فإن أدركتموه فلا تقربوه. وبرواية أخرى: تدوم الفتنة الرابعة اثني عشر عاماً تنجلي حين تنجلي وقد أحسرت الفرات عن جبل من ذهب، فيقتل عليه من كل تسعة سبعة. وفي أخرى: الفتنة الرابعة ثمانية عشر عاماً، ثم تنجلي حين تنجلي وقد انحسر... تكب عليه الأمة فيقتل على من كل تسعة سبعة. وأحمد: 2/261، كما في عبد الرزاق.
وفي أحمد: 5/139، عن عبد الله بن الحرث قال: وقفت أنا وأبي بن كعب في ظل أجم حسان، فقال لي أبي: ألا ترى الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا؟ قال قلت: بلى، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب فإذا سمع به الناس ساروا إليه، فيقول من عنده والله لئن تركنا الناس يأخذون فيه ليذهبن، فيقتتل الناس حتى يقتل من كل مائة تسعة وتسعون وقال وهذا اللفظ حديث أبي عن عفان). ورواه بخاري في صحيحه: 9/73، كما في رواية أحمد وفيه: عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً. والحميدي: 3/98، عن أبي هريرة وفيه: لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، يقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو).
وروى ابن حماد: 1/239، عن كعب قال: يكون ناحية الفرات في ناحية الشام أو بعدها بقليل مجتمع عظيم فيقتتلون على الأموال، فيقتل من كل تسعة سبعة، وذاك بعد الهدة والواهية في شهر رمضان، وبعد افتراق ثلاث رايات يطلب كل واحد منهم الملك لنفسه فيهم رجل اسمه عبد الله). انتهى.
أقول: وردت رواية الهدة في شهر رمضان، وهي النداء من السماء باسم
المهدي (عليه السلام). وكذلك رواية الثلاث رايات التي تتصارع في الشام فينتصر فيها السفياني. ويظهر أن كعباً صاغ كلامه مما سمع من أحاديث وحدد وقت الصراع على كنز الفرات بأنه بعد النداء السماوي أي قرب ظهور المهدي (عليه السلام) أو بعده!
8 - الفتنة التي تكون بعد موت الخامس من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)
روى ابن حماد: 1/117، حديثاً عجيباً لا يتم له معنى إلا على مذهبنا، قال: (حدثنا ابن أبي هريرة عن أبيه، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا مات الخامس من أهل بيتي فالهرج الهرج حتى يموت السابع، ثم كذلك حتى يقوم المهدي. قال بلغني عن شريك أنه قال: هو ابن العَفَر، يعني هارون وكان الخامس، ونحن نقول هو السابع، والله أعلم). ورواه عنه السيوطي في الحاوي: 2/83، وفيه: حتى يموت السابع قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل كذلك. وكنز العمال: /11/247، وفيه: حتى يموت السابع، قالوا: وما الهرج؟ قال: الفتن، كذلك حتى يقوم المهدي). انتهى.
أقول: تَصَوَّرَ ابن حماد أن معنى الحديث أنه يكثر القتل بعد الخامس من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) ثم يستمر إلى أن يموت السابع، ثم يقترب ظهور المهدي (عليه السلام). وطبقه على ملوك بني عباس واعتبر السابع الرشيد المتوفى قبل المئتين وبذلك استبشر بقرب ظهور المهدي (عليه السلام)! وقد توفي ابن حماد سنة227.
لكن تفسيره لا يصح لأن تعبير النبي (صلى الله عليه وآله) (مات الخامس من أهل بيتي) لم يرد في بني العباس، ولا يمكن أن يعبر النبي (صلى الله عليه وآله) عن بني العباس بأنهم أهل بيتي بعد أن ثبت عنه أنه حدد أهل بيته بعلي وفاطمة والحسنين (عليهم السلام) كما في مسند أحمد: 4/107: (اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق) وفي رواية: 6/323: (قال لفاطمة ائتيني بزوجك وابنيك فجاءت بهم فألقى عليهم كساء فدكياً، قال: ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم إن هؤلاء آل محمد
فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد. قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال إنك على خير). انتهى. فلا بد أن يكون هؤلاء هم المقصودين بقوله: إذا مات الخامس من أهل بيتي فالهرج.
ومن جهة أخرى، معنى الحديث بصيغته التي رووها ضعيف، فلا بد أن يكون فيه سقطاً، إذ لا معنى لأن يبشر النبي (صلى الله عليه وآله) بالمهدي بأنه يكثر القتل بعد موت الخامس من ملوك بني عباس، ثم يستمر القتل هكذا حتى يكون السابع منهم، ثم يستمر القتل هكذا حتى يقوم المهدي! فإن كان المقصود أنه لا يحكم منهم أكثر من سبعة فقد حكم منهم أكثر، وإن أراد أن المهدي (عليه السلام) يظهر بعد السابع، فلم يظهر! وإن أراد معنى آخر فلا يصلح أن يكون علامة للمهدي الموعود (عليه السلام)! فلا بد أنه يقصد الخامس والسابع من الأئمة الربانيين الاثني عشر من عترته، الذين بشر الأمة بهم في حجة الوداع في خطبة عرفات وغيرها، وأولهم علي وخاتمهم المهدي (عليهم السلام)، وأن يكون هذا الحديث محرفاً عن أحاديث مصادرنا الآتية.
9 - الفتنة في العقيدة بعد فقدان الخامس من ولد السابع
كفاية الأثر/156، عن محمد بن الحنفية قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول، في حديث طويل في فضل أهل البيت (عليهم السلام): وسيكون بعدي فتنة صمَّاء صيْلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء، فكم مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران عند فقده! ثم أطرق ملياً ثم رفع رأسه وقال: بأبي وأمي سميي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران، عليه جيوب النور(أو قال: جلابيب النور) تتوقد من شعاع القدس! كأني بهم آيس ما كانوا ثَمَّ نودي بنداء يسمع من البعد كما يسمع من القرب، يكون رحمة على المؤمنين وعذاباً على المنافقين. قلت: وما ذلك النداء؟
قال: ثلاثة أصوات في رجب، أولها ألا لعنة الله على الظالمين، والثاني أزفت الآزفة والثالث ترون بدرياً بارزاً مع قرن الشمس ينادي: ألا إن الله قد بعث فلان بن فلان حتى ينسبه إلى علي فيه هلاك الظالمين، فعند ذلك يأتي الفرج ويشفي الله صدورهم ويذهب غيظ قلوبهم. قلت يا رسول الله فكم يكون بعدي من الأئمة؟ قال: بعد الحسين تسعة والتاسع قائمهم). انتهى. وبعضه في الصراط المستقيم: 2/127، وغاية المرام/12، عن النصوص على الأئمة الاثني عشر للصدوق، وهو كتاب ذكروه في مؤلفاته، لكنه مفقود.
ومعنى الحديث: أن الناس سيفقدون الإمام الخامس بعد السابع من عترة النبي (صلى الله عليه وآله) وهو الإمام المهدي بن الحسن العسكري (عليهما السلام) ويبتلى المؤمنون بفتنة غيبة إمامهم (عليه السلام) ويسقط في الفتنة من لا بصيرة له في دينه ولا يثبت على القول بولادته وغيابه إلا القليل، المتلهفون لفقده المؤمنون به مهما طال الزمان. لاحظ قوله (صلى الله عليه وآله): (وسيكون بعدي فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء فكم مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران عند فقده).
وروت مصادرنا أحاديث أخرى صحيحةً بمعناه، منها ما رواه الخزار رحمه الله في كفاية الأثر/147، بثلاثة أسانيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: قال علي (عليه السلام): كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله) في بيت أم سلمة إذ دخل علينا جماعة من أصحابه منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعبد الرحمن بن عوف، فقال سلمان: يا رسول الله إن لكل نبي وصياً وسبطين فمن وصيك وسبطاك؟ فأطرق ساعة ثم قال: يا سلمان إن الله بعث أربعة آلاف نبي(أربعة وعشرين ومئة ألف نبي) وكان لهم أربعة آلاف وصي وثمانية آلاف سبط، فوالذي نفسي بيده لأنا خير الأنبياء ووصيي خير الأوصياء وسبطاي خير الأسباط. في حديث طويل عدد فيه النبي (صلى الله عليه وآله) الأئمة من أهل بيته، وقال: (ثم يغيب عنهم إمامهم ما شاء الله، ويكون له غيبتان إحداهما أطول من الأخرى. ثم التفت إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رافعاً صوته: الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع من
ولدي! قال علي: فقلت: يا رسول الله فما تكون هذه الغيبة؟ قال: الصمت حتى يأذن الله له بالخروج فيخرج(من اليمن من قرية يقال لها أكرعة) على رأسه غمامة، متدرع بدرعي متقلد بسيفي ذي الفقار، ومناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ذلك عندما تصير الدنيا هرجاً ومرجاً يَغار بضعهم على بعض، فلا الكبير يرحم الصغير ولا القوي يرحم الضعيف، فحينئذ يأذن الله له بالخروج).
ملاحظات
1 - المتفق عليه في مصادر الجميع أن عدد الأنبياء (عليهم السلام) مئة وأربع وعشرون ألفاً وأن عدد الرسل ثلاث مئة وستون، وعندنا أن لكل نبي وصياً. والأربعة آلاف نبي (عليهم السلام) قد يكونون كبار الأنبياء ولكل واحد منهم وصي وسبطان.
2 - وردت في مصادرنا عدة أحاديث صحيحة السند عن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) حول اليماني الذي يظهر قبل الإمام المهدي (عليه السلام) ويكون من خاصة أنصاره. وذكر بعضها أنه يظهر في صنعاء وأنه من ذرية زيد رحمه الله.. الخ.
أما المصادر السنية فنصوصها في اليماني أو القحطاني متعارضة، بعضها يذكر أنه يظهر قبل المهدي، وبعضها يذكر أنه يظهر بعد المهدي، وبعضها يزعم أنه هو المهدي. وبعضها ينفي أن يكون المهدي يمانياً أو قحطانياً. وبعضها يظهر فيه تأثير الخلاف الذي تعاظم في العهد الأموي بين عرب الجنوب اليمانيين وعرب الشمال القرشيين ومن معهم. وأكثر نصوص اليماني أو القحطاني عندهم غير مرفوعة ما عدا ثلاثة منها تذكر أن القحطاني هو المهدي، وهي معارضة بإجماع المسلمين على أنه من ذرية علي وفاطمة (عليهما السلام). وستأتي في محلها إن شاء الله.
10 - تربية الشيعة على مواجهة الفتن وانتظار الإمام المهدي (عليه السلام)
كفاية الأثر/260، عن مسعدة قال: كنت عند الصادق (عليه السلام) إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى متكئاً على عصاه، فسلم فرد أبو عبد الله (عليه السلام) الجواب ثم قال: يا ابن رسول الله ناولني يدك أقبلها، فأعطاه يده فقبلها ثم بكى، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما يبكيك يا شيخ؟ قال: جعلت فداك أقمت على قائمكم منذ مائة سنة أقول هذا الشهر وهذه السنة، وقد كبرت سني ودق عظمي واقترب أجلي ولا أرى ما أحب، أراكم مقتلين مشردين وأرى عدوكم يطيرون بالأجنحة فكيف لا أبكي!؟ فدمعت عينا أبي عبد الله ثم قال: يا شيخ إن أبقاك الله حتى ترى قائمنا كنت معنا في السنام الأعلى، وإن حلت بك المنية جئت يوم القيامة مع ثقل محمد (صلى الله عليه وآله) ونحن ثقله قال (صلى الله عليه وآله): إني مخلف فيكم الثقلين فتمسكوا بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي. فقال الشيخ: لا أبالي بعد ما سمعت هذا الخبر. قال: يا شيخ إن قائمنا يخرج من صلب الحسن، والحسن يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب محمد، ومحمد يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب ابني هذا وأشار إلى موسى (عليه السلام)، وهذا خرج من صلبي، نحن اثنا عشر كلنا معصومون مطهرون.
فقال الشيخ: يا سيدي بعضكم أفضل من بعض؟ قال: لا نحن في الفضل سواء ولكن بعضنا أعلم من بعض، ثم قال: يا شيخ والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت، ألا وإن شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته، هناك يثبت الله على هداه المخلصين، اللهم أعنهم على ذلك)
ومثله إرشاد القلوب/405، وبشارة المصطفى/275، وفيه: ثم قال يا شيخ ما أحسبك من أهل الكوفة؟ قال: لا، قال: فمن أين؟ قال: من سوادها جعلت فداك. قال: أين أنت من قبر جدي المظلوم الحسين؟ قال: إني لقريب منه. قال: كيف إتيانك له؟ قال: إني لآتيه وأكثر. قال (عليه السلام): يا شيخ دم يطلب الله تعالى به، وما أصيب ولد فاطمة ولا يصابون بمثل الحسين، ولقد قتل في سبعة عشر من أهل بيته نصحوا لله وصبروا في جنب الله فجزاهم الله أحسن جزاء الصابرين، إنه إذا كان يوم القيامة أقبل رسول الله ومعه الحسين ويده على رأسه تقطر دماً فيقول: يا رب سل أمتي فيم قتلوا ولدي؟!
كمال الدين: 2/510، خرج (توقيع) إلى العمري وابنه (رضي الله عنهما) رواه سعد بن
عبد الله قال: قال الشيخ أبو عبد الله جعفر (رضي الله عنه) وجدته مثبتاً عنه رحمه الله: وفقكما الله لطاعته وثبتكما على دينه وأسعدكما بمرضاته. انتهى إلينا ما ذكرتما أن الميثمي أخبركما عن المختار ومناظراته من لقي، واحتجاجه بأنه لا خلف غير جعفر بن علي وتصديقه إياه، وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه، وأنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء ومن الضلالة بعد الهدى، ومن موبقات الأعمال ومرديات الفتن، فإنه (عزَّ وجلَّ) يقول: (ألم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ). كيف يتساقطون في الفتنة ويترددون في الحيرة ويأخذون يميناً وشمالاً فارقوا دينهم أم ارتابوا أم عاندوا الحق أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة؟! أو علموا ذلك فتناسوا ما يعلمون إن الأرض لا تخلو من حجة إما ظاهراً وإما خائفاً مغموراً؟! أو لم يعلموا انتظام أئمتهم بعد نبيهم (صلى الله عليه وآله) واحداً بعد واحد إلى أن أفضى الأمر بأمر الله (عزَّ وجلَّ) إلى الماضي، يعني الحسن بن علي (عليهما السلام)، فقام مقام آبائه (عليهم السلام) يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم؟! كانوا نوراً ساطعاً، وشهاباً لامعاً، وقمراً زاهراً، ثم اختار الله (عزَّ وجلَّ) له ما عنده فمضى على منهاج آبائه (عليهم السلام) حذو النعل بالنعل على عهد عهده، ووصية أوصى بها إلى وصي ستره الله (عزَّ وجلَّ) بأمره إلى غاية، وأخفى مكانه بمشيئة للقضاء السابق والقدر النافذ، وفينا موضعه، ولنا فضله، ولو قد أذن الله (عزَّ وجلَّ) فيما قد منعه عنه وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حلية وأبين دلالة وأوضح علامة، ولأبان عن نفسه وقام بحجته، ولكن أقدار الله (عزَّ وجلَّ) لا تغالب وإرادته لا ترد وتوفيقه لا يسبق، فليَدعوا عنهم اتباع الهوى وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه ولا يبحثوا عما ستر عنهم فيأثموا، ولا يكشفوا ستر الله (عزَّ وجلَّ) فيندموا، وليعلموا أن الحق معنا وفينا، لا يقول ذلك سوانا إلا كذاب مفتر، ولا يدعيه غيرنا إلا ضال غوي، فليقتصروا منا على هذه الجملة دون التفسير، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله). والخرائج: 3/1109، مختصراً.. الخ..
11 - فتنة بلاد الشام الموعودة قبل ظهور المهدي (عليه السلام)
النعماني/279، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا جابر لا يظهر القائم حتى يشمل الناس بالشام فتنة يطلبون المخرج منها فلا يجدونه! ويكون قتل بين الكوفة والحيرة قتلاهم على سواء، وينادي مناد من السماء). وعنه عقد الدرر/51، والبحار: 52/271، الخ.
عبد الرزاق: 11/361، تكون فتنة بالشام كأن أولها لعب الصبيان تطفو من جانب وتسكن من جانب، فلا تتناهى حتى ينادي مناد: إن الأمير فلان. وقال: فيقلب ابن المسيب يديه حتى أنهما لتنتفضان ثم يقول: ذاكم الأمير حقاً ذاكم الأمير حقاً).
ونحوه ابن حماد: 1/337، وفي: 1/338: ثم لا يستقيم أمر الناس على شيء ولا تكون لهم جماعة، حتى ينادي مناد من السماء عليكم بفلان، وتطلع كف تشير.. عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أمه وكانت قديمة: قال: قلت لها في فتنة ابن الزبير: إن هذه الفتنة يهلك فيها الناس؟ فقالت: كلا يا بني، ولكن بعدها فتنة يهلك فيها الناس ولا يستقيم أمرهم حتى ينادي مناد من السماء عليكم بفلان).
12 - شدة الفتنة قبل ظهور المهدي (عليه السلام) وحدث يكون في الحجاز
ذكرت أحاديث السنة والشيعة فتنة خاصة تكون في الحجاز، حيث يموت حاكمهم ويختلفون بعده على السلطة، وينتهي ملك السنين ويكون ملك الشهور والأيام، ولا يجتمع أمرهم على أحد، فيبحث الناس عن الإمام (عليه السلام) ويطلبون منه أن يقبل بيعتهم، وسيأتي ذلك في فصل أحاديث الحجاز في عصر الظهور.
13 - نصوص كثيرة تشبه الأحاديث وليست بها
وكلها تصف فتنة تتصل بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) كالذي رواه عبد الرزاق: 11/372 عن أبي الجلد قال: (تكون فتنة ثم تتبعها أخرى، لا تكون الأولى في الآخرة إلا كثمرة السوط تتبعه ذباب السيف، ثم تكون فتنة فلا يبقى لله محرم إلا استحل، ثم يجتمع الناس على خيرهم رجلاً، تأتيه إمارته هنيئاً وهو في بيته). وعنه ابن
حماد: 1/344، وابن أبي شيبة: 15/246، وفيه: ثم تأتي الخلافة خير أهل الأرض وهو قاعد في بيته هنياً.
ثمرة السوط: طرفه من أسفله. وذباب السيف: طرفه الذي يضرب به، والمقصود تفاقم الفتن من الشديد إلى الأشد. وفي القول المختصر/70: لا يخرج حتى تكون قبله فتنة تستحل فيها المحارم كلها، ثم تأتيه الخلافة وهو قاعد في بيته وهو خير أهل الأرض).
وفي ملاحم ابن طاووس/121، من كتاب الفتن للسليلي عن عبد الله بن عمر قال: تكون فتنة يقال لها السبيطة قتلاها في النار، فقلت: وهما مسلمان؟ قال: وهما مسلمان، قلت: وهما مسلمان! قال: وهما مسلمان، قلت: لمَ؟ قال: لأنهم تغالبوا على أمر الدنيا ولم يتغالبوا على أمر الله، فقلت قد كان ذلك؟ قال: متى لله أبوك؟ فقلت فتنة عثمان؟ قال: كلا والذي بعث محمداً بالحق حتى يدخل على العرب كلهم حجرها وحتى يأتي الرجل القبر فيقول يا ليتني كنت مكانك! وحتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً! قلت ثم مَهْ؟ قال: ثم يبعث الله رجلاً يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يعيش بضع سنين، فقلت: وما البضع؟ قال: زعم أهل الكتاب أنه تسع أو سبع). وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي: 3/203، عن أبي هريرة. والسبيطة: الطويلة، وقد تكون من السباطة أي الكناسة ومرمى الأوساخ شبهت به لاجتماع الصفات السيئة فيها. وقد تكون السبيتة بالتاء، من السبت بمعنى السكون، وتوصف به الفتنة لاستقرارها ودوامها.
وفي الداني/95 والسنن/1042، عن قتادة قال: يجاء إلى المهدي وهو في بيته والناس في فتنة تهراق فيها الدماء فيقال له: قم علينا فيأبى، حتى يُخَوَّف القتل فإذا خوف بالقتل قام عليهم فلا يهراق في سببه محجمة دم) ولم يرفعه. وعنه عقد الدرر/63 وغيره. والمقصود بالتخويف بالقتل الوارد في هذا الحديث وغيره، التخويف بانكشاف أمره (عليه السلام) قرب مجيء جيش السفياني إلى مكة، كما فسرته أحاديث أخرى، لا أن الذين يريدونه للبيعة يخوفونه بالقتل.
* * *
الفصل الخامس: ذم حكام السوء وعلماء آخر الزمان
1 - علماء السوء أتباع الأئمة المضلين!
روى الجميع عن النبي (صلى الله عليه وآله) أحاديث عديدة في أن الأمة ستبتلى بحكام فاسدين يحكمون بالجور والطغيان، وعلماء سوء يبررون لهم أعمالهم! فأحاديثهم فرع من أحاديث الأئمة المضلين. وقد حاول بعضهم إبعاد وقتها عن الصحابة فجعلوها في آخر الزمان أو قرب قيام الساعة! مع أن فيها ما ينص على أن زمنها بعد النبي (صلى الله عليه وآله) مباشرة، وبعضها نص على استمرار ذلك البلاء حتى ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)!
والآيات والأحاديث في ذم علماء السوء، وأئمتهم حكام الجور، كثيرة، عقد لها مؤلفوا الحديث أبواباً خاصة، لكن غرضنا منها ما يرتبط بظهور الإمام (عليه السلام):
ففي مجمع الزوائد: 5/233: (عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبة ووزراء فجرة وأمناء خونة وقراء فسقة سمتهم سمة الرهبان وليس لهم رعية أو قال رعة فيلبسهم الله فتنة غبراء مظلمة يتهوكون فيها تهوك اليهود في الظلم. رواه البزار وفيه حبيب بن عمران كلاعي ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح). والقراء الفسقة: حملة القرآن من الرواة والعلماء. سَمْتُهم: أي هيئتهم المعنوية الظاهرة مثل الرهبان. والرِّعْيَة: بمعنى ورع عن المحارم. يتهوكون فيها: أي يقعون في الفتنة ويتخبطون كاليهود. والتهوك مصطلح نبوي لمن تأثر باليهود من أصحابه. وتعبير: لا تقوم الساعة
حتى... يدل على حتميته فقط، ولا يدل على أنه سيكون قرب الساعة! لكن قوله في الحديث الآتي: فإن أدركتموهم فصلوا صلاتكم لوقتها، يدل على أن وقتهم قريب من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله).
أما رواية ابن أبي شيبة: 8/698، فتدل على أنهم يكونون عند ظهور المهدي (عليه السلام) (في آخر هذا الزمان قراء فسقة..) ومثله تاريخ بخاري: 4/330، والزهد لابن عاصم: 1/212.
وفي الدر المنثور: 6/53: (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: حج النبي (صلى الله عليه وآله) حجة الوداع ثم أخذ بحلقة باب الكعبة فقال: أيها الناس ألا أخبركم بأشراط الساعة؟ فقام إليه سلمان فقال: أخبرنا فداك أبي وأمي يا رسول الله. قال: إن من أشراط الساعة إضاعة الصلاة والميل مع الهوى وتعظيم رب المال.
فقال سلمان: ويكون هذا يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفس محمد بيده، فعند ذلك يا سلمان تكون الزكاة مغرماً والفيء مغنماً، ويصدق الكاذب ويكذب الصادق، ويؤتمن الخائن ويخون الأمين، ويتكلم الرويبضة. قال: وما الرويبضة: قال يتكلم في الناس من لم يتكلم وينكر الحق تسعة أعشارهم، ويذهب الإسلام فلا يبقى إلا اسمه ويذهب القرآن فلا يبقى الا رسمه، وتحلى المصاحف بالذهب، وتتسمن ذكور أمتي وتكون المشورة للإماء! ويخطب على المنابر الصبيان وتكون المخاطبة للنساء! فعند ذلك تزخرف المساجد كما تزخرف الكنائس والبيع، وتطوَّل المنائر وتكثر الصفوف مع قلوب متباغضة وألسن مختلفة وأهواء جمة!
قال سلمان: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفس محمد بيده، عند ذلك يا سلمان يكون المؤمن فيهم أذل من الأمة، يذوب قلبه في جوفه كما يذوب الملح في الماء، مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره، ويكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية البكر فعند ذلك يا سلمان يكون أمراء فسقة ووزراء فجرة وأمناء خونة، يضيعون الصلوات ويتبعون الشهوات، فإن أدركتموهم فصلوا صلاتكم لوقتها. عند ذلك يا سلمان يجيء سبي من المشرق وسبي من المغرب جثاؤهم جثاء الناس وقلوبهم قلوب الشياطين، لا
يرحمون صغيراً ولا يوقرون كبيراً. عند ذلك يا سلمان يحج الناس إلى هذا البيت الحرام، تحج ملوكهم لهواً وتنزهاً وأغنياؤهم للتجارة ومساكينهم للمسألة وقراؤهم رياءً وسمعة!
قال: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفسي بيده، عند ذلك يا سلمان يفشو الكذب ويظهر الكوكب له الذنب، وتشارك المرأة زوجها في التجارة، وتتقارب الأسواق! قال: وما تقاربها؟ قال كسادها وقلة أرباحها. عند ذلك يا سلمان يبعث الله ريحاً فيها حيات صفر فتلقط رؤساء العلماء لما رأوا المنكر فلم يغيروه! قال: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم والذي بعث محمداً بالحق). وشبيهه في جامع الأخبار لتاج الدين الشعيري/72، عن جابر، وقد تضمن عدداً من فقراته، لكنه تحدث عما يجري على الأمة وليس فيه ذكر لأشراط الساعة. وعنه بحار الأنوار: 52/262.
أقول: رغم تصريح هذا الحديث وغيره بأن هذا الفساد في الحكام والعلماء سيكون عند اقتراب الساعة، فإن عدداً من أحاديثها نص أو تضمن قرائن على أن ذلك سيكون قريباً من عصر النبي (صلى الله عليه وآله)! فلا بد أن يكون توقيتها بقيام الساعة من تحريف الرواة أو تكون الظاهرة متعددة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) وقرب قيام الساعة.
وفي تاريخ دمشق: 36/282: (عن أنس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن في جهنم رحى تطحن علماء السوء طحناً). و: 36/178، وميزان الاعتدال: 2/252.
وفي المستطرف: 1/51: (عن أنس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ويل لأمتي من علماء السوء يتخذون العلم تجارة يبيعونها لا أربح الله تجارتهم). وفيض القدير: 6/479، والفردوس: 4/398 وربيع الأبرار/655، وكنز العمال: 10/205. وفي فيض القدير: 1/183، أن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل عن أشر الخلق على الإطلاق، فأجاب: هم علماء السوء. وفي: 6/478: ويل لأمتي من علماء السوء. وهي أحاديث مطلقة من حيث الزمان. وهي كثيرة جداً في مصادر الطرفين.
أما مصادرنا، فروت أحاديث صريحة في ذم علماء السوء، وتفسير آيات ذمهم، وهي تدل على أن زمنهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى ظهور الإمام المهدي (عليه السلام).
وهذه نماذج منها: في الكافي: 8/307، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه، يُسمَّوْنَ به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء! منهم خرجت الفتنة واليهم تعود). ومثله ثواب الأعمال/301، وأعلام الدين/406. ورسم القرآن: خطه. منهم خرجت الفتنة: لأنهم يؤيدون حكام الجوْر ويحرفون الإسلام لأجلهم. وإليهم تعود: بغضب المؤمنين وانتقام الله تعالى منهم.
وفي جامع الأخبار/129: علماؤهم شر خلق الله على وجه الأرض. حينئذ ابتلاهم الله بأربع خصال: جور من السلطان وقحط من الزمان، وظلم من الولاة والحكام، فتعجب الصحابة وقالوا: يا رسول الله أيعبدون الأصنام؟ قال: نعم كل درهم عندهم صنم). وفي الخصال/296: أن علياً (عليه السلام) قال: إن في جهنم رحى تطحن خمساً! أفلا تسألوني ما طحنها؟ فقيل له: فما طحنها يا أمير المؤمنين؟ قال: العلماء الفجرة، والقراء الفسقة، والجبابرة الظلمة، والوزراء الخونة، والعرفاء الكذبة (رؤساء العشائر والمناطق) وإن في النار لمدينة يقال لها: الحصينة أفلا تسألوني ما فيها؟ فقيل: وما فيها يا أمير المؤمنين؟ فقال: فيها أيدي الناكثين). وثواب الأعمال/253.
وذكر في نوادر المعجزات/120، عن جابر الجعفي اضطهاد حكام الجور من بني أمية لأهل البيت (عليه السلام) وشيعتهم، قال: (واغتالوا شيعته في البلدان وقتلوهم واستأصلوا شأفتهم، ومالأهم على ذلك علماء السوء رغبة في حطام الدنيا).
وأورد في البحار: 2/107، آيات ذم علماء السوء وأحاديثه تحت عنوان: ذم علماء السوء ولزوم التحرز عنهم، وهي25 حديثاً، منها: عن النبي (صلى الله عليه وآله): الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا. قيل: يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال: اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم. وقوله (صلى الله عليه وآله): إني لا أتخوف على أمتي مؤمناً ولا مشركاً، فأما المؤمن فيحجزه إيمانه وأما المشرك فيقمعه كفره، ولكن أتخوف عليكم من كان منافقاً عليم اللسان يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون.
وقوله (صلى الله عليه وآله): ألا إن شر الشر شرار العلماء، وإن خير الخير خيار العلماء.
وقوله (صلى الله عليه وآله): أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إلى داود (عليه السلام) لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي، فإن أولئك قطاع طريق عبادي المريدين.
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ)، قال: هل رأيت شاعراً يتبعه أحد؟ إنما هم قوم تفقهوا لغير الدين فضلوا وأضلوا). انتهى.
وفي الاحتجاج: 2/262، وتفسير الإمام العسكري (عليه السلام) في تحريف علماء السوء اليهود ومن هذه الأمة: (فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة فقهائهم! فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم. فإن من ركب من القبايح والفواحش مراكب فسقة العامة فلا تقبلوا منا عنه شيئاً ولا كرامة... ثم وصف (عليه السلام) علماء السوء المحرِّفين بقوله: (وهم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي (عليه السلام) وأصحابه فإنهم يسلبونهم الأرواح والأموال وهؤلاء علماء السوء الناصبون المتشبهون بأنهم لنا موالون ولأعدائنا معادون ويدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب... ثم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): شرار علماء أمتنا المضلون عنا القاطعون للطرق إلينا المسمون أضدادنا باسمائنا الملقبون أضدادنا بألقابنا، يصلون عليهم وهم للعن مستحقون، ويلعنونا ونحن بكرامات الله مغمورون، وبصلوات الله وصلوات ملائكته المقربين علينا عن صلواتهم علينا مستغنون.
ثم استشهد بقول علي (عليه السلام) بأن شرار خلق الله العلماء إذا فسدوا، المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقايق، وفيهم قال الله (عزَّ وجلَّ): (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ)).
وفي البصائر/52، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (قرأت في كتاب أبي: الأئمة في كتاب الله إمامان: إمام هدى وإمام ضلال، فأما أئمة الهدى فيقدمون أمر الله قبل أمرهم وحكم الله قبل حكمهم! وأما أئمة الضلال فإنهم يقدمون أمرهم قبل أمر الله وحكمهم قبل حكم الله اتباعاً لأهوائهم وخلافاً لما في الكتاب).
وفي تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) /344، عن علي بن محمد (عليهما السلام): لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله! ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله (عزَّ وجلَّ)). وعنه الاحتجاج/18، عن الإمام العسكري (عليه السلام)، ومنية المريد/35، والبحار: 2/6.
وفي الكافي: 1/52، عن المفضل بن عمر قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): أكتب وبُثَّ علمك في إخوانك، فإن متَّ فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم). وعنه كشف المحجة/35، والإيقاظ/23، والبحار: 2/150.
* * *
الفصل السادس: النبي (صلى الله عليه وآله) يبشر الأمة بالمهدي (عليه السلام) من عترته
المهدي من عترتي اسمه اسمي وكنيته كنيتي
أحمد: 3/36، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً، قال ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي، يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً). ومثله أبو يعلى: 2/274، وابن حبان: 8/290 291 بتفاوت يسير، والحاكم: 4/557، عن أبي سعيد الخدري، وصححه على شرط الشيخين).
وقال الحافظ المغربي/515: والحديث أخرجه الحاكم، عن عوف بن أبي جميلة المذكور من طريقين، الطريق الأول: عن أبي بكر بن إسحاق وعلي بن حماد العدل وأبي بكر محمد بن أحمد بن بالويه، كلهم عن بشر بن موسى الأسدي، عن هارون بن خليفة، عن عوف بن أبي جميلة الأعرابي به.
الطريق الثاني: عن الحسين بن علي الدارمي، عن محمد بن إسحاق الإمام، عن محمد بن يسار، عن ابن أبي عدي، عن عوف الأعرابي به. وأخرجه الإمام أحمد عن محمد بن جعفر، حدثنا عوف الأعرابي به. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وأقره الحافظ الذهبي في المستدرك، وفي هذا كفاية للمنصف).
الجامع الصحيح: 1/147، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً قال: ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). ومثله/164، و/382
المقصد العلي: 4/406، عن أبي سعيد الخدري قال النبي (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً، ثم يخرج رجل من أهل بيتي، أو قال من عترتي فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً). وجامع الأحاديث: 8/81، عن ابن مسعود: يخرج رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي وخلقه خلقي فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً). ومن مصادرنا: دلائل الإمامة/249، بنحو رواية أحمد.
أحمد: 1/376، عن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي). والترمذي: 4/505، عن عبد الله، وأبي هريرة قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي... وحسنه وصححه، والبدء والتاريخ: 2/180، كأحمد، وقال: وأحسن ما جاء في هذا الباب خبر أبي بكر بن عياش، عن عاصم بن ذر، عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه)).
وفي ملاحم ابن المنادي/41، عن ابن مسعود، عن النبي (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى يملك الأرض أحد من أهل بيتي اسمه كاسمي). وفي رواية: اسمه اسمي. وفي أحمد: 3/28 و: 3/70 عن أبي سعيد، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: تملأ الأرض ظلماً وجوراً، ثم يخرج رجل من عترتي، يملك سبعاً أو تسعاً، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً. والحاكم: 4/558، كما في أحمد، بتفاوت يسير، عن أبي سعيد، وصححه على شرط مسلم، وكذا استدراك الذهبي: 7/3461. ونحوه في حلية الأولياء: 3/101، وليس فيه مدته، وقال: مشهور من حديث أبي الصديق، عن أبي سعيد ورواه من التابعين عن أبي الصديق مطر الوراق، وعنه حماد بن زيد. وفي تذكرة الخواص/363، عن ابن عمر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً. وقال: فذلك هو المهدي، وهذا حديث مشهور). ومثله عقد الدرر/32.
المهدي (عليه السلام) حتمي ودولته العالمية حتمية
ابن أبي شيبة: 15/198، عن علي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً). ومثله أحمد: 1/99، بتفاوت
يسير، وفيه: قال أبو نعيم: رجلاً منا. والبدء والتاريخ: 2/181، والجامع الصغير: 2/438، أحمد، وأبي داود. والدر المنثور: 6/58، وقال: وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وأبو داود. ومسند البزار: 2/134: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً. ومسند الشاشي: 2/109، عن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله تعالى فيه رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً. وجامع المسانيد: 20/300: لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً. وفي أحمد: 1/376 و377: لا تنقضي الأيام ولا يذهب الدهر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، اسمه يواطئ اسمي. ومثله أبو داود: 4/107، والترمذي: 4/505، وحسنه وصححه. والطبراني الكبير: 10/164 و166، والبزار: 5/204، عن عبد الله، ومثله الأوسط: 7/425، عن عبد الله بن مسعود.
وفي الطبراني الكبير: 10/168، عن ابن عمر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تذهب الأيام والليالي ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم حتى يبعث الله رجلاً من أمتي، يواطئ اسمه اسمي). ومثله تحفة الأشراف: 7/23، أوله، عن أبي داود، والترمذي. والفصول المهمة/291، عن إرشاد المفيد. وفي/294: قال: ومن ذلك ما أخرجه أبو داود، والترمذي..
وفي ابن حبان: 7/576، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيت النبي). ومثله ابن حبان: 7/576، عن ابن مسعود وفيه: يواطئ اسمه اسمي. وملاحم ابن المنادى/41، عن ابن مسعود، كرواية ابن حبان الثانية، والطبراني الكبير: 10/161، عن ابن مسعود، وفيه: رجل من أهل بيتي يوافق اسمه اسمي.
ورواه من مصادرنا: دلائل الإمامة/255، كما في رواية الطبراني الثانية، بسند آخر، وفيه: رجل من ولدي يوافق اسمه اسمي. وبشارة المصطفى/258، كما في الطبراني الثالثة.
وفي سنن الداني/100، عن أبي سعيد: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج رجل من أمتي يعمل بسنتي، ينزل الله له البركة من السماء، وتخرج له الأرض بركتها، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يعمل سبع سنين على هذه الأمة وينزل بيت المقدس).
وفي عقد الدرر/20، عن سنن الداني وأبي نعيم في صفة المهدي، وفيه: من أهل بيتي، وتملأ به
عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. ومجمع الزوائد: 7/317، كالداني بتفاوت يسير، وقال: رواه الترمذي، وابن ماجة باختصار، رواه الطبراني في الأوسط، وفيه: ينزل الله (عزَّ وجلَّ) له القطر من السماء وينبت الله له الأرض من بركتها. والمعجم الأوسط: 2/47، عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يخرج رجل من أهل بيتي يقول بسنتي ينزل الله (عزَّ وجلَّ) له القطر من السماء وتخرج له الأرض من بركتها، تُملأ الأرض منه قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يعمل على هذه الأمة سبع سنين وينزل بيت المقدس).
ومن مصادرنا: غيبة الطوسي/111، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول على المنبر: إن المهدي من عترتي، من أهل بيتي يخرج في آخر الزمان ينزل الله له من السماء قطرها، ويخرج له من الأرض بذرها، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملأها القوم ظلماً وجوراً... المهدي يخرج في آخر الزمان). وفي/113، عن ابن مسعود: لا تذهب الدنيا حتى يلي أمتي رجل من أهل بيتي يقال له المهدي).
المهدي حق وهو من ولد فاطمة (عليها السلام)
ابن ماجة: 2/1368، عن سعيد بن المسيب قال كنا عند أم سلمة فتذاكرنا المهدي فقالت سمعت رسول الله يقول: المهدي حق وهو من ولد فاطمة (عليها السلام)). ومثله تاريخ بخاري: 3/346، عن ابن المسيب، عن أم سلمة، وأبو داود: 4/107، والطبراني الكبير: 23/267، والحاكم: 4/577، بروايتين: نعم هو حق وهو من بني فاطمة. ومشكاة المصابيح: 3/24، عن أبي داود وفيه: من أولاد فاطمة، وفي هامشه: وإسناده جيد. ومثله تذكرة الحفاظ: 2/463، عن أم سلمة وفي الدر المنثور: 6/58: وأخرج أبو داود، وابن ماجة، والطبراني، والحاكم، عن أم سملة. وصواعق ابن حجر/163، كأبي داود، وقال: ومن ذلك ما أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والبيهقي، وآخرون. ومن مصادرنا: غيبة الطوسي/114، كأبي داود عن أم سلمة. والطرائف: 1/175، كأبي داود، عن الجمع بين الصحاح، والفردوس، ومصابيح الفراء.
وفي عقيدة أهل السنة والأثر/18، عن أبي داود، وابن ماجة، وقال: وقد أورد هذا الحديث في الجامع الصغير، ورمز لصحته، وأورده في مصابيح السنن في فصل الحسان، وقال الألباني في تخريج أحاديث المشكاة: وإسناده جيد، وقال: رواه الترمذي، وأبو داود. وقال: أخرج أبو داود، وابن ماجة، والطبراني، والحاكم عن أم سلمة.
وفي ابن حماد: 1/368، عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: المهدي حق هو؟ قال حق، قال قلت: ممن هو؟ قال من قريش، قلت: من أي قريش، قال: من بني هاشم، قلت: من أي بني هاشم؟ قال: من بني عبد المطلب، قلت: من أي عبد المطلب؟ قال: من ولد فاطمة). وفي مناقب ابن المنادي/41: أخبرنا عبد الرزاق بن همام قال: قلت لسعيد بن المسيب أحق المهدي؟ فقال: كابن حماد، وفيه: قال: حسبك الآن. وفيها، عن سعيد بن المسيب يحدث عن أم سلمة قالت: ذكر عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) المهدي فقال: نعم هو حق، وهو من ولد فاطمة أو قال: من بني فاطمة. وملاحم ابن طاووس/164، عن فتن زكريا، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس، قال: وفيه: المهدي من قريش، قالوا من أي قريش؟ قال من بني هاشم، من ولد فاطمة (عليها السلام). وفي فرائد فوائد الفكر/65، عن قتادة، قال: قلت لسعيد بن المسيب: أحق المهدي؟ فقال: نعم هو حق. قلت: ممن هو؟ قال: من قريش. قلت: من أي قريش؟ قال: من بني هاشم. قلت: من أي بني هاشم؟ قال: من ولد عبد المطلب. قلت: من أي ولد عبد المطلب؟ قال: من ولد فاطمة. قلت: من أي ولد فاطمة؟ قال: حسبك الآن. ونحوه تيسير المطالب/88، عن أم سلمة، وزين الفتى: 1/402، عن قتادة.
وفي ابن حماد: 1/375، عن الزهري: المهدي رجل منا، من ولد فاطمة، ونحوه في عدة موارد/345، و350، و369، و373، و375، وعنه الحاوي: 2/78، وجمع الجوامع: 2/104، الخ. ومقتضب الأثر/166، عن الزهري: المهدي من ولد فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله). وعنه إثبات الهداة: 1/712، والبحار: 51/164.
وغيبة الطوسي/114، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: المهدي رجل من ولد فاطمة (عليها السلام)، وهو رجل آدم. وعنه إثبات الهداة: 3/504، والبحار: 51/43.
النبي (صلى الله عليه وآله) يبشر فاطمة الزهراء بالمهدي (عليهما السلام)
الطبراني، الصغير: 1/37، عن أبي أيوب: قال رسول الله (عليه السلام) لفاطمة: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك حمزة، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك جعفر، ومنَّا سبطا هذه الأمة الحسن والحسين، وهما ابناك، ومنا المهدي).
أقول: روي هذا الحديث بصيغ متشابهة عن أبي أيوب الأنصاري، وأبي سعيد وسلمان، وعلي الهلالي، وروي عن ابن عباس وغيره في حديث الأئمة من قريش
من أهل البيت (عليهم السلام)، وتبلغ طرقه وأسانيده نحو مجلد. ففي الطبراني الأوسط: 7/276، والكبير: 3/52، بروايتين عن علي المكي الهلالي قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي شكاته التي قبض فيها، فإذا فاطمة (رضي الله عنها) عند رأسه، قال فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) طرفه إليها فقال: حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟ فقالت: أخشى الضيعة من بعدك! فقال: يا حبيبتي أما علمت أن الله (عزَّ وجلَّ) اطلع إلى الأرض إطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته، ثم اطلع اطلاعة فاختار منها بعلك وأوحى إلي أن أنكحك إياه. يا فاطمة: ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم يعط أحد قبلنا ولا يعطى أحد بعدنا: أنا خاتم النبيين وأكرم النبيين على الله وأحب المخلوقين إلى الله (عزَّ وجلَّ) وأنا أبوك، ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله وهو عمك حمزة بن عبد المطلب، وهو عم أبيك وعم بعلك، ومنا من له جناحان أخضران يطير في الجنة مع الملائكة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما. يا فاطمة: والذي بعثني بالحق إن منهما مهدي هذه الأمة، إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً، ولا صغير يوقر كبيراً، فيبعث الله (عزَّ وجلَّ) عند ذلك منهما من يفتتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، ويملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً.
يا فاطمة: لا تحزني ولا تبكي فإن الله (عزَّ وجلَّ) أرحم بك، وأرأف عليك مني، وذلك لمكانك مني وموضعك من قلبي، زوجك الله زوجك وهو أشرف أهل بيتك حسباً، وأكرمهم منصباً، وأرحمهم بالرعية، وأعدلهم بالسوية، وأبصرهم بالقضية، وقد سألت ربي (عزَّ وجلَّ) أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي. قال علي (ابن هلال) (رضي الله عنه): فلما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) لم تبق فاطمة (رضي الله عنها) بعده إلا
خمسة وسبعين، يوماً حتى ألحقها الله به). ومجمع الزوائد: 9/165 عن الطبراني الكبير والأوسط وبيان الشافعي/478، وعنه ذخائر العقبى/44 و135، مختصراً، وعن أربعين الحافظ أبي العلاء الهمداني.
ومعنى أخشى الضيعة من بعدك: أي ظلم الأمة. الهرج والمرج: القتل والفوضى. تظاهرت الفتن: توالت وتعاونت في تأثيرها. تقطعت السبل: بمعنى فقد الأمن. حصون الضلالة: مراكزها. قلوباً غلفاً: عليها غلاف وغشاء عن سماع الحق واتباعه.
وفي عوالم النصوص على الأئمة/124، عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله في الشكاة التي قبض فيها فاطمة عند رأسه قال: فبكت حتى ارتفع صوتها فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) طرفه إليها فقال.. كما في الطبراني بتفاوت يسير.
وفي مناقب ابن المغازلي/101، عن أبي أيوب قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرض مرضةً فدخلت عليه فاطمة (عليها السلام) تعوده، وهو ناقهٌ من مرضه، فلما رأت ما برسول الله من الجهد والضعف خنقتها العبرة حتى خرجت دمعتها، فقال لها: يا فاطمة إن الله (عزَّ وجلَّ) اطلع إلى الأرض إطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبياً، ثم اطلع إليها ثانية فاختار منها بعلك فأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصياً. أما علمت يا فاطمة إن لكرامة الله إياك زوجك أعظمهم حلماً، وأقدمهم سلماً، وأعلمهم علماً؟ فسرت بذلك فاطمة واستبشرت، ثم قال لها رسول الله: يا فاطمة لعليٍّ ثمانية أضراس ثواقب: إيمان بالله وبرسوله، وحكمته، وتزويجه فاطمة، وسبطاه الحسن والحسين، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقضاؤه بكتاب الله (عزَّ وجلَّ).
يا فاطمة: إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يُعْطَهَا أحدٌ من الأولين ولا الآخرين قبلنا أو قال: ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا: نبينا أفضل الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء، وهو جعفر ابن عمك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك، ومنا الذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة). وينابيع المودة/81، عن مناقب الخوارزمي، وفيه: ومنا سبطان وسيدا شبان أهل الجنة ابناك، والذي نفسي بيده إن مهدي هذه
الأمة يصلي عيسى بن مريم خلفه فهو من ولدك. والروض الداني إلى المعجم الصغير للطبراني: 1/75 عن أبي أيوب الأنصاري قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك حمزة، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك جعفر، ومنا سبطا هذه الأمة: الحسن والحسين وهما إبناكِ، ومنا المهدي. وفي مسند فاطمة الزهراء (عليها السلام) للسيوطي/47 و93: أبشري يا فاطمة فإن المهدي منك). ومن مصادرنا: أمالي الطوسي: 1/154، عن أبي أيوب الأنصاري قال: مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرضة فأتته فاطمة (عليها السلام) تعوده، فلما رأت ما برسول الله (صلى الله عليه وآله) من المرض والجهد استعبرت وبكت حتى سالت دموعها على خديها فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله): كما في مناقب ابن المغازلي بتفاوت.
وفي البيان للشافعي/501، عن أبي هارون العبدي قال: أتيت أبا سعيد الخدري فقلت له: هل شهدت بدراً؟ فقال: نعم، قلت ألا تحدثني بشيء مما سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) وفضله؟ فقال: بلى أخبرك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرض مرضة نقه منها، فدخلت عليه فاطمة (عليها السلام) تعوده وأنا جالس عن يمين رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما رأت ما برسول الله (صلى الله عليه وآله) من الضعف خنقتها العبرة حتى بدت دموعها على خدها فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك يا فاطمة؟ أما علمت أن الله تعالى اطلع إلى الأرض إطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبياً، ثم اطلع ثانية فاختار بعلك، فأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصياً، أما علمت أنك بكرامة الله تعالى أباك زوجك أعلمهم علماً وأكثرهم حلماً وأقدمهم سلماً. فضحكت واستبشرت، فأراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يزيدها مزيد الخير كله الذي قسمه الله لمحمد وآل محمد، فقال لها: يا فاطمة ولعلي ثمانية أضراس يعني مناقب: إيمان بالله ورسوله، وحكمته، وزوجته وسبطاه الحسن والحسين، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر. يا فاطمة إنا أهل بيت أعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الأولين، ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عم أبيك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك، ومنا مهدي الأمة الذي يصلي عيسى خلفه. ثم ضرب على منكب الحسين (عليه السلام) فقال: من هذا مهدي
الأمة. وقال: قلت: هكذا أخرجه الدارقطني صاحب الجرح والتعديل).
إطلع إطلاعة: أي نظر نظرة، وبما أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وهو العالم بخلقه قبل أن يكونوا، فلا بد أن يكون المعنى أن الله تعالى اختار محمداً وآله لعلمه بتميزهم عن الخلق.
وفي عوالم العلوم/487 و306، عن سلمان: كنت جالساً بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه فدخلت فاطمة (عليها السلام)، فلما رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتى جرت دموعها على خديها فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك يا فاطمة؟... أما علمت أن الله اختار من أهل الأرض أباك... يا فاطمة إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين قبلنا... ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين ومنا... والذي نفس بيده مهدي هذه الأمة، وابناك حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة كلهم هادون مهديون، وأول الأوصياء بعدي أخي علي، ثم حسن، ثم حسين، ثم تسعة من ولد الحسين في درجتي... يا بنية إنا آل بيت أعطانا الله (عزَّ وجلَّ) ست خصال لم يعطها أحد من الآخرين غيرنا.. نبينا سيد الأنبياء والمرسلين وهو أبوك ووصينا سيد الأوصياء وهو بعلك... وابناك حسن وحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة، ومنا والذي نفسي بيده، مهديُّ هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً قالت: وأي هؤلاء الذي سميتهم أفضل؟ قال: علي بعدي أفضل أمتي وحمزة وجعفر أفضل أهل بيتي بعد علي، وبعدك وبعد ابني وسبطي حسن وحسين، وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا وأشار إلى الحسين، منهم المهدي. إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا فقال علي: الحمد لله شكراً على نعمائه وصبراً على بلائه).
وفي/155: عن ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله تبارك وتعالى إطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني منها فجعلني نبياً ثم اطلع ثانية فاختار منها علياً فجعله إماماً، وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري ويحفظون وصيتي، التاسع منهم قائمهم. ومثله في مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان: 1/253، عن أبي أيوب. وفي كفاية الطالب/502، عن أبي سعيد وفيه: يا فاطمة إنا أهل بيت أعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الأولين ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء
وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عم أبيك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك، ومنا مهدي الأمة الذي يصلي عيسى خلفه ثم ضرب على منكب الحسين فقال: من هذا مهدي الأمة.
وفي مقاتل الطالبيين: 1/97، عن الوليد بن محمد الموقري قال: كنت مع الزهري بالرصافة فسمع أصوات لعابين فقال لي: يا وليد أنظر ما هذا؟ فأشرفت من كوة في بيته فقلت: هذا رأس زيد بن علي، فاستوى جالساً ثم قال: أهلك أهل هذا البيت العجلة فقلت: أو يملكون؟ قال: حدثني علي بن الحسين عن أبيه عن فاطمة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لها: المهدي من ولدك). ومثله في تهذيب ابن عساكر: 6/26. لكن في دلائل الإمامة/234، عن الوليد بن محمد المروزي قال: كنت واقفاً بالرصافة نصف النهار على باب الزهري، فمر اللعابون يطوفون برأس زيد بن محمد، فبكى ثم قال: يملك أهل هذا البيت ولكن العجلة، قلت يا أبا بكر أو يملكون؟ قال: حدثني علي بن الحسين، عن أبيه، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة: المهدي من ولدك).
وفي عوالم النصوص على الأئمة/174، عن أبي أيوب: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): علي مع الحق والحق معه وهو الإمام والخليفة بعدي... والأئمة بعد الحسين تسعة من صلبه ومنهم القائم الذي يفتح حصون الضلالة. وفي/177، عن عمار قال: لمّا حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة دعا بعلي (عليه السلام) فساره طويلاً... فبكت فاطمة (عليها السلام) وبكى الحسن والحسين فقال لفاطمة... فإنك سيدة نساء أهل الجنة وأباك سيد الأنبياء وابن عمك خير الأوصياء وأبناك سيدا شباب أهل الجنة، ومن صلب الحسين يخرج الله الأئمة التسعة مطهرون معصومون، ومنا مهدي هذه الأمة).
وفي كفاية الأثر/62، عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الشكاة التي قبض فيها، إذا فاطمة عند رأسه قال فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) طرفه إليها فقال: حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟ قالت: أخشى الضيعة من بعدك قال: يا حبيبتي لا تبكين فنحن أهل بيت أعطانا الله سبع خصال لم يعطها قبلنا ولا يعطيها أحداً بعدنا: أنا خاتم النبيين وأحب الخلق إلى الله (عزَّ وجلَّ) وهو أنا أبوك ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله وهو عمك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين وسوف يخرج
الله من صلب الحسين تسعة من الأئمة أمناء معصومين، ومنا مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل وأغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقر كبيراً، فيبعث الله عند ذلك مهدينا التاسع من صلب الحسين، يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً). انتهى.
وفي كتاب سُليم بن قيس/69، قال سليم: سمعت سلمان الفارسي قال: كنت جالساً بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه، فدخلت فاطمة (عليها السلام) فلما رأت ما برسول الله (صلى الله عليه وآله) خنقتها العبرة حتى جرت دموعها على خديها، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا بنية ما يبكيك؟ قالت: يا رسول الله أخشى على نفسي وولدي الضيعة من بعدك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) واغرورقت عيناه: يا فاطمة أو ما علمت أنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنه حتم الفناء على جميع خلقه. إن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني منهم فجعلني نبياً، ثم اطلع إلى الأرض ثانيا فاختار بعلك وأمرني أن أزوجك إياه وأن أتخذه أخاً ووزيراً ووصياً.. في حديث طويل قال فيه: وابناك الحسن والحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة، ومنا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة، الذي يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجورا). ونحوه تفسير فرات الكوفي/179، عن عبد الله بن عباس عن سلمان وفيه: والمهدي الذي يصلي عيسى خلفه.. وكمال الدين: 1/262، عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان بتفاوت يسير. وأمالي الطوسي: 2/219، عن أبي الطفيل عن سلمان باختصار، وفي آخره: والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ومن ذريتكما المهدي يملأ الله (عزَّ وجلَّ) به الأرض عدلاً كما ملئت قبله جوراً. وإرشاد القلوب: 2/419، عن كمال الدين.. الخ.
أقول: ماذا يريد المخالفون لأهل البيت (عليهم السلام) بعد هذا الحديث النبوي على إمامة العترة وخلافتهم؟! فلو كانوا منصفين لكفاهم هذا النص الصريح في اختيار الله لعترة نبيه (صلى الله عليه وآله) للإمامة والخلافة!
النبي (صلى الله عليه وآله) يبشر علياً بالمهدي (عليهما السلام)
في دلائل الإمامة/250، عن أنس بن مالك قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم فرأى علياً فوضع يده بين كتفيه ثم قال: يا علي، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من عترتك يقال له المهدي، يهدي إلى الله (عزَّ وجلَّ) ويهتدي به العرب كما هديت أنت الكفار والمشركين من الضلالة. ثم قال: ومكتوب على راحتيه بايعوه فإن البيعة لله (عزَّ وجلَّ).
النعماني/92، عن عبد خير قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه يقول: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي الأئمة الراشدون المهتدون المعصومون من ولدك أحد عشر إماماً أنت أولهم وآخرهم اسمه اسمي، يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يأتيه الرجل والمال كدس فيقول يا مهدي أعطني فيقول: خذ). وغيبة الطوسي/90. والكُدْس: المتراكم جمعه كدوس وأكداس.
النعماني/57، عن الحسن بن أبي الحسن البصري يرفعه قال: أتى جبرئيل النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد إن الله (عزَّ وجلَّ) يأمرك أن تزوج فاطمة من علي أخيك، فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) فقال له: يا علي إني مزوجك فاطمة ابنتي سيدة نساء العالمين وأحبهن إليَّ بعدك وكائنٌ منكما سيدا شباب أهل الجنة، والشهداء المضرجون المقهورون في الأرض من بعدي، والنجباء الزهر الذين يطفئ الله بهم الظلم ويحيي بهم الحق ويميت بهم الباطل، عدتهم عدة أشهر السنة، آخرهم يصلي عيسى بن مريم خلفه). ومقتضب الأثر/29، وعوالم العلوم: 1/367. والزُّهْر: جمع أزهر: المضيء.
النبي (صلى الله عليه وآله) يبشر الحسين بالمهدي (عليهما السلام)
عقد الدرر/24، عن أبي نعيم في صفة المهدي قال: وعن حذيفة (رضي الله عنه) قال خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فذكرنا رسول الله بما هو كائن، ثم قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي
اسمه اسمي، فقام سلمان الفارسي (رضي الله عنه) فقال يا رسول الله من أي ولدك؟ قال من ولدي هذا وضرب بيده على الحسين). وذخائر العقبى/136، عن حذيفة، وفرائد السمطين: 2/325، عن حذيفة قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكر ما هو كائن، وفيه: فضرب بيده على ظهر الحسين. والمنار المنيف/148، عن الطبراني، والقول المختصر/7، عن أبي نعيم وفيه: حتى يملك رجل من أهل بيتي تجري الملاحم على يديه ويظهر الإسلام، لا يخلف الله وعده وهو سريع الحساب).
كفاية الطالب/510، عن حذيفة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله فيه رجلاً اسمه اسمي وخلقه خلقي، يكنى أبا عبد الله، يبايع له الناس بين الركن والمقام، يرد الله به الدين ويفتح له فتوحاً فلا يبقى على ظهر الأرض إلا من يقول لا إله إلا الله. فقام سلمان فقال: يا رسول الله من أي ولدك هو؟ قال: من ولد ابني هذا، وضرب بيده على الحسين (عليه السلام)).
دلائل الإمامة/234، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي نفسي بيده إن مهدي هذه الأمة الذي يصلي خلفه عيسى منا ثم ضرب يده على منكب الحسين وقال: من هذا، من هذا).
غيبة الطوسي/116، عن أبي سعيد الخدري من حديث طويل عن النبي (صلى الله عليه وآله)، جاء فيه: ومنا من له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة وهو ابن عمك جعفر، ثم ضرب بيده على منكب الحسين (عليه السلام) فقال: من هذا، ثلاثاً).
وفي عمدة النظر/116، عن جابر بن عبد الله.. وفيه: ومنا سبطا هذه الأمة وهما أبناك الحسن والحسين، وسوف يخرج الله من صلب الحسين تسعة من الأئمة معصومون. ومنا مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن وتعطلت السبل وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقر كبيراً فيبعث الله عند ذلك مهدينا التاسع من صلب الحسين، يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً، يقوم الدين في آخر الزمان كما قمت به أول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما
ملئت جوراً). وفي النجاة في القيامة/167، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال للحسين (عليه السلام): ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم. حجة ابن حجة أخو حجة أبو حجج تسع).
وفي البرهان/46، عن سلمان الفارسي قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا الحسين على فخذه وهو يقبل خديه ويلثم فاه ويقول: أنت سيد ابن سيد أخو سيد، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام، وأنت حجة أخو حجة أبو حجج تسعة، تاسعهم قائمهم المهدي. وفي الدر النظيم/791، عن سلمان قال: دخلت على رسول الله والحسين بن علي على فخذه فقال لي: يا سلمان إن ابني هذا سيد ابن سيد أبو سادة حجة ابن حجة أبو حجج إمام وابن إمام أبو أئمة تسعة من ولده، تاسعهم قائمهم).
وفي عوالم النصوص على الأئمة/146، عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول للحسين (عليه السلام): يا حسين أنت الإمام ابن الإمام أخو الإمام تسعة من ولدك أئمة أبرار تاسعهم قائمهم. فقيل يا رسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال: اثنا عشر تسعة من صلب الحسين).
وفي عمدة النظر/116، عن مناقب الخوارزمي: عن سلمان قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا الحسين على فخذيه وهو يقبل عينيه ويقبل فاه ويقول: أنت سيد أخو سيد، أنت إمام ابن إمام أخو إمام، أنت حجة ابن حجة أخو حجة، وأنت أبو حجج تسعة، تاسعهم قائمهم. وفيه/182، عن حذيفة قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكرنا بما هو كائن ثم قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي فقام سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله من أي ولدك؟ قال: هو من ولدي هذا وضرب بيده على الحسين (عليه السلام)).
وكذلك بشَّر عليٌّ ولده الحسين (عليهما السلام)
كمال الدين: 1/304، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام) أنه قال: (التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق، المظهر للدين والباسط للعدل، قال الحسين: فقلت له: يا أمير المؤمنين وإن ذلك لكائن؟ فقال (عليه السلام): إي والذي بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) بالنبوة واصطفاه على جميع البرية، ولكن بعد غيبة وحيرة فلا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون لروح اليقين الذين أخذ الله (عزَّ وجلَّ) ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه). وإعلام الورى/400، وعنه كشف الغمة: 3/311، وإثبات الهداة: 3/464، والبحار: 51/110، وكفاية الأثر/66، كما في رواية كمال الدين الأولى.. إلى آخر المصادر.
إبتكار النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) أساليب جديدة في التحديد
ينحني الإنسان إجلالاً لطريقة النبي (صلى الله عليه وآله) في التحديد، عندما يقرأ في مصادر الجميع أحاديث نزول آية التطهير وتحديد آله وأهل بيته (صلى الله عليه وآله)، فقد أرسل رسولاً فأحضر علياً وفاطمة والحسنين (عليهم السلام) وأدار عليهم كساءً ثم تكلم ودعا لهم، وأرادت أم سلمة أن تدخل معهم فلم يقبل، وجذب منها الكساء، كما روى أحمد وغيره! وكذا ذهابه بعد نزول الآية فجراً إلى باب علي وفاطمة (عليهما السلام) ستة أشهر أو تسعة، كما روى أحمد وغيره، وقراءته آية التطهير بصوت مرتفع!
ومضافاً إلى هذا التحديد الحسي، تضمن كلامه (صلى الله عليه وآله) بلاغات أخرى، رووا بعضها ورويناها كاملة، منها أنه قال: علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين تاسعهم مهديهم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً. (الكافي: 1/529 وكفاية الأثر/66).
ومن أفعاله المبتكرة (صلى الله عليه وآله)، أنه استدعى علياً (عليه السلام) في حجة الوداع وأصعده على المنبر ورفع بيده وبلغ رسالة ربه فيه، وطلب من المسلمين أن ينصبوا له خيمة ويهنؤوه ويبايعوه بالولاية بعده! وعدد من أقواله الصريحة (صلى الله عليه وآله) كقوله: الأئمة بعدي اثنا عشر غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم). (نهج البلاغة: 2/27). وقوله (صلى الله عليه وآله): إن الأئمة بعدي اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب الحسين والتاسع قائمهم، يخرج في آخر الزمان فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً) (كفاية الأثر/250). وقوله (صلى الله عليه وآله): (إذا توالت أربعة اسماء من الأئمة من ولدي محمد وعلي والحسن فرابعها هو القائم المأمول المنتظر). (دلائل الإمامة/236).
وكذا تعابيره (صلى الله عليه وآله) عن المهدي (عليه السلام) بقوله: المهدي من عترتي.. من أولاد فاطمة.. التاسع من صلب الحسين.. ابن خيرة الإماء.. بنا فتح الله وبنا يختم.. لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوله الله ذلك اليوم حتى يبعث الله.. يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.. نحن ولد عبد المطلب سبعة سادة أهل الجنة.. الخ.
الإمام الكاظم (عليه السلام) يشرح حديث جده (صلى الله عليه وآله)
روى في الكافي: 1/336، بسند صحيح أن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال لأولاده وأرحامه: إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد. يا بنيَّ إنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به! إنما هي محنة من الله (عزَّ وجلَّ) امتحن بها خلقه. لو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحَّ من هذا لاتبعوه. قال فقلت: يا سيدي مَن الخامس من ولد السابع؟ فقال: يا بني عقولكم تصغر عن هذا وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه). ومثله النعماني/154، والهداية/361. وفي رواية أن أخاه علي بن جعفر سأله: فنموت بشك منه؟ قال: لا، أنا السابع وابني علي الرضا الثامن، وابنه محمد التاسع، وابنه علي العاشر، وابنه الحسن حادي عشر، وابنه محمد سمي جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيته المهدي الخامس بعد السابع، قلت: فرج الله عنك يا سيدي كما فرجت عني). وإثبات الوصية/224، وكمال الدين: 2/359 وعلل الشرائع: 1/244 وكفاية الأثر/264، ودلائل الإمامة/292، وغيبة الطوسي/104، و204، وإعلام الورى/406، كالكافي وبعضها بتفاوت يسير.. إلى آخر المصادر.
أمير المؤمنين (عليه السلام): يبشر بالمهدي الحادي عشر من ولده
الكافي: 1/338، عن الأصبغ بن نباتة قال: أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدته متفكراً ينكت في الأرض فقلت: يا أمير المؤمنين ما لي أراك متفكراً تنكت في الأرض أرغبة منك فيها؟ فقال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. فقلت: يا أمير المؤمنين وكم تكون الحيرة والغيبة؟ قال (سبتٌ من الدهر). فقلت: وإن هذا لكائن؟ فقال: نعم كما أنك مخلوق وأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة. فقلت: ثم ما يكون بعد ذلك؟ فقال: ثم يفعل الله ما يشاء، فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات). والهداية الكبرى/88، وفيه: من يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي وهو المهدي.. ثم ماذا؟ قال يفعل الله ما يشاء، من الرجعة البيضاء والكرة الزهراء، وإحضار الأنفس الشح والقصاص والأخذ بالحق والمجازاة بكل ما
سلف ثم يغفر الله لمن يشاء. وإثبات الوصية/225، كالكافي بتفاوت، و/229، وفيه: له غيبة وفي أمره حيرة.. وذلك إذا فقد الباب بينه وبين شيعتنا تكون الحيرة. وغيبة النعماني/60، وفيه: سبت من الدهر.. قلت أدرك ذلك الزمان، وكمال الدين: 1/288، كما في الكافي بتفاوت يسير. وكذا كفاية الأثر/219، ودلائل الإمامة/289، والاختصاص/209، وغيبة الطوسي/103، كما في الكافي، بسندين عن الأصبغ.. الخ. ورسائل المفيد/400 وقال: هذا الخبر الذي روته العامة والخاصة وهو خبر كميل بن زياد. وفيه: ما رغبت فيها ساعة قط.. التاسع من ولد الحسين (عليه السلام) هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.. يكون له غيبة يرتاب فيها المبطلون، يا كميل بن زياد، لابد له من حجة، إما ظاهر مشهور شخصه وإما باطن مغمور، لكيلا تبطل حجج الله).. الخ.
وفي معاني الأخبار/58، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالكوفة بعد منصرفه من النهروان، وبلغه أن معاوية يسبه ويلعنه ويقتل أصحابه، فقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذكر ما أنعم الله على نبيه وعليه، ثم قال في حديث طويل: ومن ولدي مهدي هذه الأمة). وبشارة المصطفى/12، والمحتضر/41، والبحار: 35/45.
الإمام الحسين (عليه السلام) يبشر بالمهدي التاسع من ولده!
في كمال الدين: 1/317، عن الحسين بن علي (عليه السلام) قال: قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة وهو الذي يقسم ميراثه وهو حي). وعنه إعلام الورى/401 والعدد القوية/71، والصراط المستقيم: 2/129، وإثبات الهداة: 3/465، والبحار: 51/133.. الخ.
وفي كمال الدين: 1/317، عن الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: في التاسع من ولدي سنة من يوسف وسنة من موسى بن عمران (عليهما السلام) وهو قائمنا أهل البيت، يُصلح الله تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة). وعنه إعلام الورى/401، وكشف الغمة: 3/312، والبحار: 51/132، الخ.
كفاية الأثر/232، عن يحيى بن نعمان قال: كنت عند الحسين (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من العرب متلثماً اسمر شديد السمرة، فسلم ورد الحسين (عليه السلام) فقال: يا ابن رسول الله مسألة؟ قال: هات. قال: كم بين الإيمان واليقين؟ قال: أربع أصابع. قال: كيف؟ قال: الإيمان ما سمعناه واليقين ما رأيناه وبين السمع والبصر أربع أصابع. قال: فكم بين السماء والأرض؟ قال: دعوة مستجابة. قال: فكم بين المشرق
والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشمس. قال: فما عز المرء؟ قال: استغناؤه عن الناس. قال: فما أقبح شيء؟ قال: الفسق في الشيخ قبيح، والحدة في السلطان قبيحة، والكذب في ذي الحسب قبيح، والبخل في ذي الغنا، والحرص في العالم.
قال: صدقت يا بن رسول الله، فأخبرني عن عدد الأئمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل. قال: فسمهم لي قال: فأطرق الحسين (عليه السلام) ملياً ثم رفع رأسه فقال: نعم أخبرك يا أخا العرب، إن الإمام والخليفة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والحسن وأنا وتسعة من ولدي، منهم علي ابني وبعده محمد ابنه وبعده جعفر ابنه وبعده موسى ابنه وبعده علي ابنه وبعده محمد ابنه وبعده علي ابنه وبعده الحسن ابنه وبعده الخلف المهدي هو التاسع من ولدي، يقوم بالدين في آخر الزمان. قال: فقام الأعرابي وهو يقول:
مَسَحَ النبيُّ جَبينهُ فلهُ بريقٌ في الخدودِ * * * أبواهُ من علياً قريش ِ وجدُّهُ خيرُ الجُدود).
كمال الدين: 1/317، عن عبد الرحمن بن سليط قال: قال الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): منا اثنا عشر مهدياً، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق على الدين كله، ولو كره المشركون. له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون، فيؤذون ويقال لهم: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله). وعيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1/68، وكفاية الأثر/231، ومقتضب الأثر/23، وإعلام الورى/384.
إثبات الهداة: 3/569، عن إثبات الرجعة للفضل بن شاذان، عن أبي جعفر، عن جده الحسين (عليهم السلام) قال: يظهر الله قائمنا فينتقم من الظالمين، فقيل له: يا ابن رسول الله من قائمكم؟ قال: السابع من ولد ابني محمد بن علي، وهو الحجة بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابني، وهو الذي
يغيب مدة طويلة ثم يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كماً ملئت جوراً وظلماً).
الإمام زين العابدين (عليه السلام): كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم
في أمالي المفيد/45 عن أبي خالد الكابلي قال: قال لي علي بن الحسين (عليهما السلام): يا أبا خالد لتأتين فتن كقطع الليل المظلم، لا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه! أولئك مصابيح الهدى وينابيع العلم، ينجيهم الله من كل فتنة مظلمة. كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان، في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله وإسرافيل أمامه، معه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد نشرها، لا يهوي بها إلى قوم إلا أهلكهم الله (عزَّ وجلَّ)). وعنه إثبات الهداة: 3/556، والبحار: 51/135.
الإمام الباقر (عليه السلام): قائمنا السابع من ولدي
كفاية الأثر/297، عن زيد بن علي (عليه السلام) قال كنت عند أبي علي بن الحسين (عليه السلام) إذ دخل عليه جابر بن عبد الله الأنصاري، فبينما هو يحدثه إذ خرج أخي محمد من بعض الحجر، فأشخص جابر ببصره نحوه ثم قام إليه فقال: يا غلام أقبل فأقبل ثم قال: أدبر فأدبر فقال شمائل كشمائل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما اسمك يا غلام؟ قال: محمد. قال: ابن من؟ قال: ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: أنت إذاً الباقر، قال: فانكبَّ عليه وقبل رأسه ويديه ثم قال: يا محمد إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرؤك السلام، قال: على رسول الله أفضل السلام وعليك يا جابر بما أبلغت السلام. ثم عاد إلى مصلاه، فأقبل يحدث أبي ويقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي يوماً: يا جابر إذا أدركت ولدي الباقر فاقرأه مني السلام فإنه سميي وأشبه الناس بي، علمه علمي وحكمه حكمي، سبعة من ولده أمناء معصومون أئمة أبرار، والسابع مهديهم الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله): (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ). وعنه إثبات الهداة: 1/604، والبحار: 36/360.
كفاية الأثر/250، عن أبي مريم عبد الغفار بن القاسم، قال: دخلت على مولاي الباقر (عليه السلام) وعنده أناس من أصحابه ذكر الإسلام فقلت: يا سيدي فأي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المؤمنون من لسانه ويده. قلت: فما أفضل الأخلاق؟ قال: الصبر والسماحة. قلت: فأي المؤمنين أكمل إيماناً؟ قال: أحسنهم خلقاًٍ. قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه. قلت: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت. قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: أن تهجر ما حرم الله (عزَّ وجلَّ) عليك. قلت: يا سيدي فما تقول في الدخول على السلطان؟ قال: لا أرى لك ذلك. قلت: فإني ربما سافرت إلى الشام فأدخل على إبراهيم بن الوليد. قال يا عبد الغفار إن دخولك على السلطان يدعو إلى ثلاثة أشياء: محبة الدنيا، ونسيان الموت وقلة الرضا بما قسم الله. قلت: يا ابن رسول الله فإني ذو عَيلة وأتَّجر إلى ذلك المكان لجر المنفعة فما ترى في ذلك؟ قال: يا عبد الله إني لست آمرك بترك الدنيا بل آمرك بترك الذنوب. فترك الدنيا فضيلة وترك الذنوب فريضة، وأنت إلى إقامة الفريضة أحوج منك إلى اكتساب الفضيلة. قال: فقبلت يده ورجله وقلت: بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله فما نجد العلم الصحيح إلا عندكم، وإني قد كبرت سني ودق عظمي ولا أرى فيكم ما أسره أراكم مقتلين مشردين خائفين، وإني أقمت على قائمكم منذ حين أقول: يخرج اليوم أو غداً. قال: يا عبد الغفار إن قائمنا هو السابع من ولدي، وليس هو أوان ظهوره، ولقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الأئمة بعدي اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب الحسين، والتاسع قائمهم، يخرج في آخر الزمان فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. قلت: فإن كان هذا كائن يا ابن رسول الله فإلى من بعدك؟ قال: إلى جعفر وهو سيد أولادي وأبو الأئمة، صادق في قوله وفعله، ولقد سألت عظيماً يا عبد الغفار، وإنك لأهل الإجابة، ثم قال: ألا إن مفاتيح العلم السؤال وأنشأ يقول:
شفاءُ العَمَى طولُ السؤال وإنما تمامُ العمى طولُ السكوت على الجهلِ).
الإمام الصادق (عليه السلام) يبشر بالمهدي السادس من ولده
كمال الدين: 1/33، عن السيد بن محمد الحميري قال: كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمد بن علي بن الحنفية، قد ضللت في ذلك زماناً، فمنَّ الله عليَّ بالصادق جعفر بن محمد وأنقذني به من النار وهداني إلى سواء الصراط، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله عليَّ وعلى جميع أهل زمانه، وأنه الإمام الذي فرض الله طاعته وأوجب الإقتداء به، فقلت له: يا ابن رسول الله قد رويَ لنا أخبار عن آبائك (عليهم السلام) في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن تقع؟ فقال: إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
قال السيد: فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه وقلت قصيدتي التي أولها:
أيا راكباً نحو المدينة جَسْرةً * * * عذافرةً يُطوى بها كل سبسب
إذا ما هداك الله عاينت جعفراً * * * فقل لولي الله وابن المهذب
ألا يا أمين الله وابن أمينه * * * أتوبُ إلى الرحمن ثم تأوبي
إليك من الأمر الذي كنت مطنباً * * * أحارب فيه جاهداً كل معرب
وماكان قولي في ابن خولةَ مطنباً * * * معاندةً مني لنسل المطيب
ولكن روينا عن وصي محمد * * * وما كان فيما قال بالمتكذب
بأن وليَّ الأمر يفقد لا يرى * * * ستيراً كفعل الخائف المترقب
فتقسم أموال الفقيد كأنما * * * تغيبه بين الصفيح المنصب
فيمكث حيناً ثم ينبع نبعةً * * * كنبعة جديٍ من الأفق كوكب
يسير بنصر الله من بيت ربه * * * على سؤدد منه وأمر مسبب
يسير إلى أعدائه بلوائه * * * فيقتلهم قتلاً كحرَّانَ مغضب
فلما روِي أن ابن خولةَ غائبٌ * * * صرفنا إليه قولنا لم نكذب
وقلنا هو المهديُّ والقائم الذي * * * يعيش به من عدله كل مجدب
فإن قلت لا فالحق قولك والذي * * * أمرت فحتمٌ غير ما متعصب
وأشهد ربي أن قولك حجة * * * على الناس طراً من مطيع ومذنب
بأن ولي الأمر والقائم الذي * * * تطلُّع نفسي نحوه بتطرب
له غيبةٌ لابد من أن يغيبها * * * فصلى عليه الله من متغيب
فيمكث حيناً ثم يظهر حينه * * * فيملك من في شرقها والمغرِّب
بذاكَ أدين الله سراً وجهرةً * * * ولست وإن عوتبت فيه بمعتب).
ومثله في: 2/342، بدون الشعر، وإعلام الورى/278، وبشارة المصطفى/278، الخ.
الإمام الكاظم (عليه السلام): القائم هو الخامس من ولدي
كمال الدين: 2/361، عن يونس بن عبد الرحمن قال: دخلت على موسى بن جعفر (عليهما السلام) فقلت له: يا ابن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال: أنا القائم بالحق ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله (عزَّ وجلَّ) ويملؤها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون. ثم قال (عليه السلام): طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم ثم طوبى لهم، وهم والله معنا في درجتنا يوم القيامة). وكفاية الأثر/265، بسند آخر، وإعلام الورى/407... الخ.
الإمام الرضا (عليه السلام) يبشر بالمهدي الرابع من ولده
كمال الدين: 2/376، عن الريان بن الصلت قال: قلت للرضا: أنت صاحب هذا
الأمر؟ فقال: أنا صاحب هذا الأمر ولكني لست بالذي أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني، وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشبان، قوياً في بدنه حتى لو مدَّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى وخاتم سليمان، ذاك الرابع من ولدي يغيبه الله في ستره ما شاء ثم يظهره فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً). وإعلام الورى/407، وكشف الغمة: 3/314.
كمال الدين: 1/371، عن الحسين بن خالد قال: قال علي بن موسى الرضا (عليه السلام): لا دينَ لمن لا ورعَ له ولا إيمان لمن لا تقية له، إن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية، فقيل له: يا ابن رسول الله إلى متى؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا! فقيل له: يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال الرابع من ولدي ابن سيدة الإماء، يُطهر الله به الأرض من كل جور ويقدسها من كل ظلم. وهو الذي يشك الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحداً. وهو الذي تطوى له الأرض ولا يكون له ظل. وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه يقول: ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه فإن الحق معه وفيه، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ). إن دولة أهل البيت هي الآية في الآية). وكفاية الأثر/270، وإعلام الورى/408، الخ.
إثبات الوصية/227، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: لا بدَّ من فتنة صماء صيْلم تظهر فيها كل بطانة ووليجة، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض! ثم قال من بعد كلام طويل: كأني بهم شر ما كانوا وقد نودوا ثلاثة أصوات الصوت الأول أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين، والصوت الثاني ألا لعنة الله على الظالمين،
والثالث بدن يظهر فيرى في قرن الشمس يقول: إن الله بعث فلاناً فاسمعوا وأطيعوا). وكمال الدين: 2/370، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2/6، ودلائل الإمامة/245،، وغيبة الطوسي/268، بسندين.
ونحوه النعماني/180، وفيه: قال لي الرضا (عليه السلام): إنه يا حسن سيكون فتنة صماء صيلم، يذهب فيها كل وليجة وبطانة وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء! كم من مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران حزين لفقده. ثم أطرق ثم رفع رأسه وقال: بأبي وأمي سمي جدي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران، عليه جيوب النور تتوقد من شعاع ضياء القدس، كأني به آيس ما كانوا قد نودوا نداء يسمعه من بالبعد كما يسمعه من بالقرب، يكون رحمةً على المؤمنين وعذاباً على الكافرين، فقلت: بأبي وأمي أنت وما ذلك النداء؟ قال ثلاثة أصوات في رجب، أولها: ألا لعنة الله على الظالمين، والثاني: أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين، والثالث: يرون بدناً بارزاً مع قرن الشمس ينادي ألا إن الله قد بعث فلاناً على هلاك الظالمين، فعند ذلك يأتي المؤمنين الفرج ويشفي الله صدورهم، ويذهب غيظ قلوبهم). هذا، وتأتي بشارة الإمام الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام) في غيبته (عليه السلام).
* * *
الفصل السابع: الإمام المهدي (عليه السلام) خاتم الأوصياء
قال النبي (صلى الله عليه وآله): بنا فتح الله وبنا يختم
ابن حماد: 1/370، بعدة روايات، عن علي (عليه السلام) قال: قلت يا رسول الله، المهدي منا أئمة الهدى أم من غيرنا؟ قال: بل منا، بنا يختم الدين كما بنا فتح، وبنا يستنقذون من ضلاله الفتنة كما استنقذوا من ضلالة الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم في الدين بعد عداوة الفتنة، كما ألف الله بين قلوبهم ودينهم بعد عداوة الشرك). والطبراني في الأوسط: 1/136، عن علي بن أبي طالب، قال للنبي (صلى الله عليه وآله): أمِنَّا المهدي أم من غيرنا يا رسول الله؟ فقال.. كابن حماد بتقديم وتأخير، وفيه: قال علي: أمؤمنون أم كافرون؟ فقال: مفتون وكافر). وشرح النهج: 9/206 خطبة157، وقال: وهذا الخبر مروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد رواه كثير من المحدثين عن علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له: إن الله قد كتب عليك جهاد المفتونين كما كتب علي جهاد المشركين. فقلت: يا رسول الله فبأي المنازل أنزل هؤلاء المفتونين من بعدك، أبمنزلة فتنة أم بمنزلة ردة؟ فقال: بمنزلة فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل، فقلت: يا رسول الله، أيدركهم العدل منا أم من غيرنا؟ قال: بل منا
، بنا فتح وبنا يختم وبنا ألف الله بين القلوب بعد الشرك، وبنا يؤلف بين القلوب بعد الفتنة. فقلت: الحمد لله على ما وهب لنا من فضله). والشافعي في البيان/506، عن مكحول، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قلت: يا رسول الله أمِنَّا آل محمد المهدي أم من غيرنا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا بل منا، بنا يختم الله الدين كما فتح الله بنا، وبنا ينقذون من الفتنة، كما أنقذوا من الشرك وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخواناً، كما ألف الله بنا بين قلوبهم بعد عداوة الشرك، وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخواناً. وقال: هذا حديث حسن عال، رواه الحفاظ في كتبهم، فأما الطبراني فقد ذكره في المعجم الأوسط، وأما أبو نعيم فرواه في حلية الأولياء، وأما عبد الرحمن بن حاتم فقد ساقه في عواليه كما أخرجناه سواء. والسلمي في عقد الدرر/25، وقال: أخرجه جماعة من الحفاظ في كتبهم، منهم أبو القاسم الطبراني وأبو نعيم الأصبهاني وعبد الرحمن بن أبي حاتم وأبو عبد الله نعيم بن حماد، وغيرهم، وزاد في روايته الثانية: وبنا ينقذون من الفتن كما أنقذوا من الشرك، وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخواناً في دينهم. وفي/ص145، وقال أخرجه الحافظ أبو بكر البيهقي. والمعجم الأوسط: 1/136، عن علي بن أبي طالب أنه قال للنبي (صلى الله عليه وآله): أمنا المهدي أم من غيرنا يارسول الله؟ قال: بل منا بنا يختم الله كما بنا فتح وبنا يستنقذون من الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة بينة، كما بنا ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك قال علي أمؤمنون أم كافرون؟ قال مفتون وكافر.
وقال الحافظ المغربي/535: الحديث رواه الطبراني من طريق عبد الله بن لهيعة، عن عمرو بن جابر الحضرمي، عن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، به، أما ابن لهيعة فسيأتي الكلام عليه، وأما الحضرمي فقد روى له الترمذي وابن ماجة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث عنده نحو عشرين حديثاً، وذكره البرقي فيمن ضعف بسبب التشيع وهو ثقة، وذكره يعقوب بن سفيان في جملة الثقات، وصحح الترمذي حديثه).
وفي فتن ابن حماد: 1/375: (عن سالم قال: كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن المهدي، فقال: إن الله تعالى هدى هذه الأمة بأول أهل هذا البيت ويستنفذها بآخرهم لا ينتطح فيه عنزان جماء وذات قرن)! ورواه من مصادرنا: الإمامة والتبصرة/92، عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن الحارث بن نوفل قال: قال علي (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله أمنا الهداة أو من غيرنا؟ قال: وفيه: بل منا الهداة إلى يوم القيامة، بنا استنقذهم الله من ضلالة الشرك، وبنا استنقذهم الله من ضلالة الفتنة، وبنا يصبحون إخواناً بعد ضلالة الفتنة كما أصبحوا إخوانا بعد ضلالة الشرك، وبنا يختم الله، كما بنا فتح الله). ومثله كمال الدين: 1/230.
وفي أمالي المفيد/288، عن علي (عليه السلام) قال: لما نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله): (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ)، قال لي: يا علي إنه قد جاء نصر الله والفتح. يا علي إن الهدى هو اتباع أمر الله دون الهوى والرأي، وكأنك بقوم قد تأولوا القرآن وأخذوا بالشبهات، واستحلوا الخمر بالنبيذ، والبخس بالزكاة، والسحت بالهدية! قلت: يا رسول الله فما هم إذا فعلوا ذلك، أهم أهل ردة أم أهل فتنة؟ قال: هم أهل فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل، فقلت: يا رسول الله العدل منا أم من غيرنا؟ فقال: بل منا، بنا فتح الله وبنا يختم الله، وبنا ألف الله بين القلوب بعد الشرك، وبنا يؤلف الله بين القلوب بعد الفتنة. فقلت: الحمد لله على ما وهب لنا من فضله).
أقول: الختام هنا بمعنى بلوغ الأوج في الإثمار وتحقيق الهدف الإلهي، فقد ختم الله النبوة بنبينا (صلى الله عليه وآله) وكانت نبوته افتتاحاً للمشروع الإلهي الذي يصل إلى أوجه على يد الإمام المهدي (عليه السلام) كما وعد (عزَّ وجلَّ) بقوله: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). فعلى يده (عليه السلام) تبدأ المرحلة الجديدة من حياة الإنسان على الأرض.
وما من سِرٍّ إلا والمهدي (عليه السلام) يختمه
روى ابن شعبة الحراني رحمه الله في تحف العقول/171، خلاصة من وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل بن زياد (عليه السلام)، وهي وصية طويلة مليئة بالعلم والحكمة، جاء فيها: (يا كميل، ما من علم إلا وأنا أفتحه، وما من سر إلا والقائم يختمه). وبشارة المصطفى/24، ونهج السعادة: 8/208. ونورد قسماً منها لذكر بعض فقراتها للإمام المهدي (عليه السلام):
عن سعيد بن زيد بن أرطاة قال: لقيت كميل بن زياد وسألته عن فضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ألا أخبرك بوصية أوصاني بها يوماً، هي خير لك من الدنيا بما فيها؟ فقلت: بلى. قال: قال لي علي (عليه السلام): يا كميل، سمِّ كل يوم باسم الله وقل: لا حول ولا قوة إلا بالله، وتوكل على الله، واذكرنا وسمِّ باسمائنا...
يا كميل، إن رسول (صلى الله عليه وآله) أدبه الله (عزَّ وجلَّ) وهو (عليه السلام) أدبني، وأنا أؤدب المؤمنين وأورث الأدب المكرمين. يا كميل، ما من علم إلا وأنا أفتحه وما من سر إلا والقائم (عليه السلام) يختمه. (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). يا كميل، لا تأخذ إلا عنا تكن منا. يا كميل، ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة.....
يا كميل، أنتم ممتوعون بأعدائكم، تطربون بطربهم وتشربون بشربهم وتأكلون بأكلهم، وتدخلون مداخلهم وربما غلبتم على نعمتهم، إي والله على إكراه منهم لذلك، ولكن الله (عزَّ وجلَّ) ناصركم وخاذلهم، فإذا كان والله يومكم وظهر صاحبكم لم يأكلوا والله معكم ولم يردوا مواردكم ولم يقرعوا أبوابكم ولم ينالوا نعمتكم، أذلة خائبين (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً).
يا كميل، لا تغتر بأقوام يصلون فيطيلون ويصومون فيداومون، ويتصدقون فيحسبون أنهم موفقون. يا كميل، أقسم بالله لسمعت رسول (صلى الله عليه وآله) يقول: إن الشيطان إذا حمل قوماً على الفواحش مثل الزنا وشرب الخمر وما أشبه ذلك من الخنا والمآثم، حبب إليهم العبادة الشديدة والخشوع والركوع والخضوع والسجود، ثم حملهم على ولاية الأئمة الذين يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا ينصرون...
يا كميل، إنه مستقر ومستودع فاحذر أن تكون من المستودعين، وإنما تستحق أن يكون مستقراً إذا لزمت الجادة الواضحة التي لا تخرجك إلى عوج، ولا تزيلك عن منهج ما حملناك عليه وما هديناك إليه. يا كميل، لا غزو إلا مع إمام عادل ولا نفل إلا مع إمام فاضل! يا كميل، أرأيت لو لم يظهر نبي وكان في الأرض مؤمن تقي لكان في دعائه إلى الله مخطئاً أو مصيباً؟ بلى والله مخطئاً حتى ينصبه الله (عزَّ وجلَّ) ويؤهله له! يا كميل، الدين لله، فلا تغترن بأقوال الأمة المخدوعة التي قد ضلت بعد ما اهتدت وجحدت بعد ما قبلت. يا كميل الدين لله تعالى فلا يقبل الله تعالى من أحد القيام به إلا رسولاً أو نبياً أو وصياً! يا كميل هي نبوة ورسالة وإمامة وليس بعد ذلك إلا متولون ومتغلبون وضالون ومعتدون.
يا كميل، إن النصارى لم تعطل الله تعالى ولا اليهود، ولا جحدت موسى ولا عيسى، ولكنهم زادوا ونقصوا وحرفوا وألحدوا فلُعنوا ومُقتوا ولم يتوبوا....
يا كميل، قال رسول (صلى الله عليه وآله) قولاً أعلنه والمهاجرون والأنصار متوافرون يوماً بعد العصر، يوم النصف من شهر رمضان، قائمٌ على قدميه من فوق منبره: عليٌّ مني وابناي منه والطيبون مني ومنهم، وهم الطيبون بعد أمهم، وهم سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هوى، الناجي في الجنة والهاوي في لظى). انتهى.
أقول: معنى قوله (عليه السلام): ما من علم إلا وأنا أفتحه: أن النبي (صلى الله عليه وآله) جاء بأصول العلوم التي يحتاج إليها الإنسان، وأن أمير المؤمنين (عليه السلام) فتح هذه الأصول، أصول علوم الدين التي يتوقف عليها تكامل الإنسان وفوزه بالخلود في النعيم. وقد استدل ابن أبي الحديد في مقدمته لشرح النهج على أن العلوم الإسلامية ترجع إلى أمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله) فهو مؤسسها أو مرسي أسسها.
ومعنى قوله (عليه السلام): وما من سر إلا والقائم (عليه السلام) يختمه: أن الأسرار الخفية للعلوم والحياة يكشفها الإمام المهدي (عليه السلام) ويضعها بين أيدي الناس. ويكفي أنه يكشف أسرار القرآن وييسر علومه للناس، ويبني به المعرفة الإنسانية العالية، والحياة المتطورة مادياً ومعنوياً.
أمير المؤمنين (عليه السلام): بنا فتح الله وبنا يختم لا بكم
في ملاحم ابن المنادي/64، عن الأصبغ بن نباتة قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالكوفة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن قريشاً أئمة العرب أبرارها لأبرارها وفجارها لفجارها، ألا ولا بد من رحاً تطحن على ضلالة وتدور، فإذا قامت على قطبها طحنت بحدِّها، ألا وإن لطحنها روقاً وروقها حدتها، وفَلُّها على الله (عزَّ وجلَّ). ألا وإني وأبرار عترتي وأهل بيتي أعلم الناس صغاراً وأحلم الناس كباراً، معنا راية الحق، من تقدمها مرق ومن تأخر عنها محق
ومن لزمها لحق، وإنا أهل بيت الرحمة، وبنا فتحت أبواب الحكمة، وبحكم الله حكمنا، وبعلم الله علمنا، ومن صادق سمعنا، فإن تتبعونا تنجوا، وإن تتولوا يعذبكم الله بأيدينا، بنا فك الله ربق الذل من أعناقكم، وبنا يختم لا بكم، بنا يلحق التالي وإلينا يفيء الغالي. ولولا أن تستعجلوا وتستأخروا القدر لأمر قد سبق في البشر لحدثتكم بشباب من الموالي وأبناء العرب، ونبذ من الشيوخ، كالملح في الزاد وأقل الزاد الملح. فينا معتبر ولشيعتنا منتظر، وإنا وشيعتنا نمضي إلى الله (عزَّ وجلَّ) بالبطن والحمى والسيف، وإن عدونا يهلك بالداء والدبيلة وبما شاء الله من البلية والنقمة. وأيم الله أن لو حدثتكم بكل ما أعلم لقالت طائفة ما أكذب وأرجم، ولو انتقيت منكم مائة قلوبهم كالذهب، ثم انتقيت من المائة عشرة ثم حدثتهم فينا أهل البيت حديثاً ليناً لا أقول فيه إلا حقاً ولا أعتمد فيه إلا صدقاً، لخرجوا وهم يقولون علي من أكذب الناس، ولو اخترت من غيرهم عشرة فحدثتهم في عدونا وأهل البغي علينا أحاديث كثيرة لخرجوا وهم يقولون علي من أصدق الناس! هلك خاطب الخطب، وحاص صاحب العصب، وبقيت القلوب تَقلَّب، منها مشغب، ومنها مجدب ومنها مخصب، ومنها مشتت.
يا بَنِيَّ لِيبرَّ صغاركم كباركم وليرأف كباركم بصغاركم، ولا تكونوا كالغواة الجفاة الذين لم يتفقهوا في الدين، ولم يعطوا في الله (عزَّ وجلَّ) محض اليقين، كبيض في أداح. وويحُ الفراخ فراخ آل محمد من خليفة جبار عتريف مترف، مستخفٍّ بخلفي وخلف الخلف! وبالله لقد علمت تأويل الرسالات وإنجاز العداة وتمام الكلمات. وليكونن من أهل بيتي رجل يأمر بأمر الله قوي يحكم بحكم الله، وذلك بعد زمان مكلح مفضح يشتد فيه البلاء وينقطع فيه الرجاء ويقبل فيه الرشاء، فعند ذلك يبعث الله (عزَّ وجلَّ) رجلاً من شاطئ دجلة لأمر حزبه يحمله الحقد على سفك الدماء، قد كان في ستر وغطاء، فيقتل قوماً هو عليهم غضبان شديد الحقد حران، في سنة بخت نصر، يسومهم خسفاً ويسقيهم كأساً مصبرة سوط عذاب وسيف دمار، ثم
يكون بعده هنات وأمور مشتبهات. ألا إن من شط الفرات إلى النجفات باباً إلى القطقطانيات، في آيات وآفات متواليات، يحدثن شكاً بعد يقين يقوم بعد حين، تبنى المدائن وتفتح الخزائن وتجمع الأمم، ينفذها شخص البصر وطمح النظر، وعنت الوجوه وكشف البال، حين يرى مقبلاً مدبراً، فيا لهفاه على ما أعلم، رجب شهر ذكر، رمضان تمام السنين، شوال يشال فيه من القوم، ذو القعدة يقتعدون فيه، ذو الحجة الفتح من أول العشر. ألا إن العجب كل العجب بعد جمادى ورجب، جمع أشتات وبعث أموات، وحديثات هونات هونات بينهن موتات، رافعة ذيلها داعية عولها معلنة قولها، بدجلة أو حولها.
ألا إن منا قائماً عفيفةٌ أحسابه سادةٌ أصحابه، تنادون عند اصطلام أعداء الله باسمه واسم أبيه في شهر رمضان ثلاثاً، بعد هرج وقتال وضنك وخبال، وقيام من البلاء على ساق، وإني لأعلم إلى من تخرج الأرض ودايعها وتسلم إليه خزائنها، ولو شئت أن أضرب برجلي فأقول أخرجوا من هاهنا بيضاً ودروعاً!
كيف أنتم يا بني هنات إذا كانت سيوفكم بأيمانكم مصلتات، ثم رملتم رملات ليلة البيات، ليستخلفن الله خليفة يثبت على الهدى، ولا يأخذ على حكمه الرشى، إذا دعا دعوات بعيدات المدى، دامغات المنافقين، فارجات عن المؤمنين. ألا إن ذلك كائن على رغم الراغمين، والحمد لله رب العالمين). انتهى.
وروى الجاحظ في البيان والتبيين/238، بعضها، قال: (قال أبو عبيدة: وروى فيها جعفر بن محمد: إن أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغاراً وأعلمهم كباراً ألا وإنا من أهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا ومن قول صادق سمعنا، وإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا، معنا راية الحق من تبعنا لحق ومن تأخر عنا غرق. ألا وإن بنا ترد دبرة كل مؤمن، وبنا تخلع ربقة الذل من أعناقكم، وبنا فتح وبنا ختم، لا بكم). وشرح النهج: 1/276، عن الجاحظ، وقال/281: (وقوله في آخرها: وبنا تختم لا بكم، إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان، وأكثر
المحدثين على أنه من ولد فاطمة (عليها السلام) وأصحابنا المعتزلة لا ينكرونه وقد صرحوا بذكره في كتبهم واعترف به شيوخهم إلا أنه عندنا لم يخلق بعد وسيخلق). وكنز العمال: 14/592 عن ابن المنادي.
ورواها في المسترشد/75، وقال إنه خطبها عندما ما ولي الأمر، ونصها: (أهلك الله فرعون وهامان وقارون، والذي نفسي بيده لتخلخلن خلخلة ولتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة، ولتساطن سوطة القدر حتى يعود أعلاكم أسفلكم وأسفلكم أعلاكم، ولقد عدتم كهيئتكم يوم بعث فيكم نبيكم (صلى الله عليه وآله)، ولقد نبئت بهذا الموقف وبهذا الأمر! وما كتمت وَشْمَة(كلمة) ولا كذبت كذبة، هلك من ادعى وخاب من افترى، اليمين والشمال مضلة، الطريق والمنهج ما في كتاب الله وآثار النبوة، ألا إن أبغض عبد خلقه الله إلى الله لعبد وكله إلى نفسه، ورجل قمش في أشباه الناس علماً فسماه الناس عالماً حتى إذا ورد من آجن وارتوى من غير طائل، قعد قاضياً للناس لتخليص ما اشتبه من غيره، فإن قاس شيئاً بشيء لم يكذب بصره، وإن أظلم عليه شيء كتم ما يعرف من نفسه، لكيلا يقال لا يعرف، خباط عشوات ومفتاح جهالات، لا يسأل عما لا يعلم فيعلم، ولا ينهض بعلم قاطع، يذري الرواية إذراء الريح الهشيم، تصرخ منه المواريث، يحل بقضائه الفرج الحرام، ويحرم بقضائه الفرج الحلال، لا مليٌّ بتصدير ما ورد عليه، ولا ذاهل عما فرط عنه. ألا إن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فضلت به الأنبياء (عليهم السلام)، في عترة نبيكم، فأين يتاه بكم وأين تذهبون. يا معشر من نجا من أصحاب السفينة هذا مثلها فيكم، كما نجا في هاتيك من نجا فكذلك من ينجو في هذه منكم من ينجو! ويل لمن تخلف عنهم، إنهم لكم كالكهف لأصحاب الكهف، سموهم بأحسن اسمائهم، وبما سموا به في القرآن، هذا عذب فرات سائغ شرابه فاشربوا، وهذا ملح أجاج فاحذروا، إنهم باب حطة فأدخلوا، ألا إن الأبرار من عترتي وأطائب أرومتي أعلم الناس صغاراً وأحلمهم كباراً، من علم الله علمنا، ومن قول صادق سمعنا، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن تدبروا عنا يهلككم الله بأيدينا أو بما شاء. معنا راية الحق من تبعها لحق ومن
تخلف عنها محق، وبنا ينير الله الزمان الكلف، وبنا يدرك الله ترة كل مؤمن وبنا يفك الله ربقة الذل عن أعناقكم، وبنا يختم الله لا بكم). وروى بعضها الحراني في تحف العقول/115، وفيه: (بنا فتح الله (عزَّ وجلَّ) وبنا يختم الله وبنا يمحو الله ما يشاء وبنا يدفع الله الزمان الكلب وبنا ينزل الغيث. لا يغرنكم بالله الغرور، لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ولأخرجت الأرض نباتها، وذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلا على نبات وعلى رأسها زنبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه). ورواها في الإرشاد/128، كالبيان والتبيين وقال: ما رواه الخاصة والعامة عنه، وذكر ذلك أبو عبيدة معمر بن المثنى وغيره ممن لا يتهمه خصوم الشيعة في روايته، أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في أول خطبة خطبها بعد بيعة الناس له على الأمر، وذلك بعد قتل عثمان بن عفان).
خاتم الأوصياء من ذرية خاتم الأسباط
أمالي الطوسي: 2/113، عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال: (كنت أمشي خلف عمي الحسن وأبي الحسين (عليهما السلام) في بعض طرقات المدينة في العام الذي قبض فيه عمي الحسن (عليه السلام) وأنا يومئذ غلام لم أراهق أو كدت، فلقيهما جابر بن عبد الله وأنس بن مالك الأنصاريان في جماعة من قريش والأنصار، فما تمالك جابر بن عبد الله حتى أكب على أيديهما وأرجلهما يقبلهما، فقال رجل من قريش كان نسيباً لمروان: أتصنع هذا يا أبا عبد الله وأنت في سنك هذا وموضعك من صحبة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان جابر قد شهد بدراً، فقال له: إليك عني فلو علمت يا أخا قريش من فضلهما ومكانهما ما أعلم لقبلت ما تحت أقدامهما من التراب. ثم أقبل جابر على أنس بن مالك فقال: يا أبا حمزة أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيهما بأمر ما ظننته أنه يكون في بشر. قال: له أنس: وبماذا أخبرك يا أبا عبد الله؟ قال علي بن الحسين: فانطلق الحسن والحسين (عليهما السلام) ووقفت أنا اسمع محاورة القوم فأنشأ جابر يحدث قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم في المسجد وقد خفَّ من حوله إذ قال لي: يا جابر أدع لي حسناً وحسيناً، وكان شديد الكلف بهما، فانطلقت فدعوتهما وأقبلت أحمل هذا مرة وهذا أخرى حتى جئته بهما، فقال لي وأنا أعرف السرور في وجهه لما رأى من محبتي
لهما وتكريمي إياهما: أتحبهما يا جابر؟ فقلت: وما يمنعني من ذلك فداك أبي وأمي وأنا أعرف مكانهما منك؟ قال: أفلا أخبرك عن فضلهما؟ قلت: بلى بأبي أنت وأمي قال: إن الله تعالى لما أحب أن يخلقني خلقني نطفة بيضاء طيبة فأودعها صلب أبي آدم (عليه السلام) فلم يزل ينقلها من صلب طاهر إلى رحم طاهر إلى نوح وإبراهيم (عليهما السلام) ثم كذلك إلى عبد المطلب، فلم يصبني من دنس الجاهلية. ثم افترقت تلك النطفة شطرين إلى عبد الله وأبي طالب، فولدني أبي فختم الله بي النبوة وولد أبو طالب علياً فختمت به الوصية، ثم اجتمعت النطفتان مني ومن علي فولدنا الجهر والجهير الحسنان فختم بهما أسباط النبوة وجعل ذريتي منهما وأمرني بفتح مدينة أو قال مدائن الكفر. ومن ذرية هذا، وأشار إلى الحسين (عليه السلام) رجل يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فهما طاهران مطهران، وهما سيدا شباب أهل الجنة، طوبي لمن أحبهما وأباهما وأمهما وويل لمن حاربهم وأبغضهم). وتأويل الآيات: 1/379، كأمالي الطوسي بتفاوت، عن كتاب ما اتفق فيه من الأخبار للحائري. وحلية الأبرار: 2/64.
وبمهدينا تنقطع الحجج
مروج الذهب: 1/32، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: إن الله حين شاء تقدير الخليفة وذرأ البرية وأبدع المبدعات نصب الخلق في صور كالهباء قبل دحو الأرض ورفع السماء، وهو في انفراد ملكوته وتوحد جبروته فأساح نوراً من نوره فلمع، ونزع قبساً من ضيائه فسطع، ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفية فوافق ذلك صورة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال الله عز من قائل: أنت المختار المنتخب، وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي، من أجلك أسطح البطحاء، وأمرج الماء، وأرفع السماء، وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار، وأنصب أهل بيتك للهداية، وأوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل عليهم دقيق ولا يعييهم خفي، وأجعلهم حجتي على بريتي، والمنبهين على قدرتي ووحدانيتي، ثم أخذ الله
الشهادة عليهم بالربوبية والإخلاص بالوحدانية فبعد أخذ ما أخذ من ذلك شاب ببصائر الخلق انتخاب محمد وآله (فقبل أخذ ما أخذ جل شأنه ببصائر الخلق انتخب محمد وآله) وأراهم أن الهداية معه والنور له والإمامة في آله، تقديماً لسنة العدل، وليكون الإعذار متقدماً، ثم أخفى الله الخليقة في غيبه، وغيبها في مكنون علمه، ثم نصب العوامل وبسط الزمان، ومرج الماء، وأثار الزبد، وأهاج الدخان، فطفا عرشه على الماء، فسطح الأرض على ظهر الماء [وأخرج من الماء دخاناً فجعله السماء] ثم استجلبهما إلى الطاعة فأذعنتا بالاستجابة، ثم أنشأ الله الملائكة من أنوار أبدعها وأرواح اخترعها، وقرن بتوحيده نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض، فلما خلق آدم أبان فضله للملائكة، وأراهم ما خصه به من سابق العلم من حيث عرفه عند استنبائه إياه اسماء الأشياء، فجعل الله آدم محرابا وكعبة وبابا وقبلة أسجد إليها الأبرار والروحانيين الأنوار، ثم نبه آدم على مستودعه وكشف له خطر ما ائتمنه عليه، بعد ما سماه إماما عند الملائكة، فكان حظ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا، ولم يزل الله تعالى يخبئ النور تحت الزمان إلى أن فضل محمداً (صلى الله عليه وآله) في ظاهر الفترات، فدعا الناس ظاهراً وباطناً، وندبهم سراً وإعلاناً، واستدعى (عليه السلام) التنبيه على العهد الذي قدمه إلى الذر قبل النسل، فمن وافقه وقبس من مصباح النور المقدم اهتدى إلى سره، واستبان واضح أمره، ومن أبلسته الغفلة استحق السخط، ثم انتقل النور إلى غرائزنا، ولمع في أئمتنا، فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض، فبنا النجاء ومنا مكنون العلم وإلينا مصير الأمور، وبمهدينا تنقطع الحجج، خاتمة الأئمة، ومنقذ الأمة، وغاية النور، ومصدر الأمور، فنحن أفضل المخلوقين، وأشرف الموحدين، وحجج رب العالمين، فليهنأ بالنعمة من تمسك بولايتنا وقبض على عروتنا). وفي تذكرة الخواص لابن الجوزي/128، عن الحسين بن علي قال: خطب أبي أمير المؤمنين يوماً بجامع الكوفة خطبة بليغة في مدح رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: وفيه: (وبمهدينا تقطع الحجج، فهو خاتم الأئمة.. وغامض السر، فليهنأ من استمسك
بعروتنا، وحُشر على محبتنا). تنقطع الحجج: أي لايبقى لأحد حجة مقابل أهل البيت (عليه السلام).
الإمام العسكري (عليه السلام): هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه
في إثبات الهداة: 3/569، عن الفضل بن شاذان في كتاب إثبات الرجعة، عن محمد بن عبد الجبار قال: قلت لسيدي الحسن بن علي (عليه السلام): يا ابن رسول الله جعلني الله فداك: أحب أن أعلم من الإمام وحجة الله على عباده من بعدك؟ فقال: إن الإمام وحجة الله من بعدي ابني سميُّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنِيُّه، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه، قلت: ممن هو يا بن رسول الله؟ قال: من ابنة ابن قيصر ملك الروم ألا إنه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ثم يظهر).
وفي مصباح المتهجد/287، صلاة للحاجة عن الإمام الصادق (عليه السلام) ثم ذكر التوسل بالأئمة المعصومين (عليهم السلام) وجاء فيه قوله: (اللهم... وأتقرب إليك بالبقية الباقي المقيم بين أوليائه الذي رضيته لنفسك، الطيب الطاهر الفاضل الخير، نور الأرض وعمادها، ورجاء هذه الأمة وسيدها، الأمر بالمعروف الناهي عن المنكر، الناصح الأمين، المؤدي عن النبيين، وخاتم الأوصياء النجباء الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين).
الإمام العسكري (عليه السلام) لولده: وأنت خاتم الأئمة الطاهرين
غيبة الطوسي/165، أحمد بن علي الرازي، عن محمد بن علي، عن عبد الله بن محمد بن خاقان الدهقان، عن أبي سليمان داود بن عنان البحراني قال: قرأت على أبي سهل اسماعيل بن علي النوبختي: دخلت على أبي محمد في المرضة التي مات فيها وأنا عنده، إذ قال لخادمه عقيد وكان الخادم أسود نوبياً قد خدم من قبله علي بن محمد، وهو ربى الحسن (عليه السلام)، فقال: يا عقيد أغل لي ماء بمصطكى فأغلى له، ثم جاءت به صقيل الجارية أم الخلف (عليه السلام) (مربيته) فلما صار القدح في يديه وهمَّ بشُربه فجعلت يده ترتعد حتى ضرب القدح ثنايا الحسن، فتركه من يده وقال لعقيد: أدخل البيت فإنك ترى صبياً ساجداً فأتني به، قال أبو سهل: قال عقيد
فدخلت أتحرى فإذا أنا بصبي ساجد رافع سبابته نحو السماء فسلمت عليه، فأوجز في صلاته فقلت: إن سيدي يأمرك بالخروج إليه، إذ جاءت أمه صقيل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن (عليه السلام)، قال أبو سهل فلما مثل الصبي بين يديه سلم وإذا هو دري اللون وفى شعر رأسه قطط، مفلج الأسنان، فلما رآه الحسن (عليه السلام) بكى وقال: يا سيد أهل بيته اسقني الماء فإني ذاهب إلى ربي، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكى بيده ثم حرك شفتيه ثم سقاه، فلما شربه قال: هيئوني للصلاة، فطرح في حجره منديل فوضأه الصبي واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه، فقال له أبو محمد (عليه السلام): أبشر يا بني فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجة الله على أرضه، وأنت ولدي ووصيي، وأنا ولدتك وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت خاتم الأئمة الطاهرين، وبشر بك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسماك وكناك، بذلك عهد إلي أبي عن آبائك الطاهرين، صلى الله على أهل البيت ربنا إنه حميد مجيد، ومات الحسن بن علي من وقته صلوات الله عليهم أجمعين). ومثله منتخب الأنوار/42، وعنه إثبات الهداة: 3/415. الخ.
الإمام المهدي (عليه السلام): أنا خاتم الأوصياء وبي يرفع الله البلاء
إثبات الوصية للمسعودي/221: (وحدثنا علان قال حدثني أبو نصر ضرير الخادم قال: دخلت على صاحب الزمان فقال لي: علي بالصندل الأحمر فأتيته به، فقال: أتعرفني؟ قلت نعم، قال من أنا؟ فقلت أنت سيدي وابن سيدي، فقال ليس عن هذا سألتك، قال ضرير فقلت: جعلت فداك فسر لي، فقال: أنا خاتم الأوصياء وبي يرفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي). ومثله كمال الدين: 2/441، وغيبة الطوسي/148، والخرائج: 1/458، والهداية/87، ودعوات الراوندي/207.. الخ.
* * *
الفصل الثامن: تحريف البشارة النبوية وادعاء المهدية!
1 - قال النبي (صلى الله عليه وآله) (من عترتي) فجعلوها (من أمتي)
إقرأ هذا الحديث الصحيح عندهم، الذي رواه الحافظ الإمام ابن المنادي/41، قال: (أخبرنا عبد الرزاق بن همام قال: قلت لسعيد بن المسيب: أحقٌّ المهدي؟ قال حق، قال قلت: ممن هو؟ قال من قريش، قلت: من أي قريش؟ قال: من بني هاشم قلت: من أي بني هاشم؟ قال: من بني عبد المطلب، قلت: من أي عبد المطلب؟ قال: من ولد فاطمة. قلت: من أي ولد فاطمة؟ قال: حسبك الآن)؟ وفرائد فوائد الفكر/65 عن قتادة، وابن طاووس/164 وطبعة/320 و344، عن فتن زكريا، ورواه في ينابيع المودة: 3/262، والسيد الميلاني في شرح منهاج الكرامة: 1/255، عن شرح المواقف: 5/342، وشرح المقاصد: 8/232، وفي جميعها: قلت: من أي ولد فاطمة؟ قال: حسبك الآن). انتهى. وسبب كتمان ابن المسيب لحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن مدح أهل البيت (عليهم السلام) جريمة عند السلطة، فهو يخاف منها، ويخاف من مدعي المهدية أن يكذبهم!
ومعناه: أن تخوف الرواة من رواية الأحاديث النبوية التي تحدد هوية الإمام المهدي (عليه السلام) وتغييرهم عترتي بأمتي كان ضرورياً للخليفة، كما ترى في صحيح ابن حبان: 8/11، ومسند أبي يعلى: 2/291، عن عبد الله بن عمر قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): يخرج رجل من أمتي يواطئ اسمه اسمي وخلقه خلقي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). والطبراني الكبير: 10/168، عن ابن عمر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
لا تذهب الأيام والليالي، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم حتى يبعث الله رجلاً من أمتي، يواطئ اسمه) وغيره وغيره! فمرة تجد التحريف عن ابن عمر ومرة عن ابن عمرو ومرة منسوباً إلى ابن مسعود! وحتى لأبي سعيد الخدري المعروف بصدقه وجرأته حتى أنه رفض البيعة ليزيد فنتف زبانيته شعر لحيته في وقعة الحرة وبعضه لم ينبت!
قال الداني في سننه/100: عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج رجل من أمتي يعمل بسنتي، ينزل الله له البركة من السماء، وتخرج له الأرض بركتها، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً). وروى تلميذه أبو الصديق الناجي أنه كان جالساً عند منبر النبي (صلى الله عليه وآله) يبكي وله حنين! (قلت: ما يبكيك؟ قال: تذكرت النبي (صلى الله عليه وآله) ومقعده على هذا المنبر، قال: إن من أهل بيتي الأقنى الأجلى، يأتي الأرض وقد ملئت ظلماً وجوراً، فيملؤها قسطاً وعدلاً). (سنن الداني/93).
ولك أن تفسر بكاءه حنيناً إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وعترة النبوية المظلومة (عليهم السلام)! وأن عليك أن تضع كلمة (عترتي) بدل (أمتي) في كل حديث حرفه رواة الخلافة!
2 - غيروا (اسمه اسمي) إلى (يواطي اسمه اسمي)!
كنت أقرأ في أحاديثهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (يواطي اسمه اسمي) فأتساءل: هل يمكن أن يعبر النبي (صلى الله عليه وآله) بتعبير من يظن ظناً وهو صاحب علم ويقين، وهل يريد أن يبهم ويقول: (اسمه قريب من اسمي)؟ لكن هل للنبي (صلى الله عليه وآله) غرض في إبهام اسم المهدي (عليه السلام)؟! وعندما تتبعتُ أحاديث أهل البيت الصادقين الطاهرين (عليهم السلام) وجدت نصوصهم كلها (اسمه اسمي) وليس فيها أثرٌ لكلمة يواطي أو يقارب أو يوافق!
ففي كمال الدين: 1/286، عن جابر رحمه الله قال: قال رسول الله: المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلْقاً وخُلُقاً، تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً). انتهى.
فالقضية إذن أن الذين يدعون المهدية لمعاوية وموسى بن طلحة يريدون زحزحة
اسم المهدي عن اسم النبي (صلى الله عليه وآله) إلى ما يواطيه أي يوافقه أو يقاربه، ليجعلوا اسم موسى ومعاوية موافقين له في المعنى! والملاحظ أن الرواة عن ابن مسعود هم الذين اخترعوا (يواطي)! قال ابن المنادي في سننه/41: (سألت عاصم بن أبي النجود فقلت له: يا أبا بكر أذكرت زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تنقضي الدنيا حتى يملك الأرض رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي؟ فقال: نعم، وكذلك خليفة). انتهى. ولعل تحريفهم بدأ بجعل: اسمه اسمي: اسمه كاسمي.. يوافق اسمي.. يواطي اسمي! (الطبراني الكبير: 10/161، وابن المنادي/41، عن ابن مسعود)!
بينما رواية حذيفة تقول (اسمه اسمي) كما في عقد الدرر/24، عن أبي نعيم في صفة المهدي قال: وعن حذيفة قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكَّرنا رسول الله بما هو كائن ثم قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي، فقام سلمان الفارسي (رضي الله عنه) فقال يا رسول الله من أي ولدك؟ قال من ولدي هذا، وضرب بيده على الحسين). انتهى.
3 - أضافوا إلى النص النبوي: (واسم أبيه اسم أبي)؟
والد الإمام المهدي هو الإمام الحسن، المعروف بالعسكري لأن الخلافة فرضت عليه وعلى أبيه الإمام الهادي (عليهم السلام) الإقامة الجبرية في عاصمتها سامراء وكان اسمها العسكر، فعرف كل منهما باسم: (العسكرييْن).
لكن المعروف عند أتباع المذاهب السنية أن اسم المهدي اسم النبي (صلى الله عليه وآله) واسم أبيه عبد الله، على اسم والد النبي (صلى الله عليه وآله)! وقد جاءهم ذلك من مدعي المهدية لمن اسم أبيه عبد الله، ومن أقدمهم المهدي الحسني محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى، والمهدي العباسي محمد بن عبد الله المنصور الدوانيقي! وقد تعصب لهذه الزيادة أتباع ابن تيمية، وزادوا عليها إلغاء كافة الأحاديث التي تنص على أن المهدي (عليه السلام) من أولاد علي وفاطمة (عليهما السلام)، ليفسحوا المجال بذلك لمهديهم محمد بن عبد الله غير
الهاشمي! فقد قامت حركة محمد بن عبد الله العتيبي في مطلع القرن الخامس عشر عام1400هجرية على ادعاء أنه هو المهدي الموعود، وسيطر على الحرم المكي لعدة أيام وكان قائده العسكري أخ زوجته جهيمان، ودعا المسلمين إلى بيعة صهره المهدي محمد بن عبد الله العتيبي! وقتل هذا(المهدي) ولم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً!
ثم ادعى الوهابيون المهدية لشخص آخر من مدينة بريدة اسمه محمد بن عبد الله، مازال حياً، ولعله من قبيلة هوازن، وزعموا أن فيه صفات الإمام المهدي (عليه السلام) وأخذوه إلى مفتيهم الأكبر ابن باز وكلمه وامتحنه فأعجبه ووافقهم على انطباق الصفات عليه وتمنى له التوفيق! وقد نشرت هذا الخبر مواقعهم قبل نحو سنتين من وفاة شيخهم ابن باز، ولم نقرأ عن مهدي بريدة بعد ذلك إلا أنهم أخذوه إلى الشيشان وأفغانستان لينطبق عليه الحديث أنه يخرج من المشرق!
لكن الصحيح أن الإمام المهدي (عليه السلام) يخرج من مكة، ومعنى يبدأ أمره من المشرق: تبدأ حركة أنصاره الممهدين أصحاب الرايات السود وأهل المشرق.
ويظهر أن أصل هذه الزيادة من نص نسبه الراوي إلى عبد الله بن مسعود: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهلي، يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). وابن حماد: 1/367، وابن شيبة: 15/198، وأوسط الطبراني: 2/135، والداني/94، والعلل المتناهية: 2/856، وتاريخ البغدادي: 5/391، وغيرهم، وفيها كلها: واسم أبيه اسم أبي.
كما أن هذا التحريف لم يرد في مصادر أساسية معتمدة عندهم! ففي مسند أحمد: 1/376 بروايتين عن زر بن حبيش، عن عبد الله: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تنقضي الأيام ولا يذهب الدهر حتى يملك العرب... وليس فيه: واسم أبيه اسم أبي. وفي الروض الداني على المعجم الصغير: 2/290، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تذهب الدنيا حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً. ومثله جامع الأحاديث للسيوطي: 7/264، بروايتين عن أبن مسعود أيضاً، ولفظهما: لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي). ومسند البزار: 5/225، وزين الفتى: 1/382، وأبو داود: 4/106، بثلاثة أسانيد أخرى عن عبد الله بن
مسعود، وليس فيها: اسم أبيه اسم أبي. والترمذي: 4/505، كرواية أحمد الثانية، والطبراني الكبير: 10/166، والداني/98، كأبي داود بتفاوت، عن عبد الله بن مسعود. ومصابيح البغوي: 3/492، وجامع الأصول: 11/48، بدون: اسم أبيه اسم أبي. والاعتقاد للبيهقي/173، رواه عن علي بدونها، ثم قال: ورواه عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله): وذكر فيه: يواطئ اسمه اسمي....
وقد نقد بعض كبار علمائهم هذه الزيادة كالشافعي في البيان/482، قال: (أخبرنا الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الآبري في كتاب مناقب الشافعي ذكر هذا الحديث وقال فيه: وزاد زائدة في روايته لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً مني، أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. قلت: وذكر الترمذي الحديث ولم يذكر قوله واسم أبيه اسم أبي. وفي مشكاة المصابيح: 3/24: رواه الترمذي وأبو داود وليس فيه واسم أبيه اسم أبي وفي معظم روايات الحفاظ والثقات من نقلة الأخبار اسمه اسمي فقط، والذي رواه اسم أبيه اسم أبي فهو زائدة وهو يزيد في الحديث. والقول الفصل في ذلك أن الإمام أحمد مع ضبطه وإتقانه روى هذا الحديث في مسنده في عدة مواضع واسمه اسمي).
وقال السلمي في عقد الدرر/27: أخرجه جماعة من أئمة الحديث في كتبهم منهم الإمام أبو عيسى الترمذي في جامعه، والإمام أبو داود في سننه، والحافظ أبو بكر البيهقي، والشيخ أبو عمرو الداني، كلهم هكذا، وليس فيه: واسم أبيه اسم أبي). انتهى.
أقول: يوجد عدة رواة اسم كل منهم زائدة وبعضهم ابن أبي زائدة، ولم أصل إلى تحديد زائدة الذي زاد (واسم أبيه اسم أبي) وأشهرهم زائدة بن قدامة ولا ينطبق عليه كلامهم، ولعلهم يقصدون: زائدة مولى عثمان بن عفان، روى عن سعد بن أبي وقاص وروى عنه أبو الزناد، وقال عنه أحمد: حديثه منكر. (الجرح والتعديل للرازي: 3/611 وكامل ابن عدي: 3/228). وفائدة تعيينه معرفة حاله وصلته بمدعي المهدية الذين كذب
لحسابهم كمعاوية وموسى بن طلحة، ومن بعدهما من العباسيين والحسنيين.
ومع شهادتهم بأن الزيادة موضوعة، لا تبقى حاجة لمحاولة بعضهم تأويلها كالشبلنجي والأربلي والهروي والنوري والمجلسي وغيرهم، حيث قالوا ربما كان أصلها: واسم أبيه اسم نبي، أو اسم ابني أي الحسن، ثم صحفت كلمة نبي أو ابني بأبي، ولكن ذلك كله تكلف بعد طعنهم بزائدها!
هذا، وقد يستشكل على بعض علماء الشيعة بأنه أورد هذه الزيادة في بعض ما رواه، لكن ذلك دليل على أمانته في النقل، كالطوسي وابن طاووس وغيرهم، فقد روى ابن الشيخ الطوسي رحمه الله في أماليه: 1/361، بسنده عن أبيه رحمه الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال أبي: دفع النبي (صلى الله عليه وآله) الراية يوم خيبر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) ففتح الله عليه. وأوقفه يوم غدير خم فأعلم الناس أنه مولى كل مؤمن ومؤمنة. وقال له.... في حديث طويل جاء فيه: ثم بكى النبي (صلى الله عليه وآله) فقيل: مم بكاؤك يا رسول الله؟ قال: أخبرني جبرئيل أنهم يظلمونه ويمنعونه حقه ويقاتلونه ويقتلون ولده ويظلمونهم بعده. وأخبرني جبرئيل عن الله (عزَّ وجلَّ) أن ذلك الظلم يزول إذا قام قائمهم وعلت كلمتهم، واجتمعت الأمة على محبتهم، وكان الشانئ لهم قليلاً والكاره لهم ذليلاً، وكثر المادح لهم. وذلك حين تغير البلاد وضعف العباد والإياس من الفرج، وعند ذلك يظهر القائم منهم. فقيل له: ما اسمه؟ قال النبي (صلى الله عليه وآله): اسمه كاسمي، واسم أبيه كاسم أبي هو من ولد ابنتي، يظهر الله الحق بهم، ويخمد الباطل بأسيافهم، ويتبعهم الناس بين راغب إليهم وخائف منهم. قال: وسكن البكاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: معاشر المؤمنين أبشروا بالفرج فإن وعد الله لا يخلف وقضاءه لا يرد وهو الحكيم الخبير، فإن فتح الله قريب. اللهم إنهم أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. اللهم أكلأهم وارعهم، وكن لهم وانصرهم وأعنهم وأعزهم ولا تذلَّهم واخلفني فيهم، إنك على كل شيء قدير). (ومناقب الخوارزمي/23). أقول: لا يُتوهم أنهما يؤيدان هذه الزيادة، فقد نصّا على أن اسم أبيه الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام)، بل هو من ضرورات
مذهبنا. على أن أمثال هذه الزيادة في الشاذ من رواياتنا قد تكون من رواة من غير مذهبنا، وبعضهم استبصر وبقي تأثره برواياتهم، فتسربت إلينا نصوص من روايته!
4 - (من وُلْد الحسين) جعلوها (من وُلْد الحسن)!
وقد وثَّقنا في المجلد الثالث من جواهر التاريخ استغلال الأمويين ورواتهم صلح الإمام الحسن (عليه السلام) لمعاوية، ومحاولتهم أن يصوروه مخالفاً لأبيه وأخيه (عليهم السلام) وأنه كان معارضاً لحرب الجمل وصفين، وأنه أوصى الحسين أن لا يخرج على بني أمية! ورووا أحاديث ظاهرها المدح له وغرضها التعريض بأبيه وأخيه (عليهم السلام)!
ومن أعمالهم هنا أنهم انتقموا من الحسين (عليه السلام) فصادروا منه أن المهدي (عليه السلام) من ولده وأعطوه للإمام الحسن (عليه السلام)! ولكي يؤكدوا كذبهم رووه عن علي (عليه السلام)!
قال ابن حماد: 1/374، عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: سمى النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن سيداً، وسيخرج الله من صلبه رجلاً اسمه اسم نبيكم، يملأ الأرض عدلاً كماً ملئت جوراً). ورواه أبو داود في سننه: 4/108، ونصه: (عن أبي إسحاق، قال: قال علي ونظر إلى ابنه الحسن فقال: إن ابني هذا سيد كما سماه النبي (صلى الله عليه وآله) وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق. ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلاً). وجامع الأصول: 11/49 ومختصر أبي داود: 6/162، وعنهما عقد الدرر/23، ومشكاة المصابيح: 3/26 وفتن ابن كثير: 1/38، والحاوي: 2/59، وعون المعبود: 11/381، وعقيدة أهل السنة /16.. الخ. وقد تمسك أتباع الخلافة بهذا(الحديث) وطبَّل به أتباع بني أمية وشتموا به الشيعة! وأغمضوا عيونهم حتى عن روايتهم للحديث نفسه بلفظ: (قال علي ونظر إلى ابنه الحسين)، والتصحيف وارد بين اسم الحسن والحسين (عليهما السلام)!
قال في فيض القدير: 6/362: (قال السمهودي: ويتحصل مما ثبت في الأخبار عنه أنه من ولد فاطمة. وفي أبي داود أنه من ولد الحسن والسر فيه ترك الحسن الخلافة لله شفقة على الأمة، فجعل القائم بالخلافة بالحق عند شدة الحاجة وامتلاء الأرض
ظلماً من ولده، وهذه سنة الله في عباده إنه يعطي لمن ترك شيئاً من أجله أفضل مما ترك أو ذريته، وقد بالغ الحسن في ترك الخلافة ونهى أخاه عنها، وتذكر ذلك ليلة مقتله فترحم على أخيه! وما روى من كونه من ولد الحسين فواه جداً). انتهى.
وقال ابن تيمية في منهاجه: 4/95: (فالمهدي الذي أخبر به النبي (صلى الله عليه وآله) اسمه محمد بن عبد الله، لا محمد بن الحسن، وقد روى عن علي (رضي الله عنه) أنه قال: هو من ولد الحسن بن علي، لا من ولد الحسين بن علي). ونحوه: 8/258. وزاد تلميذه ابن قيم في المنار المنيف/151: (القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) من ولد الحسن بن علي يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً، وأكثر الأحاديث على هذا تدل. وفي كونه من ولد الحسن سر لطيف وهو أن الحسن رضي الله تعالى عنه ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض... وهذا بخلاف الحسين (رضي الله عنه) فإنه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها)! راجع فرحتهم بهذا الحديث وتطبيلهم به وطعنهم بالإمام الحسين (عليه السلام) في: صواعق ابن حجر: 2/480 و680، والحاوي: 2/85، والفتاوى الحديثية/30، وعون المعبود: 11/256، وفائق: 1/230، والسيرة الحلبية: 1/314، وغريب ابن قتيبة: 1/359).
وأفضل ما وجدته في الرد عليهم ما كتبه السيد الميلاني في مجلة تراثنا/عدد43/59 قال: (لا يخفى أن هذا الحديث يؤيد النتيجة المتفق عليها بين أهل الإسلام، وهي كون المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان هو من ولد فاطمة (عليها السلام) كما تقدم في أول البحث، وهو مقيد لما في تلك النتيجة من إطلاق... وليس فيه اختلاف أو تعارض معها، بل التعارض الظاهر فيه إنما هو لأحاديث كون المهدي من ولد السبط الشهيد الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهم السلام)... وأول ما يلحظ عليه:
1 - إنه لم يخرجه أحد من المحدثين غير أبي داود، لا قبله ولا بعده، وكل من أورده من المتأخرين عن عصر أبي داود فهو نقله عنه.
2 - اختلاف النقل عن أبي داود في هذا الحديث، فقد قال الجزري الشافعي (ت833 ه) في كتابه أسمى المناقب بعد أن ذكر ما يخص كون المهدي من ذرية الإمام الحسن (عليه السلام) ما هذا نصه: والأصح أنه من ذرية الحسين بن علي لنص أمير المؤمنين علي على ذلك في ما أخبرنا به شيخنا المسند رحلة زمانه عمر بن الحسن الرقي قراءة عليه قال: أنبأنا أبو الحسن البخاري، أنبأنا عمر بن محمد الدارقزي، أنبأنا أبو البدر الكرخي، أنبأنا أبو بكر الخطيب، أنبأنا أبو عمر الهاشمي، أنبأنا أبو علي اللؤلؤي، أنبأنا أبو داود الحافظ قال: حدثت عن هارون بن المغيرة قال: حدثنا عمر بن أبي قيس، عن شعيب بن خالد، عن أبي إسحاق قال علي ونظر إلى ابنه الحسين.... هكذا رواه أبو داود في سننه وسكت عنه.
3 - الحديث منقطع ولا حجة في المنقطع لأن من رواه عن علي (عليه السلام) هو أبو إسحاق والمراد منه السبيعي، وهو ممن لم تثبت له رواية واحدة سماعاً عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لأنه رأى علياً رؤية كما نص عليه المنذري في شرح حديث أبي داود: وكان عمر السبيعي عند شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) سنة40 هسبع سنين، لأنه ولد كما في قول ابن حجر لسنتين بقيتا من خلافة عثمان).
4 - الحديث بالإضافة إلى انقطاعه فقد رواه أبو داود عن مجهول لم يسمه حيث قال كما مر: (حُدِّثت عن هارون) ثم ساق الحديث، وهذا وحده يكفي لإبطاله! على أن السيد صدر الدين الصدر قد ناقش هذا الحديث ورده بستة وجوه، فقال ما نصه: (أقول: بحسب القواعد المقررة في أصول الفقه لا يصح الاستناد إلى رواية أبي داود المذكورة لأمور: الأول: اختلاف النقل عن أبي داود ففي عقد الدرر نقلها عن أبي داود في سننه وفيها: أن علياً نظر إلى ابنه الحسين. الثاني: إن جماعة من الحفاظ نقلوا هذه القصة بعينها وفيها: أن علياً نظر إلى ابنه الحسين، كالترمذي، والنسائي، والبيهقي كما في عقد الدرر. الثالث: احتمال التصحيف فيها فإن لفظ الحسين والحسن في الكتابة وقوع الاشتباه فيه قريب جداً سيما في الخط الكوفي. الرابع:
إنها مخالفة لما عليه المشهور من علمائهم كما نص عليه بعضهم. الخامس: إنها معارضة بأخبار كثيرة أصح سنداً وأظهر دلالة. السادس: إن احتمال الوضع وكونها صنيعة الدرهم والدينار قريب جداً، تقرباً إلى محمد بن عبد الله المعروف بالنفس الزكية). انتهى. وذكر في هامشه مصادر أحاديث أنه من ولد الحسين (عليه السلام) قال: أنظر: المنار المنيف: 148 رقم: 329، فصل50 عن المعجم الأوسط للطبراني، عقد الدرر/24 باب 1، عن كتاب الأربعين لأبي نعيم الأصبهاني. ذخائر العقبى: 136، وقد جعل حديث المهدي من ولد الإمام الحسين (عليهما السلام) مقيداً لما أطلق قبله، فرائد السمطين: 2/325 رقم 575 باب 61، القول المختصر: 7/37 باب 1، فرائد فوائد الفكر: 2 باب 1، السيرة الحلبية: 1/193، مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي الحنفي: 1/196، ينابيع المودة: 224 باب 56 و492، كشف الغمة: 3/259، كشف اليقين: 117، إثبات الهداة: 3/617 رقم 174 باب 32، حلية الأبرار: 2/701 رقم 54 باب 41، غاية المرام: 694 رقم 17 باب 141، منتخب الأثر/154 رقم40 باب 1، وفيه أحاديث كثيرة جداً من طرق أهل السنة تثبت كون الإمام المهدي من ولد الحسين، وأن أباه هو الحسن العسكري (عليهم السلام)). انتهى.
أقول: يظهر لك شك علمائهم في زعمهم بأنه من ولد الحسن (عليه السلام)، من محاولتهم الصلح بين النصين فقالوا إنه حسني وأمه حسينية أو بالعكس! ففي فوائد الفكر/101: (فقال سلمان: من أي ولدك هو؟ قال: من ولد ابني هذا وضرب على الحسين... ولعل الجمع بينهما أن أباه من ذرية أحدهما، وأمه من ذرية الآخر. فتأمل). انتهى.
أما مصادرنا، فهي صريحة متواترة بأن النبي (صلى الله عليه وآله) نص على أن الأئمة التسعة المعصومين هم من ذرية الحسين لا من ذرية الحسن (عليهم السلام). ففي تفسير العياشي: 2/291 عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: يا ابن رسول الله زعم ولد الحسن (عليه السلام) أن القائم منهم وأنهم أصحاب الأمر، ويزعم ولد ابن الحنفية مثل ذلك فقال: نحن والله أصحاب الأمر، وفينا القائم، ومنا السفاح والمنصور، وقد قال الله: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً)، نحن أولياء الحسين بن علي (عليهما السلام) وعلى دينه). وعنه إثبات الهداة: 3/552، والبحار: 8/146.
وفي كمال الدين: 2/358، عن المفضل بن عمر، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
سألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ)؟ ما هذه الكلمات؟ قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب الله عليه، وهو أنه قال: أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، إلا تبت عليَّ، فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم. فقلت له: يا ابن رسول الله فما يعني (عزَّ وجلَّ) بقوله فأتمهن؟ قال: يعني فأتمهن إلى القائم اثني عشر إماماً، تسعة من ولد الحسين (عليه السلام). قال المفضل فقلت: يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ)؟ قال: يعني بذلك الإمامة جعلها الله تعالى في عقب الحسين إلى يوم القيامة. قال فقلت له: يا ابن رسول الله فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن (عليهما السلام) وهما جميعاً ولدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة؟ فقال: إن موسى وهارون كانا نبيين مرسلين وأخوين، فجعل الله (عزَّ وجلَّ) النبوة في صلب هارون دون صلب موسى، ولم يكن لأحد أن يقول لم فعل الله ذلك؟ وإن الإمامة خلافة الله (عزَّ وجلَّ) في أرضه وليس لأحد أن يقول لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن (عليهما السلام) لأن الله تبارك وتعالى هو الحكيم في أفعاله: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ). ومعاني الأخبار/126، والخصال/304، ومناقب ابن شهرآشوب: 1/283، ومجمع البيان: 1/200، وإرشاد القلوب/421، وتأويل الآيات: 1/77، وإثبات الهداة: 1/645، والبحار: 11/177.
ولا ينافي الاختيار الإلهي ما رواه في تفسير العياشي: 2/72، عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له أخبرني عن خروج الإمامة من ولد الحسن إلى ولد الحسين كيف ذلك وما الحجة فيه؟ قال: لما حضر الحسين ما حضره من أمر الله لم يجز أن يردها إلى ولد أخيه ولا يوصى بها فيهم، يقول الله: (وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ)، فكان ولده أقرب رحماً إليه من ولد أخيه، وكانوا أولى بالإمامة وأخرجت هذه الآية ولد الحسن منها، فصارت الإمامة إلى الحسين، وحكمت بها الآية لهم فهي فيهم إلى يوم القيمة). انتهى. لأنه يدل على أن الله تعالى أجرى اختياره للإمامة على حكمه بأولوية الرحم في الإرث.
5 - معاوية أول من ادعى أنه المهدي الموعود!
قال ابن حماد في الفتن: 1/370: (عن الوليد بن هشام المعيطي عن أبان بن الوليد قال: سمعت ابن عباس وهو عند معاوية يقول: يبعث الله المهدي منا أهل البيت).
أقول: هذا هو السبب في ادعاء معاوية أنه المهدي رداً على مهدي بني هاشم! فقد روى السيد ابن طاووس رحمه الله في الملاحم والفتن/115، وطبعة/238، عن الطبري المؤرخ المعروف، في كتابه (عيون أخبار بني هاشم) الذي صنفه للوزير علي بن عيسى بن الجراح، قال ابن طاووس رحمه الله: (وجدته ورويته من نسخة عتيقة ظاهر حالها أنها كتبت في حياته، فقال ما هذا لفظه: ذكر المهدي والإمام، قال: وبإسناده: إن معاوية أقبل يوماً على بني هاشم فقال: إنكم تريدون أن تستحقوا الخلافة بما استحققتم به النبوة ولم يجتمعا لأحد، ولعمري إن حجتكم في الخلافة مشتبهة على الناس! إنكم تقولون نحن أهل بيت الله فما بال النبوة محلها فينا والخلافة في غيرنا؟ وهذه شبهة لها تمويه، وإنما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق حتى تعرف، وإنما الخلافة تنقلب في أحياء قريش برضا العامة وشورى الخاصة فلم يقل الناس ليت بني هاشم ولَوْنا، وإن بني هاشم لو ولونا لكان خيراً لنا في ديننا ودنيانا، فلا هم اجتمعوا على غيركم يمنعوكم، ولو زهدتهم فيها أمس لم تقاتلوننا عليها اليوم؟ وقد زعمتم أن لكم ملكاً هاشمياً ومهدياً قائماً، والمهدي عيسى بن مريم، وهذا الأمر في أيدينا حتى نسلمه إليه، ولعمري لئن ملكتم ما ريح عاد ولا صاعقة ثمود بأهلك للناس منكم، ثم سكت! فقام فيهم عبد الله بن عباس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما قولك إنا لا نستحق الخلافة بالنبوة فإذا لم نستحق الخلافة بالنبوة فبمَ نستحق؟!
وأما قولك إن الخلافة والنبوة لم يجتمعا لأحد، فأين قول لله سبحانه وتعالى: (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً). فالكتاب النبوة، والحكمة السنة والملك الخلافة، ونحن آل إبراهيم، أمر الله فينا وفيهم واحد والسنة فينا
وفيهم جارية، وأما قولك: إن حجتنا مشتبهة فهي والله أضوأ من الشمس وأنور من القمر، وإنك لتعلم ذلك ولكن ثنى عطفَك وصعَّرَ خَدَّك قَتْلُنا أخاك وجدك وعمك وخالك فلا تبك على عظام حائلة وأرواح زائلة في الهاوية، ولا تغضبن لدماء أحلها الشرك ووضعها الإسلام! فأما ترك الناس أن يجتمعوا علينا، فما حرموا منا أعظم مما حرمنا منهم، وكل أمر إذا حصل حاصله ثبت حقه وزال باطله! وأما قولك إنا زعمنا أن لنا ملكاً مهدياً فالزعم في كتاب الله شك قال الله سبحانه وتعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُن)، فكلٌّ يشهد أن لنا ملكاً وأن لنا مهدياً لو لم يبق إلا يوم واحد لبعثه الله لأمره يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، لا تملكون يوماً إلا ملكنا يومين ولا شهراً إلا ملكنا شهرين ولا حولاً إلا ملكنا حولين! وأما قولك إن المهدي عيسى بن مريم فإنما ينزل عيسى على الدجال فإذا رآه ذاب كما تذوب الشحمة، والإمام رجل منا يصلي عيسى خلفه ولو شئت سميته. وأما ريح عاد وصاعقة ثمود فإنها كانتا عذاباً وملكنا رحمة). ومثله أمالي المفيد/14، وعنه كشف الغمة: 2/51.
لكن معاوية لم يكتف بذلك، بل رتب من يروي له أن النبي (صلى الله عليه وآله) دعا له ووصفه بأنه الهادي المهدي! فصرت ترى في مسند أحمد: 4/216، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة الأزدي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه ذكر معاوية وقال: اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به). ورواه الترمذي: 5/350، وغيره، من مصادر حديثهم! ثم رتب معاوية شهادات علماء البلاط ومن أشربوا بني أمية بأن معاوية هو المهدي الموعود! ففي تاريخ دمشق: 59/172: (عن الأعمش عن مجاهد قال: لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي). (ونهاية ابن كثير: 8/143).
وقد ضعَّف الخلال نسبة هذين القولين إلى قتادة ومجاهد، فقال في السنة: 2/438: (عن قتادة قال: لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم: هذا المهدي. في إسناده عمرو بن جبلة لم أتوصل إلى معرفته، أخبرنا محمد بن سليمان بن هشام
قال ثنا أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن مجاهد قال لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي. إسناده ضعيف). كما ضعف الهيثمي في مجمع الزوائد: 9/357، نسبة ذلك إلى الأعمش أيضاً، قال: (وعن الأعمش قال: لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي. رواه الطبراني مرسلاً، وفيه يحيى الحماني وهو ضعيف). انتهى.
لكن ابن تيمية الأشد أمويةً من بني أمية لم يهتم لتضعيف الخلال والهيثمي وصحح ذلك في منهاجه: 6/233 فقال: (يونس عن قتادة قال: لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم هذا المهدي، وكذلك رواه ابن بطة بإسناده الثابت من وجهين عن الأعمش عن مجاهد قال: لو أدركتم معاوية لقلتم هذا المهدي! عن أبي إسحاق يعني السبيعي أنه ذكر معاوية فقال: لو أدركتموه أو أدركتم أيامه لقلتم كان المهدي)!
كما ضرب بعرض الحائط شهادة إمامه عبد الله بن عمرو العاص بأن معاوية لا كرامة له حتى يوصف بأنه المهدي! فقد روى ابن طاووس في الملاحم/326، أن عبد الله بن عمرو ذكر المهدي فقال أعرابي: هو معاوية بن أبي سفيان! فقال عبد الله بن عمرو: لا ولا كرامة، بل هو الذي ينزل عليه عيسى بن مريم). انتهى.
وقال الحافظ السقاف في تناقضات الألباني الواضحات: 2/229: (أورد الألباني حديث عبد الرحمن بن أبي عميرة مرفوعاً: اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به! يعني معاوية، وهذا حديث لا يصح بحال لوجوه: أولاً: قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء: 3/132، عن إسحاق بن راهويه أنه قال: لا يصح عن النبي (صلى الله عليه وآله) في فضل معاوية شيء. ثانياً: هذا الحديث بالخصوص نص حذاق المحدثين على أنه لا يصح. قال أبو حاتم الرازي كما في علل الحديث لابنه: 2/362: إن عبد الرحمن بن أبي عميرة لم يسمع هذا الحديث من النبي (صلى الله عليه وآله). وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب: 6/220، نقلاً عن الحافظ ابن عبد البر إن عبد الرحمن بن أبي عمير هذا: لا تصح صحبته، ولا يثبت إسناد حديثه)!
ثالثاً: طرق هذا الحديث تدور على سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد عن عبد
الرحمن بن عميرة به. وسعيد بن عبد العزيز اختلط كما أقر واعترف هناك الألباني. وقد زعم الألباني أنه قد تابعه جمع! ولم يَصْدُق! لأن من رجع إلى المتابعات التي زعمها في كتابه وجدها كلها تدور على سعيد بن عبد العزيز، وسعيد هذا اختلط كما قال أبو مسهر، وكذا قال أبو داود ويحيى بن معين كما تجد ذلك في التهذيب: 4/54، وقد اعترف الألباني باختلاطه في مواضع منها في ضعيفته: 3/393، ومنها في صحيحته: 2/647 وغير ذلك فكيف يصح هذا أيضاً؟! فما على الألباني إلا أن ينقل الحديث للضعيفة)!
أقول: راجع أيضاً تحقيق السقاف لكتاب دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه لابن الجوزي/235. ويكفي للجواب على زعم معاوية وأتباعه كابن تيمية والألباني، أن يقال لهم: ما بال إمامكم معاوية المهدي من ربه لم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً؟! لكن مشكلة مبغضي أهل البيت (عليهم السلام) أنهم يرون أنهم مضطرون لمصادرة البشارة النبوية بالمهدي (عليه السلام) من أهل البيت (عليهم السلام) ويتبنوا النص الأموي (المهدي رجل من أمتي)، لينطبق على معاوية، أو أي ناصبي آخر!
6 - موسى بن طلحة ثاني من ادعى أنه المهدي الموعود!
كان عند عائشة مشروع في زمن أبيها أن تبقى الخلافة بعد أبيها لبني تيم، لأخيها عبد الرحمن بن أبي بكر، فإن لم يمكن فلابن عمها طلحة بن عبيد الله التيمي! لكنها تفاجأت هي وطلحة بموت أبي بكر مسموماً وأنه أوصى إلى عمر، فدخل طلحة على أبي بكر غاضباً معترضاً: (لمَّا استخلفه أبو بكر كره خلافته طائفة حتى قال له طلحة: ماذا تقول لربك إذا وليت علينا فظاً غليظاً؟! فقال: أبا لله تخوفوني؟ أقول: وليت عليهم خير أهلك). (منهاج السنة2: 170 ط. بولاق، وقد حرفه الوهابيون! راجع: 6/155، و349، و: 7/461، من طبعتهم في برنامج مؤلفات الشيخ والتلميذ). لكن عائشة واصلت عملها، واعتبرت أنها خسرت جولةً ولم تخسر المشروع! وغاية ما حققته في عهد عمر أنها أدخلت طلحة في الشورى، التي ولدت ميتة لأنه حق النقض فيها لعبد الرحمن بن عوف صهر عثمان!
أما في عهد عثمان فاصطدمت به وأطلقت شعارات شديدة ضده، حتى دعت إلى
عزله أو قتله، وكان حسابها مبنياً على مكانة أبي بكر ومكانتها، وأن طلحة من كبار الصحابة والمتمولين، فهو يستطيع بمساعدة ابنة عمه أم المؤمنين أن يطرح نفسه بعد عثمان، ويقنع الصحابة ببيعته! لكنها فوجئت ببيعة الصحابة لعلي (عليه السلام)، فغضبت وقادت حرب الجمل، لكنها خسرتها وخسرت ابن عمها طلحة وابن أختها الزبير.
وعندما جاءت موجة معاوية اختارت عائشة المعارضة الهادئة معه، ثم صعدتها هي وأخوها عبد الرحمن، كما أوضحناه في المجلد الثاني من جواهر التاريخ، فما كان من معاوية إلا أن قتل عبد الرحمن، ويقال إنه قتل عائشة! وبموتها انتهى مشروع بني تيم لأخذ الخلافة، لكن تنظير عائشة بقي في مصادر المسلمين تنادي بأن النبي (صلى الله عليه وآله) أوصى بالخلافة إلى أبي بكر وأولاده! وأهمه حديث في صحيح مسلم: 7/110! قالت عائشة: (قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه: أدعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل: أنا أولى) انتهى!
ولا بد أن تكون دعواها هذه بعد وفاة عمر لأن أبا بكر وعمر قالا إن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يوص إلى أحد، ولو كان هذا النص صحيحاً لاحتجَّا به! وإنما احتجَّا بأن محمداً من قريش وأن قريشاً وكلتهما بسلطانه فهما أولى به! قال عمر: (ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين. مَنْ ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته، إلا مُدْلٍ بباطل أو متجانفٌ لإثم أو متورطٌ في هلكة). (تاريخ الطبري: 2/457). بل لو كان صحيحاً لاحتج به طلحة عندما اعترض على أبي بكر لإخراجه الخلافة من بني تيم!
ومن باب التعويض: ادعى بنو تيْم أن موسى بن طلحة هو المهدي الموعود! لكن دعواهم ماتت بموته! ولا ندري هل كانت عائشة وراء ذلك؟ وهل روت فيه شيئاً ولم يصلنا! فقد تحدثت الروايات عما بعد وفاتها: (لما خرج المختار بالكوفة قدم علينا (إلى البصرة) موسى بن طلحة وكانوا يرونه في زمانهم المهدي فغشيه الناس)! (تاريخ دمشق: 60/431 وتهذيب الكمال: 29/85، وسير الذهبي: 4/365، وابن حماد: 1/158، والداني: 1/158،
والحلية: 4/371، وغيرها).
7 - ادعى الحسنيون مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى
يظهر أن ادعاء المهدية كان موجة في أواخر القرن الأول الهجري، بعد أن ضاق المسلمون ذرعاً بالتسلط الأموي، فانتشرت بينهم أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) عن ظلامة أهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) والبشارة بمهديهم. فكان ذلك أرضية لادعاء المهدية لعدد من بني هاشم، وغيرهم أيضاً كموسى بن طلحة التيمي. وفي مطلع القرن الثاني ادعيت المهدية لاثنين اسم كل منهما محمد واسم أبيه عبد الله، وهما محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى، ومحمد بن عبد الله المنصور المعروف بالمهدي العباسي، وحاول أنصار كل منهما أن يطبقوا أحاديث المهدي الموعود على صاحبهم، ولذلك رجحنا أن تكون زيادة (واسم أبيه اسم أبي) في البشارة النبوية لمصلحة أحدهما أو كليهما!
وزاد العباسيون على ذلك، فوضعوا أحاديث تنص على أن المهدي الموعود من أولاد العباس! وقد تبرأ منها علماء الحديث وشهدوا بأنها مكذوبة كتلك التي تزعم أن المهدي (عليه السلام) من أولاد عمر، أو من بني أمية!
ومن الملاحظ أن مغامرات ادعاء المهدية مغرية، لكنها بسبب الضبط النبوي تنكشف بسرعة عندما لا يستطيع المهدي المزعوم أن يعمم الإسلام على العالم ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، أو يعطي المال حثياً بغير عد! وعندما يظهر للناس أنه لا يتصف بالعلم والعصمة والهداية من ربه، وبقية الصفات الاستثنائية للمهدي (عليه السلام).
ويبدو أن عبد الله بن الحسن المثنى كان أبرع من ادعاها لولده محمد، فقد خطط لذلك من طفولة ابنه فسماه محمداً لأن المهدي (عليه السلام) على اسم النبي (صلى الله عليه وآله) ثم رباه تربية خاصة وحجبه عن الناس وأشاع حوله الأساطير! ففي تهذيب الكمال: 25/467: (وقال داود بن عبد الله الجعفري، عن الدراوردي عن ابن أخي الزهري: تجالسنا بالمدينة أنا وعبد الله بن حسن فتذاكرنا المهدي، فقال عبد الله بن حسن: المهدي من ولد الحسن بن علي. فقلت: يأبى ذاك علماء أهل بيتك. فقال عبد الله: المهدي والله من
ولد الحسن بن علي ثم من ولدي خاصة). انتهى.
ويظهر أن عبد الله كان يدعيها أول الأمر لنفسه، قال في مقاتل الطالبيين/239: (لم يزل عبد الله بن الحسن منذ كان صبياً يتوارى ويراسل الناس بالدعوة إلى نفسه ويسمى بالمهدي)! انتهى. ثم خطط أن يدعيها لابنه، فهو وراء زيادة (اسم أبيه اسم أبي)! وقد وصفوه بقوة الشخصية والقدرة على الإقناع، وقد أقنع بمهدية ابنه حلفاءه العباسيين ومنهم المنصور، فقد روى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين/239، عن عمير بن الفضل الخثعمي قال: (رأيت أبا جعفر المنصور يوماً وقد خرج محمد بن عبد الله بن الحسن من دار ابنه وله فرس واقف على الباب مع عبد له أسود وأبو جعفر ينتظره، فلما خرج وثب أبو جعفر فأخذ بردائه حتى ركب، ثم سوى ثيابه على السرج ومضى محمد، فقلت وكنت حينئذ أعرفه ولا أعرف محمداً: من هذا الذي أعظمته هذا الإعظام حتى أخذت بركابه وسويت عليه ثيابه؟ قال: أو ما تعرفه؟! قلت: لا. قال: هذا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن مهدينا أهل البيت)!
وقال في/244: (لهجت العوام بمحمد تسميه بالمهدي)! انتهى. وذلك بدعاية الحسنيين وحلفائهم العباسيين، قبل أن ينقلبوا عليهم ويدعوا المهدية لأنفسهم!
وقد روت مصادر التاريخ ما جرى في مؤتمر الأبواء الذي دعا له الحسنيون من أجل بيعة المهدي! ففي مقاتل الطالبيين/140: عن عمر بن شبة وعدة رواة ومؤرخين عاصروا تلك الفترة قال: إن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء وفيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وأبو جعفر المنصور، وصالح بن علي، وعبد الله بن الحسن بن الحسن، وابناه محمد وإبراهيم، ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان. فقال صالح بن علي: قد علمتم أنكم الذين تمد الناس أعينهم إليهم، وقد جمعكم الله في هذا الموضع فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إياها من أنفسكم، وتواثقوا على ذلك حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين. فحمد الله عبد الله بن الحسن وأثنى عليه ثم قال: قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي فهلموا فلنبايعه.
وقال أبو جعفر(المنصور): لأي شيء تخدعون أنفسكم ووالله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أطول أعناقاً ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى، يريد محمد بن عبد الله. قالوا: قد والله صدقت إن هذا لهو الذي نعلم! فبايعوا جميعاً محمداً ومسحوا على يده. قال عيسى: وجاء رسول عبد الله بن الحسن إلى أبي أن ائتنا فإننا مجتمعون لأمر وأرسل بذلك إلى جعفر بن محمد، هكذا قال عيسى. وقال غيره: قال لهم عبد الله بن الحسن: لا نريد جعفراً لئلا يفسد عليكم أمركم! قال عيسى: فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا عليه، وأرسل جعفر بن محمد محمد بن عبد الله الأرقط بن علي بن الحسين فجئناهم فإذا بمحمد بن عبد الله يصلي على طنفسة رجل مثنية، فقلت: أرسلني أبي إليكم لأسألكم لأي شيء اجتمعتم؟ فقال عبد الله: اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد الله. قالوا: وجاء جعفر بن محمد فأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه فتكلم بمثل كلامه، فقال جعفر: لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد! إن كنت ترى يعني عبد الله أن ابنك هذا هو المهدي فليس به ولا هذا أوانه، وإن كنت إنما تريد أن تخرجه غضباً لله وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك. فغضب عبد الله وقال: علمتَ خلاف ما تقول! ووالله ما أطلعك الله على غيبه ولكن يحملك على هذا الحسد لابني! فقال: والله ما ذاك يحملني ولكن هذا وإخوته وأبناؤهم دونكم وضرب بيده على ظهر أبي العباس، ثم ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن، وقال: إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك ولكنها لهم وإن ابنيك لمقتولان! ثم نهض وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري. فقال: أرأيت صاحب الرداء الأصفر يعني أبا جعفر؟ قال: نعم. قال: فإنا والله نجده يقتله! قال له عبد العزيز: أيقتل محمداً؟ قال: نعم. قال: فقلت في نفسي: حسده ورب الكعبة! قال: ثم والله ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما! قال: فلما قال جعفر ذلك انفضَّ القوم فافترقوا ولم يجتمعوا بعدها، وتبعه عبد الصمد وأبو جعفر فقالا: يا أبا عبد الله أتقول هذا؟ قال: نعم أقوله والله، وأعلمه).
انتهى.
وفي/142: (عن عنبسة بن نجاد العابد قال: كان جعفر بن محمد إذا رأى محمد بن عبد الله بن حسن تغرغرت عيناه ثم يقول: بنفسي هو، إن الناس ليقولون فيه إنه المهدي وإنه لمقتول! ليس هذا في كتاب أبيه علي من خلفاء هذه الأمة).
ثم روى ذلك أيضاً برواية ثانية في/171، عن عدة مؤرخين وشهود قال: (إن بني هاشم اجتمعوا فخطبهم عبد الله بن الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنكم أهل البيت قد فضلكم الله بالرسالة واختاركم لها، وأكثركم بركة يا ذرية محمد (صلى الله عليه وآله) بنو عمه وعترته، وأولى الناس بالفزع في أمر الله، من وضعه الله موضعكم من نبيه (صلى الله عليه وآله)، وقد ترون كتاب الله معطلاً وسنة نبيه متروكة والباطل حياً والحق ميتاً. قاتلوا لله في الطلب لرضاه بما هو أهله قبل أن ينزع منكم اسمكم، وتهونوا عليه كما هانت بنو إسرائيل وكانوا أحب خلقه إليه. وقد علمتم أنا لم نزل نسمع أن هؤلاء القوم إذا قتل بعضهم بعضاً خرج الأمر من أيديهم، فقد قتلوا صاحبهم يعني الوليد بن يزيد فهلمَّ نبايع محمداً فقد علمتم أنه المهدي. فقالوا: لم يجتمع أصحابنا بعد ولو اجتمعوا فعلنا، ولسنا نرى أبا عبد الله جعفر بن محمد! فأرسل إليه ابن الحسن فأبى أن يأتي فقام وقال: أنا آت به الساعة، فخرج بنفسه حتى أتى مضرب الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحرث فأوسع له الفضل ولم يصدره، فعلمت أن الفضل أسن منه فقام له جعفر وصدره فعلمت أنه أسن منه. ثم خرجنا جميعاً حتى أتينا عبد الله فدعا إلى بيعة محمد فقال له جعفر: إنك شيخ وإن شئت بايعتك وأما ابنك فوالله لا أبايعه وأدعك. وقال عبد الله الأعلى في حديثه: إن عبد الله بن الحسن قال لهم: لا ترسلوا إلى جعفر فإنه يفسد عليكم فأبوا، قال: فأتاهم وأنا معهم فأوسع له عبد الله إلى جانبه وقال: قد علمت ما صنع بنا بنو أمية، وقد رأينا أن نبايع لهذا الفتى. فقال: لا تفعلوا فإن الأمر لم يأت بعد! فغضب عبد الله.. إلى آخر ما تقدم...)! والإرشاد/276، وإعلام الورى/271 و272، ومناقب ابن شهرآشوب: 4/228، وفيه: إنها
والله ما هي إليك ولا إلى ابنك، وإنما هي لهذا يعني السفاح، ثم لهذا يعني المنصور، يقتله على أحجار الزيت، ثم يقتل أخاه بالطفوف وقوائم فرسه في الماء، فتبعه المنصور فقال: ما قلت يا أبا عبد الله؟ فقال: ما سمعته وإنه لكائن، قال: فحدثني من سمع المنصور أنه قال: انصرفت من وقتي فهيأت أمري فكان كما قال). وإثبات الهداة: 3/112، عن إعلام الورى، وعنه وعن الإرشاد البحار: 47/276.
وفي النعماني/229، عن يزيد بن أبي حازم قال: خرجت من الكوفة، فلما قدمت المدينة دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسلمت عليه فسألني: هل صاحبك أحد؟ فقلت: نعم، فقال: أكنتم تتكلمون؟ قلت: نعم، صحبني من المغيرية. قال فما كان يقول؟ قلت: كان يزعم أن محمد بن عبد الله بن الحسن هو القائم، والدليل على ذلك أن اسمه اسم النبي (صلى الله عليه وآله) واسم أبيه اسم أبي النبي (صلى الله عليه وآله)، فقلت له في الجواب: إن كنت تأخذ بالأسماء فهو ذا في ولد الحسين محمد بن عبد الله بن علي، فقال لي: إن هذا ابن أمَة، يعني محمد بن عبد الله بن علي، وهذا ابن مهيرة يعني محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فما رددت عليه؟ فقلت: ما كان عندي شيء أرد عليه فقال: أو لم تعلموا أنه ابن سبية يعني القائم (عليه السلام)). والبحار: 51/42، وإثبات الهداة: 3/539.
هذا، ورجحنا في جواهر التاريخ: 3/ أن يكون مهدي الحسنيين أو العباسيين أو غيرهما في لسانه ثقلٌ يحتبس عليه الكلام فيضرب بيده على فخذه فوصفوا المهدي (عليه السلام) بها لتنطبق على صاحبهم! راجع ابن حماد: 1/365.
8 - كذِبَ العباسيون على النبي (صلى الله عليه وآله) وزعموا أن المهدي (عليه السلام) منهم!
في تاريخ بغداد: 2/63، عن ابن عباس قال: حدثتني أم الفضل بنت الحارث الهلالية قالت: مررت بالنبي (صلى الله عليه وآله) وهو في الحجر فقال: يا أم الفضل إنك حامل بغلام قالت: يا رسول الله وكيف وقد تحالف الفريقان أن لا يأتوا النساء؟ قال: هو ما أقول لك، فإذا وضعتيه فأتيني به قالت: فلما وضعته أتيت به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأذن في أذنه
اليمنى وأقام في أذنه اليسرى، وقال: اذهبي بأبي الخلفاء، قالت: فأتيت العباس فأعلمته، فكان رجلاً جميلاً لبَّاساً، فأتى النبي فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام إليه فقبل بين عينيه ثم أقعده عن يمينه ثم قال: هذا عمي فمن شاء فليباه بعمه قالت: يا رسول الله بعض هذا القول، فقال: يا عباس لم لا أقول هذا القول وأنت عمي وصنو أبي وخير من أخلف بعدي من أهلي! فقلت: يا رسول الله ما شيء أخبرتني به أم الفضل عن مولودنا هذا؟ قال: نعم يا عباس، إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة فهي لك ولولدك، منهم السفاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهدي).
وفي تاريخ بغداد: 3/343، عن هشام بن محمد الكلبي أنه كان عند المعتصم في أول أيام المأمون حين قدم المأمون بغداد، فذكر قوماً بسوء السيرة فقلت له: أيها الأمير إن الله تعالى أمهلهم فطغوا وحلم عنهم فبغوا، فقال لي: حدثني أبي الرشيد، عن جدي المهدي، عن أبيه المنصور، عن أبيه محمد بن علي، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه: أن النبي (صلى الله عليه وآله) نظر إلى قوم بني فلان يتبخترون في مشيهم، فعرف الغضب في وجهه ثم قرأ: (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)، فقيل له: أي الشجر هي يا رسول الله حتى نجتثها؟ فقال: ليست بشجرة نبات، إنما هم بنو فلان، إذا ملكوا جاروا وإذا ائتمنوا خانوا ثم ضرب بيده على ظهر العباس قال: فيخرج الله من ظهرك يا عم رجلاً يكون هلاكهم على يديه). وتاريخ دمشق: 4/178، كرواية الخطيب الأولى. وعنه ذخائر العقبى/236، وعن السهمي في الفضائل، وابن حبان والملا في سيرته، وقال: وزاد فيه: إن هذا ابنك أبو الخلفاء منهم السفاح ومنهم المهدي، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى بن مريم. والزوائد: 5/187، كرواية الخطيب الأولى، عن أوسط الطبراني، وفيه: وهي في أولادهم حتى يكون آخرهم الذي يصلي بالمسيح عيسى بن مريم. وفي الأوسط: 10/115، عن ابن عباس، وفيه: هي لك يا عباس بعد ثنتين وثلاثين ومائة، ثم منكم السفاح والمنصور والمهدي، ثم هي في أولادهم حتى يكون آخرهم الذي يصلي بالمسيح عيسى بن مريم!
وفي ابن حماد: 1/121، و400، عن كعب قال: المنصور والمهدي والسفاح من ولد العباس. وفي عيون الأخبار لابن قتيبة: 1/302، عن ابن عباس، أنه كان إذا سمعهم
يقولون: يكون في هذه الأمة اثنا عشر خليفة، قال: ما أحمقكم! إن بعد الاثني عشر ثلاثة منا: السفاح والمنصور والمهدي يسلمها إلى الدجال. قال أبو اسمة: تأويل هذا عندنا أن ولد المهدي يكونون بعده إلى خروج الدجال. والحاكم: 4/514، وصححه: عن مجاهد قال: قال لي عبد الله بن عباس: لو لم اسمع أنك منا أهل البيت ما حدثتك بهذا الحديث! قال فقال مجاهد: فإنه في ستر لا أذكره لمن نكره، قال فقال ابن عباس: منا أهل البيت أربعة: منا السفاح، ومنا المنذر، ومنا المنصور، ومنا المهدي، قال فقال له مجاهد: فبين لي هؤلاء الأربعة، فقال: أما السفاح فربما قتل أنصاره وعفا عن عدوه، وأما المنذر قال فإنه يعطي المال الكثير لا يتعاظم في نفسه ويمسك القليل من حقه. وأما المنصور فإنه يعطى النصر على عدوه الشطر مما كان يعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يرعب منه عدوه على مسيرة شهرين، والمنصور يرعب عدوه منه على مسيرة شهر. وأما المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وتأمن البهائم والسباع، وتلقي الأرض أفلاذ كبدها. قال قلت: وما أفلاذ كبدها؟ قال: أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة). وفي دلائل النبوة: 6/513، عن سعيد بن جبير قال: سمعنا عبد الله بن عباس ونحن نقول: اثنا عشر أميراً ثم لا أمير واثنا عشر أميراً ثم هي الساعة. فقال ابن عباس: ما أحمقكم: إن منا أهل البيت بعد ذلك المنصور، والسفاح، والمهدي، يدفعها إلى عيسى بن مريم.: وفي/514: يكون منا ثلاثة أهل البيت: سفاح ومنصور ومهدي). ونحوه تاريخ بغداد: 1/62 و63، و: 5/391. وفي: 9/399: عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: منا القائم ومنا المنصور ومنا السفاح ومنا المهدي، فأما القائم فتأتيه الخلافة لم يهرق فيها محجمة من دم، وأما المنصور فلا ترد له راية، وأما السفاح فهو يسفح المال والدم، وأما المهدي فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً. وفي: 10/48 عن ابن عباس قال: والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لأدال الله من بني أمية! ليكونن منا السفاح، والمنصور، والمهدي).
وفي ذخائر العقبى/205، عن ابن عباس عن أبيه أن النبي (صلى الله عليه وآله) نظر إليه مقبلاً فقال: هذا عمي أبو الخلفاء، أجود قريش كفاً وأجملها، وإن من ولده السفاح والمنصور والمهدي، وقال: أخرجه الحافظ أبو القاسم السهمي). وفي البداية والنهاية: 6/246، عن رواية دلائل النبوة الأولى وقال: وهذا إسناد ضعيف، والضحاك لم يسمع من ابن عباس شيئاً على الصحيح. فهو منقطع).
وفي مقدمة ابن خلدون/253، وقال: هو من رواية إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه. وإسماعيل ضعيف وإبراهيم أبوه وإن خرج له مسلم فالأكثرون على تضعيفه. وقال الحافظ ابن الصديق المغربي/543: وقال(الحاكم) صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي بأن إسماعيل مجمع على ضعفه، وأباه ليس بذلك).
وفي جامع السيوطي: 5/375، عن أم سلمة عن النبي (صلى الله عليه وآله): لن تزال الخلافة في ولد عمي صنو أبي العباس حتى يسلموها إلى الدجال)! إلى آخر مصادره، وهي كثيرة!
لكنَّ نُقَّاد الحديث شهدوا في عدد منها أنها موضوعة! كما في حاوي السيوطي: 2/85: قال الدارقطني: هذا حديث غريب، تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم. يقصد مولى العباسيين. وقال في إسعاف الراغبين/151: وفي إسناده وُضَّاع ولم يسمعهم). وفي فيض القدير: 6/278: قال ابن عدي: يضع الحديث ويصله ويسرق ويقلب الأسانيد والمتون. وقال ابن أبي معشر: هو كذاب. وقال السمهودي: ما بعده وما قبله أصح منه، وأما هذا ففيه محمد بن الوليد وضاع، مع أنه لو صح حمل على المهدي ثالث العباسيين). وقال الحافظ المغربي/563: وهو غريب منكر، وقد جُمع بأنه عباسي الأم حسني الأب وليس بذاك. بل الحديث لا يصح.
وفي الإذاعة/135، عن الإفراد، والجامع الصغير، وقال: قال الشوكاني في التوضيح قلت: ويمكن الجمع بين هذه الثلاثة أحاديث وبين سائر الأحاديث المتقدمة بأنه من ولد العباس من جهة أمه، فإن أمكن الجمع بهذا، وإلا فالأحاديث أنه من ولد النبي (صلى الله عليه وآله) أرجح). وفي صواعق ابن حجر/237، كما في ذخائر العقبى، وقال: سند كل منها ضعيف وعلى تقدير صحتهما لا ينافي كون المهدي من ولد فاطمة المذكور في الأحاديث التي هي أصح وأكثر، لأنه مع ذلك فيه شعبة من بني العباس، كما أن فيه شعبة من بني الحسين). انتهى.
أقول: من عجائبهم أنهم بعد اعترافهم بأن واضع هذه الأحاديث كلها أو أصلها هو محمد بن الوليد غلام بني عباس الكذاب الوضَّاع المتروك! ترى الشوكاني وابن حجر وغيرهما يحاولون جعل المهدي (عليه السلام) عباسياً كلياً أو جزئياً وترى الذهبي يتفنن بأن الأحاديث النبوية تقصد مهديَّيْن بنفس الصفات أحدهما عباسي وآخر من ذرية فاطمة! وهو تكلُّف، ولا يخلو من نصب!
أحاديثهم الموضوعة تحريفٌ لحديث صحيح!
لا يبعد أن تكون أحاديثهم المكذوبة تغطية للأحاديث التي روتها العترة النبوية من
أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر العباس بما يكون من أولاده! ففي النعماني/247، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم في البقيع حتى أقبل علي (عليه السلام) فسأل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل إنه بالبقيع فأتاه علي (عليه السلام) فسلم عليه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أجلس فأجلسه عن يمينه ثم جاء جعفر بن أبي طالب فسأل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل له هو بالبقيع، فأتاه فسلم عليه فأجلسه عن يساره ثم جاء العباس فسأل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل له هو بالبقيع، فأتاه فسلم عليه فأجلسه أمامه ثم التفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) فقال: ألا أبشرك ألا أخبرك يا علي؟ فقال: بلى يا رسول الله فقال: كان جبرئيل عندي آنفاً وأخبرني أن القائم الذي يخرج في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً من ذريتك من ولد الحسين، فقال علي: يا رسول الله ما أصابنا خير قط من الله إلا على يديك. ثم التفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى جعفر بن أبي طالب فقال: يا جعفر ألا أبشرك ألا أخبرك؟ قال: بلى يا رسول الله فقال: كان جبرئيل عندي آنفاً فأخبرني أن الذي يدفعها إلى القائم من ذريتك، أتدري من هو؟ قال لا، قال: ذاك الذي وجهه كالدينار وأسنانه كالمنشار وسيفه كحريق النار، يدخل الجند ذليلاً ويخرج منه عزيزاً يكتنفه جبرئيل وميكائيل.
ثم التفت إلى العباس فقال: يا عم النبي ألا أخبرك بما أخبرني به جبرئيل (عليه السلام)؟ فقال: بلى يا رسول الله، قال: قال لي جبرئيل ويلٌ لذريتك من ولد العباس! فقال: يا رسول الله أفلا أجتنب النساء؟ فقال له (صلى الله عليه وآله): قد فرغ الله مما هو كائن).
وفي النعماني/248، عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي: يا عباس ويلٌ لذريتي من ولدك وويلٌ لولدك من ولدي، فقال: يا رسول الله أفلا أجتنب النساء، أو قال: أفلا أجبُّ نفسي؟ قال: إن علم الله (عزَّ وجلَّ) قد مضى، والأمور بيده وإن الأمر سيكون في ولدي).
وفي كتاب سُليم/427: (إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة ولم يرض لنا الدنيا. قال: ثم أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ابن عباس فقال: أما إن أول هلاك بني أمية بعد ما يملك
منهم عشرة على يد ولدك فليتقوا الله وليرقبوا في ولدي وعترتي فإن الدنيا لم تبق لأحد قبلنا ولا تبقى لأحد بعدنا. دولتنا آخر الدول يكون مكان كل يوم يومين ومكان كل سنة سنتين. ومنا من وُلدي من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
وادعى المنصور أن ابنه هو المهدي الموعود!
لم يكتف العباسيون بادعاء أن رايات خراسان الموعودة لنصرة المهدي (عليه السلام) هي رايات ثورتهم بيد أبي مسلم الخراساني، ولا بالأحاديث التي وضعوها وزعموا فيها أن النبي (صلى الله عليه وآله) بشر العباس بأن الملك في أولاده حتى يخرج الدجال وأن المهدي منهم! بل توصل المنصور وهو معاويةُ بني عباس، إلى أنه حان الوقت بعد أن قتل أبناء عبد الله بن الحسن المثنى ومنهم محمد بن عبد الله الذي ادعوا له المهدية، لأن يجعل ابنه محمد بن عبد الله المهدي الموعود!
وقد سجل المؤرخون أنه لما استحكم له الأمر وكبر ابنه الذي سماه محمد، ابتكر أن يأخذ له البيعة على أنه المهدي الموعود لأنه محمد بن عبد الله، فكان عليه أن يُشهد الفقهاء والقضاة أن أوصاف المهدي في أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) تنطبق عليه! وكان عليه أن يعزل ولي عهده أخاه عيسى بن موسى العباسي، الذي نصبه الخليفة السفاح، فأحضره وفاوضه وهدده وأذله حتى خلع نفسه! وعقد المنصور مجلساً (شرعياً) لإعلان ولده ولي عهده والمهدي الموعود من الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله)! قال الذهبي في تاريخه: 9/49: (وكان السفاح لما احتضر جعل الخلافة للمنصور ثم بعده لعيسى، وقد لاطفه المنصور وكلمه بألين الكلام في ذلك (خلع نفسه) فقال: يا أمير المؤمنين فكيف بالأيمان والعهود والمواثيق التي عليَّ وعلى المسلمين، فلما رأى المنصور امتناعه تغير له وأعرض عنه، وجعل يقدم المهدي عليه في المجالس، ثم شرع المنصور يدس من يحفر عليه بيته ليسقط عليه، فجعل يتحفظ ويتمارض. وقيل بل سقاه المنصور فاستأذن في الذهاب إلى الكوفة ليتداوى وكان الذي جرأه
على ذلك طبيبه بختيشوع وقال له: والله ما أجسر على معالجتك وما آمن على نفسي فأذن له المنصور، وبلغت العلة من عيسى كل مبلغ حتى تمعط شعره! ثم إنه نصل من علته ثم سعى موسى ولد عيسى بن موسى في أن يطيع أبوه المنصور خوفاً عليه منه وعلى نفسه، ودبر حيلة أوحاها إلى المنصور فقال: مُرْ بخنقي قُدَّامَ أبي إن لم يخلع نفسه! قال: فبعث المنصور من فعل به ذلك فصاح أبوه وأذعن بخلع نفسه وقال: هذه يدي بالبيعة للمهدي)!! والآداب السلطانية لابن الطقطقي/119).
وهكذا تم للمنصور ما أراد، وعقد المجلس الشرعي في قصر الرصافة الذي بناه خصيصاً لولده المهدي! وأحضر الفقهاء والقضاة فشهدوا وبايعوا ولي عهده المهدي المنتظر! (وخطب المنصور الناس وأعلمهم ما جرى في أمر عيسى من تقديم المهدي عليه ورضاه بذلك وتكلم عيسى وسلم الأمر للمهدي فبايع الناس على ذلك بيعة محددة للمهدي ثم لعيسى من بعده). (تاريخ دمشق: 48/9).
ولكنهم شهدوا أن هذا (المهدي) كان فاجراً فلم يملأ الأرض عدلاً، بل زادها ظلماً وجوراً! ولم يعط المال للناس حثياً بدون عد، بل صادر أموال المسلمين وزادهم فقراً! وروت مصادرهم أنه كان خماراً زماراً سفاكاً للدماء، وأنه أنجب للمسلمين ابنة مغنية ضرابة عود هي عُلَيِّة العباسية المشهورة. (خزانة الأدب: 11/217) وكان مغرماً بتطيير الحمام فحرَّف الرواة له حديث النبي (صلى الله عليه وآله): (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) فأضافوا له (أو جناح) فأمر للراوي بصرة ذهب (مجموعة الرسائل للصافي: 2/424)! وكان عنيفاً سفاكاً لدماء المسلمين فقتل رجلاً لروايته حديثاً عن الأعمش(الصحيح من السيرة: 1/88) ورأى مناماً أن وجهه أسود فعبروه له بأنه يُرزق أنثى فكان كذلك. (الكنى والألقاب: 1/319) وظل يطارد ابن عم أبيه ولي عهده، الذي خلع نفسه من أجله حتى قتله وجعل ابنه موسى ولي عهده! (تهذيب المقال: 2/320). وسلط زوجته الخيزران فكان بيدها زمام أمور الدولة (الطبري: 3/466) وبنى مدينة سيروان في
جبال إيران وسكنها (وبها مات ودفن). (صبح الأعشى: 4/368) وحكم عشر سنين ومات سنة169، وعمره43 سنة (الأخبار الطوال/386 ومعارف ابن قتيبة/379 وفيه 48 سنة). لذلك اضطروا حتى ابن تيمية وابن كثير أن يعترفوا بأنه ليس المهدي الموعود! (منهاج السنة: 4/98، والنهاية: 6/277).
واعترف هارون الرشيد بكذبة أبيه وجده!
في إعلام الورى/ 365 وطبعة: 2/165، عن سليمان بن إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس قال: حدثني أبي قال: كنت يوماً عند الرشيد فذُكر المهدي وما ذكر من عدله فأطنب في ذلك، فقال الرشيد: أحسبكم تحسبونه أبي المهدي حدثني عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب، أن النبي قال له: يا عم، يملك من ولدي اثنا عشر خليفة، ثم تكون أمور كريهة شديدة عظيمة، ثم يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ويمكث في الأرض ما شاء الله، ثم يخرج الدجال). ومثله قصص الأنبياء/369، ومناقب ابن شهرآشوب: 1/292 وطبعة 252، والعدد القوية/89، وفرائد السمطين: 2/329، وعنه كشف الغمة: 3/295، والدر النظيم/796، وإثبات الهداة: 3/591، والبحار: 36/301.
وفي الأغاني: 13/313، عن الفضل بن إياس الهذلي الكوفي أن المنصور كان يريد البيعة للمهدي، وكان ابنه جعفر يعترض عليه في ذلك، فأمر بإحضار الناس فحضروا وقامت الخطباء فتكلموا، وقالت الشعراء فأكثروا في وصف المهدي وفضائله، وفيهم مطيع بن إياس فلما فرغ من كلامه في الخطباء وإنشاده في الشعراء، قال للمنصور: يا أمير المؤمنين حدثنا فلان عن فلان أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: المهدي منا محمد بن عبد الله وأمه من غيرنا، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً! وهذا العباس بن محمد أخوك يشهد على ذلك! ثم أقبل على العباس فقال له: أنشدك الله هل سمعت هذا؟ فقال: نعم، مخافةً من المنصور! فأمر المنصور الناس بالبيعة للمهدي، قال: ولما انقضى المجلس وكان العباس بن محمد لم يأنس به قال: أرأيتم هذا الزنديق إذ
كذب على الله (عزَّ وجلَّ) ورسوله حتى استشهدني على كذبه فشهدت له خوفاً، وشهد كل من حضر عليَّ بأني كاذب! وبلغ الخبر جعفر بن أبي جعفر وكان مطيع منقطعاً إليه يخدمه فخافه وطرده عن خدمته! قال وكان جعفر ماجناً فلما بلغه قول مطيع هذا غاظه وشقت عليه البيعة لمحمد فأخرج(...) ثم قال: إن كان أخي محمد هو المهدي فهذا القائم من آل محمد). راجع في تحريفهم وقبائحهم: تاريخ الطبري: 6/ 269، واليعقوبي: 2/ 395، ومعارف ابن قتيبة/379، والنهاية: 10/111، وسمت النجوم/1094، وشذرات الذهب: 1/219، وعبر الذهبي: 1/207، والتحفة اللطيفة: 2/26، والمنار المنيف/149.
9 - اثنا عشر كذاباً سيدعون المهدية قبيل ظهور الإمام (عليه السلام)
الإرشاد/358، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يخرج القائم حتى يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه). ومثله غيبة الطوسي/267، وإعلام الورى/426، والخرائج: 3/1162، وعنه كشف الغمة: 3/249، وإثبات الهداة: 3/726 والبحار: 52/209.
وفي الكافي: 1/338، والنعماني/151، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ولتُرفعنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يُدرى أيٌّ من أي! قال المفضل: فبكيت، فقال ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ فقلت: كيف لا أبكي وأنت تقول ترفع اثنتا عشرة راية لا يدرى أيٌّ من أي، فكيف نصنع؟ قال فنظر إلى شمس داخلة في الصفة فقال: يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس؟ قلت: نعم. قال: والله لأمرنا أبين من هذه الشمس).
وفي ابن حماد: 1/291: ثم يسير إلى العراق وترفع قبل ذلك ثنتا عشرة راية بالكوفة معروفة منسوبة ويقتل بالكوفة رجل من ولد الحسن أو الحسين يدعو إلى أبيه).
الفصل التاسع: من صفات الإمام المهدي (عليه السلام) البدنية والمعنوية
أجلى الجبهة أقنى الأنف أفلج الثنايا
أبو داود: 4/107، عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يملك سبع سنين). وابن حماد: 1/369، و373، عن أبي سعيد عن النبي (صلى الله عليه وآله) بعدة أحاديث، وفيها: عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: هو رجل مني. وعبد الرزاق: 11/372، عن أبي سعيد الخدري، ولم يرفعه. أجلى الجبهة: الذي انحسر الشعر عن جبهته وخف على جانبيها. أقنى الأنف: طويله مع دقة أرنبته واحديداب في وسطه.
وفي أحمد: 3/17، عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي، أجلى أقنى، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت قبله ظلماً، يكون سبع سنين). وفي أبي يعلى: 2/367، عن أبي سعيد: ليقومن على أمتي من أهل بيتي أقنى أجلى، يوسع الأرض عدلاً كما وسعت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين).
وفي الدر المنثور: 6/57: وأخرج أحمد، وأبو داود، عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله (صلى الله عليه وآله).. ولفظ أبي داود: المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت قبله ظلماً وجوراً، يكون سبع سنين. ومن مصادرنا دلائل الإمامة/251، كما في أبي يعلى بتفاوت يسير، عن أبي سعيد. وفي/258، عن أبي سعيد، كما في أحمد.
وفي سنن الداني/94، عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يقوم في آخر
الزمان رجل من عترتي شاب حسن الوجه أجلى الجبين أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويملك كذا سبع سنين). والسنن في الفتن: 5/1038.
والحاكم: 4/557 وصححه على شرط مسلم، عن أبي سعيد: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدي منا أهل البيت أشم الأنف أقنى أجلى، يعيش هكذا وبسط يساره وإصبعين من يمينه المسبحة والإبهام وعقد ثلاثة). ومعالم السنن: 4/344، عن أبي داود.. الخ.
وابن حماد: 1/373، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: المهدي أجلى الجبين أقنا الأنف). ونحوه عبد الرزاق: 11/372.
والفردوس: 4/221، عن حذيفة، عن النبي (صلى الله عليه وآله): المهدي رجل من ولدي، وجهه كالقمر الدري، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يرضى بخلافته أهل السماء وأهل الأرض والطير في الهواء. يملك عشرين سنة). ومثله العلل المتناهية: 2/858، عن حذيفة.. إلى آخر المصادر. ومثله دلائل الإمامة/233، وعنه العمدة/439، والطرائف: 1/178، بتفاوت يسير، وفيه: واللون منه لون عربي. يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً). لون عربي: حنطي أو أبيض، وقد ورد في صفة المهدي (عليه السلام) أن لونه لون النبي (صلى الله عليه وآله) أبيض مشرب بحمرة. وجسم إسرائيلي: أي طويل مملوء كأجسام أبناء يعقوب (عليه السلام) وقد كان بنو إبراهيم معروفين بكمال أجسامهم وجمالهم، ومعناه أن صفات إبراهيم (عليه السلام) ظاهرة في المهدي (عليه السلام). الطير في الهواء: تعبير عن عموم الرضا بالمهدي (عليه السلام)، وقد يكون حقيقياً بمعنى أن الازدهار يشمل المجتمع والطبيعة.
شيخ السن شاب المنظر لايهرم بمرور الأيام
كمال الدين: 2، 652، عن أبي الصلت الهروي قال قلت للرضا (عليه السلام): ما علامات القائم منكم إذا خرج؟ قال: علامته أن يكون شيخ السن، شاب المنظر، حتى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، وإن من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيام والليالي، حتى يأتيه أجله). وإعلام الورى/435، والخرائج: 3/1170، ومنتخب الأنوار /38، وإثبات الهداة: 3/722، والبحار: 52/285.
وفي النعماني/188 و211، عن علي بن أبي حمزة. عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: لو قد قام القائم لأنكره الناس، لأنه يرجع إليهم شاباً موفقاً، لا يثبت عليه إلا من قد أخذ الله ميثاقه في الذر الأول! وفي غير هذه الرواية أنه قال (عليه السلام): وإن أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شاباً وهم يحسبونه شيخاً كبيراً). وعقد الدرر/41، ومنتخب الأنوار/188 ونحوه غيبة الطوسي/259، وعنه إثبات الهداة: 3/512 و536 و583، والبحار: 52/287، و385.
أبيض اللون، مشرب بحمرة، مبدَّح البطن
كمال الدين: 2/653، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو على المنبر: يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان، شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي (صلى الله عليه وآله)، له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد، وأما الذي يعلن فمحمد، إذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد، وأعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلاً، ولا يبقى ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة وهو في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم صلوات الله عليه). ومثله إعلام الورى/434، والخرائج: 3/1149، وإثبات الهداة: 3/490، والبحار: 51/35.
غائر العينين مشرف الحاجبين عريض ما بين المنكبين
النعماني/215، عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر الباقر (عليه السلام): جعلت فداك إني قد دخلت المدينة وفي حِقْوَيَّ هميان فيه ألف دينار، وقد أعطيت الله عهداً أنني أنفقها ببابك ديناراً ديناراً أو تجيبني فيما أسألك عنه! فقال: يا حمران سل تجب ولا تنفقن دنانيرك، فقلت: سألتك بقرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنت صاحب هذا الأمر والقائم به؟ قال: لا. قلت: فمن هو بأبي أنت وأمي؟ فقال: ذاك المشرب حمرة،
الغائر العينين، المشرف الحاجبين، العريض ما بين المنكبين، برأسه حزاز وبوجهه أثر، رحم الله موسى. وفيها: عن حمران بن أعين، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) فقلت له: أنت القائم؟ فقال: قد ولدني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإني المطالب بالدم ويفعل الله ما يشاء، ثم أعدت عليه فقال: قد عرفت حيث تذهب صاحبك المبدح البطن، ثم الحزاز برأسه، ابن الأرواع رحم الله فلاناً). وعنه إثبات الهداة: 3/538، وقال: المراد أنه من أولاد موسى بن جعفر (عليه السلام) أو أنه شبيه موسى بن عمران (عليه السلام) كما صرح به في الأحاديث المتواترة، وليس المراد به أن اسمه موسى لمنافاته للأحاديث المتواترة. والبحار: 51/40 وقال: المشرف الحاجبين: أي في وسطها ارتفاع من الشرفة. والحزاز: ما يكون في الشعر مثل النخالة.
وفي النعماني/216، عن أبي بصير: قال أبو جعفر (عليه السلام): يا أبا محمد بالقائم علامتان: شامة في رأسه وداء الحزاز برأسه، وشامة بين كتفيه من جانبه الأيسر، تحت كتفه الأيسر ورقة مثل ورقة الآس). وعنه البحار: 51/41.
اسمه اسمي.. وشمائله شمائلي
كمال الدين: 2/411، عن الإمام الصادق (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): القائم من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنته سنتي، يقيم الناس على ملتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب ربي (عزَّ وجلَّ)، من أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني، ومن كذبه فقد كذبني، ومن صدقه فقد صدقني. إلى الله أشكو المكذبين لي في أمره والجاحدين لقولي في شأنه، والمظلين لأمتي عن طريقته، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون). والشمائل: الطبائع، وتطلق على ملامح البدن. وقد دلت هذه الأحاديث وغيرها على شبه المهدي (عليه السلام) بجده رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خلقه وخلقه، واتباعه لسنته، وتجديده الإسلام والقرآن، وبسط نوره على العالم، وكفى به مقاماً عظيماً.
سيرة المهدي (عليه السلام) في ملبسه
الكافي: 1/411 و: 6/444، عن حماد بن عثمان قال: حضرت أبا عبد الله (عليه السلام) وقال له رجل: أصلحك الله ذكرت أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس الخشن يلبس تفسير القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك، ونرى عليك اللباس الجديد؟ فقال له: إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر عليه ولو لبس مثل ذلك اليوم شهِّرَ به، فخير لباس كل زمان لباس أهله، غير أن قائمنا أهل البيت إذا قام لبس ثياب علي وسار بسيرة علي (عليه السلام)). وعنه وسائل الشيعة: 3/348، والبحار: 40/336 و: 47/54.
وفي تحف العقول/446، عن معمر بن خلاد أنه قال للرضا (عليه السلام): عجل الله فرجك فقال (عليه السلام): يا معمر ذاك فرجكم أنتم، فأما أنا فوالله ما هو إلا مزود فيه كف سويق مختوم بخاتم). وعنه البحار: 78/339.
رد صفة أزْيَلُ الفخذين
شرح النهج: 1/281: اسماعيل بن عباد عن علي (عليه السلام) أنه ذكر المهدي وقال إنه من ولد الحسين (عليه السلام) وذكر حليته فقال: رجل أجلى الجبين أقنى الأنف ضخم البطن، أزيل الفخذين، أبلج الثنايا بفخذه اليمنى شامة. وذكر هذا الحديث بعينه عبد الله بن قتيبة في كتاب غريب الحديث). وذكره في: 19/130، وفي غريب الحديث لابن الجوزي: 1/449، وقال: أزيل الفخذين، والمراد انفراج فخذيه وتباعد ما بينهما وهو الزَّيَل. والنهاية: 2/325 عن الغريبين للهروي. والحاوي: 2/85.
وفي النعماني/214، عن أبي وائل قال: نظر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى الحسين (عليه السلام) فقال: إن ابني هذا سيد، كما سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيداً وسيخرج الله من صلبه رجلاً باسم نبيكم، يشبهه في الخلق والخلق يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة للحق وإظهار للجور، والله لو لم يخرج لضربت عنقه، يفرح بخروجه أهل السماوات وسكانها، وهو رجل أجلى الجبين، أقنى الأنف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، بفخذه اليمنى شامة، أفلج الثنايا، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). ونحوه غيبة الطوسي/115، والعمدة/434، عن الجمع بين الصحاح، وفيه: ونظر إلى ابنه الحسين
وقال.. كما سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم.. يملأ الأرض عدلاً. والطرائف: 1/177، عن الجمع بين الصحاح، وابن طاووس/144، عن فتن السليلي، وفيه: دخل الحسين بن علي على علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعنده جلساؤه فقال... قيل له: ومتى ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال: هيهات إذا خرجتم عن دينكم كما تخرج المرأة عن وركيها لبعلها! وإثبات الهداة: 3/505، عن غيبة الطوسي، والبحار: 51/120.
أقول: لم ترد صفة (أزْيَل الفخذين) من طريق أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ينتهي إلى رواة غير شيعة، والقاعدة التحفظ في صفاته التي لم ترد عنهم (عليهم السلام) لاحتمال أن تكون موضوعة لتنطبق على شخص أفحج ادعى المهدية. نعم ورد في كمال الدين: 2/653، عن الإمام الباقر (عليه السلام): (مُشْرَبٌ بالحمرة، مُبَدَّح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين). وعريض الفخذين بمعنى ضخامتهما، وهو غير الأزيل أي الأفحج الذي في فخذيه خلل يؤثر على مشيه وركوعه وسجوده، وقد رووا أن عمر كان أفحج، ففي تفسير الطبري2/794: (بينما عمر يصلي ويهوديان خلفه وكان عمر إذا أراد أن يركع خوى، فقال أحدهم لصاحبه: أهو هو؟ فلما انفتل عمر قال: رأيت قول أحدكم لصاحبه أهو هو! فقالا: إنا نجد في كتابنا قرناً من حديد يعطى ما يعطى حزقيل الذي أحيا الموتى بإذن الله). ورواه في تاريخه: 1/323. ومعنى خوى: أنه كان لا يستطيع الركوع بشكل طبيعي، فزعم اليهوديان تقرباً إلى عمر أن ذلك علامة رجل يحيي الموتى كحزقيل! قال الزمخشري في الفايق: 1/200: (الزَّيَل: الفحَج). لكن مصادر اللغة الأخرى خففته فجعلته شبيهاً بالفَحَج وليس هو! وقال ابن الأثير في النهاية: 2/325: (في حديث علي (رضي الله عنه)، ذكر المهدى فقال إنه أزيل الفخدين، أي منفرجهما، وهو الزيل والتزيل). وفي لسان العرب: 11/317: (والزَّيَل بالتحريك: تباعد ما بين الفخذين كالفحج. ورجل أزيل الفخذين: منفرجهما متباعدهما، وهو من ذلك لأن المتباعد مفارق. وفي حديث علي كرم الله وجهه: أنه ذكر المهدي وأنه يكون من ولد الحسين أجلى الجبين أقنى الأنف أزيل الفخذين أفلج الثنايا بفخذه الأيمن شامة، أراد أنه متزايل الفخذين وهو الزيل والتزيل، والفعل منه زَيَلَ يَزِيلُ. وأزيل الفخذين أي منفرجهما).
والنتيجة: أن الزيل كالفحج أو هو نفسه، وهو عيب في المعصوم (عليه السلام).
هذا، وقد مرت في الفصول الأخرى صفات عديدة للإمام المهدي (عليه السلام).
من صفاته المعنوية (عليه السلام)
يعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي
في نهج البلاغة، شرح عبده: 2/21 و: 4/36: (يعطف الهوى على الهدى، إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي. حتى تقوم الحرب بكم على ساق، بادياً نواجذها، مملوءة أخلافها، حلواً رضاعها، علقماً عاقبتها! ألا وفي غد وسيأتي غد بما لا تعرفون، يأخذ الوالي من غيرها عمالها على مساوئ أعمالها، وتخرج له الأرض أفاليذ كبدها، وتلقي إليه سلماً مقاليدها، فيريكم كيف عدل السيرة، ويحيي ميت الكتاب والسنة). وينابيع المودة/437، وشرح ابن ميثم البحراني: 3/168، وغرر الحكم/363، أوله.
نهج البلاغة، شرح الصالح/208: (وأخذوا يميناً وشمالاً ضعناً في مسالك الغي، وتركاً لمذاهب الرشد، فلا تستعجلوا ما هو كائن مرصد، وتستبطئوا ما يجيء به الغد. فكم من مستعجل بما إن أدركه ود أنه لم يدركه. وما أقرب اليوم من تباشير غد.
يا قوم هذا أبان ورود كل موعود، ودنو من طلعة ما لا تعرفون. ألا إن من أدركها منا يسري فيها بسراج منير، ويحذو فيها على مثال الصالحين، ليحل فيها ربقاً ويعتق فيها رقاً ويصدع شعباً ويشعب صدعاً، في سترة عن الناس، لا يبصر القائف أثره ولو تابع نظره، ثم ليشحذن فيها قوم شحذ القين النصل، تجلى بالتنزيل أبصارهم، ويرمى بالتفسير في مسامعهم، ويغبقون كأس الحكمة بعد الصبوح). والبحار: 51/116.
قد لبس للحكمة جنتها وأخذها بجميع أدبها
نهج البلاغة شرح الصالح/263 خطبة 182: (قد لبس للحكمة جنتها، وأخذها بجميع
أدبها، من الإقبال عليها والمعرفة بها والتفرغ لها، فهي عند نفسه ضالته التي يطلبها وحاجته التي يسأل عنها، فهو مغترب إذا اغترب الإسلام، وضرب بعسيب ذنبه وألصق الأرض بجرانه، بقية من بقايا حجته، خليفة من خلائف أنبيائه). وينابيع المودة/437، والبحار: 51/113، عن نهج البلاغة.
وقال في شرح النهج: 10/95: هذا الكلام فسره كل طائفة على حسب اعتقادها، فالشيعة الإمامية تزعم أن المراد به المهدي المنتظر عندهم والصوفية يزعمون أنه يعنى به ولي الله في الأرض، وعندهم أن الدنيا لا تخلو عن الأبدال وهم أربعون، وعن الأوتاد وهم سبعة، وعن القطب وهو واحد، فإذا مات القطب صار أحد السبعة قطباً عوضه، وصار أحد الأربعين وتداً عوض الوتد، وصار بعض الأولياء الذين يصطفيهم الله تعالى أبدالاً عوض ذلك البدل. وأصحابنا يزعمون أن الله تعالى لا يخلي الأمة من جماعة من المؤمنين العلماء بالعدل والتوحيد، وأن الإجماع إنما يكون حجة باعتبار أقوال أولئك العلماء لكنه لما تعذرت معرفتهم بأعيانهم، اعتبر إجماع سائر العلماء، وإنما الأصل قول أولئك. قالوا: وكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس يشير فيه إلى جماعة أولئك العلماء من حيث هم جماعة، ولكنه يصف حال كل واحد منهم، فيقول: من صفته كذا، ومن صفته كذا. والفلاسفة يزعمون أن مراده (عليه السلام) بهذا الكلام العارف ولهم في العرفان وصفات أربابه كلام يعرفه من له أنس بأقوالهم. وليس يبعد عندي أن يريد به القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله) في آخر الوقت إذا خلقه الله تعالى وإن لم يكن الآن موجوداً، فليس في الكلام ما يدل على وجوده الآن، وقد وقع اتفاق الفرق من المسلمين أجمعين على أن الدنيا والتكليف لا ينقضي إلا عليه.
قوله (عليه السلام): قد لبس للحكمة جنتها، الجنة: ما يستتر به من السلاح كالدرع ونحوها، ولبس جنة الحكمة قمع النفس عن المشتهيات، وقطع علائق النفس عن المحسوسات، فإن ذلك مانع للنفس عن أن يصيبها سهام الهوى، كما تمنع الدرع الدارع عن أن يصيبه سهام الرماية.. الخ.). انتهى. وسيأتي بحث ما قاله في الأبدال أصحاب الإمام (عليه السلام).
يطبق القرآن ويعلمه للناس كما أنزل
الكافي: 8/396، عن أحمد بن عمر: قال أبو جعفر (عليه السلام) وأتاه رجل فقال له: إنكم
أهل بيت رحمة اختصكم الله تبارك وتعالى بها، فقال له: كذلك نحن والحمد لله لا ندخل أحداً في ضلالة ولا نخرجه من هدى، إن الدنيا لا تذهب حتى يبعث الله (عزَّ وجلَّ) رجلاً منا أهل البيت يعمل بكتاب الله لا يرى فيكم منكراً إلا أنكره). وعنه البحار: 52/378، وإثبات الهداة: 3/588، عن كتاب شريح. وفي الإرشاد/365، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: إذا قام قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) ضرب فساطيط يعلم الناس القرآن على ما أنزل الله (عزَّ وجلَّ)، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنه يخالف فيه التأليف). ومثله روضة الواعظين: 2/265، وعنه كشف الغمة: 3/256، وإثبات الهداة: 3/556.
وفي البصائر/193، عن سالم بن أبي سلمة، قال قرأ رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا اسمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): مَهْ مَهْ كُفَّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام قرأ كتاب الله على حدِّه، وأخرج المصحف الذي كتبه علي (عليه السلام). وقال: أخرجه علي (عليه السلام) إلى الناس حيث فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله كما أنزل الله على محمد (صلى الله عليه وآله) وقد جمعته بين اللوحين، قالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه! قال: أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبداً! إنما كان علي أن أخبركم به حين جمعته لتقرؤوه). ومثله الكافي: 2/633، وعنه إثبات الهداة: 3/449، والبحار: 92/88.
وفي النعماني/317، عن حبة العرني، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة قد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما أنزل. أما إن قائمنا إذا قام كسره وسوى قبلته). وعنه البحار: 52/364.
أقول: الظاهر أنه يقصد (عليه السلام) أنهم يعلمونهم القرآن على حدوده كاملة، وقد ورد أن القرآن الذي بخط علي ويتوارثه الأئمة (عليهم السلام) يتفاوت مع القرآن في ترتيب سوره وربما آياته، وليس في الزيادة والنقصان، كما في الرواية التالية، في الاحتجاج: 1/155: عن أبي ذر الغفاري: لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع علي (عليه السلام) القرآن
وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم، لما قد أوصاه بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)... فلما استخلف عمر سأل علياً أن يدفع إليهم القرآن فقال: يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه فقال (عليه السلام): هيهات ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا: ما جئتنا به، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي! قال عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم. فقال: نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنة به). وعنه البحار: 92/42.
الشريد الطريد الفريد الوحيد، المفرد من أهله!
كمال الدين: 1/303، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: صاحب هذا الأمر الشريد الطريد الفريد الوحيد. وفي النعماني/178، عن عبد الأعلى بن حصين الثعلبي عن أبيه قال: لقيت أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) في حج أو عمرة فقلت له: كبرت سني ودق عظمي فلست أدري يقضى لي لقاؤك أم لا فاعهد إلي عهداً وأخبرني متى الفرج؟ فقال: إن الشريد الطريد الفريد الوحيد، المفرد من أهله، الموتور بوالده، المكنى بعمه، هو صاحب الرايات، واسمه اسم نبي. فقلت: أعد علي، فدعا بكتاب أديم أو صحيفة فكتب لي فيها). وفي رواية: فقال: أحفظت أم أكتبها لك؟ فقلت: إن شئت، فدعا بكراع من أديم أو صحيفة فكتبها لي ثم دفعها إلي. وأخرجها حصين إلينا فقرأها علينا ثم قال: هذا كتاب أبي جعفر (عليه السلام). وفي/179، عن أبي الجارود، عن الإمام الباقر (عليه السلام): صاحب هذا الأمر هو الطريد الشريد، الموتور بأبيه، المكنى بعمه، المفرد من أهله، اسمه اسم نبي. ودلائل الإمامة/261، كالنعماني الثالثة، وعنه البحار: 51/37، وإثبات الهداة: 3/535.
معه راية النبي (صلى الله عليه وآله) ومواريثه، ومواريث الأنبياء (عليهم السلام)
النعماني/315، عن أبي بصير، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): إن القائم يهبط من ثنية ذي طوى، في عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً حتى يسند ظهره إلى الحجر
الأسود، ويهز الراية الغالبة. قال علي بن أبي حمزة: فذكرت ذلك لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) فقال: كتاب منشور). وعنه إثبات الهداة: 3/547، والبحار: 52/370، وقال: أي هذا مثبت في الكتاب المنشور، أو معه الكتاب، أو الراية كتاب منشور).
وفي النعماني/307، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لما التقى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البصرة نشر الراية راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فزلزلت أقدامهم، فما اصفرت الشمس حتى قالوا: آمنا يا بن أبي طالب، فعند ذلك قال: لا تقتلوا الأسرى ولا تجهزوا على الجرحى، ولا تتبعوا مولياً، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن. ولما كان يوم صفين سألوه نشر الراية فأبى عليهم فتحملوا عليه بالحسن والحسين (عليهما السلام) وعمار بن ياسر (رضي الله عنه)، فقال للحسن: يا بنيَّ إن للقوم مدة يبلغونها وإن هذه راية لا ينشرها بعدي إلا القائم صلوات الله عليه). وحلية الأبرار: 2/632، والبحار: 52/367. وفي البحار: 52/305، عن المفضل بن شاذان قال: وروي أنه يكون في راية المهدي: اسمعوا وأطيعوا). وعنه إثبات الهداة: 3/582.
الإرشاد/274، عن الصادق (عليه السلام): علمنا غابرٌ ومزبورٌ ونَكْتٌ في القلوب ونَقْرٌ في الأسماع. وإن عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة (عليها السلام). وإن عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه. فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال: أما الغابر فالعلم بما يكون، وأما المزبور: فالعلم بما كان، وأما النكت في القلوب فهو الإلهام والنقر في الأسماع: حديث الملائكة، نسمع كلامهم ولا نرى أشخاصهم، وأما الجفر الأحمر: فوعاء فيه سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولن يخرج حتى يقوم قائمنا أهل البيت، وأما الجفر الأبيض: فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله الأولى، وأما مصحف فاطمة (عليها السلام) ففيه ما يكون من حادث، وأسماء كل من يملك إلى أن تقوم الساعة. وأما الجامعة: فهي كتاب طوله سبعون ذراعاً أملاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من فلق فيه وخط علي بن أبي طالب (عليه السلام) بيده، فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة، حتى أن فيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة.
وكان (عليه السلام) يقول: إن حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وحديث علي أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحديث رسول الله قول الله (عزَّ وجلَّ)). ومثله الاحتجاج: 2/372، وعنه كشف الغمة: 2/381، ومثله إعلام الورى/277، وعنه إثبات الهداة: 3/525، وعنهما البحار: 26/18.
وفي البصائر/188، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له: جعلت فداك إني أريد أن ألمس صدرك، فقال: إفعل فمسست صدره ومناكبه فقال: ولمَ يا أبا محمد؟ فقلت: جعلت فداك إني سمعت أباك وهو يقول: إن القائم واسع الصدر مسترسل المنكبين عريضُ ما بينهما، فقال: يا أبا محمد إن أبي لبس درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكانت تستحب على الأرض، وأنا لبستها فكانت وكانت، وإنها تكون من القائم كما كانت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشمرة كانت ترفع نطاقها بحلقتين وليس صاحب هذا الأمر من جاز أربعين). ومثله الخرائج: 2/691، وعنه إثبات الهداة: 3/520.
وفي إثبات الوصية/223: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أنت صاحبنا أعني صاحب الأمر؟ فقال: ألبست درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فانجرَّت عليَّ وإنه ليأخذ لي بالركاب، وإن صاحبكم يلبس الدرع فتستوي عليه ولا يؤخذ له بالركاب. ثم قال لي: أني يكون ذلك ولم يولد الغلام الذي تربيه جدته).
البصائر/184، عن عبد الأعلى بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عندي سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا أنازع فيه، ثم قال: إن السلاح مدفوع عنه لو وضع عند شر خلق الله كان أخيرهم، ثم قال: إن هذا الأمر يصير إلى من يلوى له الحنك، فإذا كانت من الله فيه المشية خرج فيقول الناس ما هذا الذي كان، ويضع الله له يده على رأس رعيته). ومثله الإرشاد/275، وعنه البحار: 26/209.
الكافي: 1/284، عن عبد الأعلى قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المتوثب على هذا الأمر المدعي له، ما الحجة عليه؟ قال: يسأل عن الحلال والحرام قال: ثم أقبل علي فقال: ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الأمر: أن يكون أولى
الناس بمن كان قبله، ويكون عنده السلاح، ويكون صاحب الوصية الظاهرة، التي إذا قدمت المدينة سألت عنها العامة والصبيان: إلى من أوصى فلان؟ فيقولون: إلى فلان بن فلان). ومثله الخصال: 1/117، وعنهما إثبات الهداة: 3/714، و724، والبحار: 25/138.
وفي النعماني/243، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ألا أريك قميص القائم الذي يقوم عليه؟ فقلت بلى، قال: فدعا بقَمْطَر(محفظة للكتب) ففتحه وأخرج منه قميص كرابيس فنشره فإذا في كمه الأيسر دم، فقال: هذا قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي عليه يوم ضربت رباعيته وفيه يقوم القائم، فقبلت الدم ووضعته على وجهي، ثم طواه أبو عبد الله (عليه السلام) ورفعه). وعنه إثبات الهداة: 3/542، والبحار: 52/355.
وفي البصائر/162، عن عبد الملك بن أعين قال: أراني أبو جعفر بعض كتب علي ثم قال لي: لأي شيء كتبت هذه الكتب؟ قلت: ما أبين الرأي فيها قال: هات قلت: علم أن قائمكم يقوم يوماً فأحب أن يعمل بما فيها، قال: صدقت). وعنه إثبات الهداة: 3/520، والبحار: 26/51. وفي النعماني/238، عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عصا موسى قضيب آس من غرس الجنة، أتاه بها جبرئيل (عليه السلام) لما توجه تلقاء مدين، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية، ولن يبليا ولن يتغيرا حتى يخرجهما القائم (عليه السلام) إذا قام). وعنه إثبات الهداة: 3/540، والبحار: 52/351.
وفي البصائر/183، عن محمد بن الفيض، عن محمد بن علي (عليه السلام) قال: كانت عصا موسى لآدم فصارت إلى شعيب ثم صارت إلى موسى بن عمران وإنها لعندنا وإن عهدي بها آنفاً، وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرها وإنها لتنطق إذا استنطقت، أعدت لقائمنا ليصنع كما كان موسى يصنع بها، وإنها لتروع وتلقف! قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أراد الله أن يقبضه أورث علياً (عليه السلام) علمه وسلاحه وما هناك ثم صار إلى الحسن والحسين ثم حين قتل الحسين استودعه أم سلمة، ثم قبض بعد ذلك منها، قال: فقلت: ثم صار إلى علي بن الحسين ثم صار إلى أبيك ثم انتهى إليك؟ قال: نعم). ونحوه الكافي: 1/231، وفيه: إنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون يفتح لها
شعبتان: إحداهما في الأرض والأخرى في السقف وبينهما أربعون ذراعا تلقف ما يأفكون بلسانها). ومثله كمال الدين: 2/673، والاختصاص/269، وإثبات الهداة: 3/439 و558، والبحار: 26/219، و: 52/318
يُظهر القرآن بخط علي (عليه السلام)
في الكافي: 8/287، عن عاصم بن حميد، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله (عزَّ وجلَّ): وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ؟ قال: اختلفوا كما اختلفت هذه الأمة في الكتاب وسيختلفون في الكتاب الذي مع القائم الذي يأتيهم به حتى ينكره ناس كثير فيقدمهم فيضرب أعناقهم).
معه عهدٌ معهود من النبي (صلى الله عليه وآله)
البحار: 52/305، عن السيد علي بن عبد الحميد: إذا خسف بجيش السفياني، والقائم يومئذ بمكة عند الكعبة مستجيراً بها يقول: أنا ولي الله، فيبايعونه بين الركن والمقام.. ومعه عهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد تواترت عليه الآباء. فإن أشكل عليهم من ذلك الشيء فإن الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذا نودي باسمه واسم أبيه). وإثبات الهداة: 3/582.
الإمام المهدي (عليه السلام) ساقي الأمة في المحشر
مائة منقبة/24، عن عبد الله بن عمر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): يا علي أنا نذير أمتي وأنت هاديها، والحسن قائدها، والحسين سائقها وعلي بن الحسين جامعها، ومحمد بن علي عارفها، وجعفر بن محمد كاتبها، وموسى بن جعفر محصيها، وعلي بن موسى معبرها ومنجيها وطارد مبغضيها ومدني مؤمنيها، ومحمد بن علي قائمها وسائقها وعلي بن محمد ساترها، وعالمها والحسن بن علي مناديها ومعطيها، والقائم الخلف ساقيها ومناشدها: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ). ومناقب ابن شهرآشوب: 1/292، عن عبد الله بن محمد البغوي، والصراط المستقيم: 2/150، وإثبات الهداة: 1/721، والبحار: 36/270. أقول: لعل اسم عبد الله بن عمر في سند الحديث تصحيف لعبد الله آخر، فلم يعهد عنه رواية مثل هذه الأحاديث.
وهو الصراط السوي
في تأويل الآيات: 1/323، عن عيسى بن داود النجار، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألت أبي عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى)؟ قال: الصراط السوي هو القائم (عليه السلام)، والهدى من اهتدى إلى طاعته. ومثلها في كتاب الله (عزَّ وجلَّ): (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى). قال: إلى ولايتنا). وعنه البرهان: 3/50، والبحار: 24/150.
وهو صاحب ليلة القدر
تفسير القمي: 2/431، عن علي بن إبراهيم في قوله: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، قال: فهو القرآن أنزل إلى البيت المعمور في ليلة القدر جملة واحدة، وعلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في طول ثلاث وعشرين سنة. (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ): ومعنى ليلة القدر أن الله يقدر فيها الآجال والأرزاق وكل أمر يحدث من موت أو حياة أو خصب أو جدب أو خير أو شر، كما قال الله: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)، إلى سنة. قوله: (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)، قال: تنزل الملائكة وروح القدس على إمام الزمان، ويدفعون إليه ما قد كتبوه من هذه الأمور). وعنه البحار: 97/14.
تفسير القمي: 2/290، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي جعفر، وأبي عبد الله، وأبي الحسن (عليهم السلام): (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ): يعني القرآن. (فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ). وهي ليلة القدر، أنزل الله القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة. ثم نزل من البيت المعمور على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في طول ثلاث وعشرين سنة. (فِيهَا يُفْرَقُ): في ليلة القدر (كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ): أي يقدر الله كل أمر من الحق ومن الباطل وما يكون في تلك السنة، وله فيه البداء والمشية، يقدم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والأعراض والأمراض، ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء ويلقيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ويلقيه أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الأئمة (عليهم السلام) حتى ينتهي
ذلك إلى صاحب الزمان (عليه السلام)، ويشترط له ما فيه البداء والمشية والتقديم والتأخير). وعنه المحجة/202، والبحار: 97/12 ومجمع البيان: 5/61، مختصراً، وقال: عن ابن عباس وقتادة وابن زيد، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليها السلام).
وهو بقية الله في أرضه
الكافي: 1/411، عن عمر بن زاهر، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال سأله رجل عن القائم يسلم عليه بإمرة المؤمنين قال: لا، ذاك اسم سمى الله به أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يسم أحد قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر قلت جعلت فداك كيف يسلم عليه قال يقولون السلام عليك يا بقية الله ثم قرأ: (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين). ومثله تفسير فرات/63 وعنه تأويل الآيات: 1/186، وإثبات الهداة: 3/447، والبحار: 24/211.
وفي الاحتجاج: 1/240، جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال له: لولا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلت في دينكم! فقال له (عليه السلام) في حديث ذكر فيه الأئمة (عليه السلام): فقال السائل: ما ذاك الأمر؟ قال علي (عليه السلام): الذي تنزل به الملائكة في الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم: من خلق ورزق وأجل وعمل وعمر وحياة وموت وعلم غيب السماوات والأرض والمعجزات التي لا تنبغي إلا لله وأصفيائه والسفرة بينه وبين خلقه. وهم وجه الله الذي قال: فأينما تولوا فثم وجه الله، هم بقية الله، يعني المهدي، يأتي عند انقضاء هذه النظرة، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً). وعنه البحار: 93/118.
وهو الكوكب الدري والنور الإلهي في الآية
المحكم والمتشابه/112، عن تفسير النعماني عن إسماعيل بن جابر قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) يقول: في حديث طويل عن أنواع آيات القرآن، فيه مجموعة أسئلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) عن آيات القرآن وأحكامه، قال فيه: (وسألوه صلوات الله عليه، عن أقسام النور في القرآن، فقال: النور: القرآن، والنور اسم من
أسماء الله تعالى، والنور النورية، والنور ضوء القمر، والنور ضوء المؤمن وهو الموالاة التي يلبس لها نوراً يوم القيامة، والنور في مواضع من التوراة والإنجيل والقرآن حجة الله على عباده، وهو المعصوم... فقال تعالى: (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). فالنور في هذا الموضع هو القرآن، ومثله في سورة التغابن قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا). يعني سبحانه القرآن وجميع الأوصياء المعصومين، من حملة كتاب الله تعالى وخزانه وتراجمته، الذين نعتهم الله في كتابه فقال: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)، فهم المنعوتون الذين أنار الله بهم البلاد وهدى بهم العباد، قال الله تعالى في سورة النور: (اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شيء عَلِيمٌ). فالمشكاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والمصباح الوصي، والأوصياء (عليهم السلام) والزجاجة فاطمة، والشجرة المباركة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والكوكب الدري القائم المنتظر (عليه السلام) الذي يملأ الأرض عدلاً). والبحار: 93/3.
التوحيد للصدوق/158، عن عيسى بن راشد، عن محمد بن علي بن الحسين (عليهما السلام) في قوله (عزَّ وجلَّ): (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ)، قال: المشكاة نور العلم في صدر النبي (صلى الله عليه وآله). (الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ): الزجاجة صدر علي (عليه السلام)، صار علم النبي (صلى الله عليه وآله) إلى صدر علي (عليه السلام). (الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ): قال: نور. (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ): قال: لا يهودية ولا نصرانية. (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ): يكاد العالم من آل محمد (عليهم السلام) يتكلم بالعلم قبل أن يسأل. (نُورٌ عَلَى نُورٍ): يعني إماماً مؤيداً بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمد (عليهم السلام) وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة، فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله (عزَّ وجلَّ) خلفاءه في أرضه وحججه على خلقه، لا تخلو الأرض في كل عصر من واحد منهم). وعنه مناقب ابن
شهرآشوب: 1/280، ومجمع البيان: 4/143، وتأويل الآيات: 1/358، والبرهان: 3/134.
المهدي والأئمة (عليهم السلام) هم السبع المثاني
تفسير العياشي: 2/250، عن القاسم بن عروة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)، قال: سبعة أئمة والقائم (عليه السلام). وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إن ظاهرها الحمد، وباطنها ولد الولد. والسابع منها القائم (عليه السلام)). وعنه إثبات الهداة: 1/629 و: 3/551، والمحجة/113، والبحار: 24/117.
له سيف مذخور من جده عبد المطلب رحمه الله
الكافي: 4/220، عن الحسن بن راشد قال: سمعت أبا إبراهيم (عليه السلام) يقول: لما احتفر عبد المطلب زمزم وانتهى إلى قعرها خرجت عليه من إحدى جوانب البئر رائحة منتنة أفظعته، فأبى أن ينثني، وخرج ابنه الحارث عنه، ثم حفر حتى أمعن فوجد في قعرها عيناً تخرج عليه برائحة المسك، ثم احتفر فلم يحفر إلا ذراعاً حتى تجلاه النوم فرأى رجلاً طويل الباع حسن الشعر جميل الوجه جيد الثوب طيب الرائحة وهو يقول: إحفر تغنم وجد تسلم ولا تدخرها للمقسم، الأسياف لغيرك والبئر لك، أنت أعظم العرب قدراً، ومنك يخرج نبيها ووليها والأسباط النجباء الحكماء العلماء البصراء، والسيوف لهم وليسوا اليوم منك ولا لك، ولكن في القرن الثاني منك بهم ينير الله الأرض ويخرج الشياطين من أقطارها ويذلها في عزها، ويهلكها بعد قوتها، ويذل الأوثان ويقتل عبادها حيث كانوا، ثم يبقى بعده نسل من نسلك هو أخوه ووزيره ودونه في السن... فوجد ثلاثة عشر سيفاً مسندة إلى جنبه فأخذها وأراد أن يبتَّ فقال: وكيف ولم أبلغ الماء، ثم حفر فلم يحفر شبراً حتى بدا له قرن الغزال ورأسه فاستخرجه وفيه طبع لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله فلان خليفة الله، فسألته فقلت: فلان متى كان قبله أو بعده؟ قال: لم يجئ بعد ولا جاء شيء من أشراطه... رأى عبد المطلب أن يبطل الرؤيا التي رآها في البئر ويضرب السيوف
صفائح للبيت فأتاه الله بالنوم فغشيه وهو في حجر الكعبة فرأى ذلك الرجل بعينه وهو يقول: يا شيبة الحمد ضع السيوف في مواضعها، فادفع هذه الثلاثة عشر سيفاً إلى ولد المخزومية، ولا يبان لك أكثر من هذا، وسيف لك منها واحد سيقع من يدك فلا تجد له أثراً إلا أن يستجنه جبل كذا وكذا فيكون من أشراط قائم آل محمد! فانتبه عبد المطلب وانطلق والسيوف على رقبته فأتى ناحية من نواحي مكة ففقد منها سيفاً كان أرقها عنده، فيظهر من ثم. ونحن نقول: لا يقع سيف من أسيافنا في يد غيرنا إلا رجل يعين به معنا إلا صار فحماً، قال: وإن منها لواحداً في ناحية يخرج كما تخرج الحية فيبين منه ذراع وما يشبهه، فتبرق له الأرض مرارا ثم يغيب، فإذا كان الليل فعل مثل ذلك فهذا دأبه حتى يجيء صاحبه، ولو شئت أن اسمي مكانه لسميته، ولكن أخاف عليكم من أن اسميه فتسموه فينسب إلى غير ما هو عليه). وعنه البحار: 15/164.
يجتمع أبناء الزهراء (عليها السلام) في العالم على تأييده
وروايته صحيحة السند تقدمت في فصل السفياني، وهي مطلقة تدل على أن السادة أبناء علي وفاطمة (عليهما السلام) في كل العالم على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم يُجمعون على تأييده واتِّباعه (عجل الله تعالى فرجه الشريف)! وهو أمرٌ لم يحدث بعد أن كثر أولاد الحسنين (عليهما السلام) وتفرقوا. ففي الكافي: 8/264، عن عيص بن القاسم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن أتاكم آت منا، فانظروا على أي شيء تخرجون؟... إلا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه). وعلل الشرائع/577، وعنهما البحار: 46/178، و: 52/301.
يقاتل على السنة ويكمل مهمة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)
ابن حماد: 1/379، عن عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: هو رجل من عترتي، يقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي). وعنه قد الدرر/16، والحاوي: 2/74، وصواعق ابن حجر/164، والقول المختصر/7 و12، وفيه: يضرب الناس حتى يرجعوا للحق. وفي/25:
لا يخرج حتى لا يبقى رأس كبير إلا هلك! وفي فتوحات ابن عربي: 3/332: (وكذا ورد الخبر في صفة المهدي أنه قال (صلى الله عليه وآله): يقفو أثري لا يخطئ). وفي/335: (فعرفنا أنه متبع لا متبوع وأنه معصوم ولا معنى للمعصوم في الحكم، إلا أنه لا يخطئ، فإن حكم الرسول لا ينسب إليه خطأ فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى). وقال في/327: يقفو أثر رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يخطئ، له ملك يسدده من حيث لا يراه، يحمل الكل ويقوي الضعيف في الحق، ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق، يفعل ما يقول ويقول ما يعلم، ويعلم ما يشهد). انتهى.
أقول: ينبغي التنبيه على أن كلام ابن عربي وأفكاره عن الإمام المهدي (عليه السلام) جاءت من عالمه الخيالي دون مستند شرعي، فلم يستدل عليها بدليل برهاني، والذي فعله أنه انتقى من مصادر السنة والشيعة ما يلائم مذهبه، ووقع في التناقض في ذلك!
حرفوا نسخة كتاب الفتوحات وحذفوا نسب الإمام المهدي (عليه السلام)
وبمناسبة ذكرنا رأي ابن عربي في أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) ننبه إلى التحريف الذي اقترفته يد من طبع كتابه، فقد نقل عدد من المصادر عبارته في الإمام المهدي (عليه السلام) وهي تنص على نسبه وأنه ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وأورد نسبه إلى علي وفاطمة (عليهم السلام)، فحذفوا ذلك من طبعته! قال في إلزام الناصب: 1/292: (الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات: واعلموا أنه لا بد من خروج المهدي لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طول الله ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ولد فاطمة، جده الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده الحسن العسكري بن الإمام علي النقي بالنون بن الإمام محمد التقي بالتاء بن الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي
طالب يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يبايعه المسلمون ما بين الركن والمقام، يشبه رسول الله في الخلق بفتح الخاء وينزل عنه في الخلق بضمها إذ لا يكون أحد مثل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أخلاقه، والله تعالى يقول: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
وهو أجلى الجبهة أقنى الأنف، أسعد الناس به أهل الكوفة، يقسم المال بالسوية ويعدل في الرعية، يمشي الخضر بين يديه، يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً، يقفو أثر رسول الله لا يخطئ، له ملك يسدده من حيث لا يراه، يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألفاً من المسلمين، يعز الله به الإسلام بعد ذلة، ويحييه بعد موته، ويضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف فمن أبى قتل ومن نازعه خذل، يحكم بالدين الخالص عن الرأي. إلى آخر كلامه). انتهى.
بينما نص عبارته في نسخة الفتوحات المتداولة: 3/327: (إعلم أيدنا الله أن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طول الله ذلك اليوم حتى يلي هذا الخليفة من عترة رسول الله ص من ولد فاطمة، يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جده الحسين بن علي بن أبي طالب يبايع بين الركن والمقام، يشبه رسول الله في خلقه بفتح الخاء وينزل عنه في الخلق بضم الخاء، لأنه لا يكون أحد مثل رسول الله في أخلاقه والله يقول فيه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، هو أجلى الجبهة أقنى الأنف أسعد الناس به أهل الكوفة، يقسم المال بالسوية ويعدل في الرعية ويفصل في القضية، يأتيه الرجل فيقول له يا مهدي أعطني وبين يديه المال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله! يخرج على فترة من الدين، يزع الله به ما لا يزع بالقرآن، يمسي جاهلاً بخيلاً جباناً ويصبح أعلم الناس أكرم الناس أشجع الناس، يصلحه الله في ليلة! يمشي النصر بين يديه، يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً، يقفو أثر رسول الله لا يخطئ، له ملك يسدده من حيث لا يراه، يحمل الكل ويقوي الضعيف في الحق ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق يفعل ما يقول ويقول ما يعلم ويعلم ما يشهد، يفتح المدينة الرومية
بالتكبير في سبعين ألفاً من المسلمين من ولد إسحاق، يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكا، يبيد الظلم وأهله يقيم الدين، ينفخ الروح في الإسلام يعز الإسلام به بعد ذله ويحيا بعد موته، يضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف فمن أبي قتل ومن نازعه خذل يُظهر من الدين ما هو الدين عليه في نفسه، ما لو كان رسول الله لحكم به. يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص، أعداؤه مقلدة العلماء أهل الاجتهاد لما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهبت إليه أئمتهم، فيدخلون كرهاً تحت حكمه خوفاً من سيفه وسطوته ورغبة فيما لديه، يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم، يبايعه العارفون بالله من أهل الحقائق عن شهود وكشف، بتعريف إلهي. له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه، هم الوزراء يحملون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلده الله. ينزل عليه عيسى بن مريم بالمنارة البيضاء بشرقي دمشق بين مهرودتين متكأ على ملكين ملك عن يمينه وملك عن يساره يقطر رأسه ماء مثل الجمان يتحدر كأنما خرج من ديماس، والناس في صلاة العصر فيتنحى له الإمام من مقامه، فيتقدم فيصلي بالناس يؤم الناس بسنة محمد. يكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويقبض الله المهدي إليه طاهراً مطهراً، وفي زمانه يقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق ويخسف بجيشه في البيداء بين المدينة ومكة حتى لا يبقى من الجيش إلا رجل واحد من جهينة، يستبيح هذا الجيش مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) ثلاثة أيام ثم يرحل يطلب مكة، فيخسف الله به في البيداء، فمن كان مجبوراً من ذلك الجيش مكرهاً يحشر على نيته. القرآن حاكم والسيف مبيد، ولذلك ورد في الخبر: إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
ألا إن ختم الأولياء شهيد * * * وعين إمام العالمين فقيد
هو السيد المهدي من آل أحمد * * * هو الصارم الهندي حين يبيد
هو الشمس يجلو كل غم وظلمة * * * هو الوابل الوسمي حين يجود
وقد جاءكم زمانه وأظلكم أوانه وظهر في القرن الرابع اللاحق بالقرون الثلاثة الماضية قرن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو قرن الصحابة، ثم الذي يليه ثم الذي يلي الثاني ثم جاء بينهما فترات وحدثت أمور وانتشرت أهواء وسفكت دماء وعاثت الذئاب في البلاد وكثر الفساد، إلى أن طم الجور وطما سيله، وأدبر نهار العدل بالظلم حين أقبل ليله، فشهداؤه خير الشهداء وأمناؤه أفضل الأمناء.
وإن الله يستوزر له طائفة خبأهم له في مكنون غيبه أطلعهم كشفاً وشهوداً على الحقائق، وما هو أمر الله عليه في عباده، فبمشاورتهم يفصل ما يفصل وهم العارفون الذين عرفوا ما ثَمَّ، وأما هو في نفسه فصاحب سيف حق وسياسة مدنية يعرف من الله قدر ما تحتاج إليه مرتبته ومنزله لأنه خليفة مسدد، يفهم منطق الحيوان يسرى عدله في الإنس والجان، من أسرار علم وزرائه الذين استوزرهم الله له قوله تعالى: وكان حقاً علينا نصر المؤمنين، وهم على أقدام رجال من الصحابة، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وهم من الأعاجم ما فيهم عربي لكن لا يتكلمون إلا بالعربية، لهم حافظ ليس من جنسهم ما عصى الله قط، هو أخص الوزراء وأفضل الأمناء، فأعطاهم الله في هذه الآية التي اتخذوها هجيراً وفي ليلهم سميراً، أفضل علم الصدق حالاً وذوقاً فعلموا إن الصدق سيف الله في الأرض، ما قام بأحد ولا اتصف به إلا نصره الله لأن الصدق نعته والصادق اسمه فنظروا بأعين سليمة من الرمد وسلكوا بأقدام ثابتة في سبيل الرشد، فلم يروا الحق قيد مؤمناً من مؤمن، بل أوجب على نفسه نصر المؤمنين). انتهى.
تنتهي التقية بظهوره (عليه السلام)
في تفسير العياشي: 2/351، عن المفضل قال: وسألته عن قوله: فإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ؟ قال: رفع التقية عند الكشف، فينتقم من أعداء الله). والبحار: 12/207، عن العياشي، وقال: كان هذا كلام على سبيل التمثيل والتشبيه، أي جعل الله التقية لكم
سداً لرفع ضرر المخالفين عنكم إلى قيام القائم (عليه السلام) ورفع التقية، كما أن ذا القرنين وضع السد لرفع فتنة يأجوج ومأجوج إلى أن يأذن الله لرفعها).
* * *
الفصل العاشر: مقام الإمام المهدي (عليه السلام) عند الله تعالى
المهدي (عليه السلام) أحد سبعة سادة أهل الجنة
ابن ماجة: 2/1368، عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة، أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي. ومثله الحاكم: 3/211، وصححه على شرط مسلم، وفيه: أنا وعلي وجعفر وحمزة. وتاريخ بغداد: 9/434، وفيه: نحن سبعة بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة، أنا وعلي أخي وعمي حمزة وجعفر والحسن والحسين والمهدي). وتلخيص المتشابه: 1/197، والفردوس: 1/53، وفيه: بني المطلب سادة.. ومقتل الحسين للخوارزمي: 1/108، عن أبي نعيم. وبيان الشافعي/488، كابن ماجة، وقال: هذا الحديث صحيح أخرجه ابن ماجة الحافظ في صحيحه كما سقناه، ورزقناه عالياً بحمد الله، وأخرجه الطبراني عن جعفر بن عمر الصباح، عن سعد بن عبد الحميد كما أخرجناه، ورواه أبو نعيم الحافظ في مناقب المهدي بطرق شتى. وذخائر العقبى/15، و89، كابن ماجة بتفاوت يسير. وعقد الدرر/144، كتاريخ بغداد وقال: أخرجه جماعة من أئمة الحديث في كتبهم، منهم الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني في سننه، وأبو القاسم الطبراني في معجمه، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني وغيرهم. وفتن ابن كثير: 1/44، عن ابن ماجة، وقال: أورده البخاري في التاريخ، وابن حاتم في الجرح والتعديل. وجمع الجوامع: 1/851، عن الحاكم.
وفي المسند الجامع: 2/446، عن أنس قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي.
وجامع الأحاديث: 6/723، وزوائد ابن ماجة/528، وجامع المسانيد والسنن: 21/51، ومصباح الزجاجة: 2/314، وشرح أصول الاعتقاد أهل السنة: 8/14123، والدر النظيم/755 و798، واستجلاب ارتقاء الغرف/214 و253 والكشف والبيان: 8/312، ومسند شمس الأخبار: 2/305، وكفاية الطالب/488، وعوالم النصوص/304، وكلها عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله) كالمسند الجامع. ونحوه العلل المتناهية: 1/223، والدر النظيم/798، ومناقب محمد بن سليمان: 1/237، عن ابن عباس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أول سبعة يدخلون الجنة أنا وعلي والحسن والحسين وحمزة وجعفر والمهدي محمد بن عبد الله. وفي: 2/549، عن ابن سيرين: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خير هذه الأمة بعد نبيها ستة. قالوا يا رسول الله من هم؟ قال: علي وحمزة وجعفر والحسن والحسين والمهدي.
وقال ابن الصديق المغربي/542: وقد وجدت ما يصلح أن يكون للحديث شاهداً، قال الطبراني في المعجم الصغير: حدثنا أحمد بن محمد بن العباس المري القنطري... عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك حمزة، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك جعفر، ومنا سبطا هذه الأمة الحسن والحسين وهما ابناك، ومنا المهدي). انتهى.
* * *
ومن مصادرنا: كتاب سُلَيْم بن قيس رحمه الله /245، قال: كانت قريش إذا جلست في مجالسها، فرأت رجلاً من أهل البيت قطعت حديثها، فبينما هي جالسة إذ قال رجل منهم ما مثل محمد في أهل البيت إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة! فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فغضب ثم خرج فأتى المنبر فجلس عليه حتى اجتمع الناس، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال... وأورد خطبة طويلة في فضله وفضل أهل بيته (عليهم السلام) جاء فيها: (ألا ونحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة، أنا، وعلي، وجعفر، وحمزة، والحسن، والحسين، وفاطمة، والمهدي). ونحوه أمالي الصدوق/384، عن أنس، وفيه: نحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة: رسول الله، وحمزة سيد الشهداء، وجعفر ذو الجناحين، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، والمهدي. وغيبة الطوسي/113، كالحاكم والعمدة/52 و430، كابن ماجة عن الثعلبي، والطرائف: 1/176، مختصراً، عن الثعلبي.. الخ.
وفي دلائل الإمامة/256، عن الأصبغ بن نباتة، قال: كنا مع علي بالبصرة، وهو
على بغلة رسول الله، وقد اجتمع هو وأصحاب محمد فقال: ألا أخبركم بأفضل خلق الله عند الله يوم يجمع الرسل؟ قلنا: بلى يا أمير المؤمنين، قال: أفضل الرسل محمد وإن أفضل الخلق بعدهم الأوصياء، وأفضل الأوصياء أنا، وأفضل الناس بعد الرسل والأوصياء الأسباط، وإن خير الأسباط سبطا نبيكم، يعني الحسن والحسين، وإن أفضل الخلق بعد الأسباط الشهداء، وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب قال ذلك النبي، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين، مخضبان، بكرامة خص الله (عزَّ وجلَّ) بها نبيكم، والمهدي منا في آخر الزمان لم يكن في أمة من الأمم مهدي ينتظر غيره). وعنه إثبات الهداة: 3/574. وفي قرب الإسناد/13، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: منا سبعة خلقهم الله (عزَّ وجلَّ) لم يخلق في الأرض مثلهم: منا رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيد الأولين والآخرين وخاتم النبيين، ووصيه خير الوصيين وسبطاه خير الأسباط حسناً وحسيناً وسيد الشهداء حمزة عمه، ومن قد طار مع الملائكة جعفر، والقائم). و البحار: 22/275.
أقول: كفى بهذا الحديث الشريف دليلاً على مكانة هؤلاء العظماء من أبناء عبد المطلب رضوان الله عليه، وخاتمهم الإمام المهدي (عليهم السلام)، فهو حديث بقوته ووضوحه حاكمٌ على كل ما رووه من أفضلية زيد وعمرو.
الإمام المهدي (عليه السلام) مختارٌ مصطفى من الله (عزَّ وجلَّ)
في الكافي: 8/49، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: خرج النبي (صلى الله عليه وآله) ذات يوم وهو مستبشر يضحك سروراً، فقال له الناس: أضحك الله سنك يا رسول الله وزادك سروراً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنه ليس من يوم ولا ليلة إلا ولي فيهما تحفة من الله، ألا وإن ربي أتحفني في يومي هذا بتحفة لم يتحفني بمثلها فيما مضى، إن جبرئيل أتاني فأقرأني من ربي السلام وقال: يا محمد إن الله (عزَّ وجلَّ) اختار من بني هاشم سبعة لم يخلق مثلهم فيمن مضى ولا يخلق مثلهم فيمن بقي، أنت يا رسول الله سيد النبيين، وعلي بن أبي طالب وصيك سيد الوصيين، والحسن والحسين سبطاك سيدا
الأسباط، وحمزة عمك سيد الشهداء، وجعفر بن عمك الطيار في الجنة يطير مع الملائكة حيث يشاء، ومنكم القائم يصلي عيسى بن مريم خلفه إذا أهبطه الله إلى الأرض، من ذرية علي وفاطمة، من ولد الحسين).
وفي المسترشد/150، عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة (عليها السلام): إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين قبلنا، ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عمك، ومن له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو جعفر بن أبي طالب ابن عمك، ومنا سبطا هذه الأمة، ومهديهم ولدك).
وفي الإرشاد/24، عن ابن عباس قال: لنا أهل البيت سبع خصال، ما منهن خصلة في الناس، منا النبي (صلى الله عليه وآله)، ومنا الوصي خير هذه الأمة بعده علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومنا حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء، ومنا جعفر بن أبي طالب المزين بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء، ومنا سبطا هذه الأمة، وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين، ومنا قائم آل محمد الذي أكرم الله به نبيه، ومنا المنصور. والبحار: 37/48، عن الإرشاد، وقال: لعل المراد بالمنصور أيضاً القائم (عليه السلام) بقرينة أن بالقائم يتم السبع ويحتمل أن يكون المراد به الحسين (عليه السلام) فإنه منصور في الرجعة.
أقول: ورد وصف الإمام المهدي (عليه السلام) بأنه منصور في أكثر من حديث، كما ورد لقباً له في تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً). (الإسراء: 33) كما ورد اسماً أو لقباً لوزيره المنصور اليماني.. الخ.
أما السفاح فلعله ورد وصفاً للإمام المهدي (عليه السلام) لأنه يُنهي الظلم ويسفح دم أعداء الله تعالى. وقد كان المسلمون يتداولون أسماء هؤلاء الموعودين ويتصورون أنهم سيظهرون قريباً! وكان اليمانيون يفتخرون بالمنصور الموعود منهم وزير المهدي (عليه السلام) وكان القرشيون المتعصبون ينفون ذلك عن اليمانيين ويدعون أنه منهم! فقد روى ابن حماد: 1/120و383 وعنه الحاوي: 2/79، والبرهان/168، أن ابن عمرو العاص كان يقول
لليمانيين: يا معشر اليمن تقولون إن المنصور منكم، والذي نفسي بيده إنه لقرشي أبوه ولو أشاء أن اسميه إلى أقصى جد هو له لفعلت). انتهى.
وفي هذا الجو من التنافس على ادعاء الشخصيات الموعودة في أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله)، تبنى العباسيون اسماء السفاح والمنصور والمهدي، وسموا بهم ملوكهم.
النعماني/67، بسندين عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله (عزَّ وجلَّ) اختار من كل شيء شيئاً. اختار من الأرض مكة، واختار مكة المسجد، واختار من المسجد الموضع الذي فيه الكعبة، واختار من الأنعام إناثها ومن الغنم الضأن، واختار من الأيام يوم الجمعة، واختار من الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختار من الناس بني هاشم، واختارني وعلياً من بني هاشم، واختار مني ومن علي الحسن والحسين، وتكملة اثني عشر إماماً من ولد الحسين، تاسعهم باطنهم وهو ظاهرهم وهو أفضلهم وهو قائمهم، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين). وفي إثبات الوصية/225، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله (عزَّ وجلَّ) اختار من الأيام يوم الجمعة ومن الليالي ليلة القدر ومن الشهور شهر رمضان واختارني من الرسل، واختار مني علياً، واختار من علي الحسن والحسين، واختار منهما تسعة، تاسعهم قائمهم وهو ظاهرهم وهو باطنهم). ومثله كمال الدين: 1/281، ودلائل الإمامة/240، وفيه: أئمة ينفون.. ومقتضب الأثر/9، عن جابر وفيه: واختار من الحسين حجة العالمين، تاسعهم قائمهم أعلمهم أحكمهم. ونحوه في/109.
وفي المسلك في أصول الدين/273، عن ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله إطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني منها، ثم اطلع ثانية فاختار منها علياً وهو أبو سبطيَّ الحسن والحسين. إن الله جعلني وإياهم حججاً على عباده، وجعل من صلب الحسين (عليه السلام) أئمة يقومون بأمري، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتي. ونحوه الهداية الكبرى/362، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وفيه: إن الله (عزَّ وجلَّ) اختار من الأيام الجمعة ومن الليالي ليلة القدر ومن الشهور شهر رمضان، واختار جدي رسول الله
من الرسل واختار منه علياً واختار من علي الحسن والحسين واختار من الحسين تسعة أئمة، وتاسعهم ظاهرهم وباطنهم، وهو سمي جده وكنيُّه). وغيبة الطوسي/93، مختصراً.
وفي/374، عن الحسين (عليه السلام) قال: دخلت أنا وأخي الحسن على جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأجلسني على فخذه وأجلس أخي على فخذه الآخر وقبلنا وقال: بأبي وأمي أنتما من إمامين زكيين صالحين، اختاركما الله (عزَّ وجلَّ) مني ومن أبيكما وأمكما واختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة، تاسعهم قائمهم، وكلاكما في المنزلة سواء).
وفي تقريب المعارف/182، نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن الأئمة من بعده إثنا عشر (عليهم السلام) كقوله (عليه السلام) للحسين بن علي (صلى الله عليه وآله): أنت إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة حجج تسع، تاسعهم قائمهم أعلمهم أحكمهم أفضلهم). ونحوه/419، عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله). وفي/447، عن سلمان قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد أجلس الحسين بن علي (صلى الله عليه وآله) على فخذه وتفرس في وجهه ثم قال: إمام ابن إمام أبو أئمة حجج تسع، تاسعُهم قائمُهم أحلمُهم أعلمُهم. وفي/425، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: تاسعهم قائمهم.
وفي أمالي الصدوق/504، عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما عرج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى ومن السدرة إلى حجب النور، ناداني ربي جل جلاله: يا محمد أنت عبدي وأنا ربك فلي فاخضع، وإياي فاعبد، وعلي فتوكل، وبي فثق، فإني قد رضيت بك عبداً وحبيباً ورسولاً ونبياً، وبأخيك علي خليفة وباباً، فهو حجتي على عبادي وإمام لخلقي، به يعرف أوليائي من أعدائي، وبه يميز حزب الشيطان من حزبي، وبه يقام ديني وتحفظ حدودي وتنفذ أحكامي، وبك وبه وبالأئمة من ولده أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي، وبه أطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى وكلمتي العليا، وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي، وله أظهر الكنوز والذخائر بمشيتي، وإياه أظهر
على الأسرار والضمائر بإرادتي، وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري وإعلان ديني. ذلك وليي حقا ومهدي عبادي صدقاً).
المهدي (عليه السلام) مُحَدَّثٌ تُحدثه الملائكة
تفسير القمي: 2/65: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً): قال: ما بين أيديهم ما مضى من أخبار الأنبياء وما خلفهم من أخبار القائم (عليه السلام)، وقوله: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظلماً)، أي ذلت. وأما قوله: (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً)، يعني ما يحدث من أمر القائم (عليه السلام) والسفياني). وعنه البحار: 51/46.
أخذ الله الميثاق للمهدي (عليه السلام)
البصائر/70، عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماءً عذباً وماءً مالحاً أجاجاً فامتزج الماءان، فأخذ طيناً من أديم الأرض فعركه عركاً شديداً فقال لأصحاب اليمين وهم فيهم كالذر يدبون: إلى الجنة بسلام، وقال لأصحاب الشمال يدبون: إلى النار ولا أبالي. ثم قال: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)، قال: ثم أخذ الميثاق على النبيين فقال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) ثم قال: وأن هذا محمد رسول الله وأن هذا علي أمير المؤمنين؟ قالوا: بلى. فثبتت لهم النبوة وأخذ الميثاق على أولي العزم ألا إني ربكم، ومحمد رسولي، وعلي أمير المؤمنين، وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي، وأن المهدي أنتصر به لديني، وأظهر به دولتي، وأنتقم به من أعدائي، وأعبد به طوعاً وكرهاً؟ قالوا: أقررنا وشهدنا يا رب. ولم يجحد آدم ولم يقر فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي، ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به وهو قوله (عزَّ وجلَّ): (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً). قال: إنما يعني فترك. ثم أمر ناراً فأججت فقال لأصحاب الشمال: أدخلوها فهابوها، وقال لأصحاب اليمين: أدخلوها فدخلوها فكانت عليهم برداً وسلاماً، فقال أصحاب الشمال: يا رب أقلنا، فقال: قد
أقلتكم إذهبوا فادخلوها فهابوها، فثم ثبتت الطاعة والمعصية والولاية). ومثله الكافي: 2/8، بتفاوت يسير، ومختصر البصائر/154، وإثبات الهداة: 1/461، والبحار: 26/279.
أقول: إذا صحت الرواية فينبغي أن تكون نسبة ذلك إلى آدم (عليه السلام) قبل نزوله إلى الدنيا، واجتباء الله له وجعله نبياً معصوماً (عليه السلام).
المهدي (عليه السلام) أحد أربعة أمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله) بحبهم
كشف اليقين/117، عن الفردوس، عن جابر بن عبد الله، عن النبي (صلى الله عليه وآله): الجنة تشتاق إلى أربعة من أهلي، قد أحبهم الله وأمرني بحبهم: علي بن أبي طالب والحسن والحسين والمهدي الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم). وعنه كشف الغمة: 1/52.
تُرافقهُ غمامةٌ تُظِلُّه وفيها ملَك
بيان الشافعي/511، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج المهدي على رأسه غمامة، فيها مناد ينادي: هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه. وقال: هذا حديث حسن ما رويناه إلا من هذا الوجه، أخرجه أبو نعيم في مناقب المهدي (عليه السلام). ومثله عقد الدرر/135، وفرائد السمطين: 2/316، كما في بيان الشافعي بتفاوت يسير، وفيه: هذا المهدي فاتبعوه. وعنه الفصول المهمة/298، وقال: روته الحفاظ كأبي نعيم، والطبراني، وغيرهما. ومثله تاريخ الخميس: 2/288، عن أبي نعيم، وفرائد فوائد الفكر/30، وكفاية الطالب/511، عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج المهدي على رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه). انتهى. وفي بعض الروايات على رأسه عمامة بالعين وهو تصحيف.
وفي تلخيص المتشابه: 1/417، عن عبد الله بن عمرو عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي إن هذا المهدي فاتبعوه). وبيان الشافعي/512، عن ابن عمرو وقال: قلت: هذا حديث حسن روته الحفاظ والأئمة من أهل الحديث كأبي نعيم والطبراني وغيرهما. ومثله المغربي/573، وحسَّنه. والشاميين للطبراني: 2/71، كبيان الشافعي. وفي مواليد الأئمة ووفياتهم (عليهم السلام) /201 مرسلاً: غمامة تظله من الشمس تدور معه حيثما دار، تنادي بصوت فصيح هذا المهدي. والصراط المستقيم: 2/260، وفيه: وروى ابن المنادي: يفهمه كل قوم بلسانهم). وعنه إثبات الهداة: 3/615.
النعماني/212، عن الحسين بن علي (عليهم السلام) قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له: يا أمير المؤمنين نبئنا بمهديكم هذا؟ فقال: إذا درج الدارجون وقلَّ المؤمنون وذهب المجلبون، فهناك هناك، فقال: يا أمير المؤمنين ممن الرجل؟ فقال: من بني هاشم من ذروة طود العرب وبحر مغيضها إذا وردت، ومخفر أهلها إذا أُتيت، ومعدن صفوتها إذا اكتدرت، لا يجبن إذا المنايا هكعت، ولا يخور إذا المنون اكتنعت، ولا ينكل إذا الكماة اصطرعت، مشمرٌ مغلولب ظفرٌ ضرغامة، حصد مخدش ذكر، سيف من سيوف الله، رأس قثم، نشو رأسه في باذخ السؤدد وغارز مجده في أكرم المحتد، فلا يصرفنك عن بيعته صارف عارض ينوص إلى الفتنة كل مناص، إن قال فشر قائل وإن سكت فذو دعاير. ثم رجع إلى صفة المهدي (عليه السلام) فقال: أوسعكم كهفاً وأكثركم علماً وأوصلكم رحماً، اللهم فاجعل بعثه خروجاً من الغُمة، واجمع به شمل الأمة. فإن خار الله لك فاعزم ولا تنثنِ عنه إن وُفقت له، ولا تجوزنَّ عنه إن هديت إليه، هاه - وأومأ بيده إلى صدره - شوقاً إلى رؤيته). وعنه إثبات الهداة: 3/537، والبحار: 51/115.
تظهر على يده معجزات الأنبياء (عليهم السلام)
إثبات الهداة: 3/700، عن إثبات الرجعة للفضل بن شاذان بسندين، قال: ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا، لإتمام الحجة على الأعداء). ومثله أربعون الخاتون آبادي/67.
النعماني/245، عن خلاد بن الصفار قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) هل ولد القائم (عليه السلام)؟ فقال: لا، ولو أدركته لخدمته أيام حياتي). وعقد الدرر/160، والبحار: 51/148.
حتى المتعصبين لأبي بكر وعمر فضلوه عليهما
ابن أبي شيبة: 15/198: أبو اسمة، عن عوف، عن محمد(بن سيرين) قال: يكون في هذه الأمة خليفة لا يفضل عليه أبو بكر ولا عمر). ومثله الداني/81، وعنه تاريخ
الخميس: 2/288. وفي ابن حماد: 1/358، عنه ذكر فتنة تكون فقال: إذا كان ذلك فاجلسوا في بيوتكم حتى تسمعوا على الناس بخير من أبي بكر وعمر، قيل: يا أبا بكر، خير من أبي بكر وعمر؟ قال: قد كان يفضل على بعض الأنبياء. وعنه حاوي السيوطي: 2/77، والقول المختصر/27، وفي ابن حماد: 1/358، عن ابن سيرين قيل له: المهدي خير أو أبو بكر وعمر (رضي الله عنهما)؟ قال: هو خير منهما ويعدل بنبي! وعنه عقد الدرر/148، وتاريخ الخميس: 2/289، والقول المختصر/109.
أقول: هذه الأقوال اجتهادات من تابعين لا يمكن أن تكون أحاديث نبوية، فلو صح أن النبي (صلى الله عليه وآله) نص على أن أبا بكر وعمر أفضل الأمة لرفعاه علماً واحتجا به في السقيفة على استحقاقهما الخلافة. لكنا نوردها لأنها تدل على مكانة المهدي (عليه السلام) عند أتباع أبي بكر وعمر وأن بعضهم يفضلونه عليهما! لكن يكفي أن يفكروا في تسمية الله له بالمهدي (عليه السلام)، فهو مقام العصمة الكاملة، ولم يدَّعه أحد لأبي بكر وعمر.
الفردوس: 4/222، عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله): المهدي طاووس أهل الجنة. وعنه بيان الشافعي/501. وفي ابن حماد: 1/364، عن كعب قال: المهدي خاشع لله كخشوع النسر بجناحه. وملاحم ابن طاووس/73، وقال: فيما ذكره نعيم في خشوع المهدي: وفيه: كخشوع الزجاجة. وشبه خشوعه بخضوع النسر بجناحيه: لأنه يخفضهما عند مشيه أو طيرانه. وكخشوع الزجاجة: أي شفاف الروح كالزجاجة.
* * *
الفصل الحادي عشر: مدة ملك الإمام المهدي (عليه السلام) وما يكون بعده
تفاوت الروايات في مدة حكم الإمام المهدي (عليه السلام)
1 - فالمشهور في مصادر السنيين أنه يحكم سبع سنين أو تسعاً، لكنهم رووا ما يعارضها، فقد عقد نعيم بن حماد فصلاً في كتابه الفتن: 1/376، بعنوان: قدر ما يملك المهدي، وروى فيه قولاً لأرطاة: (يبقى المهدي أربعين عاماً)، وروى عدة أحاديث عن أبي سعيد الخدري وغيره، منها: المهدي يعيش في ذلك يعني بعدما يملك سبع سنين أو ثمان أو تسع.. يكون المهدي في أمتي إن قصر فسبعاً وإلا فثمان وإلا فتسعاً.. عن أبي زرعة عن صباح قال: يمكث المهدي فيكم تسعاً وثلاثين سنة يقول الصغير يا ليتني قد بلغت ويقول الكبير يا ليتني صغيراً.. عن ضمرة بن حبيب قال: حياة المهدي ثلاثون سنة... عن الصقر بن رستم عن أبيه قال: يملك المهدي سبع سنين وشهرين وأيام.. عن دينار بن دينار قال: بقاء المهدي أربعون سنة وقال أحدهما مرة أربعين ومرة أربع وعشرين.. عن الزهري قال يعيش المهدي أربع عشرة سنة ثم يموت موتاً.. عن علي قال: يلي المهدي أمر الناس ثلاثين أو أربعين سنة). انتهى.
والإشكال على رواية السبع سنين ونحوها: أن مهمة الإمام (عليه السلام) استثمار جهود جميع الأنبياء (عليهم السلام) خاصة نبينا (صلى الله عليه وآله)، وإقامة دولة العدل الإلهي العالمية، وهو مشروع ضخم لا يكفي له بضع سنين. وستعرف أن سبب روايتها اشتباه من الراوي.
2 - أطول مدة رويت في مدة حكمه (عليه السلام) أنه يحكم عدد سنيِّ أهل الكهف ثلاث مئة وتسع سنين، ففي دلائل الإمامة/241، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: سألته متى يقوم قائمكم؟ قال: يا أبا الجارود لا تدركون. فقلت: أهل زمانه فقال: ولن تدرك أهل زمانه، يقوم قائمنا بالحق بعد إياس من الشيعة، يدعو الناس ثلاثاً فلا يجيبه أحد، فإذا كان اليوم الرابع تعلق بأستار الكعبة فقال: يا رب انصرني، ودعوته لا تسقط، فيقول تبارك وتعالى للملائكة الذين نصروا رسول الله يوم بدر ولم يحطوا سروجهم ولم يضعوا أسلحتهم، فيبايعونه ثم يبايعه من الناس ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، يسير إلى المدينة فيسير الناس حتى يرضى الله (عزَّ وجلَّ) فيقتل ألفاً وخمسمائة قرشي ليس فيهم إلا فرخ زنية.. ويهدم قصر المدينة ويسير إلى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية شاكين في السلاح، قراء القرآن فقهاء في الدين قد قرحوا جباههم وسمَّروا ساماتهم (بكثرة صلاتهم) وعمهم النفاق وكلهم يقولون: يا ابن فاطمة ارجع لا حاجة لنا فيك فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الإثنين من العصر إلى العشاء فيقتلهم أسرع من جزر جزور فلا يفوت منهم رجل، ولا يصاب من أصحابه أحد، دماؤهم قربان إلى الله! ثم يدخل الكوفة فيقتل مقاتليها حتى يرضى الله. قال: فلم أعقل المعنى فمكثت قليلاً ثم قلت: جعلت فداك وما يدريه جعلت فداك متى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)؟ قال: يا أبا الجارود إن الله أوحى إلى أم موسى وهو خير من أم موسى، وأوحى الله إلى النحل وهو خير من النحل، فعقلت المذهب! فقال لي: أعقلت المذهب؟ قلت: نعم. فقال: إن القائم ليملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أصحاب الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً،
ويفتح الله عليه شرق الأرض وغربها. يقتل الناس حتى لا يرى إلا دين محمد (صلى الله عليه وآله). يسير بسيرة سليمان بن داود، يدعو الشمس والقمر فيجيبانه، وتطوى له الأرض فيوحي الله إليه فيعمل بأمر الله). ومثله غيبة الطوسي/283، و474، بتفاوت يسير، وفيه: كما لبث أهل الكهف في كهفهم. يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويفتح الله له شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس حتى لا يبقى إلا دين محمد (صلى الله عليه وآله)). وعنه تاج المواليد/153، وإثبات الهداة: 3/516، والبحار: 52/291، وفي/390، عن الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد، وعنه إثبات الهداة: 3/584. وحلية الأبرار: 2/598، بتفاوت عن مسند فاطمة (عليها السلام)، وإعلام الورى: 2/293، وقال في الصراط المستقيم: 2/263: وفي كتاب علي بن حسان الواسطي: يملك القائم ثلاثمائة وتسع سنين).
3 - روى الجميع عن أمير المؤمنين وعن الإمام الحسن (عليهما السلام) وابن عباس، أن دولة أهل البيت (عليهم السلام) تكون أضعاف دولة بني أمية، ففي شرح الأخبار: 2/289، عن أبي سالم قال: كنا مع علي (عليه السلام) بالكوفة فقال يوماً من الأيام ونحن عنده: إني سبطٌ من الأسباط أقاتل على حق ليقوم ولن يقوم، والأمر لهم فإذا كثروا فتنافسوا بعث الله (عزَّ وجلَّ) عليهم أقواماً من هذا المشرق فقتلهم بدداً وأحصاهم بهم عدداً. والله لا يملكون سنة إلا ملكنا سنتين ولا يملكون سنتين إلا ملكنا أربعاً، وما من فئة تخرج إلى يوم القيامة إلا ولو شئت لسميت لكم سائقها وناعقها. قال: فقلت لأصحابي: فما المقام وقد أخبركم أن الأمر لهم؟! قالوا: لا شيء. واستأذناه إلى مصر. فأذن لمن شاء، وأقام معه قوم منا). انتهى. وفي ابن حماد: 1/193: عن علي (عليه السلام) أنه قال: الأمر لهم حتى يقتلوا قتيلهم ويتنافسوا بينهم فإذا كان ذلك بعث الله عليهم أقواماً من المشرق فقتلوهم بدداً وأحصوهم عدداً! والله لا يملكون سنة إلا ملكنا سنتين ولا يملكون سنتين إلا ملكنا أربعاً). وعنه ابن طاووس/31 و175 و339، وكنز العمال: 11/364، والنهاية: 6/274. وفي تاريخ الخلفاء/11، عن الموفقيات.
وفي شرح الأخبار: 3/96، عن الحسن بن علي (عليهما السلام) أنه مر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحلقة فيها قوم من بني أمية، فتغامزوا به وذلك عندما تغلب معاوية على ظاهر أمره. فرآهم وتغامزهم به. فصلى ركعتين ثم جاءهم، فلما رأوه جعل كل واحد منهم يتنحى عنه مجلسه له، فقال لهم: كونوا كما أنتم فإني لم أرد الجلوس
معكم ولكن قد رأيت تغامزكم بي: أما والله لا تملكون يوماً إلا ملكنا يومين، ولا شهراً إلا ملكنا شهرين، ولا سنة إلا ملكنا سنتين! وإنا لنأكل في سلطانكم ونشرب ونلبس ونركب وننكح، وأنتم لا تأكلون في سلطاننا ولا تشربون ولا تلبسون ولا تنكحون. فقال له رجل: وكيف يكون ذلك يا أبا محمد وأنتم أجود الناس وأرأفهم وأرحمهم، تأمنون في سلطان القوم ولا يأمنون في سلطانكم؟ فقال: لأنهم عادونا بكيد الشيطان وكيد الشيطان كان ضعيفاً، وإنا عاديناهم بكيد الله وكيد الله شديد)! ومثله مناقب آل أبي طالب: 3/175، وبحار الأنوار: 44/90.. الخ.
وتقدم قول ابن عباس من أمالي المفيد/14، جواباً على ادعاء معاوية المهدية مقابل مهدي أهل البيت (عليهم السلام)، قال: وأما افتخارك بالملك الزائل الذي توصلت إليه بالمحال الباطل فقد ملك فرعون من قبلك فأهلكه الله. وما تملكون يوماً يا بني أمية إلا ونملك بعدكم يومين، ولا شهراً إلا ملكنا شهرين، ولا حولاً إلا ملكنا حولين). والدر المنثور: 2/173، عن الزبير بن بكار في الموفقيات، وأخبار الدولة العباسية/52.
قد يقال: إن دولة أهل البيت تبدأ بحكم الإمام المهدي (عليه السلام) فقد يكون حكمه قصيراً ثم يحكم غيره من أهل البيت (عليه السلام). والجواب: أن هذا معارض بما دل على طول حكمه (عليه السلام)، كما أنه اعترافٌ بردِّ روايتهم بقصر حكمه وانتهاء دولة العدل الإلهي.
4 - ورد أنه يعيش عمر الخليل إبراهيم (عليه السلام)، وأنه يظهر كابن ثلاثين سنة، ورواية ذلك متفاوتة، يفهم من بعضها أنه يحكم تسعين سنة، وبعضها صرح بأنه يحكم أربعين سنة. ففي غيبة النعماني/189، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: القائم من ولدي، يُعَمِّر عمر الخليل عشرين ومائة سنة يُدرى به، ثم يغيب غيبة في الدهر ويظهر في صورة شاب موفق ابن اثنين وثلاثين سنة، حتى ترجع عنه طائفة من الناس، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
وفي دلائل الإمامة/258، عن أبي عبد الله قال: القائم من ولدي يعمر عمر خليل
الرحمن، يقوم في الناس وهو ابن ثلاثين سنة، ويلبث فيها أربعين سنة، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً). وفي غيبة الطوسي/259: إن ولي الله عمر عمر إبراهيم الخليل عشرين ومائة سنة، ويظهر في صورة فتى موفق ابن ثلاثين سنة). وعنه إثبات الهداة: 3/511، والبحار: 52/287.
5 - ورد في مصادر الطرفين أن السنين تطول في عصره، فتكون السبع سنين سبعين سنة. ففي الإرشاد/365، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل قال: إذا قام القائم سار إلى الكوفة فهدم بها أربعة مساجد، ولم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلا هدمها وجعلها جماء، ووسع الطريق الأعظم وكسر كل جناح خارج في الطريق وأبطل الكنف والميازيب إلى الطرقات، ولا يترك بدعة إلا أزالها ولا سنة إلا أقامها ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم، فيمكث على ذلك سبع سنين كل سنة عشر سنين من سنينكم هذه ثم يفعل الله ما يشاء. قال قلت له: جعلت فداك فكيف يطول السنين؟ قال: يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلة الحركة فتطول الأيام لذلك والسنون. قال قلت له: إنهم يقولون: إن الفلك إن تغير فسد، قال: ذلك قول الزنادقة فأما المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك، وقد شق الله تعالى القمر لنبيه (صلى الله عليه وآله) ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون (عليه السلام) وأخبر بطول يوم القيامة وأنه كألف سنة مما تعدون). ومثله روضة الواعظين: 2/264، وإعلام الورى/432، وعنه كشف الغمة: 3/256.
وفي الإرشاد: 2/381: (روى عبد الكريم الخثعمي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كم يملك القائم؟ قال: سبع سنين، تطول له الأيام والليالي حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم، فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه). والغيبة للطوسي/474. راجع أيضاً283، والصراط المستقيم: 2/251، والمستجاد من الإرشاد/262، والبحار: 52/291 و386، وروضة الواعظين/264، وعقد الدرر/224، وإثبات الهداة: 3/624.
وفي إثبات الهداة: 3/557، عن الاختصاص وقال: (قد مر ما يعارض هذا ظاهراً ولعل ما نقص عن هذا يكون بعد استيلائه على الأرض كلها، ولا منافاة في
إطلاقهما، وقد مر أن كل سنة تكون بمقدار عشر سنين، والله تعالى أعلم).
6 - ثبت عندنا استحباب الدعاء لكل إمام معصوم، ومنهم الإمام المهدي (عليهم السلام) بهذا الدعاء: اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً. (مصباح المتهجد/630، وإقبال الأعمال: 1/191).
وفي الكافي: 4/162، محمد بن عيسى بإسناده عن الصالحين (عليهم السلام) قال: تكرر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجداً وقائماً وقاعداً وعلى كل حال، وفي الشهر كله وكيف أمكنك ومتى حضرك من دهرك، تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله): اللهم كن لوليك فلان بن فلان في هذه الساعة، وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وناصراً ودليلاً وقائداً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً). والمزار لابن المشهدي/611. فهذا دعاءٌ صادرٌ من المعصوم (عليه السلام). وقوله (عليه السلام) وتمتعه فيها طويلاً، لا يتناسب مع حكمه مدة قصيرة كسبع سنين.
7 - ورد في مصادر الطرفين أنه يحكم تسع سنوات أو عشراً! ففي ابن حماد: 2/689، عن أبي سعيد عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يملك المهدي سبع ثمان تسع سنين. وفي فضل الكوفة/25، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يملك المهدي تسعاً أو عشراً، أسعد الناس به أهل الكوفة). وينابيع المودة/449، وغيره.
8 - ورد في مصادر الطرفين أنه يحكم تسع عشرة سنة، ففي النعماني/331 و332 و353، بعدة طرق عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يملك القائم (عليه السلام) تسع عشرة سنة وأشهراً). ومثله عقد الدرر/239، وعنه إثبات الهداة: 3/547، والبحار: 52/298. وفي مختصر البصائر/193: فمن ذلك ما رويناه عن النعماني... عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: يملك القائم تسع عشرة سنة وأشهراً... الخ. ثم قال: فأين موقع هذه التسع عشرة سنة وأشهر من الدعاء له
بطول العمر والتمتع في الأرض طويلاً؟! الذي يظهر من هذا ويتبادر إليه الذهن أنه يكون أطول من الزمان الذي انقضى في غيبته وعمره الشريف اليوم ينيف على الخمسمائة والثلاثين سنة، ويدل على ما قلناه ما تقدم ورويناه عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل: أي العمرين له أطول؟ قال: الثاني بالضعف، وهذا صريح في رجعته). انتهى.
9 - روى ابن حماد: 1/378، عن علي (عليه السلام) قال: يلي المهدي أمر الناس ثلاثين أو أربعين سنة). وعنه بيان الشافعي/495، وقال: رواه الحافظ أبو نعيم في مناقب المهدي (عليه السلام) عن الطبراني وجمع طرقه. وعقد الدرر/240، وجمع الجوامع: 2/104، والحاوي: 2/79، وغيرها.
ملاحظات
الأولى: يظهر أن أصل الأحاديث التي تذكر أن مدة حكمه (عليه السلام) سبع سنين: هو الحديث إجابة النبي (صلى الله عليه وآله) أجاب على سؤال عن مدة حكمه فعقد بيده الشريفة أصابعها الخمس، ثم عقد من الثانية إصبعين، ففسره الرواة بسبع، ثم صحفت في النسخ بتسع. لكن قد يكون قصد النبي (صلى الله عليه وآله) سبع مراحل أو سبعة عقود مثلاً، فحصروها بالسنين، وهذا عدد من رواياتها: روى الحاكم: 4/557، وصححه على شرط مسلم، عن أبي سعيد: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدي منا أهل البيت أشم الأنف أقنى أجلى، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يعيش هكذا وبسط يساره وإصبعين من يمينه: المسبحة والإبهام، وعقد الثلاثة). وأشم الأنف أقنى: مرتفع قصبة الأنف عاليه مع استواء ودقة وإشراف قليل في أرنبته. أجلى: منحسر الشعر عن جبهته.
وفي المعجم الأوسط: 10/209، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يملك رجل من أهل بيتي أجلى الجبهة أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يعيش هكذا، وبسط كفه اليمنى وبسط إلى جنبها إصبعين، وبسط كفه اليسرى). ومثله فرائد السمطين: 2/330، بروايتين، وعقد الدرر/33، أوله كالحاكم.
وفي جمع الفوائد: 3/181، عن أبي سعيد: قال النبي (صلى الله عليه وآله): منا أهل البيت أشم الأنف أقنى أجلى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يعيش هكذا وبسط يساره وإصبعين من يمينه|: السبابة والإبهام وعقد ثلاثة). ونحوه ابن طاووس/166.
وفي مسند أبي يعلى: 12/19، عن أبي هريرة قال: حدثني خليلي أبو القاسم (صلى الله عليه وآله) قال: لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من أهل بيتي فيضربهم حتى يرجعوا إلى الحق، قال قلت: وكم يكون؟ قال: خمس واثنين، قال قلت: ما خمس واثنين؟ قال: لا أدري! وقال في مجمع الزوائد: 7/315: رواه أبو يعلى، وفيه المرجى بن رجاء وثقه أبو زرعة وضعفه ابن معين، وبقية رجاله ثقات. ووثقه الحافظ المغربي/557، وقال: استشهد به البخاري وعلق له بصيغة الجزم، وقال الدارقطني ثقة). انتهى.
أقول: لعل هذه النصوص التي تذكر أن النبي (صلى الله عليه وآله) عقد بيده خمساً واثنين، من أدق النصوص المروية في مدة حكم المهدي (عليه السلام) وهي تشير إلى أن المقصود بالسبع المراحل وليس السنين، ويبدو أنها الأساس لقول الرواة: سبع سنين، وصحفت بتسع. وقد تكون هذه الرواية إشارة نبوية إلى تغير الزمان في عصر المهدي (عليه السلام) بحدوث تطور في حياة الناس وحسابهم. ومهما يكن فهي معارضة بالروايات التي تصل بمدة حكمه (عليه السلام) إلى ثلاث مئة وتسع سنين، وهي المرجحة عندنا لصحة سندها وموافقتها لمنطق الأمور.
الملاحظة الثانية: يحتمل أن يكون بعض الرواة خلطوا بين الهدنة التي تكون بين الإمام المهدي (عليه السلام) والروم، والتي ورد أنها تدوم سبع سنين فتصوروها مدة ملكه! ففي الطبراني الكبير: 8/101 و120، عن أبي أمامة يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيكون بينكم وبين الروم أربع هدن، يوم الرابعة على يد رجل من أهل هرقل يدوم سبع سنين. فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستورد بن خيلان يا رسول الله من إمام الناس يومئذ قال من ولد أربعين سنة كأن وجهه كوكب دري في خده الأيمن
خال أسود عليه عباءتان قطوايتان كأنه من رجال بني إسرائيل يملك عشرين سنة يستخرج الكنوز ويفتح مدائن الشرك). ونحوه مسند الشاميين: 2/410، وعقد الدرر للسلمي/15، عن أبي نعيم، ونحوه/36. والإصابة: 6/71 ونحوه: 3/407، وأسد الغابة: 4/353 والفصول المهمة/298، وجمع الجوامع: 1/545، وصواعق بن حجر/98، وبيان الشافعي/514، عن أبي نعيم، ومثله أسد الغابة: 4/353، وفرائد السمطين: 2/314، وكشف الغمة: 3/260، وعنه إثبات الهداة: 3/593، والبحار: 51/80. وضعفه في مجمع الزوائد: 7/319، ورده ابن حجر في لسان الميزان: 4/383)!
ومعنى يوم الرابعة: أي عقد الهدنة الرابعة. والعباءة القطوانية: البيضاء القصيرة الخمل. كأنه من رجال بني إسرائيل: أي جميل يشبه في كمال بدنه أبناء يعقوب وإبراهيم (عليهما السلام).
الملاحظة الثالثة: تدخل الحياة على الأرض في عصر الإمام المهدي (عليه السلام) مرحلة جديدة أو طوراً جديداً كلياً، من معالمه: الانفتاح على العوالم والكواكب الأخرى في الكون، وإحياء الله تعالى لعدد من الأموات، وبدء حركة الرجوع من الآخرة والجنة! فلا بد أن نأخذ هذه التطورات بعين الاعتبار في مدة حكم الإمام المهدي ومن بعده من الأئمة (عليهم السلام). ولعل هذا هو السبب في أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يذكر السنين لأنه يتبادر إلى الذهن منها السنين وحركة الزمن والحياة التي نعرفها، مع أن الحياة تصل إلى نمط آخر. وبذلك نفسر تفاوت الروايات عن الأئمة (عليهم السلام) ونص عدد منها على إحياء الأموات والرجعة، وموت الإمام المهدي (عليه السلام) ورجعته!
ففي الإرشاد: 2/211، عن عبد الكريم الخثعمي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كم يملك القائم؟ قال: سبع سنين، تطول له الأيام والليالي حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه، وإذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطراً لم ير الخلائق مثله، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، فكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من التراب).
الملاحظة الرابعة: أن دولة أهل البيت (عليهم السلام) تمتد إلى يوم القيامة. ففي غيبة الطوسي/282، وطبعة472، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل
بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (والعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِين). ومثله منتخب الأنوار/194، وإثبات الهداة: 3/516، والإيقاظ/357، والبحار: 52/332، والإرشاد/364، ونحوه روضة الواعظين: 2/265، وإعلام الورى/432، وعنه كشف الغمة: 3/255، وإثبات الهداة: 3/528، والبحار: 52/338.
وفي غيبة النعماني/274، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ما يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد وَلُوا على الناس حتى لا يقول قائل إنا لو ولينا لعدلنا، ثم يقوم القائم بالحق والعدل). وعنه إثبات الهداة: 3/738، والبحار: 52/244.
وفي تفسير العياشي: 1/199، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله: (وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)؟ قال: ما زال مذ خلق الله آدم: دولة لله ودولة لإبليس، فأين دولة الله؟ أما هو إلا قائم واحد). وعنه إثبات الهداة: 1/135، والبحار: 51/54.
وفي الكافي: 8/287، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله (عزَّ وجلَّ): (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)؟ قال: إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل). وعنه تأويل الآيات: 2/540، وإثبات الهداة: 3/451، والبرهان: 2/441، والبحار: 51/62، و: 24/313.
وفي الكافي: 8/287، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله (عزَّ وجلَّ): (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ، إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ): قال: هو أمير المؤمنين (عليه السلام). (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ): قال: عند خروج القائم (عليه السلام). وفي قوله (عزَّ وجلَّ): (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ): قال: اختلفوا كما اختلفت هذه الأمة في الكتاب وسيختلفون في الكتاب الذي مع القائم الذي يأتيهم به حتى ينكره ناس كثير فيقدمهم فيضرب أعناقهم. وأما قوله (عزَّ وجلَّ): (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ): قال: لولا ما تقدم فيهم من الله (عزَّ وجلَّ) ما أبقى القائم (عليه السلام) منهم واحداً. وفي قوله (عزَّ وجلَّ): (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ): قال: بخروج القائم (عليه السلام). وفي قوله (عزَّ وجلَّ): (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا
مُشْرِكِينَ): قال: يعنون بولاية علي (عليه السلام). وفي قوله (عزَّ وجلَّ): (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً): قال: إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل). وتأويل الآيات: 2/510، أوله، وفي/540، آخره، وعنه إثبات الهداة: 3/451 والبرهان: 2/441، والبحار: 24/313، و: 69/268.
وفي أمالي الصدوق/396 (وروضة الواعظين: 2/267، وإثبات الهداة: 3/559، والبحار: 51/143) بسند صحيح عن محمد بن أبي عمير قال: كان الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول:
لكل أناس دولة يرقبونها * * * ودولتنا في آخر الدهر تظهرُ).
هذا، وتقدمت في الفصول الأخرى وتأتي، أحاديثُ تدل على استمرار دولتهم (عليهم السلام) وأنه لا ظلم بعدها، ولا دولة بعدها.
الملاحظة الخامسة: أنه (عليه السلام) يملك عدد سني أهل الكهف 309 سنين، وهو المرجح عندنا لصحة سند بعض أحاديثه ووجود قرائن تؤيده. ففي تفسير العياشي: 2/326، عن جابر بن يزيد الجعفي: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: والله ليملكن رجل منا أهل البيت الأرض بعد موته ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً، قال: قلت: فمتى ذلك؟ قال: بعد موت القائم، قال: قلت: وكم يقوم القائم في عالمه حتى يموت؟ قال: تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلى يوم موته). والنعماني/331، أوله، عن ابن عقدة، عن جابر الجعفي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، ومثله الاختصاص/257، بتفاوت يسير، وغيبة الطوسي/286، عن أبي جعفر (عليه السلام)، ونحوه في مختصر البصائر/49. وفي مختصر البصائر/18 و106، عن بريدة الأسلمي: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف أنت إذا استيأست أمتي من المهدي فيأتيها مثل قرن الشمس، يستبشر به أهل السماء وأهل الأرض! فقلت: يا رسول الله بعد الموت؟ فقال: والله إن بعد الموت هدى وإيماناً ونوراً! قلت: يا رسول الله أي العمرين أطول؟ قال الآخر بالضعف). ومثله دلائل الإمامة/250، وعنه الإيقاظ/282.
أقول: تصور المجلسي رحمه الله أن سؤال بريدة عن ظهور المهدي (عليه السلام) بعد الموت أي موت الناس لا المهدي (عليه السلام)، كما فسره في تنقيح المقال: 3/264، بموت المهدي (عليه السلام) بعد
ظهوره وفتحه العالم، ثم رجعته إلى الدنيا ثانية. لكن كلا التفسيرين بعيد، والأقوى تفسيره بأنه يقصد بالموت غيبة المهدي (عليه السلام) سماها موتاً مجازاً، كما ورد في غيبة الطوسي/282، عن أبي سعيد الخراساني قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المهدي والقائم واحد؟ فقال: نعم. فقلت: لأي شيء سمي المهدي؟ قال: لأنه يهدى إلى كل أمر خفي، وسمي القائم لأنه يقوم بعد ما يموت، إنه يقوم بأمر عظيم.
وفي/260: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) لأي شيء سمي القائم؟ قال: لأنه يقوم بعد ما يموت، إنه يقوم بأمر عظيم، يقوم بأمر الله سبحانه. وقال الطوسي رحمه الله: فالوجه في هذه الأخبار وما شاكلها أن نقول بموت ذكره، ويعتقد أكثر الناس أنه بلي عظامه، ثم يظهره الله كما أظهر صاحب الحمار بعد موته الحقيقي، وهذا وجه قريب في تأويل الأخبار، على أنه لا يرجع بأخبار آحاد لا توجب علماً عما دلت العقول عليه وساق الاعتبار الصحيح إليه وعضدته الأخبار المتواترة التي قدمناها). وعنه إثبات الهداة: 3/512 و516، والبحار: 51/30، وقال: قوله (عليه السلام): بعد ما يموت، أي ذكره أو بزعم الناس. ثم استشهد برواية معاني الأخبار/64، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل في معاني أسماء محمد وعلي وفاطمة والأئمة (عليهم السلام)، بقوله (صلى الله عليه وآله): وسمي القائم قائماً لأنه يقوم بعد موت ذكره). انتهى. فهذه الرواية واستشهاد صاحب البحار رحمه الله بها يؤكد ما قلناه.
لكن يرد على رواية العياشي أن بقيتها مضطربة، وبعضها يخالف المشهور في ترتيب أحداث ما يكون بعد حكمه (عليه السلام)، وهذا نصها: (قال قلت: فيكون بعد موته هرج؟ قال: نعم خمسين سنة، قال: ثم يخرج المنصور إلى الدنيا فيطلب دمه ودم أصحابه فيقتل ويسبي حتى يقال: لو كان هذا من ذرية الأنبياء ما قتل الناس كل هذا القتل! فيجتمع الناس عليه أبيضهم وأسودهم فيكثرون عليه حتى يلجئونه إلى حرم الله، فإذا اشتد البلاء عليه مات المنتصر وخرج السفاح إلى الدنيا غضباً للمنتصر فيقتل كل عدو لنا جائر ويملك الأرض كلها، ويصلح الله له أمره ويعيش ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً. ثم قال أبو جعفر: يا جابر وهل تدري من المنتصر والسفاح؟
يا جابر المنتصر الحسين والسفاح أمير المؤمنين صلوات الله عليهم). انتهى.
أقول: إن اضطراب بقية الرواية لا يسقط الاستدلال بالقسم الأول الصريح منها.
الملاحظة السادسة: توهم بعضهم أنه يملك شخص بعد المهدي (عليه السلام) 309، ففي غيبة الطوسي/478، عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: والله ليملكن منا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة يزداد تسعاً. قلت: متى يكون ذلك؟ قال: بعد القائم (عليه السلام). قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال: تسع عشرة سنة، ثم يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين (عليه السلام) ودماء أصحابه فيقتل ويسبي حتى يخرج السفاح). ومثله مختصر البصائر/49، وفيه: حتى يخرج السفاح وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وفسرها الحر العاملي رحمه الله في الإيقاظ/337، فقال: (الظاهر أن قوله: ثلاثمائة سنة: ظرف للموت، بمعنى أنه يملك بعد مضي موته ثلاثمائة سنة، وليس بصريح في أنه يملك بعدها بغير فصل بل إذا خرج بعد ذلك بألف سنة صدقت البعدية المذكورة، والحكمة في عدم ذكر الفاصلة لا تخفى. وقوله: يزداد تسعاً: يحتمل أن يراد بها الزيادة في مدة موته، وأن يراد بها مدة ملكه لأنها زيادة على عمره الأول، ويحتمل أن يكون مجموع الثلاثمائة والتسعة مدة ملكه كما لا يخفى، وقوله: بعد القائم: يمكن أن يراد به بعد غيبته أو خروجه، ويمكن أن يُقرأ بعد بضم العين فعلاً ماضياً، والقائم الثاني يحتمل المهدي المذكور أولاً على بعض الوجوه. وقوله ثم يخرج المنتصر: لا يلزم كونه بعد القائم، بل يحتمل الحمل على أنه عطف على قوله: ليملكن، ولا يبعد أن يكون المراد بالمنتصر الحسين وبالسفاح أمير المؤمنين). انتهى.
وعلق عليها في إثبات الهداة: 3/557 بقوله: قد مر ما يعارض هذا ظاهراً، ولعل ما نقص عن هذا يكون بعد استيلائه على الأرض كلها، ولا منافاة في إطلاقهما، وقد مر أن كل سنة تكون بمقدار عشر سنين. والله تعالى أعلم).
أقول: الاحتمالات التي ذكرها رحمه الله بعيدة، والظاهر أن المقصود حكم الإمام نفسه بعدد سني أهل الكهف وليس شخصاً بعده، وأصل الإشكال من عبارة: (قلت: متى
يكون ذلك؟ قال: بعد القائم (عليه السلام). قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال: تسع عشرة سنة) فقد يكون فيها سقط وأصلها (بعد غيبة القائم)، كما أن سؤاله الثاني: وكم يقوم القائم في عالمه؟ غير مفهوم. ويظهر أنه اختلط على الراوي مرحلة ما بعد الإمام (عليه السلام) بمرحلة الرجعة التي هي بعده أيضاً. ولا نطيل في بحث مفردات هذه الرواية، وأوجه التعارض بين الروايات، بل نؤكد على قاعدة رد المتشابه منها والمضطرب إلى المحكم المبيِّن، وهو أن دولة أهل البيت (عليهم السلام) تمتد طويلاً وليس بعدها دولة، فلا ظلم في الأرض بعد ظهور الإمام المهدي (عليه السلام). وكما رددنا مقولات كعب وزعمه أن الإمام المهدي (عليه السلام) يقتل ولا يحقق غرضه، يجب أن نرد كل رواية تدعي وقوع الهرج أي القتل والظلم بعده (عليه السلام)!
عظمة الملك الذي يعطيه الله لوليه المهدي (عليه السلام)
تواترت الأحاديث عند الجميع أن الإمام المهدي (عليه السلام) يملك مشارق الأرض ومغاربها ويملؤها قسطاً وعدلاً، وهو أمر لا سابقة له في تاريخ الأنبياء وأوصيائهم! وقد تقدم من غيبة الطوسي/283، وغيره، قول الإمام الباقر (عليه السلام): إن القائم ليملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أصحاب الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويفتح الله عليه شرق الأرض وغربها... يدعو الشمس والقمر فيجيبانه، وتطوى له الأرض، فيوحي الله إليه فيعمل بأمر الله).
وفي الخصال/248: (عن رجل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى لم يبعث الأنبياء ملوكاً في الأرض إلا أربعة بعد نوح: ذو القرنين واسمه عياش، وداود، وسليمان، ويوسف (عليهم السلام). فأما عياش فملك ما بين المشرق والمغرب، وأما داود فملك ما بين الشامات إلى بلاد إصطخر، وكذلك كان ملك سليمان، وأما يوسف فملك مصر وبراريها، لم يجاوزها إلى غيرها.
قال مصنف هذا الكتاب (رضي الله عنه): جاء هذا الخبر هكذا، والصحيح الذي اعتقده في ذي القرنين أنه لم يكن نبياً وإنما كان عبداً صالحاً أحب الله فأحبه الله ونصح لله فنصحه الله، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): وفيكم مثله، وذو القرنين ملك مبعوث وليس برسول ولا نبي كما كان طالوت قال الله (عزَّ وجلَّ): (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً)، وقد يجوز أن يذكر في جملة الأنبياء من ليس بنبي كما يجوز أن يذكر في جملة الملائكة من ليس بملك، قال الله (عزَّ وجلَّ) ثناؤه: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ). والعياشي: 2/340، والبحار: 12/181، و: 14/70.
وفي النعماني/240، عن سالم الأشل قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) يقول: نظر موسى بن عمران في السفر الأول إلى ما يعطى قائم آل محمد من التمكين والفضل فقال موسى: رب اجعلني قائم آل محمد، فقيل له إن ذاك من ذرية أحمد. ثم نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك فقال مثله، فقيل له مثل ذلك. ثم نظر في السفر الثالث فرأى مثله فقال مثله، فقيل له مثله). والبحار: 51/77، وإثبات الهداة: 3/541، ومثله عقد الدرر/26، وعنه الصراط المستقيم: 2/257 وإثبات الهداة/614.
كمال الدين: 1/282، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم أنت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله (عزَّ وجلَّ) على يديه مشارق الأرض ومغاربها). ومثله عيون أخبار الرضا: 1/56، ونحوه أمالي الصدوق/97، وفي/502: قلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله): أخبرني بعدد الأئمة بعدك فقال: يا علي هم اثنا عشر أولهم أنت وآخرهم القائم. وروضة الواعظين: 1/102، وابن شهرآشوب: 1/298، وإثبات الهداة: 1/616، ونوادر الأخبار/128، عن السجاد عن أبيه عن جده: قال رسول الله: (صلى الله عليه وآله) الأئمة من بعدي أثنا عشر أولهم أنت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله (عزَّ وجلَّ) على يديه مشارق الأرض ومغاربها).
وفي تفسير القمي: 2/87: أبو الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ). قال (عليه السلام): وهذه الآية لآل محمد (عليهم السلام) إلى آخر الآية. والمهدي
وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها، ويظهر الدين ويميت الله به وأصحابه البدع والباطل كما أمات السفه الحق حتى لا يرى أثر للظلم). ومثله تأويل الآيات: 1/343، وعنهما إثبات الهداة: 3/563، والبحار: 24/165، و: 51/47، والمحجة/143.
وفي العياشي: 1/183، عن رفاعة بن موسى قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)، قال: إذا قام القائم (عليه السلام) لا يبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله). وعنه إثبات الهداة: 3/549، والمحجة/50، والبحار: 52/340.
وفي العياشي: 1/183، عن ابن بكير قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)؟ قال: أنزلت في القائم إذا خرج(أمر) باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الأرض وغربها فعرض (عليهم السلام)، فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلا وحد الله! قلت له: جعلت فداك إن الخلق أكثر من ذلك فقال: إن الله إذا أراد أمراً قلل الكثير وكثر القليل). وعنه إثبات الهداة: 3/549، والبحار: 52/340.
وفي الإرشاد/364، عن علي بن عقبة، عن أبيه، قال: إذا قام القائم (عليه السلام) حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور وأمنت به السبل وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كل حق إلى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان. أما سمعت الله سبحانه يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)، وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد (صلى الله عليه وآله)، فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته ولبره لشمول الغنى جميع المؤمنين! ثم قال: إن دولتنا آخر الدول ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله تعالى: (والعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِين). ونحوه روضة الواعظين: 2/265، وإعلام الورى/432، وعنه كشف
الغمة: 3/255، وإثبات الهداة: 3/528، والبحار: 52/338.
وفي غيبة الطوسي/283: عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) جاء فيه: (ثم يتوجه إلى (كابلشاه) وهي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره فيفتحها، ثم يتوجه إلى الكوفة فينزلها وتكون داره، ويبهرج سبعين قبيلة من قبائل العرب.. تمام الخبر. وفي خبر آخر: يفتح قسطنطينية والرومية وبلاد الصين). وعنه منتخب الأنوار/194، وعنه البحار: 52/333.
وفي البحار: 52/390، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: يملك القائم ثلاث مائة سنة ويزداد تسعاً كما لبث أهل الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فيفتح الله له شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس حتى لا يبقى إلا دين محمد ويسير بسيرة سليمان بن داود، ويدعو الشمس والقمر فيجيبانه وتطوى له الأرض ويوحى إليه فيعمل بالوحي بأمر الله). وعنه إثبات الهداة: 3/584، وفي ينابيع المودة: 3/238 عن جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: المهدي من ولدي الذي يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان).
وفي كتاب سليم بن قيس/152، في حديث شمعون بن حمون الراهب الذي لقي أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجوعه من صفين، وهو طويل فيه وصف النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة بعده، جاء فيه: حتى يبعث الله رجلاً من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله من أرض تدعى تهامة، من قرية يقال لها مكة، يقال له أحمد، الأنجل العينين المقرون الحاجبين، صاحب الناقة والحمار والقضيب والتاج يعني العمامة، له اثنا عشر اسماً، ثم ذكر مبعثه ومولده وهجرته ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه، وكم يعيش، وما تلقى أمته بعده إلى أن ينزل الله عيسى بن مريم من السماء، فذكر في الكتاب ثلاثة عشر رجلاً من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله صلى الله عليهم، هم خير من خلق الله وأحب من خلق الله إلى الله، وأن الله ولي من والاهم وعدو من عاداهم، من أطاعهم اهتدى ومن عصاهم ضل، طاعتهم لله طاعة ومعصيتهم لله معصية. مكتوبة فيه أسماؤهم وأنسابهم ونعتهم وكم يعيش كل رجل منهم، واحداً بعد واحد، وكم رجل منهم يستتر بدينه ويكتمه من قومه، ومن يظهر حتى ينزل الله عيسى صلى الله عليه على آخرهم، فيصلي عيسى خلفه ويقول إنكم أئمة لا ينبغي
لأحد أن يتقدمكم، فيتقدم فيصلي بالناس وعيسى خلفه إلى الصف الأول، أولهم وأفضلهم وخيرهم، له مثل أجورهم وأجور من أطاعهم واهتدى بهداهم... فأول من يظهر منهم يملأ جميع بلاد الله قسطاً وعدلاً ويملك ما بين المشرق والمغرب حتى يظهره الله على الأديان كلها). والنعماني/74، عن سليم بن قيس الهلالي.
* * *
سيأتي في فصل تطور العلوم وتحقق العدل والرخاء، أنه (عليه السلام) يركب السحاب ويرقى في الأسباب أسباب السماوات السبع والأرضين السبع، خمس عوامر واثنان خرابان). (الاختصاص/199). وأن مجتمع الأرض سيتصل بمجتمعات الكواكب الأخرى!
كما يأتي في فصل الآيات المفسرة ما يدل على سعة ملكه (عليه السلام) كقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة: 33). وقوله تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) (النور: 55). وقوله: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ..) (البقرة: 193).
في الختام ينبغي أن نشير إلى تفسير أهل البيت (عليهم السلام) للملك العظيم في قوله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً)، وأنه الطاعة المفروضة للنبي وآله (صلى الله عليه وآله) التي تفوق ما أعطي من قبلهم من الأنبياء (عليهم السلام). (البصائر/55).
هل يقتل الإمام (عليه السلام) أم يموت طبيعياً؟
كنت أشك في عموم حديث: (ما منَّا إلا مقتولٌ أو مسموم) لكني وصلت أخيراً إلى الاطمئنان بصحته وشموله لجميع الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).
وعليه يمكن القول بأن الإمام المهدي (عليه السلام) يموت شهيداً بالسم، لكن الدولة تستمر بعده، وقد صح أن الإمام الحسين (عليه السلام) هو الذي يتولى تجهيزه والصلاة عليه، وقد
يحكم بعده مباشرة، ثم يحكم اثنا عشر مهدياً من ولد الإمام المهدي (عليهم السلام)، ثم تكون رجعة النبي (صلى الله عليه وآله).. الخ. وتوجد بهذا المضمون خمس روايات فيها صحيح السند، ففي كفاية الأثر/160: (عن هشام بن محمد، عن أبيه قال: لما قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) رقى الحسن بن علي (عليه السلام) فأراد الكلام فخنقته العبرة فقعد ساعة ثم قام وقال: الحمد لله الذي كان في أوليته وحدانياً وفي أزليته متعظماً... والحمد لله الذي أحسن الخلافة علينا أهل البيت، وعند الله نحتسب عزاءنا في خير الآباء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعند الله نحتسب عزاءنا في أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد أصيب به الشرق والغرب، ولقد حدثني جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته، ما منا إلا مقتول أو مسموم).
وفي كفاية الأثر/226: (عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلت على الحسن بن علي في مرضه الذي توفي فيه وبين يديه طشت يقذف فيه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية لعنه الله فقلت: يا مولاي ما لك لا تعالج نفسك؟ فقال: يا عبد الله بماذا أعالج الموت؟! قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم التفت إليَّ وقال: والله إنه لعهد عهده إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد علي وفاطمة، ما منا إلا مسموم أو مقتول! ثم رُفعت الطشت واتكأ صلوات الله عليه فقلت: عظني يا ابن رسول الله. قال: نعم، استعد لسفرك وحصِّل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلا كنت فيه خازناً لغيرك، واعلم أن في حلالها حساباً وفي حرامها عقاباً وفي الشبهات عتاباً، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك، فإن كان ذلك حلالاً كنت قد زهدت فيها، وإن كان حراماً لم تكن قد أخذت من الميتة وإن كان العتاب فإن العقاب يسير.. الخ.).
وفي أمالي الصدوق/120 وعيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1/287، عن أبي الصلت الهروي قال: (سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: والله ما منا إلا مقتول شهيد. فقيل له: فمن
يقتلك يا ابن رسول الله؟ قال: شر خلق الله في زماني يقتلني بالسم، ثم يدفنني في دار مضيعة وبلاد غربة). وعنه أيضاً (عليه السلام) في: 1/220: (وما منا إلا مقتول، وإني والله لمقتول بالسم باغتيال من يغتالني! أعرف ذلك بعهد معهود إلي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبره به جبرئيل عن رب العالمين (عزَّ وجلَّ). وأما قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)، فإنه يقول لن يجعل الله لكافر على مؤمن حجة، ولقد أخبر الله (عزَّ وجلَّ) عن كفار قتلوا النبيين بغير الحق، ومع قتلهم إياهم لن يجعل لهم على أنبيائه (عليهم السلام) سبيلاً من طريق الحجة).
وفي غيبة الطوسي/388: (وأخبرني جماعة، عن أبي عبد الله محمد بن أحمد الصفواني قال: حدثني الشيخ الحسين بن روح (رضي الله عنه) أن يحيى بن خالد سم موسى بن جعفر في إحدى وعشرين رطبة، وبها مات، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) ما ماتوا إلا بالسيف أو السم، وقد ذكر عن الرضا (عليه السلام) أنه سم وكذلك ولده وولد ولده).
أقول: بهذا يتضح أن قاعدة شهادة المعصومين (عليهم السلام) بالقتل أو بالسم صحيحة، وفي المسألة بحوث لا يتسع لها المجال.
* * *
ما يكون بعد المهدي (عليه السلام)
جريمة كعب ورواة الخلافة في تشويه صورة المستقبل
ذكرنا في فصل الدجال بعض أعمال كعب وتلاميذه التخريبية، وأنهم نشروا في ثقافة المسلمين من التلمود ومن خيالهم أكاذيب عما يكون بعد المهدي (عليه السلام)! فمزجوا هرطقة اليهود وتصوراتهم بالبشارة النبوية بالمهدي ونزول عيسى (عليهما السلام)! ووضعنا اليد على بعض مكذوباتهم في الدجال وفتح القسطنطينية، وأشراط الساعة! قال ابن حماد: 2/457: (عن كعب قال: المنصور
مهدي يصلي عليه أهل السماء والأرض وطير السماء، يبتلي بقتال الروم والملاحم عشرين سنة، ثم يقتل شهيداً في الملحمة العظمى هو وألفان معه كلهم أمير وصاحب راية، فلم يصب المسلمون بمصيبة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعظم منها). انتهى.
وقال في: 1/401: (سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: الجابر، ثم المهدي، ثم المنصور، ثم السلام، ثم أمير العصب، فمن استطاع أن يموت بعد ذلك فليمت)!
وقال في: 1/387: (عن عبد الله بن عمر قال ثلاثة أمراء يتوالون تفتح الأرضون كلها عليهم كلهم صالح: الجابر، ثم المفرح، ثم ذو العصب، يمكثون أربعين سنة، ثم لا خير في الدنيا بعدهم). انتهى.
وزعم كعب أن مخزومياً ويمانياً يملكان بعد المهدي (عليه السلام)!
قال ابن حماد: 1/379: (حدثنا عبد الله بن مروان عن سعيد بن يزيد التنوخي عن الزهري قال: يموت المهدي موتاً ثم يصير الناس بعده في فتنة، ويقبل إليهم رجل من بني مخزوم فيبايع له، فيمكث زماناً ثم يمنع الرزق فلا يجد من يغير عليه، ثم يمنع العطاء فلا يجد أحداً يغير عليه، وهو ينزل بيت المقدس فيكون هو وأصحابه مثل العجاجيل المريبة، وتمشي نساؤهم ببطيطات الذهب وثياب لا تواريهن فلا يجد من يغير عليه، فيأمر بإخراج أهل اليمن قضاعة ومذحج وهمدان وحمير والأزد..).
وروى في: 1/379، تحت عنوان: (ما يكون بعد المهدي. عن دينار بن دينار قال: بلغني أن المهدي إذا مات صار الأمر هرجاً بين الناس ويقتل بعضهم بعضاً وظهرت الأعاجم واتصلت الملاحم، فلا نظام ولا جماعة حتى يخرج الدجال... عن كعب قال: يموت المهدي موتاً ثم يلي الناس بعده رجل من أهل بيته فيه خير وشر وشره أكثر من خيره، يغضب الناس يدعوهم إلى الفرقة بعد الجماعة، بقاؤه قليل يثور به رجل من أهل بيته فيقتله فيقتتل الناس بعده قتالاً شديداً وبقاء الذي قتله بعده قليل، ثم يموت موتاً ثم يليهم رجل من مضر من الشرق، يكفر الناس ويخرجهم من
دينهم يقاتل أهل اليمن قتالاً شديداً فيما بين النهرين فيهزمه الله ومن معه). انتهى.
أقول: أنظر كيف وجه كعب طعنته إلى البشارة النبوية بإقامة دولة العدل الإلهي وإنهاء الظلم في العالم! فجعلها لعبةٌ بل كذبة! لأن هذا المهدي سرعان ما يقتل فيعود الظلم والجور كما كان!
يماني كعب يكون بعد المهدي (عليه السلام) ويُبيد قريشاً
ابن حماد: 1/402، حدثنا الحكم بن نافع، عن جراح، عن أرطأة قال: بلغني أن المهدي يعيش أربعين عاماً، ثم يموت على فراشه، ثم يخرج رجل من قحطان مثقوب الأذنين على سيرة المهدي، بقاؤه عشرين سنة ثم يموت قتلاً، ثم يخرج رجل من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) مهدي حسن السيرة يفتح مدينة قيصر وهو آخر أمير من أمة محمد، ثم يخرج في زمانه الدجال وينزل في زمانه عيسى بن مريم (عليه السلام)...
عن أرطأة قال: على يدي ذلك الخليفة اليماني الذي تفتح القسطنطينية ورومية على يديه، يخرج الدجال في زمانه وينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) في زمانه..). وفي/405: عن كعب قال: في ولاية القحطاني تقتتل قضاعة بحمص وحمير، وعليها يومئذ رجل من كندة، فتقتله قضاعة ويعلق رأسه في شجرة في المسجد فتغضب له حمير، فيقتتلون بينهم قتالاً شديداً حتى تهدم كل دار عند المسجد، كي تتسع صفوفهم للقتال).
أقول: لو سألت أرطاة أو الوليد: من أين بلغكم هذا الغيب؟ لقالوا من كعب! ولو سألت كعباً: من أين تتكلم عن هذه السيناريوهات الغيبية؟ لقال: من كتب الله التي عندي! ومعنى كتب الله عند كعب بن ماتع: التلمود وخيالاته! وقد أكثر منها ابن حماد في كتابه، والمصيبة أنه صار حديثاً نبوياً في أصح مصادر أتباع الخلافة! فقد رواه عبد الرزاق، وأحمد، وبخاري، ومسلم، وغيرهم، وعليه بصمة كعب، ونصه: (لا تقوم الساعة حتى يسوق الناس رجل من قحطان). عبد الرزاق: 11/388، وابن حماد: 1/121، و381، و382، وأحمد: 3/417، وبخاري: 9/73، ومسلم: 4/2232، والبدء والتاريخ: 2/183، وجامع الأصول: 11/82.. إلى آخر ما كذبه كعب ونشرته الصحاح!
* * *
أما أحاديث مصادرنا فتدل على أن الدولة الإلهية الموعودة تمتد قروناً على يد المهدي (عليه السلام) ثم على يد المهديين من أبنائه، وأن الله تعالى وضع برنامجاً لتطوير الحياة على الأرض، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) يرجعون إلى الحياة الدنيا في زيارة أو يحكمون مدداً طويلة. وأن نزول عيسى يكون في زمن المهدي (عليه السلام) ويبقى مدة غير طويلة ويتوفى، وأن الدجال يخرج في زمن المهدي (عليه السلام) فيعالج ضلالته ويقتله. وأن الحياة تطول ما شاء الله، حتى تختم بعلامات الساعة، ولعل أولها دابة الأرض التي تكلم الناس، وآخرها النفخ في الصور قبل قيام القيامة.
يحكم بعد المهدي (عليه السلام) اثنا عشر من ولده
غيبة الطوسي/285، عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل أنه قال: يا أبا حمزة، إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين (عليه السلام)). ومثله منتخب الأنوار/201، وعنه مختصر البصائر/38 و49، والإيقاظ/393، والبحار: 53/145 و148.
كمال الدين: 2/358، عن أبي بصير قال: قلت للصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): يا ابن رسول الله إني سمعت من أبيك (عليه السلام) أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً؟ فقال: إنما قال اثنا عشر مهدياً ولم يقل اثنا عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا). ومثله مختصر البصائر/211، وعنهما البحار: 53/115 و145.
وفي مختصر البصائر/159، عن النبي (صلى الله عليه وآله) من حديث قال: يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً فأنت يا علي أول الاثني عشر).
وفي/182: إن منا بعد القائم اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين. وفي شرح الأخبار: 3/400، عن علي بن الحسين (عليه السلام): يقوم القائم منا(يعني المهدي) ثم يكون بعده اثنا عشر مهدياً (يعني من الأئمة من ذريته). وفي غيبة الطوسي/151، في حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) في ذكر الأئمة من عترته (عليهم السلام) قال: (فذلك اثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة
اسمي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد والاسم الثالث المهدي، هو أول المؤمنين).
وفي المحاسن/236، عن عبد الله بن سليمان العامري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما زالت الأرض ولله فيها حجة يعرف الحلال والحرام ويدعو إلى سبيل الله. ولا تنقطع الحجة من الأرض إلا أربعين يوماً قبل يوم القيامة، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة ولم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجة. وأولئك شرار من خلق الله وهم الذين تقوم عليهم القيامة). ومثله البصائر/484، وكمال الدين/229، ودلائل الإمامة/229، والبحار: 6/18 و: 23/41.
الاحتجاج: 1/81، عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل عن خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) في الغدير جاء فيه: معاشر الناس: النور من الله (عزَّ وجلَّ) فيَّ مسلوكٌ ثم في علي، ثم في النسل منه إلى القائم المهدي، الذي يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا لأن الله (عزَّ وجلَّ) قد جعلنا حجة على المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين. ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهدي، ألا إنه الظاهر على الدين، ألا إنه المنتقم من الظالمين، ألا إنه فاتح الحصون وهادمها، ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك، ألا إنه مدرك بكل ثار لأولياء الله، ألا إنه الناصر لدين الله، ألا إنه الغراف في بحر عميق، ألا إنه يسم كل ذي فضل بفضله، وكل ذي جهل بجهله، ألا إنه خيرة الله ومختاره، ألا إنه وارث كل علم والمحيط به، ألا إنه المخبر عن ربه (عزَّ وجلَّ)، والمنبه بأمر إيمانه، ألا إنه الرشيد السديد، ألا إنه المفوض إليه، ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه، ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده ولا حق إلا معه ولا نور إلا عنده، ألا إنه لا غالب له ولا منصور عليه، ألا وإنه ولي الله في أرضه، وحكمه في خلقه، وأمينه في سره وعلانيته. ألا إن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيهما وأعرفهما فآمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد، فأمرت أن آخذ البيعة منكم والصفقة بقبول ما جئت به عن الله (عزَّ وجلَّ) في
علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده، الذين هم مني ومنه، أئمة قائمة، منهم المهدي إلى يوم القيامة الذي يقضي بالحق). وعنه العدد القوية/176، والصراط المستقيم: 1/303، عن كتاب الولاية لأبي جعفر الطوسي، والبحار: 37/211.
* * *
وقد روت مصادرهم ما يؤيد أحاديث أهل البيت (عليهم السلام):
قال ابن حجر في فتح الباري: 13/184: (فقال أبو الحسين بن المنادي في الجزء الذي جمعه في المهدي: يحتمل في معنى حديث يكون اثنا عشر خليفة، أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، فقد وجدت في كتاب دانيال: إذا مات المهدي ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر ثم خمسة من ولد السبط الأصغر، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر، ثم يملك بعده ولده، فيتم بذلك اثنا عشر ملكاً، كل واحد منهم إمام مهدي... وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس: المهدي اسمه محمد بن عبد الله وهو رجل ربعة مشرب بحمرة يفرج الله به عن هذه الأمة كل كرب ويصرف بعدله كل جور، ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلاً، ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين، وآخر من غيرهم، ثم يموت فيفسد الزمان)! انتهى.
وفي فيض القدير: 2/582: (وحمل بعضهم الحديث على من يأتي بعد المهدي لرواية: ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلاً ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين وآخر من غيرهم، لكن هذه الرواية ضعيفة جداً).
وفي عمدة القاري للعيني: 24/282: (وقيل: يحتمل أن يكون اثنا عشر بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، وقيل: وجد في كتاب دانيال: إذا مات المهدي ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر، ثم خمسة من ولد السبط الأصغر، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر، ثم يملك بعده ولده فيتم بذلك اثنا عشر ملكاً كل واحد منهم إمام مهدي. وعن كعب الأحبار: يكون اثنا عشر
مهدياً ثم ينزل روح الله فيقتل الدجال. وقيل: المراد من وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق وأن تتوالى أيامهم، ويؤيد هذا ما أخرجه مسدد في مسنده الكبير من طريق أبي بحران أبا الجلد حدثه أنه لا يهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، منهم رجلان من أهل بيت محمد، يعيش أحدهما أربعين سنة، والآخر ثلاثين سنة).. الخ.
وقال ابن حجر في الصواعق: 2/478: (ورواية إنه: يلي الأمر بعد المهدي اثنا عشر رجلاً ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين، وآخر من غيرهم، واهية جداً كما قاله شيخ الإسلام والحافظ الشهاب ابن حجر، أي مع مخالفتها للأحاديث الصحيحة أنه آخر الزمان، وأن عيسى يأتم به. ولخبر الطبراني: سيكون من بعدي خلفاء ثم من بعد الخلفاء أمراء ثم من بعد الأمراء ملوك ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ثم يؤمَّر القحطاني فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه). انتهى.
أقول: تضعيفهم للسند باطل، لأن سند أبي صالح عن ابن عباس صحيح عندهم، لكنهم أشربوا ثقافة كعب وزعمه أن الظلم سرعان ما يرجع بعد المهدي وتخرب الدنيا! أما روايتهم عن كعب بأنه اعترف باثني عشر مهدياً ينزل عيسى على آخرهم (عليهم السلام)، فلا يقلل من كذبته في أن المهدي (عليه السلام) يقتل سريعاً بيد الروم في فتح القسطنطينية، ويعود الظلم والجور!
هذا، وقد وقع المرحوم البياضي العاملي رحمه الله في شبهتهم فردَّ حديث الاثني عشر مهدياً بعد الإمام المهدي (عليه السلام) وناقش الشريف المرتضى في ذلك، قال في الصراط المستقيم: 2/152: (وفي بعضها: سيكون بعدي اثنا عشر إماماً أولهم أنت، ثم عد أولاده، وأمر أن يسلمها كل إلى ابنه، قال: ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً. قلت: الرواية بالاثني عشر بعد الاثني عشر شاذة ومخالفة للروايات الصحيحة المتواترة الشهيرة بأنه ليس بعد القائم دولة، وأنه لم يمض من الدنيا إلا أربعين يوماً فيها
الهرج، وعلامة خروج الأموات وقيام الساعة. على أن البعدية في قوله من بعدهم، لا تقتضي البعدية الزمانية كما قال تعالى: فمن يهديه من بعد الله، فجاز كونهم في زمان الإمام وهم نوابه (عليه السلام). إن قلت: قال في الرواية: فإذا حضرته يعني المهدي الوفاة فليسلمها إلى ابنه، ينفي هذا التأويل؟! قلت: لا يدل هذا على البقاء بعده، ويجوز أن يكون لوظيفة الوصية لئلا يكون ميتة جاهلية، ويجوز أن يبقى بعده من يدعو إلى إمامته، ولا يضر ذلك في حصر الاثني عشر فيه وفي آبائه. قال المرتضى: لا يقطع بزوال التكليف عند موته (عليه السلام) بل يجوز أن يبقى حصر الاثني عشر فيه بعد أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، ولا يخرجنا هذا القول عن التسمية بالاثني عشرية، لأنا كلفنا بأن نعلم إمامتهم إذ هو موضع الخلاف، وقد بينا ذلك بياناً شافياً فيهم، ولا موافق لنا عليهم فانفردنا بهذا الاسم عن غيرنا من مخالفيهم. وأنا أقول: هذه الرواية آحادية توجب ظناً ومسألة الإمامة علمية، ولأن النبي (صلى الله عليه وآله) إن لم يبين المتأخرين بجميع أسمائهم، ولا كشف عن صفاتهم مع الحاجة إلى معرفتهم فيلزم تأخير البيان عن الحاجة. وأيضاً فهذه الزيادة شاذة لا تعارض الشائعة الذائعة. إن قلت: لا معارضة بينهما لأن غاية الروايات يكون بعدي اثنا عشر خليفة. الأئمة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل ونحوها. قلت: لو أمكن ذلك لزم العبث والتعمية في ذكر الاثني عشر، ولأن في أكثر الروايات وتسعة من ولد الحسين، ويجب حصر المبتدأ في الخبر، ولأنهم لم يذكروا في التوراة وأشعار قِسٍّ وغيرها ولا أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) برؤيتهم ليلة إسرائه إلى حضرة ربه، ولما عد الأئمة الاثني عشر قال للحسن: لا تخلو الأرض منهم ويعني به زمان التكليف، فلو كان بعدهم أئمة لخلت الأرض منهم، ويبعد حمل الخلو على أن المقصود به أولادهم لأنه من المجاز ولا ضرورة تحوج إليه). انتهى.
ومعنى كلامه رحمه الله: أن الشريف المرتضى رحمه الله دافع عن روايات استمرار التكليف والإمامة العامة بعد الإمام المهدي (عليه السلام) بأولاده المهديين، وقال إن ذلك لا ينافي أن الأئمة (عليهم السلام) اثنا عشر لا أكثر، لأنهم الأصل والباقون من فروعهم وامتدادهم. ولم يردَّ
هو كلام المرتضى (عليهم السلام) بأكثر من الاستبعاد والتكلف في تأويل حديث الاثني عشر مهدياً! أما قوله إنه خبر آحاد، فسببه أنه لم يطلع على الأخبار العديدة التي أوردناها وقد رأيت طرفاً منها في مصادر غيرنا أيضاً! وتصوره رحمه الله أن القيامة قريبة من دولة الإمام المهدي (عليه السلام) لم يأته من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، وكذا تفسيره الخاطئ لعدم وجود دولة بعد دولتهم، فلا نوافقه على أن ذلك يدل على قصر مدة دولتهم (عليهم السلام)!
ملاحظتان
قد يقال: إن أهل البيت (عليه السلام) امتنعوا عن الحديث عما يكون بعد المهدي (عليه السلام) فقد روى المفيد رحمه الله في الإرشاد: 2/382: عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) قال: سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أخبرني عن المهدي ما اسمه؟ فقال: أما اسمه فإن حبيبي (عليه السلام) عهد إليَّ ألا أحدِّث به حتى يبعثه الله، قال: فأخبرني عن صفته؟ قال: هو شاب مربوع حسن الوجه حسن الشعر، يسيل شعره على منكبيه، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء). ويأتي في غيبته (عليه السلام).
وفي كمال الدين: 1/77، عن عبد الله بن الحارث قال قلت لعلي (عليه السلام): يا أمير المؤمنين أخبرني بما يكون من الأحداث بعد قائمكم؟ قال: يا ابن الحارث ذلك شيء ذكره موكول إليه وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهد إلي أن لا أخبر به إلا الحسن والحسين). وإثبات الهداة: 3/459، والبحار: 6/311، وسيأتي في ولادته (عليه السلام).
والجواب: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يحب أن يخبر عمر بالتفاصيل، وقد يكون مقصوده بقوله: (حتى يبعثه الله) حتى يولد. ولا ينافي ذلك أن الأئمة (عليه السلام) أخبرونا بتفاصيل عن المهدي (عليه السلام) وعلاماته حسب المصلحة التي يعرفونها.
* * *
الثانية: روى الخاتون آبادي في أربعينه/203، عن الفضل بن شاذان بسند صحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: الإسلام والسلطان العادل أخوان لا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه، الإسلام أس، والسلطان العادل حارس، وما لا أس له فمنهدم، وما لا حارس له فضايع، فلذلك إذا رحل قائمنا، لم يبق أثر من الإسلام، وإذا لم يبق أثر من الإسلام، لم يبق أثر من الدنيا). انتهى.
والجواب: أن القائم هنا ليس بمعنى الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) بل بمعنى الحاكم من أهل البيت (عليهم السلام) في دولتهم التي يؤسسها المهدي (عليه السلام)، فهذه الرواية لا تنفي استمرار دولتهم إلى يوم القيامة (عليهم السلام) بل تؤكده.
* * *
الفصل الثاني عشر: أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام)
1 - أصحابه الخاصون في غيبته: عمل الإمام المهدي (عليه السلام) في غيبته
في الكافي: 1/340، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة ولابد له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة، وما بثلاثين من وحشة). والنعماني/188، وتقريب المعارف/190 وغيرهما. ونحوه في غيبة الطوسي/102، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، وفيه: ولابد في عزلته من قوة). وعنه البحار: 52/153
وفي النعماني/171، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات وبعضهم يقول قتل وبعضهم يقول ذهب فلا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من وليٍّ ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره. قال النعماني: ولو لم يكن يروى في الغيبة إلا هذا لكان فيه كفاية لمن تأمله). ومثله عقد الدرر/134، ومنتخب الأنوار/81، وغيبة الطوسي/102، وفي/41، عن كتاب علي بن محمد الموسوي.. الخ.
أقول: معنى الغَيْبة التامة للإمام المهدي (عليه السلام) أن الناس حُرموا من نعمة رؤيته وحضوره بينهم، حتى يأذن له الله تعالى بالظهور، فيبدأ مهمته التي ادَّخره الله لها.
ومعناها أيضاً: أن الله تعالى كلفه في غيبته بمهمة من نوع آخر، ومعه أعوانه جنود الله وهم أصحابه الخاصون الذين يلتقي بهم ومنهم الخضر، وربما إلياس (عليهم السلام).
ويدل قول الإمام الباقر (عليه السلام): ولا بد له في غيبته من عزلة، ولابد في عزلته من قوة). (الغيبة للطوسي/102) على أنها ببرنامج وأعوان، لا مجرد اختفاء كما يتصوره الجاهلون!
وإذا أردنا أن نأخذ صورة عن عمله في غيبته (عليه السلام) فلنقرأ آيات رحلة نبي الله موسى مع الخضر (عليهما السلام)، وما رآه من عجائب عمله في يومين أو ثلاثة.
أصحاب المهمات الخاصة مع الإمام المهدي (عليه السلام)
معنى قوله الإمام الباقر (عليه السلام): (وما بثلاثين من وحشة): أن الإمام المهدي (عليه السلام) يكون له في غيبته ثلاثون شخصاً يلتقي بهم على الأقل، وهم الأبدال، لأنهم لا يمد في عمرهم كالمهدي والخضر (عليهما السلام) بل يعيش واحدهم عمره الطبيعي وبعد موته يستبدل به غيره ولذا سموا الأبدال. أما كيف يتم اختيار البديل فإن الإمام (عليه السلام) مهديٌّ من ربه في كل أموره ومنها اختيار أصحابه، بالأصول والقواعد التي علمه الله إياها.
وقد نقل الثقاة قصة أحد الأبرار الذي أبلغوه أن الله اختاره ليكون من الأبدال، وواعدوه ظهر اليوم الفلاني ليأخذوه، فتفرغ أحدهم لمراقبته كيف يأخذونه، ولما حان الموعد افتقده من أمامه وهو ينظر اليه!
وهؤلاء الثلاثون يأخذون التوجيات والأوامر من الإمام المهدي (عليه السلام)، ويظهر أن الله تعالى يمنح الواحد منهم قدرات منها قدرته على الحركة في أنحاء الأرض، وقد يكون لكل منهم أعوان وجهاز!
وقد أخذ هذه الحقيقة المتصوفة فصاغوها بتصوراتهم، ومن ذلك ما ذكره المجلسي عن الكفعمي، قال في بحار الأنوار: 53/301: (قال الشيخ الكفعمي رحمه الله في
هامش جنته عند ذكر دعاء أم داود: (قيل إن الأرض لا تخلو من القطب وأربعة أوتاد وأربعين أبدالاً وسبعين نجيباً وثلاثمائة وستين صالحاً، فالقطب هو المهدي (عليه السلام)، ولا يكون الأوتاد أقل من أربعة لأن الدنيا كالخيمة والمهدي كالعمود وتلك الأربعة أطنابها، وقد يكون الأوتاد أكثر من أربعة، والأبدال أكثر من أربعين، والنجباء أكثر من سبعين والصلحاء أكثر من ثلاث مائة وستين والظاهر أن الخضر وإلياس، من الأوتاد فهما ملاصقان لدائرة القطب. وأما صفة الأوتاد، فهم قوم لا يغفلون عن ربهم طرفة عين ولا يجمعون من الدنيا إلا البلاغ، ولا تصدر منهم هفوات الشر ولا يشترط فيهم العصمة من السهو والنسيان بل من فعل القبيح ويشترط ذلك في القطب.
وأما الأبدال فدون هؤلاء في المراقبة، وقد تصدر منهم الغفلة فيتداركونها بالتذكر، ولا يتعمدون ذنبا. وأما النجباء فهم دون الأبدال. وأما الصلحاء، فهم المتقون الموفون بالعدالة، وقد يصدر منهم الذنب فيتداركونه بالاستغفار والندم قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف: 201) جعلنا الله من القسم الأخير لأنا لسنا من الأقسام الأول، لكن ندين الله بحبهم وولايتهم ومن أحب قوماً حشر معهم. وقيل: إذا نقص أحد من الأوتاد الأربعة وضع بدله من الأربعين وإذا نقص أحد من الأربعين وضع بدله من السبعين، وإذا نقص أحد من السبعين، وضع بدله من الثلاثمائة وستين، وإذا نقص أحد من الثلاثمائة وستين، وضع بدله من سائر الناس). انتهى.
أقول: إن كل تصوراتنا عن هذا الجهاز من جنود الله تعالى وقدراتهم وأعمالهم تبقى ناقصة ما لم يكشفها لنا المعصوم (عليه السلام). ففي كمال الدين: 2/481، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها، يرتاب فيها كل مبطل، فقلت: ولم جعلت فداك؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم؟ قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة
في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلى وقت افتراقهما. يا ابن الفضل: إن هذا الأمر أمرٌ من أمر الله تعالى وسرٌّ من سر الله وغيبٌ من غيب الله، ومتى علمنا أنه (عزَّ وجلَّ) حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف). ومثله علل الشرائع: 1/245، والاحتجاج: 2/376، والصراط المستقيم: 2/237، ومنتخب الأنوار/81، وإثبات الهداة: 3/488، والبحار: 52/91، والخرائج: 2/956، وفيه: صاحب هذا الأمر تغيب ولادته عن هذا الخلق لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج فيصلح الله أمره في ليلة، قيل له: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: إلى قوله: افتراقهما).
وفي الخرائج: 2/930، عن الإمام الباقر (عليه السلام): (إن ذا القرنين كان عبداً صالحاً ناصح الله سبحانه فناصحه وسخر له السحاب وطويت له الأرض، وبسط له في النور فكان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار، وإن أئمة الحق كلهم قد سخر الله تعالى لهم السحاب وكان يحملهم إلى المشرق والمغرب لمصالح المسلمين ولإصلاح ذات البين، وعلى هذا حال المهدي (عليه السلام) ولذلك يسمى: صاحب المرأى والمسمع، فله نور يرى به الأشياء من بعيد كما يرى من قريب، ويسمع من بعيد كما يسمع من قريب، وإنه يسيح في الدنيا كلها على السحاب مرة وعلى الريح أخرى، وتطوى له الأرض مرة، فيدفع البلايا عن العباد والبلاد شرقاً وغرباً).
هل لجبل رضوى علاقة بالإمام (عليه السلام) وأصحابه؟
في المحتضر/20، عن كتاب القائم لابن شاذان إلى الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن أرواح المؤمنين ترى آل محمد (عليهم السلام) في جبال رضوى فتأكل من طعامهم وتشرب من شرابهم وتتحدث معهم في مجالسهم حتى يقوم قائمنا أهل البيت، فإذا قام قائمنا بعثهم الله تعالى وأقبلوا معه يلبون زمراً زمراً، فعند ذلك يرتاب المبطلون ويضمحل المنتحلون وينجو المقربون. وهذا الحديث يدل على ما رويناه من القالب للروح بعد خروجها من الأول كما يدل عليه أكلهم وشربهم وحديثهم).
وفي غيبة الطوسي/103، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: خرجت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فلما نزلنا الروحاء نظر إلى جبلها مطلاً عليها فقال لي: ترى هذا الجبل هذا جبل يدعى رضوى من جبال فارس أحبنا فنقله الله إلينا، أما إن فيه كل شجرة مطعم، ونعم أمان للخائف مرتين، أما إن لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين: واحدة قصيرة والأخرى طويلة) وعنه إثبات الهداة: 3/500، والبحار: 52/153.
وفي البحار: 52/306، عن كتاب الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد بإسناده عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في خبر طويل في خروج الإمام المهدي (عليه السلام) أنه يجتمع بالنبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) في جبل رضوى، جاء فيه: (ثم يأتي إلى جبل رضوى، فيأتي محمد وعلي فيكتبان له عهداً منشوراً يقرؤه على الناس، ثم يخرج إلى مكة والناس يجتمعون بها). وعنه إثبات الهداة: 3/582.
وفي معجم البلدان: 3/51، في جبل رضوى: (وهو من ينبع على مسيرة يوم ومن المدينة على سبع مراحل... وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية، ورأيته من ينبع أخضر، وأخبرني من طاف في شعابه أن به مياهاً كثيرة وأشجاراً. وهو الجبل الذي يزعم الكيسانية أن محمد بن الحنيفة به مقيم، حيٌّ يرزق).
وروى البلاذري في أنساب الأشراف/202، والسمعاني: 1/207، قول كثيِّر والسيد الحميري وكانا أول أمرهما يعتقدان بمهدوية محمد بن الحنفية، قال كثير:
ألا إن الأئمة من قريش * * * ولاة الحق أربعة سواءُُ
عليٌّ والثلاثة من بنية * * * هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبطٌ سبط إيمان وبر * * * وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا تراه العين حتى * * * يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيب لا يرى فيهم زماناً * * * برضوى عنده عسل وماء
وقال السيد الحميري رحمه الله:
أيا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى * * * ويهيج قلبي الصبابة أولقُ
حتى متى وإلى متى وكم المدى؟ * * * يا ابن الوصي وأنت حيٌّ ترزق).
وتقدم أن السيد الحميري رحمه الله رجع عن الكيسانية وصار إمامياً اثني عشرياً، وقال:
فلما رأيت الناس في الدين قد غووا * * * تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا
وناديت باسم الله والله أكبرُ * * * وأيقنت أن الله يعفو ويغفرُ.. الخ.
والكيسانية نسبةً إلى كيسان من وزراء المختار، ونشأ ادعاؤهم من أحاديث النبي وآله (صلى الله عليه وآله) في أن المهدي الموعود لا بد أن يغيب، فطبقوه على محمد بن الحنفية بعد موته رحمه الله كما صرح بذلك السيد الحميري في قصائده. ويظهر أن اختيارهم جبل رضوى مكاناً لغيبته، بسبب أحاديث عن النبي وآله (صلى الله عليه وآله) أيضاً.
وتدل الأحاديث المتقدمة على أن لجبل رضوى موقعاً في عالم الأرواح!
وأصل وجود أمكنة في الأرض هي نقاطٌ لتجمع أرواح الأموات أمرٌ متفق عليه بين المسلمين، فقد ورد ذلك في بيت المقدس وحضرموت اليمن ووادي السلام التي تسمى ظهر الكوفة والنجف، وغيرها! ولا بد لنا أن نعترف بقلة معلوماتنا عن أماكن تحرك الأرواح في الأرض، ونقاط نزول الملائكة وصعودها والأرواح والأعمال.. فما المانع أن يكون لجبل رضوى موقع في عالم هو أعلى من عالمنا المنظور.
كما أن قول الإمام الصادق (عليه السلام) المتقدم عن جبل رضوى: (رضوى من جبال فارس أحبنا فنقله الله إلينا) لا يصح رده لغرابته، بعد أن روى الجميع أن جبل الطائف من جبال الشام، وقد نقله الله تعالى إلى الحجاز! كما روي أن الأرض دحيت من تحت الكعبة، أي بدأ تدويرها وتسويتها من نقطة مكة والكعبة! فمعلوماتنا عن تكوين الأرض وجبالها وتحرك أمكنتها قليلة أيضاً.
كما أن حب بعض بقاع الأرض وبغضها للنبي وآله (صلى الله عليه وآله) متفق عليه بين المسلمين،
فقد روى بخاري: 2/133، قول النبي (صلى الله عليه وآله) عن جبل أحد: أُحُدٌ جبل يحبنا ونحبه). وكرره في: 3/223، و225، و: 4/118، و: 5/40، و136، و: 6/207، و: 8/153.
وهذا أحد الأدلة التي أستدل بها على أنَّ للجمادات كالنبات والحيوان، شعوراً وإحساساً وتكليفاً، كل بمستواه، فلا يوجد ميت بالكامل في الكون، بل الموت والحياة نسبيان، كما قال تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرض وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شيء إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (الإسراء: 44)، ولا مجال للإفاضة في هذا البحث. وعليه، فإن ما ورد في دعاء الندبة كما في إقبال الأعمال: 1/510: (السلام عليك يا ابن من دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى واقترب من العلي الأعلى، ليت شعري أين استقرت بك النوى، أم أي أرض تقلك أم ثرى، أبرضوى أم غيرها أم ذي طوى عزيز علي أن ترى الخلق ولا ترى، ولا يسمع لك حسيس ولا نجوى، عزيز علي أن يرى الخلق ولا ترى، عزيز علي أن تحيط بك الأعداء، بنفسي أنت من مغيب ما غاب عنا، بنفسي أنت من نازح ما نزح عنا).
يقصد التساؤل بشوق عن مكان الإمام (عليه السلام) الذي يتحرك في أرض الله تعالى بهداية ربه، وله علاقة بجبل رضوى الذي هو مركز نزول للأرواح العلوية.
الخضر من أصحاب المهدي (عليهما السلام)
وأحاديث ذلك كثيرة في مصادر الجميع، وفيها صحيح السند، تجدها في قصص الأنبياء (عليهم السلام) وفي تفسير آيات الخضر في سورة الكهف، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُبًا. فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا. فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا. قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إلى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا. قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى
آثَارِهِمَا قَصَصًا. فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا. قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا. قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا. وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا. قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا. قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شيء حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا. فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا. قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْري عُسْرًا. فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا. قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شيء بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا. فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا. أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا. وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا. فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَوةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا. وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) (سورة الكهف: 60 - 82).
وهي تدل على أن الخضر من جنود الله أصحاب المهات الخاصة في الأرض، وقد ورد أنه كان يظهر للنبي (صلى الله عليه وآله)، وأنه عزَّى أهل البيت بوفاته (صلى الله عليه وآله) ثم كان يظهر لهم. ورويت أخبار ظهوره لعدد منهم (عليهم السلام)، وأنه جوال في الأرض، ويصلي أحياناً في مسجد الكوفة والسهلة، وأنه مع الإمام المهدي (عليه السلام) في غيبته.
ففي كمال الدين: 2/390، عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: إن الخضر (عليه السلام) شرب من ماء الحياة فهو حيٌّ لا يموت حتى ينفخ في الصور، وإنه ليأتينا فيسلم فنسمع صوته ولا
نرى شخصه، وإنه ليحضر ما ذكر، فمن ذكره منكم فليسلم عليه، وإنه ليحضر الموسم كل سنة فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته). وعنه إثبات الهداة: 3/480، وحلية الأبرار: 2/683، والبحار: 52/152.
وذكر في البحار: 13، 303، أن اسم الخضر خضرويه، سمي به لأنه جلس على أرض بيضاء فاهتزت خضراء، وأنه أطول الآدميين عمراً، واسمه إلياس بن ملكان بن عامر بن أرفخشد بن سام بن نوح. لكن لا يمكن الأخذ بمثلها من روايات أنساب الأنبياء (عليهم السلام) لتأثرها بالإسرائيليات التي يكثر فيها الكذب.
هذا، وسيأتي في غيبة الإمام (عليه السلام) ما يدل على حضور الخضر موسم الحج كل عام.
وربما كان نبي الله إلياس من أصحابه (عليهما السلام)
وردت في نبي الله إلياس (عليه السلام) وحياته، أحاديث وقصص في مصادر الطرفين لكنها لا تبلغ في قوتها وصحتها أحاديث الخضر (عليه السلام). فقد روى في كمال الدين/543، قصة المعمر ابن أبي الدنيا، وأنه رأى في الجاهلية الخضر وإلياس وبشراه بالنبي (صلى الله عليه وآله) وأخبراه أنه يعيش حتى يرى عيسى (عليه السلام). وروى في البحار: 13/319، ومستدرك الوسائل: 5/386، عن النبي (صلى الله عليه وآله) دعاءً للأمن من السرق والغرق والحرق وأن الخضر (عليه السلام) وإلياس يلتقيان في كل موسم فإذا تفرقا تفرقا عن هذه الكلمات: بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ما شاء الله، كل نعمة فمن الله، ما شاء الله، الخير كله بيد الله، ما شاء الله، لا يصرف السوء إلا الله).
وفي الكافي: 1/227، عن مفضل بن عمر أنه دخل على الإمام الصادق وهو يقرأ دعاءً بالسريانية ويبكي، وفسره لهم بأنه دعاء نبي الله إلياس (عليه السلام): (كان يقول في سجوده: أتراك معذبي وقد أظمأت لك هواجري، أتراك معذبي وقد عفرت لك في التراب وجهي، أتراك معذبي وقد اجتنبت لك المعاصي، أتراك معذبي وقد أسهرت
لك ليلي؟ قال: فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك قال فقال: إن قلت لا أعذبك ثم عذبتني ماذا؟ ألست عبدك وأنت ربي؟ قال: فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك إني إذا وعدت وعداً وفيت به).
وفي المحاسن: 2/515: (عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم بالكرفس فإنه طعام إلياس واليسع ويوشع بن نون). والكافي: 6/366، ومكارم الأخلاق/180.
وفي البحار: 13/393، قصة نبي الله إلياس (عليه السلام) عن وهب بن منبه وابن عباس، وحاصلها: أنه من أنبياء بني إسرائيل، بعثه الله إلى سبط بني إسرائيل في بعلبك وكان بعد داود (عليه السلام) أي في حكم الرومان، وكانت زوجة ملكهم رومانية فاجرة وكانوا يعبدون بعلاً، كما ورد في آيات إلياس (عليه السلام): (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ. أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ. اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأولينَ. فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. إِلا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ) (الصافات: 123 - 129) فكذبوه وأهانوه وأخافوه وهموا بتعذيبه فهرب منهم ولحق بأصعب جبل فبقي فيه وحده سبع سنين، يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر، فابتلى الله قومه بالقحط ومرض ابن الملك حتى يئس منه وكان أعز ولده إليه، فاستشفعوا إلى عبدة الصنم ليستشفعوا له فلم ينفع فبعثوا إلى إلياس (عليه السلام) في الجبل أن يهبط إليهم ويشفع لهم، فنزل إلياس من الجبل ودعا الله فشافى ابن الملك وأنزل المطر... وفي آخر الرواية: (ثم وصى إلياس إلى اليسع وأنبت الله لإلياس الريش وألبسه النور ورفعه إلى السماء، وقذف بكسائه من الجو على اليسع فنبأه الله على بني إسرائيل وأوحى إليه وأيده، فكان بنو إسرائيل يعظمونه ويهتدون بهداه). ونقل عن الطبرسي قوله: (ورفعه الله تعالى من بين أظهرهم، وقطع عنه لذة الطعام والشراب، وكساه الريش فصار إنسياً ملكياً أرضياً سماوياً، وسلط الله على الملك وقومه عدواً لهم فقتل الملك وامرأته، وبعث الله اليسع رسولا فآمنت به بنو إسرائيل وعظموه وانتهوا إلى أمره).
وروى في البحار: 13/399، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أن ملك بني إسرائيل هويَ
امرأة من قوم يعبدون الأصنام من غير بني إسرائيل فخطبها فقالت: على أن أحمل الصنم فأعبده في بلدتك، فأبى عليها ثم عاودها مرة بعد مرة حتى صار إلى ما أرادت فحولها إليه ومعها صنم، وجاء معها ثمان مائة رجل يعبدونه... وانتهت القصة بأن القحط أصابهم فاستغاثوا بإليا، وتاب الملك توبة حسنة حتى لبس الشعر وأرسل الله إليهم المطر والخصب). انتهى.
أقول: يؤخذ على هذه الروايات ضعف سندها إلى أهل البيت (عليهم السلام)، وأنها أشبه بمبالغات الإسرائيليات في سياقها غير المنطقي في تعامل الله تعالى مع الأنبياء (عليهم السلام)! ثم في ادعائها أن بني إسرائيل اهتدوا وآمنوا بإلياس واليسع (عليهما السلام)، وزعمها أن اليهود كانوا يحكمون أنفسهم مع أنهم انوا تحت حكم الروم وكان حكامهم منصوبين منهم! وقلعة بعلبك معبد الرومان الوثنيين وقول إلياس (عليه السلام): (أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ) (الصافات: 125) يدل على أنه بُعث إلى وثنيين من الرومان وأتباعهم اليهود. وروى في الكافي: 1/242، عن ابن الحريش عن الإمام محمد الجواد (عليه السلام) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): بينا أبي (عليه السلام) يطوف بالكعبة إذا رجل معتجر قد قيض له فقطع عليه أسبوعه حتى أدخله إلى دار جنب الصفا، فأرسل إليَّ فكنا ثلاثة فقال: مرحباً يا بن رسول الله، ثم وضع يده على رأسي وقال: بارك الله فيك يا أمين الله بعد آبائه. يا أبا جعفر إن شئت فأخبرني وإن شئت فأخبرتك وإن شئت سلني وإن شئت سألتك، وإن شئت فأصدقني وإن شئت صدقتك؟ قال: كل ذلك أشاء قال: فإياك أن ينطق لسانك عند مسألتي بأمر تضمر لي غيره قال: إنما يفعل ذلك من في قلبه علمان يخالف أحدهما صاحبه، وإن الله (عزَّ وجلَّ) أبي أن يكون له علم فيه اختلاف قال: هذه مسألتي وقد فسرت طرفاً منها! أخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف مَن يعلمه؟ قال: أما جملة العلم فعند الله جل ذكره، وأما ما لابد للعباد منه فعند الأوصياء (عليهم السلام)، قال: ففتح الرجل عجيرته واستوى جالساً وتهلل وجهه، وقال: هذه أردت ولها أتيت، زعمت أن علم ما لا اختلاف فيه من العلم عند الأوصياء، فكيف
يعلمونه؟ قال: كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلمه إلا أنهم لا يرون ما كان رسول الله يرى لأنه كان نبياً وهم محدثون، وإنه كان يفد إلى الله (عزَّ وجلَّ) فيسمع الوحي وهم لا يسمعون، فقال: صدقت يا ابن رسول الله.... سآتيك بمسألة صعبة: أخبرني عن هذا العلم ما له لا يظهر كما كان يظهر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: فضحك أبي (عليه السلام) وقال: أبى الله (عزَّ وجلَّ) أن يطلع على علمه إلا ممتحناً للإيمان به كما قضى على رسول الله أن يصبر على أذى قومه ولا يجاهدهم إلا بأمره، فكم من اكتتام قد اكتتم به حتى قيل له: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)! وأيم الله أن لو صدع قبل ذلك لكان آمناً، ولكنه إنما نظر في الطاعة وخاف الخلاف فلذلك كفَّ، فوددت أن عينك تكون مع مهدي هذه الأمة، والملائكة بسيوف آل داود بين السماء والأرض تعذب أرواح الكفرة من الأموات، وتلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء، ثم أخرج سيفاً ثم قال: ها إن هذا منها، قال فقال أبي: إي والذي اصطفى محمداً على البشر، قال: فرد الرجل اعتجاره وقال: أنا إلياس، ما سألتك عن أمرك وبي منه جهالة، غير أني أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لأصحابك... وجاء في آخر الحديث: فقال الرجل: أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه ثم قام الرجل وذهب فلم أره). وعنه البحار: 25/74، ولعله أقوى نص في حياة إلياس (عليه السلام). لكن في هامش البحار: 13/406: (والحسن بن العباس بن الحريش رجل ضعيف لا يلتفت إلى حديثه، فقد ذكره الشيخ النجاشي في رجاله/45 وقال: ضعيف جداً، له كتاب إنا أنزلناه في ليلة القدر وهو كتاب ردي الحديث مضطرب الألفاظ اهـ: وفي الخلاصة: وقال ابن الغضائري: هو أبو محمد ضعيف، روى عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فضل إنا أنزلناه كتاباً مصنفاً فاسد الألفاظ، تشهد مخائله على أنه موضوع، وهذا الرجل لا يلتفت إليه ولا يكتب حديثه). انتهى.
* * *
أما مصادر السنيين، فمروياتها تكاد تكون كلها إسرائيليات! ففي الجامع الصغير للسيوطي: 1/636: الخضر في البحر، وإلياس في البر، يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج، ويحجان ويعتمران كل عام،
ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل).
وقال في شرحه في فيض القدير: 3/672: (الخضر في البحر) أي معظم إقامته فيه (وإلياس) بكسر الهمزة من الأيس الخديعة والخيانة واختلاط العقل أو هو إفعال من قولهم رجل أليس أي شجاع لا يفر، والأليس الثابت الذي لا يبرح كذا ذكره ابن الأنباري، قال السهيلي: والأصح أن إلياس سمي بضد الرجاء ولامه للتعريف وهمزته همزة وصل وقيل قطع! (وهو تكلف بارد في اسم عبري أصله من السريانية).
(في البر يجتمعان كل ليلة.. ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل) تمامه طعامهما ذلك. اهـ. فكأنه سقط من قلم المصنف، وهذا حديث ضعيف لكنه يتقوى بوروده من عدة طرق بألفاظ مختلفة، فمنها ما في المستدرك عن أنس كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) في سفر فنزل منزلاً فإذا رجل في الوادي يقول اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة المغفور لها المتاب عليها، فأشرفتُ على الوادي فإذا رجل طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع فقال: من أنت؟ قلت: أنس خادم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: وأين هو؟ قلت: هو ذا يسمع كلامك. قال: أقرئه السلام وقل له أخوك إلياس يقرؤك السلام فأتيته فأخبرته فجاء حتى اعتنقه ثم قعدا يتحدثان فقال: يا رسول الله إني إنما آكل في السنة مرة وهذا يوم فطري فآكل أنا وأنت، فنزلت عليهما مائدة من السماء عليها خبز وحوت وكرفس وأكلا وصليا العصر ثم ودعته فرأيته مشى في السحاب نحو السماء اهـ. وأخرج الحاكم في المستدرك أن إلياس اجتمع بالمصطفى وأكلا جميعاً وأن طوله ثلاثمائة ذراع وإنه لا يأكل في السنة إلا مرة واحدة كما مر، وأورده الذهبي في ترجمة يزيد بن يزيد البلوي وقال إنه خبر باطل. وفي البخاري: يذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس. قال ابن حجر: أما قول ابن سعود فوصله عبد بن حميد وابن حاتم بإسناد حسن عنه، وأما قول ابن عباس فوصله جويبر عن الضحاك عنه وإسناده ضعيف ولهذا لم يجزم به البخاري، وقيل: إلياس إنما هو من بني إسرائيل). وضعفه في ضعيف الجامع/102.
وفي الدر المنثور: 4/240: (وأخرج الحارث بن أبي أسمة في مسنده بسند واه عن أنس.. كما تقدم، وقال: وأخرج ابن عساكر عن ابن أبي داود قال: إلياس والخضر يصومان شهر رمضان في بيت المقدس ويحجان في كل سنة ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من قابل. وأخرج العقيلي والدارقطني في الافراد وابن عساكر عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات... قال ابن عباس: من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات أمنه الله من الغرق والحرق والسرق ومن الشياطين والسلطان والحية والعقرب). ورواه في الإصابة: 2/251، عن أنس، وقال: قلت وعبد الرحيم وأبان متروكان).
وفي ربيع الأبرار/126: (مقاتل: من الأنبياء أربعة أحياء: اثنان في السماء عيسى وإدريس، واثنان في الأرض: إلياس والخضر، فإلياس في البر والخضر في البحر، وهما يجتمعان كل ليلة على ردم ذي القرنين يحرسانه، ويحجان كل عام ولا يراهما إلا من شاء الله، وأكلهما الكرفس والكمأة).
وفي فردوس الأخبار: 2/202، عن أنس كما تقدم، ومثله كنز العمال: 12/71، عن مسند الحارث. وفيه: الخضر هو الياس(ابن مردويه عن ابن عباس) إنما سمي الخضر خضراً لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء (حم، ق (1)، ت - عن أبي هريرة).. إلياس والخضر أخوان، أبوهما من الفرس وأمهما من الروم(فر عن أبي هريرة).. لما لقي موسى الخضر جاء طير فألقى منقاره في الماء فقال الخضر لموسى: تدري ما يقول هذا الطائر؟ قال: وما يقول: قال: يقول: ما علمك وعلم موسى في علم الله إلا كما أخذ منقاري من هذا الماء (ك عن أبي).. يلتقي الخضر وإلياس في كل عام في الموسم بمنى فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات: بسم الله ما شاء الله، لا يسوق الخير إلا الله، ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ما شاء الله، ما كان من نعمة فمن الله، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله،
من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات آمنه الله من الغرق والسرق ومن الشيطان والسلطان ومن الحية والعقرب. (قط في الافراد وأبو إسحاق الذكي في فوائده، عق، عد وابن عساكر عن ابن عباس وضعف، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات). وبعضه في فتح الباري: 6/266، وقال في: 7/342: (وأغرب ابن التين فجزم أن إلياس ليس بنبي وبناه على قول من زعم أنه أيضاً حي، وهو ضعيف أعني كونه حياً وأما كونه ليس بنبي فنفيٌ باطل ففي القرآن العظيم: وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، فكيف يكون أحد من بني آدم مرسلاً وليس بنبي). انتهى.
أقول: وشطحة ابن التين لها مثيلات منه، وهو مثلٌ لمن تستهويه الإسرائيليات فينسى نص القرآن، أو يتحايل عليه! والنتيجة: أن أخبار إلياس (عليه السلام) حتى في مصادرنا متأثرة بالإسرائيليات، لا يمكن الاعتماد على أمثالها ما لم يؤيده الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) وهو هنا قليل. وأما الخضر (عليه السلام) فأحاديثه متوفرة وفيها الصحيح، وأنه حي يرزق، وأنه من أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) في غيبته، ويظهر معه عند ظهوره.
أصحاب الكهف أعوان المهدي (عليه السلام)
قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا. إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إلى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا. فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عدداً. ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا. نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى. وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرض لَنْ نَدْعُوَاْ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا. هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا. وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللهَ فَاوُواْ إلى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا. وَتَرَى الشَّمْسَ
إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا. وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا. وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إلى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا. إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا. وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا. سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) (الكهف: 9 - 22).
وذكر المفسرون في سبب نزولها أن قبائل قريش بعثت إلى حاخامات اليهود ثلاثة من أصدقائهم هم: العاص السهمي وابن معيط الأموي وابن كلدة العبدري، ليأتوهم بمسائل يعجز عن جوابها النبي (صلى الله عليه وآله)! فجاؤوا بمسائل: منها متى تقوم الساعة، وعن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين. (تفسير القمي: 1/249، والطبري: 15/285).
وفي تفسير القمي: 2/31: (وهم فتية كانوا في الفترة بين عيسى بن مريم ومحمد (صلى الله عليه وآله). وأما الرقيم فهما لوحان من نحاس مرقومان، أي مكتوب فيهما أمر الفتية وأمر إسلامهم، وما أراد منهم دقيانوس الملك وكيف كان أمرهم وحالهم).
وفي تفسير العياشي: 2/321، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (وكتب ملك ذلك الزمان بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشايرهم في صحف من رصاص).
وفي الدر المنثور: 4/215: وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس: قال رسول الله: إن
أهل الكهف من أصحاب المهدي (عليه السلام). وأخرج الزجاجي في أماليه عن ابن عباس في قوله: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ)؟ قال: إن الفتية لما هربوا من أهليهم خوفاً على دينهم فقدوهم فخبروا الملك خبرهم، فأمر بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم وألقاه في خزانته وقال إنه سيكون لهم شأن). والعطر الوردي/70، كالدر المنثور عن تاريخ ابن الجوزي وقال: وحينئذ فَسِرُّ تأخيرهم إلى هذا المدة إكرامهم بشرف دخولهم في هذه الأمة وإعانتهم لخليفة الحق، كما نقله الصبان عن السيوطي. ونحوه في سبل الهدى: 2/124، والفواكه الدواني: 1/70، وفي فتح الباري: 6/365، عن حديث: أصحاب الكهف أعوان المهدي: (وسنده ضعيف، فإن ثبت حمل على أنهم لم يموتوا بل هم في المنام إلى أن يبعثوا لإعانة المهدي). انتهى.
وفي الفواكه الدواني: 1/70: (ويكون المهدي مع أصحاب الكهف الذين هم من أتباع المهدي من جملة أتباعه، ويصلي عيسى وراء المهدي صلاة الصبح، وذلك لا يقدح في قدر نبوته، ويسلم المهدي لعيسى الأمر ويقتل الدجال. ويموت المهدي ببيت المقدس وينتظم الأمر كله لعيسى (عليه السلام) ويمكث في الأرض بعد نزوله أربعين سنة ثم يموت ويصلي عليه المسلمون. وقيل يمكث سبع سنين بعد نزوله ليس يبقى بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله الريح التي تقبض أرواح المؤمنين). انتهى.
وكلامه ترديد لأفكار كعب، كأنها أحاديث نبوية قطعية!
قصة البساط النبوي
روت مصادر السنة والشيعة حديثاً عجيباً، مفاده: أن بعض أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) طلبوا منه أن يريهم أهل الكهف فأمرهم أن يركبوا على بساط، وبعث معهم علياً (عليه السلام) فطار بهم البساط حتى وصلوا إلى أهل الكهف فرأوهم نائمين فكلموهم فلم يجيبوهم وكلمهم علي (عليه السلام) فأجابوه (فقال أبو بكر: يا علي ما بالهم ردوا عليك وما ردوا علينا؟ فقال لهم علي، فقالوا: إنا لا نردُّ بعد الموت إلا على نبي أو وصى نبي). انتهى.
ورووا أن علياً (عليه السلام) استشهد بأنس بن مالك على هذه الكرامة، فأبى أن يشهد! فدعا عليه فأصابه البرص والعمى! (راجع: عقد الدرر/141، عن تفسير الثعلبي، وعنه البرهان
للهندي/87، ومناقب ابن المغازلي/232، عن أنس، وسعد السعود لابن طاووس/112، وقال: فصل فيما نذكره من كتاب التفسير مجلد واحد، تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد القزويني نذكر منه حديثاً واحداً من تفسير سورة الكهف، من الوجهة الأولة من القائمة الثانية من الكراس الرابعة، بإسناده عن محمد بن أبي يعقوب الجوال الدينوري قال: حدثني جعفر بن نصر بحمص قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت عن أنس بن مالك قال: أهدي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بساط من قرية يقال لها بهندف... هذا الحديث رويناه من عدة طرق مذكورات وإنما ذكرناه هاهنا لأنه من رجال الجمهور وهم غير متهمين فيما ينقلونه لمولانا علي (عليه السلام) من الكرامات.. والخرائج والجرائح: 1/210، والفضائل لابن شاذان/164، ومناقب ابن شهرآشوب: 2/337 و338 بمعناه، عن جابر وأنس.، والثاقب في المناقب/71، واليقين/133، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وإرشاد القلوب/268، وخلاصة عبقات الأنوار: 3/258، ونفحات الأزهار: 3/241. والطرائف لابن طاووس/84 وقال: وزاد الثعلبي في هذا الحديث علي ابن المغازلي: قال فصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي، فقال(ابن المغازلي): إن المهدي يسلم عليهم فيحييهم الله (عزَّ وجلَّ) له، ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون إلى يوم القيامة).
ملاحظات
1 - في الإرشاد: 2/117: (عن زيد بن أرقم أنه قال: مُرَّ به عليَّ (رأس الحسين (عليه السلام)) وهو على رمح وأنا في غرفة، فلما حاذاني سمعته يقرأ: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا)، فقفَّ والله شعري وناديت: رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب وأعجب). (ومناقب آل أبي طالب: 3/218).
وفي مناقب ابن سليمان: 2/267: (عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو قال: رأيت رأس الحسين على الرمح وهو يتلو هذه الآية: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا)! فقال رجل من عرض الناس: رأسك يا بن رسول الله أعجب)!
2 - المتفق عليه في نصوص أصحاب الكهف أنهم من أصحاب المهدي (عليه السلام)، ويقوِّيه أن الله تعالى جعل الذين ظهروا في عصرهم يكتبون قصتهم على رقيم حديدي ويبنون عليهم باب الكهف، وأنه تعالى تكلم عن عددهم كثيراً ولم يبينه! وهذا يعني أن له فيهم قصداً في المستقبل وهو دورهم في عصر الإمام المهدي (عليه السلام). لذلك من البعيد أن يقتصر دورهم على تكليم الإمام (عليه السلام) ثم يموتون، كما تصور ابن المغازلي والثعلبي، بل يعارضه ما رواه في الهداية/31: (يأتيه الله ببقايا قوم موسى (عليه السلام) ويجيء له أصحاب الكهف ويؤيده الله بالملائكة). وفي الإرشاد/365، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (يخرج مع القائم (عليه السلام)... خمسة عشر من قوم موسى (عليه السلام) الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون... فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً). فقد نصت هذه الروايات وغيرها على دورهم معه (عليه السلام)، ولا بد أن يكونوا عوناً له في إقامة الحجة على الروم الذين هم منهم، والذين يحشدون نحو مليون جندي من جيوشهم في منطقة أنطاكية وقد يكون الوفد الذي يرسله المهدي (عليه السلام) إلى أنطاكية هدفه الأساسي كشف أهل الكهف لكي يحتجوا على الروم، ثم يلتحقون بالإمام (عليه السلام).
وقد نصت رواية فوائد الفكر/103، التالية على أنهم يكونون معه (عليه السلام) في حركته نحو الشام والقدس: (عن حذيفة عن النبي (صلى الله عليه وآله): لا تحشر أمتي حتى يخرج المهدي.... ثم يتوجه إلى الشام وجبريل على مقدمته وميكائيل على يساره، ومعه أهل الكهف أعوان له فيفرح به أهل السماء والأرض).
3 - ومما يتصل بأهل الكهف مكانة أنطاكية في حركة الإمام المهدي (عليه السلام) وأنه سيكون لها شأن بصفتها مركزاً لحواريي المسيح (عليه السلام) ودعوته، وأنه يرسل وفداً من أصحابه فيستخرج نسخ التوراة الأصلية من مكان فيها. ففي دلائل الإمامة/249، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (إنما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي لأمر خفي يهدي ما في
صدور الناس، ويبعث إلى الرجل فيقتله لا يدرى في أي شيء قتله، ويبعث ثلاثة رَكْب، أما ركبٌ فيأخذ ما في أيدي أهل الذمة من رقيق المسلمين فيعتقهم، وأما ركب فيظهر البراءة من يغوث ويعوق في أرض العرب. وركب يخرج التوراة من مغارة بأنطاكية. ويعطى حكم سليمان). والخرائج: 2/862، وغيره.
وفي غيبة النعماني/237، عن عمرو بن شمر، عن جابر قال: دخل رجل على أبي جعفر الباقر (عليه السلام) فقال له: عافاك الله إقبض مني هذه الخمسمائة درهم فإنها زكاة مالي فقال له أبو جعفر (عليه السلام): خذها أنت فضعها في جيرانك من أهل الإسلام والمساكين من إخوانك المؤمنين. ثم قال: إذا قام قائم أهل البيت قسم بالسوية وعدل في الرعية فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله. وإنما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي إلى أمر خفي، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله (عزَّ وجلَّ) من غار بأنطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل وبين أهل الزبور بالزبور وبين أهل القرآن بالقرآن. وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء الحرام، وركبتم فيه ما حرم الله (عزَّ وجلَّ)، فيعطي شيئاً لم يعطه أحد كان قبله، ويملؤ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً، كما ملئت ظلماً وجوراً وشراً). وعلل الشرائع/161، وعقد الدرر/39 إلى قوله: أمر خفي.
قد يقال: لماذا لم يقبل الإمام الباقر (عليه السلام) زكاة ذلك الرجل ويضعها في موضعها، مع أن الله تعالى أمر نبيه (صلى الله عليه وآله) بقبولها بقوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة: 103). والجواب: أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا كجدهم (صلى الله عليه وآله) يقبلون الصدقات والزكوات والأخماس من الناس، ولا بد أن للقصة ظروفاً لم ينقلها الراوي أوجبت أن يتحدث الإمام الباقر (عليه السلام) عن إعادة توزيع الثروة وبسطها على الناس في عصر الإمام المهدي (عليه السلام). على أن الإمام الباقر (عليه السلام) أمر الشخص بصرفها في مواضعها، وهو نوع من القبول.
* * *
وفي ابن حماد: 1/355، عن كعب قال: المهدي يبعث بقتال الروم، يعطى فقه عشرة، يستخرج تابوت السكينة من غار بأنطاكية فيه التوراة التي أنزل الله تعالى على موسى (عليه السلام)، والإنجيل الذي أنزل الله (عزَّ وجلَّ) على عيسى (عليه السلام)، يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم).
وفي العرائس للثعلبي/118، عن تميم الداري قال: قلت يا رسول الله مررت بمدينة صفتها كيت وكيت قريبة من ساحل البحر، فقال (صلى الله عليه وآله): تلك أنطاكية، أما إن في غار من غيرانها رضاضاً من ألواح موسى، وما من سحابة شرقية ولا غربية تمر بها إلا ألقت عليها من بركاتها، ولن تذهب الأيام والليالي حتى يسكنها رجل من أهل بيتي يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً). والرضراض: القطع الصغيرة.
وفي تاريخ بغداد: 9/471، عن تميم الداري قال قلت: يا رسول الله، ما رأيت للروم مدينة مثل مدينة يقال لها أنطاكية، وما رأيت أكثر مطراً منها! فقال النبي (صلى الله عليه وآله) نعم، وذلك أن فيها التوراة، وعصا موسى ورضراض الألواح، ومائدة سليمان بن داود في غار من غيرانها، ما من سحابة تشرف عليها من وجه من الوجوه إلا فرغت ما فيها من البركة في ذلك الوادي، ولا تذهب الأيام ولا الليالي حتى يسكنها رجل من عترتي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يشبه خلقه خلقي وخلقه خلقي، يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
أقول: لا قيمة لما يقوله كعب وتميم ولا لما يرويانه، بعد أن ثبت تكذيب أهل البيت (عليه السلام) لهما، خاصة إذا كان كلامهما عن مكانة منطقة تخص اليهود والنصارى. على أن ابن الجوزي حكم بأن رواية تميم لا تصح وأنها موضوعة (الموضوعات: 2/57). لكن نقبل مضمون هذا الكلام لأنه تقدم برواية غير تميم وكعب، على أن عدداً من الروايات نسبت إليهما بعد عصرهما.
من أصحاب المهدي (عليه السلام) سبعة علماء من بلاد شتى
ابن حماد: 1/345، عن ابن مسعود ولم يسنده إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (إذا انقطعت التجارات والطرق وكثرت الفتن، خرج سبعة رجال علماًء من أفق شتى على غير ميعاد، يبايع لكل رجل منهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، حتى يجتمعوا بمكة فيلتقي السبعة فيقول بعضهم لبعض: ما جاء بكم؟ فيقولون: جئنا في طلب هذا الرجل الذي ينبغي أن تهدأ على يديه هذه الفتن وتفتح له القسطنطينية، قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأمه وحليته، فيتفق السبعة على ذلك. فيطلبونه فيصيبونه بمكة: فيقولون له: أنت فلان بن فلان، فيقول لا، بل أنا رجل من الأنصار، حتى يفلت منهم. فيصفونه لأهل الخبرة والمعرفة به، فيقال هو صاحبكم الذي تطلبونه، وقد لحق بالمدينة، فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة، فيطلبونه بمكة فيصيبونه فيقولون: أنت فلان بن فلان وأمك فلانة بنت فلان وفيك آية كذا وكذا، وقد أفلت منا مرة فمد يدك نبايعك فيقول: لست بصاحبكم أنا فلان بن فلان الأنصاري، مروا بنا أدلكم على صاحبكم، حتى يفلت منهم، فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة فيصيبونه بمكة عند الركن فيقولون: إثمنا عليك ودماؤنا في عنقك إن لم تمد يدك نبايعك، هذا عسكر السفياني قد توجه في طلبنا عليهم رجل من جرم، فيجلس بين الركن والمقام فيمد يده فيبايع له، ويلقي الله محبته في صدور الناس، فيسير مع قوم أسد بالنهار رهبان بالليل).
أقول: هذه القصة نموذج لفهم جمهور السنيين للبشارة النبوية بالمهدي (عليه السلام) في القرن الثاني والثالث، وقد أسندوا روايتها إلى ابن مسعود رحمه الله الذي كان يتحدث عن بشارة النبي (صلى الله عليه وآله) بالأئمة الاثني عشر وخاتمهم الإمام المهدي (عليهم السلام)، وأدخلوا فيها عناصر تصوراتهم عن المهدي الموعود وتفسيرهم لقول النبي (صلى الله عليه وآله) إنه يبايع وهو كاره، وأصل معناه أنه يبايع على غير رغبة منه كما يرغب الطالبون للحكم. وأدخلوا فيها أمنيتهم بفتح القسطنطينية التي استعصت على المسلمين وصارت عقدة عندهم مدة قرون، حتى فتحها أخيراً القائد التركي محمد الفاتح.
لكنهم حافظوا في القصة على هوية الإمام المهدي (عليه السلام) وعلى أن جيش السفياني السوري يقصد مكة للقضاء على حركته فيخسف الله به، وحديث جيش الخسف مشهور عند المسلمين من عهد النبي (صلى الله عليه وآله).
وشاهدنا أن الرواية حافظت على عدد أصحاب المهدي (عليه السلام) الثلاث مئة وثلاثة عشر، الذين يجمعهم الله تعالى من بلاد شتى، وجعلت ممثليهم هؤلاء العلماء الباحثين عن الإمام (عليه السلام). وقد روى ابن حماد في هؤلاء العلماء السبعة عدة روايات طويلة وقصيرة، لكن ليس فيها رواية مسندة إلى النبي أو الأئمة (عليهم السلام). وعنه عقد الدرر/132، والحاوي: 2/70، والسفاريني: 2/11، وغيرهم.
النفس الزكية الشهيد في ظهر الكوفة من علامات المهدي (عليه السلام)
في الإرشاد: 2/368: (جاءت الأخبار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي (عليه السلام) وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات: فمنها: خروج السفياني، وقتل الحسني واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام وهدم سور الكوفة). ونحوه في روضة الواعظين/262، وتاج المواليد/70، والمستجاد/253، والصراط المستقيم: 2/248.
أقول: تلاحظ أن فيها فروقات في عدد العلامات وترتيبها، ويظهر أن مقصود المفيد رحمه الله سردها ولو بذكر المتأخر قبل المتقدم. وشاهدنا منها: (وقتل الحسني... وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم سور الكوفة). ولم تعين الرواية بلد الحسني، أما الهاشمي الذي يذبح بين الركن والمقام ففيه روايات صريحة ستأتي.
وأما هدم سور الكوفة فيقصد به سور مسجدها من الجهة المقابلة للقبلة كما دلت الروايات. وأما النفس الزكية التي تقتل في سبعين من الصالحين بظهر الكوفة، فأوضح من تنطبق عليهم ممن قتلوا في النجف إلى الآن، هو الشهيد السيد محمد باقر الحكيم (قدّس سره) فقد قتل في أكثر من سبعين، ومعناه أن سبعين منهم صالحون.
وتقدم من مختصر البصائر/199، الخطبة المروية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) التي تسمى المخزون، جاء فيها: ألا يا أيها الناس، سلوني قبل أن تشرع برجلها فتنة شرقية وتطأ في خطامها بعد موت وحياة أو تشب نار بالحطب الجزل غربي الأرض ورافعة ذيلها تدعو يا ويلها بذحلة أو مثلها فإذا استدار الفلك قلتم مات أو هلك بأي واد سلك، فيومئذ تأويل هذه الآية: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً). ولذلك آيات وعلامات أولهن إحصار الكوفة بالرصد والخندق وتحريق الزوايا في سكك الكوفة وتعطيل المساجد أربعين ليلة، وتخفق رايات ثلاث حول المسجد الأكبر يشبهن بالهدى، القاتل والمقتول في النار، وقتل كثير وموت ذريع، وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين، والمذبوح بين الركن والمقام وقتل الأسبغ المظفر صبراً في بيعة الأصنام مع كثير من شياطين الإنس). الخ.
وكلام الرواية عن الحجاز والعراق معاً، والرايات التي تتنازع حول المسجد الأكبر تقصد المسجد الحرام. والقتل الذريع يحتمل أن يكون في البلدين، والنفس الزكية بظهر الكوفة أي النجف. والأسبغ المظفر شخص يعتقل ويقتل صبراً أي يحكم عليه بالقتل، ولم تعين بلده.
النفس الزكية الشهيد في المدينة من علامات المهدي (عليه السلام)
في ابن حماد: 1/324، عن كعب قال: تستباح المدينة حينئذ وتقتل النفس الزكية. وفي/90، عن ابن مسعود قال: يبعث جيش إلى المدينة فيخسف بهم بين الحماوين،
تقتل النفس الزكية). وعنه عقد الدرر/66، وملاحم ابن طاووس/57.
وفي الكافي: 1/337، بعدة روايات عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال قلت: ولم؟ قال: يخاف وأومأ بيده إلى بطنه، ثم قال: يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول حمل، ومنهم من يقول إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين وهو المنتظر، غير أن الله (عزَّ وجلَّ) يحبُّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة. قال: قلت: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟ قال: يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني. ثم قال: يا زرارة لابد من قتل غلام بالمدينة، قلت: جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني؟ قال: لا، ولكن يقتله جيش آل بني فلان، يجيء حتى يدخل المدينة فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لايمهلون، فعند ذلك توقع الفرج إن شاء الله). والنعماني/166، و177، بروايات، وكمال الدين: 2/342 و346 و481، بعدة طرق، ودلائل الإمامة/293، كرواية كمال الدين الأخيرة بتفاوت يسير، وغيبة الطوسي/202، كرواية النعماني الأولى.. الخ.
وفي ابن حماد: 1/323، عن علي (عليه السلام) قال: يكتب السفياني إلى الذي دخل الكوفة بخيله، بعدما يعركها عرك الأديم، يأمره بالسير إلى الحجاز، فيسير إلى المدينة فيضع السيف في قريش فيقتل منهم ومن الأنصار أربع مائة رجل، ويبقر البطون ويقتل الولدان، ويقتل أخوين من قريش، رجل وأخته يقال لهما محمد وفاطمة ويصلبهما على باب المسجد بالمدينة). وعنه ملاحم ابن طاووس/56.
وفي ابن حماد: 1/323، عن أبي رومان قال: يبعث بجيش إلى المدينة فيأخذون من قدروا عليه من آل محمد، ويُقتل من بني هاشم رجال ونساء، فعند ذلك يهرب المهدي والمنصور من المدينة إلى مكة فيبعث في طلبهما وقد لحقا بحرم الله وأمنه).
وتسمي بعض الروايات هذا الغلام النفس الزكية، وهو غير النفس الزكية الذي يقتل في مكة قبيل ظهور المهدي (عليه السلام). فعن الإمام الباقر (عليه السلام): ويظهر السفياني ومن معه حتى لايكون له همة إلا آل محمد (صلى الله عليه وآله) وشيعتهم فيبعث بعثاً إلى الكوفة فيصاب بأناس من شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) قتلاً وصلباً. ويبعث بعثاً إلى المدينة فيقتل بها رجلاً ويهرب المهدي والمنصور منها، ويؤخذ آل محمد صغيرهم وكبيرهم لايترك منهم أحد إلا أخذ وحبس، ويخرج الجيش في طلب الرجلين، ويخرج المهدي منها على سنة موسى خائفاً يترقب حتى يقدم مكة). (تفسير العياشي: 1/65، والبحار: 52/222).
النفس الزكية في مكة من أصحاب المهدي (عليه السلام)
في غيبة النعماني/257: (قلنا له(للإمام الصادق (عليه السلام)): السفياني من المحتوم؟ فقال: نعم وقتل النفس الزكية من المحتوم، والقائم من المحتوم، وخسف البيداء من المحتوم، وكفٌّ تطلع من السماء من المحتوم، والنداء من السماء من المحتوم. فقلت: وأي شيء يكون النداء؟ فقال: مناد ينادي باسم القائم واسم أبيه (عليهما السلام)).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (ألا أخبركم بآخر ملك بني فلان؟ قلنا بلى أمير المؤمنين. قال: قتل نفس حرام في بلد حرام عن قوم من قريش، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لهم ملك بعده غير خمسة عشر ليلة). وعنه البحار: 52/234.
وفي النعماني/264، عن حمران بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من المحتوم الذي لابد أن يكون من قبل قيام القائم خروج السفياني، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكية، والمنادي من السماء). وعنه البحار: 52/294
وفي النعماني/262، عن محمد بن الصامت، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما علامة بين يدي هذا الأمر؟ فقال: بلى، قلت: وما هي؟ قال: هلاك العباسي، وخروج السفياني، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء، والصوت من السماء. فقلت: جعلت فداك أخاف أن يطول هذا الأمر، فقال: لا إنما هو كنظام الخرز يتبع
بعضه بعضاً). وعنه عقد الدرر/49، والبرهان/114... وقد تقدم أن معنى خروج الثلاثة كنظام الخرز مع أنه في يوم واحد: أن أحداث خروجهم قد تكون متفرعة عن حدث واحد.
وفي كمال الدين: 2/649، عن صالح مولى بني العذراء قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: ليس بين قيام قائم آل محمد وبين قتل النفس الزكية إلا خمس عشرة ليلة). ومثله الإرشاد/360، وغيبة الطوسي/271، وإعلام الورى/427، وكشف الغمة: 3/250.. الخ.
وفي غيبة الطوسي/278، عن عمار بن ياسر أنه قال: إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان ولها أمارات... وإذا رأيتم أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان فالحقوا بمكة، فعند ذلك تقتل النفس الزكية وأخوه بمكة ضيعة فينادي مناد من السماء: أيها الناس إن أميركم فلان، وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). انتهى.
وفي غيبة الطوسي/464، عن إبراهيم الجريري قال: النفس الزكية غلام من آل محمد اسمه: محمد بن الحسن يقتل بلا جرم ولا ذنب، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر ولا في الأرض ناصر. فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد في عصبة لهم أدق في أعين الناس من الكحل، إذا خرجوا بكى لهم الناس، لا يرون إلا أنهم يُختطفون، يفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربها، ألا وهم المؤمنون حقاً. ألا إن خير الجهاد في آخر الزمان). انتهى. هذا، وقد ورد ذكر النفس الزكية في تجمع أصحابه (عليه السلام) في مكة، وفي بيعتهم له، وخطبته عند الكعبة، كما سيأتي.
* * *
كما روت شهادة النفس الزكية بعض مصادر السنيين، كابن أبي شيبة: 8/679 أو: 15/199، عن مجاهد: قال فلان رجل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله): إن المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية، فإذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض، فأتى الناس المهدي فزفوه كما تزف العروس إلى زوجها ليلة عرسها، وهو يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وتخرج الأرض نباتها وتمطر المساء مطرها، وتنعم
أمتي في ولايته نعمة لم تنعمها قط). والنفس الزكية، هنا صفة لشخص معين ممدوح كما تدل عليه أحاديثه، وقد كان ذلك معروفاً عند الصحابة، ولذا حاول بعضهم تطبيقه على محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى، الذي سمي بالنفس الزكية، وغيره.
وابن حماد: 1/339، مضافاً إلى ما تقدم: عن عمار بن ياسر (رضي الله عنه) قال: إذا قتل النفس الزكية وأخوه يقتل بمكة ضيْعَةً نادى مناد من السماء إن أميركم فلان وذلك المهدي الذي يملأ الأرض حقاً وعدلاً). وعنه عقد الدرر/66، 1. والدر المنثور: 6/58، والحاوي: 2/65، عن ابن أبي شيبة. و: 2/76، عن ابن حماد، والمغربي/573، عن ابن أبي شيبة. وملاحم ابن طاووس/61، عن ابن شيبة. وفي/179، عن عمرو بن قيس الماصر قال قلت لمجاهد: عندك في شأن المهدي شيء فإن هؤلاء الشيعة لا نصدقهم؟ قال: نعم عندي فيه شيء مثبت، حدثني رجل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)... وذكر حديث النفس الزكية المتقدم. وأورد ابن حماد: 1/193، و: 1/324، و329، و330، و339، عدة أحاديث حول النفس الزكية الذي يقتل في المدينة، والنفس الزكية الذي يقتل في مكة، منها/93: (إن المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية، فإذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض، فأتى الناس المهدي فزفوه كما تزف العروس إلى زوجها ليلة عرسها، وهو يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وتخرج الأرض نباتها وتمطر المساء مطرها، وتنعم أمتي في ولايته نعمة لم تنعمها قط).
* * *
2 - أصحاب المهدي (عليه السلام) الخاصون الثلاث مئة وثلاثة عشر: مقام أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام)
في نهج البلاغة: 2/126: ألا بأبي وأمي، هم من عدة أسماؤهم في السماء معروفة وفي الأرض مجهولة. ألا فتوقعوا ما يكون من إدبار أموركم وانقطاع وصلكم واستعمال صغاركم. ذاك حيث تكون ضربة السيف على المؤمن أهون من الدرهم
من حله. ذاك حيث يكون المعطى أعظم أجراً من المعطي. ذاك حيث تسكرون من غير شراب، بل من النعمة والنعيم، وتحلفون من غير اضطرار، وتكذبون من غير إحراج. ذاك إذا عضكم البلاء كما يعض القتب غارب البعير. ما أطول هذا العناء، وأبعد هذا الرجاء). وابن ميثم: 4/182، ومنهاج البراعة: 11/141، وشرح النهج: 13/95، وينابيع المودة/437.
وفي كمال الدين: 2/654، عن عبد الله بن عجلان قال: ذكرنا خروج القائم (عليه السلام) عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: كيف لنا أن نعلم ذلك؟ فقال: يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب: طاعة معروفة). ومثله العدد القوية/66، والبحار: 52/305، عن السيد علي بن عبد الحميد. وإثبات الهداة: 3/582، عن البحار.
وفي كمال الدين: 2/673، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كأني بأصحاب القائم (عليه السلام) وقد أحاطوا بما بين الخافقين، فليس من شيء إلا وهو مطيع لهم حتى سباع الأرض وسباع الطير، يطلب رضاهم في كل شيء حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول مرَّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم (عليه السلام)) وإثبات الهداة: 3/494، والبحار: 52/327.
وفي علل الشرائع/89، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث جاء فيه: فقال أبو بكر الحضرمي: جعلت فداك الجواب في المسألتين الأوليتين؟ فقال: يا أبا بكر: (سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ)، فقال: مع قائمنا أهل البيت وأما قوله: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً)، فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقد أصحابه كان آمناً). وعنه حلية الأبرار: 2/148، والبحار: 2/292، عن علل الشرائع.
الاختصاص/325، عن أبي بصير قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده رجل من أهل خراسان وهو يكلمه بلسان لا أفهمه ثم رجع إلى شيء فهمته، فسمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أركض برجلك الأرض فإذا بحر تلك الأرض على حافتيها فرسان قد وضعوا رقابهم على قرابيس سروجهم، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): هؤلاء أصحاب
القائم (عليه السلام)). ومثله دلائل الإمامة/245، بتفاوت، وعنه البحار: 47/89.
لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون!
وفي المستدرك: 4/554، وصححه على شرط الشيخين، عن محمد بن الحنفية قال: كنا عند علي (رضي الله عنه) فسأله رجل عن المهدي فقال علي: هيهات ثم عقد بيده سبعاً فقال: ذاك يخرج في آخر الزمان، إذا قال الرجل الله الله قتل، فيجمع الله تعالى له قوماً قزع كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلى أحد ولا يفرحون بأحد يدخل فيهم، على عدة أصحاب بدر، لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون، وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر! قال أبو الطفيل: قال ابن الحنفية: أتريده؟ قلت: نعم. قال: إنه يخرج من بين هذين الخشبتين. قلت: لا جرم والله لا أريمهما حتى أموت. فمات بها يعني مكة حرسها الله تعالى). وعنه عقد الدرر/59، وعقيدة أهل السنة في المهدي/30، وغيره.
بل ورد عندنا أنهم أفضل من أصحاب جميع الأنبياء (عليهم السلام)، ففي البصائر/104: (عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: اللهم لقني إخواني مرتين، فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله؟ فقال: لا، إنكم أصحابي، وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، لأحدُهم أشدُّ بُقيَةً على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا، أولئك مصابيح الدجى، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة).
ويؤيده ما في صحيح مسلم النيسابوري: 1/150: (وددت أنا قد رأينا إخواننا. قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد. فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول
الله. قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض. ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال! أناديهم ألا هلمَّ، فيقال إنهم قد بدلوا بعدك! فأقول سحقاً سحقاً!). إلى آخر ما ورد وما أتي من خصائصهم وكراماتهم.
يجمعهم الله من أنحاء الأرض في ليلة واحدة
في غيبة الطوسي/284، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: لا يزال الناس ينقصون حتى لا يقال (الله) فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه، فيبعث الله قوماً من أطرافها، يجيئون قزعاً كقزع الخريف. والله إني لأعرفهم وأعرف أسمائهم وقبائلهم واسم أميرهم، وهم قوم يحملهم الله كيف شاء من القبيلة الرجل والرجلين، حتى بلغ تسعة، فيتوافون من الآفاق ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر، وهو قول الله: (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ). حتى أن الرجل ليحتبي (يشد حزامه) فلا يحل حبوته حتى يبلغه الله ذلك). ومثله الأصول الستة عشر/64، وعنه البحار: 52/334، وقال: قال الزمخشري: الضرب بالذنب هاهنا مثل للإقامة والثبات، يعني أنه يثبت هو ومن تبعه على الدين.
وفي العياشي: 1/66، مرسلاً عن أبي سمينة عن مولى لأبي الحسن قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله: (أين مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً)؟ قال: وذلك والله أن لو قد قام قائمنا يجمع الله إليه شيعتنا من جميع البلدان). وفي مجمع البيان: 1/231: وروي في أخبار أهل البيت (عليهم السلام) أن المراد به أصحاب المهدي في آخر الزمان، قال الرضا (عليه السلام).. كما في العياشي. وإثبات الهداة: 3/524، عن مجمع البيان. وفي/548، عن العياشي، وكذا البحار: 52/291
وفي كمال الدين: 2/672، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لقد نزلت هذه الآية في المفتقدين من أصحاب القائم (عليه السلام)، قوله (عزَّ وجلَّ): (أين مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً)، إنهم ليفتقدون عن فرشهم ليلاً فيصبحون بمكة، وبعضهم يسير في السحاب يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه. قال قلت: جعلت فداك أيهم أعظم
إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً). ونحوه غيبة النعماني/241، وعنه إثبات الهداة: 3/493، والبرهان: 1/162، والمحجة/21، والبحار: 52/286
وفي العياشي: 1/67، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أوذن الإمام دعا الله باسمه العبراني الأكبر فانتحيت له أصحابه الثلاثمائة والثلاثة عشر قزعاً كقزع الخريف وهم أصحاب الولاية، ومنهم من يفتقد من فراشه ليلاً فيصبح بمكة، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً، يُعرف باسمه واسم أبيه وحسبه ونسبه، قلت: جعلت فداك أيهم أعظم إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً وهم المفقودون وفيهم نزلت هذه الآية: (أين مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً). ومثله النعماني/312، وعنه إثبات الهداة: 3/548، والبحار: 52/368.. الخ.
وفي غيبة الطوسي/110، عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ. فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون)؟ قال: قيام القائم (عليه السلام)، ومثله: (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)، قال: أصحاب القائم (عليه السلام) يجمعهم الله في يوم واحد). وعنه إثبات الهداة: 3/501، والمحجة/210، والبحار: 51/53.
وفي النعماني/316، عن سليمان بن هارون العجلي قال قال: سمعت أبا عبد الله يقول: إن صاحب هذا الأمر محفوظ له أصحابه، لو ذهب الناس جميعاً أتى الله له بأصحابه وهم الذين قال الله (عزَّ وجلَّ): (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)، وهم الذين قال الله فيهم: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ). وعنه البرهان: 1/478، والبحار: 52/370.
النعماني/315، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر الباقر (عليهما السلام) قال: أصحاب القائم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، أولاد العجم بعضهم يحمل في السحاب نهاراً، ويعرف باسمه واسم أبيه ونسبه وحليته، وبعضهم نائم على فراشه، فيوافيه في مكة على غير ميعاد): وعنه إثبات الهداة: 3/547، والبحار: 52/369.
كمال الدين: 2/377، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: قلت لمحمد بن
علي بن موسى (عليهم السلام): إني لأرجو أن تكون القائم من، أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فقال (عليه السلام): يا أبا القاسم: ما منا إلا وهو قائم بأمر الله (عزَّ وجلَّ) وهاد إلى دين الله، ولكن القائم الذي يطهر الله (عزَّ وجلَّ) به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملؤها عدلاً وقسطاً، هو الذي تخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته، وهو سميُّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذل له كل صعب، ويجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)، إن الله على كلِّ شيء قَدِير، فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله (عزَّ وجلَّ)، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)، قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيدي وكيف يعلم أن الله (عزَّ وجلَّ) قد رضي؟ قال يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما) ومثله كفاية الأثر/277، بتفاوت يسير، وإعلام الورى/409 والإحتجاج: 2/449.
ابن حماد: 1/390، عن التيمي، عن علي (رضي الله عنه) قال: ينقض الدين حتى لا يقول أحد لا إله إلا الله وقال بعضهم حتى لا يقال: الله الله، ثم يضرب يعسوب الدين بذنبه ثم يبعث الله قوماً قزع كقزع الخريف، إني لأعرف اسم أميرهم ومناخ ركابهم). ومثله ابن أبي شيبة: 15/23، عن الحارس بن سويد، عن علي وفيه: فإذا فعل ذلك بعث قوم يجتمعون كما يجتمع قزع الخريف.. والله إني لأعرف... وغريب الحديث للهروي: 1/115، بعضه، وتهذيب اللغة للأزهري: 1 /185 بعضه، وغريب الحديث لابن الجوزي: 2/241، ولسان العرب: 8/271 وغيبة الطوسي/284، عن أبي عبد الله (عليه السلام).. وفيه: لا يزال الناس ينقصون حتى لا يقال الله فإذا كان ذلك ضرب.. فيبعث الله قوماً من أطرافها يجيئون قزعاً.. لأعرفهم وأعرف أسماءهم وقبائلهم واسم أميرهم وهم قوم يحملهم الله كيف شاء من القبيلة الرجل والرجلين حتى بلغ تسعة، فيتوافون من الآفاق ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدة أهل بدر وهو قول الله: (أين مَا تَكُونُوا
يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ). حتى أن الرجل ليحتبي فلا يحل حبوته حتى يبلغه الله ذلك. وابن ميثم: 5/370، وقال: أومى بقوله ذلك إلى علامات ذكرها في آخر الزمان لظهور صاحب الأمر، واستعار له لفظ اليعسوب. والبحار: 51/113، الخ.
وفي شرح النهج: 19/104: (وهذا الخبر من أخبار الملاحم التي كان يخبر بها (عليه السلام) وهو يذكر فيه المهدي الذي يوجد عند أصحابنا في آخر الزمان.. فإن قلت: فهذا يشيد مذهب الإمامية في أن المهدي خائف مستتر ينتقل في الأرض، وأنه يظهر آخر الزمان، ويثبت ويقيم في دار ملكه قلت: لا يبعد على مذهبنا أن يكون الإمام المهدي الذي يظهر في آخر الزمان. مضطرب الأمر، منتشر الملك في أول أمره لمصلحة يعلمها الله تعالى ثم بعد ذلك يثبت ملكه وتنتظم أموره).
وهم الأمة المعدودة في القرآن
في تفسير القمي: 1/323، عن علي (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ)؟ قال: الأمة المعدودة أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر). وعنه المحجة/102، والبرهان: 2/208، والبحار: 51/44.
وفي تفسير العياشي: 2/57، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: أصحاب القائم (عليه السلام) الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً، هم والله الأمة المعدودة التي قال الله في كتابه: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)، قال: يجمعون له في ساعة واحدة قزعا كقزع الخريف).
وفي تفسير القمي: 2/205، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال في تفسيرها: وهم والله أصحاب القائم (عليه السلام) يجتمعون والله إليه في ساعة واحدة، فإذا جاء إلى البيداء يخرج إليه جيش السفياني فيأمر الله الأرض فتأخذ أقدامهم وهو قوله: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيب)، يعني بالقائم من آل محمد (عليهم السلام) (وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ..) إلى قوله: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ): يعني أن لا يعذبوا. (كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ): يعني من كان قبلهم من المكذبين هلكوا من قبل، (إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ). وفي النعماني/241، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: العذاب خروج القائم (عليه السلام)، والأمة
المعدودة عدة أهل بدر. ونحوه العياشي: 2/140 و141. وتأويل الآيات: 1/223، عن الإمام الصادق (عليه السلام): العذاب هو القائم (عليه السلام) وهو عذاب على أعدائه، والأمة المعدودة هم الذين يقومون معه بعدد أهل بدر). وعنه إثبات الهداة: 3/541، والمحجة/102، والبرهان: 2/208، والبحار: 51/58.
وهم الموعودون بالإستخلاف والتمكين في الأرض
الكافي: 1/193، عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عن قول الله جل جلاله: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)؟ قال: هم الأئمة (عليهم السلام)). ومثله تأويل الآيات: 1/368، وفيه: نزلت في علي بن أبي طالب والأئمة من ولد (عليهم السلام) وعنى به ظهور القائم (عليه السلام)). وعنه إثبات الهداة: 1/81.
وفي كفاية الأثر/56، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخل جندب بن جنادة اليهودي من خيبر، على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد أخبرني عما ليس لله، وعما ليس عند الله، وعما لا يعلمه الله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما ما ليس لله فليس لله شريك، وأما ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، وأما ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود إنه عزير ابن الله، والله لا يعلم له ولدا، فقال جندب: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقا. ثم قال: يا رسول الله إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران (عليه السلام) فقال لي: يا جندب أسلم على يد محمد واستمسك بالأوصياء من بعده، فقد أسلمت فرزقني الله ذلك، فأخبرني بالأوصياء بعدك لأتمسك بهم. فقال: يا جندب أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل. فقال: يا رسول الله إنهم كانوا اثني عشر، هكذا وجدنا في التوراة، قال: نعم، الأئمة بعدي اثنا عشر فقال: يا رسول الله كلهم في زمن واحد؟ قال: لا ولكنهم خلف بعد خلف، فإنك لا تدرك منهم إلا ثلاثة، قال: فسمهم لي يا رسول الله، قال: نعم إنك تدرك سيد الأوصياء ووارث الأنبياء وأبا الأئمة علي بن أبي طالب بعدي، ثم ابنه الحسن، ثم الحسين، فاستمسك بهم من بعدي ولا يغرنك جهل الجاهلين. فإذا كانت وقت ولادة ابنه علي بن الحسين سيد العابدين يقضي الله عليه (عليك) ويكون آخر زادك من الدنيا
شربة من لبن تشربه. فقال: يا رسول الله هكذا وجدت في التوراة اليانقطه؟ شبيراً وشبيراً فلم أعرف اسميهم فكم بعد الحسين من الأوصياء وما اسميهم؟ فقال: تسعة من صلب الحسين والمهدي منهم، فإذا انقضت مدة الحسين قام بالأمر بعده ابنه علي ويلقب بزين العابدين، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه يدعى بالباقر، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده ابنه جعفر يدعى بالصادق، فإذا انقضت مدة جعفر قام بالأمر بعده ابنه موسى يدعى بالكاظم، ثم إذا انتهت مدة موسى قام بالأمر بعده ابنه علي يدعى بالرضا، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه يدعى بالزكي، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده علي ابنه يدعي بالنقي فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده الحسن ابنه يدعى بالأمين، ثم يغيب عنهم إمامهم. قال: يا رسول الله هو الحسن يغيب عنهم، قال: لا ولكن ابنه الحجة. قال يا رسول الله فما اسمه؟ قال: لا يسمى حتى يظهره الله.
قال جندب: يا رسول الله قد وجدنا ذكرهم في التوراة، وقد بشرنا موسى بن عمران بك وبالأوصياء بعدك من ذريتك. ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله): (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً)، فقال جندب: يا رسول الله فما خوفهم؟ قال: يا جندب في زمن كل واحد منهم سلطان يعتريه ويؤذيه، فإذا عجل الله خروج قائمنا يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. ثم قال (عليه السلام): طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمتقين على محجتهم، أولئك وصفهم الله في كتابه وقال: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)، وقال: (أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُون). وعنه إثبات الهداة: 1/577، والبرهان: 3/146، وغاية المرام/376 والمحجة/149، والبحار: 36/304. وتأتي أحاديث أخرى، في فصل الآيات المفسرة.
وهم الموعودون بوراثة الأرض
في تأويل الآيات: 1/332، عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)، قال: الكتب كلها ذكر و(أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ): قال: القائم (عليه السلام) وأصحابه). وتفسير القمي: 2/77، مرسلاً، ومجمع البيان: 4/66، وإثبات الهداة: 3/525، والمحجة/141، والبحار: 9/126.
وفي تفسير القمي: 2/126، في قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (سبأ: 10) قال: أعطى داود وسليمان ما لم يعط أحداً من أنبياء الله من الآيات، علمهما منطق الطير، وألانَ لهما الحديد والصِّفر من غير نار، وجعلت الجبال يسبِّحن مع داود، وأنزل الله عليه الزبور فيه توحيد وتمجيد ودعاء، وأخبار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة من ذريتهما (عليهم السلام). وأخبار الرجعة والقائم (عليه السلام) لقوله: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء: 105).
وهم القوم الموعودون في الآية: فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ..
العياشي: 1/326، عن سليمان بن هارون، أنه قال للإمام الباقر (عليه السلام): إن بعض هذه العجلة يزعمون أن سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند عبد الله بن الحسن، فقال: والله ما رآه هو ولا أبوه بواحدة من عينيه إلا أن يكون رآه أبوه عند الحسين (عليه السلام)، وإن صاحب هذا الأمر محفوظ له فلا تذهبن يميناً ولا شمالاً، فإن الأمر والله واضح، والله لو أن أهل السماء والأرض اجتمعوا على أن يحولوا هذا الأمر من موضعه الذي وضعه الله فيه ما استطاعوا، ولو أن الناس كفروا جميعاً حتى لا يبقى أحد لجاء الله لهذا الأمر بأهل يكونون من أهله، ثم قال: أما تسمع الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). حتى فرغ من الآية وقال في آية أخرى: (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ). ثم قال إن هذه الآية هم أهل تلك الآية).
ومثله البصائر/174 و177، عن سليمان بن هارون بتفاوت، والإرشاد/274، وإعلام الورى/278، والاحتجاج: 2/371، وكشف الغمة: 2/382، عن الإرشاد، وعنه البرهان: 1/479، والمحجة/64، وعن النعماني، ونحوه الكافي: 1/232، عن سعيد السمان، وعنه إثبات الهداة: 3/440، آخره، وأشار إلى البصائر، والبحار: 26/201، عن الإرشاد، والاحتجاج، وأشار إلى روايتي البصائر.
وفي تفسير القمي: 1/170، قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ): قال: هو مخاطبة لأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين غصبوا آل محمد حقهم وارتدوا عن دين الله. (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه): نزلت في القائم (عليه السلام) وأصحابه (يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ). وعنه مجمع البيان: 3/208، وتأويل الآيات: 1/150.
وهم الركن الشديد للإمام المهدي (عليه السلام)
في العياشي: 2/156، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قول الله: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ): قال قوة القائم والركن الشديد: الثلاث مئة وثلاثة عشر أصحابه). ونحوه تفسير القمي: 1/335، وعنهما إثبات الهداة: 3/551، والبحار: 12/158 و170.
وفي كمال الدين/673، عن أبي بصير: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما كان قول لوط (عليه السلام) لقومه: (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ)، إلا تمنياً لقوة القائم (عليه السلام)، ولا ذكر إلا شدة أصحابه، وإن الرجل منهم ليعطى قوة أربعين رجلاً، وإن قلبه لأشد من زبر الحديد، ولو مروا بجبال الحديد لقلعوها، ولا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)). وعنه إثبات الهداة: 3/494، والبحار: 52/327.
وهم المظلومون المأذون لهم بالقتال
في النعماني/241، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ): قال: هي في القائم (عليه السلام) وأصحابه). وعنه البحار: 51/58، ومثله تأويل الآيات: 1/338، وعنه إثبات الهداة: 3/563، والمحجة/142، والبحار: 24/227.
وهم وإمامهم (عليه السلام) وعد الآخرة لليهود
تفسير القمي: 2/14: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ
الآخِرَةِ): يعني القائم صلوات الله عليه وأصحابه). وعنه البرهان: 2/409، والبحار: 51/45.
وفي الكافي: 8/255، عن الحجال، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً): قال: نزلت في الحسين (عليه السلام)، لو قتل وليه أهل الأرض به ما كان سرفاً). ومثله تأويل الآيات: 1/280.
وهم المنتصرون في الآية
في تفسير فرات/150، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ): قال: القائم وأصحابه، قال الله: (فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ): القائم إذا قام انتصر من بني أمية والمكذبين والنصاب وهو قوله: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ). ومثله تفسير القمي: 2/278، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، وتأويل الآيات: 2/549، وعنهما إثبات الهداة: 3/553 و565 و567، والبحار: 24/229.
وهم من المتوسمين في الآية
في كمال الدين/671، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا قام القائم لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمن إلا عرفه صالح هو أم طالح لأن فيه آية لِلمتوَسِّمينَ وهي بسبيلٍ مُقيم). وعنه إثبات الهداة: 3/493، والبحار: 52/325.
مناقب ابن شهرآشوب: 4/284، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ، وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ)، قال: فكان رسول الله المتوسم والأئمة من ذريتي المتوسمون إلى يوم القيامة. وَإِنَّهَا (لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ): فذلك السبيل المقيم هو الوصي بعد النبي (صلى الله عليه وآله)). وعنه البحار: 24/127.
وفي الإرشاد/365: وروى عبد الله بن عجلان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) حكم بين الناس بحكم داود (عليه السلام) لا يحتاج إلى بينة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه ويخبر كل قوم بما استبطنوه، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم قال الله
سبحانه: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ، وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ)، ونحوه روضة الواعظين/266، وإعلام الورى/433، وكشف الغمة: 3/256، والبرهان: 2/351، والبحار: 52/339.
وفي منتخب الأنوار/195، عن جابر عن الباقر (عليه السلام): كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) وأصحابه في نجف الكوفة كأن على رؤوسهم الطير، فنيت أزوادهم وخلقت ثيابهم متنكبين قسيهم؟ قد أثر السجود بجباههم، ليوث بالنهار ورهبان بالليل، كأن قلوبهم زبر الحديد، يعطى الرجل منهم قوة أربعين رجلاً ويعطيهم صاحبهم التوسم، لا يقتل أحد منهم إلا كافراً أو منافقاً، فقد وصفهم الله بالتوسم في كتابه: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ). وعنه إثبات الهداة: 3/585، والبحار: 52/386.
وفي البصائر/356، عن معاوية الدهني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ)، فقال: يا معاوية ما يقولون في هذا؟ قال: قلت: يزعمون أن الله تبارك وتعالى يعرف المجرمين بسيماهم يوم القيامة فيأمر بهم فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم ويلقون في النار. قال فقال لي: وكيف يحتاج الجبار تبارك وتعالى إلى معرفة خلق أنشأهم وهو خلقهم؟ قال فقلت: فما ذاك جعلت فداك؟ قال: ذلك لو قد قام قائمنا أعطاه الله السيما فيأمر بالكافر فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم ثم يخبط بالسيف خبطاً). ومثله في/359، والاختصاص/304، وعنه إثبات الهداة: 3/521، وعنه المحجة/217، والبحار: 52 /320.
يجمعهم الله من المشرق والمغرب وأقاصي الأرض
في مختصر تاريخ دمشق: 1/114، عن علي (عليه السلام): إذا قام قائم أهل محمد، جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب، فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف، فأما الرفقاء فمن أهل الكوفة، وأما الأبدال فمن أهل الشام). وعنه صواعق ابن حجر/165، والمغربي/572، وصححه. وينابيع المودة/433، عن جواهر العقدين.
منهم أبدال الشام ونجباء مصر وعصائب العراق
في أمالي المفيد/30، عن محمد بن سويد الأشعري قال: دخلت أنا وفطر بن خليفة على جعفر بن محمد (عليهما السلام)، فقرب إلينا تمراً فأكلنا، وجعل يناول فطراً منه ثم قال له: كيف الحديث الذي حدثتني عن أبي الطفيل رحمه الله في الأبدال؟ فقال فطر: سمعت أبا الطفيل يقول: سمعت علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: الأبدال من أهل الشام والنجباء من أهل الكوفة يجمعهم الله لشر يوم لعدونا. فقال جعفر الصادق: رحمكم الله بنا يبدأ البلاء ثم بكم، وبنا يبدأ الرخاء ثم بكم، رحم الله من حببنا إلى الناس ولم يكرهنا إليهم). وعنه البحار: 52/347
وفي غيبة الطوسي/284، عن جابر الجعفي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدة أهل بدر. فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم). وعنه إثبات الهداة: 3/517، والبحار: 52/334.
وفي الفائق: 1/87، وتهذيب ابن عساكر: 1/62، عن علي: قبة الإسلام بالكوفة، والهجرة بالمدينة، والنجباء بمصر، والأبدال بالشام وهم قليل. وفي/63: الأبدال من الشام، والنجباء من أهل مصر، والأخيار من أهل العراق. وعن أبي الطفيل قال: خطبنا علي (رضي الله عنه) فذكر الخوارج، فقام رجل فلعن أهل الشام، فقال له: ويحك لا تعم، إن كنت لاعناً ففلاناً وأشياعه، فإن منهم الأبدال ومنهم النجباء).
أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) فيهم خمسون امرأة
توجد روايتان في ذلك، أولاهما في دلائل الإمامة/259، عن مفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يكون مع القائم ثلاث عشرة امرأة، قلت: وما يصنع بهن؟ قال: يداوين الجرحى ويقمن على المرضى، كما كنَّ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قلت: فسمهن لي قال: القنواء بنت رُشَيْد، وأم أيمن، وحبابة الوالبية، وسمية أم عمار بن ياسر، وزبيدة، وأم خالد الأحمسية، وأم سعيد الحنفية، وصبانة الماشطة، وأم خالد الجهنية). وإثبات الهداة: 3/575، ملخصاً عن مسند فاطمة (عليه السلام) للطبري. فهي تتحدث
عن نساء يُحْيَيْنَ من قبورهن، وقد سمَّت تسعاً منهن، وتنص على أن مهنتهن التمريض، ولم تذكر أنهن من أصحابه أصحاب الدور الأكبر.
لكن الرواية الثانية في تفسير العياشي رحمه الله: 1/65، عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر (عليه السلام) تنص على أن من بين أصحابه الخاصين الثلاث مئة وثلاثة عشر خمسين امرأة، وهي طويلة تضمنت معلومات هامة عن حركة الإمام أرواحنا فداه من المدينة إلى مكة وبداية ظهوره المقدس، وخطبته في المسجد الحرام وحركته إلى المدينة والعراق والشام، وهذا نصها الكامل: (يا جابر: إلزم الأرض ولا تحركن يدك ولا رجلك أبداً حتى ترى علامات أذكرها لك في سنة، وترى منادياً ينادي بدمشق، وخسفاً بقرية من قراها، ويسقط طائفة من مسجدها، فإذا رأيت الترك جازوها فأقبلت الترك حتى نزلت الجزيرة، وأقبلت الروم حتى نزلت الرملة، وهي سنة اختلاف في كل أرض من أرض العرب، وإن أهل الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: الأصهب والأبقع والسفياني، مع بني ذنب الحمار مضر، ومع السفياني أخواله من كلب، فيظهر السفياني ومن معه على بني ذنب الحمار، حتى يقتلوا قتلاً لم يقتله شيء قط، ويحضر رجل بدمشق فيقتل هو ومن معه قتلاً لم يقتله شيء قط وهو من بني ذنب الحمار، وهي الآية التي يقول الله: (فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ). ويظهر السفياني ومن معه حتى لا يكون له همة إلا آل محمد (صلى الله عليه وآله) وشيعتهم، فيبعث بعثاً إلى الكوفة فيصاب بأناس من شيعة آل محمد بالكوفة قتلاً وصلباً، وتقبل راية من خراسان حتى تنزل ساحل دجلة، ويخرج رجل من الموالي ضعيف ومن تبعه فيصاب بظهر الكوفة. ويبعث بعثاً إلى المدينة فيقتل بها رجلاً ويهرب المهدي والمنصور منها ويؤخذ آل محمد صغيرهم وكبيرهم لا يترك منهم أحد إلا حبس. ويخرج الجيش في طلب الرجلين ويخرج المهدي منها على سنة موسى خائفاً يترقب حتى يقدم مكة. ويقبل الجيش حتى إذا نزلوا البيداء وهو جيش الهملات خسف بهم فلا يفلت منهم إلا مخبر، فيقوم القائم
بين الركن والمقام فيصلي وينصرف ومعه وزيره، فيقول: يا أيها الناس إنا نستنصر الله على من ظلمنا وسلب حقنا. من يحاجنا في الله فأنا أولى بالله. ومن يحاجنا في آدم فأنا أولى الناس بآدم. ومن حاجنا في نوح فأنا أولى الناس بنوح. ومن حاجنا في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم. ومن حاجنا بمحمد فأنا أولى الناس بمحمد (صلى الله عليه وآله). ومن حاجنا في النبيين فنحن أولى الناس بالنبيين. ومن حاجنا في كتاب الله فنحن أولى الناس بكتاب الله. إنا نشهد وكل مسلم اليوم أنا قد ظلمنا وطردنا وبغي علينا وأخرجنا من ديارنا وأموالنا وأهالينا وقهرنا. ألا إنا نستنصر الله اليوم وكل مسلم. ويجيء والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة، يجتمعون بمكة على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف يتبع بعضهم بعضاً، وهي الآية التي قال الله: (أين مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ). فيقول رجل من آل محمد (صلى الله عليه وآله) وهي القرية الظالمة أهلها. ثم يخرج من مكة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام، ومعه عهد نبي الله ورايته وسلاحه ووزيره معه، فينادي المنادي بمكة باسمه وأمره من السماء، حتى يسمعه أهل الأرض كلهم. اسمه اسم نبي. ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله (صلى الله عليه وآله) ورايته وسلاحه والنفس الزكية من ولد الحسين، فإن أشكل عليكم هذا فلا يشكل عليكم الصوت من السماء باسمه وأمره. وإياك وشذاذاً من آل محمد (صلى الله عليه وآله) فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات، فألزم الأرض ولا تتبع منهم رجلاً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين، ثم صار عند محمد بن علي، ويفعل الله ما يشاء، فألزم هؤلاء أبداً وإياك ومن ذكرت لك، فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) عامداً إلى المدينة حتى يمر بالبيداء، حتى يقول هذا مكان القوم الذين يخسف بهم وهي الآية التي قال الله: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأرض أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي
تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ). فإذا قدم المدينة أخرج محمد بن الشجري على سنة يوسف. ثم يأتي الكوفة فيطيل بها المكث ما شاء الله أن يمكث حتى يظهر عليها. ثم يسير حتى يأتي العذراء هو ومن معه وقد لحق به ناسٌ كثير والسفياني يومئذ بوادي الرملة، حتى إذا التقوا وهو يوم الأبدال يخرج أناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله)، ويخرج ناس كانوا مع آل محمد (صلى الله عليه وآله) إلى السفياني فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم ويخرج كل ناس إلى رايتهم وهو يوم الأبدال.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ويقتل يومئذ السفياني ومن معه حتى لا يترك منهم مخبر، والخايب يومئذ من خاب من غنيمة كلب. ثم يقبل إلى الكوفة فيكون منزله بها فلا يترك عبداً مسلماً إلا اشتراه وأعتقه ولا غارماً إلا قضى دينه، ولا مظلمة لأحد من الناس إلا ردها، ولا يقتل منهم عبداً إلا أدى ثمنه دية مسلمة إلى أهلها، ولا يقتل قتيل إلا قضى عنه دينه وألحق عياله في العطاء، حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً، ويسكن هو وأهل بيته الرحبة (والرحبة إنما كانت مسكن نوح وهي أرض طيبة) ولا يسكن رجل من آل محمد (عليهم السلام) ولا يقتل إلا بأرض طيبة زاكية، فهم الأوصياء الطيبون). انتهى.
والإشكال على هذه الرواية بإرسالها في العياشي، يجبره أنها مسندة بعدة طرق فيها الصحيح في غيبة النعماني وغيرها. قال النعماني في الغيبة/279..... عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): يا جابر إلزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها: أولها: اختلاف بني العباس وما أراك تدرك ذلك، ولكن حدث به من بعدي عني.. الخ. وقد يشكل بأن رواية النعماني المسندة لم تتضمن(فيهم خمسون امرأة)؟ والجواب عنه بتعويض السند، وبالاطمئنان بالصدور، والله العالم. وهذه مصادر رواية جابر رحمه الله: روى العياشي أيضاً قسماً منها: 1/244، وقسماً آخر: 2/261، ومثله النعماني/279، بأسانيده، بأكثر ألفاظها ومعانيها بتفاوت، والاختصاص/255، والإرشاد/359، أولها كالنعماني بتفاوت، ومثله غيبة الطوسي/269، وإعلام الورى/427،
والخرائج: 3/1156، بتفاوت يسير، وعقد الدرر/49، ومنتخب الأنوار/33، عن الراوندي. وإثبات الهداة: 3/548، والبحار: 51/56، كلاهما عن العياشي وفي: 52/212، عن الطوسي، والإرشاد. وفي/237، عن النعماني، والاختصاص، والعياشي.
ويأتي هنا سؤال: هل تجوز أن تكون المرأة حاكمة؟ والجواب: أن الأعم الأغلب من فقهاء المذاهب يفتي بأنه لا يجوز للمرأة أن تتولى مقام القضاء والولاية، بل يختص ذلك بالرجل، ويستدلون له بالنصوص، ويعللونه بسرعة تأثر المرأة واحتياج منصب القضاء والولاية أي الوزارة فما فوقها إلى قدرة أكبر على التحكم بالمشاعر. لكن فتوى مراجع التقليد التي هي تكليفنا اليوم، لا يصح أن نلزم بها الإمام المعصوم المهديّ من ربه صلوات الله عليه. ووجود مؤمنات في وزرائه (عليه السلام) يعني أمرين:
الأول: أن المرأة يمكن أن تصل إلى مقام حمل الاسم الأعظم وتكون من الأصحاب الخاصين للإمام (عليه السلام). والثاني: أن المرأة ستكون في عصره حاكمة لخمسين إقليماً في العالم مضافاً إلى أدوارها الأخرى! وهو أمر لم تصل إليه في تاريخ المجتمعات وأنظمة الحكم! لذلك نستطيع أن نقول إن الإمام المهدي صلوات الله عليه هو الذي سيرفع ظلامة المرأة، ويعطيها مكانتها التي تستحقها في العالم، في جو رفيع من القيم واحترام إنسانية الإنسان.
يتجمَّعون في المسجد الحرام
البصائر/311، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): سيأتي من مسجدكم هذا يعني مكة ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، يعلم أهل مكة أنه لم يلدهم آبائهم ولا أجدادهم، عليهم السيوف مكتوب على كل سيف كلمة تفتح ألف كلمة، تبعث الريح فتنادي بكل واد: هذا المهدي هذا المهدي، يقضي بقضاء آل داود ولا يسأل عليه بينة). وفي النعماني/244، عن عبد الله بن حماد، عن ابن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام القائم نزلت سيوف القتال، على كل سيف اسم الرجل واسم
أبيه). وعنه البحار: 52/356، وبشارة الإسلام/215.
أقول: قد يكون نزول الأسياف كرامة لأصحاب المهدي (عليه السلام) مجازياً، بمعنى القوة والإذن من الله تعالى بالقتال، أو يكون آلة تقوم مقام السلاح.
وفي النعماني/313، عن أبان بن تغلب قال: كنت مع جعفر بن محمد (عليهما السلام) في مسجد بمكة وهو آخذ بيدي، فقال: يا أبان سيأتي الله بثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً في مسجدكم هذا، يعلم أهل مكة أنه لم يخلق آباؤهم ولا أجدادهم بعد، عليهم السيوف مكتوب على كل سيف اسم الرجل واسم أبيه وحليته ونسبه، ثم يأمر منادياً فينادي: هذا المهدي يقضي بقضاء داود وسليمان، لا يسأل على ذلك بينة). ونحوه في/314، ومثله كمال الدين: 2/671، والخصال/649، بتفاوت يسير.
والنعماني/316، عن علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام): بينا شباب الشيعة على ظهور سطوحهم نيام إذ توافوا إلى صاحبهم في ليلة واحدة على غير ميعاد، فيصبحون بمكة). وعنه البحار: 52/370.
يبايعون المهدي (عليه السلام) بين الركن والمقام
العياشي: 2/56، عن عبد الأعلى الحلبي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب، ثم أومأ بيده إلى ناحية ذي طوى، حتى إذا كان قبل خروجه بليلتين انتهى المولى الذي يكون بين يديه حتى يلقى بعض أصحابه فيقول: كم أنتم هاهنا؟ فيقولون نحو من أربعين رجلاً، فيقول: كيف أنتم لو قد رأيتم صاحبكم؟ فيقولون: والله لو يأوي بنا الجبال لأويناها معه، ثم يأتيهم من القابلة فيقول لهم أشيروا إلى ذوي أسنانكم وأخياركم عشرة فيشيرون له إليهم فينطلق بهم حتى يأتوا صاحبهم، ويعدهم إلى الليلة التي تليها.
ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): والله لكأني أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر، ثم ينشد الله حقه ثم يقول: يا أيها الناس من يحاجني في الله فأنا أولى الناس بالله ومن
يحاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، يا أيها الناس من يحاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، يا أيها الناس من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى بإبراهيم، يا أيها الناس من يحاجني في موسى فأنا أولى الناس بموسى، يا أيها الناس من يحاجني في عيسى فأنا أولى الناس بعيسى، يا أيها الناس من يحاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد (صلى الله عليه وآله)، يا أيها الناس من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين، ثم ينشد الله حقه.
قال أبو جعفر (عليه السلام): هو والله المضطر في كتاب الله، وهو قول الله: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرض)، وجبرئيل على الميزاب في صورة طاير أبيض فيكون أول خلق الله يبايعه جبرئيل، ويبايعه الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً. قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): فمن ابتلي في المسير وافاه في تلك الساعة، ومن لم يبتل بالمسير فُقد عن فراشه، ثم قال: هو والله قول علي بن أبي طالب (عليه السلام): المفقودون عن فرشهم، وهو قول الله: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً): أصحاب القائم الثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، قال: هم والله الأمة المعدودة التي قال الله في كتابه: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)، قال: يجمعون في ساعة واحدة قزعاً كقزع الخريف فيصبح بمكة فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) فيجيبه نفر يسير ويستعمل على مكة ثم يسير فيبلغه أن قد قتل عامله! فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة لا يزيد على ذلك شيئاً يعني السبي، ثم ينطلق فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه عليه وآله السلام، والولاية لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) والبراءة من عدوه ولا يسمي أحداً حتى ينتهي إلى البيداء، فيخرج إليه جيش السفياني فيأمر الله الأرض فيأخذهم من تحت أقدامهم، وهو قول الله: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ. وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ): يعني بقائم آل محمد (وَقَدْ كَفَرُوا بِه)، يعني بقائم آل محمد إلى آخر السورة، ولا يبقى منهم إلا رجلان يقال لهما وتر ووتير من مراد، وجوههما في أقفيتهما يمشيان القهقرى
يخبران الناس بما فعل بأصحابهما، ثم يدخل المدينة فتغيب عنهم عند ذلك قريش، وهو قول علي بن أبي طالب (عليه السلام): والله لودَّت قريش أني عندها موقفاً واحداً جزر جزور، بكل ما ملكت وكل ما طلعت عليه الشمس أو غربت! ثم يُحدث حدثاً فإذا هو فعل ذلك قالت قريش: أخرجوا بنا إلى هذه الطاغية فوالله إن لو كان محمدياً ما فعل، ولو كان علوياً ما فعل، ولو كان فاطمياً ما فعل! فيمنحه الله أكتافهم، فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية! ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة فيبلغه أنهم قد قتلوا عامله فيرجع إليهم فيقتلهم مقتلة ليس قتل الحرة إليها بشيء، ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه والولاية لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) والبراءة من عدوه، حتى إذا بلغ إلى الثعلبية قام إليه رجل من صلب أبيه وهو من أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ما خلا صاحب هذا الأمر، فيقول: يا هذا ما تصنع؟ فوالله إنك لتجفل الناس إجفال النعم أفبعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم بماذا؟ فيقول المولى الذي ولي البيعة: والله لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك، فيقول له القائم (عليه السلام): أسكت يا فلان، إي والله إن معي عهداً من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هات لي يا فلان العيبة أو الطيبة أو الزنفليجة فيأتيه بها فيُقرئه العهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقول: جعلني الله فداك أعطني رأسك أقبله فيعطيه رأسه فيقبله بين عينيه ثم يقول: جعلني الله فداك جدد لنا بيعة، فيجدد لهم بيعة.
قال أبو جعفر (عليه السلام): لكأني أنظر إليهم مصعدين من نجف الكوفة ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً كأن قلوبهم زبر الحديد، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، يسير الرعب أمامه شهراً وخلفه شهراً، أمدَّه الله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، حتى إذا صعد النجف، قال لأصحابه: تعبدوا ليلتكم هذه فيبيتون بين راكع وساجد يتضرعون إلى الله حتى إذا أصبح، قال: خذوا بنا طريق النخيلة وعلى الكوفة جند مجند قلت: جند مجند؟ قال: إي والله حتى ينتهي إلى مسجد إبراهيم (عليه السلام) بالنخيلة فيصلي فيه ركعتين فيخرج إليه من كان بالكوفة من مرجئها وغيرهم من جيش السفياني فيقول لأصحابه: استطردوا لهم ثم يقول كروا عليهم. قال أبو جعفر (عليه السلام):
ولا يجوز والله الخندق منهم مخبر.
ثم يدخل الكوفة فلا يبقى مؤمن إلا كان فيها أو حن إليها! وهو قول أمير المؤمنين (عليه السلام). ثم يقول لأصحابه سيروا إلى هذه الطاغية، فيدعوه إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) فيعطيه السفياني من البيعة سلماً فيقول له كلب وهم أخواله يا هذا ما صنعت؟ والله ما نبايعك على هذا أبداً، فيقول: ما أصنع؟ فيقولون: استقبله فيستقيله ثم يقول له القائم (عليه السلام) خذ حذرك فإنني أديت إليك وأنا مقاتلك، فيصبح فيقاتلهم فيمنحه الله أكتافهم ويأخذ السفياني أسيراً، فينطلق به ويذبحه بيده، ثم يرسل جريدة خيل إلى الروم فيستحضرون بقية بني أمية، فإذا انتهوا إلى الروم قالوا: أخرجوا إلينا أهل ملتنا عندكم فيأبون ويقولون والله لا نفعل، فيقول الجريدة: والله لو أمرنا لقاتلناكم ثم ينطلقون إلى صاحبهم فيعرضون ذلك عليه فيقول: انطلقوا فأخرجوا إليهم أصحابهم فإن هؤلاء قد أتوا بسلطان عظيم وهو قول الله: (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ. لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ): قال: يعني الكنوز التي كنتم تكنزون. (قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ. فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ). لا يبقى منهم مخبر ثم يرجع إلى الكوفة فيبعث الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً إلى الآفاق كلها، فيمسح بين أكتافهم وعلى صدورهم فلا يتعايون في قضاء ولا تبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً رسول الله، وهو قوله: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ). ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو قول الله: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لله).
قال أبو جعفر (عليه السلام): يقاتلون والله حتى يُوحد الله ولا يُشرك به شيئاً وحتى تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب ولا ينهاها أحد، ويُخرج الله من الأرض بذرها ويُنزل من السماء قطرها، ويخرج الناس خراجهم على رقابهم إلى المهدي (عليه السلام) ويوسع الله على شيعتنا ولولا ما يدركهم من السعادة لبغوا، فبينا صاحب
هذا الأمر قد حكم ببعض الأحكام وتكلم ببعض السنن، إذ خرجت خارجة من المسجد يريدون الخروج عليه، فيقول لأصحابه: انطلقوا فتلحقوا بهم في التمارين فيأتونه بهم أسرى ليأمر بهم فيذبحون، وهي آخر خارجة تخرج على قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله)). وفي العياشي: 2/140، بعضه عن عبد الأعلى الحلبي، ومثله تفسير القمي: 2/205، بتفاوت، عن أبي خالد الكابلي، وبعضه الكافي: 8/313، والنعماني/181، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، وعنها إثبات الهداة: 3/451 و550، 559 و562، و553. والبحار: 52/288، عن الكافي، وفي/315، عن تفسير القمي، وفي/341، بعضه عن العياشي والنعماني. الخ.
الأذان الأكبر دعوة المهدي (عليه السلام) العالم إلى إمامته
العياشي: 2/76، عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر؟ قال: خروج القائم وأذان دعوته إلى نفسه). وعنه إثبات الهداة: 3/550، وغاية المرام/364، والبحار: 51/55.
وفي تأويل الآيات: 2/478، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يخرج القائم (عليه السلام) فيسير حتى يمر بمَرّ فيبلغه أن عامله قد قتل فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة، ولا يزيد على ذلك شيئاً، ثم ينطلق فيدعو الناس حتى ينتهى إلى البيداء، فيخرج جيشان للسفياني فيأمر الله (عزَّ وجلَّ) الأرض أن تأخذ بأقدامهم، وهو قوله (عزَّ وجلَّ): (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ، وَقَدْ كَفَرُوا بِه مِنْ قَبْل): يعني بقيام القائم. (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ. وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ). وعنه إثبات الهداة: 3/564، والبحار: 52/187.
يبعث الإمام (عليه السلام) أصحابه حكاماً على العالم
في دلائل الإمامة/249، عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر أنه قال: إذا قام قائمنا بعث في أقاليم الأرض.. فيقول عهدك في كفك واعمل بما ترى). ومثله إثبات الهداة: 3/573، عن مناقب فاطمة، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام).
وفي النعماني/319، عن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض
في كل إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفك فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك، واعمل بما فيها، قال: ويبعث جنداً إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء، قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو؟ فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها ما يشاؤون). وعنه البحار: 52/365.
أقول: لابد أن يكون معنى يفتحون لهم المدينة: يسلمونهم مقاليد بلدهم.
3 - أصحابه الذين يتحرك بهم من مكة
في كمال الدين: 2/654، عن أبي بصير قال: سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد الله (عليه السلام): كم يخرج مع القائم (عليه السلام)؟ فإنهم يقولون: إنه يخرج معه مثل عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً؟ قال: وما يخرج إلا في أولي قوة، وما تكون أولوا القوة أقل من عشرة آلاف). وعنه العدد القوية/65، وإثبات الهداة: 3/491، والبحار: 52/323.
وفي تفسير العياشي: 1/134، عن حماد بن عثمان قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا يخرج القائم في أقل من الفئة ولا تكون الفئة أقل من عشرة آلاف). وعنه إثبات الهداة: 3/548.
وفي الخصال/424، عن العوام بن الزبير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يقبل القائم (عليه السلام) في خمسة وأربعين من تسعة أحياء: من حيٍّ رجل، ومن حيٍّ رجلان ومن حي ثلاثة، ومن حي أربعة، ومن حي خمسة، ومن حي ستة، ومن حي سبعة، ومن حي ثمانية، ومن حي تسعة، ولا يزال كذلك حتى يجتمع له العدد). وعنه إثبات الهداة: 3/496، والبحار: 52/309.
وفي الكافي: 5/352، عن أبي الربيع الشامي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): لا تشتر من السودان أحداً، فإن كان لابد فمن النوبة فإنهم من الذين قال الله (عزَّ وجلَّ): (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ). أما إنهم سيذكرون
ذلك الحظ وسيخرج مع القائم (عليه السلام) منا عصابة منهم). ومثله التهذيب: 7/405، وعنه الوسائل: 14/56، وإثبات الهداة: 3/ 452، والمحجة/63.
أقول: قد يكون نهي الإمام (عليه السلام) عن شراء العبيد السود، لمصلحة تحريرهم.
حركة الإمام (عليه السلام) إلى العراق
البصائر/188، عن أبي سعيد الخراساني، عن أبي عبد الله قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا قام القائم بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً، ويحمل حجر موسى بن عمران، وهو وقر بعير، ولا ينزل منزلاً إلا انبعث عين منه، فمن كان جائعاً شبع ومن كان ظمآن روي، فهو زادهم حتى نزلوا النجف من ظهر الكوفة). ومثله الكافي: 1/231، ونحوه النعماني/238، وكمال الدين: 2/670، والخرائج: 2/690، وفيه: ويحمل معه حجر موسى بن عمران التي انبجست منه اثنتا عشرة عيناً، فلا ينزل منزلاً إلا نصبه فانبعثت منه العيون انبعث منه الماء واللبن دائماً فمن كان جائعاً شبع ومن كان عطشان رُوي). ونحوه منتخب الأنوار/199، وإثبات الهداة: 3/440، عن الكافي، وكمال الدين، وفي/541، أوله، عن النعماني الأولى.. إلى آخر المصادر.
أقول: يظهر أن الإمام (عليه السلام) يرسل قائداً من أصحابه مع قواته المتوجهة إلى العراق، أما هو فيكون عنده برنامج آخر، ويدخل العراق جوّاً بسبع قباب مضيئة لا يعرف في أيها هو! فعن الإمام الباقر (عليه السلام) عن جابر في تفسير قوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرض فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ)، وقوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأمر وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ)، قال: ينزل القائم يوم الرجفة بسبع قباب من نور لا يعلم في أيها هو حتى ينزل ظهر الكوفة. وفي رواية: إنه نازل في قباب من نور حين ينزل بظهر الكوفة على الفاروق، فهذا حين ينزل). (العياشي: 1/103).
ومضافاً إلى جانبه الاعجازي يدل على أن الوضع الأمني يستوجب من الإمام المهدي (عليه السلام) هذا الاحتياط، فالوضع العالمي معاد له والعراق لم يتم تطهيره بعد.
ويظهر أنه ينزل في النجف، فينضم اليه جيشه الذي يأتي من المدينة.
تجري في أصحاب المهدي (عليه السلام) سنة أصحاب طالوت (عليه السلام)
في النعماني/316، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أصحاب طالوت ابتلوا بالنهر الذي قال الله تعالى: (قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ)، وإن أصحاب القائم (عليه السلام) يبتلون بمثل ذلك). ومثله غيبة الطوسي/282، وعنه إثبات الهداة: 3/516، وعنهما البحار: 52/332.
امتحان الإمام المهدي (عليه السلام) لأصحابه!
في الكافي: 8/167، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كأني بالقائم (عليه السلام) على منبر الكوفة عليه قباء، فيخرج من وريان قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب، فيفكه فيقرؤه على الناس فيجفلون عنه إجفال الغنم فلا يبقى إلا النقباء، فيتكلم بكلام فلا يلحقون ملجأ حتى يرجعوا إليه، وإني لأعرف الكلام الذي يتكلم به)!
وفي كمال الدين: 2/672، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية وهم حكام الله في أرضه على خلقه، حتى يستخرج من قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب، عهدٌ معهودٌ من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيجفلون عنه إجفال النعم البُكم فلا يبقى منهم إلا الوزير وأحد عشر نقيباً، كما بقوا مع موسى بن عمران (عليه السلام) فيجولون في الأرض ولا يجدون عنه مذهباً فيرجعون إليه، والله إني لأعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به)! وفي/494، بعضه، وعنه البحار: 19/320، و: 52/326، وفي/352، وإثبات الهداة: 3/450، عن الكافي.
وفي البحار: 52/389، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يقضي القائم بقضايا ينكرها بعض أصحابه ممن قد ضرب قدامه بالسيف، وهو قضاء آدم (عليه السلام) فيقدمهم فيضرب أعناقهم! ثم يقضي الثانية فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف وهو قضاء داود (عليه السلام) فيقدمهم فيضرب أعناقهم! ثم يقضي الثالثة فينكرها قوم
آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف، وهو قضاء إبراهيم (عليه السلام) فيقدمهم فيضرب أعناقهم! ثم يقضي الرابعة وهو قضاء محمد (صلى الله عليه وآله) فلا ينكرها أحد عليه). وإثبات الهداة: 3/585.
أقول: يبدو أن هذا الامتحان لأصحابه (عليه السلام) لمدى يقينهم بالله تعالى، وهدايته للإمام المهدي (عليه السلام)، وأنه كجده (صلى الله عليه وآله) لا ينطق عن الهوى. وأن وقت هذا الامتحان يكون في العراق في المرحلة الثانية من حركته (عليه السلام).
ومعنى قضائه (عليه السلام) بقضاء آل داود، أي يقضي بالواقع الذي طلب داود (عليه السلام) من الله تعالى أن يريه إياه، فأراه منه نموذجاً وأمره أن يقضي بالظاهر. وكذلك أمر نبينا (صلى الله عليه وآله) أن يقضي بين الناس بالبينات والأيْمان. أما الإمام المهدي (عليه السلام) فيأمره أن يقضي بالواقع ولا يحتاج إلى بينه، ولا بد أن يكون أصحابه الذين لا يتحملون الحكم بالواقع غير الثلاث مئة وثلاثة عشر. ويكون عمله هذا تدريباً للناس على تقبل قضائه بالواقع.
4 - أصحاب الإمام (عليه السلام) الذين يُحْيَوْنَ من قبورهم
بعض المؤمنين يُخْبَرون في قبورهم بظهور الإمام (عليه السلام)
دلائل الإمامة/257، عن سيف بن عميرة قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): المؤمن ليخبر في قبره فإذا قام القائم، فيقال له: قد قام صاحبك، فإن أحببت أن تلحق به فالحق، وإن أحببت أن تقيم في كرامة الله فأقم).
وفي غيبة الطوسي/276، عن المفضل بن عمر قال: ذكرنا القائم (عليه السلام) ومن مات من أصحابنا تنتظره، فقال لنا أبو عبد الله (عليه السلام): إذا قام أتي المؤمن في قبره، فيقال له: يا هذا إنه قد ظهر صاحبك، فإن تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم). ومثله الخرايج: 3/1166، عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، ومنتخب الأنوار/36، عن الراوندي. وعنه إثبات الهداة: 3/515، وفي/574، عن مناقب فاطمة وولدها. والإيقاظ/271، والبحار: 53/91.
دلائل الإمامة/248، عن المفضل بن عمر: قال أبو عبد الله: يا مفضل، أنت وأربعة وأربعون رجلاً تحشرون مع القائم، أنت على يمين القائم تأمر وتنهى، والناس إذ ذاك أطوع لك منهم اليوم). وإثبات الهداة: 3/573، أوله، عن مناقب فاطمة وولدها.
وفي رجال الكشي/402، عن أبي عبد الله البرقي رفعه قال: نظر أبو عبد الله (عليه السلام) إلى داود الرقي وقد ولى، فقال: من سره أن ينظر إلى رجل من أصحاب القائم (عليه السلام) فلينظر إلى هذا. وقال في موضع آخر: أنزلوه فيكم بمنزلة المقداد رحمه الله). وخلاصة العلامة/67، ملخصاً، وفي التحرير الطاووسي/98: ورد في مدحه حديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) يأمرهم بأن ينزلوه منه منزلة المقداد من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحديث يشهد بأنه من أصحاب القائم.
وفي الكشي/217، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كأني بعبد الله بن شريك العامري عليه عمامة سوداء وذؤابتاه بين كتفيه، مصعداً في لحف الجبل بين يدي قائمنا أهل البيت في أربعة آلاف مكرون يكبرون). ورجال ابن داود/206، ومجمع الرجال: 4/5. الخ.
رجعة 27 رجلاً إلى الدنيا لنصرة الإمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)
في تفسير العياشي: 2/32، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام قائم آل محمد استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أصحاب الكهف، ويوشع وصي موسى، ومؤمن آل فرعون، وسلمان الفارسي، وأبا دجانة الأنصاري، ومالك الأشتر). ودلائل الإمامة/247، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله.. كما في العياشي، وفيه: إذا ظهر القائم من ظهر هذا البيت بعث الله معه سبعة وعشرين..).
وفي الإرشاد/365: (وروى المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يخرج مع القائم (عليه السلام) من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً خمسة عشر من قوم موسى (عليه السلام) الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون وسلمان، وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه
أنصاراً وحكاماً). وعنه مجمع البيان: 2/489، وروضة الواعظين: 2/266، وإعلام الورى/433، وكشف الغمة: 3/256، والإيقاظ /249، وإثبات الهداة: 3/528، عن إعلام الورى. الخ.
سلمان الفارسي من أنصار المهدي (عليه السلام)
دلائل الإمامة/237، عن سلمان، قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله تعالى لم يبعث نبيا ولا رسولاً إلا جعل له اثني عشر نقيباً فقلت، يا رسول الله لقد عرفت هذا من أهل الكتابين، فقال: هل علمت من نقبائي الاثني عشر الذين اختارهم للأمة من بعدي، فقلت الله ورسوله أعلم. فقال: يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فأطعته، وخلق من نوري علياً ودعاه فأطاعه، وخلق من نور علي فاطمة ودعاها فأطاعته، وخلق مني ومن علي وفاطمة الحسن ودعاه فأطاعه وخلق مني ومن علي وفاطمة الحسين ودعاه فأطاعه. ثم سمانا بخمسة أسماء من أسماءه: فالله المحمود وأنا محمد، والله العلي وهذا علي، والله الفاطر وهذه فاطمة، والله ذو الإحسان وهذا الحسن، والله المحسن وهذا الحسين. ثم خلق منا ومن نور الحسين تسعة أئمة ودعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق سماء مبنية وأرضاً مدحية ولا ملكاً ولا بشراً! وكنا نوراً نسبح الله ثم نسمع له ونطيع. فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي فلمن عرف هؤلاء فقال: من عرفهم حق معرفتهم واقتدى بهم ووالى وليهم وعادى عدوهم، فهو والله منا يرد حيث نرد، ويسكن حيث نسكن. فقلت: يا رسول الله وهل يكون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم؟ فقال: لا. فقلت: يا رسول الله: فأنى لي بهم، وقد عرفت إلى الحسين؟ قال: ثم سيد العابدين علي بن الحسين، ثم ابنه محمد الباقر علم الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم ابنه جعفر بن محمد لسان الله الصادق، ثم ابنه موسى بن جعفر الكاظم الغيظ صبراً في الله، ثم ابنه علي بن موسى الرضا لأمر الله، ثم ابنه محمد بن علي المختار لأمر الله، ثم ابنه علي بن محمد الهادي إلى الله، ثم ابنه الحسن بن علي الصامت الأمين لسر الله، ثم ابنه محمد بن
الحسن المهدي القائم بأمر الله. ثم قال: يا سلمان إنك مدركه، ومن كان مثلك، ومن تولاه هذه المعرفة فشكرت الله وقلت: وإني مؤجل إلى عهده؟ فقرأ قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً. ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً). قال سلمان فاشتد بكائي وشوقي، وقلت: يا رسول الله أبعهد منك؟ فقال إي والله الذي أرسلني بالحق، مني ومن علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة وكل من هو منا ومعنا ومضام فينا، إي والله وليحضرن إبليس له وجنوده، وكل من محض الإيمان محضاً، ومحض الكفر محضاً، حتى يؤخذ له بالقصاص والأوتار ولا يظلم ربك أحداً، وذلك تأويل هذه الآية: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ). قال: فقمت من بين يديه، وما أبالي لقيت الموت أو لقيني). والهداية الكبرى/73 و92، ومقتضب الأثر/6، وعنه إثبات الهداة: 1/708، والبحار: 25/6.
رجعة المؤمنين الذين هم أهلٌ لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام)
العياشي: 2/276، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قرأ سورة بني إسرائيل في كل ليلة جمعة لم يمت حتى يدرك القائم ويكون من أصحابه). ومثله ثواب الأعمال/133، ومجمع البيان: 6/393، وإثبات الهداة: 3/497، والبحار: 92/281، عن ثواب الأعمال، وأشار إلى مثله عن العياشي.
مختصر البصائر/32، من كتاب الواحدة، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال أميرالمؤمنين (عليه السلام): فيا عجباه وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء، يلبون زمرة زمرة بالتلبية: لبيك لبيك يا داعي الله، قد أطلوا بسكك الكوفة قد شهروا سيوفهم على عواتقهم، لَيضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم وأتباعهم من جبابرة الأولين والآخرين، حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله (عزَّ وجلَّ): (وَعَدَ اللهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)، أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحداً في عبادي، ليس عندهم تقية. وإن لي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة وأنا صاحب الرجعات والكرات وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبات، وأنا قرن من حديد، وأنا عبد الله وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله)). وعنه الإيقاظ/280 والبحار: 53/47.
وفي كتاب الزهد للحسين بن سعيد/81، عن عمار بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: منكم والله يقبل، ولكم والله يغفر، إنه ليس بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى السرور وقرة العين إلا أن تبلغ نفسه ها هنا وأومأ بيده إلى حلقه، ثم قال: إنه إذا كان ذلك واحتضر حضره رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة وعلي وجبرئيل وملك الموت (عليه السلام) فيدنو منه جبرئيل فيقول لرسول الله (صلى الله عليه وآله): إن هذا كان يحبكم أهل البيت فأحبه، فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا جبرئيل إن هذا كان يحب الله ورسوله وآل رسوله فأحبه وارفق به، ويقول جبرئيل لملك الموت: إن هذا كان يحب الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبه وارفق به، فيدنو منه ملك الموت فيقول له: يا عبد الله أخذت فكاك رقبتك، أخذت أمان برائتك، تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا؟ قال: فيوفقه الله (عزَّ وجلَّ) فيقول له: وما ذاك؟ فيقول: ولاية علي بن أبي طالب فيقول: صدقت أما الذي كنت تحذر فقد آمنك الله منه، وأما الذي كنت ترجو فقد أدركته، أبشر بالسلف الصالح مرافقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والأئمة من ولده (عليهم السلام)، ثم يسل نفسه سلاً رفيقاً، ثم ينزل بكفنه من الجنة وحنوطه حنوط كالمسك الأذفر، فيكفن ويحنط بذلك الحنوط، ثم يكسى حلة صفراء من حلل الجنة، فإذا وضع في قبره فتح الله له باباً من أبواب الجنة يدخل عليه من روحها وريحانها، ثم يفسح له عن أمامه مسيرة شهر وعن يمينه وعن يساره، ثم يقال له: نم نومة العروس على فراشها، أبشر بروح وريحان وجنة نعيم ورب غير غضبان. ثم يزور آل محمد في
جنان رضوى فيأكل معهم من طعامهم ويشرب معهم من شرابهم ويتحدث معهم في مجالسهم حتى يقوم قائمنا أهل البيت، فإذا قام قائمنا بعثهم الله فأقبلوا معه يلبون زمراً زمراً، فعند ذلك يرتاب المبطلون ويضمحل المحلون، وقليل ما يكونون. هلكت المحاضير ونجا المقربون. من أجل ذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): أنت أخي وميعاد ما بيني وبينك وادي السلام.
قال: وإذا حضر الكافر الوفاة حضره رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي والأئمة وجبرئيل وملك الموت (عليهم السلام) فيدنو منه جبرئيل فيقول: يا رسول الله إن هذا كان مبغضاً لكم أهل البيت فأبغضه فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا جبرئيل إن هذا كان يبغض الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه واعنف عليه، ويقول جبرئيل: يا ملك الموت إن هذا كان يبغض الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه واعنف عليه، فيدنو منه ملك الموت فيقول يا عبد الله أخذت فكاك رهانك، أخذت أمان براءتك، تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا؟ فيقول: لا! فيقول: أبشر يا عدو الله بسخط الله (عزَّ وجلَّ) وعذابه والنار، أما الذي كنت ترجو فقد فاتك، وأما الذي كنت تحذر فقد نزل بك، ثم يسل نفسه سلاً عنيفاً، ثم يوكل بروحه ثلاثمائة شيطان يبصقون في وجهه ويتأذى بريحه، فإذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب النار فيدخل عليه من قيحها ولهبها).
ومثله الكافي: 3/131، بتفاوت عن الإمام الصادق (عليه السلام)، والمحتضر/5، بعضه عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفيه: إن أرواح المؤمنين ترى آل محمد (عليهم السلام) في جبال رضوى فتأكل من طعامهم وتشرب من شرابهم. والإيقاظ/290 و319، بعضه، والبحار: 6/197، عن الكافي، وأشار إلى مثله عن الزهد.
عجباً كل العجب بين جمادى ورجب
ينابيع المودة/512، عن كتاب صفين للمدائني: خطب علي (عليه السلام) بعد انقضاء أمر النهروان، فذكر طرفاً من الملاحم فقال: ذلك أمر الله وهو كائن وقتاً مريحاً، فيا ابن خيره الإماء متى تنتظر، أبشر بنصر قريب من رب رحيم، فبأبي وأمي من عدة قليلة أسماؤهم في الأرض مجهولة، قد دان حينئذ ظهورهم؟!
يا عجباً كل العجب بين جمادى ورجب، من جمع شتات وحصد نبات، ومن أصوات بعد أصوات، ثم قال: سبق القضاء سبق! وقال: قال رجل من أهل البصرة إلى رجل من أهل الكوفة في جنبه: أشهد أنه كاذب! قال الكوفي: والله ما نزل علي من المنبر حتى فلج الرجل فمات من ليلته)!
وفي نهج السعادة: 3/449: ومن كلام له (عليه السلام) قال المدائني في كتاب صفين: وخطب علي (عليه السلام) بعد انقضاء أمر النهروان فذكر طرفاً من الملاحم قال: إذا كثرت فيكم الأخلاط واستولت الأنباط، دنا خراب العراق، وذاك إذا بنيت مدينة ذات أثل وأنهار فإذا غلت فيها الأسعار وشيد فيها البنيان وحكم فيها الفساق واشتد البلاء وتفاخر الغوغاء، دنا خسوف البيداء وطاب الهرب والجلاء. وستكون قبل الجلاء أمور يشيب منها الصغير ويعطب منها الكبير، ويخرس الفصيح ويبهت اللبيب! يعاجلون بالسيف صلتاً وقد كانوا قبل ذلك في غضارة من عيشهم يمرحون. فيا لها من مصيبة حينئذ من البلاء العقيم والبكاء الطويل، والويل والعويل وشدة الصريخ وفناء مريح! ذلك أمر الله وهو كائن. فيا ابن خيرة الإماء متى تنتظر، أبشر بنصر قريب من رب رحيم! ألا فويل للمتكبرين عند حصاد الحاصدين وقتل الفاسقين، عصاة ذي العرش العظيم. فبأبي وأمي من عدة قليلة أسماؤهم في السماء معروفة وفي الأرض مجهولة، قد دان حينئذ ظهورهم. ولو شئت لأخبرتكم بما يأتي ويكون من حوادث دهركم ونوائب زمانكم وبلايا أممكم وغمرات ساعاتكم لفعلت، ولكن أفضيه إلى من أفضيه إليه مخافة عليكم، ونظراً لكم علماً مني بما هو كائن وما تلقون من البلاء الشامل! ذلك عند تمرد الأشرار وطاعة أولي الخسار أوان الحتف والدمار، ذاك عند إدبار أمركم وانقطاع أصلكم وتشتت أنفسكم. وإنما يكون ذلك عند ظهور العصيان وانتشار الفسوق! حيث يكون الضرب بالسيف أهون على المؤمن من اكتساب درهم حلال! حين لا تنال المعيشة إلا بمعصية الله في سمائه! حين تسكرون من غير شراب وتحلفون من غير اضطرار، وتظلمون من غير منفعة، وتكذبون من غير إحراج!
تتفكهون بالفسوق وتبادرون بالمعصية! قولكم البهتان وحديثكم الزور وأعمالكم الغرور! فعند ذلك لا تأمنون البيات! فيا له من بيات ما أشد ظلمته، ومن صائح ما أفظع صوته؟! ذلك بيات لا يتمنى صباحه صاحبه! فعند ذلك تقتلون وبأنواع البلاء تضربون وبالسيف تحصدون والى النار تصيرون! ويعضكم البلاء كما يعض الغارب القتب!
يا عجباً كل العجب بين جمادى ورجب، من جمع أشتات وحصد نبات نومن أصوات بعدها أصوات! ثم قال (عليه السلام): سبق القضاء سبق القضاء). وشرح ابن أبي الحديد: 2/49.
وفي مصنف ابن أبي شيبة: 8/698، عن قيس بن السكن قال: قال علي على منبره: إني أنا فقأت عين الفتنة، ولو لم أكن فيكم ما قوتل فلان وفلان وفلان أهل النهر وأيم الله لولا أن تتكلوا فتدعوا العمل لحدثتكم بما سبق لكم على لسان نبيكم لمن قاتلهم مبصراً لضلالتهم عارفاً بالذي نحن عليه! قال ثم قال: سلوني فإنكم لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا حدثتكم ولا شيئها. قال: فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين حدثنا عن البلاء، فقال أمير المؤمنين: إذا سأل سائل فليعقل وإذا سئل مسؤول فليتثبت: إن من ورائكم أموراً جللاً وبلاءً مبلحاً مكلحاً، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو قد فقدتموني ونزلت كرائه الأمور وحقائق البلاء لفشل كثير من السائلين ولأطرق كثير من المسؤولين، وذلك إذا فصلت حربكم وكشفت عن ساق لها، وصارت الدنيا بلاء على أهلها حتى يفتح الله لبقية الأبرار! قال: فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين! حدثنا عن الفتنة فقال: إن الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت أسفرت، وإنما الفتن نحوم كنحوم الرياح يصبن بلداً ويخطئن آخر، فانصروا أقواماً كانوا أصحاب رايات يوم بدر ويوم حنين تنصروا وتؤجروا.
ألا إن أخوف الفتنة عندي عليكم فتنة عمياء مظلمة، خصت فتنتها وعمت بليتها، أصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء من عمي عنها، يظهر أهل باطلها على أهل
حقها حتى تملأ الأرض عدواناً وظلماً، وإن أول من يكسر عمدها ويضج جبروتها وينزع أوتادها الله رب العالمين، ألا وإنكم ستجدون أرباب سوء لكم من بعدي، كالناب الضروس تعض بفيها وتركض برجلها وتخبط بيدها وتمنع درها! ألا أنه لا يزال بلاؤهم بكم حتى لا يبقى في مصر لكم إلا نافع لهم أو غير ضار! وحتى لا يكون نصرة أحدكم منهم إلا كنصرة العبد من سيده!
وأيم الله لو فرقوكم تحت كل كوكب لجمعكم الله لشر يوم لهم! قال: فقام رجل فقال: هل بعد ذلكم جماعة يا أمير المؤمنين؟ قال: إنها جماعة شتى غير أن أعطياتكم وحجكم وأسفاركم واحد والقلوب مختلفة هكذا ثم شبك بين أصابعه! قال: مم ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: يقتل هذا هذا! فتنة فظيعة جاهلية ليس فيها إمام هدى ولا علم يرى، نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا بدعاة. قال: وما بعد ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: يفرج الله البلاء برجل من أهل البيت تفريج الأديم، بأبي ابن خبره يسومهم الخسف، ويسقيهم بكأس مصبره، ودت قريش بالدنيا وما فيها لو يقدرون على مقام جزر وجزور لأقبل منهم بعض الذي أعرض عليهم اليوم، فيردونه ويأبى إلا قتلاً). وفي لسان العرب: 12/394، والنهاية لابن الأثير: 3/200: وأصل العذم العض، ومنه حديث على: كالناب الضروس تعذم يفيها وتخبط بيدها).
وروى الشريف الرضي رحمه الله في نهج البلاغة: 1/182، بعضه، قال: ومن خطبة له (عليه السلام): أما بعد أيها الناس فأنا فقأت عين الفتنة ولم تكن ليجرأ عليها أحد غيري بعد أن ماج غيهبها واشتد كلبها. فاسألوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها ومناخ ركابها ومحط رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلاً ومن يموت منهم موتاً! ولو قد فقدتموني ونزلت بكم كرائه الأمور وحوازب الخطوب لأطرق كثير من السائلين وفشل كثير من المسؤولين. وذلك إذا قلصت حربكم وشمرت عن ساق، وضاقت الدنيا عليكم ضيقاً تستطيلون معه أيام البلاء عليكم حتى يفتح الله لبقية
الأبرار منكم. إن الفتن إذا أقبلت شبَّهَتْ وإذا أدبرت نبهت، يُنكرن مقبلات ويُعرفن مدبرات، يَحُمْنَ حول الرياح يصبن بلداً ويخطئن بلداً. ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية فإنها فتنة عمياء مظلمة عمت خطتها وخصت بليتها، وأصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء من عمي عنها! وأيم الله لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء بعدي كالناب الضروس تعذم بفيها وتخبط بيدها وتزبن برجلها وتمنع درها! لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعاً لهم أو غير ضائر بهم، ولا يزال بلاؤهم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبد من ربه والصاحب من مستصحبه! ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية وقطعاً جاهلية، ليس فيها منار هدى ولا علم يرى، نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة. ثم يفرجها الله عنكم كتفريج الأديم بمن يسومهم خسفاً ويسوقهم عنفاً ويسقيهم بكأس مصبرة، لا يعطيهم إلا السيف ولا يحلسهم إلا الخوف! فعند ذلك تود قريش بالدنيا وما فيها لو يرونني مقاماً واحداً ولو قدر جزر جزور لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطونني).
* * *
5 - للإمام المهدي أنصار من الكواكب الأخرى
البصائر/490، عن هشام الجواليقي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لله مدينة خلف البحر سعتها مسيرة أربعين يوماً، فيها قوم لم يعصوا الله قط، ولا يعرفون إبليس ولا يعلمون خلق إبليس، نلقاهم في كل حين فيسألوننا عما يحتاجون إليه ويسألوننا الدعاء فنعلمهم، ويسألوننا عن قائمنا حتى يظهر، وفيهم عبادة واجتهاد شديد، ولمدينتهم أبواب ما بين المصراع إلى المصراع مائة فرسخ، لهم تقديس واجتهاد شديد لو رأيتموهم لاحتقرتم عملكم! يصلي الرجل منهم شهراً لا يرفع رأسه من سجوده! طعامهم التسبيح ولباسهم الورق، ووجوههم مشرقة بالنور! إذا رأوا منا واحداً لحسوه واجتمعوا إليه وأخذوا من أثره إلى الأرض يتبركون به لهم دوي إذا صلوا أشد من دوي الريح العاصف، فيهم جماعة لم يضعوا السلاح منذ كانوا ينتظرون قائمنا، يدعون أن يريهم إياه وعمر أحدهم ألف سنة. إذا رأيتهم رأيت الخشوع والاستكانة وطلب ما يقربهم إليه! إذا حبسنا ظنوا أن ذلك من سخط يتعاهدون الساعة التي نأتيهم فيها لا يسأمون ولا يفترون، يتلون كتاب الله كما علمناهم، وإن فيما نعلمهم ما لو تلي على الناس لكفروا به ولأنكروه! يسألوننا عن الشيء إذا ورد عليهم من القرآن ولا يعرفونه، فإذا أخبرناهم به انشرحت صدورهم لما يسمعون منا، ويسألون الله طول البقاء وأن لا يفقدونا، ويعلمون أن المنة من الله عليهم فيما نعلمهم عظيمة. ولهم خرجة مع الإمام إذا قاموا يسبقون فيها أصحاب السلاح منهم، ويدعون الله أن يجعلهم ممن ينتصر به لدينهم، فيهم كهول وشبان، وإذا رأى شاب منهم الكهل جلس بين يديه جلسة العبد لا يقوم حتى يأمره. لهم طريق هم أعلم به من الخلق إلى حيث يريد الإمام، فإذا أمرهم الإمام بأمر قاموا أبداً حتى يكون هو الذي يأمرهم بغيره، لو أنهم وردوا على ما بين المشرق والمغرب من
الخلق لأفنوهم في ساعة واحدة، لا يعمل الحديد فيهم ولهم سيوف من حديد غير هذا الحديد، لو ضرب أحدهم بسيفه جبلاً لقده حتى يفصله، يغزو بهم الإمام الهند والديلم والكرك والترك والروم وبربر، وما بين جابرسا إلى جابلقا، وهما مدينتان واحدة بالمشرق وأخرى بالمغرب، لا يأتون على أهل دين إلا دعوهم إلى الله وإلى الإسلام وإلى الإقرار بمحمد (صلى الله عليه وآله) ومن لم يسلم قتلوه، حتى لا يبقى بين المشرق والمغرب وما دون الجبل أحد إلا أقر). وعنه المحتضر/103، وإثبات الهداة: 3/522، ومختصر البصائر/10، بتفاوت وعنه البرهان: 1/48، ومثله تبصرة الولي/97، والبحار: 27/41 و57/332.
نقد مقولة أن الإمام (عليه السلام) ينتظر وجود أصحابه
إن ظهور الإمام المهدي صلوات الله عليه من أمر الله المحتوم، وهو مرحلة كبرى في خطته (عزَّ وجلَّ) لحياة آدم (عليه السلام) وأبنائه على الأرض، وتوقيته وظروفه من تقدير الله تعالى في أصل خطة الكون، وقد أخبرنا بواسطة نبيه وآله (صلى الله عليه وآله) بصفاته وعلاماته وأن ظهوره كالساعة يأتيكم بغتة، وأنه تعالى قدَّر له أصحاباً خاصين يوافونه من أقاصي الأرض بمعجزة في ليلة واحدة، هم وزراؤه وحواريوه، وهذا لا يعني أن ظهوره (عليه السلام) متوقف عليهم وأنه (عليه السلام) ينتظر أن يولدوا أو يوجدوا، وأنهم لو كانوا قبل قرون لظهر من يوم وجودهم، بل هم أصحاب خاصون يكونون في عصرهم، ولظهوره (عليه السلام) وقتٌ لا يُقرِّبه عجلة المستعجلين، ولا يُؤخره كُرْه الكارهين!
ولعل أصل شبهة أن الإمام (عليه السلام) ينتظر أصحابه، جاء من بعض الأحاديث المتشابهة كالذي رواه النعماني/203، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه دخل عليه بعض أصحابه فقال له: جعلت فداك إني والله أحبك وأحب من يحبك يا سيدي ما أكثر شيعتكم، فقال له: أذكرهم، فقال: كثير، فقال: تحصيهم؟ فقال: هم أكثر من ذلك، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه ولا شحناؤه بدنه ولا يمدح بنا معلناً، ولا
يخاصم بنا قالياً، ولا يجالس لنا عايباً، ولا يحدث لنا ثالباً، ولا يحب لنا مبغضاً، ولا يبغض لنا محباً. فقلت فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنهم يتشيعون؟ فقال: فيهم التمييز وفيهم التمحيص وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم وسيف يقتلهم واختلاف يبددهم! إنما شيعتنا من لا يهر هرير الكلب، ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل الناس بكفه وإن مات جوعاً، قلت جعلت فداك فأين أطلب هؤلاء الموصوفين بهذه الصفة؟ فقال: أطلبهم في أطراف الأرض، أولئك الخفيض عيشهم، المنتقلة دارهم، الذين إن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن خطبوا لم يزوجوا، وإن ماتوا لم يشهدوا، أولئك الذين في أموالهم يتواسون، وفي قبورهم يتزاورون، ولا تختلف أهواؤهم وإن اختلفت بهم البلدان). ونحوه في/204، وفيه: وإن رأوا مؤمناً أكرموه، وإن رأوا منافقاً هجروه، وعند الموت لا يجزعون وفي قبورهم يتزاورون). وعنه البحار: 68/164.
لكن قول الإمام الصادق (عليه السلام): (أمَا لو كمُلت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون.. ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه.. الخ). إنما يدل على علاقة بين ظهوره (عليه السلام) واكتمال عددهم، ولا يمكن الحكم بأنها علاقة سببية، فقد تكون علاقة في التقدير، وتكون السببية في الظهور وليس في الأصحاب.
فالإمام الصادق (عليه السلام) ليس في مقام بيان نوع العلاقة، بل في مقام موعظة الشيعة ليرفعوا مستوى إيمانهم، وأن الأصحاب الذين يظهر فيهم المهدي (عليه السلام) من مستوى أرقى من معاصريه، المدعين استعداهم لنصرته (عليه السلام).
* * *
وقد كانت هذه الشبهة في أذهان المخالفين، فكانوا يتصورون أن الشيعة وإمامهم ينتظرون وجود313 مؤمناً كاملي الإيمان حتى يظهر إمامهم!
ففي رسائل في الغيبة للمفيد رحمه الله: 3/11: (قال الشيخ المفيد رحمه الله: حضرت مجلس رئيس من الرؤساء فجرى كلام في الإمامة فانتهى إلى القول في الغيبة، فقال صاحب
المجلس: أليست الشيعة تروي عن جعفر بن محمد: أنه لو اجتمع للإمام عدة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً لوجب عليه الخروج بالسيف؟
فقلت: قد روي هذا الحديث. قال: أو لسنا نعلم يقيناً أن الشيعة في هذا الوقت أضعاف عدة أهل بدر، فكيف يجوز للإمام الغيبة مع الرواية التي ذكرناها؟ فقلت له: إن الشيعة وإن كانت في وقتنا كثيراً عددها حتى تزيد على عدة أهل بدر أضعافاً مضاعفة، فإن الجماعة التي عدتهم عدة أهل بدر إذا اجتمعت فلم يسع الإمام التقية ووجب عليه الظهور، لم تجتمع في هذا الوقت ولا حصلت في هذا الزمان بصفتها وشروطها. وذلك أنه يجب أن يكون هؤلاء القوم معلوم من حالهم الشجاعة والصبر على اللقاء والإخلاص في الجهاد وإيثار الآخرة على الدنيا، ونقاء السرائر من العيوب وصحة العقول، وأنهم لا يهنون ولا ينتظرون عند اللقاء ويكون العلم من الله تعالى بعموم المصلحة في ظهورهم بالسيف. وليس كل الشيعة بهذه الصفة، ولو علم الله تعالى أن في جملتهم العدد المذكور على ما شرطناه، لَظَهَر الإمام لا محالة ولم يغب بعد اجتماعهم طرفة عين، لكن المعلوم خلاف ما وصفناه، فلذلك ساغ للإمام الغيبة على ما ذكرناه.
قال: ومن أين لنا أن شروط القوم على ما ذكرت، وإن كانت شروطهم هذه فمن أين لنا أن الأمر كما وصفت؟ فقلت: إذا ثبت وجوب الإمامة وصحت الغيبة لم يكن لنا طريق إلى تصحيح الخبر إلا بما شرحناه، فمن حيث قامت دلائل الإمامة والعصمة وصدق الخبر حكمنا بما ذكرناه.
ثم قلت: ونظير هذا الأمر ومثاله ما علمناه من جهاد النبي (صلى الله عليه وآله) أهل بدر بالعدد اليسير الذين كانوا معه وأكثرهم أعزل راجل، ثم قعد عليه وآله السلام في عام الحديبية ومعه من أصحابه أضعاف أهل بدر في العدد، وقد علمنا أنه (صلى الله عليه وآله) مصيبٌ في الأمرين جميعاً، وأنه لو كان المعلوم من أصحابه في عام الحديبية ما كان المعلوم منهم في حال بدر لما وسعه القعود والمهادنة، ولوجب عليه الجهاد كما
وجب عليه قبل ذلك ولو وجب عليه ما تركه لما ذكرناه من العلم بصوابه وعصمته على ما بيناه. فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يوحى إليه فيعلم بالوحي العواقب ويعرف الفرق من صواب التدبير وخطئه بمعرفة ما يكون، فمن قال في علم الإمام بما ذكرت وما طريق معرفته بذلك؟
فقلت له: الإمام عندنا معهود إليه، موقَفٌ على ما يأتي وما يذكر، منصوب له أمارات تدله على العواقب في التدبيرات والصالح في الأفعال، وإنما حصل له العهد بذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله) الذي يوحى إليه ويطلع على علم السماء، ولو لم نذكر هذا الباب واقتصرنا على أنه متعبد في ذلك بغلبة الظن وما يظهر له من الصلاح لكفى وأغنى. وقام مقام الإظهار على التحقيق كائنا ما كان بلا ارتياب، لا سيما على مذهب المخالفين في الاجتهاد. وقولهم في رأي النبي (صلى الله عليه وآله) وإن كان المذهب ما قدمناه. فقال: لمَ لا يظهر الإمام وإن أدى ظهوره إلى قتله فيكون البرهان له والحجة في إمامته أوضح، ويزول الشك في وجوده بلا ارتياب؟
فقلت: إنه لا يجب ذلك عليه كما لا يجب على الله تعالى معاجلة العصاة بالنقمات وإظهار الآيات في كل وقت متتابعات، وإن كنا نعلم أنه لو عاجل العصاة لكان البرهان على قدرته أوضح، والأمر في نهيه أوكد، والحجة في قبح خلافه أبين، ولكان بذلك الخلق عن معاصيه أزجر، وإن لم يجب ذلك عليه ولا في حكمته وتدبيره لعلمه بالمصلحة فيه على التفضيل، فالقول في الباب الأول مثله على أنه لا معنى لظهور الإمام في وقت يحيط العلم فيه بأن ظهوره منه فساد وأنه لا يؤول إلى إصلاح، وإنما يكون ذلك حكمة وصواباً إذا كانت عاقبته الصلاح. ولو علم (عليه السلام) أن في ظهوره صلاحاً في الدين مع مقامه في العالم أو هلاكه وهلاك جميع شيعته وأنصاره لما أبقاه طرفة عين، ولا فتر عن المسارعة إلى مرضاة الله جل اسمه، لكن الدليل على عصمته كاشف عن معرفته لرد هذه الحال عند ظهوره في هذا الزمان بما قدمناه من ذكر العهد إليه، ونصب الدلائل والحد والرسم المذكورين له في الأفعال.
فقال: لعمري إن هذه الأجوبة على الأصول المقررة لأهل الإمامة مستمرة، والمنازع فيها بعد تسليم الأصول لا ينال شيئا ولا يظفر بطائل). انتهى.
أقول: قد يكون جواب المفيد رحمه الله مجاراة لذلك الرجل، أما إن قَصَدَ أن الإمام (عليه السلام) هو الذي يعين وقت ظهوره وأنه ينتظر وجود هؤلاء الأصحاب، فلا يصح، لأن الله تعالى يتولى أمره بالكامل ومن أهمه تعيين وقت ظهوره، وقد نصت على ذلك أحاديث كثيرة، ومنها أنه (عليه السلام) يؤذن له فيدعو ويبدأ ظهوره.
فالأصح الجواب بما رواه الصدوق رحمه الله في أماليه/539، وخلاصته: أن رجلاً مهموماً جاء إلى الإمام زين العابدين (عليه السلام) وشكى له فقره وديناً أثقله فلم يكن عند الإمام (عليه السلام) مال لأن الوليد كان صادر أمواله، فأعطاه قرصيه قوت يومه وأمره أن يذهب إلى السوق ويشتري بهما شيئاً، فوجد سمكتين غير مرغوبتين فاشتراهما فوجد في جوفها لؤلؤتين ثمينتين: (وباع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضى منه دينه وحسنت بعد ذلك حاله. فقال بعض المخالفين: ما أشد هذا التفاوت! بينا علي بن الحسين لا يقدر أن يسد منه فاقة إذ أغناه هذا الغناء العظيم كيف يكون هذا وكيف يعجز عن سد الفاقة من يقدر على هذا الغناء العظيم؟ فقال الإمام السجاد (عليه السلام): هكذا قالت قريش للنبي (صلى الله عليه وآله): كيف يمضي إلى بيت المقدس ويشاهد ما فيه من آثار الأنبياء (عليهم السلام) من مكة ويرجع إليها في ليلة واحدة مَن لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلا في اثني عشر يوماً وذلك حين هاجر منها! ثم قال (عليه السلام): جهلوا والله أمر الله وأمر أوليائه معه! إن المراتب الرفيعة لا تنال إلا بالتسليم لله جل ثناؤه وترك الاقتراح عليه والرضا بما يدبرهم به! إن أولياء الله صبروا على المحن والمكاره صبراً لمَّا يساوهم فيه غيرهم، فجازاهم الله (عزَّ وجلَّ) عن ذلك بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم، لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريده لهم)!
أقول: يدل ذلك على أن إرادة المعصوم (عليه السلام) في هذا النوع من الأعمال تابعة لإرادة
الله تعالى، وأنه لا يتصرف من نفسه ولا يستعمل ولايته التكوينية بل ينتظر الإذن والأمر من الله تعالى! فالأصل عنده أن يعمل ويعيش بالأسباب العادية، إلا إذا أبلغه الله تعالى بهاتف أو إلهام أو أي طريق، أن يعمل شيئاً آخر أو يدعوه بشيء! وهذا معنى تفوق النبي وآله (صلى الله عليه وآله) على غيرهم بأنهم لم يقترحوا على ربهم (عزَّ وجلَّ) شيئاً. وظهوره (عليه السلام) من أهم الأمور التي لا يتقدم فيها أمر الله تعالى.
شبهة أن ظهوره متوقف على امتلاء الدنيا جوراً
كما توجد شبهة أخرى تقول: إن ظهوره (عليه السلام) لم يأت أوانه لأنه يكون بعد أن تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً، ومعناه أنه لا يبقى خير في الأرض ولا عدل!
وجوابها: أن امتلاء الأرض جوراً وظلماً أمر عرفي، وقد امتلأت في عصرنا وقبله ظلماً وجوراً حتى بحارها وأجواؤها! بل امتلأت من قديم، لقوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41) وامتلأت من عصر الإمام الصادق (عليه السلام) بشهادته التي رواها في الكافي: 3/536 عن بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يا بريد لا والله ما بقيت لله حرمة إلا انتهكت، ولا عمل بكتاب الله ولا سنة نبيه في هذا العالم، ولا أقيم في هذا الخلق حد منذ قبض الله أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، ولا عمل بشيء من الحق إلى يوم الناس هذا! ثم قال: أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ويميت الأحياء ويرد الله الحق إلى أهله ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيه، فأبشروا ثم أبشروا ثم أبشروا فوالله ما الحق إلا في أيديكم). والتهذيب: 4/97، والبحار: 41/127.
هل صحيح أن أصحاب المهدي (عليه السلام) أكثرهم من غير العرب؟
ورد في مصادر السنة والشيعة أن أصحاب المهدي (عليه السلام) أكثرهم من الشباب، ففي
ملاحم ابن المنادي/64، عن علي (عليه السلام) أنه قال: (ولولا أن تستعجلوا وتستأخروا القدر لأمر قد سبق في البشر، لحدثتكم بشباب من الموالي وأبناء العرب، ونبذ من الشيوخ كالملح في الزاد وأقل الزاد الملح). وروى النعماني في الغيبة/315، عن أبي يحيى حكيم بن سعد قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول: (إن أصحاب المهدي القائم شباب لا كهول فيهم إلا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد، وأقل الزاد الملح). وغيبة الطوسي/284 كالنعماني، وعنه إثبات الهداة: 3/517، والبحار: 52/333. وفي تاج المواليد/151: (من النجباء والأبدال والأخيار، كلهم شاب لا كهل فيهم). انتهى. والمقصود بأصحابه هنا: الأصحاب والوزراء الخاصون، الثلاث مئة وثلاثة عشر.
وذكر بعض علماء السنة أن جميع أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) من الموالي وليس فيهم عربي! قال ابن عربي في فتوحاته المكية: 3/328: (وهم على أقدام رجال من الصحابة، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وهم من الأعاجم ما فيهم عربي لكن لا يتكلمون إلا بالعربية، لهم حافظ ليس من جنسهم ما عصى الله قط، هو أخص الوزراء وأفضل الأمناء، فأعطاهم الله في هذه الآية التي اتخذوها هجيراً وفي ليلهم سميراً، أفضل علم الصدق حالاً وذوقاً فعلموا إن الصدق سيف الله في الأرض، ما قام بأحد ولا اتصف به إلا نصره الله لأن الصدق نعته والصادق اسمه، فنظروا بأعين سليمة من الرمد وسلكوا بأقدام ثابتة في سبيل الرشد، فلم يروا الحق قيد مؤمناً من مؤمن، بل أوجب على نفسه نصر المؤمنين). انتهى.
وروى ابن ماجة: 2/1369، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله): إذا وقعت الملاحم بعث الله بعثاً من الموالي هم أكرم العرب فرساً وأجوده سلاحاً، يؤيد الله بهم الدين.
وفي الحاكم: 4/548 وصححه على شرط بخاري، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله): إذا وقعت الملاحم خرج بعث من الموالي من دمشق هم أكرم العرب فرساً وأجوده سلاحاً، يؤيد الله بهم الدين). انتهى.
وفي مصادرنا: روى الطوسي في الغيبة/284، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: إتق العرب فإن لهم خبر سوء، أما إنه لا يخرج مع القائم منهم واحد). وعنه إثبات الهداة: 3/517، والبحار: 52/333. ولكنها معارضة بالروايات الكثيرة وبعضها صحيح عن حركة اليماني ونجباء مصر وأبدال الشام وعصائب العراق وغيرهم، وهي تنص على أنهم من أصحاب المهدي الخاصين وأنصاره. نعم هم قليلون بالنسبة إلى عدد العرب الكثير، كما رود عن الإمام الصادق (عليه السلام) في الكافي: 1/370، قال: ويل لطغاة العرب من أمر قد اقترب، قلت: جعلت فداك كم مع القائم من العرب؟ قال نفر يسير، قلت: والله إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير، قال: لابد للناس من أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا ويستخرج في الغربال خلق كثير).
* * *
أحاديث لم يثبت سندها تُسَمِّي أصحابه (عليه السلام) وبلدانهم
توجد أربع روايات تسمي أصحاب المهدي (عليه السلام) أو بلدانهم، لكن لم يصح سندها.
الرواية الأولى: في دلائل الإمامة/311، قال أبو حسان سعيد بن جناح عن محمد بن مروان الكرخي قال: حدثنا عبد الله بن داود الكوفي عن سماعة بن مهران قال: سأل أبو بصير الصادق عن عدة أصحاب القائم فأخبره بعدتهم ومواضعهم، فلما كان العام القابل قال عدت إليه فدخلت فقلت: ما قصة المرابط السائح قال: هو رجل من أصبهان من أبناء دهاقينها له عمود فيه سبعون منا لا يقلُّهُ غيره، يخرج من بلده سياحاً في الأرض وطلب الحق فلا يخلو بمخالف إلا أراح منه، ثم إنه ينتهي إلى طازبند وهو الحاكم بين أهل الإسلام، فيصيب بها رجلاً من النصاب يتناول أمير المؤمنين ويقيم بها حتى يسرى به. وأما الطوَّاف لطلب الحق فهو رجل من أهل يخشب وقد كتب الحديث وعرف الاختلاف بين الناس فلا يزال يطوف بالبلدان لطلب العلم حتى يعرف صاحب الحق فلا يزال كذلك حتى يأتيه الأمر وهو يسير من الموصل إلى الرها فيمضي حتى يوافي مكة.
وأما الهارب من عشيرته ببلخ فرجل من أهل المعرفة لا يزال يعلن أمره يدعو الناس إليه وقومه وعشيرته، فلا يزال كذلك حتى يهرب منهم إلى الأهواز فيقيم في بعض قراها حتى يأتيه أمر الله فيهرب منهم. وأما المتخلي بصقلية، فإنه رجل من أبناء الروم من قرية يقال يسلم فيبنوا من الروم، ولا يزال يخرج إلى بلد الإسلام يجول بلدانها وينتقل من قرية إلى قرية ومن مقالة إلى مقالة حتى يمن الله عليه بمعرفة هذا الأمر الذي أنتم عليه، فإذا عرف ذلك وأيقنه أيقن أصحابه فدخل صقلية مع عبد الله حتى يسمع الصوت فيجيبه.
وأما الهاربان إلى السروانية من الشعب رجلان أحدهما من أهل مدائن العراق والآخر من حبايا بجرجان إلى مكة، فلا يزالان يتجران فيها ويعيشان حتى يتصل متجرهما بقرية يقال لها الشعب فيصيران إليها ويقيمان بها حيناً من الدهر فإذا عرفهما أهل الشعب آذوهما وأفسدوا كثيراً من أمرهما فيقول أحدهما لصاحبه يا أخي إنا قد أوذينا في بلادنا حتى فارقنا مكة، ثم خرجنا إلى الشعب ونحن نرى أن أهلها ثائرة علينا من أهل مكة وقد بلغوا بنا ما ترى، فلو سرنا في البلاد حتى يأتي أمر الله من عدل أو فتح أو موت يريح، فيتجهزان ويخرجان إلى برقة ثم يتجهزان ويخرجان إلى سروانة ولا يزالان بها إلى الليلة التي يكون بها أمر قائمنا.
وأما التاجران الخارجان من عانة إلى أنطاكية فهما رجلان يقال لأحدهما مسلم وللآخر سليم ولهما غلام أعجمي يقال له سلمونة، يخرجون جميعاً في رفقة من التجار يريدون أنطاكية فلا يزالون يسيرون في طريقهم حتى إذا كان بينهم وبين أنطاكية أميال يسمعون الصوت فينصتون نحوه كأنهم لم يعرفوا شيئاً غير ما صاروا إليه من أمرهم ذلك الذي دعوا إليه، ويذهلون عن تجارتهم ويصبح القوم الذين كانوا معهم من رفاقتهم وقد دخلوا أنطاكية فيفقدونهم فلا يزالون يطلبونهم فيرجعون ويسألون عنهم من يلقون من الناس فلا يقعون على أثر ولا يعلمون لهم خبراً، فيقول القوم بعضهم لبعض هل تعرفون منازلهم فيقول بعضهم نعم، ثم يبيعون ما كان معهم من التجارة ويحملون إلى أهاليهم ويقتسمون مواريثهم، فلا يلبثون بعد ذلك إلا ستة أشهر حتى يوافوا إلى أهاليهم على مقدمة القائم فكأنهم لم يفارقوهم.
وأما المستأمنة من المسلمين إلى الروم فهم قوم ينالهم أذى شديد من جيرانهم وأهاليهم ومن السلطان، فلا يزال ذلك بهم حتى أتوا ملك الروم فيقصون عليه قصتهم ويخبرونه بما هم من أذى قومهم وأهل ملتهم، فيؤمنهم ويعطيهم أرضاً من أرض قسطنطينية فلا يزالون بها حتى إذا كانت الليلة التي يسرى بهم فيها ويصبح جيرانهم وأهل الأرض التي كانوا بها قد فقدوهم، فيسألون عنهم
أهل البلاد فلا يحسوا(ن) لهم أثراً ولا يسمعون لهم خبراً، ويخبرون ملك الروم بأمرهم وأنهم فقدوا فيوجه في طلبهم ويستقصى آثار هم وأخبارهم فلا يعود مخبر لهم يخبر، فيغتم طاغية الروم غماً شديداً ويطالب جيرانهم بهم ويحبسهم ويلزمهم إحضارهم ويقول: ما قدمتم على قوم آمنتهم وأوليتهم جميلاً! ويوعدهم القتل إن لم يأتوا بهم ويخبرهم وإلى أين صاروا، فلا يزال أهل مملكته في أذية ومطالبة ما بين معاقب ومحبوس ومطلوب، حتى يسمع بما هم فيه راهب قد قرأ الكتب فيقول لبعض من يحدثه حديثهم إنه ما بقي في الأرض أحد يعلم علم هؤلاء القوم غيري وغير رجل من يهود بابل، فيسألونه عن أحوالهم فلا يخبر أحداً من الناس حتى يبلغ ذلك الطاغية، فيوجه في حمله إليه فإذا حضره قال الملك: قد بلغني ما قلت، وقد ترى ما أنا فيه فأصدقني! إن كانوا مرتابين قتلت بهم من قتلهم ويخلص من سواهم من التهمة. قال الراهب: لا تعجل أيها الملك ولا تحزن على القوم، فإنهم لن يقتلوا ولن يموتوا ولا حدث بهم حدث يكرهه الملك، ولا هم ممن يرتاب بأمرهم ونالتهم غيلة، ولكن هؤلاء قوم حملوا من أرض الملك إلى أرض مكة إلى ملك الأمم، وهو الأعظم الذي تبشر به وتحدث عنه وتعد ظهوره وعدله وإحسانه. قال له الملك: من أين لك هذا؟ قال ما كنت لأقول إلا حقا، فإنه عندي في كتاب قد أتى عليه أكثر من خمسمائة سنة يتوارثه العلم آخر عن أول، فيقول له الملك: فإن كان ما نقول حقاً وكنت فيه صادقاً فأحضر الكتاب فيمضي في إحضاره ويوجه الملك معه نفراً من ثقاته فلا يلبث حتى يأتيه بالكتاب فيقرؤه فإذا فيه صفة القائم واسمه واسم أبيه وعدة أصحابه وخروجهم، وأنهم سيظهرون على بلاده فقال له الملك: ويحك أين كنت عن إخباري بهذا إلى اليوم؟ قال: لولا ما تخوفت إنه يدخل على الملك من الإثم في قتل قوم براء ما أخبرته بهذا العلم حتى يراه بعينه ويشاهده بنفسه. قال: أو تراني أراه؟ قال: نعم لا يحول الحول حتى تطأ خيله أواسط بلادك ويكون هؤلاء القوم أدلاء على مذهبكم، فيقول له الملك: أفلا أوجه إليهم من يأتيني بخبر منهم وأكتب إليهم كتاباً؟ قال له الراهب: أنت صاحبه الذي تسلم إليه وستتبعه وتموت فيصلي عليك رجل من أصحابه! والنازلون بسرانديب وسمندار أربعة رجال من تجار أهل فارس يخرجون عن تجاراتهم فيستوطنون سرانديب وسمندار حتى يسمعون الصوت ويمضون إليه! والمفقود من مركبه بسلاقط رجل من يهود أصبهان يخرج من سلاقط قافلة فبينا هو يسير في البحر في جوف الليل، إذ نودي فيخرج من المركب في أعلى الأرض أصلب من الحديد وأوطأ من الحرير، فيمضي الربان إليه وينظر إليه وينظر فينادي أدركوا صاحبكم فقد غرق فيناديه الرجل لا بأس عليَّ إني على جدد، فيحال بينهم وبينه وتطوى له الأرض فيوافي القوم حينئذ مكة لا
يتخلف منهم أحداً). وفي ملاحم ابن طاووس/201، عن كتاب يعقوب بن نعيم قرقارة الكاتب لأبي يوسف قال: وحدثنا أحمد بن محمد الأسدي، عن محمد بن مروان، عن عبد الله بن حماد، عن سماعة بن مهران قال: قال أبو بصير سألت جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أصحاب القائم (عليه السلام) فأخبرني بمواضعهم وعدتهم فلما كان العام الثاني عدت إليه فقلت: جعلت فداك ما قصة المرابط والسياح؟ قال: - كما في دلائل الإمامة بتفاوت. والمحجة/34، كما في دلائل الإمامة، عن مسند فاطمة (عليها السلام) للطبري. وبشارة الإسلام/202، عن المحجة.
الرواية الثانية في دلائل الإمامة/307: حدثني أبو الحسين محمد بن هارون قال حدثنا أبي هارون بن موسى بن أحمد قال حدثنا أبو علي الحسن بن محمد النهاوندي قال حدثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبيد الله القمي القطان المعروف بابن الخزاز قال حدثنا محمد بن زياد، عن أبي عبد الله الخراساني قال حدثنا أبو حسان سعيد بن جناح، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله قال: قلت له: جعلت فداك هل كان أمير المؤمنين يعلم أصحاب القائم كما كان يعلم عدتهم؟ قال أبو عبد الله: حدثني أبي قال: والله لقد كان يعرفهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم رجلاً فرجلاً، ومواضع منازلهم ومراتبهم، فكلما عرفه أمير المؤمنين عرفه الحسن، وكلما عرفه الحسن فقد صار علمه إلى الحسين، وكلما عرفه الحسين فقد عرفه علي بن الحسين، وكلما علمه علي بن الحسين فقد صار علمه إلى محمد بن علي، وكلما قد علمه محمد بن علي فقد علمه وعرفه صاحبكم، يعني نفسه. قال أبو بصير: قلت مكتوب؟ قال فقال أبو عبد الله: مكتوب في كتاب محفوظ في القلب، مثبت في الذكر لا ينسى. قال قلت جعلت فداك أخبرني بعددهم وبلدانهم ومواضعهم فذاك يقتضي من أسمائهم. قال فقال إذا كان يوم الجمعة بعد الصلاة فأتني، قال: فلما كان يوم الجمعة أتيته فقال: يا أبا بصير أتيتنا لما سألتنا عنه؟ قلت: نعم جعلت فداك. قال إنك لا تحفظ فأين صاحبك الذي يكتب لك، فقلت أظن شغله شاغل وكرهت أن أتأخر عن وقت حاجتي فقال لرجل في مجلسه: أكتب له هذا ما أملاه رسول الله على أمير المؤمنين وأودعه إياه، من تسمية أصحاب المهدي وعدة من يوافيه من المفقودين عن فرشهم وقبائلهم، والسائرين في ليلهم ونهارهم إلى مكة، وذلك عند استماع الصوت في السنة التي يظهر فيها أمر الله (عزَّ وجلَّ)، وهم النجباء والقضاة والحكام على الناس: من طاربند الشرقي رجل، وهو المرابط السياح، ومن الصامغان رجلان ومن أهل فرغانة رجل، ومن أهل البريد رجلان، ومن الديلم أربعة رجال، ومن مرو الروذ رجلان، ومن مرو إثنا عشر رجلاً، ومن بيروت تسعة رجال ومن طوس خمسة رجال، ومن القريات
رجلان، ومن سجستان ثلاثة رجال، ومن الطالقان أربعة وعشرون رجلاً، ومن الجبل الغرر ثمانية رجال، ومن نيسابور ثمانية عشر رجلاً، ومن هراة اثنا عشر رجلاً، ومن وشيج أربعة رجال، ومن الري سبعة رجال، ومن طبرستان تسعة رجال ومن قم ثمانية عشر رجلاً، ومن قرمس رجلان، ومن جرجان اثنا عشر رجلاً، ومن الرقة ثلاثة رجال، ومن الرافقة رجلان، ومن حلب ثلاثة رجال، ومن سلمية خمسة رجال، ومن طبرية رجل، ومن بافاد رجل، ومن بلبيس رجل، ومن دمياط رجل، ومن أسوان رجل، ومن الفسطاط أربعة رجال، ومن القيروان رجلان ومن كور كرمان ثلاثة رجال، ومن قزوين رجلان، ومن همدان أربعة رجال، ومن جوقان رجل، ومن البدو رجل، ومن خلاط رجل، ومن جابروان ثلاثة رجال، ومن النسوي رجل، ومن سنجار أربعة رجال، ومن طالقان رجل (كذا)، ومن سيمسياط رجل ومن نصيبين رجل ومن حران رجل، ومن باغه رجل، ومن قابس رجل، ومن صنعاء رجلان، ومن قارب رجل، ومن طرابلس رجلان، ومن القلزم رجلان، ومن العبثة رجل، ومن وادي القرى رجل، ومن خيبر رجل ومن بدا رجل، ومن الحار رجل، ومن الكوفة أربعة عشر رجلاً، ومن المدينة رجلان، ومن الري رجل، ومن الحيوان رجل، ومن كوثا رجل، ومن طهر رجل، ومن بيرم رجل، ومن الأهواز رجلان، ومن الأصطخر رجلان، ومن الموليان رجلان، ومن الدبيلة رجل، ومن صيدائيل رجل، ومن المدائن ثمانية رجال، ومن عكبرا رجل، ومن حلوان رجلان، ومن البصرة ثلاثة رجال، وأصحاب الكهف وهم سبعة، والتاجران الخارجان من عانة إلى أنطاكية وغلامهما وهم ثلاثة نفر، والمستأمنون إلى الروم من المسلمين وهم أحد عشر رجلاً، والنازلان بسرانديب رجلان، ومن سمند أربعة رجال، والمفقود من مركبه بسلاهط رجل، ومن شيراز أو قال سيراف الشك من مسعدة رجل، والهاربان إلى السروانية من الشعب رجلان، والمتخلي بصقيلية رجل، والطواف الطالب الحق من يخشب رجل، والهارب من عشيرته رجل، والمحتج بالكتاب على الناصب من سرخس رجل. فذلك ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، بعدد أهل البدر، يجمعهم الله إلى مكة في ليلة واحدة، وهي ليلة الجمعة فيتوافون في صبيحتها إلى المسجد الحرام، لا يتخلف منهم رجل واحد، وينتشرون بمكة في أزقتها يلتمسون منازل يسكنونها فينكرهم أهل مكة، وذلك أنهم لم يعلموا برفقة دخلت من بلد من البلدان لحج أو عمرة ولا تجارة، فيقول بعضهم لبعض إنا لنرى في يومنا هذا قوما لم نكن رأيناهم قبل يومنا هذا، وليس من بلد واحد ولا أهل بدو ولا معهم إبل ولا دواب. فبينما هم كذلك وقد ارتابوا بهم، قد أقبل رجل من بني مخزوم يتخطى رقاب الناس حتى يأتي رئيسهم فيقول لقد رأيت ليلتي هذه رؤيا عجيبة
وإني منها خائف وقلبي منها وجل، فيقول له أقصص رؤياك فيقول: رأيت كبة نار انقضت من عنان السماء، فلم تزل تهوي حتى انحطت على الكعبة فدارت فيها فإذا هي جراد ذوات خطر كالملاحف، فأطافت بالكعبة ما شاء الله، ثم تطايرت شرقا وغربا لا تمر ببلد إلا أحرقته، ولا بحضر إلا حطمته فاستيقظت وأنا مذعور القلب وجل، فيقولون لقد رأيت هؤلاء فانطلق بنا إلى الأقرع ليعبرها وهو رجل من ثقيف فقص عليه الرؤيا فيقول الأقرع لقد رأيت عجبا، ولقد طرقكم في ليلتكم جند من جنود الله لا قوة لكم بهم. فيقولون لقد رأينا في يومنا هذا عجبا، ويحدثونه بأمر القوم ثم ينهضون من عنده ويهمون بالوثوب عليهم، وقد ملا الله قلوبهم منهم رعبا وخوفاً. فيقول بعضهم لبعض وهم يتآمرون بذلك: يا قوم لا تعجلوا على القوم إنهم لم يأتوكم بعد بمنكر، ولا أظهروا خلافا، ولعل الرجل منهم يكون في القبيلة من قبائلكم، فإن بدا لكم منهم شر فأنتم حينئذ وهم. وأما القوم فإنا نراهم متنسكين وسيماهم حسنة، وهم في حرم الله تعالى الذي لا يباح من دخله حتى يحدث به حدثاً تجب محاربتهم. فيقول المخزومي وهو رئيس القوم وعميدهم: إنا لا نأمن أن يكون وراءهم مادة لهم، فإذا التأمت إليهم كشف أمرهم وعظم شأنهم فنهضتموهم وهم في قلة من العدد وغرة في البلد، قبل أن تأتيهم المادة فإن هؤلاء لم يأتوكم مكة إلا وسيكون لهم شأن. وما أحسب تأويل رؤيا صاحبكم إلا حقاً فخلوا لهم بلدكم وأجيلوا الرأي والأمر ممكن. فيقول قائلهم: إن كان من يأتيهم أمثالهم فلا خوف عليكم منهم، فإنه لا سلاح للقوم ولا كراع ولا حصن يلجؤون إليه وهم غرباء محتوون، فإن أتى جيش لهم ونهضتم إلى هؤلاء وهؤلاء، وكانوا كشربة الظمآن، فلا يزالون في هذا الكلام ونحوه حتى يحجز الليل بين الناس، ثم يضرب الله على آذانهم وعيونهم بالنوم، فلا يجتمعون بعد فراقهم إلى أن يقوم القائم (عليه السلام). وإن أصحاب القائم يلقى بعضهم بعضا كأنهم يقولون وإن افترقوا عشاء والتقوا غدوة، وذلك تأويل هذه الآية: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً). قال أبو بصير: قلت جعلت فداك ليس على الأرض يومئذ مؤمن غيرهم؟ قال: بلى، ولكن هذه التي يخرج الله فيها القائم، وهم النجباء والقضاة والحكام والفقهاء في الدين، يمسح الله بطونهم وظهورهم فلا يشتبه عليهم حكم). ورواه ابن طاووس في الملاحم/201، قال: (فيما رأيت من عدة أصحاب القائم (عليه السلام) وتعيين مواضعهم من كتاب يعقوب بن نعيم قرقارة الكاتب أبي يوسف، قال النجاشي الذي زكاه محمد بن النجار إن يعقوب بن نعيم المذكور روى عن الرضا (عليه السلام) وكان جليلا في أصحابنا ثقة، ورأينا ما ننقله في نسخة عتيقة لعلها كتبت في حياته وعليه خط السعيد فضل الله الراوندي قدس الله روحه فقال ما هذا لفظه: حدثني أحمد بن محمد الأسدي، عن سعيد بن
جناح، عن مسعدة، أن أبا بصير قال لجعفر بن محمد (عليه السلام) هل كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعلم مواضع أصحاب القائم (عليه السلام) كما كان يعلم عدتهم؟ فقال جعفر بن محمد (عليه السلام): إي والله. فقال جعلت فداك فكلما عرفه أمير المؤمنين.. كلما عرفه الحسين فقد صار علمه إليكم فأخبرني جعلت فداك؟ فقال جعفر (عليه السلام): إذا كان يوم الجمعة بعد الصلاة فأتني فأتيته فقال أين صاحبك الذي يكتب لك.. أكتب له: بسم الله الرحمن الرحيم وفي نصه تفاوت عن دلائل الإمامة). ومثله البرهان: 1/163، والمحجة/28.
الرواية الثالثة: في دلائل الإمامة/314، عن أبي بصير أن الصادق سمى أصحاب القائم لأبي بصير فيما بعد فقال: أما الذي في طازبند الشرقي بندار أحمد بن سكتة يدعى بازان وهو السياح المرابط، ومن أهل الشام رجلين يقال لهما إبراهيم بن الصباح ويوسف بن صريا فيوسف عطار من أهل دمشق وإبراهيم قصاب من قرية صويقان، ومن الصانعان أحمد بن عمر الخياط من سكنة بزيع وعلي بن عبد الصمد التاجر من سكنة النجارين، ومن أهل السراف سلم الكوسج البزاز من سكنة الباغ وخالد بن سعيد بن كريم الدهقان والكليب الشاهد من دانشاه، ومرو رود جعفر الشاه الدقاق وجور مولى الخصيب ومن مرو اثنى عشر رجلاً وهم بندار بن الخليل العطار ومحمد بن عمر الصيداني وعريب بن عبد الله بن كامل ومولى قحطب وسعد الرومي وصالح بن الرحال ومعاذ بن هاني وكردوس الأزدي ودهيم بن جابر بن حميد وطاشف بن علي القاجاني وقرعان بن سويد وجابر بن علي الأحمر وخوشب بن جرير، ومن بارود تسعة رجال زياد بن عبد الرحمان بن جحدب والعباس بن الفضل بن قارب وسحيق بن سليمان الحناط وعلي بن خالد وسلم بن سليم بن الفرات البزاز ومحموية بن عبد الرحمان بن علي وجرير بن رستم بن سعد الكيساني وحرب بن صالح وعمارة بن معمر، ومن طوس أربعة رجال شهمرد بن حمران وموسى بن مهدي وسليمان بن طليق من الواد وكان الواد موضع قبر الرضا وعلي بن سندي الصيرفي، ومن الفارياب شاهويه بن حمزة وعلي بن كلثوم من سكنة تدعى باب الجبل، ومن الطالقان أربعة وعشرين رجلاً المعروف بابن الرازي الجبلي وعبد الله بن عمير وإبراهيم بن عمر وسهل بن رزق الله وجبريل الحداد وعلي بن أبي علي الرواف وعبادة بن ممهور ومحمد بن جيهار وزكريا بن حبة وبهرام بن سرح وجميل بن عامر بن خالد وخالد وكثير مولى جرير وعبد الله بن قرط بن سلام وفزارة بن بهرام ومعاذ بن سالم بن جليد التمار وحميد بن إبراهيم بن جمعة الغزال وعقبة بن وفر بن الربيع وحمزة بن العباس بن جنادة من دار الرزق وكائن بن حنيذ الصائغ وعلقمة بن مدرك ومروان بن جميل بن ورقا وظهور مولى زرارة بن إبراهيم وجمهور بن الحسين الزجاج ورياش بن سعيد بن نعيم ومن سجستان الخليل بن
نصر من أهل زنج وترك بن شبة وإبراهيم بن علي، ومن غرر ثمانية رجال محج بن خربوذ وشاهد بن بندار وداود بن جرير وخالد بن عيسى وزياد بن صالح وموسى بن داود وعرف الطويل ويركرد، ومن نيسابور ثمانية عشر رجلاً سمعان بن فاخر وأبو لبابة بن مدرك وإبراهيم بن يوسف القصير ومالك بن حرب بن سكين وزرود بن سوكن ويحيى بن خالد ومعاذ بن جبرئيل وأحمد بن عمر بن زفر وعيسى بن موسى السواق ويزيد بن درست ومحمد بن حماد بن شيت وجعفر بن طرخان وعلان ماهويه وأبو مريم وعمر بن عمير بن مطرف وبليل بن وهايد بن هو مرديار، ومن هرات أثنى عشر رجلاً سعيد بن عثمان الوراق وماسح بن عبد الله بن نبيل والمعروف بغلام الكندي وسمعان القصاب وهارون بن عمران وصالح بن جرير والمبارك بن معمر بن خالد وعبد الأعلى بن إبراهيم بن عبده ونزل بن حزم وصالح بن نعيم وارم بن علي وخالد القوانس ومن أهل بوسنج أربعة رجال طاهر بن عمرو بن طاهر المعروف بالأصلع هشام ومن الري سبعة رجال إسرائيل القطان وعلي بن جعفر بن حرزاد وعثمان بن علي بن درخت ومسكان بن جبلة بن مقاتل وكردين بن شيبان وحمدان بن كر وسليمان بن الديلمي ومن طبرستان أربعة رجال حرشام بن كردم وبهرام بن علي والعباس بن هاشم وعبد الله بن يحيى، ومن قم ثمانية عشر رجلاً غسان بن محمد عتبان وعلي بن أحمد بن بقرة بن نعيم بن يعقوب بن بلال وعمران بن خالد بن كليب وسهل بن علي بن صاعد وعبد العظيم بن عبد الله بن الشاه وحسكة بن هاشم بن الداية والأخوص بن محمد بن اسماعيل بن نعيم بن طريف وبليل بن مالك بن سعد بن طلحة بن جعفر بن أحمد بن جرير وموسى بن عمران بن لاحق والعباس بن بقر بن سليم والحويد بن بشر بن بشير ومروان بن علابة بن جرير المعروف بابن رأس الزق والصقر بن إسحاق بن إبراهيم وكامل بن هشام. ومن قومس رجلان محمود بن محمد بن أبي الشعب وعلي بن حموية بن صدقة من قرية الخرقان. ومن جرجان اثنى عشر رجلاً أحمد بن هارون بن عبد الله وزرارة بن جعفر والحسين بن علي بن مطر وحميد بن نافع ومحمد بن خالد بن قرة بن حوتة وعلا بن حميد بن جعفر بن حميد وإبراهيم بن إسحاق بن عمرو وعلي بن علقمة بن محمود وسلمان بن يعقوب والعريان بن الخفان الملقب بخال روت وشعبة بن علي وموسى بن كردويه. ومن موقان رجل وهو عبيد بن محمد بن مأجور. ومن السند رجلان سياب بن العباس بن محمد ونضر بن منصور يعرف بناقشت. ومن همدان أربعة رجال هارون بن عمران بن خالد وطيفور بن محمد بن طيفور وابان بن محمد بن الضحاك وعتاب بن مالك بن جمهور. ومن جابروان ثلاثة رجال كرد بن حنيف وعاصم بن خليط الخياط وزياد بن رزين. ومن الشورى رجل لقيط بن فرات. ومن أهل
خلاط وهب بن خربند بن سروين. ومن تفليس خمسة رجال جحدر بن الزيت وهاني العطاردي وجواد بن بدر وسليم بن وحيد والفضل بن عمير ومن باب الأبواب جعفر بن عبد الرحمان. ومن سنجار أربعة رجال عبد الله بن زريق وسميم بن مطر وهبة الله بن زريق بن صدقة وهبل بن كامل. ومن تأليف كردوس بن جابر. ومن سمياط موسى بن زرقان. ومن نصيبين رجلان داود بن المحق وحامد صاحب البواري. ومن الموصل رجل يقال له سليمان بن صبيح من القرية الحديثة. ومن يلمورق رجلان يقال لها بادصبا بن سعد بن السحير وأحمد بن حميد بن سوار. ومن بلد رجل يقال له بور بن زائدة بن ثوارن. ومن الرها رجل يقال له كامل بن عفير. ومن حران زكريا السعدي. ومن برقة ثلاثة رجال أحمد بن سليمان بن سليم ونوفل بن عمرو الأشعث بن مالك. ومن الرابعة عياص بن عاصم بن سمرة بن جحش ومليح بن سعد. ومن حلب أربعة رجال يونس بن يوسف وحميد بن قيس بن سحيم بن مدرك بن علي بن حرب بن صالح بن ميمون ومهدي بن هند بن عطارد ومسلم بن هو أمرد. ومن دمشق ثلاثة رجال نوح بن جوير وشعيب بن موسى وحجر بن عبد الله الفزاري. ومن فلسطين سويد بن يحيى. ومن بعلبك المنزل بن عمران. ومن الطبرية معاذ بن معاذ. ومن يافا صالح بن هارون. ومن قومس رياب بن الجلد والخليل بن السيد. ومن تيس يونس بن الصقر وأحمد بن مسلم بن سلم. ومن دمياط علي بن زائدة. ومن أسوان حماد بن جمهور. ومن الفسطاط أربعة رجال نصر بن حواس وعلي بن موسى الفزاري وإبراهيم بن صفير ويحيى بن نعيم. ومن القيروان علي بن موسى بن الشيخ وعنبرة بن قرطة. ومن باغة شرحبيل السعدي. ومن تلبيس علي بن معاذ. ومن بالسين همام بن الفرات. ومن صنعاء الفياض بن ضرار بن ثروان وميسرة بن غندر بن المبارك. ومن ملزن عبد الكريم بن غند. ومن طرابلس ذو النور بن عبيدة بن علقمة. ومن ابله رجلان يحيى بن بديل وحواشة بن الفضل. ومن وادي القرى الحر بن الزبرقان. ومن الجيزة رجل يقال له سليمان بن داود. ومن ريدار طلحة بن سعيد بن بهرام. ومن الجار الحارث بن ميمون. ومن المدينة رجلان حمزة بن طاهر وشرحبيل بن جميل. ومن الربذة حماد بن محمد بن نصير. ومن الكوفة أربعة عشر رجلاً ربيعة بن علي بن صالح وتميم بن إلياس بن أسد والعضرم بن عيسى ومطرف بن عمر الكندي وهارون بن صالح بن ميثم ووكايا بن سعد ومحمد بن رواية والحرب بن عبد الله بن ساسان وقودة الأعلم وخالد بن عبد القدوس وإبراهيم بن مسعود بن عبد الحميد وبكر بن خالد وأحمد بن ريحان بن حارث وغوث الأعرابي. ومن القلزم المرجئة بن عمرو وشبيب بن عبد الله ومن الحيرة بكر بن عبد الله بن عبد الواحد. ومن كرثا ربا بن حفص بن مروان. ومن الطاهي
الجاب بن سعيد وصالح بن طيفور. ومن الأهواز عيسى بن تمام وجعفر بن سعيد الضرير يعود بصيرا. ومن الشام علقمة بن إبراهيم. ومن إصطخر المتوكل بن عبد الله وهشام بن فاخر. ومن الموليان حيدر بن إبراهيم. ومن النيل شاكر بن عبدة. ومن القنديل عمرو بن فروة. ومن المدائن ثمانية نفر الأخوين الصالحين محمد وأحمد ابني المنذر وتيمور بن الحرث ومعاذ بن علي بن عامر بن عبد الرحمان بن معروف بن عبد الله والحرسي بن سعيد وزهير بن طلحة ونصر ومنصور. ومن عكبرا زايدة بن هبة. ومن حلوان ماهان بن كثير وإبراهيم بن محمد. ومن البصرة عبد الرحمان بن الأعطف بن سعد وأحمد بن مليح وحماد بن جابر. وأصحاب الكهف سبعة نفر مكسيليان وأصحابه. والتاجران الخارجان من أنطاكية موسى بن عون وسليمان بن حر وغلامهما الرومي. والمستأمنة إلى الروم أحد عشر رجلاً صهيب بن العباس وجعفر بن... وحلال بن حميد وضرار بن سعيد وحميد القدوسي والمنادي ومالك بن خليد وبكر بن الحر وحبيب بن حنان وجابر بن سفيان.
والنازلان بسرانديب وهما جعفر بن زكريا ودانيال بن داود. ومن سندرا أربعة رجال خور بن طرخان وسعيد بن علي وشاه بن بزرج وحر بن جميل. والمفقود من مركبه بسلاهط اسمه المنذر بن زيد. ومن سيراف وقيل شيراز الشك من مسعدة الحسين بن علوان. والهاربان إلى سروانية السري بن أغلب وزيادة الله بن رزق الله. والمتخلي بصقلية أبو داود الشعشاع. والطواف لطلب الحق من يخشب وهو عبد الله بن صاعد بن عقبة. والهارب من بلخ من عشيرته أدس بن محمد. والمحتج بكتاب الله على الناصب من سرخس نجم بن عقبة بن داود. ومن فرغانة ازدجاه بن الوابص. ومن البرية صخر بن عبد الصمد القنابلي ويزيد بن القادر. فذلك ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدد أهل بدر). والمحجة/38، عن مسند فاطمة (عليها السلام)، وبشارة الإسلام/205، عن المحجة.
الرواية الرابعة: في ملاحم ابن طاووس/145، عن فتن السليلي، عن الأصبغ بن نباتة قال: خطب أمير المؤمنين علي خطبة فذكر المهدي وخروج من يخرج معه وأسماءهم فقال له أبو خالد الحلبي صفه لنا يا أمير المؤمنين؟ فقال علي: ألا إنه أشبه الناس خلقاً وخلقاً وحسناً برسول الله (صلى الله عليه وآله)، ألا أدلكم على رجاله وعددهم؟ قلنا: بلى يا أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أولهم من البصرة وآخرهم من اليمامة وجعل علي يعدد رجال المهدي والناس يكتبون فقال: رجلان من البصرة ورجل من الأهواز، ورجل من عسكر مكرم، ورجل من مدينة تستر، ورجل من دورق، ورجل من الباستان واسمه علي، وثلاثة من اسمه: أحمد وعبد الله وجعفر، ورجلان عن عمان محمد والحسن، ورجلان من سيراف شداد وشديد، وثلاثة من شيراز حفص ويعقوب وعلي،
وأربعة من أصفهان موسى وعلي وعبد الله وغلفان، ورجل من أبدح واسمه يحيى، ورجل من المرج واسمه داود، ورجل من الكرخ واسمه عبد الله، ورجل من بروجرد اسمه قديم، ورجل من نهاوند واسمه عبد الرزاق، ورجلان من الدينور عبد الله وعبد الصمد، وثلاثة من همدان جعفر وإسحاق وموسى، وعشرة من قم أسماؤهم على أسماء أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورجل من خراسان اسمه دريد، وخمسة من الذين أسماؤهم على أهل الكهف، ورجل من آمل، ورجل من جرجان، ورجل من هراة، ورجل من بلخ، ورجل من قراح، ورجل من عانة، ورجل من دامغان، ورجل من سرخس وثلاثة من السيار، ورجل من ساوة، ورجل من سمرقند، وأربعة وعشرون من الطالقان وهم الذين ذكرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي خراسان كنوز لا ذهب ولا فضة ولكن رجال يجمعهم الله ورسوله، ورجلان من قزوين، ورجل من فارس، ورجل من أبهر، ورجل من برجان من جموح، ورجل من شاخ، ورجل من صريح، ورجل من أردبيل، ورجل من مراد، ورجل من تدمر، ورجل من أرمينية، وثلاثة من المراغة، ورجل من خوى، ورجل من سلماس، ورجل من بدليس، ورجل من نسور، ورجل من بركري، ورجل من سرخيس، ورجل من منارجرد، ورجل من قلقيلا، وثلاثة من واسط، وعشرة من الزوراء، وأربعة من الكوفة، ورجل من القادسية، ورجل من سوراء، ورجل من السراة، ورجل من النيل، ورجل من صيداء ورجل من جرجان، ورجل من القصور، ورجل من الأنبار، ورجل من عكبرا، ورجل من الحنانة، ورجل من تبوك، ورجل من الجامدة، وثلاثة من عبادان، وستة من حديثة الموصل، ورجل من الموصل، ورجل من مغلثايا، ورجل من نصيبين، ورجل من كازرون، ورجل من فارقين، ورجل من آمد، ورجل من رأس العين، ورجل من الرقة، ورجل من حران، ورجل من بالس، ورجل من قبج، وثلاثة من طرطوس، ورجل من القصر، ورجل من أدنة، ورجل من خمرى، ورجل من عرار، ورجل من قورص، ورجل من أنطاكية، وثلاثة من حلب، ورجلان من حمص، وأربعة من دمشق، ورجل من سورية، ورجلان من قسوان، ورجل من قيموت، ورجل من صور، ورجل من كراز، ورجل من أذرح، ورجل من عامر، ورجل من دكار، ورجلان من بيت المقدس، ورجل من الرملة، ورجل من بالس، ورجلان من عكا، ورجل من صور، ورجل من عرفات، ورجل من عسقلان، ورجل من غزة، وأربعة من الفسطاط، ورجل من قرميس، ورجل من دمياط، ورجل من المحلة، ورجل من الإسكندرية، ورجل من برقة، ورجل من طنجة، ورجل من أفرنجة، ورجل من القيروان، وخمسة من السوس الأقصى، ورجلان من قبرص، وثلاثة من حميم، ورجل من قوص، ورجل من عدن، ورجل من
علالي، وعشرة من مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأربعة من مكة، ورجل من الطائف، ورجل من الدير، ورجل من الشيروان، ورجل من زبيد، وعشرة من مرو، ورجل من الأحساء، ورجل من القطيف، ورجل من هجر، ورجل من اليمامة، قال عليه الصلاة والسلام: أحصاهم لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدد أصحاب بدر يجمعهم الله من مشرقها إلى مغربها في أقل مما يتم الرجل عيناه عند بيت الله الحرام فبينا أهل مكة كذلك فيقولون أهل مكة قد كبسنا السفياني فيشرئبون أهل مكة فينظرون إلى قوم حول بيت الله الحرام، وقد انجلى عنهم الظلام ولاح لهم الصبح وصاح بعضهم ببعض النجاة، وأشرف الناس ينظرون وأمراؤهم يفكرون، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وكأني أنظر إليهم والزي واحد والقد واحد والجمال واحد واللباس واحد كأنما يطلبون شيئا ضاع منهم فهم متحيرون في أمرهم حتى يخرج إليهم من تحت ستار الكعبة في آخرها رجل أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) خلقاً وخلقاً وحسناً وجمالاً فيقولون أنت المهدي؟ فيجيبهم ويقول أنا المهدي فيقول بايعوا على أربعين خصلة واشترطوا عشرة خصال، قال الأحنف يا مولاي وما تلك الخصال؟ فقال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام يبايعون على ألا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا ولا يهتكوا حريما محرما ولا يسبوا مسلما ولا يهجموا منزلا ولا يضربوا أحداً إلا بالحق ولا يركبوا الخيل الهماليج ولا يتمنطقوا بالذهب ولا يلبسوا الخز ولا يلبسوا الحرير ولا يلبسوا النعال الصرارة ولا يخربوا مسجداً ولا يقطعوا طريقاً ولا يظلموا يتيماً ولا يخيفوا سبيلاً ولا يحتسبوا مكراً ولا يأكلوا مال اليتيم ولا يفسقوا بغلام ولا يشربوا الخمر ولا يخونوا أمانة ولا يخلفوا العهد ولا يحبسوا طعاماً من بر أو شعير ولا يقتلوا مستأمناً ولا يتبعوا منهزماً ولا يسفكوا دماً ولا يجهزوا على جريح، ويلبسون الخشن من الثياب ويوسدون التراب على الخدود ويأكلون الشعير ويرضون بالقليل ويجاهدون في الله حق جهاده ويشمون الطيب ويكرهون النجاسة. ويشرط لهم على نفسه ألا يتخذ صاحباً ويمشي حيث يمشون ويكون من حيث يريدون يرضى بالقليل ويملأ الأرض بعون الله عدلاً كما ملئت جوراً يعبد الله حق عبادته يفتح له خراسان ويطيعه أهل اليمن، وتقبل الجيوش أمامه من اليمن فرسان همدان وخولان وجده. يمده بالأوس والخزرج ويشد عضده بسليمان، على مقدمته عقيل وعلى ساقته الحرث، ويكثر الله جمعه فيهم ويشد ظهره بمضر يسيرون أمامه ويخالف بجيلة وثقيف ومجمع وغداف ويسير بالجيوش حتى يترك وادي الفتن. ويلحقه الحسني في اثني عشر ألفاً فيقول له أنا أحق بهذا الأمر منك، فيقول له هات علامات دالة فيومي إلى الطير فيسقط على كتفه ويغرس القضيب الذي بيده فيخضر ويعشوشب فيسلم إليه الحسني الجيش ويكون الحسني على مقدمته، وتقع الصيحة بدمشق إن أعراب الحجاز
قد جمعوا لكم فيقول السفياني لأصحابه: ما يقول هؤلاء القوم؟ فيقال له هؤلاء أصحاب ترك وإبل ونحن أصحاب خيل وسلاح فاخرج بنا إليهم.
قال الأحنف: ومن أي قوم السفياني؟ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): هو من بني أمية وأخواله كلب وهو عنبسة بن مرة بن كليب بن سلمة بن عبد الله بن عبد المقتدر بن عثمان بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس أشد خلق الله شرا وألعن خلق الله حياً وأكثر خلق الله ظلماً، فيخرج بخيله وقومه ورجاله وجيشه، ومعه مائة ألف وسبعون ألفاً فينزل بحيرة طبرية ويسير إليه المهدي عن يمينه وعن شماله وجبرئيل أمامه، فيسير بهم في الليل ويكمن بالنهار والناس يتبعونه حتى يواقع السفياني على بحيرة طبرية فيغضب الله على السفياني ويغضب خلق الله لغضب الله تعالى، فترشقهم الطير بأجنحتها والجبال بصخورها والملائكة بأصواتها، ولا تكون ساعة حتى يهلك الله أصحاب السفياني كلهم ولا يبقى على الأرض غيره وحده، فيأخذه المهدي (عليه السلام) فيذبحه تحت الشجرة التي أغصانها مدلاة على بحيرة طبرية، ويملك مدينة دمشق. ويخرج ملك الروم في مائة ألف صليب تحت كل صليب عشرة آلاف فيفتح طرسوساً بأسنة الرماح وينهب ما فيها من الأموال والناس ويبعث الله جبرئيل (عليه السلام) إلى المصيصة ومنازلها وجميع ما فيها فيعلقها بين السماء والأرض ويأتي ملك الروم بجيشه حتى ينزل تحت المصيصة، فيقول: أين المدينة التي كان يتخوف الروم منها والنصرانية؟ فيسمع فيها صوت الديوك ونباح الكلاب وصهيل الخيل فوق رؤوسهم، وذكر الحديث).
* * *
الفصل الثالث عشر: أحاديث الأبدال في مصادر أتباع الخلافة
تحريف رواة الخلافة لمفهوم الأبدال
الأبدال في أحاديث النبي وآله (صلى الله عليه وآله) صفة مدح لأصحاب المهدي (عليه السلام) الثلاثين أو أكثر الذين يلتقي بهم ويعملون معه في غيبته. وربما وصف به أصحابه الخاصون الثلاث مئة وثلاثة عشر، الذين يبايعونه عند ظهوره، فمنهم أبدال الشام ونجباء مصر وعصائب العراق وغيرهم. هذا هو مفهوم الأبدال.
لكن تعالَ انظر ماذا فعل كعب الأحبار ورواة الخلافة بهذه الأحاديث! لقد وجدوا فيها ضالتهم في مدح معاوية وأهل الشام، فأطلقوا خيالهم ونسجوا فضائل لأهل الشام بأنهم أبدال الله في أرضه! ثم فصَّلها أتباعهم المتصوفة لشيوخهم فجعلوهم أولياء الله الأبدال، بدل أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام)! وبهذا دخلت إلى مصادر المسلمين أحاديث كثيرة عن الأبدال منسوبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) تزعم أن الأبدال كلهم في الشام، ثم تنازلوا فجعلوا أكثرهم بالشام، وأعطوا جزءً منهم لمناطق المسلمين الأخرى! أما عددهم فجعلوهم أول الأمر ثلاثين في كل عصر، ثم
زادوهم إلى أربعين، ثم إلى ستين وثمانين، وثلاث مئة، وخمس مئة.
كما أعطوهم مقام إبراهيم (عليه السلام) فقالوا إنهم مثله، ثم تواضعوا فجعلوهم شبيهين به لأن قلوبهم سليمة كقلبه! قال أبو هريرة: لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الرحمن بهم تُغاثون وبهم تُرزقون وبهم تُمطرون). (الجامع الصغير: 2/422) ووضعوا عدداً من رواياتهم على لسان علي (عليه السلام) ولسان عُبَادَة بن الصامت المعروف بعدائه لعثمان ومعاوية وبني أمية حتى مات رحمه الله!
ففي تاريخ دمشق: 1/296، عن علي (عليه السلام): والأبدال بالشام وهم قليل. قال كعب: الأبدال ثلاثون. وفي فضائل الشام/26، عن علي (عليه السلام) قال: مَهْ، لا تسب أهل الشام جماً غفيراً فإن فيهم الأبدال. وفي الحاكم: 4/553، عن علي (عليه السلام): فلا تسبوا أهل الشام وسبوا ظلمتهم فإن فيهم الأبدال). وروى أحمد: 5/322، عن عُبَادَة بن الصامت، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: الأبدال في هذه الأمة ثلاثون مثل إبراهيم خليل الرحمن، كلما مات رجل أبدل الله تبارك وتعالى مكانه رجلاً). ومجمع الزوائد: 10/62: ووثقه، ونوادر الأصول/69، وتهذيب ابن عساكر: 1/61 62 والمقاصد الحسنة/8، والجامع الصغير: 1/470، وصححه، وجمع الجوامع: 1/661، وكنز العمال: 12/185، وفيض القدير: 3/168، وكشف الخفاء: 1/24 وكرامات الأولياء/32، ومسند الشاشي: 3/215، وجامع المسانيد: 7/135، والمسند الجامع: 8/112، والدرر المنتثرة/148.
ثم زادوو عددهم إلى أربعين وستين وثمانين
روى أحمد: 1/112، عن علي (عليه السلام) قالوا له إلعن أهل الشام يا أمير المؤمنين فقال: لا، إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: الأبدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً. يُسقى بهم الغيث ويُنتصر بهم على الأعداء ويُصرف عن أهل الشام بهم العذاب). والفردوس: 1/119، عن أنس: الأبدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة، كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلاً وكلما ماتت امرأة أبدل الله مكانها امرأة. والطبراني الكبير: 10/224، وكرامات الأولياء/44، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يزال أربعون رجل من أمتي قلوبهم على قلب إبراهيم يدفع الله بهم عن أهل الأرض يقال لهم الأبدال. وتهذيب ابن
عساكر: 1/63 مرسلاً، عن قتادة: لن تخلو الأرض من الأربعين... ومجمع الزائد: 10/63 عن الطبراني. والجامع الصغير: 1/471، و: 2/422، وحسنه، وكنز العمال: 12/186.
وفي كشف الخفاء/25 و26، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن أبدال أمتي لم يدخلوا الجنة بالأعمال ولكن دخلوها برحمة الله تعالى وسخاوة النفس وسلامة الصدر والرحمة لجميع المسلمين). وفي فضائل الشام/42، عن علي بن أبي طالب قال سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الأبدال؟ فقال: هم ستون رجلاً).
وفي نوادر الأصول للترمذي/69، عن أنس قال: البدلاء أربعون رجلاً، اثنان وعشرون بالشام، وثمانية عشر بالعراق، وكلما مات واحد بُدِّل بآخر، فإذا كان عند القيامة ماتوا كلهم! وفي الطبراني الكبير: 18/65: لا تسبوا أهل الشام، فإني سمعت رسول الله يقول: فيهم الأبدال، وبهم تنصرون وبهم ترزقون. وتهذيب ابن عساكر: 1/60.
وفي الجامع الصغير: 1/470: الأبدال بالشام وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً. يُسقى بهم الغيث ويُنتصر بهم على الأعداء، ويُصرف عن أهل الشام بهم العذاب. الأبدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة، كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلاً، وكلما ماتت امرأة أبدل الله تعالى مكانها امرأة). وفيض القدير: 3/219.
ثم جعلوهم خمس مئة
في حلية الأولياء: 1/8، عن ابن عمر قال: قال رسول الله: (صلى الله عليه وآله) خيار أمتي في كل قرن خمسمائة، والأبدال أربعون، فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون، كلما مات رجل أبدل الله (عزَّ وجلَّ) من الخمسمائة مكانة وأدخل من الأربعين مكانهم. قالوا: يا رسول الله دلنا على أعمالهم؟ قال: يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم ويتواسون فيما آتاهم الله (عزَّ وجلَّ)). وحلية الأولياء: 3/172 عن الطبراني، والقول المسدد/108، وكشف الخفاء/25، عن ابن عمر، وفيه: وهم في الأرض كلها.
أما ابن عربي ففضل أن يبقي العدد مفتوحاً! قال في فتوحاته: 2/13: (لكونهم
أربعين عند من يقول إن الأبدال أربعون نفساً، ومنهم من يقول سبعة أنفس، وسبب ذلك أنهم لم يقع لهم التعريف من الله بذلك). انتهى. راجع الكثير الذي رووه فيهم وصححوه وقالوه في تفسير قوله تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض). (البقرة: 251)، كما في الدر المنثور: 1/320.
كما انتقد بعض علمائهم بعض أحاديث الأبدال وحكموا بوضعها! قال الأميني رحمه الله في: الوضاعون وأحاديثهم/29: ولقد نفى الكثير من العلماء صحة هذه الأحاديث وهذه الروايات وقالوا بأنها روايات باطلة سنداً ومتناً، كما أن أهل الحديث المحققين قد تكلموا في أسانيد أحاديث الأبدال هذه، ومنهم الحافظ ابن الجوزي).
في كل تحريف إبحث عن كعب!
لا مبالغة في هذا القول بعد أن اطلعت على مزاعمه في الدجال وفي مدح معاوية والشام وأهلها، وذم الحجاز وبقية البلاد! وقد علق الشيخ أبو رية في كتابه أضواء على السنة النبوية/134، على تدخل كعب في حديث الأبدال الذي رواه ابن عساكر: 1/296، فقال: (في كل وادٍ أثرٌ من ثَعْلَبَهْ)!
ولكي تعرف نفوذ كعب وقداسة كلامه! يكفي أن تقرأ أنه أقنع عمر وكبار المسؤولين بأكاذيب صريحة مفضوحة، فأخذوا فتواه بأن المحرم للحج الذي يحرم عليه صيد البر يجوز له أن يصيد الجراد ويأكله، لأن الجراد حيوان بحري وليس برياً لأنه يولد من أنف الحوت! فهو يعطس وينثره كل ستة أشهر مرة! روى عبد الرزاق في مصنفه: 4/435، أن كعباً بعد (إسلامه) كان مع جماعة محرمين: (ثم لما كان ببعض الطريق طريق مكة مرَّت رِجْلٌ من جراد فأمرهم كعب أن يأخذوا فيأكلوا، فلما قدموا على عمر ذكروا ذلك له فقال: ما حملك على أن تفتيهم بهذا؟ قال: هو
من صيد البحر، قال: وما يدريك؟ قال: يا أمير المؤمنين! والذي نفسي بيده إن هو إلا نَثرةُ حوت ينثرهُ في كل عام مرتين). وموطأ مالك: 1/352.
ولم يكتفوا بالعمل بكذب كعب كفتوى دينية مقدسة، بل سرعان ما جعلوه حديثاً نبوياً، رواه أبو داود، وابن ماجة: 2/1074، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (إن الجراد نثرة الحوت في البحر)! وزاد الراوي أنه رأى شخصاً شهد أنه رأى الحوت يعطس وينثر الجراد! قال ابن ماجه: (قال هاشم: قال زياد: فحدثني من رأى الحوت ينثره)! وتمسك أئمتهم فأفتى به الشافعي وأحمد حنبل! (مغني ابن قدامه: 3/534).
هذه واحدة من هرطقات كعب تلمسها أنت اليوم، ويعلم الله كم لها من أخوات يهوديات لم تنكشف لك! وما كانت لتؤثر لولا أنها تحولت على أيدي رواة السلطة الكذابين إلى (أحاديث نبوية)!
أما أهل البيت (عليهم السلام) فقد وقفوا أمام هذا التحريف اليهودي وإن غضبت الحكومات وغيبت مواقفهم! روى في الكافي: 4/393، أن أمير المؤمنين (عليه السلام): (مرَّ على قوم يأكلون جراداً فقال: سبحان الله وأنتم محرمون؟! فقالوا: إنما هو من صيد البحر! فقال لهم: إرمسوه في الماء إذاً)!!
وقالوا إن الأبدال خلفاء الأنبياء (عليهم السلام) وأنهم عجمٌ لا عربَ فيهم!
في تفسير القرطبي: 3/259: (واختلف العلماء في الناس المدفوع بهم الفساد من هم؟ فقيل هم الأبدال وهم أربعون رجلاً كلما مات واحد بدل الله آخر، فإذا كان عند القيامة ماتوا كلهم! اثنان وعشرون منهم بالشام وثمانية عشر بالعراق.
وخرج أيضاً عن أبي الدرداء قال: إن الأنبياء كانوا أوتاد الأرض، فلما انقطعت النبوة أبدل الله مكانهم قوماً من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) يقال لهم الأبدال!.... فهم خلفاء
الأنبياء قوم اصطفاهم الله لنفسه واستخلصهم بعلمه لنفسه، وهم أربعون صدِّيقاً منهم ثلاثون رجلاً على مثل يقين إبراهيم خليل الرحمن... لا يموت الرجل منهم حتى يكون الله قد أنشأ من يخلفه). انتهى.
قال أبو داود في سننه: 2/30، عن عنبسة بن عبد الواحد القرشي الأموي: (كنا نقول إنه من الأبدال، قبل أن نسمع أن الأبدال من الموالي)!
وفي سؤالات الأجري لأبي داود: 1/204: (سئل أبو داود عن عنبسة بن عبد الواحد القرشي، قال: سمعت محمد بن عيسى يقول: كنا نرى أنه من الأبدال حتى سمعنا أن الأبدال من الموالي. ثنا أبو داود، نا محمد بن عيسى بن الطباع، نا ابن فضيل عن أبيه عن الرحال بن سالم عن عطاء قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الأبدال من الموالي ولا يبغض الموالي إلا منافق). وتاريخ بغداد: 12/279، وتهذيب الكمال: 22/421، وإكمال الكمال: 4/32، وغيرها!
وسبب كذبهم على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) أن أبا داود وعامة مؤلفي مصادر الخلافة وأئمة مذاهبها من الموالي! ومعنى كلامه أنه كان يحسب عنبسة بن عبد الواحد وهو من أولاد سعيد بن العاص الأموي من الأبدال لصلاحه وعبادته، لكن لما اطلع على هذا الحديث النبوي! وعرف أن الأبدال كلهم من غير العرب، عدل عن رأيه!
وقد حاول في عون المعبود في شرح أبي داود: 8/151، أن يعكس المعنى ويفسر الموالي بالشرفاء ويجعل بني أمية منهم! وهي محاولة فاشلة!
وقال المناوي في فيض القدير: 3/220: (الأبدال من الموالي): ظاهره أن ذا هو الحديث بتمامه وليس كذلك بل بقيته عند مخرجه الحاكم: ولا يبغض الموالي إلا منافق. اهـ. وفي بعض الروايات أن من علامتهم أيضاً أنه لا يولد لهم وأنهم لا يلعنون شيئاً! قال الغزالي: إنما استتر الأبدال عن أعين الناس والجمهور لأنهم لا يطيقون النظر إلى علماء الوقت، لأنهم عندهم جهال بالله وهم عند أنفسهم وعند الجهلاء علماء! (خاتمة): قال ابن عربي الأوتاد الذين يحفظ الله بهم العالم أربعة فقط وهم أخص من الأبدال، والإمامان أخص منهم، والقطب أخص الجماعة.
والأبدال لفظ مشترك يطلقونه على من تبدلت أوصافه المذمومة بمحمودة ويطلقونه على عدد خاص وهم أربعون وقيل ثلاثون وقيل سبعة، ولكل وتد من الأوتاد الأربعة ركن من أركان البيت، ويكون على قلب عيسى له اليماني، والذي على قلب نبي من الأنبياء. فالذي على قلب آدم له الركن الشامي، والذي على قلب إبراهيم له العراقي، والذي على قلب محمد له ركن الحجر الأسود، وهو لنا بحمد الله)! انتهى.
أقول: لاحظ أن ابن عربي يدعي أنه أفضل أهل الأرض وأنه إمام الأبدال وقد صرح في كتبه أنه القطب الأكبر!
ثم قال المناوي: وإنما خالف المصنف(أي السيوطي) عادته باستيعاب هذه الطرق إشارة إلى بطلان زعم ابن تيمية أنه لم يرد لفظ الأبدال في خبر صحيح ولا ضعيف إلا في خبر منقطع، فقد أبانت هذه الدعوى عن تهوره ومجازفته وليته نفى الرواية بل نفى الوجود وكذب من ادعى الورود... وهذه الأخبار وإن فرض ضعفها جميعها لكن لا ينكر تقوي الحديث الضعيف بكثرة طرقه وتعدد مخرجيه إلا جاهل بالصناعة الحديثية أو معاند متعصب).
وقالوا علامة الواحد من الأبدال أن يكون عقيماً!
قال ابن حجر في لسان الميزان: 2/506: (قال الإمام أحمد (رضي الله عنه): من علامة الأبدال أنه لا يولد لهم، وكان حماد بن سلمة من الأبدال ولم يولد له)!
وفي تهذيب الكمال: 7/264: (وقال شهاب بن المعمر البلخي: كان حماد بن سلمة يعد من الأبدال، وعلامة الأبدال أن لا يولد لهم، تزوج سبعين امرأة فلم يولد له). وميزان الاعتدال: 1/591، وأنساب السمعاني: 2/356، وعون المعبود: 8/151، وغيرها.
بل جعلوا ذلك حديثاً عن علي (عليه السلام)! ففي مغني المحتاج: 1/11: (عن على رضى الله تعالى عنه: الأبدال بالشام والنجباء بمصر والعصائب بالعراق، أي الزهاد، وعلامة
الأبدال أن لا يولد لهم). انتهى. وهو كلام نسخوه من اليهودية والنصرانية نسخاً!
في كلامهم عن الأبدال وقعوا في عقيدة الإمامة الربانية!
فرَّ أتباع الخلافة من عقيدة الإمامة الربانية، لكنهم وقعوا فيها في عقيدة الأبدال! فمفهوم الأبدال لا يتحقق إلا بأن يكونوا منظومة إلهية من نخبة مختارة في كل عصر، كلَّما مات منهم شخصٌ جعل الله بدله آخر! وقد أقرَّ العلماء السنيون بذلك، وأن الأبدال سبب الرزق والمطر والنصر! ولم يخالفهم في ذلك إلا ابن تيمية الذي أنكر أصل أحاديث الأبدال، فردوا عليه ورووا أحاديث في مقامهم وتأثيرهم، وتمسكوا بها!
وما دام الأبدال منظومة من تدبير الله العزيز الحكيم (عزَّ وجلَّ)، فلا بد أن يكون لهم برنامج عمل يقومون به بتوجيه إمامهم المهدي من ربه (عليه السلام)، أو بأن يكونوا هم أئمة في عصر واحد!
وهكذا، تجد جزاء من رفض قبول منظومة الأئمة الربانيين من العترة النبوية الطاهرة (عليهم السلام) وخالف الأحاديث الصحيحة المتواترة فيهم! يلجؤه الله إلى الإيمان بمن يسميهم الأبدال والأولياء والسحرة! وحتى ابن تيمية الذي أنكر الأئمة من العترة (عليهم السلام) وأنكر الأبدال تراه أعطى مقامهم للأولياء وللسحرة وزعم أنهم يقدرون على المعجزات، وأنه شخصياً عنده جني يتمثل به!
لقد أعجب القوم مفهوم الأبدال فسرقوه ووضعوه لأهل الشام! ثم وجدوا أنه يستبطن كونهم منظومة إلهية لأنه لا معنى للبدلاء في كل عصر إلا بذلك! فزعموا أن الله تعالى جعل منظومة الأبدال بعد انقطاع النبوة!
قال الترمذي في نوادر الأصول: 1/263: (عن حذيفة بن اليمان قال: الأبدال بالشام
وهم ثلاثون رجلاً على منهاج إبراهيم (عليه السلام) كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر، فالعصب بالعراق أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر، عشرون منهم على اجتهاد عيسى بن مريم وعشرون منهم قد أوتوا مزامير آل داود، والعصب رجال تشبه الأبدال... وروي في الخبر أن الأرض شكت إلى الله تعالى ذهاب الأنبياء وانقطاع النبوة فقال لها: سوف أجعل على ظهرك صديقين أربعين فسكنت)!
وقال القيصري في شرح الفصوص/129: (وعند انقطاع النبوة أعني نبوة التشريع بإتمام دائرتها وظهور الولاية من الباطن، انتقلت القطبية إلى الأولياء مطلقاً، فلا يزال في هذه المرتبة واحد منهم قائم في هذا المقام لينحفظ به هذا الترتيب والنظام). انتهى.
وهكذا تمسكوا بالظني! ورفضوا القطعي وهو حديث النبي (صلى الله عليه وآله) الذي دلهم على إمام الأبدال في كل عصر بقوله المتواتر (صلى الله عليه وآله): (إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله (عزَّ وجلَّ) وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروني بم تخلفوني فيهما). أحمد: 3/17 و14 و26 و59.
وبذلك فرضوا على الله منظومة عباد خاصين لم ينزل بهم سلطاناً! وجعلوهم وسائط الرحمة وجعلوا لهم خلافة الأنبياء (عليهم السلام) ومقامهم الرباني! ثم أرخصوا الوصول إلى مقامهم فزعموا أن من قال كل يوم (اللهم ارحم أمة محمد) يكون من الأبدال ويصير خليفة للنبي (صلى الله عليه وآله) به ترزق الأمة وتنصر وتحيا!
قال العجلوني في كشف الخفاء: 1/28: فائدة: للأبدال علامات: منها ما ورد في حديث مرفوع ثلاث من كن فيه فهو من الأبدال: الرضا بالقضاء، والصبر عن المحارم والغضب لله. ومنها: ما نقل عن معروف الكرخي أنه قال: من قال اللهم ارحم أمة محمد في كل يوم كتبه الله من الأبدال، وهو في الحلية لأبي نعيم بلفظ: من قال في كل يوم عشر مرات اللهم أصلح أمة محمد، اللهم فرج عن أمة محمد
اللهم ارحم أمة محمد، كتب من الأبدال. ومنها: ما نقل عن بعضهم أنه قال: علامة الأبدال أنهم لا يولد لهم). انتهى. ولا نطيل في هذا البحث، بل نختمه بالشكر العميق لله تعالى الذي هدانا لولاية العترة الطاهرة (عليهم السلام) سفينة نجاة الأمة وأئمة الأبرار والأبدال، وأعاذنا من ولاية الأنداد من دون الله، الذين اخترعهم أحبار يهود، ورواة الحكومات.
* * *
الفصل الرابع عشر: ينصر الله الإمام المهدي بالملائكة (عليهم السلام)
ينادي جبرئيل باسم المهدي واسم أبيه (عليهما السلام)
روت أحاديث النداء مصادر الجميع، ومنها: (ينادي مناد من السماء باسم القائم، فيسمع ما بين المشرق إلى المغرب، فلا يبقى راقد إلا قام، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين). (غيبة الطوسي/274، وإعلام الورى/428، وإثبات الهداة: 3/540).
ينصره الله بملائكة بدر
في النعماني/244، عن علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا قام القائم صلوات الله عليه نزلت ملائكة بدر وهم خمسة آلاف، ثلثٌ على خيول شهب وثلثٌ على خيول بُلْق وثلث على خيول حُوّ، قلت: وما الحُوُّ؟ قال: هي الحمر). ومثله إعلام الورى/431، بتفاوت يسير، وعنه إثبات الهداة: 3/527، والبحار: 52/356.
وفي العياشي: 1/197، عن ضريس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الملائكة الذين نصروا محمداً (صلى الله عليه وآله) يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد، ولا يصعدون حتى ينصروا صاحب هذا الأمر، وهم خمسة آلاف). وعنه إثبات الهداة: 3/549، والبحار: 19/284.
وفي النعماني/195، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال على المنبر: إذا هلك الخاطب وزاغ صاحب العصر، وبقيت قلوب تتقلب فمن مخصب ومجدب، هلك المتمنون واضمحل المضمحلون وبقي المؤمنون وقليل ما يكونون، ثلاثمائة أو يزيدون، تجاهد معهم عصابة جاهدت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر لم تقتل ولم تَمُت).
وقال النعماني رحمه الله: معنى قول أمير المؤمنين (عليه السلام) وزاغ صاحب العصر: أراد صاحب هذا الزمان الغائب الزائغ عن أبصار هذا الخلق لتدبير الله الواقع... ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام) تجاهد معهم عصابة جاهدت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر لم تقتل ولم تمت: يريد أن الله (عزَّ وجلَّ) يؤيد أصحاب القائم (عليه السلام) هؤلاء الثلاثمائة والنيف الخُلَّص بملائكة بدر وهم أعدادهم). والبحار: 52/137.
مختصر البصائر/212، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول: لو قد خرج قائم آل محمد لينصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبين. يكون جبرئيل (عليه السلام) أمامه وميكائيل عن يمينه وإسرافيل عن يساره، والرعب مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، والملائكة المقربون حذاءه. أول ما يبايعه محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي صلوات الله عليه الثاني، معه سيف مخترط، يفتح الله له الروم والصين والترك والديلم والسند والهند وكابل شاه والخزر. يا أبا حمزة لا يقوم القائم إلا على خوف شديد وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس وتشتت في دينهم وتغير من حالهم، حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساء من عظم ما يرى من كلب الناس وأكل بعضهم بعضاً.
وخروجه إذا خرج عند الإياس والقنوط. فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره، والويل كل الويل لمن ناواه وخالف أمره وكان من أعدائه. ثم قال: يقوم بأمر جديد وكتاب جديد وسنة جديدة وقضاء جديد على العرب شديد، ليس شأنه إلا القتل لا يستتيب أحداً ولا تأخذه في الله لومة لائم). ونحوه النعماني/234.
وفي أمالي الشجري: 2/84، عن مسيب بن خيثمة عن علي (عليه السلام) قال في حديث: (والله
ليظهرن عليكم هؤلاء باجتماعهم على باطلهم وتخاذلكم عن حقكم، حتى يستعبدوكم كما يستعبد الرجل عبداً، إذا شهد جزمه وإذا غاب سبه، حتى يقوم الباكيان الباكي لدينه والباكي لدنياه، وأيم الله لو فرقوكم تحت كل حجر لجمعكم لشر يوم لهم، والذي خلق الحبة وبرأ النسمة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يملك الأرض رجل مني يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، فإذا كان ذلك لم تطعنوا فيه برمح ولم تضربوا فيه بسيف، ولم ترموا فيه بسهم ولم ترموا فيه بحجر فاحمدوا الله، فإذا كان ذلك ورأيتم الرجل من بني أمية غرق في البحر فطأوه على رأسه، فوالذي خلق الحبة وبرأ النسمة لو لم يبق منهم إلا رجل واحد لبغى لدين الله (عزَّ وجلَّ) شراً).
أول من يبايعه جبرئيل (عليهما السلام) ثم تأتيه أجناد الملائكة
الإرشاد/363، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إذا أذن الله تعالى للقائم في الخروج صعد المنبر فدعى الناس إلى نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقه، وأن يسير فيهم بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعمل فيهم بعمله، فيبعث الله جل جلاله جبرئيل (عليه السلام) حتى يأتيه فينزل على الحطيم يقول: إلى أي شيء تدعو؟ فيخبره القائم (عليه السلام) فيقول جبرئيل: أنا أول من يبايعك، أبسط يدك فيمسح على يده، وقد وافاه ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً، فيبايعونه ويقيم بمكة حتى يتم أصحابه عشرة آلاف نفس، ثم يسير منها إلى المدينة).
ومثله روضة الواعظين: 2/265، وإعلام الورى/431، وفيه: فدعا الناس إلى الله (عزَّ وجلَّ) وخوفهم بالله.. ثم يقول له: مد كفك فيمسح على يديه). وكشف الغمة: 3/254، والبحار: 52/337، وإثبات الهداة: 3/527، أوله عن إعلام الورى.
وفي العياشي: 2/254، عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن أول من يبايع القائم جبرئيل (عليه السلام) ينزل عليه في صورة طير أبيض فيبايعه، ثم يضع رجلاً على البيت الحرام ورجلاً على بيت المقدس، ثم ينادي بصوت رفيع يسمعه الخلائق: (أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ).
وكمال الدين/671، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وفيه: ثم ينادي بصوت طلق تسمعه الخلائق.. وفي دلائل الإمامة/252، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، كالعياشي بتفاوت، وفيه: إذا أراد الله قيام القائم بعث.. قال فيحضر القائم فيصلي عند مقام إبراهيم ركعتين ثم ينصرف وحواليه أصحابه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، إن فيهم لمن يسري من فراشه ليلاً فيخرج. ومعه الحجر فيلقيه فتعشب الأرض).
وفي غيبة النعماني/204 ونحوه251، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله الله (عزَّ وجلَّ): (أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ)، قال: هو أمرنا، أمر الله (عزَّ وجلَّ) أن لا يُستعجل به حتى يؤيده الله بثلاثة أجناد: الملائكة، والمؤمنين، والرعب. وخروجه (عليه السلام) كخروج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك قوله تعالى: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ). وإثبات الهداة: 3/492، أوله عن كمال الدين، وفي/551، عن العياشي. والبرهان: 2/359، كدلائل الإمامة، عن مسند فاطمة للطبري. وفي/360، عن كمال الدين، وتأويل الآيات: 1/252، كالنعماني، وإثبات الهداة: 3/562، والبحار: 52/285 و356.
وفي النعماني/314، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)، قال: نزلت في القائم (عليه السلام) وكان جبرئيل (عليه السلام) على الميزاب في صورة طير أبيض فيكون أول خلق الله مبايعة له أعني جبرئيل ويبايعه الناس الثلاثمائة وثلاثة عشر، فمن كان ابتلي بالمسير وافى في تلك الساعة، ومن لم يبتل بالمسير فُقد من فراشه، وهو قول أمير المؤمنين (عليه السلام): المفقودون من فرشهم وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ) قال: الخيرات الولاية لنا أهل البيت). وعنه إثبات الهداة: 3/546. والبحار: 52/369.
وفي دلائل الإمامة/472، عن عمر بن أبان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أراد الله قيام القائم بعث جبرئيل في صورة طائر أبيض فيضع إحدى رجليه على الكعبة والأخرى على بيت المقدس ثم ينادي بأعلى صوته: أتى أمر الله فلا تستعجلوه قال: فيحضر القائم فيصلي عند مقام إبراهيم (عليه السلام) ركعتين، ثم ينصرف وحواليه أصحابه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، إن فيهم لمن يسري من فراشه ليلا، فيخرج ومعه
الحجر فيلقيه فتعشب الأرض). ومثله منتخب الأنوار/189، والبحار: 52/385، وإثبات الهداة: 3/583.
الكافي: 4/184، عن بكير بن أعين قال، سألت أبا عبد الله (عليه السلام): لأي علة وضع الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يوضع في غيره، ولأي علة يقبل، ولأي علة أخرج من الجنة؟ ولأي علة وضع الميثاق والعهد فيه ولم يوضع في غيره؟ وكيف السبب في ذلك، تخبرني جعلني الله فداك فإن تفكري فيه لعجب؟
قال فقال: سألت وأعضلت في المسألة واستقصيت فافهم الجواب، وفرغ قلبك وأصغ سمعك، أخبرك إن شاء الله: إن الله تبارك وتعالى وضع الحجر الأسود وهي جوهرة أخرجت من الجنة إلى آدم (عليه السلام) فوضعت في ذلك الركن لعلة الميثاق، وذلك أنه لما أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم حين أخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان، وفي ذلك المكان ترائى لهم، ومن ذلك المكان يهبط الطير على القائم (عليه السلام)، فأول من يبايعه ذلك الطائر وهو والله جبرئيل (عليه السلام)، وإلى ذلك المقام يسند القائم ظهره وهو الحجة والدليل على القائم، وهو الشاهد لمن وافاه في ذلك المكان، والشاهد على من أدى إليه الميثاق والعهد الذي أخذ الله (عزَّ وجلَّ) على العباد). وعلل الشرائع/492، بتفاوت، ومختصر البصائر/220، وعنه إثبات الهداة: 3/448، وعنهما البحار: 26/269 و: 52/279.
وفي الهداية للحضيني/31، عن مدلج بن هارون بن سعيد، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لعمر، في كلام طويل إلى أن قال: فبكى عمر وقال: إني أعوذ بالله مما تقول، قال: فهل لذلك علامة؟ قال: نعم، قتل فظيع وموت سريع وطاعون شنيع ولا يبقى من الناس في ذلك الوقت إلا ثلثهم، وينادي مناد من السماء باسم رجل من ولدي، وتكثر الآيات حتى يتمنى الاحياء الموت مما يرون من الأهوال، فمن هلك استراح، ومن يكون له عند الله خير نجا، ثم يظهر رجل من ولدي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يأتيه الله ببقايا قوم موسى (عليه السلام) ويجيء له
أصحاب الكهف، ويؤيده الله بالملائكة والجن وشيعتنا المخلصين، وينزل من السماء قطرها، وتخرج الأرض نباتها). ومثله إرشاد القلوب/286، بتفاوت يسير.
ينصره الله بالملائكة الذين نزلوا لنصرة الحسين (عليه السلام)
في الكافي: 1/465، عن محمد بن حمران قال قال أبو عبد الله (عليه السلام): لما كان من أمر الحسين (عليه السلام) ما كان، ضجت الملائكة إلى الله بالبكاء وقالت: يفعل هذا بالحسين صفيك وابن نبيك؟ قال فأقام الله لهم ظل القائم (عليه السلام) وقال: بهذا أنتقم لهذا). وأمالي الطوسي: 2/33، وعنه إثبات الهداة: 3/518، والإيقاظ/245، والبحار: 45/221.
وفي الكافي: 1/534، عن كرَّام قال: حلفت فيما بيني وبين نفسي ألا آكل طعاماً بنهار أبداً حتى يقوم قائم آل محمد، فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) قال فقلت له: رجل من شيعتكم جعل لله عليه ألا يأكل طعاماً بنهار أبداً حتى يقوم قائم آل محمد؟ قال: فصم إذا يا كرام ولا تصم العيدين ولا ثلاثة التشريق ولا إذا كنت مسافراً ولا مريضاً، فإن الحسين (عليه السلام) لما قتل عجَّت السماوات والأرض ومن عليهما والملائكة فقالوا: يا ربنا إئذن لنا في هلاك الخلق حتى نجدهم عن جديد الأرض بما استحلوا حرمتك وقتلوا صفوتك! فأوحى الله إليهم: يا ملائكتي ويا سماواتي ويا أرضي اسكنوا، ثم كشف حجاباً من الحجب فإذا خلفه محمد (صلى الله عليه وآله) واثنا عشر وصياً له (عليهم السلام)، وأخذ بيد فلان القائم من بينهم فقال: يا ملائكتي ويا سماواتي ويا أرضي بهذا أنتصر لهذا. قالها ثلاث مرات). ونحوه في: 4/141، والفقيه: 2/127، بعضه، والنعماني/94، والاستبصار: 2/79، والتهذيب: 4/183. الخ.
كامل الزيارات/84، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وكَّل الله تعالى بالحسين (عليه السلام) سبعين ألف ملك يصلون عليه كل يوم، شعثاً غبراً منذ يوم قتل إلى ما شاء الله، يعني بذلك قيام القائم (عليه السلام)). ومثله/119، وفيه: ويدعون لمن زاره ويقولون: يا رب هؤلاء زوار الحسين (عليه السلام) إفعل بهم وافعل بهم. ومثله ثواب الأعمال/113، بتفاوت يسير. والفقيه: 2/581، والتهذيب: 6/47، وعنه وسائل الشيعة: 10/323.. الخ.
عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1/233، عن الريان بن شبيب قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) في أول يوم من المحرم.. فقال من حديث: ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فلم يؤذن لهم، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم (عليه السلام) فيكونون من أنصاره، وشعارهم يا لثارات الحسين). ومثله أمالي الصدوق/112، وإثبات الهداة: 3/456. الخ.
علل الشرايع/160، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام): يا ابن رسول الله لم سمي علي (عليه السلام) أمير المؤمنين وهو اسم ما سمي به أحد قبله، ولا يحل لأحد بعده؟ قال: لأنه ميرة العلم يمتار منه ولا يمتار من أحد غيره، قال فقلت: يا ابن رسول الله فلم سمي سيفه ذا الفقار؟ فقال (عليه السلام): لأنه ما ضرب به أحد من خلق الله إلا أفقره من هذه الدنيا من أهله وولده وأفقره في الآخرة من الجنة. قال فقلت: يا ابن رسول الله فلستم كلكم قائمين بالحق؟ قال: بلى قلت: فلم سمي القائم قائماً؟ قال: لما قتل جدي الحسين (عليه السلام) ضجت عليه الملائكة إلى الله تعالى بالبكاء والنحيب وقالوا: إلهنا وسيدنا أتغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك؟ فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليهم: قروا ملائكتي فوعزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين. ثم كشف الله (عزَّ وجلَّ) عن الأئمة من ولد الحسين (عليه السلام) للملائكة فسرت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلي فقال الله (عزَّ وجلَّ): بذلك القائم أنتقم منهم). وعنه دلائل الإمامة/239، والإيقاظ/242، والبحار: 37/294.
ينصره الله بثلاثة عشر ألف من الملائكة
في كامل الزيارات/119، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كأني بالقائم على نجف الكوفة وقد لبس درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فينتفض هو بها فتستدير عليه فيغشيها بحداجة من استبرق، ويركب فرساً أدهم بين عينيه شمراخ، فينتفض به انتفاضة لا يبقي أهل بلد إلا وهم يرون أنه معهم في بلادهم فينشر راية رسول الله
(صلى الله عليه وآله) عمودها من عمود العرش وسائرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى شيء أبداً إلا هتكه الله، فإذا هزها لم يبق مؤمن إلا صار قلبه كزبر الحديد، ويعطى المؤمن قوة أربعين رجلاً، ولا يبقى مؤمن إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، وذلك حين يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام القائم، فينحط عليه ثلاثة عشر ألف ملك وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكاً، قلت: كل هؤلاء الملائكة؟ قال: نعم، الذين كانوا مع نوح في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم حين ألقي في النار، والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل، والذين كانوا مع عيسى حين رفعه الله إليه، وأربعة آلاف ملك مع النبي (صلى الله عليه وآله) مسومين وألف مردفين، وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكة بدريين، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين (عليه السلام) فلم يؤذن لهم في القتال، فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة، ورئيسهم ملك يقال له منصور، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه، ولا يودعه مودع إلا شيعوه، ولا يمرض مريض إلا عادوه، ولا يموت ميت إلا صلوا على جنازته واستغفروا له بعد موته، وكل هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم (عليه السلام) إلى وقت خروجه). ونحوه في/192، والنعماني/309 و310، وكمال الدين: 2/671، ودلائل الإمامة/243، وإثبات الهداة: 3/493، والبحار: 11/69.
مع المهدي (عليه السلام) راية النبي (صلى الله عليه وآله) وملائكتها
النعماني/307، عن أبي بصير: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا يخرج القائم حتى يكون تكملة الحلقة قلت: وكم الحلقة؟ قال: عشرة آلاف، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، ثم يهز الراية ويسير بها، فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلا لعنها وهي راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزل بها جبرئيل يوم بدر. ثم قال: يا أبا محمد وما هي والله قطن ولا كتان ولا قز ولا حرير، قلت: فمن أي شيء هي؟ قال: من ورق الجنة، نشرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر ثم لفها ودفعها إلى علي (عليه السلام) لم تزل عند علي حتى إذا كان يوم البصرة نشرها أمير المؤمنين (عليه السلام) ففتح الله عليه ثم لفها وهي عندنا
هناك لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم، فإذا هو قام نشرها فلم يبق أحد في المشرق والمغرب إلا لعنها، ويسير الرعب قدامها شهراً ووراءها شهراً وعن يمينها شهراً وعن يسارها شهراً! ثم قال: يا أبا محمد إنه يخرج موتوراً غضبان أسفاً لغضب الله على هذا الخلق، يكون عليه قميص رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي عليه يوم أحد، وعمامته السحاب ودرعه السابغة وسيفه ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً، فأول ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة وينادي مناديه: هؤلاء سراق الله، ثم يتناول قريشاً، فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف ولا يخرج القائم (عليه السلام) حتى يقرأ كتابان كتاب بالبصرة، وكتاب بالكوفة بالبراءة من علي (عليه السلام)). وعنه إثبات الهداة: 3/545، وحلية الأبرار: 2/633، بتفاوت، والبحار: 52/367، وفيه: يجتمعون قزعاً كقزع الخريف من القبائل ما بين الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة والعشرة).
في مقدمته جبرئيل وفي ساقته إسرافيل (عليهم السلام)
الاختصاص/208، عن حذيفة يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا كان عند خروج القائم، ينادي مناد من السماء أيها الناس قطع عنكم مدة الجبارين، وولي الأمر خير أمة محمد، فالحقوا بمكة. فيخرج النجباء من مصر والأبدال من الشام وعصائب العراق، رهبان بالليل ليوث بالنهار كأن قلوبهم زبر الحديد، فيبايعونه بين الركن والمقام. قال عمران بن الحصين: يا رسول الله، صف لنا هذا الرجل قال: هو رجل من ولد الحسين كأنه من رجال شنوءة عليه عباءتان قطوانيتان، اسمه اسمي، فعند ذلك تفرح الطيور في أوكارها والحيتان في بحارها، وتمد الأنهار وتفيض العيون، وتنبت الأرض ضعف أكلها، ثم يسير مقدمته جبرئيل وساقته إسرافيل، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً). ومجمع البيان: 4/398 بعضه، وقال: أورده الثعلبي في تفسيره. وإثبات الهداة: 3/557 أوله، عن الاختصاص، وفي/621، عن تذكرة القرطبي.
والبحار: 52/186، عن مجمع البيان. وفي/304، عن الاختصاص.
هذا، وقد روت مصادرهم عدداً من هذه المضامين، منها ما في ابن حماد: 1/366، عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: المهدي مولده بالمدينة من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) اسمه اسم نبي ومهاجره بيت المقدس، كثُّ اللحية أكحل العينين براق الثنايا، في وجهه خال أقنى أجلى في كتفه علامة النبي (صلى الله عليه وآله). يخرج براية النبي من مرط مخملة سوداء مربعة فيها حجر، لم تنشر منذ توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا تنشر حتى يخرج المهدي، يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة يضربون وجوه من خالفهم وأدبارهم، يبعث وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين). وعنه الشافعي/515، وعقد الدرر/37 والحاوي: 2/73، وجمع الجوامع: 2/104، وصواعق ابن حجر/167، أوله.
وفي ابن حماد: 1/356: (عن كعب قال: قادة المهدي خير الناس، أهل نصرته وبيعته من أهل كوفان واليمن وأبدال الشام، مقدمته جبريل وساقته ميكائيل محبوب في الخلائق يطفئ الله تعالى الفتنة العمياء وتأمن الأرض حتى إن المرأة لتحج في خمس نسوة ما معهن رجل لا تتقي شيئاً إلا الله تعطي الأرض زكاتها والسماء بركتها).
وفي تذكرة القرطبي: 2/700: عن النبي (صلى الله عليه وآله): فلو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يأتيهم رجل من أهل بيتي، تكون الملائكة بين يديه يظهر الإسلام). والترمذي: على ما في تحفة الأشراف: 9/428، في غير سننه.
* * *
الفصل الخامس عشر: فضل المؤمنين الثابتين في غيبته (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)
أيها المستعجلون: إن الله لا يعجل لعجلة العباد!
إن مشروع إنهاء الظلم على الأرض وإقامة دولة العدل الإلهي مشروعٌ ضخمٌ وهو جزءٌ أساسي من المخطط الرباني لحياة الإنسان ومستقبله، لكنه يحتاج في استيعابه إلى رقيٍّ فكري، وفي تحمله إلى رسوخِ إيمان وقوة أعصاب.
ولذلك كانت مشكلة الناس في الأديان أنهم يستعجلون نصر الله تعالى وعقوبته للظالمين، بينما بنى الله (عزَّ وجلَّ) فعله على قوانين وحِكم خاصة. ولذلك اهتم النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) بتربية المؤمنين على توسيع أفقهم العقلي والذهني والشعوري وضبط أعصابهم، والتسليم لأمر الله تعالى وانتظار الفرج.
في الكافي: 1/369، عن مُهزَّم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ذكرنا عنده ملوك آل فلان فقال: إنما هلك الناس من استعجالهم لهذا الأمر، إن الله (عزَّ وجلَّ) لا يعجل لعجلة العباد، إن لهذا الأمر غاية ينتهي إليها، فلو قد بلغوها لم يستقدموا ساعة ولم يستأخروا). ومثله النعماني/296، وعنه البحار: 52/118، وشبيهه الكافي: 8/274.
وفي سنن الترمذي: 5/565، عن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سلوا الله
من فضله، فإن الله (عزَّ وجلَّ) يحب أن يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج). والطبراني الكبير: 10/124، عن أبي الأحوص عن عبد الله، ومسند الشهاب: 1/62، عن ابن عمر: انتظار الفرج بالصبر عبادة. وفي/63، عن ابن عباس، وتاريخ بغداد: 2/154، عن أنس: انتظار الفرج عبادة. وتلخيص المتشابه: 1/228، كتاريخ بغداد، ومصابيح البغوي: 2/140، كالترمذي، من حسانه، ومثله جامع الأصول: 5/19، والترغيب: 2/482، والجامع الصغير: 1/416 كتاريخ بغداد. وجمع الجوامع: 1/547، عن الترمذي والطبراني، والمنهاج في شعب الإيمان: 3/376، كالشهاب، وفيض القدير: 3/51 و/52 و: 4/108، عن الجامع الصغير. والمسند الجامع: 12/74، وكشف الخفاء: 1/558، عن ابن مسعود، وتفسير الماوردي: 1/478، وجمع الفوائد: 3/341، والمعجم الأوسط: 6/79، وجامع الأحاديث/185، والوسيط: 2/44، والكشف والبيان: 3/300.
النبي (صلى الله عليه وآله): بعدي يجيء زمن الصبر!
في الطبراني الكبير: 10/225، عن ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن من ورائكم زمان صَبْرٍ للمتمسك فيه أجر خمسين شهيداً، فقال عمر: يا رسول الله منا أو منهم؟ قال: منكم). ومسند الشاميين: 1/3، والزوائد: 7/282، وفيه: قالوا: يا نبي الله أوَ منهم؟ قال: بل منكم، قالوا: يا نبي الله أوَمنهم؟ قال: بل منكم، ثلاث مرات أو أربع. وجمع الجوامع: 1/276، ونحوه مسند البزار: 5/178، وأبو داود: 4/123، وابن ماجة: 2/1330، والترمذي: 5/257، وفيه: قيل: يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم، وكشف الخفاء: 2/535، وكنز العمال: 11/118.
ومن مصادرنا: غيبة الطوسي/275، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيأتي قوم من بعدكم، الرجلُ الواحد منهم له أجر خمسين منكم، قالوا: يا رسول الله نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين ونزل فينا القرآن! فقال: إنكم لو تُحَمَّلون ما حُمِّلوا لم تصبروا صبرهم). وعنه الخرائج/284.
وفي كمال الدين: 1/323، عن عمرو بن ثابت قال: قال علي بن الحسين سيد العابدين (عليه السلام): من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله (عزَّ وجلَّ) أجر ألف شهيد من شهداء بدر وأحد). وعنه إعلام الورى/402، بتفاوت يسير وإثبات الهداة: 3/466،
والبحار: 52/125، وكشف الغمة: 3/312، عن إعلام الورى.
وفي كمال الدين: 1/288، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل، قال: يا علي واعلم أن أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبي، وحجبتهم الحجة، فآمنوا بسواد على بياض. وفي رواية: وحجبت عنهم الحجة، وهو الصحيح، أي لم يدركوا نبيهم، وغاب عنهم إمامهم). بسواد على بياض: أي آمنوا بما وصل إليهم مكتوباً من القرآن والسنة الشريفة. والفقيه: 4/366، بسندين، ومثله جامع الأخبار/180، ومكارم الأخلاق/440، بتفاوت يسير.
كمال الدين: 2/287 و644، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه سيد العابدين علي بن الحسين، عن أبيه سيد الشهداء الحسين بن علي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله: (صلى الله عليه وآله) أفضل العبادة انتظار الفرج). وعيون أخبار الرضا: 2/35، بثلاثة أسانيده عن الإمام الرضا عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله).
الكافي: 4/260 و: 5/22، عن محمد بن عبد الله قال: قلت للرضا (عليه السلام): جعلت فداك إن أبي حدثني عن آبائك (عليهم السلام) أنه قيل لبعضهم: إن في بلادنا موضع رباط يقال له: قزوين، وعدوا يقال له: الديلم فهل من جهاد أو هل من رباط؟ فقال: عليكم بهذا البيت فحجوه، ثم قال: فأعاد عليه الحديث ثلاث مرات كل ذلك يقول: عليكم بهذا البيت فحجوه، ثم قال في الثالثة: أما يرضى أحدكم أن يكون في بيته ينفق على عياله ينتظر أمرنا فإن أدركه كان كمن شهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بدراً، وإن لم يدركه كان كمن كان مع قائمنا في فسطاطه هكذا وهكذا، وجمع بين سبابتيه، فقال أبو الحسن (عليه السلام): صدق، هو على ما ذَكَر). وعنه الوسائل: 8/86 و: 11/33.
أمالي الطوسي: 2/19، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: قال رسول الله: (صلى الله عليه وآله) من رضي من الله بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل، وانتظار الفرج عبادة).
وفي تحف العقول/403، عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في حديث طويل: أفضل
العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج). وعنه البحار: 78/326.
وفي غيبة الطوسي/276، عن الحسن بن الجهم قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن شيء من الفرج، فقال: أو لست تعلم أن انتظار الفرج من الفرج؟ قلت: لا أدري إلا أن تعلمني، فقال: نعم انتظار الفرج من الفرج). وعنه البحار: 52/130.
وفي مناقب ابن شهرآشوب: 4/425: ومما كتب (عليه السلام) إلى أبي الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي: اعتصمت بحبل الله، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين والجنة للموحدين والنار للملحدين ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا إله إلا الله أحسن الخالقين، والصلاة على خير خلقه محمد وعترته الطاهرين. منها: عليك بالصبر وانتظار الفرج، قال النبي (صلى الله عليه وآله): أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج، ولايزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولده الذي بشر به النبي (صلى الله عليه وآله) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. فاصبر يا شيخي يا أبا الحسن علي وأمر جميع شيعتي بالصبر، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة الله وبركاته). والبحار: 50/317.
وفي الكشي/138، عن محمد بن عبد الله بن زرارة وابنيه الحسن والحسين، عن عبد الله بن زرارة قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): اقرأ على والدك السلام وقل له: إني إنما أعيبك دفاعا مني عنك، فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى فيمن نحبه ونقربه، ويرمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا ويرون إدخال الأذى عليه وقتله، ويحمدون كل من عبناه. ولو أذن لنا لعلمتم أن الحق في الذي أمرناكم به فردوا إلينا الأمر وسلموا لنا واصبروا لأحكامنا وارضوا بها، والذي فرق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه، وهو أعرف بمصلحة غنمه في فساد أمرها فإن شاء فرق بينها لتسلم ثم يجمع بينهما ليأمن من فسادها وخوف عدوها، في آثار ما يأذن الله ويأتيها بالأمن من مأمنه والفرج من عنده. عليكم بالتسليم والرد
إلينا وانتظار أمرنا وأمركم وفرجنا وفرجكم، ولو قد قام قائمنا وتكلم متكلمنا ثم استأنف بكم تعليم القرآن وشرائع الدين والأحكام والفرائض كما أنزله الله على محمد (صلى الله عليه وآله) لأنكر أهل البصائر فيكم ذلك اليوم إنكاراً شديداً، ثم لم تستقيموا على دين الله وطريقه إلا من تحت حد السيف فوق رقابكم. إن الناس بعد نبي الله (عليه السلام) ركب الله بهم سنة من كان قبلكم فغيروا وبدلوا وحرفوا وزادوا في دين الله ونقصوا منه، فما من شيء عليه الناس اليوم إلا وهو منحرف عما نزل به الوحي من عند الله، فأجب رحمك الله من حيث تدعى إلى حيث تدعى حتى يأتي من يستأنف بكم دين الله استينافاً). وإثبات الهداة: 3/560، والبحار: 2/246.
روح الانتظار والأمل.. من الفرج
الكافي: 1/371، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك متى الفرج؟ فقال: يا أبا بصير وأنت ممن يريد الدنيا؟ من عرف هذا الأمر فقد فرج عنه لانتظاره). وعنه النعماني/330، والبحار: 52/142.
العياشي: 2/20، عن أحمد بن محمد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سمعته يقول: ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، أما سمعت قول العبد الصالح: فـ (انْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ). أو ليس تعلم أن انتظار الفرج من الفرج؟ ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ). ومثله: 2/159، وعنه البرهان: 3/232، والبحار: 12/379.
العياشي: 2/138، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن شيء في الفرج فقال: أو ليس تعلم أن انتظار الفرج من الفرج، إن الله يقول: (انْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ). ومثله كمال الدين: 2/645، وعنهما البحار: 52/128.
تفسير القمي: 1/384، عن الإمام الباقر (عليه السلام): وقوله: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ): من العذاب والموت وخروج القائم، (كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا
ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). وقوله: (فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ): من العذاب في الرجعة). وعنه الإيقاظ/253.
الخطأ في الأمل لا يضر.. واليأس كله خطأ
في الكافي: 1/369، عن علي بن يقطين: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): الشيعة تربى بالأماني منذ مئتي سنة، قال: وقال يقطين لابنه علي بن يقطين: ما بالنا قيل لنا فكان وقيل لكم فلم يكن؟ قال فقال له علي: إن الذي قيل لنا ولكم كان من مخرج واحد، غير أن أمركم حضر فأعطيتم محضه فكان كما قيل لكم، وإن أمرنا لم يحضر فعللنا بالأماني، فلو قيل لنا: إن هذا الأمر لا يكون إلى مئتي سنة أو ثلاث مائة سنة لقست القلوب ولرجع عامة الناس عن الإسلام، ولكن قالوا: ما أسرعه وما أقربه تألفاً لقلوب الناس وتقريباً للفرج). ومثله غيبة الطوسي/207، وعنه النعماني/295، وعنهما البحار: 52/102.
فضل المؤمنين المنتظرين لظهوره (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)
كمال الدين/357، عن أبي بصير قال: قال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (يَوْمَ يأتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)، يعني خروج القائم المنتظر منا، ثم قال (عليه السلام): يا أبا بصير طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء الله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). وعنه إثبات الهداة: 3/475، والمحجة/69، والبحار: 52/149، و: 64/33.
كمال الدين: 2/656، عن المفضل بن عمر قال: سألت الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)؟ قال: العصر عصر خروج القائم. (إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ): يعني أعداءنا. (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا): يعني بآياتنا. (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ): يعني بمواساة الإخوان. (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ): يعني بالإمامة. (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ):
يعني في الفترة). وعنه العدد القوية/67، وإثبات الهداة: 3/492، والمحجة/258، والبحار: 24/214 و: 67/59، و: 69/270.
الكافي: 1/429، عن أبي عبيدة الحذاء قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله: (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ...) فقال: الإمام يبشرهم بقيام القائم وبظهوره وقتل أعدائهم وبالنجاة في الآخرة والورود على محمد (صلى الله عليه وآله) والصادقين على الحوض).
تأويل الآيات: 2/585، عن محمد الحلبي قال: قرأ أبو عبد الله (عليه السلام): (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)، ثم قال: نزلت هذه الآية في بني عمنا بني العباس وبني أمية. ثم قرأ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ): عن الدين (وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم) عن الوصي! ثم قرأ: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ): بعد ولاية علي، (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ). ثم قرأ: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا): بولاية علي (زَادَهُمْ هُدىً): حيث عرَّفهم الأئمة من بعده والقائم (عليه السلام)، (وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ): أماناً من النار). وعنه البرهان: 4/190، والبحار: 24/320.
الأئمة يهدئون اندفاع شيعتهم ويعلمونهم انتظار الفرج
أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تيأسوا من رَوْح الله
الخصال: 2/610، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: حدثني أبي عن جدي عن آبائي (عليهم السلام) أن أمير المؤمنين علم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه... جاء فيها: انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإن أحب الأعمال إلى الله (عزَّ وجلَّ) انتظار الفرج ما دام عليه العبد المؤمن، والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله). وكمال الدين: 2/645، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، آخره، وعنه البحار: 52/123، وتحف العقول/106، كما في الخصال.
مختصر إثبات الرجعة/8، عن أبي خالد الكابلي، قال: دخلت على سيدي علي
بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) فقلت: يا ابن رسول الله، أخبرني بالذين فرض الله طاعتهم ومودتهم وأوجب على عباده الإقتداء بهم بعد رسول الله؟ (صلى الله عليه وآله) فقال: يا كابلي إن أولي الأمر الذين جعلهم الله (عزَّ وجلَّ) أئمة الناس وأوجب عليهم طاعتهم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم الحسن عمي، ثم الحسين أبي، ثم انتهى الأمر إلينا. ثم سكت. فقلت له: يا سيدي روي لنا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أن الأرض لا تخلو من حجة لله تعالى على عباده، فمن الحجة والإمام بعدك؟ قال: ابني محمد واسمه في صحف الأولين باقر، يبقر العلم بقراً، هو الحجة والإمام بعدي، ومن بعد محمد ابنه جعفر واسمه عند أهل السماء الصادق، قلت: يا سيدي فكيف صار اسمه الصادق وكلكم صادقون؟ قال: حدثني أبي عن أبيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسموه الصادق، فإن الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدعي الإمامة اجتراء على الله وكذباً عليه فهو عند الله (جعفر الكذاب) المفتري على الله تعالى والمدعي لما ليس له بأهل، المخالف لأبيه والحاسد لأخيه! وذلك الذي يروم كشف ستر الله (عزَّ وجلَّ) عند غيبة ولي الله، ثم بكى علي بن الحسين (عليه السلام) بكاء شديداً ثم قال: كأني بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله والمغيب في حفظ الله، والتوكيل بحرم أبيه جهلاً منه برتبته، وحرصاً منه على قتله إن ظفر به، طمعاً في ميراث أخيه حتى يأخذه بغير حق. فقال أبو خالد: فقلت: يا ابن رسول الله وإن ذلك لكائن؟! فقال: إي وربي إن ذلك مكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)! فقال أبو خالد فقلت: يا ابن رسول الله ثم يكون ماذا؟ قال: ثم تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة بعده.
يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، فإن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي
رسول الله بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله (عزَّ وجلَّ) سراً وجهراً. وقال (عليه السلام): انتظار الفرج من أعظم الفرج). وكمال الدين: 1/319، عن أبي خالد الكابلي، كمختصر إثبات الرجعة، بتفاوت يسير. ونحوه في/320، ومثله إعلام الورى/384، وقصص الأنبياء/365، والاحتجاج: 2/317، والخرايج: 1/268، بعضه، وإثبات الهداة: 1/514 و: 3/9، عن كمال الدين، والبحار: 36/386، و: 50/227، و: 52/122، عن الاحتجاج، وكمال الدين.
وفي كمال الدين: 1/328، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن أقرب الناس إلى الله (عزَّ وجلَّ) وأعلمهم به وأرأفهم بالناس محمد (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) فادخلوا أين دخلوا وفارقوا من فارقوا، عنى بذلك حسيناً وولده (عليهم السلام) فإن الحق فيهم وهم الأوصياء وهم الأئمة، فأينما رأيتموهم فاتبعوهم، وإن أصبحتم يوماً لا ترون منهم أحداً فاستغيثوا بالله (عزَّ وجلَّ)، وانظروا السنة التي كنتم عليها واتبعوها، وأحبوا من كنتم تحبون، وابغضوا من كنتم تبغضون، فما أسرع ما يأتيكم الفرج). وعنه البحار: 51/136.
الإمام الباقر (عليه السلام): المنتظر المحتسب كالمجاهد مع الإمام (عليه السلام)
مجمع البيان: 9/238، عن العياشي عن الحرث بن المغيرة قال: كنا عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال: العارف منكم هذا الأمر المنتظر له المحتسب فيه الخير، كمن جاهد والله مع قائم آل محمد (عليه السلام) بسيفه. ثم قال الثالثة: بل والله كمن استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في فسطاطه. وفيكم آية من كتاب الله. قلت: وأي آية جعلت فداك؟ قال: قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ثم قال: صرتم والله صادقين شهداء عند ربكم). وتأويل الآيات: 2/665، وإثبات الهداة: 3/525.
وفي الكافي: 2/21، عن أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) يا بن رسول الله هل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إياكم؟ قال فقال: نعم، قال: فقلت فإني أسألك مسألة تجيبني فيها فإني مكفوف البصر قليل المشي ولا أستطيع زيارتكم كل
حين قال: هات حاجتك، قلت: أخبرني بدينك الذي تدين الله (عزَّ وجلَّ) به أنت وأهل بيتك لأدين الله (عزَّ وجلَّ) به؟ قال: إن كنت أقصرت الخطبة فقد أعظمت المسألة، والله لأعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين الله (عزَّ وجلَّ) به، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإقرار بما جاء من عند الله، والولاية لولينا، والبراءة من عدونا، والتسليم لأمرنا، وانتظار قائمنا، والاجتهاد والورع). ورواه في دعوات الراوندي/135، وفيه: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إني امرؤ ضرير البصر كبير السن، والشقة فيما بيني وبينكم بعيدة؟ وأنا أريد أمراً أدين الله به وأتمسك به وأبلغه من خلفت. قال: فأعجب بقولي فاستوى جالساً فقال: يا أبا الجارود كيف قلت رُدَّ عليَّ، قال: فرددت عليه، فقال: نعم يا أبا الجارود: شهادة ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت، وولاية ولينا، وعداوة عدونا، والتسليم لأمرنا وانتظار قائمنا، والورع والاجتهاد). وعنه غاية المرام/624، والبحار: 69/13.
وفي المحاسن/173، عن عبد الحميد الواسطي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أصلحك الله والله لقد تركنا أسواقنا انتظاراً لهذا الأمر حتى أوشك الرجل منا يسأل في يديه! فقال: يا عبد الحميد أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل الله له مخرجاً؟ بلى والله ليجعلن الله له مخرجاً، رحم الله عبداً حبس نفسه علينا، رحم الله عبدا أحيا أمرنا. قال فقلت: فإن مت قبل أن أدرك القائم؟ فقال: القائل منكم إن أدركت القائم من آل محمد نصرته كالمقارع معه بسيفه، والشهيد معه له شهادتان). ومثله كمال الدين: 2/644، وعنه إثبات الهداة: 3/490، والبحار: 52/126. ونحوه الكافي: 8/80، وفيه: قلت: أصلحك الله إن هؤلاء المرجئة يقولون ما علينا أن نكون على الذي نحن عليه حتى إذا جاء ما تقولون كنا نحن وأنتم سواء! فقال: يا عبد الحميد صدقوا من تاب تاب الله عليه، ومن أسر نفاقاً فلا يرغم الله إلا بأنفه، ومن أظهر أمرنا أهرق الله دمه، يذبحهم الله على الإسلام كما يذبح القصاب شاته! قلت: فنحن يومئذ والناس فيه سواء؟ قال: لا أنتم يومئذ سنام الأرض وحكامها، لا يسعنا في ديننا إلا ذلك، قلت: فإن مت قبل أن أدرك القائم (عليه السلام)؟ قال: إن القائل منكم إذا قال: إن أدركت قائم آل محمد).
المنتظر المخلص في ولائه من أهل الجنة
الكافي: 8/76، عن الحكم بن عتيبة قال: بينا أنا مع أبي جعفر (عليه السلام) والبيت غاص بأهله، إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة له حتى وقف على باب البيت فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ثم سكت، فقال أبو جعفر (عليه السلام): وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال: السلام عليكم، ثم سكت حتى أجابه القوم جميعاً وردوا (عليه السلام)، ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر (عليه السلام) ثم قال: يا ابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك فوالله إني لأحبكم وأحب من يحبكم، ووالله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في دنياً. والله إني لأبغض عدوكم وأبرأ منه، ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه، والله إني لأحل حلالكم وأحرم حرامكم وأنتظر أمركم، فهل ترجو لي جعلني الله فداك؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): إليَّ إليَّ، حتى أقعده إلى جنبه ثم قال: أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسين (عليهما السلام) أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبي (عليه السلام): إن تمت ترد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقر عينك وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسك هاهنا، وأهوى بيده إلى حلقه، وإن تعش تَرَ ما يقر الله به عينك وتكون معنا في السنام الأعلى، فقال الشيخ: كيف قلت: يا أبا جعفر؟ فأعاد عليه الكلام فقال الشيخ: الله أكبر يا أبا جعفر إن أنا مت أرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين (عليهم السلام) وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي إلى هاهنا، وإن أعش أر ما يقر الله به عيني فأكون معكم في السنام الأعلى، ثم أقبل الشيخ ينتحب، ينشج ها ها ها حتى لصق بالأرض، وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون لما يرون من حال الشيخ، وأقبل أبو جعفر (عليه السلام) يمسح بأصبعه الدموع من حماليق عينه
وينفضها، ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر (عليه السلام): يا ابن رسول الله ناولني يدك جعلني الله فداك فناوله يده فقبلها ووضعها على عينيه وخده، ثم حسر عن بطنه وصدره فوضع يده على بطنه وصدره، ثم قام فقال: السلام عليكم، وأقبل أبو جعفر (عليه السلام) ينظر في قفاه وهو مدبر ثم أقبل بوجهه على القوم فقال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فقال الحكم بن عتيبة لم أر مأتماً قط يشبه ذلك المجلس). وعنه البحار: 46/361.
الإمام الصادق (عليه السلام): طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا
كمال الدين: 2/358، عن أبي بصير قال: قال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية، فقلت له جعلت فداك وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة أصلها في دار علي بن أبي طالب (عليه السلام) وليس من مؤمن إلا وفي داره غصن من أغصانها، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): طوبى لهم وحسن مآب). ومثله معاني الأخبار/112، وعنه إثبات الهداة: 3/457، أوله. وقال: ورواه في كتاب كمال الدين بهذا السند مثله والبحار: 52/123، عن كمال الدين ومعاني الأخبار.
الإيمان في دولة الباطل أفضل منه في دولة الحق
الكافي: 1/333، عن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيما أفضل: العبادة في السر مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل، أو العبادة في ظهور الحق ودولته، مع الإمام منكم الظاهر؟ فقال: يا عمار الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك والله عبادتكم في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل وتخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة، أفضل ممن يعبد الله (عزَّ وجلَّ) ذكره في ظهور الحق مع إمام الحق الظاهر في دولة الحق، وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحق، واعلموا أن من صلى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة مستتراً بها من عدوه في وقتها فأتمها كتب الله له
خمسين صلاة فريضة في جماعة، ومن صلى منكم صلاة فريضة واحدة مستتراً بها من عدوه في وقتها فأتمها كتب الله (عزَّ وجلَّ) بها له خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن صلى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمها كتب الله له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله (عزَّ وجلَّ) له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله (عزَّ وجلَّ) حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان بالتقية على دينه وإمامه ونفسه وأمسك من لسانه، أضعافاً مضاعفة، إن الله (عزَّ وجلَّ) كريم.
قلت: جعلت فداك قد والله رغبتني في العمل وحثثتني عليه، ولكن أحب أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحق ونحن على دين واحد؟ فقال: إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله (عزَّ وجلَّ) إلى الصلاة والصوم والحج وإلى كل خير وفقه وإلى عبادة الله عز ذكره سراً من عدوكم مع إمامكم المستتر، مطيعين له صابرين معه منتظرين لدولة الحق، خائفين على إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة، تنظرون إلى حق إمامكم وحقوقكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك واضطروكم إلى حرث الدنيا وطلب المعاش، مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف مع عدوكم، فبذلك ضاعف الله (عزَّ وجلَّ) لكم الأعمال فهنيئاً لكم. قلت: جعلت فداك فما ترى إذا أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحق ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أصحاب دولة الحق والعدل؟ فقال: سبحان الله أما تحبون أن يظهر الله تبارك وتعالى الحق والعدل في البلاد، ويجمع الله الكلمة ويؤلف الله بين قلوب مختلفة، ولا يعصون الله (عزَّ وجلَّ) في أرضه، وتقام حدوده في خلقه، ويرد الله الحق إلى أهله فيظهر حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق؟! أما والله يا عمار لا يموت منكم ميت على الحال التي أنتم عليها إلا كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر وأحد، فأبشروا). ومثله كمال الدين: 2/645، وعنه البحار: 52/127.
وفي الاختصاص/20، عن أمية بن علي، عن رجل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أيما أفضل نحن أو أصحاب القائم (عليه السلام)؟ قال: فقال لي: أنتم أفضل من أصحاب القائم وذلك أنكم تمسون وتصبحون خائفين على إمامكم وعلى أنفسكم من أئمة الجور، إن صليتم فصلاتكم في تقية، وإن صمتم فصيامكم في تقية، وإن حججتم فحجكم في تقية، وإن شهدتم لم تقبل شهادتكم، وعد أشياء من نحو هذا مثل هذه فقلت: فما نتمنى القائم (عليه السلام) إذا كان على هذا؟ قال فقال لي: سبحان الله أما تحب أن يظهر العدل وتأمن السبل وينصف المظلوم). وعنه إثبات الهداة: 3/557، والبحار: 52/144.
وفي ثواب الأعمال/233، عن ميسر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ولدٌ واحدٌ يقدمه الرجل أفضل من سبعين ولد يبقون بعده يدركون القائم). ومثله جامع الأخبار/105، ودعوات الراوندي/285، والبحار: 82/116، وفي/123، عن دعوات الراوندي.
أقول: الأفضلية في هذا الباب تعني أفضلية الثواب بسبب الظروف المحيطة!
الأرض لا تخلو من مؤمنين كاملين كأصحاب الإمام (عليه السلام)
في الأصول الستة عشر/6، عن زيد الزراد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): نخشى أن لا نكون مؤمنين! قال: ولم ذاك؟ فقلت: وذلك أنا لا نجد فينا من يكون أخوه عنده آثر من درهمه وديناره، ونجد الدينار والدرهم آثر عندنا من أخ قد جمع بيننا وبينه موالاة أمير المؤمنين (عليه السلام)! فقال: كلا، إنكم مؤمنون ولكن لا تكملون إيمانكم حتى يخرج قائمنا فعندها يجمع الله أحلامكم فتكونون مؤمنين كاملين. ولو لم يكن في الأرض مؤمنون كاملون إذا لرفعنا الله إليه وأنكرتكم الأرض وأنكرتكم السماء. بل والذي نفسي بيده إن في الأرض في أطرافها مؤمنين، ما قدر الدنيا كلها عندهم تعدل جناح بعوضة). والبحار: 67/350، عن كتاب زيد الزراد.
هذا، وسيأتي في التطور في عصره (عليه السلام) أن المؤمنين يرون الملائكة ويتحدثون معهم، وأن المؤمن يستنزل الطير من السماء، ويحيي الموتى بإذن الله تعالى.
لا فرق على المؤمن إن مات قبل ظهور الإمام (عليه السلام) أو بعده
الكافي: 1/371، أن أبا بصير سأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: تراني أدرك القائم (عليه السلام)؟ فقال: يا أبا بصير ألست تعرف إمامك؟ فقال: إي والله وأنت هو وتناول يده فقال: والله ما تبالي يا أبا بصير ألا تكون محتبياً بسيفك في ظل رواق القائم صلوات الله عليه).
وعنه النعماني/330، والبحار: 52/142.
وفي الكافي: 8/146، عن مالك الجهني قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا مالك أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفوا وتدخلوا الجنة؟ يا مالك إنه ليس من قوم ائتموا بإمام في الدنيا إلا جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه إلا أنتم ومن كان على مثل حالكم، يا مالك إن الميت والله منكم على هذا الأمر لشهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله). ومثله فضائل الشيعة/38، وتأويل الآيات: 2/666، والبحار: 7/180، و: 68/68.
الكافي: 1/372، عن علي بن هاشم، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما ضر من مات منتظراً لأمرنا ألا يموت في وسط فسطاط المهدي وعسكره).
تأويل الآيات الظاهرة: 2/665، عن الحسين بن أبي حمزة، عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك قد كبر سني ودق عظمي واقترب أجلي وقد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت! قال: فقال لي: يا أبا حمزة أو ما ترى الشهيد إلا من قتل؟ قلت: نعم جعلت فداك، فقال لي: يا أبا حمزة من آمن بنا وصدق حديثنا وانتظر أمرنا كان كمن قتل تحت راية القائم، بل والله تحت راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)). وعنه البرهان: 4/293، وغاية المرام/417، والبحار: 27/138 و: 68/141.
وفي النعماني/200، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال ذات يوم: ألا أخبركم بما لا يقبل الله (عزَّ وجلَّ) من العباد عملاً إلا به؟ فقلت: بلى، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، والإقرار بما أمر الله، والولاية لنا والبراءة
من أعدائنا يعني الأئمة خاصة والتسليم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار للقائم (عليه السلام). ثم قال: إن لنا دولة يجيء الله بها إذا شاء، ثم قال: من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة). وعنه إثبات الهداة: 3/536، ملخصاً، والبحار: 52/140. وفي غيبة الطوسي/277، عن عبد الله بن عجلان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من عرف بهذا الأمر ثم مات قبل أن يقوم القائم كان له أجر مثل من قتل معه). وإثبات الهداة: 3/515، والبحار: 52/131.
المؤمن شهيد وإن مات على فراشه
أمالي الطوسي: 2/288، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كل مؤمن شهيد، وإن مات على فراشه فهو شهيد، وهو كمن مات في عسكر القائم. قال: أيحبس نفسه على الله ثم لا يدخله الجنة). وعنه البحار: 52/144.
الكافي: 2/620، عن جابر قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من قرأ المسبحات كلها قبل أن ينام لم يمت حتى يدرك القائم، وإن مات كان في جوار محمد النبي (صلى الله عليه وآله)) ومثله ثواب الأعمال/146، عن جابر، بتفاوت يسير، وعنهما وسائل الشيعة: 4/870، والبحار: 76/201 و: 92/312، وعنه مجمع البيان: 9/229.
إعلام الدين/459: (سأله أبو بصير عن قول الله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً، ما عنى بذلك؟ فقال: معرفة الإمام واجتناب الكبائر، ومن مات وليس في رقبته بيعة لإمام مات ميتة جاهلية، ولا يعذر الناس حتى يعرفوا إمامهم فمن مات وهو عارف بالإمامة لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر، فكان كمن هو مع القائم في فسطاطه. قال: ثم مكث هنيئة ثم قال: لا بل كمن قاتل معه، ثم قال: لا بل والله كمن استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)). وعنه البحار: 27/126.
وفي المحاسن/173، عن ابن سيابة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من مات منكم على أمرنا
هذا فهو بمنزلة من ضرب فسطاطه إلى رواق القائم (عليه السلام) بل بمنزلة من يضرب معه بسيفه، بل بمنزلة من استشهد معه، بل بمنزلة من استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)). ونحوه في/172، عن مالك بن أعين، وفي/173، عن السندي قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول فيمن مات على هذا الأمر منتظراً له؟ قال: هو بمنزلة من كان مع القائم (عليه السلام) في فسطاطه... ونحوه في/150، والنعماني/200، عن العلاء بن سيابة كالمحاسن،، وكمال الدين: 2/338، عن المفضل بن عمر، وفي/644، عن العلاء بن سيابة، كالمحاسن. وعنه وعن المحاسن إثبات الهداة: 3/471 و489، و519، والبحار: 52/125.
الكافي: 1/371، ونحوه 372، عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)؟ فقال: يا فضيل إعرف إمامك فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخر، ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر، كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره، لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه! قال: وقال بعض أصحابه: بمنزلة من استشهد مع رسول الله). ومثله النعماني/329، وغيبة الطوسي/276، وعنهما إثبات الهداة: 3/515، والبحار: 52/131، و141 و142.
المنتظرون له هم الصادقون في الآية
كتاب سليم بن قيس: 189، في حديث طويل عن علي (عليه السلام) قال فيه: أنشدكم الله هل تعلمون أن الله جل اسمه أنزل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)؟ فقال سلمان يا رسول الله أعامة أم خاصة؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما المؤمنون فعامة لأن جماعة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون فخاصة، علي بن أبي طالب وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة). وفي غاية المرام/248: روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) أن الصادقين هاهنا هم الأئمة الطاهرون من آل محمد (صلى الله عليه وآله)).
نَفَسُ المهموم لنا تسبيح
الكافي: 2/226، عن عيسى بن أبي منصور قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: نفس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح، وهمه لأمرنا عبادة، وكتمانه لسرنا جهاد في سبيل
الله. قال لي محمد بن سعيد: أكتب هذا بالذهب فما كتبت شيئاً أحسن منه). وعنه وسائل الشيعة: 11/494، والبحار: 75/83.
وفي أمالي الطوسي: 1/236، عن جابر قال: دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا فودعناه، وقلنا له: أوصنا يا بن رسول الله فقال: ليعن قويكم ضعيفكم، وليعطف غنيكم على فقيركم، ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه، واكتموا أسرارنا ولا تحملوا الناس على أعناقنا، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقا فردوه، وإن اشتبه الأمر عليكم فيه فقفوا عنده وردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا. وإذا كنتم كما أوصيناكم لم تعدوا إلى غيره فمات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيدا، ومن أدرك منكم قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين، ومن قتل بين يديه عدوا لنا كان له أجر عشرين شهيداً). ونحوه الكافي: 2/222، وفي آخره: ومن أدرك قائمنا فخرج معه فقتل عدونا كان له مثل أجر عشرين شهيداً، ومن قتل مع قائمنا كان له مثل أجر خمسة وعشرين شهيداً). وعنه بشارة المصطفى/113، وإثبات الهداة: 3/529، والبحار:: 75/73، وفي: 2/122، و235، و: 78/182، عن أمالي الطوسي.
قلة عدد المؤمنين في زمن الغيبة
دلائل الإمامة/292، عن يعقوب بن شعيب، قال سمعت أبا عبد الله يقول: إن الناس ما يمدون أعناقهم إلى أحد من ولد عبد المطلب إلا هلك، حتى يستوي ولد عبد المطلب لا يدرون أياً من أي، فيمكثون بذلك سنين من دهرهم، ثم يبعث لهم صاحب هذا الأمر).
وفي رسائل المفيد/400: (كيف بكم إذا التفتم يميناً فلم تروا أحداً، والتفتم شمالاً فلم تروا أحداً، واستوت بنو عبد المطلب ورجع عن هذا الأمر كثير ممن يعتقده، يمسي أحدكم مؤمناً ويصبح كافراً، فالله الله في أديانكم، هنالك فانتظروا الفرج).
وفي ملاحم ابن طاووس/185: (ومن المجموع عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لشيعته: كيف أنتم إذا بقيتم سبتاً من دهركم لا ترون إماماً، واستوت أقدام بني عبد المطلب كأسنان المشط، فبينما أنتم كذلك إذ أطلع الله لكم نجمكم، فاحمدوا الله واشكروه).
وفي كمال الدين: 2/409، عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) يقول: كأني بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف مني، أما إن المقر بالأئمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنكر لولدي كمن أقر بجميع أنبياء الله ورسله ثم أنكر نبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمنكر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) كمن أنكر جميع الأنبياء (عليهم السلام)، لأن طاعة آخرنا كطاعة أولنا والمنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا. أما إن لولدي غيبة يرتاب فيها الناس، إلا من عصمه الله (عزَّ وجلَّ)). ونحوه كفاية الأثر/291، وإعلام الورى/414، وكشف الغمة: 3/317، وإثبات الهداة: 3/482، والبحار: 51/160.
وفي كمال الدين: 2/408، عن محمد بن أحمد المدائني، عن أبي غانم قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) يقول: في سنة مائتين وستين تفترق شيعتي! وقال الصدوق رحمه الله: ففيها قبض أبو محمد (عليه السلام) وتفرقت الشيعة وأنصاره فمنهم من انتمى إلى جعفر، ومنهم من تاه، ومنهم من شك، ومنهم من وقف على تحيره، ومنهم من ثبت على دينه بتوفيق الله (عزَّ وجلَّ)). ومثله كفاية الأثر/290، وعنه البحار: 50/334 و161.
وفي كمال الدين: 2/524، عن الحسن بن محمد بن صالح البزاز قال: سمعت الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) يقول: إن ابني هو القائم من بعدي، وهو الذي يجري فيه سنن الأنبياء بالتعمير، والغيبة حتى تقسو القلوب لطول الأمد، فلا يثبت على القول به إلا من كتب الله (عزَّ وجلَّ) في قلبه الإيمان وأيده بروح منه). ومثله الخرائج: 2/964، وعنه الصراط المستقيم: 2/238، وإثبات الهداة: 3/488، والبحار: 51/224.
فأولئك معنا ونحن منهم
تحف العقول/514، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: افترق الناس فينا على ثلاث فرق:
فرقة أحبونا انتظار قائمنا ليصيبوا من دنيانا، فقالوا وحفظوا كلامنا وقصروا عن فعلنا، فسيحشرهم الله إلى النار. وفرقة أحبونا وسمعوا كلامنا ولم يقصروا عن فعلنا، ليستأكلوا الناس بنا! فيملؤ الله بطونهم ناراً ويسلط عليهم الجوع والعطش. وفرقة أحبونا وحفظوا قولنا وأطاعوا أمرنا، ولم يخالفوا فعلنا، فأولئك منا ونحن منهم). وعنه البحار: 78/382.
ذلك من رفقائي وذوي مودتي
كمال الدين: 1/286، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه، ويتولى أولياءه ويعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودتي، وأكرم أمتي علي يوم القيامة). ومثله غيبة الطوسي/275.
كرواية كمال الدين الثانية، بتفاوت يسير.
رجعة بعض المؤمنين إلى الدنيا
العياشي: 2/112، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن قول الله: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)؟ قال: يعني في الميثاق، قال ثم قرأت عليه: (التَّائِبُونَ العَابِدُون)، فقال أبو جعفر: لا، ولكن اقرأها: التائبين العابدين.. وقال: إذا رأيت هؤلاء، فعند ذلك هؤلاء اشترى منهم أنفسهم وأموالهم يعني في الرجعة). وفي/113، عن البرقي، وفيه: ما من مؤمن إلا وله ميتة، من مات بعث حتى يقتل، ومن قتل بعث حتى يموت. ومختصر البصائر/21، والإيقاظ/275، مختصراً، وعنهما البحار: 53/71.
العياشي: 2/112، عن زرارة قال: كرهت أن أسأل أبا جعفر (عليه السلام) في الرجعة، فاحتلت مسألة لطيفة أبلغ فيها حاجتي، فقلت: جعلت فداك أخبرني عمن قتل مات؟ قال: الموت موتٌ والقتل قتل، قال: فقلت له: ما أحد يقتل إلا مات! قال: فقال: يا
زرارة قول الله أصدق من قولك، قد فرق بينهما في القرآن، قال: (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ). وقال: (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ). ليس كما قلت يا زرارة، الموت موت والقتل قتل، وقد قال الله: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ..) الآية، قال فقلت له إن الله يقول: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)، أفرأيت من قتل لم يذق الموت؟ قال فقال: ليس من قتل بالسيف كمن مات على فراشه، إن من قتل لا بد من أن يرجع إلى الدنيا حتى يذوق الموت)! وفي: 1/202، كروايته الأولى بتفاوت، ومختصر البصائر/19، كرواية العياشي الثانية، وعنه الإيقاظ/273، وأشار إلى رواية العياشي. وعنهما البحار: 53/65.
رجعة بعض الشهداء والمؤمنين إلى الدنيا
مختصر البصائر/17، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ليس من مؤمن إلا وله قتلة وموتة، إنه من قتل نشر حتى يموت، ومن مات نشر حتى يقتل، ثم تلوت على أبي جعفر (عليه السلام) هذه الآية: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)؟ فقال: ومنشورة. قلت: قولك ومنشورة ما هو؟ فقال: هكذا أنزل بها جبرئيل (عليه السلام) على محمد (صلى الله عليه وآله) كل نفس ذائقة الموت ومنشورة، ثم قال: ما في هذه الأمة أحد بر ولا فاجر إلا وينشر، أما المؤمنون فينشرون إلى قرة أعينهم، وأما الفجار فينشرون إلى خزي الله إياهم. ألم تسمع أن الله تعالى يقول: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ)، وقوله: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ)، يعني بذلك محمداً (صلى الله عليه وآله)، قيامه في الرجعة ينذر فيها. وقوله: (إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً لِلْبَشَر)، يعني محمداً (صلى الله عليه وآله) نذيراً للبشر في الرجعة. وقوله: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، قال: يظهره الله (عزَّ وجلَّ) في الرجعة. وقوله: (حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ) هو علي بن أبي طالب صلوات الله عليه إذا رجع في الرجعة. قال جابر قال أبو جعفر (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله (عزَّ وجلَّ): (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا
مُسْلِمِينَ)، قال: هو أنا إذا خرجت أنا وشيعتي وخرج.... وشيعته ونقتل بني أمية، فعندها يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين). وعنه الإيقاظ/357، مختصراً، والبحار: 53/64.
تأويل الآيات: 2/764، عن أبي اسمة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ). إلى أن قال قلت: ما معنى قوله: (ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ)، قال: يمكث بعد قتله ما شاء الله، ثم يبعثه الله، وذلك قوله: (إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ). وقوله لما يقض ما أمره في حياته بعد قتله في الرجعة). وعنه البرهان: 4/428، والبحار: 53/99.
وفي مختصر البصائر/19، عن صفوان بن يحيى عن الرضا (عليه السلام) قال سمعته يقول في الرجعة: من مات من المؤمنين قتل ومن قتل منهم مات). وعنه الإيقاظ/272 والبحار: 53/66.
أقول: هذا من غرائب الأحاديث التي تقول بأن المؤمن لا بد أن يكون شهيداً في سبيل الله تعالى، فإن لم يقتل في حياته الأولى يرد في الرجعة حتى يستشهد وقد ورد مثلها روايات أخر عن أهل البيت (عليهم السلام)، ومنها في تفسير قوله تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ..). ختم الله لنا بخيرها عاقبة.
أهمية الإستعداد حتى الشكلي لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام)
النعماني/320، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ليُعِدَّنَّ أحدُكم لخروج القائم ولو سهماً، فإن الله تعالى إذا علم ذلك من نيته، رجوت أن ينسئ في عمره حتى يدركه، فيكون من أعوانه وأنصاره). وعنه البحار: 52/366. يعلمنا بذلك (عليه السلام) أن الأمل بظهوره (عليه السلام) عمل إيجابي ولو طال الانتظار عصوراً لأنه مظهر اليقين بوعد الله تعالى.
فلاح السائل/199: عن يحيى بن الفضل النوفلي قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ببغداد حين فرغ من صلاة العصر فرفع يديه إلى السماء، وسمعته يقول: أسألك باسمك المكنون المخزون الحي القيوم الذي لا يخيب من سألك به، أن تصلي على محمد وآله، وأن تعجل فرج المنتقم لك من أعدائك، وأنجز له ما وعدته، يا ذا الجلال والإكرام). ومصباح المتهجد/65، والكفعمي/33، والبلد الأمين/19،
والبحار: 86/80.
سنة الله في غربلة أجيال المؤمنين وتصفية الشيعة
النعماني/209، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (كونوا كالنحل في الطير، ليس شيء من الطير إلا وهو يستضعفها، ولو علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك، خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم، وزايلوهم (انفصلوا عنهم) بقلوبكم وأعمالكم، فوالذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يسمي بعضكم بعضاً كذابين، وحتى لا يبقى منكم أو قال من شيعتي إلا كالكحل في العين والملح في الطعام، وسأضرب لكم مثلاً، وهو مثل رجل كان له طعام فنقَّاه وطيبه، ثم أدخله بيتاً وتركه فيه ما شاء الله ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابه السوس فأخرجه ونقاه وطيبه، ثم أعاده إلى البيت فتركه ما شاء الله ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابته طائفة من السوس فأخرجه ونقاه وطيبه وأعاده، ولم يزل كذلك حتى بقيت منه رزمة كرزمة الأندر لا يضره السوس شيئاً! وكذلك أنتم تميزون حتى لا يبقى منكم إلا عصابة لا تضرها الفتنة شيئاً). والأندر: بضم الهمزة كدس سنابل الحنطة. تاج العروس: 6/65.
ابن حماد: 1/333، عن علي قال: لا يخرج المهدي حتى يبصق بعضكم في وجه بعض). وعنه جمع الجوامع: 2/103، والحاوي: 2/68، وكنز العمال: 14/587، والمغربي/578.
النعماني/109، وطبعة/205، عن عميرة بنت نفيل قالت: سمعت الحسين بن علي (عليهما السلام) يقول: لا يكون الأمر الذي ينتظر حتى يبرأ بعضكم من بعض ويتفل بعضكم في وجوه بعض فيشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً! فقلت له ما في ذلك الزمان من خير، فقال الحسين (عليه السلام): الخير كله في ذلك الزمان يقوم قائمنا، ويدفع ذلك كله). وعنه إثبات الهداة: 3/726، والبحار: 52/211.
غيبة الطوسي/207، عن عباية الأسدي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: كيف أنتم إذا
بقيتم بلا إمام هدى ولا علم يرى، يبرأ بعضكم من بعض). وعنه ثبات الهداة: 3/510، والبحار: 51/111، ومثله الخرائج: 3/1153، وعقد الدرر/63، ومنتخب الأنوار/30.
النعماني/191 و192، عن عبد الله بن عقبة عن علي (عليه السلام): كأني بكم تجولون جولان الإبل تبتغون مرعى ولا تجدونها يا معشر الشيعة). ونحوه كمال الدين: 1/302، عن أمير المؤمنين (عليه السلام). وفي/303، عن الحسين (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام): وفيه: للقائم منا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه، فهو معي في درجتي يوم القيامة. وعنه إعلام الورى/400، وإثبات الهداة: 3/463، و464، والبحار: 51/109، و114.
تفسير القمي: 2/204: عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ): هو الدخان والصيحة. (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ): وهو الخسف. (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً): وهو اختلاف في الدين وطعن بعضكم على بعض. (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ): وهو أن يقتل بعضكم بعضاً! وكل هذا في أهل القبلة). والبحار: 9/205.
غيبة الطوسي/206، عن جابر الجعفي قال: قلت لأبي جعفر: متى يكون فرجكم؟ فقال: هيهات هيهات، لا يكون فرجنا حتى تغربلوا ثم تغربلوا ثم تغربلوا، يقولها ثلاثاً حتى يذهب الله تعالى الكدر ويبقي الصفو). وعنه إثبات الهداة: 3/510، والبحار: 52/113. وفي النعماني/205، عن أبي بصير، عن الإمام الباقر (عليه السلام): والله لتميزن، والله لتمحصن، والله لتغربلن كما يغربل الزوان من القمح). وعنه البحار: 52/114.
النعماني/207، عن مهزم بن أبي بردة الأسدي وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: والله لتكسرن تكسر الزجاج وإن الزجاج ليعاد فيعود كما كان. والله لتكسرن تكسر الفخار فإن الفخار ليتكسر فلا يعود كما كان، والله لتغربلن والله لتميَّزُنَّ والله لتمحصن حتى لايبقى منكم إلا الأقل، وصعَّر كفه). وغيبة الطوسي/206، وعنه البحار: 52/101.
النعماني/156 و157، عن عبد الكريم قال: ذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) القائم فقال: أنى يكون ذلك ولم يستدر الفلك حتى يقال: مات أو هلك، في أي واد سلك؟ فقلت:
وما استدارة الفلك؟ فقال: اختلاف الشيعة بينهم... إذا استدار الفلك فقيل مات أو هلك في أي واد سلك؟ قلت: جعلت فداك ثم يكون ماذا؟ قال: لايظهر إلا بالسيف). وعنه البحار: 52/227، و: 51/148.
كمال الدين: 2/347، عن عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم يرى يتبرأ بعضكم من بعض، فعند ذلك تميزون وتمحصون وتغربلون، وعند ذلك اختلاف السيفين وأمارة من أول النهار، وقتل وخلع من آخر النهار). وعنه إثبات الهداة: 3/473، والبحار: 52/112.
النعماني/208، عن إبراهيم بن هلال قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك مات أبي على هذا الأمر وقد بلغت من السنين ما قد ترى، أموت ولا تخبرني بشيء، فقال: يا أبا إسحاق أنت تعجل فقلت: إي والله أعجل وما لي لا أعجل وقد كبر سني وبلغت أنا من السن ما قد ترى، فقال: أما والله يا أبا إسحاق، ما يكون ذلك حتى تميزوا وتمحصوا وحتى لا يبقى منكم إلا الأقل، ثم صعر كفه: لولا أن يقع عند غيركم كما قد وقع غيره لأعطيتكم كتاباً لا تحتاجون إلى أحد حتى يقوم القائم). وعنه البحار: 2/213، ونحوه البصائر/478، عن عنبسة بن مصعب.
وفي غيبة الطوسي/204، عن ابن أبي نصر قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): والله لا يكون الذي تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا وتمحصوا حتى لايبقى منكم إلا الأندر ثم تلا: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً). وعنه إثبات الهداة: 3/510، والبحار: 52/113.
تفسير العياشي: 2/215، عن أيوب بن نوح قال: قال لي أبو الحسن العسكري (عليه السلام)، وأنا واقف بين يديه بالمدينة ابتداءً من غير مسألة: يا أيوب إنه ما نبأ الله من نبي إلا بعد أن يأخذ عليه ثلاث خصال: شهادة أن لا إله إلا الله، وخلع الأنداد من دون الله، وأن لله لمشية يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء. أما إنه إذا جرى الاختلاف بينهم لم يزل
الاختلاف بينهم إلى أن يقوم صاحب هذا الأمر). وعنه البرهان: 2/299، البحار: 4/118.
الكافي: 1/370، عن منصور الصيقل قال: كنت أنا والحارث بن المغيرة وجماعة من أصحابنا جلوسا وأبو عبد الله (عليه السلام) يسمع كلامنا، فقال لنا: في أي شيء أنتم؟ هيهات هيهات، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تغربلوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تمحصوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا، لا والله ما يكون ما تمدون إليه أعينكم إلا بعد إياس، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد). وفي/370: يا منصور إن هذا الأمر لا يأتيكم إلا بعد إياس، ولا والله حتى تميزوا، ولا والله حتى تمحصوا. وغيبة الطوسي/203، والنعماني/208، كالكافي الأولى. وكمال الدين: 2/346، كالثانية. وعنهما إثبات الهداة: 3/510، والبحار: 52/111.
التقية واجبة إلى ظهور الإمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)
جامع الأخبار للطبرسي/95، عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): من ترك تقية قبل خروج قائمنا فليس منا). وعنه إثبات الهداة: 3/567، والبحار: 75/411.
وفي المحاسن/259 عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كلما تقارب هذا الأمر كان أشد للتقية). والكافي: 2/220، وجامع الأخبار/96، والوسائل: 11/462، والبحار: 75/399.
الهداية/47، عن الصادق (عليه السلام): الرياء في داره مع المنافق عبادة ومع المؤمن شرك والتقية واجبة لا يجوز تركها إلى أن يخرج القائم، فمن تركها فقد دخل في نهي الله (عزَّ وجلَّ) ونهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة صلوات الله عليهم). وعنه البحار: 75/421.
* * *
الفصل السادس عشر: بلاد العرب في عصر ظهور المهدي (عليه السلام)
مدح العرب وذمهم في مصادر الحديث
وردت في مصادر الحديث السنية والشيعية أحاديث تمدح العرب وبلادهم، وأحاديث تذمهم، ولا بد من التثبت في كل ما روي في مدح البلاد والأقوام أو ذمهم، لأن الكذب فيها كثر بسبب الصراعات التاريخية بين الأقوام والأقاليم والمناطق. فلا بد من فحص الظروف والأحداث والقرائن التي تتصل بالنص وفحض النصوص الأخرى المشابهة، فذلك أهم من السند على أهميته.
ومن الأحاديث السنية التي تذم العرب الحديث المشهور: (ويلٌ للعرب من شر قد اقترب! فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسى كافراً، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر أو قال على الشوك). رواه أحمد: 2/390، بهذا اللفظ وغيره، واشتهرت رواية أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: استيقظ النبي (صلى الله عليه وآله) من نومه وهو محمرٌّ وجهه وهو يقول: لا إله إلا الله
ويل للعرب من شر قد اقترب! فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلَّق (عمل بأصابعه حلقة) قلت: يا رسول الله أنهلكُ وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث). وأحمد في: 6/428 و429، وبخاري في عدة مواضع من صحيحه: 4/109 و176 و: 8/88 و104، ومسلم: 8/166، وغيرهم.
وهي برأيي أحاديث مكذوبة في أصلها، أو مناسبتها، فقد أخفى راويها السبب الذي جعل النبي (صلى الله عليه وآله) يقوم من نومه مُحْمَرَاً وجهه! وقد استعملها الأمويون للتهويل بمقتل عثمان على يد الصحابة، واعتبروه نكسة للعرب وويلاً حلَّ بهم! وراويه كما رأيت أم حبيبة بنت أبي سفيان وأخت معاوية!
ومما يوجب الشك في الرواية ما زعمته من انفتاح كوة في ردم يأجوج، وهو أمر غير معقول أو غير مفهوم، لأن الآية تقول: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يأجوج وَمأجوج وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ) (الأنبياء: 96 - 97) فتضيف الفتح إلى نفس يأجوج ومأجوج، ولم يرد تعبير فتح السد أو الردم أبداً، بل نص القرآن على أن دك السد من علامات الساعة: (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً) (الكهف: 98) ومن البعيد أن يبدأ دكه بفتح كوة فيه في عهد النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم يتم دكه قبيل القيامة بعد ألوف السنين! ومما يوجب ضعف الحديث أن أبا هريرة استعمله بعكس هذا المعنى، فقد روى بمعناه عندما ساءت علاقته مع بني أمية بعد وقعة الحرة! فقد روى بخاري: 8/88، عن حفيد سعيد بن العاص قال: (كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) بالمدينة ومعنا مروان قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: هَلَكةُ أمتي علي يدي غِلْمَةٍ من قريش! فقال مروان: لعنةُ الله عليهم غِلمة! فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت! فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلماناً أحداثاً قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم! قلنا أنت أعلم)!
وروى الحاكم وصححه على شرط الشيخين: 1/108، أن أبا هريرة كان (يقوم يوم الجمعة إلى جانب المنبر فيطرح أعقاب نعليه في ذراعيه ثم يقبض على رمانة المنبر يقول: قال أبو القاسم (صلى الله عليه وآله)، قال محمد (صلى الله عليه وآله)، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال الصادق المصدوق (صلى الله عليه وآله) ثم يقول في بعض ذلك: ويل للعرب من شر قد اقترب! فإذا سمع حركة باب المقصورة بخروج الإمام جلس)! انتهى.
لاحظ أن مفاد حديث أم حبيبة كأن النبي (صلى الله عليه وآله) أنذر من ويل العرب لظلمهم بني أمية، وفي حديث أبي هريرة صار ويل العرب من ظلم بني أمية!
وفي مصنف عبد الرزاق: 11/373، عن أبي هريرة: ويل للعرب من شر قد اقترب! على رأس الستين تصير الأمانة غنيمة والصدقة غريمة والشهادة بالمعرفة والحكم بالهوى). وعنه ابن شيبة: 8/611: (ويل للعرب من شر قد اقترب: إمارة الصبيان، إن أطاعوهم أدخلوهم النار، وإن عصوهم ضربوا أعناقهم)!
وفي فتن ابن حماد: 1/204، عن أبي هريرة أيضاً: ويل للعرب بعد الخمس والعشرين والمائة، ويل لهم من هرج عظيم! الأجنحة وما الأجنحة والويل في الأجنحة رياح قفا هبوبها، ورياح تحرك هبوبها، ورياح تراخى هبوبها! ألا ويل لهم من الموت السريع والجوع الفظيع والقتل الذريع! يسلط الله عليها البلاء بذنوبها فيكفر صدورها ويهتك ستورها ويغير سرورها! ألا وبذنوبها تنتزع أوتادها، وتقطع أطنابها وتكدر رياحها، ويتحير مراقها! ألا ويل لقريش من زنديقها يحدث أحداثاً يكدر دينها ويهدم عليها خدورها ويقلب عليها جيوشها! ثم تقوم النائحات الباكيات باكية تبكي على دنياها، وباكية تبكي على ذل رقابها، وباكية تبكي من استحلال فروجها، وباكية تبكي أولادها في بطونها، وباكية من جوع أولادها! وباكية تبكي من ذلها بعد عزها وباكية تبكي على رجالها، وباكية تبكي خوفاً من جنودها، وباكية تبكي شوقاً إلى قبورها). انتهى. ومقصوده بالأجنحة: القصور التي لها شرفات
كالأجنحة، فقد كانت جديدة على العرب حتى عدوها من علامات الساعة، أو علامات هلاك العرب!
ومن نوع هذه الأحاديث المكذوبة ما رووه من أن الكعبة ستهدم ومكة ستخرب! وأن العرب ستفنى وتعود فلولها إلى صحرائها وأباعرها! وهي أساطير نشرها اليهود بين المسلمين وألبسوها ثوباً دينياً، واستطاع كعب أن يُقنع بها بعض كبار الصحابة ويُحولها إلى أحاديث نبوية! وما زالت تسكن في صحاح الخلافة، كما تقدم في أحاديث الدجال! وقد بحثنا في المجلد الأول من(ألف سؤال وإشكال) نظرتهم إلى مستقبل الإسلام وأنه سينتهي، فقد رووا عن عمر قوله: (إن الإسلام بدأ جذعاً ثم ثنياً ثم رباعياً ثم سديسياً ثم بازلاً! فما بعد البزول إلا النقصان)! (مسند أحمد: 3/463) فكان عمر يرى أن الإسلام في عصره سديسياً لست سنين ولا بد أن يهرم وينتهي! وكان يقول: (سيخرج أهل مكة ثم لايعبر بها إلا قليل، ثم تمتلئ وتبنى ثم يخرجون منها فلا يعودون فيها أبداً)! (أحمد: 1/23. وحسنه الهيثمي: 3/298).
أما بخاري فعقد باباً في: 2/159، بعنوان: (باب هدم الكعبة!) روى فيه حديث أحمد المتقدم ثم قال: (عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يُخَرِّبُ الكعبةَ ذو السويقتين (الرِّجْلين النحيفتين) من الحبشة)! ورواه مسلم: 8/183، ثم روى حديثين آخرين في أحدهما: كأني به أسود أفحج يقلعها حجراً حجراً! فالخط البياني لمستقبل الإسلام عند أتباع الخلافة خطاً نزولي كما أقنعهم كعب! والصحابة عندهم خير الأمة وعصرهم أفضل عصورها وبعدهم ستضعف وتنهار الأمة، ويفنى العرب، وتخرب مكة، وتهدم الكعبة!
* * *
أما أهل البيت (عليهم السلام)، فقد كانوا من جهة يجهرون بانحراف الأمة وتحالف قبائل قريش على غصب الخلافة منهم ومخالفة وصية النبي (صلى الله عليه وآله)، ومن جهة أخرى كانوا ينشرون في الأمة بشارة النبي (صلى الله عليه وآله) بأن الإسلام كحديقة أطعم منها فوج عاماً وفوج
عاماً، ولعل فوجها الأخير أينع ثمراً، وأعم خيراً!
روى الصدوق في الخصال/475: (عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أبشروا ثم أبشروا، ثلاث مرات إنما مثل أمتي كمثل غيث لا يدرى أوله خير أم آخره، إنما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم منها فوج عاماً، ثم أطعم منها فوج عاماً، لعل آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً وأعمقها طولاً وفرعاً، وأحسنها جنىً! وكيف تهلك أمة أنا أولها واثنا عشر من بعدي من السعداء وأولي الألباب، والمسيح عيسى بن مريم آخرها؟! ولكن يهلك بين ذلك نتج الهرج، ليسوا مني ولست منهم)! وكمال الدين/269، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2/56.
وفي إقبال الأعمال/582، عن أبان بن محمد المعروف بالسندي نقلناه من أصله قال: كان أبو عبد الله (عليه السلام) تحت الميزاب وهو يدعو وعن يمينه عبد الله بن الحسن وعن يساره حسن بن حسن، وخلفه جعفر بن حسن، قال فجاءه عباد بن كثير البصري قال فقال له: يا أبا عبد الله، قال: فسألت عنه حتى قالها ثلاثاً، قال ثم قال له: يا جعفر، فقال له: قل ما تشاء يا أبا كثير، قال: إني وجدت في كتاب لي، علم هذه البنية رجل ينقضها حجراً حجراً، قال فقال له: كذب كتابك يا أبا كثير ولكن كأني والله بأصفر القدمين حمش الساقين ضخم البطن رقيق العنق ضخم الرأس على هذا الركن، وأشار بيده إلى الركن اليماني، يمنع الناس من الطواف حتى يتذعروا منه، قال: ثم يبعث الله له رجلاً مني وأشار بيده إلى صدره فيقتله قتل عاد وثمود وفرعون ذي الأوتاد. قال فقال له عند ذلك عبد الله بن الحسن: صدق والله أبو عبد الله، حتى صدقوه كلهم جميعاً). وعنه البحار: 47/303، و: 51/148.
* * *
والذي يدخل في غرضنا مباشرة: مدح العرب أو ذمهم في عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، وأحاديثه متشابهة في مصادر الطرفين: فمنها ما يمدح بلاد العرب: كما في مسند أحمد: 2/370، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة
حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً، وحتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف ضلال الطريق وحتى يكثر الهرج. قالوا وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل. ومسلم: 2/701، عن أبي هريرة، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً). والحاكم: 4/477، أوله، وصححه. ومصابيح البغوي: 3/488، كما في مسلم، من صحاحه، ومجمع الزوائد: 7/331، عن أحمد، وصححه، والدر المنثور: 6/51 أوله، وقال: وأخرج مسلم، والحاكم وصححه عن أبي هريرة، والأحاديث الصحيحة/10، وقال: رواه مسلم وأحمد والحاكم من حديث أبي هريرة، والجمع بين الصحيحين/183، والمسند الجامع: 18/413، وفيه: وحتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف ضلال الطريق). انتهى.
ومن القرائن المؤيدة لارتباط هذا الحديث بعصر ظهور المهدي (عليه السلام) أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) التي وصفت الرخاء في عصره (عليه السلام) وأن تحول الصحاري القاحلة إلى مروج يحتاج إلى معجزة أو إمكانات عظيمة جداً، لا تتوفر إلا في عصر المهدي (عليه السلام).
ومنها ما يمدح الشام ويذم بعض بلاد العرب: ففي أحمد: 2/118، عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: وفي نجدنا، قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: وفي نجدنا، قال: هنالك الزلازل والفتن، منها أو قال بها يطلع قرن الشيطان). وأحمد 2/40 و50، عن عبد الله بن عمر، وفي/90، عن ابن عمر، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا مرتين، فقال رجل: وفي مشرقنا يا رسول الله؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هنالك يطلع قرن الشيطان لها تسعة أعشار الشر. ونحوه في/121. وفي الموطأ: 2/975، وعبد الرزاق: 11/463، كرواية أحمد الثانية بتفاوت يسير، عن ابن عمر. ونحوه بخاري: 9/67، بروايتين في الثانية: قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا، فأظنه قال في الثالثة! ومسلم: 4/2228، كرواية أحمد الثانية.
وفي الترمذي: 4/530، والطبراني الصغير: 2/36، عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) استقبل مطلع الشمس فقال: من ها هنا يطلع قرن الشيطان، من ها هنا الزلازل والفتن والفدادون وغلظ القلوب. والطبراني الأوسط: 1/247، كرواية مسلم الأولى، والطبراني الكبير: 12/384، عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: اللهم
بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، فقالها مراراً فلما كان في الثالثة أو الرابعة، قالوا: يا رسول الله، وفي عراقنا، قال: إن بها الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان. وحلية الأولياء: 6/348، كرواية أحمد الثانية بتفاوت يسير.
وفي تهذيب ابن عساكر: 1/34، عن ابن عمر، وفيه. اللهم بارك لنا في مكتنا، وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في شامنا وبارك لنا في يمننا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مُدنا، فقال رجل يا رسول الله، وفي عراقنا؟ فأعرض عنه فرددها ثلاثاً، كل ذلك يقول الرجل وفي عراقنا، فيعرض عنه فقال: بها الزلازل والفتن، وفيها يطلع قرن الشيطان. وفي رواية وفي نجدنا بل وفي عراقنا وقال: رواه الحاكم بلفظ: فقال رجل: يا رسول الله العراق ومصر؟ فقال: هناك ينبت قرن الشيطان وثَم الزلازل والفتن. وفي رواية: وفي مشرقنا، قال: من هناك يطلع قرن الشيطان وبه تسعة أعشار الشر. لكن رواه أيضاً عن معاذ بن جبل واستثنى العراق فقط! ولفظه: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مُدِّنا وفي شامنا وفي يمننا وفي حجازنا، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله وفي عراقنا، فأمسك عنه، فلما كان في اليوم الثاني قال مثل ذلك، فقال إليه الرجل فأعاد مقالته، فأمسك عنه فولى وهو يبكي فدعاه النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: أمن العراق أنت؟ قال: نعم. فقال: إن أبي إبراهيم (عليه السلام) أراد أن يدعو عليهم فأوحى الله إليه: لا تفعل فإني جعلت خزائن علمي فيهم وأسكنت الرحمة قلوبهم)!
وفي مسند الشاميين للطبراني: 2/246، عن ابن عمر عن أبيه أن رسول الله قال: اللهم بارك لنا في مكتنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في شامنا، وبارك لنا في يمننا، اللهم بارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مُدنا، فقال: رجل يا رسول الله وعراقنا؟ فأعرض عنه فرددها ثلاثاً، وكان ذلك الرجل يقول: وعراقنا؟ فيعرض عنه)!
أقول: أمام هذا التفاوت والتهافت، فإن غاية ما يمكنك أن تحكم به أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال شيئاً في فتنة! وتتوقف في الباقي! ولعل أصل الحديث لا ذكر فيه للشام ولا أي بلد! كالذي رواه ابن شيبة: 8/611، وغيره: (ويل للعرب من شر قد اقترب: إمارة الصبيان، إن أطاعوهم أدخلوهم النار، وإن عصوهم ضربوا أعناقهم)!
* * *
وفي أحمد: 4/110، عن ابن حوالة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيصير الأمر إلى أن تكون
جنود مجندة، جند بالشام وجند باليمن، وجند بالعراق. فقال ابن حوالة: خِرْ لي يا رسول الله إن أدركت ذاك، قال: عليك بالشام فإنه خيرة الله من أرضه، يجتبي إليه خيرته من عباده، فإن أبيتم فعليكم بيمنكم واستقوا من غدركم، فإن الله (عزَّ وجلَّ) قد توكل لي بالشام وأهله). ونحوه في: 5/33 و299، وتاريخ بخاري: 5/33، وحلية الأولياء: 2/3/87، وكلها عن ابن حوالة قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فشكونا إليه الفقر والعري وقلة الشيء، فقال: أبشروا فوالله لأنا من كثرة الشيء أخوف عليكم من قلته، والله لايزال هذا الأمر فيكم حتى تفتح لكم أرض فارس والروم وأرض حمير، وحتى تكونوا أجناداً ثلاثة، جند بالشام وجند بالعراق وجند باليمن، وحتى يعطى الرجل المائة دينار فيتسخطها.
وفي سنن البيهقي: 9/179: قال ابن حوالة: فقلت يا رسول الله إختر لي إن أدركني ذلك، قال: إني أختار لك الشام فإنه صفوة الله من بلاده، وإليه تجتبى صفوته من عباده، يا أهل اليمن عليكم بالشام فإن من صفوة الله من أرضه الشام، ألا فمن أبي فليستبق في غدر اليمن، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله).
أما في جامع الأحاديث القدسية: 3/292، فقد حول ابن حوالة مدح الشام إلى حديث قدسي! قال: قال: عليك بالشام ثلاثاً فلما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) كراهيتي للشام قال: هل تدرون ما يقول ما يقول الله (عزَّ وجلَّ) في الشام؟ يقول: يا شام يا شام يدي عليك، يا شام أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي من عبادي أنت سيف نقمتي وسوط عذابي أنت الأنذر وإليك المحشر! ورأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤ تحمله الملائكة، قلت: ما تحملون؟ قالوا: عمود الإسلام أمرنا أن نضعه بالشام وبينا أنا نائم رأيت كتاباً وفي لفظ عمود الكتاب اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله قد تخلى عن أهل الأرض فاتبعته بصري فإذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع بالشام! فقال: ابن حواله يا رسول الله خر لي! فقال عليك بالشام، فمن أبى أن يلحق بالشام فليلحق بيمنه وليستق من غدره، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله). انتهى.
وقد روي هذا الحديث القدسي المزعوم، عن كعب الأحبار افتراءً على الله تعالى!
وقال ابن قدامة في الشرح الكبير: 10/376: (وقد جاء في حديث مصرحاً به: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم بالشام. وفي حديث مالك بن يخامر عن معاذ قال: وهم بالشام، رواه البخاري وروى في تاريخه عن أبي هريرة عنه عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لا تزال طائفة بدمشق ظاهرين، وقد روي في الشام أخبار كثيرة منها حديث عبد الله بن حوالة الأزدي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال.. فإن الله تكفل لي بالشام وأهله، رواه أبو داود بمعناه، وكان أبو إدريس إذا روى هذا الحديث قال ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه)! ونحوه أبو داود: 3/4، والطبراني الكبير: 4/275، عن أبي طلحة الخولاني، وفي: 22/55، عن واثلة بن الأسقع بتفاوت. وفي/58: 137، عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول لحذيفة بن اليمان ومعاذ بن جبل وهما يستشيرانه في المنزل، فأومى إلى الشام، ثم سألاه فأومى إلى الشام، ثم سألاه فأومى إلى الشام، قال: عليكم بالشام فإنها صفوة بلاد الله يسكنها خيرته من خلقه!! إلى آخره.
هذا، وقد روت عشرات المصادر أن أهل الشام هم الطائفة الظاهرة! كالسنن في الفتن: 4/943، وكشف الخفاء: 1/544، ومختصر زوائد البزار: 2/385، والمعجم الكبير: 4/275، وفضائل الشام/32، ومشكل الآثار: 2/35، ومسند الشاميين: 1/172، و192، و323، والمسند الجامع: 8/250!
أقول: من الواضح أن هذه الأحاديث كلها موظفة لمدح الشام في مقابل الحجاز والعراق، وفيها كرهٌ واضح لأهل اليمن، وهي تعكس الصراع بين اليمانية والحجازية الذي حدث زمن معاوية! وأشهر رواتها وربما أولهم: ابن حوالة الذي كان متعصباً لعثمان، لكن ظهر ذلك منه بعد موت عثمان وسيطرة معاوية! أما في حياة عثمان فلعله كان مع المحاصرين له! روى عنه ابن عاصم في السنة/577، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال له: كيف تصنع في فتنة في أقطار الأرض كأنها صياصي البقر، والتي بعدها كنفخة أرنب؟ فقال: ما خار الله لي ورسوله! فقال لي: إتبع هذا فإنه يومئذ ومن اتبعه على الحق. قال: فلحقت الرجل فأخذت بمنكبيه فلفته فقلت: يا رسول الله هذا؟ قال: نعم فإذا هو عثمان ابن عفان). وروى عنه أحمد: 4/110و: 5/288، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال له: من نجا من ثلاث فقد نجا ثلاث مرات: موتي والدجال وقتل خليفة مصطبر بالحق).
انتهى.
فقد كان ابن حوالة إذن يرى أن خروج الدجال قريب، وذلك على مذهب اليهود الذي نشره كعب الأحبار، وكذلك (حديثه القدسي!) في مدح الشام هو قول كعب.
* * *
الفصل السابع عشر: مصر في عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)
وردت عدة أحاديث عن مصر في عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) لكن فيها الضعيف، وفيها ما يتعلق بحركة الفاطميين ودخولهم إلى مصر وبلاد الشام، وقد خلطها بعض الرواة بأحاديث خروج السفياني وظهور المهدي (عليه السلام). وبعض أحاديثها صحيح يمدح أهل مصر ونجباءها الذين هم من الأصحاب الخاصين للإمام المهدي (عليه السلام) ويخبر أن الإمام المهدي (عليه السلام) سيجعل مصر منبراً عالمياً للإسلام، وهذه خلاصتها:
تقدم من فتح الباري: 13/277: (وأخرج أبو نعيم أيضاً من طريق كعب الأحبار أن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر، قال: وبين مولده ومخرجه ثلاثون).
أقول: يريد كعب بهذا قول الباطل، أن الدجال الذي هو عندهم ملك اليهود، يولد في مصر كموسى (عليه السلام) ويقود بني إسرائيل! وقد تقدم ذلك في فصل الدجال.
وروى الحاكم: 4/462، عن كعب الأحبار أيضاً نبوءة مكذوبة عن خراب مصر قال: (الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب أرمينية، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الجزيرة، والكوفة آمنة من الخراب حتى تخرب مصر، ولا تكون الملحمة حتى تخرب الكوفة، ولا تفتح مدينة الكفر حتى تكون الملحمة، ولا يخرج الدجال حتى
تفتح مدينة الكفر). انتهى.
أقول: هذا من مكذوبات كعب، وقد بينا أنه أشاع في المسلمين أنهم بمجرد أن يفتحوا القسطنطينية سيخرج الدجال، وتخرب مكة والمدينة، وتخرب مصر وبلاد المسلمين! وقد نشط كعب في نشر كذبه في مدح الشام وذم الحجاز ومصر والعراق، وتحولت أقواله على يد تلاميذه إلى أحاديث نبوية! منها حديث ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: دخل إبليس العراق فقضى حاجته، ثم دخل الشام فطردوه، ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ، وبسط عَبْقَريَّه)! وبَسَطَ عَبقريه: أي فرش بساطه، وفي رواية ابن عساكر: واتكأ! ورواه الطبراني في الأوسط: 6/286، والكبير: 12/262 ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق: 1/99، عن إياس بن معاوية: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله تعالى قد تكفل لي بالشام وأهله وأن إبليس أتى العراق فباض فيها وفرخ، وإلى مصر فبسط عبقريه واتكأ. وقال: جبل الشام جبل الأنبياء. وفي/317 و318: ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ بساق). ووثقه في الزوائد: 10/60، وتعقبه ابن الجوزي في الموضوعات: 2/57، وضعفه. وعقبة بُساق: كما في معجم البلدان: 1/413، بضم الباء في طريق الذاهب إلى مصر.
* * *
ذكرنا في جواهر التاريخ: 2/390، أن رواة الخلافة الذين تربوا على التعصب للشام وبني أمية، لم يقبلوا حديث الصحابي الجليل عمرو بن الحمق الخزاعي في مدح مصر، رغم تصحيح علمائهم له، ففي مستدرك الحاكم: 4/448: (عن عمرو بن الحمق عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ستكون فتنة أسلم الناس فيها أو قال: لخير الناس فيها الجند الغربي، فلذلك قدمت مصر). وأوسط الطبراني: 8/315، وبخاري في تاريخه الكبير: 6/313.. الخ.
فالصحيح عندهم قول معاوية وكعب الأحبار بتفضيل الشام وأهلها على العالمين!
قال السيوطي في شرحه لمسلم: 4/513: (روى الطبراني والحاكم وصححه، عن عمرو بن الحمق قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تكون فتنة أسلم الناس فيها الجند الغربي. قال ابن الحمق: فلذلك قدمت عليكم مصر. وأخرجه محمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة الذين دخلوا مصر، وزاد فيه: وأنتم الجند الغربي، فهذه منقبة لمصر
في صدر الملة واستمرت قليلة الفتن معافاة طول الملة لم يعترها ما اعترى غيرها من الأقطار وما زالت معدن العلم والدين، ثم صارت في آخر الأمر دار الخلافة ومحط الرحال، ولا بلد الآن في سائر الأقطار بعد مكة والمدينة يظهر فيها من شعائر الدين ما هو ظاهر في مصر). انتهى.
نجباء مصر من وزراء الإمام المهدي (عليه السلام)
في غيبة الطوسي/284، عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدة أهل بدر. فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم). وعنه إثبات الهداة: 3/517، والبحار: 52/334.
وفي الفائق للزمخشري: 1/87، وتهذيب ابن عساكر: 1/62، عن علي (عليه السلام): (قبة الإسلام بالكوفة، والهجرة بالمدينة، والنجباء بمصر، والأبدال بالشام وهم قليل).
وفي/63: الأبدال من الشام، والنجباء من أهل مصر، والأخيار من أهل العراق).
أقول: هذا فضيلة كبيرة لمصر وأهلها، لأن أصحاب المهدي (عليه السلام) الثلاث مئة وثلاثة عشر لهم مقام عظيم، فهم ممدوحون على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام). وهم في دولة العدل الإلهي حكام العالم.
بل تدل رواية في مصادرنا على أن رايات المصريين تأتي إلى الإمام (عليه السلام) عندما يصل إلى الشام فتبايعه، أي بعد انتصاره في معركة القدس أو قبلها!
ففي الإرشاد/360، عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: كأني برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات حتى تأتي الشامات فتؤدى إلى ابن صاحب الوصيات). وعنه كشف الغمة: 3/251، والصراط المستقيم: 2/250.
الإمام المهدي (عليه السلام) يدخل مصر ويجعلها مركز إعلامه العالمي
روت مصادرنا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (لأبنين بمصر منبراً، ولأنقضن دمشق
حجراً حجراً، ولأخرجن اليهود من كل كور العرب، ولأسوقن العرب بعصاي هذه. فقال الراوي وهو عباية الأسدي: قلت له يا أمير المؤمنين كأنك تخبر أنك تحيا بعدما تموت؟ فقال: هيهات ياعباية ذهبت غير مذهب. يفعله رجل مني، أي المهدي (عليه السلام)). (معاني الأخبار: 406، والإيقاظ/385، والبحار: 53/60). وهذا يدل على أن المهدي (عليه السلام) يحتل دمشق بعد معركة مدمرة مع السفياني، ويكون اليهود متواجدين في عصره في بلاد العرب فيخرجهم منها، وأنه يجعل مصر مركز إعلامياً للعالم.
بل تصف الرواية التالية على أن المهدي (عليه السلام) يدخل مصر فيستقبله أهلها، ففي مختصر البصائر/210، عن علي (عليه السلام) أنه وصف المهدي في إحدى خطبه فقال: (ويسير الصديق الأكبر براية الهدى... ثم يسير إلى مصر فيعلو منبره ويخطب الناس فتستبشر الأرض بالعدل، وتعطي السماء قطرها، والشجر ثمرها، والأرض نباتها، وتتزين لأهلها، وتأمن الوحوش حتى ترتعي في طرف الأرض كأنعامهم، ويقذف في قلوب المؤمنين العلم فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من العلم، فيومئذ تأويل هذه الآية: (يُغْنِ اللهُ كُلاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعاً حَكِيماً)) وبشارة الإسلام/71.
* * *
ومنها رواية ذكرت أن للمهدي (عليه السلام) في هرمي مصر كنوزاً وذخائر من العلوم وغيرها، رواها الصدوق في كتابه كمال الدين/564، عن أحمد بن محمد الشعراني الذي هو من ولد عمار بن ياسر (رضي الله عنه)، عن محمد بن القاسم المصري، أن ابن أحمد بن طولون شغَّل ألف عامل في البحث عن باب الهرم سنة، فوجدوا صخرة مرمر وخلفها بناء لم يقدروا على نقضه، وأن أُسْقُفاً من الحبشة قرأها وكان فيها عن لسان أحد الفراعنة قوله: (وبنيت الأهرام والبراني، وبنيت الهرمين وأودعتهما كنوزي وذخائري) فقال ابن طولون: هذا شيء ليس لأحد فيه حيلة إلا القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله). ورُدَّت البلاطة كما كانت مكانها). انتهى. وفي الرواية نقاط ضعف قد تكون من إضافة بعض الرواة، ولكن فيها نقاط قوة تستوجب الإلتفات.
* * *
كما روى ابن حماد في كتابه الفتن روايات عن كعب وغيره حول علاقة مصر بأحداث خروج السفياني، تذكر دخول أهل المغرب إلى مصر والشام وهي روايات غير مسندة، ولو صحت فهي تنطبق على دخول جيش المغرب الفاطمي إلى مصر والشام. قال ابن حماد: 1/222، عن عمار بن ياسر قال: علامة المهدي إذا انساب عليكم الترك، ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال، ويستخلف بعده ضعيف فيخلع بعد سنتين من بيعته، ويخسف بغربي مسجد دمشق. وخروج ثلاثة نفر بالشام، وخروج أهل المغرب إلى مصر، وتلك أمارة السفياني). وابن المنادي/44، والداني/78.
وقال ابن حماد: 1/285: (عن أرطاة قال: إذا اجتمع الترك والروم، وخسف بقرية بدمشق وسقط طايفة من غربي مسجدها، رُفع بالشام ثلاث رايات: الأبقع والأصهب والسفياني، ويحصر بدمشق رجل فيقتل ومن معه، ويخرج رجلان من بني أبي سفيان فيكون الظفر للثاني، فإذا أقبلت مادة الأبقع من مصر ظهر السفياني بجيشه عليهم فيقتل الترك والروم بقرقيسيا حتى تشبع سباع الأرض من لحومهم). والأبقع: في وجهه بقع. والأصهب: اسم للأسد، والأصفر الوجه. ومادة الأبقع: أنصاره.
ومن نوعها ما رواه الطوسي في الغيبة/278، بنفس سند ابن حماد عن عمار بن ياسر أنه قال: (إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان، ولها أمارات، فالزموا الأرض وكفوا حتى تجيء أمارتها، فإذا استثارت عليكم الروم والترك وجهزت الجيوش، ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال، واستخلف بعده رجل صحيح فيخلع بعد سنين من بيعته، ويأتي هلاك ملكهم من حيث بدأ، ويتخالف الترك والروم وتكثر الحروب في الأرض وينادي مناد من سور دمشق: ويل لأهل الأرض من شر قد اقترب، ويخسف بغربي مسجدها حتى يخر حائطها، ويظهر ثلاثة نفر بالشام كلهم يطلب الملك: رجل أبقع ورجل أصهب ورجل من أهل بيت أبي سفيان، يخرج في كلب ويحصر الناس بدمشق، ويخرج أهل الغرب إلى مصر، فإذا دخلوا فتلك أمارة السفياني). أقول: هذه الرواية واضحة الإنطباق على حركة الفاطميين،
لكن بعضهم خلطها برواية السفياني، فلا يكن أن نثبت بها أن للسفياني علاقة بمصر.
* * *
وهناك روايات أخرى تتحدث عن مصر في عصر الظهور ليست مسندة أو ترتبط بعصور وأحداث مضت، كروايات الأزمة الإقتصادية في الحجاز بسبب منع المواد التموينية عنها من مصر، وهي إن صحت تخص القرون الأولى عندما كانت مصر مصدر تموين الحجاز، لكن الرواة خلطوها بأحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) كرواية أحمد: 2/262، عن أبي هريرة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَنَعت العراق قفيزها ودرهمها، ومَنَعت الشام مدها ودينارها، ومَنَعت مصر إرْدَبَّها، ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم (ثلاثاً)! وقال: يشهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه)! والقفيز والمد والإردب: مكاييل للغلات في العراق والشام ومصر. ورواه بنحوه مسلم: 4/2220، وأبو داود: 3/166، والبيهقي في سننه: 9/137، وفي دلائل النبوة: 6/329، كلها عن أبي هريرة. إلى آخر المصادر.
وهي رواية ترتبط بقطع تموين عرب الجزيرة يومذاك من العراق والشام ومصر.
وفي ملاحم ابن المنادي/33، عن أبي ذر رحمه الله قال عن النبي (صلى الله عليه وآله): سيكون رجل من بني أمية بمصر يلي سلطاناً ثم يغلب على سلطانه أو ينزع منه ثم يفر إلى الروم فيأتي بالروم إلى أهل الإسلام، فذلك أول الملاحم). وتهذيب ابن عساكر: 4/147، وقال: ورواه غيره عن الوليد، فأدخل بين حسان وأبي ذر أبا النجم، وزاد فيه: سيكون بمصر رجل من بني أمية. والجامع الصغير: 2/63، عن الروياني وابن عساكر والحاوي: 2/91 والمعجم الأوسط: 9/56.
أقول: مضافاً إلى الإشكال في سنده، فقد يكون حدثاً وقع وانتهى، ولا ينافي ذلك قوله: فذلك أول الملاحم الذي يستعمل بمعنى أحداث ظهور المهدي (عليه السلام).
* * *
الفصل الثامن عشر: بلاد الشام في عصرالظهور
بلاد الشام وحركة السفياني
يطلق اسم بلاد الشام أو الشامات، في مصادر التاريخ والحديث الشريف على المنطقة التي تشمل سوريا الفعلية ولبنان، ويسمى جبل لبنان وبرَّ الشام. كما تشمل الأردن وقد تشمل فلسطين. وقد يعبر عن المنطقة كلها ببلاد الشام وفلسطين. كما أن الشام أيضاً اسم لدمشق عاصمة بلاد الشام.
وأحاديث بلاد الشام وأحداثها وشخصياتها في عصر الظهور كثيرة، ومحورها الأساسي حركة السفياني الذي يسارع بعد تصفية خصومه والسيطرة على بلاد الشام، إلى إرسال قواته إلى العراق. كما يرسل قوات إلى الحجاز لمساعدة حكومته على ضبط الأمن والقضاء على حركة المهدي (عليه السلام)، وهناك تقع معجزة الموعودة في جيشه فيخسف بهم قرب المدينة وهم في طريقهم إلى مكة. وأكبر معارك السفياني معركته ضد المهدي (عليه السلام) عندما يتوجه إلى سوريا لفتح فلسطين ويكون وراء السفياني فيها اليهود والروم، وتنتهي بهزيمته وانتصار المهدي (عليه السلام) وفتحه فلسطين ودخوله القدس.
السفياني يخرج سنة ظهور المهدي (عليه السلام)
النعماني/267، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) أنه قال: السفياني والقائم في سنة واحدة). وعنه إثبات الهداة: 3/737، والبحار: 52/239.
وفي الإرشاد/360: (خروج الثلاثة الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، فليس فيها راية بأهدى من راية اليماني، تهدي إلى الحق). ومختصر إثبات الرجعة/17، عن بكر الأزدي.. وفيه: لأنه يدعو إلى الحق، ومثله غيبة الطوسي/271، وعنه الخرائج: 3/1163، وإثبات الهداة: 3/728، والبحار: 52/210، وإعلام الورى/429، كالإرشاد.
بداية حركته بعد خروج الأبقع على الأصهب وزلزال
النعماني/305، عن المغيرة بن سعيد عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا اختلف الرمحان بالشام لم تنجلِ إلا عن آية من آيات الله. قيل: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: رجفة تكون بالشام يهلك فيها أكثر من مائة ألف، يجعلها الله رحمة للمؤمنين وعذاباً على الكافرين، فإذا كان ذلك فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب المحذوفة، والرايات الصفر تقبل من المغرب حتى تحل بالشام، وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر. فإذا كان ذلك فانظروا خسف قرية من دمشق يقال لها حرستا، فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، حتى يستوي على منبر دمشق، فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي (عليه السلام)).
وغيبة الطوسي/277، بنحو النعماني، ومثله العدد القوية/76 بتفاوت يسير، وفيه: فانتظروا ابن آكلة الأكباد بالوادي اليابس، ثم تظلكم فتنة مظلمة عمياء منكشفة لاينجو منها إلا النُّوَمة، قيل: وما النومة؟ قال: الذي لا يعرف الناس ما في نفسه. ومنتخب الأنوار/29، عن الخرائج، وإثبات الهداة: 3/730، عن غيبة الطوسي، وكذا البحار: 52/216. والبراذين الشهب المحذوفة: وصف لوسائل ركوب المغاربة أو الغربيين بأنها شهباء الألوان، ومقطعة الآذان! وابن آكلة الأكباد: ابن هند زوجة أبي سفيان، لأن السفياني من أولاد معاوية. والوادي اليابس يمتد من حوران إلى الأردن وفلسطين.
وفي البدء والتاريخ: 2/177: وفيما خُبِّرَ عن علي بن أبي طالب في ذكر الفتن بالشام قال: فإذا كان
ذلك خرج ابن آكلة الأكباد على أثره ليستولي على منبر دمشق فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي. وقد قال بعض الناس إن هذا قد مضى وذلك خروج زياد بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بحلب وبيضوا ثيابهم وأعلامهم وادعوا الخلافة، فبعث أبو العباس عبد الله (بن محمد) بن علي بن عبد الله بن عباس أبا جعفر إليهم فاصطلموهم عن آخرهم. ويزعم آخرون أن لهذا الموعود شاباً وصفه لم يوجد لزياد بن عبد الله، ثم ذكروا أنه من ولد يزيد بن معاوية بوجهه آثار الجدري، وبعينه نكتة بياض، يخرج من ناحية دمشق ويثيب خيله وسراياه في البر والبحر فيبقرون بطون الحبالى وينشرون الناس بالمناشير ويطبخونهم في القدور، ويبعث جيشاً له إلى المدينة فيقتلون ويأسرون ويحرقون ثم ينبشون عن قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وقبر فاطمة (عليها السلام)، ثم يقتلون كل من اسمه محمد وفاطمة ويصلبونهم على باب المسجد فعند ذلك يشتد غضب الله عليهم فيخسف بهم الأرض، وذلك قوله تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ. أي من تحت أقدامهم). ومثله خريدة العجائب/258.
وتقدم في فصل أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) من غيبة النعماني وتفسير العياشي: 1/65، وغيرهما من المصادر، النص الكامل للحديث المهم عن الإمام الباقر (عليه السلام) الذي ينص على تسلسل الأحداث في بداية حركة السفياني، وفيه: (يا جابر: إلزم الأرض ولا تحركن يدك ولا رجلك أبداً حتى ترى علامات أذكرها لك في سنة، وترى منادياً ينادي بدمشق وخسفاً بقرية من قراها، ويسقط طائفة من مسجدها... وإن أهل الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: الأصهب والأبقع والسفياني، مع بني ذنب الحمار مضر، ومع السفياني أخواله من كلب، فيظهر السفياني ومن معه على بني ذنب الحمار، حتى يقتلوا قتلاً لم يقتله شيء قط، ويحضر رجل بدمشق فيقتل هو ومن معه قتلاً لم يقتله شيء قط وهو من بني ذنب الحمار، وهي الآية التي يقول الله: (فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ). ويظهر
السفياني ومن معه حتى لا يكون له همة إلا آل محمد (صلى الله عليه وآله) وشيعتهم..).
وحشُ الوجه ضخم الهامة أحمر أزرق
كمال الدين: 2/651، عن عمر بن أذينة قال: قال أبو عبد الله: قال أبي: قال أمير المؤمنين (عليهم السلام): يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، وهو رجل ربعة وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر جدري، إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان، وأبوه عنبسة، وهو من ولد أبي سفيان، حتى يأتي أرضا ذات قرار ومعين فيستوي على منبرها). ومثله إعلام الورى/428، وعنه إثبات الهداة: 3/721، وفيه: خشن الوجه.. والبحار: 52/205.
النعماني/306، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: السفياني أحمر أشقر أزرق لم يعبد الله قط، ولم ير مكة ولا المدينة قط، يقول يا رب ثاري والنار، يا رب ثاري والنار) وكمال الدين: 2/651، وفيه: إنك لو رأيت السفياني لرأيت أخبث الناس، أشقر أحمر أزرق، يقول يا رب ثاري ثاري ثم النار، وقد بلغ من خبثه أنه يدفن أم ولد له وهي حية، مخافة أن تدل عليه. وعنه إثبات الهداة: 3/721، والبحار: 52/205.
وفي الإرشاد/359، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (وخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية ونزول الترك الجزيرة ونزول الروم الرملة. واختلاف كثير عند ذلك في كل أرض حتى تخرب الشام، ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها: راية الأصهب وراية الأبقع وراية السفياني). وغيبة الطوسي/278، عن بشر بن غالب قال: يقبل السفياني من بلاد الروم متنصراً في عنقه صليب. وهو صاحب القوم). انتهى.
وهذا يدل على أن السفياني نصراني، أو نشأ في مجتمعهم وتأثر بهم.
السفياني من أولاد معاوية
كتاب سُليم بن قيس/197، من كتاب علي (عليه السلام) إلى معاوية جاء فيه: يا معاوية إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخبرني أن بني أمية سيخضبون لحيتي من دم رأسي وأني مستشهد وستلي الأمة من بعدي، وأنك ستقتل ابني الحسن غدراً بالسم! وأن ابنك يزيد سيقتل
ابني الحسين يلي ذلك منه ابن زانية. وأن الأمة سيليها من بعدك سبعة من ولد أبي العاص وولد مروان بن الحكم وخمسة من ولده، تكملة اثني عشر إماماً قد رآهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتواثبون على منبره تواثب القردة، يرُدُّون أمته عن دين الله على أدبارهم القهقرى، وأنهم أشد الناس عذاباً يوم القيامة! وأن الله سيخرج الخلافة منهم برايات سود تقبل من الشرق يذلهم الله بهم ويقتلهم تحت كل حجر. وإن رجلاً من ولدك مشوم ملعون، جلفٌ جاف، منكوس القلب، فظٌّ غليظ، قد نزع الله من قلبه الرأفة والرحمة، أخواله من كلب، كأني أنظر إليه، ولو شئت لسميته ووصفته وابن كم هو، فيبعث جيشاً إلى المدينة فيدخلونها، فيسرفون فيها في القتل والفواحش، ويهرب منهم رجل من ولدي، زكيٌّ نقي، الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وإني لأعرف اسمه وابن كم هو يومئذ وعلامته، وهو من ولد ابني الحسين الذي يقتله ابنك يزيد، وهو الثائر بدم أبيه فيهرب إلى مكة، ويقتل صاحب ذلك الجيش رجلاً من ولدي زكياً برياً عند أحجار الزيت، ثم يسير ذلك الجيش إلى مكة، وإني لأعلم اسم أميرهم وأسمائهم وسمات خيولهم، فإذا دخلوا البيداء واستوت بهم الأرض خسف الله بهم. قال الله (عزَّ وجلَّ): (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ)، قال: من تحت أقدامهم، فلا يبقى من ذلك الجيش أحد غير رجل واحد يقلب الله وجهه من قبل قفاه! ويبعث الله للمهدي أقواماً يجمعون من الأرض قزعاُ كقزع الخريف، والله إني لأعرف أسماءهم واسم أميرهم ومناخ ركابهم فيدخل المهدي الكعبة ويبكى ويتضرع.. الخ.).
السفياني من المحتومات التي لابد منها
معاني الأخبار/346، عن الحكم بن سالم عمن حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله! قلنا صدق الله وقالوا كذب الله! قاتل أبو سفيان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقاتل معاوية علي بن أبي طالب (عليه السلام)! وقاتل يزيد بن معاوية
الحسين بن علي (عليهما السلام)، والسفياني يقاتل القائم (عليه السلام)). وعنه البحار: 52/190، وأمالي الطوسي.
الكافي: 8/310، عن عمر بن حنظلة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة، والسفياني، والخسف، وقتل النفس الزكية، واليماني. فقلت: جعلت فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه؟ قال: لا، فلما كان من الغد تلوت هذه الآية: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)، فقلت له: أهي الصيحة؟ فقال: أما لو كانت خضعت أعناق أعداء الله (عزَّ وجلَّ)). ونحوه النعماني/252، عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام): للقائم خمس علامات: السفياني واليماني والصيحة من السماء وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء ومثله كمال الدين: 2/649، عن ميمون البان وعمر بن حنظلة، والخصال/303، ودلائل الإمامة/261، بعضه، وفيه: والمرواني وشعيب بن صالح وكف تقول هذا هذا؟! وغيبة الطوسي/267، كالكافي، وإثبات الهداة: 3/720، عن كمال الدين، وغيبة الطوسي، وإعلام الورى، والنعماني، والكافي. وكذا البحار: 52/203.
النعماني/252، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: النداء من المحتوم والسفياني من المحتوم، واليماني من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وكف يطلع من السماء من المحتوم، قال وفزعةٌ في شهر رمضان توقظ النائم وتفزع اليقظان وتخرج الفتاة من خدرها). وعنه إثبات الهداة: 3/735، والبحار: 52/233.
الكافي: 8/310، عن محمد بن علي الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: اختلاف بني العباس من المحتوم، والنداء من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم قلت: وكيف النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن علياً وشيعته هم الفائزون قال: وينادي مناد في آخر النهار: ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون).
كمال الدين: 2/652، عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أبا جعفر كان يقول: إن خروج السفياني من الأمر المحتوم؟ قال: نعم. واختلاف ولد العباس من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم (عليه السلام) من المحتوم
فقلت له: كيف يكون النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن الحق في علي وشيعته، ثم ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار: ألا إن الحق في السفياني وشيعته، فيرتاب عند ذلك المبطلون). ومثله غيبة الطوسي/274، وفي /266، بتفاوت، والخرائج: 3/1161، وإثبات الهداة: 3/451 والبحار: 52/206، كلاهما بعدة روايات.
وفي قرب الإسناد/164، عن زيد القمي، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: يقوم قائمنا لموافاة الناس سنة، قال: يقوم القائم بلا سفياني؟ إن أمر القائم حتم من الله وأمر السفياني حتم من الله، ولا يكون القائم إلا بسفياني، قلت: جعلت فداك فيكون في هذه السنة؟ قال: ما شاء الله، قلت: يكون في التي تليها؟ قال: يفعل الله ما يشاء).
وعنه إثبات الهداة: 3/730، والبحار: 52/182. ولعل معنى: يقوم قائمنا لموافاة الناس سنة: أنه يوافيهم سنة ظهوره في الحج، فسأله الراوي: هل يكون بدون سفياني فأجابه: لا. ويتصل بذلك ماروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): يظهر في شبهة ليستبين أمره.
النعماني/302، عن أبي هاشم قال: كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) هل يبدو له في المحتوم؟ قال: نعم، قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم، فقال: إن القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد). وإثبات الهداة: 3/544، والبحار: 52/250.
النعماني/301، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) في قوله تعالى: (ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ)؟ فقال: إنهما أجلان: أجل محتوم وأجل موقوف فقال له حمران: ما المحتوم؟ قال: الذي لله فيه المشيئة، قال حمران: إني لأرجو أن يكون أجل السفياني من الموقوف، فقال أبو جعفر (عليه السلام): لا والله إنه لمن المحتوم).
النعماني/301، عن عبد الملك بن أعين، قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فجرى ذكر القائم (عليه السلام)، فقلت له: أرجو أن يكون عاجلاً ولا يكون سفياني، فقال: لا والله إنه لمن المحتوم الذي لابد منه. وفيها: عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن من
الأمور أموراً موقوفة وأموراً محتومة، وإن السفياني من المحتوم الذي لابد منه). وعنه إثبات الهداة: 3/739، والبحار: 52/249.
كمال الدين: 2/516، حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري قدس الله روحه، فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم. يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله (عزَّ وجلَّ)، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه. ومضى (رضي الله عنه)، فهذا آخر كلام سمع منه). ومثله غيبة الطوسي/242، وإعلام الورى/417، والإحتجاج: 2/478، والخرائج: 3/1128، وثاقب المناقب/264، وكشف الغمة: 3/320، وتاج المواليد/144، والصراط المستقيم: 2/236، وفيه: فنسخت هذا التوقيع وقضى في اليوم السادس وقد كانت غيبته القصرى أربعة وستين سنة. ومنتخب الأنوار /130، وفيه: وقال: كانت وفاة الشيخ علي السمري المذكور في النصف من شعبان سنة328، وعنها إثبات الهداة: 3/693، والبحار: 51/361، و: 52/151.
السفياني يحكم سوريا والأردن نحو سنة
النعماني/299، عن عيسى بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: السفياني من المحتوم وخروجه في رجب، ومن أول خروجه إلى آخره خمسة عشر شهراً، ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر، ولم يزد عليها يوماً). والنعماني/304، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا استولى السفياني على الكور
الخمس فعُدُّوا له تسعة أشهر. وزعم هشام أن الكور الخمس: دمشق وفلسطين والأردن وحمص وحلب. والنعماني/300، عن معلى بن خنيس، وفيه: ومن المحتوم خروج السفياني في رجب، وفي/302، عن خلاد الصائغ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: السفياني لابد منه، ولا يخرج إلا في رجب، فقال له رجل: يا أبا عبد الله إذا خرج فما حالنا؟ قال: إذا كان ذلك فإلينا. وكمال الدين: 2/651، عن عبد الله بن أبي منصور البجلي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اسم السفياني فقال: وما تصنع باسمه؟ إذا ملك كور الشام الخمس: دمشق وحمص وفلسطين والأردن وقنسرين، فتوقعوا عند ذلك الفرج، قلت: يملك تسعة أشهر؟ قال: لا، ولكن يملك ثمانية أشهر لايزيد يوماً. وإعلام الورى/428، كرواية كمال الدين، وكذا منتخب الأنوار /177، وإثبات الهداة: 3/721، والبحار: 52/206. وفي كمال الدين: 2/650، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أمر السفياني من الأمر المحتوم وخروجه في رجب، وجامع الأخبار/142، وعنه إثبات الهداة: 3/721، والبحار: 52/204. وفي غيبة الطوسي/278، عن عمار الدهني، قال أبو جعفر (عليه السلام): كم تعدون بقاء السفياني فيكم؟ قال قلت: حمل امرأة تسعة أشهر، قال: ما أعلمكم يا أهل الكوفة). ومثله الخرائج: 3/1159، وعنه إثبات الهداة: 3/730، والبحار: 52/216. وفي غيبة الطوسي/273، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن السفياني يملك بعد ظهوره على الكور الخمس حمل امرأة، ثم قال: أستغفر الله حمل جمل، وهو من الأمر المحتوم الذي لابد منه). وإثبات الهداة: 3/729، والبحار: 52/215.
أقول: أشكل صاحب إثبات الهداة على التردد في هذا النص وهو محق، لأن التردد والتحير فيه واضح، ولا يصدر ذلك عن المعصوم (عليه السلام)، كما أن الجَمَل حسب قول اللغويين اسم لمذكر الإبل خاصة، وقيل هو البازل المتقدم في السن.
الناجون من اتِّبَاع السفياني في بلاد الشام
النعماني/300، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: إتقوا الله واستعينوا على ما أنتم عليه بالورع والاجتهاد في طاعة الله، فإن أشد ما يكون أحدكم اغتباطاً بما هو فيه من الدين لو قد صار في حد لآخرة وانقطعت الدنيا عنه، فإذا صار في ذلك الحد عرف أنه قد استقبل النعيم والكرامة من الله والبشرى بالجنة،
وأمن مما كان يخاف، وأيقن أن الذي كان عليه هو الحق، وأن من خالف دينه على باطل وأنه هالك. فأبشروا ثم أبشروا بالذي تريدون، ألستم ترون أعداءكم يقتتلون في معاصي الله ويقتل بعضهم بعضاً على الدنيا دونكم، وأنتم في بيوتكم آمنون في عزلة عنهم. وكفى بالسفياني نقمة لكم من عدوكم، وهو من العلامات لكم، مع أن الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهراً أو شهرين بعد خروجه لم يكن عليكم بأس حتى يقتل خلقاً كثيراً دونكم. فقال له بعض أصحابه: فكيف نصنع بالعيال إذا كان ذلك؟ قال: يتغيب الرجال منكم عنه فإن حنقه وشرهه إنما هي على شيعتنا، وأما النساء فليس عليهن بأس إن شاء الله تعالى، قيل: فإلى أين مخرج الرجال يهربون منه؟ فقال: من أراد منهم أن يخرج يخرج إلى المدينة أو إلى مكة أو إلى بعض البلدان، ثم قال: ما تصنعون بالمدينة وإنما يقصد جيش الفاسق إليها، ولكن عليكم بمكة فإنها مجمعكم وإنما فتنته حمل امرأة: تسعة أشهر، ولا يجوزها إن شاء الله). والبحار: 52/140.
النعماني/304، عن الحارث الهمداني، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: المهدي أقبل جعد، بخده خال، يكون مبدؤه من قبل المشرق، وإذا كان ذلك خرج السفياني فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر، يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام إلا طوائف من المقيمين على الحق يعصمهم الله من الخروج معه. ويأتي المدينة بجيش جرار، حتى إذا انتهى إلى بيداء المدينة خسف الله به وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه: ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب). وعنه البحار: 52/252، وينابيع المودة/427، مختصراً، عن المحجة. ومعنى ذلك أن حملة السفياني على الشيعة في الشام تبدأ في شهر رمضان بعد شهرين من خروجه.
فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا
الكافي: 8/274، عن الفضل الكاتب قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتاه كتاب أبي
مسلم فقال: ليس لكتابك جواب أخرج عنا، فجعلنا يسارُّ بعضنا بعضاً، فقال: أي شيء تسارُّون؟ يا فضل إن الله عز ذكره لا يعجل لعجلة العباد، ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقض أجله! ثم قال: إن فلان بن فلان حتى بلغ السابع من ولد فلان، قلت: فما العلامة فيما بيننا وبينك جعلت فداك؟ قال: لا تبرح الأرض يا فضل حتى يخرج السفياني، فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا، يقولها ثلاثاً وهو من المحتوم). وعنه وسائل الشيعة: 11/37، والبحار: 47/297.
إثبات الوصية/226، عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لا يكون ما ترجون حتى يخطب السفياني على أعوادها، فإذا كان ذلك انحدر عليكم قائم آل محمد من قبل الحجاز). وعنه إثبات الهداة: 3/580.
الكافي: 8/264، عن عيص بن القاسم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وانظروا لأنفسكم، فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها! والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها ثم كانت الأخرى باقية فعمل على ما قد استبان لها! ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة، فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم. إن أتاكم آت منا، فانظروا على أي شيء تخرجون؟ ولا تقولوا خرج زيد فإن زيداً كان عالماً وكان صدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه، إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد (عليهم السلام) ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه، إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه، فالخارج منا اليوم إلى أي شيء يدعوكم؟ إلى الرضا من آل محمد (عليهم السلام)؟ فنحن نشهدكم أنا لسنا نرضى به! وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منا، إلا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه، فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه. إذا كان رجب فأقبلوا على اسم الله (عزَّ وجلَّ)، وإن أحببتم أن تتأخروا إلى شعبان فلا ضير، وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعل ذلك أن يكون أقوى لكم
وكفاكم بالسفياني علامة).
وفي علل الشرائع/577، عن العيص بن القاسم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: اتقوا الله وانظروا لأنفسكم فإن أحق من نظر لها أنتم، لو كان لأحدكم نفسان فقدم إحداهما وجرب بها واستقبل التوبة بالأخرى كان! ولكنها نفس واحدة إذا ذهبت فقد ذهبت والله التوبة، إن أتاكم منا آت يدعوكم إلى الرضا منا فنحن ننشدكم أنا لا نرضى، إنه لا يطيعنا اليوم وهو وحده فكيف يطيعنا إذا ارتفعت الرايات والأعلام)! وعنه البحار: 46/178، وفي: 52/301، عن الكافي.
الكافي: 8/264، عن سدير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا سدير الزم بيتك وكن حلساً من أحلاسه واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك). وعنه وسائل الشيعة: 11/36، والبحار: 52/303، و270، ورواه برواية أخرى فيها: قلت: جعلت فداك هل قبل ذلك شيء؟ قال: نعم وأشار بيده بثلاث أصابعه إلى الشام، وقال: ثلاث رايات: راية حسنية، وراية أموية، وراية قيسية، فبينا هم إذ قد خرج السفياني فيحصدهم حصد الزرع ما رأيت مثله قط)!
محاولاتهم إحراج الإمام الصادق والإمام الرضا (عليهما السلام)
في النعماني/253، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قبل هذا الأمر السفياني واليماني والمرواني وشعيب بن صالح، فكيف يقول هذا هذا؟!) وإثبات الهداة: 3/735، والبحار: 52/233.
وفي الكافي: 8/331، عن المعلى بن خنيس قال: ذهبت بكتاب عبد السلام بن نعيم وسدير، وكتب غير واحد إلى أبي عبد الله (عليه السلام) حين ظهرت المسودة قبل أن يظهر ولد العباس، بأنا قد قدرنا أن يؤول هذا الأمر إليك فما ترى؟ قال: فضرب بالكتب الأرض ثم قال: أفٍّ أف ما أنا لهؤلاء بإمام أما علموا أنه إنما يقتل السفياني). والإيقاظ/265، والبحار: 47/297 و351، و: 52/266، والكشي/353، وفيه: ما أنا لهؤلاء بإمام أما علموا أن صاحبهم السفياني)!
أقول: ينبغي الالتفات إلى الضغوط التي كان الأئمة (عليهم السلام) يواجهونها من شيعتهم ومن الطامعين في الحكم، الذين يريدون الإذن منهم بالعمل السياسي والثورة
باسمهم (عليهم السلام) بحجة أن النبي (صلى الله عليه وآله) بشر بالمهدي (عليه السلام) ودولته! فكانوا يرفضون ذلك ويوضحون للأمة أن من شروط المهدي (عليه السلام) خروج السفياني قبله!
تأثير أحاديث السفياني على أتباع الأمويين
من الطبيعي أن يبادر الأمويون وأتباعهم بعد سقوط دولتهم، إلى استغلال أحاديث السفياني، بحجة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أخبر بظهور هذا الحاكم القوي، ولا يهمهم أن يكون طاغية ملعوناً! وبالفعل فقد ادعى كثيرون من بني أمية وغيرهم أنه السفياني الموعود وقاد عدد منهم حركات ضد العباسيين وكان لهم أتباع مقاتلون!
وقد ذكر صاحب كتاب خطط الشام عدة ثورات باسم السفياني: منها: 1/154، ثورة علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الذي خرج في الشام سنة195، في خلافة الأمين وكان يعرف بأبي العميطر. ومنها: ثورة سعيد بن خالد الأموي بعد أبي العميطر. ومنها: ما ذكره/164، ثورة المبرقع بالشام أيضاً سنة227، في خلافة المعتصم. وفي: 2/185، ثورة عثمان بن ثقالة الذي ثار في عجلون بالأردن سنة816، وادعى أنه السفياني الموعود. وفي: 1/161، قول المأمون العباسي وأما قضاعة فسادتها تنتظر السفياني وخروجه فتكون من أشياعه! إلى غير ذلك من ادعاء السفيانية.
من ناحية ثانية، نلاحظ على أحاديث المصادر السنية أن فيها مبالغات في شخصية السفياني حتى زعم بعضها له صفات غيبية وكأنه مبعوث من الله تعالى كما فعلوا في أحاديث الدجال! فقد روى ابن حماد: 2/699، و1/279، و283عن علي (عليه السلام) أنه قال: السفياني من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان رجل ضخم الهامة بوجهه آثار جدري وبعينه نكتة بياض، يخرج من ناحية مدينة دمشق في واد يقال له وادي اليابس يخرج في سبعة نفر، مع رجل منهم لواء معقود يعرفون في لوائه النصر يسير الرعب بين يديه على ثلاثين ميلاً، لا يرى ذلك العلم أحد يريده إلا انهزم).
ومن مبالغاتهم في السفياني وإعطائه صفات غيبية زعمهم أن السفياني: (يؤتى في منامه فيقال له قم، وأنه يحمل بيده ثلاث قصبات لا يقرع بهن أحداً إلا مات.. يؤتى السفياني في منامه فيقال له: قم فاخرج، فيقوم فلا يجد أحداً! ثم يؤتى الثانية فيقال له مثل ذلك ثم يقال له الثالثة: قم فاخرج فانظر من على باب دارك، فينحدر في الثالثة على باب داره فإذا هو بسبعة نفر أو تسعة نفر معهم لواء، فيقولون نحن أصحابك فيخرج فيهم ويتبعه ناس من قريات وادي اليابس، فيخرج إليه صاحب دمشق ليلقاه ويقاتله، فإذا نظر إلى رايته انهزم ووالي دمشق يومئذ وال لبني العباس! (ابن حماد: 1/280). هذا وقال بعض أهل الخبرة: الوادي اليابس: يمتد من درعا قرب حدود سوريا مع الأردن إلى قرب نابلس داخل فلسطين.
والملاحظة الثالثة، أن أحاديثهم عن السفياني أكثرها مراسيل من أقوال تابعين، وغالباً ما تكون محرفة عن أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، ويضيفون إليها عناصرهم الخيالية! وهذه مجموعة منها:
ابن حماد: 1/278، و279، 288، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يملك السفياني حمل امرأة. وعقد الدرر/86. وفي/76، عن أرطأة قال: إذا اجتمع الترك والروم وخسف بقرية بدمشق وسقط طايفة من غربي مسجدها رفع بالشام ثلاث رايات: الأبقع والأصهب والسفياني ويحصر بدمشق رجل فيقتل ومن معه، ويخرج رجلان من بني أبي سفيان فيكون الظفر للثاني، فإذا أقبلت مادة الأبقع من مصر ظهر السفياني بجيشه عليهم فيقتل الترك والروم بقرقيسيا حتى تشبع سباع الأرض من لحومهم).
وفي/76، عن أبي قبيل قال: السفياني شر ملك، يقتل العلماء وأهل الفضل ويفنيهم يستعين بهم، فمن أبى عليه قتله. وفي/80 قال: يقتل السفياني من عصاه، وينشرهم بالمناشير ويطبخهم بالقدور، ستة أشهر! وفي/84، عن ابن عباس قال: يخرج السفياني فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويغلي الأطفال في المراجل). والمراجل: القدور الكبيرة، الأبقع: في وجهه بقع. الأصهب: اسم للأسد والأصفر الوجه. مادة الأبقع: أنصاره.
معركة قرقيسيا
قرقيسيا، مدينة صغيرة عند مصب نهر الخابور في نهر الفرات، وهي اليوم أطلال قرب مدينة دير الزور السورية، وتقع عند الحدود السورية العراقية، وهي قريبة نسبياً من الحدود السورية التركية. وفي معجم البلدان للحموي: 4/328: (قيل سميت بقرقيسيا بن طهمورث الملك. قال حمزة الأصبهاني: قرقيسيا معرب كركيسيا وهو مأخوذ من كركيس وهو اسم لإرسال الخيل المسمى بالعربية الحلبة، وكثيراً ما يجيء في الشعر مقصوراً). انتهى. وقد وردت روايات عن معركة عظيمة تقع فيها، وبعضها حددت وقتها بأنها بين بني العباس وبني أمية، وبعضها ربطتها بالسفياني الذي يكون في زمن الإمام المهدي (عليه السلام)، وبعضها ذكرت أن سببها كنز يظهر في مجرى الفرات ويقع الخلاف عليه بين السفياني والأتراك..
ومن رواياتها: في الكافي: 8/295: أن الإمام الباقر (عليه السلام) قال لمُيَسَّر: يا مُيَسَّرُ كم بينكم وبين قرقيسا؟ قلت: هي قريب على شاطئ الفرات فقال: أما إنه سيكون بها وقعة لم يكن مثلها منذ خلق الله تبارك وتعالى السماوات والأرض، ولا يكون مثلها ما دامت السماوات والأرض مأدبة للطير، تشبع منها سباع الأرض وطيور السماء، يهلك فيها قيس ولا يدعى لها داعية. قال: وروى غير واحد وزاد فيه وينادي مناد هلموا إلى لحوم الجبارين). وفي/278: عن حذيفة بن منصور عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إن لله مائدة وفي رواية مأدبة، بقرقيسياء يطلع مطلع من السماء فينادي يا طير السماء ويا سباع الأرض هلموا إلى الشبع من لحوم الجبارين).
وفي/303، عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): إن لولد العباس والمرواني لوقعة بقرقيسياء، يشيب فيها الغلام الحَزَوَّر، يرفع الله عنهم النصر ويوحي إلى طير السماء وسباع الأرض إشبعي من لحوم الجبارين، ثم يخرج السفياني). وعنه إثبات الهداة: 3/739، والبحار: 52/246 و251.
ومن رواياتها التي ربطتها بخروج السفياني وظهور الإمام المهدي (عليه السلام): ما رواه المفيد رحمه الله في الاختصاص/255: عن جابر الجعفي قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): يا جابر إلزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها: أولها اختلاف ولد فلان، وما أراك تدرك ذلك ولكن حدث به بعدي، ومناد ينادي من السماء، ويجيؤكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح، ويخسف بقرية من قرى الشام تسمى الجابية وتسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن، ومارقة تمرق من ناحية الترك، ويعقبها مرج الروم، وستقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة، وستقبل مارقة الروم حتى تنزل الرملة، فتلك السنة يا جابر فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب، فأول أرض تخرب الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني، فيلقى السفياني الأبقع فيقتتلون فيقتله ومن معه ويقتل الأصهب، ثم لا يكون همه إلا الإقبال نحو العراق ويمر جيشه بقرقيسا فيقتلون بها مائة ألف رجل من الجبارين.
ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألف رجل، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبيناهم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوى المنازل طياً حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم، وخرج رجل من موالي أهل الكوفة فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة.
ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة فينفر المهدي منها إلى مكة، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج من المدينة، فيبعث جيشاً على أثره فلا يدركه، حتى يدخل مكة خائفاً يترقب على سنة موسى بن عمران (عليه السلام)، وينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي مناد من السماء يا بيداء أبيدي القوم، فيخسف بهم البيداء فلا يفلت منهم إلا ثلاثة، يحول الله وجوههم في أقفيتهم وهم من كلب! وفيهم نزلت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا...) الآية.. قال: والقائم يومئذ بمكة، قد أسند ظهره إلى
البيت الحرام مستجيراً به ينادي: يا أيها الناس إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس فإنا أهل بيت نبيكم ونحن أولى الناس بالله وبمحمد... الخ).
ونقل ابن حماد: 1/285، قولاً لأرطاة ربط معركة قرقيسيا بالسفياني وجعل أطرافها الترك والروم! قال: إذا اجتمع الترك والروم وخسف بقرية بدمشق وسقط طائفة من غربي مسجدها، رفع بالشام ثلاث رايات الأبقع والأصهب والسفياني، ويحصر بدمشق رجل فيقتل ومن معه ويخرج رجلان من بني أبي سفيان فيكون الظفر للثاني. فإذا أقبلت مادة الأبقع من مصر ظهر السفياني بجيشه عليهم فيقتل الترك والروم بقرقيسيا حتى تشبع سباع الأرض من لحومهم). لكن هذه الرواية مجرد كلام مقطوع!
كما يوجد عدة روايات ربطتها بالكنز المختلف عليه، من أوضحها: ما رواه ابن حماد: 1/239، ونحوه/335، و: 2/611، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ينحسر الفرات عن جبل من ذهب وفضة فيقتل عليه من كل تسعة سبعة. فإن أدركتموه فلا تقربوه... الفتنة الرابعة ثمانية عشر عاماً، ثم تنجلي حين تنجلي وقد انحسر الفرات عن جبل من ذهب، تنكب عليه الأمة فيقتل من كل تسعة سبعة).
وفي/82: عن علي: (يظهر السفياني على الشام، ثم يكون بينهم وقعة بقرقيسيا حتى تشبع طير السماء وسباع الأرض من جيفهم، ثم يفتق عليهم فتق من خلفهم فتقبل طائفة منهم حتى يدخلوا أرض خراسان، وتقبل خيل السفياني في طلب أهل خراسان فيقتلون شيعة آل محمد بالكوفة، ثم يخرج أهل خراسان في طلب المهدي). وعنه الحاكم: 4/501، وعقد الدرر/87، عن الحاكم بتفاوت، وكنز العمال: 11/284.
أقول: لا يعرف المقصود بالفتنة الرابعة في هذا الحديث، لأن روايات عدد الفتن متعارضة، نعم يسهل تمييز الفتنة الأخيرة المتصلة بظهور المهدي (عليه السلام). أما نصوص هذه المعركة فأكثرها مراسيل وأقوال أشخاص وليست أحاديث نبوية! لكن إن صحت فيحتمل أن يكون الكنز المذكور مصدر نفط أو منجم ذهب وفضة تكتشف
هناك، وتكون موضع خلاف بين الدول الثلاث. أما الطرف المقابل للسفياني في هذه المعركة فأكثر الأحاديث تذكر أنه الترك ويمكن أن يكونوا أهل تركيا الفعلية، لأن النزاع على ثروة عند حدود سوريا وتركيا، وقد ذكرت بعض الروايات أنهم قبل خروج السفياني ينزلون الجزيرة التي هي جزيرة ربيعة أو ديار بكر القريبة من قرقيسيا وقد يكون المقصود بهم الروس أو غيرهم الذين يسمَّوْن أمم الترك.
كما روي أن أول لواء يعقده المهدي (عليه السلام) يكون لقتال الترك. والمقصود بالجزيرة هنا المنطقة الواقعة قرب الموصل، وتسمى أيضاً ديار ربيعة. أما الرملة التي تنزل فيها قوات الروم فقد تكون رملة فلسطين، أو رملة مصر. والله العالم.
* * *
الفصل التاسع عشر: الحجاز في عصر الظهور
أحداث الحجاز قبل ظهور المهدي (عليه السلام)
وردت أحاديث وآثار عديدة في أحداث تقع في الحجاز قبل ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وعند ظهوره، وبعده، ونلاحظ في المصادر السنية كثرة المبالغات في أحداث موسم الحج قرب ظهوره (عليه السلام)، وما يتبعها من صراع القبائل.
اختلاف بني فلان والهدة بين الحرمين
قرب الإسناد/164، عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: إن قدام هذا الأمر علامات، حدث يكون بين الحرمين، قلت: ما الحدث؟ قال: عصبة تكون، ويقتل فلان من آل فلان خمسة عشر رجلاً). وفي الإرشاد/360، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: لا يكون ما تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا، وتمحصوا فلا يبقى منكم إلا القليل. ثم قرأ: (ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)، ثم قال: إن من علامات الفرج حدثاً بين المسجدين ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشاً من العرب. ومثله الخرائج: 3/1170، وغيبة الطوسي/272، وفيه/271: لا يكون فساد ملك بني فلان حتى يختلف سيفا بني فلان، فإذا اختلفا كان عند ذلك فساد ملكهم). وعنه الخرائج: 3/1164، والبحار: 52/210.
وفي النعماني/159، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: يأتي على الناس زمان يصيبهم فيها سبطة يأرز العلم فيها كما تأرز الحية في جحرها، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم نجم، قلت: فما السبطة؟ قال: الفترة، قلت: فكيف نصنع فيما بين ذلك؟ فقال: كونوا على ما أنتم عليه حتى يطلع الله لكم نجمكم).
وفي النعماني/160، عن أبان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: يا أبان يصيب العالم سبطة يأرز العلم بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها، قلت: فما السبطة؟ قال: دون الفترة، فبينما هم كذلك إذ طلع لهم نجمهم، فقلت: جعلت فداك فكيف نصنع وكيف يكون ما بين ذلك؟ فقال لي: ما أنتم عليه حتى يأتيكم الله بصاحبها).
وفي كمال الدين: 2/349، عن أبان قال قال لي أبو عبد الله: (عليه السلام) يأتي على الناس زمان يصيبهم فيه سبطة يأرز العلم فيها بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها، يعني بين مكة والمدينة، فبينما هم كذلك إذ أطلع الله (عزَّ وجلَّ) لهم نجمهم، قال: قلت: وما السبطة؟ قال: الفترة والغيبة لإمامكم، قال: قلت: فكيف نصنع فيما بين ذلك؟ فقال: كونوا على ما أنتم عليه حتى يطلع الله لكم نجمكم). وإثبات الهداة: 3/534، والبحار: 52/134.
وفي الكافي: 1/340، عن أبان بن تغلب: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كيف أنت إذا وقعت البطشة بين المسجدين فيأرز العلم كما تأرز الحية في جحرها، واختلفت الشيعة وسمى بعضهم بعضاً كذابين وتفل بعضهم في وجوه بعض؟ قلت: جعلت فداك ما عند ذلك من خير، فقال لي: الخير كله عند ذلك ثلاثاً). ومثله النعماني/159. وفي/206، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يكون ذلك الأمر حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يلعن بعضكم بعضاً وحتى يسمى بعضكم بعضاً كذابين). وعنه البحار: 52/134.
وفي النعماني/172، عن أبي بصير: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: لقائم آل محمد غيبتان إحداهما أطول من الأخرى؟ فقال: نعم ولا يكون ذلك حتى يختلف سيف بني فلان وتضيق الحلقة ويظهر السفياني، ويشتد البلاء ويشمل الناس موت وقتل يلجؤون فيه إلى حرم الله وحرم رسوله (صلى الله عليه وآله)). ومثله دلائل الإمامة/293، وإعلام
الورى/416، عن كتاب المشيخة لابن محبوب، وفيه: نعم يا أبا بصير إحداهما أطول من الأخرى ثم لا يكون ذلك يعني ظهوره حتى يختلف ولد فلان.. وكشف الغمة: 3/319، عن إعلام الورى، وإثبات الهداة: 3/526، والبحار: 52/156، عن النعماني.
وفي النعماني/267، عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يشمل الناس موت وقتل حتى يلجأ الناس عند ذلك إلى الحرم، فينادي مناد صادق من شدة القتال فيم القتل والقتال؟ صاحبكم فلان). والبحار: 52/296.
وفي مختصر البصائر/199: (ووقفت على كتاب خطب لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) وعليه خط السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاوس ما صورته هذا الكتاب ذكر كاتبه رجلين بعد الصادق (عليه السلام) فيمكن أن يكون تأريخ كتابته بعد المائتين من الهجرة لأنه (عليه السلام) انتقل بعد سنة مائة وأربعين من الهجرة، وقد روى بعض ما فيه عن أبي روح فرج بن فروة عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد وبعض ما فيه عن غيرهما، ذكر في الكتاب المشار إليه خطبة لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) تسمى المخزون ثم ذكر الخطبة بطولها جاء فيها: ألا يا أيها الناس سلوني قبل أن تشرع برجلها فتنة شرقية وتطأ في خطامها بعد موت وحياة أو تشب نار بالحطب الجزل غربي الأرض ورافعة ذيلها تدعو يا ويلها بذحلة أو مثلها فإذا استدار الفلك قلتم مات أو هلك بأي واد سلك، فيومئذ تأويل هذه الآية: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً). ولذلك آيات وعلامات أولهن إحصار الكوفة بالرصد والخندق وتحريق الزوايا في سكك الكوفة وتعطيل المساجد أربعين ليلة، وتخفق رايات ثلاث حول المسجد الأكبر يشبهن بالهدى، القاتل والمقتول في النار، وقتل كثير وموت ذريع وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين، والمذبوح بين الركن والمقام وقتل الأسبع المظفر صبراً في بيعة الأصنام مع كثير من شياطين الإنس وخروج السفياني براية خضراء وصليب من ذهب أميرها رجل من كلب واثني عشر ألف عنان من خيل يحمل السفياني، متوجهاً إلى مكة
والمدينة، أميرها أحد من بني أمية يقال له خزيمة أطمس العين الشمال، على عينه طرفة، تميل بالدنيا فلا ترد له راية حتى ينزل المدينة فيجمع رجالاً ونساء من آل محمد فيحبسهم في دار بالمدينة يقال لها دار أبي الحسن الأموي). الخ.
موت حاكم في موته فرج الناس جميعاً
في النعماني/267، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: بينا الناس وقوف بعرفات إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة يخبرهم بموت خليفة يكون عند موته فرج آل محمد (صلى الله عليه وآله) وفرج الناس جميعاً). وفي النعماني/257، عن الحسين بن المختار قال: أمسك بيدك: هلاك الفلاني اسم رجل من بني العباس (فلان) وخروج السفياني وقتل النفس، وجيش الخسف والصوت. قلت: وما الصوت أهو المنادي؟ فقال: نعم وبه يعرف صاحب هذا الأمر ثم قال: الفرج كله هلاك الفلاني). وإثبات الهداة: 3/736، والبحار: 52/234.
وفي غيبة الطوسي/271، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم، ثم قال: إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله، ويذهب ملك السنين، ويصير ملك الشهور والأيام، فقلت يطول ذلك؟ قال: كلا). والخرائج: 3/1163، أوله، كما في غيبة الطوسي، والعدد القوية/77، وفيه: أضمن له قيام القائم، وإثبات الهداة: 3/728، عن غيبة الطوسي، والبحار: 52/210، عن النعماني.
نارٌ في شرقي الحجاز
النعماني/262، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا رأيتم ناراً من المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة، فتوقعوا فرج آل محمد (عليهم السلام) إن شاء الله (عزَّ وجلَّ) إن الله عزيز حكيم). الهردي: الثوب المصبوغ بالأخضر والأحمر. والهرد: صبغ الكركم الأصفر، ويضعون معه طيناً أحمر وعروق شجر.
وفي النعماني/267، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إذا رأيتم علامة في السماء ناراً عظيمة من قبل المشرق تطلع ليالي، فعندها فرج الناس وهي قدام القائم (عليه السلام) بقليل). وعنه عقد الدرر/106، وإثبات الهداة: 3/737، والبحار: 52/240.
وفي ابن حماد: 1/232، عن ابن معدان قال: إذا رأيتم عموداً من نار من قبل المشرق في شهر رمضان في السماء فأعدوا ما استطعتم من الطعام، فإنها سنة جوع).
أقول: يحتمل أن تكون هذه النار بركاناً طبيعياً، أو حريقاً نفطياً كبيراً. وهي غير النار التي روي أنها تظهر في عدن وأنها من علامات القيامة، ومن أحاديثها ما رواه الطيالسي/143، عن حذيفة بن أسيد الغفاري من أهل الصفة قال: اطلع علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن نتذاكر الساعة فقال: إن الساعة لا تقوم حتى يكون عشر آيات: الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها، وثلاث خسوف: خسف بالمشرق، وخسف المغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونزول عيسى بن مريم، وفتح يأجوج ومأجوج ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر). ونحوه الحميدي: 2/364، وابن شيبة: 15/130، وأحمد: 4/6، ومسلم: 4/2225، و/2226، وابن ماجة: 2/1341، والترمذي: 4/477، والطبراني الكبير: 3/189، وفي الدر المنثور: 3/60: ابن أبي شيبة، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، عن حذيفة بن أسيد).
ومن مصادرنا: الخصال: 2/446، عن حذيفة بن أسيد: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: عشر آيات بين يدي الساعة خمس بالمشرق وخمس بالمغرب، فذكر الدابة والدجال وطلوع الشمس من مغربها وعيسى بن مريم (عليه السلام) ويأجوج ومأجوج، وأنه يغلبهم ويغرقهم في البحر). وفي غيبة الطوسي/267، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عشر قبل الساعة لا بد منها: السفياني، والدجال، والدخان، والدابة، وخروج القائم، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى (عليه السلام)، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر). ونحوه الخرائج: 3/1148، والإيقاظ/311، و/356.. إلى آخر المصادر.
وفي الصراط المستقيم: 2/258، عن عجائب البلدان مرسلاً أن عليا (عليه السلام) قال: إذا وقعت النار في حجازكم وجرى الماء بنجفكم فتوقعوا ظهور قائمكم). وإثبات الهداة: 3/578.
جيش السفياني في الحجاز
روت مصادر الجميع عن النبي (صلى الله عليه وآله) أحاديث(جيش الخسف)، وأنه آية ربانية موعودة فاعاً عن الكعبة وعن الإمام المهدي (عليه السلام) عندما يعوذ بالبيت ويعلن مشروعه الرباني، فيقصده جيش السفياني من المدينة ليقضي على حركته فيخسف الله بجيشه كله في بيداء المدينة! وتبلغ طرقه وتصحيحات العلماء له أكثر من مئة صفحة! وأكثرها إبهاماً وإيهاماً رواية بخاري: 2/159، فقد وضعه تحت عنوان: (باب هدم الكعبة) وروى فيه عن عائشة قالت: قال النبي (صلى الله عليه وآله): يغزو جيش الكعبة فيخسف بهم. عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يُخَرِّبُ الكعبةَ ذو السويقتين من الحبشة)!
ورواه في: 3/19، أيضاً: قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم. قالت قلت: يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟! قال: يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم). انتهى. فالذي فعله بخاري أنه حذف ركن الحديث الأساسي وهو الإمام المهدي (عليه السلام) العائذ بالبيت، ثم أوْهَمَ أن هذا الحديث مرتبط بحديث ذي السويقة الحبشي الذي زعم اليهود أنه يهدم الكعبة ويخرب مكة فلا يسكنها أحد!
والذي فعلته عائشة أنها أبهمت وأوهمت وفتحت المجال لأن يكون ابن أختها ابن الزبير هو العائذ بالبيت، وأنه يخسف بجيش الشام الذي يقصده!
وفضح الحاكم ما حذفه بخاري من النص الصحيح على شرطه، فروى في: 4/520، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله): يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من يتبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان، فتجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذئب تلعة. ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة فيبلغ السفياني
فيبعث إليه جنداً من جنده فيهزمهم فيسير إليه السفياني بمن معه حتى إذا صار ببيداء من الأرض خسف بهم فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم). حتى لا يمنع ذنب تلعة: مثلٌ للسيل إذا زاد فلا تمتنع منه الأرض العالية. والتلعة: مسيل الماء من أعلاه.
أما مسلم بن الحجاج فكان أكثر أمانة حيث روى في صحيحه: 8/166، عن عبيد الله بن القبطية قال: دخل الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان وأنا معهما على أم سلمة أم المؤمنين فسألاها عن الجيش الذي يخسف به، وكان ذلك في أيام ابن الزبير؟ فقالت: قال رسول الله: (صلى الله عليه وآله) يعوذ عائذ بالبيت فيُبعث إليه بعث، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم! فقلت: يا رسول الله فكيف بمن كان كارهاً؟ قال: يخسف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته). ثم روى عن ابن رفيع قال: فلقيت أبا جعفر (الإمام الباقر (عليه السلام)) فقلت إنها إنما قالت ببيداء من الأرض، فقال أبو جعفر: كلا والله، إنها لَبيداء المدينة. ثم روى مسلم عن حفصة قالت: قال النبي (صلى الله عليه وآله): لَيُؤُمَّنَّ هذا البيت جيش يغزونه حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأوسطهم وينادى أولهم آخرهم ثم يخسف بهم فلا يبقى إلا الشريد الذي يخبر عنهم! فقال رجل: أشهد عليك أنك لم تكذب على حفصة وأشهد على حفصة أنها لم تكذب على النبي (صلى الله عليه وآله).
ثم روى عن عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: سيعوذ بهذا البيت يعني الكعبة قوم ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدة، يبعث إليهم جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم! قال يوسف: وأهل الشام يومئذ يسيرون إلى مكة، فقال عبد الله بن صفوان: أما والله ما هو بهذا الجيش)! انتهى. وكأنه يرد بذلك على عائشة!
وأخيراً، قالت عائشة إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: العجب أن ناساً من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم! فقلنا يارسول الله إن الطريق قد يجمع الناس، قال: نعم فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل، يَهلكون مهلكاً واحداً ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم).
والمستبصر: المتعمد، وابن السبيل: العابر. وفي رواية: فيهم المنتفر والمجبور والمكره، أي المستنفر باختياره، والمجبور بالقهر، والمشارك باختياره لكن لظروف أكرهته.
ويدل ذلك على أن الصحابة كانوا يعرفون الحديث وينتظرون وقوع تأويله، وأن الثائر العائذ بالبيت ركن أساسي فيه! وفي روايتهم تفاصيل لم يوردها مسلم فضلاً عن بخاري. راجع: الجمع بين الصحيحين للحميدي: 4/238 و/245، وابن شيبة: 15/43 وأحمد: 6/316، وأبا داود: 4/107، وتهذيب ابن عساكر: 3/450، وجامع الأصول: 10/179، وجمع الفوائد: 1/55، والمسند الجامع: 20/795، وتاريخ بخاري: 5/118، وابن ماجة: 2/1350، والنسائي: 5/207، والطبراني الكبير: 23/202، و: 24/75، والحاكم: 4/429، وصححه على شرط الشيخين، وعبد الرزاق: 11/371، وفيه: يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من المدينة فيأتي مكة فيستخرجه الناس من بيته وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، فيبعث إليه جيش من الشام حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فيأتيه عصائب العراق وأبدال الشام فيبايعونه، فيستخرج الكنوز ويقسم المال، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض).
ورواه أحمد بروايات في: 6/316، و: 6/285: عن أم سلمة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) استيقظ من منامه وهو يسترجع، قالت قلت: يا رسول الله ما شأنك؟ قال: طائفة من أمتي يخسف بهم، ثم يبعثون إلى رجل فيأتي مكة فيمنعه الله منهم ويخسف بهم مصرعهم وأحد ومصادرهم شتى، قالت قلت: يا رسول الله كيف يكون مصرعهم وأحداً ومصادرهم شتى؟ قال: إن منهم من يكره فيجيء مكرهاً. وفي ابن حماد: 1/327، عن عبد الله بن عمرو يقول: علامة خروج المهدي خسف يكون بالبيداء بجيش، هو علامة خروجه).
وفي المعجم الأوسط: 6/222، عن أم سلمة، وفيه: (فيعوذ عائذ بالحرم فيجتمع الناس إليه كالطائر الوارد المتفرقة حتى يجتمع إليه ثلاث مائة وأربعة عشر، فيهم نسوة فيظهر على كل جبار وابن جبار، ويظهر من العدل ما يتمنى له الأحياء أمواتهم). ومجمع الزوائد: 7/315.
وفي البدء والتاريخ: 2/178: (وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لتتركن المدينة أحسن ما كانت حتى يجيء الكلب فيشغر على سارية المسجد، قالوا: فلمن تكون الثمار يومئذ
يا رسول الله قال: لعوافي السباع والطير، قالوا في الخبر: ثم تسير خيل السفياني تريد مكة، تنتهي إلى موضع يقال له بيداء فينادي مناد من السماء: يا بيداء بيدي بهم فيخسف بهم فلا ينجو منهم إلا رجلان من كلب تقلب وجوههما في أقفيتهما يمشيان القهقرى على أعقابهما حتى يأتيا السفياني فيخبرانه، ويأتي البشير المهدي وهو بمكة فيخرج معه إثنا عشر ألفاً فهم الأبدال والأعلام حتى يأتي المباء ويأسر السفياني ويغير على كلب لأنهم أتباعه ويسبي نساءهم، قالوا: فالخائب يومئذ من خاب عن غنائم كلب). ونحوه في دلائل الإمامة/248، ولا يخلو من مبالغة.
وروى ابن حماد فيكتابه (الفتن) مضامين أحاديث الإمام الباقر (عليه السلام) وغيره من أهل البيت (عليهم السلام)، وأضاف إليها أساطير الإسرائيليات أو من خياله، وبعض رواياته معقولة كروايته: 1/325، عن أبي جعفر(أي الإمام الباقر (عليه السلام)) قال: فيبلغ أهل المدينة مخرج الجيش إليهم فيهرب منها من كان من آل محمد (صلى الله عليه وآله) إلى مكة يحمل الشديد الضعيف والكبير الصغير فيدركون نفساً من آل محمد فيذبحونه عند أحجار الزيت). وعنه عقد الدرر/66، بتفاوت يسير. وفي/90، عن أبي جعفر قال: يخسف بهم فلا ينجو منهم إلا رجلان من كلب اسمهما وبر ووبير، تقلب وجوههما في أقفيتهما). وفي/90، عن أبي جعفر قال: سيكون عائذ بمكة يبعث إليه سبعون ألفاً، عليهم رجل من قيس حتى إذا بلغوا الثنية دخل آخرهم ولم يخرج منها أولهم نادى جبرئيل: يا بيداء يا بيداء، يسمع مشارقها ومغاربها، خذيهم فلا خير فيهم! فلا يظهر على هلاكهم أحد إلا راعي غنم في الجبل ينظر إليهم حين ساخوا فيخبر بهم! فإذا سمع العائذ بهم خرج).
* * *
أما مصادرنا فروت حديث جيش الخسف ولم تظلم منه شيئاً!
ففي الاختصاص/255، وغيبة الطوسي/269، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة فينفر المهدي منها إلى مكة، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة فيبعث جيشاً على أثره، فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفاً يترقب على سنة موسى بن عمران (عليه السلام). قال: فينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي مناد من السماء: يا بيداء أبيدي القوم! فيخسف بهم فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر يحول
الله وجوههم إلى أقفيتهم وهم من كلب وفيهم نزلت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا..) الآية. قال: والقائم يومئذ بمكة قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً به فينادي: يا أيها الناس إنا نستنصر الله، فمن أجابنا من الناس فإنا أهل بيت نبيكم محمد ونحن أولى الناس بالله وبمحمد (صلى الله عليه وآله). فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد، ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين! أليس الله يقول في محكم كتابه: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). فأنا بقية من آدم وذخيرة من نوح ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمد (صلى الله عليه وآله). ألا فمن حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، ألا ومن حاجني في سنة رسول الله فأنا أولى الناس بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأنشد الله من سمع كلامي اليوم لما بلغ الشاهد الغائب، وأسألكم بحق الله وحق رسوله (صلى الله عليه وآله) وبحقي فإن لي عليكم حق القربي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أعنتمونا ومنعتمونا ممن يظلمنا فقد أُخفنا وظُلمنا وطُردنا من ديارنا وأبنائنا وبُغيَ علينا ودُفعنا عن حقنا وافترى أهل الباطل علينا، فالله الله فينا لاتخذلونا وانصرونا ينصركم الله تعالى.
قال: فيجمع الله عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً يجمعهم الله له على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف، وهي يا جابر الآية التي ذكرها الله في كتابه: (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ)، فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد توارثته الأبناء عن الآباء، والقائم يا جابر رجل من ولد الحسين يصلح الله له أمره في ليلة فما أشكل على الناس من ذلك يا جابر فلا يشكلنَّ عليهم ولادته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووراثته العلماء عالماً بعد عالم فإن أشكل هذا كله عليهم فإن الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذا نودي باسمه واسم أبيه وأمه).
عدد جيش السفياني ومكان الخسف به
تصف أحاديث المصادر السنية دخول جيش السفياني إلى المدينة المنورة عن طريقين، من العراق والشام، بأنه دخول كاسح، لا يستطيع أهل المدينة مقاومته وأنه يستعمل نفس طريقته الوحشية في العراق مع أنصار المهدي وشيعة أهل البيت (عليهم السلام) في القتل والإبادة للكبير والصغير والرجال والنساء! بل ذكرت أن بطشه في المدينة يكون أشد، ففي ابن حماد: 1/323، عن ابن شهاب قال: يكتب السفياني إلى الذي دخل الكوفة بخيله بعد ما يعركها عرك الأديم، يأمره بالسير إلى الحجاز، فيسير إلى المدينة فيضع السيف في قريش، فيقتل منهم ومن الأنصار أربع مائة رجل، ويبقر البطون، ويقتل الولدان، ويقتل أخوين من قريش رجل وأخته يقال لهما فاطمة ومحمد، ويصلبهما على باب مسجد المدينة).
وفي مستدرك الحاكم: 4/442، وغيره، أن أهل المدينة يخرجون منها أمام حملة السفياني، ولا تذكر الأحاديث أماكن أخرى يدخلها جيش السفياني غير المدينة. وفي/252، أنه يأتي المدينة بجيش جرار. وفي ابن حماد: 1/328، وفي أخرى: اثنا عشر ألفاً. وفي عقد الدرر/76، أن عدده سبعون ألفاً، وفي الكشاف: 3/467، ثمانون ألفاً!
أقول: يظهر أن مدة بقاء جيشه في المدينة وجيزة، ثم يتجه إلى مكة فتقع الآية الموعودة ويخسف بهم في البيداء قرب المدينة. فعن حنان بن سدير أنه سأل الإمام الصادق (عليه السلام) عن خسف البيداء فقال: أَمَا صِهْرا على البريد، على اثني عشر ميلاً من البريد الذي بذات الجيش). (البحار: 52/181). والبيداء منتهى الجبال وبداية الأرض المستوية للمسافر من المدينة إلى مكة (ذات الجيش من المدينة على بريد). (معجم ما استعجم: 2/409) (هي الشُّرف الذي قدَّام ذي الحليفة في طريق مكة، وذات الجيش هي على بريد من المدينة). (السيوطي على النسائي: 1/162). وقد سلك النبي (صلى الله عليه وآله) إلى بدر على نقب المدينة ثم على العقيق ثم على ذي الحليفة ثم على... ذات الجيش). (ابن هشام: 3/160).
وفي فقه أهل البيت (عليهم السلام): يكره الصلاة في أماكن، منها البيداء لأنها محل خسف
وغضب، قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي: لا تصل في جلد ما لا تشرب لبنه ولا تأكل لحمه، ولا تصل في ذات الجيش، ولا في ذات الصلاصل، ولا في ضجنان). (من لا يحضره الفقيه: 4/366). وفي المحاسن لأحمد بن محمد بن خالد البرقي رحمه الله: 2/365: (عن أحمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة في البيداء؟ فقال: البيداء لا يصلى فيها، قلت: وأين حد البيداء؟ قال: أما رأيت ذلك الرفع والخفض؟ قلت: إنه كثير فأخبرني أين حده؟ فقال: كان أبو جعفر (عليه السلام) إذا بلغ ذات الجيش جد في السير ثم لم يصل حتى يأتي معرس النبي (صلى الله عليه وآله) قلت: وأين ذات الجيش؟ قال: دون الحفيرة بثلاثة أميال). أيضاً: الحدائق الناضرة: 7/213، والكافي: 3/389، والتهذيب: 2/375، ومكارم الأخلاق/441، وفتح الباري: 1/365، و: 3/957، وشرح السيوطي: 1/162، وشرح الزرقاني: 1/422).
الآيات النازلة في معجزة الخسف بالجيش
في الدر المنثور: 5/240: (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ)، قال: هو جيش السفياني، قال: من أين أخذ؟ قال: من تحت أرجلهم).
وفي تفسير الطبري: 22/72، عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذكر فتنة بين أهل المشرق والمغرب: فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فوره ذلك، حتى ينزل دمشق، فيبعث جيشين جيشاً إلى المشرق وجيشاً إلى المدينة حتى ينزلوا بأرض بابل في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة، فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويبقرون بها أكثر من مائة امرأة، ويقتلون بها ثلاثمائة كبش من بني العباس، ثم ينحدرون إلى الكوفة، فيخربون ما حولها ثم يخرجون متوجهين إلى الشام، فتخرج راية هدى من الكوفة، فتلحق ذلك الجيش منها على الفئتين فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر، ويستنقذون ما في أيديهم من السبى والغنائم. ويخلو جيشه الثاني بالمدينة فينتهبونها ثلاثة أيام ولياليها، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة، حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله سبحانه جبرئيل فيقول يا جبرائيل إذهب فأبدهم،
فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم فذلك قوله (عزَّ وجلَّ) في سورة سبأ: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ)، فلا ينفلت منهم إلا رجلان أحدهما بشير والآخر نذير، وهما من جهينة، فلذلك جاء القول فعند جهينة الخبر اليقين). والكشاف: 3/467، وتذكرة القرطبي: 2/693، وتفسيره: 14/314، وعقد الدرر/74، والبحر المحيط: 7/293، ونوادر الأخبار/257، والإستيعاب: 3/928، وأبو الفتوح: 9/226، ومجمع البيان: 4/398، والبحار: 52/186.
وفي ابن حماد: 1/329، عن علي (رضي الله عنه) قال: إذا نزل جيش في طلب الذين خرجوا إلى مكة، فنزلوا البيداء خسف بهم ويباد بهم، وهو قوله (عزَّ وجلَّ): (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ). من تحت أقدامهم).
وروى السلمي في عقد الدرر/76، عن الإمام أبي بكر محمد بن الحسن النقاش المقري في تفسيره قال: نزلت يعني هذه الآية في السفياني، وذلك أنه يخرج من الوادي اليابس في أخواله، وأخواله من كلب يخطبون على منابر الشام، فإذا بلغوا عين التمر محا الله تعالى الإيمان من قلوبهم، فتجوز حتى ينتهوا إلى جبل الذهب فيقاتلون قتالاً شديداً فيقتل السفياني سبعين ألف رجل، عليهم السيوف المحلاة والمناطق المفضضة. ثم يدخل الكوفة فيصير أهلها ثلاث فرق، فرقة تلحق به وهم أشر خلق الله تعالى، وفرقة تقاتله وهم عند الله تعالى شهداء، وفرقة تلحق الأعراب وهم العصاة... ثم ذكر فظائع السفياني في العراق، ثم في البصرة، ثم دخول جيشه إلى المدينة، وقال: ويقتل رجل من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وامرأة واسم الرجل محمد ويقال اسمه علي والمرأة فاطمة فيصلبونهما عراة! فعند ذلك يشتد غضب الله تعالى عليهم، ويبلغ الخبر إلى ولي الله تعالى، فيخرج من قرية من قرى جرش في ثلاثين رجلاً فيبلغ المؤمنين خروجه فيأتونه من كل أرض يحنِّون إليه كما تحن الناقة إلى فصيلها، فيجيء فيدخل مكة وتقام الصلاة فيقولون: تقدم يا ولي الله. فيقول: لا أفعل..) الخ. ثم ذكر آية خسف البيداء، والخلط والإضافة في الرواية واضحان.
* * *
كما استفاضت روايتها في مصادرنا أيضاً، ففي تفسير العياشي: 2/261: عن أبي جعفر
(عليه السلام) قال: إن عهد نبي الله (صلى الله عليه وآله) صار عند علي بن الحسين (عليه السلام) ثم صار عند محمد بن علي، ثم يفعل الله ما يشاء، فالزم هؤلاء فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة رجل ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) عامداً إلى المدينة حتى يمر بالبيداء فيقول: هذا مكان القوم الذين خسف الله بهم وهي الآية التي قال الله: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأرض أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ). وفي تفسير القمي: 2/205: (عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا، قال: من الصوت وذلك الصوت من السماء. (وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ)، قال: من تحت أقدامهم خسف بهم). وعنه البحار: 52/185.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (المهدي أقبل، جعد، بخده خال، يكون مبدؤه من قبل المشرق، فإذا كان ذلك خرج السفياني فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر، يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام إلا طوائف مقيمين على الحق يعصمهم الله من الخروج معه، ويأتي المدينة بجيش جرار حتى إذا انتهى إلى بيداء المدينة خسف الله به، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ)). (غيبة النعماني/163، والمحجة للبحراني/177).
والكافي: 8/166، عن الطيار عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله (عزَّ وجلَّ): (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ). قال: خسف وقذف، قال قلت: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ)؟ قال: دع ذا، ذاك قيام القائم). وإثبات الهداة: 3/450، والبحار: 52/303.
وفي الكافي: 8/381، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)؟ قال: يريهم في أنفسهم المسخ ويريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم، فيرون قدرة الله (عزَّ وجلَّ) في أنفسهم وفي الآفاق. قلت له: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)؟ قال: خروج القائم هو الحق من عند الله (عزَّ وجلَّ) يراه الخلق، لا بد منه). وعنه البحار: 51/62.
وفي الإرشاد/359، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، في قوله (عزَّ وجلَّ): (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)؟ قال: الفتن في الآفاق، والمسخ في أعداء الحق). وعنه البحار: 52/221. وفي تأويل الآيات: 2/571، بسنده عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً)؟ قال: هي ساعة القائم تأتيهم بغتة). وعنه إثبات الهداة: 3/565، والبحار: 24/164.
الغلام أو النفس الزكية الذي يقتل في المدينة
تقدمت روايته في فصل أصحاب الإمام (عليه السلام)، وذكرت بعض الروايات أن هذا السيد وأخته هم أبناء عم النفس الزكية الذي يرسله الإمام المهدي (عليه السلام) في مكة فيقتلونه في المسجد الحرام قبيل ظهوره (عليه السلام)، وأنهما يكونان فارَّين من العراق من جيش السفياني، ويدلهم عليهما جاسوس يكون معهما من العراق.
النداء السماوي من مصادر السنيين
بعض أحاديث النداء السماوي في مصادر السنيين يتفق مع أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، وبعضها أضيف اليه مبالغات وتخيلات الرواة.
ابن حماد: 1/337: عن سعيد بن المسيب قال: تكون فتنة كان أولها لعب الصبيان، كلما سكنت من جانب طمت من جانب، فلا تتناهى حتى ينادي مناد من السماء: ألا إن الأمير فلان! وفتل ابن المسيب يديه حتى إنهما لتنتفضان فقال: ذلكم الأمير حقاً ثلاث مرات... عن جابر عن أبي جعفر قال: ينادي مناد من السماء: ألا إن الحق في آل محمد، وينادي مناد من الأرض: ألا إن الحق في آل عيسى أو قال العباس، أنا أشك فيه، وإنما الصوت الأسفل من الشيطان ليلبس على الناس. شك أبو عبد الله نعيم).
ابن حماد: 1/339، عن علي (رضي الله عنه) قال: بعد الخسف ينادي مناد من السماء إن الحق في آل محمد في أول النهار، ثم ينادي مناد في آخر النهار إن الحق في ولد عيسى، وذلك نخوة من الشيطان... عن سعيد بن يزيد التنوخي عن الزهري قال:
إذا التقى السفياني والمهدي للقتال يومئذ يسمع صوت من السماء: ألا إن أولياء الله أصحاب فلان يعني المهدي، قال الزهري: وقالت اسماء بنت عميس: إن أمارة ذلك اليوم أن كفاً من السماء مدلاةً ينظر إليها الناس). وعنه ملاحم ابن طاووس/133، والحاوي: 2/75، والفتاوى الحديثية/31، والصراط المستقيم: 2/225، وفي: 2/259، عن أخبار المهدي لأبي العلاء الهمداني، وفيه: وفي آخر النهار: الحق في ولد عيسى، وذلك نخوةٌ من الشيطان، ويظهر المهدي على أفواه الناس ويُشربون حبه). وعنه إثبات الهداة: 3/615.
ملاحظة: يشير الحديث إلى أن(آل عيسى) هم الذين يدبرون أمر النداء الأرضي المكذوب في آخر النهار لإبطال تأثير النداء السماوي في أول النهار! ومعناه أن الغربيين يقومون بإنتاج هذه الكذبة ونشرها! وستأتي رواية النعماني/264 عن الإمام الصادق (عليه السلام) (إن الشيطان لا يدعهم حتى ينادي كما نادى برسول الله يوم العقبة)!
في ابن حماد: 1/228، عن ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إذا كانت صيحة في رمضان فإنه يكون معمعة في شوال، وتمييز القبائل في ذي القعدة، وتسفك الدماء في ذي الحجة! والمحرم وما المحرم، يقولها ثلاثاً، هيهات هيهات، يقتل الناس فيها هرجاً مرجاً! قال قلنا: وما الصيحة يا رسول الله؟ قال: هدة في النصف من رمضان ليلة الجمعة، فتكون هدة توقظ النائم وتقعد القائم وتخرج العواتق من خدورهن في ليلة جمعة في سنة كثيرة الزلازل، فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة، فأدخلوا بيوتكم وأغلقوا أبوابكم وسدوا كواكم ودثروا أنفسكم وسدوا آذانكم فإذا أحسستم بالصيحة فخروا لله سجداً وقولوا: سبحان القدوس سبحان القدوس ربنا القدوس، فإنه من فعل ذلك نجا من لم يفعل ذلك هلك).
وفيه: عن ابن حوشب: عن النبي (صلى الله عليه وآله): في المحرم ينادي مناد من السماء: ألا إن صفوة الله من خلقه فلاناً فاسمعوا له وأطيعوا، في سنة الصوت والمعمعة).
* * *
وفي البدء والتاريخ: 2/172، عن فيروز الديلمي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: يكون هدة في رمضان توقظ النائم وتفزع اليقظان، هذا في رواية قتادة، وفي رواية الأوزاعي:
يكون صوت في رمضان في نصف من الشهر يصعق فيه سبعون ألفاً، ويعمى فيه سبعون ألفاً، ويصم سبعون ألفاً، ويخرس سبعون ألفاً، ويتفلق له سبعون ألف باكرة! قال: ثم يتبعه صوت آخر، فالأول صوت جبرئيل (عليه السلام) والثاني صوت إبليس عليه اللعنة! قال: الصوت في رمضان والمعمعة في شوال، وتميز القبائل في ذي القعدة، ويغار على الحاج في ذي الحجة، والمحرم أوله بلاء وآخره فرج. قالوا: يا رسول الله من يسلم منه؟ قال: من يلزم بيته ويتعوذ بالسجود). ونحوه عقد الدرر/101، عن الداني.
وفي عقد الدرر/105، عن ملاحم ابن المادي، عن شهر بن حوشب قال: (كان يقال: في شهر رمضان صوت، وفي شوال همهمة، وفي ذي القعدة تميز القبائل، وفي ذي الحجة تسفك الدماء، وينهب الحاج في المحرم. قيل له: وما الصوت؟ قال: هاد من السماء يوقظ النائم ويفزع اليقظان ويخرج الفتاة من خدرها ويسمعه الناس كلهم، فلا يجيء رجل من أفق من الآفاق إلا حدث أنه سمعه).
وفي الآحاد والمثاني: 5/143، عن فيروز الديلمي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): صوت يكون في رمضان، قالوا: يا رسول الله يكون في أوله أو في وسطه أو في آخره قال: لا بل في النصف من رمضان، إذا كان ليلة النصف ليلة الجمعة يكون صوت من السماء يصعق له سبعون ألفاً ويخرس له سبعون ألفاً ويعمي سبعون ألفاً ويفيق سبعون ألفاً ويصم سبعون ألفاً قالوا: يارسول الله فمن السالم من أمتك؟ قال: من لزم بيته وتعوذ بالسجود وجهر بالتكبير لله (عزَّ وجلَّ) ثم يتبعه صوت آخر فالصوت الأول صوت جبريل (عليه السلام) والثاني صوت شيطان. والصوت في شهر رمضان والمعمعة في شوال، وتميز القبائل في ذي القعدة ويغار على الحاج في ذي الحجة، وفي المحرم وما المحرم؟ أوله بلاء على أمتي وآخره فرج لأمتي. الراحلة في ذلك الزمان بعينها ينجو عليها المؤمن خير من دسكرة تغل مائة ألف).
* * *
ابن حماد: 1/345، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ثم يظهر المهدي بمكة عند العشاء، ومعه
راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقميصه وسيفه وعلامات ونور وبيان، فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول: أذكركم الله أيها الناس ومقامكم بين يدي ربكم، فقد اتخذ الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً، وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله، وأن تحيوا ما أحيا القرآن وتميتوا ما أمات، وتكونوا أعواناً على الهدى ووزراً على التقوى، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها وآذنت بالوداع، فإني أدعوكم إلى الله وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله) والعمل بكتابه وإماتة الباطل وإحياء سنته. فيظهر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر على غير ميعاد، قزعاً كقزع الخريف، رهبانٌ بالليل أسدٌ بالنهار، فيفتح الله للمهدي أرض الحجاز، ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم وتنزل الرايات السود الكوفة، فتبعث بالبيعة إلى المهدي، فيبعث المهدي جنوده في الآفاق، ويميت الجور وأهله وتستقيم له البلدان، ويفتح الله على يديه القسطنطينية). وعنه عقد الدرر/145 والحاوي: 2/71، والبرهان للهندي/141، ولوائح السفاريني: 2/11، أوله، والصراط المستقيم: 2/262، وإثبات الهداة: 3/614.
ابن حماد: 1/345، عن الزهري قال: إذا التقى السفياني والمهدي للقتال، يومئذ يسمع صوت من السماء: ألا إن أولياء الله أصحاب فلان يعني المهدي. قال الزهري: وقالت أسماء بنت عميس: إن إمارة ذلك اليوم أن كفاً من السماء مدلاةً ينظر إليها الناس). وعنه عقد الدرر/106، والصراط المستقيم: 2/259، وإثبات الهداة: 3/615.
ابن حماد: 1/344، عن أبي رومان، عن علي (رضي الله عنه) قال: إذا نادى مناد من السماء إن الحق في آل محمد، فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس، ويُشرَبون حبه ولا يكون لهم ذكر غيره). وعنه بيان الشافعي/512، وعقد الدرر/52، و106، و136، عن الطبراني وأبي نعيم في مناقب المهدي، والحاوي: 2/68، وجمع الجوامع: 2/103، والمغربي/561.
النداء السماوي في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)
هو الآية التي تظل أعناقهم لها خاضعين!
النعماني/251، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن قوله تعالى: فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ، فقال: إنتظروا الفرج من ثلاث، فقيل: يا أمير المؤمنين وما هن؟ فقال: اختلاف أهل الشام بينهم، والرايات السود من خراسان والفزعة في شهر رمضان. فقيل: وما الفزعة في شهر رمضان؟ فقال: أو ما سمعتم قول الله (عزَّ وجلَّ) في القرآن: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ): هي آية تخرج الفتاة من خدرها وتوقظ النائم وتفزع اليقظان). ومثله عقد الدرر/104، وتأويل الآيات: 1/387، بتفاوت يسير، وعنه حلية الأبرار: 2/611 البرهان: 3/179، والمحجة/160، عن تأويل الآيات، والبحار: 52/229، عن النعماني و/285 عن تأويل الآيات.
تأويل الآيات: 1/386، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله (عزَّ وجلَّ): (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)، قال: هذه نزلت فينا وفي بني أمية، تكون لنا دولة تذل أعناقهم لنا بعد صعوبة وهوان بعد عز). ومثله مختصر البصائر/206، والمحجة/159، والبحار: 52/284.
تأويل الآيات: 1/386، عن حنان بن سدير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)؟ قال: نزلت في قائم آل محمد صلوات الله عليهم، ينادي باسمه من السماء). وعنه إثبات الهداة: 3/563، والمحجة/159، وحلية الأبرار: 2/613، والبحار: 52/284.
النعماني/260، عن عبد الله بن سنان بروايتين، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسمعت رجلاً من همدان يقول له: إن هؤلاء العامة يعيروننا ويقولون لنا: إنكم تزعمون أن منادياً ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر، وكان متكئاً فغضب وجلس، ثم قال: لا تروه عني وارووه عن أبي ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أني قد سمعت أبي (عليه السلام) يقول: والله إن ذلك في كتاب الله (عزَّ وجلَّ) لبين حيث يقول: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)، فلا يبقى في الأرض
يومئذ أحد إلا خضع وذلت رقبته لها، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء ألا إن الحق في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وشيعته! قال: فإذا كان من الغد صعد إبليس في الهواء حتى يتوارى عن أهل الأرض، ثم ينادي: ألا إن الحق في عثمان بن عفان وشيعته فإنه قتل مظلوماً فاطلبوا بدمه، قال: فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت على الحق وهو النداء الأول، ويرتاب يومئذ الذين في قلوبهم مرض، والمرض والله عداوتنا، فعند ذلك يتبرؤون منا ويتناولوننا فيقولون: إن المنادي الأول سحرٌ من سحر أهل هذا البيت، ثم تلا أبو عبد الله (عليه السلام) قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)). وعنه البرهان: 3/179، والمحجة/157، والبحار: 52/292.
وفي النعماني/253، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) من حديث طويل فيه كثير من الأحداث والعلامات، قال (عليه السلام): إذا رأيتم ناراً من قبل المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد (عليهم السلام) إن شاء الله (عزَّ وجلَّ)، إن الله عزيز حكيم. ثم قال: الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان شهر الله هي صيحة جبرئيل (عليه السلام) إلى هذا الخلق! ثم قال: ينادي مناد من السماء باسم القائم (عليه السلام) فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلا استيقظ ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت! فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فإن الصوت الأول هو صوت جبرئيل الروح الأمين (عليه السلام). ثم قال (عليه السلام): يكون الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين، فلا تشكوا في ذلك واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس ينادي ألا إن فلاناً قتل مظلوماً ليشكك الناس ويفتنهم! فكم في ذلك اليوم من شاك متحير قد هوى في النار، فإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان فلا تشكوا فيه إنه صوت جبرئيل، وعلامة ذلك أنه ينادي باسم القائم واسم أبيه حتى تسمعه العذراء في خدرها فتحرض أباها وأخاها على الخروج. وقال (عليه السلام): لابد من هذين الصوتين قبل خروج القائم (عليه السلام): صوت من السماء وهو صوت جبرئيل باسم صاحب هذا الأمر واسم أبيه، والصوت الثاني من
الأرض، وهو صوت إبليس اللعين ينادي باسم فلان أنه قتل مظلوماً يريد بذلك الفتنة، فاتبعوا الصوت الأول وإياكم والأخير أن تفتنوا به).
وفي تفسير القمي: 2/118، عن هشام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ). قال: تخضع رقابهم يعني بني أمية وهي الصيحة من السماء باسم صاحب الأمر). وإثبات الهداة: 3/552، والبحار: 9/228.
وفي النعماني/263، عن فضيل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: أما إن النداء من السماء باسم القائم في كتاب الله لبين، فقلت: فأين هو أصلحك الله؟ فقال: في طسم، تلك آيات الكتاب المبين، قوله: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ). قال: إذا سمعوا الصوت أصبحوا وكأنما على رؤوسهم الطير). وعنه البرهان: 3/180، والبحار: 52/293.
وفي النعماني/251، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن قوله تعالى: (فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ)؟ فقال: انتظروا الفرج من ثلاث، فقيل: يا أمير المؤمنين وما هن؟ فقال: اختلاف أهل الشام بينهم، والرايات السود من خراسان، والفزعة في شهر رمضان. فقيل: وما الفزعة في شهر رمضان؟ فقال: أو ما سمعتم قول الله (عزَّ وجلَّ) في القرآن: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)، هي آية تخرج الفتاة من خدرها وتوقظ النائم وتفزع اليقظان). ومثله عقد الدرر/104، وتأويل الآيات: 1/387، وعنهما إثبات الهداة: 3/734 والبحار: 52/229، و285.
الإرشاد للمفيد/359، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في قوله تعالى شأنه: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ): قال: سيفعل الله ذلك لهم، قلت: ومن هم؟ قال: بنو أمية وشيعتهم، قلت: وما الآية؟ قال:، ركود الشمس ما بين زوال الشمس إلى وقت العصر، وخروج صدر رجل ووجه في عين الشمس يعرف بحسبه ونسبه وذلك في زمان السفياني، وعندها يكون بواره وبوار قومه). وعنه إعلام الورى/428، وإثبات الهداة: 3/732، والبحار: 52/221.
وفي غيبة الطوسي/110، عن الحسن بن زياد الصيقل قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: إن القائم لا يقوم حتى ينادي مناد من السماء يُسمع الفتاة في خدرها ويُسمع أهل المشرق والمغرب، وفيه نزلت هذه الآية: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ). وعنه إثبات الهداة: 3/502، والبحار: 52/285.
وفي مجمع البيان: 4/184: (وذكر أبو حمزة الثمالي في هذه الآية: أنها صوت يسمع من السماء في النصف من شهر رمضان، وتخرج له العواتق من البيوت). وعقد الدرر/101.
أبو جعفر المنصور يروي حديث النداء!
الكافي: 8/209، عن اسماعيل بن الصباح قال: سمعت شيخاً يذكر عن سيف بن عميرة قال: كنت عند أبي الدوانيق فسمعته يقول ابتداء من نفسه: يا سيف بن عميرة: لابد من مناد ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب، قلت: يرويه أحد من الناس؟ قال: والذي نفسي بيده لسمعتْ أذني منه يقول: لابد من مناد ينادي باسم رجل. قلت: يا أمير المؤمنين، إن هذا الحديث ما سمعت بمثله قط، فقال لي: يا سيف إذا كان ذلك فنحن أول من يجيبه، أما إنه أحد بني عمنا! قلت: أي بني عمكم؟ قال: رجل من ولد فاطمة (عليها السلام)، ثم قال: يا سيف لولا أني سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقوله، ثم حدثني به أهل الأرض ما قبلته منهم، ولكنه محمد بن علي!). ومثله الإرشاد/358، وغيبة الطوسي/265، والخرائج: 3/1157، وإثبات الهداة: 3/725، والبحار: 52/288 و300.
أقول: سبب يقين المنصور بالإمام الباقر (عليه السلام) أنه يعلم بأنه إمام رباني فقد لمس صحة ما يخبر به عن المستقبل! وكان الإمام والإمام الصادق (عليهما السلام) أخبرا الحسنيين والعباسيين بنجاح ثورتهم على الأمويين، وأنهم سيختلفون ويحكم السفاح ثم المنصور!
النداء من المحتومات الإلهية
كمال الدين: 2/652، عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: إن خروج السفياني من المحتوم، قال لي: نعم واختلاف ولد
العباس من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم. فقلت له: كيف يكون ذلك النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن الحق في علي وشيعته، ثم ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار: ألا إن الحق في السفياني وشيعته فيرتاب عند ذلك المبطلون). والإرشاد/358، عن أبي حمزة الثمالي.. وفيه: قلت: وكيف يكون النداء؟ قال: ينادى من السماء أول النهار ألا إن الحق مع علي وشيعته، ثم ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض: ألا إن الحق مع عثمان وشيعته، فعند ذلك يرتاب المبطلون).
وفي غيبة الطوسي/266، عن أبي حمزة الثمالي قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: خروج السفياني من المحتوم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم، وأشياء كان يقولها من المحتوم. وفيه: واختلاف بني فلان من المحتوم.. يسمعه كل قوم بألسنتهم.. في عثمان). وفي/274، بعضه، ومثله إعلام الورى/426، والخرائج/286، بعضه.
يسمعه جميع الناس بلغاتهم!
النعماني/257، عن شرحبيل قال: قال أبو جعفر، وقد سألته عن القائم (عليه السلام): إنه لا يكون حتى ينادي مناد من السماء، يسمعه أهل المشرق والمغرب حتى تسمعه الفتاة في خدرها). وعنه إثبات الهداة: 3/736. وفي/274، عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): النداء حق؟ قال: إي والله حتى يسمعه كل قوم بلسانهم). وعنه البحار: 52/244.
النداء هو الصيحة بالحق
تفسير القمي: 2/327: قوله: (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ): قال: ينادي المنادي باسم القائم (عليه السلام) واسم أبيه (عليه السلام). قوله: (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوج): قال: صيحة القائم من السماء ذلك يوم الخروج، قال: هي الرجعة). وعنه المحجة/209، والبرهان: 4/229.
يأتي في ظروف ضاغطة على المسلمين
النعماني/181، عن داود الرقي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك قد طال هذا الأمر
علينا حتى ضاقت قلوبنا، ومتنا كمداً! فقال: إن هذا الأمر آيس ما يكون منه وأشده غماً ينادي مناد من السماء باسم القائم واسم أبيه فقلت: جعلت فداك ما اسمه؟ قال: اسمه اسم نبي واسم أبيه اسم وصي). وعنه إثبات الهداة: 3/535، والبحار: 51/38.
وفي ظروف شديدة على الشيعة
النعماني/142، عن عمرو بن سعد، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال يوماً لحذيفة بن اليمان، في حديث طويل: حتى إذا غاب المتغيب من ولدي عن عيون الناس، وماج الناس بفقده أو بقتله أو بموته، اطلعت الفتنة ونزلت البلية والتحمت العصبية، وغلا الناس في دينهم، وأجمعوا على أن الحجة ذاهبة والإمامة باطلة، ويحج حجيج الناس في تلك السنة من شيعة علي ونواصبه للتحسس والتجسس عن خلف الخلف فلا يرى له أثر، ولا يعرف له خبر ولا خلف، فعند ذلك سبت شيعة علي سبها أعداؤها، وظهرت عليها الأشرار والفساق باحتجاجها، حتى إذا بقيت الأمة حيارى، وتدلهت وأكثرت في قولها إن الحجة هالكة والإمامة باطلة، فورب علي إن حجتها عليها قائمة ماشية في طرقها، داخلة في دورها وقصورها جوالة في شرق هذه الأرض وغربها، تسمع الكلام وتسلم على الجماعة، ترى ولا ترى إلى الوقت والوعد ونداء المنادي من السماءألا ذلك يوم فيه سرور ولد علي وشيعته). وعنه البحار: 28/72.
يكون النداء على أثر قتال في الحجاز
النعماني/266، عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنه ينادي باسم صاحب هذا الأمر مناد من السماء، ألا إن الأمر لفلان بن فلان، ففيم القتال؟ وفيها: عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا يكون هذا الأمر الذي تمدون إليه أعناقكم حتى ينادي مناد من السماء: ألا إن فلانا صاحب الأمر، فعلام القتال؟). وعنه حلية الأبرار: 2/615، والبحار: 52/296.
أقول: يدل هذا الحديث أن النداء السماوي يكون على أثر قتال، وتؤيده الأحاديث الدالة على حدوث فراغ سياسي وصراع على السلطة في الحجاز.
ويؤمر الإمام (عليه السلام) في النداء بالقيام
النعماني/279، عن أبي بصير قال: حدثنا أبو عبد الله (عليه السلام) وقال: ينادى باسم القائم يا فلان بن فلان قم). وعنه إثبات الهداة: 3/739، والبحار: 52/246.
معنى أن الإمام (عليه السلام) يبايع على كره منه
النعماني/263، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ينادى باسم القائم فيؤتى وهو خلف المقام فيقال له: قد نودي باسمك فما تنتظر؟ ثم يؤخذ بيده فيبايع. قال قال لي زرارة: الحمد لله قد كنا نسمع أن القائم (عليه السلام) يبايع مستكرهاً، فلم نكن نعلم وجه استكراهه فعلمنا أنه استكراهٌ لا إثم فيه). وعنه البحار: 52/294.
النداء في سنة زوجية في ليلة 23 رمضان
كمال الدين: 2/650 و652، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الصيحة التي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة لثلاث وعشرين مضين من شهر رمضان). وعنه إثبات الهداة: 3/721، والبحار: 52/204.
النعماني/289، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك متى خروج القائم (عليه السلام)؟ فقال: يا أبا محمد إنا أهل بيت لا نوقت وقد قال محمد (صلى الله عليه وآله) كذب الوقاتون. يا أبا محمد إن قدام هذا الأمر خمس علامات: أولاهن النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكية، وخسف بالبيداء. ثم قال: يا أبا محمد: إنه لابد أن يكون قدام ذلك الطاعونان: الطاعون الأبيض والطاعون الأحمر، قلت: جعلت فداك وأي شيء هما؟ فقال: أما الطاعون الأبيض فالموت الجارف، وأما الطاعون الأحمر فالسيف، ولا يخرج القائم حتى ينادى باسمه من جوف السماء في ليلة ثلاث وعشرين (في شهر رمضان) ليلة جمعة،
قلت: بم ينادى؟ قال: باسمه واسم أبيه: ألا إن فلان بن فلان قائم آل محمد فاسمعوا له وأطيعوه، فلا يبقى شيء خلق الله فيه الروح إلا يسمع الصيحة، فتوقظ النائم ويخرج إلى صحن داره، وتخرج العذراء من خدرها، ويخرج القائم مما يسمع، وهي صيحة جبرئيل (عليه السلام)). وعنه البحار: 52/119، وبشارة الإسلام/150.
علامة ظهوره (عليه السلام): سراج يطفأ ويشع بدله نوره (عليه السلام)!
إثبات الوصية/226، عن أبي نصر عن أبي جعفر (عليه السلام): لصاحب هذا الأمر بيتٌ يقال له بيت الحمد، فيه سراجٌ يزهر منذ يومَ ولد إلى أن يقوم بالسيف). وعنه عيون المعجزات/145، وغيبة الطوسي/280، عن سلام بن أبي عميرة، وإعلام الورى/431، عن محمد بن عطاء، وعنها إثبات الهداة: 3/515 و527 و580، والبحار: 52/158. والنعماني/239، عن المفضل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن لصاحب هذا الأمر بيتاً يقال له بيت الحمد فيه سراجٌ يزهر منذ يوم ولد إلى يوم يقوم بالسيف لا يطفأ). وعنه حلية الأبرار: 2/684، والبحار: 52/158.
تكون قبل النداء آية في رجب
النعماني/252، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: العام الذي فيه الصيحة، قبله الآية في رجب، قلت: وما هي؟ قال: وجه يطلع في القمر ويدٌ بارزة). وعنه إثبات الهداة: 3/735، والبحار: 52/233.
بعد نداء جبرئيل (عليه السلام) ينادي الشيطان بنداء مضاد
النعماني/265، عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: هما صيحتان صيحة في أول الليل، وصيحة في آخر الليلة الثانية، قال: فقلت: كيف ذلك؟ قال: فقال: واحدة من السماء وواحدة من إبليس، فقلت: وكيف نعرف هذه من هذه؟ فقال: يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون). وعنه البحار: 52/295.
كمال الدين: 2/650، عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ينادي مناد باسم القائم. قلت: خاص أو عام؟ قال: عام يسمعه كل قوم بلسانهم، قلت: فمن يخالف القائم وقد نودي باسمه؟ قال: لا يدعهم إبليس حتى ينادي ويشكك الناس). وعنه إثبات
الهداة: 3/721، والبرهان: 2/185، والبحار: 52/205.
كمال الدين: 2/650، عن ميمون البان قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) في فسطاطه فرفع جانب الفسطاط فقال: إن أمرنا لو قد كان لكان أبين من هذه الشمس. ثم قال: ينادى مناد من السماء فلان بن فلان هو الإمام باسمه. وينادي إبليس لعنه الله من الأرض كما نادى برسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة). ومثله منتخب الأنوار /34 والخرائج: 3/1160، مثله بتفاوت يسير، وعنه إثبات الهداة: 3/720، والبحار: 52/204.
كمال الدين: 2/652، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صوت جبرئيل من السماء وصوت إبليس من الأرض، فاتبعوا الصوت الأول وإياكم والأخير أن تفتنوا به). وعنه إثبات الهداة: 3/722، والبحار: 52/206.
النعماني/264، عن زرارة بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ينادي مناد من السماء: إن فلاناً هو الأمير، وينادي مناد: إن علياً وشيعته هم الفائزون. قلت: فمن يقاتل المهدي بعد هذا؟ فقال: إن الشيطان ينادي: إن فلاناً وشيعته هم الفائزون لرجل من بني أمية. قلت: فمن يعرف الصادق من الكاذب؟ قال: يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا ويقولون إنه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنهم هم المحقون الصادقون). وعنه البحار: 52/294، وإثبات الهداة: 3/736.
النعماني/264، عن ناجية القطان أنه سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن المنادي ينادي إن المهدي من آل محمد فلان بن فلان، باسمه واسم أبيه، فينادي الشيطان: إن فلاناً وشيعته على الحق، يعني رجلاً من بني أمية). وعنه البحار: 52/294.
النعماني/265، عن هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الجريدي أخا إسحق يقول لنا: إنكم تقولون هما نداءان فأيهما الصادق من الكاذب؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): قولوا له إن الذي أخبرنا بذلك وأنت تنكر أن هذا يكون، هو الصادق). والبحار: 52/295.
الكافي: 8/208، عن ابن مسلمة الجريري قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يوبخونا ويكذبونا إنا نقول: إن صيحتين تكونان، يقولون: من أين تعرف المحقة من المبطلة
إذا كانتا؟ قال: فماذا تردون عليهم؟ قلت: ما نرد عليهم شيئاً قال: قولوا: يصدق بها إذا كانت من كان يؤمن بها من قبل، إن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون). ومثله النعماني/266، وعنهما المحجة/99، والبرهان: 2/185، والبحار: 52/296 و299.
الكافي: 8/209، عن داود بن فرقد قال: سمع رجل من العجلية هذا الحديث قوله: ينادي مناد ألا إن فلان بن فلان وشيعته هم الفائزون أول النهار، وينادي آخر النهار ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون، قال: وينادي أول النهار منادٍ آخر النهار. فقال الرجل: فما يدرينا أيما الصادق من الكاذب؟ فقال: يصدقه عليها من كان يؤمن بها قبل أن ينادي إن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى). وعنه المحجة/100، والبحار: 52/300.
تأويل الآيات: 2/732، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قوله (عزَّ وجلَّ): فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ: قال: الناقور هو النداء من السماء: ألا إن وليكم فلان بن فلان القائم بالحق ينادي به جبرئيل في ثلاث ساعات من ذلك اليوم. فَذلك يَوْمٌ عَسير على الكافرين غَيْرُ يُسير. يعني بالكافرين: المرجئة الذين كفروا بنعمة الله، وبولاية علي بن أبي طالب). وعنه البرهان: 4/400، والمحجة/238.
وهو غير الصوت الذي يأتي من قِبَل الشام
النعماني/279، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: توقعوا الصوت يأتيكم بغته من قبل دمشق فيه لكم فرج عظيم). وعنه إثبات الهداة: 3/739، والبحار: 52/298.
أقول: هذه الصيحة ليست النداء السماوي، فقد تكون كناية عن حدث بالشام كالهزة. ويحتمل ضعيفاً أن يقصد بها النداء وأنه يسمع كأنه آت من قبل الشام.
ملاحظات على أحاديث النداء السماوي عند الطرفين
نلاحظ أولاً، أن حجم أحاديث المصادر السنية في ظروف ظهور الإمام المهدي
(عليه السلام) ومنها النداء السماوي أضعاف مضاعفة عما رويناه عن أهل البيت (عليهم السلام) وما أوردناه قسم قليل منها، والباقي يشبه ما أوردناه ولا يخرج عنه.
ونلاحظ ثانياً، أن مصادرهم روت كثيراً منها عن أهل البيت (عليهم السلام)، خاصة عن أمير المؤمنين والإمام الباقر (عليهما السلام)، وشمل ما رووه أكثر المضامين التي وردت في مصادرنا لكنهم جردوها من خصوصية العصمة والربانية، أو خففوا لونها.
ونلاحظ ثالثاً، أن أحاديث السنة ركزت على الصراع والقتل عند انتهاء موسم الحج، أكثر من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام).
رابعاً، مع أن عنصر الإعجاز متشابه في الطرفين، لكن مصادرهم اختصت بعناصر أسطورية ومنطق بعضها يشبه منطق الإسرائيليات، والذي اخترناه منها أقلها مبالغة وأسطورة. وسترى هذه العناصر والمنطق جاريين في موت حاكم الحجاز وصراع القبائل بعده على الحكم، وبقية الأحداث!
خامساً، من الأمور الأساسية التي نلاحظها في أحاديث المصادر السنية أنها تصور ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) كأنه صدفة، وأنهم بعد موت حاكم الحجاز وصراع القبائل أن المسلمين يُهرعون إلى الإمام (عليه السلام) لأنهم يعرفون صلاحه ويجبرونه على قبول بيعتهم، فيقود الأمة في الحجاز ثم يتوجه إلى العراق وسوريا والقدس فيفتح الله عليه.
أما أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) فتنص على أن جميع ذلك خطة إلهية معدة بدقة، وأن أهم عناصرها: الإمام (عليه السلام) ولي الله وخاتم الأوصياء المعصومين (عليهم السلام) المذخور لإصلاح العالم وإنهاء الظلم فيه إلى الأبد، وأنه مهديُّ من ربه في كل أموره، وحركته موعودة ومُعَدَّة وموجَّهة من الله تعالى، وشخصيته قيادية فريدة يمنحها الله تعالى قدرات خاصة جداً ومصيرية.
ثم أصحابه المذخورون له، الذين أعدهم الله له جهازاً قيادياً وإدارياً فريداً، والذين يوافونه من أقاصي العالم، في مكة في اليوم المطلوب.
ثم الظروف المهيأة لظهوره، عربياً وعالمياً، ومنها انهيار حكم الحجاز، والوضع المشابه في العراق، ووجود دولتين مواليتين له هما اليمن وإيران والوضع السياسي العالمي.. الخ. وهي مفردات واضحة في أحداث ظهوره (عليه السلام).
في البحار: 52/389، عن أبي الجارود قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك أخبرني عن صاحب هذا الأمر قال: يمسي من أخوف الناس ويصبح من آمن الناس، يوحى إليه هذا الأمر ليله ونهاره. قال قلت: يوحى إليه يا أبا جعفر؟ يا أبا جارود إنه ليس وحي نبوة ولكنه يوحي إليه كوحيه إلى مريم بنت عمران وإلى أم موسى وإلى النحل. يا أبا الجارود: إن قائم آل محمد لأكرم عند الله من مريم بنت عمران وأم موسى والنحل). وعنه إثبات الهداة: 3/585.
الفصل العشرون: شريط حركة الظهور المقدس
تدل الأحاديث الشريفة على أن حركة الإمام المهدي وثورته المقدسة أرواحنا فداه، تتم في ستة عشر شهراً، وأنه يكون في الستة أشهر الأولى خائفاً يترقب، يوجه الأحداث سراً بواسطة أصحابه، ثم يكون شهرين أو أكثر في مكة، ثم يتوجه إلى المدينة فيبى مدة قليلة، ثم يتوجه إلى العراق، ثم إلى الشام والقدس.
ويخوض معاركه مع أعدائه في ثمانية أشهر، فيحقق انتصارات كاسحة، ويوحد العالم الإسلامي تحت حكمه، ثم يعقد هدنة مع الغربيين بمساعدة عيسى (عليهما السلام).
ويقع حادثان قبل حركة ظهوره (عليه السلام) بنحو ستة أشهر، يكونان إشارة إلهية له:
الأول: انقلاب في بلاد الشام بقيادة عثمان السفياني، يتخيل فيه اليهود والغربيون أنه إنجاز مهم في ضبط المنطقة المحيطة بفلسطين بيد زعامة قوية موالية لهم، تقف في وجه تهديدات العرب وإيران للقدس. أما الذين يعرفون أحاديث السفياني وأن خروجه مقدمة لظهور المهدي الموعود (عليه السلام) فيقولون صدق الله ورسوله: (سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً)، ويستعدون لنصرته (عليه السلام).
والثاني: النداء السماوي إلى شعوب العالم يسمعونه جميعاً، أهل كل لغة بلغتهم، قوياً نازلاً من السماء آتياً من كل صوب.. فلا يبقى نائم إلا استيقظ ولا قاعد إلا نهض
يخرج الناس من صيحته من بيوتهم لينظروا ما الخبر؟! وهو يدعوهم إلى وضع حد للظلم والصراع وسفك الدماء، ويأمرهم باتباع الإمام المهدي (عليه السلام) ويسميه باسمه واسم أبيه! عندها يتحقق تأويل قوله تعالى: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)، وتخضع أعناق البشر لهذه الآية الإلهية! ويعم العالم سؤال يلهج به الناس: من هو المهدي وأين هو؟ لكن الشيطان لا يترك أتباعه حتى يشككوا الناس بمعجزة النداء وينشطوا لقتل الإمام المهدي (عليه السلام)! بينما يزداد المؤمنون إيماناً بأنه النداء الحق الموعود بالإمام المهدي (عليه السلام)، ويتوافدون لنصرته.
هنا يبدأ الإمام (عليه السلام) بالظهور تدريجياً كما وصف أمير المؤمنين (عليه السلام): (يظهر في شبهة ليستبين، فيعلو ذكره ويظهر أمره). (البحار: 52/3). أي حتى يتضح أمره للناس ويستبين، أو ليختبر استجابة الناس له ويستبين ذلك.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (لا يقوم القائم حتى يقوم اثنا عشر رجلاً كلهم يجمع على قول إنهم قد رأوه فيكذبونهم). (النعماني/277). ويبدو أنهم صادقون بقرينة تعجب من تكذيب الناس لهم! وتكون رؤيتهم له (عليه السلام) في تلك الفترة الحساسة (يظهر في شبهة ليستبين أمره). ويقوم الإمام (عليه السلام) في هذه المدة بتوجيه دولة الممهدين اليمانيين والإيرانيين، ويتصل بأنصاره في شتى بلاد المسلمين.
وتتركز أنظار العالم في تلك الفترة على الحجاز باحثةً عن المهدي (عليه السلام) حيث يُعرف أنه من أهل المدينة وأن حركته ستبدأ من مكة. ويقوم جيش السفياني باعتقال كثير من بني هاشم في المدينة على أمل أن يكون المهدي (عليه السلام) منهم!
ويرافق ذلك موجة تعم الشعوب الإسلامية في الحديث عن المهدي (عليه السلام) وكراماته ونداء جبرئيل (عليه السلام) باسمه فيكون ذلك تمهيداً مناسباً لظهوره. ولكنها تكون فترة خصبة للكذابين والمشعوذين لادعاء المهدية ومحاولة تضليل الناس! فقد ورد أن عدداً يدعون المهدية قبل ظهوره (عليه السلام) وأن اثني عشر شخصاً من آل أبي طالب يدعو إلى نفسه، وكلها رايات ضلال ومحاولات لاستغلال تطلع العالم إلى ظهوره (عليه السلام).
فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إياكم والتنويه! أما والله ليغيبن إمامكم سبتاً من دهركم، ولتمحصن حتى يقال مات أو هلك بأي واد سلك! ولتدمعن عليه عيون المؤمنين، ولتكفؤن كما تكفأ السفن أمواج البحر فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه. ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يُدرى أيٌّ من أي! قال المفضل: فبكيت، فقال ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ فقلت: كيف لا أبكي وأنت تقول ترفع اثنتا عشرة راية لا يدرى أيٌّ من أي، فكيف نصنع؟ قال فنظر إلى شمس داخلة في الصفة فقال: يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس؟ قلت: نعم. قال: والله لأمرنا أبين من هذه الشمس). النعماني/151، والبحار: 52/281. أي لا تخشوا أن يشتبه عليكم أمر المدعين، لأن أمر المهدي (عليه السلام) أوضح من الشمس بآياته وشخصيته التي لا تقاس بالمدعين والكذابين.
بيعة المهدي (عليه السلام) على أثر موت الحاكم وصراع القبائل
عبد الرزاق: 11/371، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من المدينة فيأتي مكة فيستخرجه الناس من بيته وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، فيبعث إليه جيش من الشام، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فيأتيه عصائب العراق وأبدال الشام فيبايعونه، فيستخرج الكنوز ويقسم المال، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض، يعيش في ذلك سبع سنين، أو قال تسع سنين).
وفي ابن حماد: 1/86، و346، و358، عن النبي (صلى الله عليه وآله): إنه يستخرج الكنوز، ويقسم المال، ويلقي الإسلام بجرانه). والعصائب: الجماعات القليلة العدد. يلقي بجرانه: أي يتمكن في الأرض ويقوى.
ابن أبي شيبة: 15/45، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يبايع لرجل بين الركن والمقام كعدة أهل بدر، فتأتيه عصائب العراق وأبدال الشام، فيغزوهم جيش من أهل الشام، حتى إذا كانوا بالبيداء يخسف بهم، ثم يغزوهم رجل من قريش أخواله كلب فيلتقون فيهزمهم الله، فكان يقال: الخائب من خاب من غنيمة كلب).
وأحمد: 6/316، عن أم سلمة، وفيه: من المدينة هارب إلى مكة، فيأتيه ناس من
أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه. فيبعث إليهم جيش من الشام فيخسف بهم بالبيداء، فإذا رأى الناس ذلك أتته أبدال الشام وعصائب العراق فيبايعونه. ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليه المكي بعثاً فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب. فيقسم المال ويعمل في الناس سنة نبيهم (صلى الله عليه وآله). يمكث تسع سنين.. قال حرمي: أو سبع). وأبو داود: 4/107، كأحمد عن أم سلمة. وفي/108، عن قتادة، وأم سلمة وقال: وحديث معاذ أتم. وأبو يعلى: 1/322، وابن المنادي/41، والطبراني الكبير: 23/295 و389، كابن شيبة بتفاوت يسير، عن أم سلمة، والحاكم: 4/431 كابن شيبة بتفاوت يسير، عن أم سلمة، ومصابيح البغوي: 3/493، كأبي داود بتفاوت من حسانه، عن أم سلمة، وتهذيب ابن عساكر: 1/62، كما في أبي داود.. إلى آخر المصادر، وفيها الصحيح السند والحسن كما في المنار المنيف/144، وقال في مجمع الزوائد: 7/314: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. وقال الحافظ ابن الصديق المغربي في رده على ابن خلدون/504: (قد أغنانا بإقراره أن رجال الحديث رجال الصحيحين، وأنه لا مطعن فيهم ولا مغمز عن إيراد أقوال أهل النقد فيهم وعن تقرير ما يثبت صحة الحديث، إذ أعلى الصحيح ما رواه الشيخان أو كان على شرطهما وإن لم يخرجاه كهذا الحديث). انتهى.
* * *
ابن حماد: 1/340: (عن أرطاة قال: إذا كان الناس بمنى وعرفات نادى مناد بعد أن تَحَازَبَ وهو القبائل: ألا إن أميركم فلان، ويتبعه صوت آخر: ألا إنه قد كذب! ويتبعه صوت آخر: ألا إنه قد صدق، فيقتتلون قتالاً شديداً فجلُّ سلاحهم البراذع وهو جيش البراذع! وعند ذلك ترون كفاً معلمةً في السماء ويشتد القتال حتى لا يبقى من أنصار الحق إلا عدة أهل بدر، فيذهبون حتى يبايعوا صاحبهم). ثم عقد ابن حماد باب بعنوان: اجتماع الناس بمكة وبيعتهم للمهدي فيها وما يكون تلك السنة بمكة من الاختلاط والقتال وطلبهم المهدي بعد القتال واجتماعهم عليه:
حدثنا أبو يوسف المقدسي، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): في ذي القعدة تحازب القبائل وعامئذ قبل
ينتهب الحاج فتكون ملحمة بمنى فيكثر فيها القتلى وتسفك فيها الدماء حتى تسيل دماؤهم على عقبة الجمرة، حتى يهرب صاحبهم فيؤتى به بين الركن والمقام فيبايع وهو كاره، ويقال له إن أبيت ضربنا عنقك فيبايعه مثل عدة أهل بدر، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض.
عن عبد الله بن عمرو قال: يحج الناس معاً ويعرفون معاً على غير إمام فبينما هم نزول بمنى إذ أخذهم كالكَلَب فثارت القبائل بعضهم إلى بعض فاقتتلوا حتى تسيل العقبة دماً، فيفزعون إلى خيرهم فيأتونه وهو ملصق وجهه إلى الكعبة يبكي كأني أنظر إليه وإلى دموعه فيقولون هلمَّ فلنبايعك، فيقول ويحكم كم من عهد قد نقضتموه وكم من دم قد سفكتموه! فيبايع كرهاً فإن أدركتموه فبايعوه فإنه المهدي في الأرض والمهدي في السماء.... إلى آخر رواياته العديدة من هذا النوع عن عبد الله وسعيد بن المسيب، وابن عباس، وابن حوشب، وغيرهم.
عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: تكون آية في شهر رمضان، ثم تظهر عصابة في شوال، ثم تكون معمعة في ذي القعدة، ثم يسلب الحاج في ذي الحجة، ثم تنتهك المحارم في المحرم، ثم يكون صوت في صفر، ثم تنازع القبائل في شهري ربيع. ثم العجب كل العجب بين جمادى ورجب، ثم ناقة مقتبة خير من دسكرة تغل مائة ألف). ومعنى ناقة مُقَتَّبة: أن الأمن يفقد حتى تكون وسيلة السفر والفرار المجهزة خيراً من الأملاك الثابتة. والدسكرة: المزرعة. وفي الطبراني الأوسط: 1/313، عن أبي هريرة، وفيه: في شهر رمضان الصوت، وفي ذي القعدة تميز القبائل، وفي ذي الحجة يسلب الحاج. وفي الحاكم: 4/517 كرواية نعيم الأولى، بتفاوت يسير، وفيه: تكون هدة. توقظ النائم وتفزع اليقظان ثم تظهر. ثم معمعة في ذي الحجة، ثم تنتهك. ثم يكون موت في صفر، ثم تتنازع القبائل في الربيع.
* * *
وتلاحظ أنهم صرحوا في بعض أحاديثهم بأن الشخص المبايع هو المهدي (عليه السلام) كما في جامع الأحاديث: 8/26 و: 9/584، والمعجم الأوسط: 2/89 عن أم سلمة، وابن حماد: 1/341، لكن أكثرهم أبهمه فقال يبايعون رجلاً من أهل المدينة أو من بني
هاشم، كما في جامع المسانيد: 16/292! وهذه طريقتهم في التعتيم بغضاً أو خوفاً.!
وقد أشار السلمي في عقد الدرر/13، إلى أن بعض الرواة حذف ذلك من الحديث النبوي! قال: (وعن حذيفة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله فيه رجلاً اسمه اسمي وخلقه خلقي يكنى أبا عبد الله أخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي. وروي من حديث أبي الحسن الربعي المالكي أتم من هذا عن حذيفة أيضاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لبعث الله فيه رجلاً اسمه اسمي وخلقه خلقي يكنى أبا عبد الله، يبايع له الناس بين الركن والمقام يرد الله به الدين ويفتح له فتوح فلا يبقى على وجه الأرض إلا من يقول: لا إله إلا الله. فقام سلمان فقال: يا رسول الله من أي ولدك؟ قال: من ولد ابني هذا، وضرب بيده على الحسين).
* * *
وقد تقدمت رواية موت حاكم الحجاز من مصادرنا في الفتن المتصلة بظهوره (عليه السلام) وفي أحاديث النداء السماوي كالذي رواه النعماني/267، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: بينا الناس وقوفٌ بعرفات إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة يخبرهم بموت خليفة يكون عند موته فرج آل محمد (صلى الله عليه وآله) وفرج الناس جميعاً). وعقد الدرر/106، وإثبات الهداة: 3/737، والبحار: 52/240. والذعلبة: الخفيفة السريعة كناية عن الإسراع في إيصال الخبر إلى الحجاج. والظاهر أن أسلوب إيصال الخبر مقصود في الرواية. وفي رواية أنهم يقتلون الرجل الذي ينشر الخبر في عرفات.
وفي النعماني/262، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا اختلفت بنو أمية وذهب ملكهم، ثم يملك بنو العباس فلا يزالون في عنفوان من الملك وغضارة من العيش حتى يختلفوا فيما بينهم، فإذا اختلفوا ذهب ملكهم، واختلف أهل المشرق وأهل المغرب، نعم وأهل القبلة. ويلقى الناس جهد شديد مما يمر بهم من الخوف، فلا يزالون بتلك الحال حتى ينادي مناد من السماء، فإذا نادى فالنفر النفر، فوالله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس بأمر جديد، وكتاب جديد، وسلطان
جديد من السماء. أما إنه لا تُردُّ له راية أبداً حتى يموت). انتهى.
وذكرت بعض الروايات أن سبب قتل ذلك الحاكم مسألة أخلاقية وأن الذي يقتله أحد خدمه ويهرب! فعن الإمام الباقر (عليه السلام): (يكون سبب موته أنه ينكح خصياً له فيقوم فيذبحه ويكتم موته أربعين يوماً، فإذا سارت الركبان في طلب الخصي لم يرجع أول من يخرج حتى يذهب ملكهم)! (كمال الدين/655، والخرائج: 3/1160).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (ولذلك آيات وعلامات أولهن إحصار الكوفة بالرصد والخندق، وخفق رايات حول المسجد الأكبر تهتز القاتل والمقتول في النار).
(مختصر البصائر/199، والبحار: 52/273). فالرايات المتصارعة تتنازع حول المسجد الأكبر المسجد الحرام، أي في الحجاز، وليس فيها راية هدى.
وقد تقدم قول الإمام الصادق (عليه السلام) من غيبة الطوسي/271، من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم، ثم قال: إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد ولم يتناهَ هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله، ويذهب ملك السنين ويصير ملك الشهور والأيام! فقلت يطول ذلك؟ قال: كلا).
* * *
يصلح الله أمر المهدي (عليه السلام) في ليلة
ابن أبي شيبة: 15/197، بروايتين عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة). ومثله أحمد: 1/84، ونحوه ابن حماد: 1/362، بروايتين وتاريخ بخاري: 1/317، كرواية ابن حماد الثانية، عن علي (عليه السلام)، وابن ماجة: 2/1367، كابن شيبة، عن علي (عليه السلام)، وأبو يعلى: 1/359، عن ابن شيبة، وحلية الأولياء: 3/177 كما في ابن شيبة، بتفاوت يسير، عن علي (عليه السلام)، وأخبار إصبهان: 1/170، وقال الشافعي في البيان/487: وانضمام هذه الأسانيد بعضها إلى بعض، وإيداع الحفاظ ذلك في كتبهم يوجب القطع بصحته. ومال ابن كثير في الفتن: 1/38 إلى توثيقه، وقال السيوطي في الدر المنثور: 6/58: وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة. ورواه الجامع الصغير: 2/672، وحسنه. ومرقاة المفاتيح: 5/180، وفيه: من أهل البيت، وقال: أي يصلح أمره ويرفع قدره في ليلة واحدة أو في
ساعة واحدة من الليل، حيث يتفق على خلافته أهل الحل والعقد فيها. والمغربي/533، وقال: وهو حديث حسن كما قال الحفاظ، وقد وهم بعضهم فظن أن ياسين هو ابن معاذ الزيات لأنه وقع في سنن ابن ماجة غير منسوب، فحكم بضعفه بناء على وهمه، وظنه أن ياسين هو الزيات لا العجلي، أما العجلي فثقة).
ورواه من مصادرنا: دلائل الإمامة/247، عن علي (عليه السلام) كما في ابن أبي شيبة. وفي كمال الدين: 1/152، عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدي منا أهل البيت يصلح الله له أمره في ليلة، وفي رواية أخرى: يصلحه الله في ليلة. فروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لبعض أصحابه: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران (عليه السلام) خرج ليقتبس لأهله ناراً فرجع إليهم وهو رسول نبي، فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيه موسى (عليه السلام) في ليلة، وهكذا يفعل الله تبارك وتعالى بالقائم الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام)، يصلح أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيه موسى ويخرجه من الحيرة والغيبة إلى نور الفرج والظهور). وعنه البحار: 13/42.
أقول: اتضح لك أن معنى (يصلح الله أمره أو يصلحه في ليلة) أنه يهيئ له أسباب نصره وأداء مهمته الكبرى، وهذا يشمل تهيئة وضع الأمة والأوضاع العالمية، والفيض الرباني المتناسب مع مقامه ومهمته (عليه السلام)، وقد اشتبه المعنى على بعضهم فتخيل أن المهدي (عليه السلام) لا يكون صالحاً قبل تلك الليلة فيتوب الله تعالى عليه فيها! وهذه سذاجة وتسطيح بدون دليل، فقد أجمع المسلمون على أن النبي (صلى الله عليه وآله) سماه(المهدي) وهو يدل على عصمته الكاملة وسمو شخصيته، بينما يجعله تفسيرهم العامي ضالاً فاسقاً إلى ليلة ظهوره!
يوم المهدي (عليه السلام) أحد أيام الله الثلاثة
تفسير القمي: 1/367، في قوله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ): قال: أيام الله ثلاثة: يوم القائم، يوم الموت ويوم القيامة). ومثله الخصال/108، ومعاني الأخبار/365، وروضة الواعظين/ 392، ومختصر
البصائر/18، و41، وعنه إثبات الهداة: 3/457، والبحار: 7/61 و53/63، و: 13/12، وتأويل الآيات: 2/576.
مشارق أنوار اليقين/159، عن كتاب الواحدة عن عمار عن أمير المؤمنين (عليه السلام): الغيب: يوم الرجعة ويوم القيامة ويوم القائم وهي أيام آل محمد، وإليها الإشارة بقوله: وذكرهم بأيام الله، فالرجعة لهم ويوم القيامة لهم، ويوم القائم لهم، وحكمه إليهم، ومعول المؤمنين فيه عليهم). وفي مختصر البصائر/18، عن موسى الحناط قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أيام الله ثلاثة: يوم يقوم القائم (عليه السلام)، ويوم الكرة، ويوم القيامة). وعنه البحار: 53/63.
لقاء الإمام (عليه السلام) بأصحابه الأبرار
تقدم في الفصل الخاص بأصحابه (عليه السلام) أحاديث مجيئهم إلى مكة قزعاً كقزع الخريف ولقائهم بالإمام (عليه السلام)، ومنها من تفسير العياشي: 2/56، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب وأشار إلى ناحية ذي طوى (وهي من شعاب مكة ومداخلها) حتى إذا كان قبل خروجه بليلتين انتهى المولى الذي يكون بين يديه حتى يلقى بعض أصحابه فيقول: كم أنتم هاهنا؟ فيقولون: نحو من أربعين رجلاً فيقول كيف أنتم لو قد رأيتم صاحبكم؟ فيقولون: والله لو يأوي الجبال لأوينا معه! ثم يأتيهم من القابلة فيقول لهم: أشيروا إلى ذوي أسنانكم وأخياركم عشرة فيشيرون له إليهم فينطلق بهم حتى يأتوا صاحبهم، ويعدهم إلى الليلة التي تليها).
وفي النعماني/316، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إن صاحب هذا الأمر محفوظةٌ له أصحابه، لو ذهب الناس جميعاً أتى الله بأصحابه وهم الذين قال فيهم الله (عزَّ وجلَّ): (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِين). وهم الذين قال الله فيهم: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: منهم من يفقد عن فراشه ليلاً فيصبح بمكة، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه. قلت: جعلت
فداك أيهم أعظم إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً). (النعماني/312 وعنه البحار: 52/368).
أقول: معنى سيرهم في السحاب نهاراً أن الله تعالى ينقلهم إلى مكة بالسحاب على نحو الكرامة والإعجاز، وقد يكون معناه مجيؤهم بالطائرات مثلاً كسائر المسافرين، بجوازات سفر بأسمائهم وأسماء آبائهم.
وفي دلائل الإمامة/307: يجمعهم الله إلى مكة في ليلة واحدة وهي ليلة الجمعة فيتوافون في صبيحتها إلى المسجد الحرام، لا يتخلف منهم رجل واحد). انتهى. وهذا ينسجم مع رواية الفريقين أن الله تعالى يصلح أمره (عليه السلام) في ليلة، وأن ظهوره مساء يوم الجمعة التاسع من محرم.
الحركة الاختبارية شهادة النفس الزكية
تكون القوى الفاعلة في مكة عند ظهور المهدي (عليه السلام) كما يفهم من الروايات: الحكومة الحجازية التي تجمع قواها رغم ضعفها لمواجهة ظهوره الذي يتطلع إليه المسلمون من مكة ويشغلهم في موسم الحج. ومخابرات جيش السفياني الذي يتعقب الفارين من قبضته من المدينة، ويستطلع الوضع لدخول مكة عندما يقتضي الأمر لضرب أي حركة منها. ومخابرات الدول الكبرى التي تعمل لمساعدة حكومة الحجاز وقوات السفياني وترصد الوضع في مكة خاصة. كما يكون لليمانيين دور في مكة لأن دولتهم الممهدة تكون قامت قبل بضعة شهور.
في مثل هذا الجو المعادي يتحرك الإمام المهدي أرواحنا فداه ويبدأ من الحرم الشريف ويسيطر على مكة. ومن الطبيعي أن لا تذكر الروايات تفاصيل حركته، عدا تلك التي تنفع في إنجاح الثورة المقدسة أو لا تضر بها. وأبرز ما تذكره أنه (عليه السلام) يرسل شاباً من أصحابه وأرحامه في الرابع والعشرين أو الثالث والعشرين من ذي الحجة، أي قبل ظهوره بخمسة عشر ليلة، لكي يلقي بيانه في المسجد الحرام، وما أن يقف بعد الصلاة ويقرأ رسالة الإمام (عليه السلام) أو فقرات منها حتى يثبوا إليه ويقتلوه
بوحشية بين الركن والمقام، ويكون لشهادته المفجعة أثر في الأرض وفي السماء! وتكون شهادته حركة اختبارية ذات فوائد متعددة، فهي تكشف للناس وحشية السلطة، وتمهد لحركة المهدي (عليه السلام) التي لا تتأخر عنها أكثر من أسبوعين، وقد تبعث التراخي في أجهزة السلطة بسبب هذا الإقدام الوحشي السريع.
وأخبار شهادة هذا الشاب الزكي عديدة في مصادر الفريقين، وكثيرة في مصادرنا وتسميه الغلام، والنفس الزكية، ويسميه بعضها محمد بن الحسن، وقد تقدمت أحاديثه في فصل أصحاب المهدي (عليه السلام). وفي رواية طويلة عن أبي بصير عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (يقول القائم لأصحابه: يا قوم إن أهل مكة لا يريدونني ولكني مرسل إليهم لأحتج عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم. فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: امض إلى أهل مكة فقل: يا أهل مكة أنا رسول فلان إليكم وهو يقول لكم: إنا أهل بيت الرحمة ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرية محمد (صلى الله عليه وآله) وسلالة النبيين، وإنا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا وابتُز منا حقنا منذ قبض نبينا إلى يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا! فإذا تكلم الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام وهي النفس الزكية. فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه: أما أخبرتكم أن أهل مكة لا يريدوننا! فلا يدعونه حتى يخرج فيهبط من عقبة طوى في ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر حتى يأتي المسجد الحرام فيصلي عند مقام إبراهيم أربع ركعات، ويسند ظهره إلى الحجر الأسود ثم يحمد الله ويثني عليه ويذكر النبي ويصلي عليه ويتكلم بكلام لم يتكلم به أحد من الناس). (البحار: 52/307). وطُوى: أحد مداخل مكة، وما ورد فيها عن النفس الزكية قوي في نفسه، لكن المرجح أنه وأصحابه يدخلون المسجد فرادى.
يظهر الإمام (عليه السلام) في وتر من السنين
في النعماني ج عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (يقوم القائم (عليه السلام) في وتر من السنين: تسع، واحدة، ثلاث، خمس).
وفي الإرشاد/361، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين، سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع). وفي غيبة الطوسي/374، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين، تسع وثلاث وخمس وإحدى). وروضة الواعظين: 2/263، وإعلام الورى/429، والخرائج: 3/1161، ومنتخب الأنوار/35، وعنها العدد القوية/76، وأخبار الدول/118، كالإرشاد، وإثبات الهداة: 3/514، والبحار: 52/235، و291.
بداية ظهور (عليه السلام) يوم الجمعة تاسع محرم
الخصال: 2/394، عن محمد بن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: السبت لنا، والأحد لشيعتنا، والاثنين لأعدائنا، والثلاثاء لبني أمية، والأربعاء يوم شرب الدواء، والخميس تقضى فيه الحوائج، والجمعة للتنظف والتطيب، وهو عيد المسلمين وهو أفضل من الفطر والأضحى، ويوم الغدير أفضل الأعياد، وهو ثامن عشر من ذي الحجة وكان يوم الجمعة، ويخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة، وتقوم القيامة يوم الجمعة، وما من عمل يوم الجمعة أفضل من الصلاة على محمد وآله). وعنه روضة الواعظين: 2/392، وعنهما إثبات الهداة: 3/496 و560، ووسائل الشيعة: 5/66، والبحار: 7/59 و: 52/279 و: 59/26. وتقدم في الرواية الطويلة عن الإمام الباقر (عليه السلام): فيهبط من عقبة طوى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر حتى يأتي المسجد الحرام، فيصلي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات، ويسند ظهره إلى الحجر الأسود، ثم يحمد الله ويثني عليه ويذكر النبي (صلى الله عليه وآله) ويصلي عليه ويتكلم بكلام لم يتكلم به أحد من الناس فيكون أول من يضرب على يده ويبايعه جبرئيل وميكائيل، ويقوم معهما رسول الله وأمير المؤمنين فيدفعان إليه كتابا جديداً هو على العرب شديد بخاتم رطب، فيقولون له: إعمل بما فيه ويبايعه الثلاثمائة وقليل من أهل مكة. ثم يخرج من مكة حتى يكون في مثل الحلقة قلت: وما الحلقة؟ قال: عشرة آلاف رجل، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله، ثم
يهز الراية الجلية وينشرها وهي راية رسول الله السحاب ودرع رسول الله (صلى الله عليه وآله) السابغة ويتقلد بسيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذي الفقار). البحار: 52/307، وإثبات الهداة: 3/582.
يظهر (عليه السلام) يوم عاشوراء يوم سبت
كمال الدين: 2/653، عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يخرج القائم (عليه السلام) يوم السبت يوم عاشوراء اليوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام)).
وفي التهذيب: 4/300، عن كثير النوا، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لزقت السفينة يوم عاشورا على الجودي فأمر نوح (عليه السلام) من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم. وقال أبو جعفر (عليه السلام): أتدرون ما هذا اليوم؟ هذا اليوم الذي تاب الله (عزَّ وجلَّ) فيه على آدم وحوا (عليهما السلام)، وهذا اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه، وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى (عليه السلام) فرعون، وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم (عليه السلام)، وهذا اليوم الذي تاب الله فيه على قوم يونس (عليه السلام)، وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم (عليه السلام)، وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم (عليه السلام)). وعنه وسائل الشيعة: 7/338، ومثله إقبال الأعمال/558، وعنه البحار: 98/34.
وفي الإرشاد/361، عن أبي بصير: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ينادى باسم القائم (عليه السلام) في ليلة ثلاث وعشرين ويقوم في يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي (عليهما السلام). لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام جبرئيل (عليه السلام) عن يمينه ينادي البيعة لله، فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طياً حتى يبايعوه، فيملأ الله به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).
وفي غيبة الطوسي/274، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن والمقام، بين يديه جبرئيل ينادي: البيعة لله، فيملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). والنعماني/282، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يقوم القائم يوم عاشوراء. ونحوه التهذيب: 4/333، عن الإمام الباقر (عليه السلام) وفيه: اليوم الذي قتل فيه
الحسين (عليه السلام) ويقطع أيدي بني شيبة ويعلقها في الكعبة. وروضة الواعظين/263، وإعلام الورى/430، كالإرشاد، وفيه: في يوم ست وعشرين من شهر رمضان.. ينادي بالبيعة له. وملاحم ابن طاووس/194، كالنعماني. وكشف الغمة: 3/252، عن الإرشاد. وفي/324، عن إعلام الورى. والخرائج: كغيبة الطوسي بتفاوت يسير، وفيه: يد جبرئيل على يده. والعدد القوية/65، مثل كمال الدين، وعنه إثبات الهداة: 3/491 وفي/514، عن غيبة الطوسي بتفاوت يسير، والبحار: 52/285، عن كمال الدين، وفي/290، عن غيبة الطوسي، وفي/98، 190، عن العدد القوية. والفصول المهمة/302، كالإرشاد بتفاوت، وفيه: وشخص قائم على يده ينادي البيعة البيعة.. ثم يسير من مكة حتى يأتي الكوفة.. فيصير إليه أنصاره فينزل نجفها ثم يفرق الجنود منها إلى الأمصار. وإثبات الهداة: 3/514، عن غيبة الطوسي. والبحار: 52/297، عن النعماني.
رواية أن يوم عاشوراء يصادف يوم النوروز
روى في المهذب البارع: 1/194، عن المعلى بن خنيس عن الإمام الصادق (عليه السلام): رواية عن يوم النوروز جاء فيها: وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت وولاة الأمر، ويظفره الله تعالى بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة، وما من يوم نوروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج لأنه من أيامنا، حفظه الفرس وضيعتموه). وعنه إثبات الهداة: 3/571، والبحار: 52/276، و: 59/91. أقول: تواتر عن أهل البيت (عليهم السلام) أن يوم ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) يكون يوم عاشوراء، وفي عدد منها يوم سبت، ويفهم من بعضها أنه يكون في الصيف أو الخريف، فيشكل مصادفته يوم النوروز الذي هو شهر آذار.
بيان الإمام الأول إلى أهل مكة
ذكرت الروايات فقرات من خطبته (عليه السلام)، أو بيانه الأول الذي يلقيه على أهل مكة مساء يوم الجمعة، وبيانه الثاني الذي يوجهه في اليوم التالي إلى المسلمين والعالم. من ذلك ما رواه ابن حماد: 1/345، قال: حدثنا سعيد أبو عثمان، عن جابر عن أبي جعفر قال: ثم يظهر المهدي بمكة عند العشاء ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقميصه وسيفه وعلامات ونور وبيان، فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول: أذكركم الله
أيها الناس ومقامكم بين يدي ربكم، فقد اتخذ الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب، وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً، وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله، وأن تحيوا ما أحيا القرآن وتميتوا ما أمات وتكونوا أعواناً على الهدى ووزراً على التقوى، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها وآذنت بالوداع. فإني أدعوكم إلى الله وإلى رسوله والعمل بكتابه وإماتة الباطل وإحياء سنته. فيظهر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف، رهبانٌ بالليل أسدٌ بالنهار، فيفتح الله للمهدي أرض الحجاز ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم، وتنزل الرايات السود الكوفة فتبعث بالبيعة إلى المهدي، ويبعث المهدي جنوده في الآفاق، ويميت الجور وأهله، وتستقيم له البلدان ويفتح الله على يديه القسطنطينية). وقَزَع الخريف: غيومه التي تكون متفرقة ثم تجتمع وأول من شبه تجمع أصحاب المهدي (عليه السلام) بذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) كما في نهج البلاغة خطبة رقم166، ولا بد أنه أخذ ذلك من النبي (صلى الله عليه وآله). ويحتمل أن يكون ظهور المهدي (عليه السلام) وتجمع أصحابه في مكة في فصل الخريف، أو آخر الصيف كما أشرنا.
وذكرت بعض الروايات أن رجلاً من أصحابه (عليه السلام) يقف أولاً في المسجد الحرام فيعرِّفُه للناس ويدعوهم إلى إجابته ثم يأتي هو (عليه السلام) ويلقي خطبته، ففي بحار الأنوار: 52/305: (وروى السيد علي بن عبد الحميد بإسناده إلى كتاب الفضل بن شاذان عن ابن محبوب رفعه إلى أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا خسف بجيش السفياني.. إلى أن قال: والقائم يومئذ بمكة عند الكعبة مستجيراً بها يقول: أنا ولي الله أنا أولى بالله وبمحمد (صلى الله عليه وآله) فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد، ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين. إن الله تعالى يقول: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). فأنا بقية آدم وخيرة نوح ومصطفى
إبراهيم وصفوة محمد، ألا ومن حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، ألا ومن حاجني في سنة رسول الله فأنا أولى الناس بسنة رسول الله وسيرته، وأنشد الله من سمع كلامي لما يبلغ الشاهد الغائب. فيجمع الله له أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً فيجمعهم الله على غير ميعاد قزع كقزع الخريف، ثم تلا هذه الآية: (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)، فيبايعونه بين الركن والمقام، ومعه عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد تواترت عليه الآباء فان أشكل عليهم من ذلك شيء فإن الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذا نودي باسمه واسم أبيه.
وبالإسناد المذكور يرفعه إلى علي بن الحسين (عليهما السلام): في ذكر القائم (عليه السلام) في خبر طويل قال: فيجلس (عليه السلام) تحت شجرة سمرة فيجيئه جبرئيل (عليه السلام) في صورة رجل من كلب، فيقول: يا عبد الله ما يجلسك ههنا؟ فيقول: يا عبد الله إني أنتظر أن يأتيني العشاء فأخرج في دبره إلى مكة، وأكره أن أخرج في هذا الحر، قال فيضحك فإذا ضحك عرفه أنه جبرئيل، قال: فيأخذ بيده ويصافحه ويسلم عليه ويقول له: قم ويجيئه بفرس يقال له البراق فيركبه ثم يأتي إلى جبل رضوى، فيأتي محمد وعلي فيكتبان له عهداً منشوراً يقرؤه على الناس، ثم يخرج إلى مكة والناس يجتمعون بها قال: فيقوم رجل منه فينادي: أيها الناس هذا طلبتكم قد جاءكم، يدعوكم إلى ما دعاكم إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فيقومون، قال: فيقوم هو بنفسه فيقول: أيها الناس أنا فلان بن فلان أنا ابن نبي الله، أدعوكم إلى ما دعاكم إليه نبي الله، فيقومون إليه ليقتلوه فيقوم ثلاثمائة ونيف على الثلاثمائة فيمنعونه، منهم خمسون من أهل الكوفة وسائرهم من أفناء الناس، لا يعرف بعضهم بعضاً اجتمعوا على غير ميعاد). وبالإسناد يرفعه إلى أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن القائم ينتظر من يومه ذي طوى في عدة أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً حتى يسند ظهره إلى الحجر ويهز الراية المغلبة. قال علي بن أبي حمزة: ذكرت ذلك لأبي إبراهيم (عليه السلام) قال: وكتاب منشور).
رجل منه: أي من نسبه. فيقومون: فيقفون ليروا المهدي (عليه السلام)، أو يقفون ويأخذون بالانصراف خوفاً من السلطة، فالذين يقومون ليقتلوه لابد أنهم من سلطة الحجاز.
والرواية تصور حالة المسلمين في الشوق إلى المهدي (عليه السلام) وبحثهم عنه وخوفهم من إرهاب أعدائه! وفي مثل ذلك الجو المتوتر المعادي، وبعد بطش أعدائه بالنفس الزكية بوحشية لمجرد أنه قال أنا رسول المهدي (عليه السلام) وبلغهم عنه كلمات!
وفي ذلك الجو لابد أن يكون الإمام (عليه السلام) قد أعد عدته بالأسباب الطبيعية مضافاً إلى الأسباب الغيبية، وأن يكون أصحابه وأنصاره من اليمانيين والإيرانيين والحجازيين قد سيطروا على الحرم الشريف ثم على مكة. بل ذكرت الروايات أنه يبايعه عدد من المكيين أنفسهم. وهؤلاء هم القوة البشرية الذين يقومون بالأعمال والمهام المتعددة الضرورية لإنجاح حركته المقدسة والإمساك بزمام الأمر في مكة، وتحويل التيار الشعبي المؤيد له إلى حالة ثورة متكاملة. ولا بد أن يكون أصحابه الخاصون الثلاث مئة وثلاثة عشر القادة الموجهين لفعاليات الأنصار، ولا يعني ذلك أن حركة ظهوره (عليه السلام) تكون دموية، فالروايات لا تذكر حدوث أي معركة أو قتل في المسجد الحرام ولا في مكة. وكنت سمعت من بعض العلماء أن أصحاب المهدي (عليه السلام) يقتلون إمام المسجد الحرام في تلك الليلة، لكن غاية ما وجدته ما نقله صاحب إلزام الناصب رحمه الله في: 2/166، عن بعض العلماء قال: (وفي اليوم العاشر من المحرم يخرج الحجة يدخل المسجد الحرام يسوق أمامه عنيزات ثمان عجاف(ثماني عجافاً) ويقتل خطيبهم فإذا قتل الخطيب غاب عن الناس في الكعبة، فإذا جنة الليل ليلة السبت صعد سطح الكعبة ونادى أصحابه الثلاثة مائة وثلاثة عشر، فيجتمعون عنده من مشرق الأرض ومغربها، فيصبح يوم السبت ويدعو الناس إلى بيعته). انتهى.
ولكنه نصٌّ غير مسند إلى معصوم (عليهم السلام) مضافاً إلى ضعف متنه. لهذا نرجح أن حركة ظهوره (عليه السلام) تكون بيضاء لا تسفك فيها دماء بسبب الإمداد الغيبي وإلقاء الرعب في قلوب أعدائه، ثم بسبب الخطة المتقنة للسيطرة على الحرم وعلى المواقع الهامة في
مكة بدون سفك دماء، فذلك أمرٌ مقصودٌ منه (عليه السلام) قصداً لحفظ حرمة المسجد الحرام ومكة المكرمة وقدسيتها.
في تلك الليلة المباركة تتنفس مكة الصعداء، وترفُّ عليها راية الإمام المهدي الموعود صلوات الله عليه، وتشعُّ منها أنواره إلى أرجاء العالم. بينما يبذل الأعداء وإعلامهم العالمي غاية جهودهم للتعتيم على نجاح حركته المقدسة، ثم يصورونها بعد ظهور خبرها بأنها حركة أحد المتطرفين المدعين للمهدية، الذي سبق أن قتل عدد منهم في مكة وغيرها! ويحشدون طاقتهم لضرب الحركة، وأولها قوات السفياني التي تتوجه بسرعة إلى مكة.
وفي اليوم التالي لظهوره (عليه السلام) ويكون يوم عاشوراء يوم سبت كما تذكر الرواية، يدخل الإمام المهدي (عليه السلام) المسجد الحرام ليخاطب شعوب المسلمين كلها وشعوب العالم بلغاتها، ويطلب منهم النصرة على الكافرين والظالمين.
بيان الإمام (عليه السلام) العالمي يوم عاشوراء
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ
روت مصادر الشيعة والسنة فقرات من خطبته (عليه السلام) وبيانه الأول إلى العالم، وقد تقدم بعضه. ومنها ما رواه العياشي: 2/56، عن عبد الأعلى الحلبي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): والله لكأني أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر، ثم ينشد الله حقه ثم يقول: يا أيها الناس من يحاجني في الله فأنا أولى الناس بالله، ومن يحاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، يا أيها الناس من يحاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، يا أيها الناس من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى بإبراهيم، يا أيها الناس من يحاجني في موسى فأنا أولى الناس بموسى، يا أيها الناس من يحاجني في عيسى فأنا أولى
الناس بعيسى، يا أيها الناس من يحاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد (صلى الله عليه وآله). يا أيها الناس من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله.
ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين، ثم ينشد الله حقه. قال أبو جعفر (عليه السلام): هو والله المضطر في كتاب الله وهو قول الله: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرض)، وجبرئيل على الميزاب في صورة طاير أبيض، فيكون أول خلق الله يبايعه جبرئيل، ويبايعه الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً.
قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): فمن ابتلي في المسير وافاه في تلك الساعة، ومن لم يبتل بالمسير فُقد عن فراشه ثم قال: هو والله قول علي بن أبي طالب (عليه السلام): المفقودون عن فرشهم، وهو قول الله: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)، أصحاب القائم الثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، قال: هم والله الأمة المعدودة التي قال الله في كتابه: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)، قال: يجمعون في ساعة واحدة قزعاً كقزع الخريف فيصبح بمكة فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) فيجيبه نفر يسير ويستعمل على مكة ثم يسير فيبلغه أن قد قتل عامله). وتقدمت رواية الاختصاص/255، وغيبة الطوسي/269، في الخسف بجيش السفياني، وفيها قوله (عليه السلام): يا أيها الناس: إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس، وإنا أهل بيت نبيكم محمد (صلى الله عليه وآله) ونحن أولى الناس بمحمد، فأنا بقية من آدم وذخيرة من نوح ومصطفىً من إبراهيم وصفوةٌ من محمد. ألا ومن حاجني من سنة رسول الله، فأنا أولى الناس بسنة رسول الله. فيجمع الله عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر، يجمعهم على غير ميعاد فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد توارثته الأبناء عن الآباء).
ولك أن تقدر كيف سيهتز العالم لهذا الحدث الكبير المفاجئ! وكيف ستفرح الشعوب الإسلامية المضطهدة وتعبر عن فرحتها بظهور قائدها الموعود على لسان نبيها (صلى الله عليه وآله) بمظاهرات ملايينها، وتحفرزها وإعلانها الاستعداد لنصرته.
* * *
يمكث الإمام (عليه السلام) في مكة طويلاً ثم يسير إلى المدينة
تدل الروايات على أن الإمام (عليه السلام) يقيم في مكة فترة، ثم في الكوفة فترة: فيقيم في مكة ما شاء الله أن يقيم). (البحار: 52/334). وفي البحار: 52/308: (يخرج إلى المدينة فيقيم بها ما شاء ثم يخرج إلى الكوفة). وفي غيبة الطوسي/284: (فيقيم ما شاء الله أن يقيم).
والروايات عن مدة بقائه (عليه السلام) في مكة وعمله فيها قليلة، ولا بد أن يكون من أول أعماله (عليه السلام) مخاطباته للشعوب الإسلامية والعالم، وإعلان مشروعه العالمي.
وتذكر إحدى الروايات أنه يقيم الحد على سراق الكعبة الشريفة، وقد يكون المقصود بهم الحكام السراق! وأنه يخبر بالمعجزة الموعودة من جده (صلى الله عليه وآله) وهي الخسف بالجيش الذي يقصده، فينتظرون أن يتوجه الجيش السوري إلى مكة للقضاء على حركته فيخسف الله بهم! ولا يخرج الإمام (عليه السلام) من مكة إلا بعد أن تحصل معجزة الخسف بجيش السفياني، ويمر في طريقه على مكان الخسف ويقف عنده.
ففي تفسير العياشي رحمه الله: 2/261، عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر (عليه السلام)، من حديث قال: (فالزم هؤلاء أبداً وإياك ومن ذكرت لك(أي إلزم الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وإياك وغيرهم من الثائرين) فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) عامداً إلى المدينة حتى يمرَّ بالبيداء حتى يقول: هذا مكان القوم الذين خسف بهم! وهي الآية التي قال الله: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأرض أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ...) الخ.
وذكرت بعض الروايات أن جيش السفياني يدخل المدينة في شهر رمضان، والإمام (عليه السلام) يظهر في محرم، وعليه قد يكون تحرك جيش السفياني إلى مكة في ربيع الأول أو الثاني، فيخسف الله بهم قبل أن يصلوا إليها، وتكون حركة الإمام (عليه السلام) إلى المدينة بعد ذلك بأيام في أوائل شهر ربيع الثاني مثلاً!
وتدل الروايات على أنه (عليه السلام) يعين والياً على مكة ويتوجه إلى المدينة بجيشه من
عشرة آلاف أو خمسة عشر ألفاً، وقد تقدم ذلك في فصل أصحابه (عليه السلام) وفصل نصره بالملائكة (عليهم السلام)، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): ويقيم بمكة حتى يتم أصحابه عشرة آلاف نفس، ثم يسير منها إلى المدينة). (الإرشاد/363، ومثله روضة الواعظين: 2/265).
وعنه (عليه السلام): (وما يخرج إلا في أولي قوة، وما تكون أولوا القوة أقل من عشرة آلاف). (كمال الدين: 2/654، وعنه العدد القوية/65، وإثبات الهداة: 3/491).
وفي التهذيب لابن عساكر: 4/538، عن علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (يوشك أن يرسل على أهل الشام سبب من السماء فيغرق جماعتهم حتى لو قاتلهم الثعالب غلبتهم، فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي في ثلاث رايات المكثر يقول: هم خمسة عشر ألفاً والمقل يقول هم أثنا عشر ألفاً، أمارتهم: أمتْ أمتْ يأتون بسبع رايات تحت كل راية منها رجل يطلب الملك فيقتلهم الله جميعاً، ويرد الله إلى المسلمين ألفتهم ونعمتهم وقاصيهم ودانيهم). ورواه العديد من مصادرهم كما تقدم.
* * *
وذكرت عدة أحاديث أن أهل مكة ينقلبون على الإمام (عليه السلام) بعد مسيره إلى المدينة فيقتلون عامله فيرجع إليهم، وكذلك يحدث مع أهل المدينة! فعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (يبايع القائم بمكة على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) ويستعمل على مكة ثم يسير نحو المدينة فيبلغه أن عامله قتل. فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك...).
وفي رواية أخرى: ويستعمل على مكة، ثم يسير نحو المدينة فيبلغه أن عامله قتل فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك). (البحار: 52/308).
وفي البحار: 53/11، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (يدعوهم (أهل مكة) بالحكمة والموعظة الحسنة فيطيعونه ويستخلف عليهم رجلاً من أهل بيته ويخرج يريد المدينة، فإذا سار منها وثبوا عليه فيرجع إليهم فيأتونه مهطعين مقنعي رؤوسهم يبكون ويتضرعون ويقولون: يا مهدي آل محمد التوبة التوبة! فيعظهم وينذرهم ويحذرهم، ويستخلف عليهم منهم خليفة ويسير). ولا تذكر أنهم يقتلون واليه على مكة.
أما الرواية التالية في الكافي: 8/224، عن الإمام الصادق (عليه السلام): (ويهرب يومئذ من كان
بالمدينة من ولد علي (عليه السلام) إلى مكة فيلحقون بصاحب هذا الأمر، ويقبل صاحب هذا الأمر نحو العراق، ويبعث جيشاً إلى المدينة فيأمن أهلها ويرجعون إليها). فتدل على أنه (عليه السلام) يرسل جيشاً إلى المدينة، وقد يكون قبل دخوله إليها، أو بعد مغادرتها وانقلاب أهلها على عامله، كما يأتي.
ماذا يفعل الإمام (عليه السلام) في المدينة؟
تذكر الروايات أن الإمام (عليه السلام) يخوض معركتين في المدينة المنورة، على عكس الأمر في مكة. فعن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل: (يدخل المدينة فتغيب عنه عند ذلك قريش، وهو قول علي بن أبي طالب (عليه السلام): والله لودَّتْ قريش أن لي عندها موقفاً واحداً جزرَ جزور، بكل ما ملكته وكل ما طلعت عليه الشمس. ثم يحدث حدثاً، فإذا هو فعل ذلك قالت قريش: أخرجوا بنا إلى هذا الطاغية، فوالله لو كان محمدياً ما فعل، ولو كان علوياً ما فعل، ولو كان فاطمياً ما فعل! فيمنحه الله أكتافهم فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية، ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة فيبلغه أنهم قد قتلوا عامله فيرجع إليهم فيقتلهم مقتله ليس قتل الحرة إليها بشيء! ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)). (العياشي: 2/56، وتقدمت مصادره في فصل أصحابه (عليه السلام)).
فهذه الرواية تذكر معركتين في المدينة: الأولى، بعد الحدث الذي يحدثه فيها فتنكره قريش، ويبدو أنه يتعلق بهدم مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) وقبره الشريف وإعادة بنائهما، فيتخذ أعداؤه ذلك ذريعة لتحريك الناس عليه وقتاله، فيقاتلهم ويقتل منهم مئات كما في بعض الروايات. وعندها يتمنى القرشيون أي أتباع الخلافة القرشية لو أن علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) كان حاضراً ولو بمقدار جزر جزور، أي بمقدار ذبح ناقة لكي يردَّ عنهم انتقام المهدي (عليه السلام)، لأن سياسة أمير المؤمنين (عليه السلام) فيهم كانت الحلم والعفو.
والمعركة الثانية، بعد أن يسيطر على المدينة ويعين عليها حاكماً ويخرج متوجهاً إلى العراق وينزل(هو أو قائد جيشه) في منطقة الشقرة أو الشقرات وهي في الحجاز في
الطريق إلى العراق، فيقوم أهل المدينة بانقلاب على واليه مرة أخرى ويقتلونه، فيرجع إليهم الإمام (عليه السلام) ويقتل منهم أكثر مما قتل منهم الجيش الأموي في وقعة الحرة المشهورة، ويخضع المدينة مجدداً لسلطته. وعدد قتلى الحرة كما ذكرت المصادر بضعة عشر الفاً وكانت ثورتهم على يزيد بعد شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)، فهي ثورة مشروعة، وتشبيه معركتهم مع المهدي (عليه السلام) بها إنما هو من حيث كثرة القتلى فقط.
يطرح الإمام المهدي (عليه السلام) في المدينة قضية أبي بكر وعمر
يفهم من عدد من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) أن الإمام المهدي (عليه السلام) يطرح في المدينة موقفه من أبي بكر وعمر، ويعلن للمسلمين أنهما اتفقا مع الطلقاء على مخالفة وصية النبي (صلى الله عليه وآله) في علي والعترة الطاهرة، وأخذوا منهم الخلافة فلتةً في السقيفة وأجبروهم على بيعتهم، فوضعوا الأمة بذلك في مسار خطير من الصراع على السلطة كان حذرهم منه رسول الله (صلى الله عليه وآله)! وحرموا الأمة من قيادة أهل البيت (عليهم السلام) وتطبيق المشروع الإلهي الفريد فيهم! كما يطرح موضوع دفنهما قرب قبر النبي (صلى الله عليه وآله) ويعيد بناء المسجد النبوي الشريف ويفصل قبرهما عنه.. الخ. ومن الطبيعي أن يسبب هذا الموقف غضب الكثير من أتباعهما الذين استبشروا بالإمام المهدي (عليه السلام) في أرجاء العالم الإسلامي، وخرجوا في تظاهرات حاشدة معلنين تأييدهم له واستعدادهم لنصرته!
لكن الإمام (عليه السلام) لا يعبأ بتأييد المؤيدين ولا بنقمة الناقمين، ولا يهمه أن يرضي هذه الفئة أو تلك، لأن التقية تنتهي كلياً بظهوره المقدس، فلا تقية عنده مع أحد!
ومن الطبيعي أن يشغل هذا الموضوع العالم ويكون حاداً في أسابيعه الأولى، وأن يستعمل الإمام (عليه السلام) أدوات إقناع علمية وإعجازية، وقد يكون منها مشاهد مصورة من التاريخ وسيرة النبي (صلى الله عليه وآله) يخرجها بما علمه الله ويعرضها على العالم.
وقد تقدم في الرواية الصحيحة في فصل أصحابه (عليه السلام) من تفسير العياشي: 2/56 وبقية المصادر عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: فيصبح بمكة فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة
نبيه (صلى الله عليه وآله) فيجيبه نفر يسير ويستعمل على مكة ثم يسير فيبلغه أن قد قتل عامله فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة لا يزيد على ذلك شيئاً يعني السبي، ثم ينطلق فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه عليه وآله السلام، والولاية لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) والبراءة من عدوه ولا يسمي أحداً... ثم يدخل المدينة فتغيب عنهم عند ذلك قريش، وهو قول علي بن أبي طالب (عليه السلام): والله لودت قريش أن عندها موقفاً واحداً جزر جزور بكل ما ملكت وكل ما طلعت عليه الشمس أو غربت!
ثم يُحدث حدثاً فإذا هو فعل ذلك قالت قريش: أخرجوا بنا إلى هذه الطاغية، فوالله إن لو كان محمدياً ما فعل، ولو كان علوياً ما فعل، ولو كان فاطمياً ما فعل فيمنحه الله أكتافهم فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية!
ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة فيبلغه أنهم قد قتلوا عامله فيرجع إليهم فيقتلهم مقتلة ليس قتل الحرة إليها بشيء، ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه والولاية لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) والبراءة من عدوه، حتى إذا بلغ إلى الثعلبية قام إليه رجل من صلب أبيه وهو من أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ما خلا صاحب هذا الأمر، فيقول: يا هذا ما تصنع؟ فوالله إنك لتجفل الناس إجفال النعم أفبعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم بماذا؟ فيقول المولى الذي ولي البيعة: والله لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك، فيقول له القائم (عليه السلام): أسكت يا فلان، إي والله إن معي عهداً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) هات لي يا فلان العيبة أو الطيبة أو الزنفليجة فيأتيه بها فيُقرؤه العهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقول: جعلني الله فداك أعطني رأسك أقبله فيعطيه رأسه فيقبله بين عينيه ثم يقول: جعلني الله فداك جدد لنا بيعة، فيجدد لهم بيعة). انتهى.
وهذا الحديث وأمثاله يدل على أن عمله (عليه السلام) يكون صدمة لموروثات الكثيرين وهزةً لوعي المؤمنين. وقد يكون هذا المعترض من أصحابه الخاصين أصابته الهزة فوقع في قلبه الشك أو يكون متعمداً لهذا الموقف ليُخرج الإمام (عليه السلام) إلى العالم العهد المعهود عنده من النبي (صلى الله عليه وآله) الذي يأمره فيه بإعلان موقفه من أبي بكر وعمر.
وفي كمال الدين: 2/377، عن عبد العظيم الحسني عن الجواد (عليه السلام) قال: (ويجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (أين مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جميعاً إنَّ اللهَ على كلِّ شيء قدير)، فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله (عزَّ وجلَّ)، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)، قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيدي وكيف يعلم أن الله (عزَّ وجلَّ) قد رضي؟ قال يلقي في قلبه الرحمة فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما).
ومثله كفاية الأثر/277، وإعلام الورى/409، والاحتجاج: 2/449.
وإن صح هذا الحديث فمعنى إحراقه اللات والعزى أنه يعلن التوحيد الخالص ويمنع عبادة المسلمين لشخصياتهم التي لم ينزل بها الله سلطاناً، واتخاذهم إياهم أنداداً من دون الله، كما قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) (البقرة: 165).
ردة فعل النواصب والبترية على عمل الإمام (عليه السلام)
ويدل عليه أن البترية الخوارج على الإمام (عليه السلام) في العراق يسارعون إلى اتخاذ الموقف منه (عليه السلام) ومحاولة منع دخوله إلى العراق بسبب موقفه في المدينة!
ففي دلائل الإمامة/241، عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن أبي الجارود وفيه: (ثم يبايعه من الناس ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، يسير إلى المدينة فيسير الناس حتى يرضى الله (عزَّ وجلَّ) فيقتل ألفاً وخمسمائة قرشي ليس فيهم إلا فرخ زنية.... ويسير إلى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية شاكين في السلاح قراء القرآن فقهاء في الدين قد قرحوا جباههم وسمَّروا ساماتهم (وقفوا في صلاتهم) وعمهم النفاق وكلهم يقولون: يا ابن فاطمة ارجع لا حاجة لنا فيك! فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية
الاثنين من العصر إلى العشاء فيقتلهم أسرع من جزر جزور، فلا يفوت منهم رجل ولا يصاب من أصحابه أحد، دماؤهم قربانٌ إلى الله! ثم يدخل الكوفة فيقتل مقاتليها حتى يرضى الله. قال: فلم أعقل المعنى فمكثت قليلاً ثم قلت: جعلت فداك وما يدريه جعلت فداك متى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)؟ قال: يا أبا الجارود إن الله أوحى إلى أم موسى وهو خير من أم موسى، وأوحى الله إلى النحل وهو خير من النحل، فعقلت المذهب! فقال لي: أعقلت المذهب؟ قلت نعم). وفي رواية أخرى/455، وفيها: (إن القائم (عليه السلام) ليملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أصحاب الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويفتح الله عليه شرق الأرض وغربها). انتهى.
وبهذا تعرف أن حزب البترية الذين يكونون أول الخوارج على الإمام (عليه السلام) في العراق، يتحركون بردة فعل على موقفه في المدينة! ومعنى البترية أنهم يتبنون الولاية بدون البراءة، وأول من سماهم بذلك زيد بن علي رحمه الله وقال لهم: أتتبرؤون من فاطمة (عليها السلام)، بترتم أمرنا، بتركم الله)! (الفقيه: 4/445، والبحار: 37/31).
وقد يكون الحديث التالي ناظراً إلى التحول في الولاءات عند ظهوره (عليه السلام)، ففي النعماني/317، عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: أخبرني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا خرج القائم (عليه السلام) خرج من هذا الأمر من كان يرى أنه من أهله، ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر). وعنه البحار: 52/363، وبشارة الإسلام/222.
* * *
الفصل الحادي والعشرون: العراق في عصر الظهور
العراق عاصمة دولة العدل الإلهية
الأحاديث حول العراق كثيرة في علامات ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وحركة ظهوره ذلك أن الله (عزَّ وجلَّ) قدر وقضى أن يكون العراق عاصمة دولة العدل الإلهي العالمية التي يقيمها الإمام (عليه السلام). ويصعب تقسيم الروايات المتعلقة بالعراق قبل الظهور، فمنها ما يذكر الحكام فيه، أو يمدح بعض بلدانه أو يذمها، أو يتحدث عن نقص في الثمرات، وخوف يشمل أهله لا يقر لهم معه قرار.. الخ.
وقد أورد المفيد رحمه الله مجموعة علامات لظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وأحداثاً تكون في العراق وغيره، قال في الإرشاد: 2/368: (قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي (عليه السلام) وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات: فمنها خروج السفياني وقتل الحسني، واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي، وكسوف الشمس في النصف من رمضان وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلى أوسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم حائط مسجد الكوفة،
وإقبال رايات سود من قبل خراسان، وخروج اليماني وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات، ونزول الترك الجزيرة ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طويلاً وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام، وخلع العرب أعنتها وتملكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم، وقتل أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاث رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر، ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من قبل الغرب حتى تربط بفناء الحيرة، وإقبال رايات سود من المشرق نحوها، وبثق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة، وخروج ستين كذاباً كلهم يدعي النبوة، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلهم يدعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من بني العباس بين جلولاء وخانقين، وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة السلام، وارتفاع ريح سوداء بها في أول النهار، وزلزلة حتى ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق وبغداد، وموت ذريع فيه ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلات، وقلة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعات ساداتهم وقتلهم مواليهم، ومسخ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد السادات، ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كل أهل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون ويتزاورون. ثم يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتصل فتحيا بها الأرض بعد موتها وتعرف بركاتها، ويزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي (عليه السلام) فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتوجهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الأخبار.
وجملة من هذه الأحداث محتومة ومنها مشروطة، والله أعلم بما يكون، وإنما
ذكرناها على حسب ما ثبت في الأصول، وتضمنها الأثر المنقول). انتهى.
أقول: ما ذكره (قدّس سره) تعدادٌ مجملٌ لعلامات الظهور البعيدة والقريبة، ولا يقصد به أنها متسلسلة حسب ما ذكرها، فمنها علامات قريبة لا يفصلها عن ظهوره الإمام (عليه السلام) أكثر من أسبوعين كقتل النفس الزكية بين الركن والمقام، بل هو في الحقيقة جزء من حركة الظهور لأنه رسول المهدي (عليه السلام). ومنها ما يفصله عن ظهوره (عليه السلام) قرون عديدة كاختلاف بني العباس فيما بينهم، وظهور المغربي في مصر وتملكه الشامات في حركة الفاطميين. وقصده رحمه الله بالمحتوم والمشروط منها: أن منها حتمي الوقوع على كل حال، كما ورد في السفياني واليماني وقتل النفس الزكية والنداء السماوي والخسف بجيش السفياني وغيرها. ومنها مشروط بأحداث أخرى في علم الله سبحانه ومقاديره، ولله الأمر من قبل ومن بعد، فيها وفي غيرها.
وقد تقدمت أحاديث النفس الزكية في العراق والمدينة ومكة. ونورد فيما يلي أبرز هذه الأحاديث المتعلقة بالعراق تحت عناوين مناسبة:
ضعف رواية جفاف الفرات
عبد الرزاق: 11/373، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: شكيَ إلى ابن مسعود الفرات فقالوا: نخاف أن ينفتق علينا فلو أرسلت من يُسَكِّرُه، فقال عبد الله: لا نُسكره، فوالله ليأتين على الناس زمان لو التمستم فيه ملء طست من ماء ما وجدتموه، وليرجعن كل ماء إلى عنصره، ويكون بقية الماء والمسلمين بالشام). ونحوه ابن المنادي/63، وفي الحاكم: 4/504، وفيه: ينزوي كل ماء إلى عنصره، فيكون في الشام بقية المؤمنين والماء وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
أقول: لا أصل لهذا الجفاف المزعوم في الفرات أو في مياه الأرض، وقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) أن سنة ظهور المهدي (عليه السلام) تكون سنة غيداقة كثيرة المطر حتى تفسد الثمار ويفيض الفرات في الكوفة. ففي الإرشاد/361، عن جعفر بن سعد، عن أبيه،
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سنة الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل في أزقة الكوفة). ومثله غيبة الطوسي/273، وإعلام الورى/429، والخرائج: 3/1164، وإثبات الهداة: 3/733، والبحار: 52/217.
وفي الإرشاد/361، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن قدام القائم (عليه السلام) لسنة غيداقة يفسد فيها الثمار والتمر في النخل فلا تشكُّوا في ذلك). ونحوه غيبة الطوسي/272 وإعلام الورى/428، والخرائج: 3/1164، وإثبات الهداة: 3/728، والبحار: 52/214.
ضعف روايات خراب بغداد
في ملاحم ابن المنادي/43، عن جرير بن عبد الله البجلي: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل، تجبى إليها كنوز الأرض يخسف بها فلهي أسرع ذهاباً في الأرض من الحديدة المحماة في الأرض الخوارة). وتذكرة القرطبي: 2/681 و697، والكشف والبيان: 8/302، وجامع السيوطي: 4/772، وموضوعات ابن الجوزي: 2/61.
أقول: من تتبعي لروايات خسف بغداد وزوالها، ترجَّحَ عندي أن يكون أساسها من وضع أتباع بني أمية، لأن بغداد سرعان ما حلت محل الشام. ولأن أمير المؤمنين (عليه السلام) أخبر عن خراب الشام بيد ولده المهدي (عليهما السلام)! لذلك لا يمكن الاعتماد عليها، خاصة أنهم ذكرت أن دمار بغداد على يد السفياني!
ففي تاريخ بغداد: 1/38، عن أبي أسود الدؤلي: قال علي بن أبي طالب: سمعت حبيبي محمداً (صلى الله عليه وآله) يقول: سيكون لبني عمي مدينة من قبل المشرق بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة، يشيد فيها بالخشب والآجر والجص والذهب، يسكنها شرار خلق الله وجبابرة أمتي، أما إن هلاكها على يد السفياني، كأني بها والله قد صارت خاوية على عروشها). انتهى. فالرواية تقول إن بني أمية سيعودون وينتقمون من بني عباس، ويكفي ذلك للدلالة على أنها موضوعة من المحبين لبني أمية!
روايات الفريقين حول البصرة
أبو داود: 4/113، عن صالح بن درهم قال: انطلقنا حاجين فإذا رجل فقال لنا: إلى
جنبكم قرية يقال لها الأبلة؟ قلنا نعم، قال: من يضمن لي منكم أن يصلي لي في مسجد العشار ركعتين أو أربعاً ويقول هذه لأبي هريرة؟ سمعت خليلي أبا القاسم (صلى الله عليه وآله) يقول: إن الله يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء، لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم. وقال أبو داود: هذا مسجد مما يلي النهر). والأبُلَّة: بفتح الهمزة وضم الباء وتشديد اللام، محلة قرب البصرة، واليوم جزء منها. وملاحم ابن المنادي/40، ومصابيح البغوي: 3/486 من حسانه، وكلاهما كأبي داود، وجامع الأصول: 10/219، وكنز العمال: 12/285، كلاهما عن أبي داود.
أبو داود: 4/113، عن أنس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له: يا أنس، إن الناس يمصرون أمصاراً، وإن مصراً منها يقال له البصرة أو البصيرة، فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك وسباخها وكلاها وسوقها وباب أمرائها وعليك بضواحيها، فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف، وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير). سِباخها: أرضها الملحية التي لا تكاد تنبت. كَلاها: أي مراعيها.
وفي ملاحم ابن المنادي/38، عن أبي بكرة أخ زياد بن أبيه: قال النبي (صلى الله عليه وآله): إن أناساً من أمتي ينزلون حائطاً يقال له البصرة وعنده نهر له يقال له دجلة، وتكون من أمصار المهاجرين، فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطورا قوم عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلون بشاطئ النهر، فيفترق أهلها على ثلث فرق، فأما فرقة فيأخذون بأذناب الإبل والبرية فيهلكون. وقال: وفيه كلام انقطع عن عارم من الفضل. وقد روى هذا الحديث عبد الصمد عبد الوارث عن أئمة: وفرقة آخذون لأنفسهم وهلكوا، وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلون وهم شهداء).
وفي المعجم الأوسط: 7/561، عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله): إن المسلمين يمصرون بعدي أمصاراً، مما يمصرون مصراً يقال لها البصيرة فإن أنت وردتها فإياك ومقصفها وسوقها وباب سلطانها فإنها سيكون بها خسف ومسخ وقذف. آية ذلك الزمان أن يموت العدل ويفشو فيها الجور ويكثر فيها الزنا ويفشو فيها شهادة الزور). ونحوه جمع الفوئد: 3/317، وفيه: وعليك بضواحيها فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف، وقوم يبيتون فيصبحون قردة وخنازيز). انتهى.
أقول: لا يمكن الاعتماد على هذه الروايات، بعد أن شهد أهل البيت (عليهم السلام) بعدم وثاقة أنس، وكذا أبو بكرة وهو أخ زياد بن أبيه، كما أن البغوي حكم بوضع الحديث الأخير، وكذا ابن الجوزي، ودافع عنه ابن حجر. قال في هامش مصابيح البغوي: 3/486: وهذا الحديث مما استخرجه الإمام القزويني من كتاب المصابيح وقال إنه موضوع، وقد أجاب الحافظ ابن حجر عنه في أجوبته عن أحاديث المصابيح الحديث الخامس عشر فقال: قلت أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم من طريق موسى الحناط قال: لا أعلمه إلا عن موسى بن أنس، عن أنس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا أنس إن الناس يمصرون... ورجاله ثقات ليس فيه إلا قول موسى الحناط لا أعلمه إلا عن موسى بن أنس، ولا يلزم من شكه في شيخه الذي حدثه به أن يكون شيخه فيه ضعفاً، فضلاً عن أن يكون كذاباً وتفرد به، والواقع لم يتفرد به، بل أخرج أبو داود أيضاً لأصله شاهداً بسند صحيح من حديث سفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله)). انتهى.
أقول: ومع ذلك لا يمكننا الأخذ به، لأن دواعي الوضع فيه قوية!
إخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ثورة الزنج بالبصرة
وقد أوردنا في الفصل الثاني الخطبة المنسوبة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، التي رواها ابن ميثم البحراني في شرح نهج البلاغة: 1/289، خطبة 13، وهي مرسلةً وفيها ذم البصرة وإخبار عن أحداث ستقع فيها مثل قوله: (كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شُرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر! فقام إليه الأحنف بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك؟ قال: يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك الزمان وإن بينك وبينه لقروناً، ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دوراً وآجامها قصوراً فالهرب الهرب فإنه لا بصيرة لكم يومئذ. ثم التفت عن يمينه فقال: كم بينكم وبين الأبلة؟ فقال له المنذر بن الجارود: فداك أبي وأمي، أربعة فراسخ، قال له: صدقت فوالذي بعث محمداً وأكرمه بالنبوة وخصه بالرسالة وعجل بروحه إلى الجنة لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال: يا علي هل علمت أن بين التي تسمى البصرة
والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ، وقد يكون في التي تسمى الأبلة موضع أصحاب العشور يقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألفاً شهيدهم يومئذ بمنزلة شهداء بدر! فقال له المنذر: يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي وأمي؟ قال: يقتلهم إخوان الجن وهم جيل كأنهم الشياطين، سود ألوانهم منتنة أرواحهم شديد كلبهم قليل سلبهم، طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل ذلك الزمان مجهولون في الأرض معروفون في السماء، تبكي السماء عليهم وسكانها والأرض وسكانها، ثم هملت عيناه بالبكاء، ثم قال: ويحك يا بصرة من جيش لا رهج له ولا حس!
قال له المنذر: يا أمير المؤمنين وما الذي يصيبهم من قبل الغرق مما ذكرت، وما الويح، وما الويل؟ فقال: هما بابان فالويح باب الرحمة والويل باب العذاب، يا ابن الجارود نعم، ثارات عظيمة منها عصبة يقتل بعضها بعضاً، ومنها فتنة تكون بها خراب منازل وخراب ديار وانتهاك أموال، وقتل رجال وسبي نساء يذبحن ذبحاً، يا ويل أمرهن حديث عجب). الخ.. وبعضها في الاحتجاج: 1/250، عن ابن عباس.
وقلنا إنها خطبة مرسلة لا سند لها، فلا يمكن الأخذ بها، ما عدا القسم الأول إلى قوله (عليه السلام): (كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر) فهو مشهور رواه المحدثون والمؤرخون، ويؤيده كلامه (عليه السلام) الذي يذكر فيه ثورة الزنج. وقد شهد الرواة والمؤرخون أن أمير المؤمنين (عليه السلام) وصفها قبل وقوعها بثلاثة قرون، ومن ذلك خطبته في نهج البلاغة شرح الصالح/148 خطبة102، قال فيها: (فتن كقطع الليل المظلم، لا تقوم لها قائمة، ولا ترد لها راية، تأتيكم مزمومة مرحولة، يحفزها قائدها ويجهدها راكبها، أهلها قوم شديد كلبهم قليل سلبهم، يجاهدهم في سبيل الله قوم أذلة عند المتكبرين، في الأرض مجهولون وفي السماء معروفون، فويل لك يا بصرة عند ذلك، من جيش من نقم الله لا رهج له ولا حس، وسيبتلى أهلك بالموت الأحمر، والجوع الأغبر). وشرح عبدة/196 خطبة 98، وابن أبي الحديد: 7/102.
قال الشريف الرضي رحمه الله: يومئ بذلك إلى صاحب الزنج، ثم قال (عليه السلام): ويل لسكككم العامرة والدور المزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور وخراطيم كخراطيم الفيلة، من أولئك الذين لا يندب قتيلهم ولا يفقد غائبهم). انتهى.
وكان قائد ثورة الزنج القرمطي ادعى أنه علوي وانطبقت عليها الأوصاف التي وصفه بها أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكانت ثورتهم ردة فعل على الظلم والترف واضطهاد العبيد، وعامة جيشه من الزنوج الحفاة الذين لاخيل لهم.
روايات غرق البصرة
أما غرق البصرة فقال (عليه السلام) في الخطبة رقم13: (كنتم جند المرأة، وأتباع البهيمة، رغا فأجبتم، وعقر فهربتم. أخلاقكم دقاق، وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق، وماؤكم زعاق. المقيم بينكم مرتهن بذنبه، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه. كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة، وقد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها، وغرق من في ضمنها).
وتنطبق الأحداث التي ذكرت فيها على غرق البصرة الذي مضى. قال في شرح النهج: 1/253: (فأما إخباره (عليه السلام) أن البصرة تغرق ما عدا المسجد الجامع بها، فقد رأيت من يذكر أن كتب الملاحم تدل على أن البصرة تهلك بالماء الأسود ينفجر من أرضها، فتغرق ويبقى مسجدها. والصحيح أن المخبر به قد وقع. فإن البصرة غرقت مرتين، مرة في أيام القائم بأمر الله غرقت بأجمعها ولم يبق منها إلا مسجدها الجامع بارزاً بعضه كجؤجؤ الطائر حسب ما أخبر به أمير المؤمنين (عليه السلام)! جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس، ومن جهة الجبل المعروف بجبل السنام، وخربت دورها وغرق كل ما في ضمنها، وهلك كثير من أهلها، وأحد هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة يتناقله خلفهم عن سلفهم). انتهى.
روايات خراب البصرة
روايات خراب البصرة ثلاثة أنواع: خرابها بالغرق، وخرابها بثورة الزنج، وخرابها بالخسف والتدمير. وقد وقع الخرابان الأولان في زمن العباسيين. أما خرابها الذي عدوه من علامات ظهور المهدي (عليه السلام) فعمدة رواياته اثنتان: الأولى: ما رواه المفيد رحمه الله في الإرشاد/361، عن الصادق (عليه السلام): (يزجر الناس قبل قيام القائم (عليه السلام) عن معاصيهم بنار تظهر في السماء وحمرة تجلل السماء، وخسف ببغداد، وخسف ببلدة البصرة ودماء تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في أهلها، وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار). ومثله إعلام الورى/429، وعنهما إثبات الهداة: 3/733، و/742، وفيه: وخسف بمنارة البصرة، وهو يدل على أنه الخسف محدود بمكان فيها، فهو غير ائتفاكها وانقلاب أسفلها أعلاها).
فإن صحت فهي تدل على أن الخسف الذي هو من علامات الظهور في مكان منها.
والثانية: أن البصرة من المؤتفكات المذكورة في القرآن، أي المدن المنقلبات بأهلها بالخسف والعقاب الإلهي، وأنها ائتفكت ثلاث مرات وبقيت الرابعة. ففي البحار: 60/224، وغيره أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في خطبته في البصرة: (يا منذر، إن للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في زبر الأول، لا يعلمها إلا العلماء، منها الخريبة ومنها تدمر ومنها المؤتفكة... إلى أن قال: يا أهل البصرة، إن الله لم يجعل لأحد من أمصار المسلمين خطة شرف ولا كرم إلا وقد جعل فيكم أفضل من ذلك، وزادكم من فضله بمنه ما ليس لهم. أنتم أقوم الناس قبلة قبلتكم على المقام حيث يقوم الإمام بمكة، وقارؤكم أقرأ الناس، وزاهدكم أزهد الناس وعابدكم أعبد الناس، وتاجركم أتجر الناس وأصدقهم في تجارته ومتصدقكم أكرم الناس صدقة، وغنيكم أشد الناس بذلاً وتواضعاً، وشريفكم أكرم الناس خلقاً، وأنتم أكثر الناس جواراً وأقلهم تكلفاً لما لايعنيه، وأحرصهم على الصلاة في جماعة، ثمرتكم أكثر الثمار وأموالكم أكثر الأموال، وصغاركم أكيس الأولاد، ونساؤكم أمنع الناس وأحسنهن تبعلاً، سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلاحاً لمعاشكم، والبحر سبباً لكثرة
أموالكم، فلو صبرتم واستقمتم لكانت شجرة طوبى لكم مقيلاً وظلاً ظليلاً، غير أن حكم الله ماض وقضاءه نافذ لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، يقول الله: (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً). إلى أن قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي يوماً وليس معه غيري: إن جبرئيل الروح الأمين حملني على منكبه الأيمن حتى أراني الأرض ومن عليها وأعطاني أقاليدها، وعلمني ما فيها وما قد كان على ظهرها، وما يكون إلى يوم القيامة، ولم يكبر ذلك على كما لم يكبر على أبي آدم، علمه الأسماء كلها ولم تعلمها الملائكة المقربون. وإني رأيت على شاطئ البحر قرية تسمى البصرة، فإذا هي أبعد الأرض من السماء وأقربها من الماء، وإنها لأسرع الأرض خراباً، وأخشنها تراباً وأشدها عذاباً. ولقد خسف بها في القرون الخالية مراراً، وليأتين عليها زمان وإن لكم يا أهل البصرة وما حولكم من القرى من الماء ليوماً عظيما بلاؤه. وإني لأعلم موضع منفجره من قريتكم هذه. ثم أمور قبل ذلك تدهمكم عظيمة أخفيت عنكم وعلمناها، فمن خرج عنها عند دنو غرقها فبرحمة من الله سبقت له. ومن بقي فيها غير مرابط فبذنبه، وما الله بظلام للعبيد).
وروى في الكافي: 8/179، أ، أبا بصير سأل الإمام الصادق (عليه السلام) عن قوله (عزَّ وجلَّ): (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى)؟ فقال: هم أهل البصرة هي المؤتفكة قلت: (وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ)؟ قال: أولئك قوم لوط ائتفكت عليهم انقلبت عليهم).
وفي تفسير القمي: 2/383: (المؤتفكات البصرة، والخاطئة فلانة).
وقد روت ائتفاك البصرة المصادر السنية، ففي الأربعين البلدانية لابن عساكر: 1/436، ومعجم البلدان: 1/436: (لما قدم أمير المؤمنين البصرة بعد وقعة الجمل ارتقى منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أهل البصرة يا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة يا جند المرأة رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم! أما إني ما أقول ما أقول رغبة ولا رهبة منكم إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: تفتح أرض يقال لها البصرة أقْوَمُ
أرض الله قبلةً، قارؤها أقرأ الناس وعابدها أعبد الناس وعالمها أعلم الناس، ومتصدقها أعظم الناس صدقة. منها إلى قرية يقال لها الأبلة أربعة فراسخ، يستشهد عند مسجد جامعها وموضع عشورها ثمانون ألف شهيد، الشهيد يومئذ كالشهيد يوم بدر معي. وهذا الخبر بالمدح أشبه. وفي رواية أخرى أنه رقي المنبر فقال:
يا أهل البصرة ويا بقايا ثمود، يا أتباع البهيمة ويا جند المرأة، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم، دينكم نفاق وأحلامكم دقاق وماؤكم زعاق، يا أهل البصرة والبصيرة والسبخة والخريبة، أرضكم أبعد أرض الله من السماء وأقربها من الماء وأسرعها خراباً وغرقاً. ألا إني سمعت رسول الله يقول: أما علمت أن جبريل حمل جميع الأرض على منكبه الأيمن فأتاني بها، ألا إني وجدت البصرة أبعد بلاد الله من السماء وأقربها من الماء وأخبثها تراباً وأسرعها خراباً، ليأتين عليها يوم لا يرى منها إلا شرفات جامعها كجوجؤ السفينة في لجة البحر.
ثم قال: ويحك يا بصرة ويلك من جيش لا غبار له! فقيل يا أمير المؤمنين: ما الويح وما الويل؟ فقال: الويح والويل بابان فالويح رحمة والويل عذاب.
وفي رواية أن علياً رضي الله لما فرغ من وقعة الجمل دخل البصرة فأتى مسجدها الجامع فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال: أما بعد فإن الله ذو رحمة واسعة فما ظنكم يا أهل البصرة! يا أهل السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى الله الرابعة. يا جند المرأة.. ثم ذكر الذي قبله ثم قال: انصرفوا إلى منازلكم وأطيعوا الله وسلطانكم وخرج حتى صار إلى المربد والتفت وقال: الحمد لله الذي أخرجني من شر البقاع تراباً وأسرعها خراباً).
وفي شرح مسلم للنووي: 1/153: (قال صاحب المطالع: ويقال لها تدمر ويقال لها المؤتفكة، لأنها ائتفكت بأهلها في أول الدهر).
وفي الفايق في غريب الحديث: 3/260: (أنس: البصرة إحدى المؤتفكات فأنزل في ضواحيها وإياك والملكة). مَلك الطريق ومَلَكتُه ومَلاكه ومَمْلكته: وسطه.
وفي الأربعين البلدانية: 5/219: (المؤتفكة... وفي كلام أمير المؤمنين في ذم أهل البصرة أنه صعد منبر البصرة بعد وقعة الجمل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الله ذو رحمة واسعة وعذاب أليم، فما ظنكم يا أهل البصرة يا أهل السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى الله الرابعة. فهذا يدل على أن الائتفاك الانقلاب وليس بعلم لموضع بعينه، إلا أن يكون لما انقلبت المؤتفكة سمي كل منقلب مؤتفكا ً، وصح من الاسم الصريح فعلاً). ونحوه البدء والتاريخ/436، ونثر الدرر/142.
تفسير القمي: 2/339: (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى، قال: المؤتفكة البصرة والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أهل البصرة ويا أهل المؤتفكة يا جند المرأة وأتباع البهيمة، رغا فأجبتم وعقر فهربتم، ماؤكم زعاق وأحلامكم رقاق وفيكم ختم النفاق ولُعنتم على لسان سبعين نبياً! إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبرني أن جبرئيل أخبره أنه طُويَت له الأرض فرأى البصرة أقرب الأرضين من الماء وأبعدها من السماء وفيها تسعة أعشار الشر والداء العضال، المقيم فيها مذنب والخارج منها متدارك برحمة، وقد ائتفكت بأهلها مرتين وعلى الله تمام الثالثة وتمام الثالثة في الرجعة). والإيقاظ/260، والبرهان: 4/256.
وبالتأمل في أمر هذه النصوص وغيرها، يطمئن الإنسان بأن مضمونها صدر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وأن البصرة اتئفكت في الماضي مرتين أو أكثر وستأتفك مرة أخرى، لكن لم يرد في أي نص منها أن ذلك من علامات ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) ولا حددت وقته، إلا رواية تفسير القمي حددته بأنه في الرجعة، والرجعة قد تكون بعد دولة الإمام المهدي (عليه السلام) بقرون طويلة.
ويؤيده ما قلناه أن بعض رواياتها ذكرت أنه الخسف هو الموعود بقوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً). وهذا أمرٌ عام قد يكون في الرجعة قبل القيامة ولا يختص بالبصرة.
الشيصباني طاغية العراق قبل السفياني
النعماني/302، عن جابر الجعفي قال: سألت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) عن السفياني فقال: وأنى لكم بالسفياني حتى يخرج قبله الشيصباني، يخرج من أرض كوفان، ينبع كما ينبع الماء، فيقتل وفدكم، فتوقعوا بعد ذلك السفياني وخروج القائم (عليه السلام)). وعنه البحار: 52/250. والشيصباني: الشيطاني، وهو تعبير يستعمله الأئمة (عليهم السلام) للطواغيت والأشرار. وأرض كوفان: العراق ينبع كما ينبع الماء. أي يكون حكمه بنحو غير متوقع: ومعنى الحديث أنه يكون طاغية سفاكاً. يقتل وفدكم: أي وجهاء المؤمنين الذين يتقدمون الوفد عادة، يقال وفد القبيلة ووفد المدينة بمعنى وجهائها ورهطها. ويكون قبل السفياني بقليل بدليل قوله (عليه السلام): فتوقعوا بعد ذلك السفياني.
وهذه الصفات تنطبق على صدام، فإن ظهر بعده السفياني في الشام بدون فاصلة طويلة، يكون هو شيصباني العراق الموعود. والله العالم.
الحسني الموعود
ورد ذكر الحسني في عدة أحاديث، فبعضها ذكر الحسني النفس الزكية، وعرفت أن النفس الزكية ثلاثة أشخاص: في ظهر الكوفة والمدينة ومكة. وبعضها ذكر حسنياً يقتل، وقد يكون نفس الحسني في ظهر الكوفة، وبعضها ذكر حسني المدينة وحسني مكة. وتسمي روايات مصادر السنة الخراساني بالحسني، وهو الذي يدخل العراق ويبايع المهدي (عليه السلام) ويسلمه راية إيران.
قال المفيد في الإرشاد: 2/368: (فمنها (العلامات): خروج السفياني وقتل الحسني). فهو يدل على قتل زعيم حسني ولم يعين بلده، ويحتمل أن يكون من العراق.
وروى الطوسي في الغيبة/280، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل أن الحسني يخرج من الحجاز عند حركة الإمام المهدي (عليه السلام) إلى العراق، ويدَّعي أنه هو المهدي (عليه السلام) ثم يعترف به ويسير معه، قال: يدخل المهدي الكوفة... ويخطب ولا يدري الناس وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): كأني بالحسني والحسيني وقد قاداها فيسلمها إلى الحسيني فيبايعونه. فإذا كانت الجمعة الثانية قال الناس: يا ابن رسول الله الصلاة
خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسجد لا يسعنا...).
وقال ابن طاووس في الملاحم/145: (ويلحقه الحسني في اثني عشر ألفاً فيقول له أنا أحق بهذا الأمر منك، فيقول له هات علامات دالة فيومي إلى الطير فيسقط على كتفه ويغرس القضيب الذي بيده فيخضر ويعشوشب، فيسلم إليه الحسني الجيش ويكون الحسني على مقدمته، وتقع الصيحة بدمشق إن أعراب الحجاز قد جمعوا لكم). ونحوه في رواية مرسلة في عقد الدرر/90، قال: وتسير الجيوش حتى تصير بوادي القرى في هدوء ورفق، ويلحقه هناك ابن عمه الحسني في اثني عشر ألف فارس فيقول: يا ابن عم أنا أحق بهذا الجيش منك، أنا ابن الحسن وأنا المهدي. فيقول المهدي (عليه السلام): بل أنا المهدي. فيقول الحسني: هل لك من آية فنبايعك؟ فيومئ المهدي (عليه السلام) إلى الطير فتسقط على يده، ويغرس قضيباً في بقعة من الأرض فيخضر ويورق، فيقول له الحسني: يا ابن عم هي لك. ويسلم إليه جيشه ويكون على مقدمته، واسمه على اسمه).
ونحوه في إلزام الناصب: 2/178، من خطبة البيان جاء فيها: ثم يسير بالجيوش، حتى يصير إلى العراق والناس خلفه وأمامه، على مقدمته رجل اسمه عقيل، وعلى ساقته رجل اسمه الحارث، فيلحقه رجل من أولاد الحسن في اثني عشر ألف فارس، ويقول: يا ابن العم أنا أحق منك بهذا الأمر لأني من ولد الحسن وهو أكبر من الحسين فيقول المهدي: إني أنا المهدي. فيقول له: هل عندك آية أو معجزة أو علامة؟ فينظر المهدي إلى طير في الهواء فيومئ إليه فيسقط في كفه، فينطق بقدرة الله تعالى ويشهد له بالإمامة، ثم يغرس قضيباً يابساً في بقعة من الأرض ليس فيها ماء فيخضر ويورق، ويأخذ جلموداً كان في الأرض من الصخر، فيفركه بيده ويعجنه مثل الشمع، فيقول الحسني: الأمر لك، فيسلم وتسلم جنوده). انتهى.
فهذا كل ما ورد في الحسني، وقد ضخم بعضهم رواياته بما لا تتحمل نصوصه! بل ادعى بعضهم في العراق أنه الحسني الموعود، وأنه وزير الإمام المهدي (عليه السلام) أو وكيله، واتبعه بعض الجهال وأصحاب الهوى.
عوف السلمي الذي يخرج قبل السفياني
أما عوف السلمي فقد ورد فيه رواية في غيبة الطوسي/270، عن حذلم بن بشير
قال: (قلت لعلي بن الحسين (عليه السلام) صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته فقال: يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت وقتله بمسجد دمشق. ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي، ثم يخرج بعد ذلك) (ومثله الخرائج: 3/1155، ومنتخب الأنوار /31، وعنه إثبات الهداة: 3/727 والبحار: 52/213).
أقول: قد يكون عوف السلمي هذا خارجاً على الحكومة السورية وليس العراقية، وإن صحت روايته فهو قبل السفياني بمدة غير طويلة. أما الجزيرة التي هي مركز حركته فهي اسم لمنطقة عند الحدود العراقية السورية فهو المعنى المفهوم للجزيرة في كتب التاريخ والحديث عندما تطلق بدون إضافة. وتسمى أيضاً جزيرة ربيعة أو ديار بكر، ولا يفهم منها جزيرة العرب إلا بالإضافة.
والظاهر أن معنى مأواه تكريت أنها تكون ملجأه في فراره، وهي قرية معروفة في العراق. ويؤيد ذلك أنها قريبة من مركز حركته في الجزيرة.
والموجود في البحار وغيبة الطوسي (تكريت) فيكون ما ورد في بعض النسخ بدلها (ومأواه بكريت أو بكويت) مصحفاً عن تكريت. وتشير الرواية إلى أنه بعد ذلك يقتل في مسجد دمشق، أي يقبض عليه أو يقتل عنده. وعلى هذا يكون خروجه من أحداث بلاد الشام، وله صلة بأحداث العراق.
أزمة الجوع والخوف الذريع والقتل الفظيع قبيل ظهوره (عليه السلام)
أحمد: 2/262، عن أبي هريرة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر إردبها، ودينارها وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم! وقال: يشهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه، قال أبو عبد الرحمن سمعت يحيى بن معين وذكر أبا كامل فقال:
كنت آخذ منه ذا الشأن وكان أبو كامل بغدادياً من الأمناء). ونحوه مسلم: 4/2220، وأبو داود: 3/166، والبيهقي: 9/137، وفي دلائل النبوة: 6/329، كلها عن أبي هريرة. الخ. والقفيز والمُد والإردَبّ: مكاييل للغلات في العراق والشام ومصر.
وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي: 2/386، عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم، قلنا من أين ذلك؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذاك. ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مد. قلنا من أين ذاك؟ قال من قبل الروم).
وفي السنن في الفتن: 6/1118، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم! ثلاث مرات). انتهى.
ومعنى ذلك أنه ستحدث أزمة اقتصادية ومالية في العراق والشام ومصر، فتمنع جهة من الجهات المعادية للمسلمين وصول المواد التموينية منها أو إليها ويضطر المسلمون إلى أن يرجعوا إلى الحجاز. وإذا صحَّ الحديث فهو يتكلم عن ذلك العصر الذي كان تموين الحجاز فيه من مصر العراق ومصر والشام!
ولعل سبب ربطهم الموضوع بالإمام المهدي (عليه السلام) أنه ورد في رواية مسلم وأحمد في كلام جابر، ثم تكلم بعده عن الإمام المهدي (عليه السلام). قال أحمد في مسنده: 3/316: (عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله قال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم! قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذلك! ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مد! قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل الروم يمنعون ذاك! قال: ثم أمسك هنيهة ثم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يكون في آخر أمتي خليفة يحثو المال حثواً لا يعده عداً. قال الجريري فقلت لأبي نضرة وأبي العلاء: أتريانه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا). ومثله في مسلم: 8/185. لكن لا دليل فيه على ارتباط هذه الأزمة بالإمام المهدي (عليه السلام)، خاصة مع قول الراوي: أمسك هنيهة فهو كالنص على أن
كلامه بعد السكوت مستأنف!
على أن الحاكم رواه: 4/454، بدون ذكر المهدي (عليه السلام) وفي آخره: والذي نفسي بيده ليعودن الأمر كما بدأ ليعودن كل إيمان إلى المدينة كما بدأ منها، حتى يكون كل إيمان بالمدينة ثم قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يخرج رجل من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها الله خيراً منه، وليسمعن ناس برخص من أسعار وريف فيتبعونه، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما أخرج مسلم حديث داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي: (صلى الله عليه وآله) يكون في آخر الزمان خليفة يعطي المال لا يعده عداً، وهذا له علة).
* * *
لكن أحاديث مصادرنا روت هذه الأزمة بشكل آخر، ففي العياشي: 1/68، عن أبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيء مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) قال: ذلك جوع خاص وجوع عام، فأما بالشام فإنه عام، وأما الخاص بالكوفة يخص ولا يعم، ولكنه يخص بالكوفة أعداء آل محمد فيهلكهم الله بالجوع. وأما الخوف فإنه عام بالشام وذاك الخوف إذا قام القائم (عليه السلام) وأما الجوع فقبل قيام القائم (عليه السلام) وذلك قوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ). والنعماني/251، عن جابر الجعفي قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) عن قول الله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع)، الآية، فقال.. كما في العياشي، بتفاوت، وفيه: وأما الخوف فبعد قيام القائم (عليه السلام). وإثبات الهداة: 3/734 و740، عن النعماني والعياشي بتفاوت يسير، وكذا البحار: 52/229.
ولم أعرف معنى اختصاص الجوع بأعداء أهل البيت (عليهم السلام) في العراق، إلا أن يكون أزمة تعاني منها مناطق دون مناطق. والخوف المذكور في بلاد الشام بعد ظهور المهدي (عليه السلام) لا ينفي وجوده قبل ظهوره، وقد تقدمت الرواية التي نصت على أنه يكون شديداً في العراق قبل الظهور، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء وحمرة تجلل السماء، وخسف ببغداد، وخسف ببلدة البصرة، ودماء تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في أهلها.
وشمول أهل العراق خوف لا يكون معه قرار).
وفي كمال الدين: 2/649، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قدام القائم علامات تكون من الله (عزَّ وجلَّ) للمؤمنين، قلت: ما هي جعلني الله فداك؟ قال ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ: يعني المؤمنين قبل خروج القائم (عليه السلام). (بِشَيءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ): قال: يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، والجوع بغلاء أسعارهم. (وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ): قال: كساد التجارات وقلة الفضل. ونقص من الأنفس، قال: موت ذريع. ونقص من الثمرات، قال: قلة ريع ما يزرع. (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ): عند ذلك بتعجيل خروج القائم (عليه السلام). ثم قال لي: يا محمد هنا تأويله إن الله تعالى يقول: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ). ومثله النعماني/250، عن محمد بن مسلم، وفيه: بلوى من الله تعالى لعباده المؤمنين، ودلائل الإمامة/259، والإرشاد/361، وإعلام الورى/427، والخرائج: 3/1153.
وفي النعماني/250، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لابد أن يكون قدام القائم سنة يجوع فيها الناس ويصيبهم خوف شديد من القتل، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، فإن ذلك في كتاب الله لبين، ثم تلا هذه الآية: (نَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ). وعنه إثبات الهداة: 3/734، والبحار: 52/228، بتفاوت يسير.
وتقدم في العلامات التي عدها المفيد: (وخوف يشمل أهل العراق وبغداد، وموت ذريع فيه، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات). وفي حديث الإمام الباقر (عليه السلام): (وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار).
نزول قوات الروم الغربية في العراق
في غيبة الطوسي/278، عن عمار بن ياسر أنه قال: إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان، ولها أمارات، فالزموا الأرض وكفوا حتى تجيء أمارتها، فإذا استثارت
عليكم الروم والترك وجهزت الجيوش، ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال، واستخلف بعده رجل صحيح فيخلع بعد سنين من بيعته، ويأتي هلاك ملكهم من حيث بدأ، ويتخالف الترك والروم وتكثر الحروب في الأرض وينادي مناد من سور دمشق: ويل لأهل الأرض من شر قد اقترب، ويخسف بغربي مسجدها حتى يخر حائطها، ويظهر ثلاثة نفر بالشام كلهم يطلب الملك: رجل أبقع ورجل أصهب ورجل من أهل بيت أبي سفيان، يخرج في كلب ويحصر الناس بدمشق، ويخرج أهل الغرب إلى مصر، فإذا دخلوا فتلك أمارة السفياني، ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد (عليهم السلام) وتنزل الترك الحيرة وتنزل الروم فلسطين، ويسبق عبد الله عبد الله حتى يلتقي جنودهما بقرقيسيا على النهر ويكون قتال عظيم، ويسير صاحب المغرب فيقتل الرجال ويسبي النساء، ثم يرجع في قيس حتى ينزل الجزيرة السفياني، فيسبق اليماني ويحوز السفياني ما جمعوا ثم يسير إلى الكوفة فيقتل أعوان آل محمد (صلى الله عليه وآله) ويقتل رجلاً من مسميهم. ثم يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح. وإذا رأيتم أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن سفيان فالحقوا بمكة، فعند ذلك تقتل النفس الزكية وأخوه بمكة ضيعة فينادي مناد من السماء: أيها الناس إن أميركم فلان، وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). انتهى.
أقول: لم يسندوا كلام عمار إلى النبي (صلى الله عليه وآله) كما أن صحة السند إلى عمار محل إشكال. وإن صح فهو يدل على أن تحرك الروم والترك من أمارات ظهور المهدي (عليه السلام). ومعنى: استثارت: تحركت ذاتياً على بلادنا الإسلامية طمعاً فيها. وكذا تعبير: ويتحالف الترك والروم، وذلك في صراعهم على النفوذ والسيطرة بعد أن كانوا متخالفين، ولكنهم متفقون في الطمع ببلاد المسلمين.
وتكثر الحروب في الأرض: أي في مناطقها المختلفة، وهذا موجود في عصرنا وقبله، فلا تخلو قارة من حرب أو أكثر، ولا تهدأ حرب حتى تنفتح حروب، كل
ذلك بسبب استثارة الروم، واليهود يحركونهم ويشعلون فتيل الحروب.
هذا، وقد عدَّ المفيد رحمه الله من علامات الظهور أن خيل المغرب تربط بفناء الحيرة أي تستقر قرب الكوفة والنجف قال رحمه الله: وورود خيل من قبل الغرب حتى تربط بفناء الحيرة، فيحتمل أن تكون هذه القوات غربية تدخل العراق لمعاونة السفياني، أو تكون قبل السفياني. ورايات المشرق هي الرايات السود الخراسانية التي تدخل مع قوات اليماني لموافاة الإمام المهدي (عليه السلام) عندما يدخل العراق. أما بثق الفرات وفيضانه في الكوفة، فقد تقدم أنه يكون في سنة الظهور.
هدم سور مسجد الكوفة
عدَّه المفيد رحمه الله في علامات الظهور، ورواه النعماني/276، عن خالد القلانسي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا هدم حائط مسجد الكوفة من مؤخره مما يلي دار ابن مسعود، فعند ذلك زوال ملك بني فلان، أما إن هادمه لا يبنيه). ومثله الإرشاد/360 عن الحسين بن المختار، بتفاوت، وفيه: وعند زواله خروج القائم (عليه السلام). وغيبة الطوسي/271، وعنهما إثبات الهداة: 3/554 و: 3/728، والبحار: 52/210، ومثله الخرائج: 3/1163.
وفي غيبة الطوسي/283، عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام): حتى انتهى إلى مسجد الكوفة وكان مبنياً بخزف ودنان وطين فقال: ويل لمن هدمك، وويل لمن سهَّل هدمك، وويل لبانيك بالمطبوخ، المغير قبلة نوح، طوبى لمن شهد هدمك مع قائم أهل بيتي، أولئك خيار الأمة مع أبرار العترة). وإثبات الهداة: 3/516، والبحار: 52/332.
أقول: هذه العلامة محددة، ونصها صريح باتصالها بظهور الإمام صلوات الله عليه.
قوات السفياني أو القوات السورية في العراق
من أبرز الأمور في العراق في أحاديث ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) الفراغ الأمني والصراعات الداخلية في العراق والحجاز معاً، مما يدل على أن ضعف النظام أو انهياره في هذين البلدين شرطٌ لظهور الإمام (عليه السلام)! فقد ورد أن العراق يكون منقسماً
قبل دخول الإمام (عليه السلام) إليه على ثلاث رايات! (يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له. ويدخل حتى يأتي المنبر فلا يدري الناس ما يقول من البكاء). (الإرشاد للمفيد/362). والكوفة في هذا الحديث وأمثاله بمعنى العراق.
والسفياني هو حاكم سوريا، ويُطلب منه أن يرسل قواته إلى العراق لحفظ الأمن ثم إلى الحجاز لنفس الغرض، لكنه يكون طرفاً ضد الإمام المهدي (عليه السلام)! فجيش السفياني في أحاديث عصر المهدي (عليه السلام) يعني الجيش السوري المنتدب لحفظ الأمن، ولا تذكر الروايات من الذي ينتدبه، ولعلها الدول الكبرى!
وأحاديث هذين الجيشين كثيرة جداً في مصادر الطرفين، تذكر تفاصيل نشاطهما وما يحدث لهما. وستأتي في حركة السفياني في الشام ودوره في العراق والحجاز، ثم حربه مع الإمام المهدي (عليه السلام) في معركة الشام وفتح القدس. أما وقت دخول جيشه إلى العراق، فتحدده الأحاديث بعد نجاح ثورته في الشام وحكمه سوريا مباشرةً الذي يبدأ في رجب. وتصف تنكيل جيش السفياني بأهل العراق من شيعة المهدي وأهل البيت (عليهم السلام) خاصة. ومنها: ما رواه النعماني/306، عن يونس بن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إذا خرج السفياني يبعث جيشاً إلينا وجيشاً إليكم، فإذا كان كذلك فأتونا على كل صعب وذلول). ومثله دلائل الإمامة/261، وعنه البحار: 52/253.
ابن حماد: 2/700، عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): (يبعث السفياني على جيش العراق رجلاً من بني حارثة له غديرتان، يقال له نمر (أو قمر) بن عباد، رجلاً جسيماً على مقدمته رجل من قومه قصير أصلع عريض المنكبين، فيقاتله من بالشام من أهل المشرق، وفي موضع يقال له البنية (الثنية) وأهل حمص في حرب المشرق وأنصارهم، وبها يومئذ منهم جند عظيم تقاتلهم فيما يلي دمشق، كل ذلك يهزمهم. ثم ينحاز من دمشق وحمص مع السفياني، ويلتقون وأهل المشرق في موضع يقال له المدين مما يلي شرق حمص، فيقتل بها نيف وسبعون ألفاً، ثلاثة أرباعهم من أهل المشرق. ثم تكون الدبرة عليهم، ويسير الجيش الذي بعث إلى المشرق حتى
ينزلوا الكوفة، فكم من دم مهراق وبطن مبقور ووليد مقتول ومال منهوب ودم مستحل! ثم يكتب إليه السفياني أن يسير إلى الحجاز، بعد أن يعركها عرك الأديم).
أقول: عنصر الأسطورة واضح في روايات ابن حماد هذه، مع ضعف أسانيدها.
ابن حماد: 1/304، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): إذا ظهر السفياني على الأبقع وعلى المنصور والكندي والترك والروم، خرج وصار إلى العراق، ثم يطلع القرن ذو الشفا فعند ذلك هلاك عبد الله. ويخلع المخلوع ويتسبب أقوام في مدينة الزوراء على جهل فيظهر الأخوص على مدينة عنوة فيقتل بها مقتلة عظيمة وتقتل ستة أكبش من آل العباس، ويذبح فيها ذبحاً صبراً ثم يخرج إلى الكوفة).
وفي/78، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام فتكون بينهم ملحمة عظيمة، ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلهما جميعاً فيظهر عليهما جميعاً، ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده وله فورة شديدة يستقل الناس قبل الجاهلية، فيلتقي هو والأخوص وراياتهم صفر وثيابهم ملونة، فيكون بينهما قتال شديد، ثم يظهر الأخوص السفياني عليه، ثم يظهر الروم وخروج إلى الشام، ثم يظهر الأخوص، ثم يظهر الكندي في شارة حسنة، فإذا بلغ تل سما فأقبل ثم يسير إلى العراق. وترفع قبل ذلك ثنتا عشرة راية بالكوفة معروفة منسوبة. ويقتل بالكوفة رجل من ولد الحسن أو الحسين يدعو إلى أبيه، ويظهر رجل من الموالي فإذا استبان أمره وأسرف في القتل قتله السفياني). انتهى.
أقول: أوردنا هذه الرواية ليتضح منها تخريبهم لما رووه عن أهل البيت (عليهم السلام) بالزيادة والإسقاط والخلط. ومثلها غيرها في هذا الموضوع وغيره.
هل الزرقاوي هو صاحب السفياني؟
غيبة الطوسي/273، أو/450، عن عمر بن أبان الكلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كأني بالسفياني أو بصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة فنادى
مناديه: من جاء برأس شيعة علي فله ألف درهم، فيثب الجار على جاره ويقول هذا منهم، فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم! أما إن إمارتكم يومئذ لا تكون إلا لأولاد البغايا، وكأني أنظر إلى صاحب البرقع! قلت: ومن صاحب البرقع؟ فقال: رجل منكم يقول بقولكم، يلبس البرقع فيحوشكم فيعرفكم ولا تعرفونه فيغمز بكم رجلاً رجلاً، أما إنه لا يكون إلا ابن بغي)! وعنه إثبات الهداة: 3/729، والبحار: 52/215. وفي هامش غيبة الطوسي: (في البحار ونسخ خطية من غيبة الطوسي: بصاحب السفياني).
أقول: معنى صاحب السفياني أنه مقدمة له في عمله وعدائه لأتباع أهل البيت (عليهم السلام)، ولا يلزم أن يكون زمن خروجه متصلاً بخروج السفياني، فقد يكون قبله بفترة. لكن الفقرة التالية من الحديث تصف حالة الحكومة والأمراء الذين يساندون صاحب السفياني، وهذا يضعف انطباق الحديث على الزرقاوي لأن أولاد البغايا الذين يساندونه خارج العراق، وليسوا ظاهرين في العراق.
ضعف رواية دخول جيش السفياني إلى إيران
ابن حماد: 1/308، عن أرطاة قال: يدخل السفياني الكوفة فيسبيها ثلاثة أيام ويقتل من أهلها ستين ألفاً، ثم يمكث فيها ثماني عشرة ليلة، يقسم أموالها. ودخوله مكة بعد ما يقاتل الترك والروم بقرقيسيا، ثم ينفتق عليهم خلفهم فتق فيرجع طائفة منهم إلى خراسان فتقبل خيل السفياني وتهدم الحصون حتى تدخل الكوفة وتطلب أهل خراسان، ويظهر بخراسان قوم يدعون إلى المهدي، ثم يبعث السفياني إلى المدينة فيأخذ قوماً من آل محمد حتى يرد بهم الكوفة. ثم يخرج المهدي ومنصور من الكوفة هاربين ويبعث السفياني في طلبهما، فإذا بلغ المهدي ومنصور مكة نزل جيش السفياني البيداء فيخسف بهم، ثم يخرج المهدي حتى يمر بالمدينة فيستنقذ من كان فيها من بني هاشم. وتقبل الرايات السود حتى تنزل على الماء، فيبلغ من بالكوفة من أصحاب السفياني نزولهم فيهربون، ثم ينزل الكوفة حتى يستنقذ من فيها من بني هاشم. ويخرج قوم من سواد الكوفة يقال لهم العصب ليس معهم سلاح إلا قليل،
وفيهم نفر من أهل البصرة فيدركون أصحاب السفياني فيستنقذون ما في أيديهم من سبي الكوفة. وتبعث الرايات السود بالبيعة إلى المهدي). وعنه الحاوي للسيوطي: 2/67.
ابن حماد: 1/321، عن شريح بن عبيد وراشد بن سعد وضمرة بن حبيب ومشايخهم قالوا: يبعث السفياني خيله وجنوده، فيبلغ عامة الشرق من أرض خراسان وأرض فارس فيثور بهم أهل المشرق فيقاتلونهم، ويكون بينهم وقعات في غير موضع، فإذا طال عليهم قتالهم إياه بايعوا رجلاً من بني هاشم، وهم يومئذ في آخر الشرق فيخرج بأهل خراسان على مقدمته رجل من بني تميم مولى لهم أصفر قليل اللحية، يخرج إليه في خمسة آلاف إذا بلغه خروجه، فيبايعه فيصيره على مقدمته، لو استقبله الجبال الرواسي لهدها، فيلتقي هو وخيل السفياني فيهزمهم ويقتل منهم مقتلة عظيمة ثم تكون الغلبة للسفياني ويهرب الهاشمي، ويخرج شعيب بن صالح مختفياً إلى بيت المقدس يوطئ للمهدي منزله، إذا بلغه خروجه إلى الشام).
ضعف رواية معركة اصطخر قرب الأهواز
ابن حماد: 1/302، عن أبي رومان، عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، قال: إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة، بعث في طلب أهل خراسان، ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي، فيلتقي هو والهاشمي برايات سود، على مقدمته شعيب بن صالح، فيلتقي هو وأصحاب السفياني بباب إصطخر، فتكون بينهم ملحمة عظيمة فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني، فعند ذلك يتمنى الناس المهدي ويطلبونه). ونحوه في/88، وفيه: يلتقي السفياني والرايات السود، فيهم شاب من بني هاشم في كفه اليسرى خال، وعلى مقدمته رجل من بني تميم يقال له شعيب بن صالح بباب إصطخر، فتكون بينهم ملحمة. وعقد الدرر/127، والحاوي: 2/69، عن رواية ابن حماد الأولى، وكذا جمع الجوامع: 2/103. والفتاوى الحديثية/29، كما في رواية ابن حماد الثانية، والمغربي/532 و579، عن الأولى، وقال: فانظر إلى حديث الرايات، كم له من طريق، بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف،
ثم تأمل هل يمكن أن يحكم عليه بأنه لا أصل له مع وجود هذه الطرق الكثيرة المتباينة المخارج).
أقول: على كثرة الروايات في جيش السفياني فلم تذكر رواية غيرها أنه يدخل إيران بل حصرت مهمته في العراق والحجاز، فتفردها وضعف سندها كافيان لردها.
وفي مختصر البصائر/199: (وقفت على كتاب خطب لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) وعليه خط السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس ما صورته: هذا الكتاب ذكر كاتبه رجلين بعد الصادق (عليه السلام) فيمكن أن يكون تاريخ كتابته بعد المائتين من الهجرة لأنه (عليه السلام) انتقل بعد سنة مائة وأربعين من الهجرة، وقد روى بعض ما فيه عن أبي روح فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد (عليه السلام).. وبعض ما فيه عن غيرهما ذكر في الكتاب المشار إليه خطبة لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) تسمى المخزون... وهي رواية طويلة من نوع روايات ابن حماد وأقوال الوليد أو أرطاة أو أبي قبيل، ومنها: (ويبعث السفياني مائة وثلاثين ألفاً إلى الكوفة فينزلون بالروحاء والفاروق وموضع مريم وعيسى (عليهما السلام) بالقادسية، ويسير منهم ثمانون ألفاً حتى ينزلوا الكوفة، موضع قبر هود (عليه السلام) بالنخيلة، فيهجموا عليه يوم زينة، وأمير الناس جبار عنيد يقال له الكاهن الساحر، فيخرج من مدينة يقال لها الزوراء في خمسة آلاف من الكهنة، ويقتل على جسرها سبعين ألفاً حتى يحتمي الناس الفرات ثلاثة أيام من الدماء ونتن الأجسام، ويسبي من الكوفة أبكاراً لا يكشف عنها كف ولا قناع حتى يوضعن في المحامل يزلف بهن الثوية وهي الغريين، ثم يخرج عن الكوفة مائة ألف بين مشرك ومنافق حتى يضربوا دمشق لا يصدهم عنها صاد، وهي إرم ذات العماد. وتقبل رايات شرقي الأرض ليست بقطن ولا كتان ولا حرير، مختمة في رؤوس القنا بخاتم السيد الأكبر يسوقها رجل من آل محمد (صلى الله عليه وآله) يوم تطير بالمشرق يوجد ريحها بالمغرب كالمسك الإذفر، يسير الرعب أمامها شهراً. ويخلف أبناء سعد السقاء بالكوفة طالبين بدماء آبائهم، وهم أبناء الفسقة حتى تهجم عليهم خيل الحسين يستبقان كأنهما فرسا رهان، شعثٌ غبرٌ أصحاب بواكي وقوارح...).
ولا يمكن الإعتماد على هذه الرواية، لكثرة الإشكالات على متنها وسندها.
فتح الإمام المهدي (عليه السلام) العراق واتخاذه عاصمة له
وأحاديثه كثيرة في مصادر الجميع، وأنه يحرر العراق من بقايا قوات السفياني ومجموعات الخوارج المتعددة، ويتخذه قاعدة له وعاصمة لدولته. ولم أجد تحديداً دقيقاً لوقت دخوله (عليه السلام) إلى العراق، لكنه يكون بعد بضعة شهور من ظهوره المقدس بعد تحرير الحجاز.
وتصف بعض الروايات دخوله إلى العراق جواً وكأنه بسرب من الطائرات! فقد تقدم عن الإمام الباقر (عليه السلام): (ينزل القائم يوم الرجفة بسبع قباب من نور لا يعلم في أيها هو، حتى ينزل ظهر الكوفة. وفي رواية: إنه نازل في قباب من نور حين ينزل بظهر الكوفة على الفاروق، فهذا حين ينزل). (تفسير العياشي: 1/103)
وتقدم في فصل أصحابه (عليه السلام) أن قواته تدخل إلى العراق مشياً في جو معجزة: (قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا قام القائم بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً، ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير، ولا ينزل منزلا إلا انبعث عين منه، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان ظمآن روي، فهو زادهم حتى نزلوا النجف من ظهر الكوفة). البصائر/188، ومثله الكافي: 1/231، ونحوه النعماني/238، كما في روايته الأولى، بتفاوت يسير، وكمال الدين: 2/670، كما في رواية النعماني الثانية، بتفاوت يسير، والخرائج: 2/690، مرسلاً، وفيه: ويحمل معه حجر موسى بن عمران التي انبجست منه اثنتا عشرة عيناً، فلا ينزل منزلاً إلا نصبه فانبعثت منه العيون.. انبعث منه الماء واللبن دائماً فمن كان جائعاً شبع ومن كان عطشان رُوي. ومثله منتخب الأنوار /199،، وإثبات الهداة: 3/440، عن الكافي، وكمال الدين. وفي/541، أوله عن رواية النعماني الأولى... الخ.
أقول: الجمع بين الروايات بأنه يرسل أحد أصحابه في قيادة جيشه براً إلى العراق
ومعهم حجر موسى (عليه السلام)، ويدخل هو (عليه السلام) جواً في سبع قباب من نور.
البحار: 52/387، عن الكابلي عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: يقتل القائم (عليه السلام) من أهل المدينة حتى ينتهي إلى الأجفر، ويصيبهم مجاعة شديدة، قال فيصبحون وقد نبتت لهم ثمرة يأكلون منها ويتزودون منها، وهو قوله تعالى شأنه: (وَآيَةٌ لَهُمُ الأرض الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ)، ثم يسير حتى ينتهي إلى القادسية وقد اجتمع الناس بالكوفة وبايعوا السفياني).
يدخل العراق وفيه ثلاث رايات قد اضطربت فيما بينها
تذكر الأحاديث أنه يدخل الكوفة، أي العراق، وفيه ثلاث اتجاهات متضاربة وهي الاتجاه المؤيد له (عليه السلام) والاتجاه المؤيد للسفياني، والثالث قد يكون الاتجاه الموالي للغرب علناً، فعن عمرو بن شمر عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال ذكر المهدي (عليه السلام) فقال: (يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له. ويدخل حتى يأتي المنبر فلا يدري الناس ما يقول من البكاء، فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلي بهم يوم الجمعة، فيأمر أن يخط له مسجد على الغري ويصلي بهم هناك ثم يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين (عليه السلام) نهراً يجري إلى الغريين حتى ينزل الماء في النجف، ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء، فكأني بالعجوز على رأسها مكتل فيه برتأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلاكرى). (الإرشاد للمفيد/362).
وفي غيبة الطوسي/280، عن ثابت، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل جاء فيه قوله (عليه السلام): يدخل المهدي الكوفة.. ويخطب ولا يدري الناس وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) كأني بالحسني والحسيني وقد قاداها فيسلمها إلى الحسيني فيبايعونه، فإذا كانت الجمعة الثانية قال الناس: يا ابن رسول الله الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسجد لا يسعنا، فيقول: أنا مرتادٌ لكم فيخرج إلى الغري فيخط مسجداً له ألف باب يسع الناس عليه أصيص، ويبعث فيحفر من خلف قبر الحسين (عليه السلام) لهم نهراً يجري إلى الغريين حتى ينبذ في النجف، ويعمل على فوهته
قناطر وأرحاء في السبيل، وكأني بالعجوز وعلى رأسها مكتل فيه بر حتى تطحنه بكربلاء). وروضة الواعظين: 2/263، كالإرشاد، وفيه: يجري إلى الغري، وإعلام الورى/430، كالإرشاد، وكشف الغمة: 3/253 عن الإرشاد، وكذا مستجاد الحلي/554، والبحار: 52/330، عن غيبة الطوسي، وإعلام الورى، والإرشاد. وفي: 100/385، عن السيد علي بن عبد الحميد من كتاب الفضل بن شاذان، وبإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) وفيه: فيجري خلف قبر الحسين (عليه السلام) نهراً يجري إلى الغري حتى يجري في النجف ويعمل هو على فوهة النهر قناطر وأرحاء في السبيل). إلى آخر المصادر.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: يبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، وتتصل بيوت الكوفة بنهري كربلاء والحيرة، حتى يخرج الرجل على بغلة سفواء يريد الجمعة فلا يدركها). (الغيبة للطوسي/280). والسفواء: الخفيفة السريعة، أي يركب وسيلة خفيفة سريعة فلا يدرك صلاة الجمعة، لأنه لا يجد موقفاً فارغاً ومحلاً للصلاة.
أقول: لا بد أن يكون الكلام في هذا الحديث وأمثاله عن الأرحاء أي المطاحن التي ينشؤها الإمام المهدي (عليه السلام) على النهر الذي يجريه إلى النجف، من تصور الراوي الذي سمع تعبيراً من الإمام (عليه السلام) عن الرخاء والأمان، فنقله حسب عصره!
أمالي الصدوق/189 مجلس/40، عن الأصبغ بن نباتة قال: بينا نحن ذات يوم حول أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد الكوفة إذ قال: يا أهل الكوفة: لقد حباكم الله (عزَّ وجلَّ) بما لم يحب به أحداً، ففضل مصلاكم وهو بيت آدم وبيت نوح وبيت إدريس ومصلى إبراهيم الخليل ومصلى أخي الخضر ومصلاي. وإن مسجدكم هذا أحد الأربعة المساجد التي اختارها الله (عزَّ وجلَّ) لأهلها، وكأني به يوم القيامة في ثوبين أبيضين شبيه بالمحرم يشفع لأهله ولمن صلى فيه فلا ترد شفاعته. ولا تذهب الأيام حتى ينصب فيه الحجر الأسود. وليأتين عليه زمان يكون مصلى المهدي من ولدي، ومصلى كل مؤمن، ولا يبقى على الأرض مؤمن إلا كان به أو حن قلبه إليه، فلا تهجروه وتقربوا إلى الله (عزَّ وجلَّ) بالصلاة فيه، وارغبوا إليه في قضاء حوائجكم، فلو يعلم الناس ما فيه من البركة لأتوه من أقطار الأرض ولو حبواً على الثلج). ومثله الفقيه: 1/231، وروضة الواعظين: 2/337، بتفاوت يسير، ووسائل الشيعة: 3/526، عن الفقيه، وأمالي
الصدوق وإثبات الهداة: 3/452، بعضه عن الفقيه وأمالي الصدوق، وعنه البحار: 100/389.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: 10/13: (ومن عجيب ما وقفت عليه من ذلك قوله في الخطبة التي يذكر فيها الملاحم، وهو يشير إلى القرامطة: ينتحلون لنا الحب والهوى ويضمرون لنا البغض والقلى، وآية ذلك قتلهم وراثنا وهجرهم أحداثنا! وصح ما أخبر به لأن القرامطة قتلت من آل أبي طالب (عليه السلام) خلقاً كثيراً. وفي هذه الخطبة قال وهو يشير إلى السارية التي كان يستند إليها في مسجد الكوفة: كأني بالحجر الأسود منصوباً ها هنا، ويحهم إن فضيلته ليست في نفسه بل في موضعه وأسه، يمكث ها هنا برهةً ثم ها هنا برهة وأشار إلى البحرين، ثم يعود إلى مأواه وأم مثواه! ووقع الأمر في الحجر الأسود بموجب ما أخبر به (عليه السلام)).
ينزل الإمام (عليه السلام) في النجف أولاً
من الأمور الملفتة أن الأحاديث تذكر أن الإمام المهدي (عليه السلام) عندما يدخل العراق، يدخل إلى النجف ثم يتجه إلى مسجد السهلة، وقد أوردنا في الفصل الثاني عشر في نصره (عليه السلام) بالملائكة، حديث كامل الزيارات/119، والعياشي: 2/56. وفي البحار: 52/308، عن الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يبايع القائم بمكة على كتاب الله وسنة رسوله، ويستعمل على مكة، ثم يسير نحو المدينة فيبلغه أن عامله قتل، فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك، ثم ينطلق فيدعوا الناس بين المسجدين إلى كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) والولاية لعلي بن أبي طالب، والبراءة من عدوه، حتى يبلغ البيداء فيخرج إليه جيش السفياني فيخسف الله بهم. وفي خبر آخر: يخرج إلى المدينة فيقيم بها ما شاء، ثم يخرج إلى الكوفة ويستعمل عليها رجلاً من أصحابه، فإذا نزل الشفرة جاءهم كتاب السفياني إن لم تقتلوه لأقتلنَّ مقاتليكم ولأسبينَّ ذراريكم، فيقبلون على عامله فيقتلونه، فيأتيه الخبر فيرجع إليهم فيقتلهم ويقتل قريشاً حتى لا يبقى منهم إلا أكلة كبش، ثم يخرج إلى الكوفة،
ويستعمل رجلاً من أصحابه فيقبل وينزل النجف). وعنه إثبات الهداة: 3/583.
وفي دلائل الإمامة/243، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (كأنني به قد عبر من وادي السلام إلى مسجد السهلة على فرس محجل له شمراخٌ يزهر، ويدعو ويقول في دعائه: لا إله إلا الله حقاً حقاً لا إله إلا الله إيماناً وصدقاً، لا إله إلا الله تعبداً ورقاً اللهم معين كل مؤمن وحيد، ومذل كل جبار عنيد، أنت كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق عليَّ الأرض بما رحبت، اللهم خلقتني وكنت عن خلقي غنياً، ولولا نصرك إياي لكنت من المغلوبين. يا مُبَعْثِرَ الرحمة من مواضعها، ومخرج البركات من معادنها، ويا من خص نفسه بشموخ الرفعة فأولياؤه بعزه يتعززون، يا من وضعت له الملوك نير المذلة على أعناقها فهم من سطوته خائفون، أسألك باسمك الذي قصرت عنه خلقك فكل لك مذعنون، أسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد وأن تنجز لي أمري، وتعجل لي الفرج، وتكفيني وتعافيني، وتقضي حوائجي، الساعة الساعة الليلة الليلة، إنك على كل شيء قدير). والعدد القوية/75، وإثبات الهداة: 3/573، والبحار: 52/391.
وفي تفسير العياشي: 1/103، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا أبا حمزة، كأني بقائم أهل بيتي قد علا نجفكم، فإذا علا فوق نجفكم نشر راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر).
وفي النعماني/308، عن أبي حمزة الثمالي: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): يا ثابت كأني بقائم أهل بيتي قد أشرف على نجفكم هذا، وأومأ بيده إلى ناحية الكوفة، فإذا أشرف على نجفكم نشر راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإذا هو نشرها انحطت عليه ملائكة بدر قلت: وما راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: عمودها من عمد عرش الله ورحمته، وسايرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى شيء إلا أهلكه الله! قلت: فمخبوءة عندكم حتى يقوم القائم (عليه السلام) أم يؤتى بها؟ قال: لا بل يؤتى بها، قلت: من يأتيه بها؟ قال: جبرئيل (عليه السلام)). وكمال الدين: 2/672، عن أبي حمزة، وعنه البحار: 52/326، وعنها إثبات الهداة: 3/493، و/545، و/548.
وفي أمالي المفيد/45 عن أبي خالد الكابلي قال: قال لي علي بن الحسين (عليهما السلام): يا أبا خالد لتأتين فتن كقطع الليل المظلم لا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه، أولئك مصابيح الهدى وينابيع العلم، ينجيهم الله من كل فتنة مظلمة. كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان، في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله وإسرافيل أمامه، معه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد نشرها، لا يهوي بها إلى قوم إلا أهلكهم الله (عزَّ وجلَّ)). وعنه إثبات الهداة: 3/556، بعضه، والبحار: 51/135.
وفي الإرشاد/362، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام): كأني بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في البلاد). وإعلام الورى/430، كالإرشاد، وعنه إثبات الهداة: 3/526، بتفاوت يسير.
وفي غيبة الطوسي/275، عن أبي جعفر (عليه السلام): إذا دخل القائم الكوفة لم يبق مؤمن إلا وهو بها أو يجيء إليها، وهو قول أمير المؤمنين (عليه السلام) ويقول لأصحابه: سيروا بنا إلى هذه الطاغية فيسير إليه). وعنه منتخب الأنوار/190، وإثبات الهداة: 3/514، والبحار: 52/330.
ملاحظات
من الملفت في أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) عند دخوله النجف الأشرف:
أولاً: دخوله العراق (عليه السلام) في سبع قباب من نور كأنه سرب طائرات. وإرساله جيشه مشياً ومعهم حجر موسى (عليه السلام)، وإظهار المعجزة في تموينهم.
ثانياً: ظهوره (عليه السلام) من النجف على العالم بوسائل حرب جديدة ومعجزات! فقد تقدم في الحديث الصحيح من كامل الزيارات/119، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (كأني بالقائم على نجف الكوفة وقد لبس درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فينتفض هو بها فتستدير عليه فيغشيها بحداجة من استبرق، ويركب فرساً أدهم بين عينيه شمراخ، فينتفض به انتفاضة لا يبقي أهل بلد إلا وهم يرون أنه معهم في بلادهم، فينشر راية رسول
الله (صلى الله عليه وآله) عمودها من عمود العرش وسائرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى شيء أبداً إلا هتكه الله، فإذا هزها لم يبق مؤمن إلا صار قلبه كزبر الحديد). انتهى.
وتقدم نحوه من مصادر أخرى، وفيه إشارة إلى أن نشْر راية النبي (صلى الله عليه وآله) كان لآخر مرة بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) في حرب الجمل البصرة، وأن الله تعالى شاء أن يكون نشرها بيد المهدي (عليه السلام) عند قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) المظلوم الأول في العالم ومعها وسائل قوة متطورة والملائكة!
ثالثاً: أن الإمام (عليه السلام) يستخرج أسلحة وتجهيزات خاصة به من أرض النجف والكوفة أو يؤتى بها له إلى هناك، وقد تقدم أن جبرئيل يأتيه براية النبي (صلى الله عليه وآله)!
وتقدم من ملاحم ابن المنادي/64، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (وإني لأعلم إلى من تخرج الأرض ودايعها وتسلم إليه خزائنها، ولو شئت أن أضرب برجلي فأقول أخرجوا من هاهنا بيضاً(خوذ) ودروعاً)! وفي الاختصاص/334، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إذا قام القائم أتى رحبة الكوفة فقال برجله هكذا أو أومأ بيده إلى موضع، ثم قال: احفروا ههنا فيحفرون فيستخرجون اثني عشر ألف درع (واثني عشر ألف درع) واثني عشر ألف سيف، واثني عشر ألف بيضة لكل بيضة وجهان، ثم يدعو اثني عشر ألف رجل من الموالي من العرب والعجم فيلبسهم ذلك، ثم يقول: من لم يكن عليه مثل ما عليكم فاقتلوه).
وسيأتي في الخوارج البترية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (ثم خرج يمشي حتى انتهى إلى باب قصر الأمارة بالكوفة فركض رجله فتزلزلت الأرض ثم قال: أما والله لقد علمت ما ههنا، أما والله لو قد قام قائمنا لأخرج من هذا الموضع اثني عشر ألف درع واثني عشر ألف بيضة لها وجهان، ثم ألبسها اثني عشر رجلاً من ولد العجم، ثم ليأمرهم ليقتلن كل من كان على خلاف ما هم عليه، وإني أعلم ذلك وأراه كما أعلم هذا اليوم). وعنه إثبات الهداة: 3/558، والبحار: 52/377، وبشارة الإسلام/229.
ويبدو أن هذه الأسلحة والتجهيزات عطاء إلهي على نحو الإعجاز، وقد يكون
بعضها يؤتى به للإمام (عليه السلام) من مصانعها الخاصة به في العالم.
رابعاً: وصفت الأحاديث ناراً تقع بالكوفة عند ظهور المهدي (عليه السلام)، فقد تكون ناراً حقيقية أو قوة متميزة تضرب أعداءه (عليه السلام)، ففي النعماني/272، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) قوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع، قال: تأويلها فيما يأتي: عذاب يقع في الثوية يعني ناراً حتى ينتهي إلى الكناسة كناسة بني أسد حتى تمر بثقيف، لا تدع وتراً لآل محمد إلا أحرقته، وذلك قبل خروج القائم (عليه السلام)). وعنه المحجة/233، والبرهان: 4/382، والبحار: 52/243. وفيها: عن جابر قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): كيف تقرؤون هذه السورة؟ قلت: وأية سورة؟ قال سورة: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ؟ فقال: ليس هو سأل سائل بعذاب واقع، إنما هو سال سيل وهي نار تقع في الثوية ثم تمضي إلى كناسة بني أسد، ثم تمضي إلى ثقيف، فلا تدع وتراً لآل محمد إلا أحرقته). وعنه المحجة/ 233، والبحار: 52/243.
وفي تفسير القمي: 2/385: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع. قال: سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن معنى هذا فقال: نار تخرج من المغرب، وملك يسوقها من خلفها حتى تأتي دار بني سعد بن همام عند مسجدهم، فلا تدع داراً لبني أمية إلا أحرقتها وأهلها، ولا دار فيها وتر لآل محمد إلا أحرقتها. وذلك المهدي (عليه السلام)). وإثبات الهداة: 3/553، والبحار: 52/188.
أقول: إن صحت هذه الروايات فالمرجح أن تلك النار أو الأحداث النارية على أعدائه (عليه السلام) تكون عند دخول الإمام (عليه السلام) إلى العراق. أما دار سعد بن همام فهي محلة بالكوفة مما يشير إلى أن الأسماء الباقية محلات أيضاً، ففي تاريخ الكوفة/454: (حدثني أبو عبد الله بن الحجاج وكان من رواة الحديث أنه قد جمع من روى الحديث من آل أعين فكانوا ستين رجلاً، وحدثني أبو جعفر أحمد بن محمد بن لاحق الشيباني عن مشايخه: أن بني أعين بقوا أربعين سنة أربعين رجلاً لا يموت منهم رجل إلا ولد فيهم غلام، وهم على ذلك يستولون على دور بني شيبان في خطة بني سعد بن همام، ولهم مسجد الخطة يصلون فيه، وقد دخله سيدنا أبو عبد
الله جعفر بن محمد (عليه السلام) وصلى فيه). والفوائد الرجالية: 1/229. فدار سعد بن همام هنا حي في الكوفة، وسعد هذا يروي عن أبي هريرة (التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي: 1/425) لكن يبدو أن المقصود بدار سعد هنا أعداء الإمام المهدي (عليه السلام) في عصره بعد ظهوره أو قريباً منه، لأن أبناء سعد بن همام كانوا مضرب المثل في الشر! قال البغدادي في خزانة الأدب: 7/415: (وهي أم سيار وسمير وعبد الله وعمرو أولاد سعد بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان. وهم سيارة مَرَدَة، ليس يأتون على شيء إلا أفسدوه).
الإمام المهدي (عليه السلام) هو الآخذ بثأر الحسين (عليه السلام)
كامل الزيارات/336، عن الحلبي، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): لما قتل الحسين (عليه السلام) سمع أهلنا قائلاً يقول بالمدينة: اليوم نزل البلاء على هذه الأمة فلا ترون فرحاً حتى يقوم قائمكم فيشفي صدوركم ويقتل عدوكم، وينال بالوتر أوتاراً). وعنه إثبات الهداة: 3/531، والبحار: 45/172.
كامل الزيارات/63، عن محمد بن سنان، عن رجل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً)؟ قال: ذلك قائم آل محمد يخرج فيقتل بدم الحسين (عليه السلام) فلو قتل أهل الأرض لم يكن مسرفاً، وقوله: (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ): لم يكن ليصنع شيئاً يكون سرفاً. ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): يقتل والله ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها). وعنه إثبات الهداة: 3/530، والمحجة/127، والبحار: 45/298.
غيبة الطوسي/115، عن الفضيل بن الزبير قال سمعت زيد بن علي يقول: هذا المنتظر من ولد الحسين بن علي في ذرية الحسين وفي عقب الحسين (عليه السلام). وهو المظلوم الذي قال الله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً): قال وليه رجل من ذريته من عقبه ثم قرأ: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ... فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ): قال: سلطانه حجته على جميع من خلق الله تعالى، حتى يكون له الحجة على الناس، ولا يكون لأحد عليه حجة). وعنه إثبات الهداة: 3/504، والبحار: 51/35.
تفسير القمي: 2/84، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا): قال: إن العامة يقولون نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أخرجته قريش من مكة، وإنما هي للقائم (عليه السلام) إذا خرج يطلب بدم الحسين (عليه السلام)، وهو قوله: نحن أولياء الدم وطلاب الدية). وعنه إثبات الهداة: 3/552، والبحار: 51/47.
مناقب ابن شهرآشوب: 4/85، عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في قصة قتل الملك الروماني ليحيى بن زكريا (عليهما السلام) وكيف سلط الله عليهم من قتل منهم على دمه سبعين ألفاً! جاء فيه قول الحسين (عليه السلام): يا ولدي يا علي والله لايسكن دمي حتى يبعث الله المهدي فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفاً). وعنه البحار: 45/299.
تفسير العياشي: 2/290، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً): قال: هو الحسين بن علي (عليه السلام) قتل مظلوماً ونحن أولياؤه، والقائم منا إذا قام طلب بثأر الحسين فيَقتل حتى يقال قد أسرف في القتل. وقال: المقتول الحسين (عليه السلام) ووليه القائم، والإسراف في القتل: أن يقتل غير قاتله. (إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً): فإنه لا يذهب من الدنيا حتى ينتصر برجل من آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً). وعنه إثبات الهداة: 3/552، والبرهان: 2/419.
وفي الكافي: 4/170، عن رزين قال قال أبو عبد الله (عليه السلام): لما ضرب الحسين بن علي (عليهما السلام) بالسيف فسقط ثم ابتدر ليقطع رأسه، نادى مناد من بطنان العرش: ألا أيتها الأمة المتحيرة الضالة بعد نبيها، لا وفقكم الله لأضحى ولا لفطر. قال ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): فلا جرم والله ما وفقوا ولا يوفقون حتى يثأر ثائر الحسين (عليه السلام)). ونحوه الفقيه: 2/89، وأمالي الصدوق/142، وفيه: حتى يقوم ثائر الحسين، وعلل الشرائع: 2/389، وعنهما البحار: 91/134.
تفسير فرات/122، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً): قال: سمى الله المهدي المنصور كما
سمى أحمد محمداً وكما سمى عيسى المسيح (عليه السلام)). وعنه البحار: 51/30.
تفسير القمي: 2/87: (وَمَنْ عَاقَبَ): يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) (بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ): يعني حسيناً أرادوا أن يقتلوه. (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ): يعني بالقائم من ولده). وعنه المحجة/144، والبرهان: 3/103، والبحار: 51/47.
الخوارج على الإمام المهدي (عليه السلام)
تدل الأحاديث على أن الحركات المضادة للإمام (عليه السلام) تكون كثيرة من جماعات السفياني وغيرهم، وأنه (عليه السلام) يستعمل سياسة الشدة والقتل لمن يقف في وجهه، تنفيذاً للعهد المعهود إليه من جده رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ففي النعماني/231، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: صالح من الصالحين سمه لي أريد القائم (عليه السلام)، فقال: اسمه اسمي، قلت: أيسير بسيرة محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قال: هيهات هيهات يازرارة ما يسير بسيرته! قلت: جعلت فداك لم؟ قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سار في أمته بالمنِّ كان يتألف الناس والقائم يسير بالقتل، بذاك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً، ويلٌ لمن ناواه). وعقد الدرر/226، وعنه البحار: 52/353، وإثبات الهداة: 3/539، وقال: ورواه أيضاً بإسناد آخر. ولم نجده فيه بسند آخر.
النعماني/299، عن يعقوب السراج قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ثلاث عشرة مدينة وطائفة يحارب القائم أهلها ويحاربونه: أهل مكة وأهل المدينة، وأهل الشام، وبنو أمية، وأهل البصرة، وأهل دست ميسان، والأكراد والأعراب وضبة وغني، وباهلة، وأزد، وأهل الري). وعنه إثبات الهداة: 3/544، والبحار: 52/363.
وقد يكون المعنى أن أهل هذه البلاد كانوا معادين لأهل البيت (عليهم السلام) في عصر صدور النص، وأن أعداء الإمام المهدي (عليه السلام) يكونون مثلهم.
البتريون أول الخوارج على الإمام (عليه السلام)
أول خارجة على الإمام المهدي (عليه السلام) في العراق، البترية الذين يزعمون أنهم يتولون أهل البيت (عليهم السلام) وظالميهم معاً! ففي دلائل الإمامة/241، عن أبي الجارود أنه سأل الإمام الباقر (عليه السلام): متى يقوم قائمكم؟ قال: يا أبا الجارود لا تدركون! فقلت: أهل زمانه؟ فقال: ولن تدرك أهل زمانه! يقوم قائمنا بالحق بعد إياس من الشيعة يدعو الناس ثلاثاً فلا يجيبه أحد، فإذا كان اليوم الرابع تعلق بأستار الكعبة فقال: يا رب انصرني، ودعوته لا تسقط، فيقول تبارك وتعالى للملائكة الذين نصروا رسول الله يوم بدر ولم يحطوا سروجهم ولم يضعوا أسلحتهم فيبايعونه، ثم يبايعه من الناس ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً! يسير إلى المدينة فيسير الناس... ويسير إلى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية شاكين في السلاح قراء القرآن فقهاء في الدين قد قرحوا جباههم وسمروا ساماتهم وعمهم النفاق وكلهم يقولون: يا بن فاطمة ارجع لا حاجة لنا فيك، فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الاثنين من العصر إلى العشاء فيقتلهم أسرع من جزر جزور، فلا يفوت منهم رجل ولا يصاب من أصحابه أحد! دماؤهم قربان إلى الله! ثم يدخل الكوفة فيقتل مقاتليها حتى يرضى الله تعالى. قال: فلم أعقل المعنى فمكثت قليلاً ثم قلت: جعلت فداك وما يدريه جعلت فداك متى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)؟ قال: يا أبا الجارود إن الله أوحى إلى أم موسى وهو خير من أم موسى، وأوحى الله إلى النحل وهو خير من النحل، فعقلت المذهب فقال لي: أعقلت المذهب؟ قلت: نعم). وقد تقدم مع مصادره في مدة ملكه (عليه السلام).
وفي الإرشاد/364: (وروى أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل أنه قال: إذا قام القائم (عليه السلام) سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة عشر ألفاً يدعون البترية عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم. ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب ويهدم قصورها، ويقتل مقاتلها حتى يرضى الله عز وعلا). ومثله روضة الواعظين: 2/265، وإعلام الورى/431، وكشف الغمة: 3/255، والصراط المستقيم: 2/254، وإثبات
الهداة: 3/528، عن إعلام الورى، وفي/555، عن الإرشاد، وبشارة الإسلام/221، عن الإرشاد.
وفي البحار: 52/387، من كتاب الفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يقدم القائم (عليه السلام) حيت يأتي النجف فيخرج إليه من الكوفة جيش السفياني وأصحابه والناس معه وذلك يوم الأربعاء، فيدعوهم ويناشدهم حقه، ويخبرهم أنه مظلوم مقهور ويقول: من حاجني في الله فأنا أولى الناس بالله، إلى آخر ما تقدم من هذا، فيقولون: ارجع من حيث شئت لا حاجة لنا فيك قد خبرناكم واختبرناكم، فيتفرقون من غير قتال. فإذا كان يوم الجمعة يعاود، فيجيء سهم فيصيب رجلاً من المسلمين فيقتله فيقال: إن فلاناً قد قتل، فعند ذلك ينشر راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر، فإذا زالت الشمس هبَّت الريح له فيحمل عليهم هو وأصحابه، فيمنحهم الله أكتافهم ويولون فيقتلهم حتى يدخلهم أبيات الكوفة وينادي مناديه: ألا لا تتبعوا مولياً ولا تجهزوا على جريح، ويسير بهم كما سار علي (عليه السلام) يوم البصرة). وإثبات الهداة: 3/585.
أقول: يبدو أن أكثر هؤلاء البترية أصلهم شيعة، وأنهم يخطِّئون الإمام (عليه السلام) لأنه أعلن موقفه من أبي بكر وعمر، فذلك برأيهم يسبب للإمام (عليه السلام) خسارة شعبيته في المخالفين. وقد تقدم بعض حديثهم.
آخر خارجة تخرج عليه من المقدادية في بعقوبة!
تدل الأحاديث على أن خوارج رميلة الدسكرة يكونون أخطر فئات الخوارج على المهدي (عليه السلام) وآخرهم، وأن قائدهم من الموالي ويكون فرعوناً وشيطاناً!
ففي مروج الذهب: 2/418: (باب ذكر حروبه (عليه السلام) مع أهل النهروان: ثم ركب ومرَّ بهم وهم صرعى، فقال: لقد صرعكم من غرَّكم، قيل ومن غرَّهم؟ قال: الشيطان وأنفس السوء، فقال أصحابه: قد قطع الله دابرهم إلى آخر الدهر، فقال: كلا والذي نفسي بيده وإنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء، لا تخرج خارجة إلا خرجت بعدها مثلها، حتى تخرج خارجة بين الفرات ودجلة مع رجل يقال له الأشمط، يخرج إليه
رجل منا أهل البيت فيقتله، ولا تخرج بعدها خارجة إلى يوم القيامة). الأشمط: الذي شعر رأسه بياض وسواد، وقد تقال للطويل.
وفي ابن أبي شيبة: 8/673: (عن عبيد الله بن بشير بن جرير البجلي: قال علي: إن آخر خارجة تخرج في الإسلام بالرميلة رميلة الدسكرة، فيخرج إليهم ناس فيقتلون منهم ثلثاً ويدخل ثلث ويتحصن ثلث في الدير دير مرمار فمنهم الأشمط، فيحصرهم الناس فينزلونهم فيقتلونهم فهي آخر خارجة تخرج في الإسلام). وكنز العمال: 11/260.
وفي البصائر/336، عن يونس بن ظبيان عن الإمام الصادق (عليه السلام): أول خارجة خرجت على موسى بن عمران بمرج دابق وهو بالشام، وخرجت على المسيح بحرَّان وخرجت على أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنهروان، وتخرج على القائم بالدسكرة دسكرة الملك. ثم قال لي: كيف مالح دير بين ماكي مالح، يعني عند قريتك وهو بالنبطية، وذاك أن يونس كان من قرية دير بين ما، يقال: الدسكرة التي عند دير بين ما). والبحار: 47/84. أقول: لعله سقط من الحديث وصفهم بأنهم آخر خارجة. ودسكرة الملك: في محافظة بعقوبة بالعراق قرب المقدادية، بل يبدو أنها المقداديةنفسها. وفي أنساب السمعاني: 2/476: (يقال لها دسكرة الملك، وهي قرية كبيرة تنزلها القوافل، نزلت بها في التوجه والانصراف وبتُّ بها ليلتين). وفي معجم البلدان: 2/455: قرية في طريق خراسان قريبة من شهرابان، وهي دسكرة الملك، كان هرمز بن سابور بن أردشير بن بابك يكثر المقام بها فسميت بذلك).
وفي غيبة الطوسي/283، عن الفضل بن شاذان عن أبي بصير، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إذا قام القائم دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة حتى يبلغ أساسها ويصيرها عريشاً كعريش موسى، وتكون المساجد كلها جَمَّاء لا شُرَفَ لها كما كانت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويوسع الطريق الأعظم فيصير ستين ذراعاً، ويهدم كل مسجد على الطريق، ويسد كل كوة إلى الطريق وكل جناح وكنيف وميزاب إلى الطريق، ويأمر الله الفلك في زمانه فيبطئ في دوره حتى يكون اليوم في
أيامه كعشرة من أيامكم، والشهر كعشرة أشهر والسنة كعشر سنين من سنينكم، ثم لا يلبث إلا قليلاً حتى يخرج عليه مارقة الموالي برميلة الدسكرة عشرة آلاف شعارهم: يا عثمان يا عثمان، فيدعو رجلاً من الموالي فيقلده سيفه فيخرج إليهم فيقتلهم حتى لا يبقى منهم أحد، ثم يتوجه إلى كابل شاه وهي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره فيفتحها، ثم يتوجه إلى الكوفة فينزلها وتكون داره، ويبهرج سبعين قبيلة من قبائل العرب.. تمام الخبر. وفي خبر آخر: يفتح قسطنطينية والرومية وبلاد الصين). ومنتخب الأنوار/194، وعنه البحار: 52/333. ومارقة الموالي: أي من غير العرب، أو قائدهم غير عربي.
وقد ذكرت رواية أن آخر خارجة على الإمام (عليه السلام) تكون في الكوفة، ففي تفسير العياشي: 2/56، عن عبد الأعلى الحلبي، عن الإمام الباقر (عليه السلام) من حديث طويل: (والله لكأني أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر، ثم ينشد الله حقه ثم يقول: يا أيها الناس: من يحاجني في الله فأنا أولى الناس بالله ومن يحاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم. يا أيها الناس: من يحاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، يا أيها الناس: من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى بإبراهيم، يا أيها الناس: من يحاجني في موسى فأنا أولى الناس بموسى، يا أيها الناس: من يحاجني في عيسى فأنا أولى الناس بعيسى، يا أيها الناس: من يحاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد (صلى الله عليه وآله). يا أيها الناس: من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى بكتاب الله، ثم ينتهى إلى المقام... قال أبو جعفر (عليه السلام): يقاتلون والله حتى يُوَحَّدَ الله ولا يُشرك به شيئاً، وحتى تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب ولا ينهاها أحد، ويخرج الله من الأرض بذرها، وينزل من السماء قطرها... فبينا صاحب هذا الأمر قد حكم ببعض الأحكام وتكلم ببعض السنن، إذ خرجت خارجة من المسجد يريدون الخروج عليه، فيقول لأصحابه: انطلقوا فتلحقوا بهم في التمارين فيأتونه بهم أسرى ليأمر بهم فيذبحون، وهي آخر خارجة تخرج على قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله)). انتهى. لكن يمكن أن يكون هؤلاء جزءً من خوارج بعقوبة فيقبض عليهم قبل أن يصلوا إليهم. وتوجد احتمالات
أخرى.
تصفية الإمام (عليه السلام) للعراق وتطهيره من أعدائه
بعد القضاء على آخر خارجة في التاريخ، يتنفس العراق الصعداء في ظل سلطة الإمام المهدي (عليه السلام)، ويدخل حياة جديدة بصفته عاصمة الإمام (عليه السلام) ومحط أنظار العالم ومقصد وفوده. ثم تصبح الكوفة والسهلة والحيرة والنجف وكربلاء محلات لمدينة واحدة، يتردد ذكرها على ألسنة شعوب العالم وفي قلوبهم، ويقصدها القاصدون من أقاصي المعمورة ليلة الجمعة، ويبكرون لأداء صلاة الجمعة خلف المهدي (عليه السلام) في مسجده العالمي ذي الألف باب، فلا يكاد المسلم يجد موضعاً للصلاة بين عشرات الملايين القاصدة.
والأحاديث عن التطور المادي والمعنوي في مركز عاصمته (عليه السلام) كثيرة لا يتسع لها المجال. وبتصفيته العراق وضمه إلى دولته واتخاذه عاصمة لها، تكون دولته (عليه السلام) شملت اليمن والحجاز وإيران والعراق، ومعها بلاد الخليج. وبذلك يتفرغ لأعدائه الخارجيين، فيبدأ أولاً بالترك فيرسل لهم جيشاً فيهزمهم كما ذكرت رواية مرسلة، ثم يتوجه على رأس جيشه إلى الشام حتى ينزل مرج عذراء قرب دمشق استعداداً لخوض المعركة مع السفياني واليهود والروم، معركة فتح القدس الكبرى، كما يأتي في أحداث حركة ظهوره (عليه السلام).
عاصمته (عليه السلام) الكوفة، ويكون لكربلاء شأن عظيم
في بحار الأنوار: 53/11: (قال المفضل: قلت يا سيدي فأين تكون دار المهدي ومجتمع المؤمنين؟ قال: دار ملكه الكوفة ومجلس حكمه جامعها، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة، وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريين. قال المفضل: يا مولاي كل المؤمنين يكونون بالكوفة؟ قال: إي والله لا يبقى مؤمن إلا
كان بها أو حواليها (يحن إليها)، وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم، وليودن أكثر الناس أنه اشترى شبراً من أرض السبع بشبر من ذهب (السبع من خطط همدان) ولتصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلاً وليجاورن قصورها كربلاء، وليصيِّرن الله كربلاء معقلاً ومقاماً تختلف فيه الملائكة والمؤمنون وليكونن لها شأن من الشأن، وليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربه بدعوة لأعطاه الله بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا ألف مرة). انتهى. مجلس حكمه: مجلس المراجعات والحكم بين الناس في مسجد الكوفة الفعلي أو مسجد الجمعة الكبير الذي يبنيه (عليه السلام). وموضع خلواته الذكوات البيض: موضع اعتكافه للعبادة الربوات البيضاء قرب النجف. وأربعة وخمسين ميلاً: نحو ثمانين كيلومتر. وفي غيبة الطوسي/273، عن عبد الله بن الهذيل قال: لا تقوم الساعة حتى يجتمع كل مؤمن بالكوفة. وابن سعد: 6/10، عن عبد الله بن عمرو قال: إن أسعد الناس بالمهدي أهل الكوفة. وابن شيبة: 12/188، عن عبد الله بن عمر قال: يا أهل الكوفة، أنتم أسعد الناس بالمهدي).
وفي التهذيب: 3/253، عن حبة العرني قال: خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الحيرة فقال: لتصلن هذه بهذه وأومأ بيده إلى الكوفة والحيرة، حتى يباع الذراع فيما بينهما بدنانير، وليبنين بالحيرة مسجد له خمسمائة باب يصلي فيه خليفة القائم، لأن مسجد الكوفة ليضيق عنهم، وليصلين فيه اثنا عشر إماماً عدلاً، قلت: يا أمير المؤمنين ويسع مسجد الكوفة هذا الذي تصف الناس يومئذ؟ قال: تبنى له أربع مساجد مسجد الكوفة أصغرها وهذا ومسجدان في طرفي الكوفة من هذا الجانب وهذا الجانب، وأومأ بيده نحو البصريين والغريين). وعنه ملاذ الأخيار: 5/478. وخليفة القائم: نائبه في الصلاة.
وفي كامل الزيارات/30، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أو عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت له: أيُّ بقاع الأرض أفضل بعد حرم الله (عزَّ وجلَّ) وحرم رسوله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: الكوفة يا أبا بكر، هي الزكية الطاهرة، فيها قبور النبيين المرسلين وقبور غير المرسلين والأوصياء الصادقين، وفيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبياً إلا وقد صلى فيه، ومنها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه والقوام من
بعده، وهي منازل النبيين والأوصياء والصالحين). ومثله التهذيب: 6/31، وعنه البحار: 100/440 ووسائل الشيعة: 3/524 و: 10/282، عن التهذيب.
الكافي: 3/495، عن صالح بن أبي الأسود قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) وذكر مسجد السهلة فقال: أما إنه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله). ومثله الإرشاد/362، والتهذيب: 3/252، وغيبة الطوسي/282، وعنها إثبات الهداة: 3/435، والبحار: 52/331.
وفي الكافي: 4/571، عن أبان بن تغلب قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فمر بظهر الكوفة فنزل فصلى ركعتين، ثم تقدم قليلاً فصلى ركعتين، ثم سار قليلاً فنزل فصلى ركعتين ثم قال: هذا موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، قلت: جعلت فداك والموضعين اللذين صليت فيهما؟ قال: موضع رأس الحسين (عليه السلام) وموضع منزل القائم). ومثله كامل الزيارات/34، بتفاوت يسير، وفيه: منبر القائم (عليه السلام)، والتهذيب: 6/34، بسند آخر، عن مبارك الخباز قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): أسرجوا البغل والحمار في وقت ما قدم وهو في الحيرة قال: فركب وركبت حتى دخل الجرف، ثم نزل فصلى ركعتين ثم تقدم قليلا آخر فصلى ركعتين، ثم تقدم قليلا آخر فصلى ركعتين، ثم ركب ورجع فقلت له: جعلت فداك ما الأوليتين والثانيتين والثالثتين؟ قال: الركعتين الأوليتين موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، والركعتين الثانيتين موضع رأس الحسين (عليه السلام) والركعتين الثالثتين موضع منبر القائم (عليه السلام)). ونحوه فرحة الغري/56، بعدة روايات.. الخ.
وفي دلائل الإمامة/244، عن فرات بن الأحنف قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) ونحن نريد زيارة قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلما صرنا إلى الثوية نزل فصلى ركعتين فقلت: يا سيدي ما هذه الصلاة؟ فقال: هذا موضع منبر القائم أحببت أن أشكر الله في هذا الموضع، ثم مضى ومضيت معه حتى انتهى إلى القائم الذي على الطريق فنزل فصلى ركعتين، فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: هاهنا نزل القوم الذين كان معهم رأس الحسين (عليه السلام) في صندوق فبعث الله (عزَّ وجلَّ) طيراً فاحتمل الصندوق بما فيه فمر بهم جمَّال فأخذوا رأسه فجعلوه في الصندوق وحملوه، فنزلت وصليت هاهنا. ثم مضى ومضيت معه حتى انتهى إلى موضع فنزل وصلى ركعتين وقال: هاهنا قبر أمير المؤمنين، أما إنه لا تذهب الأيام حتى يبعث الله رجلاً ممتحناً في نفسه بالقتل يبني
عليه حصناً فيه سبعون طاقاً، قال حبيب بن الحسين: سمعت هذا الحديث قبل أن يبنى على الموضع شيء، ثم إن محمد بن زيد وجه فبنى على، فلم تمض الأيام حتى امتحن محمد في نفسه بالقتل). وحلية الأبرار: 2/638، عن مسند فاطمة (عليه السلام).
بيت الإمام (عليه السلام) الشخصي في منطقة مسجد السهلة
قصص الراوندي/80، عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): (يا أبا محمد كأني أرى نزول القائم في مسجد السهلة بأهله وعياله، قلت: يكون منزله؟ قال: نعم هو منزل إدريس (عليه السلام) وما بعث الله نبياً إلا وقد صلى فيه، والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلا وقلبه يحن إليه وما من يوم ولا ليلة إلا والملائكة يأوون إلى هذا المسجد يعبدون الله فيه. يا أبا محمد أما إني لو كنت بالقرب منكم ما صليت صلاة إلا فيه. ثم إذا قام قائمنا انتقم الله لرسوله ولنا أجمعين). وعنه البحار: 52/317 و381، و: 100/435، وإثبات الهداة: 3/583.
* * *
الفصل الثاني والعشرون: قسوة أعداء الإمام المهدي (عليه السلام) وشدته عليهم
لا بدَّ من استئصال الغُدد السرطانية
يبدو بالنظرة الأولى أن تطهير الأرض من الظلم واستئصال الطواغيت والظالمين أمر غير ممكن، فقد تعودت الأرض وأهلها على أنين المظلومين وآهاتهم حتى لا يبدو لاستغاثتهم مجيب، وتعودوا على وجود الظالمين المشؤوم حتى لا يخلو منهم عصر من العصور. فهم كالشجرة الخبيثة المستحكمة الجذور ما أن يقطع منها فرع حتى تُنبت فروعاً! غير أن العليم الحكيم الذي الذي أقام الحياة على قانون صراع الحق والباطل والخير والشر، جعل لكل شيء حداً، وجعل للظلم على الأرض نهاية. جاء في تفسير قوله تعالى: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ) (الرحمن: 41) عن الصادق (عليه السلام) قال: (الله يعرفهم! ولكن نزلت في القائم يعرفهم بسيماهم فيخبطهم بالسيف هو وأصحابه خبطاً). (غيبة النعماني/127).
وقد يرى البعض في سياسة الإمام المهدي (عليه السلام) في قتل الظالمين وإبادتهم أنها قسوة وإسراف في القتل، ولكنها عملية جراحية ضرورية لتطهير مجتمعات العالم منهم، وبدونها لا يمكن إنهاء الظلم عن الأرض ولا إزالة بذور المؤامرات الجديدة التي سيقومون بها لو استعمل معهم الإمام (عليه السلام) اللين والعفو! فالظالمون الطغاة غدة سرطانية لابد من استئصالها لإنقاذ الحياة. والأمر الذي يوجب الاطمئنان أن هذه السياسة بعهد معهود من النبي الرؤوف الرحيم (صلى الله عليه وآله) وأن الله تعالى يعطي الإمام
المهدي (عليه السلام) العلم بالناس، فهو مهديٌّ من ربه ينظر بنور الله تعالى فيعرف ما هو الشخص وما دواؤه، ولا يُخاف أن يقتل أحداً من الذين يؤمل اهتداؤهم وصلاحهم، فهو كالخضر الذي قال الله فيه: (آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)، بل الخضر يظهر معه (عليهما السلام) ويكون وزيراً له.
وقد نصت الأحاديث الشريفة على أنه لابد للإمام المهدي (عليه السلام) من الحرب لأنه لا يمكن اجتثاث الظلم بدونها، ولأن الخوارج عليه سرعان ما يتحركون بشراسة! ففي النعماني/284، عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وقد ذكر القائم (عليه السلام) فقلت: إني لأرجو أن يكون أمره في سهولة، فقال: لا يكون ذلك حتى تمسحوا العلق والعرق). ونحوه في/285، وفيه: أنتم اليوم أرخى بالاً منكم يومئذ، قالوا: وكيف؟..). وعنه إثبات الهداة: 3/543، والبحار: 52/358. و/284، عن بشير النبال، وفيه: كلا والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أدميت رباعيته وشُجَّ في وجهه! كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق، ثم مسح جبهته. وعنه إثبات الهداة: 3/543، والبحار: 52/356.
وفي النعماني/297، عن الصادق (عليه السلام): يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله (صلى الله عليه وآله)! إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاهم وهم يعبدون حجارة منقورة وخشباً منحوتة وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه).
وفي النعماني/296، عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبله رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جهال الجاهلية، قلت: وكيف ذاك؟ قال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله يحتج عليه به، ثم قال أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقَرّ). وعنه إثبات الهداة: 3/544، والبحار: 52/362.
شدة الإمام (عليه السلام) على القساة المعاندين
غيبة النعماني/231، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن علياً (عليه السلام) قال:
كان لي أن أقتل المولي وأجهز على الجريح، ولكني تركت ذلك للعاقبة من أصحابي إن جُرحوا لم يُقتلوا، والقائم له أن يقتل المولي ويجهز على الجريح). وعنه البحار: 52/353.
وفي الكافي: 8/233، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا تمنى أحدكم القائم فليتمنه في عافية فإن الله بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) رحمة ويبعث القائم نقمة). وعنه البحار: 52/375، وبشارة الإسلام/228.
غيبة الطوسي/115، عن يحيى بن العلاء الرازي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ينتج الله تعالى في هذه الأمة رجلاً مني وأنا منه يسوق الله تعالى به بركات السماوات والأرض، فتنزل السماء قطرها وتخرج الأرض بذرها، وتأمن وحوشها وسباعها، ويملا الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويقتل حتى يقول الجاهل لو كان هذا من ذرية محمد (صلى الله عليه وآله) لرحم). وإثبات الهداة: 3/504، والبحار: 51/146.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: 7/58: (وهذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السير وهي متداولة منقولة مستفيضة، خطب بها علي (عليه السلام) بعد انقضاء أمر النهروان، وفيها ألفاظ لم يوردها الرضي رحمه الله، منها: فانظروا أهل بيت نبيكم فإن لبدوا فالبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم، فليفرجن الله الفتنة برجل منا أهل البيت، بأبي ابن خيرة الإماء لا يعطيهم إلا السيف هرجاً هرجاً، موضوعاً على عاتقه ثمانية أشهر حتى تقول قريش: لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا، يغريه الله ببني أمية حتى يجعلهم حطاماً ورفاتاً، (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً، سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً)). وينابيع المودة/498، والبحار: 34/118 و: 51/121.
وروى ابن حماد: 1/350، عن علي (عليه السلام) قال: (يفرج الله الفتن برجل منا، يسومهم خسفاً، لا يعطيهم إلا السيف، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً، حتى يقولوا والله ما هذا من ولد فاطمة، لو كان من ولدها لرحمنا. يغريه الله ببني العباس وبني أمية). وعنه الحاوي: 2/73، وكنز العمال: 14/589، وملاحم ابن طاووس/66، وإثبات الهداة: 3/539،
عن غيبة النعماني.
النعماني/169، عن عبد الله بن عطاء قال: قلت لأبي جعفر الباقر (عليه السلام): أخبرني عن القائم (عليه السلام)، فقال: والله ما هو أنا، ولا الذي تمدون إليه أعناقكم ولا تعرف ولادته. قلت: بما يسير؟ قال: بما سار به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هدر ما قبله واستقبل). ومثله عقد الدرر/226، وعنه إثبات الهداة: 3/534، والبحار: 51/138.
* * *
الكافي: 1/431، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً): ما يوعدون فهو خروج القائم (عليه السلام) وهو الساعة. (فَسَيَعْلَمُونَ): ذلك اليوم وما نزل بهم من عذاب الله على يدي قائمه فذلك قوله: (مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً): يعني عند القائم، (وَأَضْعَفُ جُنْداً). قلت: قوله: (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً)؟ قال: يزيدهم ذلك اليوم هدى على هدى باتباعهم القائم حيث لا يجحدونه ولا ينكرونه). وعنه تأويل الآيات: 1/306، وإثبات الهداة: 3/447، والبحار: 24/332.
وفي النعماني/283، عن بشير بن أبي أراكة النبال، ولفظ الحديث على رواية ابن عقدة قال: لما قدمت المدينة انتهيت إلى منزل أبي جعفر الباقر (عليه السلام) فإذا أنا ببغلته مسرجة بالباب فجلست حيال الدار، فخرج فسلمت عليه فنزل عن البغلة وأقبل نحوي فقال: ممن الرجل؟ فقلت: من أهل العراق، قال من أيها؟ قلت: من أهل الكوفة، فقال: من صحبك في هذا الطريق؟ قلت: قوم من المحدثة، فقال: وما المحدثة؟ قلت: المُرْجِئة، فقال: ويحُ هذه المرجئة إلى من يلجؤون غداً إذا قام قائمنا؟ قلت: إنهم يقولون: لو قد كان ذلك كنا وأنتم في العدل سواء، فقال: من تاب تاب الله عليه، ومن أسرَّ نفاقاً فلا يبعد الله غيره، ومن أظهر شيئاً أهرق الله دمه. ثم قال: يذبحهم والذي نفسي بيده كما يذبح القصاب شاته، وأومأ بيده إلى حلقه. قلت: إنهم يقولون إنه إذا كان ذلك استقامت له الأمور فلا يهريق محجمة دم، فقال: كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح وأنتم العرق والعلق، وأومأ بيده إلى جبهته).
وفي الكافي: 1/432، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: سألته.. في حديث: قلت: (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً)؟ قال: يعني بذلك القائم وأنصاره). وعنه تأويل الآيات: 2/730، والبحار: 24/336.
حلية الأبرار: 2/597، محمد بن الحسن الشيباني في كشف البيان قال: روي في أخبارنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): إن هذه مخصوصة بصاحب الأمر الذي يظهر في آخر الزمان، ويبيد الجبابرة والفراعنة، ويملك الأرض شرقاً وغرباً، فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً). وعنه البرهان: 3/220.
يبدأ الإمام (عليه السلام) بقتل كذَّابي الشيعة!
رجال الكشي/299، عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لو قام قائمنا لبدأ بكذابي الشيعة فقتلهم). وإثبات الهداة: 3/561. وفي الإيضاح/208، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: لو قد قام قائمنا بدأ بالذين ينتحلون حبنا فيضرب أعناقهم). وفي النعماني/206، عن مالك بن ضمرة: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (يا مالك بن ضمرة كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا؟ وشبَّك أصابعه وأدخل بعضها في بعض. فقلت يا أمير المؤمنين ما عند ذلك من خير! قال: الخير كله عند ذلك، يا مالك عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله ورسوله فيقتلهم، ثم يجمعهم الله على أمر واحد). وعنه إثبات الهداة: 3/537، والبحار: 52/115، وبشارة الإسلام/48.
وفي غيبة الطوسي/273، عن أبي بصير: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لينصرن الله هذا الأمر بمن لا خلاق له، ولو قد جاء أمرنا لقد خرج منه من هو اليوم مقيم على عبادة الأوثان). وعنه البحار: 52/329.
أقول: يظهر أن هؤلاء أصل الفتنة والاختلاف داخل الشيعة، ولا يبعد أن يكونوا من علماء السوء المضلين والسياسيين المنحرفين!
هيبة الإمام (عليه السلام) ورعب أعدائه منه
روى النعماني/239، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: بينا الرجل على رأس القائم يأمره وينهاه إذ قال: أديروه، فيديرونه إلى قدامه فيأمر بضرب عنقه، فلا يبقى في الخافقين شيء إلا خافه). ومعناه أن عقوبة الإمام (عليه السلام) تشمل المنافقين المتسترين، الذين قد يكون
بعضهم من حاشيته فيعرفهم بالنور الذي جعله الله تعالى في قلبه، وينفذ حكم الله فيهم ومثله في/239، عن هشام بن سالم، وعنه إثبات الهداة: 3/541، والبحار: 52/355.
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): يقوم القائم بأمر جديد وقضاء جديد، على العرب شديد ليس شأنه إلا السيف ولا يستتيب أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم). (البحار: 52/354).
والأمر الجديد: هو الإسلام الذي ابتعد عنه المسلمون، فيحييه المهدي (عليه السلام) فيكون ذلك شديداً على الذين يطيعون حكامهم المعادين له، فيحاربونه (عليه السلام).
النعماني/236، عن سدير الصيرفي، عن رجل من أهل الجزيرة كان قد جعل على نفسه نذراً في جارية وجاء بها إلى مكة، قال فلقيت الحجبة فأخبرتهم بخبرها وجعلت لا أذكر لأحد منهم أمرها إلا قال جئني بها وقد وفى الله نذرك. فدخلني من ذلك وحشة شديدة، فذكرت ذلك لرجل من أصحابنا من أهل مكة فقال لي: تأخذ عني؟ فقلت: نعم، فقال: أنظر الرجل الذي يجلس بحذاء الحجر الأسود وحوله الناس وهو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) فأته فأخبره بهذا الأمر فانظر ما يقول لك فاعمل به، قال فأتيته فقلت: رحمك الله إني رجل من أهل الجزيرة ومعي جارية جعلتها عليَّ نذراً لبيت الله في يمين كانت علي، وقد أتيت بها وذكرت ذلك للحجبة وأقبلت لا ألقى منهم أحداً إلا قال جئني بها وقد وفى الله نذرك فدخلني من ذلك وحشة شديدة، فقال: يا عبد الله إن البيت لا يأكل ولا يشرب، فبع جاريتك واستقص وانظر أهل بلادك ممن حج هذا البيت فمن عجز منهم عن نفقته فأعطه حتى يقوى على العود إلى بلادهم، ففعلت ذلك ثم أقبلت لا ألقى أحداً من الحجبة إلا قال ما فعلت بالجارية؟ فأخبرتهم بالذي قال أبو جعفر (عليه السلام) فيقولون: هو كذاب جاهل لا يدري ما يقول، فذكرت مقالتهم لأبي جعفر (عليه السلام) فقال: قد بلغتني، تبُلغ عني؟ فقلت: نعم، فقال: قل لهم قال لكم أبو جعفر: كيف بكم لو قد قطعت أيديكم وأرجلكم وعلقت في الكعبة، ثم يقال لكم نادوا نحن سراق الكعبة! فلما ذهبت لأقوم قال: إنني لست أنا أفعل ذلك وإنما يفعله رجل مني). وعنه البحار: 52/349.
وفي البحار: 52/387، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يقتل القائم (عليه السلام) حتى يبلغ السوق قال: فيقول له رجل من ولد أبيه: إنك لتجفل الناس إجفال النعم، فبعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو بماذا؟ قال وليس في الناس رجل أشد منه بأساً، فيقوم إليه رجل من الموالي فيقول له: لتسكتنَّ أو لأضربنَّ عنقك! فعند ذلك يخرج القائم (عليه السلام) عهداً من رسول الله (صلى الله عليه وآله)). وعنه إثبات الهداة: 3/585. من وُلد أبيه: أي علوي النسب. إجفال النعم: تخويف الغنم. حتى يبلغ السوق: سوق المدينة، أو مكان اسمه السوق.
وفي رواية أن الذي يأمر السيد المعترض بالسكوت هو (المولى الذي يتولى البيعة) أي المسؤول عن أخذ البيعة من الناس للإمام المهدي (عليه السلام). فعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (حتى إذا بلغ الثعلبية قام إليه رجل من صلب أبيه وهو من أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ما خلا صاحب هذا الأمر، فيقول: يا هذا ما تصنع؟ فوالله إنك لتجفل الناس إجفال النعم أفبعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم بماذا؟ فيقول المولى الذي ولي البيعة: والله لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك. فيقول له القائم: أسكت يا فلان. إي والله إن معي عهداً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) هات يا فلان العَيْبة أو الزنفيلجة، فيأتيه بها فيقرؤه العهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقول: جعلني الله فداك أعطني رأسك أقبله فيعطيه رأسه فيقبل بين عينيه ثم يقول: جعلني الله فداك جدد لنا بيعة، فيجدد لهم بيعة). (البحار: 52/343). العيْبة والزنفيلجة: الصندوق الصغير. الثعلبية: مكان بالعراق من جهة الحجاز.
البصائر/78، عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) في حديث في تفسير عدة آيات إلى أن قال: وأما قوله: (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) يعني قيام القائم). وتفسير القمي: 1/200، وفيه: حتى كأنهم لم يكن لهم سلطان قط. وعنه إثبات الهداة: 3/520، والبحار: 35/371.
ذل أعداء الإمام المهدي (عليه السلام)
تفسير التبيان: 1/420، عن السدي في قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ
يُذْكَرَ فِيهَا اسمهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ): خزيهم في الدنيا أنهم إذا قام المهدي وفتحت قسطنطينية قتلهم). وخريدة العجائب/260، وملاحم ابن طاووس/143، عن الطبري عن السدي، وليس فيه: وفتح القسطنطينية. وتقدم في الخطبة المسماة بالمخزون لأمير المؤمنين (عليه السلام) عن مختصر البصائر/200، أن أعداء المهدي (عليه السلام) يفرون منه إلى الروم، وسيأتي بعضها في فصل الروم. وتقدم في بيعة أصحاب المهدي له (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ). قال: يعني الكنوز التي كنتم تكنزون. (قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ. فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ). لا يبقى منهم مخبر.. لا تبقى منهم عين تطرف). (تأويل الآيات: 1/326، وتفسير القمي: 2/68).
وفي النعماني/233، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه، مما يقتل من الناس. أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف، حتى يقول كثير من الناس ليس هذا من آل محمد ولو كان من آل محمد لرحم). ومثله عقد الدرر/227، وعنه إثبات الهداة: 3/539، والبحار: 52/354.
وفي الكافي: 8/227، عن سلام بن المستنير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يحدث: إذا قام القائم عرض الإيمان على كل ناصب، فإن دخل فيه بحقيقة وإلا ضرب عنقه أو يؤدي الجزية كما يؤديها اليوم أهل الذمة، ويشد على وسطه الهميان، ويخرجهم من الأمصار إلى السواد). وعنه إثبات الهداة: 3/450، والبحار: 52/375.
وفي مختصر البصائر/212، عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) يقول: لو قد خرج قائم آل محمد لينصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبين، يكون جبرئيل أمامه وميكائيل عن يمينه وإسرافيل عن يساره والرعب مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، والملائكة المقربون حذائه أول ما يبايعه محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي صلوات الله عليه الثاني معه سيف مخترط يفتح الله له الروم والصين والترك والديلم والسند والهند وكابل شاه والخزر. يا أبا
حمزة لا يقوم القائم إلا علي خوف شديد وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس وتشتت في دينهم وتغير من حالهم، حتى يتمنى المتمني الموت صباحا ومساء من عظم ما يرى من كلب الناس وأكل بعضهم بعضاً. وخروجه إذا خرج عند الإياس والقنوط، فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره، والويل كل الويل لمن ناواه وخالف أمره وكان من أعدائه. ثم قال: يقوم بأمر جديد وكتاب جديد وسنة جديدة وقضاء جديد، على العرب شديد، ليس شأنه إلا القتل! لا يستتيب أحداً ولا تأخذه في الله لومة لائم).
تأويل الآيات: 2/550، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قوله (عزَّ وجلَّ): (وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ): يعني إلى القائم (عجل الله فرجه)). وعنه إثبات الهداة: 3/565، والمحجة/197، والبحار: 24/229.
تأويل الآيات: 2/726، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله (عزَّ وجلَّ): (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ): قال: يعني يوم خروج القائم (عليه السلام)). والبحار: 53/120.
فرات الكوفي/194، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: (فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ، مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ): يعني: لم يكونوا من شيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ): فذلك يوم القائم وهو يوم الدين، (حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ: أيام القائم، فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ): فما تنفعهم شفاعة لمخلوق ولن يشفع فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة). وعنه البحار: 51/61.
خط بني أمية وبني العباس يستمر إلى ظهور المهدي (عليه السلام)
ينبغي الالفات إلى أن كل الأحاديث التي تذكر أن الإمام المهدي (عليه السلام) يقاتل بني أمية أو بني العباس، تقصد أتباعهم وخطهم في ظلم أهل البيت (عليهم السلام) ونصب العداوة
لهم. وتوجد قرائن عديدة معنوية ولفظية على هذا المعنى، منها ما يلي:
النعماني/302، عن علي بن أبي حمزة قال: زاملت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) بين مكة والمدينة فقال لي يوماً: يا علي لو أن أهل السماوات والأرض خرجوا على بني العباس لسقيت الأرض بدمائهم حتى يخرج السفياني، قلت له: يا سيدي أمره من المحتوم؟ قال: نعم، ثم أطرق هنيئة، ثم رفع رأسه وقال: ملك بني العباس مكر وخدع، ويذهب حتى يقال لم يبق منه شيء، ثم يتجدد حتى يقال ما مر به شيء). وعنه إثبات الهداة: 3/740، والبحار: 52/250.
والنعماني/303، عن الحسن بن الجهم قال: قلت للرضا (عليه السلام): أصلحك الله إنهم يتحدثون أن السفياني يقوم وقد ذهب سلطان بني العباس فقال: كذبوا إنه ليقوم وإن سلطانهم لقائم). وعنه البحار: 52/251، وبشارة الإسلام/156.
الإرشاد/364: (وروى عبد الله بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام القائم من آل محمد صلوات الله عليهم أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثم خمسمائة أخرى، حتى يفعل ذلك ست مرات! قلت ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟ قال: نعم منهم ومن مواليهم). وروضة الواعظين: 2/265، وإعلام الورى/431، وكشف الغمة: 3/255، والصراط المستقيم: 2/253، ملخصاً بمعناه، والبحار: 52/338، كلها عن الإرشاد. وإثبات الهداة: 3/527، عن إعلام الورى.
النعماني/235، عن بشر بن غالب الأسدي قال: قال لي الحسين بن علي (عليهما السلام): يا بشر ما بقاء قريش إذا قدم القائم المهدي منهم خمسمائة رجل فضرب أعناقهم صبراً، ثم قدم خمسمائة فضرب أعناقهم صبراً ثم خمسمائة فضرب أعناقهم صبراً؟! قال فقلت له: أصلحك الله أيبلغون ذلك؟ فقال الحسين بن علي (عليهما السلام): إن مولى القوم منهم قال: فقال لي بشير بن غالب أخو بشر بن غالب: أشهد أن الحسين بن علي (عليهما السلام) على أخي ست عدات. على اختلاف الرواية). وعنه إثبات الهداة: 3/540، أوله، والبحار: 52/349.
وفي غيبة الطوسي/116، عن عبيد الله بن شريك، في حديث له اختصرناه قال: مرَّ
الحسين (عليه السلام) على حلقة من بني أمية وهم جلوس في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)، فقال: أما والله لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله مني رجلاً يقتل منكم ألفاً ومع الألف ألفاً ومع الألف ألفاً، فقلت: جعلت فداك إن هؤلاء أولاد كذا وكذا لا يبلغون هذا! فقال: ويحك في ذلك الزمان يكون الرجل من صلبه كذا وكذا رجلاً، وإن مولى القوم من أنفسهم). وعنه إثبات الهداة: 3/505، والبحار: 51/134.
وفي النعماني/249، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: ملك بني العباس عسرٌ لا يسر فيه لو اجتمع عليهم الترك والديلم والسند والهند والبربر والطيلسان لن يزيلوه، ولا يزالون في غضارة من ملكهم حتى يشذ عنهم مواليهم وأصحاب دولتهم، ويسلط الله عليهم علجاً يخرج من حيث بدأ ملكهم، لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا ترفع له راية إلا هدها، ولا نعمة إلا أزالها. ألويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر ويدفع بظفره إلى رجل من عترتي يقول الحق ويعمل به). وعقد الدرر/47.
وفي مقاتل الطالبين/43، عن عدة رواة واللفظ لأبي عبيدة قال: أتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره وعنده رهط فقلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال: عليك السلام يا سفيان، إنزل، فنزلت فعقلت راحلتي ثم أتيته فجلست إليه فقال: كيف قلت يا سفيان؟ فقلت: السلام عليك يا مذل رقاب المؤمنين. فقال: ما جرَّ هذا منك إلينا؟ فقلت: أنت والله بأبي أنت وأمي أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة وسلمت الأمر إلى اللعين بن اللعين بن آكلة الأكباد، ومعك مائة ألف كلهم يموت دونك، وقد جمع الله لك أمر الناس! فقال: يا سفيان، إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به، وإني سمعت علياً (عليه السلام) يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا تذهب الليالي والأيام حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم ضخم البلعوم يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر ولا في الأرض ناصر، وإنه لمعاوية، وإني عرفت أن الله بالغ أمره.
ثم أذن المؤذن فقمنا على حالب يحلب ناقة فتناول الإناء فشرب قائماً ثم سقاني،
فخرجنا نمشي إلى المسجد فقال لي: ما جاءنا بك يا سفيان؟ قلت: حبكم والذي بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) بالهدى ودين الحق، قال: فأبشر يا سفيان فإني سمعت علياً يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يرد عليَّ الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي كهاتين يعني السبابتين، ولو شئت لقلت هاتين يعني السبابة والوسطى إحداهما تفضل على الأخرى. أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البر والفاجر حتى يبعث الله إمام الحق من آل محمد (صلى الله عليه وآله). هذا لفظ أبي عبيد وفي حديث محمد بن الحسين وعلي بن العباس بعض هذا الكلام موقوفاً عن الحسن غير مرفوع إلى النبي (صلى الله عليه وآله) إلا في ذكر معاوية فقط). وشرح النهج: 16/44، وابن طاووس/109، ملخصاً، والبحار: 44/59.
يقيم الإمام (عليه السلام) حدَّ الله تعالى على كثير من المنافقين
التهذيب: 6/172، عن أبي حمزة: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لن تبقى إلا وفيها منا عالم يعرف الحق من الباطل قال: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية، وأيم الله لو دعيتم لتنصرونا لقلتم لا نفعل إنما نتقي ولكانت التقية أحب إليكم من آبائكم وأمهاتكم. ولو قد قام القائم (عليه السلام) ما احتاج إلى مساءلتكم عن ذلك ولأقام في كثير منكم من أهل النفاق حد الله). وعنه وسائل الشيعة: 11/483.
أقول: معنى أنه يقيم الحد في كثير من المنافقين: أنه يترك بعض المنافقين! فلا وجه لما يتصوره البعض من أنه (عليه السلام) يقيم الحد على كل عاص!
* * *
الفصل الثالث والعشرون: الإيرانيون في عصر الظهور
كثرة الأحاديث السُّنِّية في مدح الإيرانيين
من الأمور الملفتة أن مصادر المذاهب السنية مليئة بالأحاديث النبوية في مدح الفرس، حتى أنك تستطيع أن تؤلف كتاباً في الأحاديث الصحيحة من مصادر السنة في مناقب الإيرانيين وتفضيلهم على العرب! بينما تراها في مصادرنا قليلة! وسببها أن الفرس كانوا مع السلطة القوة عسكرية والفكرية البارزة، وهم الذين أسسوا المذاهب في مقابل مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، ودونوا مصادر المذاهب!
* * *
ومن أشهر أحاديث مدح الفرس في مصادرهم، حديث: (الغنم السود والبيض): الذي رواه الحافظ أبو نعيم في الأصفهاني في كتابه ذكر أصبهان، بعدة طرق عن أبي هريرة، والنعمان بن بشير، ومطعم بن جبير، وأبي بكر، وابن أبي ليلى، وحذيفة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) واللفظ لحذيفة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني رأيت الليلة كأن غنماً سوداً تتبعني ثم أردفها غنم بيض، حتى لم أرَ السود فيها! فقال أبو بكر: هذه الغنم السود العرب تتبعك، وهذه الغنم البيض هي العجم تتبعك فتكثر حتى لا ترى العرب فيها! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) هكذا عَبَّرها الملَك).
* * *
وحديث: (لأنا أوثق بهم منكم): الذي رواه أبو نعيم في المصدر المذكور/12 عن أبي هريرة قال: ذكرت الموالي أو الأعاجم عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: والله لأنا أوثق بهم منكم أو من بعضكم)! وقوله: (أو من بعضكم) إضافة من الراوي لحفظ ماء وجه العرب!
* * *
وحديث: (لو كان العلم والإيمان في الثريا) رواه عبد الرزاق: 11/66، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو كان الدين عند الثريا لذهب إليه رجل أو قال رجال من أبناء فارس حتى يتناولوه). ونحوه ابن شيبة: 12/206، ومثله أحمد: 2/296 و308.
وفي مسند أحمد/417، عن أبي هريرة قال: كنا جلوساً عند النبي (صلى الله عليه وآله) إذ نزلت عليه سورة الجمعة، فلما قرأ: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ)، قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه (صلى الله عليه وآله) حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثاً، وفينا سلمان الفارسي قال: فوضع النبي (صلى الله عليه وآله) يده على سلمان وقال: لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء). وفي/420، و422، و469، بأسانيد عن أبي هريرة. وبخاري: 6/188، كرواية أحمد الثالثة بسندين عن أبي هريرة. ومسلم: 4/1972، كرواية عبد الرزاق، بتفاوت يسير، وكرواية أحمد الثالثة، والترمذي: 5/384، عن أبي هريرة، وفيه: قال ناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكر الله إن تولينا استبدلوا بنا ثم لم يكونوا أمثالنا؟ قال وكان سلمان بجنب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخذ سلمان وقال هذا وأصحابه، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس). وفي/413، و725.. إلى آخر المصادر التي تبلغ عدة صفحات!!
* * *
وحديث: (ليصيرن أسداً لا يفرون). رواه عبد الرزاق: 11/385، عن الحسن البصري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لتملأن أيديكم من العجم، ثم ليصيرن أسداً لا يفرون، ثم ليضربن أعناقكم وليأكلن فيئكم). والعجم: اسم لكل الشعوب غير العرب لكن يغلب إطلاقه على الفرس، والمعنى أنكم سوف تأسرون منهم كثيراً وتستعبدونهم، ثم يتحولون إلى فرسان ضدكم. وأحمد: 5/11 و17 و21، والروياني/112 و154، والطبراني الكبير: 7/268، كرواية أحمد الأولى، والحاكم: 4/512، بنحو رواية أحمد الثالثة. وكذا حلية الأولياء: 3/24.. الخ.
* * *
وحديث: (يساقون إلى الجنة)، رواه أحمد: 5/338، عن سهل بن سعد الساعدي
قال: كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله) بالخندق، فأخذ الكِرْزِين فحفر به فصادف حجراً فضحك، قيل: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ضحكت من ناس يؤتى بهم من قبل المشرق في النكول يساقون إلى الجنة). والروياني/202، والطبراني الكبير: 6/157، كأحمد، ومجمع الزوائد: 5/333، ووثقه، والجامع الصغير: 2/123، وجمع الجوامع: 1/565، الخ. والنكول والأنكال: جمع نِكل بكسر النون: القيود، والحديث بشارة بفتح فارس وهزيمة كسرى ودخول الأسرى الفرس في الإسلام.
* * *
وحديثهم (أن الفرس عصبة بني هاشم). عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذكرت عنده فارس: فارس عصبتنا أهل البيت). انتهى.
وأهل البيت في هذا الحديث لابد أن يكونوا بالمعنى اللغوي، ويقصد بهم ابن عباس أو الراوي: العباسيين، لأن ثورة العباسيين قامت بجهود الفرس وقيادتهم. أما أهل البيت (عليهم السلام) في مذهبنا فهم مصطلح نبوي حددهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث الكساء المتواتر وبلغ الأمة ولايتهم فقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي) وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين خاتمهم المهدي (عليهم السلام).
* * *
وحديث الضياطرة.. رواه في شرح النهج: 20/284، قال: جاء الأشعث إليه(إلى علي (عليه السلام)) فجعل يتخطى الرقاب حتى قَرُب منه، ثم قال له: يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحَمْراء على قربك، يعني العجم، فركض المنبر برجله حتى قال صعصعة بن صوحان: ما لنا وللأشعث! ليقولن أمير المؤمنين اليوم في العرب قولاً لايزال يذكر. فقال (عليه السلام): من عذيري من هؤلاء الضياطرة، يتمرغ أحدهم على فراشه تمرغ الحمار، ويهجر قوما للذكر! أفتأمرني أن أطردهم؟! ما كنت لأطردهم فأكون من الجاهلين. أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ليضربنكم على الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءاً). انتهى.
* * *
والذي يخص موضوعنا دور الفرس في عصر الظهور وحركة الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد وردت فيه أحاديث في مصادر الطرفين بتسعة عناوين: قوم سلمان. أهل المشرق. أهل خراسان. أصحاب الرايات السود. الفرس. أهل قم. أهل الطالقان.
والمقصود فيها جميعاً الإيرانيون، إلا بقرينة.
الإيرانيون أول ثلاث فئات ممهدة للمهدي (عليه السلام)
تتفق مصادر الحديث كافة على ظهور حركة تمهد للمهدي (عليه السلام) من أهل المشرق، أصحاب الرايات السود، وأنهم أبكر الممهدين لدولته الموطئين لسلطانه (عليه السلام)، وتضيف مصادرنا ممهدين آخرين لدولة المهدي (عليه السلام) هم اليمانيون وحركة أو حركات أخرى ثائرة على اليهود تقوم قبل ظهوره (عليه السلام) كما في تفسير قوله تعالى: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)، وأنهم قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم فلا يدعون وتراً لآل محمد (صلى الله عليه وآله) إلا قتلوه). (الكافي: 8/206) ففي العياشي: 2/281: عن صالح بن سهل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: (وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ): قتل علي وطعن الحسن. (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا): قتل الحسين. (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا): إذا جاء نصر دم الحسين. (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ): قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم لا يدعون وتراً لآل محمد إلا حرقوه. (وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً): قبل قيام القائم. (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا): خروج الحسين في الكرة في سبعين رجلاً من أصحابه الذين قتلوا معه عليهم البيض المذهب لكل بيضة وجهان، يؤدون إلى الناس أن الحسين قد خرج في أصحابه حتى لا يشك فيه المؤمنون وأنه ليس بدجال ولا شيطان، الإمام الذي بين أظهر الناس يومئذ. فإذا استقر عند المؤمن أنه الحسين لا يشكون فيه، وبلغ عن الحسين الحجة القائم بين أظهر الناس، وصدقه المؤمنون بذلك، جاء الحجة الموت فيكون الذي يلي غسله، وكفنه وحنوطه وإيلاجه في حفرته الحسين، ولا يلي الوصي إلا الوصي، وزاد إبراهيم في حديثه: ثم يملكهم الحسين حتى يقع حاجباه على عينيه). ومثله الكافي: 8/206، عن عبد الله بن القاسم البطل، وكامل الزيارات/62 و64، أوله بسند آخر، ومختصر البصائر/48، وتأويل الآيات: 1/277، والإيقاظ/309، كلها عن الكافي. وإثبات الهداة: 3/552، بعضه عن العياشي. والبحار: 45/297، عن كامل الزيارات.
وفي: 51/56، عن العياشي، وفي: 53/93، عن الكافي.
* * *
وحديث أبان بن تغلب عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل المشرق وأهل المغرب، أتدري لم ذاك؟ قلت: لا، قال: للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه). النعماني/298 عن أبان بن تغلب، وفي/299، عن منصور بن حازم، وفيه: قلت له: مم ذلك؟ قال: مما يلقون من بني هاشم). وعنه البحار: 52/363. فهو يدل على أن أهل بيته (عليه السلام) من بني هاشم وأتباعهم تكون لهم حركة قبله. وقد نقل صاحب كتاب يوم الخلاص الحديث القائل: (يأتي ولله سيف مخترط) وذكر له خمسة مصادر لم نجده فيها، وإنما الموجود (ومعه سيف مخترط)! وفي كتابه موارد مشابهة!
فأحاديث التمهيد إذن ثلاث مجموعات: أحاديث دولة أصحاب الرايات السود المتفق عليها عند الفريقين. وأحاديث دولة اليماني الواردة في مصادرنا خاصة. والأحاديث الدالة على ظهور ممهدين قبل ظهوره (عليه السلام) بدون تحديدهم، وتنطبق على من يقاتل اليهود لأنها في تفسير قوله تعالى: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا).
وقد حددت الأحاديث الشريفة زمان قيام دولة اليمانيين الممهدين بأنه في سنة ظهور المهدي (عليه السلام) مقارنٌ لخروج السفياني المعادي للمهدي (عليه السلام) في بلاد الشام.
أما دولة الممهدين الإيرانيين فهي قبل ذلك، فهم أبكر الممهدين للإمام (عليه السلام)، لكن قيامهم لنصرته يكون في سنة الظهور. والمرجح أن بداية حركتهم تكون على يد رجل من قم، فعن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: (رجل من قم يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح العواصف لا يملون من الحرب ولا يجبنون وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقين). (البحار: 57/215). ولم تذكر الرواية متى يكون هذا الرجل المبشر به ولا مناسبة كلام الإمام (عليه السلام)، والرواية مرسلة وعنصر القوة فيها أنها من كتاب تاريخ قم للأشعري الذي ألفه سنة378 هجرية.
ويفهم من حديث الإمام الباقر (عليه السلام) الصحيح عن حركة أهل المشرق، أن حركة الإيرانيين تمرُّ بخمس مراحل، آخرها قيامهم لنصرة الإمام (عليه السلام) في سنة ظهوره.
وتذكر أحاديث الطرفين ظهور شخصيتين فيهم هما: الخراساني، وقائد قواته شعيب بن صالح أو صالح بن شعيب، ولا تحدد مصادرنا الفاصل بين ظهورهما وظهور الإمام (عليه السلام)، بينما تذكر مصادر السنة أنهما قبل ظهوره (عليه السلام) بست سنوات، ففي فتن ابن حماد: 1/278 و310، عن محمد بن الحنفية رحمه الله قال: تخرج راية سوداء لبني العباس، ثم تخرج من خراسان سوداء أخرى قلانسهم سود وثيابهم بيض، على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح أو صالح بن شعيب من بني تميم، يهزمون أصحاب السفياني حتى تنزل ببيت المقدس توطئ للمهدي سلطانه يمد إليه ثلاث مائة من الشام، يكون بين خروجه وبين أن يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً).
وفي/310، بنفس السند، ونصه: بين خروج الراية السوداء من خراسان وشعيب بن صالح وخروج المهدي، وبين أن يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً. وملاحم ابن المنادي/47، كرواية ابن حماد الثانية، وسنن الداني/98، عن محمد بن الحنفية كابن حماد مختصراً. وعقد الدرر/126، عن الداني. والحاوي: 2/67 68، والفتاوى الحديثية/31، كلاهما عن ابن حماد، وفرائد فوائد الفكر/124، عن محمد بن الحنفية، بنحو رواية ابن حماد الأولى. والقول المختصر/34، وفيه: تخرج رايات سود من خراسان وتأتي صحبة المهدي إلى بيت المقدس).
وفي/73، عن محمد بن الحنفية أبي القاسم أنه قال: بين خروج الراية السوداء من خراسان وشعيب بن صالح وخروج المهدي وبين أن الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً. وفي/88، بنحو رواية ابن حماد الأولى مختصراً. وفي المسند الجامع: 18/389، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب بإلياء). وفي السنن في الفتن: 5//1055، عن محمد بن الحنفية، بنحو رواية ابن حماد الأولى مختصراً. وملاحم ابن طاووس/49، عن روايتي ابن حماد.
وفي غيبة النعماني/253، عن ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قبل هذا الأمر السفياني واليماني والمرواني وشعيب بن صالح فكيف يقول هذا هذا؟). وعنه إثبات الهداة: 3/735، والبحار: 52/233.
وتدل روايات مصادرنا الصحيحة على أن حركة الخراساني وشعيب اللذين يسلمان الراية للإمام (عليه السلام) تكون مقارنة لظهور اليماني والسفياني، كرواية النعماني/253،
عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليهما السلام) من حديث طويل ذكر فيه عدداً من الأحداث والعلامات، جاء فيه: (خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم). ومثله الإرشاد/360، ونحوه إثبات الرجعة/17، ومثله إعلام الورى/429، وغيبة الطوسي/271، وعنه الخرائج: 3/1163، وإثبات الهداة: 3/728، والبحار: 52/210. وقد تقدم أن معنى خروج الثلاثة كنظام الخرز مع أنه في يوم واحد: أن أحداث خروجهم قد تكون متفرعة عن حدث واحد.
حديث أن أمر المهدي (عليه السلام) يبدأ من إيران
رواه الفريقان ونص على أن بداية أمر المهدي (عليه السلام) تكون من المشرق، ففي مختصر النعماني/304، عن الحارث الهمداني، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (المهدي أقبل جعد بخده خال، يكون مبدؤه من قبل المشرق، وإذا كان ذلك خرج السفياني فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر، يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام إلا طوائف من المقيمين على الحق يعصمهم الله من الخروج معه). وعنه البحار: 52/252.
وإنما فسرنا (مبدؤه من قبل المشرق) بأنه مبدأ أمره، لأن ظهوره (عليه السلام) من مكة قطعي، فلا بد أن يكون معناه مبدأ أمره وحركة أنصاره من جهة المشرق. وقد تصور الوهابيون أن المهدي نفسه (عليه السلام) يأتي من المشرق، فادعوا المهدية لنجدي من غير بني هاشم وأخذوه إلى مفتيهم ابن باز فأعجبه، ثم أخذوه إلى أفغانستان والشيشان، ليأتي من المشرق وينطبق عليه الحديث!
ويدل حديث الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً على أن هذه البداية تكون قبل خروج السفياني وتشير إلى أنه يكون بينها وبين السفياني مدة ليست قصيرة ولا طويلة كثيراً، حيث عطفت خروج السفياني عليها بالواو وليس الفاء أو ثُم: (وإذا كان ذلك خرج السفياني). بل تشير أيضاً إلى علاقة سببية بين بداية التمهيد له (عليه السلام) من إيران وبين خروج السفياني، وكأن حركة السفياني ردة فعل على هذا المد الممهد للمهدي (عليه السلام).
حديث أصحاب الرايات السود وأهل المشرق
روته مصادر السنة كثيراً ومصادرنا، ويعرف بحديث الرايات السود، وحديث أهل المشرق، وحديث ما يلقى أهل بيته (صلى الله عليه وآله) بعده. رووه عن ابن مسعود وغيره من الصحابة بفروق في بعض ألفاظه، ونص عدد من علمائهم على صحته.
ومن أقدم من رواه ابن حماد: 1/310، عن عبد الله بن مسعود قال: بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ جاء فتية من بني هاشم فتغير لونه! قلنا: يا رسول الله ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه، فقال: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي هؤلاء سيلقون بعدي بلاء وتطريداً وتشريداً حتى يأتي قوم من ها هنا من نحو المشرق أصحاب رايات سود يسألون الحق فلا يعطونه، مرتين أو ثلاثاً، فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلوه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها عدلاً كما ملؤوها ظلماً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج، فإنه المهدي). وابن أبي شيبة: 15/235، بنحوه. وابن ماجة: 2/1366، ومسند الصحابة لابن كليب/41، وفيه: بينا نحن عند رسول الله إذ قال: يجيء قوم من ها هنا وأشار بيده نحو المشرق أصحاب رايات سود يسألون الحق.. وملاحم ابن المنادي/44، والحاكم: 4/464، وفيه: أتينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج إلينا مستبشراً يعرف السرور في وجهه، فما سألناه عن شيء إلا أخبرنا به ولا سكتنا إلا ابتدأنا، حتى مرت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين، فلما رآهم التزمهم وانهملت عيناه، فقلنا: ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه، قال: إنا أهل بيت اختار لنا الله الآخرة على الدنيا، وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتى ترتفع رايات سود من المشرق فيسألون الحق فلا يعطونه ثم يسألونه فلا يعطونه ثم يسألونه فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون. فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبواً على الثلج، فإنها رايات هدى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، فيملك الأرض فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً). والبزار: 4/310، و354،
والداني/92، كابن شيبة بتفاوت يسير، ونحوه جامع السيوطي: 3/101، وزوائد ابن ماجة/527، والمعجم الأوسط: 6/327، والسنن في الفتن: 5/1029، بروايتين، وفيه: بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ قال: يجيء قوم من هاهنا وأشار بيده نحو المشرق أصحاب رايات سود يسألون الحق فلا يعطونه، مرتين أو ثلاثاً، فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها عدلاً كما ملؤوها ظلماً. فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج).
ورواه من مصادرنا: دلائل الإمامة/233 و235، بعدة روايات عن ابن مسعود، كابن حماد بتفاوت يسير، وفيه: ولا يزالون كذلك حتى يأتي.. فمن أدركه فليأته. ومناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان: 2/110، بنحوه عن ابن مسعود، وملاحم ابن طاووس/52، عن ابن حماد، وفي/161، عن فتن زكريا، وكشف الغمة: 3/262، عن أربعين أبي نعيم. وفي/268، عن البيان للشافعي. والعدد القوية/90، كرواية دلائل الإمامة الثانية بتفاوت يسير، والثالثة، وإثبات الهداة: 3/595، عن كشف الغمة، والبحار: 51/82، عن كشف الغمة، و: 51/83، عن أربعين الحافظ أبي نعيم،.. الخ.
لكن أدق نصوصه حديث الإمام الباقر (عليه السلام) الذي رواه النعماني/273، عن أبي خالد الكابلي، عنه (عليه السلام) قال: كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا، ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم. قتلاهم شهداء. أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر). وعنه البحار: 52/243.
ويستفاد منه أمور: الأول: أنه متواتر بالمعنى، لأنه روي عن صحابة متعددين بطرق متعددة يعلم منها أن هذا المضمون صدر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنه أخبر عن مظلومية أهل بيته (عليهم السلام) من بعده، وأن ظلامتهم ستستمر حتى يكون يأتي قوم من المشرق يمهدون لدولة مهديهم (عليهم السلام) الذي يظهر بعد قيام دولة هؤلاء بفترة، فيسلمونه رايتهم ويظهر الله به الإسلام على العالم، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
الثاني: أن المقصود بقوم من المشرق وأصحاب الرايات السود: الإيرانيون، وهو أمر متسالمٌ عليه عند جيل الصحابة الذين رووا الحديث، وجيل التابعين الذين تلقوه منهم، وأجيال من بعدهم عبر العصور، حيث لم يذكر أحد منهم حتى بنحو الشذوذ
أن المقصود بهؤلاء القوم وبهذه الرايات أهل تركيا الفعلية مثلاً، أو أفغانستان، أو الهند، أو غيرها من البلاد! بل نص عدد من أئمة الحديث والمؤلفين على أنهم الإيرانيون. بل ورد تسميتهم باسم الخراسانيين في عدة صيغ أو فقرات رويت من الحديث وعرف بحديث رايات خراسان. وعليه، فإن تفسير الوهابيين لرايات المشرق بأهل أفغانستان والطالبان والشيشان شذوذٌ عن فهم كل المسلمين!
الثالث: أن حركتهم تواجه عداء من العالم وحرباً، وتكون في أولها خروجاً على حاكمهم، ثم تكون قرب ظهور المهدي (عليه السلام) قياماً لنصرته وتسليم راية بلدهم له.
الرابع: يدل قول الإمام الباقر (عليه السلام) (فيعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا، ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم) على أنه سيكون بينهم خلاف في سنة الظهور في تسليم راية بلدهم إلى الإمام المهدي (عليه السلام) وأن أنصاره ينتصرون على من خالفهم، ويتجهون إلى الحدود الإيرانية، نحو الإمام المهدي (عليه السلام) الذي ظهر في الحجاز ويستعدون لنصرته وتنفيذ أمره. ففي غيبة الطوسي/274: إذا خرجت الرايات السود إلى السفياني التي فيها شعيب بن صالح تمنى الناس المهدي فيطلبونه، فيخرج من مكة ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيصلي ركعتين بعد أن ييأس الناس من خروجه لما طال عليهم من البلايا، فإذا فرغ من صلاته انصرف فقال: يا أيها الناس ألحَّ البلاء بأمة محمد وبأهل بيته خاصة، فهو باغ بغى علينا).
الخامس: أن حديث الرايات السود من أخبار المغيبات الدالة على نبوته (صلى الله عليه وآله) حيث تحقق ما أخبر به (صلى الله عليه وآله) من ظلامة أهل بيته (عليهم السلام) واضطهادهم وتشريدهم في البلاد قروناً طويلة، حتى وصلوا إلى أربع جهات العالم، فلا نجد أسرة في العالم جرى عليهم من الاضطهاد والتشريد والتطريد كأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وذرياتهم وشيعتهم.
كما أنه تحقق ما أخبر به النبي (صلى الله عليه وآله) من حركة أتباعهم أهل المشرق.
السادس: وصف حديث الإمام الباقر (عليه السلام) حركتهم وصفاً دقيقاً، فقال (عليه السلام): (كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق) يدل على أنه حدثٌ من وعد الله المقدر المحتوم وهو
ما يعبر عنه النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) بـ (كأني بالشيء الفلاني، أو الأمر الفلاني) ويعني حتميته ووضوحه عندهم ويقينهم به حتى كأنهم يرونه (عليهم السلام). بل يدل على رؤيتهم له بالبصيرة التي خصهم الله بها المتناسبة مع مقام النبي (صلى الله عليه وآله) ومقام أهل بيته (عليهم السلام). كما يدل على مراحل حركة الإيرانيين هذه من بدايتها إلى عصر الظهور، وانتهائها بالقيام لله تعالى لنصرة المهدي (عليه السلام)!
وأخيراً، يدل قول الإمام الباقر (عليه السلام): (أما إني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر). (البحار: 52/243) على أن المدة بين قيام دولة أهل المشرق وبين ظهوره (عليه السلام) لا يزيد عن عمر إنسان.
أحاديث نظن أنها أجزاءٌ من حديث الرايات السود
يظهر أن الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجة وغيرهم: (يخرج ناس من المشرق يوطؤون للمهدي سلطانه) جزءٌ منه، وكذلك ما رواه ابن حماد: 1/313، عن الحسن البصري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ذكر بلاء يلقاه أهل بيته حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء من نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله حتى يأتوا رجلاً اسمه كاسمي فيولونه أمرهم فيؤيده الله وينصره). وعنه عقد الدرر/130، وابن طاووس/54، والحاوي: 2/68.
كما يحتمل أن يكون جزءً منه ما رواه الطبراني في الكبير: 4/229، عن خالد بن عرفطة أنه قال يوم قتل الحسين (عليه السلام): هذا ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنكم ستبتلون في أهل بيتي من بعدي). وعنه كشف الهيثمي: 3/233، وكنز العمال: 11/124. وفي مجمع الزوائد: 9/194: رواه الطبراني والبزار ورجال الطبراني رجال الصحيح غير عمارة، وعمارة وثقه ابن حبان.
كما يحتمل أن يكون الأحاديث الأربعة التالية جزء منه أيضاً، وهي:
1 - حديث: يخرج ناس من المشرق يوطئون للمهدي (عليه السلام)، رواه ابن ماجة: 2/1368 عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج ناس من المشرق، فيوطئون للمهدي). ومعنى وطأ له الأمر: جهزه وهيأه. ومثله
الطبراني في الأوسط: 1/200، بتفاوت يسير. وعنه بيان الشافعي/490، وقال: هذا حديث حسن صحيح روته الثقاة والإثبات، وعقد الدرر/125، وتذكرة القرطبي/699، وفرائد السمطين: 2/333، وخريدة العجائب/257، وتحفة الأشراف: 4/307، والمنار المنيف/145، وفتن ابن كثير: 1/41 والحافظ المغربي/555، وقال: الحديث صحيح، ومحمد بن مروان ثقة ما نقله الطاعن(ابن خلدون) عن يحيى بن معين وأبي داود وابن حبان على اختلاف عبارتهم وتنوعها في توثيقه. وقول أبي زرعة غير مقبول، إذ لم يبين سببه مع ثبوت العدالة التوثيق له من غيره، بل ممن هو أشد منه في الرجال وهو يحيى بن معين، وكذا ترك عبد الله بن أحمد الرواية عنه، وأما قول البزار لا نعلم أنه تابعه عليه أحد فإن كان مراده المتابعة التامة عن شيخه فيمكن، وإن كان مراده مطلق المتابعة فغير مسلم ما ادعاه فقد توبع على ذلك.. إلى آخر كلامه والمصادر.
2 - حديث رايات خراسان إلى القدس، روته عدد من مصادرهم كالترمذي: 3/362، وأحمد في مسنده، وابن كثير في نهايته، والبيهقي في دلائله، وغيرهم. وصححه ابن الصديق المغربي في رسالته في الرد على ابن خلدون، ونصه: تخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء. وشبيهٌ به مصادرنا كابن طاووس/43 و58، ويحتمل أن يكون جزء من الحديث المتقدم لأنه يتحدث عن حركة عسكرية وجيش يزحف من إيران نحو القدس التي تسمى إيلياء وبيت إيل، وهي حركة الإمام المهدي (عليه السلام). قال في مجمع البحرين: (إيل بالكسر فالسكون: اسم من اسمائه تعالى عبراني أو سرياني. وقولهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بمنزلة عبد الله وتيم الله ونحوهما. وإيل: هو البيت المقدس وقيل بيت الله لأن إيل بالعبرانية الله). وقال في شرح القاموس: (إيلياء: بالكسر يمد ويقصر، ويشدد فيهما).
وفي حديث رايات إيلياء بشارة بوصول الرايات السود إلى هدفها، رغم العقبات التي تعترض طريقها، ولم تذكر الرواية زمنها، لكن قائدها صالح بن شعيب الموعود هو قائد جيش المهدي (عليه السلام) في حملته لتحرير الشام والقدس.
4 - وحديث كنوز الطالقان. روته مصادر السنة عن علي (عليه السلام) كالحاوي للسيوطي: 2/82، وكنز العمال: 7/262، قال: (ويحاً للطالقان، فإن الله (عزَّ وجلَّ) بها كنوزاً
ليست من ذهب ولا فضة، ولكنَّ بها رجالاً عرفوا الله حق معرفته، وهم أنصار المهدي آخر الزمان). وفي رواية ينابيع المودة/449: بخٍ بخ للطالقان).
وروته مصادرنا الشيعية بلفظ آخر كما في البحار: 52/307، عن كتاب سرور أهل الإيمان لعلي بن عبد الحميد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (له كنز بالطالقان ما هو بذهب ولا فضة وراية لم تنشر مذ طويت، ورجال كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات الله، أشد من الجمر لو حملوا على الجبال لأزالوها! لا يقصدون براياتهم بلدة إلا خربوها، كأن على خيولهم العقبان، يتمسحون بسرج الإمام يطلبون بذلك البركة ويحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم! رهبان بالليل، ليوث بالنهار. هم أطوع من الأمة لسيدها، كالمصابيح كأن في قلوبهم القناديل وهم من خشيته مشفقون، يدعون بالشهادة ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله. شعارهم يا لثارات الحسين، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى أرسالاً، بهم ينصر الله إمام الحق). انتهى.
أقول: حتى لو كان الراوي وصف هؤلاء الأنصار من محيط عصره، فالرواية تدل على أنهم جنود مميزون بإيمانهم وشجاعتهم. وقد كنت أتصور أن المقصود بالطالقان في هذه الأحاديث المنطقة الواقعة في سلسلة جبال آلبرز، على نحو مئة كلم شمال غرب طهران. وهي منطقة مؤلفة من عدة قرى تعرف باسم (الطالقان) ليس فيها مدينة ويعرف أهلها بالتقوى وقراءة القرآن وتعليمه من قديم. لكن بعد التأمل ترجح عندي أن المقصود بأهل الطالقان أهل إيران لاخصوص منطقة الطالقان، وأن الأئمة (عليهم السلام) سموهم أهل الطالقان، لأن بلادهم كانت تسمى جبال الطالقان وخراسان والمشرق.
4 - حديث سيصيب ولد عبد المطلب بلاء شديد، رواه فرات في تفسيره: 164 عن أنس: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتى ذات يوم ويده في يد علي بن أبي طالب ولقيه رجل إذ قال له: يا فلان لا تسبوا علياً فإنه من سبه فقد سبني ومن سبني فقد سب الله
إنه والله يا فلان لا يؤمن بما يكون من علي في آخر الزمان إلا ملك مقرب أو عبد قد امتحن الله قلبه للإيمان! يا فلان إنه سيصيب ولد عبد المطلب بلاء شديد وإثرةٌ وقتل وتشريد، فالله الله يا فلان في أصحابي وذريتي وذمتي فإن لله يوماً ينتصف فيه للمظلوم من الظالم). والبحار: 28/78.
الخراساني قائد إيران وشعيب قائد جيشها
ذكرت الأحاديث أن هاتين الشخصيتين يشاركان في حركة ظهور الإمام المهدي (عليه السلام). ولا يوجد نص في أن الإيرانيين يرسلون قوة لمساعدته (عليه السلام) في الحجاز، لكنهم يدخلون العراق لتسليمه راية بلادهم ويبايعونه، والظاهر أن ذلك يكون بعد دخول الإمام (عليه السلام) إلى العراق: (تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة، فإذا ظهر المهدي بعثت إليه بالبيعة). رواه ابن حماد: 1/313، عن أبي جعفر (عليه السلام)، وعنه عقد الدرر/129، والحاوي: 2/69، والخرائج: 3/1158، وملاحم ابن طاووس/55، ونحوه غيبة الطوسي/274، عن ابن حماد، وعنه إثبات الهداة: 3/729، والبحار: 52/217.
وتذكر بعض الروايات أن قواتهم تدخل العراق قبل ذلك لرد هجمة السفياني: ابن حماد: 1/314، عن عمار بن ياسر قال: إذا بلغ السفياني الكوفة وقتل أعوان آل محمد خرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح). وعنه ملاحم ابن طاووس/53، والحاوي: 2/68، والقول المختصر/7، وفيه: صاحب رايته الفتى التميمي الذي يقبل من المشرق.
وفي ابن حماد/84، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (يخرج شاب من بني هاشم بكفه اليمنى خال من خراسان برايات سود، بين يديه شعيب بن صالح، يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم). وعنه عقد الدرر/128، والحاوي: 2/68، وملاحم ابن طاووس/53.
وفي ابن حماد: 1/372، عن عبد الله بن عمر قال: يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق، لو استقبلته الجبال لهدمها واتخذ فيها طرقاً). ومثله وعنه تلخيص المتشابه: 1/407، وبيان الشافعي/513، وعقد الدرر/127، والقول المختصر/15، وملاحم ابن طاووس/85، والصراط المستقيم: 2/224، وإثبات الهداة: 3/614، عن الصراط المستقيم.
وفي ابن حماد: 1/314، عن علي قال: تخرج رايات سود تقاتل السفياني، فيهم
شاب من بني هاشم، في كتفه اليسرى خال، وعلى مقدمته رجل من بني تميم، يدعى شعيب بن صالح، فيهزم أصحابه). وعنه الحاوي: 2/69، وجمع الجوامع: 2/103.
وفي ابن حماد/84، عن الحسن البصري قال: يخرج بالري رجل ربعة اسمر مولى لبني تميم كوسج يقال له شعيب بن صالح، في أربعة آلاف ثيابهم بيض وراياتهم سود يكون على مقدمة المهدي لا يلقاه أحد إلا فله). ربعة: مربوع القامة. كوسج: أكوس اللحية. فلَّه: ضربه وهزمه. وعنه عقد الدرر/130، والحاوي: 2/68، والفتاوى الحديثية/30.
وفي ابن حماد/85، عن سفيان الكعبي قال: يخرج على لواء المهدي غلام حدث السن خفيف اللحية، أصفر، لو قاتل الجبال لهزها حتى ينزل إيليا). وعنه الحاوي: 2/68، والقول المختصر/22، وفوائد الفكر/18. والمعجم الأوسط: 4/323، عن أبي هريرة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء). والأحوذي: 9/123
وفي مجمع الزوائد: 7/317، عن ابن عمر قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالساً في نفر من المهاجرين والأنصار وعلي بن أبي طالب عن يساره والعباس عن يمينه، إذ تلاحى العباس ورجل من الأنصار فأغلظ الأنصاري للعباسي، فأخذ النبي بيد العباس ويد علي فقال: سيخرج من صلب هذا فتى يملأ الأرض جوراً وظلماً، وسيخرج من هذا فتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التميمي فإنه يقبل من قبل المشرق، وهو صاحب راية المهدي). والمعجم الأوسط: 5/79، وجامع الأحاديث للسيوطي: 8/759، والحاوي: 2/62، والفتاوى الحديثية/27، والمغربي/559.
ابن حماد/86، عن أبي جعفر قال: (يبث السفياني جنوده في الآفاق بعد دخوله الكوفة وبغداد فيبلغه فزعة من راء النهر من أهل خراسان فيقتل أهل المشرق عليهم قتلا ويذهب جهم. فإذا بلغه ذلك بعث جيشا عظيما إلى إصطخر عليهم رجل من بني أمية، فتكون لهم وقعة بقومش، ووقعة بدولات الري، ووقعة بتخوم زرع، فعند ذلك يأمر السفياني بقتل أهل الكوفة وأهل المدينة، وعند ذلك تقبل الرايات السود من خراسان على جميع الناس شاب من بني هاشم بكفه اليمنى خال، يسهل الله أمره
وطريقه، ثم تكون له وقعة بتخوم خراسان، ويسير الهاشمي في طريق الري فيسرح رجلاً من بني تميم من الموالي يقال له شعيب بن صالح إلى إصطخر إلى الأموي، فيلتقي هو والمهدي والهاشمي ببيضاء إصطخر، فتكون بينهما ملحمة عظيمة حتى تطأ الخيل الدماء إلى أرصاغها ثم تأتيه جنود من سجستان عظيمة عليهم رجل من بني عدي فيظهر الله أنصاره وجنوده. ثم تكون وقعة بالمدائن بعد وقعتي الري، وفي عاقر قوفا وقعة صيلمية يخبر عنها كل ناج. ثم يكون بعدها ذبح عظيم ببَاكل، ووقعة في أرض من أرض نصيبين، ثم يخرج على الأخوص قوم من سوادهم، وهم العصب، عامتهم من الكوفة والبصرة حتى يستنقذوا ما في يديه من سبي كوفان). وعنه الحاوي: 2/69، وغيره.
أقول: لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية الأخيرة، والمؤكد أن الخراساني وشعيباً يسلِّمان الراية إلى الإمام المهدي (عليه السلام) ويكونان من أصحابه الخاصين، ثم يكون شعيب القائد العام لجيش الإمام (عليه السلام)، وتكون قوات الخراسانيين واليمانيين الثقل الأساس في جيشه (عليه السلام) في تصفية الوضع الداخلي في العراق من الخوارج، ثم في زحفه لفتح القدس وفلسطين. نعم لا يبعد أن يأمر الإمام (عليه السلام) وهو في العراق القوات الإيرانية بأن تدخل قبله إلى العراق، لتواجه قوات السفياني وتوقف ذبحهم لشيعته، ويدل عليه ما تقدم من غيبة الطوسي/274: (إذا خرجت الرايات السود إلى السفياني التي فيها شعيب بن صالح تمنى الناس المهدي فيطلبونه فيخرج من مكة ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)..).
ضعف رواية دخول الإمام المهدي (عليه السلام) إيران قبل العراق؟
الأمر المتفق عليه في أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) أن منطلقه من مكة وهدفه القدس، وأنه فيما بين ذلك يقوم بترتيب أوضاع دولته الجديدة في الحجاز والعراق، وإعداد جيشه للزحف إلى القدس. وتنفرد رواية أو اثنتان في فتن ابن حماد بأنه (عليه السلام) يأتي أولاً إلى جنوب إيران، حيث يبايعه الإيرانيون وقائدهم الخراساني
وقائد جيشه شعيب بن صالح، ثم يخوض بهم معركة ضد السفياني في منطقة البصرة ثم يدخل العراق. روى ابن حماد/86، (عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي، فيلتقي هو والهاشمي برايات سود على مقدمته شعيب بن صالح، فيلتقي هو وأصحاب السفياني بباب إصطخر فيكون بينهم ملحمة عظيمة، فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني. فعند ذلك يتمنى الناس المهدي ويطلبونه). انتهى. واصطخر مدينة في جنوب إيران، لكن الرواية ضعيفة ومعارضة بغيرها، نعم لايبعد دخول قوات الخراسانيين إلى العراق لمواجهة قوات السفياني بأمر الإمام المهدي (عليه السلام)، وذلك قبيل دخوله إلى العراق.
روايات مصادرنا في الخراسانيين وأصحاب الرايات السود
تقدم بعضها، ومنها ما رواه في عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2/59، عن الحسين بن علي قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى يقوم قائم للحق منا وذلك حين يأذن الله (عزَّ وجلَّ) له، ومن تبعه نجا ومن تخلف عنه هلك. الله الله عباد الله فأتوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله (عزَّ وجلَّ)). وكفاية الأثر/106، وفيه. إيتوه ولو على الثلج. قلنا يا رسول الله متى يقوم قائمكم؟ قال: إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وهو التاسع من صلب الحسين. ودلائل الإمامة/239، كالعيون بتفاوت يسير، والصراط المستقيم: 2/116، ككفاية الأثر، بعض أجزائه، وإثبات الهداة: 3/523، عن كفاية الأثر، وفي/572، أوله كدلائل الإمامة، عن مناقب فاطمة وولدها. والبحار: 36/322، عن كفاية الأثر، وفي: 51/65، عن عيون أخبار الرضا.
وهو يتعلق بالإيرانيين بدليل (فأتوه ولو حبواً على الثلج) لأن بلادهم ثلجية.
بعض ما جاء في فضل قم
ورد في فضلها ومستقبلها أحاديث عن أهل البيت (عليهم السلام) يظهر منها أن قمّاً مشروع أسسه الأئمة في وسط إيران على يد تلاميذ الإمام زين العابدين (عليه السلام) سنة73 هجرية،
ثم رعاها الأئمة (عليهم السلام) رعاية خاصة وأخبروا بما عندهم من علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنها سيكون لها شأن عظيم في المستقبل، ويكون أهلها أنصار المهدي المنتظر أرواحنا فداه. وتنص بعض الأحاديث على أن تسميتها بقم جاءت متناسبة مع اسم المهدي القائم بالحق أرواحنا فداه، وقيام أهلها ومنطقتها في نصرته (عليه السلام). فعن عفان البصري عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (قال لي: أتدري لم سمي قم؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال: إنما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد صلوات الله عليه ويقومون معه، ويستقيمون عليه وينصرونه). (البحار: 57/215).
وقد أعطى الأئمة (عليهم السلام) لقم مفهوماً أوسع من مدينتها وتوابعها، فاستعملوها بمعنى خط قم ونهجها في ولاية أهل البيت (عليهم السلام) والقيام مع مهديهم الموعود. فقد دخل جماعة من أهل الري على أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): (وقالوا: نحن من أهل الري فقال: مرحباً بإخواننا من أهل قم. فقالوا: نحن من أهل الري، فقال: مرحباً بإخواننا من أهل قم. فقالوا: نحن من أهل الري. فأعاد الكلام! قالوا ذلك مراراً وأجابهم بمثل ما أجاب به أولاً، فقال: إن لله حرماً وهو مكة، وإن لرسوله حرماً وهو المدينة، وإن لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنة. قال الراوي: وكان هذا الكلام منه (عليه السلام) قبل أن يولد الكاظم (عليه السلام)). (البحار: 57/217).
ومعناه أن قم حرم الأئمة من أهل البيت إلى المهدي (عليهم السلام)، وأهل الري وغيرها هم من أهل قم لأنهم على خطها ونهجها. لذلك قلنا إن المقصود بأهل قم في الروايات ونصرتهم للمهدي (عليه السلام) كل أهل إيران الذين هم على خطهم. ومعنى قول الراوي: وكان هذا الكلام منه قبل أن يولد الكاظم (عليهما السلام)، أنه (عليه السلام) أخبر عن ولادة حفيدته فاطمة بنت موسى بن جعفر قبل ولادة أبيها الكاظم (عليهم السلام) أي قبل سنة128 للهجرة، وأخبر أنها ستدفن في قم، ثم تحقق ذلك بعد أكثر من سبعين سنة.
ومن الأعاجيب أن إعداد الأئمة (عليهم السلام) لأهل قم لنصرة المهدي المنتظر أرواحنا فداه
كان من أول تأسيسها، وأن حب القميين للمهدي (عليه السلام) كان معروفاً عنهم قبل ولادته!
فعن صفوان بن يحيى قال: (كنت يوماً عند أبي الحسن (عليه السلام) (الإمام الرضا (عليه السلام)) فجرى ذكر أهل قم وميلهم إلى المهدي (عليه السلام) فترحم عليهم وقال: (رضي الله عنهم) ثم قال: إن للجنة ثمانية أبواب واحد منها لأهل قم، وهم خيار شيعتنا من بين سائر البلاد، خمر الله تعالى ولايتنا في طينتهم). (البحار: 57/218). وقد يكون المقصود به باب الصدِّيقين المؤمنين بالغيب، وقد حافظ حب أهل قم للمهدي (عليه السلام) على حيويته إلى عصرنا.
وقد تحدثت روايتان عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن مستقبل قم ودورها قرب ظهور المهدي (عليه السلام) إلى أن يظهر، رواهما في البحار: 57/213، عن تاريخ قم:
تقول الأولى: (إن الله احتج بالكوفة على سائر البلاد، وبالمؤمنين من أهلها على غيرهم من أهل البلاد، واحتج ببلدة قم على سائر البلاد، وبأهلها على جميع أهل المشرق والمغرب من الجن والإنس، ولم يَدَع قم وأهله مستضعفاً بل وفقهم وأيدهم ثم قال: إن الدين وأهله بقم ذليل، ولولا ذلك لأسرع الناس إليه فخرب قم وبطل أهله، فلم يكن حجة على سائر البلاد. وإذا كان كذلك لم تستقر السماء والأرض ولم ينظروا طرفة عين، وإن البلايا مدفوعة عن قم وأهله، وسيأتي زمان تكون بلدة قم وأهلها حجة على الخلائق وذلك في زمان غيبة قائمنا إلى ظهوره، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها. وإن الملائكة لتدفع البلايا عن قم وأهله وما قصده جبار بسوء إلا قصمه قاصم الجبارين، وشغله عنه بداهية أو مصيبة أو عدو، وينسي الله الجبارين في دولتهم ذكر قم وأهله، كما نسوا ذكر الله).
وتقول الثانية: (ستخلو كوفة من المؤمنين، ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في جُحْرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم وتصير معدناً للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال، وذلك عند قرب ظهور قائمنا فيجعل الله قم وأهل قائمين مقام الحجة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها ولم يبق في الأرض حجة، فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق
والمغرب، فتتم حجة الله على الخلق حتى لا يبقى أحد لم يبلغ إليه الدين والعلم، ثم يظهر القائم (عليه السلام) ويصير سبباً لنقمة الله وسخطه على العباد، لأن الله لا ينتقم من العباد إلا بعد إنكارهم حجة).
وفي البحار: 60/218، عن تاريخ قم، عن أبي مسلم العبدي، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: تربة قم مقدسة وأهلها منا ونحن منهم، لا يريدهم جبار بسوء إلا عجلت عقوبته ما لم يخونوا إخوانهم(يحولوا أحوالهم) فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء! أما إنهم أنصار قائمنا ودعاة حقنا. ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم اعصمهم من كل فتنة ونجهم من كل هلكة).
وفي الاختصاص/101، عن الإمام العسكري عن أمير المؤمنين (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لمَّا أسري بي إلى السماء الرابعة نظرت إلى قبة من لؤلؤ لها أربعة أركان وأربعة أبواب كلها من إستبرق أخضر، قلت: يا جبرئيل ما هذه القبة التي لم أر في السماء الرابعة أحسن منها؟ فقال: حبيبي محمد هذه صورة مدينة يقال لها قم، يجتمع فيها عباد الله المؤمنون ينتظرون محمداً وشفاعته للقيامة والحساب، يجري عليهم الغم والهم والأحزان والمكاره. قال: فسألت علي بن محمد العسكري (عليه السلام) متى ينتظرون الفرج؟ قال: إذا ظهر الماء على وجه الأرض). وتاريخ قم/96، أوله، عن نقيب الري قال: سمعت أبا الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) قال.، وعنه البحار: 60/207.
والمقصود ظهور الماء على وجه الأرض في قم، أو على شكل آية في العالم.
حديث: أتاح الله لأمة محمد (صلى الله عليه وآله) برجل منا أهل البيت
عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: يا أبا محمد ليس ترى أمة محمد (صلى الله عليه وآله) فرجاً أبداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم. فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد (صلى الله عليه وآله) برجل منا أهل البيت يسير بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرُّشا، والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه. ثم يأتينا الغليظ القصرة، ذو الخال
والشامتين، القائد العادل الحافظ لما استودع، يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفجار ظلماً وجوراً). (البحار: 52/269). وهو حديث ملفت لكنه ناقص، فقد نقله صاحب البحار (قدّس سره) عن كتاب الإقبال لابن طاووس (قدّس سره) وذكر في الإقبال/599، أنه رآه في سنة اثنتين وستين وستماية في كتاب الملاحم للبطائني ونقله منه، لكنه نقله ناقصاً وقال في آخره: (ثم ذكر تمام الحديث) والبطائني من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) وكتابه الملاحم مفقود. وهو يدل على أنه يظهر سيدٌ من ذرية أهل البيت (عليهم السلام) يحكم قبل ظهور المهدي (عليه السلام) ويمهد لدولته. أما بنو فلان في قوله: (ما دام لولد بني فلان ملك) فلا يلزم أن يكونوا بني العباس كما فهمه ابن طاووس رحمه الله وكذلك الأحاديث العديدة التي عبر فيها الأئمة (عليهم السلام) ببني فلان وآل فلان، فأحياناً يقصدون بها بني العباس وأحياناً يقصدون العوائل والأسر التي تحكم قبل ظهور المهدي (عليه السلام). فالأحاديث التي تذكر الخلاف بين آل فلان من حكام الحجاز وأن الخلاف يقع بين قبائل الحجاز قبيل ظهور المهدي (عليه السلام)، إنما تقصد آخر عائلة تحكم الحجاز عند ظهوره (عليه السلام).
وكذلك الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قتل آل فلان للنفس الزكية قبل ظهور الإمام (عليه السلام) بأسبوعين: (ألا أخبركم بآخر ملك بني فلان؟ قلنا بلى أمير المؤمنين قال: قتل نفس حرام في بلد حرام، عن قوم من قريش(كذا) والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لهم ملك بعده غير خمسة عشر ليلة). (البحار: 52/234).
ومثله الأحاديث التي تذكر اختلاف بني فلان أو هلاك حاكم منهم قبيل ظهور المهدي (عليه السلام)، فإنه لا بد من تفسيرها بغير بني العباس، لأن زوال ملك هؤلاء متصل بظهور المهدي (عليه السلام). بل لابد من التثبت في الروايات التي ذكرت بني العباس صراحة فقد تكون صدرت عن الأئمة (عليهم السلام) بتعبير(بني فلان) و(آل فلان) ورواها الراوي بني العباس، اعتقاداً منه أنهم المقصودون ببني فلان.
بل حتى لو تضمن الحديث اسم بني عباس صراحةً في أحاديث الظهور، فينبغي التأمل في المقصود به هل أشخاصهم أم خطهم المعادي للأئمة (عليهم السلام)، فإن جميع
فعاليات العداء لأهل البيت (عليه السلام) بعد المنصور العباسي ترجع إليه، بصفته مؤسس ذلك!
* * *
هذا، وروى في الفتوح: 2/78، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) خبراً في مدح خراسان، وفتحها على يد الإمام المهدي (عليه السلام)، وأموراً عن بخارى، وخوارزم، والشاشان، وأبيجاب، وبلخ، وطالقان، والترمذ، واشجردة، وسرخس، ويا سوج، وجرجان، وقومس، وسمنان، وطبرستان.. وغيرها، وفيه مدح لبعضها وذم لأخرى، وأثر الوضع عليه ظاهر ولا يوجد ما يؤيده إلا ما يتعلق بالطالقان والري! وعنه أو مثله: البيان للشافعي/491، وعقد الدرر/122، وجمع الجوامع: 2/104، والحاوي: 2/82، وإثبات الهداة: 3/599، والبحار: 51/87.
* * *
الفصل الرابع والعشرون: اليمانيون في حركة ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)
مدح اليمانيين في مصادر المسلمين
روى الجميع مدح النبي (صلى الله عليه وآله) لليمانيين وصححوا حديثه، ومن أشهر أحاديثه: ما رواه مسلم: 2/1005، وأحمد: 2/457، عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الإيمان يمانٍ والكفر من قبل المشرق، وإن السكينة في أهل الغنم، وإن الرياء والفخر في الفدَّادين أهل الوبر وأهل الخيل). ورواه الترمذي: 4/515، والبغوي: 3/504، وصححاه. والفدَّادون: بتشديد الدال: الذين تشتد أصواتهم في مواشيهم وزرعهم. والفدَادين بتخفيف الدال: جمع فَدَّان، وهي البقر التي يحرث عليها، وحينئذ يقال: أهل الفدَادين.
والكافي: 8/69، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في حديث: (بل رجال أهل اليمن أفضل، الإيمان يماني والحكمة يمانية ولولا الهجرة لكنت امرءً من أهل اليمن الجفا والقسوة في الفدادين أصحاب الوبر).
وفي كمال الدين: 2/541، عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من أحب أهل اليمن فقد أحبني، ومن أبغض أهل اليمن فقد أبغضني).
وفي النعماني/39، عن جابر قال: وفَدَ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهل اليمن فقال النبي (صلى الله عليه وآله): جاءكم أهل اليمن يَبُسُّون بَسيساً. فلما دخلوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال من حديث طويل: قوم رقيقةٌ قلوبهم راسخٌ إيمانهم، ومنهم المنصور يخرج في سبعين
ألف، ينصر خلفي وخلف وصيي، حمائل سيوفهم المسك). انتهى.
وموضوعنا دور اليمانيين في عصر الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد روت مصادرنا أحاديث صحيحة، تبشر باليماني الذي يكون ناصر الإمام المهدي (عليه السلام) ووزيره، كما تقدم آنفاً وذكر بعضها أنه يظهر في صنعاء وأنه من ذرية زيد رحمه الله. الخ.
أما المصادر السنية، فروت فيه حديثاً يذمه ولا يمدحه، وروت فيه عشرات الأقوال المتضاربة المتعارضة، بعضها يذكر أنه يظهر قبل المهدي وبعضها أنه بعده! وهذا يدلك على سيطرة القرشيين على رواية الحديث ومصادره، فقد كانوا يمنعون رواية أي حديث يبشر بظهور قائد قحطاني، لأن ذلك يمس قيادة قريش للعرب والعالم! وقد روى بخاري كيف صبَّ معاوية غضبه على عبد الله بن العاص ووبخه على المنبر وسماه جاهلاً، لأنه روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه سيكون مَلِكٌ من قحطان! وقحطان كل قبائل العرب ما عدا قريش! ولا بد أنه وبخه في قصره أكثر، واعتبره عديم الفهم والغيرة! قال بخاري في صحيحه: 4/155، و: 8/105: (كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش، أن عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب معاوية فقام خطيباً فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تُؤثر عن رسول الله فأولئك جهالكم! فإياكم والأماني التي تضل أهلها! فإني سمعت رسول الله يقول: إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله على وجهه ما أقاموا الدين). انتهى! وبهذا تضع يدك على السبب في ضياع أحاديث القحطاني أو اليماني، حتى لا تجد لها أثراً في مصادرهم!
لكن يظهر أنها كانت معروفة شفهياً عند المسلمين في القرن الثاني وأن اسمه ثلاثة أحرف! قال البلاذري في التنبيه والأشراف/272، عن ثورة عبد الرحمن بن الأشعث: (فلما عظمت جموعة ولحق به كثير من أهل العراق ورؤسائهم وقراؤهم ونساكهم عند قربه منها، خلع عبد الملك وذلك بإصطخر فارس وخلعه الناس جميعاً وسمى
نفسه ناصر المؤمنين، وذكر له أنه القحطاني الذي ينتظره اليمانية وأنه يعيد الملك فيها، فقيل له إن القحطاني على ثلاثة أحرف!؟ فقال: اسمي عبد، وأما الرحمن فليس من اسمي)! انتهى.
أما حديثهم اليتيم في اليماني فرواه بخاري: 4/159، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه). انتهى.
فهو إذن رجل خشن يسوق الناس بعصاه ويكون في المستقبل قبل قيام الساعة! ولذا رواه أحمد ومسلم بعد الحبشي الذي يهدم الكعبة ويخرب مكة بزعمهم!
قال أحمد في مسنده: 2/417: (عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ذو السويقتين من الحبشة يخرب بيت الله (عزَّ وجلَّ). وقال (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه)!
وعقد بخاري باباً في: 8/100، بعنوان: (باب تغير الزمان حتى يعبدوا الأوثان)، وروى عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس على ذي الخلصة)! وذو الخلصة صنم قبيلة دوس، فقد نسب كلاماً فاحشاً إلى النبي (صلى الله عليه وآله) عن نساء قبيلة دوس وأنهن ستضطرب أعجازهن وهنَّ يعبدن الصنم! ثم جعل القحطاني أسوأ حالاً منهن! فنسب بخاري إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه). انتهى.
وشرح ذلك ابن حجر في فتح الباري: 6/397، في كلام طويل قال فيه: (حتى يخرج رجل من قحطان: لم أقف على اسمه ولكن جوز القرطبي أن يكون جهجاه الذي وقع ذكره في مسلم من طريق أخرى عن أبي هريرة... قوله: يسوق الناس بعصاه، هو كناية عن الملك شبهه بالراعي وشبه الناس بالغنم... روى نعيم بن حماد في الفتن من طريق أرطاة بن المنذر أحد التابعين من أهل الشام أن القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرة المهدي. وأخرج أيضاً من طريق عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوعاً يكون بعد المهدي القحطاني والذي
بعثني بالحق ما هو دونه.... فإن ثبت ذلك فهو في زمن عيسى بن مريم... واستشكل ذلك كيف يكون في زمن عيسى يسوق الناس بعصاه والأمر إنما هو لعيسى؟! ويجاب بجواز أن يقيمه عيسى نائباً عنه في أمور مهمة). انتهى.
وبذلك حمَّل ابن حجر نبي الله عيسى (عليه السلام) فعل ذلك الحاكم الجائر! ونسيَ أن يسأل عن الإمام المهدي (عليه السلام) وعن العدل الذي يملأ به الأرض!
وقال ابن حجر في: 13/67: (ولم يُرد نفس العصا، لكن في ذكرها إشارة إلى خشونته عليهم وعسفه بهم. قال (القاضي عياض): وقد قيل إنه يسوقهم بعصاه حقيقة كما تساق الإبل والماشية لشدة عنفه وعدوانه... وقد أخرج مسلم حديث القحطاني عقب حديث تخريب الكعبة ذو السويقتين، فلعله رمز إلى هذا! وذكر ابن بطال أن المهلب أجاب بأن وجهه: أن القحطاني إذا قام وليس من بيت النبوة، ولا من قريش الذين جعل الله فيهم الخلافة، فهو من أكبر تغير الزمان وتبديل الأحكام، بأن يطاع في الدين من ليس أهلاً لذلك).
وقال في: 13/102: (قوله: إنه يكون ملك من قحطان، لم أقف على لفظ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في ذلك، وهل هو مرفوع أو موقوف... أورده في باب تغيير الزمان حتى تعبد الأوثان، وفي ذلك إشارة إلى أن ملك القحطاني يقع في آخر الزمان عند قبض أهل الإيمان ورجوع كثير ممن يبقى بعدهم إلى عبادة الأوثان، وهم المعبر عنهم بشرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة.... فإن كان حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً موافقاً لحديث أبي هريرة فلا معنى لإنكاره أصلاً، وإن كان لم يرفعه وكان فيه قدر زائد يشعر بأن خروج القحطاني يكون في أوائل الإسلام، فمعاوية معذور في إنكار ذلك عليه)!
نماذج أخرى من تخريبهم لشخصية اليماني والمهدي (عليه السلام)
تجد في مصادرهم ما شئت من الحشو وذم اليماني، في مكذوبات تصل إلى حد
الهرطقة، خاصة في تصوير شريط الأحداث الذي يخرج فيه اليماني! فقد أطاعوا معاوية فلم يرووا عن النبي (صلى الله عليه وآله) في مدحه أبداً ورووا في ذمه أحاديث! وقالوا عشرات النصوص كالأحاديث، وقد تضمن بعضها ذم المهدي (عليه السلام)! ورووا في طليعتها توبة عبد الله بن عمرو العاص، عن روايته في البشارة النبوية باليماني أو القحطاني! فقد أثَّر فيه توبيخ معاوية فتاب توبة نصوحاً، ثم زادها فجعل اليماني قرشياً! قال: (يا معشر اليمن تقولون إن المنصور منكم، والذي نفسي بيده إنه لقرشي أبوه، ولو أشاء أن اسميه إلى أقصى جد هو له لفعلت)! (ابن حماد: 1/120، وعنه السيوطي في الحاوي: 2/79). وفي الفتن: 1/382 و: 2/504: (عن تبيع عن كعب: قال علي: على يدي ذلك اليماني تكون ملحمة عكا الصغرى، وذلك إذا ملك الخامس من أهل هرقل... قال كعب: فيظهر اليماني ويقتل قريشاً ببيت المقدس وعلى يديه تكون الملاحم).
وبما أن كعب الأحبار يهودي يماني، فقد زعم أن اليماني يكون بعد المهدي وإنه ليس أقل منه! قال ابن حماد في: 28، 105، 109 - 112، عن كعب: (يكون بعد الجبابرة رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً، ثم القحطاني بعده)! رواه بصيغ متقاربة وفي أكثرها: (والذي بعثني بالحق ما هو دونه). وقد تقدم في الأئمة المضلين.
وروى ابن حماد ثلاث روايات عن كعب، تذكر أن اليماني يكون بعد المهدي، تقول الأولى: ثم يلي بعد المضري العماني القحطاني يسير بسيرة أخيه المهدي، وعلى يديه تفتح مدينة روم. وتذكر الثانية صراعاً طويلاً بين القيسية واليمانية ومجيء ولاة غير صالحين وفي آخرها: ثم يلي من بعده رجل من مضر، يقتل أهل الصلاح ملعون مشؤوم، ثم يلي من بعده المضري العماني القحطاني، يسير بسيرة أخيه المهدي، وعلى يديه تفتح مدينة الروم!
وتقول الثالثة: يكون بعد المهدي خليفة من أهل اليمن من قحطان، أخو المهدي
في دينه، يعمل بعمله، وهو الذي يفتح مدينة الروم ويصيب غنائمها). وبعضه الحاوي، وكنز العمال، والبدء والتاريخ، وخريدة العجائب، وفتح الباري، والعطر الوردي.
لكن كعباً باع يمانيته لقريش ليفدي بها يهوديته! فقد روى عنه ابن حماد في/103 و109، قال: (ما المهدي إلا من قريش، وما الخلافة إلا فيهم غير أن له أصلاً ونسباً في اليمن). وروى شبيهه عن عبد الله بن عمرو العاص!
أقول: لا نطيل في سرد أقاويلهم في القحطاني الذي جعلوه ملكاً سيئاً بعد المهدي (عليه السلام)، وبعد غزو الحبشة للبيت وهدمها الكعبة وتخريبها مكة، في خرافات كعب الأحبار التي صارت فصلاً كاملاً من فتن ابن حماد وغيره من مصادرهم. وسنذكر طرفاً منها في فصل ما يكون بعد المهدي (عليه السلام).
إن مشكلة هؤلاء المصنفين أنهم شحنوا كتبهم بظنون عقيمة واحتمالات سقيمة من هرطقات أحبار اليهود، (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)! (النجم: 28) لأنهم أعرضوا عن أهل بيت نبيهم (صلى الله عليه وآله) الذين أورثهم الله علم الكتاب وقال فيهم: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) (فاطر: 32)، والذين جعلهم النبي (صلى الله عليه وآله) معادل القرآن فقال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، فصار مثلهم كما قال الإمام الباقر (عليه السلام): (يَمُصُّون الثماد ويَدَعون النهر العظيم! قيل له: وما النهر العظيم؟ قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) والعلم الذي أعطاه الله، إن الله (عزَّ وجلَّ) جمع لمحمد (صلى الله عليه وآله) سنن النبيين من آدم وهلم جراً إلى محمد (صلى الله عليه وآله). قيل له: وما تلك السنن؟ قال: علم النبيين بأسره، وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صيَّرَ ذلك كله عند أمير المؤمنين (عليه السلام). فقال له رجل: يا ابن رسول الله فأمير المؤمنين أعلم أم بعض النبيين؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): اسمعوا ما يقول! إن الله يفتح مسامع من يشاء! إني حدثته أن الله جمع لمحمد (صلى الله عليه وآله) علم النبيين وأنه جمع ذلك كله عند أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يسألني أهو أعلم أم بعض النبيين). (الكافي: 1/222).
من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) في اليماني
وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) في اليماني الموعود الممهد للمهدي (عليه السلام) أحاديث منها صحيح السند، تؤكد حتمية ظهوره، وتصف رايته بأنها راية هدى تدعو إلى الإمام المهدي (عليه السلام) وتنصره، بل تصفها بأنها أهدى الرايات على الإطلاق، وتؤكد وجوب نصرته، وتحدد وقته بأنه في رجب، أي قبل ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) ببضعة شهور.
اليماني من المحتومات التي لابد منها
تقدمت الأحاديث التي تنص على أن السفياني واليماني من الوعد الإلهي المحتوم، منها عن الإمام الصادق (عليه السلام) في الكافي: 8/310، قال: (خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة، والسفياني، والخسف، وقتل النفس الزكية، واليماني).
وتقدم من النعماني/252: (النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم، واليماني من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وكف يطلع من السماء من المحتوم، قال: وفزعة في شهر رمضان توقظ النائم وتفزع اليقظان وتخرج الفتاة من خدرها).
وفي الإرشاد: 2/368: جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي (عليه السلام) وحوادث تكون أمام قيامه... وإقبال رايات سود من قبل خراسان، وخروج اليماني).
وفي النعماني/305، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: اليماني والسفياني كفرسي رهان). وأمالي الطوسي: 2/275، وعنه البحار: 52/253، و275.
رايته أهدى الرايات وخروجه في رجب
تقول روايات مصادرنا إن الخراساني وشعيباً مقارنان لظهور اليماني والسفياني ومنها صحيح السند كرواية النعماني/253، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) من حديث ذكر فيه كثيراً من الأحداث والعلامات، جاء فيه: (خروج
السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم). والإرشاد/360، وغيبة الطوسي/271، والخرائج: 3/1163، وإثبات الهداة: 3/728، والبحار: 52/210.. الخ. ونحوه غيبة النعماني/253. وقد تقدم أن معنى خروج الثلاثة كنظام الخرز مع أنه في يوم واحد: أن أحداث خروجهم قد تكون متفرعة عن حدث واحد.
وفي أمالي الطوسي/661، عن هشام بن سالم قال: لما خرج طالب الحق قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): نرجو أن يكون هذا اليماني؟ فقال: لا، اليماني يوالي علياً (عليه السلام) وهذا يبرأ)!
أقول: يظهر من أحاديث اليماني أن دوره في ظهور الإمام (عليه السلام) أساسي، وهذا طبيعي لأنه حاكم أن اليماني قبيل ظهوره (عليه السلام)، واليمن مجاورة للحجاز.
ومن الطبيعي أن يتكون جيش الإمام (عليه السلام) وقوته الأولى من أنصاره الحجازيين واليمانيين، وأن يكون دورهم أساسياً في منطقة الخليج، وإن لم تذكر ذلك الروايات بل لعل حكم اليمن والحجاز وبلاد الخليج يكون بعهدة أهلها ومساندة قوات اليمانيين والحجازيين التابعة للمهدي (عليه السلام). كما يكون لليمانيين دور مع الإمام (عليه السلام) في العراق والشام ومعركة القدس إلى جنب الخراسانيين والعراقيين وغيرهم.
لكن ابن حماد روى أشياء في دور اليمانيين في إيران والعراق والشام من جو عصره، لا يمكن الاعتماد عليها.
وهنا سؤال عن سبب كون راية اليماني أهدى راية، مع أن راية الخراساني وأهل المشرق موصوفة بأنها راية هدى، ومنهم شعيب بن صالح الذي يجعله المهدي (عليه السلام) قائد جيشه العام، ومع أن الممهدين الإيرانيين لهم فضل السبق في التمهيد للمهدي (عليه السلام) وبهم يبدأ أمره؟!
والمرجح عندنا في الجواب: أن ثورة اليماني تحظى بشرف التوجيه المباشر من الإمام المهدي (عليه السلام) فاليماني سفيره الخاص يتشرف بلقائه ويأخذ توجيهه منه
وأحاديث اليمانيين تركز على شخص اليماني وأنه: (يهدي إلى الحق ويدعو إلى صاحبكم ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو إلى النار).
* * *
هذا، وتوجد رواية تذكر أن اليماني يشارك في معركة قرقيسيا كما في غيبة الطوسي/278، عن عمار بن ياسر أنه قال: إن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان ولها أمارات، فالزموا الأرض وكفوا حتى تجيء أمارتها، فإذا استثارت عليكم الروم والترك وجهزت الجيوش... إلى أن قال: ويخرج أهل الغرب إلى مصر فإذا دخلوا فتلك أمارة السفياني، ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد (عليهم السلام) وتنزل الترك الحيرة وتنزل الروم فلسطين، ويسبق عبد الله عبد الله حتى يلتقي جنودهما بقرقيسيا على النهر ويكون قتال عظيم، ويسير صاحب المغرب فيقتل الرجال ويسبي النساء، ثم يرجع في قيس حتى ينزل الجزيرة السفياني، فيسبق اليماني ويحوز السفياني ما جمعوا، ثم يسير إلى الكوفة فيقتل أعوان آل محمد (صلى الله عليه وآله) ويقتل رجلاً من مسميهم. ثم يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح). انتهى.
كما ذكرت رواية في ابن حماد/78، عن أبي جعفر (عليه السلام) أن قوات اليماني تأتي من صنعاء وتشارك في أحداث الشام قبل خروج السفياني، وجاء فيها: (إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام فتكون بينهم ملحمة عظيمة، ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلهما جميعاً فيظهر عليهما جميعاً، ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده وله فورة شديدة يستقبل الناس قبل الجاهلية، فيلتقي هو والأخوص وراياتهم صفر وثيابهم ملونة، فيكون بينهما قتال شديد، ثم يظهر الأخوص السفياني عليه). ومثلها روايته/59 عن الإمام الباقر (عليه السلام) (إذا ظهر السفياني على الأبقع والمنصور اليماني خرج الترك والروم فظهر عليهم السفياني). انتهى.
أقول: تقدم عدم ثبوت هذا السند إلى عمار رحمه الله، كما أنه لا يمكن الاعتماد على مثل روايات ابن حماد وإن أسندوها إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، لكثرة ما رووه من
حشو وتصورات من عصرهم أسقطوها على عصر الإمام (عليه السلام).
المصري واليماني الأول
نصت أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) على أن ظهور اليماني الموعود مقارن لظهور السفياني، أي قبل ظهور المهدي (عليه السلام) بشهور. وروى الطوسي في الغيبة/271، بسند صحيح غير مرفوع عن محمد بن مسلم قال: (يخرج قبل السفياني مصري ويماني) وعنه إثبات الهداة: 3/728، والبحار: 52/210. ولم تحدد هذه الرواية وقت خروج هذين الثائرين ولا مكانهما، فقد يكونان قبله بمدة قليلة أو طويلة.
كاسر عينه بصنعاء
روى النعماني/277، عن عبيد بن زرارة قال: (ذُكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) السفياني فقال: أنَّى يخرج ذلك؟ ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء). وعنه البحار: 52/245، وهو حديث ملفت لكنه غير مفهوم. ويبدو أنه يماني يطلب السلطة ولا ينجح، ويحتمل في تفسير(كاسر عينه) وجوه أرجحها أنه وصف رمزي مقصود من الإمام الصادق (عليه السلام)، يتضح معناه في حينه عند خروج هذا الشخص.
قيل اسم اليماني حسن أو حسين
ورد قول مرسل أن اسم اليماني(حسن أو حسين) من ذرية زيد بن علي (عليهما السلام). ففي مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي/196، قال: (ثم يخرج ملك من اليمن من صنعاء وعدن، أبيض كالشطن، اسمه حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن فهناك يظهر مباركاً زكياً، وهادياً مهدياً، وسيداً علوياً، فيفرح الناس إذا أتاهم بمن الله الذي هداهم، فيكشف بنوره الظلماء، ويظهر به الحق بعد الخفاء ويفرق الأموال في الناس بالسواء، ويغمد السيف فلا يسفك الدماء، ويعيش الناس في البشر والهناء، ويغسل بماء عدله عين الدهر من القذى ويرد الحق على أهل القرى). وطبعة/246. وعنه بشارة الإسلام/187، والبحار: 51/163. وهذا النص كما ترى ليس رواية، بل
قول مرسل مسجوع، يشبه كلام حشوية المتصوفة، وقائله مجهول!
رواية يخرج المهدي من كرعة واليماني من يكلا
في البيان للشافعي/510، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله يخرج المهدي من قرية باليمن يقال لها كرعة. وقال: هذا حديث حسن رزقناه عالياً، أخرج أبو الشيخ الأصبهاني في عواليه كما سقناه، ورواه أبو نعيم في مناقب المهدي). ومثله وعنه معجم البلدان: 4/452، والأربعين البلدانية لابن عساكر: 4/452، والفصول المهمة/295، وفيه: يقال لها كريمة كرعة، والحاوي: 2/66، والقول المختصر/9، والفتاوى الحديثية/29، وكفاية الطالب/510، وابن طاووس/140، وكشف الغمة: 3/259، وإثبات الهداة: 3/593، والبحار: 51/80، الخ.
وتقدم في الفتن حديث كفاية الأثر/147، رواه بثلاث طرق، عن الأصبغ بن نباتة، وشريح بن هاني بن شريح وعبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي (عليه السلام) قال: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله) في بيت أم سلمة إذ دخل علينا جماعة من أصحابه منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعبد الرحمن بن عوف، فقال سلمان: يا رسول الله إن لكل نبي وصياً وسبطين فمن وصيك وسبطاك؟ فأطرق ساعة ثم قال من حديث عدد فيه الأئمة من أهل بيته (عليهم السلام): ثم يغيب عنهم إمامهم ما شاء الله، ويكون له غيبتان إحداهما أطول من الأخرى. ثم التفت إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رافعاً صوته: الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي. قال علي فقلت: يا رسول الله فما تكون هذه الغيبة؟ قال: الصمت حتى يأذن الله له بالخروج فيخرج من اليمن من قرية يقال لها أكرعة على رأسه غمامة متدرع بدرعي متقلد بسيفي ذي الفقار، ومناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ذلك عندما تصير الدنيا هرجاً ومرجاً ويغار بضعهم على بعض، فلا الكبير يرحم الصغير ولا القوي يرحم الضعيف! فحينئذ يأذن الله له بالخروج). والصراط المستقيم: 2/153، وإثبات الهداة: 1/589، والبحار: 36/333.
وروى ابن حماد في الفتن: 1/381: (قال أبو عبد الله نعيم: يخرج من قرية يقال لها يكلا خلف صنعاء بمرحلة، أبوه قرشي وأمه يمانية. ثم روى عن عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما القحطاني بدون المهدي. ثم يلي من بعده رجل من مضر يقتل أهل الصلاح، ملعون مشؤوم، ثم يلي من بعده المضري العماني القحطاني يسير بسيرة أخيه المهدي وعلى يديه تفتح مدينة الروم).
وادي يكلا من نواحي صنعاء باليمن. (معجم البلدان، والأربعين البلدانية: 5/346).
والثابت في الأحاديث أن المهدي (عليه السلام) يخرج من مكة من المسجد الحرام، فإن صحت رواية كرعة أو يكلا، فلا بد أن يكون المقصود بها أنه يبدأ أمره من هذه القرية أو تلك، وربما كان لها صلة بحركة اليماني، وهذا يشبه ما ورد من أن أمر المهدي (عليه السلام) يبدأ من المشرق، أي مبدأ حركة أنصاره (عليه السلام).
* * *
الفصل الخامس والعشرون: فلسطين ومعركة القدس في عصر الظهور
أوصاف آخر فتنة في الأمة تنطبق على فتنة فلسطين
تقدم في فصل الفتن الموعودة ما روته المصادر كالطبراني في الأوسط: 5/338، عن طلحة بن عبيد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلا جاش منها جانب، حتى ينادي مناد من السماء إن أميركم فلان). ومجمع الزوائد: 7/316.
وفي ابن حماد: 1/57، عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ستكون بعدي فتن: منها فتنة الأحلاس يكون فيها حرب وهرب، ثم بعدها فتن أشد منها، ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت، حتى لا يبقى بيت إلا دخلته ولا مسلم إلا صكته، حتى يخرج رجل من عترتي).
وفي عبد الرزاق: 11/361: تكون فتنة بالشام كأن أولها لعب الصبيان تطفو من جانب وتسكن من جانب، فلا تتناهى حتى ينادي مناد: إن الأمير فلان).
ومن مصادرنا ما رواه النعماني في الغيبة/279، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا جابر لايظهر القائم حتى يشمل الناس بالشام فتنة يطلبون المخرج منها فلا يجدونه، ويكون قتل بين الكوفة والحيرة قتلاهم على سواء، وينادي مناد من السماء).
وفي ابن حماد: 1/238: إذا ثارت فتنة فلسطين تردَّدُ في الشام تردُّدَ الماء في القربة ثم تنجلي حين تنجلي
وأنتم قليل نادمون). وفي: 1/56 و238: (عن أبي هريرة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تأتيكم بعدي أربع فتن الأولى يستحل فيها الدماء والثانية يستحل فيها الدماء والأموال والثالثة يستحل فيها الدماء والأموال والفروج، والرابعة صماء عمياء مطبقة تمور مور الموج في البحر حتى لا يجد أحد من الناس منها ملجأ! تطيف بالشام وتغشى العراق وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها وتعرك الأمة فيها بالبلاء عرك الأديم، ثم لا يستطيع أحد من الناس يقول فيها مه مه! ثم لا يرتقونها من ناحية إلا انفتقت من ناحية أخرى... يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ولا ينجو منها إلا من دعا كدعاء الغرق في البحر، تدوم اثني عشر عاماً تنجلي حين تنجلي وقد انحسرت الفرات عن جبل من ذهب فيقتلون عليها حتى تقتل من كل تسعة سبعة).
من علامات الظهور نزول الروم بفلسطين
تقدم في فصل العراق في عصر الظهور أن رواية غيبة الطوسي/378، عن عمار بن ياسر غير تامة السند، وفيها أن الروم تنزل العراق وتنزل الرملة بفلسطين، قال: (وتنزل الترك الحيرة وتنزل الروم فلسطين، ويسبق عبد الله عبد الله حتى يلتقي جنودهما بقرقيسيا على النهر ويكون قتال عظيم).
السفياني يملك فلسطين والكور الخمس
في النعماني/304، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا استولى السفياني على الكور الخمس فعُدُّوا له تسعة أشهر. وزعم هشام أن الكور الخمس: دمشق وفلسطين والأردن وحمص وحلب).
حديث تَوَجُّه رايات خراسان إلى القدس
رواه عدد من علماء السنة كالترمذي: 3/362 وأحمد في مسنده، وابن كثير في نهايته، والبيهقي في دلائله، وغيرهم. وصححه ابن الصديق المغربي في رسالته في
الرد على ابن خلدون، ونصه: تخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء. وفي ابن حماد/85، عن سفيان الكعبي قال: يخرج على لواء المهدي غلام حدث السن خفيف اللحية أصفر، لو قاتل الجبال لهزها حتى ينزل إيليا). وعنه الحاوي: 2/68، والقول المختصر/22، وفوائد الفكر/18.
وفي المعجم الأوسط: 4/323، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء). ومثله عارضة الأحوذي: 9/123.
وروت شبيهاً به مصادرنا كابن طاووس/43 و58، ويحتمل أن يكون جزء من الحديث المتقدم لأنه يتحدث عن جيش يزحف من إيران إلى القدس التي تسمى إيلياء وبيت إيل. قال في مجمع البحرين: إيل بالكسر فالسكون اسم من أسمائه تعالى عبراني أو سرياني. وقولهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بمنزلة عبد الله وتيم الله ونحوهما. وإيل هو البيت المقدس وقيل بيت الله لأن إيل بالعبرانية الله). وفي شرح القاموس: إيلياء بالكسر يمد ويقصر، ويشدد فيهما. اسم مدينة القدس).
ويتضمن الحديث بشارة بوصول الرايات السود إلى هدفها رغم العقبات التي تعترض طريقها. أما زمنها فمعروف من قائدها صالح بن شعيب الموعود، وهو قائد جيش المهدي (عليه السلام) في حملته لتحرير الشام وفلسطين.
معركة دمشق والقدس الموعودة
وهذه المعركة أهم معارك الإمام (عليه السلام) بعد عدد من معاركه الصغيرة في الحجاز والعراق وربما في تركيا. وتذكر المصادر أن الطرف المقابل له في هذه المعركة هو السفياني حاكم سوريا، وأنها تبدأ في دمشق فينتصر الإمام (عليه السلام) على جيش السفياني انتصاراً كاسحاً ويتقدم نحو القدس فيفتحها ويدخلها! وكأن السفياني يكون خط دفاع اليهود والروم، ويكون انتصار الإمام عليه انتصاراً على الروم واليهود.
أما المعركة الثانية فتكون مع الروم، وتسمى الملحمة العظمى، وتكون بعد
الأولى بسبع سنين كما في بعض الروايات، حيث يعقد الإمام (عليه السلام) صلحاً مع الروم بعد معركة القدس لمدة عشر سنين، لكن الغربيين ينقضونه بعد سبع سنين ويحشدون جيوشهم في المنطقة، فتكون معركة الملحمة العظمى. وهذه جملة أحاديث وآثار تتعلق بمعركة دمشق والقدس:
حركة الإمام (عليه السلام) من العراق إلى الشام والقدس
العطر الوردي/64، عن حذيفة: (إن المهدي يبايع بين الركن والمقام ويخرج متوجهاً إلى الشام وجبرئيل على مقدمته وميكائيل على ساقته، يفرح به أهل السماء وأهل الأرض والطير والوحش والحيتان في البحر). وفي سنن الداني/100، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج رجل من أمتي يعمل بسنتي، ينزل الله له البركة منه السماء، وتخرج له الأرض بركتها، يملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً، يعمل سبع سنين على هذه الأمة، وينزل بيت المقدس). ومثله الطبراني الأوسط: 2/15، ونحوه عقد الدرر/20، و/156، والمنار المنيف/151، كلاهما عن أبي نعيم، ومجمع الزوائد: 7/317، كالداني، والحاوي: 2/62، وكشف الغمة: 3/262، وإثبات الهداة: 3/595، والبحار: 51/82.
وقال الحافظ المغربي/524: (رجاله ثقات كما ذكره عن ابن حبان، ولم نجد فيهم لأحد طعناً ولا لسند الحديث علة، أما ذكر الحسن بن يزيد السعدي وزيادته فيه بين أبي الصديق وأبي سعيد فذاك من المزيد في متصل الأسانيد وهو مقبول من الثقة، فإن كان أبو الواصل قد حفظ فهو دليل على أن أبا الصديق سمع الحديث من الحسن بن يزيد عن أبي سعيد فحدث به كذلك ثم ارتقى فسمعه من أبي سعيد. وذلك يستدعي ضرورة أن تكون رجال أوائل أسانيدهم غير رجال الستة مع وجود الصحيح والحسن فيها بكثرة، فبطلان هذا الإيهام لا يختلف فيه اثنان).
الحاكم: 4/553، عن علي: ستكون فتنة يحصل الناس منها كما يحصل الذهب في المعدن، فلا تسبوا أهل الشام وسبوا ظلمتهم فإن فيهم الأبدال. وسيرسل الله إليهم سيباً من السماء فيفرقهم حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم، ثم يبعث الله عند ذلك
رجلاً من عترة الرسول (صلى الله عليه وآله) في اثني عشر ألفاً، يقاتلهم أهل سبع رايات ليس من صاحب راية إلا وهو يطمع بالملك فيقتتلون ويهزمون، ثم يظهر الهاشمي فيرد الله إلى الناس إلفتهم ونعمتهم، فيكونون على ذلك حتى يخرج الدجال. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه). ومثله أوسط الطبراني: 1/203، وتهذيب ابن عساكر: 1/72، بتفاوت يسير، ومجمع الزوائد: 7/317، عن الطبراني، ووثقه شرط توثيق ابن لهيعة.
وأورد ابن حماد في: 1/347، نحو عشرين حديثاً وأثراً تحت عنوان: (خروج المهدي من مكة إلى بيت المقدس) وروت عدداً منها مصادرنا. منها: عن ابن وزير الغافقي أنه سمع علياً (عليه السلام) يقول: يخرج في اثني عشر ألفاً إن قلوا وخمسة عشر ألفاً إن كثروا، يسير الرعب بين يديه، لا يلقاه عدو إلا هزمهم بإذن الله، شعارهم أمت أمت، لا يبالون في الله لومة لائم، فيخرج إليهم سبع رايات من الشام فيهزمهم ويملك فترجع إلى المسلمين محبتهم ونعمتهم وقاصتهم وبزارتهم، فلا يكون بعدهم إلا الدجال. قلنا: وما القاصة والبزارة؟ قال يقبض الأمر حتى يتكلم الرجل بأشياء لا يخشى شيئاً). وفي رواية ملاحم ابن طاووس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف هذه المعركة قال: (فيغضب الله على السفياني، ويغضب خلق الله لغضب الله تعالى، فترشقهم الطير بأجنحتها، والجبال بصخورها، والملائكة بأصواتها! ولا تكون ساعة حتى يهلك الله أصحاب السفياني كلهم، ولا يبقى على الأرض غيره وحده فيأخذه المهدي فيذبحه تحت الشجرة التي أغصانها مدلاة على بحيرة طبرية). انتهى.
وتذكر بعض الروايات نوعاً آخر من الإمداد الغيبي للمسلمين فيها: أنه يسمع يومئذ صوت من السماء منادياً ينادي: ألا إن أولياء الله فلان، يعني المهدي، فتكون الدبرة على أصحاب السفياني فيقتلون حتى لا يبقى منهم إلا الشريد).
يعسكر الإمام (عليه السلام) في مرج عذراء قرب دمشق
تقدم في فصل أصحاب الإمام (عليه السلام) حديث جابر المطول المعتبر عن الإمام الباقر (عليه السلام) جاء فيه: (ثم يأتي الكوفة فيطيل المكث بها ما شاء الله أن يمكث حتى
يظهر عليها. ثم يسير حتى يأتي العذراء هو من معه، وقد التحق به ناس كثير، والسفياني يومئذ بوادي الرملة. حتى إذا التقوا وهو يوم الأبدال، يخرج أناس كانوا مع السفياني مع شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) ويخرج ناس كانوا مع آل محمد إلى السفياني فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم، ويخرج كل ناس إلى رايتهم وهو يوم الأبدال، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ويقتل يومئذ السفياني ومن معه حتى لا يدرك منهم مخبر، والخائب يومئذ من خاب من غنيمة كلب). انتهى. وهذا يدل على الحالة التأييد الشعبي القوي للإمام المهدي (عليه السلام) حيث يدخل جيشه سوريا بدون مقاومة تذكر، إلى قرب دمشق. كما يدل على القوة العسكرية المميزة للإمام (عليه السلام).
يهزم الله على يديه السفياني ويهزم الروم
ابن حماد: 1/352: (عن عبد الله بن مسعود قال: يبايع المهدي سبعة رجال علماء توجهوا إلى مكة من أفق شتى على غير ميعاد، قد بايع لكل رجل منهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، فيجتمعون بمكة فيبايعونه، ويقذف الله محبته في صدور الناس فيسير بهم وقد توجه إلى الذين بايعوا خيل السفياني عليهم رجل من جَرَم، فإذا خرج من مكة خلف أصحابه ومشى في إزار ورداء حتى يأتي الجرمي فيبايع له فيندمه كلب على بيعته، فيأتيه فيستقيله البيعة فيقيله ثم يعبأ جيوشه لقتاله فيهزمه ويهزم الله على يديه الروم، ويذهب الله على يديه الفتن وينزل الشام).
ابن حماد: 1/349، عن علي (عليه السلام) قال: (إذا بعث السفياني إلى المهدي جيشاً فخسف بهم بالبيداء وبلغ ذلك أهل الشام، قالوا لخليفتهم: قد خرج المهدي فبايعه وادخل في طاعته وإلا قتلناك فيرسل إليه بالبيعة، ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس وتنقل إليه الخزائن وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته من غير قتال، حتى تبنى المساجد بالقسطنطينية وما دونها. ويخرج قبله رجل من أهل بيته بأهل المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويمثل ويتوجه
إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت). وفي/88، آخره، وعنه عقد الدرر/129، والحاوي: 2/70، وفي/73، وجمع الجوامع: 2/103، والمغربي/579، وملاحم ابن طاووس/65.
ابن حماد: 1/399: (عن محمد بن الحنفية قال: ينزل خليفة من بني هاشم بيت المقدس يملأ الأرض عدلاً، يبني بيت المقدس بناءً لم يبن مثله، يملك أربعين سنة تكون هدنة الروم على يديه في سبع سنين بقين من خلافته ثم يغدرون به، ثم يجتمعون له بالعمق فيموت فيها غماً، ثم يلي بعده رجل من بني هاشم، ثم تكون هزيمتهم وفتح القسطنطينية على يديه، ثم يسير إلى رومية فيفتحها ويستخرج كنوزها ومائدة سليمان بن داود (عليهما السلام) ثم يرجع إلى بيت المقدس فينزلها ويخرج الدجال في زمانه وينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فيصلي خلفه).
الضغط الشعبي على السفياني لكي يبايع الإمام المهدي (عليه السلام)
ابن حماد/97، عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: يسير بهم في اثني عشر ألفاً إن قلوا أو خمسة عشر ألفاً إن كثروا، شعارهم أمت أمت، حتى يلقاه السفياني فيقول: أخرجوا إليَّ ابن عمي حتى أكلمه فيخرج إليه فيكلمه فيسلم له الأمر ويبايعه فإذا رجع السفياني إلى أصحابه ندمته كلب، فيرجع ليستقيله فيقيله، فيقتتل هو وجيش السفياني على سبع رايات، كل صاحب راية منهم يرجو الأمر لنفسه فيهزمهم المهدي. قال أبو هريرة: فالمحروم من حرم نهب كلب). وأحمد: 2/356، عن أبي هريرة والحاكم: 4/431، عن أبي هريرة مرفوعاً وصححه: المحروم من حرم غنيمة كلب ولو عقالاً، والذي نفسي بيده لتباعن نساؤهم على درج دمشق حتى ترد المرأة من كسر يوجد بساقها. وعقد الدرر/84، ومجمع الزوائد: 7/315، والدر المنثور: 5/241، والحاوي: 2/72، عن ابن حماد.
ابن حماد/95، عن الإمام الباقر (عليه السلام): (إذا سمع العائذ الذي بمكة بالخسف خرج مع اثني عشر ألفاً فيهم الأبدال حتى ينزلوا إيليا، فيقول الذي بعث الجيش حين يبلغه الخبر بإيليا: لعمر الله لقد جعل الله في هذا الرجل عبرة، بعثت إليه ما بعثت فساخوا في الأرض إن هذا لعبرة وبصيرة ويؤدي إليه السفياني الطاعة، ثم يخرج
حتى يلقى كلباً وهم أخواله فيعيرونه بما صنع ويقولون: كساك الله قميصاً فخلعته فيقول: ما ترون أستقيله البيعة؟ فيقولون: نعم. فيأتيه إلى إيليا فيقول: أقلني، فيقول: إني غير فاعل، فيقول: بلى، فيقول له أتحب أن أقيلك فيقول: نعم، فيقيله ثم يقول: هذا رجل قد خلع طاعتي فيأمر به عند ذلك فيذبح على بلاطة إيليا. ثم يسير إلى كلب فينهبهم فالخائب من خاب يوم نهب كلب). وعقد الدرر/84، وقال: رواه من طرق كثيرة وفي بعضها قال: يسبقه حتى يترك إيليا ويتابعه الآخر فرقاً منه ثم يندم فيستقيله، ثم يأمر بقتله.. والحاوي: 2/72.
أقول: يصور هذا النص حالة الشام وفلسطين في عصره، وهو من إسقاط الراوي لكنه لا يضر في أصل ما اتفقت عليه المصادر من حركة الإمام المهدي (عليه السلام) إلى القدس ونلاحظ أن رواية تفسير العياشي من مصادرنا ليس فيها هذا الإسقاط! قال في: 2/59: عن عبد الأعلى الحلبي: قال أبو جعفر (عليه السلام): لكأني أنظر إليهم يعني القائم (عليه السلام) وأصحابه مصعدين من نجف الكوفة ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً كأن قلوبهم زبر الحديد، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، يسير الرعب أمامه شهراً وخلفه شهراً، أمده الله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين. حتى إذا صعد النجف قال لأصحابه: تعبدوا ليلتكم هذه فيبيتون بين راكع وساجد يتضرعون إلى الله حتى إذا أصبح قال: خذوا بنا طريق النخيلة، وعلى الكوفة جند مجند، قلت: جند مجند؟ قال: إي والله حتى ينتهي إلى مسجد إبراهيم (عليه السلام) بالنخيلة فيصلي فيه ركعتين فيخرج إليه من كان بالكوفة من مرجئها وغيرهم من جيش السفياني، فيقول لأصحابه: استطردوا لهم، ثم يقول كروا عليهم. قال أبو جعفر (عليه السلام) ولا يجوز والله الخندق منهم مخبر، ثم يدخل الكوفة فلا يبقى مؤمن إلا كان فيها أو حن إليها، وهو قول أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لأصحابه: سيروا إلى هذه الطاغية، فيدعوه إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) فيعطيه السفياني من البيعة سلماً، فيقول له كلب وهم أخواله: يا هذا ما صنعت؟! والله ما نبايعك على هذا أبداً، فيقول ما أصنع؟ فيقولون إستقيله فيستقيله ثم يقول له القائم:
خذ حذرك فإنني أديت إليك وأنا مقاتلك، فيصبح فيقتلهم فيمنحه الله أكتافهم، ويأخذ السفياني أسيراً فينطلق به يذبحه بيده. ثم يرسل جريدة خيل إلى الروم فيستحضرون بقية بني أمية، فإذا انتهوا إلى الروم قالوا: أخرجوا إلينا أهل ملتنا عندكم فيأبون ويقولون: والله لا نفعل، فيقول الجريدة: والله لو أمرنا لقاتلناكم، ثم ينطلقون إلى صاحبهم فيعرضون ذلك عليه فيقول: إنطلقوا فأخرجوا إليهم أصحابهم فإن هؤلاء قد أتوا بسلطان عظيم. وهو قول الله: (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ. لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ). قال يعني الكنوز التي كنتم تكنزون. (قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ. فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ). لا يبقى منهم مخبر).
وفي البحار: 52/388، عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا بلغ السفياني أن القائم قد توجه إليه من ناحية الكوفة يتجرد بخيله حتى يلقى القائم، فيخرج فيقول: أخرجوا إلي ابن عمي! فيخرج عليه السفياني فيكلمه القائم (عليه السلام) فيجيء السفياني فيبايعه ثم ينصرف إلى أصحابه فيقولون له: ما صنعت؟ فيقول: أسلمت وبايعت فيقولون له: قبح الله رأيك بين ما أنت خليفة متبوع فصرت تابعا! فيستقيله فيقاتله ثم يمسون تلك الليلة ثم يصبحون للقائم (عليه السلام) بالحرب فيقتتلون يومهم ذلك، ثم إن الله تعالى يمنح القائم وأصحابه أكتافهم فيقتلونهم حتى يفنوهم، حتى أن الرجل يختفي في الشجرة والحجرة فتقول الشجرة والحجرة: يا مؤمن هذا رجل كافر فاقتله فيقتله، قال: فتشبع السباع والطيور من لحومهم، فيقيم بها القائم (عليه السلام) ما شاء، قال: ثم يعقد بها القائم (عليه السلام) ثلاث رايات: لواء إلى القسطنطينية يفتح الله له، ولواء إلى الصين فيفتح له ولواء إلى جبال الديلم فيفتح له). وعنه إثبات الهداة: 3/585، وبشارة الإسلام/238.
وروى في ابن حماد: 1/352 و353، قولاً لأرطاة جاء فيه: يدخل الصخري الكوفة ثم يبلغه ظهور المهدي بمكة فيبعث إليه من الكوفة بعثاً فيخسف به فلا ينجو منهم إلا بشير إلى المهدي ونذير ينذر الصخري، فيقبل المهدي من مكة والصخري من
الكوفة نحو الشام كأنهما فرسا رهان... الخ.). وعنه الحاوي: 2/74، والبرهان/125، ولوائح السفاريني: 2/12. والصخري: السفياني نسبة إلى صخر جد بنى أمية:
رواية أن الإمام المهدي (عليه السلام) ينزل بيت المقدس
وفي ابن حماد: 2/354: (عن أرطاة قال: يبايعه ثم يعود المهدي إلى مكة ثلاث سنين، ثم يخرج رجل من كلب فيخرج من كان في أرض إرم كرهاً فيسير إلى المهدي إلى بيت المقدس في اثني عشر ألفاً فيأخذ السفياني فيقتله على باب جيرون).
وفي: 1/387: عن المشيخة، عن كعب قال صاحب جلاء أهل اليمن رجل من بني هاشم منزله ببيت المقدس، حرسه إثنا عشر ألفاً، يجلي أهل اليمن حتى ينتهوا إلى مقدم الأرض). هذا، وستأتي أحاديث معركة المسلمين مع اليهود.
رواية جبار قريش الذي ينزل بيت المقدس!
في ابن حماد: 1/403: (عن كعب قال: يستخلف رجل من قريش من شر الخلق ينزل بيت المقدس، وتنقل إليه الخزائن وأشراف الناس فيتجبرون فيها ويشتد حجابه وتكثر أموالهم، حتى يطعم الرجل منهم الشهر والآخر الشهرين والثلاثة، حتى يكون مهزولهم كسمين سائر الناس، وينشو فيهم نشوٌ كالعجول المرباة على المذاود ويطفئ الخليفة سنناً كانت معروفة ويبتدع سنناً لم تكن، ويظهر الشر في زمانه ويظهر الزنا وتشرب الخمر علانية ويخيف العلماء في زمانه خوفاً، حتى لو أن رجلاً ركب راحلة ثم طاف الأمصار كلها لم يجد رجلاً من العلماء يحدثه بحديث علم من الخوف، وفي زمانه يكون المسخ والخسف، ويكون الإسلام غريباً كما بدأ غريباً، ويكون المتمسك بدينه كالقابض على الجمرة وكخارط القتاد في الليلة المظلمة، حتى يصير من شأنه أن يرسل ابنته تمر في السوق ومعها الشرط عليها بطيطان من ذهب وثوب لا يواريها مقبلة ولا مدبرة، فلو تكلم أحد من الناس في الإنكار عليه في ذلك بكلمة واحدة ضربت عنقه، يبدأ فيمنع الناس الرزق ثم يمنعهم العطاء، ثم بعد
ذلك يأمر بإخراج أهل اليمن من الشام، فتخرجهم الشرط متفرقين لا تترك جنداً يصل إلى جند حتى يخرجوهم من الريف كله فينتهون إلى بصرى، وذلك عند آخر عمره، فيتراسل أهل اليمن فيما بينهم حتى يجتمعوا كاجتماع قزع الخريف فينصبون من حيث كانوا بعضهم إلى بعض، عصباً عصباً ثم يقولون أين تذهبون وتتركون أرضكم ومهاجركم فيجتمع رأيهم على أن يبايعوا رجلاً منهم فبيناهم يقولون نبايع فلاناً بل فلاناً إذ سمعوا صوتاً ما قاله إنس ولا جان بايعوا فلاناً يسميه لهم، فإذا هو رجل قد رضوا به وقنعت به الأنفس ليس من ذي ولا من ذي، ثم يرسلون إلى جبار قريش نفراً منهم فيقتلهم ويرد رجلاً منهم يخبرهم ما قد كان، ثم إن أهل اليمن يسيرون إليه ولجبار قريش من الشرط عشرون ألفاً، فيسير أهل اليمن فيقابلهم لخم وجذام وعاملة وجدس، فينزلون لهم الطعام والشراب والقليل والكثير ويكونون يومئذ مغوثة لليمن كما كان يوسف مغوثة لإخوته بمصر. والذي نفس كعب بيده إن لخم وجذام وعاملة وجدس لمن أهل اليمن، يا أهل اليمن فإن جاؤكم يلتمسون نسبهم فيكم فصلوهم فإنهم منكم، ثم يسيرون جميعاً حتى يشرفوا على بيت المقدس فيلقاهم جبار قريش في الجموع فيهزمهم أهل اليمن ولا يقومون لأهل اليمن).
وفي الفتن: 2/622: يكون في زمان الهاشمي الذي يتجبر في بيت المقدس بعد المهدي الذي يبعث بجارية عليها لباس لا يواريها في زمانه يكون رجف ومسخ وخسف). وفي الفتن: 1/387: عن أبي الزاهرية عن كعب قال: ينزل رجل من بني هاشم بيت المقدس حرسه اثنا عشر ألفاً... عن كعب قال: حرسه ستة وثلاثون ألفاً، على كل طريق لبيت المقدس اثنا عشر ألفاً. قال الوليد: وأخبرني جراح عن أرطاة: فيطول عمره ويتجبر ويشتد حجابه في آخر زمانه وتكثر أمواله وأموال من عنده حتى يصير مهزولهم كسمين سائر المسلمين... ثم ذكر قصة جبار قريش المتقدمة، وغرائب من أحداث تكون في المستقبل والظالم فيها القرشيون، والبطل اليمانيون، وشخصية
المهدي ثانوية!
ملاحظات على روايات معركة دمشق والقدس
1 - أول ما يفاجؤك وجود الحشو في هذه الروايات، خاصة روايات ابن حماد الذي هو أهم مصدر أصلي عندهم لروايات الملاحم والفتن، ففيها الكثير من أقوال كعب الأحبار وتلاميذه من صحابة وتابعين عرفوا بعدم التثبت والدقة في رواية أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله). وفيها روايات خيالية ركيكة ومتناقضة أشبه بالسيناريو لأحداث وأوضاع يتصورها كعب ورواته!
2 - من الواضح إسقاط الرواة لأحاديث المهدي (عليه السلام) على عصرهم وأنفسهم! وأنهم مثلاً أعطوا اليمانيين علامات الإمام المهدي (عليه السلام) ومعجزاته ومنها النداء السماوي ووصف أصحاب بأنهم كقزع الخريف، وأمير العصب.. الخ.
3 - يلاحظ في رواياتهم الكذب بالزيادة والنقيصة بالمقارنة مع أصول الروايات في مصادر الطرفين خاصة ما رووه هم عن أهل البيت (عليهم السلام)! مثل ادعائهم موت الإمام المهدي (عليه السلام) وظهور جبار قريش بعده وصراع اليمانيين مع القرشيين في بيت المقدس وفناء قريش حتى لا يبقى منهم أحد ويكون النعل القرشي تحفة من بقاياهم! وكذلك العناصر الخيالية عن الروم والقسطنطينية وعيسى (عليه السلام) والدجال وما يكون بعد المهدي (عليه السلام)، وقد تقدم الكلام فيما ارتكبوه في أحاديث فضائل الشام وأهلها والدجال، فهي نقاط ضعف كبيرة توجب سقوط أحاديثهم عن الاعتبار لولا أمرين:
أولهما، وجود أحاديث صحيحة فيها يطمئن إليها الإنسان وإن كانت قليلة.
وثانيهما، أن مبالغاتهم وتحريفهم ومصادراتهم، لا تنفي أصل ما أخذوه ونسجوا عليه نسيجهم! وبهذا تطمئن إلى ما أيدته روايات أهل البيت (عليهم السلام)، كما في أحاديث معركة الإمام (عليه السلام) المتقدمة مع السفياني في فتح القدس. والمتحصل من نصوصها أنها ستتركز في محور الشام، وأنه بانتصار الإمام (عليه السلام) فيها يدخل القدس بسهولة!
تأثير انتصار الإمام الكاسح ودخوله القدس
من الطبيعي أن يكون لانتصار الإمام المهدي (عليه السلام) الكاسح ودخوله القدس وقع الصاعقة على الغربيين، وأن يجن جنونهم لهزيمة حلفائهم اليهود وانهيار كيانهم!
وبمقتضى ما نعرفه من عنفوانهم الحالي والماضي، لا بد أن يشنوا حملة عسكرية على الإمام المهدي (عليه السلام) وجيشه، وأن يستعملوا كل ما يستطيعون من أسلحة فتاكة.
لكن تدل الأحاديث على أن نزول المسيح (عليه السلام) في ذلك الوقت الحساس سيكون عنصراً مهدئاً، يضاف إلى حالة الرعب التي تتعمق في الغربيين من مواجهة الإمام المهدي (عليه السلام)، خاصة بامتلاكه أسلحة متعددة تتفوق على أسلحة الغربيين أو تكافؤها.
وفي تلك الأجواء تكون الكلمة النافذة في الغرب للمسيح (عليه السلام) وتياره الشعبي، ويبدو أنه هو الوسيط في معاهدة الصلح بين المهدي والغربيين، والتي وصفها النبي (صلى الله عليه وآله) بأنها آخر هدنة بين المسلمين والروم وأمير الناس يومئذ المهدي من ولدي (عليه السلام).
مدة حروب الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله) ثمانية أشهر
كمال الدين: 1/318، عن عيسى الخشاب قال قلت للحسين بن علي (عليهما السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ قال: لا، ولكن صاحب الأمر الطريد الشريد الموتور بأبيه، المكنى بعمه، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر). وإثبات الهداة: 3/466، والبحار: 51/133.
وقد تقدم في روايات عديدة أن مدة حروبه (عليه السلام) ثمانية أشهر.
رد رواية أن المهدي (عليه السلام) ينتصر بدون قتال!
روى ابن حماد في الفتن: 1/349، عن علي (عليه السلام) قال: (ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس وتنقل إليه الخزائن وتدخل العرب العجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته من غير قتال). مع أنه روى/136: (في فلسطين وقعتان في الروم، تسمى إحداهما القطاف والأخرى الحصاد). انتهى. فلا بد أن يكون المقصود بدخول الناس
سلماً في طاعة المهدي (عليه السلام)، أنه بعد معركة القدس ومعركته مع الروم.
الفصل السادس والعشرون: اليهود والمعركة معهم في عصر الظهور
الآيات في دور اليهود في عصر الظهور
خلاصة ما ذكرناه في كتاب عصر الظهور، أن الآيات الكريمة تنص على أنهم مفسدون يشعلون الحروب في الأرض، وأن الله تعالى وعد بإطفاء نارهم!
قال (عزَّ وجلَّ): (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً، وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَاداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (المائدة: 64). وهو وعد إلهي شامل بإطفاء نار كل حرب يشعلونها، سواء كانوا طرفاً مباشراً فيها أو حركوا لها الآخرين. ولعل أكبر نار أوقدوها على المسلمين نار الحرب في هذا القرن التي حركوا لها الغرب والشرق، وكانوا فيها طرفاً مباشراً في فلسطين وغير مباشر في أكثر بلاد العالم. ولم يبق إلا أن يتحقق الوعد الإلهي بإطفائها. ويفهم من الآية أن عدوانهم وصراعاتهم الداخلية أحد أبواب اللطف الإلهي لإطفاء نارهم.
وكذلك الوعد الإلهي بالتسليط الدائم عليهم، قال (عزَّ وجلَّ): (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأعراف: 167). والمعنى: أنه تعالى قضى بأنه سيسلط عليهم من يعاقبهم ويعذبهم إلى يوم القيامة، وشتتهم في الأرض جماعات منهم الصالح ومنه الطالح، وامتحنهم بالخير والشر، لعلهم يتوبون ويرجعون إلى الهدى! وقد صدق هذا الوعد الإلهي بمعاقبة اليهود في كل أدوار تاريخهم فسلط عليه ملوك المصريين والبابليين واليونان والفرس والرومان وغيرهم، ما عدا فترات حكم الأنبياء (عليه السلام) وما عدا فترة علوهم الفعلية التي تسبق إعادة التسليط عليهم.
وقد فصَّلت هذا الوعد الإلهي آيات مطلع سورة الإسراء، قال الله تعالى: (سُبْحَانَ الذي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِى إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِى وَكِيلا. ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا. وَقَضَيْنَا إلى بَنِى إِسْرَائِيلَ في الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا. ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا. إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا. عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا). (الإسراء: 1 - 8)
وخلاصة معناها:
(وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ في الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا).
حكمنا في القضاء المبرم في التوراة أنكم سوف تنحرفون، وتفسدون في المجتمع
البشري مرتين، وسوف تستكبرون على الناس وتعلون عليهم علواً كبيراً مرة واحدة.
(فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ).
إذا جاء وقت عقوبتكم على إفسادكم الأول، أرسلنا عليكم عباداً لنا، أصحاب بطش ومكروه ينزلونه بكم.
(فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا..) كناية عن سهولة الفتح الأول لفلسطين على يد المسلمين، حيث جاس جنود المسلمين بين بيوتهم يتعقبون المقاتلين.
(ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا).
أي أعدنا لكم الغلبة على هؤلاء المسلمين، وأعطيناكم أموالاً وأولاداً، وجعلناكم أكثر منهم أنصاراً نفيراً في العالم.
(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا..) ثم يستمر وضعكم على هذه الحال فترة من الزمن، فإن تبتم وعملتم خيراً فهو خير لأنفسكم، وإن أسأتم وطغيتم وعلوتم فهو لكم أيضاً.
(فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا). ولكنكم ستُسيؤون، فنمهلكم إلى وقت العقوبة الثانية ونسلط عليكم نفس العباد فيسوؤوا وجوهكم، ثم يدخلوا المسجد الأقصى فاتحين كما دخلوه أول مرة، ويسحقوا علوكم سحقاً.
(عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً).
لعل الله أن يرحمكم بعد هذه العقوبة الثانية، وإن عدتم إلى إفسادكم عدنا إلى معاقبتكم وحصرناكم عن ذلك في الدنيا، ثم جعلنا لكم جهنم حصراً في الآخرة.
والنتيجة: أن تاريخ اليهود من بعد موسى (عليه السلام) إلى آخر حياتهم يتلخص بإفسادهم في المرة الأولى ثم عقوبتهم على يد المسلمين، ثم غلبتهم على المسلمين وكثرة أموالهم وأنصارهم في العالم مع علوهم واستكبارهم على العالم لأول مرة، فيجيء
وعد العقوبة الثانية على يد نفس القوم.
فالعقوبة الأولى على إفسادهم وقعت في صدر الإسلام على يد المسلمين، ثم رد الله لهم الكرة على المسلمين عندما ابتعد المسلمون عن الإسلام، فأفسد اليهود مرة ثانية وها هم عالون في الأرض، وستكون عقوبتهم على أيدي المسلمين أيضاً. وهذا ما نصت عليه الأحاديث الشريفة عن الأئمة (عليهم السلام)، وفسرت القوم الذين سيبعثهم الله تعالى على اليهود في المرة الثانية بأنهم المهدي (عليه السلام) وأصحابه وأنهم (أهل قم)، وأنهم قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم فلا يدعون وتراً لآل محمد (صلى الله عليه وآله) إلا قتلوه). تفسير العياشي: 4/381 من حديث طويل، ومثله الكافي: 8/206، عن عبد الله بن القاسم البطل، بتفاوت، وكامل الزيارات/62 و64، أوله عن صالح بن سهل، كالعياشي. ومختصر البصائر/48، وتأويل الآيات: 1/277، والإيقاظ/309، كلها عن الكافي. وإثبات الهداة: 3/552، بعضه، عن العياشي. والبحار: 45/297، عن كامل الزيارات، وفي: 51/56، عن العياشي بتفاوت يسير، وفي: 53/93، عن الكافي.
وفي البحار: 60/216، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قرأ هذه الآية.. فقلنا: جعلنا فداك من هؤلاء؟ فقال ثلاث مرات: هم والله أهل قم).
وفي تفسير العياشي: 2/141 و281، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قرأ قوله تعالى: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)، وقال: هو القائم وأصحابه أولوا بأس شديد). انتهى. والأحاديث الثلاثة متفقة في المقصود لأن أهل قم بمعنى أنصار المهدي (عليه السلام). ويبدو أن مقاومة المسلمين لليهود تكون على مراحل حتى يظهر (عليه السلام) فيكون القضاء النهائي عليهم بيده، أرواحنا فداه.
وقد ذهب بعضهم في تفسيرها بعيداً وتصور أن القوم الذين يبعثهم الله على اليهود للعقوبة الثانية غير المسلمين، مع أنهم في المرتين أمة واحدة، وصفاتهم لا تنطبق إلا على المسلمين! فملوك المصريين والبابليين واليونان والفرس والروم وغيرهم ممن تسلطوا على اليهود، حتى لو صح وصفهم بأنهم (عباداً لنا) فإنه لم يحدث أنْ غلب اليهود قوماًً منهم غير المسلمين ثم أمدهم بأموال وبنين وجعلهم أكثر نفيراً ضدهم، ولا تحقق علوهم الكبير على الشعوب والدول إلا في عصرنا!
* * *
وكذلك آيات حشرهم الأول، الذي وقع بعد حرب الأحزاب لمَّا نقضوا العهد مع النبي (صلى الله عليه وآله) قال الله تعالى: (سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرض وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ. وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّار. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الحشر: 1 - 4).
وقال تعالى: (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا. وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقا. وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرًا) (الأحزاب: 25 - 27).
وآيات حشرهم الثاني وتجميعهم في فلسطين قبل المعركة القاضية عليهم، كما قال تعالى: (وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائيلَ اسْكُنُوا الأرض فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً) (الإسراء: 104)، أي جئنا بكم من كل ناحية، كما في تفسير القمي: 2/29، واللفيف الجماعة من قبائل شتى. ولا يتسع المجال لتفسير هذه الآيات وبيان خطأ تفسيرهم لها بالحشر يوم القيامة.
* * *
المعركة الموعودة بين اليهود والمسلمين
اتفقت مصادر المسلمين على أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر أمته أنهم لابد لهم من معركة مع اليهود في آخر الزمان، وهي هذه المعركة بدليل تشابه مضامينها وتعابيرها، وما ورد
في تفسير قوله تعالى: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)، بأنهم الإمام المهدي (عليه السلام) وأصحابه.
عبد الرزاق: 11/399، عن ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله. ومثله ابن حماد: 2/574، وبرواية أخرى عن عبد الله بن عمرو قال: ينزل عيسى بن مريم فإذا رآه الدجال ذاب كما تذوب الشحمة، فيقتل الدجال ويتفرق عنه اليهود، حتى أن الحجر ليقول: يا عبد الله المسلم هذا عندي يهودي فتعال فاقتله). وابن شيبة: 15/144، كرواية ابن حماد الثانية، وفي/167، وأحمد: 2/417، عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا تقوم الساعة حتى يقتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر أو الشجرة فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود. وبخاري: 3/232، أو 4/51، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: تقاتلون اليهود حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر فيقول: يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله. وعن أبي هريرة: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله). ونحوه صحيح مسلم: 8/188،، وسنن البيهقي: 9/175، وأحمد: 2/417، والتاج الجامع للأصول: 5/356.. إلى آخر المصادر.
وفي مجمع الزوائد: 7/348، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لتقاتلن المشركين حتى يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن أنتم شرقيه وهم غربيه، ولا أدرى أين الأردن يومئذ. رواه الطبراني والبزار ورجال البزار ثقات). ونحوه الآحاد والمثاني: 4/409، وتاريخ دمشق: 62/323، بروايتين، والإصابة: 6/376، ذ وقال: وذكره البغوي من هذا الوجه فقال: عن ابن صريم ولم يسمه، وصريم حكى فيه بن أبي حاتم فتح أوله وبالتصغير وقال في نسبه: السكوني أو اليشكري. ومعجم الصحابة لابن قانع: 3/167. وضعفه الألباني في الضعيفة/70، وضعيف الجامع/149.
كما روت المصادر أن المهدي (عليه السلام) يستخرج تابوت السكينة وأسفاراً من التوراة ويحاجُّ اليهود بها. وإن صح ذلك فيكون بعد انتصاره عليهم ودخوله القدس.
وقد تقدم في فصل أصحاب الإمام (عليه السلام) من تفسير العياشي: 2/141 و281، عن الإمام الباقر
(عليه السلام) أنه قال بعد أن قرأ قوله تعالى: بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ: هو القائم وأصحابه، أولو بأس شديد). الخ.
* * *
كما نصت أحاديث قتال عيسى (عليه السلام) للدجال على وجود اليهود مع الدجال وأنهم أكثر أتباعه، ففي مسند أحمد: 3/367، عن جابر بن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل من أحاديث المبالغة في قدرات الدجال التي رددناها في فصل الدجال لكن جاء فيه عن اليهود: (ثم ينزل عيسى بن مريم فينادي من السحر فيقول: يا أيها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث، فيقولون هذا رجل جني، فينطلقون فإذا هم بعيسى بن مريم (صلى الله عليه وآله) فتقام الصلاة فيقال له تقدم يا روح الله، فيقول: ليتقدم إمامكم فليصل بكم، فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه، قال فحين يرى الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء فيمشي إليه فيقتله، حتى أن الشجرة والحجر ينادي يا روح الله هذا يهودي، فلا يترك ممن كان يتبعه أحداً إلا قتله). والحاكم: 4/530، بنحوه وصححه، وعقد الدرر/232، بعض أجزائه، ومجمع الزوائد: 7/343، وقال: رواه أحمد بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح، والدر المنثور: 2/242، عن أحمد، وكذا جمع الجوامع: 1/995، وابن خزيمة، وأبو يعلى، والحاكم، والضياء المقدسي.. إلى آخر المصادر.
* * *
وفي عبد الرزاق: 11/397، حديث طويل عن الدجال أيضاً قال فيه: (ثم يولي الدجال قبل الشام حتى يأتي بعض جبال الشام فيحاصرهم، وبقية المسلمين يومئذ معتصمون بذروة جبل من جبال الشام فيحاصرهم الدجال نازلاً بأصله، حتى إذا طال عليهم البلاء... ثم تأخذهم ظلمة لا يبصر امرؤ فيها كفه قال: فينزل ابن مريم فيحسر عن أبصارهم، وبين أظهرهم رجل عليه لامته يقولون: من أنت يا عبد الله فيقول: أنا عبد الله ورسوله وروحه وكلمته عيسى بن مريم، اختاروا بين أحدى ثلاث: بين أن يبعث الله على الدجال وجنوده عذابا من السماء، أو يخسف بهم الأرض، أو يسلط عليهم سلاحكم ويكف سلاحهم عنكم، فيقولون: هذه يا رسول
الله أشفى لصدورنا ولأنفسنا، فيومئذ ترى اليهودي العظيم الطويل الأكول الشروب لا تقل يده سيفه من الرعدة، فيقومون إليهم فيسلطون عليهم، ويذوب الدجال حين يرى ابن مريم كما يذوب الرصاص، حتى يأتيه أو يدركه عيسى فيقتله). ونحوه ابن حماد: 2/552 بسند عبد الرزاق، وتهذيب ابن عساكر: 1/194، عن عبد الرزاق بتفاوت. والدر المنثور: 2/243 كما في عبد الرزاق بتفاوت يسير، وقال: وأخرج معمر في جامعه.
* * *
وفي ابن حماد: 2/568، عن حذيفة بن اليمان عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث فيه مبالغات عن الدجال أيضاً، جاء فيه: (فبينما أنتم على ذلك حتى ينزل عيسى بن مريم بإيليا وفيها جماعة من المسلمين وخليفتهم، بعد ما يؤذن المؤذن لصلاة الصبح، فيسمع المؤذن للناس عصعصة فإذا هو عيسى بن مريم، فيهبط عيسى فيرحب به الناس ويفرحون بنزوله لتصديق حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم يقول للمؤذن أقم الصلاة، ثم يقول له الناس صل لنا، فيقول: إنطلقوا إلى إمامكم فيصلي لكم فإنه نعم الإمام، فيصلي بهم إمامهم ويصلي عيسى معهم، ثم ينصرف الإمام ويعطي عيسى الطاعة، فيسير بالناس حتى إذا رآه الدجال ماع كما يميع الملح ويمشي إليه عيسى فيقتله بإذن الله تعالى ويقتل معه من شاء. ثم يفترقون ويختبؤن تحت كل شجر وحجر حتى يقول الحجر: يا عبد الله يا مسلم تعال هذا يهودي ورائي فاقتله، ويدعو الحجر مثل ذلك غير شجرة الغرقدة شجرة اليهود لا تدعو إليهم أحداً يكون عندها. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله). إنما أحدثكم هذا لتعقلوه وتفهموه وتَعُوه واعملوا عليه وحدثوا به من خلفكم وليحدث الآخر الآخر، وإن فتنته أشد الفتن، ثم تعيشون بعد ذلك ما شاء الله مع عيسى بن مريم).
وفي ابن حماد: 2/570، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (يبلغ الذين فتحوا القسطنطينية خروج الدجال فيقبلون حتى يلقوه ببيت المقدس، قد حصر هنالك ثمانية آلاف امرأة واثنا عشر ألف مقاتل هم خير من بقي وصالح من مضى، فبينما هم تحت ضبابة من غمام إذ تكشف عنهم الضبابة مع الصبح، فإذا بعيسى بن مريم
بين ظهرانيهم، فينكب إمامهم عنه ليصلي بهم، فيأتي عيسى بن مريم حتى يصلي إمامهم تكرمة لتلك العصابة، ثم يمشي إلى الدجال وهو في آخر رمق فيضربه فيقتله فعند ذاك صاحت الأرض فلم يبق حجر ولا شجر ولا شيء إلا قال: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله، إلا الغرقدة فإنها شجرة يهودية).
هذا، وتقدم في فصل فلسطين والقدس أحاديث في معركة المسلمين مع اليهود. ومن أشهر أحاديثها في مصادر السنة ما رواه مسلم وغيره عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر يا مسلم هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود). كما تقدم في فصل الدجال: (يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة.. الخ). وفي عبد الرزاق: 11/393: عن يحيى بن أبي كثير يرويه قال: عامة من يتبع الدجال يهود أصبهان.
الإمام المهدي (عليه السلام) يطهر بلاد العرب من اليهود
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (لأبنين بمصر منبراً ولأنقضن دمشق حجراً حجراً ولأخرجن اليهود من كل كور العرب، ولأسوقن العرب بعصاي هذه. فقال الراوي وهو عباية الأسدي: قلت له يا أمير المؤمنين كأنك تخبر أنك تحيا بعدما تموت؟ فقال: هيهات يا عباية ذهبت غير مذهب! يفعله رجل مني، أي المهدي (عليه السلام)). (معاني الأخبار: 406، والإيقاظ/385، والبحار: 53/60). وهو يدل على تواجدهم يومئذ في بلاد العرب.
من يسلم من اليهود على يد الإمام المهدي (عليه السلام)
تقدم في فصل أصحاب المهدي (عليه السلام) وفصل الروم أن الإمام المهدي (عليه السلام) يستخرج نسخاً من التوراة من غار بأنطاكية وجبل بالشام وجبل بفلسطين وبحيرة طبرية،
ويحاجُّ بها اليهود. فعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (يستخرج التوراة والإنجيل من أرض يقال لها أنطاكية). (البحار: 51/25).
وفي ابن حماد: 1/355: (عن كعب قال: يستخرج تابوت السكينة من غار بأنطاكية فيه التوارة التي أنزل الله تعالى على موسى والإنجيل الذي أنزل الله (عزَّ وجلَّ) على عيسى، يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم).
وفي: 1/357: (عن كعب قال: إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى أسفار من أسفار التوراة يستخرجها من جبال الشام، يدعو إليها اليهود فيسلم على تلك الكتب جماعة كثيرة، ثم ذكر نحواً من ثلاثين ألفاً). ومصنف عبد الرزاق: 11/372.
أقول: لاحظ أن كعباً أفرط في يهوديته فلم يكتف بأن جعل الإمام المهدي (عليه السلام) يحكم بالتوراة لليهود والإنجيل للنصارى، بل جعل أصل تسمية الله تعالى له بالمهدي بسبب أنه يهدي إلى أسفار التوراة الضائعة! ثم زعم أن ثلاثين ألفاً من اليهود يسلمون على تلك الكتب! أما تلاميذه فزعموا أن أكثر اليهود يُسلمون على يد الإمام المهدي (عليه السلام) وليس ثلاثون ألفاً فقط، ففي ابن حماد: 1/355 و360، عن سليمان بن عيسى قال: بلغني أنه على يدي المهدي يظهر تابوت السكينة من بحيرة طبرية حتى تحمل فتوضع بين يديه ببيت المقدس، فإذا نظرت إليه اليهود أسلمت إلا قليلاً منهم). والقول المختصر/100، و104.
وفي سنن البيهقي: 9/180، عن مجاهد، في قوله (عزَّ وجلَّ): (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) قال: يعني حتى ينزل عيسى بن مريم فيسلم كل يهودي وكل نصراني وكل صاحب ملة، وتأمن الشاة الذئب ولا تقرض فأرة جراباً، وتذهب العداوة من الأشياء كلها، وذلك ظهور الإسلام على الدين كله).
وفي الدر المنثور: 3/231: وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في سننه عن جابر في قوله: (ليُظْهرَهُ على الدِّين كُلِّه)، قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلا الإسلام.. ونحوه تأويل الآيات: 2/689، عن ابن عباس،
وعنه إثبات الهداة: 3/566، والبحار: 51/61.
أقول: من الممكن أن يسلم كثير من اليهود، بعد انتصار الإمام المهدي (عليه السلام)، لكن سيأتي أن الإمام (عليه السلام) ينفذ فيهم أمر النبي (صلى الله عليه وآله) فيخرجهم من جزيرة العرب، وهو يوجب الشك في إسلامهم، مضافاً إلى أن الدجال منهم وهم أكثر أتباعه!
تابوت السكينة
تابوت السكينة صندوق فيه مواريث الأنبياء (عليهم السلام)، كان آية لبني إسرائيل على إمامة من يكون عنده، وقد جاءت به الملائكة تحمله بين جموع بني إسرائيل حتى وضعته أمام طالوت (عليه السلام)، ثم سلمه طالوت إلى داود، وداود لسليمان، وسليمان إلى وصيه آصف بن برخيا، ثم فقده بنو إسرائيل عندما تركوا وصي سليمان (عليهما السلام) وبايعوا غيره. قال تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة: 247.
واعتقادنا أن تابوت السكينة وجميع مواريث الأنبياء (عليهم السلام) وصلت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ثم إلى أوصيائه (عليهم السلام)، فهي عند الإمام المهدي (عليه السلام)، ولم يرد في أحاديث أهل البيت (عليه السلام) أنه يستخرجه من أنطاكية أو غيرها، بل ورد أنه يرسل وفداً إلى أنطاكية فيستخرجون نسخة التوراة وأهل الكهف، ليحتجوا على أهل الكتاب. كما رود عندنا أنه (عليه السلام) سمي المهدي (لأنه يهدي لأمر خفي، يهدي إلى ما في صدور الناس) (دلائل الإمامة/249). بينما رووا عن كعب وأمثاله أنه سمي المهدي لأنه يهدي إلى التوراة وتابوت السكينة وحلي بيت المقدس ويستخرجها من أنطاكية أو طبرية أو كنيسة رومية التي زعموا أن الرومان دفنوه فيها! وسيأتي في فصل الروم.
كشف الهيكل
ورد في تعداد علامات الظهور عبارة: (وكشف الهيكل) فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:
(ولذلك آيات وعلامات: أولهن إحصار الكوفة بالرصد والقذف. وتخريق الزوايا في سكك الكوفة. وتعطيل المساجد أربعين ليلة. وكشف الهيكل وخفق رايات تهتز حول المسجد الأكبر، القاتل والمقتول في النار). (تاريخ الكوفة للبراقي/110، والبحار: 52/273). ويظهر أنه كشف هيكل سليمان (عليه السلام)، لكن يحتمل أن يكون أثراً تاريخياً في مكان آخر غير هيكل سليمان (عليه السلام) حيث ورد ذكره بصيغة (كشف الهيكل) بنحو مطلق، ولم يذكر من يكشفه.
رايات خراسان نحو القدس
وقد تقدمت في فصل الإيرانيين في عصر الظهور، كالحديث المستفيض: (تخرج من خراسان راياتٌ سودٌ فلا يردها شيء حتى تنصب في إيلياء). وغيره.
* * *
الفصل السابع والعشرون: نزول عيسى من السماء ونصرته الإمام المهدي (عليهما السلام)
آيات نزول عيسى (عليه السلام)
أجمع المسلمون على أن نبي الله عيسى (عليه السلام) ينزل من السماء إلى الأرض في آخر الزمان، قال الله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (النساء: 159) وقال تعالى: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (الزخرف: 61). والمعنى: أنه (عليه السلام) آية من آيات الساعة، وما من أحد من أهل الكتاب النصارى واليهود إلا سيؤمن بعيسى (عليه السلام) عندما ينزله الله إلى الدنيا ويرونه ويرون آياته. قال الإمام الباقر (عليه السلام): (ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا، فلا يبقى أهله ملة يهودي ولا نصراني إلا آمن به قبل موته، ويصلي خلف المهدي). (البحار: 14/530).
فالحكمة من رفعه إلى السماء أن الله تعالى ادَّخره لدور عظيم في مرحلة حساسة من التاريخ، يكون أتباعه وعُبَّاده فيها أكبر قوة في العالم، وأكبر عائق أمام وصول نور الهدى إلى الشعوب، وإقامة دولة العدل الإلهي العالمي.
لهذا كان من الطبيعي أن ينزل المسيح (عليه السلام) في بلادهم وأن تَعُمَّ العالم المسيحي مظاهرات شعبية عارمة، ويعتبروا نزوله نصراً لهم في مقابل ظهور المهدي (عليه السلام) في
المسلمين. ومن الطبيعي كذلك أن يزور المسيح (عليه السلام) بلادهم المختلفة، ويظهر الله على يديه أنواع المعجزات، ويهتدي على يديه أعداد كبيرة.
وستكون أول ثمرات نزوله (عليه السلام) تخفيف عداء الغربيين للإسلام والمهدي (عليه السلام) وعقد اتفاقية سلام وعدم اعتداء بين الدول الغربية والإمام المهدي (عليه السلام).
ولا يبعد أن تكون صلاة عيسى خلف المهدي (عليهما السلام) بعد سنين من نزوله، وذلك عندما تنقض الدول الغربية معاهدة الصلح وتحشد جيوشها لحرب المهدي (عليه السلام)، عند ذلك يتخذ المسيح (عليه السلام) موقفه الصريح إلى جانب الإمام المهدي (عليه السلام) ويأتي ويأتم به.
أما كسره الصليب وقتله الخنزير الذي روته مصادر السنيين، فالمعقول أن يكون بعد هزيمة الغربيين في معركتهم مع الإمام المهدي (عليه السلام) ودخوله هو والمسيح (عليهما السلام) إلى عواصمهم، واستقبال شعوبها لهما بالهتاف والتكبير.
وفي البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام) /528: (قال مقاتل بن سليمان، ومن شايعه من المفسرين في تفسير قوله (عزَّ وجلَّ): وإنه لعلم للساعة، قال: هو المهدي (عليه السلام) يكون في آخر الزمان). وعنه كشف الغمة: 3/280، والصواعق/162، وحلية الأبرار: 2/724، وينابيع المودة/301.
* * *
وقال تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسمهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران: 45 - 46) ومعنى: (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ): ما حدث عند ولادته (عليه السلام). (وَكَهْلاً): عندما ينزل من السماء، لأنه رُفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة أي قبل الكهولة، وعن ابن عباس أنه ابن ثلاثين (البغوي: 2/77) والكهولة تبدأ من بدأ خط الشيب كما نص اللغويون. قال الراغب/442: (الكهل من وَخَطَهُ الشيب... وأكتهل النبات إذا شارف اليبوسة مشارفة الكهل الشيب). وفي مجمع البيان: 2/295: (وكهلاً، بعد نزوله من السماء ليقتل الدجال، وذلك لأنه رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وذلك قبل الكهولة، عن زيد بن أسلم).
وذكر الطبري في تفسيره: 3/371، رأي من قال بأن عيسى (عليه السلام) كلم الناس في المهد وكهلاً قبل رفعه إلى السماء، ثم قال: (وقال آخرون: معنى قوله: وكهلاً، أنه سيكلمهم إذا ظهر. ذكر من قال ذلك... ثم رواه عن ابن زيد. ونسبه الثعلبي في تفسيره: 3/69، إلى الحسن بن الفضل البجلي وكذا الرازي: 8/55، وقال البغوي: 1/308: قيل للحسين بن الفضل: هل تجدون نزول عيسى في القرآن؟ قال: نعم، قوله: وكهلاً، وهو لم يكتهل في الدنيا وإنما معناه وكهلاً بعد نزوله من السماء). انتهى.
وبذلك تعرف ضعف تفسير من قال إن تكليمه الناس كهلاً قد تمَّ قبل رفعه إلى السماء، كالبيضاوي: 2/40، والزركشي: 3/67، والسيوطي في الدر المنثور: 2/24، لكنه روى بعده/50، عن ابن عباس: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ): يقول: عبيدك قد استوجبوا العذاب بمقالتهم، وإن تغفر لهم أي من تركت منهم فنزلوا عن مقالتهم، ووحدوك وأقروا أنا عبيد، وإن تغفر لهم حيث رجعوا عن مقالتهم، فإنك أنت العزيز الحكيم). وعنه التصريح في نزول المسيح للكشميري/292.
أحاديث نزول عيسى (عليه السلام) من مصادر أتباع الخلافة
عبد الرزاق: 11/400، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف بكم إذا نزل فيكم ابن مريم حَكَماً فأمَّكم، أو قال: وإمامكم منكم). وعنه ابن حماد/162، وأحمد: 2/272، و/336، ورواه بخاري في صحيحه: 4/205، ونصه: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم). ومثله مسلم: 1/136، و137، وأبو عوانة: 1/106، وملاحم ابن المنادي/57، وابن حبان: 8/283 284، والبيهقي في الأسماء والصفات/535، والبغوي: 3/516، من صحاحه. إلى آخر المصادر.
وفي عبد الرزاق: 11/399، عن أبي هريرة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَماً عدلاً وإماماً مقسطاً، يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد). ونحوه عبد الرزاق/400 و401، وعنه ابن حماد/162 بثلاث روايات، وابن أبي شيبة: 15/144، وأحمد: 2/240 كلاهما كرواية ابن حماد
الأخيرة، وفي: 394 و482، بنحوه. وصحيح بخاري: 3/107 و: 4/205، كرواية عبد الرزاق الأولى بتفاوت يسير، وفي/178، كرواية ابن أبي شيبة، ومسلم: 1/135، كرواية بخاري الأولى، وذكر له طرقاً أخرى كلها تلتقي في الزهري، وابن ماجة: 2/1363، عن ابن شيبة، والترمذي: 4/506 كرواية عبد الرزاق الأولى، وحسنه وصححه، وعلل الدارقطني: 9/189، وفي: 11/228: يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم إماماً مقسطاً فيصلي الخمس يجمع الجمعة ويزيد في الحلال! وجامع السيوطي: 7/88، بعدة روايات، وفي: 9/442، وفيه: ثم لئن قام على قبري فقال: يا محمد لأجيؤه. ومسند الشاميين: 1/317، وفيه: ويزيد في الحلال! قال أبو الأشعث: والله يا أبا هريرة ما أظنه يزيد في شيء من الحلال في النساء! فنظر إليَّ وتبسم وقال: إنك قد أصبت). انتهى. وقد أحرج أبو الأشعث أبا هريرة فطلب منه أن يبين المحرمات من النساء التي يحلها عيسى (عليه السلام)، فاضطر أن ينفي ذلك، لكنه لم يبين أي محرمات يحلل!
وفي بيان الشافعي/500، عن أبي سعيد: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه... هكذا أخرجه الحافظ أبو نعيم في كتاب مناقب المهدي (عليه السلام)، وكتابه أصل). وعقد الدرر/25 و157، عن مناقب المهدي، والمنار المنيف/147، والحاوي: 2/64 والفتاوى الحديثية/28، والقول المختصر/8، والجامع الصغير: 2/546، وفيض القدير: 6/17.
وفي بيان الشافعي/497، عن حذيفة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فيلتفت المهدي وقد نزل عيسى (عليه السلام) كأنما يقطر من شعره الماء فيقول المهدي: تقدم صل بالناس، فيقول عيسى: إنما أقيمت الصلاة لك، فيصلي عيسى خلف رجل من ولدي، فإذا صليت قام عيسى حتى جلس في المقام فيبايعه، فيمكث أربعين سنة. وقال: قلت: هكذا أخرجه أبو نعيم في مناقب المهدي). وعقد الدرر/17 و229، كبيان الشافعي بتفاوت يسير، عن الطبراني وأبي نعيم، وفي/229، والحاوي: 2/81، كرواية عقد الدرر الثانية، عن الداني، وصواعق ابن حجر/164، كرواية عقد الدرر الثانية، عن الطبراني، وابن حبان. وفي القول المختصر/8: بينما هو والمؤمنون معه في بيت المقدس... فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له: تقدم فصل فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم وإمام عيسى. وفي ارتقاء الغرف للسخاوي/253، عن حذيفة رفعه: يلتفت المهدي وقد نزل عيسى بن مريم (عليه السلام).. فيقول المهدي تقدم صل بالناس فيقول عيسى: إنما أقيمت الصلاة لك فيصلي خلف رجل من ولدي).
وفي ابن حماد/103، عن عبد الله بن عمرو قال: المهدي الذي ينزل عليه عيسى بن مريم
ويصلي خلفه عيسى. وابن شيبة: 15/198، عن ابن سيرين، وعقد الدرر/230 و231، عن ابن حماد، والحاوي: 2/65 و78، عن ابن شيبة، وابن حماد، بتفاوت يسير. الخ. والريطة: ثوب بطبقتين. الجمان: اللؤلؤ الصغار. وفي بدائع الزهور/189، عن أويس الثقفي قال النبي (صلى الله عليه وآله): ينزل عيسى بن مريم عند قيام الساعة ويكون نزوله على المنارة البيضاء التي بشرق جامع دمشق، وصفته: مربوع القامة أسود أشعر أبيض اللون، فإذا نزل يدخل المسجد ويقعد على المنبر، فتتسامع الناس به فيدخل عليه المسلمون والنصارى واليهود، فيزدحمون هناك حتى يطأ بعضهم رأس بعض، فيأتي مؤذن المسلمين فيقيم الصلاة وهي صلاة الفجر فيصلي عيسى مأموماً مقتدياً بالمهدي).
وفي ابن شيبة: 15/136، عن عثمان بن أبي العاص قال: من حديث طويل: فينزل عيسى بن مريم عن صلاة الفجر فيقول له أمير الناس: تقدم يا روح الله فصل بنا فيقول: إنكم معشر الأمة أمراء بعضهم على بعض، تقدم أنت فصل بنا، فيتقدم الأمير فيصلي بهم، فإذا انصرف أخذ عيسى حربته فيذهب نحو الدجال، فإذا رآه ذاب كما يذوب الرصاص، ويضع حربته بين ثندوته فيقتله، ثم ينهزم أصحابه). وأحمد: 4/216 و217، كابن شيبة بتفاوت، والطبراني الكبير: 9/51، كرواية أحمد الأولى عن أبي نضرة، والحاكم: 4/478، كرواية أحمد الأولى بتفاوت يسير، وصححه على شرط مسلم، والدر المنثور: 2/243 كرواية أحمد الأولى بتفاوت يسير وقال: وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والطبراني، والحاكم وصححه عن عثمان بن العاص... إلى آخر المصادر.
* * *
وفي عقد الدرر/274، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، (عليه السلام)، في قصة الدجال: ويدخل المهدي (عليه السلام) بيت المقدس ويصلي بالناس إماماً، فإذا كان يوم الجمعة وقد أقيمت الصلاة نزل عيسى بن مريم بثوبين مشرقين حمر، كأنما يقطر من رأسه الدهن، رَجْلُ الشعر صبيح الوجه أشبه خلق الله (عزَّ وجلَّ) بأبيكم إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام)، فيلتفت المهدي فينظر عيسى (عليه السلام) فيقول لعيسى: يا ابن البتول صل بالناس. فيقول: لك أقيمت الصلاة فيتقدم المهدي (عليه السلام) فيصلي بالناس ويصلي عيسى (عليه السلام) خلفه ويبايعه، ويخرج عيسى (عليه السلام) فيلتقي الدجال فيطعنه فيذوب كما يذوب الرصاص ولا تقبل الأرض منهم أحداً، لا يزال الحجر والشجر يقول يا مؤمن تحتي كافر أقتله. ثم إن عيسى (عليه السلام) يتزوج امرأة من غسان ويولد له منها مولود ويخرج حاجاً فيقبض الله تعالى روحه في طريقه قبل وصوله إلى مكة).
* * *
وفي سنن الداني/143، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تزال طائفة من أمتي تقاتل عن الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس، ينزل على المهدي فيقال له تقدم يا نبي الله فصل لنا، فيقول: إن هذه الأمة أمير بعضهم على بعض لكرامتهم على الله (عزَّ وجلَّ)). انتهى.
* * *
وفي أحمد: 2/290، عن أبي هريرة: قال رسول الله: (صلى الله عليه وآله) ينزل عيسى بن مريم فيقتل الخنزير ويمحو الصليب وتجمع له الصلاة، ويعطي المال حتى لا يُقبل، ويضع الخراج، وينزل الروحاء فيحج منها أو يعتمر أو يجمعهما قال: وتلا أبو هريرة: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً). والحاكم: 2/595، وصححه، عن أبي هريرة يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليهبطن عيسى بن مريم حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً وليسلكن فجاً حاجاً أو معتمراً أو بنيتهما، وليأتين قبري حتى يسلم علي ولأردن عليه. ونحوه جامع السيوطي: 5/476، وعلل الحديث: 2/413.
* * *
أقول: إحفظ عليك هذه الأحاديث التي تنص على صلاة عيسى (عليه السلام) خلف الإمام المهدي (عليه السلام) واقتدائه به، قبل أن يُفيق الشُّراح من نومهم ويمحوها!
* * *
وفي تفسير الطبري: 6/14، عن ابن زيد في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)، قال: ابن عباس، وابن زيد، وأبو مالك، والحسن البصري: إذا نزل عيسى بن مريم فقتل الدجال، لم يبق يهودي في الأرض إلا آمن به، قال: وذلك حين لا ينفعهم الإيمان). وعنه التبيان: 3/386، والدر المنثور: 2/241.
وفي البيهقي: 9/180، عن مجاهد في قوله (عزَّ وجلَّ): (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)، يعني حتى ينزل عيسى بن مريم). والجامع لأحكام القرآن: 16/228، عن مجاهد وابن جبير: هو خروج عيسى (عليه السلام). ونحوه الدر المنثور: 6/47، كما في أحمد، وقال: وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة. وأحمد: 2/411، عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يوشك من عاش منكم أن يلقى عيسى بن مريم إماماً مهدياً وحكماً عدلاً، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية وتضع الحرب أوزارها. ومثله المسند الجامع: 18/438. يضع الجزية: أي لا يقبل من أهل الكتاب إلا الإسلام أو القتال. تضع
الحرب أوزارها: تحط أثقالها وتنتهي.
* * *
موطأ مالك: 2/920، عن ابن عمر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أراني الليلة عند الكعبة فرأيت رجلاً آدم كأحسن ما أنت راء من آدم الرجال، له لمة كأحسن ما أنت راء من اللم قد رجلها فهي تقطر ماء، متكئاً على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالكعبة، فسألت من هذا؟ قيل: هذا المسيح بن مريم، ثم إذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأنها عِنَبَة طافية فسألت من هذا؟ فقيل لي: هذا المسيح الدجال).
آدم: اسمر اللون، ويأتي في صفة عيسى (عليه السلام) أنه أبيض أحمر: اللِّمَّة: بكسر اللام الشعر إلى الكتفين، وإلا فهو جُمَّة بالضم والتشديد. رَجْل شعره: مشطه. والطيالسي/249، عن سعيد بن المسيب: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لَعيسى رجلٌ بين الرجلين كأن رأسه ينطف ماء أو يهراق ماء. فالتفتُّ فإذا رجل أحمر جعد الرأس أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية، فقيل هذا الدجال، أقرب الناس شبهاً بابن قطن الخزاعي من بني المصطلق. وابن حماد/154، بعضه عن ابن عمر، وفي/161 و163، آخرين عن ابن عمر. وأحمد: 1/259، عن ابن عباس: وفيه. رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلاً طوالاً جعد الرأس كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى بن مريم مربوع الخلق في الحمرة والبياض سبطاً. وفي: 2/22، و39 و83 و122 و126، و154، و: 3/334، وصحيح بخاري: 4/202، عن ابن عمر: وفيه: إن الله ليس بأعور إلا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأنه عينه عنبة طافية، وأراني الليلة عند الكعبة في المنام، فإذا رجل آدم كأحسن. تضرب لمته بين منكبيه رجل الشعر يقطر رأسه ماء واضعاً يديه على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت، فقلت من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح بن مريم، ثم رأيت رجل وراءه جعداً قططاً. وفي/213 و: 9/75 كما في الطيالسي بتفاوت. ومسلم: 1/151، عن ابن عباس، بتفاوت وفيه: ورأيت عيسى بن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس. وفي/153، كأحمد الأخيرة بتفاوت، عن جابر، وثلاث روايت عن ابن عمر، والدر المنثور: 5/178، كما في رواية مسلم الأولى بتفاوت يسير، وقال: أخرج عبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل من طريق قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس.. الخ.
* * *
الطيالسي/335، عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الأنبياء إخوة لعَلاة، أمهاتهم شتى ودينهم وأحد، فأنا أولى الناس بعيسى بن مريم، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين
مُمَصَّرتين، كأن رأسه يقطر ولم يصبه بلل. وإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويفيض المال، حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام، وحتى يهلك الله في زمانه مسيح الضلال الأعور الكذاب، وتقع الأمنة في الأرض حتى يرعى الأسد مع الإبل، والنمر مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيَّات، ولا يعض بعضهم بعضاً. ثم يبقى في الأرض أربعين سنة، ثم يموت، يصلي عليه المسلمون، ويدفنونه). ونحوه الطيالسي/331، ومثله عبد الرزاق: 11/401، ونحوه ابن حماد/162، وفي/163 و164، عن تبيع عن كعب، وفي/164، عن أبي هريرة: يلبث عيسى بن مريم في الأرض أربعين سنة لو قال للبطحاء سيلي عسلاً لسالت. عن أرطاة: يمكث عيسى بعد الدجال ثلاثين سنة كل سنة منها يقدم إلى مكة فيصلي فيها ويهلل. وابن أبي شيبة: 15/158، كالطيالسي الأولى، وفيه: فيلبث في الأرض ما شاء الله، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون، وأحمد: 2/406، كرواية الطيالسي الأولى، وفي/437، كابن أبي شيبة، وأبو داود: 4/117، و118 كالطيالسي الأولى، والمسند الجامع: 18/434، عن أبي هريرة، وفيه: فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون).. إلى آخر المصادر. وأبناء العَلات والإخوة لعَلات: بفتح العين وتشديد اللام: الإخوة لأب من أمهات شتى. الثوب الممصر: الذي في لونه صفرة خفيفة.
* * *
الطيالسي/327، عن أبي هريرة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لم يسلط على قتل الدجال إلا عيسى بن مريم (عليه السلام). وابن حماد: 158 و161، عن كعب قال: ينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) عند المنارة التي عند باب دمشق الشرقي، وهو شاب أحمر معه ملكان قد لزم مناكبهما، لا يجد نفسه ولا ريحه كافر إلا مات، وذلك أن نفسه يبلغ مد بصره، فيدرك نفسه الدجال فيذوب ذوبان الشمع فيموت! ويسير ابن مريم إلى من في بيت المقدس من المسلمين فيخبرهم بقتله ويصلي وراءه أميرهم صلاة واحدة ثم يصلي لهم ابن مريم وهي الملحمة، ويسلم بقية النصارى ويقيم عيسى ويبشرهم بدرجاتهم في الجنة). أقول: وهذا من الأساطير التي أدخلها كعب على أحاديث آخر الزمان.
* * *
وفي ابن حماد/161، عن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إذا بلغ الدجال عقبة أفِيق،
وقع ظله على المسلمين فيوترون قسيهم لقتاله فيسمعون نداء: أيها الناس قد أتاكم الغوث وقد ضعفوا من الجوع فيقولون: هذا كلام رجل شبعان يسمعون ذلك النداء ثلاثاً وتشرق الأرض بنورها وينزل عيسى بن مريم ورب الكعبة وينادي: يا معشر المسلمين أحمدوا ربكم وسبحوه وهللوه وكبروه، فيفعلون فيستبقون يريدون الفرار ويبادرون فيضيق الله عليهم الأرض إذا أتوا باب لد في نصف ساعة فيوافقون عيسى بن مريم قد نزل بباب لد، فإذا نظر إلى عيسى فيقول: أقم الصلاة، يقول الدجال: يا نبي الله قد أقيمت الصلاة، يقول عيسى: يا عدو الله أقيمت لك فتقدم فصل، فإذا تقدم يصلي قال عيسى: يا عدو الله زعمت أنك رب العالمين فلم تصلي؟ فيضربه بمقرعة معه فيقتله فلا يبقى من أنصاره أحد تحت شيء أو خلفه إلا نادى: يا مؤمن هذا دجالي فاقتله). انتهى. وهو نصٌّ عليه بصمات كعب الأحبار في الإسقاط والوضع.
أحاديث نزول عيسى (عليه السلام) من مصادرنا
في أمالي الصدوق/181، عن معمر بن راشد قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: أتى يهودي النبي (صلى الله عليه وآله) فقام بين يديه يحد النظر إليه فقال: يا يهودي ما حاجتك قال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله وأنزل عليه التوراة والعصا وفلق له البحر وأظلَّه بالغمام؟ فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه، ولكني أقول إن آدم (عليه السلام) ما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لمَّا غفرت لي فغفرها الله له. وإن نوحاً لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق فنجاه الله عنه. وإن إبراهيم (عليه السلام) لما ألقي في النار قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً. وإن موسى (عليه السلام) لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال: اللهم إني أسألك بحق محمد
وآل محمد لما آمنتني، فقال الله جل جلاله: لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى!
يا يهودي، إن موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئاً ولا نفعته النبوة. يا يهودي ومن ذريتي المهدي، إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته فقدمه وصلى خلفه). ومثله الاحتجاج: 1/47 48 وروضة الواعظين: 2/272، وجامع الأخبار/8، وعنه تأويل الآيات: 1/48، والإيقاظ/351 و371، عن الاحتجاج والأمالي. وإثبات الهداة: 3/495 و524، و566، آخره عن أمالي الصدوق والاحتجاج وجامع الأخبار. والبحار: 13/349، عن الأمالي وفي رمزه الخصال.
وفي كمال الدين: 1/331، عن أبي أيوب المخزومي قال: ذكر أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) سير الخلفاء الاثني عشر الراشدين صلوات الله عليهم فلما بلغ آخرهم قال: الثاني عشر الذي يصلي عيسى بن مريم (عليه السلام) خلفه). وعنه الصراط المستقيم: 2/132، وغاية المرام/201، والبحار: 51/137.
* * *
وفي تفسير فرات/44: (عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا خيثمة سيأتي على الناس زمان لا يعرفون الله ما هو التوحيد، حتى يكون خروج الدجال، وحتى ينزل عيسى بن مريم من السماء ويقتل الله الدجال على يده، ويصلي بهم رجل منا أهل البيت، ألا ترى أن عيسى يصلي خلفنا وهو نبي إلا ونحن أفضل منه). وعنه البحار: 14/348.
وقال الكراجكي في التفضيل/24: ومما نقلته الشيعة وبعض محدثي العامة أن المهدي (عليه السلام) إذا ظهر أنزل الله تعالى المسيح (عليه السلام) فإنهما يجتمعان فإذا حضرت صلاة الفرض قال المهدي للمسيح: تقدم يا روح الله يريد تقدم للإمامة، فيقول المسيح: أنتم أهل بيت لا يتقدمكم أحد، فيتقدم المهدي (عليه السلام) ثم يصلي المسيح خلفه).
* * *
وفي تفسير القمي: 1/158، عن شهر بن حوشب قال: قال لي الحجاج آية في كتاب الله قد أعيتني! فقلت: أيها الأمير أية آية هي؟ فقال قوله: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)، والله إني لآمر باليهودي والنصراني فيضرب عنقه، ثم أرمقه بعيني فما أراه يحرك شفتيه حتى يخمد، فقلت: أصلح الله الأمير ليس على ما تأولت، قال: كيف هو؟ قلت: إن عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل
ملة يهودي ولا نصراني إلا آمن به قبل موته ويصلي خلف المهدي، قال ويحك أنى لك هذا ومن أين جئت به؟ فقلت حدثني به محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فقال: جئت بها والله من عين صافية). وعنه مجمع البيان: 2/137، والإيقاظ/339، والمحجة/62، والبحار: 14/349.
حساسية رواة الخلافة من بعض أحاديث نزول المسيح (عليه السلام)
في أحاديثه عن نزول المسيح (عليه السلام) مدح النبي (صلى الله عليه وآله) الجيل الذين ينزل في المسيح في عصرهم وفضلهم على صحابته. كما شبَّهَ أمته بحديقة تثمر في كل عصر فوجاً، ولعل فوج ثمرها الذي ينزل فيه عيسى (عليه السلام) يكون أفضل من أوله، وذكر (عليه السلام) أن الأئمة من أهل بيته (عليهم السلام) ضمانة لبقاء الأمة وأمل لمستقبلها. وهذا يثير حساسية الخلافة القرشية ورواتها لأنه يفضل هؤلاء على زعمائهم الذين سموهم الصحابة والجيل الأول وقالوا إنهم أفضل الأجيال وبنوا دينهم على تقديس بضعة أشخاص منهم.
كما أن أحاديث نزول المسيح تتضمن النص على إمامة الأئمة الاثني عشر من العترة وأن المهدي خاتمهم (عليهم السلام)! ومع ذلك أفلتت بعض أحاديثها من رقابتهم، ومنها في مسند أحمد، حتى حذفته أيدي المتأخرين! فقد روى الديلمي في الفردوس: 5/515، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله): ينزل عيسى بن مريم على ثمان مائة رجل وأربع مائة امرأة، خيار من على الأرض وأصلح من مضى). وزهر الفردوس: 4/403، وجمع الجوامع: 1/1017، وكنز العمال: 14/338، والتصريح/254 وتذكرة القرطبي: 2/762، وجامع أحاديث السيوطي: 8/181. وفي تذكرة القرطبي: 2/762: ليدركن المسيح بن مريم رجالاً من أمتي مثلكم أو خيراً منكم. وفي/774: ليدركن المسيح من هذه الأمة أقواماً إنهم لمثلكم أو خير منكم ثلاث مرات، ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها).
وروى الترمذي في نوادر الأصول/156، عن ابن سمرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) عندما سمع بكاء المسلمين على من استشهد في تبوك فسألهم ما يبكيكم؟ فقالوا: وما لنا لا نبكي
وقد قتل خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منا! قال: لا تبكوا، فإنما مثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها، فاجتث رواكبها وهيأ مساكنها وحلق سعفها فأطعمت عاماً فوجاً ثم عاماً فوجاً، ولعل آخرها طعماً يكون أجودها قنواناً وأطولها شمراخاً، والذي بعثني بالحق نبياً ليجدن ابن مريم في أمتي خلفاً من حواريه). والدر المنثور: 2/245 وكنز العمال: 12/181، وأبي نعيم، بتفاوت يسير، وتصريح الكشميري/211. والرواكب: ما يركب من الأشجار من زوائد منها أو من غيرها. ومعنى حلق سعفها: قصه وكربه. القِنوان مفرد وجمع: الأعذاق والقطوف. الشمراخ، جمعه شماريخ: غصون الأعذاق: خلفاً من حواريه: أصحاباً بدل أصحابه أو خيراً منهم.
وفي الحاكم: 3/41، عن ابن نفير قال: لما اشتد جزع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على من قتل يوم مؤتة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليدركن الدجال قوم مثلكم أو خيراً منكم ثلاث مرات، ولن يخزي الله أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه). والعرائس للثعلبي/227، عن ابن عباس، ومناقب ابن المغازلي/395، والفرودس: 3/292.
وقال الشافعي في البيان/508، عن حديث: كيف يهلك الله أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها والمهدي من أهل بيتي في وسطها: هذا حديث حسن رواه الحافظ أبو نعيم في عواليه وأحمد بن حنبل في مسنده كما أخرجناه!
وقال السلمي في عقد الدرر/146، كبيان الشافعي وقال: أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، ورواه الحافظ أبو نعيم في عواليه! وقال في هامشه: ولم أجد الحديث في مسند الإمام أحمد)!
أقول: ونحن أيضاً لم نجده! فقد تعمدت الأيدي غير الأمينة حذفه منه رغم أنه ناقص عن أصله! فهو كما رأيت ينص على إمامة أهل البيت (عليهم السلام)! وكان عليهم أن يحذفوا أيضاً ما رواه أحمد: 5/278، عن ثوبان عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: عصابتان من أمتي أحرزهم الله من النار: عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى بن مريم (عليه السلام)، ومثله تاريخ بخاري: 6/72، والنسائي: 6/42، والبيهقي: 9/176، ومجمع الزوائد: 5/282، والجامع الصغير: 2/155.
وقد حرفه في ذكر أخبار إصبهان: 2/121، فرواه بسنده عن أبي هريرة، وجعل نصه: (ينزل عيسى بن مريم على ثمان مائة رجل وأربع مائة أمرة خيار من على الأرض يومئذ وكصلحاء من مضى).
وفي مختصر استدراك الذهبي: 2/1121: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليدركن الدجال قوماً مثلكم أو خيراً منكم ثلاث مرات ولن يُخزي الله أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها). وهو نص أن أصحاب عيسى (عليه السلام) من هذه الأمة أفضل من الصحابة المفضلين عندهم!
* * *
أما مصادرنا فقد روته ولم تظلم منه شيئاً، ففي عيون أخبار الرضا: 1/52، عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أبشروا ثم أبشروا ثلاث مرات، إنما مثل أمتي كمثل غيث لا يدرى أوله خير أم آخره، إنما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم منها فوج عاماً، ثم أطعم منها فوج عاماً، لعل آخرها فوج يكون أعرضها بحراً وأعمقها طولاً وفرعاً وأحسنها حباً. وكيف تهلك أمة أنا أولها واثنا عشر من بعدي من السعداء وأولوا الألباب والمسيح بن مريم آخرها، ولكن يهلك من بين ذلك نتج الهرج، ليسوا مني ولست منهم). ومثله الخصال: 2/475، وكمال الدين: 1/269، وكفاية الأثر/230، بتفاوت يسير، والعمدة/432، والإيقاظ/374، عن كفاية الأثر، وإثبات الهداة: 3/617، عن مشكاة المصابيح، وغاية المرام/710، عن كمال الدين. وفي عيون أخبار الرضا: 1/53، عن علي بن الحسين عن أبيه (عليهما السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف تهلك أمة أنا وعلي وأحد عشر من ولدي أولوا الألباب أولها والمسيح بن مريم آخرها ولكن يهلك بين ذلك من لست منه وليس مني). ومثله كمال الدين: 1/281، ودلائل الإمامة/234.
وفي غيبة الطوسي/114، عن عبد الله بن عمرو العاص: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل: فعند ذلك خروج المهدي، وهو رجل من ولد هذا وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، به يمحق الله الكذب ويذهب الزمان الكلِب، به يخرج ذل الرق من أعناقكم، ثم قال: أنا أول هذه الأمة، والمهدي أوسطها وعيسى آخرها، وبين ذلك ثبج أعوج). وعنه إثبات الهداة: 3/503، والبحار: 51/75. وغاية المرام/698، عن غريب الحديث، والعمدة/434، عن تأويل مختلف الحديث، ونحوه دلائل الإمامة/443.
أقول: روت مصادر أتباع الخلافة هذا الحديث عن ابن عمرو العاص كما رواه الشيخ الطوسي، ففي نوادر أصول الترمذي/156، عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله): كيف يهلك الله أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها والمهدي من أهل بيتي في وسطها). وتفسير الثعلبي: 3/82، وتاريخ دمشق: 5/394، و: 47/522، وعنه كنز العمال: 14/120، والسيرة الحلبية: 1/194 و315، وتفسير النسفي: 1/156، وفرائد السمطين: 2/338، عن البيهقي، والطبري في تفسيره: 3/203، عن كعب الأحبار. لكن المتفق عليه في كافة المصادر أن المهدي (عليه السلام) في آخر الأمة، لذلك نرجح أن يكون أصل الحديث ما رواه في أخبار الدول/76، عن ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف تهلك أمة أنا أولها، وعيسى بن مريم في آخرها، والشهداء من أهل بيتي في وسطها). انتهى.
وفي نوادر المعجزات/197، عن ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف تهلك أمة أنا أولها والمهدي من أهل بيت أوسطها وعيسى بن مريم في آخرها). ونحوه الكشف والبيان: 3/82، وجامع الأحاديث للسيوطي: 5/126 و367، ونيل الأوطار: 8/313، وحسنه.
* * *
وفي الطيالسي/270، عن أنس قال النبي (صلى الله عليه وآله): مَثَلُ أمتي مَثَل المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره). ومثله أحمد: 3/130، و143، و: 4/319، وتأويل مختلف الحديث/115، والترمذي: 5/152، بأكمل منه ونصه: أبشروا أبشروا إنما أمتي كالغيث لا يدرى آخره خير أم أوله، أو كحديقة أطعم منها فوج عاماً كيف تهلك أمة أنا أولها والمهدي أوسطها والمسيح آخرها، ولكن بين ذلك ثبج أعوج، ليس مني ولا أنا منهم. وقال: وفي الباب عن عمار وعبد الله بن عمرو وابن عمر، وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. روى عبد الرحمن بن مهدي أنه كان يثبت حماد بن يحيى الأبح وكان يقول: هو من شيوخنا). ونوادر الأصول/156، كالطيالسي، وأبو يعلى: 1/165، وابن حبان: 9/176، عن عمار بن ياسر، ومصابيح البغوي: 4/233، كأحمد، من حسانه، ومسند الشهاب: 2/276، كرواية أحمد الأولى، عن ابن عمر، وأنس، ومجمع الزوائد: 10/68، قال: رواه أحمد، والبزار، والطبراني ورجال البزار رجال الصحيح غير الحسن بن قزعة وعبيد بن سليمان الأغر وهما ثقتان، وفي عبيد خلاف لايضر. وحَسَّنَ رواية البزار.
رووا أن من يقتل الدجال عيسى وروينا أن المهدي (عليه السلام) يقتله
ورد في نصوص اليهود والنصارى ونصوص أتباع الخلافة نسبة قتل الدجال إلى المسيح (عليه السلام)، وورد في نصوص أهل البيت (عليهم السلام) نسبة قتله إلى المهدي (عليه السلام)، ويؤيده أن عيسى (عليه السلام) يبعث وزيراً لا أميراً. ففي الطيالسي/170، عن مجمع بن جارية: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يقتل ابن مريم الدجال بباب لِدّ). بلد بفلسطين. وعبد الرزاق: 11/398، والحميدي: 2/365، وابن حماد/158، وروى أن عمر بن الخطاب سأل رجلاً من اليهود فحدثه فقال له عمر: إني قد بلوت منك صدقاَ فأخبرني عن الدجال فقال: وإله يهود ليقتلنه ابن مريم بفناء لد. وعن أبي أمامة نحوه. وعن كعب قال: إذا سمع الدجال نزول عيسى بن مريم هرب فيتبعه عيسى فيدركه عند باب لد فيقتله فلا يبقى شيء إلا دل على أصحاب الدجال فيقول: يا مؤمن هذا كافر. وهو تحريف من كعب لقول النبي (صلى الله عليه وآله) لايبقى حجر ولا شجر إلا قال يا مسلم هذا يهودي خلفي فاقتله! فحرفه كعب وتبعه تلميذه ابن العاص!
أبو هريرة كان يأمل أن يدرك المسيح (عليه السلام)!
عبد الرزاق: 11/402، عن يزيد بن الأصم قال: كنت اسمع أبا هريرة يقول: تروني شيخاً كبيراً قد كادت ترقوتاي تلتقي من الكبر، والله إني لأرجو أن أدرك عيسى وأحدثه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيصدقني). وابن حماد: 161، وفيه: ثم التفت فرآني من أحدث القوم فقال: يا ابن أخي: إن أدركته فاقرأه مني السلام). ونحوه ابن شيبة: 15/145.
وجعل أبو هريرة أمنيته على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) ففي أحمد: 2/298، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله): إني لأرجو إن طال بي عمر أن ألقى عيسى بن مريم (عليه السلام)، فإن عجل بي موت فمن لقيه فليقرؤه مني السلام! ومثله أحمد: 2/298، والطبراني الصغير: 1/256، والحاكم: 4/545، ومجمع الزوائد: 8/5، وقال: رواه أحمد بإسنادين مرفوع وهو هذا، وموقوف ورجالهما رجال الصحيح. وأبو يعلى: 5/203، عن أنس: سيدرك رجال من أمتي عيسى بن مريم ويشهدون قتال الدجال). وعنه الحاكم: 4/544، ومجمع الزوائد: 7/288 و49، وعن الطبراني.
زعموا أن المسيح يدفن مع النبي (صلى الله عليه وآله)
الوفا بأحوال المصطفى: 2/814، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ينزل
عيسى بن مريم إلى الأرض فيتزوج ويولد له ويمكث خمساً وأربعين سنة، ثم يموت فيدفن معي في قبري، فأقوم أنا وعيسى بن مريم من قبر واحد بين أبي بكر وعمر. وفي خطط المقريزي: 1/188: روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لوفد جذام: مرحباً بقوم شعيب وأصهار موسى، ولا تقوم الساعة حتى يتزوج فيكم المسيح ويولد له. وفي المسيح لابن كثير/149، عن عائشة مرفوعاً أنه يدفن مع رسول الله وأبي بكر وعمر في الحجرة النبوية. الخ.
ابن حماد: 2/580، عن عبد الله بن سلام عن أبيه قال: نجد في التوراة أن عيسى بن مريم يدفن مع محمد. قال أبو مودود: وقد بقي في البيت موضع قبر عيسى بن مريم. وتاريخ بخاري: 1/263، وفيه: ليدفنن عيسى بن مريم مع النبي في بيته. والترمذي: 5/588، وفيه: مكتوب في التوراة صفة محمد وصفة عيسى بن مريم يدفن معه). انتهى. لكن ابن كثير قال في حديث الترمذي: ولكن لا يصح إسناده. (النهاية: 2/118).
* * *
أهم المسائل في نزول عيسى (عليه السلام)
المسألة الأولى: أين ينزل عيسى (عليه السلام)؟
لم يحدد أي حديث عن أهل البيت (عليهم السلام) مكان نزول عيسى (عليه السلام) وهذا يصحح احتمال نزوله في الغرب في إحدى عواصم أتباعه وعابديه كما نرجح!
أما مصادر أتباع الخلافة فروت أنه ينزل في دمشق، وأقدم نص في ذلك رواه ابن حماد: 2/567، عن كعب الأحبار قال: يهبط المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) عند القنطرة البيضاء على باب دمشق الشرقي إلى طرف الشجرة).
وروى مسلم في صحيحه: 4/2250، عن نواس بن سمعان عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل.. إلى أن قال: ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك! فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قَطَرَ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات). انتهى. والعبارة الأخيرة ضعيفة، تحير فيها شراح مسلم، ومعناها أن الكافر إذا شم ريح نَفَس المسيح (عليها السلام) مات!
والرواية الثالثة عن أويس الثقفي قال النبي: (صلى الله عليه وآله) ويكون نزوله على المنارة البيضاء التي بشرق جامع دمشق). وقد تقدمت مصادرها.
والرابعة: في سنن الداني/143، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا
تزال طائفة من أمتي تقاتل عن الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس، ينزل على المهدي فيقال له تقدم يا نبي الله فصل لنا، فيقول: إن هذه الأمة أمير بعضهم على بعض لكرامتهم على الله (عزَّ وجلَّ)) ولا يمكن الاعتماد على مثل هذه الروايات، ولا مجال لبسط البحث في أسانيدها ومتونها.
المسألة الثانية: محاولة بعضهم إنكار اقتدائه بالمهدي (عليهما السلام)!
وقد عرفت حديثه النبوي الصحيح عند الجميع، لكنه حديثٌ ثقيل على قلب المخالفين لأهل البيت (عليهم السلام) لأنه يجعل إماماً منهم أفضل من رسول من أولي العزم (عليهم السلام) لكن ما ذا نصنع لهم إذا كان هذا رواية صحاحهم؟! فنص رواية بخاري: 4/205: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟! ومثله مسلم: 1/136، و137، ومسند أبي عوانة: 1/106، وملاحم ابن المنادي/57، وابن حبان: 8/283 284، والبيهقي في الأسماء والصفات/535، ومصابيح البغوي: 3/516، من صحاحه. إلى آخر المصادر.
ونص مسلم: 1/137 أو: 1/95، و: 3/1524، وأحمد: 3/345، عن جابر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: تعال صل بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، ليكرم الله هذه الأمة). وسنن البيهقي: 9/39 و180، وأبو يعلى: 4/59، وفيه: أمر أكرم الله به هذه الأمة، ومسند أبي عوانة: 1/106، وابن حبان: 8/289، والداني/143، والمحلى: 1/9 و: 7/391، وعمدة القاري: 16/40، ومسند أبي يعلى: 4/59، ومنتقى ابن الجارود/257، وابن حبان: 15/231، وتاريخ دمشق: 14/302 و: 29/362، و47/501، وسبل الهدى: 10/375، وينابيع المودة: 3/260، والإيمان لبن منده: 1/517، ومسند أبي عوانة: 1/106، والفردوس بمأثور الخطاب: 5/103، وخصائص السيوطي: 2/372، وعقد الدرر/106، وعقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر، للشيخ العباد الوهابي/8 عن بخاري، ومسلم. إلى آخر المصادر.
لكن مع صراحة روايتي بخاري ومسلم وغيرهما، فقد استعظم بعض أئمتهم كالتفتازاني أن يصلي عيسى خلف المهدي (عليهما السلام) لأنه يعني أن المهدي أفضل من رسول من أولي العزم (عليهم السلام) فحاول إنكاره! كما اتجه عدد من شُّرَّاح بخاري ومسلم إلى
تأويله وتهوينه بأن عيسى يصلي خلف المهدي (عليهما السلام) مرة واحدة فقط، ثم يصلي عيسى إماماً، وأن ذلك تكريم للأمة وليس تفضيلاً للمهدي (عليه السلام)! وقلَّ فيهم من كان صريحاً وقال إن عيسى يقتدي بالإمام المهدي (عليهما السلام) ولا ضير في ذلك!
قال الشافعي في البيان/496: هذا حديث حسن صحيح أخرجه مسلم في صحيحه كما سقناه، وإن كان الحديث المتقدم قد أُوِّلَ (حديث بخاري) فهذا لا يمكن تأويله، لأنه صريح فإن عيسى يقدم أمير المسلمين وهو يومئذ المهدي، فعلى هذا بطل تأويل من قال: معنى قوله وإمامكم منكم، أي يؤمكم بكتابكم)! فترى هذا العالم السني يكافح لإثبات أصل صلاة عيسى خلف المهدي (عليهما السلام) ولو مرة واحدة، وردِّ تأويلهم للحديث النبوي وتمييعه وإبطاله! وهذا من بؤس البحث العلمي عندهم!
وشبيه بقول الشافعي قول المناوي في فيض القدير: 6/17: (فإنه ينزل عند صلاة الصبح على المنارة البيضاء شرقي دمشق فيجد الإمام المهدي يريد الصلاة فيحس به فيتأخر ليتقدم فيقدمه عيسى (عليه السلام) ويصلي خلفه! فأعظم به فضلاً وشرفاً لهذه الأمة، ولا ينافي ما ذكر في هذا الحديث ما اقتضاه بعض الآثار من أن عيسى هو الإمام بالمهدي، وجزم به السعد التفتازاني وعلله بأفضليته، لإمكان الجمع بأن عيسى يقتدي بالمهدي أولاً ليظهر أنه نزل تابعاً لنبينا حاكماً بشرعه، ثم بعدُ يقتدي المهدي به على أصل القاعدة من اقتداء المفضول بالفاضل).
وقال السلمي في عقد الدرر في أخبار المنتظر/106: (الباب العاشر في أن عيسى بن مريم (عليه السلام) يصلي خلفه ويبايعه وينزل في نصرته) ثم أورد تسعة أحاديث وأثرين: وهي ما تقدم عن بخاري ومسلم، وحديث أبي نعيم عن حذيفة، وحديث ابن حماد عن عبد الله بن عمرو، وحديث جابر من سنن الداني، وحديث هشام بن محمد من ابن حماد، وحديث أبي أمامة من الحلية وابن حماد، وحديث حذيفة من سنن الداني، وحديث جابر من مسند أحمد بن حنبل، وقول كعب الأحبار، وقول السدي من ابن حماد. وقد تقدمت كلها.
ونختم بما قاله السيد الميلاني في المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي/141، بعد أن أورد عدداً من أحاديث القوم: (وبعد، فلا حاجة للإطالة في إيراد الأحاديث الأخرى الكثيرة المبينة بأن المراد بالإمام في حديث الصحيحين هو الإمام المهدي (عليه السلام). وقد جمع معظم هذه الأحاديث السيوطي في رسالته (العرف الوردي في أخبار المهدي) المطبوعة في كتابه الحاوي للفتاوى، أخرجها من كتاب الأربعين للحافظ أبي نعيم وزاد عليها ما فات منها على أبي نعيم كالأحاديث التي ذكرها نعيم بن حماد الذي قال عنه السيوطي، وهو أحد الأئمة الحفاظ وأحد شيوخ البخاري).
أقول: ومن راجع شروح صحيح بخاري يعلم بأنهم متفقون على تفسير لفظة (الإمام) الواردة في حديث بخاري بالإمام المهدي. فقد جاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري التصريح بتواتر أحاديث المهدي أثناء شرحه لحديث البخاري المتقدم حتى قال: وفي صلاة عيسى (عليه السلام) خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال: إن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة كما فسره في إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري بالمهدي، مصرحاً باقتداء عيسى بالإمام المهدي (عليهما السلام) في الصلاة. كما نجد هذا في عمدة القاري بشرح صحيح البخاري. وأما في فيض الباري فقد أورد عن ابن ماجة القزويني حديثاً مفسراً لحديث البخاري ثم قال: فهذا صريح في أن مصداق الإمام في الأحاديث هو الإمام المهدي.. إلى أن قال: وبأي حديث بعده يؤمنون؟! وأما في حاشية البدر الساري إلى فيض الباري فقد أطال في شرح الحديث المذكور مبيناً ضرورة رجوع شارح الأحاديث إلى أحاديث الصحابة الآخرين في كتب الحديث ذات الصلة بالحديث الذي يراد شرحه، وقد جمع من تلك الأحاديث المبينة لحديث البخاري ما حمله على التصريح بأن المراد بالإمام هو الإمام المهدي (عليه السلام) قال: وقد بين هذا المعنى حديث ابن ماجة مفصلاً، وإسناده قوي). وقال في هامشه: فتح الباري شرح صحيح البخاري: 6/383. إرشاد الساري: 5/419. عمدة القاري بشرح صحيح البخاري: 16/39 من المجلد الثامن. فيض
الباري على صحيح البخاري: 4/44. حاشية البدر الساري إلى فيض الباري: 4/44. صحيح مسلم بشرح النووي: 18/38).
وقد بحث السيد الميلاني هذا الموضوع أيضاً في كتابه الإمامة في أهم الكتب الكلامية/281، وكتابه تفضيل الأئمة على الأنبياء (عليهم السلام) /29، وقال: (ومن الأدلة على أفضلية الأئمة (عليهم السلام) من الأنبياء السابقين قضية صلاة عيسى خلف المهدي، وهذا أيضاً مما ناقش فيه بعضهم كالسعد التفتازاني من حيث أن عيسى نبي، وكيف يمكن أن يقتدي بمن ليس بنبي، وعليه فإن هذه الأحاديث باطلة! لاحظوا عبارته يقول: فما يقال إن عيسى يقتدي بالمهدي شيء لا مستند له فلا ينبغي أن يعول عليه، نعم هو وإن كان حينئذ من أتباع النبي فليس منعزلاً عن النبوة فلا محالة يكون أفضل من الإمام، إذ غاية علماء الأمة الشبه بأنبياء بني إسرائيل). هذه عبارة سعد الدين التفتازاني، ونحن نكتفي في جوابه بما ذكره الحافظ السيوطي فإنه أدرى بالأحاديث من السعد التفتازاني، يقول الحافظ السيوطي في الحاوي للفتاوي: هذا من أعجب العجب! فإن صلاة عيسى خلف المهدي ثابتة في عدة أحاديث صحيحة بإخبار رسول الله وهو الصادق المصدق الذي لا يخلف خبره. وفي الصواعق لابن حجر دعوى تواتر الأحاديث في صلاة عيسى خلف المهدي سلام الله عليه. إذن، أثبتنا أفضلية أئمتنا من الأنبياء السابقين بأربعة وجوه، على ضوء الكتاب والسنة المقبولة عند الفريقين). وقال في هامشه: شرح المقاصد: 5/313. الحاوي للفتاوي: 2/167. الصواعق المحرقة/99. انتهى.
أقول: نحن نقدر حجم المشكلة التي يشعر بها أئمة أتباع الخلافة، فقد بنوا كل مشروعية خلافة زعماء قريش على حديث رووه ورددناه، هو أن النبي (صلى الله عليه وآله) في مرض وفاته أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فاستدلوا بذلك على أنه أفضل من علي (عليه السلام) وأحق منه بالخلافة. فلو اعترفوا بأن نبي الله عيسى يصلي خلف الإمام المهدي حفيد علي (عليهما السلام)، لكان معناه أن فرع علي أفضل من
رسول من أولي العزم (عليهم السلام) فكيف بعلي (عليه السلام)! فلا يبقى مكان لأبي بكر وعمر؟!
لكن مشكلتهم هذه لا حل لها! بل يوجد مشكلة أصعب منها عليهم، وهي ما رووه بسند صحيح أن النبي (صلى الله عليه وآله) جعل محبي علي وفاطمة والحسنين (عليهم السلام) معه في درجته في الجنة! فهو يدل عن مكانة العترة كما يدل على أن الدرجة في الجنة تتسع لملايين! روى أحمد: 1/77، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخذ بيد حسن وحسين (رضي الله عنهما) فقال من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة). ورواه من مصادرنا: كامل الزيارة/117، وأمالي الصدوق/299 و374، وغيرهما. ومن مصادرهم الترمذي: 5/305، وحسنه، والطبراني في المعجم الكبير: 3/50، والصغير: 2/70، والخطيب في الإكمال للخطيب/173، وقال: والحديث صحيح بشواهده. وتاريخ دمشق: 13/196، وأسد الغابة: 4/29، وتهذيب الكمال: 29/360، وقال: قال عبد الله بن أحمد: لما حدث نصر بن علي بهذا الحديث أمر المتوكل بضربه ألف سوط! فكلمه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له: هذا الرجل من أهل السنة ولم يزل به حتى تركه! والذهبي في تاريخ الإسلام: 18/508، وزاد على ما في تهذيب الكمال: قال الخطيب: ظنه المتوكل رافضياً فلما علم أنه من أهل السنة تركه. وقال ابن أبي دؤاد: كان المستعين بالله بعث إلى نصر بن علي يشخصه للقضاء فدعاه عبد الملك أمير البصرة فأمره بذلك، فقال: أرجع فأستخير الله (عزَّ وجلَّ)، فرجع إلى بيته نصف النهار فصلى ركعتين وقال: اللهم إن كان لي عندك خير فآقبضني إليك. فنام فأنبهوه فإذا هو ميت… وهذه كرامة ظاهرة لهذا الإمام (رحمه الله)). انتهى. وجاء الذهبي في القرن الثامن وأراد أن يحل مشكلتهم بالصراخ! قال: إسناده ضعيف والمتن منكر! (سيره: 3/254) وساعده الألباني في القرن العشرين فضعف الحديث(ضعيف سنن الترمذي/504). لكنهما متأخران قروناً عمن صححه، ولا حجة لهما في تضعيف سنده إلا التعصب، ولا في تضعيف متنه إلا رد فضيلة للنبي وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم ومن أحبهم، لكن ينبغي أن نشكرهما لأنهما لم يحكما بجلد راويه ألف عصا، كما فعل إمامهم المتوكل!
المسألة الثالثة: تأثير عيسى (عليه السلام) في الشعوب المسيحية
ودوره في تعميم الإسلام في العالم، فلا بد أنه سيكون له (عليه السلام) تأثير أساسي في توعية الشعوب الغربية وتغيير الأوضاع السياسية، وقد ورد أنه (عليه السلام) يحتج على الروم بالمهدي (عليهما السلام) والآيات التي تظهر على يديه، ففي النعماني/146، عن عبد الله بن ضمرة، عن كعب الأحبار قال في حديث طويل: ومن نسل علي القائم المهدي الذي يبدل الأرض غير الأرض، وبه يحتج عيسى بن مريم على نصارى الروم والصين). وعنه البحار: 52/226. ومعناه أن الآيات التي سيظهرها الله تعالى على يد المهدي (عليه السلام) ستكون بمستوى أن يحتج بها الأنبياء أولوا العزم (عليهم السلام).
المسألة الرابعة: في مدة بقاء عيسى (عليه السلام) في الأرض
وردت في ذلك روايات تقدم عدد منها، في بعضها أنها يبقى ثلاثون سنة، وفي بعضها أربعون ويموت في حياة الإمام المهدي (عليه السلام) وشذت رواية مرسلة نقلها في إلزام الناصب أن الإمام المهدي يموت في حياة عيسى (عليهما السلام) ولعلها تصحيف. قال في: 2/182، في نسخة مرسلة من خطبة البيان: (بعد ذلك يموت المهدي ويدفنه عيسى بن مريم في المدينة بقرب قبر جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقبض الملك روحه من الحرمين وكذلك يموت عيسى ويموت أبو محمد الخضر ويموت جميع أنصار المهدي ووزراؤه وتبقى الدنيا إلى حيث ما كانوا عليه من الجهالات والضلالات وترجع الناس إلى الكفر فعند ذلك يبدأ الله بخراب المدن والبلدان). انتهى. ويظهر أنه نص متأثر بروايات كعب الأحبار. كما ورد أن المسلمين يقاتلون مع عيسى اليهود والروم والدجال، وأنه يحج إلى بيت الله الحرام كل عام، ويتزوج ويولد له، ثم يتوفاه الله تعالى ويدفنه المسلمون. وكنت رأيت أن الإمام المهدي (عليه السلام) يتولى مراسم دفنه على أعين الناس حتى لا يقول فيه النصارى ما قالوه فيه أولاً، وأنه يكفنه بثوب من غزل أمه الصديقة مريم (عليها السلام) ويدفنه في القدس في قبرها. ثم لم أعثر على المصدر.
* * *
الفصل الثامن والعشرون: الروم في عصر الظهور وبعده
الروم ودورهم في عصر الظهور
المقصود بالروم في أحاديث آخر الزمان وظهور المهدي (عليه السلام): الشعوب الأوربية وامتدادهم في القرون الأخيرة في أمريكا، فهؤلاء هم أبناء الروم وورثة إمبراطوريتهم التاريخية. وقد يقال: إن الروم الذين أنزل الله تعالى سورة بغسمهم في كتابه، والذين حاربهم النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمون من بعده غير هؤلاء. فأولئك هم البيزنطيون الذين كانت عاصمتهم مدينة روما في إيطاليا، ثم صارت مدينة القسطنطينية حتى فتحها المسلمون أخيراً قبل نخو خمسة قرون، وسموها (إسلام بول) ويلفظها الناس استنبول.
والجواب: إن الروم الذين سمى الله السورة باسمهم وصدرت فيهم الأحاديث الشريفة هم أنفسهم أصحاب الإمبراطورية الرومية أو البيزنطية المعروفة. وهم أنفسهم الغربيون الفعليون، فهم أحفادهم وامتدادهم السياسي والحضاري، وقد كانت الشعوب الأوربية من فرنسية وبريطانية وألمانية وغيرها، أجزاء حقيقية من الإمبراطورية الرومية في ثقافتها وسياستها ودينها. وتسمية مناطقهم آنذاك بالمستعمرات الرومانية لا يلغي هذه الحقيقة، بل إن أباطرة الروم البيزنطيين أنفسهم في روما وقسطنطينة على مدى الألفي سنة، لم يكونوا كلهم من أصل إيطالي فقط،
بل من أصول وأعراق أوربية متعددة، كما أن اليونان صارت جزءً من الإمبراطورية الرومانية. وهذا السبب في أنه عندما ضعفت الإمبراطورية الرومية وأصبحت محصورة في القسطنطينية وما حولها ومحاصرة ببحر الشعوب الإسلامية، قام الأوربيون بادعاء وراثتها، وتسمى عدد من ملوكهم في ألمانيا وغيرها بالقياصرة.
والتحولات في الإمبراطوريات أمر طبيعي حيث ينتقل الحكم فيها من بلد إلى بلد ومن شعب إلى شعب، ولا ينافي ذلك بقاء اسمها الأساسي وصفاتها الأساسية.
وعلى هذا، فالأحاديث التي تخبر عن مستقبل الروم أو بني الأصفر كما يسميهم العرب، تشمل كل الشعوب والقبائل الفرنجية التابعة لهم، لذلك سماهم المسلمون الروم الفرنجة أحياناً، وجمعوا اسمهم على (الأروام).
كثرة المكذوبات حول الروم
من الصعوبة بمكان أن تقوم بتصفية الصحيح في أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) والروم، من بين سيل المكذوبات التي تغص بها مصادر رواة الخلافة القرشية، ولعل رائدهم في ذلك ابن حماد المتوفى سنة227هجرية، وهو من كبار أئمتهم ومن شيوخ بخاري وغيره من المؤلفين، فقد سوَّدَ عشرات الصفحات في كتابه الفتن حول الروم والملاحم الموعودة معهم، قلَّما تجد بينها حديثاً يمكنك نسبته إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أو أثراً معقولاً عن الصحابة والتابعين!
يصور رواة ابن حماد أن مستقبل العالم سينتهي قريباً بعد سنوات! فعندما يفتح المسلمون القسطنطينية سيخرج الدجال ثم يخرج عيسى والمهدي (عليهما السلام)، ثم تخرج يأجوج ومأجوج، ودابة الأرض، ثم تخرج نار من عدن تسوق الناس إلى المحشر، ثم تهبُّ ريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين، ثم يموت الباقون بعد أربعين يوماً! كل ذلك في مدة قصيرة نحو خمسين سنة!
هذا هو المشهد في رواياتهم أو الفيلم، ومُخْرِجُه كعب الأحبار وتلاميذه من
الصحابة والتابعين! وقد بحثنا هذه المشكلة في فصل الدجال وأثبتنا فيها تحويلهم مقولات كعب إلى أحاديث نبوية! فكيف يمكنك استخلاص أحاديث الرسول الأمين (صلى الله عليه وآله) الذي لا ينطق عن الهوى، من بين هذا الركام الذي أنتجته مخيلاتهم وأسقطوا عليه أوضاع عصرهم وبداوتهم ومشاكلهم، وفي مقدمتها فتح القسطنطينية الذي استعصى على المسلمين وفشلت غزواتهم لها على مدى تسعة قرون، حتى فتحها القائد العثماني محمد الفاتح سنة875 هجرية؟!
إستمع إلى إمامهم ابن حماد يحدثك عن المهدي والروم والقسطنطينية:
قال في الفتن: 2/475 و548 و679: (عن عبد الله بن عمرو قال: ملاحم الناس خمس: فثنتان قد مضتا، وثلاث في هذه الأمة ملحمة الترك وملحمة الروم وملحمة الدجال ليس بعد ملحمة الدجال ملحمة).
وفي: 2/519 و597: (عن وهب بن منبه قال: أول الآيات الروم، ثم الثانية الدجال، والثالثة يأجوج، والرابعة عيسى بن مريم (عليه السلام). وفي إحداها: ثم عيسى، ثم الدخان).
وفي: 2/523: (عن كعب قال لا يخرج الدجال حتى تفتح المدينة... عن بشير بن عبد الله بن يسار قال: أخذ عبد الله بن بسر المزني صاحب رسول الله بأذني، فقال: يا ابن أخي لعلك تدرك فتح القسطنطينية، فإياك إن أدركت فتحها أن تترك غنيمتك منها!! فإن بين فتحها وبين خروج الدجال سبع سنين. ونحوه: 2/692.. عبد الله بن عمرو قال: يخرج الدجال بعد فتح القسطنطينية قبل نزول عيسى بن مريم ببيت المقدس).
وفي: 2/524: (عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر، قال وأخبرنا صفوان عن أبي اليمان عن كعب مثله... وأخبرني ضمرة بن حبيب أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أبي بحرية أنه بلغه أنك تحدث عن معاذ في الملحمة والقسطنطينية وخروج الدجال؟ فكتب إليه أبو بحرية: إنه سمع معاذاً يقول: الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر... عن ابن محيريز قال: الملحمة العظمى وخراب
القسطنطينية وخروج الدجال حمل امرأة.. عن عبد الله بن بسر عن النبي (صلى الله عليه وآله): بين الملحمة وفتح القسطنطينية ست سنين ويخرج الدجال في السنة السابعة... عن كعب قال: يخرج الدجال في سنة ثمانين والله أعلم. أي الثمانين ثمانين ومائتين أو غيرها. عن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لن يجمع الله على هذه الأمة سيف الدجال وسيف الملحمة). وفي: 2/527: (بلغني أن الدجال يخرج بعد فتح القسطنطينية وبعدما يقيم المسلمون فيها ثلاث سنين وأربعة أشهر وعشراً). وفي: 2/530: (عن كعب: يأتيهم الخبر بعد فتحها يعني فتح القسطنطينية فيرفضون ما في أيديهم فيخرجون فيجدونه باطلاً! لا يخرج الدجال إلا بعدها، تتعلق به حية إلى جانب البحر ثم يخرج! وفي رواية تتعلق به حية إلى ساحل البحر).
وفي: 2/483: (عن عمير بن مالك قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص بالأسكندرية يوماً فذكروا فتح القسطنطينية ورومية فقال بعض القوم تفتح القسطنطينية قبل رومية وقال بعضهم تفتح رومية قبل القسطنطينية فدعا عبد الله بن عمرو بصندوق له فيه كتاب فقال تفتح القسطنطينية قبل رومية ثم تغزون رومية بعد القسطنطينية فتفتحونها وإلا فأنا عبد الله من الكاذبين يقولها ثلاث مرات)!
وفي: 2/499: (عبد الله بن عمرو يقول: يوشك أن يخرج حمل الضان ثلاث مرار. قلت: ما حمل الضان؟ قال: رجل أحد أبويه شيطان يملك الروم يجيء في ألف ألف وخمس مائة ألف ألف ألف في البر، وخمس مائة ألف في البحر، حتى ينزل أرضاً يقال لها العمق فيقول لأصحابه: إن لي في سفنكم طلبة، فإذا نزلوا عنها أمر بها فأحرقت، ثم يقول لا قسطنطينية لكم ولا رومية، فمن شاء فليقم! ويستمد المسلمون بعضهم بعضاً، فذكر الحديث حتى تستفتحوا القسطنطينية الزانية! إني لأجدها في كتاب الله تعالى الزانية). وفي: 1/399: (عن محمد بن الحنفية قال: ينزل خليفة من بني هاشم بيت المقدس يملأ الأرض عدلاً يبني بيت المقدس بناء لم يبن مثله... ثم يجتمعون له بالعمق فيموت فيها غماً..).
وفي: 2/466: (شريح بن عبيد قال: سمعت كعب الحبر يقول: سميت القسطنطينية بخراب بيت المقدس فتعززت وتجبرت فدعيت المستكبرة وقالت يكون عرش ربي بني على الماء فقد بنيت على الماء، فوعدها الله تعالى العذاب قبل يوم القيامة فقال: لأنزعن حليك وحريرك وخميرك ولأتركنك لا يصيح فيك ديك ولا أجعل لك عامراً إلا الثعالب ولا نباتاً إلا الحجارة والينبوت، ولأنزلن عليك ثلاث نيران نار من زفت ونار من كبريت ونار من نفط، ولأتركنك جلحاء قرعاء لا يحول بينك وبين السماء شيء، وليبلغني صوتك ودخانك وأنا في السماء فإنه طال ما أشرك بالله تعالى فيها وعبد غيره وليقترعن فيها بجوارٍ ما يكدن يرين الشمس من حسنهن فلا يعجزن من بلغ منكم أن يمشي منكم إلى بيت بلاط ملكهم، فإنكم ستجدون فيه كنز اثني عشر ملكاً من ملوكهم كلهم يزيد فيه ولا ينقص منه، على تماثيل بقر أو خيل من نحاس يجري على رؤسها الماء فليقتسمن كنوزها كيلاً بالأترسة وقطعاً بالفؤس، فإنكم منه على ذلك حتى يعجلكم النار التي وعدها الله فتحتملون ما استطعتم من كنوزها حتى تقتسموه بالفرقدونه، فيأتيكم آت من قبل الشام إن الدجال قد خرج فترفضون ما في أيديكم فإذا بلغتم الشام وجدتم الأمر باطلاً، وإنما هي نَفْجَة كذب).
وفي: 2/494: (عن كعب قال: إن لله تعالى في الروم ثلاث ذبائح أولهن اليرموك والثانية في نقس يعني التمرة وهي حمص، والثالثة الأعماق.. عن كعب قال: لا تفتح القسطنطينية حتى تفتح كليتها! قيل: وما كليتها قال عمورية.. عن كعب قال: في الملحمة العظمى تخرب سواحل الشام حتى تبكي السواحل من خرابها كبكاء المدن والقرى).
ونختم بما رواه ابن حماد وتفاخر به عن مؤلفات كعب الأحبار، أستاذهم جميعاً وبائع هذا الحشو للخليفة فمن دونه. قال في: 2/492: (عن سعيد بن جابر قال له رجل من آل معاوية: ألا تقرأ صحيفة من صحف أخيك كعب؟ قال فطرح إليَّ صحيفة مكتوب فيها: قل لصور مدينة الروم، وهي تسمى بأسماء كثيرة، قل لصور بما
عتيتِ عن أمري وتجبرت بعد بجبروتك عنه: تباريْ بجبروتك عن جبروتي وتمثلين، يكون فلكك منه بعرشي، لأبعثن عليك عبادي الأميين وولد سبأ أهل اليمن الذين يردون الذكر كما ترد الطير الجياع اللحم، وكما ترد الغنم العطاش الماء، ولأنزعن الله قلوب أهلك ولأشدن عمر قلوبهم ولأجعلن كل صوت أحدهم عند الباس كصوت الأسد يخرج من الغابة فيصيح به الرعاة فلا تزده أصواتهم إلا جرأة وشدة، ولأجعلن كل حوافر خيولهم كالحديد على الصفا ليدرك يوم الباس، ولأشدن عمر أوتار قسيهم ولأتركنك لأنه جلحاء للشمس، ولأتركنك لا ساكن لك إلا الطير والوحش، ولأجعلن كل حجارتك ولو كبريتاً ولأجعلن كل دخانك يحول دون طير السماء، ولأسمعن جزائر البحر صوتك.. في وعيد كثير لم يحفظه كله). إلى آخر هذه خيالاته!
أقول: هذا يدل على أن كعباً كان يؤلف وينشر حشوه بين المسلمين، ويزعم أنه وحيٌ عن لسان الله تعالى وجده في التوراة أو أنزل عليه! ولم ينس كعب أن يجعل لليمانيين سهماً في فتح القسطنطينية، لكن الله تعالى كذَّبه وجعل فتحها بعد ثمانية قرون على يد الأتراك الذين ليس فيهم يماني ولا عربي! كما يظهر أن كعباً كان يخص الطبقة الحاكمة بمؤلفاته! فهذه الصحائف أهداها لمعاوية، لأن الذي كان يحتفظ بها من آل معاوية!
كما كان كعب الأحبار يرافق جيش الفتح أحياناً إلى المناطق الآمنة ويحدثهم بمغيباته! فقد روى عمر بن شبة في تاريخ المدينة: 3/1117، أن محمد بن أبي حذيفة الأموي وهو من قادة الفتح كان يهزأ بكلام كعب! (عن محمد بن سيرين قال: ركب كعب الأحبار ومحمد بن أبي حذيفة في سفينة قِبَلَ الشام، زمن عثمان في غزوة غزاها المسلمون، فقال محمد لكعب: كيف تجد نعت سفينتنا هذه في التوراة تجري غداً في البحر؟! فقال كعب: يا محمد لا تسخر بالتوراة، فإن التوراة كتاب الله. قال: