كمال الدّين وتمام النّعمة
المؤلف: محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
فهرس عام لموضوعات الكتاب
مقدمة المصنف..................13
سبب تأليف الكتاب..................15
الخليفة قبل الخليقة..................16
وجوب طاعة الخليفة..................17
ليس لأحد أن يختار الخليفة إلّا الله (عزَّ وجلَّ)..................20
وجوب وحدة الخليفة في كلِّ عصر..................21
لزوم وجود الخليفة..................21
وجوب عصمة الإمام..................22
السرُّ في أمره تعالى الملائكة بالسجود لآدم (عليه السلام)..................25
مباحثة المؤلّف مع رجل في مدينة السلام في أمر الغيبة..................28
مباحثة له أخرى مع رجل آخر في أمر الغيبة..................30
وجوب معرفة المهدي (عجّل الله تعالى فرجه)..................30
إثبات الغيبة والحكمة فيها..................31
إثبات المشاكلة بين الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) في أمور..................34
وجه آخر لإثبات المشاكلة..................36
ردُّ إشكال المخالفين..................39
مذهب الكيسانيّة..................42
ما روي في وفاة محمّد بن الحنفيّة..................45
إبطال قول الناووسية والواقفة في موسى بن جعفر (عليهما السلام)..................46
ما روي في وفاة موسى بن جعفر (عليهما السلام)..................46
ادّعاء الواقفة الغيبة على العسكري (عليه السلام)..................49
ما روي في صحّة وفاة الحسن بن عليِّ بن محمّد العسكريِّ (عليهما السلام)..................49
جواب اعتراض من قال: أنَّ الغيبة ما بالها وقعت فيه (عليه السلام) دون من تقدَّمه..................54
جواب عن اعتراض آخر..................56
اعتراضات لابن بشار..................59
أجوبة ابن قبة الرازي عن اعتراضات ابن بشّار..................61
كلام أحد المشايخ في الردِّ على الزّيديّة..................70
استدلال على وجود إمام غائب من العترة يظهر ويملا الأرض عدلاً..................71
اعتراض آخر للزيدية ودفعه..................73
اعتراض آخر لهم..................75
اعتراض آخر لهم..................76
اعتراض آخر من الزّيديّة والجواب عنه..................80
اعتراض آخر من الزّيديّة والجواب عنه..................82
ردُّ شبهات الزّيديّة أيضاً..................84
شبهات من المخالفين في الغيبة ودفعها..................88
مناظرة المؤلّف مع ملحد في مجلس ركن الدّولة..................92
أجوبة أبو سهل النوبختي عن شبهات المخالفين..................93
أجوبة ابن قبة عن شبهات أبي زيد العلويَّ..................98
كلام المؤلّف في خاتمة هذه الأبحاث..................108
الباب الأوَّل في غيبة إدريس (عليه السلام)..................129
الباب الثاني في ذكر ظهور نوح (عليه السلام) بالنبوّة..................134
الباب الثالث في غيبة صالح (عليه السلام)..................137
الباب الرابع في غيبة إبراهيم (عليه السلام)..................138
الباب الخامس في غيبة يوسف (عليه السلام)..................142
الباب السادس في غيبة موسى (عليه السلام)..................146
الباب السابع مضي موسى (عليه السلام) ووقوع الغيبة بالأوصياء..................153
الباب الثامن بشارة عيسى بن مريم (عليهما السلام) بالنبيِّ محمّد المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم)..................159
الباب التاسع خبر سلمان الفارسيِّ رحمه الله في ذلك..................161
الباب العاشر في خبر قسِّ بن ساعدة الأياديِّ..................165
الباب الحادي عشر في خبر تبّع..................168
الباب الثاني عشر في خبر عبد المطلّب وأبي طالب..................169
الباب الثالث عشر في خبر سيف بن ذي يزن..................174
الباب الرابع عشر في خبر بحيري الرّاهب..................178
الباب الخامس عشر قصّة كبير الرُّهبان في طريق الشام ومعرفته بأمر النبيِّ..................183
الباب السادس عشر في خبر أبي المويهب الرّاهب..................185
الباب السابع عشر خبر سطيح الكاهن..................186
الباب الثامن عشر خبر يوسف اليهوديِّ بالنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)..................189
الباب التاسع عشر خبر دواس بن حواض المقبل من الشام..................191
الباب العشرون خبر زيد بن عمرو بن نفيل..................191
الباب الحادي والعشرون العلّة الّتي من أجلها يحتاج إلى الإمام (عليه السلام)..................194
الباب الثاني والعشرون اتصال الوصية من لدن آدم (عليه السلام)..................203
الباب الثالث والعشرون نصُّ الله تعالى على القائم (عليه السلام)..................238
الباب الرابع والعشرون نصُّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على القائم (عليه السلام)..................244
الباب الخامس والعشرون ما أخبر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من وقوع الغيبة..................271
الباب السادس والعشرون ما أخبر به أمير المؤمنين (عليه السلام) من وقوع الغيبة..................273
الباب السابع والعشرون ما روي عن سيدة نساء العالمين (عليها السلام) من أمر القائم (عليه السلام)..................288
الباب الثامن والعشرون خبر اللّوح..................290
الباب التاسع والعشرون ما أخبر به الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) من وقوع الغيبة..................294
الباب الثلاثون ما أخبر به الحسين بن عليّ (عليهما السلام) من وقوع الغيبة..................297
الباب الحادي والثلاثون ما أخبر به عليّ بن الحسين (عليهما السلام) من وقوع الغيبة..................299
الباب الثاني والعشرون ما أخبر به الباقر (عليه السلام) من وقوع الغيبة..................304
الجزء الثاني..................313
الباب الثالث والعشرون ما أخبر به الصادق (عليه السلام) من وقوع الغيبة..................313
الباب الرابع والثلاثون ما أخبر به الكاظم (عليه السلام) من وقوع الغيبة..................336
ذكر كلام هشام بن الحكم رضي الله عنه في هذا المجلس وما آل إليه أمره..................338
الباب الخامس والثلاثون ما أخبر به الرِّضا (عليه السلام) من وقوع الغيبة..................345
الباب السادس والثلاثون ما أخبر به الجواد (عليه السلام) من وقوع الغيبة..................351
الباب السابع والثلاثون ما أخبر به الهاديُّ (عليه السلام) من وقوع الغيبة..................353
الباب الثامن والثلاثون ما أخبر به العسكريُّ (عليه السلام) من وقوع الغيبة..................357
ما روي من حديث الخضر (عليه السلام)..................358
ما روي من حديث ذى القرنين..................363
الباب التاسع والثلاثون فيمن أنكر القائم (عليه السلام)..................377
الباب الأربعون الإمامة لا تجتمع في أخوين إلّا الحسنين (عليهما السلام)..................381
الباب الحادي والاربعون ما روي في نرجس أُم القائم (عليه السلام)..................384
الباب الثاني والأربعون ما روي في ميلاد القائم (عليه السلام)..................389
الباب الثالث والأربعون من هنأ أبا محمّد العسكريِّ بولادة القائم (عليه السلام) ورآه وكلمه..................399
باب من شاهد القائم (عليه السلام) ورآه وكلّمه..................399
الباب الرابع والأربعون علّة الغيبة..................435
الباب الخامس والأربعون ذكر التوقيعات..................438
الباب السادس والأربعون ما جاء في التعمير..................473
الباب السابع والأربعون حديث الدّجّال..................476
الباب الثامن والأربعون حديث عيسى (عليه السلام) في أرض نينوى..................483
الباب التاسع والأربعون حديث حبابة الوالبيّة..................486
الباب الخمسون حديث معمر المغربيِّ..................488
الباب الحادي والخمسون حديث عبيد بن شرية..................496
الباب الثاني والخمسون حديث الربيع بن الضبع الفزاريّ..................497
الباب الثالث والخمسون حديث شقِّ الكاهن..................499
الباب الرابع والخمسون حديث شدّاد وجنته..................500
ذكر المعمّرين..................503
قصّة بلوهر ويوذاسف..................521
الباب وجه ايراد القصص في الكتاب..................579
الباب الخامس والخمسون ما روي في ثواب المنتظر للفرج..................584
الباب السادس والخمسون النهي عن تسمية القائم (عليه السلام)..................587
الباب السابع والخمسون علامات خروج القائم (عليه السلام)..................588
الباب الثامن والخمسون نوادر الكتاب..................595
تحقيقات المؤلّف حول معنى الفترة..................596
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الحيِّ القادر العليم الحكيم، تقدِّس وتعالى عن صفة المخلوقين، ذي الجلال والإكرام، والأفضال والإنعام، والمشيئة النافذة والإرادة الكاملة، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير.
وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، خالق كل شيء، ومالك كلِّ شيء وجاعل كلِّ شيء، ومحدث كلِّ شيء، وربُّ كلِّ شيء، وأنّه يقضي بالحقِّ، ويعدل في الحكم، ويحكم بالقسط، ويأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، ولا يكلّف نفساً إلّا وسعها، ولا يحملها فوق طاقتها، وله الحجّة البالغة، ولو شاء لهدى النّاس أجمعين، يدعو إلى دار السلام، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
لا يعجّل بالعقوبة ولا يعذّب إلا بعد إيضاح الحجة وتقديم الآيات والنّذارة، لم يستعبد عباده بما لم يبيّنه لهم، ولم يأمرهم إطاعة من لم ينصبه لهم، ولم يكلهم إلى أنفسهم واختيارهم وآرائهم بطاعته واختراعهم في خلافته(1)، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في بعض النسخ (في دينه).
وأشهد أنَّ محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عبده ورسوله وأمينه، وأنّه بلّغ عن ربّه، ودعا إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وعمل بالكتاب وأمر باتّباعه، وأوصى بالتمسك به وبعترته الأئمة بعده(2) صلوات الله عليهم، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه حوضه، وإنَّ اعتصام المسلمين بهما على المحجَّة الواضحة(3)، والطريقة المستقيمة، والحنيفيّة البيضاء التي ليلها كنهارها، وباطنها كظاهرها، ولم يدع أمّته في شبهة ولا عمى من أمره، ولم يدخر عنهم دلالة ولا نصيحة ولا هداية، ولم يدع برهاناً ولا حجّة إلّا أوضح سبيلها وأقام لهم دليلها لئلا يكون للنّاس على الله حجة بعد الرُّسل، وليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بيّنة.
وأشهد أنّه ليس بمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، وأنَّ الله يخلق من يشاء ويختار، وأنّهم لا يؤمنون حتى يحكموه فيما شجر بينهم، ثمَّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضاه ويسلّموا تسليماً، وإنَّ من حرَّم حلالاً ومن حلّل حراماً، أو غيّر سنّةً، أو نقصّ فريضة، أو بدلّ شريعة، أو أحدث بدعة يريد أن يُتّبع عليها ويصرف وجوه النّاس إليها فقد أقام نفسه لله شريكاً، ومن أطاعه فقد ادعى مع الله ربّاً، وباء بغضب من الله ومأواه النار وبئس مثوى الظالمين، وحبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين. وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
قال الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيِّ مصنف هذا الكتاب - أعانه الله على طاعته -: إنَّ الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا: أنّي لمّا قضيت وطري من زيارة عليِّ بن موسى الرضا صلوات الله عليه رجعت إلىَّ نيسابور وأقمت بها، فوجدت أكثر المختلفين إليَّ(4) من الشيعة قد حيّرتهم الغيبة، ودخلت عليهم في أمر القائم (عليه السلام) الشبهة، وعدلوا عن طريق التسليم إلى الآراء والمقائيس، فجعلت أبذل مجهودي في إرشادهم إلى الحقِّ وردِّهم إلى الصواب بالأخبار الواردة في ذلك عن النبيِّ والأئمة صلوات الله عليهم، حتّى ورد إلينا من بخارا شيخ من أهل الفضل والعلم والنباهة ببلد قمّ، طال ما تمنّيت لقاءه واشتقت إلى مشاهدته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) في نسخة (بعد وفاته).
(3) في بعض النسخ (وانه يدل المسلمين بهما على المحجة الواضحة).
(4) الاختلاف بمعنى التردد أي الذهاب والمجيء.
لدينه وسديد رأيه واستقامة طريقته، وهو الشيخ نجم الدِّين أبو سعيد محمّد بن الحسن بن محمّد بن أحمد بن عليِّ بن الصلت القّميِّ - أدام الله توفيقه - وكان أبي يروي عن جده محمّد بن أحمد بن عليِّ بن الصّلت - قدِّس الله روحه - ويصف علمه وعمله وزهده وفضله وعبادته، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى في فضله وجلالته يروي عن أبي طالب عبد الله ابن الصّلت القمّيِّ رضي الله عنه وبقي(5) حتّى لقيه محمّد بن الحسن الصفّار وروى عنه، فلمّا أظفرني الله تعالى ذكره بهذا الشيخ الّذي هو من أهل هذا البيت الرفيع شكرت الله تعالى ذكره على ما يسرّ لي من لقائه وأكرمني به من إخائه وحباني به من ودّه وصفائه، فبينا هو يحدثني ذات يوم إذ ذكر لي عن رجل قد لقيه ببخارا من كبار الفلاسفة والمنطقيين كلاماً في القائم (عليه السلام) قد حيره وشككه في أمره لطول غيبته وانقطاع أخباره، فذكرت له فصولا في إثبات كونه (عليه السلام) ورويت له أخبارا في غيبته عن النبيِّ والأئمة (عليهم السلام) سكنت إليها نفسه، وزال بها عن قلبه ما كان دخل عليه من الشكِّ والارتياب والشبهة، وتلقّى ما سمعه من الآثار الصحيحة بالسّمع والطاعة والقبول والتسليم، وسألني أن أصنّف [له] في هذا المعنى كتاباً، فأجبته إلى ملتمسه ووعدته جمع ما ابتغى إذا سهّل الله لي العود إلى مستقرِّي ووطني بالرَّي.
فبينا أنا ذات ليلة أفكر فيما خلّفت ورائي من أهل وولد وإخوان ونعمة إذ غلبني النوم فرأيت كأنّي بمكة أطوف حول بيت الله الحرام وأنا في الشوط السّابع عند الحجر الأسود أستلمه وأقبّله، وأقول: (أمانتي أدّيتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة) فأرى مولانا القائم صاحب الزّمان - صلوات الله عليه - واقفاً بباب الكعبة، فأدنو منه على شغل قلب وتقسّم فكر، فعلم (عليه السلام) ما في نفسي بتفرُّسه في وجهي، فسلّمت عليه فردَّ عليَّ السّلام، ثم قال لي: لم لا تصنّف كتاباً في الغيبة حتّى تكفي ما قد همّك؟ فقلت له: يا بن رسول الله قد صنّفت في الغيبة أشياء، فقال (عليه السلام): ليس على ذلك السّبيل آمرك أن تصنّف [ولكن صنّف](6) الآن كتاباً في الغيبة واذكر فيه غيبات الأنبياء (عليهم السلام).
ثم مضى صلوات الله عليه، فانتبهت فزعاً إلى الدُّعاء والبكاء والبث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والشكوى إلى وقت طلوع الفجر، فلمّا أصبحت ابتدأت في تأليف هذا الكتاب ممتثلا لأمر ولي الله وحجّته، مستعيناً بالله ومتوكّلا عليه ومستغفراً من التقصير، وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
الخليفة قبل الخليقة: (7)
أما بعد فانَّ الله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه: (وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة - الآية)(8) فبدأ عزّ وجلّ بالخليفة قبل الخليقة، فدلَّ ذلك على أنَّ الحكمة في الخليفة أبلغ من الحكمة في الخليقة، فلذلك ابتدأ به لأنه سبحانه حكيم، والحكيم من يبدأ بالأهم دون الأعمِّ، وذلك تصديق قول الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) حيث يقول: (الحجّة قبل الخلق، ومع الخلق، وبعد الخلق) ولو خلق الله عزّ وجلّ الخليقة خلوا من الخليفة لكان قد عرضهم للتلّف، ولم يردع السّفيه عن سفهه بالنوع الذي توجب حكمته من إقامة الحدود وتقويم المفسد. واللّحظة الواحدة لا تسوغ الحكمة ضرب صفح عنها(9)، إنّ الحكمة تعمُّ كما أن الطاعة تعمُّ، ومن زعم أن الدنيا تخلو ساعة من إمام لزمه أن يصحح مذهب البراهمة في إبطالهم الرسالة، ولو لا أنَّ القرآن نزل بأنَّ محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاتم الأنبياء لوجب كون رسول في كلَّ وقت، فلمّا صح ذلك لارتفع معنى كون الرَّسول بعده وبقيت الصورة المستدعية للخليفة في العقل، وذلك أنَّ الله تقدس ذكره لا يدعو إلى سبب إلّا بعد أن يصور في العقول حقائقه، وإذا لم يصوّر ذلك لم تتّسق الدعوة ولم تثبت الحجّة، وذلك أنَّ الأشياء تألف أشكالها، وتنبو عن أضدادها. فلو كان في العقل إنكار الرُّسل لما بعث الله عزّ وجلّ نبيّاً قط.
مثال ذلك الطبيب يعالج المريض بما يوافق طباعه، ولو عالجه بدواء يخالف طباعه أدّى ذلك إلى تلفه، فثبت أن الله أحكم الحاكمين لا يدعو إلى سبب إلّا وله في العقول صورة ثابتة، وبالخليفة يستدلُّ على المستخلف كما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) العنوان هنا وما يأتي في المقدمة منا أضفناها تسهيلا للباحثين.
(8) البقرة: 30.
(9) يعنى عن اقامة الحدود.
جرت به العادة في العامة والخاصة، وفي المتعارف متى استخلف ملك ظالماً استدلَّ بظلم خليفته على ظلم مستخلفه وإذا كان عادلاً استدل بعدله على عدل مستخلفه، فثبت أنَّ خلافة الله توجب العصمة ولا يكون الخليفة إلّا معصوماً.
وجوب طاعة الخليفة:
ولمّا استخلف الله عزّ وجلّ آدم في الأرض أوجب على أهل السماوات الطاعة له فكيف الظنُّ بأهل الأرض، ولمّا أوجب الله عزّ وجلّ على الخلق الإيمان بملائكة الله وأوجب على الملائكة السجود لخليفة الله، ثمَّ لمّا امتنع ممتنع من الجنِّ عن السّجود له أحلَّ به الذل والصغار والدِّمار، وأخزاه ولعنه إلى يوم القيامة، علمنا بذلك رتبة الإمام وفضله، وانَّ الله تبارك وتعالى لمّا أعلم الملائكة أنّه جاعل في الأرض خليفة أشهدهم على ذلك لان العلم شهادة فلزم من ادَّعى أنَّ الخلق يختار الخليفة أن تشهد ملائكة الله كلّهم عن آخرهم عليه، والشهادة العظيمة تدلُّ على الخطب العظيم كما جرت به العادة في الشاهد فكيف وأنّى ينجو صاحب الاختيار من عذاب الله وقد شهدت عليه ملائكة الله أوّلهم وآخرهم، وكيف وأنى يعذّب صاحب النصِّ وقد شهدت له ملائكة الله كلهم.
وله وجه آخر وهو أنَّ القضية في الخليفة باقية إلى يوم القيامة، ومن زعم أنّ الخليفة أراد به النبوَّة فقد أخطأ من وجه، وذلك أنّ الله عزّ وجلّ وعد أن يستخلف من هذه الأُمة (الفاضلة) خلفاء راشدين كما قال جلَّ وتقدَّس: (وعد الله الّذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً)(10) ولو كانت قضية الخلافة قضية النبوّة أوجب حكم الاية أن يبعث الله عزّ وجلّ نبيا بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وما صح قوله: (وخاتم النبيّين)(11) فثبت أنَّ الوعد من الله (عزَّ وجلَّ) ثابت من غير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبوَّة وثبت أنَّ الخلافة تخالف النبوَّة بوجه وقد يكون الخليفة غير نبيِّ ولا يكون النبيُّ إلّا خليفة.
وآخر: هو أنَّه (عزَّ وجلَّ) أراد أن يظهر باستعباده الخلق بالسجود لآدم (عليه السلام) نفاق المنافق وإخلاص المخلص كما كشفت الأيّام والخبر عن قناعيهما أعني ملائكة الله والشيطان، ولو وكل ذلك المعنى - من اختيار الإمام - إلى من أضمر سوءا لما كشفت الأيّام عنه بالتعرُّض، وذلك أنَّه يختار المنافق من سمحت نفسه بطاعته والسجود له، فكيف وأنّى يوصل إلى ما في الضمائر من النفاق والإخلاص والحسد والدَّاء - الدَّفين.
ووجه آخر: وهو أنَّ الكلمة تتفاضل على أقدار المخاطب والمخاطَب، فخطاب الرَّجل عبده يخالف خطاب سيّده، والمخاطب كان الله (عزَّ وجلَّ)، والمخاطَبون ملائكة الله أوَّلهم وآخرهم، والكلمة العموم لها مصلحة عموم كما أنَّ الكلمة الخصوص لها مصلحة خصوص، والمثوبة في العموم أجل من المثوبة في الخصوص كالتوحيد الّذي هو عموم على عامّة خلق الله يخالف الحجَّ والزَّكاة وسائر أبواب الشرع الّذي هو خصوص فقوله (عزَّ وجلَّ): (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) دلَّ على أنَّ فيه معنى من معاني التوحيد لما أخرجه مخرج العموم، والكلمة إذا جاورت الكلمة في معنى لزمها ما لزم أختها إذا جمعهما معنى واحد، ووجه ذلك أنَّ الله سبحانه علم أنَّ من خلقه من يوحده ويأتمر لامره، وأن لهم أعداء يعيبونهم ويستبيحوا حريمهم، ولو أنَّه (عزَّ وجلَّ) قصر الأيدي عنهم جبراً وقهراً لبطلت الحكمة وثبت الاجبار رأساً(12)، وبطل الثواب والعقاب والعبادات، ولمّا استحال ذلك وجب أن يدفع عن أوليائه بضرب من الضروب لا تبطل به ومعه العبادات والمثوبات فكان الوجه في ذلك إقامة الحدود كالقطع والصلب والقتل والحبس وتحصيل الحقوق كما قيل: (ما يزع السّلطان أكثر ممّا يزع القرآن)(13) وقد نطق بمثله قوله (عزَّ وجلَّ): (لأنتم أشد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) في بعض النسخ (لبطلت الحكمة وتنيه الاختيار). وفي بعضها (وفائدة الاختيار) وفي بعضها (وتب الاختيار).
(13) أي ما يمنع الحاكم أكثر مما يمنع القرآن.
رهبة في صدورهم من الله)(14) فوجب أن ينصب (عزَّ وجلَّ) خليفة يقصر من أيدي أعدائه عن أوليائه ما تصحُّ به ومعه الولاية لأنه لا ولاية مع من أغفل الحقوق وضيّع الواجبات ووجب خلعه في العقول. جلَّ الله تعالى عن ذلك، والخليفة اسم مشترك لانّه لو أنَّ رجلاً بنى مسجداً ولم يؤذِّن فيه ونصب فيه مؤذِّنا كان مؤذِّنه، فأمّا إذا أذن فيه أياما ثم نصب فيه مؤذنا كان خليفته، وكذلك الصورة في العقول والمعارف متى قال البندار:(15) هذا خليفتي كان خليفته على البندرة لا على البريد والمظالم، فكذلك القول في صاحبي البريد والمظالم، فثبت أنَّ الخليفة من الأسماء المشتركة، فكان من صفة الله تعالى ذكره الانتصاف لأوليائه من أعدائه، فوكل من ذلك معنى إلى خليفته فلهذا الشأن استحقَّ معنى الخليفة دون معنى أن يتّخذ شريكاً معبوداً مع الله سبحانه، ولهذا من الشأن قال الله تبارك وتعالى لإبليس: (يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت) ثمّ قال: (عزَّ وجلَّ) (بيدي أستكبرت)(16) وذلك أنَّه يقطع العذر ولا يوهم أنَّه خليفة شارك الله في وحدته، فقال: بعد ما عرفت أنَّه خلق الله ما منعك أن تسجد، ثمّ قال: (بيدي أستكبرت)(17) واليد في اللغة قد تكون بمعنى النعمة وقد كان الله (عزَّ وجلَّ) عليه نعمتان حوتا نعما(18) كقوله (عزَّ وجلَّ) (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة)(19) وهما نعمتان حوتا نعماً لا تحصى، ثمّ غلّظ عليه القول بقوله (عزَّ وجلَّ): (بيديَّ استكبرت) كقول القائل بسيفي تقاتلني وبرمحي تطاعنني، وهذا أبلغ في القبح وأشنع، فقوله (عزَّ وجلَّ): (وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة) كانت كلمة متشابهة أحد وجوهها أنَّه يتصور عند الجاهل أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يستشير خلقه في معنى التبس عليه ويتصوَّر عند المستدلَّ إذا استدل على الله (عزَّ وجلَّ) بأفعاله المحكمة وجلالته الجليلة أنَّه جلَّ عن أن يلتبس عليه معنى أو يستعجم عليه حالٌ فانّه لا يعجزه شيء في السماوات والأرض والسبيل في هذه الآية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) الحشر: 13.
(15) البندار - بضم الميم -: من بيده ديوان الخراج، ويقال لمحمد بن بشار البصري: (بندار) لانه جمع حديث أهل بلده.
(16) سورة ص: 75 وتمامها (أم كنت من العالين).
(17) يعنى الباء في قوله (بيدى) ليست متعلقة بخلقت حتى تكون اليد بمعنى القدرة، بل متعلقة بفعل متأخر هو قوله (استكبرت). أقول: وفيه مالا يخفى لان الهمزة للاستفهام بقرينة (أم) وشأنها الصدر وعليه فلا يصح أن يكون ما قبلها معمولا لما بعدها كما حقق في محله، وفي حديث عن الرضا (عليه السلام) قال: يعني بقدرتي وقوتي.
(18) في بعض النسخ (جرتا نعما) وكذا ما يأتي.
(19) لقمان: 20.
المتشابهة كالسبيل في أخواتها من الآيات المتشابهات أنّها تردُّ إلى المحكمات ممّا يقطع به ومعه العذر للمتطرِّق إلى السفه والإلحاد.
فقوله: (وإذ قال ربّك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) يدلُّ على معنى هدايتهم لطاعة جليلة مقترنة بالتوحيد، نافية عن الله (عزَّ وجلَّ) الخلع والظلم وتضييع الحقوق وما تصحُّ به ومعه الولاية، فتكمل معه الحجّة، ولا يبقى لأحد عذر في إغفال حق.
وأخرى أنَّه (عزَّ وجلَّ) إذا علم استقلال أحد من عباده لمعنى من معاني الطّاعات ندبه له حتّى تحصل له به عبادة ويستحقُّ معها مثوبة على قدرها ما لو أغفل ذلك جاز أن يغفل جميع معاني حقوق خلقه أوَّلهم وآخرهم، جلَّ الله عن ذلك. فللقوَّام بحقوق الله وحقوق خلقه مثوبة جليلة متى فكّر فيها مفكر عرف أجزاءها إذ لا وصول إلى كلّها لجلالتها وعظم قدرها، وأحد معانيها وهو جزءٌ من أجزائها أنَّه يسعد بالإمام العادل النملة والبعوضة والحيوان أوَّلهم وآخرهم بدلالة قوله تعالى: (وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين)(20). ويدل على صحة ذلك قوله (عزَّ وجلَّ) في قصة نوح (عليه السلام): (فقلت استغفروا ربّكم أنَّه كان غفّاراً * يرسل السماء عليكم مدرارا - الآية)(21). ثمَّ من المدرار ما ينتفع به الإنسان وسائر الحيوان، وسبب ذلك الدُّعاة إلى دين الله والهداة إلى حق الله، فمثوبته على أقداره، وعقوبته على من عانده بحسابه. ولهذا نقول: إنَّ الإمام يحتاج إليه لبقاء العالم على صلاحه.
وقد أخرجت الأخبار التي رويتها في هذا المعنى في هذا الكتاب في باب العلّة الّتي يحتاج من أجلها إلى الإمام.
ليس لاحد أن يختار الخليفة إلّا الله (عزَّ وجلَّ):
وقول الله (عزَّ وجلَّ): (وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة) (جاعلٌ) منون(22) صفة الله التي وصف بها نفسه، وميزانه قوله: (إنّي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20) الانبياء: 107.
(21) نوح: 10 - 12.
(22) يعنى قوله تعالى (جاعل) بالتنوين يفيد الحصر.
خالقٌ بشرا من طين(23) فنونّه ووصف به نفسه، فمن ادعى أنَّه يختار الإمام وجب أن يخلق بشراً من طين، فلمّا بطل هذا المعنى بطل الآخر إذ هما في حيّز واحد.
ووجه آخر: وهو أنَّ الملائكة في فضلهم وعصمتهم لو يصلحوا لاختيار الإمام حتّى تولى الله ذلك بنفسه دونهم واحتجّ به على عامّة خلقه أنَّه لا سبيل لهم إلى اختياره لما لم يكن للملائكة سبيل إليه مع صفائهم ووفائهم وعصمتهم، ومدح الله إياهم في آيات كثيرة مثل قوله سبحانه: (بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)(24) وكقوله (عزَّ وجلَّ): (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)(25).
ثمَّ أنَّ الإنسان بما فيه من السفه والجهل كيف وأنّى يستتبُّ له(26) ذلك فهذا والأحكام دون الإمامة مثل الصّلاة والزكاة والحجِّ وغير ذلك لم يكل الله (عزَّ وجلَّ) شيئا من ذلك إلى خلقه، فكيف وكل إليهم الأهم الجامع للأحكام كلّها والحقائق بأسرها.
وجوب وحدة الخليفة في كل عصر:
وفي قوله (عزَّ وجلَّ) (خليفةً) إشارة إلى خليفة واحدة ثبت به ومعه إبطال قول من زعم أنَّه يجوز أن تكون في وقت واحد أئمة كثيرة، وقد اقتصر الله (عزَّ وجلَّ) على الواحد، ولو كانت الحكمة ما قالوه وعبّروا عنه لم يقتصر الله (عزَّ وجلَّ) على الواحد، ودعوانا محاذ لدعواهم، ثمّ أنَّ القرآن يرجّح قولنا دون قولهم، والكلمتان إذا تقابلتا ثمّ رجح إحداهما على الأخرى بالقرآن، كان الرُّجحان أولى.
لزوم وجود الخليفة:
ولقوله (عزَّ وجلَّ): (وإذ قال ربّك للملائكة - الآية) في الخطاب الّذي خاطب الله (عزَّ وجلَّ) به نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لما قال: (ربّك) من أصح الدّليل على أنَّه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) ص: 71.
(24) أنبياء: 26 و27.
(25) التحريم: 6.
(26) أي يهيؤ ويستقيم له. وفى بعض النسخ (يستثبت له).
سبحانه يستعمل هذا المعنى في أمّته إلى يوم القيامة، فإنَّ الأرض لا تخلو من حجّة له عليهم، ولو لا ذلك لما كان لقوله: (ربّك) حكمة وكان يجب أن يقول: (ربهم) وحكمة الله في السّلف كحكمته في الخلف لا يختلف في مرَّ الأيّام وكرّ الأعوام، وذلك أنَّه (عزَّ وجلَّ) عدل حكيم لا يجمعه وأحد من خلقه نسبٌ، جلَّ الله عن ذلك.
وجوب عصمة الامام:
ولقوله (عزَّ وجلَّ): (وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة - الآية) معنى، وهو أنَّه (عزَّ وجلَّ) لا يستخلف إلّا من له نقاء السريرة ليبعد عن الخيانة لأنه لو اختار من لا نقاء له في السَّريرة كان قد خان خلقه لأنّه لو أنَّ دلّالاً قدَّم حمّالاً خائناً إلى تاجر فحمل له حملاً فخان فيه كان الدلّال خائناً، فكيف تجوز الخيانة على الله (عزَّ وجلَّ) وهو يقول - وقوله الحق -: (إنَّ الله لا يهدي كيد الخائنين)(27) وأدَّب محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقوله (عزَّ وجلَّ): (ولا تكن للخائنين خصيما)(28) فكيف وأنّى يجوز أن يأتي ما ينهى عنه، وقد عيّر اليهود بسمة النفاق، وقال: (أتأمرون النّاس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)(29).
وفي قول الله (عزَّ وجلَّ): (وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة) حجّة قوية في غيبة الإمام (عليه السلام)، وذلك أنَّه (عزَّ وجلَّ) لمّا قال: (إنّي جاعل في الأرض خليفة) أوجب بهذا اللّفظ معنى وهو أن يعتقدوا طاعته فاعتقد عدوُّ الله إبليس بهذه الكلمة نفاقاً وأضمره حتّى صار به منافقاً، وذلك أنَّه أضمر أنَّه يخالفه متى استعبد بالطاعة له، فكان نفاقه أنكر النفاق لأنّه نفاق بظهر الغيب، ولهذا من الشأن صار أخزى المنافقين كلّهم، ولمّا عرَّف الله (عزَّ وجلَّ) ملائكته ذلك أضمروا الطاعة له واشتاقوا إليه فأضمروا نقيض ما أضمره الشيطان فصار لهم من الرُّتبة عشرة أضعاف ما استحقَّ عدوُّ الله من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخزي والخسار، فالطاعة والموالات بظهر الغيب أبلغ في الثواب والمدح لأنّه أبعد من الشبهة والمغالطة، ولهذا روي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: (من دعا لأخيه بظهر الغيب ناداه ملك من السماء ولك مثلاه).
وإنَّ الله تبارك وتعالى أكّد دينه بالإيمان بالغيب فقال: (هدى للمتّقين الّذين يؤمنون بالغيب - الآية)(30) فالإيمان بالغيب أعظم مثوبة لصاحبه لأنّه خلوٌ من كلّ عيب وريب لأنّ بيعة الخليفة وقت المشاهدة قد يتوهّم على المبايع أنَّه إنّما يطيع رغبة في خير أو مال، أو رهبة من قتل أو غير ذلك ممّا هو عادات أبناء الدُّنيا في طاعة ملوكهم وإيمان الغيب مأمونٌ من ذلك كلّه، ومحروسٌ من معايبه بأصله، يدلُّ على ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (فلمّا رأوا بأسنا قالوا آمنّا بالله وحده وكفرنا بما كنّا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا)(31) ولمّا حصل للمتعبد ما حصل من الإيمان بالغيب لم يحرم الله (عزَّ وجلَّ) ذلك ملائكته فقد جاء في الخبر أنَّ الله سبحانه قال هذه المقالة للملائكة قبل خلق آدم بسبعمائة عام. وكان يحصل في هذه المدَّة الطاعة لملائكة الله على قدرها. ولو أنكر منكر هذا الخبر والوقت والأعوام لم يجد بدا من القول بالغيبة ولو ساعة واحدة، والساعة الواحدة لا تتعرَّى من حكمة ما، وما حصل من الحكمة في الساعة حصل في الساعتين حكمتان وفي الساعات حكم، وما زاد في الوقت إلّا زاد في المثوبة وما زاد في المثوبة إلّا كشف عن الرَّحمة، ودلَّ على الجلالة، فصحَّ الخبر أنَّ فيه تأييد الحكمة وتبليغ الحجّة.
وفي قول الله (عزَّ وجلَّ): (وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة) حجة في غيبة الإمام (عليه السلام) من أوجه كثيرة:
أحدها أنَّ الغيبة قبل الوجود أبلغ الغيبات كلّها وذلك أنَّ الملائكة ما شهدوا(32) قبل ذلك خليفة قطُّ، وأمّا نحن فقد شاهدنا خلفاء كثيرين غير واحد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) البقرة: 2.
(31) المؤمن: 84.
(32) في بعض النسخ (ما شاهدوا).
قد نطق به القرآن وتواترت به الأخبار حتّى صارت كالمشاهدة والملائكة لم يشهدوا(33) واحداً منهم، فكانت تلك الغيبة أبلغ. وآخر: أنّها كانت غيبة من الله (عزَّ وجلَّ)، وهذه الغيبة الّتي للإمام (عليه السلام) هي من قبل أعداء الله تعالى، فإذا كان في الغيبة التي هي من الله (عزَّ وجلَّ) عبادة لملائكته فما الظنُّ بالغيبة الّتي هي من أعداء الله. وفي غيبة الإمام (عليه السلام) عبادة مخلصة(34) لم تكن في تلك الغيبة، وذلك أنَّ الإمام الغائب (عليه السلام) مقموعٌ مقهورٌ مزاحم في حقّه، قد غُلب قهراً، و(جرى) على شيعته (قسراً) من أعداء الله ما جرى من سفك الدِّماء ونهب الأموال وإبطال الأحكام والجور على الأيتام وتبديل الصدقات وغير ذلك ممّا لا خفاء به، ومن اعتقد موالاته شاركه في أجره وجهاده، وتبرَّأ من أعدائه، وكان له في براءة مواليه من أعدائه أجرٌ، وفي ولاية أوليائه أجر يربو على أجر ملائكة الله (عزَّ وجلَّ) على الإيمان بالإمام المغيّب في العدم، وإنّما قصَّ الله (عزَّ وجلَّ) نبأه قبل وجوده توقيراً وتعظيماً له ليستعبد له الملائكة ويتشمّروا لطاعته.
وإنّما مثال ذلك تقديم الملك فيما بيننا بكتاب أو رسول إلى أوليائه أنَّه قادم عليهم حتّى يتهيؤوا لاستقباله وارتياد الهدايا له ما يقطع به ومعه عذرهم في تقصير إن قصّروا في خدمته كذلك بدأ الله (عزَّ وجلَّ) بذكر نبائه إبانة عن جلالته ورتبته، وكذلك قضيته في السلف والخلف، فما قبض خليفة إلّا عرَّف خلقه الخليفة الذي يتلوه، وتصديق ذلك قوله (عزَّ وجلَّ): (أفمن كان على بيّنة من ربّه ويتلوه شاهدٌ منه - الآية)(35) والّذي على بيّنة من ربّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والشاهد الذي يتلوه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام). دلالته قوله (عزَّ وجلَّ): (ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة) والكلمة - من كتاب موسى المحاذية لهذا المعنى حذوا النعل بالنعل والقذَّة بالقذَّة - قوله: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتمَّ ميقات ربّه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هرون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتّبع سبيل المفسدين)(36).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(33) في بعض النسخ (لم يعهدوا).
(34) في بعض النسخ (عبادة محصلة).
(35) هود: 17.
(36) الأعراف: 142.
السر في امره تعالى الملائكة بالسجود لادم (عليه السلام):
واستعبد الله (عزَّ وجلَّ) الملائكة بالسجود لآدم تعظيماً له لما غيّبه عن أبصارهم وذلك أنَّه (عزَّ وجلَّ) إنّما أمرهم بالسجود لآدم لما أودع صلبه من أرواح حجج الله تعالى ذكره فكان ذلك السجود لله (عزَّ وجلَّ) عبوديّة ولآدم طاعة، ولمّا في صلبه تعظيماً، فأبى إبليس أن يسجد لآدم حسداً له إذ جعل صلبه مستودع أرواح حجج الله دون صلبه فكفر بحسده وتأبّيه، وفسق عن أمر ربّه، وطرد عن جواره، ولُعن وسمّي رجيما لأجل إنكاره للغيبة لأنّه احتج في امتناعه من السجود لآدم بأن قال: (أنا خيرٌ منه خلقتني من نار وخلقته من طين)(37) فجحد ما غيّب عن بصره ولم يوقع التصديق به، واحتجَّ بالظاهر الذي شاهده وهو جسد آدم (عليه السلام)، وأنكر أن يكون يعلم لما في صلبه وجوداً، ولم يؤمن بأن آدم إنّما جعل قبلة للملائكة وأمروا بالسجود له لتعظيم ما في صلبه، فمثل من آمن بالقائم (عليه السلام) في غيبته مثل الملائكة الذين أطاعوا الله (عزَّ وجلَّ) في السجود لآدم، ومثل من أنكر القائم (عليه السلام) في غيبته مثل إبليس في امتناعه من السجود لآدم، كذلك روي عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام).
حدّثنا بذلك محمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن - أبى عبد الله الكوفيِّ، عن محمّد بن إسماعيل البرمكيِّ، عن جعفر بن عبد الله الكوفي، عن الحسن بن سعيد، عن محمّد بن زياد، عن أيمن بن محرز، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) أنَّ الله تبارك وتعالى علّم آدم (عليه السلام) أسماء حجج الله كلّها ثمّ عرضهم - وهم أرواح - على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين بأنّكم أحقَّ بالخلافة في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم (عليه السلام) (قالوا سبحانك لا علم لنا إلّا ما علمتنا إنّك أنت العليم الحكيم) قال الله تبارك وتعالى: (يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلمّا أنباءهم بأسمائهم) وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره فعلموا أنّهم أحقَّ بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه وحججه على برّيته، ثمّ غيّبهم عن أبصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبّتهم وقال لهم: (ألم أقل لكم إنّي أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(37) الأعراف: 12.
غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون).
حدثنا بذلك أحمد بن الحسن القطّان قال: حدّثنا الحسين بن عليٍّ السكرّيُّ قال: حدّثنا محمّد بن زكريّا الجوهري قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام).
وهذا استعباد الله (عزَّ وجلَّ) للملائكة بالغيبة والآية أوّلها في قصّة الخليفة وإذا كان آخرها مثلها كان للكلام نظم وفي النظم حجّة، ومنه يؤخذ وجه الإجماع لأُمة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أوّلهم وأخرهم، وذلك أنَّه سبحانه وتعالى إذا علم آدم الأسماء كلّها على ما قاله المخالفون فلا محالة أنَّ أسماء الأئمة (عليهم السلام) داخلة في تلك الجملة، فصار ما قلناه في ذلك بإجماع الأُمة، ومن أصح الدليل عليه أنَّه لا محالة لما دل الملائكة على السجود لآدم فانه حصل لهم عبادة فلمّا حصل لهم عبادة أوجب باب الحكمة أن يحصل لهم ما هو في حيزه سواء كان في وقت أو في غير وقت فان الأوقات ما تغير الحكمة ولا تبدل الحجّة، أولها كآخرها وآخرها كأوّلها، لا يجوز في حكمة الله أن يحرمهم معنى من معاني المثوبة ولا أن يبخل بفضل من فضائل الأئمة لأنّهم كلّهم شرع واحد، دليل ذلك أنَّ الرُسل متى آمن مؤمن بواحد منهم، أو بجماعة وأنكروا أحداً منهم، لم يقبل منه إيمانه، كذلك القضيّة في الأئمّة (عليهم السلام) أوّلهم وآخرهم واحدٌ، وقد قال الصادق (عليه السلام): (المنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا) وقال (عليه السلام): (من أنكر واحداً من الأحياء فقد أنكر الأموات).
وسأخرج ذلك في هذا الكتاب مسنداً في موضعه إن شاء الله، فصحَّ أنَّ قوله (عزَّ وجلَّ): (وعلّم آدم الأسماء كلّها) أراد به أسماء الأئمة (عليهم السلام)، وللأسماء معان كثيرة وليس أحد معانيها بأولى من الآخر، وللأسماء أوصاف وليس أحد الأوصاف بأولى من الآخر، فمعنى الأسماء أنَّه سبحانه علّم آدم (عليه السلام) أوصاف الأئمة كلّها أوّلها وآخرها، ومن أوصافهم العلم والحلم والتقوى والشجاعة والعصمة والسخاء والوفاء، وقد نطق بمثله كتاب الله (عزَّ وجلَّ) في أسماء الأنبياء (عليهم السلام) كقوله (عزَّ وجلَّ): (واذكر في الكتاب إبراهيم إنَّه كان صديقاً نبيّاً)(38) (واذكر في الكتاب إسماعيل إنَّه كان صادق الوعد وكان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(38) مريم: 41.
رسولاً نبيّاً وكان يأمر أهله بالصلوة والزكوة وكان عند ربّه مرضيا * واذكر في الكتاب إدريس إنَّه كان صديقا نبيّاً ورفعناه مكانا عليّاً)(39) وكقوله (عزَّ وجلَّ): (واذكر في الكتاب موسى إنَّه كان مخلصا وكان رسولاً نبيّاً * وناديناه من جانب الطّور الايمن وقرَّ بناه نجيّاً * ووهبنا له من رحمتنا أخاه هرون نبيّاً)(40) فوصف الرُّسل (عليهم السلام) وحمدهم بما كان فيهم من الشيم المرضيّة والأخلاق الزكيّة، وكان ذلك أوصافهم وأسماءهم كذلك علّم الله (عزَّ وجلَّ) آدم الأسماء كلّها.
والحكمة في ذلك أيضا أنَّه لا وصول إلى الأسماء ووجوه الاستعبادات إلّا من طريق السّماع، والعقل غير متوجّه إلى ذلك، لأنّه لو أبصر عاقل شخصاً من بعيد أو قريب لما توصّل إلى استخراج اسمه ولا سبيل إليه إلّا من طريق السّماع فجعل الله (عزَّ وجلَّ) العمدة في باب الخليفة السّماع، ولمّا كان كذلك أبطل به باب الاختيار إذ الاختيار من طريق الآراء، وقضيّة الخليفة موضوعة على الأسماء والأسماء موضوعة على السّماع، فصّح به ومعه مذهبنا في الإمام أنَّه يصحُّ بالنصِّ والإشارة، فأمّا باب الإشارة فمضمر في قوله (عزَّ وجلَّ): (ثمّ عرضهم على الملائكة) فباب العرض مبنيٌّ على الشخص والإشارة، وباب الاسم مبنيٌّ على السمع، فصح معنى الإشارة والنصِّ جميعاً.
وللعرض الّذي قال الله (عزَّ وجلَّ): (ثمّ عرضهم على الملائكة) معنيان أحدهما عرض أشخاصهم وهيئاتهم كما رويناه في باب أخبار أخذ الميثاق والذر، والوجه الآخر أن يكون (عزَّ وجلَّ) عرضهم على الملائكة من طريق الصّفة والنّسبة كما يقوله قومٌ من مخالفينا، فمن كلا المعنيين يحصل استعباد الله (عزَّ وجلَّ) الملائكة بالإيمان بالغيبة.
وفى قوله (عزَّ وجلَّ): (أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) حكم كثيرة: أحدها أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أهل آدم (عليه السلام) لتعليم الملائكة أسماء الأئمة عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله تعالى ذكره، وأهلَّ الملائكة لتعلم أسمائهم عن آدم (عليه السلام)، فالله (عزَّ وجلَّ) علّم آدم وآدم علّم الملائكة، فكان آدم في حيّز المعلم وكانوا في حيّز المتعلمين، هذا ما نص عليه القرآن.
وقول الملائكة: (سبحانك لا علم لنا إلّا ما علمتنا إنّك أنت العليم الحكيم) فيه أصحُّ دليل وأبين حجّة لنا أنَّه لا يجوز لأحد أن يقول في أسماء الأئمة وأوصافهم (عليهم السلام) إلّا عن تعليم الله جلَّ جلاله، ولو جاز لأحد ذلك كان للملائكة أجوز، ولمّا سبّحوا الله دلَّ تسبيحهم على أنَّ الشرع فيه ممّا ينافي التوحيد، وذلك أنَّ التسبيح تنزيه الله (عزَّ وجلَّ) وباب التنزيه لا يوجد في القرآن إلّا عند قول جاحد أو ملحد أو متعرض لإبطال التوحيد والقدح فيه، فلم يستنكفوا إذ لم يعلموا أن يقولوا: (لا علم لنا) فمن تكلّف علم مالا يعلم احتج الله عليه بملائكته، وكانوا شهداء الله عليه في الدُّنيا والآخرة، وإنّما أهلّ الله الملائكة لإعلامهم على لسان آدم عند اعترافهم بالعجز وأنهم لا يعلمون فقال (عزَّ وجلَّ): (يا آدم أنبئهم بأسمائهم).
ولقد كلّمني رجلٌ بمدينة السلام (41) فقال لي: أنَّ الغيبة قد طالت والحيرة قد اشتدَّت وقد رجع كثير عن القول بالإمامة لطول الأمد، فكيف هذا؟.
فقلت له: إنَّ سنّة الأوّلين في هذه الأُمة جارية حذو النّعل بالنّعل كما روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في غير خبر، وأنَّ موسى (عليه السلام) ذهب إلى ميقات ربّه على أن يرجع إلى قومه بعد ثلاثين ليلة فأتمّها الله (عزَّ وجلَّ) بعشرة فتم ميقات ربّه أربعين ليلة، ولتأخّره عنهم فضل عشرة أيّام على ما واعدهم استطالوا المدّة القصيرة وقست قلوبهم وفسقوا عن أمر ربّهم (عزَّ وجلَّ) وعن أمر موسى (عليه السلام) وعصوا خليفته هارون واستضعفوه وكادوا يقتلونه، وعبدوا عجلا جسداً له خوارٌ من دون الله (عزَّ وجلَّ)، وقال السامريُّ لهم: (هذا إلهكم وإله موسى) وهارون يعظهم وينهاهم عن عبادة العجل ويقول: (يا قوم إنّما فتنتم به وإنّ ربّكم الرّحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتّى يرجع إلينا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(41) يعنى بغداد.
موسى) (42) (ولمّا رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربّكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرُّه إليه)(43) والقصّة في ذلك مشهورة فليس بعجيب أن يستطيل الجهّال من هذه الأمة مدّة غيبة صاحب زماننا (عليه السلام) ويرجع كثير منهم عمّا كانوا دخلوا فيه بغير أصل وبصيرة، ثمّ لا يعتبرون بقول الله تعالى ذكره حيث يقول: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحقّ ولا يكونوا كالّذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون)(44).
فقال(45): وما أنزل الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه في هذا المعنى؟ قلت: قوله (عزَّ وجلَّ) (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب) يعنى بالقائم (عليه السلام) وغيبته.
حدثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن غير واحد، عن داود بن كثير الرقّي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ) (هدى للمتّقين الّذين يؤمنون بالغيب) قال: من أقرّ بقيام القائم (عليه السلام) أنَّه حق.
حدّثنا عليُّ بن أحمد بن موسى رحمه الله - قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعيُّ، عن عمه الحسين بن يزيد، عن عليّ بن أبي حمزة عن يحيى بن أبي القاسم قال: سألت الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) عن قول الله عز وجل (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الّذين يؤمنون بالغيب) فقال: المتّقون شيعة علىِّ (عليه السلام) والغيب فهو الحجّة الغائب. وشاهد ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (ويقولون لولا انزل عليه آية من ربّه فقل إنّما الغيب لله فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين)(46) فأخبر (عزَّ وجلَّ) أنَّ الآية هي الغيب، والغيب هو الحجّة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(42) طه: 93 و94.
(43) الأعراف: 149.
(44) الحديد: 15.
(45) يعنى الرجل الّذي كلمه بمدينة السلام.
(46) يونس: 20.
وتصديق ذلك قول الله عزّ وجلّ: (وجعلنا ابن مريم وأمه آية)(47) يعني حجة.
حدثنا أبي رحمه الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: في قول الله عزّ وجلّ: (يوم يأتي بعض آيات ربّك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل)(48) فقال: الآيات هم الأئمة، والآية المنتظرة هو القائم (عليه السلام)، فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه (عليهم السلام).
وقد سمى الله عزّ وجلّ يوسف (عليه السلام) غيباً حين قصّ قصّته على نبيه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال عزّ وجلّ: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون)(49) فمسّى يوسف (عليه السلام) غيبا لان الأنباء الّتي قصّها كانت أنباء يوسف فيما أخبر به من قصته وحاله وما آلت إليه أموره.
ولقد كلّمني بعض المخالفين في هذه الآية فقال: معنى قوله عزّ وجلّ: (الّذين يؤمنون بالغيب) أي بالبعث والنشور وأحوال القيامة، فقلت له: لقد جهلت في تأويلك وضللت في قولك فإنَّ اليهود والنصارى وكثيراً من فرق المشركين والمخالفين لدين الإسلام يؤمنون بالبعث والنشور والحساب والثواب والعقاب فلم يكن الله تبارك وتعالى ليمدح المؤمنين بمدحة قد شركهم فيها فرق الكفر والجحود بل وصفهم الله عزّ وجلَّ ومدحهم بما هو لهم خاصة، لم يشركهم فيه أحدٌ غيرهم(50).
وجوب معرفة المهدى (عجل الله تعالى فرجه):
ولا يكون الإيمان صحيحا من مؤمن إلّا من بعد علمه بحال من يؤمن به
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(47) المؤمنون: 50.
(48) الانعام: 53.
(49) يوسف: 103.
(50) هذا النكير من المؤلف رحمه الله في غير مورده ومخالف لما روى من طريق جابر عن الباقر (عليه السلام) في معنى الغيب في الآية (أنَّه البعث والنشور وقيام القائم والرجعة) وما روى عن الصادق (عليه السلام) أنَّ المراد بالغيب هنا ثلاثة أشياء (قيام القائم والكرة ويوم القيامة).
كما قال الله تبارك وتعالى: (إلّا من شهد بالحقِّ وهم يعلمون)(51) فلم يوجب لهم صحّة ما يشهدون به إلّا من بعد علمهم، ثمَّ كذلك لن ينفع إيمان من آمن بالمهديِّ القائم (عليه السلام) حتّى يكون عارفاً بشأنه في حال غيبته وذلك أنَّ الأئمة (عليهم السلام) قد أخبروا بغيبته (عليه السلام) ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم واستحفظ في الصحّف ودون في الكتب المؤلّفة من قبل أنَّ تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقلّ أو أكثر، فليس أحد من أتباع الأئمة (عليهم السلام) إلّا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنفاته وهي الكتب التي تُعرف بالأصول مدوَّنة مستحفظة عند شيعة آل محمّد (عليهم السلام) من قبل الغيبة بما ذكرنا من السّنين، وقد أخرجت ما حضرني من الأخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب في مواضعها، فلا يخلو حال هؤلاء الأتباع المؤلّفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة، فألّفوا ذلك في كتبهم ودوّنوه في مصنّفاتهم من قبل كونها، وهذا محال عند أهل اللّبِّ والتّحصيل، أو أن يكونوا (قد) أسّسوا في كتبهم الكذب فاتّفق الأمر لهم كما ذكروا وتحقّق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم واختلاف آرائهم وتباين أقطارهم ومحالهم، وهذا أيضا محالٌ كسبيل الوجه الأول، فلم يبق في ذلك إلّا أنهم حفظوا عن أئمّتهم المستحفظين للوصيّة (عليهم السلام) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دوَّنوه في كتبهم وألفوه في أصولهم، وبذلك وشبهه فلج الحقُّ وزهق الباطل. إنَّ الباطل كان زهوقاً.
وان خصومنا ومخالفينا من أهل الأهواء المضلّة قصدوا(52) لدفع الحقِّ وعناده بما وقع من غيبة صاحب زماننا القائم (عليه السلام) واحتجابه عن أبصار المشاهدين ليلبّسوا بذلك على من لم تكن معرفته متقنة(53) ولا بصيرته مستحكمة.
اثبات الغيبة والحكمة فيها:
فأقول - وبالله التوفيق -: إنَّ الغيبة الّتي وقعت لصاحب زماننا (عليه السلام) قد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(51) الزخرف: 86.
(52) في بعض النسخ (تصدوا).
(53) في بعض النسخ (مستقيمة).
لزمت حكمتها وبان حقها وفلجت حجّتها للّذي شاهدناه وعرفناه من آثار حكمة الله (عزَّ وجلَّ) واستقامة تدبيره في حججه المتقدِّمة في الأعصار السالفة مع أئمّة الضلال وتظاهر الطّواغيت واستعلاء الفراعنة في الحقب الخالية وما نحن بسبيله في زماننا هذا من تظاهر أئمّة الكفر بمعونة أهل الإفك والعدوان والبهتان.
وذلك أنَّ خصومنا طالبونا بوجود صاحب زماننا (عليه السلام) كوجود من تقدّمه من الأئمة (عليهم السلام) فقالوا: إنَّه قد مضى على قولكم من عصر وفاة نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحد عشر إماماً كلٌّ منهم كان موجوداً معروفاً باسمه وشخصه بين الخاصِّ والعامِّ، فان لم يوجد كذلك فقد فسد عليكم أمر من تقدّم من أئمّتكم كفساد أمر صاحب زمانكم هذا في عدمه وتعذُّر وجوده.
فأقول - وبالله التوفيق -: إنَّ خصومنا قد جهلوا آثار حكمة الله تعالى وأغفلوا مواقع الحقِّ ومناهج السبيل في مقامات حجج الله تعالى مع أئمّة الضّلال في دول الباطل في كلِّ عصر وزمان إذ قد ثبت أنَّ ظهور حجج الله تعالى في مقاماتهم في دول الباطل على سبيل الإمكان والتدبير لأهل الزمان، فان كانت الحال ممكنة في استقامة تدبير الأولياء لوجود الحجّة بين الخاصِّ والعام كان ظهور الحجّة كذلك وإن كانت الحال غير ممكنة من استقامة تدبير الأولياء لوجود الحجّة بين الخاص والعام وكان استتاره ممّا توجبه الحكمة ويقتضيه التدبير حجَبَه الله وستره إلى وقت بلوغ الكتاب أجله، كما قد وجدنا من ذلك في حجج الله المتقدِّمة من عصر وفاة آدم (عليه السلام) إلى حين زماننا هذا منهم المستخفون ومنهم المستعلنون، بذلك جاءت الآثار ونطق الكتاب.
فمن ذلك ما:
حدثنا به أبي رحمه الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد بن - محمّد بن خالد البرقيُّ، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن إسحاق بن جرير، عن عبد الحميد بن أبي الدِّيلم قال: قال الصادق جعفر بن محمّد (عليهم السلام): يا عبد الحميد إنَّ لله رسلاً مستعلنين ورسلا مستخفين فإذا سألته بحقِّ المستعلنين فسله بحق المستخفين.
وتصديق ذلك من الكتاب قوله تعالى: (ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً)(54) فكانت حجج الله تعالى كذلك من وقت وفاة آدم (عليه السلام) إلى وقت ظهور إبراهيم (عليه السلام) أوصياء مستعلنين ومستخفين، فلمّا كان وقت كون إبراهيم (عليه السلام) ستر الله شخصه وأخفى ولادته، لأن الإمكان في ظهور الحجّة كان متعذِّراً في زمانه، وكان إبراهيم (عليه السلام) في سلطان نمرود مستترا لأمره وكان غير مظهر نفسه، ونمرود يقتل أولاد رعيّته وأهل مملكته في طلبه إلى أن دلّهم إبراهيم (عليه السلام) على نفسه، وأظهر لهم أمره بعد أن بلغت الغيبة أمدها ووجب إظهار ما أظهره للذي أراده الله في إثبات حجته وإكمال دينه، فلمّا كان وقت وفاة إبراهيم (عليه السلام) كان له أوصياء حججاً لله (عزَّ وجلَّ) في أرضه يتوارثون الوصيّة كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت كون موسى (عليه السلام) فكان فرعون يقتل أولاد بنى إسرائيل في طلب موسى (عليه السلام) الّذي قد شاع من ذكره وخبر كونه، فستر الله ولادته، ثمّ قذفت به أمّه في اليمِّ كما أخبر الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه (فالتقطه آل فرعون)(55) وكان موسى (عليه السلام) في حجر فرعون يربيه وهو لا يعرفه، وفرعون يقتل أولاد بني إسرائيل في طلبه، ثمّ كان من أمره بعد أنَّ أظهر دعوته ودلّهم على نفسه ما قد قصه الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه، فلمّا كان وقت وفاة موسى (عليه السلام) كان له أوصياء حججاً لله كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور عيسى (عليه السلام).
فظهر عيسى (عليه السلام) في ولادته، معلناً لدلائله، مظهراً لشخصه، شاهراً لبراهينه، غير مخف لنفسه لان زمانه كان زمان إمكان ظهور الحجّة كذلك.
ثمَّ كان له من بعده أوصياء حججاً لله (عزَّ وجلَّ) كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال الله (عزَّ وجلَّ) له في الكتاب: (ما يقال لك إلّا ما قد قيل للرسل من قبلك)(56) ثمّ قال (عزَّ وجلَّ): (سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا)(57) فكان ممّا قيل له ولزم من سنّته على إيجاب سنن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(54) النساء: 164.
(55) القصص: 7.
(56) فصلت: 43.
(57) الاسراء: 77.
من تقدمه من الرُّسل إقامة الأوصياء له كإقامة من تقدّمه لأوصيائهم، فأقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أوصياء كذلك وأخبر بكون المهديِّ خاتم الأئمّة (عليهم السلام)، وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، نقلت الأُمة ذلك بأجمعها عنه، وأنَّ عيسى (عليه السلام) ينزل في وقت ظهوره فيصلي خلفه، فحفظت ولادات الأوصياء ومقاماتهم في مقام بعد مقام إلى وقت ولادة صاحب زماننا (عليه السلام) المنتظر للقسط والعدل، كما أوجبت الحكمة باستقامة التدبير غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدمة بالوجود.
وذلك أنَّ المعروف المتسالم بين الخاصِّ والعامِّ من أهل هذه الملّة أنَّ الحسن بن عليٍّ والد صاحب زماننا (عليهم السلام) قد كان وكلّ به طاغية زمانه إلى وقت وفاته، فلمّا توفّي (عليه السلام) وكل بحاشيته وأهله وحبست جواريه وطلب مولوده هذا أشدَّ الطلب وكان أحد المتوليّين عليه عمّه جعفر أخو(58) الحسن بن عليٍّ بما ادّعاه لنفسه من الإمامة ورجا أن يتمّ له ذلك بوجود ابن أخيه صاحب الزَّمان (عليه السلام) فجرت السنة في غيبته بما جرى من سنن غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدِّمة، ولزم من حكمة غيبة (عليه السلام) ما لزم من حكمة غيبتهم.
إثبات المشاكلة بين الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) في أمور:
وكان من معارضة خصومنا أن قالوا: ولم أوجبتم في الأئمة ما كان واجباً في الأنبياء، فما أنكرتم أنَّ ذلك كان جائزاً في الأنبياء وغير جائز في الأئمة فإنَّ الأئمة ليسوا كالأنبياء فغير جائز أن يشبه حال الأئمة بحال الأنبياء فأوجدونا دليلا مقنعا على أنَّه جائز في الأئمة ما كان جائزاً في الأنبياء والرسل فيما شبهتم من حال الأئمة الّذين ليسوا بأشباه الأنبياء والرُّسل، وإنما يقاس الشكل بالشكل والمثل بالمثل، فلن تثبت دعواكم في ذلك، ولن يستقيم لكم قياسكم في تشبيهكم حال الأئمة بحال الأنبياء (عليهم السلام) إلّا بدليل مقنع.
فأقول - وبالله أهتدي -: أنَّ خصومنا قد جهلوا فيما عارضونا به من ذلك ولو أنّهم كانوا من أهل التمييز والنظر والتفكّر والتدبر باطراح العناد وإزالة العصبيّة لرؤسائهم ومن تقدّم من إسلافهم لعلموا أنَّ كلَّ ما كان جائزاً في الأنبياء فهو واجبٌ لازم في الأئمة حذو النّعل بالنّعل والقذَّة بالقذة وذلك أنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(58) كذا.
الأنبياء هم أصول الأئمة ومغيضهم(59) والأئمة هم خلفاء الأنبياء وأوصياؤهم والقائمون بحجة الله تعالى على من يكون بعدهم كيلا تبطل حجج الله وحدود (ه و) شرايعه مادام التكليف على العباد قائماً والأمر لهم لازماً، ولو وجبت المعارضة لجاز لقائل أن يقول: أنَّ الأنبياء هم حجج الله فغير جائز أن يكون الأئمة حجج الله إذ ليسوا بالأنبياء ولا كالأنبياء، وله أن يقول أيضا: فغير جائز أن يسمّوا أئمّة لأنّ الأنبياء كانوا أئمّة وهؤلاء ليسوا بأنبياء فيكونوا أئمّة كالأنبياء، وغير جائز أيضاً أن يقوموا بما كان يقوم به الرسل من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى غير ذلك من أبواب الشّريعة إذ ليسوا كالرّسول ولا هم برسل. ثمّ يأتي بمثل هذا من المحال ممّا يكثر تعداده ويطول الكتاب بذكره، فلمّا فسد هذا كله كانت هذه المعارضة من خصومنا فاسدة كفساده.
ثمَّ نحن نبيّن الآن ونوضح بعد هذا كلّه أنَّ التشاكل بين الأنبياء والأئمة بيّنٌ واضح فيلزمهم أنّهم حجج الله على الخلق كما كانت الأنبياء حججه على العباد، وفرض طاعتهم لازم كلزوم فرض طاعة الأنبياء، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسول وأولي الأمر منكم)(60) وقوله تعالى: (ولو ردُّوه إلى الرَّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم)(61) فولاة الأمر هم الأوصياء والأئمة بعد الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد قرن الله طاعتهم بطاعة الرَّسول وأوجب على العباد من فرضهم ما أوجبه من فرض الرَّسول كما أوجب على العباد من طاعة الرَّسول ما أوجبه عليهم من طاعته (عزَّ وجلَّ) في قوله: (أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسول) ثمّ قال: (من يطع الرَّسول فقد أطاع الله)(62) وإذا كانت الأئمة (عليهم السلام) حجج الله على من لم يلحق بالرَّسول ولم يشاهده وعلى من خلفه من بعده كما كان الرَّسول حجّة على من لم يشاهده في عصره لزم من طاعة الأئمة ما لزم من طاعة الرَّسول محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقد تشاكلوا واستقام القياس فيهم وإن كان الرَّسول أفضل من الأئمة فقد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(59) المغيض: مجتمع الماء ومدخله في الأرض والمراد بالفارسية (انبياء نسخه أصل وسر چشمهء امامانند). وفى بعض النسخ (ومفيضهم) من الافاضة.
(60) النساء: 59.
(61) النساء: 83.
(62) النساء: 80.
تشاكلوا في الحجّة والاسم والفعل(63) والفرض، إذ كان الله جل ثناؤه قد سمّى الرُّسل أئمّة بقوله لإبراهيم: (إنّي جاعلك للنّاس إماماً)(64) وقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أنَّه قد فضّل الأنبياء والرُّسل بعضهم على بعض فقال تبارك وتعالى: (تلك الرُّسل فضلّنا بعضهم على بعض منهم من كلّم الله - الآية)(65) وقال: (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض - الآية)(66) فتشاكل الأنبياء في النبوَّة وإن كان بعضهم أفضل من بعض، وكذلك تشاكل الأنبياء والأوصياء، فمن قاس حال الأئمة بحال الأنبياء واستشهد بفعل الأنبياء على فعل الأئمة فقد أصاب في قياسه واستقام له استشهاده بالّذي وصفناه من تشاكل الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام).
وجه آخر لاثبات المشاكلة:
ووجه آخر من الدّليل على حقيقة ما شرحنا من تشاكل الأئمة والأنبياء (عليهم السلام) أنَّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)(67) وقال تعالى: (ما آتيكم الرَّسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا)(68) فأمرنا الله (عزَّ وجلَّ) أن نهتدي بهدى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونجري الأمور (الجارية) على حدِّ ما أجراها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من قول أو فعل، فكان من قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المحقّق لما ذكرنا من تشاكل الأنبياء والأئمة أن قال: (منزلة عليٍّ (عليه السلام) منّي كمنزلة هارون من موسى إلّا أنَّه لا نبي بعدي) فأعلمنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّ عليا ليس بنبي وقد شبهه بهارون وكان هارون نبيّاً ورسولاً (و) كذلك شبّهه بجماعة من الأنبياء (عليهم السلام).
حدثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه الله قال: حدّثنا علىٌ بن الحسين السّعد آباديُّ قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقيُّ، عن أبيه محمّد بن خالد قال: حدّثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة الشّيبانيُّ، عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(63) في بعض النسخ (والعقل).
(64) البقرة: 119.
(65) البقرة: 254.
(66) الاسراء: 56.
(67) الاحزاب: 21.
(68) الحشر: 7.
أبيه، عن جدِّه(69) عن عبد الله بن عباس قال: كنّا جلوساً عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في سِلمه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في فطانته وإلى داود في زهده، فلينظر إلى هذا. قال: فنظرنا فإذا علىُّ بن أبي طالب قد أقبل كأنما ينحدر من صبب(70)، فإذا استقام أن يشبّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحداً من الأئمة (عليهم السلام) بالأنبياء والرُّسل استقام لنا أن نشبّه جميع الأئمة بجميع الأنبياء والرُّسل، وهذا دليل مقنعٌ وقد ثبت شكل صاحب زماننا (عليه السلام) في غيبته بغيبة موسى (عليه السلام) وغيره ممّن وقعت بهم الغيبة، وذلك أنَّ غيبة صاحب زماننا وقعت من جهة الطواغيت لعلّة التدبير من الّذي قدَّمنا ذكره في الفصل الأوَّل.
ومما يفسد معارضة خصومنا في نفي تشاكل الأئمّة والأنبياء أنَّ الرُّسل الّذين تقدَّموا قبل عصر نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان أوصياؤهم أنبياء، فكلُّ وصيٍّ قام بوصيّة حجّة تقدّمه من وقت وفاة آدم (عليه السلام) إلى عصر نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان نبيّاً، وذلك مثل وصي آدم كان شببث ابنه، وهو هبة الله في علم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكان نبيّاً، ومثل وصي نوح (عليه السلام) كان سام ابنه وكان نبيّاً، ومثل إبراهيم (عليه السلام) كان وصيه إسماعيل(71) ابنه وكان نبيّاً، ومثل موسى (عليه السلام) كان وصيّه يوشع بن نون وكان نبيّاً، ومثل عيسى (عليه السلام) كان وصيّه شمعون الصفا وكان نبيّاً، ومثل داود (عليه السلام) كان وصيه سليمان (عليه السلام) ابنه وكان نبيّاً. وأوصياء نبيّنا (عليهم السلام) لم يكونوا أنبياء، لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) جعل محمّداً خاتماً لهذه الأمم(72) كرامة له وتفضيلاً، فقد تشاكلت الأئمة والأنبياء بالوصية كما تشاكلوا فيما قدّمنا ذكره من تشاكلهم فالنبيُّ وصيٌّ والإمام وصيٌّ، والوصيُّ إمام والنبي إمام، والنبيُّ حجّة والإمام حجّة(73)، فليس في الإشكال أشبه من تشاكل الأئمة والأنبياء.
وكذلك أخبرنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بتشاكل أفعال الأوصياء فيمن تقدّم وتأخّر من قصّة يوشع بن نون وصيِّ موسى (عليه السلام) مع صفراء بنت شعيب زوجة موسى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(69) هارون بن عنترة بن عبد الرحمن الشيباني عامي ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن سعد: ثقة، وقال أبو زرعة: لا بأس به، مستقيم الحديث. وابنه عبد الملك عنونه النجاشي وقال: كوفي ثقة عين روى عن أصحابنا ورووا عنه، ولم يكن متحققاً بأمرنا، له كتاب يرويه محمّد بن خالد. وأما أبوه عنترة بن عبد الرحمن فعنونه العسقلاني في النقريب والتهذيب وقال: ذكره ابن حبان في الثقات وذكر ابن أبي حاتم عن أبي زرعة: أنَّه كوفي ثقة.
(70) أي يرفع رجليه رفعاً بيناً بقوة دون احتشام وتبختر. والصبب: ما انحدر من الأرض أو الطريق.
(71) في بعض النسخ (اسحاق).
(72) في بعض النسخ (لهذا الاسم) أي النبوة.
(73) في بعض النسخ (والوصي حجّة).
وقصّة أمير المؤمنين (عليه السلام) وصىّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع عائشة بنت أبى بكر، وإيجاب غسل الأنبياء أوصيائهم بعد وفاتهم.
حدثنا عليُّ بن أحمد الدَّقاق رحمه الله قال: حدّثنا حمزة بن القاسم قال: حدّثنا أبو الحسن علي بن الجنيد الرازيُّ قال: حدّثنا أبو عوانة قال: حدّثنا الحسن بن عليٍّ(74)، عن عبد الرّزاق، عن أبيه، عن مينا مولى عبد الرّحمن بن عوف، عن عبد الله بن مسعود قال: قلت للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا رسول الله من يغسّلك إذا متَّ؟ قال: يغسّل كلّ نبيٍّ وصيّه، قلت: فمن وصيك يا رسول الله؟ قال: عليُّ بن أبي طالب قلت: كم يعيش بعدك يا رسول الله؟ قال: ثلاثين سنة، فإنَّ يوشع بن نون وصيُّ موسى عاش بعد موسى ثلاثين سنة، وخرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى (عليه السلام) فقالت: أنا أحقُّ منك بالأمر فقاتلها فقتل مقاتليها وأسرها فأحسن أسرها، وأن ابنة أبي بكر ستخرج على عليِّ في كذا وكذا ألفاً من أمتي فتقاتلها فيقتل مقاتليها ويأسرها فيحسن أسرها، وفيها أنزل الله (عزَّ وجلَّ): (وقرن في بيوتكنَّ ولا تبرجنَّ تبرُّج الجاهليّة الأولى)(75) يعنى صفراء بنت شعيب، فهذا الشكل قد ثبت بين الأئمة والأنبياء بالاسم والصفة والنعت والفعل، وكلُّ ما كان جائزاً في الأنبياء فهو جائز يجري في الأئمة حذو النّعل بالنّعل والقذَّة بالقذَّة، ولو جاز أن تجحد إمامة صاحب زماننا هذا لغيبته بعد وجود من تقدّمه من الأئمة (عليهم السلام) لوجب أن تدفع نبوَّة موسى بن عمران (عليه السلام) لغيبته إذ لم يكن كلًّ الأنبياء كذلك، فلمّا لم تسقط نبوة موسى لغيبته وصحت نبوَّته مع الغيبة كما صحّت نبوَّة الأنبياء الّذين لم تقع بهم الغيبة فكذلك صحّت إمامة صاحب زماننا هذا مع غيبته كما صحت إمامة من تقدّمه من الأئمة الّذين لم تقع بهم الغيبة.
وكما جاز أن يكون موسى (عليه السلام) في حجر فرعون يُربيّه وهو لا يعرفه ويقتل أولاد بني إسرائيل في طلبه فكذلك جائز أن يكون صاحب زماننا موجوداً بشخصه بين النّاس، يدخل مجالسهم ويطأ بسطهم ويمشي في أسواقهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(74) هو الحسن بن علي الخلال أبو علي - وقيل أبو محمّد - الحلواني نزيل مكة ثقة ثبت يروى عن عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبي بكر الصنعانى، قال أحمد بن صالح المصرى: قلت لاحمد بن حنبل: رأيت أحدا أحسن حديثاً من عبد الرزاق؟ قال: لا. ويرموه القوم بالتشيع. يروى عن أبيه همام وهو ثقة يروى عن مينا بن أبى مينا الزهري الخزاز مولى عبد الرحمن بن عوف وهو شيعي جرحه العامة لتشيعه. وما في النسخ من الحسين بن علي بن عبد الرزاق، فهو تصحيف.
(75) الاحزاب: 32.
وهم لا يعرفونه إلى أن يبلغ الكتاب أجله.
فقد روي عن الصّادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) أنَّه قال: في القائم سنّة من موسى، وسنّة من يوسف، وسنّة من عيسى، وسنّة من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): فأمّا سنة موسى فخائف يترقب، وأما سنة يوسف فإنَّ إخوته كانوا يبايعونه ويخاطبونه ولا يعرفونه، وأما سنة عيسى فالسياحة، وأما سنة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فالسيف.
رد إشكال:
فكان من الزِّيادة لخصومنا أن قالوا: ما أنكرتم إذ قد ثبت لكم ما ادَّعيتم من الغيبة كغيبة موسى (عليه السلام) ومن حلّ محله من الأئمة(76) الّذين وقعت بهم الغيبة أن تكون حجّة موسى لم تلزم أحداً إلّا من بعد أنَّ أظهر دعوته ودلَّ على نفسه وكذلك لا تلزم حجّة إمامكم هذا لخفاء مكانه وشخصه حتّى يظهر دعوته ويدل على نفسه [كذلك] فحينئذ تلزم حجّته وتجب طاعته، وما بقي في الغيبة فلا تلزم حجّته، ولا تجب طاعته.
فأقول - وبالله أستعين -: إنَّ خصومنا غفلوا عما يلزم من حجّة حجج الله في ظهورهم واستتارهم وقد ألزمهم الله تعالى الحجّة البالغة في كتابه ولم يتركهم سدى في جهلهم وتخبّطهم ولكنّهم كما قال الله (عزَّ وجلَّ): (أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها)(77) أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد أخبرنا في قصّة موسى (عليه السلام) أنَّه كان له شيعة وهم بأمره عارفون وبولايته متمسّكون ولدعوته منتظرون قبل إظهار دعوته، ومن قبل دلالته على نفسه حيث يقول: (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوِّه فاستغاثه الّذي من شيعته على الّذي من عدوِّه)(78) وقال (عزَّ وجلَّ) حكاية عن شيعة: (قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا - الآية)(79) فأعلمنا الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه أنَّه قد كان لموسى (عليه السلام) شيعة من قبل أن يظهر من نفسه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(76) في بعض النسخ (من الأنبياء).
(77) سوره محمّد (ص): 24.
(78) القصص: 15.
(79) الاعراف: 129.
نبوّة، وقبل أن يظهر له دعوة يعرفونه ويعرفهم بموالاة موسى صاحب الدَّعوة ولم يكونوا يعرفون أنَّ ذلك الشخص هو موسى بعينه، وذلك أنَّ نبوّة موسى إنّما ظهرت من بعد رجوعه من عند شعيب حين سار بأهله من بعد السنين التي رعى فيها لشعيب حتّى استوجب بها أهله فكان دخوله المدينة حين وجد فيها الرَّجلين قبل مسيره إلى شعيب، وكذلك وجدنا مثل نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد عرف أقوامٌ أمره قبل ولادته وبعد ولادته، وعرفوا مكان خروجه ودار هجرته من قبل أن يظهر من نفسه نبوّة، ومن قبل ظهور دعوته وذلك مثل سلمان الفارسيِّ رحمه الله، ومثل قُسّ بن ساعدة الأيادي، ومثل تبّع الملك، ومثل عبد المطّلب، وأبي طالب، ومثل سيف بن ذي - يزن، ومثل بحيرى الرّاهب، ومثل كبير الرهبان في طريق الشام، ومثل أبي مويهب الراهب، ومثل سطيح الكاهن، ومثل يوسف اليهوديِّ، ومثل ابن حوّاش الحبر المقبل من الشام، ومثل زيد بن عمرو بن نفيل، ومثل هؤلاء كثير ممّن قد عرف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بصفته ونعته واسمه ونسبه قبل مولده وبعد مولده، والأخبار في ذلك موجودة عند الخاصّ والعامّ، وقد أخرجتها مسندة في هذا الكتاب في مواضعها، فليس من حجّة الله (عزَّ وجلَّ) نبي ولا وصي إلّا وقد حفظ المؤمنون وقت كونه وولادته وعرفوا أبويه ونسبه في كل عصر وزمان حتّى لم يشتبه عليهم شيء من أمر حجج الله (عزَّ وجلَّ) في ظهورهم وحين استتارهم، وأغفل ذلك أهل الجحود والضّلال والكنود فلم يكن عندهم [علم] شيء من أمرهم، وكذلك سبيل صاحب زماننا (عليه السلام) حفظ أولياؤه المؤمنون من أهل المعرفة والعلم وقته وزمانه وعرفوا علاماته وشواهد أيّامه(80) وكونه ووقت ولادته ونسبه، فهم على يقين من أمره في حين غيبته ومشهده، وأغفل ذلك أهل الجحود والإنكار والعنود، وفي صاحب زماننا (عليه السلام) قال الله (عزَّ وجلَّ): (يوم يأتي بعض آيات ربّك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل)(81) وسئل الصادق (عليه السلام) عن هذه الآية فقال: الآيات هم الأئمة، والآية المنتظرة هو القائم المهديُّ (عليه السلام) فإذا قام لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسّيف وإن آمنت بمن تقدَّم من آبائه (عليهم السلام)). حدّثنا بذلك أحمد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير؛ والحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب وغيره، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام).
وتصديق ذلك (أنَّ الآيات هم الحجج) من كتاب الله (عزَّ وجلَّ) قول الله تعالى: (وجعلنا ابن مريم وأمّه آية)(82) يعني حجّة، وقوله (عزَّ وجلَّ) لعزير(83) حين أحياه الله من بعد أنَّ أماته مائة سنة (فانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للنّاس)(84) يعني حجّة فجعله (عزَّ وجلَّ) حجّة على الخلق وسمّاه آية. وإنّ النّاس لمّا صحَّ لهم عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمر الغيبة الواقعة بحجّة الله تعالى ذكره على خلقه وضع كثير منهم الغيبة غير موضعها أوّلهم عمر بن الخطّاب فانه قال لما قبض النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): والله ما مات محمّد وإنّما غاب كغيبة موسى (عليه السلام) عن قومه وإنّه سيظهر لكم بعد غيبته.
حدثنا أحمد بن محمّد بن الصقر الصائغ العدل قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن العباس بن بسّام قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن يزداد قال: حدّثنا نصر بن سيار بن داود الاشعريُّ قال: حدّثنا محمّد بن عبد ربّه(85)، وعبد الله بن خالد السلّولي أنّهما قالا: حدّثنا أبو معشر نجيح المدنيُّ قال: حدّثنا محمّد بن قيس، ومحمد بن كعب القرظيِّ، وعمارة بن غزّية، وسعيد بن أبي سعيد المقبري(86)، وعبد الله بن أبي مليكة وغيرهم من مشيخة أهل المدينة قالوا: لما قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أقبل عمر بن الخطاب يقول: والله ما مات محمّد وإنّما غاب كغيبة موسى عن قومه وإنّه سيظهر بعد غيبته فما زال يردّد هذا القول ويكرّره حتّى ظنّ النّاس أنَّ عقله قد ذهب، فأتاه أبو بكر وقد اجتمع النّاس عليه يتعجّبون من قوله فقال: اربع على نفسك يا عمر(87) من يمينك التي تحلف بها، فقد أخبرنا الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه فقال: يا محمّد (إنّك ميّت وإنّهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(82) المؤمنون: 50.
(83) في بعض النسخ (لارميا).
(84) البقرة: 259.
(85) محمّد بن يزداد الرازي قال أبو النضر العياشي: لا بأس به. ونصر بن سيار لم أجد من ذكره وليس هو بنصر بن سيار والى خراسان من قبل هشام بن عبد الملك، ومحمّد بن عبد ربّه الانصاري اجاز التلعكبرى جميع حديثه وكان يروى عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميرى ونظرائهما كما في منهج المقال. وأما عبد الله بن خالد فلم أعرفه.
(86) أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي - بكسر المهملة وسكون النون - المدني مولى بني هاشم مشهور بكنيته وليس بقوى في الحديث، ومحمّد بن قيس شيخه ضعيف كما في التقريب. وأما محمّد بن كعب القرظي فثقة عالم ولد سنة أربعين على الصحيح ومات سنة 120 وقيل قبل ذلك. وأما عمارة بن غزية المدني فوثقه أحمد وأبو زرعة وقال يحيى بن معين: صالح وقال أبو حاتم: ما بحديثه بأس، وكان صدوقاً. وأما سعيد بن أبي سعيد فاسمه كيسان المقبري أبو سعد المدنى، والمقبري نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاوراً لها فهو ثقة صدوق كما في التهذيب. واما عبد الله بن أبي مليكة فهو عبد الله بن عبيد الله وأبو ملكية بالتصغير ثقة فقيه.
(87) أي ارفق بنفسك وكف عن هذا القول واليمين.
ميّتون)(88) فقال عمر: وإنّ هذه الآية لفي كتاب الله يا أبا بكر؟ فقال: نعم أشهد بالله لقد ذاق محمّد الموت، ولم يكن عمر جمع القرآن(89).
الكيسانية:
ثم غلطت الكيسانيّة بعد ذلك حتّى ادَّعت هذه الغيبة لمحمّد بن الحنفية - قدَّس الله روحه - حتّى أنَّ السيّد بن محمّد الحميريَّ رضي الله عنه(90) اعتقد ذلك وقال فيه:
ألا إنَّ الأئمة من قريش * * * ولاة الأمر أربعة سواء
عليٌّ والثلاثة من بنيه * * * هُمُ أسباطنا والأوصياء(91)
فسبطٌ سبط إيمان وبرٍّ * * * وسبطٌ قد حوته كربلاء(92)
وسبط لا يذوق الموت حتّى * * * يقود الجيش يقدمه اللّواء(93)
يغيب فلا يرى عنّا زماناً(94) * * * برضوى عنده عسلٌ وماء
وقال فيه السيّد - رحمة الله عليه - أيضا:
أيا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى * * * فحتّى متى يخفى وأنت قريب
فلو غاب عنّا عمر نوح لا يقنت * * * منّا النّفوس بأنّه سيؤوب(95)
وقال فيه السيّد أيضاً:
ألاحيّ المقيم بشعب رضوى * * * واهد له بمنزله السّلاما
وقل: يا بن الوصيِّ فدتك نفسي * * * أطلت بذلك الجَبَل المقاما
فمرَّ بمعشر والوك منا * * * وسمّوك الخليفة والاماما
فما ذاق ابن خولة طعم موت * * * ولا وارت له أرض عظاما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(88) الزمر: 30.
(89) أي لم يقرء أو يحفظ جميع القرآن.
(90) هو اسماعيل بن محمّد الحميري، سيد الشعراء. كان يقول أولا بامامة محمّد بن الحنفية ثمّ رجع إلى الحق، وأمره في الجلالة والمجد ظاهر لمن تتبع كتب التراجم. قيل: توفى ببغداد سنة 179 فبعثت الاكابر والشرفاء من الشيعة سبعين كفناً له، فكنفه الرشيد من ماله ورد الاكفان إلى أهلها.
(91) في (الفرق بين الفرق) لعبد القاهر بن طاهر البغدادي الاسفراييني (هم الاسباط ليس بهم خفاء) وكذا في الملل والنحل للشهرستاني.
(92) في الفرق (وسبط غيبته كربلاء). وكذا في اعلام الورى المنقول من كمال الدين.
(93) في الفرق والملل (يقود الخيل يقدمها اللواء).
(94) في الفرق (تغيب لا يرى فيهم زماناً).
(95) هذا المصراع في بعض النسخ هكذا (نفوس البرايا أنَّه سيؤوب).
فلم يزل السيّد ضالّاً في أمر الغيبة يعتقدها في محمّد بن الحنفيّة حتّى لقى الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) ورأى منه علامات الإمامة وشاهد فيه دلالات الوصية، فسأله عن الغيبة، فذكر له أنّها حقٌّ ولكنّها تقع في الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) وأخبره بموت محمّد بن الحنفيّة وأن أباه شاهد دفنه، فرجع السيّد عن مقالته واستغفر من اعتقاده ورجع إلى الحق عند اتّضاحه له، ودان بالإمامة.
حدثنا عبد الواحد بن محمّد العطّار النيسابوريُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا علي بن محمّد قتيبة النيسابوري، عن حمدان بن سليمان، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن حيان السراج قال: سمعت السيّد بن محمّد الحميري يقول: كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمّد بن علي - ابن الحنفيّة - قد ضللت في ذلك زماناً، فمن الله علي بالصادق جعفر بن - محمّد (عليهما السلام) وأنقذني به من النّار، وهداني إلى سواء الصراط، فسألته بعد ما صحَّ عندي بالدّلائل التي شاهدتها منه أنَّه حجّة الله علي وعلى جميع أهل زمانه وإنّه الإمام الّذي فرض الله طاعته وأوجب الاقتداء به، فقلت له،: يا بن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك (عليهم السلام) في الغيبة وصحّة كونها فأخبرني بمن تقع؟ فقال (عليه السلام): إنَّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أوَّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحقِّ بقية الله في الأرض وصاحب الزَّمان، والله لو بقى في غيبته ما بقى نوح في قومه(96) لم يخرج من الدُّنيا حتّى يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً. قال السيّد: فلمّا سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه، وقلت قصيدتي التي أولها:
فلمّا رأيت النّاس في الدِّين قد غووا * * * تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا(97)
وناديت باسم الله والله اكبر * * * وأيقنت أن يعفو ويغفر
ودنت بدين الله ما كنت ديّناً(98) * * * به ونهاني سيّد النّاس جعفر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(96) في بعض النسخ (في الأرض).
(97) في بعض النسخ (باسم الله والله اكبر).
(98) في بعض النسخ (ودنت بدين غير ما كنت دينا).
فقلت: فهبني قد تهودت برهة * * * وإلا فديني دين من يتنصر
وإني إلى الرحمن من ذاك تائب * * * إني قد أسلمت والله أكبر
فلست بغال ما حييت وراجع * * * إلى ما عليه كنت اُخفي واظهر
ولا قائل حيّ برضوى محمّد * * * وإن عاب جهّال مقالي وأكثروا
ولكنّه ممن مضى لسبيله * * * على أفضل الحالات يقفي ويخبر
مع الطيبين الطاهرين الأولى لهم * * * من المصطفى فرعٌ زكيٌ وعنصر
إلى آخر القصيدة، (وهي طويلة) وقلت بعد ذلك قصيدة أخرى:
أيا راكباً نحو المدينة جسرة * * * عذافرة يطوى بها كلّ سبسب(99)
إذا ما هداك الله عاينت جعفراً * * * فقل لوليِّ الله وابن المهذَّب
ألا يا أمين الله وابن أمينه * * * أتوب إلى الرَّحمن ثمّ تأوَّبي
إليك من الأمر الّذي كنت مطنباً(100) * * * أحارب فيه جاهداً كلَّ معرب
وما كان قولي في ابن خولة مطنباً * * * معاندة منّي لنسل المطيب
ولكن روينا عن وصيِّ محمّد * * * وما كان فيما قال بالمتكذّب
بأنَّ وليَّ الأمر يفقد لا يرى * * * ستيراً(101) كفعل الخائف المترقّب
فتقسم أموال الفقيد كأنّما * * * تغيّبه بين الصفيح المنصّب(102)
فيمكث حينا ثمّ ينبع نبعة * * * كنبعة جدي من الأفق كوكب(103)
يسير بنصر الله من بيت ربّه * * * على سؤدد منه وأمر مسبّب(104)
يسير إلى أعدائه بلوائه * * * فيقتلهم قتلا كحران مغضب(105)
فلما روى أنَّ ابن خولة غائب * * * صرفنا إليه قولنا لم نكذِّب
وقلنا هو المهديُّ والقائم الّذي * * * يعيش به من عدله كلُّ مجدب
فان قلت لا فالحقُّ قولك والذي * * * أمرت(106) فحتمٌ غير ما متعصّب
واشهد ربي أنَّ قولك حجة * * * على النّاس طرا من مطيع ومذنب
بأنَّ وليَّ الأمر والقائم الذي * * * تطلّع نفسي نحوه بتطرُّب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(99) الجسرة: البعير الذى أعيا وغلظ من السير. والعذافرة: العظمة الشديدة من الابل، والناقة الصلبة القوية. والسبب: المفازة، أو الأرض المستوية البعيدة.
(100) في بعض النسخ (كنت مبطنا).
(101) في بعض النسخ (سنين). وفى بعضها (كمثل الخائف).
(102) الصفيح: من أسماء السماء، ووجه كل شيء عريض. والمنصب المرتفع. ولعل المراد بالصفيح هنا موضع بين حنين وأنصاب الحرم. كما يظهر من بعض اللغات.
(103) كذا وفى بعض نسخ الحديث:
(فيمكث حينا ثمّ يشرق شخصه * * * مضيئاً بنور العدل اشراق كوكب)
وهكذا في اعلام الورى المنقول من كمال الدين. وليس هذا البيت في ارشاد المفيد ولا كشف الغمة للاربلي.
(104) في بعض النسخ (وأمر مسيب).
(105) فرس حرون: الذى لا ينقاد والاسم الحران.
(106) في الارشاد وكشف الغمة (تقول فحتم).
له غيبة لابدَّ من أن يغيبها * * * فصلّى عليه الله من متغيّب
فيمكث حيناً ثمّ يظهر حينه(107) * * * فيملك من في شرقها والمغرَّب(108)
بذاك أدين الله سرّاً وجهرة * * * ولست وإن عوتبت فيه بمعتب(109)
وكان حيّان السّراج الراوي لهذا الحديث من الكيسانية، ومتى صح موت محمّد بن عليٍّ ابن الحنفيّة بطل أن تكون الغيبة الّتي رويت في الأخبار واقعة به.
فمما روي في وفاة محمّد بن الحنفيّة رضي الله عنه (110)
ما حدّثنا به محمّد بن عصام رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيُّ قال: حدّثنا القاسم بن العلاء قال: حدثني إسماعيل بن عليِّ القزوينيُّ قال: حدثني عليُّ بن إسماعيل، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار(111) قال: دخل حيّان السّراج على الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) فقال له: يا حيّان ما يقول أصحابك في محمّد بن الحنفية؟ قال: يقولون: إنَّه حي يرزق، فقال الصادق (عليه السلام): حدثني أبي (عليه السلام) أنَّه كان فيمن عاده في مرضه وفيمن غمضه وأدخله حفرته وزوج نسائه وقسم ميراثه، فقال: يا أبا عبد الله إنّما مثل محمّد بن الحنفيّة في هذه الأُمة كمثل عيسى بن مريم شُبّه أمره للنّاس، فقال الصادق (عليه السلام): شُبّه أمره على أوليائه أو على أعدائه؟ قال: بل على أعدائه فقال: أتزعم أنَّ أبا جعفر محمّد بن عليِّ الباقر (عليهما السلام) عدوُّ عمّه محمّد بن الحنفية؟ فقال: لا، فقال الصادق (عليه السلام): يا حيّان إنّكم صدفتم عن آيات الله، وقد قال الله تبار ك وتعالى: (سنجزي الّذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون)(112).
وقال الصادق (عليه السلام): ما مات محمّد بن الحنفيّة حتّى أقرَّ لعليِّ بن الحسين (عليهما السلام). وكانت وفاة محمّد بن الحنفيّة سنة أربع وثمانين من الهجرة.
حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن محمّد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(107) في الارشاد (يظهر أمره) ولعله هو الصواب.
(108) في اعلام الورى (فيملاء عدلا كل شرق ومغرب).
(109) (بمعتب) خبر ليست. يعنى عتابهم اياى ليس بموقع.
(110) هذا العنوان للمؤلف وموجود في جميع النسخ.
(111) هو الحسين بن المختار القلانسي الكوفي ثقة واقفي من أصحاب الكاظم (عليه السلام). وما في بعض النسخ من (جعفر بن مختار) فهو تصحيف، وعلي بن إسماعيل الظاهر هو على بن السندي الثقة. وأما حيان السراج فهو كيساني متعصب.
(112) الانعام: 157. والصدف الرجوع عن الشيء.
بن أحمد بن يحيى: عن إبراهيم بن هاشم، عن عبد الصمد بن محمّد، عن حنان بن سدير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دخلت على محمّد بن الحنفيّة وقد اعتقل لسانه فأمرته بالوصيّة، فلم يجب، قال: فأمرت بطست فجعل فيه الرَّمل، فوضع فقلت له: خطَّ بيدك، قال: فخطّ وصيّته بيده في الرَّمل، ونسخت أنا في صحيفة.
ابطال قول الناووسية والواقفة في الغيبة
ثم غلطت الناووسيّة بعد ذلك في أمر الغيبة بعد ما صحَّ وقوعها عندهم بحجّة الله على عباده فاعتقدوها جهلاً منهم بموضعها في الصادق بن محمّد (عليهما السلام) حتّى أبطل الله قولهم بوفاته (عليه السلام) وبقيام كاظم الغيظ الأوّاه الحليم، الإمام أبي إبراهيم موسى ابن جعفر (عليهما السلام) بالأمر مقام الصادق (عليه السلام).
وكذلك ادَّعت الواقفيّة ذلك في موسى بن جعفر (عليهما السلام) فأبطل الله قولهم بإظهار موته وموضع قبره، ثمّ بقيام الرِّضا عليِّ بن موسى (عليهما السلام) بالأمر بعده، وظهور علامات الإمامة فيه مع ورود النصوص عليه من آبائه (عليهم السلام).
فمما روي في وفاة موسى بن جعفر (عليهما السلام) (113)
ما حدّثني به محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا أحمد بن - محمّد بن عمار، قال: حدثني الحسن بن محمّد القطعيُّ، عن الحسن بن علي النخّاس العدل عن الحسن بن عبد الواحد الخزّاز، عن عليِّ بن جعفر، عن عمر بن واقد قال: أرسل إليَّ السنديُّ بن شاهك في بعض اللّيل وأنا ببغداد فاستحضرني فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي، فأوصيت عيالي بما احتجت إليه وقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ثمّ ركبت إليه، فلمّا رآني مقبلاً قال: يا أبا حفص لعلّنا أرعبناك وأفزعناك، قلت: نعم قال: فليس ههنا إلّا خيرٌ، قلت: فرسول تبعثه إلى منزلي يخبرهم خبري؟ فقال: نعم ثمّ قال: يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك؟ فقلت: لا فقال: أتعرف موسى بن جعفر؟ فقلت: إي والله إنّي لأعرفه وبيني وبينه صداقة منذ دهر، فقال: من ههنا ببغداد يعرفه ممّن يقبل قوله؟ فسمّيت له أقواما ووقع في نفسي أنَّه (عليه السلام) قد مات، قال: فبعث إليهم وجاء بهم كما جاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(113) العنوان من المؤلف.
بي، فقال: هل تعرفون قوماً يعرفون موسى بن - جعفر؟ فسمّوا له قوماً، فجاء بهم، فأصبحنا ونحن في الدّار نيف وخمسون رجلاً ممن يعرف موسى وقد صحبه، قال: ثمّ قام ودخل وصلّينا، فخرج كاتبه ومعه طومارٌ فكتب أسماءنا ومنازلنا وأعمالنا وخلانا، ثمّ دخل إلى السنديِّ، قال: فخرج السندي فضرب يده إليَّ فقال: قم يا أبا حفص، فنهضت ونهض أصحابنا ودخلنا وقال لي: يا أبا حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر، فكشفته فرأيته ميتاً فبكيت واسترجعت، ثمّ قال للقوم: انظروا إليه، فدنا واحد بعد واحد فنظروا إليه ثمّ قال: تشهدون كلّكم أنَّ هذا موسى بن جعفر بن محمّد؟ قالوا: نعم نشهد أنَّه موسى بن جعفر بن محمّد، ثمّ قال: يا غلام اطرح على عورته منديلاً واكشفه، قال: ففعل، فقال: أترون به أثراً تنكرونه؟ فقلنا: لا ما نرى به شيئا ولا نراه إلّا ميتاً، قال: لا تبرحوا حتّى تغسلوه واكفنّه وأدفنه، قال: فلم نبرح حتّى غسّل وكفن وحمل فصلى عليه السنديُّ بن شاهك، ودفناه ورجعنا، فكان عمر بن واقد يقول: ما أحد هو أعلم بموسى بن جعفر (عليهما السلام) منّي، كيف تقولون: إنَّه حيٌّ وأنا دفنته.
حدثنا عبد الواحد بن محمّد العطّار رحمه الله قال: حدّثنا عليُّ بن محمّد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان النيسابوريِّ، عن الحسن بن عبد الله الصيرفيِّ، عن أبيه قال: توّفي موسى بن جعفر (عليهما السلام) في يد السنديِّ بن شاهك فحمل على نعش ونودي عليه هذا إمام الرّافضة فاعرفوه، فلمّا اتي به مجلس الشرطة أقام أربعة نفر فنادوا الأمن أراد أن ينظر إلى الخبيث بن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج، فخرج سليمان بن أبي جعفر(114) من قصره إلى الشطِّ فسمع الصياح والضوضاء(115) فقال لولده وغلمانه: ما هذا؟ قالوا: السنديُّ بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر على نعش، فقال لولده وغلمانه: يوشك أن يفعل به هذا في الجانب الغربيِّ، فإذا عبر به فأنزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم فإنَّ مانعوكم فاضربوهم واخرقوا ما عليهم من السّواد، قال: فلمّا عبروا به نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم وضربوهم وخرقوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(114) هو عم الرشيد أحد أركان الدولة العباسية.
(115) الضوضاء: الغوغاء وزنا - ومعنى - وأصوات النّاس في الحرب.
عليهم سوادهم ووضعوه في مفرق أربع طرق(116) وأقام المنادين ينادون: الأمن أراد أن ينظر إلى الطيّب بن الطيّب موسى بن جعفر فليخرج، وحضر الخلق وغسّله وحنّطه بحنوط وكفنه بكفّن فيه حبرة استعملت له بألفي وخمسمائة دينار، مكتوباً عليها القرآن كلّه، واحتفى(117) ومشى في جنازته، متسلّباً مشقوق الجيب إلى مقابر قريش فدفنه (عليه السلام) هناك، وكتب بخبره إلى الرَّشيد، فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر: وصلت رحمك يا عمّ وأحسن الله جزاك، والله، ما فعل السّنديُّ بن شاهك - لعنه الله - ما فعله عن أمرنا.
حدثنا أحمد بن زياد الهمدانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن صدقة العنبريُّ قال: لمّا توّفي أبو إبراهيم موسى ابن جعفر (عليهما السلام) جمع هارون الرَّشيد شيوخ الطالبيّة وبني العباس وسائر أهل المملكة والحكّام وأحضر أبا إبراهيم موسى بن جعفر (عليهما السلام) فقال: هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه(118) وما كان بيني وبينه ما استغفر الله منه في أمره يعني في قتله فانظروا إليه فدخل عليه سبعون رجلاً من شيعته فنظروا إلى موسى بن جعفر (عليهما السلام) وليس به أثر جراحة ولا سمٍّ ولا خنق، وكان في رجله أثر الحنّاء فأخذه سليمان بن أبي جعفر وتولّى غسله وتكفينه واحتفى وتحسّر في جنازته(119).
حدثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه الله قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر عن المعلّى بن محمّد البصريِّ قال: حدّثني عليّ بن رباط قال: قلت لعليِّ بن موسى الرِّضا (عليهما السلام): أنَّ عندنا رجلاً يذكر أنَّ أباك (عليه السلام) حيٌّ وأنّك تعلم من ذلك ما تعلم؟ فقال (عليه السلام): سبحان الله مات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولم يمت موسى بن جعفر؟! بلى والله لقد مات وقسمت أمواله ونكحت جواريه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(116) يعنى الموضع الذي يتشعب منه الطرق ويقال له بالفارسية (چهار راه).
(117) أي مشى حافيا بلا نعل. وقوله: (متسلبا) أي بلا رداء ولا زينة.
(118) أي مات من غير قتل ولا ضرب، بل مات بأجله.
(119) تحسر إي تلهف أو مشى بلا رداء وعمامة.
ادعاء الواقفة الغيبة على العسكري (عليه السلام)
ثم ادَّعت الواقفة على الحسن بن عليّ بن محمّد (عليهم السلام) أنَّ الغيبة وقعت به لصحّة أمر الغيبة عندهم وجهلهم بموضعها وأنّه القائم المهديُّ، فلمّا صحت وفاته (عليه السلام) بطل قولهم فيه وثبت بالأخبار الصحيحة الّتي قد ذكرناها في هذا الكتاب أنَّ الغيبة واقعة بابنه (عليه السلام) دونه.
فمما روي في صحة وفاة الحسن بن علي بن محمّد العسكري (عليهما السلام) (120)
ما حدّثنا به أبي، ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رضي الله عنهما - قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدّثنا من حضر موت الحسن بن عليّ بن محمّد العسكريِّ (عليهم السلام) ودفنه ممّن لا يوقف على إحصاء عددهم ولا يجوز على مثلهم التواطؤ بالكذب. وبعد فقد حضرنا في شعبان سنة ثمان وسبعين ومائتين وذلك بعد مضيِّ أبي محمّد الحسن ابن عليٍّ العسكريِّ (عليهما السلام) بثمانية عشرة سنة أو أكثر مجلس أحمد بن عبيد الله بن يحيى ابن خاقان(121) وهو عامل السّلطان يومئذ على الخراج والضياع بكورة قمّ، وكان من أنصب خلق الله وأشدَّهم عداوة لهم، فجرى ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسرَّ من رأى ومذاهبهم وصلاحهم وأقدارهم عند السّلطان، فقال أحمد بن عبيد الله: ما رأيت ولا عرفت بسرِّ من رأى رجلاً من العلويّة مثل الحسن بن عليّ بن محمّد بن علي الرضا (عليهم السلام)، ولا سمعت به في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان وجميع بني هاشم، وتقديمهم إيّاه على ذوي السنِّ منهم والخطر، وكذلك القواد والوزراء والكتّاب وعوام النّاس فانّي كنت قائماً ذات يوم على رأس أبي وهو يوم مجلسه للنّاس إذ دخل عليه حجابه فقالوا له: إنَّ ابن الرضا على الباب، فقال بصوت عال: ائذنوا له(122) فدخل رجلٌ أسمر أعينٌ حسن القامة، جميل الوجه، جيّد البدن حدث السنِّ، له جلالة وهيبة، فلمّا نظر إليه أبي قام فمشى إليه خطىً ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هشام ولا بالقوَّاد ولا بأولياء العهد، فلمّا دنامنه عانقه وقبّل وجهه ومنكبيه وأخذ بيده فأجلسه على مصلّاه الّذي كان عليه، وجلس إلى جنبه، مقبلاً عليه بوجهه، وجعل يكلّمه ويكنيه، ويفديه بنفسه وبأبويه، وأنا متعجّب ممّا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(120) العنوان من المؤلف.
(121) في أعلام الورى (أحمد بن عبد الله بن يحيى بن خاقان).
(122) زاد في الكافي ج 1 ص 503 (فتعجبت ممّا سمعت منهم أنهم جسروا يكنون رجلاً على أبي بحضرته ولم يكنّ عنده إلّا خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكنى).
أرى منه إذ دخل عليه الحجّاب فقالوا: الموفّق قد جاء(123)، وكان الموفّق إذا جاء ودخل على أبي تقدم حجابه وخاصة قواده، فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدَّار سماطين(124) إلى أن يدخل ويخرج، فلم يزل أبي مقبلاً عليه(125) يحدِّثه حتّى نظر إلى غلمان الخاصّة فقال حينئذ: إذا شئت فقم جعلني الله فداك يا أبا محمّد، ثمّ قال لغلمانه: خذوا به خلف السماطين كيلا يراه الأمير - يعني الموفّق - فقام وقام أبي فعانقه وقبّل وجهه ومضى، فقلت لحجّاب أبي وغلمانه: ويلكم من هذا الّذي فعل به أبي هذا الّذي فعل؟ فقالوا: هذا رجلٌ من العلويّة يقال له: الحسن بن علىٍّ يعرف با ابن الرِّضا، فازددت تعجّباً، فلم أزل يومى ذلك قلقا متفكراً في أمره وأمر أبي وما رأيت منه حتّى كان الليل وكانت عادته أن يصلّي العتمة، ثمّ يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه إلى السلطان فلمّا صلّى وجلس(126) جئت فجلست بين يديه فقال،: يا أحمد ألك حاجة؟ فقلت: نعم يا أبة أن أذنت سألتك عنها؟ فقال: قد أذنت لك يا بنيَّ فقل ما أحببت فقلت له: يا أبت من كان الرجل الّذي أتاك بالغداة وفعلت به ما فعلت من الإجلال والإكرام والتبجيل، وفديته بنفسك وبأبويك؟ فقال: يا بني ذاك إمام الرافضة، ذاك ابن الرِّضا، فسكت ساعة فقال: يا بنيَّ لو زالت الخلافة عن خلفاء بني العبّاس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا، فإنَّ هذا يستحقّها في فضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه، ولو رأيت أباه لرأيت رجلاً جليلاً نبيلاً خيراً فاضلاً، فازددت قلقاً وتفكراً وغيظاً على أبي ممّا سمعت منه فيه ولم يكن لي همة بعد ذلك إلّا السؤال عن خبره، والبحث عن أمره، فما سألت عنه أحداً من بني هاشم ومن القوّاد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر النّاس إلّا وجدته عندهم في غاية الإجلال والإعظام والمحلِّ الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه وغيرهم وكلُّ يقول: هو إمام الرَّافضة، فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليا ولا عدوا إلّا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(123) الموفق هو أخو الخليفة المعتمد على الله أحمد بن المتوكل وكان صاحب جيشه.
(124) السماط: الصف من النّاس، يعني رديفين منظمين، وفي الكافي (فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن).
(125) أي مقبلا على أبى محمّد (عليه السلام).
(126) في بعض النسخ (فلمّا نظر وجلس).
فقال له بعض أهل المجلس من الأشعريّين: يا أبا بكر فما خبر أخيه جعفر؟ فقال: ومن جعفر فيسأل عن خبره(127) أو يقرن به، إنَّ جعفراً معلن بالفسق، ماجن(128)، شرّيب للخمور، وأقلّ من رأيته من الرِّجال وأهتكهم لستره، فدم خمّارٌ(129) قليلٌ في نفسه، خفيف، والله لقد ورد على السّلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) ما تعجّبت منه وما ظننت أنَّه يكون وذلك أنَّه لمّا اعتلَّ بعث إلى أبي أنَّ ابن الرضا قد اعتلَّ، فركب من ساعته مبادراً إلى دار الخلافة، ثمّ رجع مستعجلاً ومعه خمسة نفر من خدّام أمير المؤمنين كلّهم من ثقاته وخاصّته فمنهم نحرير(130) وأمرهم بلزوم دار الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وتعرُّف خبره وحاله، وبعث إلى نفر من المتطبّبين فأمرهم بالاختلاف إليه(131) وتعاهده صباحاً ومساءً، فلمّا كان بعد ذلك بيومين جاءه من أخبره أنَّه قد ضعف فركب حتّى بكر إليه ثمّ أمر المتطبّبين بلزومه وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممّن يوثق به في دينه وأمانته وورعه، فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن (عليه السلام) وأمرهم بلزوم داره ليلاً ونهاراً فلم يزالوا هناك حتّى توّفي (عليه السلام) لأيّام مضت من شهر ربيع الأوّل من سنة ستّين ومائتين، فصارت سر من رأى ضجّة واحدة - مات ابن الرِّضا - وبعث السّلطان إلى داره من يفتِّشها ويفتِّش حجرها، وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده وجاءوا بنساء يعرفن بالحبل، فدخلن على جواريه فنظرن إليهنَّ فذكر بعضهنَّ أنَّ هناك جارية بها حمل(132) فأمر بها فجعلت في حجرة ووكّل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم، ثمّ أخذوا بعد ذلك في تهيئته، وعطلت الأسواق وركب أبى وبنو هاشم والقوّاد والكتاب وسائر النّاس إلى جنازته (عليه السلام) فكانت سرَّ من رأى يومئذ شبيهاً بالقيامة، فلمّا فرغوا من تهيئته بعث السّلطان إلى أبى عيسى بن المتوكّل فأمره بالصّلاة عليه، فلمّا وضعت الجنازة للصلاة دنا أبو عيسى منها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(127) المراد به جعفر الكذاب.
(128) الماجن: من لم يبال بما قال وما صنع، والشريب - كسكين - المولع بالشراب.
(129) الفدم: العيي عن الكلام في رخاوة وقلة فهم، والاحمق والمراد الثاني.
(130) كان من خواص خدم الخليفة، وكان شقياً من الاشقياء. والنحرير: الحادق الفطن.
(131) يعني بالاختلاف: التردد للاطلاع على أحواله (عليه السلام).
(132) في بعض النسخ (لها حبل) وفى بعضها (بها حبل).
فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلويّة والعبّاسيّة والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء والمعدّلين، وقال: هذا الحسن ابن عليّ بن محمّد، ابن الرِّضا مات حتف أنفه(133) على فراشه حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان، ومن المتطبّبين فلان وفلان، ومن القضاة فلان وفلان، ثمّ غطى وجهه وقام فصلى عليه وكبّر عليه خمساً وأمر بحمله فحمل من وسط داره ودفن في البيت الّذي دفن فيه أبوه (عليه السلام).
فلمّا دفن وتفرَّق النّاس اضطرب السّلطان وأصحابه في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقفوا على قسمة ميراثه، ولم يزل الّذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهّموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين وأكثر حتّى تبيّن لهم بطلان الحبل فقسم ميراثه بين أمّه وأخيه جعفر وادعت أمه وصيّته، وثبت ذلك عند القاضي. والسّلطان على ذلك يطلب أثر ولده، فجاء جعفر بعد قسمة الميراث إلى أبي، وقال له: اجعل لي مرتبة أبي وأخي وأوصل إليك في كلِّ سنة عشرين ألف دينار مسلّمة، فزبره(134) أبي وأسمعه وقال له: يا أحمق إنَّ السّلطان - أعزَّه الله - جرد سيفه وسوطه في الّذين زعموا أنَّ أباك وأخاك أئمّة ليردهم عن ذلك فلم يقدر عليه ولم يتهيأ له صرفهم عن هذا القول فيهما، وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة فلم يتهيأ له ذلك، فإنَّ كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى السّلطان يرتّبك مراتبهم ولا غير السلطان وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا، واستقلّه (أبي) عند ذلك واستضعفه وأمر أن يحجب عنه، فلم يأذن له بالدُّخول عليه حتّى مات أبي وخرجنا والأمر على تلك الحال، والسّلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي (عليهما السلام) حتّى اليوم.
وكيف يصحُّ الموت إلّا هكذا وكيف يجوز ردُّ العيان وتكذيبه، وإنّما كان السلطان لا يفتر عن طلب الولد لأنّه قد كان وقع في مسامعه خبره وقد كان ولد (عليه السلام) قبل موت أبيه بسنين، وعرضه على أصحابه وقال لهم: (هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه فلا تتفرَّقوا من بعدي فتهلكوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في أديانكم، أما إنكم لن تروه بعد يومكم هذا، فغيبه ولم يظهره، فلذلك لم يفتر السّلطان عن طلبه.
وقد روى أنَّ صاحب هذا الأمر هو الّذي تخفى ولادته على النّاس ويغيب عنهم شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج وأنّه هو الّذي يقسم ميراثه وهو حيٌّ، وقد أخرجت ذلك مسنداً في هذا الكتاب في موضعه، وقد كان مرادنا بإيراد هذا الخبر تصحيحاً لموت الحسن بن علي (عليهما السلام)، فلمّا بطل وقوع الغيبة لمن ادُّعيت له من محمّد بن عليّ بن الحنفيّة، والصادق جعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، والحسن بن عليٍّ العسكري (عليهم السلام) بما صحَّ من وفاتهم فصحَّ وقوعها بمن نصَّ عليه النبيُّ والأئمة الأحد عشر صلوات الله عليهم وهو الحجّة بن الحسن بن عليّ بن محمّد العسكري (عليهم السلام) وقد أخرجت الأخبار المسندة في ذلك الكتاب في أبواب النصوص عليه صلوات الله عليه.
وكلُّ من سألنا من المخالفين عن القائم (عليه السلام) لم يخل من أن يكون قائلاً بإمامة الأئمة الأحد عشر من آبائه (عليهم السلام) أو غير قائل بإمامتهم، فإنَّ كان قائلاً بإمامتهم لزمه القول بإمامة الإمام الثاني عشر لنصوص آبائه الأئمة (عليهم السلام) عليه باسمه ونسبه وإجماع شيعتهم على القول بإمامته وإنّه القائم الّذي يظهر بعد غيبة طويلة فيملا الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. وإن لم يكن السائل من القائلين بالأئمة الأحد عشر (عليهم السلام) لم يكن له علينا جواب في القائم الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) وكان الكلام بيننا وبينه في إثبات إمامة آبائه الأئمة الأحد عشر (عليهم السلام)، وهكذا لو سألنا يهودي فقال لنا: لم صارت الظهر أربعاً والعصر أربعاً والعتمة أربعا والغداة ركعتين والمغرب ثلاثا؟ لم يكن له علينا في ذلك جواب، بل لنا أن نقول له: إنّك منكر لنبوّة النبيّ الّذي أتى بهذه الصّلوات وعدد ركعاتها، فكلّمنا في نبوّته وإثباتها فإنَّ بطلت بطلت هذه الصّلوات وسقط السؤال عنها، وإن ثبتت نبوّته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لزمك الإقرار بفرض هذه الصلوات على عدد ركعاتها لحصة مجيئها عنه واجتماع أمته عليها، عرفت علّتها أم لم تعرفها، وهكذا الجواب لمن سأل عن القائم (عليه السلام) حذو النّعل بالنّعل.
جواب عن اعتراض:
وقد يعترض معترضٌ جاهل بآثار الحكمة، غافل عن مستقيم التدبير لأهل الملّة بأن يقول: ما بال الغيبة وقعت بصاحب زمانكم هذا دون من تقدَّم من آبائه الأئمة بزعمكم وقد نجد شيعة آل محمّد (عليهم السلام) في زماننا هذا أحسن حالا وأرغد عيشاً منهم في زمن بني أمية إذ كانوا في ذلك الزَّمان مطالبين بالبراءة من أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى غير ذلك من أحوال القتل والتشريد. وهم في هذا الحال وادعون سالمون، قد كثرت شيعتهم وتوافرت أنصارهم وظهرت كلمتهم بموالاة كبراء أهل الدّولة لهم وذوى السّلطان والنجدة منهم.
فأقول - وبالله التوفيق -: أنَّ الجهل غير معدوم من ذوي الغفلة وأهل التكذيب والحيرة وقد تقدَّم من قولنا أنَّ ظهور حجج الله (عليهم السلام) واستتارهم جرى في وزن الحكمة(135) حسب الإمكان والتدبير لأهل الإيمان، وإذا كان ذلك كذلك فليقل ذو والنظر والتمييز: إنَّ الأمر الآن - وإن كان الحال كما وصفت - أصعب والمحنة أشدُّ ممّا تقدَّم من أزمنة الأئمة السالفة (عليهم السلام) وذلك أنَّ الأئمة الماضية أسرُّوا في جميع مقاماتهم إلى شيعتهم والقائلين بولايتهم والمائلين من النّاس إليهم حتّى تظاهر ذلك بين أعدائهم أنَّ صاحب السّيف هو الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) وأنّه (عليه السلام) لا يقوم حتّى تجيء صيحة من السماء باسمه واسم أبيه والأنفس منيتة(136) على نشر ما سمعت وإذاعة ما أحسّت فكان ذلك منتشراً بين شيعة آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعند مخالفيهم من الطواغيت وغيرهم وعرفوا منزلة أئمّتهم من الصّدق ومحلهم من العلم والفضل، وكانوا يتوقفون عن التسرُّع إلى إتلافهم ويتحامون القصد لإنزال المكروه بهم مع ما يلزم من حال التدبير في إيجاب ظهورهم كذلك ليصل كلّ امرء منهم إلى ما يستحقه من هداية أو ضلالة كما قال الله تعالى: (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً)(137) وقال الله (عزَّ وجلَّ): (وليزيدنَّ كثيراً منهم ما انزل إليك من ربّك طغياناً وكفراً فلا تأس على القوم الكافرين)(138) وهذا الزَّمان قد استوفى أهله كل إشارة من نصٍّ وآثار فتناهت بهم الأخبار واتصلت بهم الآثار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(135) كذا، يعني في ميزان الحكمة.
(136) في بعض النسخ (مبنية) والمنيتة أي المائلة كما في بعض اللغات. وفي بعض النسخ (منبعثة).
(137) الكهف: 17.
(138) المائدة: 68.
إلى أنَّ صاحب هذا الزَّمان (عليه السلام) هو صاحب السّيف والأنفس منيتة على ما وصفنا من نشر ما سمعت وذكر ما رأت وشاهدت، فلو كان صاحب هذا الزَّمان (عليه السلام) ظاهراً موجوداً لنشر شيعته ذلك ولتعدّاهم إلى مخالفيهم بحسن ظنٍّ بعضهم بمن يدخل فيهم ويظهر الميل إليهم وفي أوقات الجدال بالدّلالة على شخصه والإشارة إلى مكانه كفعل هشام بن الحكم مع الشاميِّ وقد ناظره بحضرة الصادق (عليه السلام) فقال الشامي لهشام: من هذا الّذي تشير إليه وتصفه بهذه الصفات؟ قال هشام: هو هذا وأشار بيده إلى الصادق (عليه السلام) فكان يكون ذلك منتشراً في مجالسهم كانتشاره بينهم مع إشارتهم إليه بوجود شخصه ونسبه ومكانه، ثمّ لم يكونوا حينئذ يمهلون ولا ينظرون كفعل فرعون في قتل أولاد بني إسرائيل للّذي قد كان ذاع منهم وانتشر بينهم من كون موسى (عليه السلام) بينهم وهلاك فرعون ومملكته على يديه، وكذلك كان فعل نمرود قبله في قتل أولاد رعيّته وأهل مملكته في طلب إبراهيم (عليه السلام) زمان انتشار الخبر بوقت ولادته وكون هلاك نمرود وأهل مملكته ودينه على يديه كذلك طاغية زمان وفاة الحسن بن على (عليهما السلام) والد صاحب الزَّمان (عليه السلام) وطلب ولده والتوكيل بداره وحبس جواريه وانتظاره بهنَّ وضع الحمل الّذي كان بهن(139)، فلو لا أنَّ إرادتهم كانت ما ذكرنا من حال إبراهيم وموسى (عليهما السلام) لمّا كان ذلك منهم، وقد خلّف (عليه السلام) أهله وولده وقد علموا من مذهبه ودينه أن لا يرث مع الولد والأبوين أحد إلّا زوج أو زوجة، كلّاً ما يتوهّم غير هذا عاقل ولا فهم غير هذا مع ما وجب من التدبير والحكمة المستقيمة ببلوغ غاية المدة في الظهور والاستتار فإذا كان ذلك كذلك وقعت الغيبة فاستتر عنهم شخصه وضلّوا عن معرفة مكانه، ثمّ نشر ناشرٌ من شيعته شيئاً من أمره بما وصفناه وصاحبكم في حال الاستتار فوردت عادية من طاغوت الزَّمان أو صاحب فتنة من العوام تفحّص عمّا ورد من الاستتار وذكر من الأخبار فلم يجد حقيقة يشار إليها ولا شبهة يتعلّق بها انكسرت العادية وسكنت الفتنة وتراجعت الحميّة، فلا يكون حينئذ على شيعته ولا على شيء من أشيائهم(140) لمخالفيهم متسلّق ولا إلى اصطلامهم سبيلٌ متعلّق(141) وعند ذلك تخمد النائرة وترتدع العادية، فتظاهر أحوالهم عند الناظر في شأنهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(139) في بعض النسخ (وضع حمل أن كان بهن).
(140) في بعض النسخ (من اسبابهم).
(141) تسلق الجدار: تسوره وصعد عليه، والمتسلق: آلة التسلق. والاصطلام: الاستيصال.
ويتّضح للمتأمل أمرهم، ويتحقّق المؤمن المفكّر في مذهبهم، فيلحق بأولياء الحجّة من كان في حيرة الجهل وينكشف عنهم ران الظلمة(142) عند مهلة التأمل للحقِّ(143) بيّناته وشواهد علاماته كحال اتّضاحه وانكشافه عند من يتأمّل كتابنا هذا مريداً للنجاة، هارباً من سبل الضّلالة، ملتحقاً بمن سبقت لهم من الله الحسنى، فآثر على الضّلالة الهدى.
جواب عن اعتراض آخر
ومما سأل عنه جهّال المعاندين للحقِّ أن قالوا: أخبرونا عن الإمام في هذا الوقت يدعى الإمامة أم لا يدَّعيها ونحن نصير إليه فنسأله عن معالم الدِّين فإنَّ كان يجيبنا ويدّعي الإمامة علمنا أنَّه الإمام، وإن كان لا يدَّعي الإمامة ولا يجيبنا إذا صرنا إليه فهو ومن ليس بإمام سواء.
فقيل لهم: قد دل على إمام زماننا الصادق الّذي قبله وليست به حاجةٌ إلى أن يدَّعى هو أنَّه إمام إلّا أن يقول ذلك على سبيل الأذكار والتأكيد، فأمّا على سبيل الدَّعوى الّتي نحتاج إلى برهان فلا، لأنَّ الصادق الّذي قبله قد نصَّ عليه وبيّن أمره وكفاه مؤونة الادِّعاء، والقول في ذلك نظير قولنا في عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في نصِّ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واستغنائه عن أن يدَّعي هو لنفسه أنَّه إمام، فأمّا إجابته إياكم عن معالم الدِّين فإنَّ جئتموه مسترشدين متعلّمين، عارفين بموضعه، مقرِّين بإمامته عرَّفكم وعلّمكم. وإن جئتموه أعداءً له، مرصدين بالسعاية إلى أعدائه، منطوين على مكروهه عند أعداء الحقِّ، متعرِّفين مستور أمور الدِّين لتذيعوه لم يجبكم لأنّه يخاف على نفسه منكم، فمن لم يقنعه هذا الجواب قلبنا عليه السؤال في النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو في الغار أن لو أراد النّاس أن يسألوه عن معالم الدِّين هل كانوا يلقونه ويصلون إليه أم لا، فإنَّ كانوا يصلون إليه فقد بطل أن يكون استتاره في الغار، وإن كانوا لا يصلون إليه فسواء وجوده في العالم وعدمه على علتكم، فإنَّ قلتم: أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان متوقيّاً، قيل: وكذلك الإمام (عليه السلام) في هذا الوقت متوق، فإنَّ قلتم: أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد ذلك قد ظهر ودعا إلى نفسه، قلنا: وما في ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(142) أي تغطية الظلمة. وفي بعض النسخ (درن الظلمة) والدرن: الوسخ.
(143) في بعض النسخ (المتأمل للحق).
من الفرق أليس قد كان نبيّاً قبل أن يخرج من الغار ويظهر وهو في الغار مستتر ولم ينقض ذلك نبوَّته، وكذلك الإمام يكون إماماً وإن كان يستتر بإمامته ممّن يخافه على نفسه، ويقال لهم: ما تقولون في أفاضل أصحاب محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ والمتقدّم في الصدق منهم لو لقيتهم كتيبة المشركين يطلبون نفس النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلم يعرفوه فسألوهم عنه هل هو هذا؟ وهو بين أيديهم أو كيف أخفى؟(144) وأين هو؟ فقالوا: ليس نعرف موضعه أو ليس هو هذا؟ هل كانوا في ذلك كاذبين مذمومين غير صادقين ولا محمودين أم لا؟ فإنَّ قلتم: كاذبين خرجتم من دين الإسلام بتكذيبكم أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإن قلتم: لا يكون ذلك كذلك لأنّهم يكونون قد حرفوا كلامهم وأضمروا معنى أخرجهم من الكذب وإن كان ظاهره ظاهر كذب، فلا يكونون مذمومين بل محمودين لأنّهم دفعوا عن نفس النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) القتل.
قيل لهم: وكذلك الإمام إذا قال: لست بإمام ولم يجب أعداءه عمّا يسألونه عنه لا يزيل ذلك إمامته لأنّه خائف على نفسه، وإن أبطل جحده لأعدائه أنَّه إمام في حال الخوف إمامته أبطل على أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يكونوا صادقين في إجابتهم المشركين بخلاف ما علموه عند الخوف، وإن لم يزُل ذلك صدق الصحابة لم يزل أيضاً ستر الإمام نفسه إمامته، ولا فرق في ذلك، ولو أنَّ رجلاً مسلماً وقع في أيدي الكفّار وكانوا يقتلون المسلمين إذا ظفروا بهم فسألوه هل أنت مسلمٌ؟ فقال: لا، لم يكن ذلك بمخرج له من الإسلام، فكذلك الإمام إذا جحد عند أعدائه ومن يخافه على نفسه أنَّه إمام لم يخرجه ذلك من الإمامة.
فان قالوا: إنَّ المسلم لم يجعل في العالم ليعلّم النّاس ويقيم الحدود، فلذلك افترق حكماهما ووجب أن لا يستر الإمام نفسه.
قيل لهم: لم نقل إنَّ الإمام يستر نفسه (عن جميع النّاس)(145) لأنّ الله (عزَّ وجلَّ) قد نصبه وعرَّف الخلق مكانه بقول الصادق الّذي قبله فيه ونصبه له، وإنّما قلنا: أنَّ الإمام لا يقرُّ عند أعدائه بذلك خوفاً منهم أن يقتلوه فأمّا أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(144) أي كيف أخفى نفسه. وفي بعض النسخ (كيف أخذ).
(145) هذه الزيادة بين القوسين كانت في بعض النسخ دون بعض.
يكون مستوراً عن جميع الخلق فلا، لأنّ النّاس جميعاً لو سألوا عن إمام الإماميّة من هو؟ لقالوا: فلان بن فلان مشهورٌ عند جميع الأُمة، وإنّما تكلّمنا في أنَّه هل يقر عند أعدائه أم لا يقرُّ، وعارضناكم باستتار النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الغار وهو مبعوثٌ معه المعجزات وقد أتى بشرع مبتدع ونسخ كلّ شرع قبله وأريناكم أنَّه إذا خاف كان له أن يجحد عند أعدائه أنَّه إمام ولا يجيبهم إذا سألوه، ولا يخرجه ذلك من أن يكون إماماً، ولا فرق في ذلك، فإنَّ قالوا: فإذا جوّزتم للإمام أن يجحد إمامته أعداءه عند الخوف فهل يجوز للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يجحد نبوَّته عند الخوف من أعدائه؟ قيل لهم: قد فرق قوم من أهل الحق بين النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين الإمام بأن قالوا: أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الدّاعي إلى رسالته والمبيّن للنّاس ذلك بنفسه فإذا جحد ذلك وأنكره للتقيّة بطلت الحجّة، ولم يكن أحد يبين عنه، والإمام قد قام له النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بحجته وأبان أمره فإذا سكت أو جحد كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد كفاه ذلك. وليس هذا جوابنا، ولكنا نقول: أنَّ حكم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحكم الإمام سيان في التقية إذا كان قد صدع بأمر الله (عزَّ وجلَّ) وبلغ رسالته وأقام المعجزات، فأمّا قبل ذلك فلا وقد محى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اسمه من الصحيفة في صلح الحديبية حين أنكر سهيل بن عمرو، وحفص بن الأحنف نبوَّته فقال لعليٍّ (عليه السلام): امحه واكتب: هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد الله. فلم يضر ذلك نبوَّته إذا كانت الأعلام في البراهين قد قامت له بذلك من قبل، وقد قبل الله (عزَّ وجلَّ) عذر عمّار حين حمله المشركون على سبِّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأرادوا قتله فسبه، فلمّا رجع إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال: قد أفلح الوجه يا عمار، قال: ما أفلح وقد سببتك يا رسول الله، فقال (عليه السلام): أليس قلبك مطمئن بالإيمان؟ قال: بلى يا رسول الله، فأنزل الله تبارك وتعالى (إلّا من اكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان)(146) والقول في ذلك ينافي الشريعة من إجازة ذلك في وقت وحظره في وقت آخر، وإذا جاز للإمام أن يجحد إمامته ويستر أمره جاز أن يستر شخصه متى أوجبت الحكمة غيبته وإذا جاز أن يغيب يوماً لعلّه موجبة جاز سنة، وإذا جاز سنة، جاز مائة سنة، وإذا جاز مائة سنة جاز أكثر من ذلك إلى الوقت الّذي توجب الحكمة ظهوره كما أوجبت غيبته، ولا قوَّة إلّا بالله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(146) النحل: 106.
ونحن نقول مع ذلك(147): إنَّ الامام لا يأتي جميع ما يأتيه من اختفاء وظهور وغيرهما إلّا بعهد معهود إليه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما قد وردت به الأخبار عن أئمتنا (عليهم السلام).
حدثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا عليٌّ بن - إبراهيم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهرويَّ، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرِّضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: قال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): والّذي بعثني بالحقِّ بشيراً ليغيبنَّ القائم من ولدي بعهد معهود إليه منّي حتّى يقول أكثر النّاس: ما لله في آل محمّد حاجة، ويشكُّ آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسّك بدينه، ولا يجعل للشّيطان إليه سبيلا بشكّه(148) فيزيله عن ملّتي ويخرجه من ديني، فقد أخرج أبويكم من الجّنة من قبل، وإن الله (عزَّ وجلَّ) جعل الشياطين أولياء للّذين لا يؤمنون.
اعتراضات لابن بشار:
وقد تكلّم علينا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن بشّار في الغيبة وأجابه أبو جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قبة الرازيُّ(149) وكان من كلام عليّ بن أحمد بن بشّار علينا في ذلك أن قال في كتابه أقول: إنَّ كلّ المبطلين أغنياء عن تثبيت إنيّة من يدّعون له، وبه يتمسكون، وعليه يعكفون، ويعطفون لوجود أعيانهم وثبات إنياتهم وهؤلاء (يعني أصحابنا) فقراء إلى ما قد غني عنه كلُّ مبطل سلف من تثبيت إنيّة من يدّعون له وجوب الطاعة، فقد افتقروا إلى ما قد غني عنه سائر المبطلين واختلفوا بخاصة ازدادوا بها بطلاناً وانحطّوا بها عن سائر المبطلين، لأنّ الزيادة من الباطل تحطُّ والزيادة من الخير تعلو، والحمد لله ربِّ العالمين.
ثم قال: وأقول قولاً تعلم فيه الزيادة على الإنصاف منّا وإن كان ذلك غير واجب علينا. أقول: إنَّه معلوم إنَّه ليس كلّ مدَّع ومدَّعى له بمحقٍّ، وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(147) في بعض النسخ (في ذلك).
(148) في بعض النسخ (يشككه).
(149) محمّد بن عبد الرحمن بن قبة - بالقاف المكسورة وفتح الباء الموحدة الرازي أبو جعفر متكلم عظيم القدر حسن العقيدة كان قديماً من المعتزلة وتبصر وانتقل، وكان شيخ الإماميّة في زمانه كما في (جش وصه).
كلّ سائل لمدَّع تصحيح دعواه بمنصف(150) وهؤلاء القوم ادَّعوا أنَّ لهم من قد صح عندهم أمره ووجب له على النّاس الانقياد والتسليم وقد قدمنا أنَّه ليس كلّ مدَّع ومدَّعى له بواجب له التسليم، ونحن نسلّم لهؤلاء القوم الدّعوى ونقرُّ على أنفسنا بالأبطال - وإن كان ذلك في غاية المحال - بعد أن يوجدونا إنيّة المدّعى له ولا نسألهم تثبيت الدَّعوى، فإنَّ كان معلوماً أنَّ في هذا أكثر من الإنصاف فقد وفينا بما قلنا، فإنَّ قدروا عليه فقد أبطلوا، وإن عجزوا عنه فقد وضح ما قلناه من زيادة عجزهم عن تثبيت ما يدّعون على عجز كلّ مبطل عن تثبيت دعواه. وأنّهم مختصون من كلّ نوع من الباطل بخاصّة يزدادون بها انحطاطاً عن المبطلين أجمعين لقدرة كلّ مبطل سلف على تثبيت دعواه إنيّة من يدَّعون له وعجز هؤلاء عمّا قدر عليه كلّ مبطل إلّا ما يرجعون إليه من قولهم (إنَّه لابدّ ممّن تجب به حجّة الله (عزَّ وجلَّ)) وأجل لابد من وجوده فضلاً عن كونه، فأوجدونا الانية من دون إيجاد الدَّعوي.
ولقد خبرت عن أبي جعفر بن أبي غانم(151) أنَّه قال لبعض من سأله فقال: بم تحاجَّ الّذين(152) كنت تقول ويقولون: إنَّه لابدَّ من شخص قائم من أهل هذا البيت؟ قال له(153): أقول لهم: هذا جعفر.
فيا عجبا أيخصم النّاس بمن ليس هو بمخصوم(154) وقد كان شيخ في هذه النّاحية رحمه الله يقول: قد وسمت هؤلاء باللّابديّة أي أنَّه لا مرجع لهم ولا معتمد إلّا إلى أنَّه لابدّ من أن يكون هذا الّذي (ليس) في الكاينات، فوسمهم من أجل ذلك، ونحن نسمّيهم بها أي أنهم دون كلّ من له بدَّ يعكف عليه إذ كان أهل الأصنام التي أحدها البدّ قد عكفوا على موجود وإن كان باطلاً، وهم قد تعلّقوا بعدم ليس وباطل محض وهم اللّابدّيّة حقّاً، أي لابدّ لهم يعكفون عليه(155) إذ كان كلُّ مطاع معبود، وقد وضح ما قلنا من اختصاصهم من كلّ نوع الباطل بخاصّة يزدادون بها انحطاطاً والحمد لله.
ثمَّ قال: نختم الان هذا الكتاب بأن نقول: إنّما نناظر ونخاطب من قد سبق منه الإجماع على أنَّه لابدّ من إمام قائم من أهل هذا البيت تجب به حجّة الله ويسدُّ به فقر الخلق وفاقتهم ومن لم يجتمع معنا على ذلك فقد خرج من النظر في كتابنا فضلا عن مطالبتنا به ونقول لكلِّ من اجتمع معنا على هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(150) في بعض النسخ (ليس كلّ مدع ومدعى له فمحق وان كان (كل - خ ل) سائل للمدعى تصحيح دعواه فمنصف).
(151) هو غير عليّ بن أبي غانم الّذي عنونه منتجب الدِّين بل هو رجل آخر لم أعثر على عنوانه في كتب الرجال.
(152) في بعض النسخ (الّذي).
(153) يعني أبو جعفر قال للمعترض.
(154) لمّا كان جواب أبي جعفر ابن أبي غانم للمعترض: (أقول أنَّه جعفر). تعجب منه ابن بشار لان جعفر ليس بقابل أن يخاصم فيه أولم يكن مورداً لها.
(155) كذا.
الأصل من الّذي قدَّمنا في هذا الموضع: كنّا وإيّاكم قد أجمعنا على أنَّه لا يخلو أحد من بيوت هذه الدّار من سراج زاهر، فدخلنا الدّار فلم نجد فيها إلّا بيتاً واحدا فقد وجب وصحَّ أنَّ في ذلك البيت سراجاً. والحمد لله رب العالمين.
فأجابه أبو جعفر محمّد بن عبد الرَّحمن بن قبة الرَّازيُّ بأن قال: إنّا نقول: - وبالله التوفيق: - ليس الإسراف في الادِّعاء والتقوُّل على الخصوم ممّا يثبت بهما حجّة، ولو كان ذلك كذلك لارتفع الحجاج بين المختلفين واعتمد كلُّ واحد على إضافة ما يخطر بباله من سوء القول إلى مخالفه وعلى ضدِّ هذا بني الحجاج ووضع النظر والإنصاف أولى ما يعامل به أهل الدِّين وليس قول أبي الحسن ليس لنا ملجأ نرجع إليه ولا قيّماً نعطف عليه ولا سنداً نتمسّك بقوله حجّة لأنّ دعواه هذا مجرّد من البرهان، والدّعوى إذا انفردت عن البرهان كانت غير مقبول عند ذوي العقول والألباب ولسنا نعجز عن أن نقول: بلى لنا - والحمد لله - من نرجع إليه ونقف عند أمره ومن كان ثبتت حجّته وظهرت أدلّته، فإنَّ قلت: فأين ذلك؟ دلّونا عليه قلنا: كيف تحبّون أن ندلّكم عليه أتسألوننا أن نأمره أن يركب ويصير إليكم ويعرض نفسه عليكم أو تسألونا أنَّ نبني له داراً ونحوّله إليها ونعلم بذلك أهل الشرق والغرب فإنَّ رمتم ذلك فلسنا نقدر عليه ولا ذلك بواجب عليه، فإنَّ قلتم: من أيِّ وجه تلزمنا حجّته وتجب علينا طاعته؟ قلنا: إنّا نقرُّ أنَّه لا بدّ من رجل من ولد أبي الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ (عليهما السلام) تجب به حجّة الله دللناكم على ذلك حتّى نضطرُّكم إليه أن أنصفتم من أنفسكم، وأوَّل ما يجب علينا وعليكم أن لا نتجاوز ما قد رضي به أهل النظر واستعملوه ورأوا أنَّ من حاد عن ذلك فقد ترك سبيل العلماء، وهو أنّا لا نتكلّم في فرع لم يثبت أصله وهذا الرجل الّذي تجحدون وجوده فإنما يثبت له الحقُّ بعد أبيه وأنتم قوم لا تخالفونا في وجود أبيه فلا معنى لترك النظر في حق أبيه والاشتغال(156) بالنظر معكم في وجوده فانه إذا ثبت الحق لأبيه، فهذا ثابت ضرورة عند ذلك بإقراركم، وإن بطل أن يكون الحقُّ لأبيه فقد آل الأمر إلى ما تقولون وقد أبطلنا، وهيهات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(156) في بعض النسخ (والانتقال).
لن يزداد الحقّ إلّا قوة ولا الباطل إلّا وهناً، وإن زخرفه المبطلون، والدّليل على صحّة أمر أبيه إنّا وإياكم مجمعون على أنَّه لا بد من رجل من ولد أبي الحسن تثبت به حجّة الله وينقطع به عذر الخلق وإن ذلك الرجل تلزم حجّته من نأى عنه من أهل الإسلام كما تلزم من شاهده وعاينه ونحن وأكثر الخلق ممّن قد لزمتنا الحجّة من غير مشاهدة فننظر في الوجه الّذي لزمتنا منه الحجّة ما هي، ثمّ ننظر من أولى من الرّجلين اللّذين لا عقب لأبي - الحسن غيرهما فأيهما كان أولى فهو الحجّة والإمام ولا حاجة بنا إلى التطويل، ثمّ نظرنا من أيِّ وجه تلزم الحجّة من نأى عن الرُّسل والأئمة (عليهم السلام) فإذاً ذلك بالأخبار التي توجب الحجّة وتزول عن ناقليها تهمة التواطؤ عليها والإجماع على تخرُّصها ووضعها ثمّ فحصنا عن الحال فوجدنا فريقين ناقلين يزعم أحدهما أنَّ الماضي نصَّ على الحسن (عليه السلام) وأشار إليه ويروون مع الوصيّة وما له من خاصّة الكبر أدلة يذكرونها وعلماً يثبتونه، ووجدنا الفريق الآخر يروون مثل ذلك لجعفر لا يقول غير هذا فانّه أولى بنا نظرنا فإذاً الناقل لأخبار جعفر جماعة يسيرة والجماعة اليسيرة يجوز عليها التواطؤ والتلاقي والتراسُل فوقع نقلهم موقع شبهة لا موقع حجّة وحجج الله لا تثبت بالشبهات ونظرنا في نقل الفريق الآخر فوجدناهم جماعات متباعدي الديّار والأقطار، مختلفي الهمم والآراء متغايرين، فالكذب لا يجوز عليهم لنأي بعضهم عن بعض ولا التواطؤ ولا التراسل والاجتماع على تخرُّص خبر ووضعه، فعلمنا أنَّ النقل الصحيح هو نقلهم وأن المحق هؤلاء، ولانه أنَّ بطل ما قد نقله هؤلاء على ما وصفنا من شأنهم لم يصحّ خبرٌ في الأرض وبطلت الأخبار كلّها فتأمل - وفّقك الله - في الفريقين فانّك تجدهم كما وصفت، وفي بطلان الاخبار هدم الاسلام وفي تصحيحها تصحيح خبرنا، وفي ذلك دليل على صحّة أمرنا، والحمد لله رب العالمين.
ثمَّ رأيت الجعفريّة(157) تختلف في إمامة جعفر من أيِّ وجه تجب؟ فقال قوم: بعد أخيه محمّد، وقال قوم: بعد أخيه الحسن، وقال قوم: بعد أبيه. ورأيناهم لا يتجاوزون ذلك ورأينا أسلافهم وأسلافنا قد رووا قبل الحادث ما يدلُّ على إمامة الحسن وهو ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا توالت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(157) يعني القائلين بامامة جعفر الكذاب.
ثلاثة أسماء: محمّد وعليٌّ والحسن فالرّابع القائم) وغير ذلك من الرّوايات وهذه وحدها توجب الامامة للحسن، وليس إلّا الحسن وجعفر. فإذا لم تثبت لجعفر حجّة على من شاهده في أيّام الحسن والامام ثابت الحجّة على من رآه ومن لم يره فهو الحسن اضطراراً، وإذا ثبت الحسن (عليه السلام) وجعفرٌ عندكم مبرَّء تبرّأ منه والامام لا يتبرّأُ من الإمام والحسن قد مضى ولابدَّ عندنا وعندكم من رجل من ولد الحسن (عليه السلام) تثبت به حجّة الله، فقد وجب بالاضطرار للحسن ولدٌ قائم (عليه السلام).
وقل يا أبا جعفر - أسعدك الله - لابي الحسن أعزَّه الله(158): يقول محمّد بن عبد الرحمن قد أوجدناك إنيّة المدّعى له فأين المهرب؟ هل تقرُّ على نفسك بالابطال كما ضمنت أو يمنعك الهوى من ذلك فتكون كما قال الله تعالى: (وإنَّ كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم)(159).
فأمّا ما وسم به أهل الحقِّ من اللّابديّة لقولهم: (لابدَّ ممّن تجب به حجّة الله) فيا عجبا فلا يقول أبو الحسن لابدَّ ممّن تجب به حجّة الله؟ وكيف لا يقول وقد قال عند حكايته عنا وتعييره إيّانا: (أجل لابدّ من وجوده فضلاً عن كونه) فإنَّ كان يقول ذلك فهو وأصحابه من اللابدية وإنّما وسم نفسه وعاب إخوانه، وإن كان لا يقول ذلك فقد كفينا مؤونة تنظيره ومثله بالبيت والسراج، وكذا يكون حال من عاند أولياء الله يعيب نفسه من حيث يرى أنَّه يعيب خصمه، والحمد لله المؤيد للحق بأدلته. ونحن نسمي هؤلاء بالبُدِّية إذ كانوا عبدة البدَّ قد عكفوا على ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئا. وهكذا هؤلاء، ونقول: يا أبا الحسن - هداك الله - هذا حجّة الله على الجنِّ والانس ومن لا تثبت حجّته على الخلق إلّا بعد الدعاء والبيان محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أخفى شخصه في الغار حتّى لم يعلم بمكانه ممّن احتج الله عليهم به إلّا خمسة نفر(160).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(158) يعني بأبي جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قبة، وبأبي الحسن عليّ بن أحمد ابن بشار.
(159) الانعام: 119.
(160) المراد بالخمسة: عليّ بن أبي طالب، وأبو بكر، وعبد الله بن اريقط الليثي، واسماء بنت أبي بكر، وعامر بن فهيرة. والقصة كما في اعلام الورى هكذا: بقى رسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الغار ثلاثة أيّام، ثمّ اذن الله له في الهجرة وقال: يا محمّد اخرج عن مكة فليس لك بها ناصر بعد أبي طالب. فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأقبل راع لبعض قريش يقال له ابن اريقط فدعاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقال: يا ابن اريقط أئتمنك على دمي؟ قال إذا احرسك وأحفظك ولا أدل عليك فأين تريد يا محمد؟ قال: يثرب، قال: والله لاسلكن بك مسلكا لا يهتدى إليه أحد، قال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ائت عليا وبشره بان الله قد أذن لي في الهجرة فيهيء لي زاداً وراحلة. وقال أبو بكر: ائت اسماء بنتي وقل لها: تهيأ لي زادا وراحلتين، وأعلم عامر بن فهيرة أمرنا - وكان من موالي أبي بكر وقد كان أسلم - قل له: ائتنا بالزاد والراحلتين، فجاء ابن اريقط إلى علي وأخبره بذلك فبعث عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بزاد وراحلة، وبعث ابن فهيرة بزاد وراحلتين. وخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الغار وأخذ به ابن اريقط علي طريق نخلة بين الجبال فلم يرجعوا إلى الطريق إلّا بقديد.
فان قلت: إنَّ تلك غيبة بعد ظهوره وبعد أن قام على فراشه من يقوم مقامه، قلت لك: لسنا نحتجُّ عليك في حال ظهوره ولا استخلافه لمن يقوم مقامه من هذا في قبيل ولا دبير(161) وإنّما نقول لك: أليس تثبت حجّته في نفسه في حال غيبته على من لم يعلم بمكانه لعلّة من العلل فلا بدَّ من أن تقول: نعم، قلنا: ونثبت حجّة الإمام وإن كان غائباً لعلّة أخرى وإلّا فما الفرق؟ ثمّ نقول: وهذا أيضاً لم يغب حتّى ملا آباؤه (عليهم السلام) آذان شيعتم بأن غيبته تكون وعرَّفوهم كيف يعملون عند غيبته.
فان قلت في ولادته، فهذا موسى (عليه السلام) مع شدَّة طلب فرعون إيّاه وما فعل بالنِّساء والأولاد لمكانه حتّى أذن الله في ظهوره، وقد قال الرِّضا (عليه السلام) في وصفه: (بأبي واُمّي شبيهي وسمّي جدِّي وشبيه موسى بن عمران.
وحجّة اخرى نقول لك: يا أبا الحسن أتقرُّ أنَّ الشيعة قد روت في الغيبة أخبارا؟ فإنَّ قال: لا، أوجدناه الاخبار، وإن قال: نعم، قلنا له: فكيف تكون حالة النّاس إذا غاب إمامهم فكيف تلزمهم الحجّة في وقت غيبته، فإنَّ قال: يقيم من يقوم مقامه، فليس يقوم عندنا وعندكم مقام الامام إلّا الامام، وإذا كان إماماً قائماً(162) فلا غيبة وإن احتج بشيء آخر في تلك الغيبة فهو بعينه حجّتنا في وقتنا لا فرق فيه ولا فصل.
ومن الدّليل على فساد أمر جعفر موالاته وتزكيته فارس بن حاتم - لعنه الله(163) - وقد بريء منه أبوه، وشاع ذلك في الامصار حتّى وقف عليه الاعداء فضلاً عن الأولياء.
ومن الدّليل على فساد أمره استعانته بمن استعان في طلب الميراث من أمِّ الحسن (عليه السلام) وقد أجمعت الشيعة أنَّ آباءه (عليهم السلام) أجمعوا أنَّ الاخ لا يرث مع الاُمِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(161) القبيل ما اقبلت به إلى صدرك. والدبير ما أدبرت به عن صدرك، ويقال: فلان ما يعرف قبيلا ولا دبيرا. والمراد ما أقبلت به المرأة من غزلها وما أدبرت. وهذا الكلام تعريض لابن بشار يعنى أنَّه لا يدرى ما يقول ولسنا نحتج عليه في هذا الامر.
(162) يعني إذا كان من يقوم إماماً قائماً.
(163) هو فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني نزيل العسكر من اصحاب الرضا (عليه السلام) غال ملعون أهدر أبو الحسن العسكري (عليه السلام) دمه وضمن لمن يقتله الجنة فقتله جنيد. راجع منهج المقال ص 257.
ومن الدّليل على فساد أمره قوله: إنّي إمام بعد أخي محمّد، فليت شعري متى تثبت إمامة أخيه وقد مات قبل أبيه حتّى تثبت إمامة خليفته، ويا عجبا إذا كان محمّد يستخلف ويقيم إماماً بعده وأبوه حيٌّ قائم وهو الحجّة والامام فما يصنع أبوه، ومتى جرت هذه السنّة في الأئمّة وأولادهم حتّى نقبلها منكم، فدلونا على ما يوجب إمامة محمّد حتّى إذا ثبتت قبلنا إمامة خليفته. والحمد لله الّذي جعل الحقَّ مؤيّداً والباطل مهتوكا ضعيفاً زاهقاً.
فأما ما حكى عن ابن أبي غانم رحمه الله فلم يرد الرَّجل بقوله عندنا يثبت إمامة جعفر، وإنّما أراد أن يعلم السائل أنَّ أهل هذه البيت لم يفنوا حتّى لا يوجد منهم أحدا.
وأما قوله: (وكلُّ مطاع معبود) فهو خطأ عظيم لانا لا نعرف معبودا إلّا الله ونحن نطيع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا نعبده.
وأما قوله: نختم الان هذا الكتاب بأن نقول: إنّما نناظر ونخاطب من قد سبق منه الإجماع بأنه لابدّ من إمام قائم من أهل هذه البيت تجب به حجّة الله - إلى قوله - وصح أنَّ في ذلك البيت سراجاً، ولا حاجة بنا إلى دخوله فنحن - وفّقك الله - لا نخالفه وأنّه لابدّ من إمام قائم من أهل هذا البيت تجب به حجّة الله وإنّما نخالفه في كيفيّة قيامه وظهوره وغيبته.
وأمّا ما مثّل به من البيت والسراج فهو مُنى، وقد قيل: إنَّ المنى رأس أموال المفاليس، ولكنّا نضرب مثلاً على الحقيقة لا نميل فيه على حضم ولا نحيف فيه على ضدِّ، بل نقصد فيه الصواب فنقول: كنّا ومن خالفنا قد أجمعنا على أنَّ فلاناً مضى وله ولدان وله دار وأن الدّار يستحقّها منهما من قدر على أن يحمل بإحدى يديه ألف رطل وأن الدّار لا تزال في يدي عقب الحامل(164) إلى يوم القيامة، ونعلم أنَّ أحدهما يحمل والآخر يعجز، ثمّ احتجنا أن نعلم من الحامل منهما فقصدنا مكانهما لمعرفة ذلك فعاق عنهما عائق منع عن مشاهدتهما غير أنّا رأينا جماعات كثيرة في بلدان نائية متباعدة بعضها عن بعض يشهدون أنّهم رأوا أنَّ الأكبر منهما قد حمل ذلك، ووجدنا جماعة يسيرة
(164) يعني اولاده وأحفاده.
في موضع واحد يشهدون أنَّ الأصغر منهما فعل ذلك، ولم نجد لهذه الجماعة خاصّة يأتوا بها، فلم يجز في حكم النظر وحفيظة الإنصاف وما جرت به العادة وصحّت به التجربة ردُّ شهادة تلك الجماعات وقبول شهادة هذه الجماعة والتهمة تلحق هؤلاء وتبعد عن أولئك.
فان قال خصومنا: فما تقولون في شهادة سلمان وأبي ذرّ وعمّار والمقداد لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وشهادة تلك الجماعات وأولئك الخلق لغيره أيّهما كان أصوب؟
قلنا لهم: لأمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحابه أمور خَصّ بها وخَصّوا بها دون من بازائهم، فإنَّ أوجدتمونا مثل ذلك أو ما يقاربه لكم فأنتم المحقّون: أوَّلها أنَّ أعداءه كانوا يقرُّون بفضله وطهارته وعلمه، وقد روينا ورووا له معنا أنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خبر (أنَّ الله يوالي من يواليه ويعادي من يعاديه) فوجب لهذا أن يتّبع دون غيره، والثاني أنَّ أعداءه لم يقولوا له: نحن نشهد أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أشار إلى فلان بالإمامة ونصبه حجّة للخلق وإنّما نصبوه لهم علي جهة الاختيار كما قد بلغك، والثالث أنَّ أعداءه كانوا يشهدون على أحد أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه لا يكذب لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر) فكانت شهادته وحده أفضل من شهادتهم، والرَّابع أنَّ أعداءه قد نقلوا ما نقله أولياؤه ممّا تجب به الحجّة وذهبوا عنه بفساد التأويل، والخامس أنَّ أعداءه رووا في الحسن والحسين أنّهما سيدا شباب أهل الجنّة، ورووا أيضاً أنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (من كذب علىَّ متعمّداً فليتبوَّأ مقعده من النّار) فلمّا شهدا لأبيهما بذلك وصحَّ أنّهما من أهل الجنة بشهادة الرَّسول وجب تصديقهما لانّهما لو كذبا في هذا لم يكونا من أهل الجنّة وكانا من أهل النار وحاشا لهما الزّكيّين الطيّبين الصادقين، فليوجدنا أصحاب جعفر خاصّة هي لهم دون خصومهم حتّى يقبل ذلك، وإلّا فلا معنى لترك خبر متواتر لا تهمة في نقله ولا على ناقليه وقبول خبر لا يؤمن على ناقليه تهمة التواطؤ عليه، ولا خاصة معهم يثبتون بها ولن يفعل ذلك إلّا تائه حيران. فتأمل - أسعدك الله - في النظر فيما كتبت به إليك ممّا ينظر به الناظر لدينه، المفكر في معاده المتأمل بعين الخيفة والحذار إلى عواقب الكفر والجحود موفّقاً إن
شاء الله تعالى أطال الله بقاءك وأعزك وأيّدك وثبتك وجعلك من أهل الحق وهداك له وأعاذك من أن تكون من الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدُّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا. ومن الّذين يستزلهم الشيطان بخدعه وغروره وإملائه وتسويله وأجرى لك أجمل ما عوَّدك.
وكتب بعض الإماميّة إلى أبي جعفر بن قبة كتاباً يسأله فيه عن مسائل، فورد في جوابها أمّا قولك - أيدك الله - حاكياً عن المعتزلة أنّها زعمت أنَّ الإماميّة تزعم أنَّ النَّص على الإمام واجب في العقل فهذا يحتمل أمرين إن كانوا يريدون أنَّه واجب في العقل قبل مجيء الرُّسل (عليهم السلام) وشرع الشرايع فهذا خطأ وإن أرادوا أنَّ العقول دلّت على أنَّه لابدّ من إمام بعد الأنبياء (عليهم السلام)، فقد علموا ذلك بالأدلّة القطعيّة وعلموه أيضاً بالخبر الّذي ينقلونه عمّن يقولون بإمامته.
وأما قول المعتزلة: إنّا قد علمنا يقينا أنَّ الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) مضى ولم ينَّص فقد ادَّعوا دعوى يخالفون فيها وهم محتاجون إلى أن يدلّوا على صحّتها وبأيِّ شيء ينفصلون ممّن زعم من مخالفيهم أنّهم قد علموا من ذلك ضدّ ما ادَّعوا أنّهم علموه.
ومن الدّليل على أنَّ الحسن بن علي (عليهما السلام) قد نصَّ ثبات إمامته، وصحّة النصّ من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفساد الاختيار، ونقل الشيع عمّن قد أوجبوا بالأدلة تصديقه أنَّ الامام لا يمضي أو ينصّ على إمام كما فعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذ كان النّاس محتاجين في كلّ عصر إلى من يكون خبره لا يختلف ولا يتكاذب كما اختلفت أخبار الأمة عند مخالفينا هؤلاء وتكاذبت وأن يكون إذا أمر ائتمر بطاعته ولا يد فوق يده ولا يسهو ولا يغلط وأن يكون عالماً ليعلم النّاس ما جهلوا، وعادلاً ليحكم بالحق، ومن هذا حكمه فلابدّ من أن ينصَّ عليه علّام الغيوب على لسان من يؤدِّي ذلك عنه إذ كان ليس في ظاهر خلقته ما يدلُّ على عصمته.
فإن قالت المعتزلة: هذه دعاوي تحتاجون إلى أن تدلّوا على صحّتها، قلنا: أجل لابدّ من الدلائل على صحّة ما ادعيناه من ذلك وأنتم، فإنما سألتم عن فرع والفرع لا يدلُّ عليه دون أن يدلَّ على صحّة أصله، ودلائلنا
في كتبنا موجودة على صحّة هذه الأصول ونظير ذلك أنَّ سائلا لو سألنا الدّليل على صحّة الشرايع لاحتجنا أن ندل على صحّة الخبر وعلى صحّة نبوَّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعلى أنَّه أمر بها، وقبل ذلك أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) واحدٌ حكيمٌ، وذلك بعد فراغنا من الدّليل على أنَّ العالم محدث، وهذا نظير ما سألونا عنه، وقد تأمّلت في هذه المسألة فوجدت غرضها ركيكاً وهو أنّهم قالوا: لو كان الحسن بن عليُّ (عليهما السلام) قد نصَّ على من تدَّعون إمامته لسقطت الغيبة.
والجواب في ذلك أنَّ الغيبة ليست هي العدم فقد يغيب الإنسان إلى بلد يكون معروفاً فيه ومشاهداً لأهله، ويكون غائباً عن بلد آخر، وكذلك قد يكون الإنسان غائباً عن قوم دون قوم، وعن أعدائه لا عن أوليائه فيقال: إنَّه غائب وإنّه مستتر، وإنّما قيل غائب لغيبته عن أعدائه وعمّن لا يوثق بكتمانه من أوليائه وإنّه ليس مثل آبائه (عليهم السلام) ظاهراً للخاصّة والعامّة وأولياؤه مع هذا ينقلون وجوده وأمره ونهيه وهم عندنا ممّن تجب بنقلهم الحجّة إذا كانوا يقطعون العذر لكثرتهم واختلافهم في هممهم ووقوع الاضطرار مع خبرهم، ونقلوا ذلك كما نقلوا إمامة آبائه (عليهم السلام) وإن خالفهم مخالفوهم فيها وكما تجب بنقل المسلمين صحّة آيات النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سوى القرآن وإن خالفهم أعداؤهم من أهل الكتاب والمجوس والزَّنادقة والدَّهريّة في كونها. ولبست هذه مسألة تشتبه على مثلك مع ما أعرفه من حسن تأمّلك.
وأما قولهم(165) إذا ظهر فكيف يعلم أنَّه محمّد بن الحسن بن عليٍّ (عليهم السلام)؟.
فالجواب في ذلك أنَّه قد يجوز بنقل من تجب بنقله الحجّة من أوليائه كما صحت إمامته عندنا بنقلهم.
وجواب آخر وهو أنَّه قد يجوز أن يظهر معجزاً يدلُّ على ذلك. وهذا الجواب الثّاني هو الّذي نعتمد عليه ونجيب الخصوم به وإن كان الأوّل صحيحاً.
وأمّا قول المعتزلة: فكيف لم يحتجَّ عليهم عليُّ بن أبي طالب بإقامة المعجز يوم الشورى؟ فإنا نقول: أنَّ الأنبياء والحجج (عليهم السلام) إنّما يظهرون من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(165) أي قول المعتزلة.
الدلالات والبراهين حسب ما يأمرهم الله (عزَّ وجلَّ) به ممّا يعلم الله أنَّه صالح للخلق فإذا ثبتت الحجّة عليهم بقول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيه ونصّه عليه فقد استغني بذلك عن إقامة المعجزات اللّهم إلّا أن يقول قائل: أنَّ إقامة المعجزات كانت أصلح في ذلك الوقت، فنقول له: وما الدّليل على صحّة ذلك؟ وما ينكر الخصم من أن تكون إقامته لها ليس بأصلح وأن يكون الله (عزَّ وجلَّ) لو أظهر معجزاً على يديه في ذلك الوقت لكفروا أكثر من كفرهم ذلك الوقت ولادَّعوا عليه السحر والمخرقة وإذا كان هذا جائزاً لم يعلم أنَّ إقامة المعجز كانت أصلح.
فإن قالت المعتزلة: فبأيّ شيء تعلمون أنَّ إقامة(166) من تدعون إمامته المعجز على أنَّه ابن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) إصلح؟ قلنا لهم: لسنا نعلم أنَّه لابدّ من إقامة المعجز في تلك الحال وإنّما نجوز ذلك، اللّهمّ إلّا أن يكون لا دلالة غير المعجز فيكون لابدّ منه لاثبات الحجّة وإذا كان لابدّ منه كان واجباً وما كان واجباً كان صلاحاً لا فساداً، وقد علمنا أنَّ الأنبياء (عليهم السلام) قد أقاموا المعجزات في وقت دون وقت ولم يقيموها في كلِّ يوم ووقت ولحظة وطرفة وعند كلّ محتجٍّ عليهم ممّن أراد الإسلام، بل في وقت دون وقت على حسب ما يعلم الله (عزَّ وجلَّ) من الصلاح. وقد حكى الله (عزَّ وجلَّ) عن المشركين أنّهم سألوا نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّ يرقى في السّماء وأن يسقط السّماء عليهم كسفاً أو ينزِّل عليهم كتاباً يقرؤونه وغير ذلك ممّا في الآية، فما فعل ذلك بهم، وسألوه أن يحيى لهم قصيَّ بن كلاب وأن ينقل عنهم جبال تهامة فما أجابهم إليه وإن كان (عليه السلام) قد أقام لهم غير ذلك من المعجزات، وكذا حكم ما سألت المعتزلة عنه، ويقال لهم كما قالوا لنا لم نترك أوضح الحجج وأبين الأدلة من تكرُّر المعجزات والاستظهار بكثرة الدّلالات.
وأمّا قول المعتزلة: إنَّه احتجّ بما يحتمل التأويل، فيقال: فما احتجَّ عندنا على أهل الشورى إلّا بما عرفوا من نصِّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأنّ أولئك الرؤساء لم يكونوا جهّالاً بالأمر وليس حكمهم حكم غيرهم من الاتباع، ونقلب هذا الكلام على المعتزلة فيقال لهم لم لم يبعث الله (عزَّ وجلَّ) بأضعاف من بعث من الأنبياء؟ ولم لم يبعث في كلّ قرية نبيّاً وفي كلّ عصر ودهر نبيّاً أو أنبياء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(166) في بعض النسخ (أن أقام).
إلى أن تقوم الساعة؟ ولم لم يبيّن معاني القرآن حتّى لا يشك فيه شاك ولم تركه محتملاً للتأويل؟ وهذه المسائل تضطرُّهم إلى جوابنا. إلى ههنا كلام أبي جعفر بن قبة - رحمه الله -.
كلام لأحد المشايخ في الرد على الزيدية:
وقال غيره من متكلّمي مشايخ الإماميّة: إنَّ عامّة مخالفينا قد سألونا في هذا الباب عن مسائل ويجب عليهم أن يعلموا أنَّ القول بغيبة صاحب الزَّمان (عليه السلام) مبنيٌّ على القول بإمامة آبائه (عليهم السلام)، والقول بأمامة آبائه (عليهم السلام) مبنيٌّ على القول بتصديق محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإمامته، وذلك أنَّ هذا باب شرعيٌّ وليس بعقليٍّ محض والكلام في الشرعيات مبني على الكتاب والسنة كما قال الله (عزَّ وجلَّ): (فإنَّ تنازعتم في شيء (يعني في الشرعيّات) فردُّوه إلى الله وإلى الرَّسول)(167) فمتى شهد لنا الكتاب والسنّة وحجّة العقل فقولنا هو المجتبى، ونقول: أنَّ جميع طبقات الزيديّة والإماميّة قد اتفقوا على أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وهما الخليفتان من بعدي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض) وتلقّوا هذا الحديث بالقبول فوجب أنَّ الكتاب لا يزال معه من العترة من يعرف التنزيل والتأويل علما يقينا يخبر عن مراد الله (عزَّ وجلَّ) كما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخبر عن المراد ولا يكون معرفته بتأويل الكتاب استنباطاً ولا استخراجاً كما لم تكن معرفة الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بذلك استخراجاً ولا استنباطاً ولا استدلالاً ولا على ما تجوز عليه اللّغة وتجري عليه المخاطبة، بل يخبر عن مراد الله ويبيّن عن الله بيانا تقوم بقوله الحجّة على النّاس، كذلك يجب أن يكون معرفة عترة الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالكتاب على يقين ومعرفة وبصيرة، قال الله (عزَّ وجلَّ) في صفة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتّبعني)(168) فأتباعه من أهله وذريّته وعترته هم الّذين يخبرون عن الله (عزَّ وجلَّ) مراده من كتابه على يقين ومعرفة وبصيرة، ومتى لم يكن المخبر عن الله (عزَّ وجلَّ) مراده ظاهراً مكشوفاً فانّه يجب علينا أن نعتقد أنَّ الكتاب لا يخلو من مقرون به من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عترة الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يعرف التأويل والتنزيل إذ الحديث يوجب ذلك.
وقال علماء الإماميّة: قال الله (عزَّ وجلَّ): (إنَّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذريّة بعضها من بعض)(169) فوجب بعموم هذه الآية أن لا يزال في آل إبراهيم مصطفى وذلك أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) جنّس النّاس في هذا الكتاب جنسين فاصطفى جنسا منهم وهم الأنبياء والرسل والخلفاء (عليهم السلام) وجنساً أُمروا باتباعهم، فما دام في الأرض من به حاجة إلى مدبّر وسائس ومعلّم ومقوِّم يجب أن يكون بإزائهم مصطفى من آل إبراهيم ويجب أن يكون المصطفى من آل إبراهيم ذرية بعضها من بعض لقوله (عزَّ وجلَّ) (ذرّيّة بعضها من بعض) وقد صحَّ أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم المصطفون من آل إبراهيم فوجب أن يكون المصطفى بعد الحسين (عليه السلام) منه لقوله (عزَّ وجلَّ) (ذرّيّة بعضها من بعض) ومتى لم تكن الذّرّية منه لا تكون الذّرّية بعضها من بعض إلّا أن تكون في بطن دون جميعهم وكانت الإمامة قد انتقلت عن الحسن إلى أخيه الحسين (عليهما السلام) وجب أن يكون منه ومن صلبه من يقوم مقامه وذلك معنى قوله تعالى (ذرّيّة بعضها من بعض والله سميع عليم)، فدلّت الآية على ما دلّت السنّة عليه.
استدلال على وجود امام غائب من العترة يظهر ويملا الأرض عدلا:
وقال بعض علماء الإماميّة: كان الواجب علينا وعلى كلّ عاقل يؤمن بالله وبرسوله وبالقرآن وبجميع الأنبياء الّذين تقدَّم كونهم كون نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يتأمّل حال الأُمم الماضية والقرون الخالية فإذا تأمّلنا وجدنا حال الرُّسل والأمم المتقدّمة شبيهة بحال أمّتنا وذلك أنَّ قوّة كلّ دين كانت في زمن أنبيائهم (عليهم السلام) إنّما كانت متى قبلت الأُمم الرُّسل فكثر أتباع الرَّسول في عصره ودهره فلم تكن أمة كانت أطوع لرسولها بعد أنَّ قوي أمر الرَّسول من هذه الأُمة لأنّ الرُّسل الّذين عليهم دارت الرحى قبل نبينا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نوح وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) هم الرُّسل الّذين في يد الأمم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(169) آل عمران: 33.
آثارهم وأخبارهم، ووجدنا حال تلك الأُمم اعترض في دينهم الوهن في المتمسّكين به لتركهم كثيراً ممّا كان يجب عليهم محافظته في أيّام رسلهم وبعد مضيِّ رسلهم وكذلك ما قال الله عزّ وجلّ: (قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم كثيراً ممّا كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير)(170).
وبذلك وصف الله (عزَّ وجلَّ) أمر تلك القرون فقال (عزَّ وجلَّ): (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوة واتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً)(171) وقال الله عزّ وجلّ لهذه الأمة: (ولا يكونوا كالّذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم)(172).
وفي الأثر (أنَّه يأتي على النّاس زمان لا يبقى فيهم من الإسلام إلّا اسمه ومن القرآن إلّا رسمه) وقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنَّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء) فكان الله (عزَّ وجلَّ) يبعث في كلّ وقت رسولاً يجدِّد لتلك الأمم ما انمحى من رسوم الدِّين واجتمعت الأمة إلّا من لا يلتفت إلى اختلافه، ودلّت الدّلائل العقليّة أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد ختم الأنبياء بمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلا نبيَّ بعده، ووجدنا أمر هذه الأمة في استعلاء الباطل على الحقّ والضلال على الهدى بحال زعم كثيرٌ منهم أنَّ الدّار اليوم دار كفر وليست بدار الإسلام، ثمّ لم يجر على شيء من أصول شرايع الإسلام ما جرى في باب الإمامة، لأنّ هذه الأمة يقولون: لم يقم [لهم] بالامامة منذ قتل الحسين (عليه السلام) إمامٌ عادلٌ لا من نبي أمية ولا من ولد عبّاس الّذين جارت أحكامهم على أكثر الخلق، ونحن والزّيديّة وعامة المعتزلة وكثير من المسلمين يقولون: أنَّ الإمام لا يكون إلّا من ظاهره ظاهر العدالة، فالأمة في يد الجائرين يلعبون بهم ويحكمون في أموالهم وأبدانهم بغير حكم الله، وظهر أهل الفساد على أهل الحقِّ وعدم اجتماع الكلمة، ثمّ وجدنا طبقات الأمة كلّهم يكفر بعضهم بعضاً، ويبرأ بعضهم من بعض.
ثمّ تأمّلنا أخبار الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فوجدناها قد وردت بأن الأرض تملا قسطاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعدلاً كما ملئت جورا وظلما برجل من عترته، فدلنا هذا الحديث على أنَّ القيامة لا تقوم على هذه الأمة إلّا بعد ما ملئت الأرض عدلا، فإنَّ هذا الدِّين الّذي لا يجوز عليه النسخ ولا التبديل سيكون له ناصر يؤيّده الله (عزَّ وجلَّ) كما أيّد الأنبياء والرُّسل لمّا بعثهم لتجديد الشرايع وإزالة ما فعله الظالمون فوجب لذلك أن تكون الدلائل على من يقوم بما وصفناه موجودةً غير معدومة، وقد علمنا عامة اختلاف الأمة وسبرنا أحوال الفرق، فدلّنا أنَّ الحقَّ مع القائلين بالأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام) دون من سواهم من فرق الأمة، ودلّنا ذلك على أنَّ الإمام اليوم هو الثاني عشر منهم وأنّه الّذي أخبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) به ونصَّ عليه. وسنورد في هذا الكتاب ما روي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في عدد الأئمّة (عليهم السلام) وإنّهم اثنا عشر والنص على القائم الثاني عشر، والإخبار بغيبته قبل ظهوره وقيامه بالسيف إن شاء الله تعالى.
اعتراضات للزيدية:
قال بعض الزّيديّة: إنَّ الرِّواية الّتي دلت على أنَّ الأئمّة اثنا عشر قول أحدثه الإماميّة قريباً وولّدوا فيه أحاديث كاذبة.
فنقول - وبالله التوفيق -: إنَّ الأخبار في هذا الباب كثيرة والمفزع والملجأ إلى نقلة الحديث وقد نقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلاً مستفيضاً من حديث عبد الله ابن مسعود ما حدّثنا به أحمد بن الحسن القطّان المعروف بأبي عليِّ بن عبد ربّه الرّازيُّ وهو شيخ كبير لأصحاب الحديث قال: حدّثنا أبو يزيد محمّد بن يحيى بن خلف بن يزيد المروزيُّ بالري في شهر ربيع الأوّل سنة اثنين وثلاثمائة، عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في سنة ثمان وثلاثين ومائتين المعروف بإسحاق بن راهويه، عن يحيى بن يحيى(173)، عن هشام، عن مجالد(174) عن الشعبيِّ، عن مسروق قال: بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتى شابٌّ: هل عهد إليكم نبيّكم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كم يكون من بعده خليفة؟ قال: إنّك لحدث السنِّ وإنَّ هذا شيء ما سألني عنه أحد [من] قبلك، نعم عهد إلينا نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه يكون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(173) هو يحيى بن يحيى بن بكر بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي أبو زكريا النيسابوري ثقة. وأما اسحاق بن راهويه فهو أبو يعقوب الحنظلي المروزي المحدث الفقيه، قال ابن حنبل: اسحاق عندنا امام من أئمّة المسلمين وما عبر جسر أفضل منه (راجع تهذيب التهذيب ج 11 ص 296 وج 1 ص 216).
(174) في بعض النسخ (هشام بن خالد) وفى أكثرها (هشام بن مجالد) وفى مسند أحمد ج 1 ص 398 هذا الحديث بعينه (عن حماد بن زيد، عن المجالد، عن الشبعى) وعليه فالمراد هشام بن سنبر الدستوائي الّذي يأتي، يروى عن مجالد بن سعيد بن عمير أبي عمرو هو كما قال ابن حجر ليس بالقوي. وفي كفاية الاثر أيضاً (عن هشام الدستوائي، عن مجالد بن سعيد) وهذا هو الصواب لمّا في طريق الشيخ في كتاب الغيبة (عن عميس بن يونس عن مجالد بن سعيد) وقلنا المراد بهشام أبو بكر البصري واسم ابيه (سنبر) وهو ثقة ثبت. وفي الخصال (هيثم بن خالد) وهو تصحيف. وأما الشعبي فهو عامر بن شراحيل أبو عمرو، ثقة مشهور فقيه فاضل كما في التقريب. وأما مسروق فهو مسروق بن الاجدع بن مالك الهمداني الوادعي ثقة فقيه عابد.
من بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل.
وقد أخرجت بعض طرق هذا الحديث في هذا الكتاب وبعضها في كتاب النصِّ على الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام). بالإمامة. ونقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلاً ظاهراً مستفيضاً من حديث جابر بن سمرة ما حدّثنا به أحمد بن محمّد بن إسحاق الدّينوريِّ، وكان من أصحاب الحديث قال: حدّثني أبو بكر بن أبي داود(175)، عن إسحاق بن إبراهيم ابن شاذان، عن الوليد بن هشام، عن محمّد بن ذكوان(176) قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن سيرين، عن جابر بن سَمُرة السوائي قال: كنّا عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يلي هذه الأمة اثنا عشر، قال: فصرخ النّاس فلم أسمع ما قال: فقلت لابي - وكان أقرب إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منّي: ما قال: رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ فقال: قال: كلّهم من قريش وكلّهم لا يرى مثله.
وقد أخرجت طرق هذا الحديث أيضاً، وبعضهم روى (اثنا عشر أميرا)، وبعضهم روى (اثنا عشر خليفة) فدلَّ ذلك على أنَّ الأخبار الّتي في يد الإماميّة، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام) بذكر الأئمّة الاثني عشر أخبارٌ صحيحة(177).
قالت الزّيديّة: فإنَّ كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد عرَّف أمته أسماء الأئمّة الاثنى عشر فلم ذهبوا عنه يميناً وشمالاً وخبطوا هذا الخبط العظيم؟
فقلنا لهم: إنّكم تقولون: إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) استخلف عليّاً (عليه السلام) وجعله الإمام بعده ونصِّ عليه وأشار إليه وبيّن أمره وشّهره، فما بال أكثر الأمة ذهبت عنه وتباعدت منه حتّى خرج من المدينة إلى ينبع(178) وجرى عليه ما جرى، فإنَّ قلتم: إنَّ عليا (عليه السلام) لم يستخلفه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلم أودعتم كتبكم ذلك وتكلّمتم عليه، فإنَّ النّاس قد يذهبون عن الحق وإن كان واضحاً، وعن البيان وإن كان مشروحاً كما ذهبوا عن التوحيد إلى التلحيد، ومن قوله (عزَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(175) في الخصال (أبو بكر بن أبي زواد) ولم أظفر به.
(176) في بعض النسخ من الخصال (مخول بن ذكوان) ولم أجده.
(177) روى أحمد في مسنده هذا الحديث ونحوه من أربع وثلاثين طريقا عن جابر بن سمرة راجع المسند ج 5 ص 87 إلى ص 108. ورواه الخطيب أيضاً في التاريخ ج 14 ص 353 من حديث جابر بن سمرة ونحوه في ج 6 ص 263 من حديث عبد الله بن عمرو وأخرجه مسلم في صحيحة كتاب الامارة بطرق عديدة من حديث جابر.
(178) في بعض النسخ (البقيع).
وجلَّ): (ليس كمثله شيء) إلى التشبيه.
اعتراض آخر للزيدية:
قالت الزّيديّة: وممّا تكذب به دعوى الإماميّة أنّهم زعموا أنَّ جعفر بن محمّد (عليهما السلام) نصَّ لهم على إسماعيل وأشار إليه في حياته، ثمّ أنَّ إسماعيل مات في حياته فقال: (ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني) فإنَّ كان الخبر الاثنا عشر صحيحاً فكان لا أقل من أن يعرفه جعفر بن محمّد (عليهما السلام) ويعرِّف خواصَّ شيعته لئلّا يغلط هو وهم هذا الغلط العظيم.
فقلنا لهم: بم قلتم: أنَّ جعفر بن محمّد (عليهما السلام) نصَّ على إسماعيل بالامة؟ وما ذلك الخبر؟ ومن رواه؟ ومن تلقّاه بالقبول؟ فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً، وإنّما هذه حكاية ولّدها قوم قالوا بامامة إسماعيل، ليس لها أصلٌ لأنّ الخبر بذكر الأئمّة الاثنا عشر (عليهم السلام) قد رواه الخاصُّ والعامُّ، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والائمّة (عليهم السلام)، وقد أخرجت ما روي عنهم في ذلك في هذا الكتاب. فأمّا قوله: (ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني) فانه يقول: ما ظهر لله أمر كما ظهر له في أسماعيل ابني إذا اخترمه في حياتي(179) ليعلم بذلك أنَّه ليس بامام بعدى. وعندنا من زعم أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يبدو له اليوم في شيء لم يعلمه أمس فهو كافرٌ والبراءة منه واجبة، كما روي عن الصادق (عليه السلام).
حدثنا أبي رضي الله عنه عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد بن - يحيى بن عمران الأشعريِّ قال: حدّثنا أبو عبد الله الرازي، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤيِّ، عن محمّد بن سنان، عن عمّار، عن أبي بصير؛ وسماعة، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: من زعم أنَّ الله يبدو له في شيء اليوم لم يعلمه أمس فابرؤوا منه.
وإنّما البداء الّذي ينسب إلى الإماميّة القول به هو ظهور أمره. يقول العرب بدا لي شخص أي ظهر لي، لا بدا ندامة، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(179) اخترمه: أهلكه واستأصله.
وكيف ينصُّ الصادق (عليه السلام) على إسماعيل بالإمامة مع قوله فيه: إنَّه عاص لا يشبهني ولا يشبه أحداً من آبائي.
حدثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد ابن أبي عمير، عن الحسن بن راشد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إسماعيل فقال: عاص، لا يشبهني ولا يشبه أحداً من آبائي.
حدثنا الحسن بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه قال: حدّثنا أبي، عن محمّد ابن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، والبرقيِّ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّاد، عن عبيد بن زرارة قال: ذكرت إسماعيل عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: والله لا يشبهني ولا يشبه أحداً من آبائي.
حدثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن أبي نجران، عن الحسين بن المختار، عن الوليد بن - صبيح قال: جاءني رجلٌ فقال لي: تعال حتّى اريك ابن الرَّجل قال: فذهبت معه، قال: فجاء بي إلى قوم يشربون فيهم إسماعيل بن جعفر، قال: فخرجت مغموماً فجئت إلى الحجر فإذا إسماعيل بن جعفر متعلّق بالبيت يبكي قد بلَّ أستار الكعبة بدموعه، قال: فخرجت أشتدَّ فإذا إسماعيل جالس مع القوم، فرجعت فإذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلّها بدموعه، قال: فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال: لقد ابتلى ابني بشيطان يتمثل في صورته.
وقد روي أنَّ الشيطان لا يتمثّل في صورة نبيٍّ ولا في صورة وصيِّ نبيٍّ، فكيف يجوز أن ينصّ عليه بالإمامة مع صحّة هذا القول منه فيه.
اعتراض آخر:
قالت الزّيديّة: بأيّ شيء تدفعون إمامة إسماعيل وما حجّتكم على الإسماعيلية القائلين بإمامته؟
قلنا لهم: ندفع إمامته بما ذكرنا من الأخبار وبالأخبار الواردة بالنصِّ
على الأئمّة الاثنى عشر (عليهم السلام) وبموته في حياة أبيه.
فأمّا الأخبار الواردة بالنصِّ على الأئمّة الاثنى عشر فقد ذكرناها في هذا الكتاب.
وأمّا الأخبار الواردة بموته في حياة الصادق (عليه السلام) ما حدّثنا به أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، والحسن بن عليّ بن فضّال، عن يونس بن يعقوب، عن سعيد بن - عبد الله الأعرج قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لمّا مات إسماعيل أمرت به وهو مسجّى أن يكشف عن وجهه فقبلت جبهته وذقنه ونحره، ثمّ أمرت به فغطّي، ثمّ قلت: اكشفوا عنه فقبلت أيضاً جبهته وذقنه ونحره، ثمّ أمرتهم فغطّوه، ثمّ أمرت به فغسل ثمّ دخلت عليه وقد كفّن فقلت: اكشفوا عن وجهه، فقبّلت جبهته وذقنه ونحره وعوَّذته، ثمَّ قلت: درِّجوه. فقلت: بأي شيء عوذته؟ قال: بالقرآن.
قال مصنّف هذا الكتاب: في هذا الحديث فوائد أحدها الرُّخصة بتقبيل جبهة الميّت وذقنه ونحره قبل الغسل وبعده إلّا أنَّه من مسّ ميّتاً قبل الغسل بحرارته فلا غسل عليه، فإنَّ مسّه بعد ما يبرد فعليه الغسل، وإن مسه بعد الغسل فلا غسل عليه، فلو ورد في الخبر أنَّ الصادق (عليه السلام) اغتسل بعد ذلك أو لم يغتسل لعلمنا بذلك أنَّه مسه قبل الغسل بحرارته أو بعد ما برد.
وللخبر فائدة أخرى وهي أنَّه قال: أمرت به فغسّل ولم يقل غسّلته وفي هذا الحديث أيضاً ما يبطل إمامة إسماعيل لأنّ الإمام لا يغسّله إلّا إمام إذا حضره(180).
حدثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن أيوب بن نوح، ويعقوب يزيد، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن شعيب، عن أبي كهمس قال: حضرت موت إسماعيل وأبو عبد الله (عليه السلام) جالس عنده فلمّا حضره الموت شدَّ لحييه وغطّاء بالملحفة ثمّ أمر بتهيئته، فلمّا فرغ من أمره دعا بكفنه وكتب في حاشية الكفن (إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(180) فيه نظر لأنّه يمكن أن يقال الاخبار الّتي وردت بان الامام لا يغسله إلّا الامام مع ضعف سندها لا تدل على وجوب المباشرة إنّما دلالته على أنَّ ولي الامام في التجهيز هو الامام الّذي بعده سواء باشر ذلك بنفسه أو أمر من يفعل باذنه أو برضاه أن غاب، وفى التهذيب ج 1 ص 86 والاستبصار ج 1 ص 207. باب كيفيّة غسل الميت بطريق صحيح أعلائي عن معاوية بن عمار قال: (أمرني أبو عبد الله (عليه السلام) أن أغمز بطنه، ثمّ أوضيه بالاشنان، ثمّ اغسل رأسه بالسدر ولحييه، ثمّ أفيض على جسده منه، ثمّ أدلك به جسده، ثمّ أفيض عليه ثلاثا، ثمّ أغسله بالماء القراح، ثمّ أفيض عليه الماء بالكافور وبالماء القراح وأطرح فيه سبع ورقات سدر).
حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن إبراهيم ابن مهزيار، عن أخيه عليِّ بن مهزيار، عن محمّد بن أبي حمزة، عن مرّة مولى محمّد بن - خالد قال: لمّا مات إسماعيل فانتهى أبو عبد الله (عليه السلام) إلى القبر أرسل نفسه فقعد على جانب القبر لم ينزل في القبر، ثمّ قال: هكذا صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بإبراهيم ولده.
حدثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن الحسين بن عمر، عن رجل من بني هاشم قال: لمّا مات إسماعيل خرج إلينا أبو عبد الله (عليه السلام) فتقدّم السّرير بلا حذاء ولا رداء.
حدثنا أبي رحمه الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه عليّ بن مهزيار، عن حماد بن عيسى، عن جرير، عن إسماعيل بن جابر والارقط ابن عمِّ أبي عبد الله - قال: كان أبو عبد الله (عليه السلام) عند إسماعيل حين قبض فلمّا رأي الارقط جزعه قال: يا أبا عبد الله قد مات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: فارتدع ثمّ قال: صدقت أنا لك اليوم أشكر.
حدثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رحمه الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن عمرو بن عثمان الثقفي، عن أبي كهمس قال: حضرت موت إسماعيل بن أبي عبد الله (عليه السلام): فرأيت أبا عبد الله (عليه السلام) وقد سجد سجدة فأطال السجود، ثمّ رفع رأسه فنظر إليه قليلا ونظر إلى وجهه [قال:] ثمّ سجد سجدة أخرى أطول من الأولى، ثمّ رفع رأسه وقد حضره الموت فغمضه وربط لحييه وغطّى عليه ملحفة، ثمّ قام وقد رأيت وجهه وقد دخله منه شيءٌ الله أعلم به، قال: ثمّ قام فدخل منزله فمكث ساعة، ثمّ خرج علينا مدهنا مكتحلا عليه ثياب غير الثياب الّتي كانت عليه ووجهه غير الّذي دخل به فأمر ونهي في أمره(181) حتّى إذا فرغ منه دعا بكفنه فكتب في حاشية الكفن (إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله).
حدثنا أبي رحمه الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن - عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبى الحسن ظريف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(181) يعني في تجهيز اسماعيل.
بن ناصح، عن الحسن ابن زيد قال: ماتت ابنة لأبي عبد الله (عليه السلام) فناح عليها سنة، ثمّ مات له ولدٌ آخر فناح عليه سنة، ثمّ مات إسماعيل فجزع عليه جزعاً شديداً فقطع النوح، قال: فقيل لابي عبد الله (عليه السلام): أصلحك الله أيناح في دارك؟ فقال: أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لمّا مات حمزة: ليبكينَّ حمزة لا بواكي له(182).
حدثنا محمّد بن الحسن رحمه الله قال: حدّثنا الحسن بن متّيل الدَّقّاق قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن محمّد بن عبد الله الكوفيّ قال: لمّا حضرت إسماعيل بن أبي عبد الله الوفاة جزع أبو عبد الله (عليه السلام) جزعاً شديداً قال: فلمّا غمضه دعا بقميص غسيل أو جديد فلبسه ثمّ تسرَّح وخرج يأمر وينهى قال: فقال له بعض أصحابه: جعلت فداك لقد ظنّنا أن لا ينتفع بك زماناً لمّا رأينا من جزعك، قال: إنّا أهل بيت نجزع ما لم تنزل المصيبة فإذا نزلت صبرنا.
حدثنا عليُّ بن أحمد بن محمّد الدّقّاق رحمه الله قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيُّ قال: حدّثنا الحسين بن الهيثم قال:
حدّثنا عبّاد بن يعقوب الأسديُّ قال: حدّثنا عنبسة بن بجّاد العابد قال: لمّا مات إسماعيل بن جعفر بن محمّد وفرغنا من جنازته جلس الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) وجلسنا حوله وهو مطرقٌ، ثمّ رفع رأسه فقال: أيّها النّاس أنَّ هذه الدُّنيا دار فراق ودار التواء(183) لا دار استواء على أنَّ فراق المألوف حرقة لا تدفع ولوعة لا تردُّ(184) وإنّما يتفاضل النّاس بحسن العزاء وصحة الفكر فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه، ومن لم يقدّم ولداً كان هو المقدَّم دون الولد، ثمّ تمثّل (عليه السلام) بقول أبي خراش الهذليُّ يرثي أخاه.
ولا تحسبي إنّي تناسيت عهده * * * ولكن صبري يا إمام جميل(185)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(182) في بعض النسخ (لكنّ حمزة لا بواكي له).
(183) التواء: الاعوجاج.
(184) اللوعة: حرقة الحزن.
(185) في بعض النسخ (يا أميم جميل) والاميم هو المضروب على أم رأسه.
اعتراض آخر:
قالت الزّيديّة: لو كان خبر الأئمّة الاثنى عشر صحيحا لمّا كان النّاس يشكون بعد الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في الإمامة حتّى يقول طائفة من الشيعة بعبد الله وطائفة بإسماعيل وطائفة تتحير حتّى أنَّ الشيعة منهم من امتحن عبد الله بن الصادق (عليه السلام) فلمّا لم يجد عنده ما أراد خرج وهو يقول: إلى أين؟ إلى المرجئة أم إلى القدريّة؟ أم إلي الحروريّة وإن موسى بن جعفر سمعه يقول هذا فقال له: لا إلى المرجئة، ولا إلى القدريّة، ولا إلى الحروريّة ولكن إلىَّ. فانظروا من كم وجه يبطل خبر الاثنى عشر أحدها جلوس عبد الله للإمامة، والثاني إقبال الشيعة إليه، والثالث حيرتهم عند امتحانه، والرّابع أنّهم لم يعرفوا أنَّ إمامهم موسى بن جعفر (عليهما السلام) حتّى دعاهم موسى إلى نفسه وفي هذه المدَّة مات فقيههم زرارة بن أعين وهو يقول والمصحف على صدره: (اللّهمَّ إنّي أئتم بمن أثبت إمامته هذا المصحف).
فقلنا لهم: أنَّ هذا كله غرور من القول وزخرف، وذلك أنّا لم ندع أنَّ جميع الشيعة عرف في ذلك العصر الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام) بأسمائهم، وإنّما قلنا: أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبر أنَّ الأئمّة بعده الاثنا عشر، الّذين هم خلفاؤه وأن علماء الشيعة قد رووا هذا الحديث بأسمائهم ولا ينكر أن يكون فيهم واحد أو اثنان أو أكثر لم يسمعوا بالحديث، فأمّا زرارة بن أعين فانه مات قبل انصراف من كان وفده ليعرف الخبر ولم يكن سمع بالنص على موسى بن جعفر (عليهما السلام) من حيث قطع الخبر عذره فوضع المصحف الّذي هو القرآن على صدره، وقال: اللّهم إنّي أئتمُ بمن يثبت هذا المصحف إمامته، وهل يفعل الفقيه المتديّن عند اختلاف الأمر عليه إلّا ما فعله زرارة، على أنَّه قد قيل: أنَّ زرارة قد كان عمل بأمر موسى بن جعفر (عليهما السلام) وبإمامته وإنّما بعث ابنه عبيداً ليتعرَّف من موسى بن جعفر (عليهما السلام) هل يجوز له إظهار ما يعلم من إمامته أو يستعمل التقيّة في كتمانه، وهذا أشبه بفضل زرارة بن أعين وأليق بمعرفته.
حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن إبراهيم بن هاشم قال: حدّثني محمّد بن عيسى بن عبيد، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيِّ رضي الله عنه قال: قلت للرِّضا (عليه السلام): يا بن
رسول الله أخبرني عن زرارة هل كان يعرف حقَّ أبيك (عليه السلام)؟ فقال: نعم، فقلت له: فلم بعث ابنه عبيداً ليتعرف الخبر إلى من أوصى الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام)؟ فقال: أنَّ زرارة كان يعرف أمر أبي (عليه السلام) ونص أبيه عليه وإنّما بعث ابنه ليتعرف من أبي (عليه السلام) هل يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره ونصَّ أبيه عليه وإنّه لمّا أبطأ عنه ابنه طولب بإظهار قوله في أبي (عليه السلام) فلم يحبّ أن يقدّم على ذلك دون أمره فرفع المصحف وقال: اللّهمّ إنَّ إمامي من أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمّد (عليهما السلام).
والخبر الّذي احتجّت به الزّيديّة ليس فيه أنَّ زرارة لم يعرف إمامة موسى بن - جعفر (عليهما السلام) وإنّما فيه أنَّه بعث ابنه عبيداً ليسأل عن الخبر.
حدثنا أبي رحمه الله قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد ابن يحيى بن عمران الأشعريّ، عن أحمد بن هلال، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة، عن أبيه قال: لمّا بعث زرارة عبيداً ابنه إلى المدينة ليسأل عن الخبر بعد مضيِّ أبي عبد الله (عليه السلام) فلمّا اشتدَّ به الأمر أخذ المصحف وقال: من أثبت إمامته هذا المصحف فهو إمامي. وهذا الخبر لا يوجب أنَّه لم يعرف، على أنَّ راوي هذا الخبر أحمد بن هلال(186) وهو مجروح عند مشايخنا - رضي الله عنهم -.
حدثنا شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: سمعت سعد بن عبد الله يقول: ما رأينا ولا سمعنا بمتشيّع رجع عن التشيّع إلى النصب إلّا أحمد بن هلال، وكانوا يقولون: إنَّ ما تفرَّد بروايته أحمد بن هلال فلا يجوز استعماله، وقد علمنا أنَّ النبيّ والائمّة صلوات الله عليهم لا يشفعون إلّا لمن ارتضى الله دينه. والشاك في الإمام على غير دين الله، وقد ذكر موسى جعفر (عليهما السلام) أنَّه سيستوهبه من ربّه يوم القيامة.
حدثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن أبي الصهبان، عن منصور
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(186) هو أحمد بن هلال العبرتائي وردت فيه ذموم عن الامام العسكري (عليه السلام) كما في (كش).
بن العبّاس، عن مروك بن عبيد، عن درست ابن أبي منصور الواسطيّ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: ذكر بين يديه زرارة بن أعين فقال: والله إنّي سأستوهبه من ربّي يوم القيامة فيهبه لي، ويحك أنَّ زرارة بن أعين أبغض عدونا في الله وأحبَّ وليّنا في الله.
حدثنا أبي ومحمّد بن الحسن - رضي الله عنهما - قالا: حدّثنا أحمد بن إدريس؛ ومحمّد بن يحيى العطّار جميعاً، عن محمّد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي العبّاس الفضل بن عبد الملك، عن أبى عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: أربعة أحبُّ النّاس إليَّ أحياء وأمواتاً: بريد العجليُّ، وزرارة بن أعين، ومحمّد بن مسلم، والأحول(187) أحبُّ النّاس إليَّ أحياء وأمواتاً.
فالصادق (عليه السلام) لا يجوز أن يقول لزرارة: إنَّه من أحبِّ النّاس إليه وهو لا يعرف إمامة موسى بن جعفر (عليهما السلام).
اعتراض آخر:
قالت الزيدية: لا يجوز أن يكون من قول الأنبياء: إنَّ الأئمّة اثنا عشر لأنّ الحجّة باقية على هذه الأمة إلى يوم القيامة، والاثنا عشر بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد مضى منهم أحد عشر، وقد زعمت الإماميّة أنَّ الأرض لا تخلو من حجة.
فيقال لهم: إنَّ عدد الأئمّة (عليهم السلام) اثنا عشر والثاني عشر هو الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ثمّ يكون بعده ما يذكره من كون إمام بعده أو قيام القيامة ولسنا مستعبدين في ذلك إلّا بالإقرار باثني عشر إماماً اعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر (عليه السلام) بعده.
حدثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد العزيز ابن يحيى قال: حدّثنا إبراهيم بن فهد، عن محمّد بن عقبة، عن حسين بن الحسن، عن إسماعيل بن عمر، عن عمر بن موسى الوجيهي(188)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(187) يعني محمّد بن النعمان البجلي مؤمن الطاق.
(188) عمر بن موسى الوجيهي زيدي له كتاب قراءة زيد بن علي (عليه السلام) وقال: سمعت زيد ابن علي يقول: هذا قراءة أمير المؤمنين (عليه السلام).
عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن - الحارث قال: قلت لعلي (عليه السلام): يا أمير المؤمنين أخبرني بما يكون من الأحداث بعد قائمكم؟ قال: يا ابن الحارث ذلك شيء ذكره موكول إليه، وإن رسول الله صلى الله عهد إلي أن لا اخبر به إلّا الحسن والحسين (عليهما السلام).
حدثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق - رحمة الله عليه - قال: حدّثنا عبد العزيز بن - يحيى الجلوديُّ، عن الحسين بن معاذ، عن قيس بن حفص، عن يونس بن أرقم، عن أبي سنان الشيبانيِّ(189) عن الضحاك بن مزاحم، عن النزال بن سبرة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث يذكر فيه أمر الدّجّال ويقول في آخره: لا تسألوني عمّا يكون بعد هذا فانّه عهد إليَّ حبيبي (عليه السلام) أن لا اخبر به غير عترتي. قال النزال بن سبرة: فقلت لصعصعة ابن صوحان: ما عنى أمير المؤمنين بهذا القول؟ فقال صعصعة: يا ابن سبرة أنَّ الّذي يصلّي عيسى بن مريم خلفه هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) وهو الشمس الطالعة من مغربها، يظهر عند الرُّكن والمقام، فيطهّر الأرض ويضع الميزان بالقسط فلا يظلم أحدٌ أحداً، فأخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّ حبيبه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عهد إليه أن لا يخبر بما يكون بعد ذلك غير عترته الأئمّة.
ويقال للزيّديّة: أفيكذب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في قوله (إنَّ الأئمّة اثنا عشر). فإنَّ قالوا: إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يقل هذا القول، قيل لهم: أن جاز لكم دفع هذا الخبر مع شهرته واستفاضته وتلقّى طبقات الإماميّة إيّاه بالقبول فما أنكرتم ممّن يقول: أنَّ قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (من كنت مولاه) ليس من قول الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
اعتراض آخر:
قالت الزّيديّة: اختلفت الإماميّة في الوقت الّذي مضى فيه الحسن بن عليِّ (عليهما السلام) فمنهم من زعم أنَّ ابنه كان ابن سبع سنين، ومنهم من قال: إنَّه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(189) اما الحسين بن معاذ فالظاهر هو الحسين بن معاذ بن خليف البصري الذي ذكره ابن حبان في الثقات، وأما قيس بن حفص فالظاهر هو قيس بن حفص بن القعقاع التميمي الدارمي مولاهم أبو محمّد البصري المتوفى 227 الذي ذكره ابن حبان في الثقات أيضاً. وأما يونس بن أرقم فلم أجد من ذكره، وأما أبو سنان الشيباني المصحف في نسخ الكتاب بابي سيار فهو سعيد بن سنان البرجمي الشيباني الكوفي الّذي ذكره ابن حبان في الثقات وقال كان عابداً فاضلاً انتهى، يروي عن ضحاك بن مزاحم الهلالي أبي القاسم ويقال أبو محمّد قال عبد الله بن أحمد: ثقة مأمون وقال ابن معين وكذا أبو زرعة: ثقة. وهو يروى عن النزال ابن سبرة - بفتح المهملة وسكون الموحدة الهلالي وهو كوفي تابعي من كبار التابعين ذكره ابن حيان في الثقات كما في التهذيب.
كان صبيّاً(190) أو رضيعاً وكيف كان فانّه في هذه الحال لا يصلح للإمامة ورئاسة الاُمّة وأن يكون خليفة الله في بلاده وقيّمه في عباده، وفئة المسلمين إذا عضّتهم الحروب، ومدبّر جيوشهم، والمقاتل عنهم والذاب عن حوزتهم، والدَّافع عن حريمهم لأنّ الصبىَّ الرَّضيع والطفل لا يصلحان لمثل هذه الأمور، ولم تجر العادة فيما سلف قديماً وحديثاً أن تلقى الأعداء بالصبيان ومن لا يحسن الرُّكوب ولا يثبت على السرج، ولا يعرف كيف يصرف العنان، ولا ينهض بحمل الحمائل، ولا بتصريف القناة، ولا يمكنه الحمل على الأعداء في حومة الوغا، فإنَّ أحد أوصاف الإمام أن يكون أشجع النّاس.
الجواب:
يقال لمن خطب بهذه الخطبة: إنّكم نسيتم كتاب الله (عزَّ وجلَّ): ولولا ذلك لم ترموا الإماميّة بأنّهم لا يحفظون كتاب الله وقد نسيتم قصّة عيسى (عليه السلام) وهو في المهد حين يقول: (إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً وجعلني مباركاً أينما كنت - الآية(191) أخبرونا لو آمن به بنو إسرائيل ثمّ حزبهم أمر من العدو(192) كيف كان يفعل المسيح (عليه السلام) وكذلك القول في يحيى (عليه السلام)، وقد أعطاه الله الحكم صبيّاً فإنَّ جحدوا ذلك فقد جحدوا كتاب الله، ومن لم يقدر على دفع خصمه إلّا بعد أن يجحد كتاب الله فقد وضح بطلان قوله.
ونقول في جواب هذا الفصل: إنَّ الأمر لو أفضى بأهل هذا العصر إلى ما وصفوا لنقض الله العادة فيه، وجعله رجلاً بالغاً كاملاً فارساً شجاعاً بطلاً قادراً على مبارزة الأعداء والحفظ لبيضة الإسلام والدفع عن حوزتهم. وهذا جواب لبعض الإماميّة على أبي القاسم البلخي.
اعتراض آخر:
قالت الزّيديّة: قد شكَّ النّاس في صحّة نسب هذا المولود إذ أكثر النّاس يدفعون أن يكون للحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) ولد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(190) في بعض النسخ (جنيناً).
(191) مريم: 32.
(192) حزبه أمر أي أصابه.
فيقال لهم: قد شكَّ بنو إسرائيل في المسيح ورموا مريم بما قالوا (لقد جئت شيئاً فرياً)(193) فتكلّم المسيح ببراءة أمّه (عليه السلام) فقال: (إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً) فعلم أهل العقول أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لا يختار لأداء الرِّسالة مغمور النسب ولا غير كريم المنصب، كذلك الامام (عليه السلام) إذا ظهر كان معه من الآيات الباهرات والدلائل الظاهرات ما يعلم به أنَّه بعينه دون النّاس هو خلف الحسن بن علي (عليهما السلام).
قال بعضهم: ما الدّليل على أنَّ الحسن بن علي (عليه السلام) توفي؟
قيل له: الأخبار الّتي وردت في موته هي أوضح وأشهر وأكثر من الأخبار التي وردت في موت أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) لأنّ أبا الحسن (عليهما السلام) مات في يد الأعداء ومات أبو محمّد الحسن بن علي (عليهما السلام) في داره على فراشه، وجرى في أمره ما قد أوردت الخبر به مسنداً في هذا الكتاب.
فقال قائل منهم: فهلّا دلّكم تنازع أمّ الحسن وجعفر في ميراثه أنَّه لم يكن له ولد؟ لأنّا بمثل هذا نعرف من يموت ولا عقب له أن لا يظهر ولده ويقسم ميراثه بين ورثته؟
فقيل له: هذه العادة مستفيضة وذلك أنَّ تدبير الله في أنبيائه ورسله وخلفائه ربما جرى على المعهود المعتاد وربما جرى بخلاف ذلك، فلا يحمل أمرهم في كلِّ الأحوال على العادات كما لا يحمل أمر المسيح (عليه السلام) على العادات.
قال: فإنَّ جاز له أن يشكّ(194) في هذا لم لا يجوز أن نشكّ في كلّ من يموت ولا عقب له ظاهر.
قيل له: لا نشكُّ في أنَّ الحسن (عليه السلام) كان له خلف من عقبه بشهادة من أثبت له ولدا من فضلاء ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) والشيعة الأخبار لأنّ الشهادة الّتي يجب قبولها هي شهادة المثبت لا شهادة النافي وإن كان عدد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(193) مريم: 28. وقوله (فريا) أي عظيماً بديعاً أو قبيحاً منكراً، من الافتراء وهو الكذب.
(194) في بعض النسخ (فإنَّ جاز لنا أن نشك).
النافين أكثر من عدد المثبتين، ووجدنا لهذا الباب فيما مضى مثالا وهو قصّة موسى (عليه السلام) لأنّ الله سبحانه لمّا أراد أن ينجّي بني إسرائيل من العبوديّة ويصير دينه على يديه غضّاً طريّاً أوحى إلى أمه (فإذا خفت عليه فألقيه في اليمِّ ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادُّوه إليك وجاعلوه من المرسلين)(195) فلو أنَّ أباه عمران مات في ذلك الوقت لمّا كان الحكم في ميراثه إلّا كالحكم في ميراث الحسن (عليه السلام)، ولم يكن في ذلك دلالة على نفي الولد.
وخفي على مخالفينا فقالوا: إنَّ موسى في ذلك الوقت لم يكن بحجّة والإمام عندكم حجّة، ونحن إنّما شبّهنا الولادة والغيبة بالولادة والغيبة، وغيبة يوسف (عليه السلام) أعجب من كلّ عجب لم يقف على خبره أبوه وكان بينهما من المسافة ما يجب أن لا ينقطع لولا تدبير الله (عزَّ وجلَّ) في خلقه أن ينقطع خبره عن أبيه وهؤلاء إخوته دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون.
وشبّهنا أمر حياته بقصّة أصحاب الكهف فإنهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا، وهم أحياء.
فان قال قائل: إنَّ هذه أمور قد كانت ولا دليل معنا على صحّة ما تقولون.
قيل له: أخرجنا بهذه الأمثلة أقوالنا من حدِّ الإحالة إلى حدِّ الجواز، وأقمنا الأدلة على صحّة قولنا بأن الكتاب لا يزال معه من عترة الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من يعرف حلاله وحرامه ومحكمه ومتشابهه، وبما أسندناه في هذا الكتاب من الأخبار عن النبيّ والأئمة صلوات الله عليهم.
فان قال: فكيف التمسّك به؟ ولا نهتدي إلى مكانه ولا يقدر أحدٌ علي إتيانه؟ قيل له: نتمسّك بالإقرار بكونه وبإمامته وبالنجباء الأخيار والفضلاء الأبرار القائلين بإمامته، المثبتين لولادته وولايته، المصدِّقين للنبيِّ والأئمة (عليهم السلام) في النص عليه باسمه ونسبه من أبرار شيعته، العالمين بالكتاب والسنّة، العارفين بوحدانيّة الله تعالى ذكره النافين عنه شبه المحدثين المحرّمين للقياس، المسلمين لمّا يصحُّ وروده عن النبيّ والأئمة (عليهم السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(195) القصص: 7.
فان قال قائل: فإنَّ جاز أن يكون نتمسّك بهؤلاء الّذين وصفتهم ويكون تمسّكناً بهم تمسكا بالإمام الغائب فلم لا يجوز أن يموت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا يخلّف أحدا فيقتصر أمته على حجج العقول والكتاب والسنّة؟ قيل له: ليس الاقتراح على الله (عزَّ وجلَّ) علينا وإنّما علينا فعل ما نؤمر به وقد دلت الدلائل على فرض طاعة هؤلاء الأئمّة الأحد عشر (عليهم السلام) الّذين مضوا ووجب القعود معهم إذا قعدوا والنّهوض معهم إذا نهضوا، والأسماع منهم إذا نطقوا. فعلينا أن نفعل في كلّ وقت ما دلت الدّلائل على أنَّ علينا أن نفعله.
اعتراض آخر لبعضهم:
قال بعض الزّيديّة فإنَّ للواقفة ولغيرهم أن يعارضوكم في ادِّعائكم أنَّ موسى بن جعفر (عليهما السلام) مات وأنّكم وقفتم على ذلك بالعرف والعادة والمشاهدة وذلك أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد أخبر في شأن المسيح (عليه السلام) فقال: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) وكان عند القوم في حكم المشاهدة والعادة الجارية أنّهم قد رأوه مصلوبا مقتولا فليس بمنكر مثل ذلك في سائر الأئمّة الّذين قال بغيبتهم طائفة من الناس.
الجواب يقال لهم: ليس سبيل الأئمّة (عليهم السلام) في ذلك سبيل عيسى بن مريم (عليه السلام) وذلك أنَّ عيسى بن مريم ادَّعت اليهود قتله فكذبهم الله تعالى ذكره بقوله (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم)(196) وأئمّتنا (عليهم السلام) لم يرد في شأنهم الخبر عن الله أنّهم شبهوا وإنّما قال ذلك قوم من طوائف الغلاة، وقد أخبر النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: (إنَّه ستخضب هذه من هذا) يعني لحيته من دم رأسه، وأخبر مَن بعده من الأئمّة (عليهم السلام) بقتله، وكذلك الحسن والحسين (عليهما السلام) قد أخبر النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن جبرئيل بأنهما سيقتلان، وأخبرا عن أنفسهما بأنّ ذلك سيجري عليهما، وأخبر من بعدهما من الأئمّة (عليهم السلام) بقتلهما، وكذلك سبيل كلّ إمام بعدهما من عليّ بن الحسين إلى الحسن بن عليّ العسكريّ (عليهما السلام) قد أخبر الأول بما يجري على من بعده وأخبر من بعده بما جرى على من قبله، فالمخبرون بموت الأئمّة (عليهما السلام) هم النبيّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(196) النساء: 156.
والأئمة (عليهم السلام) واحد بعد واحد، والمخبرون بقتل عيسى (عليه السلام) كانت اليهود، فلذلك قلنا: إنَّ ذلك جرى عليهم على الحقيقة والصحّة لا على الحسبان والحيلولة ولا على الشكِّ والشبهة لأنّ الكذب على المخبرين بموتهم غير جائز لأنّهم معصومون وهو على اليهود جائز.
شبهات من المخالفين ودفعها:
قال مخالفونا: إنَّ العادات والمشاهدات تدفع قولكم بالغيبة، فقلنا: إنَّ البراهمة(197) تقدر أن تقول مثل ذلك في آيات النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتقول للمسلمين إنّكم بأجمعكم لم تشاهدوها فلعلّكم قلّدتم من لم يجب تقليده أو قبلتم خبراً لم يقطع العذر، ومن أجل هذه المعارضة قالت عامة المعتزلة - على ما يحكى عنهم -: إنَّه لم تكن للرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) معجزة غير القرآن فأمّا من اعترف بصحّة الآيات الّتي هي غير القرآن احتاج إلى أن يطلق الكلام في جواز كونها بوصف الله - تعالى ذكره - بالقدرة عليها، ثمّ في صحّة وجود كونها على أُمور قد وقفنا عليها وهي غير كثيرة الرُّواة.
فقالت الإماميّة: فارضوا منّا بمثل ذلك وهو أن نصحّح هذه الأخبار التي تفرَّدنا بنقلها عن أئمّتنا (عليهم السلام) بأن تدلَّ على جواز كونها بوصف الله - تعالى ذكره - بالقدرة عليها وصحة كونها بالأدلة العقليّة والكتابيّة والأخبار المرويّة المقبولة عند نقلة العامّة.
قال الجدليُّ فنقول: إنَّه ليس بازائنا جماعة تروي عن نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ضدَّ ما نروي ممّا يبطله ويناقضه، أو يدَّعون أنَّ أوَّلنا ليس كآخرنا؟
فيقال له: ما أنكرت من برهميٍّ قال لك: إنَّ العادات والمشهادات والطبيعيّات تمنع أن يتكلم ذراع مسمومٌ مشويّ وتمنع من انشقاق القمر وأنّه لو انشق القمر وانفلق لبطل نظام العالم.
وأمّا قوله: (ليس بإزائهم من يدفع أنَّ أوَّلنا ليس كآخرنا) فانّه يقال له: إنّكم تدفعون عن ذلك أشدَّ الدَّفع ولو شهد هذه الآيات الخلق الكثير لكان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(197) البراهمة قوم لا يجوزون على الله تعالى بعثة الرسل.
حكمه حكم القرآن فقد بان أنَّ الجدليَّ مستعملٌ للمغالطة، مستفرق فيما لم يستفرق.
قال الجدلي: أو تدفعونا عن قولنا إنَّه كان لنبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الاتباع في حياته وبعد وفاته جماعةٌ لا يحصرهم العدد يروون آياته ويصحّحونها؟ فيقال له: إنَّ جماعة لم لم يحصرهم العدد قد عاينوا آيات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الّتي هي تظليل الغمامة وكلام الذّراع المسمومة وحنين الجذع وما في بابه ولكن هذه عامّة الأمة تقول: إنَّ هذه آيات رواها نفر يسير في الأصل فلم ادَّعيت أنَّ أحداً لا يدفعك عن هذه الدَّعوى؟.
قال الجدليُّ: ولمّا كان هذا هكذا كانت أخبارنا عن آيات نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كالإخبار عن آيات موسى والإخبار عن آيات المسيح الّتي ادَّعتها النصارى لها ومن أجلها ما ادعوا وكأخبار المجوس والبراهمة عن أيّام آبائهم وأسلافهم.
قلنا: قد عرفنا أنَّ البراهمة تزعم أنَّ لآبائهم وأسلافهم أمثالا موجودة ونظائر مشاهدة فلذلك قبلوه على طريق الإقناع، وليس هذا ممّا تنكره، وإنّما عرفناه للوجه الّذي من أجله عورض بما عورض به، فليكن من وراء الفصل من حيث طولب(198).
قال الجدليُّ: وبازاء هذه الفرقة من القطعيّة جماعات تفضلها وجماعات في مثل حالها تروي عمّن يسندون إليه الخبر خبرهم في النص ضدّ ما يروون.
فيقال له: ومن هذه الجماعات الّتي تفضلها؟ وأين هم في ديار الله؟ وأين يسكنون من بلاد الله؟ أو ما وجب عليك أن تعلم أنَّ كتابك يقرء؟ ومن ليس من أهل الصناعة يعلم استعمالك للمغالطة.
قال الجدليُّ: وما كنت أحسب أنَّ امرءاً مسلماً تسمح نفسه بأن يجعل الأخبار عن آيات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عروضاً(199) للاخبار في غيبة ابن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليِّ ابن موسى بن جعفر (عليهم السلام) ويدّعى تكافؤ التواتر فيهما. والله المستعان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(198) في بعض النسخ (فليكن من ذكر الفضل - الخ).
(199) العروض من الكلام فحواه. يقال: (هذه المسألة عروض هذه) أي نظيره.
فيقال له: إنّا قد بينّا الوجه الّذي من أجله ادّعينا التساوي في هذا الباب وعرّفناك أنَّ الّذي نسمّيه الخبر المتواتر هو الّذي يرويه ثلاثة أنفس فما فوقهم وأن الأخبار عن آيات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الأصل إنّما يرويها العدد القليل، والمحنة(200) بيننا وبينك أن نرجع إلى أصحاب الحديث فنطلب منهم من روى انشقاق القمر وكلام الذِّراع المسمومة وما يجانس ذلك من آياته، فإنَّ أمكنه أن يروي كلِّ آية من هذه الآيات عن عشرة أنفس من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عاينوا أو شاهدوا فالقول قوله، وإلّا فإنَّ الموافق ادَّعى التكافؤ فيما هما مثلان ونظيران ومشبهان، والحمد لله.
وأقول - وبالله التوفيق -: إنّا قد استعبدنا بالإقرار بعصمة الإمام كما استعبدنا بالقول به، والعصمة ليست في ظاهر الخليقة فترى وتشاهده ولو أقررنا بإمامة إمام وأنكرنا أن يكون معصوماً لم نكن أقررنا به، فإذا جاز أن نكون مستعبدين من كلّ إمام بالإقرار بشيء غائب عن أبصارنا فيه جاز أن نستعبد بالإقرار بإمامة إمام غائب عن أبصارنا لضرب من ضروب الحكمة يعلمه الله تبارك وتعالى اهتدينا إلى وجهه أو لم نهتد ولا فرق.
وأقول أيضاً: إنَّ حال إمامنا (عليه السلام) اليوم في غيبته حال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ظهوره، وذلك أنَّه (عليه السلام) لمّا كان بمكة لم يكن بالمدينة، ولمّا كان بالمدينة لم يكن بمكّة، ولمّا سافر لم يكن بالحضر، ولمّا حضر لم يكن في السفر، وكان (عليه السلام) في جميع أحواله حاضراً بمكان، غائباً عن غيره من الأماكن، ولم تسقط حجّته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن أهل الأماكن الّتي غاب عنها، فهكذا الإمام (عليه السلام) لا تسقط حجّته وإن كان غائبا عنا كما لم تسقط حجّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عمّن غاب عنه، وأكثر ما استعبد به النّاس من شرائط الإسلام وشرائعه فهو مثل ما استعبدوا به من الإقرار بغيبة الإمام، وذلك أنَّ الله تبارك وتعالى مدح المؤمنين على إيمانهم بالغيب قبل مدحه لهم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإيمان بسائر ما أنزل الله (عزَّ وجلَّ) على نبيه وعلى من قبله من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وبالآخرة فقال: (هدى للمتّقين الّذين يؤمنون بالغيب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(200) في بعض النسخ (والمجنة) وهي الترس.
ويقيمون الصلوة وممّا رزقناهم ينفقون * والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفحلون)(201) وإن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يكون بين أصحابه فيغمى عليه وهو يتصاب عرقا فإذا أفاق قال: قال الله (عزَّ وجلَّ) كذا وكذا، أمركم بكذا، ونهاكم عن كذا. وأكثر مخالفينا يقولون: أنَّ ذلك كان يكون عند نزول جبرئيل (عليه السلام) عليه، فسئل الصادق (عليه السلام) عن الغشية الّتي كانت تأخذ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أكانت تكون عند هبوط جبرئيل (عليه السلام) فقال: لا إنَّ جبرئيل كان إذ أتى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يدخل عليه حتّى يستأذنه وإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد وإنّما ذلك عند مخاطبة الله (عزَّ وجلَّ) إيّاه بغير ترجمان وواسطة.
حدثنا بذلك الحسن بن أحمد بن إدريس - رضي لله عنه - عن أبيه، عن جعفر ابن محمّد بن مالك، عن محمّد بن الحسين بن زيد(202)، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن ثابت، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): فالناس لم يشاهدوا الله تبارك وتعالى يناجي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويخاطبه ولا شاهدوا الوحي ووجب عليهم الإقرار بالغيب الّذي لم يشاهدوه وتصديق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ذلك وقد أخبرنا الله (عزَّ وجلَّ) في محكم كتابه أنَّه ليس منا أحد (يلفظ من قول إلّا لديه رقيب عتيد)(203) وقال (عزَّ وجلَّ) (وإنَّ عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون)(204) ونحن لم نرهم ولم نشاهدهم ولو لم نوقع التصديق بذلك لكنّا خارجين من الإسلام، رادِّين على الله تعالى ذكره قوله، وقد حذّرنا الله تبارك وتعالى من فتنة الشيطان فقال: (يا بني آدم لا يفتننّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنّة)(205) ونحن لا نرى ويجب علينا الإيمان بكونه والحذر منه، وقال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ذكر المسألة في القبر: (إنَّه إذا سئل الميّت فلم يجب بالصواب ضربه منكرٌ ونكيرٌ ضربة من عذاب الله، ما خلق الله من دابّة إلّا تذعر لها(206) ما خلا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(201) البقرة: 3 و4 و5.
(202) هو أبو جعفر الزيات. وفى بعض النسخ (محمّد بن الحسين بن يزيد) ولم أجده.
(203) ق: 18. والآية هكذا (ما يلفظ من قول - الآية)
(204) الانفطار: 11 - 13.
(205) الاعراف: 27.
(206) أي تفزع. وذعرته ذعرا: أفزعته، وقد ذعر فهو مذعور.
الثقلين) ونحن لا نرى شيئاً من ذلك، ولا نشاهده ولا نسمعه، وأخبرنا عنه (عليه السلام) أنَّه عرج به إلى السماء. ونحن لم نر [شيئا من] ذلك [ولا نشاهده ولا نسمعه]. وأخبرنا (عليه السلام) (من زار أخاه في الله (عزَّ وجلَّ) شيّعه سبعون ألف ملك يقولون: الا طبت وطابت لك الجنة) ونحن لا نراهم ولا نسمع كلامهم ولو لم نسلّم الأخبار الواردة في مثل ذلك وفيما يشبهه من أمور الإسلام لكنّا كافرين بها، خارجين من الإسلام.
مناظرة المؤلف مع ملحد عند ركن الدولة:
ولقد كلمني بعض الملحدين في مجلس الأمير السعيد ركن الدَّولة رضي الله عنه فقال لي: وجب على إمامكم أن يخرج فقد كاد أهل الروم يغلبون على المسلمين. فقلت له: إنَّ أهل الكفر كانوا في أيّام نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أكثر عدداً منهم اليوم وقد أسرَّ (عليه السلام) أمره وكتمه أربعين سنة بأمر الله جلَّ ذكره وبعد ذلك أظهره لمن وثق به وكتمه ثلاث سنين عمّن لم يثق به، ثمّ آل الأمر إلى أن تعاقدوا على هجرانه وهجران جميع بني هاشم والمحامين عليه لأجله، فخرجوا إلى الشعب وبقوا فيه ثلاث سنين فلو أنَّ قائلاً قال في تلك السنين: لم لا يخرج محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فانّه واجب عليه الخروج لغلبة المشركين على المسلمين، ما كان يكون جوابنا له إلّا أنَّه (عليه السلام) بأمر الله تعالى ذكره خرج إلى الشعب حين خرج وبإذنه غاب(207) ومتى أمره بالظهور والخروج خرج وظهر، لأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقي في الشعب هذه المدّة حتّى أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه أنَّه قد بعث أرضة على الصحيفة المكتوبة بين قريش في هجران النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وجميع بني هاشم، المختومة بأربعين خاتماً، المعدلة(208) عند زمعة بن الاسود فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم وتركت ما كان فيها من اسم الله (عزَّ وجلَّ)، فقام أبو طالب فدخل مكّة، فلمّا رأته قريش قدروا أنَّه قد جاء ليسلم إليهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتّى يقتلوه أو يرجعوه عن نبوَّته، فاستقبلوه وعظّموه فلمّا جلس قال لهم: يا معشر قريش أنَّ ابن أخي محمّد لم أجرِّب عليه كذباً قطُّ وإنّه قد أخبرني أنَّ ربّه أوحى إليه أنَّه قد بعث على الصحيفة المكتوبة بينكم الأرضة فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم وتركت ما كان فيها من أسماء الله عزّ وجلّ. فأخرجوا الصحيفة وفكّوها فوجدوها كما قال، فآمن بعضٌ وبقي بعض على كفره،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(207) مثل قوله تعالى: (واهجرهم هجراً جميلا).
(208) كذا، ولعل الصواب (المحفوظة) أو (المودعة).
ورجع النبيُّ (عليه السلام) وبنو هاشم إلى مكة. هكذا الإمام (عليه السلام) إذا أذن الله له في الخروج خرج.
وشيء آخر وهو أنَّ الله تعالى ذكره أقدر على أعدائه الكفار من الإمام فلو أنَّ قائلاً قال: لِمَ يمهل الله أعداءه ولا يبيدهم وهم يكفرون به ويشركون؟ لكان جوابنا له أنَّ الله تعالى ذكره لا يخاف الفوت فيعاجلهم بالعقوبة، ولا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون. ولا يقال له: لم ولا كيف، وهكذا إظهار الإمام إلى الله الّذي غيّبه فمتى أراده أذن فيه فظهر.
فقال الملحد: لست أؤمن بإمام لا أراه ولا تلزمني حجّته ما لم أره، فقلت له: يجب أن تقول: أنَّه لا تلزمك حجّة الله تعالى ذكره لأنك لا تراه ولا تلزمك حجّة الرَّسول (عليه السلام) لأنك لم تره.
فقال للأمير السعيد ركن الدولة رضي الله عنه: أيّها الأمير راع ما يقول هذا الشيخ فانه يقول: إنَّ الإمام إنّما غاب ولا يرى لأنّ الله (عزَّ وجلَّ) لا يرى، فقال له الأمير رحمه الله: لقد وضعت كلامه غير موضعه وتقولت عليه وهذا انقطاع منك وإقرار بالعجز.
وهذا سبيل جميع المجادلين لنا في أمر صاحب زماننا (عليه السلام) ما يلفظون في دفع ذلك وجحوده إلّا بالهذيان والوساوس والخرافات الممّوهة.
وذكر أبو سهل اسماعيل بن عليٍّ النوبختي (209) في آخر كتاب التنبيه: وكثيراً ما يقول خصومنا: لو كان ما تدَّعون من النصِّ حقّاً لادِّعاه علي (عليه السلام) بعد مضيِّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فيقال لهم: كيف يدّعيه فيقيم نفسه مقام مدَّع يحتاج إلى شهود على صحّة دعواه وهم لم يقبلوا قول النبيِّ (عليه السلام) فكيف يقبلون دعواه لنفسه، وتخلّفه عن بيعة أبي بكر ودفنه فاطمة (عليها السلام) من غير أن يعرّفهم جمعياً خبرها حتّى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(209) هو اسماعيل بن عليّ بن اسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، كان شيخ المتكلمين من أصحابنا الإماميّة ببغداد ووجههم، متقدم النوبختيين في زمانه، له جلالة في الدِّين والدنيا، يجري مجرى الوزارء، صنف كتباً كثيرة جملة منها في الرد على أرباب المقالات الفاسدة، وله كتاب الانوار في تواريخ الأئمّة الاطهار (ع). رأى مولانا الحجّة (عليه السلام) عند وفاة أبيه الحسن بن علي (عليهما السلام)، وله احتجاج على الحلاج صار ذلك سبباً لفضيحة الحلاج وخذلانه. (الكنى والالقاب للمحدث القمي ره)
دفنها سرّاً أدلُّ دليل على أنَّه لم يرض بما فعلوه.
فان قالوا: فلم قبلها بعد عثمان؟ قيل لهم: اعطوه بعض ما وجب له فقبله، وكان في ذلك مثل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين قبل المنافقين والمؤلّفة قلوبهم.
وربما قال خصومنا - إذا عضّهم الحجاج(210) ولزمتهم الحجّة في أنَّه لابدّ من إمام منصوص عليه، عالم بالكتاب والسنّة، مأمون عليهما، لا ينساهما ولا يغلط فيها، ولا تجوز مخالفته، واجب الطاعة بنصِّ الأوَّل عليه - فمن هو هذا الإمام سمّوه لنا ودلّونا عليه؟.
فيقال لهم: هذا كلام في الأخبار وهو انتقال من الموضع الّذي تكلمنا فيه لأنّا إنّما تكلّمنا فيما توجبه العقول إذا مضى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهل يجوز أن لا يستخلف وينّص على إمام بالصّفة الّتي ذكرناها؟ فإذا ثبت ذلك بالأدلة فعلينا وعليهم التفتيش عن عين الإمام في كلّ عصر من قبل الأخبار ونقل الشيع النص على عليٍّ (عليه السلام) وهم الآن من الكثرة واختلاف الأوطان والهمم على ما هم عليه يوجب العلم والعمل لاسيّما وليس بإزائهم فرقةٌ تدّعي النصِّ لرجل عبد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غير عليٍّ (عليه السلام)، فإنَّ عارضونا بما يدَّعيه أصحاب زرادشت(211) وغيرهم من المبطلين، قيل لهم: هذه المعارضة تلزمكم في آيات النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإذا انفصلتم بشيء فهو فصلنا لأنّ صورة الشيع في هذا الوقت كصورة المسلمين في الكثرة فانّهم لا يتعارفون وإنّ أسلافهم يجب أن يكونوا كذلك(212) بل أخبار الشيع أوكد لأنّه ليس معهم دولة ولا سيف ولا رهبة ولا رغبة وإنّما تنقل الأخبار الكاذبة لرغبة أو رهبة أو حمل عليها بالدُّول، وليس في أخبار الشيعة شيء من ذلك وإذا صحَّ بنقل الشيعة النصَّ من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على عليٍّ (عليه السلام) صحَّ بمثل ذلك نقلها النصَّ من عليٍّ على الحسن ومن الحسن على الحسين ثمّ على إمام إمام إلى الحسن بن عليٍّ، ثمّ على الغائب الإمام بعده (عليهم السلام) لأنّ رجال أبيه الحسن (عليه السلام) الثقات كلّهم قد شهدوا له بالإمامة، وغاب (عليه السلام) لأنّ السّلطان طلبه طلباً ظاهراً، ووكّل بمنازله وحرمه سنتين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(210) عض الرَّجل بصاحبه يعض عضيضاً أي لزمه (الصحاح).
(211) كناية عن المخالفين للحق. وزرادشت رئيس مذهب المجوس.
(212) في بعض النسخ (وان اسلامهم يجب أن يكون كذلك).
فلو قلت: إنَّ غيبة الإمام (عليه السلام) في هذا العصر من أدلَّ الأدلة على صحّة الإمامة قلت: صدقاً لصدق الأخبار المتقدِّمة في ذلك وشهرتها.
وقد ذكر بعض الشيعة ممّن كان في خدمة الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وأحد ثقاته أنَّ السبب بينه وبين ابن الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) متّصل وكان يخرج من كتبه وأمره ونهيه على يده إلى شيعته إلى أن توّفي وأوصى إلى رجل من الشّيعة مستور فقام مقامه في هذا الأمر.
وقد سألونا في هذه الغيبة(213) وقالوا: إذا جاز أن يغيب الإمام ثلاثين سنة وما أشبهها فما تنكرون من رفع عينه عن العالم؟ فيقال لهم: في ارتفاع عينه ارتفاع الحجّة من الأرض وسقوط الشرائع إذا لم يكن لها من يحفظها. وأما إذا استتر الإمام للخوف على نفسه بأمر الله (عزَّ وجلَّ) وكان له سببٌ معروفٌ متّصل به وكانت الحجّة قائمة إذ كانت عينه موجودة في العالم وبابه وسببه معروفان وإنّما عدم إفتائه وأمره ونهيه ظاهراً وليس في ذلك بطلان للحجة، ولذلك نظائر قد أقام النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الشعب مدة طويلة وكان يدعو النّاس في أوّل أمره سرّاً إلى أن أمِنَ وصارت له فئةٌ وهو في كلّ ذلك نبيٌّ مبعوثٌ مرسلٌ فلم يبطل توقّيه وتستّره من بعض النّاس بدعوته نبوَّته ولا أدحض ذلك حجّته، ثمّ دخل (عليه السلام) الغار فأقام فيه فلا يعرف أحد موضعه ولم يبطل ذلك نبوَّته ولو ارتفعت عينه لبطلت نبوَّته وكذلك الإمام يجوز أن يحبسه السّلطان المدة الطويلة ويمنع من لقائه حتّى لا يفتي ولا يعلم ولا يبيّن، والحجة قائمة ثابتة واجبة وإن لم يفت ولم يبيّن لأنّه موجود العين في العالم، ثابت الذَّات، ولو أنَّ نبيّاً أو إماماً لم يبيّن ويُعلّم ويفت(214) لم تبطل نبوَّته ولا إمامته ولا حجّته، ولو ارتفعت ذاته لبطلت الحجّة، وكذلك يجوز أن يستتر الإمام المدَّة الطويلة إذا خاف ولا تبطل حجّة الله (عزَّ وجلَّ).
فان قالوا: فكيف يصنع من احتاج إلى أن يسأل عن مسالة؟ قيل له: كما كان يصنع والنبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الغار من جاء إليه ليسلم وليتعلّم منه، فإنَّ كان ذلك سائغاً في الحكمة كان هذا مثله سائغاً.
ومن أوضح الأدلة على الإمامة أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) جعل آية النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(213) في بعض النسخ (وقد سألونا في ذلك).
(214) في بعض النسخ (ويقل).
أتى بقصص الأنبياء الماضين (عليهم السلام) وبكلِّ عليم [من] توراة وإنجيل وزبور من غير أن يكون يعلم الكتابة ظاهراً، أو لقى نصرانياً أو يهوديّاً فكان ذلك أعظم آياته، وقتل الحسين بن عليِّ (عليهما السلام) وخلّف عليّ بن الحسين (عليهما السلام) متقارب السنِّ كانت سنّة أقلَّ من عشرين سنة، ثمّ انقبض عن النّاس فلم يلق أحداً ولا كان يلقاه إلّا خواص أصحابه وكان في نهاية العبادة ولم يخرج عنه من العلم إلّا يسيرا لصعوبة الزَّمان وجور بني أمية ثمّ ظهر ابنه محمّد بن علي المسمى بالباقر (عليه السلام) لفتقه العلم(215) فأتى من علوم الدِّين والكتاب والسنّة والسير والمغازي بأمر عظيم، وأتى جعفر بن محمّد (عليهما السلام) من بعده من ذلك بما كثر وظهر وانتشر، فلم يبق فن في فنون العلم إلّا أتى فيه بأشياء كثيرة، وفسر القرآن والسنن، ورويت عنه المغزي وأخبار الأنبياء من غير أن يرى هو وأبوه محمّد بن عليٍّ أو عليُّ بن الحسين (عليهم السلام) عند أحد من رواة العامة أو فقهائهم يتعلمون منهم شيئاً، وفي ذلك أدل دليل على أنّهم إنّما أخذوا ذلك العلم عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ عن عليٍّ (عليه السلام)، ثمّ عن واحد واحد من الأئمة، وكذلك جماعة الأئمّة (عليهم السلام) هذه سنّتهم في العلم(216) يسألون عن الحلال والحرام فيجيبون جوابات متّفقة من غير أن يتعلّموا ذلك من أحد من النّاس، فأي دليل أدل من هذا على إمامتهم وأنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نصبهم وعلّمهم وأودعهم علمه وعلوم الأنبياء (عليهم السلام) قبله، وهل رأينا في العادات من ظهر عنه مثل ما ظهر عن محمّد بن عليٍّ وجعفر بن محمّد (عليهم السلام) من غير أن يتعلّموا ذلك من أحد من الناس.
فان قال قائل: لعلّهم كانوا يتعلّمون ذلك سرّاً، قيل لهم: قد قال مثل ذلك الدّهرية في النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه كان يتعلّم الكتابة ويقرأ الكتاب سرّاً. وكيف يجوز أن يظنَّ ذلك بمحمد بن عليّ وجعفر بن محمّد بن عليّ (عليهم السلام) وأكثر ما أتوا به لا يعرف إلّا منهم، ولا سمع من غيرهم.
وقد سألونا فقالوا: ابن الحسن لم يظهر ظهورا تامّاً للخاصة والعامّة فمن أين علمتم وجوده في العالم؟ وهل رأيتموه أو أخبرتكم جماعة [قد] تواترت أخبارها أنّها شاهدته وعاينته؟
فيقال لهم: إنَّ أمر الدِّين كله بالاستدلال يُعلم، فنحن عرفنا الله (عزَّ وجلَّ) بالأدلة ولم نشاهده، ولا أخبرنا عنه من شاهده، وعرفنا النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(215) في بعض النسخ (لبقره العلم).
(216) في بعض النسخ (سبيلهم في العلم).
ومضى لموته أكثر من مائة سنة وخمسين سنة لا يدعي أحد أنَّه يراه ولا يكاتبه ولا يراسله، ودعواهم أنَّه حيٌّ فيه إكذاب الحواسَّ الّتي شاهدته ميتاً وقد قام بعده عدَّة أئمّة فأتوا من العلوم بمثل ما أتى به موسى (عليه السلام). وليس في دعوانا هذه - غيبة الإمام - إكذاب للحسِّ ولا محال ولا دعوى تنكرها العقول ولا تخرج من العادات وله إلى هذا الوقت مَن يدَّعي من شيعته الثّقات المستورين أنَّه باب إليه وسبب يؤدِّي عنه إلى شيعته أمره ونهيه ولم تطل المدَّة في الغيبة طولاً يخرج من عادات من غاب، فالتصديق بالأخبار يوجب اعتقاد إمامة ابن الحسن (عليه السلام) على ما شرحت وأنّه قد غاب كما جاءت الأخبار في الغيبة فإنها جاءت مشهورة متواترة وكانت الشّيعة تتوقّعها وتترجّاها(221) كما ترجون بعد هذا من قيام القائم (عليه السلام) بالحقِّ وإظهار العدل. ونسأل الله (عزَّ وجلَّ) توفيقاً وصبراً جميلاً برحمته.
وقال أبو جعفر محمّد بن عبد الرَّحمن بن قبة الرَّازيُّ في نقض كتاب الإشهاد لأبي زيد العلويِّ، قال صاحب الكتاب بعد أشياء كثيرة ذكرها لا منازعة فيها: وقالت الزّيديّة والمؤتمّة(222): الحجّة من ولد فاطمة بقول الرَّسول المجمع عليه في حجّة الوداع، ويوم خرج إلى الصلاة في مرضه الّذي توّفي فيه: (أيّها النّاس قد خلّفت فيكم كتاب الله وعترتي إلّا إنّهما لن يفترقا حتّى يردا علىَّ الحوض، إلّا وإنكم لن تضلّوا ما استمستكم بهما). ثمَّ أكد صاحب الكتاب هذا الخبر وقال فيه قولاً لا مخالفة فيه، ثمّ قال بعد ذلك: أنَّ المؤتمّة خالفت الإجماع وادَّعت الإمامة في بطن من العترة ولم توجبها لسائر العترة(223)، ثمّ لرجل من ذلك البطن في كلّ عصر.
فأقول - وبالله الثقة: إنَّ في قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على ما يقول الإماميّة دلالة واضحة وذلك أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي) دلَّ على أنَّ الحجّة من بعده ليس من العجم ولا من سائر قبايل العرب بل من عترته أهل بيته، ثمّ قرن قوله بما دلَّ [به]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(221) في بعض النسخ (تتوخاها).
(222) يعني الإماميّة - الاثنى عشرية -.
(223) يريد أنَّ لفظ العترة عام يشملهم جميعاً فجميع العترة داخل.
على مراده فقال: إلّا وإنها لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض (فأعلمنا أنَّ الحجّة من عترته لا تفارق الكتاب، وإنّا متى تمسّكنا بمن لا يفارق الكتاب لن نضلّ، ومن لا يفارق الكتاب ممّن فرض على الأمة أن يتمسّكوا به، ويجب في العقول أن يكون عالماً بالكتاب مأمونا عليه يعلم ناسخه من منسوخه، وخاصّه من عامه، وحتمه من ندبه، ومحكمه من متشابهه ليضع كلّ شيء من ذلك موضعه الّذي وضعه الله (عزَّ وجلَّ)، لا يقدم مؤخّراً، ولا يؤخّر مقدَّماً. ويجب أن يكون جامعاً لعلم الدِّين كلّه ليمكن التمسّك به والأخذ بقوله فيما اختلفت فيه الأمة وتنازعته من تأويل الكتاب والسنّة، ولأنّه إن بقي منه شيء لا يعلمه لم يمكن التّمسّك به ثمّ متى كان بهذا المحلِّ أيضاً لم يكن مأموناً على الكتاب، ولم يؤمن أن يغلط فيضع النّاسخ منه مكان المنسوخ، والمحكم مكان المتشابه، والندب مكان الحتم، إلى غير ذلك ممّا يكثر تعداده، وإذا كان [هذا] هكذا صار الحجّة والمحجوج سواء، وإذا فسد هذا القول صحَّ ما قالت الإماميّة من أنَّ الحجّة من العترة لا يكون إلّا جامعاً لعلم الدِّين معصوماً مؤتمناً على الكتاب، فإنَّ وجدت الزّيديّة في أئمتها من هذه صفته فنحن أوَّل من ينقاد له، وإن تكن الأخرى فالحقُّ أولى ما اتُّبع.
وقال شيخ من الإماميّة: إنّا لم نقل: إنَّ الحجّة من ولد فاطمة (عليها السلام) قولاً مطلقاً وقلناه بتقييد وشرائط، ولم نحتجَّ لذلك بهذا الخبر فقط بل احتججنا به وبغيره، فأوَّل ذلك أنّا وجدنا النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد خصَّ من عترته أهل بيته أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) بما خصَّ به ودلَّ على جلالة خطرهم وعِظَم شأنهم وعلوِّ حالهم عند الله (عزَّ وجلَّ) بما فعله بهم في الموطن بعد الموطن والموقف بعد الموقف ممّا شهرته تغني عن ذكره بيننا وبين الزّيديّة، ودلَّ الله تبارك وتعالى على ما وصفناه من علو شأنهم بقوله: (إنّما يريد الله ليذهب عنك الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(224) وبسورة هل أتى وما يشاكل ذلك، فلمّا قدم (عليه السلام) هذه الأمور وقرر عند امته أنَّه ليس في عترته من يتقدمهم في المنزلة والرفعة ولم يكن (عليه السلام) ممّن ينسب إلى المحاباة ولا ممّن يولي ويقدم إلّا على الدِّين علمنا أنّهم (عليهم السلام) نالوا ذلك منه استحقاقاً بما خصهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(224) الاحزاب: 33.
به، فلمّا قال بعد ذلك كلّه: (قد خلّفت فيكم كتاب الله وعترتي) علمنا أنَّه عنى هؤلاء دون غيرهم لأنّه لو كان هناك من عترته من له هذه المنزلة لخصّه (عليه السلام) ونبّه على مكانه، ودلَّ على موضعه لئلّا يكون فعله بأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) محاباة، وهذا واضح، والحمد لله، ثمّ دلّنا على أنَّ الإمام بعد أمير المؤمنين الحسن باستخلاف أمير المؤمنين (عليه السلام) إيّاه واتّباع أخيه له طوعاً.
وأمّا قوله: (إنَّ المؤتمّة خالفت الإجماع وادعت الإمامة في بطن من العترة) فيقال له: ما هذا الإجماع السّابق الّذي خالفناه فانّا لا نعرفه، اللّهمّ إلّا أن تجعل مخالفة الإماميّة للزّيديّة خروجاً من الإجماع، فإنَّ كنت إلى هذا تومي فليس يتعذَّر على الإماميّة أن تنسبك إلى مثل ما نسبتها إليه وتدَّعي عليك من الإجماع مثل الّذي ادّعيته عليها، وبعد فأنت تقول: إنَّ الإمامة لا تجوز(225) إلّا لولد الحسن والحسين (عليهما السلام) فبين لنا لم خصصت ولدهما دون سائر العترة لنبيّن لك بأحسن من حجتك ما قلناه، وسيأتي البرهان في موضعه إن شاء الله.
ثم قال صاحب الكتاب: وقالت الزّيديّة: الإمامة جائزة للعترة وفيهم لدلالة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليهم عامّاً لم يخصّص بها بعضاً دون بعض، ولقول الله (عزَّ وجلَّ) لهم دون غيرهم بإجماعهم: (ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا - الآية)(226).
فأقول - وبالله التوفيق -: قد غلط صاحب الكتاب فيما حكى لأنّ الزّيديّة إنّما تجيز الإمامة لولد الحسن والحسين (عليهما السلام)(227) خاصّة، والعترة في اللّغة العمِّ وبنو العم، الأقرب فالأقرب، وما عرف أهل اللّغة قطُّ ولا حكى عنهم أحدٌ أنّهم قالوا: العترة لا تكون إلّا ولد إلّا بنت من ابن العمِّ، هذا شيء تمنته الزّيديّة وخدعت به أنفسنا وتفرَّدت بادِّعائه بلا بيان ولا برهان، لأنّ الّذي تدّعيه ليس في العقل ولا في الكتاب ولا في الخبر ولا في شيء من اللغات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(225) في بعض النسخ (لا تكون).
(226) فاطر: 32، وتمام الآية (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك هو الفضل الكبير).
(227) في منقوله المترجم في كتاب المسمى بنامه دانشوران ج 4 ص 278 (الزّيديّة إنّما تجيز الامامة لولد الحسين (عليه السلام)).
وهذه اللّغة وهؤلاء أهلها فاسألوهم يبيّن لكم أنَّ العترة في اللّغة الأقرب فالأقرب من العمِّ وبني العمِّ.
فان قال صاحب الكتاب: فلم زعمت أنَّ الإمامة لا تكون(228) لفلان وولده، وهم من العترة عندك؟
قلنا له: نحن لم نقل هذا قياساً وإنّما قلناه اتّباعاً لمّا فعله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهؤلاء الثلاثة(229) دون غيرهم من العترة ولو فعل بفلان(230) ما فعله بهم لم يكن عندنا إلّا السّمع والطاعة.
وأمّا قوله: إنَّ الله تبارك وتعالى قال: (ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا - الآية).
فيقال له: قد خالفك خصومك من المعتزلة وغيرهم في تأويل هذه الآية وخالفتك الإماميّة وأنت تعلم من السابق بالخيرات عند الإماميّة، وأقلٌ ما كان يجب عليك - وقد ألفت كتابك هذا لتبيّن الحقّ وتدعو إليه - أن تؤيّد الدَّعوى بحجّة، فإنَّ لم تكن فإقناع، فإنَّ لم يكن فترك الاحتجاج(231) بما لم يمكنك أن تبيّن أنَّه حجّة لك دون خصومك، فإنَّ تلاوة القرآن وادِّعاء تأويله بلا برهان أمرٌ لا يعجز عنه أحدٌ، وقد ادَّعى خصومنا وخصومك أنَّ قول الله (عزَّ وجلَّ): (كنتم خير أمة أخرجت للنّاس - الآية)(232) هم جميع علماء الأمة وأن سبيل علماء العترة وسبيل علماء المرجئة سبيل واحد وأن الإجماع لا يتم والحجة لا تثبت بعلم العترة فهل بينك وبينها فصل؟ وهل تقنع منها بما ادَّعت أو تسألها البرهان؟ فإنَّ قال: بل أسألها البرهان، قيل له: فهات برهانك أوّلاً على أنَّ المعنى بهذه الآية الّتي تلوتها هم العترة، وأنَّ العترة هم الذرّيّة وأنّ الذرية هم ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) دون غيرهم من ولد جعفر وغيره ممّن أمهاتهم فاطميّات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(228) في بعض النسخ (لا تجوز).
(229) يعني امير المؤمنين والسبطين:.
(230) أي لو فعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مثلاً بعباس وولديه عبد الله والفضل ما فعل بهؤلاء الثلاثة لم يكن - الخ.
(231) يعني إن لم تكن حجّة فبدليل اقناعي وان لم يكن دليل اقناعي فترك الاحتجاج بما ليس لك حجّة بل يمكن أن يكون حجّة لخصومك.
(232) آل عمران: 110.
ثم قال: ويقال للمؤتمّة: ما دليلكم على إيجاب الإمامة لواحد دون الجميع وحظرها على الجميع، فإنَّ اعتلّوا بالوراثة والوصيّة، قيل لهم: هذه المغيريّة(233) تدَّعي الإمامة لولد الحسن ثمّ في بطن من ولد الحسن بن الحسن في كلّ عصر وزمان بالوراثة والوصيّة من أبيه وخالفوكم بعد فيما تدّعون كما خالفتم غيركم فيما يدّعي.
فأقول - وبالله الثقة -: الدّليل على أنَّ الإمامة لا تكون إلّا لواحد أنَّ الإمام لا يكون إلّا الأفضل والأفضل يكون على وجهين: إمّا أن يكون أفضل من الجميع أو أفضل من كلّ واحد من الجميع، فكيف كانت القصّة فليس يكون الأفضل إلّا واحداً لأنّه من المحال أن يكون أفضل من جميع الأمة أو من كلّ واحد من الأمة وفي الأمة من هو أفضل منه، فلمّا لم يجز هذا وصحَّ بدليل تعترف الزّيديّة بصحته أنَّ الامام لا يكون إلّا الأفضل صح أنّها لا تكون إلّا لواحد في كلّ عصر، والفصل فيما بيننا وبين المغيريّة سهلٌ واضح قريب والمنّة لله، وهو أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دلَّ على الحسن والحسين (عليهما السلام) دلالة بيّنة وبان بهما من سائر العترة بما خصّهما به ممّا ذكرناه ووصفناه، فلمّا مضى الحسن كان الحسين أحقُّ وأولى بدلالة الحسن لدلالة الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليه واختصاصه إيّاه وإشارته إليه، فلو كان الحسن أوصى بالإمامة إلى ابنه لكان مخالفاً للرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحاشا له من ذلك، وبعد فلسنا نشكُّ ولا نرتاب في أنَّ الحسين (عليه السلام) أفضل من الحسن ابن الحسن بن عليّ والأفضل هو الإمام على الحقيقة عندنا وعند الزّيديّة، فقد تبين لنا بما وصفنا كذب المغيرية وانتقض الأصل الّذي بنوا عليه مقالتهم، ونحن لم نخصَّ عليّ بن الحسين بن عليّ (عليهم السلام) بما خصصناه به محاباة، ولا قلّدنا في ذلك أحداً، ولكنّ الأخبار قرعت سمعنا فيه بما لم تقرع في الحسن بن الحسن.
ودلنا على أنَّه أعلم منه ما نقل(234) من علم الحلال والحرام عنه، وعن الخلف من بعده، وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، ولم نسمع للحسن بن الحسن بشيء يمكننا أن نقابل بينه وبين من سمعناه من علم عليٍّ بن الحسين (عليهما السلام)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(233) المغيرية هم أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي مولى بجيلة الذى خرج بظاهر الكوفة في امارة خالد بن عبد الله القسري فظفر به وأحرقه وأحرق أصحابه سنة 119 كما في تاريخ الطبري وقد تظافرت الروايات بكونه كذاباً وروى الكشى روايات كثيرة في ذمه. وهو وأصحابه أنكروا امامة أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) وقالوا بامامة محمّد ابن عبد الله بن الحسن فلمّا قتل صاروا لا امام لهم ولا وصىّ ولا يثبتون لأحد امامة بعد وفى بعض النسخ المصححة (المفترية) وفى هامشه (اعلم أنَّ الفرق بين المفترية والزيدية أنَّ المفترية لا يقولون بامامة الحسين بعد أخيه الحسن (عليهما السلام) بل يقولون: أنَّ الامام بعد الحسن (عليه السلام) ابنه الحسن المثنى والزيدية قائلون بامامة عليّ بن الحسين من بعد أبيه لكن لم يقولوا بامامة محمّد بن عليّ بن الحسين: بل قائلون بامامة زيد بن عليّ بن الحسين (عليهما السلام) بعد أبيه وأيضاً قائلون بامامة ولد الحسن من كان منهم ادعى الامامة) انتهى. وفي بعض النسخ (المعترية).
(234) في بعض النسخ (ما فضل).
والعالم بالدِّين أحقُّ بالإمامة ممّن لا علم له، فإنَّ كنتم يا معشر الزّيديّة عرفتم للحسن بن الحسن علماً بالحلال والحرام فأظهروه وإن لم تعرفوا له ذلك فتفكروا في قول الله (عزَّ وجلَّ) (أفمن يهدي إلى الحقِّ أحقُّ أن يتبع أمن لا يهدي إلّا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون)(235)، فلسنا ندفع الحسن بن الحسن عن فضل وتقدُّم وطهارة وزكاة وعدالة، والإمامة لا يتمُّ أمرها إلّا بالعلم بالدين والمعرفة بأحكام ربِّ العالمين وبتأويل كتابه، وما رأينا إلى يومنا هذا ولا سمعنا بأحد قالت الزّيديّة بإمامته إلّا وهو يقول في التأويل - أعني تأويل القرآن - على الاستخراج وفي الأحكام على الاجتهاد والقياس، وليس يمكن معرفة تأويل القرآن بالاستنباط(236)، لأنّ ذلك كان ممكنا لو كان القرآن إنّما أنزل بلغة واحدة وكان علماء أهل تلك اللّغة يعرفون المراد، فأمّا القرآن قد نزل بلغات كثيرة، وفيه أشياء لا يعرف المراد منها إلّا بتوقيف مثل الصلاة والزَّكاة والحجِّ(237) وما في هذا الباب منه، وفيه أشياء لا يعرف المراد منها إلّا بتوقيف ممّا نعلم وتعلمون أنَّ المراد منه إنّما عرف بالتّوقيف دون غيره، فليس يجوز حمله على اللّغة لأنك تحتاج أوّلا أن تعلم أنَّ الكلام الّذي تريد أن تتأوله ليس فيه توقيف أصلاً، لا في جمله ولا في تفصيله.
فان قال منهم قائلٌ: لم ينكر أن يكون ما كان سبيله أن يعرف بالتوقيف فقد وقف الله رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وما كان سبيله أن يستخرج فقد وكّل إلى العلماء وجعل بعض القرآن دليلاً على بعض فاستغنينا بذلك عمّا تدَّعون من التوقيف والموقّف.
قيل له: لا يجوز أن يكون ذلك على ما وصفتم لأنّا نجد للآية الواحدة تأويلين متضادِّين كلّ واحد منهما يجوز في اللّغة ويحسن أن يتعبد الله به، وليس يجوز أن يكون للمتكلم الحكيم كلام يحتمل مرادين متضادين.
فان قال: ما ينكر أن يكون في القرآن دلالة على أحد المرادين وأن يكون العلماء بالقرآن متى تدّبروه علموا المراد بعينه دون غيره.
فيقال للمعترض بذلك: أنكرنا هذا الّذي وصفته لأمر نخبرك به:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(235) يونس: 35.
(236) في بعض النسخ (بالاستخراج).
(237) يعنى لفظ (الصلاة) و(الزكاة) و(الحج).
ليس تخلو تلك الدّلالة الّتي في القرآن على أحد المرادين من أن تكون محتملة للتأويل أو غير محتملة فإنَّ كانت محتملة للتأويل فالقول فيها كالقول في هذه الآية وإن كانت لا تحتمل التأويل فهي إذا توقيف ونصٌّ على المراد بعينه ويجب أن لا يشكل على أحد علم اللّغة معرفة المراد، وهذا ما لا تنكره العقول، وهو من فعل الحكيم جائز حسن، ولكنّا إذا تدبّرنا آي القرآن لم نجد هكذا ووجدنا الاختلاف في تأويلها قائماً بين أهل العلم بالدين واللّغة، ولو كان هناك آياتٌ تفسّر آيات تفسيراً لا يحتمل التأويل لكان فريق من المختلفين في تأويله من العلماء باللغة معاندين، ولأمكن كشف أمرهم بأهون السعي، ولكان من تأوَّل الآية خارجاً من اللّغة ومن لسان أهلها، لأنَّ الكلام إذا لم يحتمل التأويل فحملته على ما لا يحتمله خرجت عن اللّغة الّتي وقع الخطاب بها، فدلّونا يا معشر الزّيديّة على آية واحدة اختلف أهل العلم في تأويلها في القرآن ما يدلُّ نصّاً وتوقيفاً على تأويلها، وهذا أمر متعذِّرٌ وفي تعذُّره دليلٌ على أنَّه لابدّ للقرآن من مترجم يعلم مراد الله تعالى فيخبر به، وهذا عندي واضحٌ.
ثم قال صاحب الكتاب: وهذه الخطّابيّة يدعي الإمامة لجعفر بن محمّد من أبيه (عليهما السلام) بالوراثة والوصيّة، ويقفون على رجعته، ويخالفون كلّ من قال بالإمامة ويزعمون إنّكم وافقتموهم في إمامة جعفر (عليه السلام) وخالفوكم فيمن سواه.
فأقول - وبالله الثقة -: ليس تصحُّ الإمامة بموافقة موافق ولا مخالفة مخالف وإنّما تصحُّ بأدلة الحق وبراهينه وأحسب أنَّ صاحب الكتاب غلط والخطابيّة قومٌ غلاة، وليس بين الغلوِّ والإمامة(238) نسبة، فإنَّ قال: فانّي أردت الفرقة الّتي وقفت عليه(239) قيل له: فيقال لتلك الفرقة: نعلم أنَّ الإمام بعد جعفر موسى بمثل ما علمتم أنتم به أنَّ الإمام بعد محمّد بن عليٍّ جعفر، ونعلم أنَّ جعفراً مات كما نعلم أنَّ أباه مات والفصل بيننا وبينكم هو الفصل بينكم وبين السبائيّة والواقفة على أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فقولوا كيف شئتم(240).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(238) في بعض النسخ (والامامية).
(239) يعني عليّ جعفر بن محمّد (عليهما السلام).
(240) يعني كلّ ما قلتم في رد السبائية فنحن عارضناكم بمثله.
ويقال لصاحب الكتاب: وأنت فما الفصل بينك وبين من اختار الإمامة لولد العبّاس وجعفر وعقيل أعني لأهل العلم والفضل منهم واحتجَّ باللغة في أنّهم من عترة الرَّسول، وقال: أنَّ الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عمَّ جميع العترة ولم يخص إلّا ثلاثة(241) هم أمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم عرّفناه وبين لنا.
ثمَّ قال صاحب الكتاب: وهذه الشمطيّة تدَّعي إمامة عبد الله بن جعفر بن محمّد من أبيه(242) بالوراثة والوصيّة وهذه الفطحيّة تدَّعي إمامة إسماعيل بن جعفر(243) عن أبيه بالوراثة والوصيّة، وقبل ذلك [إنـّ]ـما قالوا بإمامة عبد الله بن جعفر ويسمّون اليوم إسماعيليّة لأنّه لم يبق للقائلين بإمامة عبد الله بن جعفر خلف ولا بقيّة، وفرقة من الفطحيّة يقال لهم: القرامطة(244) قالوا بإمامه محمّد بن إسماعيل بن جعفر بالوراثة والوصية. وهذه الواقفة على موسى بن جعفر تدَّعي الإمامة لموسى وترتقب لرجعته.
وأقول: الفرق بيننا وبين هؤلاء سهلٌ واضح قريب:
أما الفطحية فالحجّة عليها أوضح من أن تخفى لأنّ إسماعيل مات قبل أبي عبد الله (عليه السلام)، والميّت لا يكون خليفة الحيِّ، وإنّما يكون الحيُّ خليفة الميّت، ولكنَّ القوم عملوا على تقليد الرؤساء وأعرضوا عن الحجّة وما في بابها. وهذا أمر لا يحتاج فيه على إكثار لأنّه ظاهر الفساد، بين الانتقاد.
وأما القرامطة فقد نقضت الإسلام حرفاً حرفاً، لأنّها أبطلت أعمال الشريعة وجاءت بكلِّ سوفسطائية، وإنَّ الإمام إنّما يحتاج إليه للدِّين وإقامة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(241) كذا. وفي هامش بعض النسخ: الظاهر (ولم يخص بالثلاثة). أقول: ويمكن أن يكون (إلّا) في قوله (إلّا ثلاثة) زائداً من سهو النساخ..
(242) كذا. وفى فرق الشيعة للنوبختي (السمطية هم الّذين جعلوا الامامة في محمّد ابن جعفر وولده من بعده وهذه الفرقة تسمى) السمطية (نسبة إلى رئيس لهم يقال له يحيى ابن أبي السميط) انتهى. وفي المحكى عن المقريزي يحيى بن شميط الاحمسي ويذكر أنَّه كان قائداً من قواد مختار بن أبي عبيدة الثقفي (والظاهر التعدد لتقدم المختار عن محمّد بتسعين سنة.
(243) كذا. وفي كتاب النوبختي الفطحية فرقة يقولون بامامة عبد الله بن جعفر وسموا بذلك لأنّ عبد الله كان أفطح الرأس، وقال بعضهم: كان أفطح الرجلين، وقال بعض الرواة: نسبوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له: عبد الله بن فطيح.
(244) هم فرقة من المباركية وإنّما سموا بهذا برئيس لهم من أهل السواد من الانباط كان يلقب (قرمطويه) كانوا في الأصل على مقالة المباركية ثمّ خالفوهم فقالوا: لا يكون بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلّا سبعة أئمّة عليّ بن ابي طالب إلى جعفر بن محمّد ثمّ محمّد بن اسماعيل وهو الامام القائم المهدي وهو رسول. وزعموا أنَّ النبيّ انقطعت عنه الرسالة في حياته في اليوم الّذي امر فيه بنصب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) للنّاس في غدير خم، فصارت الرسالة في ذلك اليوم في عليّ بن أبي طالب، واعتلوا في ذلك بقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (من كنت مولاه فهذا على مولاه) وأن هذا القول منه خروج من الرسالة والنبوة والتسليم منه في ذلك لعلي (عليه السلام) بامر الله عزّ وجلّ وأن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد ذلك كان مأموماً لعلي محجوجاً به. (قال النوبختي) وفي تلبيس ابليس لابن الجوزي تحقيق لسبب تسمية القرامطة بهذا الاسم.
حكم الشريعة فإذا جاءت القرامطة تدَّعي أنَّ جعفر بن محمّد أو وصيّه استخلف رجلاً دعا إلى نقض الإسلام والشريعة والخروج عمّا عليه طبايع الأمة لم نحتج في معرفة كذبهم إلى أكثر من دعواهم المتناقض الفاسد الرَّكيك.
وأما الفصل بيننا وبين سائر الفرق فهو أنَّ لنا نقله أخبار وحملة آثار قد طبقوا البلدان كثرة، ونقلوا عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) من علم الحلال والحرام ما يعلم بالعادة الجارية والتجربة الصحيحة أنَّ ذلك كله لا يجوز أن يكون كذباً مولداً، وحكوا مع نقل ذلك عن أسلافهم أنَّ أبا عبد الله (عليه السلام) أوصى بالإمامة إلى موسى (عليه السلام)، ثمّ نقل إلينا من فضل موسى (عليه السلام) وعلمه ما هو معروف عند نقله الأخبار، ولم نسمع لهؤلاء بأكثر من الدَّعوى وليس سبيل التواتر وأهله سبيل الشذوذ وأهله، فتأمَّلوا الأخبار الصادقة تعرفوا بها فصل ما بين موسى (عليه السلام) ومحمّد وعبد الله بني جعفر، وتعالوا نمتحن هذا الأمر بخمس مسائل من الحلال والحرام ممّا قد أجاب فيه موسى (عليه السلام) فإنَّ وجدنا لهذين فيه جواباً عند أحد من القائلين بإمامتهما فالقول كما يقولون، وقد روت الإماميّة أنَّ عبد الله بن جعفر سئل كم في مائتي درهم؟ قال: خمسة دراهم، قيل له: وكم في مائة درهم؟ فقال: درهمان ونصف(245).
ولو أنَّ معترضا اعترض على الإسلام وأهله فادَّعى أنَّ ههنا من قد عارض القرآن(246) وسألنا أن نفصل بين تلك المعارضة والقرآن، لقلنا له: أمّا القرآن فظاهر، فأظهر تلك المعارضة حتّى نفصل بينها وبين القرآن. وهكذا نقول لهذه الفرق، أمّا أخبارنا فهي مرويّة محفوظة عند أهل الأمصار من علماء الإماميّة فأظهروا تلك الأخبار الّتي تدَّعونها حتّى نفصل بينها وبين أخبارنا، فأمّا أن تدَّعوا خبراً لم يسمعه سامع ولا عرفه أحدٌ ثمّ تسألونا الفصل بين [هذا] الخبر فهذا مالا يعجز عن دعوى مثله أحدٌ، ولو أبطل مثل هذه الدعوى أخبار أهل الحقِّ من الإماميّة لإبطال مثل هذه الدَّعوى من البراهمة أخبار المسلمين، وهذه واضح ولله المنة.
وقد ادَّعت الثنوية أنَّ ماني أقام المعجزات وأنَّ لهم خبراً يدلُّ على صدقهم، فقال لهم الموحّدون: هذه دعوى لا يعجز عنها أحدٌ فأظهروا الخبر لندلكم على أنَّه لا يقطع عذرا ولا يوجب حجّة، وهذا شبيه بجوابنا لصاحب الكتاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(245) يعني لم يعلم عبد الله أنَّ نصاب الدرهم في الزكاة مائتان، ولا زكاة فيما دون ذلك فأجاب في المسألة بالقياس وأخطأ.
(246) يعني ادعى أنَّه جاء رجل وأتى بمثل هذا القرآن.
ويقال لصاحب الكتاب: قد ادَّعت البكرية والإباضيّة(247) أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نصّ على أبي بكر وأنكرت أنت ذلك كما أنكرنا نحن أنَّ أبا عبد الله (عليه السلام) أوصى إلى هذين، فبيّن لنا حجتك ودلنا على الفصل بينك وبين البكرية والإباضية لندلك بمثله على الفصل بيننا وبين من سميّت.
ويقال لصاحب الكتاب: أنت رجلٌ تدَّعى أنَّ جعفر بن محمّد كان على مذهب الزّيديّة وإنّه لم يدع الإمامة من الجهة الّتي تذكرها الإماميّة وقد ادَّعى القائلون بإمامة محمّد بن إسماعيل بن جعفر بن محمّد خلاف ما تدَّعيه أنت وأصحابك ويذكرون أنَّ أسلافهم رووا ذلك عنه فعرَّفنا الفصل بينكم وبينهم لنأتيك بأحسن منه، وأنصف من نفسك فإنّه أولى بك.
وفرق آخر: وهو أنَّ أصحاب محمّد بن جعفر وعبد الله بن جعفر معترفون بأنَّ الحسين نصَّ على عليٍّ وأنَّ عليّاً نصّ محمّد وأنّ محمّداً نصّ علي جعفر ودليلنا أنَّ جعفراً نصَّ على موسى (عليهم السلام) هو بعينه دون غيره دليل هؤلاء على أنَّ الحسين نص على عليٍّ، وبعد فإنَّ الإمام إذا كان ظاهراً واختلف إليه(248) شيعته ظهر علمه وتبيّن معرفته بالدِّين، ووجدنا رواة الأخبار وحملة الآثار قد نقلوا عن موسى من علم الحلال والحرام ما هو مدوّن مشهور، وظهر من فضله في نفسه ما هو بيّن عند الخاصّة والعامّة وهذه هي أمارات الإمامة فلمّا وجدناها لموسى دون غيره علمنا أنَّه الإمام بعد أبيه دون أخيه.
وشيءٌ آخر: وهو أنَّ عبد الله بن جعفر مات ولم يعقب ذكراً ولا نصَّ على أحد فرجع القائلون بإمامته عنها إلى القول بإمامة موسى (عليه السلام) والفصل بعد ذلك بين أخبارنا وأخبارهم هو أنَّ الأخبار لا توجب العلم حتّى يكون في طرقه وواسطته قوم يقطعون العذر إذا أخبروا، ولسنا نشاحُّ(249) هؤلاء في أسلافهم بل نقتصر على أن يوجدونا في دهرنا من حملة الأخبار ورواة الآثار ممّن يذهب مذهبهم عدداً يتواتر بهم الخبر كما نوجدهم نحن ذلك، فإنَّ قدروا على هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(247) الاباضية: فرفة من الخوارج أصحاب عبد الله بن اباض التميمي.
(248) يعني بالاختلاف الاياب والذهاب.
(249) أي لا ننازع.
فليظهروه، وإن عجزوا فقد وضح الفرق بيننا وبينهم في الطرف الّذي يلينا ويليهم(250) وما بعد ذلك موهوب لهم وهذا واضح والحمد لله.
وأمّا الواقفة على موسى (عليه السلام) فسبيلهم سبيل الواقفة على أبي عبد الله (عليه السلام)، ونحن فلم نشاهد موت أحد من السلف وإنّما صحَّ موتهم عندنا بالخبر فإنَّ وقف واقف على بعضهم سألناه الفصل بينه وبين من وقف على سائرهم وهذا مالا حيلة لهم فيه.
ثمَّ قال صاحب الكتاب: ومنهم فرقة قطعت على موسى وائتمّوا بعده بابنه عليٍّ ابن موسى (عليهما السلام) دون سائر ولد موسى (عليه السلام) وزعموا أنَّه استحقّها بالوراثة والوصيّة، ثمّ في ولده حتّى انتهوا إلى الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) فادَّعوا له ولداً وسمّوه الخلف الصالح فمات قبل أبيه(251)، ثمّ إنّهم رجعوا إلى أخيه الحسن وبطل في محمّد ما كانوا توهّموا - وقالوا: بدا لله من محمّد إلى الحسن كما بدا له من إسماعيل بن جعفر إلى موسى وقد مات إسماعيل في حياة جعفر - إلى أن مات الحسن بن عليٍّ في سنة ثلاث وستّين ومأتين فرجع بعض أصحابه إلى إمامة جعفر بن عليّ، كما رجع أصحاب محمّد بن - عليٍّ بعد وفاة محمّد إلى الحسن، وزعم بعضهم أنَّ جعفر بن عليّ استحقَّ الامامة من أبيه عليّ بن محمّد بالوراثة والوصيّة دون أخيه الحسن، ثمّ نقلوها في ولد جعفر بالوراثة والوصيّة، وكل هذه الفرق يتشاحون على الإمامة ويكفر بعضهم بعضا، ويكذب بعضهم بعضاً، ويبرأ بعضهم من إمامة بعض، وتدَّعي كلُّ فرقة الإمامة لصاحبها بالوراثة والوصيّة وأشياء من علوم الغيب، الخرافات أحسن منها ولا دليل لكلِّ فرقة فيما تدَّعي وتخالف الباقين غير الوراثة والوصيّة، دليلهم شهادتهم لأنفسهم دون غيرهم قولاً بلا حقيقة ودعوى بلا دليل، فإنَّ كان ههنا دليل فيما يدَّعي كلُّ طائفة غير الوراثة والوصيّة وجب إقامته وإن لم يكن غير الدَّعوى للامامة بالوراثة والوصيّة فقد بطلت الامامة لكثرة من يدعيها بالوراثة والوصيّة ولا سبيل إلى قبول دعوى طائفة دون الاُخرى إن كانت الدَّعوى واحدة، ولا سيّما وهم في إكذاب بعضهم بعضاً مجتمعون، وفيما يدعى كلّ فرقة منهم منفردون.
فأقول - والله الموفّق للصواب -: لو كانت الامامة تبطل لكثرة من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(250) في بعض النسخ (بيننا وبينهم).
(251) في بعض النسخ بعد قوله: (وسموه الخلف الصالح) هكذا (ومنهم فرقة قالت بامامة محمّد بن عليّ فمات قبل أبيه ثمّ أنّهم رجعوا إلى أخيه الحسن - الخ).
يدَّعيها لكان سبيل النبوَّة سبيلها، لأنّا نعلم أنَّ خلقاً قد ادّعاها، وقد حكى صاحب الكتاب عن الإماميّة حكايات مضطربة وأوهم أنَّ تلك مقالة الكل وأنّه ليس فيهم إلّا من يقول بالبداء.
ومن قال: إنَّ الله يبدو له من إحداث رأي وعلم مستفاد فهو كافر بالله. وما كان غير هذا فهو قول المغيريّة، ومن ينحل للائمة علم الغيب. فهذا كفرٌ بالله، وخروج عن الاسلام عندنا.
وأقلُّ ما كان يجب عليه أن يذكر مقالة أهل الحقِّ، وأن لا يقتصر على أنَّ القوم اختلفوا حتّى يدلّ على أنَّ القول بالامامة فاسدٌ.
وبعد فإنَّ الامام عندنا يعرف من وجوه سنذكرها ثمّ نعتبر ما يقول هؤلاء، فإنَّ لم نجد بيننا وبينهم فصلاً حكمنا بفساد المذهب، ثمّ عدنا نسأل صاحب الكتاب عن أنَّ أيّ قول هو الحقُّ من بين الأقاويل:
أمّا قوله: (إنَّ منهم فرقة قطعت على موسى وائتمّوا بعده بابنه عليِّ بن موسى) فهو قول رجل لا يعرف أخبار الإماميّة(252) لأنّ كلّ الإماميّة - إلّا شرذمة وقفت وشذوذ قالوا بامامة إسماعيل وعبد الله بن جعفر - قالوا بامامة عليّ بن موسى ورووا فيه ما هو مدون في الكتب، وما يذكر من حملة الأخبار ونقلة الاثار خمسة مالوا إلى هذه المذاهب في أول حدوث الحادث، وإنّما كثر من كثر منهم بعد، فكيف استحسن صاحب الكتاب أن يقول: (ومنهم فرقة قطعت على موسى)؟ وأعجب من هذا قوله (حتّى انتهوا إلى الحسن فادَّعوا له ابنا) وقد كانوا في حياة عليَّ بن محمّد وسموا للامامة ابنه محمّداً إلّا طائفة من أصحاب فارس بن حاتم، وليس يحسن بالعاقل أن يشنع على خصمة بالباطل الّذي لا أصل له.
والّذي يدلُّ على فساد قول القائلين بامامة محمّد هو بعينه ما وصفناه في باب إسماعيل ابن جعفر لأنّ القصّة واحدة وكلُّ واحد منهما مات قبل أبيه، ومن المحال أن يستخلف الحيُّ الميّت ويوصي إليه بالامامة، وهذا أبين فساداً من أن يحتاج في كسره إلى كثرة القول.
والفصل بيننا وبين القائلين بامامة جعفر أنَّ حكاية القائلين بامامته عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(252) في بعض النسخ (أخبار النّاس).
اختلفت وتضادَّت لأنّ منهم ومنّا من حكى عنه أنَّه قال: (إنّي إمام بعد أخي محمّد) ومنهم من حكى عنه أنَّه قال: (إنّي إمام بعد أخي الحسن) ومنهم من قال: إنَّه قال: (إنّي إمام بعد أبي عليّ بن محمّد).
وهذه أخبار كما ترى يكذِّب بعضها بعضاً، وخبرنا في أبي محمّد الحسن بن عليٍّ خبر متواتر لا يتناقض وهذا فصل بيّن، ثمّ ظهر لنا من جعفر ما دلّنا على أنَّه جاهل، بأحكام الله (عزَّ وجلَّ) وهو أنَّه جاء يطالب أمَّ أبي محمّد بالميراث وفي حكم آبائه (أنَّ الاخ لا يرث مع الاُم) فإذا كان جعفر لا يحسن هذا المقدار من الفقه حتّى تبيّن فيه نقصه وجهله، كيف يكون إماماً؟ وإنّما تعبّدنا الله بالظاهر من هذه الامور ولو شئنا أن نقول لقلنا وفيما ذكرناه كفاية ودلالة على أنَّ جعفرا ليس بامام.
وأما قوله: (إنّهم ادّعوا للحسن ولداً) فالقوم لم يدَّعوا ذلك إلّا بعد أن نقل إليهم أسلافهم حاله وغيبته وصورة أمره واختلاف النّاس فيه عند حدوث ما يحدث، وهذه كتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر.
وأما قوله: (أنَّ كلّ هذه الفرق يتشاحّون(253) ويكفّر بعضهم بعضاً) فقد صدق في حكايته وحال المسلمين في تكفير بعضهم بعضاً هذه الحال، فليقل كيف أحبَّ، وليطعن كيف شاء، فإنَّ البراهمة تتعلّق به فتطعن بمثله في الإسلام من سأل خصمه عن مسألة يريد بها نقض مذهبه إذا ردَّت عليه كان فيها من نقض مذهبه مثل الّذي قدر أن يلزمه خصمه، فإنّما هو رجل يسأل نفسه وينقض قوله، وهذه قصّة صاحب الكتاب، والنبوَّة أصلٌ والامامة فرع فإذا أقرَّ صاحب الكتاب بالأصل لم يحسن به أن يطعن في الفرع بما رجع على الأصل والله المستعان.
ثمَّ قال: ولو جازت الامامة بالوراثة والوصيّة لمن يدعى له بلا دليل متفق عليه لكانت المغيرية أحق بها للاجماع الكل معها على إمامة الحسن بن عليّ الّذي هو أصلها المستحق للامامة من أبيه بالوراثة والوصيّة وامتناعها بعد إجماع الكل معها على إمامة الحسن من إجازتها لغيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(253) أي يتنازعون. وتشاح القوم أو الخصمان في الجدل: أراد كلّ أن يكون هو الغالب.
هذا مع اختلاف المؤتمّة في دينهم، منهم من يقول بالجسم، ومنهم من يقول بالتناسخ. ومنهم من تجرّد التوحيد ومنهم من يقول بالعدل ويثبت الوعيد، ومنهم من يقول بالقدر ويبطل الوعيد. ومنهم من يقول بالرُّؤية، ومنهم من ينفيها مع القول بالبداء، وأشياء يطول الكتاب بشرحها، يكفّر بها بعضهم بعضاً ويتبرّأ بعضهم من دين بعض ولكلِّ فرقة من هذه الفرق بزعمها رجال ثقات عند أنفسهم، أدُّوا إليهم عن أئمّتهم ما هم متمسّكون به.
ثمَّ قال صاحب الكتاب: وإذا جاز كذا جاز كذا، شيء لا يجوز عندنا ولم نأت بأكثر من الحكاية، فلا معنى لتطويل الكتاب بذكر ما ليس فيه حجّة ولا فائدة.
فأقول - وبالله الثّقة لو كان الحقُّ لا يثبت إلّا بدليل متّفق عليه ما صحَّ حقٌّ أبداً ولكان أوّل مذهب يبطل مذهب الزّيديّة لأنّ دليلها ليس بمتّفق عليه، وأمّا ما حكاه عن المغيريّة فهو شيء أخذته عن اليهود لأنّها تحتجُّ أبداً بإجماعنا وإيّاهم على نبوَّة موسى (عليه السلام) ومخالفتهم إيّانا في نبوَّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وأما تعييره إيّانا بالاختلاف في المذاهب وبأنّه كلُّ فرقة منّا تروي ما تديّن به عن أمامها، فهو مأخوذ من البراهمة لأنّها تطعن به - بعينه دون غيره - على الإسلام ولولا الإشفاق من أن يتعلّق بعض هؤلاء المجان(254) بما أحكيه عنهم لقلت كما يقولون.
والإمامة - أسعدكم الله - إنّما تصحُّ عندنا بالنصِّ وظهور الفضل والعلم بالدِّين مع الإعراض عن القياس والاجتهاد في الفرائض السمعيّة وفي فروعها ومن هذا الوجه عرفنا إمامة الامام، وسنقول في اختلاف الشيعة قولاً مقنعاً.
قال صاحب الكتاب: ثمّ لم يخل اختلافهم من أن يكون مولّداً من أنفسهم أو من عند الناقلين إليهم أو من عند أئمّتهم، فإنَّ كان اختلافهم من قبل أئمّتهم فالامام من جمع الكلمة، لا من كان سبباً للاختلاف بين الاُمّة لاسيّما وهم أولياؤه دون أعدائه، ومن لا تقيّة بينهم وبينه، وما الفرق بين المؤتمّة والاُمّة إذ كانوا(255) مع أئمّتهم وحجج الله عليهم في أكثر ما عابوا على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(254) مجن الشيء غلظ وصلب. مزح وقل حياء، كانه صلب وجهه فهو ما جن والجمع مجان، وفيء بعض النسخ (الفجار) وفى بعضها (المخالفين). والاشفاق: الخوف.
(255) في بعض النسخ (بين المؤتمة والأئمة إذا كانوا).
الاُمّة التي لا إمام لها من المخالفة في الدِّين وإكفار بعضهم بعضاً، وإن يكن اختلافهم من قبل الناقلين إليهم دينهم فما يؤمنهم من أن يكون هذا سبيلهم معهم فيما ألقوا إليه من الامامة، لا سيّما إذا كان المدّعى له الامامة معدوم العين غير مرئِّي الشخص، وهو حجّة عليهم فيما يدعون لامامهم من علم الغيب إذا كان خيرته والتراجمة بينه وبين شيعته كذَّا بين يكذبون عليه، ولا علم له بهم، وإن يكن اختلاف المؤتمّة في دينها من قبل أنفسها دون أئمّتها فما حاجة المؤتمّة إلى الأئمّة إذ كانوا بأنفسهم مستغنين وهو بين أظهرهم ولا ينهاهم وهو التراجمان لهم من الله والحجّة عليهم؟ هذا أيضاً من أدل الدّليل على عدمه وما يدّعى من علم الغيب له، لأنّه لو كان موجوداً لم يسعه ترك البيان لشيعته كما قال الله (عزَّ وجلَّ): (وما أنزلنا عليك الكتاب إلّا لتبيّن لهم الّذي اختلفوا فيه - الآية)(256) فكما بيّن الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لاُمّته وجب على الامام مثله لشيعته.
فأقول - وبالله الثّقة -: إنَّ اختلاف الإماميّة إنّما هو من قبل كذَّا بين دلسوا أنفسهم فيهم في الوقت بعد الوقت، والزَّمان بعد الزَّمان، حتّى عظم البلاء، وكان أسلافهم قوم يرجعون إلى ورع واجتهاد وسلامة ناحية، ولم يكونوا أصحاب نظر وتميز فكانوا إذا رأوا رجلاً مستوراً يروي خبراً أحسنوا به الظنَّ وقبلوه، فلمّا كثر هذا وظهر شكوا إلى أئمّتهم فأمرهم الأئمّة (عليهم السلام) بأن يأخذوا بما يجمع عليه فلم يفعلوا وجروا على عادتهم، فكانت الخيانة من قبلهم لا من قبل أئمّتهم، والامام أيضاً لم يقف على كلّ هذه التخاليط الّتي رويت لأنّه لا يعلم الغيب(257)، وإنّما هو عبد صالح يعلم الكتاب والسنّة، ويعلم من أخبار شيعته ما يُنهى إليه.
وأما قوله (فما يؤمنهم أن يكون هذا سبيلهم فيما ألقوا إليهم من أمر الامامة) فإنَّ الفصل بين ذلك أنَّ الامامة تنقل إليهم بالتواتر، والتواتر لا ينكشف عن كذب وهذه الأخبار فكلُّ واحد منها إنّما خبر واحد لا يوجب خبره العلم وخبر الواحد قد يصدق ويكذب وليس هذا سبيل التواتر. هذا جوابنا وكلُّ ما أتى به سوى هذا فهو ساقط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(256) النحل: 66.
(257) أي لا يعلمه بذاته ومن عند نفسه بل يعلم الغيب من جانب الله تعالى متى أراد إذا أراد الله أن يعلمه.
ثم يقال له: أخبرنا عن اختلاف الأمة هل تخلوا من الأقسام الّتي قسمتها؟ فإذا قال: لا، قيل له: أفليس الرَّسول إنّما بعث لجمع الكلمة؟ فلابدَّ من نعم، فيقال له: أو ليس قد قال الله (عزَّ وجلَّ): (وما أنزلنا عليك الكتاب إلّا لتبيّن لهم الذي اختلفوا فيه)؟ فلابدَّ من نعم، فيقال له: فهل بين؟ فلابدَّ من نعم، فيقال له: فما سبب الاختلاف عرَّفناه واقنع منّا بمثله.
وأما قوله: (فما حاجة المؤتمّة إلى الأئمّة إذ كانوا بأنفسهم مستغنين وهو بين أظهرهم لا ينهاهم - إلى آخر الفصل) فيقال له: أولى الأشياء بأهل الدِّين الإنصاف أي قول قلناه؟ وأومأنا به إلى أنّا بأنفسنا مستغنين حتّى يقرعنا به صاحب الكتاب ويحتجُّ علينا أو أيُّ حجّة توجّهت له علينا توجب ما أوجبه؟ ومن لم يبال بأيِّ شيء قابل خصومه كثرت مسائله وجواباته.
وأما قوله: (وهذا من أدلّ دليل على عدمه لأنّه لو كان موجوداً لم يسعه ترك البيان لشيعته كما قال الله (عزَّ وجلَّ): (وما أنزلنا عليك الكتاب إلّا لتبيّن لهم الّذي اختلفوا فيه) فيقال لصاحب الكتاب: أخبرنا عن العترة الهادية يسعهم أن لا يبيّنوا للأمة الحقّ كلّه؟ فإن قال: نعم حجّ نفسه وعاد كلامه وبالا عليه لأنّ الاُمّة قد اختلفت وتباينت وكفّر بعضها بعضاً، فإنَّ قال: لا، قيل: هذا من أدلّ دليل على عدم العترة وفساد ما تدَّعيه الزّيديّة لأنّ العترة لو كانوا كما تصف الزّيديّة لبيّنوا للامة ولم يسعهم السكوت والإمساك، كما قال الله (عزَّ وجلَّ): (وما أنزلنا عليك الكتاب إلّا لتبيّن لهم الّذي اختلفوا فيه) فإن ادَّعى أنَّ العترة قد بيّنوا الحقّ للاُمّة غير أنَّ الاُمّة لم تقبل ومالت إلى الهوى، قيل له: هذا بعينه قول الإماميّة في الامام وشيعته. ونسأل الله التوفيق.
ثم قال صاحب الكتاب: ويقال لهم (لم) استتر إمامكم عن مستر شده؟ فإنَّ قالوا: تقية على نفسه، قيل لهم: فالمسترشد أيضاً يجوز له أن يكون في تقيّة من طلبه لاسيّما إذا كان المسترشد يخاف ويرجو ولا يعلم ما يكون قبل كونه فهو في تقية، وإذا جازت التقيّة للامام فهي للمأموم أجوز، وما بال الامام في تقيّة من أرشادهم وليس هو في تقيّة من تناول أموالهم والله
يقول: (اتبعوا من لا يسألكم أجرا - الآية)(258) وقال: أنَّ كثيراً من الاحبار والرهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل ويصدون عن سبيل الله)(259) فهذا ممّا يدلُّ على أنَّ أهل الباطل عرض الدُّنيا يطلبون، والّذين يتمسّكون بالكتاب لا يسألون النّاس أجراً وهم مهتدون. ثمّ قال: وإن قالوا كذا قيل كذا فشيء لا يقوله إلّا جاهل منقوص.
والجواب عمّا سأل: أنَّ الامام لم يستتر عن مسترشده إنّما استتر خوفاً على نفسه من الظالمين. فأمّا قوله: (فإذا جازت التقيّة للامام فهي للمأموم أجوز) فيقال له: إن كنت تريد أنَّ المأموم يجوز له أن يتقي من الظالم ويهرب عنه متى خاف على نفسه كما جاز للامام فهذا لعمري جائز، وإن كنت تريد أنَّ المأموم يجوز له أن لا يعتقد إمامة الامام للتقية فذلك لا يجوز إذا قرعت الأخبار سمعه وقطعت عذره، لأنّ الخبر الصحيح يقوم مقام العيان وليس على القلوب تقيّة، ولا يعلم ما فيها إلّا الله.
وأما قوله: (وما بال الامام في تقيّة من إرشادهم وليس في تقيّة من تناول أموالهم والله يقول: (اتّبعوا من لا يسألكم أجراً) فالجواب عن ذلك إلى آخر الفصل يقال له: أنَّ الامام ليس في تقيّة من إرشاد من يريد الإرشاد وكيف يكون في تقيّة وقد بيّن لهم الحقّ وحثّهم عليه، ودعاهم إليه، وعلّمهم الحلال والحرام حتّى شهروا بذلك وعرفوا به، وليس يتناول أموالهم وإنّما يسألهم الخمس الّذي فرضه الله (عزَّ وجلَّ) ليضعه حيث أمر أن يضعه، والّذي جاء بالخمس هو الرَّسول وقد نطق القرآن بذلك قال الله (عزَّ وجلَّ): (واعلموا أنّما غنمتم من شيء فإنَّ لله خمسه - الآية)(260) وقال: (خذ من أموالهم صدقة - الآية)(261) فإنَّ كان في أخذ المال عيب أو طعن فهو على من ابتدأ به. والله المستعان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(258) يس: 21.
(259) التوبة: 34.
(260) الانفال: 41.
(261) التوبة: 103.
ويقال لصاحب الكتاب: أخبرنا عن الامام منكم إذا خرج وغلب هل يأخذ الخمس وهل يجبى الخراج(262) وهل يأخذ الحقَّ من الفيء والمغنم والمعادن وما أشبه ذلك؟ فإنَّ قال: لا فقد خالف حكم الإسلام وإن قال: نعم، قيل له: فإنَّ احتج عليه رجل مثلك بقول الله (عزَّ وجلَّ): (اتبعوا من لا يسألكم أجرا) وبقوله: (إن كثيراً من الاحبار والرهبان - الآية) بأي شيء تجيبه حتّى تجيبك الإماميّة بمثله، وهذا وفقكم الله شيء كان الملحدون يطعنون به على المسلمين وما أدري من دلّسه لهؤلاء. واعلم - علمّك الله الخير وجعلك من أهله - إنّما يعمل بالكتاب والسنّة ولا يخالفهما، فإنَّ أمكن خصومنا أن يدلّونا على أنَّه خالف في أخذ ما أخذ الكتاب والسنّة فلعمري أنَّ الحجّة واضحة لهم، وإن لم يمكنهم ذلك فليعلموا أنَّه ليس في العمل بما يوافق الكتاب والسنّة عيب، وهذا بيّن.
ثم قال صاحب الكتاب: ويقال لهم: نحن لا نجيز الامامة لمن لا يعرف فهل توجدونا سبيلاً إلى معرفة صاحبكم الّذي تدّعون حتّى نجيز له الامامة كما نجوِّز للموجودين من سائر العترة وإلّا فلا سبيل إلى تجويز الامامة للمعدومين، وكلُّ من لم يكن موجوداً فهو معدوم، وقد بطل تجويز الامامة لمن تدّعون.
فأقول - وبالله أستعين -: يقال لصاحب الكتاب: هل تشكُّ في وجود عليّ بن - الحسين وولده (عليهم السلام) الّذين نأتمُّ بهم؟ فإذا قال: لا، قيل له: فهل يجوز أن يكونوا أئمة؟ فإنَّ قال: نعم، قيل له: فأنت لا تدري لعلّنا على صواب في اعتقاد إمامتهم وأنت على خطأ وكفى بهذا حجّة عليك، وإن قال: لا، قيل له: فما ينفع من إقامة الدّليل على وجود إمامنا؟ وأنت لا تعترف بامامة مثل عليّ بن الحسين (عليهما السلام) مع محله من العلم والفضل عند المخالف والموافق، ثمّ يقال له: إنّا إنّما علمنا أنَّ في العترة من يعلم التأويل ويعرف الأحكام بخبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الّذي قدّمناه، وبحاجتنا إلى من يعرِّفنا المراد من القرآن ومن يفصل بين أحكام الله وأحكام الشيطان، ثمّ علمنا أنَّ الحق في هذه الطائفة من ولد الحسين (عليهم السلام) لمّا رأينا كلّ من خالفهم من العترة يعتمد في الحكم والتأويل على ما يعتمد عليه علماء العامّة من الرأي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(262) من الجباية وهي أخذ الخراج أو الزكاة وجمعها.
والاجتهاد والقياس في الفرائض السمعيّة الّتي لا علّة في التعبّد بها إلّا المصلحة فعلمنا بذلك أنَّ المخالفين لهم مبطلون. ثمّ ظهر لنا من علم هذه الطائفة بالحلال والحرام والأحكام ما لم يظهر من غيرهم، ثمّ ما زالت الأخبار ترد بنصِّ واحد على آخر حتّى بلغ الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فلمّا مات ولم يظهر النصُّ والخلف بعده رجعنا إلى الكتب الّتي كان أسلافنا رووها قبل الغيبة فوجدنا فيها ما يدلُّ على أمر الخلف من بعد الحسن (عليه السلام) وإنّه يغيب عن النّاس ويخفى شخصه، وأن الشيعة تختلف وأن النّاس يقعون في حيرة من أمره، فعلمنا أنَّ أسلافنا لم يعلموا الغيب وأنَّ الأئمّة أعلموهم ذلك بخبر الرَّسول، فصحَّ عندنا من هذا الوجه بهذه الدلالة كونه ووجوده وغيبته، فإنَّ كان ههنا حجّة تدفع ما قلناه فلتظهرها الزّيديّة، فما بيننا وبين الحقِّ معاندة، والشكر لله.
ثم رجع صاحب الكتاب إلى أن يعارضنا بما تدَّعيه الواقفة على موسى بن جعفر ونحن(263) فلم نقف على أحد ونسأل الفصل بين الواقفين، وقد بيّنا أنّا علمنا أنَّ موسى (عليه السلام) قد مات بمثل ما علمنا أنَّ جعفراً مات وأنَّ الشكَّ في موت أحدهما يدعو إلى الشكِّ في موت الآخر، وإنّه قد وقف على جعفر (عليه السلام) قوم أنكرت الواقفة على موسى عليهم، وكذلك أنكرت قول الواقفة على(264) أمير المؤمنين (عليه السلام).
فقلنا لهم: يا هؤلاء حجّتكم على أولئك هي حجّتنا عليكم، فقولوا كيف شئتم تحجّوا أنفسكم.
ثم حكى(265) عنا أنّا كنا نقول للواقفة: إنَّ الإمام لا يكون إلّا ظاهراً موجوداً. وهذه حكاية من لا يعرف أقاويل خصمه وما زالت الإماميّة تعتقد أنَّ الامام لا يكون إلّا ظاهراً مكشوفاً أو باطناً مغموراً، وأخبارهم في ذلك أشهر وأظهر من أن تخفى، ووضع الأصول الفاسدة للخصوم أمر لا يعجز عنه أحد ولكنّه قبيح بذي الدِّين والفضل والعلم، ولو لم يكن في هذا المعنى إلّا خبر كميل بن زياد(266) لكفى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(263) من كلام أبي جعفر ابن قبة في دفع المعارضة.
(264) في هامش بعض النسخ الظاهر أنَّ الصواب (الواقفة على محمّد بن أمير المؤمنين).
(265) يعني أبا زيد العلوي.
(266) سيجيء الخبر في باب ما أخبر به أمير المؤمنين (عليه السلام) من وقوع الغيبة.
ثمَّ قال: فإنَّ قالوا كذا، قيل لهم كذا - لشيء لا نقوله -. وحجّتنا ما سمعتم وفيها كفاية والحمد لله.
ثمَّ قال: ليس الامر كما تتوهّمون في بني هاشم لأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دلَّ أمّته على عترته بإجماعنا وإجماعكم الّتي هي خاصّته الّتي لا يقرب أحدٌ منه (عليه السلام) كقربهم، فهي لهم دون الطلقاء وأبناء الطلقاء ويستحقّها واحدٌ منهم في كلّ زمان إذ كان الإمام لا يكون إلّا واحداً بلزوم الكتاب والدُّعاء إلى إقامته بدلالة الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليهم (أنّهم لا يفارقون الكتاب حتّى يردوا عليّ الحوض) وهذا إجماع والّذي اعتللتم به من بني هاشم ليس هم من ذرية الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإن كانت لهم ولادة، لأنّ كلَّ بني ابنة ينتمون إلى عصبتهم(267) ما خلا ولد فاطمة، فإنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عصبتهم وأبوهم، والذُّريّة هم الولد لقول الله (عزَّ وجلَّ): (إنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرجيم)(268).
فأقول - وبالله أعتصم -: أنَّ هذا الامر لا يصح باجماعنا وإياكم عليه وإنّما يصحُّ بالدَّليل والبرهان فما دليلك على ما ادّعيت، وعلى أنَّ الاجماع بيننا إنّما هو في ثلاثة أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) ولم يذكر الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذرّيّته وإنّما ذكر عترته، فملتم أنتم إلى بعض العترة دون بعض بلا حجّة وبيان أكثر من الدَّعوى، واحتججنا نحن بما رواه أسلافنا عن جماعة حتّى انتهى خبرهم إلى نصِّ الحسين بن على (عليهما السلام) على عليّ ابنه ونص عليّ على محمّد، ونص محمّد على جعفر ثمّ استدللنا على صحّة إمامة هؤلاء دون غيرهم ممّن كان في عصرهم من العترة بما ظهر من علمهم بالدِّين وفضلهم في أنفسهم، وقد حمل العلم عنهم الاولياء والاعداء، وذلك مبثوث في الامصار، معروف عند نقلة الأخبار، وبالعلم تتبيّن الحجّة من المحجوج، والامام من المأموم، والتّابع من المتبوع، وأين دليلكم يا معشر الزّيديّة على ما تدعون.
ثم قال صاحب الكتاب: ولو جازت الامامة لسائر بني هاشم مع الحسن والحسين (عليهما السلام) لجازت لبني عبد مناف مع بني هاشم ولو جازت لبني عبد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(267) أي ينتسبون. وعصبة الرَّجل - محركة -: بنوه وقرابته لابيه وإنّما سموا عصبة لأنّهم عصبوا به أي أحاطوا به، فالاب طرف والابن طرف والعم جانب والاخ جانب (الصحاح). والعصبة اسم جنس يطلق على الواحد والكثير. وقال الفيروز آبادي: العصبة: الّذين يرثون الرَّجل عن كلالة من غير والد ولا ولد، فأمّا في الفرائض فكل من لم يكن له فريضة مسماة فهو عصبة.
(268) آل عمران: 36.
مناف مع بني هاشم لجازت لسائر ولد قصيٍّ، ثمّ مدَّ في هذا القول.
فيقال له: أيّها المحتجُّ عن الزّيديّة أنَّ هذا لشيء لا يستحقُّ بالقرابة وإنّما يستحق بالفضل والعلم، ويصحُّ بالنصِّ والتوقيف، فلو جازت الإمامة لأقرب رجل من العترة لقرابته لجازت لا بعدهم فافصل بينك وبين من ادّعى ذلك وأظهر حجّتك وافصل الآن بينك وبين من قال: ولو جازت لولد الحسن لجازت لولد جعفر، ولو جازت لهم لجازت لولد العبّاس، وهذا فصل لا تأتي به الزّيديّة أبدا إلّا أن تفزع إلى فصلنا وحجّتنا وهو النصُّ من واحد على واحد وظهور العلم بالحلال والحرام.
ثم قال صاحب الكتاب: وإن اعتلّوا بعلي (عليه السلام) فقالوا: ما تقولون فيه أهو من العترة أم لا؟ قيل لهم: ليس هو من العترة ولكنّه بان من العترة ومن سائر القرابة بالنصوص عليه يوم الغدير باجماع.
فأقول: - وبالله أستعين -: يقال لصاحب الكتاب: أمّا النصوص يوم الغدير فصحيح وأما إنكارك أن يكون أمير المؤمنين من العترة فعظيم، فدلنا على أي شيء تعول فيما تدّعي؟ فإنَّ أهل اللّغة يشهدون أنَّ العمّ وابن العمّ من العترة، ثمّ أقول: إنَّ صاحب الكتاب نقض بكلامه هذا مذهبه لأنّه معتقد أنَّ أمير المؤمنين ممّن خلفه الرَّسول في أمته ويقول في ذلك أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خلف في أمته الكتاب والعترة وإن أمير المؤمنين صلوات عليه ليس من العترة وإذا لم يكن من العترة فليس ممّن خلفه الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذا متناقض كما ترى، اللّهمّ إلّا أن يقول: أنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خلّف العترة فينا بعد أن قتل أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فنسأله أن يفصل بينه وبين من قال وخلّف الكتاب فينا منذ ذلك الوقت لأنّ الكتاب والعترة خلفا معاً، والخبر ناطق بذلك شاهد به، ولله المنة.
ثم أقبل صاحب الكتاب بما هو حجّة عليه فقال: ونسأل من ادّعى الإمامة لبعض دون بعض إقامة الحجّة، ونسي نفسه وتفرده بادعائها لولد الحسن والحسين (عليهما السلام) دون غيرهم، ثمّ قال: فإنَّ أحالوا على الأباطيل من علم الغيب وأشباه ذلك من الخرافات وما لا دليل لهم عليه دون الدَّعوى عورضوا
بمثل ذلك لبعض، فجاز أنَّ العترة من الظالمين لأنفسهم إن كان الدَّعوى هو الدليل.
فيقال لصاحب الكتاب: قد أكثرت في ذكر علم الغيب، والغيب لا يعلمه إلّا الله، وما ادَّعاه لبشر إلّا مشرك كافر، وقد قلنا لك ولأصحابك: دليلنا على ما ندعي الفهم والعلم فإنَّ كان لكم مثله فأظهروه وإن لم يكن إلّا التشنيع والتقوُّل وتقريع الجميع بقول قوم غلاة فالأمر سهل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ثم قال صاحب الكتاب: ثمّ رجعنا إلى إيضاح حجّة الزّيديّة بقول الله تبارك وتعالى: (ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا - الآية).
فيقال له: نحن نسلّم لك أنَّ هذه الآية نزلت في العترة، فما برهانك على أنَّ السابق بالخيرات هم ولد الحسن والحسين دون غيرهم من سائر العترة؟ فانّك لست تريد إلّا التشنيع على خصومك وتدَّعي لنفسك.
ثمَّ قال: قال الله (عزَّ وجلَّ) وذكر الخاصّة والعامّة من أمّة نبيّه: (واعتصموا بحبل الله جميعاً - الآية) ثمّ قال: انقضت مخاطبة العامّة، ثمّ استأنف مخاطبة الخاصّة فقال: (ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير - إلى قوله للخاصة - كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس) فقال: هم ذرية إبراهيم (عليه السلام) دون سائر النّاس، ثمّ المسلمون دون من أشرك من ذرية إبراهيم (عليه السلام) قبل إسلامه وجعلهم شهداء على النّاس فقال: (يا أيّها الّذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا - إلى قوله - وتكونوا شهداء على النّاس)(269) وهذا سبيل الخاصّة من ذرية إبراهيم (عليه السلام)، ثمّ اعتل بآيات كثيرة تشبه هذه الآيات من القرآن.
فيقال له: أيّها المحتجُّ أنت تعلم أنَّ المعتزلة وسائر فرق الأمة تنازعك في تأويل هذه الآيات أشدَّ منازعة، وأنت فليس تأتي بأكثر من الدَّعوى، ونحن نسلّم لك ما ادَّعيت ونسألك الحجّة فيما تفردت به من أنَّ هؤلاء هم ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) دون غيرهم فإلى متى تأتي بالدَّعوي وتعرض عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(269) الحج: 76.
الحجة؟ وتهوِّل علينا بقراءة القرآن وتوهم أنَّ لك في قراءته حجّة ليست لخصومك؟ والله المستعان.
ثم قال صاحب الكتاب: فليس من دعا إلى الخير من العترة - كمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وجاهد في الله حق جهاده - سواء وسائر العترة ممّن لم يدع إلى الخير ولم يجاهد في الله حق جهاده، كما لم يجعل الله من هذا سبيله من أهل الكتاب سواء وسائر أهل الكتاب، وإن كان تارك ذلك فاضلاً عابداً لأنّ العبادة نافلة والجهاد فريضة لازمة كسائر الفرائض صاحبها يمشي بالسّيف إلى السّيف، ويؤثر على الدَّعة الخوف، ثمّ قرأ سورة الواقعة وذكر الآيات الّتي ذكر الله (عزَّ وجلَّ) فيها الجهاد وأتبع الآيات بالدَّعاوي ولم يحتج لشيء من ذلك بحجة فنطالبه بصحتها [أ] ونقابله بما نسأله فيه الفصل.
فأقول - وبالله أستعين -: إن كان كثرة الجهاد هو الدّليل على الفضل والعلم والإمامة فالحسين (عليه السلام) أحقُّ بالإمامة من الحسن (عليه السلام) لأنّ الحسن وادع معاوية والحسين (عليه السلام) جاهد حتّى قتل، وكيف يقول صاحب الكتاب؟ وبأيِّ شيء يدفع هذا؟ وبعد فلسنا ننكر فرض الجهاد ولا فضله ولكنّا رأينا الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يحارب أحداً حتّى وجد أعواناً وأنصاراً وإخواناً فحينئذ حارب، ورأينا أمير المؤمنين (عليه السلام) فعل مثل ذلك بعينه، ورأينا الحسن (عليه السلام) قد هم بالجهاد فلمّا خذله أصحابه وادع ولزم منزله، فعلمنا أنَّ الجهاد فرض في حال وجود الأعوان والأنصار، والعالم - بإجماع العقول - أفضل من المجاهد الّذي ليس بعالم، وليس كلّ من دعا إلى الجهاد يعلم كيف حكم الجهاد، ومتى يجب القتال، ومتى تحسن الموادعة، وبماذا يستقبل أمر هذه الرّعيّة، وكيف يصنع في الدماء والاموال والفروج، وبعد فانّا نرضى من إخواننا بشيء واحد وهو أن يدلونا على رجل من العترة ينفي التشبيه والجبر عن الله ولا يستعمل الاجتهاد والقياس في الاحكام السّمعيّة ويكون مستقلاً كافياً حتّى نخرج معه فإنَّ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة على قدر الطاقة وحسب الإمكان، والعقول تشهد أنَّ تكليف ما لا يطاق فاسدٌ والتغرير بالنفس قبيحٌ، ومن التغرير أن تخرج جماعة قليلة لم تشاهد حرباً ولا تدرَّبت بدربة أهل(270)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(270) درب به - كفرح - دربا ودربة - بالضم -: ضرى، كتدرب. والدربة: - بالضم - عادة وجرأة على الامر والحرب.
إلى قوم متدرَّبين بالحروب تمكّنوا في البلاد وقتلوا العباد وتدرَّبوا بالحروب، ولهم العدد والسّلاح والكراع(271) ومن نصرهم من العامّة - ويعتقدوا أنَّ الخارج عليهم مباح الدَّم - مثل جيشهم أضعافاً مضاعفة فكيف يسومنا(272) صاحب الكتاب أن نلقى بالاغمار(273) المتدر بين بالحروب. وكم عسى أن يحصل في يد داع أنَّ دعا من هذا العدد؟(274) هيهات هيهات، هذا أمر لا يزيله إلّا نصر الله العزيز العليم الحكيم.
قال صاحب الكتاب بعد آيات من القرآن تلاها ينازع في تأويلها أشدَّ منازعة ولم يؤيد تأويله بحجّة عقل ولا سمع: فافهم - رحمك الله - من أحقُّ أن يكون لله شهيداً من دعا إلى الخير كما اُمر، ونهى عن المنكر، وأمر بالمعروف، جاهد في الله حق جهاده حتّى استشهد؟! أم من لم يروجه ولا عرف شخصه؟! أم كيف يتّخذه الله شهيدا؟ على من لم يرهم ولا نهاهم ولا أمرهم فإنَّ أطاعوه ادّوا ما عليهم وإن قتلوه مضى إلى الله (عزَّ وجلَّ) شهيداً؟! ولو أنَّ رجلاً استشهد قوماً على حق يطالب به لم يروه ولا شهدوه هل كان شهيداً؟ وهل يستحق بهم حقا إلّا أن يشهدوا على ما لم يروه فيكونوا كذابين وعند الله مبطلين؟! وإذا لم يجز ذلك من العباد فهو غير جائز عند الحكم العدل الّذي لا يجور، ولو أنَّه استشهد قوماً قد عاينوا وسمعوا فشهدوا له، والمسألة على حالها أليس كان يكون محقّاً وهم صادقون وخصمه مبطل وتمضي الشهادة ويقع الحكم، وكذلك قال الله تعالى: إلّا من شهد بالحقِّ وهم يعلمون)(275) أولا ترى أنَّ الشهادة لا تقع بالغيب دون العيان، وكذلك قول عيسى (وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم - الآية)(276).
فأقول - وبالله أعتصم -: يقال لصاحب الكتاب: ليس هذا الكلام لك بل هو للمعتزلة وغيرهم علينا وعليك، لأنّا نقول: أنَّ العترة غير ظاهرة وإنَّ من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(271) الكراع - بالضم -: اسم لجمع الخيل.
(272) سامه الامر: كلفه أباه.
(273) الغمر - مثلثة الغين -: من لم يجرب الامور والجاهل، جمعه أغمار.
(274) يعني أنَّ دعا الامام أو غيره مثلاً المتدربين بالحروب كم يجتمع له منهم.
(275) الزخرف: 86.
(276) المائدة: 112.
شاهدنا منها لا يصلح أن يكون إماماً، وليس يجوز أن يأمرنا الله (عزَّ وجلَّ) بالتّمسّك بمن لا نعرف منهم ولا نشاهده ولا شاهده أسلافنا، وليس في عصرنا ممّن شاهدناه منهم ممّن يصلح أن يكون إماماً للمسلمين والّذين غابوا لا حجّة لهم علينا، وفي هذا أدلَّ دليل على أنَّ معنى قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي) ليس ما يسبق إلى قلوب الإماميّة والزّيديّة. وللنظّام(277) وأصحابه أن يقولوا: وجدنا الّذي لا يفارق الكتاب هو الخبر القاطع للعذر، فانّه ظاهر كظهور الكتاب يُنتفع به، ويمكن اتّباعه والتمسّك به.
فأمّا العترة فلسنا نشاهد منهم عالما يمكن أن نقتدي به، وإن بلغنا عن واحد منهم مذهب بلغنا عن آخر أنَّه يخالفه، الاقتداء بالمختلفين فاسد، فكيف يقول صاحب الكتاب؟.
ثم اعلم أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمّا أمرنا بالتمسّك بالعترة كان بالعقل والتعارف والسّيرة ما يدلُّ على أنَّه أراد علماءهم دون جهّالهم، والبررة الأتقياء دون غيرهم، فالذي يجب علينا ويلزمنا أن ننظر إلى من يجتمع له العلم بالدِّين مع العقل والفضل والحلم والزُّهد في الدُّنيا والاستقلال بالأمر فنقتدي به ونتمسّك بالكتاب وبه.
وإن قال: فإنَّ اجتمع ذلك في رجلين وكان أحدهما ممّن يذهب إلى مذهب الزّيديّة والآخر إلى مذهب الإماميّة بمن يقتدى منهما ولمن يتّبع؟ قلنا له: هذا لا يتّفق، فإنَّ اتّفق فرق بينهما دلالة واضحة إما نص من إمام تقدَّمه وإمّا شيء يظهر في علمه كما ظهر في أمير المؤمنين يوم النهر حين قال: (والله ما عبروا النهر ولا يعبروا، والله ما يقتل منكم عشرة ولا ينجوا منهم عشرة) وإمّا أن يظهر من أحدهما مذهب يدلُّ على أنَّ الاقتداء به لا يجوز كما ظهر من علم الزّيديّة القول بالاجتهاد والقياس في الفرائض السمعيّة والأحكام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(277) هو أبو إسحاق ابراهيم بن سيار بن هانيء البصري ابن اخت أبي هذيل العلاف شيخ المعتزلة. وكان النظام صاحب المعرفة بالكلام أحد رؤساء المعتزلة، استاد الجاحظ. ولقب بالنظام - كشداد - لأنّه كان ينظم الخرز في سوق البصرة ويبيعها. وقالت المعتزلة: إنّما سمى ذلك لحسن كلامه نثراً ونظماً (الكنى والالقاب للمحدث القمي).
فيعلم بهذا أنّهم غير أئمة. ولست أريد بهذا القول زيد ابن عليٍّ وأشباهه لأنّ أولئك لم يظهروا ما ينكر ولا ادَّعوا أنّهم أئمّة وإنّما دعوا إلى الكتاب والرِّضا من آل محمّد وهذه دعوة حقّ.
وأما قوله: (كيف يتّخذه الله شهيداً على من لم يرهم ولا أمرهم ولا نهاهم) فيقال له: ليس معنى الشهيد عند خصومك ما تذهب إليه، ولكن إن عبتَ الإماميّة بأنَّ من لم يُر وجهه ولا عُرف شخصه لا يكون بالمحلِّ الّذي يدَّعونه له فأخبرنا عنك من الإمام الشّهيد من العترة في هذا الوقت، فإنَّ ذكر أنَّه لا يعرفه دخل فيما عاب ولزمه ما قدّر أنَّه يلزم خصومه، فإنَّ قال: هو فلان، قلنا له: فنحن لم نر وجهه ولا عرفنا شخصه فكيف يكون إماماً لنا وشهيداً علينا؟! فإنَّ قال: إنّكم وإن لم تعرفوه فهو موجود الشخص معروف علمه من علمه وجهله من جهله، قلنا: سألناك بالله هل تظنُّ أنَّ المعتزلة والخوارج والمرجئة والإماميّة تعرف هذا الرَّجل أو سمعت به أو خطر ذكره ببالها؟ فإنَّ قال: هذا ما لا يضرُّه ولا يضرُّنا لأنّ السبب في ذلك إنّما هو غلبة الظالمين على الدّار وقلّة الأعوان والأنصار، قلت له: لقد دخلت فيما عبت وحججت نفسك من حيث قدَّرت إنّك تحاج خصومك، وما أقرب هذه الغيبة من غيبة الإماميّة غير أنّكم لا تنصفون.
ثم يقال: قد أكثرت في ذكر الجهاد ووصف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتّى أوهمت أنَّ من لم يخرج فليس بمحقٍّ، فما بال أئمّتك والعلماء من أهل مذهبك لا يخرجون، وما لهم قد لزموا منازلهم واقتصروا على اعتقاد المذهب فقطّ؟ فإنَّ نطق بحرف فتقابله الإماميّة بمثله. ثمّ قيل له برفق ولين: هذا الّذي عبته على الإماميّة وهتفت بهم من أجله وشنعت به على أئمّتهم بسببه وتوصلت بذكره إلى ما ضمّنته كتابك، قد دخلت فيه وملت إلى صحّته، وعوَّلت عند الاحتجاج عليه، والحمد لله الّذي هدانا لدينه.
ثمَّ يقال له: أخبرنا هل في العترة اليوم من يصلح للإمامة؟ فلابدّ من أن يقول: نعم فيقال له: أفليس إمامته لا تصحُّ إلّا بالنص على ما تقوله الإماميّة ولا معه دليل معجز يعلم به أنَّه إمام وليس سبيله عندكم سبيل من يجتمع أهل الحلِّ والعقد من الأمة فيتشاورون في أمره ثمّ يختارونه ويبايعونه؟
فإذا قال: نعم، قيل له: فيكف السبيل إلى معرفته؟
فإن قالوا: يعرف بإجماع العترة عليه، قلنا لهم: كيف تجتمع عليه فإنَّ كان إماميّاً لم ترض به الزّيديّة وإن كان زيديّاً لم ترض به الإماميّة، فإنَّ قال: لا يعتبر بالامامية في مثل هذا، قيل له: فالزّيديّة على قسمين قسم معتزلة وقسم مثبتة، فإنَّ قال: لا يعتبر بالمثبتة في مثل هذا، قيل له: فالمعتزلة قسمان قسم يجتهد في الأحكام بآرائها وقسم يعتقد أنَّ الاجتهاد ضلال، فإنَّ قال: لا يعتبر بمن نفي الاجتهاد، قيل له: فإنَّ بقي - ممّن يرى الاجتهاد - منهم أفضلهم، وبقي - ممّن يبطل الاجتهاد - منهم أفضلهم، ويبرأ بعضهم من بعض بمن نتمسّك وكيف نعلم المحقَّ منهما، هو من تؤمي أنت وأصحابك إليه دون غيره؟ فإنَّ قال: بالنظر في الأصول، قلنا فإنَّ طال الاختلاف واشتبه الأمر كيف نصنع وبما نتفصي من قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي: أهل بيتى) والحجّة من عترته لا يمكن أحداً(278) أن يعرفه إلّا بعد النظر في الأصول والوقوف على أنَّ مذاهبه كلّها صواب، وعلى أنَّ من خالفه فقد أخطأ، وإذا كان هكذا فسبيله وسبيل كلّ قائل من أهل العلم سبيل واحد فما تلك الخاصّة الّتي هي للعترة دلّنا عليها وبيّن لنا جميعها لنعلم أنَّ بين العالم من العترة وبين العالم من غير العترة فرقاً وفصلاً.
وأخرى يقال لهم: أخبرونا عن إمامكم اليوم، أعنده الحلال والحرام؟ فإذا قالوا: نعم، قلنا لهم: وأخبرونا عمّا عنده ممّا ليس في الخبر المتواتر هل هو مثل ما عند الشافعيِّ وأبي حنيفة ومن جنسه أو هو خلاف ذلك، فإنَّ قال: بل عنده الّذي عندهما ومن جنسه، قيل لهم: وما حاجة النّاس إلى علم إمامكم الّذي لم يسمع به، وكتب الشافعيِّ وأبي حنفية ظاهرة مبثوثة موجودة، وإن قال: بل عنده خلاف ما عندهما قلنا: فخلال ما عندهما هو النصُّ المستخرج الّذي تدّعيه جماعة من مشايخ المعتزلة وإنَّ الأشياء كلّها على إطلاق العقول إلّا ما كان في الخبر القاطع للعذر على مذهب النظّام وأتباعه، أو مذهب الإماميّة أنَّ الأحكام منصوصة، واعلموا أنّا لا نقول منصوصة على الوجه الّذي يسبق إلى القلوب ولكنَّ المنصوص عليه بالجمل الّتي من فهمها فهم الأحكام من غير قياس ولا اجتهاد، فإنَّ قالوا:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(278) أي لاحد.
عنده ما يخالف هذا كلّه خرجوا من التعارف، وإن تعلّقوا بمذاهب من المذاهب قيل لهم: فأين ذلك العلم؟ هل نقله عن إمامكم أحدٌ يوثق بدينه وأمانته؟ فإنَّ قالوا: نعم، قيل لهم: قد عاشرناكم الدَّهر الاطول فما سمعنا بحرف واحد من هذا العلم، وأنتم قوم لا ترون التقيّة ولا يراها إمامكم، فأين علمه؟ وكيف لم يظهر ولم ينتشر؟ ولكن أخبرونا ما يؤمنّا أن تكذِّبوا فقد كذبتم على إمامكم كما تدَّعون أنَّ الإماميّة كذَّبت على جعفر بن محمّد (عليهما السلام) وهذا ما لا فصل فيه.
مسألة أخرى ويقال لهم: أليس جعفر بن محمّد عندكم كان لا يذهب إلى ما تدّعيه الإماميّة، وكان على مذهبكم ودينكم؟ فلابدّ من (أن يقولوا): نعم، اللّهمّ إلّا أن تبرَّؤوا منه، فيقال لهم: وقد كذَّبت الإماميّة فيما نقلته عنه، وهذه الكتب المؤلّفة الّتي في أيديهم إنّما هي من تأليف الكذّابين؟ فإذا قالوا: نعم، قيل لهم: فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن يكون إمامكم يذهب مذهب الإماميّة ويدين بدينها وإن يكون ما يحكي سلفكم ومشايخكم عنه مولّداً موضوعاً لا أصل له، فإنَّ قالوا: ليس لنا في هذا الوقت إمام نعرفه بعينه نروي عنه علم الحلال والحرام ولكنّا نعلم أنَّ في العترة من هو موضع هذا الأمر وأهل، قلنا لهم: دخلتم فيما عبتموه على الإماميّة بما معها من الأخبار من أئمّتها بالنصِّ على صاحبهم والإشارة إليه والبشارة به، وبطل جميع ما قصصتم به من ذكر الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فصار إمامكم بحيث لا يرى ولا يعرف، فقولوا: كيف شئتم ونعوذ بالله من الخذلان.
ثمَّ قال صاحب الكتاب، وكما أمر الله العترة بالدُّعاء إلى الخير(279) وصف سبق السابقين منهم، وجعلهم شهداء، وأمرهم بالقسط فقال: (يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط). ثمّ أتبع ذلك بضرب من التأويل وقراءة آيات من القرآن ادّعى أنّها في العترة، ولم يحتج لشيء منها بحجّة أكثر من أن يكون الدَّعوى، ثمّ قال: وقد أوجب الله تعالى على نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ترك الأمر والنهي إلى أنَّ هيّأ له أنصاراً فقال: (وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا - إلى قوله - لعلهم يتقون: فمن لم يكن من السابقين بالخيرات، المجاهدين في الله ولا من المقتصدين الواعظين بالأمر والنهي عند إعواز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(279) في قوله (عزَّ وجلَّ): (ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير).
الاعوان(280) فهو من الظالمين لأنفسهم، وهذا سبيل من كان قبلنا من ذراري الأنبياء (عليهم السلام)، ثمّ تلا آيات من القران.
فيقال له: ليس علينا، لمن(281) أراد بهذا الكلام؟ ولكن أخبرنا عن الامام من العترة عندك من أيِّ قسم هو؟ فإنَّ قال: من المجاهدين، قيل له: فمن هو، ومن جاهد ويعلم من خرج؟ وأين خليه ورجله؟ فإنَّ قال: هو ممّن يعظ بالأمر والنهي عند اعواز الاعوان، قيل له: فمن سمع أمره ونهيه؟ فإنَّ قال: أولياؤه وخاصّته، قلنا: فإن اتّبع هذا وسقط فرض ما سوى ذلك عنه لاعواز الاعوان وجاز أن لا يسمع أمره ونهيه إلّا أولياؤه فأيُّ شيء عبته على الإماميّة؟ ولم ألفت كتابك هذا؟ وبمن عرَّضت؟ وليت شعري وبمن قرَّعت بآي القرآن وألزمته فرض الجهاد. ثمّ يقال له وللزّيديّة جميعاً: أخبرونا لو خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الدُّنيا ولم ينص على أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا دلَّ عليه ولا أشار إليه أكان يكون ذلك من فعله صواباً وتدبيراً حسناً جائزاً؟ فإنَّ قالوا: نعم، فقلنا لهم: ولو لم يدلُّ على العترة أكان يكون ذلك جائزاً فإن قالوا: نعم، قلنا: ولو لم يدلُّ فأي شئ أنكرتم على المعتزلة والمرجئة والخوارج؟ وقد كان يجوز أن لا يقع النصُّ فيكون الامر شورى بين أهل الحلِّ والعقد، وهذا ما لا حيلة فيه، فإنَّ قالوا: لا ولابدَّ من النصِّ على أمير المؤمنين صلوات الله عليه ومن الأدلة على العترة، قيل لهم لِمَ؟ حتّى إذا ذكروا الحجّة الصّحيحة فننقلها إلى الامام في كلّ زمان، لأنّ النص أنَّ وجب في زمن وجب في كلّ زمان، لأنّ العلل الموجبة له موجودة أبداً، ونعوذ بالله من الخذلان.
مسألة اخرى يقال لهم: إذا كان الخبر المتواتر حجّة رواه العترة والأمة، وكان الخبر الواحد من العترة كخبر الواحد من الاُمّة يجوز على الواحد منهم من تعمّد الباطل ومن السهو والزَّلل ما يجوز على الواحد من الاُمّة وما ليس في الخبر المتواتر ولا خبر الواحد فسبيله عندكم الاستخراج، وكان يجوز على المتأوِّل منكم ما يجوز على المتأوِّل من الاُمّة فمن أي وجه صارت العترة حجّة؟ فإن قال صاحب الكتاب: إذا أجمعوا فإجماعهم حجّة، قيل له: فإذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(280) أعوز اعوزازاً الرجل. افتقر وساءت حاله فهو معوز، واعوزه المطلوب: أعجزه وصعب عليه نيله. اعوز في الشيء: احتجت إليه، لم أقدر عليه. وفي بعض النسخ (اعوزاز الاعوان) واعوز اعوزازا احتال. اختلت حاله.
(281) لعل اللام في قوله (لمن) مفتوحة والجملة تتضمن معنى الاستفهام، وقوله (ليس علينا) جملة مستقلة، أي ليس ما قلت علينا. وفى بعض النسخ (لمن المراد).
أجمعت الاُمّة فإجماعها حجّة، وهذا يوجب أنَّه لا فرق بين العترة والأُمّة وإن كان هكذا فليس في قوله (خلّفت فيكم كتاب الله وعترتي) فائدة إلّا أن يكون فيها من هو حجّة في الدِّين، وهذا قول الامامية. واعلموا - أسعدكم الله - أنَّ صاحب الكتاب أشغل نفسه بعد ذلك بقراءة القرآن وتأويله على من أحبَّ ولم يقل في شيء من ذلك: (الدّليل على صحّة تأويلي كيت كيت) وهذا شيء لا يعجز عنه الصّبيان وإنّما أراد أن يعيب الإماميّة بأنّها لا ترى الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد غلط فإنّها ترى ذلك على قدر الطاقة، ولا ترى أن تلقي بأيديها إلى التهلكة، ولا أن يخرج مع من لا يعرف الكتاب والسنّة ولا يُحسن أن يسير في الرَّعيّة بسيرة العدل والحقِّ.
وأعجب من هذا أنَّ أصحابنا من الزّيديّة في منازلهم لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر ولا يجاهدون، وهم يعيبوننا بذلك، وهذا نهاية من نهايات التحامل ودليل من أدلة العصبيّة، نعوذ بالله من اتّباع الهوى، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
مسألة أخرى ويقال لصاحب الكتاب: هل تعرف في أئمّة الحقِّ أفضل من أمير المؤمنين صلوات الله عليه؟ فمن قوله: لا، فيقال له: فهل تعرف من المنكر بعد الشرك والكفر شيئاً أقبح وأعظم ممّا كان من أصحاب السّقيفة؟ فمن قوله: لا، فيقال له: فأنت أعلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد أو أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ فلابدَّ من أن يقول: أمير المؤمنين، فيقال له: فما باله لم يجاهدا القوم؟ فإنَّ اعتذر بشيء قيل له: فاقبل مثل هذا العذر من الإماميّة، فإنَّ النّاس جميعاً يعملون أنَّ الباطل اليوم أقوى منه يومئذ وأعوان الشيطان أكثر ولا تهوِّل علينا بالجهاد وذكره، فإنَّ الله تعالى إنّما فرضه لشرائط لو عرفتها لقلَّ كلامك وقصر كتابك ونسأل الله التوفيق.
مسألة أخرى يقال لصاحب الكتاب: أتصوِّبون الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) في موادعته معاوية أم تخطّئونه؟ فإذا قالوا: نصوِّبه، قيل لهم: أتصوِّبونه وقد ترك الجهاد وأعرض عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه الّذي تؤمون إليه، فإنَّ قالوا: نصوِّبه لأنّ النّاس خذلوه، ولم يأمنهم على نفسه،
ولم يكن معه من أهل البصائر من يمكنه أن يقاوم بهم معاوية وأصحابه فإذا عرفوا صحّة ذلك، قيل لهم: فإذا كان الحسن (عليه السلام) مبسوط العذر ومعه جيش أبيه وقد خطب له النّاس على المنابر وسلَّ سيفه وسار إلى عدوِّ الله وعدوِّه للجهاد لمّا وصفتم وذكرتم فلم لا تعذرون جعفر ابن محمّد (عليهما السلام) في تركه الجهاد وقد كان أعداؤه في عصره أضعاف من كان مع معاوية ولم يكن معه من شيعته [مائة نفر] قد تدرَّبوا بالحروب، وإنّما كان قوم من أهل السرِّ لم يشاهدوا حرباً ولا عاينوا وقعة، فإن بسطوا عذره فقد أنصفوا، وإن امتنع منهم ممتنع فسئل الفصل، ولا فصل.
وبعد فإن كان قياس الزّيديّة صحيحاً فزيد بن عليٍّ لأنّ الحسن وادع وزيدٌ حارب حتّى قتل وكفى بمذهب يؤدِّي إلى تفضيل زيد بن عليّ على الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) قبحاً. والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل(282).
وإنّما ذكرنا هذه الفصول في أوّل كتابنا هذا لأنّها غاية ما يتعلّق بها الزّيديّة وما رد عليهم وهي أشد الفرق علينا، وقد ذكرنا الأنبياء والحجج الّذين وقعت بهم الغيبة صلوات الله عليهم وذكرنا في آخر الكتاب المعمّرين ليخرج بذلك ما نقوله في الغيبة وطول العمر من حدّ الإحالة إلى حدِّ الجواز، ثمّ صحّحنا النصوص على القائم الثاني عشر من الأئمّة (عليه وعليهم السلام) من الله تعالى ذكره ومن رسوله والأئمة الأحد عشر صلوات الله عليهم مع إخبارهم بوقوع الغيبة، ثمّ ذكرنا مولده (عليه السلام)، ومن شاهده وما صحَّ من دلالاته وأعلامه، وما ورد من توقيعاته لتأكيد الحجّة على المنكرين لوليِّ الله والمغيّب في ستر الله، والله الموفق للصواب وهو خير مستعان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(282) هذا آخر ما نقله عن كتاب ابن قبة.
الباب الأول: (في غيبة ادريس النبيّ (عليه السلام)) (283)
فأوَّل الغيبات غيبة إدريس النبيّ (عليه السلام) المشهورة حتّى آل الأمر بشيعته إلى أن تعذر عليهم القوت وقتل الجبّار من قتل منهم وأفقر وأخاف باقيتهم، ثمَّ ظهر (عليه السلام) فوعد شيعته بالفرج وبقيام القائم من ولده، وهو نوح (عليه السلام) ثمَّ رفع الله (عزَّ وجلَّ) إدريس (عليه السلام) إليه، فلم تزل الشّيعة تتوقّعون قيام نوح (عليه السلام) قرناً بعد قرن، وخلفاً عن سلف، صابرين من الطواغيت على العذاب المهين حتّى ظهرت نبوَّة نوح (عليه السلام).
1 - حدَّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، ومحمّد بن موسى بن - المتوكّل - رضي الله عنهم - قالوا: حدّثنا سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميري، ومحمّد بن يحيى العطّار قالوا: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، وإبراهيم ابن هاشم جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن أبي جعفر محمّد بن عليٍّ الباقر (عليهما السلام) قال: كان بدء نبوَّة إدريس (عليه السلام) أنَّه كان في زمانه ملك جبّار وأنّه ركب ذات يوم في بعض نزهه، فمرَّ بأرض خضرة نضرة لعبد مؤمن من الرَّافضة(284) فأعجبته فسأل وزراءه لمن هذه الأرض؟ قالوا: لعبد مؤمن من عبيد الملك فلان الرَّافضيِّ، فدعا به فقال له: أمتعني بأرضك هذه(285) فقال: عيالي أحوج إليها منك، قال: فسمني بها(286) اثمن لك، قال: لا أُمتعك بها ولا أسومك دع عنك ذكرها، فغضب الملك عند ذلك وأسف وانصرف إلى أهله وهو مغموم متفكّر في أمره وكانت له امرأة من الازارقة(287)، وكان بها معجباً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(283) النسخ مختلفة في عنوان الابواب وهنا في بعضها (الباب الاوَّل) وفي بعضها (الباب الثاني) وفي بعضها (باب) فقط، وفى بعضها (باب) مع الرقم الهندسي.
(284) الرافضة هم الدِّين تركوا مذهب سلطانهم. والرفض في اللّغة: الترك، والروافض جنود تركوا قائدهم وانصرفوا وذهبوا عنه. أو المراد الّذين رفضوا الشرك والمعاصي أو مذهب الملك أو الدُّنيا ونعيمها، وفى اثبات الوصية (فقيل أنّها لرجل من الرافضة كان لا يتبعه على كفره ويرفضه يسمى رافضياً فدعى به الخ).
(285) أي اجعلها لي انتفع بها وألتذ بها.
(286) السوم طلب الشراء أي بعني. و(أثمن لك) أي أعطيك الثمن.
(287) المراد بهم أهل الروم أو الديلم لأنّ زرقة العيون غالبة فيهم. والازارقة أيضاً هم الّذين يبيحون مال من على غير عقيدتهم ويستحلون دمه نظير عقيدة الخوارج في الاسلام، والمراد هنا المعنى الثاني.
يشاورها في الامر إذا نزل به، فلمّا استقرَّ في مجلسه بعث إليها ليشاورها في أمر صاحب الأرض، فخرجت إليه فرأت في وجهه الغضب فقالت: أيّها الملك ما الّذي دهاك(288) حتّى بدا الغضب في وجهك قبل فعلك(289)؟ فأخبرها بخبر الأرض وما كان من قوله لصاحبها ومن قول صاحبها له، فقالت: أيّها الملك إنّما يهتم به(290) من لا يقدر على التغيير والانتقام، فإن كنت تكره أن تقتله بغير حجّة فأنا أكفيك أمره واصيّر أرضه بيديك بحجّة لك فيها العذر عند أهل مملكتك، قال: وما هي؟ قالت: أبعثُ إليه أقواماً من أصحابي الازارقة حتّى يأتوك به فيشهدوا عليه عندك أنَّه قد برئ من دينك فيجوز لك قتله وأخذ أرضه، قال: فافعلي ذلك، قال: وكان لها أصحاب من الازارقة على دينها يرون قتل الرَّوافض من المؤمنين، فبعثت إلى قوم من الأزارقة(291) فأتوها فأمرتهم أن يشهدوا على فلان الرَّافضيِّ عند الملك أنَّه قد برئ من دين الملك فشهدوا عليه أنَّه قد برئ من دين الملك فقتله واستخلص أرضه، فغضب الله تعالى للمؤمن عند ذلك فأوحى الله إلى إدريس أن ائت عبدي هذا الجبّار فقل له: أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلماً حتّى استخلصت أرضه خالصة لك، فأحوجت عياله من بعده وأجعتهم، أما وعترَّتي لانتقمنَّ له منك في الاجل ولاسلبنك ملكك في العاجل، ولأُخربنَّ مدينتك ولأذلن عزك ولأطعمن الكلاب لحم امرأتك، فقد غرَّك يا مبتلى حلمي عنك.
فأتاه إدريس (عليه السلام) برسالة ربّه وهو في مجلسه وحوله أصحابه، فقال: أيّها الجبّار إنّي رسول الله إليك وهو يقول لك: أمّا رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلماً حتّى استخلصت أرضه خالصة لك، وأحوجت عياله من بعده وأجعتهم، أما وعزَّتي لانتقمنَّ له منك في الأجل، ولاسلبنَّك ملكك في العاجل، ولاُخربنَّ مدينتك، ولاُذلنَّ عزَّك، ولاطعمنَّ الكلاب لحم امرأتك، فقال الجبّار: اخرج عنّي يا إدريس فلن تسبقني بنفسك(292).
ثمَّ أرسل إلى امرأته فأخبرها بما جاء به إدريس، فقال: لا تهوِّلنّك رسالة إله إدريس إنّا أكفيك أمر إدريس، اُرسل إليه من يقتله فتبطل رسالة إلهه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(288) دهى فلاناً أي أصابه بداهية.
(289) أي قبل اتيانك بما غضبت له.
(290) في بعض النسخ (يغتم ويأسف).
(291) في بعض النسخ (إلى قوم منهم).
(292) أي لا يمكنك الفرار بنفسك والتقدم بحيث لا يمكنني اللحوق بك لاهلاكها أو لا تغلبني في أمر نفسك بان تتخلصها مني.
وكلّما جاءك به، قال: فافعلي، وكان لادريس أصحاب من الرَّافضة مؤمنون يجتمعون إليه في مجلس له فيأنسون به ويأنس بهم، فأخبرهم إدريس بما كان من وحي الله (عزَّ وجلَّ) إليه ورسالته إلى الجبّار، وما كان من تبليغه رسالة الله (عزَّ وجلَّ) إلى الجبّار، فأشفقوا على إدريس وأصحابه، وخافوا عليه القتل.
وبعثت امرأة الجبّار إلى إدريس أربعين رجلاً من الازارقة ليقتلوه فأتوه في مجلسه الّذي كان يجتمع إليه فيه أصحابه، فلم يجدوه، فانصرفوا وقد رآهم أصحاب إدريس فحسبوا أنّهم أتوا إدريس ليقتلوه فتفرَّقوا في طلبه، فلقوه، فقالوا له: خذ حذرك يا إدريس فإنَّ الجبار قاتلك قد بعث اليوم أربعين رجلاً من الازارقة ليقتلوك فاخرج من هذه القرية، فتنحّى إدريس، عن القرية من يومه ذلك، ومعه نفر من أصحابه، فلمّا كان في السّحر ناجى إدريس ربّه فقال: يا ربِّ بعثتني إلى جبّار فبلّغت رسالتك، وقد توعّدني هذا الجبار بالقتل، بل هو قاتلي أن ظفر بي، فأوحى الله (عزَّ وجلَّ): أن تنحَّ عنه واخرج من قريته، وخلّني وإيّاه فوعزَّتي لانفذنَّ فيه أمري، ولاصدِّقنَّ قولك فيه وما أرسلتك به إليه، فقال إدريس: يا ربّ إنَّ لي حاجة، قال الله (عزَّ وجلَّ): سل تعطها، قال: أسألك أن لا تمطر السّماء على أهل هذه القرية وما حولها وما حوت عليه حتّى أسألك ذلك، قال الله (عزَّ وجلَّ): يا إدريس إذا تخرب القرية ويشتدُّ جهد أهلها ويجوعون، قال إدريس: وإن خربت وجهدوا وجاعوا، قال الله (عزَّ وجلَّ): فإني قد أعطيتك ما سألت ولن أُمطر السماء عليهم حتّى تسألني ذلك، وأنا أحقُّ من وفي بوعده.
فأخبر إدريس أصحابه بما سأل الله من حبس المطر عنهم، وبما أوحى الله إليه ووعده أن لا يمطر السّماء عليهم حتّى يسأله ذلك. فاخرجوا أيّها المؤمنون من هذه القرية إلى غيرها من القرى، فخرجوا منها، وعدَّتهم يومئذ عشرون رجلاً، فتفرَّقوا في القرى، وشاع خبر إدريس في القرى بما سأل ربّه تعالى، وتنحّى إدريس إلى كهف في جبل شاهق، فلجأ إليه ووكل الله (عزَّ وجلَّ) به ملكاً يأتيه بطعامه عند كلِّ مساء، وكان يصوم النهار فيأتيه الملك بطعامه عند كلّ مساء، وسلب الله (عزَّ وجلَّ) عند ذلك ملك الجبّار وقتله وأخرب مدينته وأطعم الكلاب لحم امرأته غضباً للمؤمن فظهر في المدينة جبّارٌ آخر عاص، فمكثوا بذلك بعد خروج إدريس من القرية عشرين سنة لم تمطر
السّماء عليهم قطرة من مائها عليهم، فجهد القوم اشتدَّت حالهم وصاروا يمتارون الأطعمة(293) من القرى من بعد، فلمّا جهدوا مشى بعضهم إلى بعض فقالوا: إنَّ الّذي نزل بنا ممّا ترون بسؤال إدريس ربّه أن لا يمطر السماء علينا حتّى يسأله هو، وقد خفي إدريس عنّا ولا علم لنا بموضعة، والله أرحم بنا منه فأجمع أمرهم على أن يتوبوا إلى الله ويدعوه ويفزعوا إليه ويسألوه أن يمطر السماء عليهم وعلى ما حوت قريتهم، فقاموا على الرماد ولبسوا المسوح وحثّوا على رؤوسهم التراب، وعجّوا(294) إلى الله تعالى بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرُّع إليه، فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إلى إدريس يا إدريس أنَّ أهل قريتك قد عجّوا إليَّ بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرُّع، وأنا الله الرحمن الرحيم أقبل التوبة أعفو عن السيئة، وقد رحمتهم ولم يمنعني إجابتهم إلى ما سألوني من المطر إلّا مناظرتك فيما سألتني أن لا امطر السماء عليهم حتّى تسألني، فسلني يا إدريس حتّى أغيثهم وأمطر السّماء عليهم؟ قال إدريس: اللّهمّ إنّي لا أسألك ذلك(295) قال الله (عزَّ وجلَّ): ألم تسألني يا إدريس فأجبتك إلى ما سألت وأنا أسألك أن تسألني فلم لا تجب مسألتي؟ قال: إدريس اللّهمّ لا أسألك، فأوحي الله (عزَّ وجلَّ) إلى الملك - الّذي أمره أن يأتي إدريس بطعامه كلِّ مساء - أن احبس عن إدريس طعامه ولا تأته به، فلمّا أمسى إدريس في ليلة ذلك اليوم فلم يؤت بطعامه حزن وجاع فصبر، فلمّا كان في (ليلة) اليوم الثاني فلم يؤت بطعامه اشتدَّ حزنه وجوعه، فلمّا كانت الليلة من اليوم الثالث فلم يؤت بطعامه اشتدَّ جهده وجوعه وحزنه وقل صبره فنادى ربّه يا رب حبست عني رزقي من قبل أن تقبض روحي، فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه يا إدريس جزعت أن حبست عنك طعامك ثلاثة أيّام ولياليها ولم تجزع ولم تذكر(296) جوع أهل قريتك وجهدهم منذ عشرين سنة، ثمّ سألتك عن جهدهم ورحمتي إيّاهم أن تسألني أن امطر السماء عليهم فلم تسألني وبخلت عليهم بمسألتك إيّاي فأدَّبتك بالجوع(297)، فقلَّ عند ذلك صبرك وظهر جزعك، فاهبط من موضعك فاطلب المعاش لنفسك فقد وكلتك في طلبه إلى حيلتك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(293) أي يجمعون الاطعمة من أطراف القرى.
(294) المسح - بالكسر -: البلاس معرب پلاس. والحث: الصب. والعج: رفع الصوت. وفى نسخة (ورجعوا).
(295) أمره تعالى إيّاه بالدعاء على سبيل الندب أو التخيير، وعرض ادريس (عليه السلام) عن التأخير زجرهم عن الفساد وتنبيههم لئلا يخالفوا ربهم بعد دخوله فيهم.
(296) في بعض النسخ (ولم تنكر).
(297) في البحار (مأذقتك الجوع).
فهبط إدريس (عليه السلام) من موضعه إلى قرية يطلب اكلة من جوع فلمّا دخل القرية نظر إلى دخان في بعض منازلها فأقبل نحوه فهجم على عجوز كبيرة وهي ترقق قرصتين لها على مقلاة، فقال لها: أيّتها المرأة أطعميني فاني مجهود من الجوع فقالت له: يا عبد الله ما تركت لنا دعوة إدريس فضلاً نطعمه أحداً - وحلفت أنّها ما تملك غيره شيئاً - فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية، فقال لها: أطعميني ما اُمسك به روحي وتحملني به رجلي إلى أن أطلب، قالت: إنّما هما قرصتان واحدة لي والأخرى لابني فإنَّ أطعمتك قوتي مت، وإن أطعمتك قوت ابني مات، وما ههنا فضل اطعمكه، فقال لها: إنَّ ابنك صغير يجزيهه نصف قرصة فيحيى به ويجزيني النصف الآخر فاحيى به وفي ذلك بلغة لى وله، فأكلت المرأة قرصتها وكسرت الأخرى بين إدريس وبين ابنها، فلمّا رأى ابنها إدريس يأكل من قرصته اضطراب حتّى مات، قالت اُمّه: يا عبد الله قتلت عليَّ ابني جزعاً على قوته، قال [لها] إدريس: فأنا احييه بإذن الله تعالى فلا تجزعي، ثمّ أخذ إدريس بعضدي الصبيِّ، ثمَّ قال: أيّتها الرُّوح الخارجة عن بدن هذا الغلام بأمر الله ارجعي إلى بدنه بإذن الله، وأنا إدريس النبيِّ. فرجعت روح الغلام إليه بإذن الله، فلمّا سمعت المرأة كلام إدريس وقوله: (أنا إدريس) ونظرت على ابنها قد عاش بعد الموت قالت: أشهد أنّك إدريس النبيّ وخرجت تنادي بأعلي صوتها في القرية أبشروا بالفرج فقد دخل إدريس قريتكم، ومضى إدريس حتّى جلس على موضع مدينة الجبار الأول فوجدها وهي تلٌّ، فاجتمع إليه أناس من أهل قريته فقالوا له: يا إدريس أما رحمتنا في هذه العشرين سنة الّتي جهدنا فيها ومسّنا الجوع والجهد فيها، فادع الله لنا أن يمطر السّماء علينا قال: لا حتّى يأتيني جبّاركم هذا وجميع أهل قريتكم مشاة حفاة فيسألونّي ذلك، فبلغ الجبار قوله فبعث إليه أربعين رجلاً يأتوه بإدريس فأتوه فقالوا له: إنَّ الجبّار بعثنا إليك لنذهب بك إليه، فدعا عليهم فماتوا، فبلغ الجبّار ذلك، فبعث إليه خمسمائة رجل ليأتوه به فأتوه فقالوا له: يا إدريس أنَّ الجبّار بعثنا إليك لنذهب بك إليه، فقال لهم إدريس: انظروا إلى مصارع أصحابكم فقالوا له: يا إدريس قتلتنا بالجوع منذ عشرين سنة ثمّ تريد أن تدعو علينا بالموت أما لك رحمة؟ فقال: ما أنا بذاهب إليه وما أنا بسائل الله أن يمطر السماء عليكم حتّى يأتيني جبّاركم ماشياً حافياً وأهل قريتكم، فانطلقوا إلى الجبّار
فأخبروه بقول إدريس وسألوه أن يمضي معهم وجميع أهل قريتهم إلى إدريس مشاة حفاة، فأتوه حتّى وقفوا بين يديه خاضعين له طالبين إليه أن يسأل الله (عزَّ وجلَّ) لهم أن يمطر السماء عليهم، فقال لهم إدريس: أمّا الآن فنعم فسأل الله (عزَّ وجلَّ) إدريس عند ذلك أن يمطر السّماء عليهم وعلى قريتهم ونواحيها، فأظلتهم سحابة من السماء وأرعدت وأبرقت وهطلت عليهم(298) من ساعتهم حتّى ظنّوا أنَّه الغرق، فما رجعوا إلى منازلهم حتّى أهمتهم أنفسهم من الماء.
الباب الثاني: في ذكر ظهور نوح (عليه السلام) بالنبوة بعد ذلك
2 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن همّام قال: حدّثنا حميد بن زياد الكوفيِّ(299) قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد ابن الحسن الميثميِّ، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: قال الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) لمّا أظهر الله تبارك وتعالى نبوَّة نوح (عليه السلام) وأيقن الشيعة بالفرج اشتدَّت البلوى وعظمت الفرية إلى أن آل الأمر إلى شدَّة شديدة نالت الشيعة والوثوب على نوح بالضرب المبرَّح(300) حتّى مكث (عليه السلام) في بعض الأوقات مغشّياً عليه ثلاثة أيّام، يجري الدَّم من اذنه ثمّ أفاق، وذلك بعد ثلاثمائة سنة من مبعثه، وهو في خلال ذلك يدعوهم ليلاً ونهاراً فيهربون، ويدعوهم سرّاً فلا يجيبون، ويدعوهم علانية فيولّون، فهمَّ بعد ثلاثمائة سنة بالدُّعاء عليهم، وجلس بعد صلاة الفجر للدُّعاء، فهبط إليه وفدٌ من السماء السّابعة وهم ثلاثة أملاك فسلّموا عليه، ثمّ قالوا له: يا نبيَّ الله لنا حاجة، قال: وما هي؟ قالوا: تؤخِّر الدُّعاء على قومك فإنها أوَّل سطوة لله (عزَّ وجلَّ) في الأرض قال: قد أخّرت الدُّعاء عليهم ثلاثمائة سنة أخرى، وعاد إليهم فصنع ما كان يصنع، ويفعلون ما كانوا يفعلون حتّى إذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(298) هطلت السماء: نزلت عليهم متتابعاً، وهطل المطر إذا تتابع.
(299) في بعض النسخ (محمّد بن هشام قال: حدّثنا أحمد بن زياد الكوفي).
(300) في النهاية: برح به: إذا شق عليه، ومنه الحديث (ضرباً غير مبرح) أي غير شاق.
انقضت ثلاثمائة سنة أخرى ويئس من إيمانهم، جلس في وقت ضحى النهار للدُّعاء فهبط عليه وفدٌ من السماء السادسة (وهم ثلاثة أملاك) فسلّموا عليه، وقالوا: نحن وفدٌ من السماء السادسة خرجنا بكرة وجئناك ضحوة، ثمّ سألوه مثل ما سأله وفد السماء السابعة، فأجابهم إلى مثل ما أجاب أولئك إليه، وعاد (عليه السلام) إلى قومه يدعوهم فلا يزيدهم دعاؤه إلّا فراراً، حتّى انقضت ثلاثمائة سنة تتمّة تسعمائة سنة فصارت إليه الشيعة وشكوا ما ينالهم من العامّة والطواغيت وسألوه الدُّعاء بالفرج، فأجابهم إلى ذلك وصلّى ودعّا فهبط جبرئيل (عليه السلام) فقال له: إنَّ الله تبارك وتعالى أجاب دعوتك فقل للشّيعة: يأكلوا التمر ويغرسوا النّوى ويراعوه حتّى يثمر، فإذا أثمر فرَّجت عنهم، فحمد الله وأثنى عليه وعرَّفهم ذلك فاستبشروا به، فأكلوا التمر وغرسوا النّوى وراعوه حتّى أثمر(301)، ثمّ صاروا إلى نوح (عليه السلام) بالتمر وسألوه أن ينجز لهم الوعد، فسأل الله (عزَّ وجلَّ) في ذلك فأوحى الله إليه قل لهم: كلوا هذا التمر وأغرسوا النّوى فإذا أثمر فرَّجت عنكم، فلمّا ظنّوا أنَّ الخلف قد وقع عليهم، ارتدَّ منهم الثُلث وثبت الثلثان، فأكلوا التمر وغرسوا النّوى حتّى إذا أثمر أتوا به نوحاً (عليه السلام) فأخبروه وسألوه أن ينجز لهم الوعد، فسأل الله (عزَّ وجلَّ) في ذلك، فأوحى الله إليه قل لهم: كلوا هذا التمر، واغرسوا النّوى، فارتدَّ الثلث الآخر وبقي الثلث فأكلوا التمر وغرسوا النّوى، فملا أثمر أتوا به نوحاً (عليه السلام) ثمّ قالوا له: لم يبق منّا إلّا القليل ونحن نتخوَّف على أنفسنا بتأخّر الفرج أن نهلك، فصلّى نوح (عليه السلام) ثمّ قال: يا ربّ لم يبق من أصحابي إلّا هذه العصابة وإنّي أخاف عليهم الهلاك إن تأخر عنهم الفرج، فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه قد أجبت دعاءك فاصنع الفلك وكان بين إجابة الدعاء وبين الطوفان خمسون سنة.
3 - حدّثنا محمّد بن عليٍّ ما جيلويه، ومحمّد بن موسى بن المتوكّل، وأحمد بن محمّد ابن يحيى العطّار رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن الحسين بن - الحسن بن أبان، عن محمّد بن اورمة، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر؛ وعبد الكريم بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(301) في بعض النسخ (فرجت عنهم، فأخبرهم بما أوحى الله إليه ففعلوا ذلك وراعوه حتّى أثمر).
عمرو، عن عبد الحميد بن أبي الدَّيلم، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: عاش نوح بعد النزول من السفينة خمسين سنة(302) ثمَّ أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال له: يا نوح قد انقضت نبوَّتك واستكملت أيّامك فانظر الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوَّة الّتي معك فادفعها إلى ابنك سام فانّي لا أترك الأرض إلّا وفيها عالم تعرف به طاعتي ويكون نجاةً فيما بين قبض النبيِّ ومبعث النبيّ الآخر، ولم أكن أترك النّاس بغير حجّة وداع إلىَّ، وهاد إلى سبيلي، وعارف بأمري، فانّي قد قضيت أن أجعل لكلّ قوم هادياً أهدي به السّعداء ويكون حجّة على الأشقياء، قال: فدفع نوح (عليه السلام) الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوَّة إلى ابنه سام، فأمّا حام ويافث فلم يكن عندهما علم ينتفعان به، قال: وبشّرهم نوح بهود وأمرهم باتّباعه، وأن يفتحوا الوصيّة كلّ عام فينظروا فيها ويكون عيداً لهم كما أمرهم آدم (عليه السلام) قال: فظهرت الجبريّة في ولد حام ويافث فاستخفى ولد سام بما عندهم من العلم، وجرت على سام بعد نوح الدَّولة لحام ويافث وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (وتركنا عليه في الآخرين)(303) يقول: تركت على نوح دولة الجبارين ويعزُّ الله محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بذلك، قال: وولد لحام السند والهند والحبش، وولد لسام العرب والعجم، وجرت عليهم الدَّولة وكانوا يتوارثون الوصيّة عالم بعد عالم حتّى بعث الله (عزَّ وجلَّ) هوداً (عليه السلام).
4 - وحدَّثنا عليُّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقّاق رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعيِّ، عن عمّه الحسين ابن يزيد النوفليِّ، عن عليِّ بن سالم، عن أبيه قال: قال الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): لمّا حضرت نوحاً (عليه السلام) الوفاة دعا الشيعة فقال لهم: اعلموا أنَّه ستكون من بعدي غيبة تظهر فيها الطواغيت، وأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يفرج عنكم بالقائم من ولدي، اسمه هود، له سمَت وسكينة ووقار، يشبهني في خَلقي وخُلقي، وسيهلك الله أعداءكم عند ظهوره بالرِّيح، فلم يزالوا يترقّبون هوداً (عليه السلام) وينتظرون ظهوره حتّى طال عليهم الامد وقست قلوب أكثرهم، فأظهر الله تعالى ذكره نبيّه هوداً (عليه السلام) عند اليأس منهم وتناهى البلاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(302) أورده المجلسي (ره) في البحار باب جمل أحوال نوح (عليه السلام) وقال: ذكره في (ص) - يعنى قصص الأنبياء - بهذا الاسناد إلى قوله (كما أمرهم آدم (عليه السلام)) إلّا أنَّ فيه (خمسمائة سنة) بدل (خمسين سنة) وهو الصواب كما يدلُّ عليه بعض الاخبار. ورواه الكليني (ره) في الكافي أيضاً وفيه (خمسمائة سنة).
(303) الصافات: 78.
بهم واهلك الأعداء بالرِّيح العقيم الّتي وصفها الله تعالى ذكره، فقال: (ما تذر من شيء أتت عليه إلّا جعلته كالرميم)(304) ثمَّ وقعت الغيبة (به) بعد ذلك إلى أنَّ ظهر صالح (عليه السلام).
5 - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن - رضي الله عنهما - قالا: حدّثنا سعد بن - عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، وكرام بن عمرو(305)، عن عبد الحميد بن أبي الدَّيلم، عن الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال: لمّا بعث الله (عزَّ وجلَّ) هودا (عليه السلام) أسلم له العقب من ولد سام، وأمّا الآخرون فقالوا: من أشدّ منا قوة فاهلكوا بالرِّيح العقيم، وأوصاهم هود وبشّرهم بصالح (عليه السلام).
الباب الثالث: ذكر غيبة صالح النبيّ (عليه السلام)
6 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، وسعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميريُّ قالوا: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن عليِّ بن أسباط، عن سيف بن عميرة، عن زيد الشحّام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنَّ صالحاً (عليه السلام) غاب عن قومه زماناً(306)، وكان يوم غاب عنهم كهلاً مبدَّح البطن حسن الجسم، وافر اللّحية، خميص البطن(307) خفيف العارضين مجتمعاً، ربعة من الرجال(308) فلمّا رجع إلى قومه لم يعرفوه بصورته، فرجع إليهم وهم على ثلاث طبقات: طبقة جاحدة لا ترجع أبداً، وأخرى شاكة فيه، واُخرى على يقين فبدأ (عليه السلام) حيث رجع بالطبقة الشاكّة(309) فقال لهم: أنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(304) الذاريات: 42.
(305) كذا. وهو لقب عبد الكريم بن عمرو.
(306) غيبته (عليه السلام) كانت بعد هلاك قومه، ورجوعه كان إلى من آمن به ونجا من العذاب.
(307) (مبدح البطن) لعل المراد به واسع البطن عظيمه، وأما خميص البطن أي ضامره والمراد به ما تحت البطن حيث يشد المنطقة فلا منافاة.
(308) الربعة: المتوسط بين الطول والقصر.
(309) في بعض النسخ (بطبقة الشكاك).
صالح فكذَّبوه وشتموه وزجروه، وقالوا: برئ الله منك إنَّ صالحاً كان في غير صورتك، قال: فأتي الجحّاد فلم يسمعوا منه القول ونفروا منه أشدَّ النفور، ثمّ انطلق إلى الطبقة الثالثة، وهم أهل اليقين فقال لهم: أنا صالح، فقالوا: أخبرنا خبراً لا نشكُّ فيك معه أنّك صالح، فإنّا لا نمتري أنَّ الله تبارك وتعالى الخالق ينقل ويحوِّل في أي صورة شاء، وقد اخبرنا وتدارسنا فيما بيننا بعلامات القائم إذا جاء، وإنّما يصحُّ عندنا إذا أتى الخبر من السماء، فقال لهم صالح: أنا صالح الّذي أتيتكم بالناقة، فقالوا: صدقت وهي الّتي نتدارس فما علامتها؟ فقال: لها شرب ولكم شرب يوم معلوم، قالوا آمنا بالله وبما جئتنا به، فعند ذلك قال الله تبارك وتعالى: (أنَّ صالحا مرسل من ربّه (فقال: أهل اليقين:) إنّا بما أرسل به مؤمنون * قال الّذين استكبروا (وهم الشكّاك والجحّاد:) إنّا بالّذي آمنتم به كافرون)(310) قلت: هل كان فيهم ذلك اليوم عالم به؟ قال: الله أعدل من أن يترك الأرض بلا عالم(311) يدلُّ على الله (عزَّ وجلَّ)، ولقد مكث القوم بعد خروج صالح سبعة أيّام على فترة لا يعرفون إماماً، غير أنّهم على ما في أيديهم من دين الله (عزَّ وجلَّ)، كلمتهم واحدة، فلمّا ظهر صالح (عليه السلام) اجتمعوا عليه. وإنّما مثل القائم (عليه السلام) مثل صالح.
الباب الرابع: في غيبة ابراهيم (عليه السلام)
وأمّا غيبة إبراهيم خليل الرَّحمن صلوات الله عليه فإنها تشبه غيبة قائمنا صلوات الله عليه بل هي أعجب منها لأنّ الله (عزَّ وجلَّ) غيب أثر إبراهيم (عليه السلام) وهو في بطن أمّه حتّى حوَّله (عزَّ وجلَّ) بقدرته من بطنها إلى ظهرها، ثمَّ أخفى أمر ولادته إلى وقت بلوغ الكتاب أجله.
7 - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن - رضي الله عنهما - قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(310) الأعراف 76 و77. وفيها (اتعلمون أنَّ صالحاً - الآية).
(311) في بعض النسخ (بغير عالم).
بن سالم(312)، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أبو إبراهيم (عليه السلام) منجّماً لنمرود بن كنعان، وكان نمرود لا يصدر إلّا عن رأيه، فنظر في النجوم ليلة من اللّيالي فأصبح فقال: لقد رأيت في ليلتي هذه عجباً فقال له نمرود: وما هو؟ فقال: رأيت مولوداً يولد في أرضنا هذه فيكون هلاكنا على يديه، ولا يلبث إلّا قليلاً حتّى يُحمل به، فعجب من ذلك نمرود وقال له: هل حملت به النساء؟ فقال: لا، وكان فيما أوتي به من العلم أنَّه سيحرق بالنّار ولم يكن أوتى أنَّ الله تعالى سينجيه، قال: فحجب النساء عن الرِّجال، فلم يترك امرأة إلّا جعلت بالمدينة حتّى لا يخلص إليهنَّ الرجال(313) قال: ووقع(314) أبو إبراهيم على امرأته فحملت به وظنَّ أنَّه صاحبه، فأرسل إلى نساء من القوابل لا يكون في البطن شيء إلّا علمن به، فنظرن إلى أمِّ إبراهيم، فألزم الله تعالى ذكره ما في الرَّحم الظهر، فقلن: ما نرى شيئاً في بطنها، فلمّا وضعت أُمُّ إبراهيم (به) أراد أبوه أن يذهب به إلى نمرود، فقالت له امرأته: لا تذهب بابنك إلى نمرود فيقتله، دعني أذهب به إلى بعض الغيران(315) أجعله فيه حتّى يأتي عليه أجله ولا يكون أنت تقتل ابنك، فقال لها: فاذهبي به، فذهبت به إلي غار، ثمّ أرضعته، ثمّ جعلت على باب الغار صخرة، ثمّ انصرفت عنه، فجعل الله (عزَّ وجلَّ) رزقه في إبهامه فجعل يمصّها فيشرب لبناً(316) وجعل يشب في اليوم كما يشبُّ غيره في الجمعة ويشبُّ في الجمعة كما يشب غيره في الشهر ويشب في الشهر كما يشبُّ غيره في السنة، فمكث ما شاء الله أن يمكث، ثمَّ إنَّ أُمّه قالت لأبيه: لو أذنت لي حتّى أذهب إلى ذلك الصبيِّ فأراه فعلت، قال: فافعلي، فأتت الغار فإذا هي بإبراهيم (عليه السلام) وإذا عيناه تزهران كأنّهما سراجان، فأخذته وضمّته إلى صدرها وأرضعته ثمّ انصرفت عنه، فسألها أبوه عن الصبيِّ، فقالت له: قد واريته في التّراب، فمكثت تعتلُّ وتخرج في الحاجة وتذهب إلى إبراهيم (عليه السلام) فتضمه إليها وترضعه ثمّ تنصرف، فلمّا تحرك أتته أُمّه كما كانت تأتيه وصنعت كما كانت تصنع، فلمّا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(312) كأن فيه سقطاً لمّا رواه الكليني في روضة الكافي باسناده عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي أيوب الخزاز عن أبى بصير.
(313) أي لا يصل اليهن، وفى الصحاح: خلص إليه الشيء: وصل.
(314) في بعض النسخ (وباشر) بدون (على).
(315) جمع الغار وهو الكهف في الجبل.
(316) في روضة الكافي (فيشخب لبنها).
أرادت الانصراف أخذ بثوبها فقالت له: مالك؟ فقال لها: اذهبي بي معك، فقالت له: حتّى أستأمر أباك(317).
فلم(318) يزل إبراهيم (عليه السلام) في الغيبة مخفيّاً لشخصه، كاتماً لأمره، حتّى ظهر فصدع بأمر الله تعالى ذكره وأظهر الله قدرته فيه. ثمّ غاب (عليه السلام) الغيبة الثّانية، وذلك حين نفاه الطاغوت عن مصر فقال: (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربّي عسى ألّا أكون بدعاء ربي شقيا) قال الله (عزَّ وجلَّ): (فلمّا اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيّاً * ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليّاً)(319) يعني به عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لأنّ إبراهيم قد كان دعا الله (عزَّ وجلَّ) أن يجعل له لسان صدق في الآخرين فجعل الله تبارك وتعالى له ولإسحاق ويعقوب لسان صدق عليّاً فأخبر علىّ (عليه السلام) بأنَّ القائم هو الحادي عشر(320) من ولده وأنّه المهدي الّذي يملا الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وإنّه تكون له غيبة وحيرة يضلُّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون، وأنَّ هذا كائن كما أنَّه مخلوق. وأخبر (عليه السلام) في حديث كميل ابن زياد النخعيّ (أنَّ الأرض لا تخلوا من قائم بحجّة إمّا ظاهر مشهور أو خاف مغمور لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته) وقد أخرجت هذين الخبرين في هذا الكتاب بإسنادهما في باب ما أخبر به أمير المؤمنين (عليه السلام) من وقوع الغيبة وكرّرت ذكرهما للاحتياج إليه على أثر ما ذكرت من قصّة إبراهيم (عليه السلام).
ولإبراهيم (عليه السلام) غيبة أخرى سار فيها في البلاد وحده للاعتبار.
8 - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن - رضى الله عنهما - قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة الثماليِّ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: خرج إبراهيم (عليه السلام) ذات يوم يسير في البلاد ليعتبر، فمرَّ بفلاة من الأرض فإذا هو برجل قائم يصلّى قد قطع إلى السّماء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(317) تتمة الحديث في الكافي ج 8 تحت رقم 558 فليراجع.
(318) من هنا كلام المؤلف لا بقية الحديث.
(319) مريم: 49 - 51.
(320) كذا ولعله وهم من الراوي والصوبا العاشر.
صوته(321) ولباسه شعر، فوقف عليه إبراهيم (عليه السلام) فعجب منه وجلس ينتظر فراغه فلمّا طال ذلك عليه حركه بيده وقال له: إنَّ لي حاجة فخفّف قال: فخفّف الرَّجل وجلس إبراهيم، فقال له إبراهيم (عليه السلام) لمن تصلّي؟ فقال: لاله إبراهيم فقال: من إله إبراهيم؟ قال: الّذي خلقك وخلقني، فقال له إبراهيم: لقد أعجبني نحوك(322) وأنا احب أن أو أخيك في الله (عزَّ وجلَّ)، فأين منزلك إذا أردت زيارتك ولقاءك؟ فقال له الرَّجل: منزلي خلف هذه النطقة(323) - وأشار بيده إلى البحر - وأما مصلّاي فهذا الموضع تصيبني فيه إذا أردتني إن شاء الله، ثمّ قال الرَّجل لإبراهيم: لك حاجة؟ فقال إبراهيم: نعم، فقال الرَّجل: وما هي؟ قال له: تدعو الله وأؤمن أنا على دعاءك أو أدعو أنا وتؤمنّ أنت على دعائي؟ فقال له الرَّجل: وفيم ندعو الله؟ فقال له إبراهيم: للمذنبين المؤمنين، فقال الرَّجل: لا، فقال إبراهيم: ولم؟ فقال: لأنّي دعوت الله منذ ثلاث سنين بدعوة لم أر إجابتها إلى الساعة وأنا أستحيي من الله (عزَّ وجلَّ) أن أدعوه بدعوة حتّى أعلم أنَّه قد أجابني، فقال إبراهيم: وفيما دعوته؟ فقال له الرَّجل: إنّى لفي مصلّاي هذا ذات يوم إذ مرَّبي غلام أروع(324) النور يطلع من جبهته، له ذؤابة من خلفه، ومعه بقر يسوقها كأنّما دهنت دهنا، وغنم يسوقها كأنّما دخست دخساً(325) قال: فأعجبني ما رأيت منه فقلت: يا غلام لمن هذه البقر، والغنم؟ فقال: لي(326) فقلت: ومن أنت! فقال: أنا إسماعيل بن إبراهيم خليل الرَّحمن (عزَّ وجلَّ)، فدعوت الله (عزَّ وجلَّ) عند ذلك وسألته أن يريني خليله، فقال له إبراهيم (عليه السلام): فأنا إبراهيم خليل الرحمن وذلك الغلام ابني، فقال له الرَّجل عند ذلك: الحمد الله ربّ العالمين الّذي أجاب دعوتي قال: ثمّ قبل الرَّجل صفحتي وجه إبراهيم وعانقة، ثمّ قال: الآن فنعم وداع(327) حتّى أؤمنّ على دعائك، فدعا إبراهيم (عليه السلام) للمؤمنين والمؤمنات المذنبين من يومه ذلك إلى يوم القيامة بالمغفرة والرِّضا عنهم، قال: وأمنَّ الرَّجل على دعائه، [قال] فقال أبو جعفر (عليه السلام):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(321) كذا وفي الكافي (طوله). والقطع كما في الوافي: العمود، ولعله تصحيف (رفع).
(322) أي طريقتك في العبادة، والنحو: الطريق.
(323) النطفة: الماء الصافي قل أو كثر.
(324) الاروع - كجعفر - من الرجال: الّذي يعجبك حسنه.
(325) الدخس - بالمعجمعة بين المهملتين -: الورم والسمن.
(326) في الكافي ج 8 ص 392 تحت رقم 591 (فقال لابراهيم).
(327) في الكافي (فقم وادع).
فدعوة إبراهيم بالغة للمؤمنين المذنبين من شيعتنا إلى يوم القيامة.
الباب الخامس: في غيبة يوسف (عليه السلام)
وأمّا غيبة يوسف (عليه السلام) فإنّها كانت عشرين سنة لم يدهّن فيها ولم يكتحل ولم يتطيب لم يمسَّ النِّساء حتّى جمع الله ليعقوب شمله وجمع بين يوسف وإخوته وأبيه وخالته، كان منها ثلاثة أيّام في الجبِّ، وفي السّجن بضع سنين، وفي الملك باقي سنية. وكان هو بمصر ويعقوب بفلسطين، وكان بينهما مسيرة تسعة أيّام فاختلفت عليه الأحوال في غيبته من إجماع إخوته على قتله ثمّ إلقائهم إيّاه في غيابت الجبّ، ثمّ بيعهم إيّاه بثمن بخس دراهم معدودة، ثمّ بلواه بفتنة امرأة العزيز، ثمّ بالسجن بضع سنين، ثمّ صار إليه بعد ذلك ملك مصر(328)، وجمع الله - تعالى ذكره - شمله وأراده تأويل رؤياه.
9 - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن اورمة، عن أحمد بن الحسن الميثميِّ، عن الحسن الواسطيِّ، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قدم أعرابيُّ على يوسف ليشتري منه طعاما فباعه، فلمّا فرغ قال له يوسف: أين منزلك؟
قال له: بموضع كذا وكذا: فقال له: فإذا مررت بوادي كذا وكذا فقف فناد: يا يعقوب! يا يعقوب! فإنّه سيخرج إليك رجلٌ عظيمٌ جميلٌ جسيمٌ وسيمٌ، فقل له: لقيت رجلاً بمصر وهو يقرئك السّلام ويقول لك: إنَّ وديعتك عند الله (عزَّ وجلَّ) لن تضيع، قال: فمضى الأعرابيُّ حتّى انتهى إلى الموضع فقال لغلمانه: احفظوا علىَّ الإبل ثمّ نادي: يا يعقوب! يا يعقوب! فخرج إليه رجل أعمى طويل جسيم جميل يتّقي الحائط بيده حتّى أقبل فقال له الرّجل: أنت يعقوب؟ قال: نعم فأبلغه ما قال له يوسف قال: فسقط مغشيّاً عليه، ثمّ أفاق فقال: يا أعرابيُّ ألك حاجة إلى الله (عزَّ وجلَّ)؟ فقال له: نعم إنّي رجلٌ كثير المال ولي ابنة عمٍّ ليس يولد لى منها وأحب أن تدعو الله أن يرزقني ولداً، قال: فتوضّأ يعقوب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(328) الّذي يظهر من القرآن وبعض الأخبار أنَّه صار عزيز مصر لا ملكه، والعزيز رئيس الدولة، والملك هو فرعون مصر.
وصلّى ركعتين ثمّ دعا الله (عزَّ وجلَّ)، فرزق أربعة أبطن أو قال ستة أبطن في كلِّ بطن اثنان.
فكان يعقوب (عليه السلام) يعلم أنَّ يوسف (عليه السلام) حيٌّ لم يمت وأنَّ الله - تعالى ذكره - سيظهره له بعد غيبته وكان يقول لبنيه: (إنّي أعلم من الله ما لا تعلمون)(329) وكان أهله وأقرباؤه يفنّدونه على ذكره ليوسف حتّى أنَّه لمّا وجد ريح يوسف قال: (إنّي لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون * قالوا تالله إنّك لفي ضلالك القديم * فلمّا أن جاء البشير (وهو يهودا ابنه وألقى قميص يوسف) على وجهه فارتدّ بصيراً * قال ألم أقل لكم إنّى أعلم من الله ما لا تعلمون)(330).
10 - حدّثنا محمّد بن علىٍّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن - يحيى العطّار قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن اورمة، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي إسماعيل السِّراج، عن بشر بن جعفر، عن المفضّل - الجعفيِّ أظنّه -(331) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: أرتدي ما كان قميص يوسف (عليه السلام)؟ قلت: لا قال: أنَّ إبراهيم (عليه السلام) لمّا أوقدت له النّار أتاه جبرئيل (عليه السلام) بثوب من ثياب الجنّة وألبسه إيّاه فلم يضرَّه معه حر ولا برد، فلمّا حضر إبراهيم الموت جعله في تميمة(332) وعلقه إسحاق، وعلّقه إسحاق على يعقوب، فلمّا ولد ليعقوب يوسف علّقه عليه، وكان في عضده حتّى كان من أمره ما كان، فلمّا أخرج يوسف القميص من التميمة، وجد يعقوب ريحه، وهو قوله: إنّي لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون)(333) فهو ذلك القميص الّذي انزل من الجنّة، قال: قلت: جعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص؟ قال: إلى أهله ثمّ قال: كلُّ نبيٍّ ورث علما أو غيره فقد انتهي إلى [آل] محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(329) يوسف: 98.
(330) يوسف: 95 - 98.
(331) في الكافي ج 1 ص 232 (عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)).
(332) التميمة: الخرزة الّتي تعلق على الانسان وغيره من الحيوانات، ويقال لكل عوذة تعلق عليه.
(333) يوسف: 95 والتفنيد: النسبة إلى الفند وهو نقصان عقل يحدث من الهرم.
فروي (أنَّ القائم (عليه السلام) إذا خرج يكون عليه قميص يوسف، ومعه عصا موسى، وخاتم سليمان (عليهم السلام)).
والدَّليل على أنَّ يعقوب (عليه السلام) علم بحياة يوسف (عليه السلام) وأنّه إنّما غيّب عنه لبلوي واختبار: أنَّه لمّا رجع إليه بنوه يبكون قال لهم: يا بني لم تبكون وتدعون بالويل؟ ومالي ما أري فيكم حبيبي يوسف؟ (قالوا يا أبانا إنّا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذِّئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنّا صادقين)(334) هذا قميصه قد أتيناك به، قال: ألقوه إلىَّ، فألقوه إليه وألقاه على وجهه فخرَّ مغشيّاً عليه، فما أفاق قال لهم: يا بنيَّ ألستم تزعمون أنَّ الذئب قد أكل حبيبي يوسف؟ قالوا: نعم، قال: مالي لا أشمُّ ريح لحمه؟! ومالي أري قميصه صحيحا؟ هبوا أنَّ القميص(335) انكشف من أسفله أرأيتم ما كان في منكبيه وعنقه كيف خلص إليه الذِّئب من غير أن يخرقه، إنَّ هذا الذِّئب لمكذوب عليه، وإنَّ ابني لمظلوم (بل سوَّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) وتولّى عنهم ليلتهم تلك لا يكلّمهم وأقبل يرثي يوسف ويقول: حبيبي يوسف الّذي أؤثره جميع أولادي فاختلس منّى حبيبي يوسف الذي كنت أرجوه من بين أولادي فاختلس منّي، حبيبي يوسف الّذي اوسده يميني وادثره بشمالي فاختلس منّي، حبيبي يوسف الّذي كنت أونس به وحدتي فاختلس منّي، حبيبي يوسف ليت شعري في أيِّ الجبال طرحوك، أم في أيِّ البحار غرقوك، حبيبي يوسف ليتني كنت معك فيصيبني الّذي أصابك.
ومن الدّليل على أنَّ يعقوب (عليه السلام) علم بحياة يوسف (عليه السلام) وأنّه في الغيبة قوله: (عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً)(336) وقوله لبنيه (يا بنيَّ اذهبوا فتحسّسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله أنَّه لا ييأس من روح الله إلّا القوم الكافرون)(337).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(334) يوسف: 18.
(335) أي احسبوا. تتقول: هب زيدا منطلقا بمعنى احسب، يتعدي إلى مفعولين ولا يستعمل منه ماض ولا مستقبل في هذا المعنى (الصحاح).
(336) يوسف: 84.
(337) يوسف: 88.
وقال الصادق (عليه السلام): إنَّ يعقوب (عليه السلام) قال لملك الموت: أخبرني عن الأرواح تقبضها مجتمعة أو متفرِّقة؟ قال: بل متفرِّقة قال: فهل قبضت روح يوسف في جملة ما قبضت من الأرواح؟ قال: لا، فعند ذلك قال لبنيه: (يا بنيَّ اذهبوا فتحسّسوا من يوسف وأخيه) فحال العارفين في وقتنا هذا بصاحب زماننا الغائب (عليه السلام) حال يعقوب (عليه السلام) في معرفته بيوسف وغيبته وحال الجاهلين به وبغيبته والمعاندين في أمره حال أهله وأقربائه(338) الّذين بلغ من جهلهم بأمر يوسف وغيبته حتّى قالوا لأبيهم يعقوب: (تالله إنّك لفي ضلالك القديم). وقول يعقوب - لمّا ألقى البشير قميص يوسف على وجهه فارتدَّ بصيراً -: (ألم أقل لكم إنّي أعلم من الله ما لا تعلمون) دليلٌ على أنَّه قد كان علم أنَّ يوسف حيٌّ وإنّه إنّما غيب عنه للبلوي والامتحان.
11 - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن - رضي الله عنهما - قالا: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أحمد بن هلال، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن فضالة بن أيّوب، عن سدير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنَّ في القائم سنّة من يوسف، قلت كأنك تذكر خبره أو غيبته؟ فقال لي: وما تنكر هذه الأمة أشباه الخنازير أنَّ إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء تاجروا يوسف وبايعوه وهم إخوته وهو أخو هم فلم يعرفوه حتّى قال لهم: (أنا يوسف وهذا أخي) فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله (عزَّ وجلَّ) في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجّته عنهم لقد كان يوسف يوماً ملك مصر وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً(339) فلو أراد الله تبارك وتعالى أن يعرِّفه مكانه لقدر على ذلك والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة في تسعة أيّام إلى مصر، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله (عزَّ وجلَّ) يفعل بحجّته ما فعل بيوسف أن يكون يسير فيما بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتّى يأذن الله (عزَّ وجلَّ) له أن يعرِّفهم نفسه كما أذن ليوسف (عليه السلام) حين قال لهم: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون * قالوا إنّك لانت يوسف * قال أنا يوسف وهذا أخي)(340).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(338) في بعض النسخ (حال اخوة يوسف).
(339) قد مر ويأتي أنَّه مسيرة تسعة أيّام ولعله مبني على سرعة السير عند البشارة.
(340) يوسف: 90.
الباب السادس: في غيبة موسى (عليه السلام)
12 - وأما غيبة موسى النبيّ (عليه السلام) فإنه حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا أبو سعيد سهل بن زياد الأدميُّ الرازيُّ قال: حدّثنا محمّد بن آدم النسائي(341)، عن أبيه آدم بن أبي إياس قال: حدّثنا المبارك بن فضالة عن سعيد بن جبير، عن سيّد العابدين عليِّ بن الحسين، عن أبيه سيّد الشّهداء الحسين بن علىٍّ، عن أبيه سيّد الوصيّين أمير المؤمنين علىٍّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لمّا حضرت يوسف (عليه السلام) الوفاة جمع شيعته وأهل بيته فحمد الله وأثنى عليه ثمّ حدّثهم بشدة تنالهم، يقتل فيها الرجال وتشق بطون الحبالي وتذبح الأطفال حتّى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوي بن يعقوب، وهو رجل أسمر طوال، ونعّته لهم بنعته، فتمسّكوا بذلك ووقعت الغيبة والشدَّة على بني إسرائيل وهم منتظرون قيام القائم أربع مائة سنة حتّى إذا بشروا بولادته ورأوا علامات ظهوره واشتدَّت عليهم البلوى، وحمل عليهم بالخشب والحجارة، وطلبُ الفقيه الّذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر، وراسلوه فقالوا: كنّا مع الشدّة نستريح إلى حديثك، فخرج بهم إلى بعض الصحاري وجلس يحدثهم حديث القائم ونعته وقرب الأمر، وكانت ليلة قمراء، فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم موسى (عليه السلام) وكان في ذلك الوقت حديث السنِّ وقد خرج من دار فرعون يظهر النزهة فعدل عن موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خزِّ، فلمّا رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه وانكبَّ على قدميه فقّبلهما ثمّ قال: الحمد لله الّذي لم يُمتني حتّى أرانيك، فلمّا رأى الشيعة ذلك علموا أنَّه صاحبهم فأكبوا على الأرض شكراً لله (عزَّ وجلَّ)، فلم يزدهم على أن قال: أرجو أن يعجّل الله فرجكم(342)، ثمّ غاب بعد ذلك، وخرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما أقام، فكانت الغيبة الثانية أشدَّ عليهم من الأولى وكان نيّفاً وخمسين سنة واشتدَّت البلوى عليهم واستتر الفقيه فبعثوا إليه أنَّه لا صبر لنا على استتارك عنا، فخرج إلى بعض الصحاري واستدعاهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(341) كذا والظاهر أنَّه عبيد بن آدم بن اياس العسقلاني فصحف وليس هو محمّد بن آدم ابن سليمان الجهني المصيصي الّذي روى عن سعيد بن جبير.
(342) أي قال موسى (عليه السلام): ارجو أن يعجل الله تعالى فرجكم، ولم يزد على هذا الدعاء ولم يتكلم بشيء آخر سوي ذلك ثمّ غاب عنهم.
وطيب نفوسهم(343) وأعلمهم أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أوحى إليه أنَّه مفرِّج عنهم بعد أربعين سنة، فقالوا بأجمعهم: الحمد لله، فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه(344) قل لهم: قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم (الحمد لله)، فقالوا: كلُّ نعمة فمن الله، فأوحى الله إليه قل لهم: قد جعلتها عشرين سنة، فقالوا: لا يأتي بالخير إلّا الله، فأوحى الله إليه قل لهم: قد جعلتها عشرا، فقالوا: لا يصرف السوء إلّا الله، فأوحى الله إليه قل لهم: لا تبرحوا فقد أذنت لكم في فرجكم، فبينا هم كذلك إذ طلع موسى (عليه السلام) راكباً حماراً. فأراد الفقيه أن يعرِّف الشّيعة ما يستبصرون به فيه، وجاء موسى حتّى وقف عليهم فسلّم عليهم فقال له الفقيه: ما اسمك؟ فقال: موسى، قال: ابن من؟ قال: ابن عمران، قال: ابن من؟ قال: ابن قاهث(345) بن لاوي بن يعقوب، قال: بماذا جئت؟ قال: جئت بالرِّسالة من عند الله (عزَّ وجلَّ)، فقام إليه فقبّل يده، ثمّ جلس بينهم فطيّب نفوسهم وأمرهم أمره ثمّ فرَّقهم، فكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة.
13 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ؛ ومحمّد بن يحيى العطّار؛ وأحمد ابن إدريس جميعاً قالوا: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيِّ، عن أبان بن عثمان، عن محمّد الحلبيِّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أنَّ يوسف ابن يعقوب صلوات الله عليهما حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب وهم ثمانون رجلاً فقال: أنَّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ويسومونكم سوء العذاب وإنّما ينجيكم الله من أيديهم برجل من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران (عليه السلام)، غلامٌ طوال جعد آدم. فجعل الرَّجل من بني إسرائيل يسمّي ابنه عمران ويسمّي عمران ابنه موسى.
فذكر أبان بن عثمان، عن أبي الحسين(346) عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّه قال: ما خرج موسى حتّى خرج قبله خمسون كذابا من بني إسرائيل كلهم يدعي أنَّه موسى ابن عمران.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(343) في بعض النسخ (وطيب قلوبهم).
(344) أي الى الفقيه ولعله كان نبيّاً أو المراد الالهام كما كان لام موسى (عليه السلام).
(345) بالقاف فالهاء ثمّ الثاء المثلثة كما في المعارف لابي قتيبة.
(346) في بعض النسخ (أبي الحصين).
فبلغ فرعون أنّهم يرجفون به ويطلبون هذا الغلام(347) وقال له كهنته وسحرته: أنَّ هلاك دينك وقومك على يدي هذا الغلام الّذي يولد العام من بني إسرائيل. فوضع القوابل على النساء وقال: لا يولد العام ولد إلّا ذبح، ووضع على أُمِّ موسى قابلة فلمّا رأى ذلك بنو إسرائيل قالوا: إذا ذبح الغلمان واستحيي النساء هلكنا، فلم نبق، فتعالوا: لا نقرب النساء، فقال عمران أبو موسى (عليه السلام): بل باشروهنَّ فإنَّ أمر الله واقع ولو كره المشركون، اللّهمّ من حرَّمه فإني لا احرِّمه، ومن تركه فإني لا أتركه، ووقع على أُمِّ موسى(348) فحملت، فوضع على اُمِّ موسى قابلة تحرسها فإذا قامت قامت وإذا قعدت قعدت، فلمّا حملته أُمّه وقعت عليها المحبّة وكذلك حجج الله على خلقه، فقالت لها القابلة: مالك يا بنيّة تصفرِّين وتذوبين؟ قال: لا تلوميني فإنّي إذا ولدت اُخذ ولدي فذبح، قالت: لا تحزني فإنى سوف أكتم عليك، فلم تُصدِّقها، فلمّا أن ولدت إلتفت إليها وهي مقبلة فقالت: ما شاء الله، فقالت لها: ألم أقل: إنّي سوف أكتم عليك، ثمّ حملته فأدخلته المخدع(349) وأصلحت أمره، ثمّ خرجت إلى الحرس فقالت: انصرفوا - وكانوا على الباب - فإنما خرج دم منقطع فانصرفوا، فأرضعته فلمّا خافت عليه الصوت أوحى الله إليه أن اعملي التابوت، ثمّ اجعليه فيه، ثمّ أخرجيه ليلا فاطرحيه في نيل مصر فوضعته في التابوت، ثمّ دفعته في اليم، فجعل يرجع إليها وجعلت تدفعه في الغمر، وان الريح ضربته فانطلقت به، فلمّا رأته قد ذهب به الماء همت أن تصيح فربط الله على قلبها.
قال: وكانت المرأة الصالحة امرأة فرعون وهي من بني إسرائيل، قالت لفرعون: إنّها أيّام الربيع فأخرجني واضرب لي قبّة على شطِّ النّيل حتّى أتنزّه هذه الأيّام، فضربت لها قبّة على شط النيل إذ أقبل التابوت يريدها، فقالت: هل ترون ما أرى على الماء؟ قالوا: إي والله يا سيّدتنا إنّا لنرى شيئاً، فلمّا دنا منها ثارت إلى الماء فتناولته بيدها وكاد الماء يغمرها حتّى تصايحوا عليها فجذبته وأخرجته من الماء فأخذته فوضعته في حجرها، فإذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(347) في بعض النسخ (يرجعون به ويظنون هذا الغلام). وأرجف القوم بالاخبار إي خاضوا فيها وافتتنوا.
(348) في بعض النسخ (وباشر ام موسى).
(349) المخدع والمخدع - بالكسر والضم -: الخزانة والبيت الداخل.
هو غلام أجمل النّاس وأسترهم فوقعت عليها منه محبّة، فوضعته في حجرها وقالت: هذا ابني، فقالوا: إي والله يا سيدتنا والله مالك ولدٌ ولا للملك فاتّخذي هذا ولداً، فقامت إلى فرعون وقالت: إنّي أصبت غلاماً طيّباً حلواً نتّخذه ولداً فيكون قرَّة عين لي ولك فلا تقتله، قال: ومن أين هذا الغلام؟ قالت: والله ما أدري إلّا أنَّ الماء جاء به، فلم تزل به حتّى رضي، فلمّا سمع النّاس أنَّ الملك قد تبنى ابنا لم يبق أحد من رؤوس من كان مع فرعون إلّا بعث إليه امرأته لتكون له ظئراً أو تحضنه فأبى أن يأخذ من امرأة منهنَّ ثدياً، قال امرأة فرعون: اطلبوا لابني ظئراً ولا تحقّروا أحداً، فجعل لا يقبل من امرأة منهنَّ، فقالت اُمّ موسى لأخته: قصّيه(350) انظري أترين له أثراً، فانطلقت حتّى أتت باب الملك فقالت: قد بلغني أنّكم تطلبون ظئراً وههنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم وتكفّله لكم، فقالت: ادخلوها، فلمّا دخلت قالت لها امرأة فرعون: ممّن أنت؟ قالت: من بني إسرائيل قالت: اذهبي بابنيّة فليس لنا فيك حاجة، فقلن لها النّساء: انظري عافاك الله يقبل أولا يقبل، فقالت امرأة فرعون: أرأيتم لو قبل ها يرضى فرعون أن يكون الغلام من بني إسرائيل والمرأة من بني إسرائيل - يعني الظئر - فلا يرضى قلن: فانظري يقبل أولا يقبل، قالت امرأة فرعون: فاذهبي فادعيها، فجاءت إلى اُمّها وقالت: أنَّ امرأة الملك تدعوك فدخلت عليها فدفع إليها موسى فوضعته في حجرها، ثمّ ألقمته ثديها فازدحم اللّبن في حلقه، فلمّا رأت امرأة فرعون أنَّ ابنها قد قبل قامت إلى فرعون فقالت: إنّي قد أصبت لابني ظئراً وقد قبل منها، فقال: ممّن هي؟ قالت: من بني إسرائيل قال: فرعون هذا ممّا لا يكون أبداً، الغلام من بني إسرائيل والظئر من بني إسرائيل فلم تزل تكلّمه فيه وتقول: ما تخاف من هذا الغلام؟ إنّما هو ابنك ينشؤ في حجرك حتّى قلبته عن رأيته ورضي.
فنشأ موسى (عليه السلام) في آل فرعون وكتمت أمه خبره وأخته والقابلة، حتّى هلكت أمه والقابلة الّتي قبلته، فنشأ (عليه السلام) لا يعلم به بنو إسرائيل قال: وكانت بنو إسرائيل تطلبه وتسأل عنه فيعمى عليهم خبره، قال: فبلغ فرعون أنّهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(350) يعني اتبعيه، يقال: قص الاثر واقتصه إذا تبعه.
يطلبونه ويسألون عنه، فأرسل إليهم فزاد في العذاب عليهم، وفرَّق بينهم ونهاهم عن الأخبار به والسؤال عنه، قال: فخرجت بنو إسرائيل ذات ليلة مقمرة إلى شيخ لهم عنده عليم فقالوا: قد كنّا نستريح إلى الأحاديث فحتّى متى وإلى متى نحن في هذا البلاء؟ قال: والله إنّكم لا تزالون فيه حتّى يجيء الله تعالى ذكره بغلام من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران غلام طوال جعد فبينما هم كذلك إذ أقبل موسى يسير على بغلة حتّى وقف عليهم، فرفع الشيخ رأسه فعرفه بالصّفة فقال له: ما اسمك يرحمك الله؟ قال: موسى، قال: ابن من؟ قال: ابن عمران، قال: فوثب إليه الشيخ فأخذ بيده فقبّلها وثاروا إلى رجله فقبّلوها فعرفهم وعرفوه واتّخذ شيعة.
فمكث بعد ذلك ما شاء الله، ثمّ خرج فدخل مدينة لفرعون فيها رجلٌ من شيعته يقاتل رجلاً من آل فرعون من القبط، فاستغاثه الّذي من شيعته على الّذي من عدوه القبطيِّ فوكزه موسى فقضي عليه، وكان موسى (عليه السلام) قد أعطى بسطة في الجسم وشدَّة في البطش، فذكره النّاس وشاع أمره، وقالوا: إنَّ موسى قتل رجلاً من آل فرعون فأصبح في المدينة خائفا يترقّب فلمّا أصبحوا من الغد إذا الرَّجل الّذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر، فقال له موسى: إنّك لغويٌّ مبين، بالأمس رجل واليوم رجل (فلمّا أراد أن يبطش بالّذي هو عدوٌّ لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريد إلّا أن تكون جّباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين * وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى أنَّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنّي لك من الناصحين * فخرج منها خائفاً يترقّب)(351) فخرج من مصر بغير ظهر(352) ولا دابّة ولا خادم، تخفضه أرض وترفعه أخرى حتّى انتهى إلى أرض مدين، فانتهى إلى أصل شجرة فنزل فإذا تحتها بئر وإذا عندها امة من النّاس يسقون، وإذا جاريتان ضعيفتان، وإذا معهما غنيمة لهما، قال: ما خطبكما قالتا: أبونا شيخ كبير ونحن جاريتان ضعيفتان لا نقدر أن نزاحم الرِّجال فإذا سقى النّاس سقينا، فرحمهما موسى (عليه السلام) فأخذ دلوهما وقال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(351) راجع سورة القصص 14 إلى 20.
(352) أي بلا رفيق ومعين أو بغير زاد وراحلة.
لهما: قدِّ ما غنمكما فسقى لهما، ثمّ رجعتا بكرة قبل النّاس، ثمّ تولى موسى إلى الشجرة فجلس تحتها، (فقال ربِّ إني لما أنزلت إلى من خير فقير) - فروي أنَّه قال ذلك وهو محتاج إلى شقِّ تمرة - فلمّا رجعتا إلى أبيهما قال: ما أعجلكما في هذه السّاعة؟ قالتا: وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقي لنا، فقال لإحديهما إذهبي فادعيه لي فجاءته تمشي على استحياء قالت إنَّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا. فروي أنَّ موسى (عليه السلام) قال لها: وجّهني إلى الطريق وامشي خلفي فإنّا بنو يعقوب لا ننظر في أعجاز النساء (فلمّا جاءه وقصَّ عليه القصص قال: لا تخف نجوت من القوم الظالمين * قالت إحداهما يا أبت استأجره أنَّ خير من استأجرت القويُّ الأمين * قال إنّي أريد أن أنكحت إحدى ابنتيَّ هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإنَّ أتممت عشراً فمن عندك). فروي أنَّه قضى أتمّهما لأنّ الأنبياء (عليهم السلام) لا يأخذون إلّا بالفضل والتمام. فلمّا قضي موسى الأجل وسار بأهله نحو بيت المقدس أخطأ عن الطريق ليلا فرأي نارا فقال لأهله: امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو بخبر من الطريق، فلمّا انتهى إلى النار إذا شجرة تضطرم(353) من أسفلها إلى أعلاها، فلمّا دنا منها تأخرت عنه فرجع وأوجس في نفسه خيفة، ثمّ دنت منه الشجرة فنودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أنَّ يا موسى إنّي أنا الله ربُّ العالمين، وأن ألق عصاك فلمّا رآها تهتز كأنها جان ولى مدبر اولم يعقب فإذا حية مثل الجذع لأسنانها(354) صرير يخرج منها مثل لهب النّار، فولى موسى مدبرا فقال له ربّه (عزَّ وجلَّ): ارجع فرجع وهو يرتعد وركبتاه تصطكّان، فقال: يا إلهي هذا الكلام الّذي أسمع كلامك؟ قال: نعم فلا تخف، فوقع عليه الأمان فوضع رجله على ذنبها، ثمّ تناول لحييها فإذا يده في شعبة العصا قد عادت عصا، وقيل له: اخلع نعليك إنّك بالواد المقدِّس طوي.
فروى أنَّه أمر بخلعهما لأنهما كانتا من جلد حمار ميّت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(353) الضرام: اشتعال النار واضطرمت النار إذا التهبت. (الصحاح).
(354) في بعض النسخ (لانيابها). والجذع من الدواب الشاب الفتى فمن الابل ما دخل في السنة الخامسة ومن البقر والمعز ما في الثانية ومن الضأن ما تمت له سنة.
[وروي في قوله (عزَّ وجلَّ) (فاخلع نعليك) أي خوفيك: خوفك من ضياع أهلك وخوفك من فرعون].
ثمَّ أرسله الله (عزَّ وجلَّ) إلى فرعون وملئه بآيتين بيده والعصا. فروي عن الصادق (عليه السلام) أنَّه قال لبعض أصحابه: كن لمّا لا ترجو أرجى منك لمّا ترجو، فإنَّ موسى بن عمران (عليه السلام) خرج ليقتبس لأهله ناراً، فرجع إليهم وهو رسولٌ نبيٌّ فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيّه موسى (عليه السلام) في ليلة، وهكذا يفعل الله تبارك وتعالى بالقائم الثاني عشر من الأئمّة (عليهم السلام)، يصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيّه موسى (عليه السلام) ويخرجه من الحيرة والغيبة إلى نور الفرج والظهور.
14 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا المعلّى بن محمّد البصريّ، عن محمّد بن جمهور؛ وغيره، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: في القائم (عليه السلام) سنة من موسى بن عمران (عليه السلام) فقلت: وما سنته من موسى بن عمران؟ قال: خفاء مولده، وغيبته عن قومه، فقلت: وكم غاب موسى عن أهله وقومه؟ فقال: ثماني وعشرين سنة.
15 - وحدثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق المكتب رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن عبد الله بن منصور قال: حدّثنا محمّد بن هارون الهاشميُّ قال: حدّثنا أحمد بن عيسى قال: حدّثنا أبو الحسين أحمد بن سليمان الرُّهاويّ(355) قال: حدّثنا معاوية بن هشام، عن إبراهيم بن محمّد بن الحنفيّة، عن أبيه محمّد، عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): المهدي منا أهل البيت، يصلح الله له أمره في ليلة. وفي رواية اخري يصلحه الله في ليلة.
16 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا عبد الله ابن جعفر الحميريّ، عن محمّد بن عيسى، عن سليمان بن داود(356)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(355) الظاهر هو أحمد بن سليمان بن عبد الملك بن أبي شيبة الجزري أبو الحسين الرهاوي الحافظ المعنون في تهذيب التهذيب فقيه صدوق. والرهاوي بضم الراء المهملة كما في الخلاصة.
(356) يعني المنقري.
عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: في صاحب هذا الامر أربع سنّن من أربعة أنبياء، سنة من موسى، وسنّة من عيسى، وسنّة من يوسف، وسنّة من محمّد صلوات الله عليهم أجمعين، فأمّا من موسى فخائف يترقّب، وأمّا من يوسف فالسّجن، وأمّا من عيسى فيقال له: أنَّه مات ولم يمت، وأما من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فالسيف.
17 - حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال: حدّثنا الحسن بن عليٍّ السكريُّ قال: حدّثنا محمّد بن زكريا البصريُّ قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): أخبرني بوفاة موسى بن عمران (عليه السلام)، فقال: إنَّه لمّا أتاه أجله واستوفي مدَّته وانقطع أكله أتاه ملك الموت (عليه السلام) فقال له: السلام عليك يا كليم الله، فقال موسى: وعليك السلام من أنت؟ فقال: أنا ملك الموت، قال: ما الّذي جاء بك؟ قال: جئت لأقبض روحك، فقال له موسى (عليه السلام): من أين تقبض روحي؟ قال: من فمك، قال موسى (عليه السلام): كيف وقد كلّمت به ربّي جلَّ جلاله، قال: فمن يديك، قال: كيف وقد حملت بهما التوراة، قال: فمن رجليك، قال: كيف وقد وطأت بهما طور سيناء، قال: فمن عينك، قال: كيف ولم تزال إلى ربّى بالرجاء ممدودة قال: فمن اذنيك، قال: يكف وقد سمعت بهما كلام ربى (عزَّ وجلَّ)، قال: فأوحي الله تبارك وتعالى إلى ملك الموت: لا تقبض روحه حتّى يكون هو الّذي يريد ذلك، وخرج ملك الموت، فمكث موسى (عليه السلام) ما شاء الله أن يمكث بعد ذلك، ودعا يوشع بن نون فأوصى إليه وأمره بكتمان أمره وبأن يوصى بعده إلي من يقوم بالأمر، وغاب موسى (عليه السلام) عن قومه فمرَّ في غيبته برجل وهو يحفر قبراً فقال له: إلّا اعينك على حفر هذا القبر؟ فقال له الرَّجل: بلى، فأعانه حتّى حفر القبر وسوّي اللّحد، ثمّ اضطجع فيه موسى (عليه السلام) لينظر كيف هو فكشف الله له
الغطاء فرأى مكانه في الجنّة، فقال: يا ربِّ اقبضني إليك، فقبض ملك الموت روحه مكانه ودفنه في القبر وسوى عليه التراب، وكان الّذي يحفر القبر ملك الموت(357) في صورة آدميٍّ، وكان ذلك في التيه، فصاح صائح من السّماء: مات موسى كليم الله، وأي نفس لا تموت، فحدَّثني أبي عن جدِّي عن أبيه (عليهم السلام) أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سئل عن قبر موسى أين هو؟ فقال: هو عند الطريق الأعظم عند الكثيب الأحمر.
ثمَّ أنَّ يوشع بن نون (عليه السلام) قام بالأمر بعد موسى (عليه السلام) صابراً من الطواغيت على اللأواء(358) والضرَّاء والجهد البلاء حتّى مضى منهم ثلاث طواغيت، فقوي بعدهم أمره فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى (عليه السلام) بصفراء بنت شعيب امرأة موسى (عليه السلام) في مائة ألف رجل. فقاتلوا يوشع بن نون (عليه السلام) فقتلهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم الباقين بإذن الله تعالى ذكره، وأسر صفراء بنت شعيب، وقال لها: قد عفوت عنك في الدُّنيا إلى أن ألقى نبيَّ الله موسى (عليه السلام) فأشكو إليه ما لقيت منك ومن قومك.
فقالت صفراء: واويلاه، والله لو أبيحت لي الجنّة لاستحييت أن أرى فيها رسول الله وقد هتكت حجابه، وخرجت على وصيّه بعده، فاستتر الأئمّة بعد يوشع بن نون إلى زمان داود (عليه السلام) أربعمائة سنة وكانوا أحد عشر وكان قوم كلّ واحد منهم يختلفون إليه في وقته ويأخذون عنه معالم دينهم حتّى انتهى الأمر إلى آخرهم، فغاب عنهم ثمّ ظهر [لهم] فبشّرهم بداود (عليه السلام) وأخبرهم أنَّ داود (عليه السلام) هو الّذي يطهّر الأرض من جالوت وجنوده، ويكون فرجهم في ظهوره فكانوا ينتظرونه، فلمّا كان زمان داود (عليه السلام) كان له أربعة إخوة ولهم أب شيخ كبير، وكان داود (عليه السلام) من بينهم حامل الذِّكر وكان أصغر أخوته لا يعلمون أنَّه داود النبيّ المنتظر الّذي يطهّر الأرض من جالوت وجنوده، وكانت الشيعة يعلمون أنَّه قد ولد وبلغ اشدَّه وكانوا يرونه ويشاهدونه ولا يعلمون أنَّه هو.
فخرج داود (عليه السلام) وإخوته وأبوهم لمّا فصل طالوت بالجنود وتخلّف عنهم داود، وقال: ما يصنع بي في هذا الوجه، فاستهان به إخوته وأبوه وأقام في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(357) لفظة (الموت) ليست في الامالي ولا في بعض النسخ الكتاب.
(358) اللأواء: الشدة.
غنم أبيه يرعاها فاشتدَّ الحرب وأصاب النّاس جهد، فرجع أبوه وقال لداود: احمل إلى إخوتك طعاماً يتقوّون به على العدوِّ، وكان (عليه السلام) رجلاً قصيراً قليل الشعر طاهر القلب، أخلاقه نقيّة، فخرج والقوم متقاربون بعضهم من بعض قد رجع كلُّ واحد منهم إلى مركزه، فمرَّ داود (عليه السلام) على حجر فقال الحجر له بنداء رفيع: يا داود خذني فاقتل بي جالوت فإنّي إنّما خلقت لقتله. فأخذه ووضعه في مخلاته الّتي كانت تكون فيها حجارته الّتي كان يرمي بها غنمه، فلمّا دخل العسكر سمعهم يعظّمون أمر جالوت، فقال لهم: ما تعظّمون من أمره فو الله لئن عاينته لاقتلنّه، فتحدِّثوا بخبره حتّى أدخل على طالوت فقال له: يا فتى ما عندك من القوَّة وما جرَّبت من نفسك؟ قال: قد كان الأسد يعدوا على الشاة من غنمي فأدركه فآخذ برأسه وأفكُّ لحييه عنها فأخذها من فيه، وكان الله تبارك وتعالى أوحى الله إلى طالوت أنَّه لا يقتل جالوت إلّا من لبس درعك فملأها، فدعا بدرعه فلبسها داود (عليه السلام) فاستوت عليه فراع(359) ذلك طالوت ومن حضره من بني إسرائيل فقال: عسى الله أن يقتل به جالوت، فلمّا أصبحوا والتقى النّاس قال داود (عليه السلام): أروني جالوت فلمّا رآه أخذ الحجر فرماه به فصكَّ به بين عينيه فدمغه(360) وتنكّس عن دابته فقال النّاس: قتل داود جالوت، وملّكه النّاس(361) حتّى لم يكن يسمع لطالوت ذكر، واجتمعت عليه بنو إسرائيل وأنزل الله تبارك وتعالى عليه الزَّبور وعلّمه صنعة الحديد فليّنه له(362) وأمر الجبال والطّير أن تسبح معه، وأعطاه صوتاً لم يسمع بمثله حسناً، وأعطاه قوَّه في العبادة. وأقام في بني إسرائيل نبيّاً.
وهكذا(363) يكون سبيل القائم (عليه السلام) له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه، وأنطقه الله (عزَّ وجلَّ) فناداه اخرج يا وليَّ الله فاقتل أعداء الله، وله سيف مغمد إذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السّيف من غمده(364) وأنطقه الله (عزَّ وجلَّ) فناداه السّيف اخرج يا وليَّ الله فلا يحلُّ لك أن تقعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(359) أي أعجب من راعه يروعه أي أفزعه وأعجبه.
(360) دمغه أي شجه حتّى بلغت الشجة الدماغ.
(361) أي عدوه ملكاً لهم، وفي بعض النسخ (وملكه الله (عزَّ وجلَّ) النّاس).
(362) قالوا إنّما كشف ذوب الحديد قبل ميلاد المسيح بالف سنة وهو زمان داود (عليه السلام). ويسمونه عصر الحديد وفي التنزيل: (وألنا له الحديد).
(363) كلام المؤلف.
(364) الغمد بكسر المعجمة: غلاف السيف.
عن أعداء الله، فيخرج (عليه السلام) ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم(365) ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله (عزَّ وجلَّ).
حدّثني بذلك أبو الحسن أحمد بن ثابت الدَّواليني بمدينة السلام، عن محمّد بن الفضل النحويِّ، عن محمّد بن عليِّ بن عبد الصمد الكوفيِّ، عن عليّ بن عاصم، عن محمّد بن عليّ ابن موسى، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في آخر حديث طويل - قد أخرجته في هذا الكتاب في باب ما روي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من النصِّ على القائم (عليه السلام) وأنّه الثاني عشر من الأئمّة (عليهم السلام) -.
ثمَّ(366) إنَّ داود (عليه السلام) أراد أن يستخلف سليمان (عليه السلام) لأنّ الله (عزَّ وجلَّ) أوحى إليه يأمره بذلك، فلمّا أخبر بني إسرائيل ضجّوا من ذلك وقالوا: يستخلف علينا حدثاً وفينا من هو أكبر منه، فدعا أسباط بني إسرائيل فقال لهم: قد بلغني مقالتكم فأروني عصيّكم فأيُّ عصا أثمرت فصاحبها وليُّ الأمر من بعدي، فقالوا: رضينا، فقال: ليكتب كلُّ واحد منكم اسمه على عصاه، فكتبوه ثمّ جاء سليمان (عليه السلام) بعصاه فكتب عليها اسمه، ثمّ أدخلت بيتاً وأغلق الباب وحرسته رؤوس أسباط بني إسرائيل، فلمّا أصبح صلى بهم الغداة، ثمّ أقبل ففتح الباب فأخرج عصيّهم وقد أورقت وعصا سليمان قد أثمرت، فسلّموا ذلك لداود (عليه السلام)، فاختبره بحضرة بني إسرائيل فقال له: يا بني أيُّ شيء أبرد؟ قال: عفو الله عن النّاس وعفوا النّاس بعضهم عن بعض، قال: يا بني فأي شيء أحلى؟ قال: المحبّة وهو روح الله في عباده. فافترَّ داود ضاحكاً(367) فسار به في بني إسرائيل، فقال: هذا خليفتي فيكم من بعدي، ثمّ أخفى سليمان بعد ذلك أمره وتزوج بامرأة واستتر من شيعته ما شاء الله أن يستتر، ثمّ إنَّ امرأته قالت له ذات يوم: بأبي أنت وأميّ ما أكمل خصالك وأطيب ريحك ولا أعلم لك خصلة أكرهها إلّا أنّك في مؤونة أبي فلو دخلت السوق فتعرَّضت لرزق الله رجوت أن لا يخيّبك، فقال لها سليمان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(365) أي حيث وجدهم وصادفهم.
(366) تتمة الخبر.
(367) افتر أي ضحك ضحكاً حسناً.
(عليه السلام): إنّي والله ما عملت عملاً قطُّ ولا أحسنه، فدخل السّوق فجال يومه ذلك ثمّ رجع فلم يصب شيئاً، فقال لها: ما أصبت شيئاً، قالت: لا عليك أن لم يكن اليوم كان غداً، فلمّا كان من الغد خرج إلى السوق فجال يومه فلم يقدر على شيء، ورجع فأخبرها فقالت له: يكون غداً إن شاء الله، فلمّا كان من اليوم الثالث مضى حتّى انتهى إلى ساحل البحر فإذا هو بصياد، فقال له: هل لك أن أعينك وتعطينا شيئاً قال: نعم، فأعانه فلمّا فرغ أعطاه الصيّاد سمكتين فأخذهما وحمد الله (عزَّ وجلَّ)، ثمّ إنَّه شقَّ بطن إحديهما فإذا هو بخاتم في بطنها فأخذه فصرَّه في ثوبه(368) فحمد الله وأصلح السمكتين وجاء بهما إلى منزله ففرحت امرأته بذلك، وقالت له: إنّي أريد أن تدعو أبويَّ حتّى يعلما إنّك قد كسبت، فدعاهما فأكلا معه، فلمّا فرغوا قال لهم: هل تعرفوني؟ قالوا: لا والله إلّا أنّا لم نر إلّا خيراً منك، قال: فأخرج خاتمه فلبسه فحنَّ عليه الطير والريح وغشيه الملك، وحمل الجارية وأبويها إلى بلاد اصطخر، واجتمعت إليه الشيعة واستبشروا به ففرَّج الله عنهم ممّا كانوا فيه من حيرة غيبته، فلمّا حضرته الوفاة أوصى إلى آصف بن برخيا بأمر الله تعالى ذكره، فلم يزل بينهم تختلف إليه الشيعة ويأخذون عنه معالم دينهم، ثمّ غيب الله تبارك وتعالى آصف غيبة طال أمدها، ثمّ ظهر لهم فبقي بين قومه ما شاء الله، ثمّ أنَّه ودَّعهم فقالوا له: أين الملتقى؟ قال: على الصراط، وغاب عنهم ما شاء الله فاشتدَّت البلوى على بني إسرائيل بغيبته وتسلّط عليهم بختنّصر فجعل يقتل من يظفر به منهم ويطلب من يهرب ويسبي ذراريهم، فاصطفى من السبي من أهل بيت يهودا أربعة نفر فيهم دانيال واصطفى من ولد هارون عزيراً وهم يومئذ صبية صغار فمكثوا في يده وبنو إسرائيل في العذاب المهين، والحجّة دانيال (عليه السلام) أسير في يد بختنصّر تسعين سنة، فلمّا عرف فضله وسمع أنَّ بني إسرائيل ينتظرون خروجه ويرجون الفرج في ظهوره وعلى يده أمر أن يُجعل في جبٍّ عظيم واسع ويجعل معه الأسد ليأكله، فلم يقربه، وأمر أن لا يطعم فكان الله تبارك وتعالى يأتيه بطعامه وشرابه على يد نبيٍّ من أنبيائه فكان دانيال يصوم النّهار ويفطر باللّيل على ما يدلى إليه من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(368) أي ربطه في ثوبه.
الطعام فاشتدَّت البلوى على شيعته وقومه والمنتظرين له ولظهوره وشكَّ أكثرهم في الدِّين لطول الأمد.
فلمّا تناهى البلاء بدانيال (عليه السلام) وبقومه رأى بختنصّر في المنام كانَّ ملائكة من السّماء قد هبطت إلى الأرض أفواجاً إلى الجبِّ الّذي فيه دانيال مسلّمين عليه يبشِّرونه بالفرج، فلمّا أصبح ندم على ما أتى إلى دانيال فأمر بأن تخرج من الجبِّ فلمّا اُخرج اعتذر إليه ممّا ارتكب منه من التعذيب، ثمّ فوَّض إليه النَّظر في أمور ممالكه والقضاء بين النّاس، فظهر من كان مستتراً من بني إسرائيل ورفعوا رؤوسهم واجتمعوا إلى دانيال (عليه السلام) موقنين بالفرج فلم يلبث إلّا القليل على تلك الحال حتّى مات وأفضى الامر بعده إلى عزير (عليه السلام) فكانوا يجتمعون إليه ويأنسون به ويأخذون عنه معالم دينهم، فغيّب الله عنهم شخصه مائة عام ثمّ بعثه وغابت الحجج بعده واشتدت البلوى على بني إسرائيل حتّى ولد يحيى بن زكريّا (عليهما السلام) وترعرع فظهر وله سبع سنين فقام في النّاس خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه وذكرّهم بأيّام الله، وأخبرهم أنَّ محن الصالحين إنّما كانت لذنوب بني إسرائيل وأنَّ العاقبة للمتقين ووعدهم الفرج بقيام المسيح (عليه السلام) بعد نيّف وعشرين سنة من هذا القول، فلمّا ولد المسيح (عليه السلام) أخفى الله عزّ وجلّ ولادته وغيب شخصه، لأنّ مريم (عليها السلام) لمّا حملته انبتذت به مكاناً قصيّاً، ثمّ أنَّ زكريا وخالتها أقبلا يقصان أثرها حتّى هجما عليها وقد وضعت ما في بطنها وهي تقول: (يا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسيّاً) فأطلق الله تعالى ذكره لسانه بعذرها وإظهار حجّتها، فلمّا ظهرت اشتدَّت البلوى والطلب على بني إسرائيل وأكبَّ الجبابرة والطواغيت عليهم حتّى كان من أمر المسيح ما قد أخبر الله (عزَّ وجلَّ) به واستتر شمعون بن حمون والشيعة حتّى أفضى بهم الاستتار إلى جزيرة من جزائر البحر فأقاموا بها ففجَّر الله لهم العيون العذبة وأخرج لهم من كلِّ الثمرات، وجعل لهم فيها الماشية وبعث إليهم سمكة تدعى القمد لا لحم لها ولا عظم وإنّما هي جلد ودم فخرجت من البحر فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إلى النحل أن تركبها، فركبتها فأتت النحل إلى تلك الجزيرة ونهض النحل وتعلَّق بالشجر فعرش وبنى وكثر العسل ولم يكونوا يفقدون شيئاً من أخبار المسيح (عليه السلام).
الباب الثامن: بشارة عيسى بن مريم (عليه السلام) بالنبي محمّد المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
18 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلوديُّ البصريُّ بالبصرة قال: حدّثنا محمّد بن عطيّة الشاميُّ قال: حدّثنا عبد الله بن عمر وبن سعيد البصريُّ قال: حدّثنا هشام بن - جعفر، عن حماد بن عبد الله بن سليمان(369) وكان قارئاً للكتب قال: قرأت في الانجيل: يا عيسى جَّد في أمري ولا تهزل، واسمع وأطع، يا ابن الطاهرة الطهر البكر البتول أنت من غير فحل، أنا خلقتك آية للعالمين فإيّاي فاعبد، وعليَّ فتوكّل، خذ الكتاب بقوَّة، فسّر لأهل سوريا بالسّريانيّة، بلّغ من بين يديك إنّي أنا الله الدّائم الّذي لا أزول، صدِّقوا النبيّ الامّي صاحب الجمل والمدرعة والتاج - وهي العمامة - والنعلين والهراوة - وهي القضيب -، الانجل العينين، الصلت الجبين، الواضح الخدَّين، الاقنى الانف(370) مفلّج الثنايا، كأنَّ عنقه إبريق فضّة، كأنَّ الذَّهب يجري في تراقيه، له شعرات من صدره إلى سرَّته، ليس على بطنه ولا على صدره شعرٌ، أسمر اللّون، دقيق المسربة(371) شثن الكفِّ والقدم(372) إذا التفت التفت جميعاً، وإذا مشى فكأنّما يتقلّع من الصّخر، وينحدر من صبب(373) وإذا جاء مع القوم بذَّهم(374)، عرقه في وجهه كاللّؤلؤ، وريح المسك تنفح منه، لم ير قبله مثله ولا بعده، طيّب الرِّيح، نكاح للنساء، ذو النسل القليل إنّما نسله من مباركة(375) لها بيت في الجنّة، لا ضحب فيه ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(369) كذا والصواب (حدّثنا هشام بن سنبر أبو عبد الله، عن حماد بن أبى سليمان).
(370) المدرعة - كمكنسة -: ثوب كالدراعة ولا تكون إلّا من صوف. والهراوة: العصا. وفى القاموس النجل - بالتحريك -: سعة العين فهو أنجل. والصلت الجبين أي واسعة وأقنى الانف: محدبه أي ارتفع وسط قصبة أنفه وضاق منخراه.
(371) مفلج الثنايا أي منفرجها. وقوله (كأن الذهب يجرى في تراقيه) التراقي جمع الترقوه وهو العظم الّذي بين ثغرة النحر والعاتق ولعله كناية عن حمرة ترقوته. والمسربة بضم الراء: ما دق من شعر الصدر سائلا إلى الجوف.
(372) شثن الكفين أي أنّهما يميلان إلى الغلظ والقصر. وقيل: هو الّذي في أنامله غلظ بلا قصر يمدح في الرجال لأنّه أشد لقبضهم ويذم في النساء. (النهاية).
(373) أي يرفع رجليه من الأرض رفعاً بيناً بقوة دون احتشام، لا كمن يمشى اختيالا ويقارب خطاه لأنّ ذلك من مشى النساء والصبب ما انحدر من الأرض أو الطريق.
(374) في النهاية في الحديث (بذ العالمين) أي سبقهم وغلبهم.
(375) يعني فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
نصب(376)، يكفّلها في آخر الزَّمان كما كفل زكريّا اُمّك، لها فرخان مستشهدان، كلامه القرآن، ودينه الإسلام، وأنا السّلام. فطوبى لمن أدرك زمانه، وشهد أيّامه، وسمع كلامه.
قال عيسى: يا ربّ وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنّة أنا غرستها بيدي تظلُّ الجنان، أصلها من رضوان، ماؤها من تسنيم(377) برده برد كافور، وطعمه طعم الزَّنجبيل من شرب من تلك العين شربة لا يظمأ بعدها أبداً.
فقال عيسى (عليه السلام)(378): اللّهمّ اسقني منها، قال: حرام يا عيسى على البشر أن تشربوا منها حتّى يشرب ذلك النبيّ، وحرام على الأمم أن يشربوا منها حتّى تشرب منها أمّة ذلك النبيّ، يا عيسى أرفعك إليَّ ثمّ أهبطك في آخر الزَّمان لترى من أمة ذلك النبيِّ العجائب ولتعينهم على اللّعين الدّجّال أهبطك في وقت الصلاة لتصلّي معهم، إنّهم أمة مرحومة.
وكانت للمسيح (عليه السلام) غيبات يسيح فيها في الأرض، فلا يعرف قومه وشيعته خبره، ثمّ ظهر فأوصى إلى شمعون بن حمون (عليه السلام) فلمّا مضى شمعون غابت الحجج بعده واشتدَّت الطلب، وعظمت البلوى، ودرس الدِّين، وضيعت الحقوق، وأميتت الفروض والسّنن، وذهب النّاس يميناً وشمالاً لا يعرفون أيّاً من أيٍّ، فكانت الغيبة مائتين وخمسين سنة.
19 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار، وسعد بن عبد الله جميعاً، عن أيّوب بن نوح، عن عبد الله بن المغيرة، عن سعد بن أبي خلف، عن
معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): بقي النّاس بعد عيسى بن مريم (عليه السلام) خمسين ومائتي سنة بلا حجّة ظاهرة.
20 - حدّثنا أبي رحمه الله قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن يعقوب ابن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعد بن أبي خلف، عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(376) الصخب - بالتحريك -: الضجة والصياح والجلبة. والنصب: التعب والداء.
(377) اسم عين في الجنّة ويقال: هو أرفع شراب أهلها. تسنمهم من فوقهم.
(378) من كلام المصنف.
يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان بين عيسى وبين محمّد (عليهما السلام) خمسمائة عام منها مائتان وخمسون عاما ليس فيها نبيٌّ ولا عالمٌ ظاهر، قلت: فما كانوا؟ قال: كانوا متمسّكين بدين عيسى (عليه السلام)، قلت: فما كانوا؟ قال: كانوا مؤمنين، ثمّ قال (عليه السلام): ولا يكون الأرض إلّا وفيها عالم.
وكان ممّن ضرب في الأرض لطلب الحجّة سلمان الفارسيُّ رضي الله عنه فلم يزل ينتقل من عالم إلى عالم، ومن فقيه إلى فقيه، ويبحث عن الأسرار ويستدلُّ بالأخبار منتظراً لقيام القائم سيّد الأولين والآخرين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أربعمائة سنة حتّى بشّر بولادته، فلمّا أيقن بالفرج خرج يريد تهامة فسبي.
الباب التاسع: خبر سلمان الفارسي - رحمه الله عليه - في ذلك
21 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار؛ وأحمد ابن إدريس جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن عليِّ بن مهزيار، عن أبيه، عمّن ذكره، عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: قلت: يا بن رسول الله إلّا تخبرنا كيف كان سبب إسلام سلمان الفارسيِّ؟ قال: حدّثني أبي صلوات الله عليه أنَّ أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلمان الفارسي وأباذرٍّ وجماعة من قريش كانوا مجتمعين عند قبر النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لسلمان: يا أبا عبد الله إلّا تخبرنا بمبدأ أمرك؟ فقال سلمان: والله يا أمير المؤمنين لو أنَّ غيرك سألني ما أخبرته، أنا كنت رجلاً من أهل شيراز من أبناء الدهّاقين وكنت عزيزاً على والديّ فبينا أنا سائر مع أبي في عيد لهم إذا أنا بصومعة وإذا فيها رجلٌ ينادي أشهد أن لا إله إلّا الله وأنَّ عيسى روح الله، وأنَّ محمداً حبيب الله، فرسخ وصف محمّد(379) في لحمي ودمي فلم يهنئني طعام ولا شراب، فقالت لي أمّي: يا بني مالك اليوم لم تسجد لمطلع الشمس؟ قال: فكابرتها حتّى سكتت، فلمّا انصرفت إلى منزلي إذا إنّا بكتاب معلّق في السّقف فقلت لاُمّي: ما هذا الكتاب؟ فقالت: يا روزبه إنَّ هذا الكتاب لمّا رجعنا من عيدنا رأيناه معلّقاً،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(379) في بعض النسخ (فرصف حب محمّد).
فلا تقرب ذلك المكان فانّك أنَّ قربته قتلك أبوك، قال: فجاهدتها حتّى جن الليل فنام أبي وأمي فقمت وأخذت الكتاب وإذا فيه بسم الله الرّحمن الرحيم هذا عهد من الله إلى آدم أنَّه خالق من صلبه نبيّاً يقال له: محمّد، يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن عبادة الأوثان، يا روزبه ائت وصيَّ عيسى وآمن واترك المجوسية، قال: فصعقت صعقة وزادني شدّة قال: فعلم بذلك أبي وأمّي فأخذوني وجعلوني في بئر عميقة، وقالوا لي: أن رجعت وإلّا قتلناك، فقلت لهم: افعلوا بي ما شئتم، حبُّ محمّد لا يذهب من صدري، قال سلمان: ما كنت أعرف العربيّة قبل قراءتي الكتاب، ولقد فهّمني الله (عزَّ وجلَّ) العربية من ذلك اليوم قال: فبقيت في البئر فجعلوا ينزلون في البئر إلىَّ أقراصاً صغاراً.
قال: فلمّا طال أمري رفعت يدي إلى السّماء فقلت: يا رب إنّك حببت محمداً ووصيه إلى فبحق وسيلته عجل فرجي وأرحني ممّا أنا فيه، فأتاني آت عليه ثياب بيض فقال: قم يا روزبه، فأخذ بيدي وأتى بي إلى الصومعة فأنشأت أقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وأن عيسى روح الله، وأن محمداً حبيب الله، فأشرف عليّ الديراني فقال: أنت روزبه؟ فقلت: نعم، فقال: اصعد فأصعدني إليه وخدمته حولين كاملين، فلمّا حضرته
الوفاة قال: إنّي ميّت فقلت له: فعلى من تخلّفني؟ فقال: لا أعرف أحداً يقول بمقالتي هذه إلّا راهباً بأنطاكية، فإذا لقيته فأقرئه منّي السّلام وادفع إليه هذا اللّوح، وناولني لوحاً، فلمّا مات غسلته وكفّنته ودفنته وأخذت اللّوح وسرت به إلى أنطاكية وأتيت الصومعة وأنشأت أقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وأن عيسى روح الله وأن محمداً حبيب الله، فأشرف عليَّ الدَّيرانيُّ فقال: أنت روزبه، فقلت: نعم، فقال: اصعد فصعدت إليه فخدمته حولين كاملين، فلمّا حضرته الوفاة قال لي: إنّي ميّت، فقلت: على من تخلّفني؟ فقال: لا أعرف أحداً يقول بمقالتي هذه إلّا راهباً بالاسكندريّة فإذا أتيته فأقرئه منّي السّلام وادفع إليه هذا اللّوح، فلمّا توّفي غسّلته وكفّنته ودفنته وأخذت اللّوح وأتيت الصومعة وأنشأت أقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنَّ عيسى روح الله وأنَّ محمداً حبيب الله، فأشرف عليَّ الدَّيرانيُّ فقال: أنت روزبه؟ فقلت: نعم، فقال: اصعد فصعدت إليه وخدمته حولين كاملين، فلمّا حضرته الوفاة قال لي: إنّي ميّت فقلت: على من تخلّفني؟ فقال: لا أعرف أحداً يقول بمقالتي هذه في الدُّنيا وإنَّ محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب قد حانت ولادته فإذا أتيته فأقرئه منّي السلام، وادفع إليه هذا اللوح، قال: فلمّا توّفي غسّلته وكفّنته ودفنته وأخذت اللّوح وخرجت، فصحبت قوماً فقلت لهم: يا قوم اكفوني الطعام والشراب أكفكم الخدمة؟ قالوا: نعم، قال: فلمّا أرادوا أن يأكلوا شدّوا على شاة فقتلوها بالضرب، ثمّ جعلوا بعضها كباباً وبعضها شواءً فامتنعت من الأكل، فقالوا: كلّ فقلت: إنّي غلام ديرانيّ وإن الديرانيّين لا يأكلون اللّحم، فضربوني وكادوا يقتلونني فقال بعضهم: امسكوا عنه حتّى يأتيكم شرابكم فانَّه لا يشرب، فلمّا أتوا بالشراب قالوا: اشرب؟ فقلت: إنّى غلام ديرانيّ وإنَّ الدَّيرانيّين لا يشربون الخمر، فشدُّوا عليَّ وأرادوا قتلي، فقلت لهم: يا قوم لا تضربوني ولا تقتلوني فإنّي اقرُّ لكم بالعبوديّة فأقررت لواحد منهم فأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي قال: فسألني عن قصّتي فأخبرته وقلت: له ليس لي ذنب إلّا أنّي أحببت محمّداً ووصيه، فقال اليهوديُّ: وإنّي لأبغضك وابغض محمّداً، ثمّ أخرجني إلى خارج داره وإذا رملٌ كثير على بابه، فقال: والله ياروزبه لئن أصحبت ولم تنقل هذا الرَّمل كله من هذا الموضع لأقتلنك، قال: فجعلت أحمل طول ليلتي فلمّا أجهدني التعب رفعت يدي إلى السّماء وقلت: يا ربّ إنّك حبّبت محمداً ووصيّه إليَّ فبحقِّ وسيلته عجّل فرجي وأرحني ممّا أنا فيه، فبعث الله (عزَّ وجلَّ) ريحاً فقلعت ذلك الرَّمل من مكانه إلى المكان الّذي قال اليهوديُّ، فلمّا أصبح نظر إلى الرمل قد نقل كله، فقال: يا روزبه أنت ساحر وأنا لا أعلم فلأخرجنّك من هذه القرية لئلا تهلكها، قال: فأخرجني وباعني من امرأة سلميّة فأحبّتني حبّاً شديداً وكان لها حائط، فقالت: هذا الحائط لك كلّ منه وما شئت وهب وتصدق.
قال: فبقيت في ذلك الحائط ما شاء الله فبينا أنا ذات يوم في الحائط إذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلّهم غمامة، فقلت في نفسي: والله ما هؤلاء كلّهم أنبياءً ولكنَّ فيهم نبيّاً قال: فأقبلوا حتّى دخلوا الحائط والغمامة تسير معهم، فلمّا دخلوا إذا فيهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وأبوذرٍّ والمقداد وعقيل بن أبي طالب(380) وحمزة بن عبد المطّلب وزيد بن حارثة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(380) فيه وهم كما لا يخفى لأنّ اسلام عقيل على ما ذكروه قبل الحديبية وهو لم يشهد المواقف الّتي قبلها وقد أخرج مع المشركين كرهاً إلى بدر واسر وفداه عمه العبّاس بن عبد المطلب وكان حمزة رضي الله عنه استشهد يوم أحد، واسلام سلمان كان بقباء حين قدوم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المدينة مهاجراً، وعده ابن عبد البر فيمن شهد بدراً، فإنَّ لم نقبل ذلك فلا أقل من حضوره في غزوة الاحزاب فإنَّ المسلمين حفروا الخندق بمشورته، فكيف يجمع بين حمزة وعقيل مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حائط من حيطان المدينة قبل اسلام سلمان رضي الله عنه. ولا يقال: لعل عقيل تصحيف جعفر، لأنّ جعفر حينذاك في الحبشة وقدم المدينة بعد فتح خيبر، ثمّ اعلم أنَّ الامر في الخبر سهل لأنّه مرسل وهو كما ترى يشبه القصص والاساطير، والله العالم.
فدخلوا الحائط فجعلوا يتناولون من حشف النخل ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول لهم: كلوا الحشف ولا تفسدوا على القوم شيئاً، فدخلت على مولاتي فقلت لها: يا مولاتي هبي لي طبقاً من رطب، فقالت: لك ستّة أطباق، قال: فجئت فحملت طبقا من رطب، فقلت في نفسي: إن كان فيهم نبيٌّ فإنه لا يأكل الصدقة، ويأكل الهدية، فوضعته بين يديه، فقلت: هذه صدقة فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كلوا وأمسك رسول الله وأمير المؤمنين وعقيل بن أبى طالب وحمزة بن عبد المطّلب، وقال لزيد: مدَّ يدك وكل فقلت في نفسي هذه علامة، فدخلت إلى مولاتي فقلت لها: هبي لي طبقاً آخر، فقالت: لك ستّة أطباق قال: فجئت فحملت طبقاً من رطب فوضعة بين يديه فقلت: هذه هديّة، فمد يده وقال: بسم الله كلوا ومدَّ القوم جميعاً أيديهم فأكلوا، فقلت في نفسي هذه أيضاً علامة، قال: فبينا أنا أدور خلفه إذ حانت من النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) التفاته، فقال: يا روزبه تطلب خاتم النبوَّة، فقلت: نعم، فكشف عن كتفيه فإذا انا بخاتم النبوَّة معجوم بين كتفيه عليه شعرات قال: فسقطت على قدم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اقبّلها، فقال لي: يا روزبه ادخل إلى هذه المرأة وقل لها يقول لك محمّد بن عبد الله تبيعينا هذا الغلام؟ فدخلت فقلت لها: يا مولاتي إنَّ محمّد بن عبد الله يقول لك: تبيعينا هذا الغلام؟ فقالت قل له: لا أبيعك إلّا بأربعمائة نخلة مائتي نخلة منها صفراء ومائتي نخلة منها حمراء، قال: فجئت إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): فأخبرته، فقال: وما أهون ما سألت، ثمّ قال: قم يا عليّ فاجمع هذا النوي كله فجمعه وأخذه فغرسه، ثمّ قال: إسقه فسقاه أمير المؤمنين فما بلغ آخره حتّى خرج النخل ولحق بعضه بعضاً فقال: لي ادخل إليها وقل لها يقول لك محمّد بن عبد الله: خذي شيئك وادفعي إلينا شيئناً قال: فدخلت عليها وقلت ذلك لها، فخرجت ونظرت إلى النخل فقالت: والله لا أبيعكه إلّا بأربعمائة نخلة كلّها صفراء، قال: فهبط جبرئيل (عليه السلام) فمسح جناحيه على النخل فصار كلّه أصفر، قال: ثمّ قال لي: قل لها: إنَّ محمداً يقول لك: خذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا قال: فقلت لها ذلك فقالت: والله لنخلة من هذه أحب إلي من محمّد ومنك، فقلت لها: والله ليوم واحد مع محمّد أحبُّ إليَّ منك ومن كلِّ شيء أنت فيه، فأعتقني رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسمّاني سلمان.
قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: كان اسم سلمان روزبه بن خشبوذان وما سجد قطُّ لمطلع الشمس وإنّما كان يسجد لله (عزَّ وجلَّ) وكانت القبلة الّتي أمر بالصلاة إليها شرقية وكان أبواه يظنّان أنَّه إنّما يسجد لمطلع الشمس كهيئتهم، وكان سلمان وصيُّ وصيِّ عيسى (عليه السلام) في أداء ما حمّل إلى من انتهت إليه الوصيّة من المعصومين، وهو آبي (عليه السلام)(381) وقد ذكر قوم أنَّ (أبي)(382) هو أبو طالب. وإنّما اشتبه الامر به، لأنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن آخر أوصياء عيسى (عليه السلام) فقال: (آبي) فصحّفه النّاس وقالوا: (أبي) ويقال له: (بردة) أيضاً.
الباب العاشر: في خبر قسّ بن ساعدة الايادي
ومثل قُسِّ بن ساعدة الأياديِّ في علمه وحكمته. كان يعرف النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وينتظر ظهوره ويقول: إنَّ لله ديناً خير من الدِّين الّذي أنتم عليه. وكان النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يترّحم عليه ويقول: يحشر يوم القيامة اُمّة وحده(383).
22 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكّة إذ أقبل إليه وفد فسلّموا عليه، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مَن القوم؟ قالوا: وفد بكر بن وائل، قال: فهل عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الأياديِّ؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: فما فعل؟ قالوا: مات، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الحمد لله ربِّ الموت وربِّ الحياة، كلُّ نفس ذائقة الموت، كأنّي أنظر إلى قسّ بن ساعدة الأيادي وهو بسوق عكاظ على جمل له أحمر وهو يخطب النّاس ويقول: اجتمعوا أيّها النّاس، فإذا اجتمعتم فأنصتوا فإذا أنصتّم فاسمعوا، فإذا سمعتم فعوا، فإذا وعيتم فاحفظوا، فإذا حفظتم فاصدقوا، إلّا إنَّه من عاش مات، ومن مات فات، ومن فات فليس بآت، إنَّ في السّماء خبرا وفي الأرض عبراً، سقفٌ مرفوعٌ، ومهاد موضوع، ونجوم تمور(384) وليل يدور، وبحار ماء [لا] تغور، يحلف قس ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(381) آبي بمد الهمزة وامالة الياء من ألقاب علماء النصارى. وسيأتي في باب نوادر الكتاب أواخر الجزء الثاني أنَّ آخر اوصياء عيسى (عليه السلام) رجل يقال له: بالط. وكأن اسم ذلك الرَّجل (آبي بالط).
(382) كذا ولعل النكتة في عدم النصب حفظ صورة الكلمة لئلا يشتبه بأبي.
(383) المراد أنَّه على دين الحق والتوحيد وليس في زمانه من يدين بدين الحق غيره.
(384) مار الشيء يمور موراً أي تحرك وجاء وذهب.
هذا بلعب وإن من وراء هذا لعجبا، مالي أرى النّاس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا؟ أم تركوا فناموا؟ يحلف قسٌّ يميناً غير كاذبة إنَّ لله ديناً هو خير من الدِّين الّذي أنتم عليه. ثمّ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): رحم الله قُسّاً يحشر يوم القيامة اُمّة وحده، قال: هل فيكم أحد يحسن من شعره شيئاً؟ فقال بعضهم: سمعته يقول:
في الأوّلين الذّاهبين * * * من القرون لنا بصائر
لما رأيت موارداً * * * للوت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها * * * تمضى الأكابر والاصاغر
لا يرجع الماضي إليَّ * * * ولا من الباقين غابر(385)
أيقنت أنّي لا محالة * * * حيث صار القوم صائر
وبلغ من حكمة قسِّ بن ساعدة ومعرفته أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يسأل من يقدم عليه من أياد من حكمه ويصغي إليه سمعه.
23 - حدّثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد قال: حدّثنا أبو الحسن عليّ بن الحسين بن إسماعيل قال: أخبرنا محمّد بن زكريّا قال: حدّثنا عبد الله بن الضحاك، عن هشام، عن أبيه(386) أنَّ وفداً من أياد قدموا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فسألهم عن حكم قسِّ ابن ساعدة فقالوا: قال قس:
يا ناعي الموت والأموات في جدث * * * عليهم من بقايا بزّهم خرق
دعهم فإنَّ لهم يوماً يصاح بهم * * * كما ينبّه من نوماته(387) الصّعق
منهم عراة ومنهم في ثيابهم * * * منها الجديد ومنها الأورق الخَلق(388)
حتى يعودوا بحال غير حالتهم * * * خلق جديد وخلق بعدهم خلقوا
مطر ونبات، وآباء وأمهات، وذاهب وآت، وآيات في أثر آيات، وأموات بعد أموات، ضوء وظلام، وليال وأيّام، وفقير وغني، وسعيدٌ وشقي، ومحسنٌ ومسيءٌ، نبأ لأرباب الغفلة(389)، ليصلحنَّ كلّ عامل عمله، كلّا بل هو الله واحد، ليس بمولود ولا والد، أعاد وأبدا، وإليه المآب غدا.
(385) كذا وفى بعض نسخ الحديث هكذا:
لا يرجع الماضي ولا * يبقى من الباقين غابر
(386) المراد بهشام هشام بن محمّد بن السائب الكلبي. كما يظهر من كتاب مقتضب الأثر ص 37.
(387) في بعض نسخ الحديث (من رقداته).
(388) في بعض النسخ (ومنها الرث والخلق) والرث: البالي كالخلق.
(389) في بعض النسخ (أين الارباب الغفلة) وفي بعضها (الفعلة).
وأمّا بعد يا معشر أياد أين ثمود وعاد؟ وأين الآباء والأجداد؟ أين الحسن الّذي لم يشكر والقبيح الّذي لم ينقم، كلّا وربّ الكعبة ليعودنَّ ما بدا، ولئن ذهب يوم ليعودنَّ يوم.
وهو قسُّ بن ساعدة بن حذاقة بن زهر بن أياد بن نزار، أوَّل من آمن بالبعث من أهل الجاهليّة، وأوَّل من توكّأ على عصا(390) ويقال: إنَّه عاش ستّمائة سنة وكان يعرف النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) باسمه ونسبه ويبشّر النّاس بخروجه، وكان يستعمل التقيّة ويأمر بها في خلال ما يعظ به الناس.
24 - حدّثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد قال: أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن الحسين ابن إسماعيل قال: أخبرنا محمّد بن زكريّا بن دينار قال: حدّثني مهدي بن سابق، عن عبد الله بن عبّاس، عن أبيه قال: جمع قسُّ بن ساعدة ولده فقال: إنَّ المعاتكفيه البقلة وترويه المذقة(391) ومن عيّرك شيئاً ففيه مثله، ومن ظلمك وجد من يظلمه، متى عدلت على نفسك عدل عليك من فوقك، فإذا نهيت عن شيء فابدأ بنفسك، ولا تجمع ما لا تأكل ولا تأكل ما لا تحتاج إليه، وإذا ادَّخرت فلا يكونن كنزك إلّا فعلك، وكن عفَّ العيلة مشترك الغنى تسد قومك، ولا تشاورنَّ مشغولاً وإن كان حازماً، ولا جائعاً وإن كان فهماً، ولا مذعوراً وإن كان ناصحاً، ولا تضعَّن في عنقك طوقا لا يمكنك نزعه إلّا بشقّ نفسك، وإذا خاصمت فاعدل، وإذا قلت فاقتصد، ولا تستودعنَّ أحداً دينك وإن قربت قرابته، فانّك إذا فعلت ذلك لم تزل وجلاً وكان المستودع بالخيار في الوفاء بالعهد، وكنت له عبداً ما بقيت، فإنَّ جنى عليك كنت أولى بذلك، وإن وفي كان الممدوح دونك، عليك بالصّدقة فإنّها تكفر الخطيئة.
فكان قسّ لا يستودع دينه أحداً وكان يتكلّم بما يخفى معناه على العوامِّ ولا يستدركه إلّا الخواصّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(390) أي أول من توكأ على عصا من أهل الجاهلية، أو لضعف كثرة السن أو نحوها ذلك لئلا ينتقض بما حكاه الله سبحانه عن موسى (عليه السلام) (قال هي عصاي أتوكأ عليها - الآية).
(391) المذقة - بفتح الميم والقاف وسكون الدال -: الشربة من اللبن الممذوق. والمذق. المزج والخلط، يقال: مذقت اللبن فهو مذيق إذا خلطته بالماء.
وكان تبع الملك أيضاً ممّن عرف النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وانتظر خروجه لأنّه قد وقع إليه خبره، فعرفه أنَّه سيخرج من مكة نبي يكون مهاجرته إلى يثرب.
25 - محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليٍّ، عن عمر بن أبان، عن أبان رفعه أن تبّع قال في مسيره:
حتى أتاني من قريظة عالمٌ * * * حبر لعمرك في اليهود مسود
قال ازدجر عن قرية محجوبة * * * لنبيِّ مكّة من قريش مهتد
فعفوت عنهم عفو غير مثرَّب(392) * * * وتركتهم لعقاب(393) يوم سرمد
وتركتها لله أرجو عفوه * * * يوم الحساب من الجحيم الموقَد
ولقد تركت له بها من قومنا * * * نفراً أولي حسب وممّن يحمد
نفراً يكون النّصر في أعقابهم * * * أرجو بذاك ثواب ربِّ محمّد
ما كنت أحسب أنَّ بيتاً ظاهراً * * * لله في بطحاء مكّة يعبد
قالوا بمكّة بيت مال داثر(394) * * * وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد
فأردت أمراً حال ربي دونه * * * والله يدفع عن خراب المسجد
فتركت ما أمّلته فيه لهم * * * وتركتهم مثلاً لأهل المشهد(395)
قال أبو عبد الله (عليه السلام): قد أخبر أنَّه(396) سيخرج من هذه - يعني مكّة - نبي يكون مهاجرته إلى يثرب، فأخذ قوماً من اليمن فأنزلهم مع اليهود لينصروه إذا خرج وفي ذلك يقول:
شهدت على أحمدَ أنّه * * * رسول من الله بارئ النسم
فلو مُدّ عمري إلى عمره * * * كنت وزيراً له وابن عمٍّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(392) ثربه وثرب عليه: لامه، قبح عليه فعله وعيره بذنبه.
(393) أي لخوف العقاب.
(394) الدثر - بالفتح -: المال الكثير.
(395) أي من كان ذا قلب حاضر.
(396) في بعض النسخ (كان الخبر أنَّه).
وكنت عذاباً على المشركين * * * سقيهم كأس حتف وغم(397)
26 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنَّ تبعاً قال للاوس والخزرج: كونوا ههنا حتّى يخرج هذا النبيُّ، أما أنا فلو أدركته لخدمته ولخرجت معه.
27 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن الحسين البزّاز قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الاصمُّ قال: حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار العطارديُّ قال: حدّثنا يونس بن بكير الشيبانيُّ(398) عن زكريّا بن يحيى المدني قال: حدَّثني عكرمة قال: سمعت ابن عبّاس يقول: لا يشتبهنَّ عليكم أمر تبع فإنه كان مسلما.
الباب الثاني عشر: في خبر عبد المطلب وأبي طالب
وكان عبد المطّلب وأبو طالب من أعرف العلماء وأعلمهم بشأن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكانا يكتمان ذلك عن الجهال وأهل الكفر والضّلال.
28 - حدّثنا عليُّ بن أحمد بن موسى رضي الله عنه قال: حدّثنا أحمد بن يحيى ابن زكريّا القطّان قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد قال: حدّثنا أبي قال: حدّثني الهيثم بن عمرو المزنيِّ، عن إبراهيم بن عقيل الهذليّ، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان يوضع لعبد المطّلب فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه أحد إلّا هو إجلالاً له وكان بنوه يجلسون حوله حتّى يخرج عبد المطلب، فكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخرج وهو غلام فيمشي حتّى يجلس على الفراش فيعظم ذلك على أعمامه(399) ويأخذونه ليؤخّروه فيقول لهم عبد المطّلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني فو الله إنَّ له لشأناً عظيماً إنّي أرى أنَّه سيأتي عليكم يوم وهو سيّدكم، إنّي أرى غرَّته غرَّة تسود النّاس ثمّ يحمله فيجلسه معه ويمسح ظهره ويقّبله ويقول: ما رأيت قبلةً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(397) الحتف: الموت.
(398) هو يونس بن بكير الشيباني المعنون في التهذيب تحت رقم 844 قال ابن معين صدوق.
(399) في بعض النسخ (فيعظمان ذلك أعمامه).
أطيب منه ولا أطهر قطُّ، ولا جسداً ألين منه ولا أطيب منه، ثمَّ يلتفت إلى أبي طالب وذلك أنَّ عبد الله وأبا طالب لام واحد، فيقول: يا أبا طالب إنَّ لهذا الغلام لشأنا عظيماً فاحفظه واستمسك به فإنّه فرد وحيد وكن له كالاُمِّ، لا يصل إليه بشيء يكرهه، ثمّ يحمله على عنقه فيطوف به اسبوعاً، فكان عبد المطّلب قد علم أنَّه يكره اللّات والعزَّى فلا يدخله عليهما، فلمّا تمّت له ستَّ سنين ماتت اُمّه آمنة بالابواء بين مكّة والمدينة وكانت قدمت به على أخواله من بني عدي فبقي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتيماً لا أب له ولا اُمّ فأزداد عبد المطّلب له رقّة وحفظاً، وكانت هذه حاله حتّى أدركت عبد المطلب الوفاة فبعث إلى أبي طالب ومحمّد على صدره وهو في غمرات الموت وهو يبكي ويلتفت إلى أبي طالب ويقول: يا أبا طالب انظر أن تكون حافظاً لهذا الوحيد الّذي لم يشم رائحة أبيه ولا ذاق شفقة اُمّه، انظر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك فإنّي قد تركت بنيَّ كلّهم واوصيتك به لانّك من اُمّ أبيه، يا أبا طالب إن أدركت أيامه فاعلم أنّي كنت من أبصر النّاس واعلم النّاس به، فإنَّ استطعت أن تتبعه فافعل وانصره بلسانك ويدك ومالك فإنّه والله سيسودكم ويملك ما لم يملك أحدٌ من بني آبائي، يا أبا طالب ما أعلم أحداً من ابائك مات عنه أبوه على حال أبيه ولا امّه على حال امه فاحفظه لوحدته، هل قبلت وصيّتي فيه؟ فقال: نعم قد قبلت، والله عليَّ بذلك شهيد، فقال عبد المطّلب: فمدَّ يدك إليَّ، فمد يده إليه، فضرب يده على يده ثمّ قال عبد المطلب: الان خفّف عليّ الموت، ثمّ لم يزل يقبّله، ويقول: أشهد أنّي لم أقبّل أحداً من ولدي أطيب ريحاً منك ولا أحس وجهاً منك، ويتمنى أن يكون قد بقي حتّى يدرك زمانه، فمات عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين، فضمّه أبو طالب إلى نفسه لا يفارقه ساعة من ليل ولا نهار وكان ينام معه حتّى لا يأتمن عليه أحداً.
29 - حدَّثنا أحمد بن محمّد بن الحسين البزَّاز قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الاصمُّ قال: حدَّثنا أحمد بن عبد الجبّار العطاردي قال: حدَّثنا يونس بن بكير، عن محمّد ابن إسحاق بن يسار المدني(400) قال: حدّثنا العبّاس بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(400) هو محمّد بن اسحاق بن يسار أبو بكر المطلبي مولاهم المدني نزيل العراق، امام المغازي (التقريب).
عبد الله بن سعيد، عن بعض أهله قال: كان يوضع لعبد المطّلب جدُّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فراشٌ في ظلِّ الكعبة فكان لا يجلس عليه أحدٌ من بنيه إجلالاً له، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يأتي حتّى يجلس عليه فيذهب أعمامه ليؤخّروه، فيقول جده عبد المطّلب: دعوا ابني، فيمسح على ظهره ويقول: إنَّ لابني هذا لشأناً.
فتوفّي عبد المطّلب والنبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ابن ثمان سنين بعد عام الفيل بثمان سنين.
30 - حدّثنا عليُّ بن أحمد رضي الله عنه قال: حدّثنا أحمد بن يحيى قال: حدّثنا محمّد ابن إسماعيل قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد قال: حدّثنا أبي، عن خالد بن الياس، عن أبي بكر ابن عبد الله بن أبي جهم قال: حدّثني أبي، عن جدِّي قال: سمعت أبا طالب يحدِّث عن عبد المطلّب قال: بينا أنا نائم في الحجر(401) إذ رأيت رؤيا هالتني فأتيت كاهنة قريش وعليَّ مطرف خزٍّ، وجمّتي(402) تضرب منكبي فلمّا نظرت إليَّ عرفت في وجهي التغيّر فاستوت وأنا يومئذ سيّد قومي، فقالت: ما شأن سيّد العرب متغيّر اللّون هل رابه من حدثان الدَّهر ريب(403) فقلت لها: بلي إنّي رأيت اللّيلة وأنا قائم في الحجر كأنَّ شجرة قد نبتت على ظهري قد نال رأسها السّماء وضربت أغصانها الشرق والغرب ورأيت نوراً يظهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفاً ورأيت العرب والعجم ساجدة لها وهي كلُّ يوم تزداد عظماً ونوراً، ورأيت رهطاً من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا منها أخذهم شابٌّ من أحسن النّاس وجهاً وأنظفهم ثياباً فيأخذهم ويكسر ظهورهم، ويقلع أعينهم، فرفعت يدي لا تناول غصناً من أغصانها، فصاح بي الشابُّ وقال: مهلاً ليس لك منها نصيبٌ، فقلت: لمن النصيب والشجرة منّي؟ فقال النصيب لهؤلاء الّذين قد تعلّقوا بها وستعود(404) إليها فانتبهت مذعوراً فزعاً متغيّر اللّون فرأيت لون الكاهنة قد تغيّر،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(401) يعني حجر اسماعيل (عليه السلام).
(402) المطرف - بضم الميم وكسرها وفتحها الثوب الّذي في طرفيه علمان. والجمة - بالضم والشد -: مجتمع شعر الرأس وما سقط على المنكبين منها وهي أكثر من الوفرة، ويقال للرجل الطويل الجمة: الجماني بالنون على غير قياس (الصحاح).
(403) رابه أمر يريبه: رأى منه ما يكرهه ويزعجه، والريب نازلة الدهر.
(404) في بعض النسخ (سيعود).
ثمّ قالت: لئن صدقت رؤياك ليخرجنَّ من صلبك ولد يملك الشرق والغرب، ينبّأ في النّاس، فسرى عنّي غمّي(405) فانظر يا أبا طالب لعلك تكون أنت، فكان أبو طالب يحدِّث النّاس بهذا الحديث والنبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد خرج ويقول: كانت الشجرة والله أبا القاسم الأمين، فقيل له: فلم لم تؤمن به؟ فقال: للسبّة والعار(406).
قال أبو جعفر محمّد بن عليٍّ مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: إنَّ أبا طالب كان مؤمناً ولكنّه يظهر الشرك ويستتر الايمان ليكون أشدَّ تمكّناً من نصرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
31 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن أيّوب بن نوح، عن العبّاس بن عامر، عن عليِّ بن أبي سارة، عن محمّد ابن مروان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنَّ أبا طالب أظهر الكفر وأسرَّ الإيمان فلمّا حضرته الوفاة أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخرج منها فليس لك بها ناصرٌ. فهاجر إلى المدينة.
32 - حدّثنا أحمد بن محمّد الصائغ قال: حدّثنا محمّد بن أيّوب، عن صالح بن أسباط عن إسماعيل بن محمّد، وعليّ بن عبد الله، عن الرَّبيع بن محمّد المسلي، عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباته قال: سمعت أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول: والله ما عبد أبي ولا جدِّي عبد المطلّب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قطُّ، قيل له: فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم (عليه السلام) متمسّكين به.
33 - حدّثنا عليُّ بن أحمد رضي الله عنه قال: حدّثنا أحمد بن يحيى قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد قال: حدّثنا أبي، عن سعيد بن مسلم، عن قمار مولى لبني مخزوم، عن سعيد بن أبي صالح، عن أبيه(407)، عن ابن عبّاس قال: سمعت أبي العبّاس يحدّث قال: ولد لأبي عبد المطلّب عبد الله فرأينا في وجهه نوراً يزهر كنور الشمس، فقال أبي: أنَّ لهذا الغلام شأناً عظيماً، قال: فرأيت في منامي أنَّه خرج من منخره طائر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(405) سرى الغم: ذهب وزال.
(406) السبة: العار، وقال العلامة المجلسي (ره): يحتمل أن يكون المراد بالذين تعلقوا بها الّذين يريدون قلعها، ويكون قوله: (وستعود) بالتاء أي ستعود تلك الجماعة بعد منازعتهم ومحاربتهم إلى هذه الشجرة ويؤمنون بها فيكون لهم النصيب منها، أو بالياء فيكون المستتر راجعاً إلى الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والبارز في (منها) إلى الجماعة أي سيعود النبيّ إليهم بعد اخراجهم له إلى الشجرة أي سيرجع هذا الشاب إلى الشجرة في اليقظة كما تعلق بها في النوم، واحتمل احتمالين آخرين راجع البحار باب تاريخ ولادته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وما يتعلّق بها.
(407) أبو صالح الّذي يروي عن ابن عباس اسمه ميزان بصري وثقه ابن معين لكن لم أظفر على سعيد في كتب الرجال وكذا راويه قمار أو قصارو السند كما تري عامي مجهول مقطوع.
أبيض فطار فبلغ المشرق والمغرب ثمّ رجع راجعاً حتّى سقط على بيت الكعبة، فسجدت له قريش كلّها، فبينما النّاس يتأمّلونه إذا صار نوراً بين السّماء والارض وامتدَّ حتّى بلغ المشرق والمغرب، فلمّا انتبهت سألت كاهنة بني مخزوم فقالت لي: يا عباس لئن صدقت رؤياك ليخرجنَّ من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعاً له، قال أبي: فهّمني أمر عبد الله إلى أن تزوَّج بآمنة وكانت من أجمل نساء قريش وأتّمها خَلقاً فلمّا مات عبد الله ولدت آمنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أتيت فرأيت النور بين عينيه يزهر فحملته وتفرَّست في وجهه فوجدت منه ريح المسك، وصرت كأنّي قطعة مسك من شدَّة ريحي، فحدَّثتني آمنة وقالت لي: إنَّه لمّا أخذتي الطلق واشتدَّ بي الأمر سمعت جلبة(408) وكلاماً لا يشبه كلام الآدميين، فرأيت علماً من سندس على قضيب من ياقوت قد ضرب بين السّماء والأرض، ورأيت نوراً يسطع من رأسه حتّى بلغ السّماء، ورأيت قصور الشامات كلّها شعلة نور(409)، ورأيت حولي من القطاة أمراً عظيماً قد نشرت من أجنحتها حولي ورأيت تابع شعيرة الاسديّة قد مرَّت وهي تقول: آمنة ما لقيت الكهان والأصنام من ولدك، ورأيت رجلاً شابّاً من أتمّ النّاس طولاً وأشدهم بياضاً وأحسنهم ثياباً ما ظننته إلّا عبد المطلّب قد دنامنّي فأخذ المولود فتفل في فيه ومعه طست من ذهب مضروب بالزُّمرّد ومشط من ذهب فشقَّ بطنه شقّاً ثمّ أخرج قلبه فشقه فأخرج منه نكتة سوداء فرمى به ثمّ أخرج صرَّة من حريرة خضراء ففتحها فإذا فيها كالذَّريرة البيضاء فحشاه، ثمّ ردَّه إلى ما كان، ومسح على بطنه واستنطقه فنطق فلم أفهم ما قال إلّا أنَّه قال: في أمان الله وحفظه وكلاءته، وقد حشوت قلبك إيماناً وعلماً وحلماً ويقيناً وعقلاً وحكماً فأنت خير البشر، طوبى لمن اتّبعك وويل لمن تخلّف عنك، ثمّ أخرج صرَّة أخرى من حريرة بيضاء ففتحها فإذا فيها خاتم فضرب به على كتفيه، ثمّ قال: أمرني ربّي أن أنفخ فيك من روح القدس، فنفخ فيه، وألبسه قميصاً وقال: هذا أمانك من آفات الدُّنيا، فهذا ما رأيت يا عبّاس بعينيّ، فقال العبّاس: وأنا يومئذ أقرء فكشفت عن ثوبه فإذا خاتم النبوَّة بين كتفيه، فلم أزل أكتم شأنه ونسيت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(408) الجلبة: اختلاط الاصوات.
(409) في بعض النسخ (شعلة نار).
الحديث فلم أذكره إلى يوم إسلامي حتّى ذكرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(410).
الباب الثالث عشر: في خبر سيف بن ذى يزن
وكان سيف بن ذي يزن عارفاً بأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد بشربه عبد المطلّب لمّا وفد عليه.
34 - حدّثنا محمّد بن عليٍّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثني عمّي محمّد ابن أبي القاسم، عن محمّد بن عليٍّ الكوفيّ، عن عليّ بن حكيم، عن عمرو بن بكّار العبسي، عن محمّد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس؛ وحدّثنا محمّد بن عليٍّ ابن محمّد بن حاتم البوفكيِّ قال: حدّثنا أبو منصور محمّد بن أحمد بن أزهر بهراة(411) قال: حدَّثنا محمّد بن إسحاق البصريُّ قال: أخبرنا عليُّ بن حرب قال: حدّثني أحمد بن عثمان ابن حكيم قال: حدّثنا عمرو بن بكر(412)، عن أحمد بن القاسم، عن محمّد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس قال: لمّا ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة وذلك بعد مولد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بسنتين أتاه وفد العرب وأشرافها وشعراؤها بالتّهنئة وتمدحه وتذكر ما كان من بلائه وطلبه بثار قومه فأتاه وفدٌ من قريش ومعهم عبد المطلّب بن هاشم واُميّة بن عبد شمس وعبد الله بن جذعان وأسد بن خويلد بن عبد العزّى ووهب ابن عبد مناف في اُناس من وجوه قريش فقدموا عليه صنعاء فاستأذنوا فإذا هو في رأس قصر يقال له: غمدان، وهو الّذي يقول فيه اميّة بن أبي الصّلت:
اشرب هنيئاً عليك التاج مرتفعاً * * * في رأس غُمدان داراً منك محلالا
فدخل عليه الآذن فأخبره بمكانهم، فأذن لهم فلمّا دخلوا عليه دنا عبد المطلّب منه فاستأذنه في الكلام فقال له: إن كنت ممّن يتكلّم بين يدي الملوك فقد أذنّا لك، قال: فقال عبد المطلّب: إنَّ الله قد أحلّك أيّها الملك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(410) في بعض النسخ هنا حديث كعب الأخبار وهو موجود في الامالي ولا حاجة إلى ذكره بعد ما لم يكن في أكثر النسخ -
(411) هو الازهري اللغوي الشافعي المترجم في الوافي بالوفيات ج 2 ص 45 تحت رقم 319، وأما راويه فلم أجده فيما عندي من كتب التراجم. وبوفك قرية من قرى نيسابور. وفي بعض النسخ (محمّد بن عليّ بن حاتم البرمكي) وفي بعضها (النوفلي) ثمّ اعلم أنَّ أكبر رجال السندين مجاهيل أو ضعفاء.
(412) متروك كما في تقريب التهذيب. وفي بعض النسخ (بكير) وهو تصحيف.
محلاً رفيعاً صعباً منيعاً شامخاً باذخاً وأنبتك منبتاً طابت أرومته، وعذبت جرثومته(413) وثبت أصله وبسق فرعه(414) في أكرم موطن وأطيب [موضع وأحسن] معدن، وأنت أبيت اللّعن(415) ملك العرب وربيعها الّذي تُخصب به. وأنت أيّها الملك رأس العرب الّذي له تنقاد، وعمودها الّذي عليه العماد ومعقلها الّذي يلجأ إليه العباد، سلفك خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف، فلن يخمل من أنت سلفه، ولن يهلك من أنت خلفه، نحن أيّها الملك أهل حرم الله وسدنة بيته أشخصنا إليك الّذي أبهجنا من كشف الكرب الّذي فدحنا(416) فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة(417).
قال: وأيّهم أنت أيّها المتكلّم؟ قال: أنا عبد المطلّب بن هاشم، قال: ابن اختنا؟ قال: نعم، قال: ادن، فدنا منه، ثمّ أقبل على القوم وعليه فقال: مرحباً وأهلاً، وناقة ورحلاً، ومستناخاً سهلاً، وملكاً وربحلاً(418)، قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل: وسيلتكم، فأنتم أهل اللّيل وأهل النّهار، ولكم الكرامة ما أقمتم، والحباء إذا ظعنتم(419) قال: ثمّ انهضوا إلى دار الضيافة والوفود فأقاموا شهراً لا يصلون إليه ولا يأذن لهم بالانصراف، ثمّ انتبه لهم انتباهة(420) فأرسل إلى عبدا المطلّب فأدنى مجلسه وأخلاه، ثمّ قال له: يا عبد المطلّب إنّي مفوض إليك(421) من سرِّ علمي أمراً ما لو كان غيرك لم أبح له به ولكنّي رأيتك معدنه فاطلعك طلعة(422) فليكن عندك مطويّاً حتّى يأذن الله فيه فإنَّ الله بالغ أمره، إنّي أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الّذي اخترناه لأنفسنا واحتجنّا دون غيرنا خبراً عظيماً وخطراً جسيماً، فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة، للنّاس عامّة، ولرهطك كافة ولك خاصّة، فقال عبد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(413) الباذخ: الشامخ. والارومة: الاصل. والجرثومة بمعناها.
(414) الباسق: المرتفع، وبسق النخل: طال.
(415) قال الجوهرى: قولهم في تحية الملوك في الجاهلية: (أبيت اللعن) قال ابن السكيت: أي أبيت أن تأتي من الامور ما تلعن عليه.
(416) البهج: السرور. و(فدحنا) أي أثقلنا وبهظنا.
(417) المرزئة: المصيبة العظيمة.
(418) في أكثر النسخ وكنز الفوائد للكراجكي بدون الواو. لكن في البحار (وربحلا) وقال في بيانه في النهاية: الربحل - بكسر الراء وفتح الباء الموحدة -: الكثير العطاء. وفي بعض النسخ (ونجلا) والنجل: النسل.
(419) قوله: و(أنتم أهل الليل والنهار) أي نصحبكم ونأنس بكم فيهما. والحباء العطاء. والظعن: الارتحال.
(420) أي ذكرهم مفاجأة.
(421) في بعض النسخ (إنّي مفض اليك) وهو الاصوب.
(422) في بعض النسخ (فأطلعك عليه).
المطلّب: مثلك أيّها الملك من سرَّ وبرَّ، فما هو فداك أهل الوبر زمراً بعد زمر، فقال: إذا ولد بتهامة غلامٌ بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة ولكم به الدِّعامة(423) إلى يوم القيامة. فقال له عبد المطلّب: أبيت اللّعن لقد ابت بخبر ما آب بمثله وافد، ولو لا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه لسألته عن مسارِّه إيّاي ما ازداد(424) به سروراً، فقال ابن ذي يزن: هذا حينه الّذي يولد فيه أو قد ولد فيه، اسمه محمّد، يموت أبوه وأُمه ويكلفه جدّه وعمّه، وقد ولد سراراً، والله باعثه جهاراً، وجاعل له منّا أنصاراً، ليعزَّبهم أولياؤه، ويذلَّ بهم أعداءه، يضرب بهم النّاس عن عرض(425)، ويستفتح بهم كرائم الأرض، يكسر الأوثان، ويخمد النيران، ويعبد الرَّحمن، ويدحر الشّيطان، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله.
فقال عبد المطلّب: أيّها الملك عزَّ جدُّك وعلا كعبك(426)، ودام ملكك، وطال عمرك فهل الملك ساريِّ بإفصاح فقد أوضح لي بعض الإيضاح، فقال ابن ذي يزن: والبيت ذي الحجب والعلامات على النصب(427) إنّك يا عبد المطلّب لجده غير كذب قال: فخزَّ عبد المطلّب ساجداً فقال له: ارفع رأسك ثلج صدرك(428) وعلا أمرك، فهل أحسست شيئاً ممّا ذكرته؟ فقال: كان لي ابن وكنت به معجباً وعليه رفيقاً فزوجته بكريمة من كرائم قومي اسمها آمنة بنت وهب فجاءت بغلام سمّيته محمداً، مات أبوه وأُمه وكفلته أنا وعمّه، فقال ابن ذي يزن: أنَّ الّذي قلت لك كما قلت لك، فاحتفظ بابنك واحذر عليه اليهود فإنهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا، واطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرَّهط الّذين معك، فإنّي لست آمن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(423) في بعض النسخ (الزعامة) أي الرئاسة. والدعامة: عماد البيت.
(424) في البحار وبعض نسخ الكتاب (لسألته من أسراره ما أراد - الخ).
(425) العرض - بضم العين المهملة والضاد المعجمة بينهما راء مهملة - قال في القاموس: (يضربون النّاس عن عرض) أي يبالون من ضربوا.
(426) قال الجزري في حديث قيلة (والله لا يزال كعبك عالياً) هو دعاء لها بالشرف والعلو، والأصل فيه كعب القناة، وكل شيء علا وارتفع فهو كعب. ومنه سميت الكعبة للبيت الحرام، وقيل: سميت لتكعيبها أي تربيعها. والمعنى: لا تزال كنت شريفاً مرتفعاً على من يعاديك. والجد: البخت والنصيب.
(427) في بعض النسخ (على البيت) والنصب فسر بحجارة كانوا يذبحون عليها للاصنام ويمكن أن يكون المراد أنصاب الحرم.
(428) في النهاية (ثلجت نفسي بالأمر) إذا اطمأنت إليه وسكنت وثبتت فيها ووثقت به. ومنه حديث ابن ذي يزن (وثلج صدرك).
أن تدخلهم النفاسة من أن تكون له الرئاسة، فيطلبون له الغوائل(429) وينصبون له الحبائل، وهم فاعلون أو أبناؤهم، ولو لا علمي بأنَّ الموت مجتاحي(430) قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتّى صرت بيثرب دار ملكه نصرة له، لكنّي أجد في الكتاب النّاطق والعلم السّابق أنَّ يثرب دار ملكه، وبها استحكام أمره وأهل نصرته وموضع قبره، ولو لا إنّي أخاف فيه الآفات وأحذر عليه العاهات لأعلنت على حداثة سنه أمره في هذا الوقت ولا وطئنَّ أسنان العرب عقبه(431) ولكني صارف إليك عن غير تقصير منّي بمن معك.
قال: ثمَّ أمر لكلٍّ رجل من القوم بعشرة أعبد وعشر إماء وحلّتين من البرود، ومائة من الإبل، وخمسة أرطال ذهب وعشرة أرطال فضة وكرش مملوءة عنبراً. قال: وأمر لعبد المطلّب بعشرة أضعاف ذلك، وقال: إذا حال الحول فائتني، فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول، قال: فكان عبد المطلّب كثيراً ما يقول: يا معشر قريش لا يغبطني رجلٌ منكم بجزيل عطاء الملك وإن كثر فإنّه إلى نفاد، ولكن يغبطني بما يبقى لي ولعقبي من بعدي ذكره وفخره وشرفه. وإذا قيل متى ذلك؟ قال: ستعلمنَّ نبأ ما أقول ولو بعد حين.
وفي ذلك يقول اميّة بن عبد شمس يذكر مسيرهم إلى ابن ذي يزن:
جلبنا الضَّح تحمله المطايا * * * على أكوار أجمال ونوق(432)
مغلغلة مَغالقها تَغالى(433) * * * إلى صنعاء من فجّ عميق
يؤمُّ بنا ابن ذي يزن ويهدي(434) * * * ذوات بطونها أمّ الطريق(435)
وتزجي من مخائله بروقاً * * * مواصلة الوميض إلى بروق(436)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(429) المراد بالنفاسة: الحسد، وفي الأصل بمعنى البخل والاستبداد بالشيء والرغبة فيه. والغوائل جمع الغائلة وهي الشر، والحبائل: المصائد.
(430) الاجتياح: الاهلاك والاستيصال.
(431) كذا وفى النهاية: في حديث ابن ذي يزن (لاوطئن أسنان العرب كعبه) يريد ذوي أسنانهم وهم الاكابر والاشراف. وقال العلامة المجلسي بعد ذكره: أي لرفعته على أشرافهم وجعلتهم موضع قدمه.
(432) قال الجزري: فيه (يكون رسول الله في الضح والريح) قال الهروي: أراد كثرة الخيل والجيش، يقال: جاء فلان بالضح والريح أي بما طلعت عليه الشمس. وهبت عليه الريح. يعنون المال الكثير. وقال: الاكوار جمع كور - بالضم - وهو رحل الناقة بأداته.
(433) المغلغلة - بفتح الغينين المعجمتين - الرسالة المحمولة من بلد إلى بلد. و- بكسر الثانية -: المسرعة من الغلغلة: سرعة السير. وقوله (تغالى) من الغلو وفى أكثر النسخ بالعين المهملة وفى البحار أيضاً أي تتصاعد وتذهب.
(434) في بعض النسخ وأكثر الروايات (وتفرى) أي تقطع.
(435) أم الطريق: معظمه.
(436) الازجاء: السوق والدفع. والمخائل جمع المخيلة وهي السحابة الّتي تحسبها ماطرة. والوميض: لمعان البرق.
فلمّا وافقت صنعاء صارت * * * بدار الملك والحسب العريق(437)
إلى ملك يدرُّ لنا العطايا * * * بحسن بشاشة الوجه الطليق
الباب الرابع عشر: في خبر بحيرى الراهب
وكان بحيرى الرَّاهب(438) ممّن قد عرف النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بصفته ونعته ونسبه واسمه قبل ظهوره بالنبوة، وكان من المنتظرين لخروجه.
35 - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، وعليُّ بن أحمد بن محمّد؛ ومحمّد بن أحمد الشيبانيُّ(439) قالوا: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن يحيى بن زكريّا القطّان قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيُّ قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد قال: حدّثنا أبي، عن الهيثم(440)، عن محمّد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، عن أبيه العبّاس بن عبد المطلّب، عن أبي طالب قال: خرجت إلي الشّام تاجراً سنة ثمان من مولد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكان في أشد ما يكون من الحرِّ، فلمّا أجمعت على السير قال لي رجال من قومي: ما تريد أن تفعل بمحمّد وعلى من تخلفه؟ فقلت: لا أريد أن أخلفه على أحد من النّاس أريد أن يكون معي، فقيل: غلام صغير في حرٍّ مثل هذا تخرجه معك؟ فقلت: والله لا يفارقني حيثما توجَّهت أبدا فاني لاُوطّئ له الرَّحل، فذهبت فحشوت له حشيّة [كساء وكتانّاً(441)] وكنا ركبانا كثيراً فكان والله البعير الّذي عليه محمّد أمامي لا يفارقني وكان يسبق الرَّكب كلّهم، فكان إذا اشتدَّ الحرُّ جاءت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلّم عليه فتقف على رأسه لا تفارقه، وكانت ربما أُمطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه وهي تسير معنا وضاق الماء بنا في طريقنا حتّى كنا لا نصيب قربة إلّا بدينارين، وكنّا حيث ما نزلنا تمتلئ الحياض ويكثر الماء وتخضُّر الأرض، فكنّا في كلِّ خصب وطيب من الخير، وكان معنا قوم قد وقفت جمالهم فمشى إليها رسول الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(437) أعرق الرَّجل أي صار عريقاً وهو الّذي له عرق في الكرم (الصحاح).
(438) بحيرى - بفتح الموحدة وكسر الحاء (كذا ضبطه الديار بكري في تاريخ الخميس).
(439) في بعض النسخ (الشامي) ولعله السناني المكتب.
(440) مجهول والظاهر الصواب (هشيم) لمّا ذكر هو فيمن يروى عن محمّد بن السائب الكلبي كما في تهذيب التهذيب لكن تقدمت وتأتي رواية عبد الله بن محمّد عن أبيه عن الهيثم بن عمرو. وأما عبد الله بن محمّد فيحتمل أن يكون هو ابن محمّد بن مروان السدي الاصغر المتهم بالكذب، والعلم عند الله.
(441) في بعض النسخ (ريشا وكتاناً) ولعله هو الصواب.
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومسح يده عليها فسارت، فلمّا قربنا من بُصرى الشام(442) إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدّابّة السريعة حتّى إذا قربت منّا وقفت وإذا فيها راهبٌ وكانت السحابة لا تفارق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ساعة واحدة وكان الرَّاهب لا يكلّم النّاس ولا يدري ما الرَّكب ولا ما فيه من التجارة، فلمّا نظر إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عرفه فسمعته يقول: أنَّ كان أحد فأنت أنت قال: فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الرّاهب قليلة إلّا غصان ليس لها حمل، وكانت الركبان ننزلون تحتها فلمّا نزلها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اهتزت الشجرة وألقت أغصانها(443) على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة فاكهتان للصيف وفاكهة للشتاء، فتعجّب جميع من معنا من ذلك، فلمّا رأى بحيرى الرّاهب ذلك ذهب فاتّخذ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) طعاماً بقدر ما يكفيه.
ثمَّ جاء وقال: من يتولى أمر هذا الغلام؟ فقلت: أنا، فقال: أيُّ شيء تكون منه؟ فقلت: أنا عمّه فقال: يا هذا إنَّ له أعمام فأيُّ الأعمام أنت؟ فقلت: أنا أخو أبيه من أم واحدة، فقال: أشهد أنَّه هو وإلّا فلست بحيرى، ثمّ قال لي: يا هذا تأذن لي أن أقرِّب هذا الطعام منه ليأكله؟ فقلت له: قرّبّه إليه، ورأيته كارها لذلك، والتفتُّ إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقلت: يا بني رجلٌ أحبَّ أن يكرمك فكل فقال: هو لي دون أصحابي؟ فقال بحيرى: نعم هو لك خاصّة فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإنّي لا آكل دون هؤلاء، فقال بحيرى: إنَّه لم يكن عندي أكثر من هذا؟ فقال: أفتأذن يا بحيرى إلى أن يأكلوا معي؟ فقال: بلى، فقال: كلوا بسم الله، فأكل وأكلنا معه فوالله لقد كنّا مائة وسبعين رجلاً وأكل كلُّ واحد منّا حتّى شبع وتجشّأ، وبحيري قائم على رأس رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يذبُّ عنه ويتعجب من كثرة الرِّجال وقلّة الطعام، وفي كلّ ساعة يقبل رأسه ويافوخه، ويقول: هو هو وربّ المسيح، والناس لا يفقهون فقال له رجل من الرَّكب: إنَّ لك لشأنا قد كنّا نمرُّ بك قبل اليوم فلا تفعل بنا هذا البرَّ؟ فقال بحيرى: والله إنَّ لي لشأنا وشأنا، وإنّي لأرى ما لا ترون وأعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(442) بصرى - بضم الموحدة -: مدينة حوران، فتحت صلحاً لخمس بقين من ربيع الاوَّل سنة ثلاث عشرة وهي أول مدينة فتحت بالشام. وقد وردها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرتين كما في المواهب المدينة.
(443) في بعض نسخ الحديث (وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - الخ) وقال الجزري: أصل الهصر أن تأخذ برأس العود فتثنيه اليك وتعطفه، ومنه الحديث (أنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان مع أبي طالب فنزل تحت شجرة فهصرت أغصان الشجرة) أي تهدلت عليه.
ما لا تعلمون وإن تحت هذه الشجرة لغلاما لو أنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتّى تردوه إلى وطنه، والله ما أكرمتكم إلّا له، ولقد رأيت له - وقد أقبل - نورا أضاء له ما بين السّماء والأرض، ولقد رأيت رجالاً في أيديهم مراوح الياقوت والزَّبرجد يروحونه، وآخرين ينثرون عليه أنواع الفواكه ثمّ هذه السحابة لا تفارقه، ثمّ صومعتي مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها، ثمّ هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الأغصان ولقد كثرت أغصانها واهتزَّت وحملت ثلاثة أنواع من الفواكه، فاكهتان للصيف وفاكهة للشتّاء، ثمّ هذه الحياض الّتي غارت وذهبت ماؤها أيّام تمرّج بني إسرائيل(444) بعد الحواريّين حين وردوا عليهم فوجدنا في كتاب شمعون الصّفا أنَّه دعا عليهم فغارت وذهب ماؤها، ثمّ قال: متى ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء فاعلموا أنَّه لأجل نبيٍّ يخرج في أرض تهامة مهاجراً إلى المدينة اسمه في قومه الأمين وفي السّماء أحمد وهو من عترة إسماعيل بن إبراهيم لصلبه. فوالله أنَّه لهو.
ثمَّ قال بحيرى: يا غلام أسألك عن ثلاث خصال بحقِّ اللّات والعزَّى إلّا [ما] أخبرتنيها، فغضب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند ذكر اللّات والعزى وقال: لا تسألني بهما فوالله ما أبغضت شيئاً كبغضهما، وإنّما هما صنمان من حجارة لقومي، فقال بحيرى: هذه واحدة، ثمَّ قال: فبالله إلّا ما أخبرتني، فقال: سل عمّا بدا لك فإنّك قد سألتني بإلهي وإلهك الّذي ليس كمثله شيء، فقال: أسألك عن نومك ويقظتك، فأخبره عن نومه ويقظته وأموره وجميع شأنه، فوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته الّتي عنده، فانكبَّ عليه بحيرى، فقبّل رجليه وقال: يا بنيَّ ما أطيبك وأطيب ريحك، يا أكثر النبيّين أتباعاً، يا من بهاء نور الدُّنيا من نوره، يا من بذكره تعمر المساجد، كأنّي بك قد قدت الأجناد والخيل وقد تبعك العرب والعجم طوعاً وكرهاً وكأنّي باللات والعزى وقد كسرتهما وقد صار البيت العتيق لا يملكه غيرك تضع مفاتيحه حيث تريد، كم من بطل من قريش والعرب تصرعه، معك مفاتيح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(444) المرج - بالتحريك -: الفساد والغلق والاضطراب.
الجنان والنيران، معك الذّبح الأكبر وهلاك الأصنام، أنت الّذي لا تقوم السّاعة حتّى تدخل الملوك كلّها في دينك صاغرة قميئة(445) فلم يزل يقبّل يديه مرَّة ورجليه مرَّة ويقول: لئن أدركت زمانك لأضربن بين يديك بالسّيف ضرب الزَّند بالزَّند(446) أنت سيّد ولد آدم وسيّد المرسلين وإمام المتّقين وخاتم النبيّين، والله لقد ضحكت الأرض يوم ولدت فهي ضاحكة إلى يوم القيامة فرحاً بك، والله لقد بكت البيع والأصنام والشياطين فهي باكية إلى يوم القيامة، أنت دعوة إبراهيم وبشرى عيسى، أنت المقدِّس المطهّر من أنجاس الجاهلية، ثمّ التفت إلى أبي طالب وقال: ما يكون هذا الغلام منك؟ فإني أراك لا تفارقه، فقال أبو طالب: هو ابني، فقال: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون والده الّذي ولّده حيّاً ولا أمّه فقال: إنَّه ابن أخي وقد مات أبوه وأمّه حاملة به، وماتت أمه وهو ابن ستَّ سنين، فقال: صدقت هكذا هو، ولكن أرى لك أن تردَّه إلى بلده عن هذا الوجه فإنّه ما بقي على ظهر الأرض يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ولا صاحب كتاب إلّا وقد علم بولادة هذا الغلام، ولئن رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغينّه شرا وأكثر ذلك هؤلاء اليهود، فقال أبو طالب: ولم ذلك؟ قال: لأنّه كائن لابن أخيك هذه النبوَّة والرسالة ويأتيه النّاموس الأكبر الّذي كان يأتي موسى وعيسى، فقال أبو طالب: كلّا إن شاء الله لم يكن الله ليضيعه.
ثمَّ خرجنا به إلى الشام فلمّا قربنا من الشام رأيت والله قصور الشامات كلّها قد اهتزت وعلا منها نور أعظم من نور الشمس، فلمّا توسطنا الشام ما قدرنا أن نجوز سوق الشام من كثرة ما ازدحموا النّاس وينظرون إلى وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وذهب الخبر في جميع الشامات حتّى ما بقي فيها حبرٌ ولا راهب إلّا اجتمع عليه، فجاء حبر عظيم كان اسمه نسطورا فجلس حذاه ينظر إليه ولا يكلّمه بشيء حتّى فعل ذلك ثلاثة أيّام متوالية فلمّا كانت الليلة الثالثة لم يصبر حتّى قام إليه فدار خلفه كأنّه يلتمس منه شيئاً فقلت له: يا راهب كأنّك تريد منه شيئاً؟ فقال: أجل إنّي أريد منه شيئاً ما اسمه؟ قلت: محمّد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بن عبد الله فتغيّر والله لونه، ثمّ قال: فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لأنظر إليه، فكشف عن ظهره، فلمّا رأى الخاتم انكبَّ عليه يقبّله ويبكي، ثمّ قال: يا هذا اسرع بردِّ هذا الغلام إلى موضعه الّذي ولد فيه فانّك لو تدري كم عدو له في أرضنا لم تكن بالذي تقدمه معك، فلم يزل يتعاهده في كلِّ يوم ويحمل إليه الطعام، فلمّا خرجنا منها أتاه بقميص من عنده فقال لي: أترى أن يلبس هذا القميص ليذكرني به، فلم يقبله ورأيته كارهاً لذلك، فأخذت إنّا القميص مخافة أن يغتمَّ وقلت: أنا البسه وعجّلت به حتّى رددته إلى مكّة، فوالله ما بقي بمكّة يومئذ امرأة ولا كهل ولا شابٌّ ولا صغير ولا كبير إلّا استقبلوه شوقا إليه ما خلا أبو جهل - لعنه الله - فإنّه كان فاتكاً ماجناً(447) قد ثمل من السكر(448).
36 - وبهذا الإسناد، عن عبد الله بن محمّد قال: حدّثني أبي. وحدثني عبد الرّحمن ابن محمّد، عن [محمّد بن](449) عبد الله بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جدِّه أنَّ أبا طالب قال: لمّا فارقه بحيرى بكى بكاء شديداً وأخذ يقول: يا ابن آمنة كأنّي بك وقد رمتك العرب بوترها، وقد قطعك الأقارب ولو علموا لكنت لهم بمنزلة الأولاد ثمّ التفت إلىَّ وقال: أما أنت يا عمُّ فارع فيه قرابتك الموصولة واحتفظ فيه وصيّة أبيك فإنَّ قريشا ستهجرك فيه فلا تبال، وإني أعلم إنّك لا تؤمن به ظاهراً ولكن ستؤمن به باطناً، ولكن سيؤمن به ولد تلده وسينصره نصراً عزيزاً اسمه في السّماوات البطل الهاصر، و[في الأرض] الشجاع الانزع(450) منه الفرخان المستشهدان وهو سيّد العرب ورئيسها وذو قرنيها وهو في الكتب أعرف من أصحاب عيسى (عليه السلام)، فقال أبو طالب: والله قد رأيت كلّ الّذي وصفه بحيرى وأكثر.
37 - حدّثنا أبي رحمه الله قال: حدّثنا على بن إبراهيم، عن أبيه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(447) الفاتك: الّذي يرتكب ما دعت إليه النفس، والجرى الشجاع. والماجن: الّذي لا يبالى قولا وفعلا. والثمل: السكر. يقال: ثمل - كفرح - والمراد هنا شدته، أو السكر - بالتحريك - وهو الخمر ونبيذ يتخذ من التمر.
(448) اعلم أنَّ هذه القصة مع ضعف سندها وانقطاعها واشتمالها على الغرائب التي كانت شأن الأساطير نقلها جمع من المؤرخين باختلافات في متنها وألفاظها راجع سيرة ابن هشام ج 1 ص 191، والمواهب اللدنية وشرحه، وأعلام الورى، وتاريخ الطبري، وتاريخ الخميس وغيرها.
(449) ما بين القوسين زائد من النساخ ولا يخفى على من له معرفة بالرجال، والمراد بعبد الرّحمن عبد الرّحمن بن محمّد بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم. وبعبد الله عبد الله ابن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم الانصاري كما يظهر من تهذيب التهذيب ج 6 ص 264 وج 5 ص 164.
(450) البطل: الشجاع. والهاصر: الاسد الشديد الّذي يفترس ويكسر، والانزع: الذى ينحسر شعر مقدم رأسه ممّا فوق الجبين، وفي بعض النسخ (الاقرع) والمراد: الاصلع.
عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان يرفعه قال: لمّا بلغ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أراد أبو طالب أن يخرج إلى الشّام في عير قريش، فجاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتشبّث بالزِّمام وقال: يا عمّ على من تخلفني لا على اُمٍّ ولا على أب، وقد كانت أمه توفيت، فرّق له أبو طالب ورحمه وأخرجه معه وكانوا إذا ساروا تسير إلى رأس رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غمامة تظلّه من الشمس فمرُّوا في طريقهم برجل يقال له: بحيرى فلمّا رأى الغمامة تسير معهم نزل من صومعته واتّخذ لقريش طعاماً وبعث إليهم يسألهم أن يأتوه، وقد كانوا نزلوا تحت شجرة فبعث إليهم يدعوهم إلى طعامه فقالوا له: يا بحيرى والله ما كنّا نعهد هذا منك، قال قد أحببت أن تأتوني، فأتوه وخلّفوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الرَّحل، فنظر بحيرى إلى الغمامة قائمة، فقال لهم: هل بقي منكم أحدٌ لم يأتني؟ فقالوا: ما بقي منّا إلّا غلام حدث خلّفناه في الرَّحل، فقال: لا ينبغي أن يتخلّف عن طعامي أحدٌ منكم، فبعثوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلمّا أقبل أقبلت الغمامة، فلمّا نظر إليه بحيرى قال: من هذا الغلام؟ قالوا: ابن هذا وأشاروا إلى أبي طالب، فقال له بحيرى: هذا ابنك؟ قال أبو طالب: هذا ابن أخي قال: ما فعل أبوه؟ قال: توفّي، وهو حمل، فقال بحيرى لأبي طالب: ردَّ هذا الغلام إلى بلاده فإنّه أن علمت به اليهود ما أعلم منه قتلوه، فإنَّ لهذا شأنا من الشأن، هذا نبيُّ هذه الاُمّة، هذا نبي السيف.
38 - حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان؛ وعليُّ بن أحمد بن محمّد، ومحمّد بن أحمد الشيبانيُّ رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن زكريّا القطان قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني الهيثم بن عمرو المزني(451)، عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(451) تقدَّم الكلام فيه ص 182.
عمّه، عن يعلى النسّابة قال: خرج خالد بن أسيد بن أبي العيص، وطليق بن سفيان بن اُميّة تجّاراً إلى الشام سنة خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيها فكانا معه، وكان يحكيان أنّهما رأيا في مسيره وركوبه ممّا يصنع الوحش والطير، فلمّا توسطنا سوق بصرى إذا نحن بقوم من الرُّهبان قد جاؤوا متغيّر الألوان كأنَّ على وجوههم الزَّعفران ترى منهم الرَّعدة فقالوا: نحبُّ أن تأتوا كبيرنا فإنّه ههنا قريب في الكنيسة العظمى، فقلنا: ما لنا ولكم؟ فقالوا: ليس يضرُّكم من هذا شيء ولعلّنا نكرمكم، وظنّوا أنَّ واحد منّا محمّد فذهبنا معهم حتّى دخلنا معهم الكنيسة العظيمة البينان فإذا كبيرهم قد توسّطهم وحوله تلامذته، وقد نشر كتاباً في يديه، فأخذ ينظر إلينا مرَّة وفي الكتاب مرة فقال لأصحابه: ما صنعتم شيئاً لم تأتوني بالّذي أريد، وهو الآن ههنا.
ثمَّ قال لنا: من أنتم؟ فقلنا: رهط من قريش، فقال: من أيِّ قريش؟ فقلنا من بني عبد شمس، فقال لنا: معكم غيركم؟ فقلنا: نعم شابٌّ من بني هاشم نسّميه يتيم بني عبد المطلّب، فو الله لقد نخر نخره(452) كاد أن يغشى عليه، ثمّ وثب فقال: أوَّه أوَّه هلكت النصرانيّة والمسيح، ثمّ قام واتّكأ على صليب من صلبانه وهو مفكّر وحوله ثمانون رجلاً من البطارقة والتلامذة، فقال لنا: فيخفُّ عليكم أن ترونيه؟ فقلنا له: نعم فجاء معنا فإذا نحن بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قائمٌ في سوق بصرى، والله لكأنّا لم نر وجهه إلّا يومئذ كأنَّ هلالاً يتلألأ من وجهه، وقد ربح الكثير واشترى الكثير، فأردنا أن نقول للقسِّ هو هذا؟ فإذا هو قد سبقنا فقال: هو هو، قد عرفته والمسيح، فدنا منه وقبّل رأسه وقال له: أنت المقدَّس، ثمّ أخذ يسأله عن أشياء من علاماته، فأخذ النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخبره فسمعناه يقول: لئن أدركت زمانك لأعطين السّيف حقّه، ثمّ قال لنا: أتعلمون ما معه؟ معه الحياة والموت، من تعلّق به حيى طويلاً، ومن زاغ عنه مات موتاً لا يحيى بعده أبداً، هو هذا الّذي معه الذّبح الأعظم(453)، ثمّ قبل رأسه ورجع راجعاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(452) نخر الانسان: مد الصوت والنفس في خياشيمه.
(453) في بعض النسخ (الربح الاعظم).
الباب السادس عشر: في خبر أبى المويهب الراهب
وكان أبوالمويهب الرَّاهب من العارفين بأمر النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبصفته، وبوصيّه أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب صلوات الله عليه.
39 - حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان؛ وعليُّ بن أحمد بن محمّد، ومحمّد بن أحمد الشيبانيُّ رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، عن عبد الله بن محمّد قال: حدّثني أبي، وقيس بن سعَّد الديلمي(454) عن عبد الله بحير الفقعسيِّ(455)، عن بكر بن عبد الله الاشجعيّ، عن آبائه قالوا: خرج سنةً رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعبد مناة بن كنانة، نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن يعمر بن نعمامة بن عديٍّ تجّاراً إلى الشام فلقيهما أبو المويهب الرَّاهب فقال لهما: من أنتما؟ قالا: نحن تجّار من أهل الحرم من قريش، فقال لهما: من أيِّ قريش؟ فأخبراه، فقال لهما: هل قدم معكما من قريش غيركما؟ قالا: نعم شابٌّ من بني هاشم اسمه محمّد، فقال أبوالمويهب، إيّاه والله أردت، فقالا: والله ما في قريش أخمل ذكراً منه إنّما يسمّونه يتيم قريش وهو أجير لامرأة منّا يقال لها: خديجة، فما حاجتك إليه؟ فأخذ يحرِّك رأسه ويقول: هو هو، فقال لهما: تدلاني عليه، فقالا: تركناه في سوق بصرى، فبينما هم في الكلام إذ طلع عليهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: هو هذا، فخلا به ساعة يناجيه ويكلّمه، ثمّ أخذ يقبّل بين عينيه وأخرج شيئاً من كمّه لا ندري ما هو ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يأبى أن يقبله، فلمّا فارقه قال لنا: تسمعان منّي هذا والله نبيُّ آخر الزَّمان، والله سيخرج قريب فيدعو النّاس إلى شهادة أن لا إله إلّا الله فإذا رأيتم ذلك فاتّبعوه، ثمّ قال: هل ولد لعّمه أبي طالب ولد يقال له عليٌّ؟ فقلنا: لا قال: إمّا أن يكون قد ولد أو يولد في سنته هو أوَّل من يؤمن به، نعرفه، وإنّا لنجد صفته عندنا بالوصيّة كما نجد صفة محمّد بالنبوَّة، وإنّه سيّد العرب وربّانيها وذو قرنيها، يعطى السيف حقّه، اسمه في الملأ الأعلى عليٌّ، هو أعلى الخلائق بعد الأنبياء ذكراً، وتسمّيه الملائكة البطل الازهر المفلج، لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(454) في بعض النسخ (قيس بن سعيد الديلمي) وفي بعضها (قيس بن سعد الديلي).
(455) في بعض النسخ (عبد الله بن يحيى الفقعسي). وفي بعضها (عبد الله بن بحير الثقفي). فقعس أبو قبيلة من بني أسد. (الصحاح).
يتوجّه إلى وجه إلّا أفلج وظفر، والله لهو أعرف بين أصحابه في السّماء من الشمس الطالعة.
الباب السابع عشر: خبر سطيح الكاهن (456)
40 - حدّثنا أحمد بن محمّد رزمة القزوينيُّ(457) قال: حدّثنا الحسن بن عليِّ بن نصر بن منصور الطوسيُّ قال: حدّثنا عليُّ بن حرب الموصلي الطائيُّ قال: حدَّثنا أبو أيّوب يعلى بن عمران من ولد جرير بن عبد الله قال: حدّثني مخزوم بن هانئ(458) المخزوميُّ، عن أبيه وقد أتت له مائة وخمسون سنة قال: لمّا كانت اللّيلة الّتي ولد فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ارتجس أيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرافة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك ألف سنة(459)، ورأى الموبذان(460) إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت الدِّجلة وانتشرت في بلادها، فلمّا أصبح كسرى هاله ما رأى فتصبّر عليها تشجّعاً، ثمّ رأى أن لا يسَّر ذلك عن وزرائه، فلبس تاجه وقعد على سريره وجمعهم وأخبرهم بما رأى، فبينما هم كذلك، إذ ورد عليه الكتاب بخمود نار فارس، فازداد غمّاً إلى غمّه وقال الموبذان: وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه اللّيلة، ثمَّ قصَّ عليه رؤياه في الابل والخيل، فقال: أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ - وكان أعلمهم في أنفسهم - فقال: حادث يكون في ناحية العرب، فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى نعمان بن المنذر: أمّا بعد فوجّه إليَّ برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه، فوجّه إليه بعبد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(456) سطيح - كامير - الكاهن الذئبي من بني ذئب كان يتكهن في الجاهلية، سمى بذلك لأنّه كان إذا غضب قعد منبسطاً على الأرض فيما زعموا. وقيل: سمى بذلك لأنّه لم يكن له بين مفاصله قصب تعمده، فكان أبداً منبسطاً منسطحاً على الأرض لا يقدر على قيام ولا قعود، ويقال: كان لاعظم له فيه سوى رأسه (لسان العرب).
(457) ترجمه الرافعي في التدوين كما في فهرسته تحت رقم 251 وقال: أحمد بن محمّد ابن رزمة القزويني المعدل.
(458) في لسان العرب في مادة (سطح) قال: روى الازهرى باسناده عن مخزوم بن هانيء المخزومى عن أبيه. وساق كما في المتن إلى قوله (امارة عثمان) في آخر الخبر.
(459) في اللسان (مائة عام).
(460) في القاموس الموبذان - بضم الميم وفتح الباء فقيه الفرس، وحاكم المجوس كالموبذ. والجمع الموابذة واللهاء فيها للعجمة.
المسيح بن عمرو بن حيّان بن نفيلة الغسّانيَّ فلمّا قدم عليه قال: عندك علم ما أريد أن أسألك عنه؟ قال: ليسألني الملك أو ليخبرني فإن كان عندي منه علم وإلّا أخبرته بمن يعلمه، فأخبره بما رأى، فقال: علم ذلك عند خال لي يسكن بمشارف الشام(461) يقال له: سطيح، قال: فأته فاسأله وأخبرني بما يرد عليك، فخرج عبد المسيح حتّى ورد على سطيح وقد أشرف على الموت فسلّم عليه وحيّاه، فلم يردَّ عليه سطيح جواباً فأنشأ عبد المسيح يقول:
أصمَّ أم يسمع غطريف اليمن * * * أم فاز فاز لمَّ به شأو العنن(462)
يا فاصل الخطّة أعيت مَن ومَن * * * وكاشف الكربة في الوجه الغضن(463)
أتاك شيخ الحيِّ من آل سنن * * * وأمّه من آل ذئب بن حجن(464)
أروق ضخم الناب صرَّار الاذن * * * أبيض فضفاض الرَّداء والبدن(465)
رسول قيلَ العجم كسرى للوسن * * * لا يرهب الرعد ولا ريب الزَّمن(466)
تجوب في الأرض علنداةٌ شجن * * * ترفعني طوراً وتهوي بي وجن(467)
حتّى أتى عاري الجآجي والقطن * * * تلفّه في الريح بوغاء الدِّمن(468)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(461) المشارف: القرى الّتي تقرب من المدن، وقيل: القرى التي بين بلاد الريف و. جزيرة العرب.
(462) الغطريف - بالكسر -: السيد. وقوله (فاز) أي مات. وفي بعض النسخ (فاد) بالدال وهو بمعناه و(ازلم) أي ذهب مسرعا. وأصله (ازلام) فحذفت الهمزة تخفيفا والشأو: السبق والغاية. والعنن: الاعتراض، وشأ والعنن: اعتراض الموت وسبقه.
(463) الفاصل: المبين، الحاكم. والخطة - بضم الخاء وشد الطاء -: الخطب، والأمر والحال، أي يامن يبين ويظهر امورا أعيت وأعجزت (من ومن) أي جماعة كثيرة. والوجه الغضن هو الوجه الّذي فيه تكسر وتجعد من شدة الهم والكرب الذى نزل به. (النهاية)
(464) السنن - محركة -: الابل تسنن في عدوها. وفي بعض النسخ (شتن - بالمعجمة والتاء المثناة الفوقانية - وفي القاموس الشتن: النسج والحياكة. وفي تاريخ اليعقوبي (آل يزن).
(465) أروق في بعض النسخ (أزرق) وهو صفة للبعير ولونه، وأروق أيضاً بمعناه. وفي بعض الكتب (أصك) أي الذى يصطك قدماه. وقوله (ضخم الناب) كذا في جميع النسخ وفى النهاية: في حديث سطيح (أزرق مهم الناب صرار الاذن) أي حديد الناب، قال الازهري: هكذا روى، وأظنه (مهو الناب) بالواو، يقال: سيف مهو أي حديد ماض وأورده الزمخشري (ممهى الناب) وقال: الممهي: المحدد، من أمهيت الحديدة إذا حددتها، شبه بعيره بالنمر لزرقة عينيه وسرعة سيره. وقال: صر اذنه وصررها: سواها ونصبها. والاصوب كون هذا المصرع بعد ذلك في سياق ذكر البعير كما في سائر الكتب فانه فيها بعد قوله: (والقطن). والفضفاض: الواسع والبدن: الدرع. قال الجزري: يريد به كثرة العطاء، وقال غيره: كناية عن سعة الصدر.
(466) الفيل - بالفتح -: الملك. وقيل: الملك من ملوك حمير، وقيل: هو الرئيس دون الملك الاعلى. راجع (ق ول) من أقرب الموارد. وقوله (كسرى) في بعض الكتب (يسرى) أي يجرى. و(للوسن) أي لشأن الرؤيا الّتي رآها الموبذان أو الملك. و(الرعد) في بعض النسخ (الوعد). وفي بعض الكتب (الدهر).
(467) تجوب أي تقطع. والعنلداة: الناقة القوية. والشجن - بالتحريك - الناقة المتداخلة الخلق. وفي اللسان (علنداة شرن) أي تمشى من نشاطها على جانب. وفيه أيضاً (ترفعني وجناً وتهوى بي وجن) والوجن: الأرض الغليظة. والوجناء: الناقة الشديدة أي لم تزل الناقة الّتي هذه صفتها ترفعني مرة في الأرض بهذه الصفة وتخففني اخرى. وفي أكثر نسخ الكتاب (تهوى بي دجن) - بالدال المهملة - والظاهر أنَّه تصحيف. ودجن بالمكان دجنا أقام به واستأنس والدجنة: الظلمة.
(468) الجآجى جمع الجؤجؤ وهو الصدر. والقطن - بالتحريك -: ما بين الوركين يعني أنَّ السير قد هزلها وذهب بلحمها. وفي بعض الكتب (عالى الجآجى) وهو قريب من العاري لأنّ العظم إذا عرى عن اللحم يرى مرتفعاً عاليا. والبوغاء: التراب الناعم. والدمن جمع دمنة - بكسر الدال وفتح الميم -: ما تدمن منه أي تجمع وتلبد. كذا في النهاية وقال: كأنه من المقلوب تقديره (تلفه الريح في بوغاء الدمن) وتشهد له الرواية الاخرى (تلفه الريح ببوغاء الدمن).
كأنّما حثحث من حضني ثكن(469)
فلمّا سمع سطيح شعره فتح عينيه وقال: عبد المسيح على جمل يسيح إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح(470) بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الأيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلا صعاباً تقود خيلاً عراباً، قد قطعت الدِّجلة، وانتشرت في بلادها، وغاضت بحيرة ساوة، فقال: يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وبعث صاحب الهراوة(471)، وفاض وادي سماوة، وغاضت بحيرة ساوة فليس الشام لسطيح شاماً(472)، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكلّما هو آت آت، ثمّ قضى سطيح مكانه، فنهض عبد المسيح إلى رحله ويقول:
شمّر فانّك ماضي العزم شمّير * * * لا يفزعنّك تفريق وتغيير(473)
إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم * * * فانَّ ذا الدَّهر أطوار دهارير(474)
وربّما كان قد أضحوا بمنزلة * * * تهاب صولهم الاُسد المهاصير(475)
منهم أخو الصرح بهرام وإخوته * * * والهرمزان وسابور وسابور(476)
والناس أولاد علّات فمن علموا * * * أن قد أقلَّ فمحقور ومهجور(477)
وهم بنو الاُمَّ لمّا أنَّ رأوا نشباً * * * فذاك بالغيب محفوظ ومنصور(478)
والخير والشرُّ مقرونان في قرن * * * فالخير متّبع والشرُّ محذور
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(469) حثحث: أسرع وحث. والحضن: الجانب. وثكن - بفتح أوله وثانيه -: جبل بالبادية. يعني من كثرة التراب والغبار الذى أصابه في سرعة سيره كأنّما أعجل من هذا الموضع الذى اجتمع فيه التراب الكثير.
(470) (يسيح) كذا في النسخ وفي اللسان والعقد الفريد والنهاية (مشيح) والمشيح - بضم الميم وكسر المعجمة والحاء المهملة -: الجاد المسرع. (وقد أوفى) أي أشرف. والضريح: القبر أي قرب أن يدخل القبر.
(471) المراد بالتلاوة تلاوة القرآن. والهراوة: العصا، وصاحب الهراوة هو النبيّ الاكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأنّه يأخذ العنزة بيده.
(472) أي لم يبق سطيح، أو يتغير أحوال الشام.
(473) الشمير: الشديد التشمير، وفي اللسان (شمر فانّك ما عمرت شمير).
(474) (أفرطهم) أي تركهم وزال عنهم. والاطوار: الحالات. والدهارير: الشديد جمع الدهر يعنى أنَّ الدهر ذو تصاريف ونوائب.
(475) المهاصير جمع المهصار وهو الشديد الذى يفترس.
(476) الصرح: القصر. وفي بعض النسخ (وهرمزان) بدون اللام.
(477) اولاد علات أي لامهات شتى، كناية عن عدم الالفة بينهم. وقوله: (أنَّ قد أقل) أي افتقر وقل ما في يده.
(478) (وهم بنو أم) أي يعطف بعضهم على بعض. والنشب - بالتحريك -: المال والعقار.
قال: فلمّا قدم على كسرى أخبره بما قال سطيح فقال: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكاً قد كانت أمور، قال: فملك منهم عشرة في أربع سنين وملك الباقون إلى إمارة عثمان.
وكان سطيح ولد في سيل العرم فعاش إلى ملك ذي نواس وذلك أكثر من ثلاثين قرناً، وكان مسكنه بالبحرين فيزعم عبد القيس أنَّه منهم وتزعم الازد أنَّه منهم، وأكثر المحَدّثين قالوا: هو من الازد ولا يدرى ممّن هو، غير أنَّ عقبه يقولون: نحن من الازد.
الباب الثامن عشر: خبر يوسف اليهودي بالنبي (ص) وبصفاته وعلاماته
41 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان رفعه بإسناده قال: لمّا بلغ عبد الله بن عبد المطلّب زوّجه عبد - المطلّب آمنة بنت وهب الزُّهري فلمّا تزوَّج بها حملت برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فروي عنها أنّها قالت: لمّا حملت به لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، فرأيت في نومي كان آت أتاني فقال لي: قد حملت بخير الأنام، فلمّا حان وقت الولادة خفَّ عليَّ ذلك حتّى وضعته، وهو يتقي الأرض بيده وركبتيه، وسمعت قائلاً يقول: وضعت خير البشر فعوِّذيه بالواحد الصمد من شرٍّ كلّ باغ وحاسد.
(فولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة مضت(479) من ربيع الأول يوم الاثنين).
فقالت آمنة: لمّا سقط إلى الأرض اتقّى الأرض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السّماء، وخرج منّي نور أضاء ما بين السّماء والأرض، ورميت الشياطين بالنجوم وحجبوا عن السّماء، ورأت قريش الشهب والنجوم تسير في السّماء، ففزعوا لذلك، وقالوا: هذا قيام السّاعة، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك، وكان شيخاً كبيراً مجرباً، فقال: انظروا إلى هذه النجوم التي تهتدوا بها في البر والبحر، فإنَّ كانت قد زالت فهو قيام الساعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(479) كذا. ولعله يكون (بقيت) فصحف وهذا من كلام المصنف.
وإن كانت هذه ثابتة فهو لأمر قد حدث.
وأبصرت الشياطين ذلك فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه أنّهم قد منعوا من السّماء ورموا بالشهب، فقال: اطلبوا فإنَّ أمراً قد حدث، فجالوا في الدُّنيا ورجعوا وقالوا: لم نر شيئاً، فقال: أنا لهذا، فخرق ما بين المشرق والمغرب فلمّا انتهى إلى الحرم وجد الحرم محفوفاً بالملائكة، فلمّا أراد أن يدخل صاح به جبرئيل (عليه السلام) فقال: اخسأ يا ملعون، فجاء من قبل حراء فصار مثل الصرد قال: يا جبرئيل ما هذا؟ قال: هذا نبيٌّ قد ولد وهو خير الأنبياء، قال: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا، قال: ففي أمّته؟ قال: بلى، قال: قد رضيت.
قال: وكان بمكة يهوديٌّ يقال له: يوسف فلمّا رأى النجوم يقذف بها وتتحرَّك قال: هذا نبيٌّ قد ولد في هذه اللّيلة وهو الّذي نجده في كتبنا أنَّه إذا ولد - وهو آخر الأنبياء - رجمت الشياطين وحجبوا عن السّماء، فلمّا أصبح جاء إلى نادي قريش فقال: يا معشر قريش هل ولد فيكم اللّيلة مولود؟ قالوا: لا قال: أخطأتم والتوراة ولد إذاً بفلسطين وهو آخر الأنبياء وأفضلهم، فتفرَّق القوم فلمّا رجعوا إلى منازلهم أخبر كلُّ رجل منهم أهله بما قال اليهوديُّ فقالوا: لقد ولد لعبد الله بن عبد المطلّب ابن في هذه الليلة، فأخبروا بذلك يوسف اليهوديَّ فقال لهم: قبل أن أسألكم أو بعده؟ قالوا: قبل ذلك، قال: فاعرضوه عليَّ، فمشوا إلى باب آمنة فقالوا: اخرجي ابنك ينظر إليه هذا اليهوديُّ، فأخرجته في قماطه فنظر في عينيه، وكشف عن كتفيه فرأى شامة سوداء بين كتفيه وعليها شعرات، فلمّا نظر إليه وقع على الأرض مغشيّاً عليه، فتعجب منه قريش وضحكوا منه فقال: أتضحكون يا معشر قريش، هذا نبيُّ السيف ليبيرنّكم(480) وقد ذهبت النبوَّة من بني إسرائيل إلى آخر الابد، وتفرق النّاس ويتحدَّثون بخبر اليهوديِّ ونشأ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في اليوم كما ينشأ غيره في الجمعة وينشأ في الجمعة كما ينشأ غيره في الشهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(480) أي ليهلكنكم. وفي بعض النسخ (ليتبرنكم).
الباب التاسع عشر: خبر (دواس) ابن حواش المقبل من الشام
42 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيِّ جميعاً، عن أبان بن عثمان الأحمر، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عبّاس قال: لمّا دعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بكعب بن أسد(481) ليضرب عنقه فاخرج وذلك في غزوة بني قريظة نظر إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال له: يا كعب أما نفعك وصيّة ابن حوَّاش الحبر الّذي أقبل من الشّام فقال: (تركت الخمر والخمير وجئت إلى الموس والتمور(482) لنبيٍّ يبعث، هذا أو أنَّ خروجه يكون مخرجه بمكّة وهذه دار هجرته وهو الضحوك القتّال، يجتزي بالكسيرات والتمرات ويركب الحمار العاري، في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوَّة، يضع سيفه على عاتقه ولا يبالي بمن لاقى، يبلغ سلطانه منقطع الخفِّ والحافر)؟! قال كعب: قد كان ذلك يا محمّد، ولو لا أنَّ اليهود تعيّرني إنّي جبنت عند القتل لآمنت بك وصدَّقتك ولكنّي على دين اليهوديّة عليه احيى وعليه أموت، فقال رسول الله صلى عليه وآله: فقد موه واضربوا عنقه، فقدَّم وضرب عنقه.
الباب العشرون: خبر زيد بن عمرو بن نفيل
وكان زيد بن عمرو بن نفيل(483) يطلب الدِّين الحنيف ويعرف أمر النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وينتظر خروجه وخرج في طلبه فقتل في الطريق.
43 - حدّثنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن الحسين البزَّاز النيسابوريُّ قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب بن يوسف قال: حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(481) هو رئيس بني قريظة.
(482) كذا وفي بعض النسخ (جئت إلى البؤس والتمور).
(483) في المعارف لا بن قتيبة الدينوري: زيد بن عمرو بن نفيل هو أبو سعيد أحد العشرة المسمين للجنة، وكان رغب عن عبادة الاوثان وطلب الدِّين، فقتله النصارى بالشام. وقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يبعث أمة وحده).
العطارديُّ قال: حدّثنا يونس بن بكير، عن محمّد بن إسحاق بن يسار المدني قال: كان زيدٌ بن عمرو بن نفيل أجمع على الخروج من مكّة يضرب في الأرض ويطلب الحنيفيّة - دين إبراهيم (عليه السلام) - وكانت امرأته صفيّه بنت الحضرمي كلّما أبصرته قد نهض إلى الخروج وأراده آذنت به الخطّاب بن نُفيل(484) فخرج زيد إلى الشام يلتمس ويطلب في أهل الكتاب الاوَّل دين إبراهيم (عليه السلام) ويسأل عنه، فلم يزل في ذلك فيما يزعمون حتّى أتى الموصل والجزيرة كلّها، ثمّ أقبل حتّى أتى الشام فجال فيها حتّى أتى راهباً بميفعة من أرض البلقاء كان ينتهي إليه علم النّصرانيّة فيما يزعمون فسأله عن الحنيفيّة دين إبراهيم (عليه السلام) فقال له الرَّاهب: إنّك لتسأل عن دين ما أنت بواجد له الآن من يحملك عليه اليوم، لقد درس علمه وذهب من كان يعرفه، ولكنّه قد أظلّك خروج نبيٍّ يبعث بأرضك الّتي خرجت منها بدين إبراهيم الحنيفيّة فعليك ببلادك فإنّه مبعوث الان، هذا زمانه ولقد كان سئم اليهوديّة والنّصرانيّة، فلم يرض شيئاً منهما، فخرج مسرعاً حين قال له الرَّاهب ما قال يريد مكّة حتّى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه.
فقال ورقة بن نوفل - وقد كان اتّبع مثل أثر زيد ولم يفعل في ذلك ما فعل - فبكاه ورقة وقال فيه:
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنّما * * * تجنّبت تنوّراً من النّار حامياً
بدينك ربّا ليس ربٌّ كمثله * * * وتركك أوثان الطواغي كماهيا(485)
وقد تدرك الإنسان رحمةُ ربّه * * * ولو كان تحت الأرض ستّين وادياً
44 - وبهذا الاسناد، عن أحمد بن محمّد بن إسحاق بن يسار المدني قال: حدّثني محمّد بن جعفر بن الزبير(486) ومحمّد بن عبد الرّحمن بن عبد الله الحصين التميميُّ: أنَّ عمر بن الخطّاب وسعيد بن زيد قالا: يا رسول الله أنستغفر لزيد؟ قال: نعم فاستغفروا له فإنّه يبعث يوم القيامة امة وحده.
45 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن الحسين البزَّاز قال: حدّثنا محمّد بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(484) وكان الخطاب بن نفيل عمه وأخاه لامه وكان يعاتبه على فراق دين قومه، وكان الخطاب قد وكل صفية به، وقال: إذا رأيته قدهم بأمر فآذنيني به. (قاله ابن هشام).
(485) في المعارف (وتركك جنان الجبال كماهيا) وجنان - بكسر الجيم وشد النون - جمع جان، ويريد بجنان الجبال: الّذين يأمرون بالفساد من شياطين الانس.
(486) محمّد بن جعفر بن الزبير بن العوام الاسدي المدني قال ابن سعد: كان عالما وقال الدّار قطني ثقة مدني (تهذيب التهذيب)، وفي بعض النسخ (محمّد بن جعفر بن الاثير) وهو تصحيف.
يعقوب بن - يوسف قال: حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار، عن يونس بن بكير، عن المسعوديّ، عن نفيل بن هشام، عن أبيه أنَّ جدَّه سعيد بن زيد سأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن أبيه زيد بن عمرو، فقال: يا رسول الله إنَّ أبي زيد بن عمرو كان كما رأيت وكما بلغك فلو أدركك كان آمن بك فأستغفر له؟ قال: نعم فاستغفر له، وقال: إنَّه يجيء يوم القيامة امّة وحده، وكان فيما ذكروا أنَّه يطلب الدِّين فمات وهو في طلبه.
قال مصنّف هذا الكتاب رحمه الله: حال النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل النبوَّة حال قائمنا وصاحب زماننا (عليه السلام) في وقتنا هذا وذلك أنَّه لم يعرف خبر النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ذلك الوقت إلّا الأحبار والرُّهبان والّذين قد انتهى إليهم العلم به فكان الإسلام غريباً فيهم وكان الواحد منهم إذا سأل الله تبارك وتعالى بتعجيل فرج نبيّه وإظهار أمره سخر منه أهل الجهل والضلال وقالوا له: متى يخرج هذا النبيُّ الّذي تزعمون أنَّه نبي السيف وان دعوته تبلغ المشرق والمغرب وإنّه ينقاد له ملوك الأرض كما يقول الجهّال لنا في وقتنا هذا: متى يخرج هذا المهدي الّذي تزعمون أنَّه لابدَّ من خروجه وظهوره وينكره قوم ويقرُّبه آخرون، وقد قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنَّ الاسلام بدء غريباً وسيعود غريباً [كما بدء] فطوبى للغرباء، فقد عاد الإسلام كما قال (عليه السلام) غريباً في هذا الزَّمان كما بدء وسيقوي بظهور وليِّ الله وحجّته كما قوى بظهور نبيِّ الله ورسوله وتقرُّ بذلك أعين المنتظرين له والقائلين بإمامته كما قرَّت أعين المنتظرين لرسول الله والعارفين به بعد ظهوره، وإن الله (عزَّ وجلَّ) لينجّز لأوليائه ما وعدهم ويعلي كلمته ويتم نوره ولو كره المشركون.
46 - حدّثنا جعفر بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن عبد الله بن المغيرة الكوفيُّ رضي الله عنه قال: حدّثني جدِّي الحسن بن عليٍّ، عن جدِّه عبد الله بن المغيرة، عن إسماعيل ابن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنَّ الاسلام بدء غريباً وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء.
47 - حدّثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلويُّ العمري السمرقنديُّ رضي الله عنه
- قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه محمّد بن مسعود، عن جعفر بن أحمد العمركيِّ ابن عليّ البوفكيّ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن عليّ بن موسى الرّضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليٍّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنَّ الإسلام بدء غريباً وسيعود غريبا كما بدء، فطوبى للغرباء.
الباب الحادي والعشرون: العلة التي من أجلها يحتاج إلى الامام (عليه السلام)
1 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة الثماليِّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: أتبقي الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام ساعة لساخت.
2 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد - ابن الحسن الصفّار قال: حدّثنا العبّاس بن معروف، عن عليِّ بن مهزيار، عن محمّد ابن الهيثم، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرِّضا (عليه السلام) قال: قلت له: أتبقى الأرض بغير إمام، فقال: لا، قلت: فإنّا نروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّها لا تبقى بغير إمام إلّا أن يسخط الله على أهل الأرض أو على العباد، فقال: لا تبقى إذا لساحت.
3 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد، عن أبي عبد الله زكريّا بن محمّد المؤمن، عن أبي - هراسة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: لو أنَّ الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله(487).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(487) ماج أي اضطرب.
4 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد بن - محمّد بن عيسى، وإبراهيم بن مهزيار، عن عليّ بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن أبي عليٍّ البجليِّ، عن أبان بن عثمان، عن زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث له في الحسين عليٍّ (عليهما السلام) أنَّه قال في آخره: ولو لا من على الأرض من حجج الله لنفضت الأرض ما فيها وألقت ما عليها، إنَّ الأرض لا تخلو ساعة من الحجّة.
5 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أبي داود سليمان بن سفيان المسترق، عن أحمد بن عمر الحلّال قال: قتل لابي الحسن الرِّضا (عليه السلام): إنّا روِّينا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: إنَّ الأرض لا تبقى بغير إمام، أو تبقى ولا إمام فيها؟ فقال: معاذ الله لا تبقى ساعة إذا لساخت.
6 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسن بن أحمد المالكيُّ، عن أبيه عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قال الرضا (عليه السلام): نحن حجج الله في خلقه، وخلفاؤه في عباده، وأمناؤه على سرِّه، ونحن كلمة التقوى، والعروة الوثقى، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريّته، بنا يمسك الله السموات والارض أنَّ تزولا، وبنا ينزِّل الغيث وينشر الرَّحمة، ولا تخلو الأرض من قائم منّا ظاهر أو خاف، ولو خلت يوماً بغير حجّة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله.
7 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ قالا: حدّثنا إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه عليّ بن مهزيار، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعد ابن أبي خلف، عن الحسن بن زياد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنَّ الأرض لا تخلو من أن يكون فيها [حجة] عالم، إنَّ الأرض لا يصلحها إلّا ذلك ولا يصلح النّاس إلّا ذلك.
8 - وبهذا الاسناد، عن عليِّ بن مهزيار، عن الحسن بن عليٍّ الخزاز، عن أحمد بن عمر قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: فقال: لا، قلت: فإنّا نروى أنّها لا تبقى إلّا أن يسخط الله على العباد؟ فقال: لا تبقى إذا لساخت.
9 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا
سعد بن عبد الله وعبد الله جعفر قالا: حدّثنا محمّد بن عيسى؛ ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أبي عبد الله المؤمن، والحسن بن عليّ بن فضال، عن أبي هراسة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لو أنَّ الإمام رفع من الأرض لماجت الأرض بأهلها كما يموج البحر بأهله.
10 - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر قالا: حدّثنا محمّد بن عيسى، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطاب جميعاً عن محمّد بن سنان، عن حمزة الطيّار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لو لم يبق من أهل الأرض(488) إلّا اثنان لكان أحدهما الحجة. - أو كان الثاني الحجّة - الشك من محمّد بن سنان.
11 - وبهذا الإسناد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن أبي الصّباح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أنَّ الله تبارك وتعالى لم يدع الأرض إلّا وفيها عالم يعلم الزِّيادة والنقصان، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردَّهم وإذا نقصوا شيئاً أكمله لهم ولو لا ذلك لالتبست على المؤمنين أمورهم.
12 - وبهذا الإسناد، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لم يدع الأرض بغير عالم ولو لا ذلك لما عرف الحقُّ من الباطل.
13 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر قالا: حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن أحمد بن هلال في حال استقامته(489) عن محمّد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يمضي الإمام وليس له عقب؟ قال: لا يكون ذلك قلت: فيكون ماذا؟ قال: لا يكون ذلك إلّا أن يغضب الله (عزَّ وجلَّ) على خلقه فيعاجهلم.
14 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا عبد الله بن جعفر قال: حدّثنا محمّد بن أحمد، عن أبي سعيد العصفريِّ(490)، عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(488) في بعض النسخ (لو لم يبق في الأرض) وفي بعضها (من الدُّنيا).
(489) أحمد بن هلال العبرتائي من أصحاب الهادي (عليه السلام) كان غالبا متهماً في دينه ويظهر من هذا الكلام استقامته في أول الامر ثمّ تحزبه إلى الضلال.
(490) كذا وهو أبو سعيد العصفوري المعنون في جامع الرواة باب الكنى.
عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لو بقيت الأرض يوماً بلا إمام منّا لساخت بأهلها ولعذَّبهم الله بأشدِّ عذابه، أنَّ الله تبارك وتعالى جعلنا حجّة في أرضه وأماناً في الأرض لأهل الأرض، لم يزالوا في أمان من أنَّ تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم، فإذا أراد الله أن يهلكهم ثمّ لا يمهلهم ولا ينظرهم ذهب بنا من بينهم ورفعنا إليه، ثمّ يفعل الله ما شاء وأحبَّ.
15 - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أحمد بن هلال، عن سعيد بن جناح، عن سليمان الجعفريِّ قال: سألت أبا الحسن الرِّضا (عليه السلام) فقلت: أتخلو الأرض من حجّة؟ فقال: لو خلت من حجّة طرفة عين لساخت بأهلها.
16 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً، عن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن إسماعيل الميثميِّ، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبد الأعلى بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: ما ترك الله الأرض بغير عالم ينقص ما زادوا ويزيد ما نقصوا، ولولا ذلك لا اختلطت على النّاس أمورهم.
17 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن داود، عن فضيل الرّسّان قال: كتب محمّد بن إبراهيم إلى أبي عبد الله (عليه السلام): أخبرنا ما فضلكم أهل البيت؟ فكتب إليه أبو عبد الله (عليه السلام): أنَّ الكواكب جعلت في السّماء أماناً لأهل السّماء، فإذا ذهبت نجوم السّماء جاء أهل السّماء ما كانوا يوعدون، وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (جعل أهل بيتي أماناً لأمتي فإذا ذهب أهل بيتي جاء أمتي ما كانوا يوعدون).
18 - حدّثنا محمّد بن عمر الحافظ البغداديُّ(491) قال: حدّثنا أحمد بن عبد العزيز ابن الجعد أبو بكر قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن صالح قال: حدّثنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(491) هو محمّد بن عمر بن محمّد بن سالم أبو بكر التميمي يعرف بابن الجعابي.
عبيد الله بن موسى، عن موسى بن عبيده، عن أياس بن سلمة، عن أبيه يرفعه قال: قال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): النجوم أمان لأهل السّماء وأهل بيتي أمان لأمتي.
19 - حدّثنا محمّد بن عمر قال: حدّثني أبو بكر محمّد بن السري بن سهل قال: حدّثنا عبّاس بن الحسين(492) قال: حدّثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): النجوم أمان لأهل السّماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السّماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض.
20 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن عبد الله بن عبد الرّحمن البصريِّ، عن أبي المغرا حميد ابن المثنّى العجليِّ، عن أبي بصير، عن خيثمة الجعفيِّ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: نحن جنب الله، ونحن صفوته، ونحن حوزته، ونحن مستودع مواريث الأنبياء، ونحن امناء الله (عزَّ وجلَّ)، ونحن حجج الله، ونحن أركان الإيمان، ونحن دعائم الإسلام، ونحن من رحمة الله على خلقه، ونحن من بنا يفتح وبنا يختم، ونحن أئمّة الهدى، ونحن مصابيح الدُّجى، ونحن منار الهدى، ونحن السابقون، ونحن الآخرون، ونحن العلم المرفوع للخلق، من تمسّك بنا لحق، ومن تأخّر عنّا غرق، ونحن قادة الغرّ المحجّلين، ونحن خيرة الله، ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى الله (عزَّ وجلَّ)، ونحن من نعمة الله (عزَّ وجلَّ) على خلقه، ونحن المنهاج، ونحن معدن النبوَّة، ونحن موضع الرسالة، ونحن الّذين إلينا تختلف الملائكة، ونحن السِّراج لمن استضاء بنا، ونحن السّبيل لمن اقتدى بنا، ونحن الهداة إلى الجنّة، ونحن عرى الإسلام، ونحن الجسور والقناطر(493)، من مضى عليها لم يسبق، ومن تخلّف عنها محق، ونحن السّنام الأعظم، ونحن الّذين بنا ينزل الله (عزَّ وجلَّ) الرَّحمة، وبنا يسقون الغيث، ونحن الّذين بنا يصرف عنكم العذاب، فمن عرفنا وأبصرنا وعرف حقّنا وأخذ بأمرنا فهو منّا وإلينا.
21 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(492) يحتمل أن يكون هو عبّاس بن الحسين البلخي أبو الفضل الّذي سكن بغداد وتوفي سنة 258. والمراد بمحمد بن السري بن سهل أما أبو المؤمل البغدادي أو أبو بكر القنطري أو أبو بكر البزاز. والعلم عند الله.
(493) الجسور جمع الجسر، والقناطر جمع القنطرة: الجسر.
حدّثنا أحمد ابن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي الطفيل(494)، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأمير المؤمنين (عليه السلام): اكتب ما أملي عليك، قال: يا نبي الله أتخاف عليّ النسيان؟ فقال: لست أخاف عليك النسيان، وقد دعوت الله لك أن يحفظك ولا ينسيك، ولكن اكتب لشركائك، قال: قلت: ومن شركائي يا نبيَّ الله؟ قال: الأئمّة من ولدك، بهم تسقى أمّتى الغيث وبهم يستجاب دعاؤهم، وبهم يصرف الله عنهم البلاء، وبهم تنزل الرَّحمة من السّماء وهذا أوّلهم - وأومأ بيده إلى الحسن (عليه السلام)، ثمّ أومأ بيده إلى الحسين (عليه السلام) - ثمّ قال (عليه السلام): الأئمّة من ولده.
22 - حدّثنا محمّد بن أحمد الشيبانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا أحمد بن يحيى ابن زكريّا القطان قال: حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدّثنا الفضل بن صقر العبديِّ(495) قال: حدّثنا أبو معاوية، عن سليمان بن مهران الأعمش، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن الحسين (عليهم السلام) قال: نحن أئمّة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغرِّ المحجّلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السّماء، ونحن الّذين بنا يمسك الله السّماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها(496) وبنا ينزل الغيث، وتنشر الرَّحمة، وتخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها، ثمّ قال: ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة الله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور(497)، ولا تخلوا إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله. قال: سليمان، فقلت للصادق (عليه السلام): فكيف ينتفع النّاس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب.
23 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا إبراهيم ابن هاشم قال: حدّثنا إسماعيل بن مرَّار قال: حدّثني يونس بن عبد الرّحمن قال: حدّثني يونس بن يعقوب قال: كان عند أبي عبد الله (عليه السلام) جماعة من أصحابه فيهم حمران ابن أعين، ومؤمن الطّاق، وهشام بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(494) كذا ورواية أبي الطفيل عن أبي جعفر (عليه السلام) في غاية البعد بل ممّا لا يكون. وفي بعض النسخ (عن أبي عبد الله الطفيل) ولم أجده.
(495) لم أظفر به.
(496) في بعض النسخ (أن تمور بأهلها).
(497) في بعض النسخ (خائف مغمور).
سالم، والطيار، وجماعة من أصحابه، فيهم هشام بن الحكم وهو شابٌّ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا هشام قال: لبّيك يا بن رسول الله قال: إلّا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد؟ وكيف سألته؟ قال هشام: جعلت فداك يا بن رسول الله إنّي أجلك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا أمرتكم بشيء فافعلوه، قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة وعظم ذلك عليَّ فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة وإذا أنا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء من صوف مؤتزرٌ بها، وشملة مرتد بها، والناس يسألونه فاستفرجت النّاس فأفرجوا لي، ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتيَّ، ثمّ قلت: أيّها العالم أنا رجلٌ غريبٌ تأذن لي فأسألك عن مسألة؟ قال: فقال: نعم، قال: قلت له: ألك عينٌ؟ قال: يا بنيَّ أيّ شيء هذا من السؤال إذا ترى شيئاً كيف تسأل عنه؟ فقلت: هكذا مسألتي قال: يا بنيَّ سل وإن كانت مسألتك حمقاء، قلت: أجبني فيها، قال: فقال لي: سل، قال: قلت: ألك عينٌ؟ قال: نعم، قال: قلت: فما تري بها؟ قال: الألوان والأشخاص، قال: قلت: ألك أنف؟ قال: نعم قال: قلت: فما تصنع به؟ قال: أشمُّ به الرّائحة، قال: قلت: ألك لسان؟ قال: نعم، قال: قلت: فما تصنع به؟ قال: أتكلّم به قال: قلت: ألك أذن؟ قال: نعم قال: قلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الأصوات، قال: قلت: أفلك يدان؟ قال: نعم قال: قلت: فما تصنع بهما؟ قال: أبطش بهما وأعرف بهما الليّن من الخشن، قال: قلت: ألك رجلان؟ قال: نعم، قال: قلت: فما تصنع بهما؟ قال: أنتقل بهما من مكان إلى مكان، قال: قلت: ألك فمٌ؟ قال: نعم، قال: قلت: فما تصنع به؟ قال: أعرف به المطاعم على اختلافها، قال: قلت: أفلك قلب؟ قال: نعم، قال: قلت: فما تصنع به؟ قال: أميز به كلما ورد على هذه الجوارح(498)، قال: قلت: أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ قال: لا، قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة؟ قال: يا بنيَّ إنَّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته ردَّته إلى القلب فليقرُّ به اليقين ويبطل الشّك،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(498) في بعض النسخ (أميز به الامور الواردة على هذه الجوارح).
قال: قلت: فإنّما أقام الله (عزَّ وجلَّ) القلب لشكِّ الجوارح؟ قال: نعم، قال: قلت: ولابدَّ من القلب وإلّا لم يستيقن الجوارح؟ قال: نعم، قال: قلت: يا أبا مروان أنَّ الله لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماماً يصحح لها الصحيح وينفي ما شكّت فيه، ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم ويقيم لك إماماً لجوارحك يردُّ إليك شكك وحيرتك؟ قال: فسكت، ولم يقل لي شيئاً، قال: ثمّ التفت إليَّ فقال: أنت هشام؟ فقلت: لا، قال: فقال لي: أجالسته؟ فقلت: لا، قال: فمن أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة قال: فأنت إذاً هو، قال: ثمّ ضمّني إليه فأقعدني في مجلسه، وما نطق حتّى قمت، فضحك أبو عبد الله (عليه السلام)، ثمَّ قال: يا هشام من علّمك هذا؟ قال: قلت: يا بن رسول الله جرى على لساني، قال: يا هشام هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى (عليهم السلام).
قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: وتصديق قولنا إنَّ الإمام يحتاج إليه لبقاء العالم على صلاحه أنَّه ما عذب الله (عزَّ وجلَّ) أمّة إلّا وأمر نبيّها بالخروج من بين أظهرهم كما قال الله (عزَّ وجلَّ) في قصّة نوح (عليه السلام) (حتّى إذا جاء أمرنا وفار التّنور قلنا احمل فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك إلّا من سبق عليه القول)(499) منهم وأمره الله (عزَّ وجلَّ) أن يعتزل عنهم مع أهل الإيمان به ولا يبقى مختلطا بهم وقال (عزَّ وجلَّ): (ولا تخاطبني في الّذين ظلموا أنّهم مغرقون)(500) وكذلك قال (عزَّ وجلَّ) في قصّة لوط (عليه السلام) (فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلّا امرأتك أنَّه مصيبها ما أصابهم)(501) فأمره الله (عزَّ وجلَّ) بالخروج من بين أظهرهم قبل أن أنزل العذاب بهم لأنّه لم يكن (عزَّ وجلَّ) لينزل عليهم ونبيّه لوط (عليه السلام) بين أظهرهم وهكذا أمر الله (عزَّ وجلَّ) كلّ نبي أراد هلاك أمته أنَّ يعتزلها كما قال إبراهيم (عليه السلام) مخوفا بذلك قومه (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى إلّا أكون بدعاء ربي شقيا * فلمّا اعتزلهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما يعبدون من دون الله)(502) أهلك الله (عزَّ وجلَّ) الّذين كانوا آذوه وعنتوه وألقوه في الجحيم وجعلهم الأسفلين ونجّاه ولوطاً كما قال الله تعالى: (ونجّيناه ولوطاً إلى الأرض الّتي باركنا فيها للعالمين)(503) ووهب الله [جلت عظمته] لإبراهيم إسحاق ويعقوب كما قال (عزَّ وجلَّ): (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين)(504).
وقال الله (عزَّ وجلَّ) لنبيه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم)(505).
وروي في الأخبار الصحيحة عن أئمّتنا (عليهم السلام) أنَّ من رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو واحداً من الأئمّة صلوات الله عليهم قد دخل مدينة أو قرية في منامه فإنّه أمن لأهل تلك المدينة أو القرية ممّا يخافون ويحذرون وبلوغ لمّا يأملون ويرجون.
وفي حديث هشام مع عمرو بن عبيد حجّة في الانتفاع بالحجّة الغائب (عليه السلام) وذلك أنَّ القلب غائب عن سائر الجوارح لا يرى بالعين ولا يشمُّ بالأنف ولا يذاق بالفمِّ ولا يلمس باليد وهو مدبّر لهذه الجوارح مع غيبته عنها وبقاؤها على صلاحها ولو لم يكن القلب لانفسد تدبير الجوارح ولم تستقم أمورها فاحتيج إلى القلب لبقاء الجوارح على صلاحها كما احتيج إلى الإمام لبقاء العالم على صلاحه ولا قوَّة إلّا بالله.
وكما يعلم مكان القلب من الجسد بالخبر فكذلك يعلم مكان الحجّة الغائب (عليه السلام) بالخبر وهو ما ورد عن الأئمّة (عليهم السلام) من الأخبار في كونه بمكّة وخروجه منها في وقت ظهوره، ولسنا نعني بالقلب المضغة الّتي من اللحم لأنّ بها لا يقع الانتفاع للجوارح وإنّما نعني بالقلب اللطيفة الّتي جعلها الله (عزَّ وجلَّ) في هذه المضغة لا تدرك بالبصر وإن كشف عن تلك المضغة، ولا تلمس ولا تذاق ولا توجد إلّا بالعلم بها لحصول التمييز واستقامة التّدبير من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(502) مريم: 50 و51.
(503) الأنبياء: 72.
(504) الأنبياء: 72.
(505) الانفال: 33. وتمام الآية (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) وفي بعض النسخ كانت هذه الزيادة في المتن.
الجوارح والحجّة بتلك اللّطيفة على الجوارح [قائمة ما وجدت والتكليف لها لازم ما بقيت فإذا عدمت تلك اللطيفة انفسد تدبير الجوارح وسقط التكليف عنها فكما يجوز أن تحتجَّ الله (عزَّ وجلَّ) بهذه اللّطيفة الغائبة عن الحواسِّ على الجوارح فكذلك جائز أن يحتجَّ (عزَّ وجلَّ) على جميع الخلق بحجّة غائب عنهم به يدفع عنهم وبه يرزقهم وبه ينزل عليهم الغيث ولا قوة إلّا بالله].
1 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن - الحسن الصفّار؛ وسعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً قالوا: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب؛ والهيثم بن أبي مسروق النهديُّ وإبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن محبوب السَّراد، عن مقاتل بن سليمان بن دوال - دوز(506)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنا سيّد النبيّين ووصيّي سيّد الوصيّين وأوصياؤه سادة الأوصياء إنَّ آدم (عليه السلام) سأل الله (عزَّ وجلَّ) أن يجعل له وصيّاً صالحا فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه إنّي أكرمت الأنبياء بالنبوَّة ثمّ اخترت خلفي فجعلت خيارهم الاوصياء، فقال آدم (عليه السلام): يا ربّ فاجعل وصيّي خير الأوصياء، فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه: يا آدم أوص إلى شيث وهو هبة الله بن آدم، فأوصى آدم إلى شيث وأوصى شيث إلى ابنه شبان وهو ابن نزلة الحوراء(507) الّتي أنزلها الله (عزَّ وجلَّ) على آدم من الجنّة فزوَّجها شيثاً، وأوصى شبان إلى ابنه مجلث، وأوصى مجلث إلى محوق، وأوصى محوق إلى غثميشا، وأوصى غثميشا إلى أخنوخ وهو إدريس النبيّ (عليه السلام)، وأوصى إدريس إلى ناخور ودفعها ناخور إلى نوح (عليه السلام)، وأوصى نوح إلى سام؛ وأوصى سام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(506) مقاتل بن سليمان الازدي الخراساني أبو الحسن البلخي نزيل مرو، يقال له: ابن دوال دوز عامي بتري اختلفوا في شأنه فبعضهم رفعوه فوق مقامه وبجلوه وقالوا: (ما علم مقاتل بن سليمان في علم النّاس إلّا كالبحر الاخضر في سائر البحور)، وبعضهم كذبوه وهجروه ورموه بالتجسيم ففي تهذيب التهذيب عن أحمد بن سيار المروزي قال: (مقاتل متهم متروك الحديث مهجور القول، سمعت اسحاق ابراهيم يقول: أخبرني حمزة بن عميرة أنَّ خارجة مر بمقاتل وهو يحدّث النّاس فقال: حدّثنا أبو النضر - يعني الكلبي - قال: فمررت عليه مع الكلبي فقال الكلبي: والله ما حدثته قط بهذا، ثمّ دنا منه فقال له: يا أبا الحسن أنا أبو النضر وما حدثتك بهذا قط، فقال مقاتل: اسكت يا أبا النضر فإنَّ تزيين الحديث لنا إنّما هو بالرجال).
وفيه قال أبو اليمان: قام مقاتل بن سليمان فقال: سلوني عمّا دون العرش حتّى أخبركم به، فقال له يوسف السمتي: من حلق رأس آدم اول ما حج؟ قال: لا أدري.
وفيه أيضاً عن العبّاس بن الوليد بن مزيد عن أبيه قال: سألت مقاتل عن أشياء فكان يحدثني بأحاديث كلّ واحد ينقض الاخر، فقلت: بأيها آخذ؟ قال: بأيها شئت، وقال ابن معين: أنَّه (يعنى مقاتل) ليس بثقة وقال عمرو بن عليّ: متروك الحديث كذاب. وقال ابن سعد: أصحاب الحديث يتقون حديثه وينكرونه. وقال النسائي: كذاب. وفي موضع آخر، الكذابون المعروفون بوضع الحديث على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أربعة وعد منهم مقاتل بن سليمان راجع تهذيب التهذيب ج 10 ص 279.
وعنونه العلامة قدَّس سرّه في قسم الضعفاء وقال: مقاتل بن سليمان من أصحاب الباقر (عليه السلام) بتري قاله الشيخ الطوسي رحمه الله والكشي. وقال البرقي أنَّه عامي.
(507) في بعض النسخ (هو ابن له من الحوراء).
إلى عثامر وأوصى عثامر إلى برعيثاشا، وأوصى برعيثاشا إلى يافث؛ وأوصى يافث إلى برّة؛ وأوصى برة إلى جفيسة(508) وأوصى جفيسة، إلى عمران، ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليل (عليه السلام)، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق، وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف، وأوصى يوسف إلى بثرياء، وأوصى بثرياء إلى شعيب، وأوصى شعيب إلى موسى بن عمران، وأوصى موسى إلى يوشع بن نون وأوصى يوشع إلى داود(509) وأوصى داود إلى سليمان، وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا، وأوصى آصف بن برخيا إلى زكريّا، ودفعها زكريّا إلى عيسى بن مريم (عليه السلام) وأوصى عيسى إلى شمعون ابن حمون الصّفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريّا(510) وأوصى يحيى بن زكريّا إلى منذر، وأوصى منذر إلى سليمة، وأوصى سليمة إلى بردة، ثمّ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ودفعها إلي بردة وأنا أدفعها إليك يا عليُّ وأنت تدفعها إلى وصيّك ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك، واحداً بعد واحد حتّى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك، ولتكفرنَّ بك الاُمّة ولتختلفن عليك اختلافاً شديداً، الثابت عليك كالمقيم معي والشاذُّ عنك في النّار، والنّار مثوى للكافرين.
2 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمدانيُّ قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال: عن أبيه، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثماليِّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليهما السلام) قال: أنَّ الله تبارك وتعالى عهد إلى آدم (عليه السلام) أن لا يقرب الشجرة، فلمّا بلغ الوقت الّذي كان في علم الله تبارك وتعالى أن يأكل منها نسي فأكل منها، وهو قول الله تبارك وتعالى: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً)(511) فلمّا أكل آدم من الشجرة أُهبط إلى الأرض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(508) في بعض النسخ والفقيه (جفسية).
(509) مضطرب لأنّ بين يوشع بن نون وداود (عليهما السلام) ازيد من ثلاثمائة عام فإنَّ خروج بني إسرائيل من مصر في عام 1500 قبل الميلاد، وكان داود (عليه السلام) في 1000 قبل الميلاد فكيف يوصي يوشع إلى داود. والبلاء من مقاتل بن سليمان العامي البتري.
(510) وهذا أيضاً خلاف ما وقع وإنّما قتل يحيى في أيّام عيسى (عليه السلام) على التحقيق.
(511) طه: 115.
فولد له هابيل وأخته توأماً، وولد له قابيل وأخته توأماً، ثمّ أنَّ آدم أمر هابيل وقابيل أن يقرِّبا قرباناً، وكان هابيل صاحب غنم، وكان قابيل صاحب زرع فقرب هابيل كبشاً وقرَّب قابيل من زرعه ما لم ينق، وكان كبش هابيل من أفضل غنمه وكان زرع قابيل غير منقّى، فتقبّل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقِّ إذ قربّا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر - الآية)(512) وكان القربان إذا قبل تأكله النار فعمد قابيل إلى النّار فبنى لها بيتاً وهو أول من بنى للنّار البيوت، وقال: لأعبدنَّ هذه النار حتّى يتقبل قرباني، ثمّ إنَّ عدو الله إبليس قال لقابيل: إنَّه قد تقبّل قربان هابيل ولم يتقبّل قربانك فإنَّ تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك، فقتله قابيل، فلمّا رجع إلى آدم (عليه السلام) قال له: يا قابيل أين هابيل؟ فقال: ما أدري وما بعثتني له راعياً فانطلق آدم فوجد هابيل مقتولاً فقال: لعنت من أرض كما قبلت دم هابيل، فبكى آدم على هابيل أربعين ليلة، ثمّ إنَّ آدم (عليه السلام) سأل: ربّه (عزَّ وجلَّ) أن يهب له ولداً فولد له غلامٌ فسمّاه هبة الله لأنّ الله (عزَّ وجلَّ) وهبه له فأحبّه آدم حبّاً شديدا فلمّا انقضت نبوَّة آدم (عليه السلام) واستكملت أيامه أوحى الله تعالى إليه أن يا آدم أنَّه قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الّذي عندك والإيمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار النبوَّة في العقب من ذرّيّتك عند ابنك هبة الله فإنّي لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوَّة في العقب من ذرّيّتك إلى يوم القيامة ولن أدع الأرض إلّا وفيها عالم يعرف به ديني ويعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد فيما بينك وبين نوح، وذكر آدم (عليه السلام) نوحاً (عليه السلام) وقال: أنَّ الله تعالى باعث نبيّاً اسمه نوح وإنّه يدعو إلى الله (عزَّ وجلَّ) فيكذِّبوه فيقتلهم الله بالطوفان، وكان بين آدم وبين نوح (عليهما السلام) عشرة آباء كلّهم أنبياء الله، وأوصى آدم إلى هبة الله: أنَّ من أدركه منكم فليؤمن به وليتّبعه وليصدق به فإنّه ينجو من الغرق.
ثم إنَّ آدم (عليه السلام) لمّا مرض المرضة الّتي قبض فيها أرسل إلى هبة الله فقال له: إن لقيت جبرئيل أو من لقيت من الملائكة فأقرئه منّى السّلام وقل له: يا جبرئيل إنَّ أبي يستهديك من ثمار الجنّة، ففعل فقال له جبرئيل:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(512) المائدة: 27.
يا هبة الله إنَّ أباك قد قبض وما نزلت إلّا للصلاة عليه فارجع فرجع فوجد أباه قد قُبض، فأراه جبرئيل (عليه السلام) كيف يغسّله، فغسّله حتّى إذا بلغ الصّلاة عليه قال هبة الله: يا جبرئيل تقدَّم فصلِّ على آدم فقال له جبرئيل (عليه السلام): يا هبة الله إنَّ الله أمرنا أن نسجد لابيك في الجنّة فليس لنا أن نؤمَّ أحداً من ولده، فتقدم هبة الله فصلّى على آدم وجبرئيل خلفه وحزب من الملائكة وكبّر عليه ثلاثين تكبيرة بأمر جبرئيل فرُفع من ذلك خمساً وعشرون تكبيرة والسنّة فينا اليوم خمس تكبيرات، وقد كان (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يكبّر على أهل بدر سبعاً وتسعاً.
ثم أنَّ هبة الله لمّا دفن آدم أباه أتاه قابيل فقال له: يا هبة الله إنّي قد رأيت آدم أبي خصّك من العلم بما لم أخصَّ به وهو العلم الّذي دعا به أخوك هابيل فتقبّل قربانه وإنّما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي فيقولون: نحن أبناء الّذي تقبّل قربانه وأنتم أبناء الّذي لم يتقبل قربانه فانّك أن أظهرت من العلم الّذي اختصك به أبوك شيئاً قتلتك كما قتلت أخاك هابيل.
فلبث هبة الله والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوَّة حتّى بعث نوح وظهرت وصيّة هبة الله حين نظروا في وصيّة آدم فوجدوا نوحاً (عليه السلام) قد بشّر به أبوهم آدم، فآمنوا به واتّبعوه وصدقوه، وقد كان آدم وصىّ هبة الله أن يتعاهد هذه الوصيّة عند رأس كلِّ سنة فيكون يوم عيد لهم، فيتعاهدون بعث نوح (عليه السلام) في زمانه الّذي بعث فيه، وكذلك جرى في وصية كلِّ نبيٍّ حتّى بعث الله تبارك وتعالى محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وإنّما عرفوا نوحاً بالعلم الّذي عندهم وهو قول الله (عزَّ وجلَّ) (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه - الاية(513). وكان ما بين آدم ونوح من الأنبياء مستخفين ومستعلنين ولذلك خفى ذكرهم في القرآن فلم يسمّوا كما سمّي من استعلن من الأنبياء وهو قول الله (عزَّ وجلَّ) (ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(513) هود: 25، المؤمنون: 230.
لم نقصصهم عليك)(514) يعني من لم يسمّهم من المستخفين كما سمّي المستعلنين من الأنبياء، فمكث نوح (عليه السلام) في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً لم يشاركه في نبوَّته أحد ولكنّه قدم على قوم مكذبين للأنبياء الّذين كانوا بينه وبين آدم وذلك قوله تبارك وتعالى: (كذَّبت قوم نوح المرسلين)(515) يعني من كان بينه وبين آدم إلى أن ينتهي إلى قوله: (وإنَّ ربّك لهو العزيز الرَّحيم) ثمّ إنَّ نوحاً لمّا انقضت نبوَّته واستكملت أيّامه أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه يا نوح أنَّه قد انقضت نبوَّتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الّذي عندك والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار النبوَّة في العقب من ذرّيّتك عند سام فإنّي لن أقطعها من بيوتات الأنبياء الّذين بينك وبين آدم ولن أدع الأرض إلّا وفيها عالم يعرف به ديني، وتعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد فيما بين قبض النبيِّ إلى خروج النبيِّ الاخر، وليس بعد سام إلّا هود، فكان ما بين نوح وهود من الأنبياء مستخفين ومستعلنين، وقال نوح: أنَّ الله تبارك وتعالى باعث نبيّاً يقال له: هود وإنّه يدعو قومه إلى الله (عزَّ وجلَّ) فيكذِّبونه، وإن الله (عزَّ وجلَّ) مهلكهم بالرِّيح فمن أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه فإنَّ الله تبارك وتعالى ينجيه من عذاب الرِّيح وأمر نوح ابنه سام أن يتعاهد هذه الوصيّة عند رأس كلّ سنة، ويكون يوم عيد لهم فيتعاهدون فيه بعث هود وزمانه الّذي يخرج فيه، فلمّا بعث الله تبارك وتعالى هوداً نظروا فيما عندهم من العلم والايمان وميراث العلم والاسم الاكبر وآثار علم النبوَّة فوجدوا هودا نبيّاً وقد بشّرهم به أبوهم نوح فآمنوا به وصدَّقوه واتّبعوه فنجوا من عذاب الرِّيح، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (وإلى عاد أخاهم هوداً)(516) وقوله (كذّبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود إلّا تتّقون)(517) وقال (عزَّ وجلَّ): (ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب)(518) وقوله: (ووهبنا له إسحق ويعقوب كلّا هدينا [لنجعلها في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(514) النساء: 164.
(515) الشعراء: 105.
(516) الاعراف: 65.
(517) الشعراء: 123.
(518) البقرة: 127.
أهل بيته] ونوحاً هدينا من قبل)(519) لنجعلها في أهل بيته، فآمن العقب من ذرّيّة الأنبياء من كان من قبل إبراهيم لابراهيم (عليه السلام)، وكان بين هود وإبراهيم من الأنبياء عشرة أنبياء وهو قوله (عزَّ وجلَّ): (وما قوم لوط منكم ببعيد)(520) وقوله: (فآمن له لوط وقال إنّي مهاجر إلى ربي)(521) [وقول إبراهيم (إنّي ذاهب إلى ربي] سيهدين)(522) وقوله جلَّ وعزَّ: (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم)(523) فجرى بين كلّ نبيٍّ ونبيٍّ عشرة آباء وتسعة آباء وثمانية آباء كلهم أنبياء، وجرى لكلّ نبيٍّ ما جري لنوح وكما جري لآدم وهود وصالح وشعيب وإبراهيم (عليه السلام) حتّى انتهى إلى يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليه السلام)، ثمّ صارت بعد يوسف في الاسباط إخوته حتّى انتهت إلى موسى بن عمران وكان بين يوسف وموسى (عليهما السلام) عشرة من الأنبياء فأرسل الله (عزَّ وجلَّ) موسى وهارون إلى فرعون وهامان وقارون، ثمّ أرسل الله (عزَّ وجلَّ) الرُّسل تترى (كلّما جاء أمّة رسولها كذَّبوه فأتبعنا بعضهم بعضاً وجعلنا هم أحاديث)(524) وكانت بنو إسرائيل تقتل في اليوم نبيّين وثلاثة وأربعة حتّى أنَّه كان يقتل في اليوم الواحد سبعون نبيّاً ويقوم سوق قتلهم في آخر النّهار، فلمّا أنزلت التوراة على موسى بن عمران (عليه السلام) تبشّر بمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وكان بين يوسف وموسى (عليهما السلام) من الأنبياء عشرة، وكان وصيُّ موسى بن عمران يوشع بن نون وهو فتاه الّذي قال الله تبارك وتعالى في كتابه(525) فلم تزل الأنبياء (عليهم السلام) تبشّر بمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذلك قوله: (يجدونه) يعني اليهود والنصارى (مكتوبا) يعني صفة محمّد واسمه (عندهم في التورية والإنجيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(519) الانعام: 84.
(520) هود: 89.
(521) العنكبوت: 26.
(522) الصافات: 98.
(523) العنكبوت: 16.
(524) المؤمنون: 44.
(525) في سورة الكهف: 60 (إذ قال موسى لفتيه لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين).
يأمرهم بالمعروف وينهيهم عن المنكر)(526) وهو قول الله (عزَّ وجلَّ) يحكي عن عيسى بن مريم (ومبّشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد)(527) فبشّر موسى وعيسى (عليهما السلام) بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما بشرت الأنبياء بعضهم بعضاً حتّى بلغت محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلمّا قضى محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نبوَّته واستكملت أيّامه أوحي الله (عزَّ وجلَّ) إليه أن يا محمّد قد قضيت نبوَّتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الّذي عندك والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوَّة عند عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) فإنّي لن أقطع العلم والايمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوَّة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الّذين كانوا بينك وبين أبيك آدم، وذلك قوله (عزَّ وجلَّ): (إنَّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرّيّة بعضها من بعض والله سميع عليم)(528) فإنَّ الله تبارك وتعالى لم يجعل العلم جهلاً، ولم يكل أمره إلى ملك مقرَّب ولا نبيٍّ مرسل ولكنّه أرسل رسولاً من ملائكته إلى نبيّه فقال له كذا وكذا، وأمره بما يحب، ونهاه عمّا ينكر، فقص عليه ما قبله وما خلفه بعلم، فعلّم ذلك العلم أنبياءه وأصفياءه من الاباء والاخوان بالذّرّية التي بعضها من بعض، فذلك قوله (عزَّ وجلَّ): (فقد آيتنا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً)(529) فأمّا الكتاب فالنبوَّة وأمّا الحكمة فهم الحكماء من الأنبياء والاصفياء من الصفوة، وكلُّ هؤلاء من الذُّرّية الّتي بعضها من بعض الّذين جعل الله (عزَّ وجلَّ) فيهم النبوَّة وفيهم العاقبة وحفظ الميثاق حتّى تنقضي الدُّنيا، فهم العلماء وولاة الامر وأهل استنباط العلم والهداة فهذا بيان الفضل في الرُّسل والأنبياء والحكماء وأئمة الهدى والخلفاء الّذين هم ولاة أمر الله وأهل استنباط علم الله وأهل آثار علم الله (عزَّ وجلَّ) من الذّرّية الّتي بعضها من بعض من الصفوة بعد الأنبياء من الال والاخوان والذّرّية من بيوتات الأنبياء فمن عمل بعملهم وانتهى إلى أمرهم نجا بنصرهم، ومن وضع ولاية الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(526) الاعراف: 157.
(527) الصف: 6.
(528) آل عمران: 33.
(529) النساء: 54.
وأهل استنباط علم الله في غير أهل الصفوة من بيوتات الأنبياء فقد خالف أمر الله (عزَّ وجلَّ) وجعل الجهّال ولاة أمر الله والمتكلّفين بغير هدى، وزعموا أنّهم أهل استنباط علم الله فكذبوا على الله(530) وزاغوا عن وصيّة الله وطاعته فلم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى فضلوا وأضلوا أتباعهم فلا تكون(531) لهم يوم القيامة حجّة إنّما الحجّة في آل إبراهيم لقول الله (عزَّ وجلَّ): (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً) فالحجة الأنبياء وأهل بيوتات الأنبياء حتّى تقوم الساعة لأنّ كتاب الله ينطق بذلك ووصيّة الله جرت بذلك في العقب من البيوت الّتي رفعها الله تبارك وتعالى على النّاس فقال: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه)(532) وهي بيوتات الأنبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى، فهذا بيان عروة الايمان الّتي بها نجا من نجا قبلكم وبها ينجو من اتّبع الائمّة، وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه (ونوحاً هدينا من قبل ومن ذرّيّته داود وسليمن وأيّوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزى المحسنين * وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس كلّ من الصالحين * وإسمعيل واليسع ويونس ولوطا وكلّا فضّلنا على العالمين * ومن آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم [ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون] أولئك الّذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوَّة فإنَّ يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين)(533) فإنّه وكّل بالفضل من أهل بيته من الاباء والاخوان والذُّريّة وهو قول الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه: (فإنَّ يكفر بها (أمّتك) فقد ولكنا) أهل بيتك بالايمان الّذي أرسلتك به فلا يكفرون بها أبداً ولا أضيع الايمان الّذي أرسلتك به وجعلت أهل بيتك بعدك علما على أمتك(534) وولاة من بعدك وأهل استنباط علمي الّذي ليس فيه كذب ولا إثم ولا وزر ولا بطر ولا رياء، فهذا تبيان ما بيّنه الله (عزَّ وجلَّ) من أمر هذه الاُمّة بعد نبيها (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أنَّ الله تعالى طهر أهل بيت نبيّه وجعل لهم أجر المودة واجرى لهم الولاية وجعلهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(530) الزيغ: الميل عن الحق. وفى بعض النسخ (فقد كذبوا..).
(531) (في بعض النسخ (ولم تكن).
(532) النور: 36.
(533) الانعام 84 إلى 90.
(534) في بعض النسخ (بعدك علماء امتك) وفي بعضها (بعدك علماء عنك وولاة - الخ).
أوصياءه وأحبّاءه وأئمّته بعده في أمّته(535)، فاعتبروا أيّها النّاس فيما قلت وتفكّروا حيث وضع الله (عزَّ وجلَّ) ولايته وطاعته ومودّته واستنباط علمه وحجّته، فإياه فتعلّموا، وبه فاستمسكوا تنجوا، وتكون لكم به حجّة يوم القيامة والفوز، فإنّهم صلة ما بينكم وبين ربّكم ولا تصل الولاية إلى الله (عزَّ وجلَّ) إلّا بهم فمن فعل ذلك كان حقا على الله (عزَّ وجلَّ) أن يكرمه ولا يعذِّبه، ومن يأت الله بغير ما أمره كان حقّاً على الله أن يذلّه ويعذّبه(536).
وانّ الأنبياء بعثوا خاصّة وعامّة، فأمّا نوح فإنّه أرسل إلى من في الأرض بنبوَّة عامّة ورسالة عامّة، وأمّا هود فإنّه أرسل إلى عاد بنبوَّة خاصّة، وأمّا صالح فإنّه أرسل إلى ثمود وهي قرية واحدة لا تكمل أربعين بيتاً على ساحل البحر صغيرة(537) وأمّا شعيب فإنه أرسل إلى مدين وهي لا تكمل أربعين بيتاً، وأمّا إبراهيم نبوَّته بكوثى ربّا وهي قرية من قرى السواد فيها بدا أوّل أمره، ثمّ هاجر منها وليست بهجرة قتال، وذلك قوله (عزَّ وجلَّ): (إنّي مهاجر إلى ربّي سيهدين)(538) فكانت هجرة إبراهيم بغير قتال، وأما إسحاق فكانت نبوَّته بعد إبراهيم، وأما يعقوب فكانت نبوَّته بأرض كنعان ثمّ هبط إلى أرض مصر فتوفي بها، ثمّ حمل بعد ذلك جسده حتّى دفن بأرض كنعان؛ والرّؤيا الّتي رأي يوسف الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين فكانت نبوَّته في أرض مصر بدؤها، ثمّ أنَّ الله تبارك وتعالى أرسل الاسباط اثني عشر بعد يوسف، ثمّ موسى وهارون إلى فرعون وملائه إلى مصر وحدها، ثمّ أنَّ الله تبارك وتعالى أرسل يوشع بن نون إلى بني إسرائيل من بعد موسى فنبوَّته بدؤها في البريّة الّتي تاه فيها بنو إسرائيل، ثمّ كانت أنبياء كثيرون منهم من قصه الله (عزَّ وجلَّ) على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومنهم من لم يقصّه على محمّد، ثمّ أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أرسل عيسى (عليه السلام) إلى بني إسرائيل خاصّة فكانت نبوَّته ببيت المقدس وكان من بعده الحواريّون اثنا عشر، فلم يزل الايمان يستسرُّ في بقية أهله منذ رفع الله (عزَّ وجلَّ) عيسى (عليه السلام) وأرسل الله (عزَّ وجلَّ) محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى الجنِّ والانس عامّة وكان خاتم الأنبياء، وكان من بعده الاثنا عشر الاوصياء، منهم من أدركنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(535) في بعض النسخ (وحججه ثابتة بعده في امته).
(536) هنا تمام الخبر كما في روضة الكافي تحت رقم 92، والظاهر أنَّ الباقي من كلام المؤلف أخذه من الاخبار.
(537) أي بيوتا صغيرة.
(538) سهو من المؤلف أو الراوي وفي المصحف (إنّي ذاهب) أو بدون (سيهدين).
ومنهم من سبقنا، ومنهم من بقي، فهذا أمر النبوَّة والرِّسالة، فكلّ نبيٍّ أرسل إلى بني إسرائيل خاصٌّ أو عامٌّ له وصيٌّ جرت به السنّة وكان الاوصياء الّذين بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على سنّة أوصياء عيسى (عليه السلام)، وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه على سنّة المسيح (عليه السلام)، فهذا تبيان السنّة وأمثال الاوصياء بعد الأنبياء (عليهم السلام).
3 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن الاوَّل - يعني موسى بن جعفر (عليهما السلام) - قال: ما ترك الله (عزَّ وجلَّ) الأرض بغير إمام قطُّ منذ قبض آدم (عليه السلام) يهتدي به إلى الله (عزَّ وجلَّ) وهو الحجّة على العباد من تركه ضلَّ(539) ومن لزمه نجا حقّاً على الله (عزَّ وجلَّ).
4 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن عمرو بن سعيد المدائنيِّ عن مصدِّق بن صدقة، عن عمّار بن موسى الساباطيِّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته وهو يقول: لم تخل الأرض منذ كانت من حجّة عالم يحيي فيها ما يميتون من الحقِّ، ثمَّ تلى هذه الآية (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متُّم نوره ولو كره الكافرون).
5 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله عن الهيثم بن أبي مسروق النهديِّ، عن محمّد بن خالد البرقيُّ، عن خلف بن حمّاد عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق.
6 - حدّثنا أبي ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحيمريُّ، عن محمّد بن الحسين، عن عليِّ بن أسباط، عن سليم مولى طربال، عن إسحاق ابن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنَّ الأرض لم تخلّ إلّا وفيها عالم كيما أنَّ زاد المسلمون شيئاً ردهم إلى الحقِّ وإن نقصوا شيئاً تمّمه لهم.
7 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ قال: حدّثنا هارون بن مسلم، عن أبي الحسن اللّيثيِّ قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(539) في بعض النسخ (هلك).
حدَّثني جعفر بن محمّد، عن آبائه (عليهم السلام): أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: إن في كلِّ خلف من أمّتي عدلاً من أهل بيتي ينفي عن هذا الدِّين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وإنَّ أئمّتكم قادتكم إلى الله (عزَّ وجلَّ) فانظروا بمن تقتدون في دينكم وصلاتكم.
8 - حدَّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن عبد الله بن محمّد الحجّال، عن حمّاد بن عثمان عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسول وأولي الامر منكم) قال: الأئمّة من ولد عليٍّ وفاطمة (عليهما السلام) إلى أن تقوم السّاعة.
9 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ قال: حدّثنا أحمد بن إسحاق قال: دخلت على مولانا أبي محمّد الحسن بن عليٍّ العسكري (عليهم السلام) فقال: يا أحمد ما كان حالكم فيما كان فيه النّاس من الشكِّ والارتياب؟ فقلت له: يا سيّدي لمّا ورد الكتاب لم يبق منّا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلّا قال بالحقِّ، فقال: احمد الله على ذلك يا أحمد أما علمتم أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة وأنا ذلك الحجّة - أو قال: أنا الحجّة -.
10 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ قال: حدّثنا أحمد بن إسحاق قال: خرج عن أبي محمّد (عليه السلام) إلى بعض رجاله في عرض كلام له: مامني أحدٌ من آبائي (عليهم السلام) بما منيت به من شكِّ هذه العصابة فيَّ، فإن كان هذا الامر أمراً اعتقدتموه ودنتم به إلى وقت ثمَّ ينقطع فللشكِّ موضعٌ، وإن كان متّصلاً ما اتّصلت أمور الله (عزَّ وجلَّ) فما معنى هذا الشكِّ؟!.
11 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر جميعاً، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن عليّ بن أسباط، عن عبد الله بن بكير، عن عمرو بن الاشعث قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أترون الأمر إلينا نضعه حيث
نشاء؟! كلّا والله إنَّه لعهد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى رجل فرجل حتّى ينتهي إلى صاحبه.
12 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار؛ وسعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً، عن إبراهيم بن مهزيار عن عليّ بن حديد، عن علىِّ بن النعمان؛ و[الحسن بن عليٍّ] الوشاء جميعاً، عن الحسن بن أبي حمزة الثماليِّ، عن أبيه قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) وهو يقول: لن تخلو الأرض إلّا وفيها رجل منّا يعرف الحقَّ فإذا زاد النّاس فيه قال قد زادوا، وإذا نقصوا منه قال قد نقصوا، وإذا جاؤوا به صدَّقهم، ولو لم يكن ذلك كذلك لم يعرف الحقُّ من الباطل. قال عبد الحميد بن عوَّاض الطائيُّ: بالله الّذي لا إله إلّا هو لسمعت هذا الحديث من أبي جعفر (عليه السلام)، بالله الّذي لاإله إلّا هو لسمعته منه.
13 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ قالا: حدّثنا إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه، عن النّضر بن سويد، عن عاصم ابن حميد؛ وفضالة بن أيّوب، عن أبان بن عثمان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنَّ عليّاً (عليه السلام) عالم هذه الاُمّة والعلم يتوارث وليس يهلك منّا أحد إلّا ترك من أهل بيته من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله.
14 - وبهذا الاسناد، عن عليّ بن مهزيار، عن حماد بن عيسى، عن ربعي، عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله وأبا جعفر (عليهما السلام) يقولان: إنَّ العلم الّذي [أ] هبط مع آدم لم يرفع، والعلم يتوارث وكلُّ شيء من العلم وآثار الرُّسل والأنبياء لم يكن من أهل هذا البيت فهو باطل، وإنَّ عليّاً (عليه السلام) عالم هذه الاُمّة وإنّه لم يمت منّا عالم إلّا خلّف من بعده من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله.
15 - وبهذا الاسناد، عن عليِّ بن مهزيار، عن فضالة بن أيّوب، عن أبان ابن عثمان، عن الحارث بن المغيرة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: إنَّ الأرض لا تترك إلّا بعالم يعلم الحلال والحرام وما يحتاج النّاس إليه، ولا يحتاج إلى النّاس، قلت: جعلت فداك علم ماذا؟ قال: وراثة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليٍّ (عليه السلام).
16 - وبهذا الاسناد، عن عليٍّ بن مهزيار، عن فضالة، عن أبان بن عثمان، عن الحسن بن زياد قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): هل تكون الأرض إلّا وفيها إمام؟ قال: لا تكون إلّا وفيها إمام عالم بحلالهم وحرامهم وما يحتاجون إليه.
17 - وبهذا الاسناد، عن عليِّ بن مهزيار، عن فضالة، عن أبان بن عثمان، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: تكون الارض بغير إمام قال: لا، قلت: أفيكون إمامان في وقت واحد؟ قال: لا إلّا وأحدهما صامت، قلت: فالامام يعرف الامام الّذي من بعده؟ قال: نعم، قال: قلت: القائم إمام قال: نعم إمام بن إمام قد أؤتمَّ به قبل ذلك.
18 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً قالاً: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن - عبد الرّحمن، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لم يترك الله جلَّ وعزَّ الأرض بغير عالم يحتاج النّاس إليه ولا يحتاج إليهم بعلم الحلال والحرام قلت: جعلت فداك بماذا يعلم؟ قال: بوراثة من رسول الله، ومن عليِّ بن أبي طالب صلوات الله عليهما.
19 - وبهذا الاسناد، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إنَّ العلم الّذي أُنزل مع آدم (عليه السلام) لم يرفع وما مات منا عالم إلّا ورث علمه [من بعده] إنَّ الأرض لا تبقى بغير عالم.
20 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن عليّ بن مهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن محمّد بن
إسماعيل القرشي، عمّن حدثه، عن إسماعيل بن أبي رافع عن أبيه أبى رافع قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنَّ جبرئيل (عليه السلام) نزل عليَّ بكتاب فيه خبر الملوك - ملوك الأرض - قبلي وخبر من بعث قبلي من الأنبياء والرُّسل - وهو حديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة إليه(540) - قال: لمّا ملك أشج بن أشجان(541) وكان يسمّى الكيّس و[كان قد] ملك مائتين وستّاً وستين سنة، ففي سنة إحدى وخمسين من ملكه بعث الله (عزَّ وجلَّ) عيسى بن مريم (عليه السلام) واستودعه النور والعلم والحكمة وجميع علوم الأنبياء قبله وزاده الانجيل وبعثه إلى بيت المقدّس إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى كتابه وحكمته وإلى الايمان بالله ورسوله فأبى أكثرهم إلّا طغياناً وكفراً، فلمّا لم يؤمنوا به دعا ربّه وعزم عليه فمسخ منهم شياطين ليريهم آية فيعتبروا، لم يزدهم ذلك إلّا طغياناً وكفراً، فأتى بيت المقدس فمكث يدعوهم ويرغّبهم فيما عند الله ثلاثاً وثلاثين سنة حتّى طلبته اليهود وادَّعت أنّها عذَّبته ودفنته في الأرض حيّاً وادعى بعضهم أنّهم قتلوه وصلبوه، وما كان الله ليجعل لهم سلطاناً عليه وإنّما شبّه لهم وما قدروا على عذابه ودفنه ولا على قتله وصلبه لقوله (عزَّ وجلَّ): (إنّي متوفّيك ورافعك إليّ ومطهّرك من الّذين كفروا)(542) فلم يقدروا على قتله وصلبه لأنّهم لو قدروا على ذلك كان تكذيباً لقوله تعالى: (ولكن رفعه الله إليه)(543) بعد أن توفّاه (عليه السلام) فلمّا أراد أن يرفعه أوحى إليه أن يستودع نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمون الصّفا خليفته على المؤمنين ففعل ذلك فلم يزل شمعون يقوم بأمر الله (عزَّ وجلَّ) ويحتذي بجميع مقال عيسى (عليه السلام) في قومه من بني إسرائيل ويجاهد الكفّار، فمن أطاعه وآمن به وبما جاء به كان مؤمناً ومن جحده وعصاه كان كافراً حتّى استخلص ربنا تبارك وتعالى وبعث في عباده نبيّاً من الصالحين وهو يحيى بن زكريّا(544) ثمّ قبض شمعون وملك عند ذلك أردشير بن بابكان أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وفي ثماني سنين من ملكه قتلت اليهود
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(540) السند مشتمل على مجاهيل سوى ما فيه من الارسال. والمتن كما ترى متضمن على ما هو خلاف الاعتبار، ولم يضمن المؤلف في هذا الكتاب صحّة جميع ما يرويه كما ضمن في الفقيه فقال فيه: (ولم أقصد قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت إلى ايراد ما أفتى به وأحكم بصحته). ويفهم منه أنَّه رحمه الله قصد في غير الفقيه ايراد جميع ما رووه صح عنده أو لم يصح، ولم يحتج إلّا بالصحاح منها.
(541) معرب (أشك بن أشكان).
(542) آل عمران: 49.
(543) كذا في جميع النسخ. وفى المصحف (بل رفعه الله إليه) النساء: 156.
(544) في أكثر التواريخ وبعض الروايات كان قتل يحيى قبل عروج عيسى (ع).
يحيى بن زكريّا (عليهما السلام) فلمّا أراد الله (عزَّ وجلَّ) أن يقبضه أوحى إليه أن يجعل الوصيّة في ولد شمعون ويأمر الحواريين وأصحاب عيسى بالقيام معه، ففعل ذلك وعندها ملك سابور بن أردشير ثلاثين سنة حتّى قتله الله، وعلم الله ونوره وتفصيل حكمته في ذرّيّة يعقوب بن شمعون ومعه الحواريّون من أصحاب عيسى (عليه السلام) وعند ذلك ملك بختنّصر مائة سنة وسبعاً وثمانين سنة وقتل من اليهود سبعين ألف مقاتل على دم يحيى بن زكريّا(545) وخرَّب بيت المقدس وتفرَّقت اليهود في البلدان، وفي سبع وأربعين سنة من ملكه بعث الله (عزَّ وجلَّ) العزير نبيّاً إلى أهل القرى الّتي أمات الله (عزَّ وجلَّ) أهلها ثمّ بعثهم له، وكانوا من قرى شتّى فهربوا فرقاً من الموت فنزلوا في جوار عزير، وكانوا مؤمنين وكان عزير يختلف إليهم ويسمع كلامهم وإيمانهم وأحبّهم على ذلك وواخاهم عليه، فغاب عنهم يوماً واحداً، ثمّ أتاهم فوجدهم صرعى موتى فحزن عليهم وقال: (أنّى يحيي هذه الله بعد موتها)(546) تعجّباً منه حيث أصابهم وقد ماتوا أجمعين في يوم واحد فأماته الله (عزَّ وجلَّ) عند ذلك مائة عام فلبث مائة سنة ثمّ بعثه الله وإياهم وكانوا مائة ألف مقاتل، ثمّ قتلهم الله أجمعين لم يفلت منهم أحدٌ على يدي بختنّصر، وملك بعده مهرقيه بن بختنّصر ستَّ عشر سنة وعشرين يوماً وأخذ عند ذلك دانيال وحفر له جبّاً في الأرض وطرح فيه دانيال (عليه السلام) وأصحابه وشيعته من المؤمنين فألقى عليهم النّيران فلمّا رأى أنَّ النار ليست تقربهم ولا تحرقهم استودعهم الجبَّ وفيه الاسد والسباع وعذَّبهم بكلِّ لون من العذاب حتّى خلّصهم الله (عزَّ وجلَّ) منه وهم الّذين ذكرهم الله في كتابه العزيز فقال جلَّ وعزَّ: (قتل أصحاب الاخدود * النّار ذات الوقود)(547) فلمّا أراد الله أن يقبض دانيال أمره أن يستودع نور الله وحكمته مكيخا بن دانيال ففعل، وعند ذلك ملك هرمز ثلاثاً وستّين سنة وثلاثة أشهر وأربعة أيّام وملك بعده بهرام ستّاً وعشرين سنة، ووليُّ أمر الله مكيخا بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(545) استيلاء بختنصر على بيت المقدس كان في سنة 576 قبل الميلاد وملك اردشير بابكان في المائة الثالثة بعد الميلاد. فتأمل.
(546) البقرة: 259.
(547) البروج: 4 و5.
دانيال وأصحابه المؤمنون وشيعته الصدِّيقون غير أنّهم لا يستطيعون أنَّ يظهروا الايمان في ذلك الزَّمان ولا أن ينطقوا به وعند ذلك ملك بهرام ابن بهرام سبع سنين وفي زمانه انقطعت الرُّسل فكانت الفترة ووليُّ أمر الله يومئذ مكيخا ابن دانيال وأصحابه المؤمنون، فلمّا أراد الله (عزَّ وجلَّ) أنَّ يقبضه أوحى إليه في منامه أن يستودع نور الله وحكمته ابنه أنشو بن مكيخا وكانت الفترة بين عيسى وبين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليهما أربعمائة وثمانين سنة وأولياء الله يومئذ في الأرض ذرِّيّة أنشو بن مكيخا يرث ذلك منهم واحد بعد واحد ممّن يختاره الجبّار (عزَّ وجلَّ) فعند ذلك ملك سابور بن هرمز اثنين وسبعين سنة وهو أوَّل من عقد التّاج ولبسه، ووليُّ أمر الله (عزَّ وجلَّ) يومئذ أنشو بن مكيخا، وملك بعد ذلك أردشير أخو سابور سنتين، وفي زمانه بعث الله الفتية أصحاب الكهف والرَّقيم، ووليُّ أمر الله يومئذ في الأرض دسيخاً بن أنشو بن - مكيخا وعند ذلك ملك سابور بن أردشير خمسين سنة، ووليُّ أمر الله يومئذ دسيخا بن أنشو بن مكيخا، وملك بعده يزدجرد بن سابور إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر وتسعة عشر يوماً، وولي أمر الله يومئذ في الأرض دسيخا (عليه السلام)، فلمّا أراد الله (عزَّ وجلَّ) أن يقبض دسيخا أوحى إليه في منامه أن يستودع علم الله ونوره وتفصيل حكمته نسطورس ابن دسيخا ففعل فعند ذلك ملك بهرام جور ستّاً وعشرين سنة وثلاثة أشهر وثمانية عشر يوماً، ووليُّ أمر الله يومئذ في الأرض نسطورس بن دسيخاً وعند ذلك ملك يزدجرد بن - بهرام ثماني وعشرين سنة وثلاثة أشهر وثمانية عشر يوماً، ووليُّ أمر الله يومئذ في الأرض نسطورس بن دسيخا، وعند ذلك ملك فيروز بن يزدجرد بن بهرام سبعاً وعشرين سنة، ووليُّ أمر الله يومئذ نسطورس بن دسيخا وأصحابه المؤمنون فلمّا أراد الله (عزَّ وجلَّ) أن يقبضه إليه أوحى إليه في منامه أن يستودع علم الله ونوره وحكمته وكتبه مر عيدا وعند ذلك ملك بلاش ابن فيروز أربع سنين، ووليُّ أمر الله (عزَّ وجلَّ) مر عيدا، وملك بعده قباد بن فيروز ثلاثاً وأربعين سنة وملك بعده جاماسف أخو قباد ستّاً وأربعين سنة، ووليُّ أمر الله يومئذ في الأرض مر عيدا، وعند ذلك ملك كسرى بن قباد ستّاً وأربعين سنة وثمانية أشهر، وولي أمر الله يومئذ مر عيدا (عليه السلام) وأصحابه وشيعته المؤمنون، فلمّا أراد الله (عزَّ وجلَّ) أن يقبض
مر عيدا أوحى إليه في منامه أن يستودع نور الله وحكمته بحيرى الرّاهب ففعل فعند ذلك ملك هرمز بن كسرى ثماني وثلاثين سنة وولي أمر الله يومئذ بحيرى واصحابه المؤمنون وشيعته الصديقون وعند ذلك ملك كسرى بن هرمز ابرويز، ووليُّ أمر الله يومئذ في الأرض بحيرى حتّى إذا طالت المدة وانقطعت الوحي واستخفَّ بالنعم واستوجب الغير ودرس الدِّين وتركت الصلاة واقتربت الساعة وكثرت الفرق وصار النّاس في حيرة وظلمة وأديان مختلفة وأمور متشتّة وسبل ملتبسة ومضت تلك القرون كلّها فمضى صدر منها على منهاج نبيّها (عليه السلام) وبدل آخرون نعمة الله كفراً، وطاعته عدواناً فعند ذلك استخلص الله (عزَّ وجلَّ) لنبوَّته ورسالته من الشجرة المشرَّفة الطيّبة والجرثومة المثمرة(548) الّتي اصطفاها الله جلَّ وعزَّ في سابق علمه ونافذ قوله قبل ابتداء خلقه، وجعلها منتهى خيرته، وغاية صفوته ومعدن خاصّته محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(549) اختصّه بالنبوَّة واصطفاه بالرِّسالة وأظهر بدينه الحقّ ليفصل بين عباد الله القضاء، ويعطي في الحقِّ جزيل العطاء، ويحارب أعداء ربِّ الأرض والسّماء، وجمع عند ذلك ربّنا تبارك وتعالى لمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) علم الماضين وزاده من عنده القرآن الحكيم بلسان عربيٍّ مبين، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فيه خبر الماضين وعلم الباقين.
21 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن الحسن بن عليٍّ الخزَّاز عن عمر بن أبان، عن الحسين بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: يا أبا حمزة إنَّ الأرض لن تخلو إلّا وفيها منّا عالم أن زاد النّاس قال قد زادوا، وإن نقصوا قال قد نقصوا، ولن يخرج الله ذلك العالم حتّى يرى في ولده من يعلم مثله علمه.
22 - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن يعقوب بن يزيد، عن عبد الله الغفاريّ(550)، عن جعفر بن إبراهيم؛ والحسين بن زيد جميعاً، عن أبي عبد الله، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: لا يزال في ولدي مأمونٌ مأمولٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(548) في بعض النسخ (الجرثومة المتخيرة).
(549) الخبر مروي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وصدور هذه الجمل عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حق نفسه بعيد جداً.
(550) هو عبد الله بن ابراهيم الغفاري راوي جعفر بن ابراهيم الجعفري الهاشمي.
23 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ عن يعقوب يزيد، عن صفوان بن يحيى قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: إنَّ الأرض لا تخلو من أن يكون فيها إمامٌ منّا.
24 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أيّوب بن نوح، عن الرَّبيع بن محمّد بن المسليِّ، عن عبد الله بن سليمان العامريِّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما زالت الأرض إلّا ولله تعالى ذكره فيها حجّة يعرف الحلال والحرام ويدعو إلى سبيل الله جلَّ وعزَّ، ولا ينقطع الحجّة من الأرض إلّا أربعين يوماً قبل يوم القيامة، فإذا رفعت الحجّة أغلق باب التوبة ولن ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجّة أولئك شرار [من] خلق الله، وهم الّذين تقوم عليهم القيامة.
25 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدّثني محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبن نصر، عن عقبة بن جعفر قال: قلت لابي الحسن الرِّضا (عليه السلام): قد بلغت ما بلغت وليس لك ولد، فقال: يا عقبة ابن جعفر أنَّ صاحب هذا الامر لا يموت حتّى يرى ولده من بعده.
26 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريّ، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عليِّ بن أبي حمزة عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنَّ الله أجلُّ وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عدل.
27 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن - الحسن الصفّار؛ وسعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً، عن محمّد بن الحسين ابن أبي الخطّاب، عن عليّ بن النعمان، عن فضيل بن عثمان، عن أبي عبيدة قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك أنَّ سالم بن أبي حفصة يلقاني ويقول لي: ألستم تروون أنَّ من مات وليس له إمام فموتته موته جاهلية؟ فأقول له: بلى، فيقول لي: قد مضى
أبو جعفر فمن إمامكم اليوم؟ فأكره جعلت فداك أن أقول له: جعفر فأقول له: أئمتي آل محمّد، فيقول لي: ما أراك صنعت شيئاً، فقال (عليه السلام): ويح سالم بن أبي حفصة لعنه الله وهل يدري سالم ما منزلة الامام، أنَّ منزلة الامام أعظم ممّا يذهب إليه سالم والناس أجمعون، وإنّه لن يهلك منّا إمام قط إلّا ترك من بعده من يعلم مثل علمه، ويسير مثل سيرته، ويدعو إلى مثل الّذي دعا إليه، وإنّه لم يمنع الله (عزَّ وجلَّ) ما أعطى داود أن أعطى سليمان أفضل منه.
28 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر [قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن أبي جعفر](551)، عن عثمان بن أسلم، عن ذريح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: والله ما ترك الله (عزَّ وجلَّ) الأرض قط منذ قبض آدم إلّا وفيها إمام يهتدى به إلى الله (عزَّ وجلَّ) وهو حجّة الله على العباد، من تركه هلك ومن لزمه نجا، حقّاً على الله [عزّ وجلّ].
حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر، عن محمّد بن عيسى، عن جعفر بن بشير؛ وصفوان بن يحيى جميعاً، عن ذريح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله سواء.
29 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى(552)، عن ابن محبوب، عن العلاء، عن ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا تبقى الأرض يوماً واحداً بغير إمام منّا تفزع إليه الامة.
30 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله ابن جعفر الحميريُّ جميعاً، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي عمير، عن حمزة بن حمران قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لو لم يبق في الأرض إلّا اثنان لكان أحدهما الحجّة أو كان الثاني الحجّة.
31 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدَّثنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(551) ما بين القوسين كان في بعض النسخ دون بعض، وفي نسخة جعله بدل (عبد الله بن جعفر).
(552) في بعض النسخ (عن عبد الله بن محمّد بن عيسى).
عبد الله بن - جعفر الحميريُّ، عن محمّد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس، عن عبد الرّحمن بن سليمان عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن الحارث بن نوفل قال: قال عليٌّ (عليه السلام) لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا رسول الله أمنّا الهداة أم من غيرنا؟ قال: بل منا الهداة [إلى الله] إلى يوم القيامة، بنا استنقذهم الله (عزَّ وجلَّ) من ضلالة الشرك، وبنا يستنقذهم من ضلالة الفتنة، وبنا يصحبون إخوانا بعد ضلالة الفتنة كما بنا أصبحوا إخواناً بعد ضلالة الشرك وبنا يختم الله كما بنا فتح الله.
32 - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى؛ ومحمّد بن عيسى بن عبيد؛ عن الحسين بن سعيد، عن جعفر بن بشير؛ وصفوان بن يحيى جميعاً، عن المعلّى بن عثمان، عن المعلى بن خنيس قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) هل: كان النّاس إلّا وفيهم من قد أمروا بطاعته منذ كان نوح (عليه السلام)؟ قال: لم يزل كذلك ولكنَّ أكثرهم لا يؤمنون.
33 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس عن جليس له، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت في قول الله (عزَّ وجلَّ): (كلُّ شيءٍ هالك إلّا وجهه)(553) قال: يا فلان فيهلك كلّ شيء ويبقى وجه الله (عزَّ وجلَّ)؟ والله اعظم من أن يوصف ولكن معناها كلّ شيء هالك إلّا دينه ونحن الوجه الّذي يؤتى الله منه، ولن يزال في عباد الله ما كانت له فيهم روبة، قلت: وما الرُّوبة؟ قال: الحاجة، فإذا لم يكن له فيهم روبة رفعنا الله فصنع ما أحبَّ.
34 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن عمر بن أبان، عن ضريس الكناسي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (كلّ شئ هالك إلّا وجهه) قال: نحن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(553) القصص: 88.
الوجه الّذي يؤتى الله (عزَّ وجلَّ) منه.
35 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، وسعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ، جميعاً قالوا: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد قال: حدّثنا أبو القاسم الهاشميُّ قال: حدّثني عبيد بن نفيس الانصاريُّ قال: أخبرنا الحسن بن سماعة، عن جعفر بن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل (عليه السلام) على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بصحيفة من السّماء لم ينزل الله تبارك وتعالى من السّماء كتاباً مثلها قطُّ قبلها ولا بعدها، مختوماً فيه خواتيم من ذهب فقال له: يا محمّد هذه وصيّتك إلى النجيب من أهلك، قال: يا جبرئيل ومن النجيب من أهلي؟ قال: عليُّ بن أبي طالب مره إذا توفّيت أن يفكَّ خاتماً منها ويعمل بما فيه، فلمّا قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فكَّ عليٌّ (عليه السلام) خاتماً، ثمّ عمل بما فيه ما تعدّاه، ثمّ دفع الصحيفة إلى الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) ففكَّ خاتماً وعمل بما فيه ما تعداه، ثمّ دفعها إلى الحسين بن عليّ (عليهما السلام) ففكّ خاتماً فوجد فيه أن اخرج بقوم إلى الشهادة لا شهادة لهم إلّا معك واشر نفسك لله (عزَّ وجلَّ) فعمل بما فيه ما تعداه، ثمّ دفعها إلى رجل بعده ففكّ خاتماً فوجد فيه أطرق واصمت وألزم منزلك واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين، ثمّ دفعها إلى رجل بعده ففك خاتما فوجد فيه أنَّ حدث النّاس وأفتهم وانشر علم آبائك ولا تخافنَّ أحداً إلّا الله فانّك في حرز الله وضمانه(554) وأمر بدفعها فدفعها إلى من بعده ويدفعها من بعده إلى من بعده إلى يوم القيامة.
36 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ قال: حدّثنا الحسن بن عليٍّ الزّيتونيُّ، عن ابن هلال، عن خلف بن حمّاد، عن ابن مسكان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق.
37 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر قال: حدّثنا محمّد ابن الحسين، عن يزيد بن إسحاق شعر، عن هارون بن حمزة الغنويِّ قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): هل كان النّاس إلّا وفيهم من قد أمروا بطاعته منذ كان نوح (عليه السلام)؟ قال: لم يزالوا كذلك ولكن أكثرهم لا يؤمنون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(554) في بعض النسخ (في حرز من الله وأمان).
38 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، وعبد الله ابن جعفر جميعاً، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لو لم يكن في الأرض إلّا اثنان لكان أحدهما الحجّة ولو ذهب أحدهما بقي الحجّة.
39 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن - جعفر الحميريُّ قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن يزيد الكناسيِّ قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): ليس تبقى الأرض يا أبا خالد يوماً واحداً بغير حجّة لله على النّاس، ولم تبق منذ خلق الله جلَّ وعزَّ آدم (عليه السلام) وأسكنه الارض.
40 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله ابن جعفر الحميريُّ جميعاً، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن خداش البصريِّ(555)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله رجل فقال: تخلو الأرض ساعة لا يكون فيها إمام؟ قال: لا تخلوا الأرض من الحقِّ.
41 - حدّثنا أبي رحمه الله قال: حدّثنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الله بن أبي يعفور أنَّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) هل تترك الأرض بغير إمام؟ قال: لا، قلت: فيكون إمامان؟ قال: لا إلّا وأحدهما صامت.
42 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن - عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه عليّ بن مهزيار، عن الحسن بن بشّار الواسطيّ قال: قال الحسين بن خالد للرضا (عليه السلام)، وأنا حاضر: أتخلو الأرض من إمام؟ فقال: لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(555) خداش - بالخاء المعجمة المكسورة والدال المهملة والشين المعجمة - هو أبو - خداش المهري - بفتح الميم واسكان الهاء وبعدها راء مهلمة، نسبتها إلى مهر محلة بالبصرة كذا في الخلاصة، وفى الايضاح أبوخداش المهرى منسوب إلى مهرة قبيلة من طي انتهى. ويوافقه كتب اللغة. وقال ابن داود: مهرة بفتح الميم وسكون الهاء قبيلة من طى. وقال الشيخ في رجاله مهرة محلة بالبصرة. ويؤيد قول الشيخ ما في المتن أن لم نقل بتصحيف المهري بالبصري في نسخ الكتاب.
43 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ قال: حدّثنا محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنَّ الله أجلُّ وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عدل.
44 - حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال: حدّثنا العبّاس بن الفضل المقريُّ قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن منصور(556) قال: حدّثنا عمرو بن عون قال: حدّثنا خالد، عن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضحى(557)، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي [أهل بيتي] فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علىَّ الحوض.
45 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس قال: حدّثنا العبّاس بن الفضل عن أبي رزعة، عن كثير بن يحيى أبي مالك، عن أبي عوانة، عن الاعمش، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن عامر بن واثلة، عن زيد بن أرقم قال: لمّا رجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حجّة الوداع نزل بغدير خمٍّ ثمّ أمر بدوحات فقمَّ ما تحتهنَّ، ثمّ قال: كأنّي قد دعيت فأجبت إنّي تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الاخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، ثمّ قال: أنَّ الله مولاي وأنا مولى كلّ مؤمن ثمّ أخذ بيد عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال:
من كنت وليّه فهذا وليّه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، قال: فقلت لزيد بن أرقم: أنت سمعت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ فقال: ما كان في الدَّوحات أحد إلّا وقد رآه بعينيه وسمعه باذنيه.
46 - حدّثنا محمّد بن جعفر بن الحسين البغداديُّ قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد ابن عبد العزيز إملاء قال: حدّثنا بشر بن الوليد قال: حدّثنا محمّد بن طلحة، عن الأعمش عن عطية بن سعيد، عن أبي سعيد الخدريِّ أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: إنّي أوشك أن أدعي فأجيب وإنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله (عزَّ وجلَّ) وعترتي، كتاب الله حبلٌ ممدود بين السّماء والارض، وعترتي أهل بيتي، وإنَّ اللّطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا بماذا تخلفوني فيهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(556) كذا ولم أجده ولعله محمّد بن عليّ بن ميمون العطّار الّذي ذكر في التهذيب من جملة رواة عمرو بن عون الواسطي البزار الحافظ وأما راويه العبّاس بن الفضل فلم أظفر به.
(557) هو مسلم بن صبيح الهمداني مولاهم الكوفى العطّار ذكره ابن حبان في الثقات وراويه الحسن بن عبيد الله الظاهر هو النخعي أبو عروة الكوفي الّذي ذكر من جملة رواة أبي الضحى العطار. يروي عنه خالد بن عبد الله بن عبد الرّحمن الطحان المتوفى 225 راجع تهذيب التهذيب ج 1 ص 132 وج 2 ص 292 وج 3 ص 100 وفى بعض النسخ (حسن ابن عبد الله) والظاهر أنَّه تصحيف.
47 - حدّثنا محمّد بن عمر البغداديُّ قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن حفص الخثعميُّ قال: حدّثنا محمّد بن عبيد قال: حدّثنا صالح بن موسى قال: حدّثنا عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي قد خلفت فيكم شيئين لن تضلّوا بعدي أبداً ما أخذتم بهما وعملتم بما فيهما: كتاب الله وسنّتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض(558).
48 - حدّثنا محمّد بن عمر الحافظ قال: حدّثنا القاسم بن عبّاد قال: حدّثنا سويد قال: حدّثنا عمرو بن صالح، عن زكريّا، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا كتاب الله (عزَّ وجلَّ) حبل ممدود، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.
49 - حدّثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد قال: أخبرنا محمّد بن أحمد بن حمدان القشيري قال: حدّثنا الحسين بن حميد، قال: حدّثني أخي الحسن بن حميد قال: حدّثني عليّ بن ثابت الدَّهان قال: حدّثني سعاد وهو ابن سليمان، عن أبي إسحاق عن الحارث، عن عليٍّ (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي امرءٌ مقبوضٌ وأوشك أن ادّعى فأجيب، وقد تركت فيكم الثقلين أحدهما أفضل من الاخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض.
50 - حدّثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد قال: أخبرنا القشيريُّ، عن المغيرة بن محمّد بن المهلّب قال: حدّثني أبي، عن عبد الله بن داود، عن فضيل بن مرزوق، عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد الخدريِّ قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي تارك فيكم أمرين أحدهما أطول من الآخر، كتاب الله حبلٌ ممدودٌ من السّماء إلى الأرض طرف بيد الله وعترتي، إلّا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا على الحوض. فقلت لابي سعيد: من عترته؟ قال: أهل بيته (عليهم السلام).
51 - حدّثنا عليُّ بن الفضل البغداديُّ قال: سمعت أبا عمر صاحب أبي العبّاس ثعلب يقول: سمعت أبا العبّاس ثعلب سئل عن معنى قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(558) ذكر هذه الرواية عن أبي هريرة بهذا اللفظ هنا لا يناسب المقام، اللّهمّ إلّا أن يكون المراد ذكره لبيان تحريف أبي هريرة لفظ الحديث، أو ايراد جميع ما سمعه.
(إنّي تارك فيكم الثقلين) لم سمّياً الثقلين؟ قال: لأنّ التمسك بهما ثقيل.
52 - حدّثنا الحسن بن عليّ بن شعيب أبو محمّد الجوهريُّ قال: حدّثنا عيسى ابن محمّد العلويّ قال: حدّثنا أبو عمرو أحمد بن أبي حازم الغفاريُّ قال: حدّثنا عبيد الله ابن موسى، عن شريك، عن ركين بن الرَّبيع، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله جلَّ وعزَّ وعترتي أهل بيتي ألا وهما الخليفتان من بعدي ولن يفترقا حتّى يردا على الحوض.
53 - حدّثنا الحسن بن عليّ بن شعيب أبو محمّد الجوهري قال: حدّثنا عيسى ابن محمّد العلويُّ قال: حدّثنا الحسين بن الحسن الحيريُّ(559) بالكوفة قال: حدّثنا الحسن بن الحسين العرني(560) عن عمرو بن جميع، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السلام) قال. أتيت جابر بن عبد الله فقلت: أخبرنا عن حجّة الوداع فذكر حديثاً طويلاً، ثمّ قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ثمَّ قال: اللّهمّ اشهد - ثلاثاً -.
54 - حدّثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد قال: أخبرنا محمّد بن أحمد بن حمدان القشيريُّ قال: حدّثنا أبو الحاتم المغيرة بن محمّد بن المهلب قال: حدّثنا عبد الغفّار ابن محمّد بن كثير الكلابيُّ الكوفيُّ، عن جرير بن عبد الحميد، عن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضّحى، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض.
(*)(561) حدّثنا الحسن بن عبد الله قال: أخبرنا محمّد بن أحمد بن حمدان القشيري قال: حدّثنا الحسين بن حميد قال: حدّثني أخي الحسن بن حميد قال: حدّثنا عليُّ بن ثابت الدَّهّان قال: حدّثنا سعاد وهو ابن سليمان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي امرء مقبوض وأوشك أن ادّعى فأجيب، وقد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أفضل من الاخر: كتاب الله (عزَّ وجلَّ) وعترتي أهل بيتي فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.
(* *)(562) حدّثنا الحسن بن عبد الله قال: حدّثنا القشيريُّ قال: حدّثنا المغيرة بن محمّد قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عبد الله بن داود، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفيِّ، عن أبي سعيد الخدريِّ قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي تارك فيكم أمرين أحدهما أطول من الاخر كتاب الله حبلٌ ممدودٌ من السّماء إلى الأرض طرف بيد الله وعترتي، إلّا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فقلت لابي سعيد: من عترته؟ فقال: أهل بيته (عليهم السلام).
55 - حدّثنا محمّد بن عمر الحافظ البغداديُّ قال: حدّثني عبد الله بن سليمان ابن الاشعث قال: حدّثنا أحمد بن معلّى الادميُّ قال: حدّثنا يحيى بن حماد قال: حدّثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عامر بن واثلة، عن زيد ابن أرقم قال: لمّا رجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حجّة الوداع نزل غدير خمٍّ فأمر بدوحات فقممن، ثمّ قام فقال، كأنّي قد دعيت فاجبت إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الاخر كتاب الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(559) كذا وفى بعض النسخ (الحميريّ) ولعله الحسنى فصحف.
(560) في بعض النسخ (المغربي) والظاهر هو الحسن بن الحسين العرني النجار الّذي روى في التهذيب باب فضل المساجد عن عمرو بن جميع.
(561) هذا الحديث بهذا السند بعينه مضى تحت رقم 49 من هذا الباب.
(562) تقدَّم بهذا السند عينا تحت رقم 50.
وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فانّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض قال: ثمّ قال: إنَّ الله جلَّ وعزَّ مولاي وأنا مولى كلّ مؤمن ومؤمنة، ثمّ أخذ بيد عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: من كنت وليّه فعليٌّ وليّه، فقلت لزيد بن أرقم أنت سمعته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: ما كان في الدّوحات أحد إلّا وقد رآه بعينه وسمعه باذنه.
56 - حدّثنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن يزيد أبو محمّد البجلي قال: حدّثنا محمّد بن طريف قال: حدّثنا محمّد بن فضيل، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد عن حبيب بن أبي ثابت، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كأنّي قد دعيت فأجبت وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله (عزَّ وجلَّ) حبل ممدود من السّماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي فانّهما لن يزالا جميعاً حتّى يردا علىَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
57 - حدّثنا محمّد بن عمر قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن الحسين بن حفص، عن عبّاد بن يعقوب، عن أبي مالك عمرو بن هاشم الجنبيٍّ(563) عن عبد الملك، عن عطيّة أنَّه سمع أبا سعيد يرفع ذلك إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: أيّها النّاس إنّي قد تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تضلّوا [من] بعدي: الثقلين، أحدهما أكبر من الاخر كتاب الله (عزَّ وجلَّ) حبل ممدود من السّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي إلّا وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.
58 - حدّثنا محمّد بن عمر قال: حدّثني الحسن بن عبد الله بن محمّد بن عليّ التميميّ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني سيّدي عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد قال: حدّثني أبي، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليٍّ، عن أبيه عليٍّ، عن أبيه الحسين، عن أبيه عليٍّ صلوات الله عليهم قال: قال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا علي الحوض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(563) بفتح الجيم وسكون النون بعدها موحدة كما في التقريب وقال: كوفي فيه لين، والحسني أو الحرمي كما في النسخ تصحيف.
59 - حدّثنا أبو محمّد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوريّ قال: حدّثني عمّي أبو عبد الله محمّد بن شاذان، عن الفضل بن شاذان قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى(564) قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حنش بن المعتمر(565) قال: رأيت أبا ذرٍّ الغفاريَّ رحمه الله آخذاً بحلقة باب الكعبة وهو يقول: إلّا من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو ذرٍّ جندب بن السكن، سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: إنّي خلّفت فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض إلّا وإنَّ مثلهما فيكم كسفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلّف عنها غرق.
60 - حدّثنا شريف الدِّين الصدوق أبو عليٍّ محمّد بن أحمد بن محمّد بن زئارة(566) بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم قال: حدَّثنا عليُّ بن محمّد بن قتيبة قال: حدَّثنا الفضل بن شاذان النيسابوريُّ عن عبيد الله بن موسى قال: حدّثنا شريك، عن ركين بن الرَّبيع، عن القاسم ابن حسّان، عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي تارك فيكم خليفتين(567) كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض.
61 - حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار النيسابوريُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن محمّد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدّثنا عيسى بن يونس قال: حدّثنا زكريّا بن أبي زائدة، عن عطيّة العوفيِّ، عن أبي سعيد الخدريِّ قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الاخر: كتاب الله حبلٌ ممدودٌ من السّماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي فانّهما لن يفترقا حتّى يردا علىَّ الحوض.
62 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة قال: حدّثنا الفضل بن شاذان قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، عن جرير، عن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضحى، عن زيد بن أرقم، عن النبيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(564) هو عبيد الله بن موسى بن أبي المختار باذام العبسي مولاهم الكوفيّ كان يتشيع وقال أبو حاتم: كان أثبت في اسرائيل من أبي نعيم. والمراد باسرائيل: اسرائيل بن يونس ابن أبى اسحاق السبيعي الهمداني وفي بعض النسخ (عبد الله بن موسى) وهو تصحيف.
(565) في بعض النسخ (حبش بن المعتمر) وفي بعضها (حبيش بن البشر) وفي بعضها (حنش بن المعتمر) وكلها مصحف وان عنون الاخير الميرزا محمد. والصواب (حبشي بن جنادة بن النصر) الصحابي الّذي شهد حجّة الوداع وقال ابن عدي: يكنى أبا الجنوب، شهد مع على مشاهده يروي عنه أبو إسحاق السبيعي.
(566) في بعض النسخ (زبارة) وهو تصحيف ولعل الصواب (زيارة) وبنو زبارة جماعة من اهل نيشابور.
(567) في بعض النسخ (الثقلين).
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: إنّي تارك فيكم كتاب الله وأهل بيتي فانّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض.
63 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليمانيِّ، عن سليم بن قيس الهلاليِّ، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: إنَّ الله تبارك وتعالى طهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحججاً في أرضه وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا.
64 - حدّثنا محمّد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن - إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليِّ (عليهم السلام) قال: سئل أمير المؤمنين صلوات الله عليه، عن معنى قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي من العترة فقال: أنا والحسن والحسين والائمّة التّسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديّهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يردوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حوضه.
65 - حدّثنا عليُّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقيُّ، عن أبيه، عن جدِّه أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه محمّد بن خالد، عن غياث بن أبراهيم، عن ثابت ابن دينار، عن سعد بن طريف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام): يا عليُّ أنا مدينة الحكمة(568) وأنت بابها ولن تؤتى المدينة إلّا من قبل الباب، فكذب من زعم أنَّه يحبّني ويبغضك لانّك منّي وأنا منك، لحمك من لحمي، ودمك من دمي؛ وروحك من روحي، وسريرتك من سريرتي، وعلانيتك من علانيتي، وأنت إمام أمّتي، وخليفتي عليها بعدي، سعد من أطاعك، وشقي من عصاك، وربح من تولاك، وخسر من عاداك، وفاز من لزمك، وهلك من فارقك، مثلك ومثل الأئمّة من ولدك [بعدي] مثل سفينة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(568) في بعض النسخ (مدينة العلم) وفي بعضها ممّا بزيادة الواو.
نوح من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق، ومثلكم كمثل النجوم كلّما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة.
[معنى العترة والال والاهل والذرية والسلالة]
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: أن سأل سائل عن قول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي إلّا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض) فقال: ما تنكرون أن يكون أبو بكر من العترة وكلُّ بني أميّة من العترة أو لا يكون العترة إلّا لولد الحسن الحسين فلا يكون عليُّ بن أبي طالب من العترة فقيل له: أنكرت ذلك لمّا جاءت به اللّغة ودلَّ عليه قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأمّا دلالة قوله (عليه السلام) فإنّه قال: عترتي أهل بيتي (والاهل مأخوذ من أهالة البيت وهم الّذين يعمرونه فقيل لكل من عمر البيت أهل، كما قيل عمر البيت أهله، ولذلك قيل لقريش: آل الله لأنّهم عمار بيته، والال: الأهل، قال الله (عزَّ وجلَّ) في قصّة لوط: (فأسر بأهلك بقطع من اللّيل)(569) وقال: (إلّا آل لوط نجّيناهم بسحر)(570) فسمّى الال أهلاً، والال في اللّغة الاهل. وإنّما أصله أنَّ العرب إذا ما أرادت أن تصغّر الاهل قالت: أهيل، ثمَّ استثقلت الهاء فقالت: آل، وأسقطت الهاء فصار معنى الال كلُّ من رجع إلى الرَّجل من أهله بنسبه.
ثمَّ استعير ذلك في الاُمّة فقيل: لمن رجع إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدينه آل، قال الله (عزَّ وجلَّ): (أدخلوا آل فرعون أشدَّ العذاب) وإنّما صحَّ أن الال في قصّة فرعون متبعوه لأنّ الله (عزَّ وجلَّ) إنّما عذبه على الكفر ولم يعذِّبه على النسب فلم يجز أن يكون قوله (أدخلوا آل فرعون) أهل بيت فرعون، فمتى قال قائل: آل الرَّجل فانما يرجع بهذا القول إلى أهله إلّا أن يدلَّ عليه بدلالة الاستعارة كما جعل الله جلَّ وعزَّ بقوله (أدخلوا آل فرعون) وروي عن الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: (ما عنى إلّا ابنيه).
وأما الاهل فهم الذّرّية من ولد الرَّجل وولد أبيه وجدّه ودنيه على ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعورف ولا يقال لولد الجدِّ إلّا بعد: أهل، إلّا ترى أنَّ العرب لا تقول للعجم: أهلنا، وإن كان إبراهيم (عليه السلام) جدُّهما ولا تقول من العرب مضر لأياد: أهلنا، ولا لربيعة، ولا تقول قريش لسائر ولد مضر: أهلنا، ولو جاز أن يكون سائر قريش أهل الرَّسول (عليه السلام) بالنسب لكان ولد مضر وسائر العرب أهله، فالاهل أهل بيت الرَّجل ودنيه، فأهل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بنو هاشم دون سائر البطون، فإذا ثبت أنَّ قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّي مخلّف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي) فسأل سائل ما العترة فقد فسّرها هو (عليه السلام) بقوله (أهل بيتي) وهكذا في اللّغة أنَّ العترة شجرة تنبت على باب جحر الضبِّ قال الهذليُّ:
فما كنت أخشي أن أقيم خلافهم * * * لستة أبيات كما ينبت العتر(571)
قال أبو عبيد(572) في كتاب الأمثال - حكاه عن أبي عبيدة -(573): العتر والعطر: أصل للانسان ومنه قولهم: (عادت لعترها لميس)(574) أي عادت إلى خلق كانت فارقته.
فالعترة في أصل اللّغة أهل الرَّجل وكذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (عترتي أهل بيتي) فتبيّن أنَّ العترة الأهل الولد وغيرهم، ولو لم تكن العترة الأهل وكانوا الولد دون سائر أهله لكان قوله (عليه السلام): (إنّي مخلّف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علىَّ الحوض) لم يدخل عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) في هذه الشريطة لأنّه لم يدخل في العترة فلا يكون عليّ (عليه السلام) ممّن لا يفارقه الكتاب ولا ممّن إن تمسكنا به لن نضلَّ ولا يكون ممّن دخل في هذا القول فيكون كلام النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاصّاً دون عامّ، فإنَّ صلح أن يكون خاصّاً في الولد صلح أن يكون في بعض الولد لأنّه ليس في الكلام ما يدلُّ على خصوصيّة في جنس دون جنس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(571) العتر - بكسر العين وسكون التاء - نبت ينبت مثل المرزنجوش متفرقاً، فإذا طال وقطع أصله خرج منه شبه اللبن. وقيل: هو المرزنجوش، وقيل: هو العرفج.
(572) هو القاسم بن سلام - كظلام - المتوفى 223 وكان من المشاهير في اللّغة والحديث والادب.
(573) هو معمر - كجعفر - ابن المثنى - كمعمي - البصري النحوي اللغوى. المتوفى 209. وفي مروج الذهب (وفي سنة 211 مات أبو عبيدة العمرى معمر بن المثنى كان يرى رأى الخوارج وبلغ نحواً من مائة سنه ولم يحضر جنازته أحد من النّاس بالمصلى حتّى اكترى لها من يحملها ولم يكن يسلم عليه شريف ولا وضيع إلّا تكلم فيه).
(574) العتر: الاصل. ولميس اسم امرأة، مثل يضرب لمن يرجع إلى عادة سؤء تركها، واللام في لعترها بمعنى إلى كما في التنزيل (ولو ردوا لعادوا لمّا نهو عنه).
ومما يدلُّ أنَّ عليّاً (عليه السلام) داخل في العترة قوله (عليه السلام): (إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض) وقد أجمعت الاُمّة إلّا من شذَّ ممّن لا يعدُّ في ذلك بخلاف أنَّ عليّاً (عليه السلام) لم يفارق حكم كتاب الله وأن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يخلف في وقت مضيه أحداً أعلم بكتاب الله منه، وقد كان الحسن والحسين (عليهما السلام) ممّن خلّفهما فهل في الاُمّة من يقول: إنّهما كانا أعلم بكتاب اللسه منه وهل كانا إلّا آخذين عنه ومقتدين به، ولا يخلو قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّي مخلّف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا) لكلِّ عصر أراد، أو لعصر دون عصر، فإن كان لكلِّ عصر فالعصر الّذي كان عليٌّ (عليه السلام) قائماً فيه من كان مخلّفاً فينا؟ هل كان الحسن والحسين هما المرادين بهذا القول أو عليّ (عليه السلام)؟ فإنَّ قال قائل: إنَّه الحسن والحسين (عليهما السلام) أوجب أنّهما كانا في وقت مضيِّ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أعلم من أبيهما (عليهم السلام) وخرج من لسان الاُمّة(575)، وإن قال: إنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أراد بهذا وقتاً دون وقت أجاز على نفسه أن يكون أراد بعض العترة دون البعض لأنّه ليس الوقت الّذي يدعيه خصمنا أحقّ بما ندَّعيه فيه من قول غيره ولا بدَّ من أن يكون النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عمَّ بقوله التخليف لكلِّ الأعصار والدهور أو خصَّ، فإن كان عمَّ فالعصر الّذي قام فيه عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) قد أوجب أن يكون من عترته، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنََّه ظلم إذ كان بحضرته من ولده من هو أعلم منه، وهذا لا يقول به مسلم ولا يجيزه على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مؤمن، وكان مرادنا بإيراد قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض) في هذا الباب إثبات اتّصال أمر حجج الله (عليهم السلام) إلى يوم القيامة وأنَّ القرآن لا يخلو من حجّة مقترن إليه من الأئمّة الّذين هم العترة (عليهم السلام) يعلم حكمه إلى يوم القيامة لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض) وهكذا قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنَّ مثلهم كمثل النجوم كلّما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة) تصديق لقولنا (إنَّ الأرض لا تخلو من حجّة الله على خلقه ظاهر مشهور أو خاف مغمور لئلّا تبطل حجج الله (عزَّ وجلَّ) وبيناته، وقد بيّن النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من العترة المقرونة إلى كتاب الله جلَّ وعزَّ في الخبر الّذي:
حدّثنا به أحمد بن الحسن القطان قال: حدّثنا الحسن بن عليٍّ السكريُّ، عن محمّد بن زكريّا الجوهريِّ، عن محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(575) أي خرج القائل من لسان الاُمّة واجماعهم.
محمّد بن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض كهاتين - وضمِّ بين سبّابتيه - فقام إليه جابر بن عبد الله الانصاريُّ وقال: يا رسول الله من عترتك؟ قال: عليٌّ والحسن والحسين والائمّة من ولد الحسين إلى يوم القيامة.
وحكى محمّد بن بحر الشيبانيِّ، عن محمّد بن عبد الجبّار صاحب أبي العبّاس ثعلب في كتابه الّذي سماه كتاب الياقوتة، قال: حدّثني أبو العبّاس ثعلب(576) قال: حدّثني ابن الاعرابي قال: العترة: قطاع المسك الكبار في النافجة وتصغيرها عتيرة. والعترة الرِّيقة العذبة وتصغيرها عتيرة. والعترة شجر تنبت على باب وجار الضب - وأحسبه أراد وجار الضبع لأنّ الّذي يكون هو للضب مكن(577) وللضبع وجار - ثمّ قال: واذا خرجت الضبِّ من وجارها تمرغت على تلك الشجرة فهي لذلك لا تنمو ولا تكبر، والعرب تضرب مثلاً للذَّليل والذِّلّة فتقول: أذلَّ من عترة الضبِّ قال: وتصغيرها عتيرة والعترة ولد الرَّجل وذرّيتّه من صلبه ولذلك سميت ذرِّيّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من عليّ وفاطمة (عليهما السلام) عترة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم). قال ثعلب: فقلت لابن الأعرابي: فما معنى قول أبي بكر في السقيفة (نحن عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)) قال: أراد بلدته وبيضته. وعترة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا محالة ولد فاطمة (عليها السلام) والدَّليل على ذلك ردُّ أبي بكر وإنفاد عليٍّ (عليه السلام) بسورة براءة، وقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (أمرت أن لا يبلّغها عنّي إلّا أنا أو رجل منّي) فأخذها منه ودفعها إلى من كان منه دونه. فلو كان أبو بكر من العترة نسباً - دون تفسير ابن الأعرابي أنَّه أراد البلدة - لكان محالا أخذ سورة براءة منه ودفعها إلى عليٍّ (عليه السلام).
وقد قيل: إنَّ العترة الصخرة العظيمة يتّخذ الضبُّ عندها جحراً يأوي إليه وهذا لقلة هدايته، وقد قيل: إنَّ العترة أصل الشجرة المقطوعة الّتي تنبت من اُصولها وعروقها، والعترة في (غير) هذا المعنى قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(576) بالثاء المثلثة والعين المهملة - أحمد بن يحيى المتوفى 291.
(577) بفتح الميم وسكون الكاف، وفي بعض النسخ (مسكن) ولعله تصحيف.
فرعة ولا عتيرة)(578) وقال الاصمعيُّ: كان الرَّجل في الجاهليّة ينذر نذراً على شائه إذا بلغت غنمه مائة أن يذبح رجبيّته وعتائره، فكان الرَّجل ربّما بخل بشائه فيصيد الظباء ويذبحها عن غنمه عند آلهتهم ليوفي بها نذره، وأنشد الحارث بن حلّزة اليشكريُّ بيتاً:
عنتاً باطلاً وظلماً كما تعتـ * * * ـر عن حجرة الرَّبيض الظباء(579)
يعني يأخذونها بذنب غيرها كما تذبح أولئك الظباء عن غنمهم، وقال الاصمعيُّ: والعترة الرِّيح، والعترة أيضاً شجرة كثيرة اللّبن صغيرة تكون نحو تهامة(580) ويقال: العتر الذكر، عتر يعتر عتراً إذا نعظ، وقال الرِّياشيُّ: سألت الأصمعيَّ(581)، عن العترة فقال: هو نبت مثل المرزنجوش ينبت متفرِّقاً.
قال محمّد بن عليِّ بن الحسين مصنّف هذا الكتاب: والعترة عليُّ بن أبي طالب وذرّيّته من فاطمة وسلالة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) [وهم] الّذين نصَّ الله تبارك وتعالى عليهم بالامامة على لسان نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهم اثنا عشر: أوَّلهم عليُّ بن أبي طالب وآخرهم المهديُّ صلوات الله عليهم على جميع ما ذهبت إليه العرب في معنى العترة: وذلك أنَّ الأئمّة (عليهم السلام) من بين جميع بني هاشم ومن بين جميع ولد أبي طالب كقطاع المسك الكبار في النافجة، وعلومهم العذبة عند أهل الحكمة والعقل. وهم الشجرة الّتي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أصلها، وأمير المؤمنين (عليه السلام) فرعها، والائمّة من ولده أغصانها، وشيعتهم ورقها، وعلومهم ثمرها. وهم (عليهم السلام) اُصول الاسلام على معنى البلدة والبيضة.
وهم (عليهم السلام) الهداة على معنى الصخرة العظيمة الّتي يتخذ الضبُّ عندها جحراً فيأوي إليه لقلّة هدايته، وهو أصل الشجرة المقطوعة لأنّهم وتروا وظلموا وجفوا وقطعوا ولم يواصلوا فنبتوا من أصولهم وعروقهم، لا يضرُّهم قطع من قطعهم، ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(578) الفرع - بالتحريك اول ولد تنتجه الناقة. كانوا يذبحونه لالهتهم يتبركون بذلك والعتيرة أيضاً هي الذبيحة الّتي كانت تذبح للاصنام في رجب فيصب دمها على رأسها.
(579) مصراع الثاني معناه أنَّ الرَّجل كان يقول في الجاهلية: أن بلغت ابلى مائة عترت عنها عتيرة، فإذا بلغت مائة ضمن بالغنم فصاد ظبياً فذبحه. والحجرة - كغرفة - حظيرة الغنم والابل. و- كغفلة - ناحية الدّار، ولعل الثاني هنا أصح والربيض - كأمير -: الغنم برعاتها المجتمعة في مربضها.
(580) في المعاني (تكون نحو القامة).
(581) الرياشي - بكسر الراء، والشين المعجمة - هو أبو الفضل، العبّاس بن الفرج اللغوي المقتول بالبصرة أيّام العلوي البصري صاحب الزنج سنة سبع وخمسين ومائتين، سمع الاصمعي البصري المتوفى 215 اسمه عبد الملك بن قريب يكنى أبا سعيد.
إدبار من أدبر عنهم، إذ كانوا من قبل الله منصوصاً عليهم على لسان نبيِّ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ومن معنى العترة هم المظلومون المأخوذون بما لم يجترموه ولم يذنبوه ومنافعهم كثيرة. وهم (عليهم السلام) ينابيع العلم على معنى الشجرة الكثيرة اللبن. وهم (عليهم السلام) ذكراناً غير إناث على معنى قول من قال: إنَّ العترة هو الذكر. وهم (عليهم السلام) جند الله (عزَّ وجلَّ) وحزبه على معنى قول الاصمعي: (أنَّ العترة الرِّيح) قال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (الرِّيح جند الله الأكبر) في حديث مشهور عنه، والرِّيح عذاب على قوم ورحمة لاخرين، وهم (عليهم السلام) كذلك كالقرآن المقرون إليهم بقول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي) قال الله (عزَّ وجلَّ) (وننزِّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلّا خساراً)(582) وقال (عزَّ وجلَّ): (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيماناً * فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون * وأمّا الّذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون)(583) وهم (عليهم السلام) أصحاب المشاهد المتفرِّقة والبيوت النازحة(584) على معنى الّذي ذهب إليه من قال: إنَّ العترة هو نبت مثل المرزنجوش ينبت متفرِّقاً، وبركاتهم (عليهم السلام) منبثة في المشرق والمغرب.
وأما الذرية فقد قال أبو عبيدة: تأويل الذُّريّات عندنا إذا كانت بالألف(585) الاعقاب والنسل، وأما الّذي في القرآن (والّذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرِّيّاتنا قرة أعين)(586) قرأها عليُّ (عليه السلام) وحده(587) بهذا المعنى، والآية الّتي في يس (وآية لهم أنّا حملنا ذرّيّتهم) وقوله (عزَّ وجلَّ): (كما أنشأكم من ذرِّيّة قوم آخرين)(588) فيه لغتان ذُرِّيّة وذِرّيّة، مثل علية وعلية وكانت قراءته بالضم وقرأها أبو عمرو، وهي قراءة أهل المدينة إلّا ما ورد عن زيد بن ثابت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(582) الاسراء: 82.
(583) التوبة: 125.
(584) نزحت الدّار نزوحا: بعدت. وبلد نازح وقوم منازيح. وقد نزح بفلان إذا بعد عن دياره غيبة بعيدة.
(585) أي بالالف والتاء (الذريات).
(586) الفرقان: 74.
(587) أي بصيغة المفرد قبال الجمع.
(588) الانعام: 133.
أنَّه قرأ (ذِرِّيّة من حملنا مع نوح)(589) بالكسر، وقال مجاهد في قوله: (إلّا ذرِّيّة من قومه) إنّهم أولاد الّذين ارسل إليهم موسى ومات آباؤهم، فقال الفرَّاء: إنّما سمّوا ذرِّيّة لأنّ آباءهم من القبط وأمّهاتهم من بني إسرائيل، قال: وذلك كما قيل لاولاد أهل فارس الّذين سقطوا إلى اليمن: الابناء، لأنّ أمهاتهم من غير جنس آبائهم، قال أبو عبيدة: يريد الفرَّاء أنّهم يسمّون ذرِّيّة، وهم رجال مذكورون لهذا المعنى، وذرّيّة الرَّجل كأنّهم النشء الّذين خرجوا منه، وهو من (ذروت) أو (ذريت) وليس بمهموز، وقال أبو عبيدة: وأصله مهموز ولكن العرب تركت الهمزة فيه وهو في مذهبه من ذرأ الله الخلق كما قال الله جلَّ ثناؤه: (ولقد ذرأنا لجهنّم كثيراً من الجن والانس)(590) وذرأهم أي أنشأهم وخلقهم، وقوله (عزَّ وجلَّ) (يذرؤكم)(591) أي يخلقكم. فكان ذرِّيّة الرَّجل هم خلق الله (عزَّ وجلَّ) منه ومن نسله ومن إنشاء الله (عزَّ وجلَّ) من صلبه.
ومعنى السلالة الصفوة من كلِّ شيء، يقال: سلالة وسليل، وفي الحديث قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (اللّهمّ اسق عبد الرّحمن من سليل الجنّة)(592) ويقال: السليل هو صافي شرابها، وإنّما قيل له (سليل) لأنّه سُلَّ حتّى خلص، وهو فعيل بمعنى المفعول، قالوا في تفسير قول الله (عزَّ وجلَّ): (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين)(593) يعني أنَّه من صفوة طين الأرض، والسلالة النتاج، سلَّ من أمه أي نتج، وقالت هند بنت أسماء(594) وكانت تحت الحجاج بن يوسف الثقفيُّ:
وهل هند إلّا مهرة عربيّة * * * سليلة أفراس تجلّلها بغل(595)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(589) الاسراء: 3.
(590) الاعراف: 179.
(591) الشورى: 10.
(592) في النهاية: قيل هو الشراب البارد، وقيل: الخالص الصافي من القذى والكدر.
(593) المؤمنون: 12.
(594) في التاج وبعض نسخ الصحاح والعقد الفريد (هند بنت نعمان بن بشير). ويمكن أن يكون (أسماء) أمها.
(595) قوله (تجللها) في بعض الكتب (تحللها) بالحاء المهملة، وفي بعضها (تخللها) بالخاء المعجمة. وفي اللسان والتاج (وما هند) وقوله (بغل) كذا في التاج والصحاح. وفي العقد الفريد (بعل). في اللسان قال ابن بري: وذكر بعضهم أنّها تصحيف وأن صوابه (نغل) - بفتح النون وسكون الغين المعجمة - وهو الخسيس من النّاس والدواب لأنّ البغل لا ينسل. انتهي. والمهر - بضم الميم وسكون الهاء -: ولد الفرس. والانثى: مهرة.
فإن نتجت مهراً كريما فبا الحريِّ * * * وإن يك أقرافاً فما فعل الفحل(596)
وروي فما جنى الفحل. والسليل المنتوج، والسليلة المنتوجة كأنّه يريد النتاج الخالص الصافي.
وقيل للحسن والحسين والائمّة (من) بعدهما صلوات الله عليهم أجمعين: سلالة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأنّهم الصفوة من ولده (عليهم السلام). وهذا معنى العترة والذُّريّة والسلالة في لغة العرب، ونسأل الله التوفيق للصواب في جميع الأمور برحمته.
1 - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا أبو سعيد سهل بن زياد الادميُّ الرّازيُّ قال: حدّثنا محمّد بن آدم الشيبانيُّ(597) عن أبيه أدم بن أبي إياس قال: حدّثنا المبارك بن فضالة، عن وهب بن منبّه رفعه عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لمّا عرج بي إلى ربّي جلَّ جلاله أتاني النداء: يا محمد! قلت: لبيك ربَّ العظمة لبّيك، فأوحى الله تعالي إليَّ يا محمّد فيم اختصم الملا الاعلي؟ قلت: إلهي لا علم لي، فقال: يا محمّد هلّا اتخذت من الادمين وزيراً وأخاً ووصيّاً من بعدك؟ فقلت: إلهي ومن أتّخذ؟ تخيّر لي أنت يا إلهي، فأوحى الله إليَّ: يا محمّد قد اخترت لك من الادميين عليّ بن أبي طالب، فقلت: إلهيَّ ابن عمي؟ فأوحى الله إليَّ يا محمّد إن عليّاً وارثك ووارث العلم من بعدك وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة وصاحب حوضك، يسقي من ورد عليه من مؤمني أمّتك، ثمّ أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليَّ: يا محمّد إنّي قد أقسمت على نفسي قسماً حقّاً لا يشرب من ذلك الحوض مبغضٌ لك ولأهل بيتك وذرّيّتك الطيّبين الطاهرين، حقّاً أقول: يا محمّد لادخلنَّ جميع أمتك الجنّة إلّا من أبي من خلقي، فقلت: إلهي [هل] واحد يأبى من دخول الجنّة؟ فأوحى الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(596) كذا وفي العقد الفريد: (فإنَّ أنجبت مهراً عريقاً فبالحرى * وان يك اقراف فما أنجب الفحل). وفى لسان العرب: (وان يك اقراف فمن قبل الفحل).
(597) كذا وآدم بن أبى أياس ثقة وهو العسقلاني لا الشيباني كما في التقريب. ومحمّد ابن آدم ابنه عامي مهمل. ومبارك بن فضالة أيضاً عامي مختلف فيه.
(عزَّ وجلَّ) إليَّ: بلى، فقلت: وكيف يأبي؟ فأوحى الله إليَّ: يا محمّد اخترتك من خلقي، واخترت لك وصيّاً من بعدك، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلّا أنَّه لا نبيَّ بعدك، وألقيت محبّته في قلبك وجعلته أبا لولدك فحقّه بعدك على اُمّتك كحقّك عليهم في حياتك، فمن جحد حقّه فقد جحد حقّك، ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك، ومن أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنّة، فخررت لله (عزَّ وجلَّ) ساجداً شكراً لمّا أنعم علي، فإذا منادياً ينادى ارفع يا محمّد رأسك، وسلني أعطك، فقلت: إلهي اجمع أمّتي من بعدي على ولاية عليّ بن أبي طالب ليردوا جميعاً عليِّ حوضى يوم القيامة؟ فأوحى الله تعالى إليّ يا محمّد إنّي قد قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم، وقضائي ماض فيهم، لأهلك به من أشاء وأهدي به من أشاء. وقد آتيته علمك من بعدك وجعلته وزيرك وخليفتك من بعدك على أهلك وأمّتك، عزيمةً منّي (لادخل الجنّة من أحبّه و) لا ادخل الجنّة من أبغضه وعاداه وأنكر ولايته بعدك، فمن أبغضه أبغضك، ومن أبغضك أبغضني، ومن عاداه فقد عاداك، ومن عاداك فقد عاداني، ومن أحبّه فقد أحبّك، ومن أحبّك فقد أحبّني، وقد جعلت له هذه الفضيلة، وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهديّاً كلّهم من ذرّيّتك من البكر البتول، وآخر رجل منهم يصلي خلفه عيسى بن مريم، يملا الأرض عدلاً كما ملئت منهم ظلماً وجوراً، انجي به من الهلكة، وأهدي به من الضّلالة، وابرئ به من العمى، وأشفي به المريض، فقلت: إلهي وسيّدي متى يكون ذلك؟ فأوحى الله (عزَّ وجلَّ): يكون ذلك إذا رفع العلم، وظهر الجهل، وكثر القراء، وقلَّ العمل، وكثر القتل، وقلَّ الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضّلالة والخونة، وكثر الشعراء، واتّخذ أمتك قبورهم مساجد، وحلّيت المصاحف، وزخرفت المساجد وكثر الجور والفساد، وظهر المنكر وأمر أمّتك به ونهوا عن المعروف، واكتفى الرِّجال بالرِّجال، والنساء بالنساء، وصارت الامراء كفرة، وأولياؤهم فجرة وأعوانهم ظلمة، وذوي الرَّأي منهم فسقة، وعند ذلك ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وخراب البصرة على يد رجل من ذريتك يتبعه الزُّنوج، وخروج رجل من ولد الحسين بن عليٌّ
وظهور الدَّجال يخرج بالمشرق من سجستان، وظهور السفياني، فقلت: إلهي ومتى يكون بعدي من الفتن؟ فأوحى الله إليَّ وأخبرني ببلاء بني امية وفتنة ولد عمّي، وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، فأوصيت بذلك ابن عمّي حين هبطت إلى الأرض وأديت الرسالة، ولله الحمد على ذلك كما حمده النبيّون وكما حمده كلُّ شيء قبلي وما هو خالقه إلى يوم القيامة.
2 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن همام قال: حدّثنا أحمد بن مابنداذ(598) قال حدّثنا أحمد بن هلال، عن محمّد بن أبي عمير(599) عن المفضّل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لمّا اُسري بي إلى السّماء أوحى إليَّ ربّي جلَّ جلاله فقال: يا محمّد إنّي أطلعت على الأرض إطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيّاً وشققت لك من اسمي إسما، فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ أطلعت الثانيّة فاخترت منها عليّاً وجعلته وصيك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذرّيّتك، وشققت له اسماً من أسمائي، فأنا العليُّ الاعلى وهو عليٌّ، وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة، فمن قبلها كان عندي من المقرَّبين، يا محمّد لو أنَّ عبداً عبدني حتّى ينقطع ويصير كالشنِّ البالي، ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم فما أسكنته جنّتي ولا أظللته تحت عرشي، يا محمّد تحبُّ أن تراهم؟ قلت: نعم يا ربّ فقال (عزَّ وجلَّ): ارفع رأسك فرفعت رأسي وإذا أنا بأنوار عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين، وعليِّ بن الحسين ومحمّد بن عليٍّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليِّ بن موسى، ومحمّد بن عليٍّ وعليِّ بن محمد؟ والحسن بن عليٍّ، و(م ح م د) بن الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب دري قلت: يا ربِّ ومن هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمّة وهذا القائم الّذي يحلّل حلالي ويحرِّم حرامي وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لاوليائي، وهو الّذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللّات والعزَّى طرييّن فيحرقهما، فلفتنة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(598) في المحكى عن ايضاح الرجال - في هامش بعض المخطوطة (ما بنذاذ بالميم قبل الالف والباء المضمومة المنقطة تحتها نقطة بعد الالف ثمّ النون. ثمّ الذال المعجمة المفتوحة بعد الالف وقبلها). ولم أقف على حاله.
(599) احمد بن هلال العبرتائي متهم في دينه غال. ورواية ابن أبي عمير عن المفضل بدون الواسطة بعيد.
النّاس يومئذ بهما أشدُّ من فتنة العجل والسّامريِّ.
3 - حدّثنا غير واحد من أصحابنا قالوا: حدّثنا محمّد بن همّام، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفرازيّ قال: حدّثني الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحارث قال: حدّثني المفضّل بن عمر، عن يونس بن ظبيان، عن جابر بن يزيد الجعفيِّ قال: سمعت جابر بن عبد الله الانصاريَّ يقول: لمّا أنزل الله (عزَّ وجلَّ) على نبيّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسول وأولي الامر منكم) قلت (يا رسول الله عرفنا الله ورسوله، فمن أولو الامر الّذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال (عليه السلام): هم خلفائي يا جابر، وأئمّة المسلمين [من] بعدي أوّلهم عليُّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن والحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليٍّ المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى ابن جعفر، ثمّ عليُّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ عليِّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليٍّ، ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه، وبقيته في عباده ابن الحسن بن عليٍّ، ذاك الّذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للايمان، قال جابر: فقلت له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال (عليه السلام): إى والذي بعثني بالنبوَّة أنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع النّاس بالشمس وإن تجللها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سرَّ الله، ومخزون علمه، فاكتمه إلّا عن أهله.
قال جابر بن يزيد: فدخل جابر بن عبد الله الانصاريُّ على عليّ بن الحسين (عليهما السلام) فبينما هو يحدِّثه إذ خرج محمّد بن عليٍّ الباقر (عليهما السلام) من عند نسائه وعلى رأسه ذؤابة وهو غلام فلمّا بصر به جابر ارتعدت فرائصه، وقامت كلُّ شعرة على بدنه ونظر إليه مليّاً، ثمَّ قال له: يا غلام أقبل فأقبل، ثمّ قال له: أدبر فأدبر، فقال جابر: شمائل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ورب الكعبة، ثمّ قام فدنا منه، فقال له: ما اسمك يا غلام؟ فقال: محمّد قال: ابن من؟ قال: ابن عليِّ بن الحسين، قال: يا بنيَّ فدتك نفسي فأنت إذاً الباقر؟ فقال: نعم،
ثمّ قال: فأبلغني ما حملك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال جابر: يا مولاي أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بشّرني بالبقاء إلى أن ألقاك وقال لي: إذا لقيته فأقرئه منّي السّلام، فرسول الله يا مولاي يقرء عليك السّلام، فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا جابر على رسول الله السّلام ما قامت السّماوات والارض، وعليك يا جابر كما بلّغت السلام، فكان جابر بعد ذلك يختلف إليه ويتعلّم منه فسأله محمّد بن عليٍّ (عليهما السلام) عن شيء فقال له جابر: والله ما دخلت في نهي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقد أخبرني أنّكم أئمّة الهداة من أهل بيته من بعده أحلم النّاس صغاراً، وأعلم النّاس كباراً، وقال: (لا تعلّموهم فهم أعلم منكم) فقال أبو جعفر (عليه السلام): صدق جديِّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إنّي لاعلم منك بما سألتك عنه ولقد أوتيت الحكم صبيّاً كلّ ذلك بفضل الله علينا ورحمته لنا أهل البيت.
4 - حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعيد الهاشميُّ قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم ابن فرات الكوفيُّ قال: حدّثنا محمّد بن عليِّ بن أحمد بن الهمدانيُّ قال: حدّثني أبو الفضل العبّاس بن عبد الله البخاري قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن إبراهيم بن عبد الله ابن القاسم بن محمّد بن أبي بكر قال: حدّثنا عبد السلام بن صالح الهروي، عن عليّ ابن موسى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد ابن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن - أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ما خلق الله خلقا أفضل منّي ولا أكرم عليه منّي، قال: عليٌّ (عليه السلام): فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل؟ فقال (عليه السلام): يا عليه منّي، قال: عليّ (عليه السلام): فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل؟ فقال (عليه السلام): يا عليُّ إنَّ الله تبارك وتعالى فضَّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرَّبين، وفضّلني على جميع النبيّين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا عليُّ وللائمّة من بعدك فإنَّ الملائكة لخدّامنا وخدام محبّينا، يا عليُّ الّذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا، يا عليُّ لو لا نحن ما خلق الله آدم ولا حوَّا، ولا الجنّة ولا النّار، ولا السّماء ولا الأرض، وكيف لا يكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى التوحيد ومعرفة ربّنا (عزَّ وجلَّ) وتسبيحه وتقديسه وتهليله لأنّ أوَّل ما خلق الله (عزَّ وجلَّ) أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتمجيده، ثمّ خلق الملائكة فلمّا شاهدوا
أرواحنا نوراً واحداً استعظموا امورنا فسبّحنا لتعلم الملائكة أنّا خلق مخلوقون وأنّه منزَّه عن صفاتنا، فسبّحت الملائكة لستبيحنا ونزَّهته عن صفاتنا، فلمّا شاهدوا عظم شأننا هلّلنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلّا الله وأنا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه فقالوا: لا إله إلّا الله، فلمّا شاهدوا كبر محلنا كبّرنا الله لتعلم الملائكة أنَّ الله أكبر من أن ينال وأنّه عظيم المحل، فلمّا شاهدوا ما جعل الله لنا من العزَّة والقوَّة، قلنا: لا حول ولا قوَّة إلّا بالله العلي العظيم لتعلم الملائكة أنَّ حول ولا قوَّة إلّا بالله، فقالت الملائكة: لا حول ولا قوَّة إلّا بالله، فلمّا شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطّاعة قلنا: الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحقُّ الله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه، فقالت الملائكة: الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفة [توحيد] الله تعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده، ثمّ أنَّ الله تعالى خلق آدم (عليه السلام) وأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسّجود له تعظيماً لنا وإكراما وكان سجودهم لله (عزَّ وجلَّ) عبودية ولادم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلّهم أجمعون.
وإنّه لمّا عرج بي إلى السّماء أذن جبرئيل مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، ثمّ قال: تقدَّم يا محمّد، فقلت: يا جبرئيل أتقدَّم عليك؟ فقال: نعم لأنّ الله تبارك وتعالى اسمه فضّل أنبياءه على ملائكته أجمعين وفضّلك خاصّة، فتقدَّمت وصلّيت بهم ولا فخر، فلمّا انتهينا إلى حجب النور قال لي جبرئيل (عليه السلام): تقدَّم يا محمّد وتخلف عني، فقلت: يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟ فقال: يا محمّد أنَّ هذا انتهاء حدي الّذي وضعه الله (عزَّ وجلَّ) لي في هذا المكان فإنَّ تجاوزته احترقت أجنحتي لتعدي حدود ربي جل جلاله، فزخ بي زخة في النور حتّى انتهيت إلى حيث ما شاء الله (عزَّ وجلَّ) من ملكوته، فنوديت يا محمّد، فقلت: لبيك ربي وسعديك تباركت وتعاليت، فنوديت يا محمّد أنت عبدي وأنا ربّك فايّاي فاعبد، وعليَّ فتوكَّل فانّك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجّتي في بريّتي، لمن تبعك خلقت جنّتي، ولمن خالفك خلقت ناري، ولاوصيائك أوجبت كرامتي، ولشيعتك أوجبت ثوابي، فقلت: يا ربِّ ومن أوصيائي؟ فنوديت يا محمّد [إن] أوصياءك المكتوبون على ساق العرش، فنظرت - وأنا بين يدي ربّي - إلى ساق العرش
فرأيت اثني عشر نوراً، في كلّ نور سطر أخضر مكتوب عليه اسم كلّ وصي من أوصيائي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم مهدي امتي، فقلت: يا ربّ أهؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديت يا محمّد هؤلاء أوليائي وأحبّائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريَّتي وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك. وعزَّتي وجلالي لاظهرنَّ بهم ديني، ولاعلينَّ بهم كلمتي، ولاُطهرنَّ الأرض بآخرهم من أعدائي، ولا ملّكنّه مشارق الأرض ومغاربها، ولاسخرن له الرياح، ولاذّللنّ له الرِّقاب الصعاب ولا رقينه في الاسباب، ولانصرنّه بجندي، ولامدنه بملائكتي حتّى يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي، ثمّ لاديمنّ ملكه ولاداولنّ الأيّام بين أوليائي إلى يوم القيامة. والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة على نبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين وسلّم تسليماً.
1 - حدّثنا محمّد بن عليٍّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثني عمّي محمّد بن أبي القاسم عن محمّد بن عليّ الصيرفيّ الكوفيّ، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن جابر ابن يزيد الجعفيّ، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرّحمن بن سمرة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لعن المجادلون(600) في دين الله على لسان سبعين نبيّاً، ومن جادل في آيات الله فقد كفر، قال الله (عزَّ وجلَّ): (ما يجادل في آيات الله إلّا الّذين كفروا فلا يغررك تقلّبهم في البلاد)(601) ومن فسّر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب، ومن أفتى النّاس بغير علم فلعنته ملائكة السماوات والارض، وكلّ بدعة ضلالة، وكلُّ ضلالة سبيلها إلى النار.
قال عبد الرّحمن بن سمرة: فقلت: يا رسول الله أرشدني إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النجاة، فقال: يا ابن سمرة إذا اختلف الأهواء وتفرَّقت الاراء فعليك بعليِّ بن أبي طالب فإنّه إمام امّتي وخليفتي عليهم من بعدي، وهو الفاروق الّذي يميز به بين الحقِّ والباطل، من سأله أجابه ومن استرشده أرشده، ومن طلب الحقِّ عنده وجده، ومن التمس الهدى لديه صادفه، ومن لجأ إليه أمنه، ومن استمسك به نجّاه، ومن اقتدى به هداه، يا ابن سمرة سلم منكم من سلم له ووالاه، وهلك من ردَّ عليه وعاداه، يا ابن سمرة إنَّ عليّاً منّي، روحه من روحي، وطينته من طينتي، وهو أخي وأنا أخوه، وهو زوج ابنتي فاطمة سيّدة نساء العالمين من الاولين والاخرين، وإنَّ منه إمامي أمّتى وسيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين، وتسعة من ولد الحسين تاسعهم قائم أمّتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
2 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيّ قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعيُّ، عن عمّه الحسين بن يزيد، عن الحسن بن عليِّ بن سالم، عن أبيه، عن أبي حمزة، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن - عبّاس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنَّ الله تبارك وتعالى أطلع إلى الأرض(602) إطلاعة فاختارني منها فجعلني نبيّاً، ثمّ أطلع الثانية فاختار منها عليّاً فجعله إماماً، ثمّ أمرني أن أتخذه أخاً ووليّاً ووصيّاً وخليفةً ووزيراً، فعليٌّ منّي وأنا من عليّ وهو زوج ابنتي وأبو سبطي الحسن والحسين، إلّا وإنَّ الله تبارك وتعالى جعلني وإيّاهم حججاً على عباده، وجعل من صلب الحسين أئمّة يقومون بأمري، ويحفظون وصيتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي، ومهديُّ أمّتي، أشبه النّاس بي في شمائله وأقواله وأفعاله يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلّة، فيعلن أمر الله، ويظهر دين الله جلَّ وعزَّ، يؤيّد بنصر الله وينصر بملائكة الله، فيملا الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
3 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ قال: حدّثنا موسي بن عمران النخعيُّ، عن عمّه الحسين بن يزيد، عن الحسن ابن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(602) كذا في جميع النسخ وهكذا فيما سيأتي ص 263 والقياس (على الأرض).
(صلّى الله عليه وآله وسلّم): حدَّثني جبرئيل عن ربِّ العزَّة جلَّ جلاله أنَّه قال: من علم أن لا إله إلّا أنا وحدي، وأنَّ محمداً عبدي ورسولي، وأنَّ عليّ بن أبي طالب خليفتي، وأنَّ الأئمّة من ولده حججي أدخله الجنّة برحمتي، ونجيّته من النّار بعفوي، وأبحث له جواري، وأوجبت له كرامتي، وأتممت عليه نعمتي، وجعلته من خاصّتي وخالصتي، أن ناداني لبّيته، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن سكت ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فرَّ منّي دعوته، وإن رجع إلىَّ قبلته وإن قرع بابي فتحته. ومن لم يشهد أن لا إله إلّا أنا وحدي أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ محمداً عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ عليَّ بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ الأئمّة من ولده حججي فقد جحد نعمتي، وصغّر عظمتي، وكفر بآياتي وكتبي، أنَّ قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيّبته، وذلك جزاؤه منّي وما أنا بظلام للعبيد.
فقام جابر بن عبد الله الانصاريُّ فقال: يا رسول الله ومن الأئمّة من ولد عليّ ابن أبي طالب؟ قال: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ثمّ سيّد العابدين في زمانه عليُّ بن الحسين، ثمّ الباقر محمّد بن عليِّ وستدركه يا جابر، فإذا أدركته فأقرئه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ الكاظم موسى بن جعفر، ثمّ الرضا عليّ بن موسى، ثمّ التقيُّ محمّد بن عليّ، ثمّ النقيُّ على بن محمّد، ثمّ الزكيُّ الحسن بن عليٍّ، ثمّ ابنه القائم بالحق مهديُّ أمتي الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي، من أطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني، بهم يمسك الله (عزَّ وجلَّ) السّماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها(603).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(603) ماد يميد أي اضطرب وتحرك.
4 - حدّثنا عليُّ بن أحمد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ عن موسى بن عمران، عن عمّه الحسين بن يزيد، عن الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن يحيى بن أبي القاسم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدِّه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الأئمّة بعدي اثنا عشر أوّلهم عليّ بن أبي طالب واخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي، وحجج الله على أمّتي بعدي، المقرُّ بهم مؤمن، والمنكر لهم كافر(604).
5 - حدّثنا عليُّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقيُّ، عن أبيه عن جدِّه أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه محمّد بن خالد، عن محمّد بن داود، عن محمّد بن الجارود العبديِّ، عن الاصبغ بن نباته، قال: خرج علينا أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم ويده في يد ابنه الحسن (عليه السلام) وهو يقول: خرج علينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذات يوم ويدي في يده هكذا وهو يقول: خير الخلق بعدي وسيّدهم أخي هذا، وهو إمام كلِّ مسلم، ومولى كلِّ مؤمن(605) بعد وفاتي. إلّا وإنى أقول: خير الخلق بعدي وسيدهم ابني هذا، وهو إمام كلِّ مؤمن، ومولى كلِّ مؤمن(606) بعد وفاتي، إلّا وإنّه سيظلم بعدي كما ظلمتُ بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وخير الخلق وسيّدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه المقتول في أرض كربلاء، إما إنَّه(607) وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة، ومن بعد الحسين تسعة من صلبه خلفاء الله في أرضه وحججه على عباده، وأمناؤه على وحيه، وأئمّة المسلمين وقادة المؤمنين، وسادة المتقيّن، تاسعهم القائم الّذي يملأ الله (عزَّ وجلَّ) به الأرض نوراً بعد ظلمتها، وعدلاً بعد جورها، وعلماً بعد جهلها، والّذي بعث أخي محمّداً بالنبوَّة واختصَّني بالامامة لقد نزل بذلك الوحي من السّماء على لسان الرُّوح الأمين جبرئيل، ولقد سئل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - وأنا عنده - عن الأئمّة بعده فقال للسائل: والسماء ذات البروج إنَّ عددهم بعدد البروج، وربِّ الليالي والايام والشهور إنَّ عددهم كعدد الشهور. فقال السائل: فمن هم يا رسول الله؟ فوضع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يده على رأسي فقال: أوّلهم هذا وآخرهم المهديُّ، من والاهم فقد والاني، ومن عاداهم فقد عاداني، ومن أحبّهم فقد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(604) في بعض النسخ (لهم جاحد).
(605) في بعض النسخ (أمير كلّ مؤمن).
(606) في بعض النسخ (وهو امام كلّ مسلم وأمير كلّ مؤمن).
(607) في بعض النسخ (في أرض كرب وبلاء إلّا وإنّه).
أحبّني، ومن أبغضهم فقد أبغضني، ومن أنكرهم فقد أنكرني، ومن عرفهم فقد عرفني، بهم يحفظ الله (عزَّ وجلَّ) دينه، وبهم يعمر بلاده، وبهم يرزق عباده، وبهم نزل القطر من السّماء، وبهم يخرج بركات الأرض هؤلاء أصفيائي وخلفائي وأئمة المسلمين وموالي المؤمنين.
6 - حدّثنا محمّد بن عليٍّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من أحبَّ أن يتمسّك بديني، ويركب سفينة النجاة بعدي فليقتد بعليِّ بن أبي طالب، وليعاد عدوَّه وليوال وليّه، فإنّه وصيّي، وخليفتي على أمّتي في حياتي وبعد وفاتي، وهو إمام كلِّ مسلم وأمير كلِّ مؤمن بعدي، قوله قولي، وأمره أمري، ونهيه نهيي، وتابعه تابعي، وناصره ناصري، وخاذله خاذلي، ثمّ قال (عليه السلام): من فارق عليّاً بعدي لم يرني ولم أره يوم القيامة، ومن خالف عليّاً حرَّم الله عليه الجنّة، وجعل مأواه النّار [وبئس المصير] ومن خذل عليّاً خذله الله يوم يعرض عليه، ومن نصر عليّاً نصره الله يوم يلقاه، ولقّنه حجّته عند المسألة، ثمّ قال (عليه السلام): الحسن والحسين إماماً أمّتي بعد أبيهما، وسيّدا شباب أهل الجنّة، وأمّهما سيدة نساء العالمين، وأبوهما سيّد الوصيّين. ومن ولد الحسين تسعة أئمّة، تاسعهم القائم من ولدي، طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي، إلى الله أشكو المنكرين لفضلهم، والمضيّعين لحرمتهم بعدي، وكفى بالله وليّاً وناصراً لعترتي، وأئمّة أمّتي، ومنتقما من الجاحدين لحقّهم، وسيعلم الّذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
7 - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر قال: حدّثنا عليّ بن أبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عليِّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرِّضا، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنا سيّد من خلق الله (عزَّ وجلَّ) وأنا خير من جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وحملة العرش وجميع ملائكة الله المقرَّبين وأنبياء الله المرسلين، وأنا صاحب الشفاعة والحوض الشريف، وأنا وعليٌّ أبوا هذه الاُمّة. من عرفنا فقد عرف الله (عزَّ وجلَّ)، ومن أنكرنا فقد أنكر الله (عزَّ وجلَّ)، ومن عليٍّ سبطا
أمّتي، وسيدا شباب أهل الجنّة: الحسن والحسين، ومن ولد الحسين تسعة أئمّة طاعتهم طاعتي، ومعصيتهم معصيتي، تاسعهم قائمهم ومهديّهم.
8 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: أخبرنا(608) أحمد بن محمّد الهمدانيّ قال: حدّثنا محمّد بن هشام قال: حدّثنا عليُّ بن الحسن(609) السائح قال: سمعت الحسن بن عليّ العسكريِّ يقول: حدّثني أبي، عن أبيه عن جدِّه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام): يا عليُّ لا يحبك إلّا من طابت ولادته، ولا يبغضك إلّا من خبثت ولادته، ولا يواليك إلّا مؤمن، ولا يعاديك إلّا كافر، فقام إليه عبد الله بن مسعود فقال: يا رسول الله قد عرفنا علامة خبيث الولادة والكافر في حياتك ببغض عليٍّ وعداوته، فما علامة خبيث الولادة والكافر بعدك إذا أظهر الاسلام بلسانه وأخفى مكنون سريرته؟ فقال (عليه السلام): يا ابن مسعود عليُّ ابن أبي طالب إمامكم بعدي وخليفتي عليكم، فإذا مضى فابني الحسن إمامكم بعده وخليفتي عليكم، فإذا مضى فابني الحسين إمامكم بعده وخليفتي عليكم، ثمّ تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد أئمّتكم وخلفائي عليكم، تاسعهم قائم أمّتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، لا يحبّهم إلّا من طابت ولادته ولا يبغضهم إلّا من خبثت ولادته، ولا يواليهم إلّا مؤمن، ولا يعاديهم إلّا كافر، من أنكر واحداً منهم فقد أنكرني، ومن أنكرني فقد أنكر الله (عزَّ وجلَّ)، ومن جحد واحداً منهم فقد جحدني، ومن جحدني فقد جحد الله (عزَّ وجلَّ)، لأنّ طاعتهم طاعتي، وطاعتي طاعة الله، ومعصيتهم معصيتي، ومعصيتي معصية الله (عزَّ وجلَّ)، يا ابن مسعود إيّاك أن تجد في نفسك حرجاً ممّا أقضي فتكفر، فوعزَّة ربّي ما أنا متكلّف ولا ناطق عن الهوى في عليٍّ والأئمّة من ولده، ثمّ قال (عليه السلام) - وهو رافع يديه إلى السّماء -: اللّهمّ وال من والى خلفاني، وأئمّة أمتي بعدي، وعاد من عاداهم، وانصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، ولا تخل الأرض من قائم منهم بحجتك ظاهراً أو خافياً مغموراً، لئلا يبطل دينك وحجّتك (وبرهانك) وبيّناتك، ثمَّ قال (عليه السلام): يا ابن مسعود قد جمعت لكم في مقامي هذا ما أن فارقتموه هلكتم، وإن تمسكتم به نجوتم، والسلام على من اتّبع الهدى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(608) في بعض النسخ (حدّثنا).
(609) في بعض النسخ (عليّ بن الحسين).
9 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا يعقوب ابن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبان بن تغلب(610) عن سليم ابن قيس الهلاليِّ، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: دخلت على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإذا الحسين بن عليٍّ على فخذه، وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ويقول: أنت سيّد ابن سيّد أنت إمام ابن إمام، [أخو إمام] أبو أئمّة، أنت حجّة الله ابن حجّته(611) وأبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم.
10 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن عمر بن أذنية، عن أبان بن أبي عيّاش، عن أبراهيم بن عمر اليمانيِّ، عن سليم بن قيس الهلاليِّ قال: سمعت سلمان الفارسيِّ رضي الله عنه يقول: كنت جالساً بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مرضته الّتي قبض فيها فدخلت فاطمة (عليها السلام) فلمّا رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتّى جرت دموعها على خدّيها فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا رسول الله أخشى على نفسي وولدي الضيعة بعدك، فاغرورقت عينا رسول الله بالبكاء، ثمّ قال: يا فاطمة أمّا علمت أنّا أهل بيت اختار الله (عزَّ وجلَّ) لنا الاخرة على الدُّنيا وأنّه حتم الفناء على جميع خلقه، وأن الله تبارك وتعالى أطلع إلى الأرض إطلاعة فاختارني من خلقه فجعلني نبيّاً ثمّ أطلع إلى الأرض إطلاعةً ثانية فاختار منها زوجك وأوحى إليَّ أن أزوِّجك إيّاه واتّخذه ولياً ووزيراً وأن أجعله خليفتي في أمّتي فأبوك خير أنبياء الله ورسله، وبعلك خير الاوصياء، وأنت أوَّل من يلحق بي من أهلي، ثمّ أطلع إلى الأرض إطلاعة ثالثة فاختارك وولديك؛ فأنت سيّدة نساء أهل الجنّة، وابناك حسن وحسين سيّدا شباب أهل الجنّة وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة، كلّهم هادون مهديّون، وأوَّل الاوصياء بعدي أخي عليٌّ، ثمّ حسن، ثمّ حسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين في درجتي، وليس في الجنّة درجة أقرب إلى الله من درجتي ودرجة أبي إبراهيم، أما تعلمين يا بنيّة أنَّ من كرامة الله إيّاك أن زوَّجك خير أمّتي، وخير أهل بيتي، أقدمهم سلماً، وأعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً. فاستبشرت فاطمة (عليها السلام) وفرحت بما قال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ قال: يا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بنيّة أنَّ لبعلك مناقب: إيمانه بالله ورسوله قبل كلِّ أحد، فلم يسبقه إلى ذلك أحد من أمّتي، وعلمه بكتاب الله (عزَّ وجلَّ) وسنّتي وليس أحدٌ من أمتي يعلم جميع علمي غير عليٍّ (عليه السلام) وإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) علّمني علماً لا يعلّمه غيري وعلّم ملائكته ورسله علماً فكلّما علّمه ملائكته ورسله فأنا أعلمه وأمرني الله أن اعلّمه إيّاه ففعلت فليس أحدٌ من امّتي يعلم جميع علمي وفهمي وحكمتي غيره، وإنّك با بنيّة زوجته، وابناه سبطاي حسن وحسين وهما سبطا أمّتي، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فإنَّ الله جلَّ وعزَّ آتاه الحكمة وفصل الخطاب، وبا بنيّة إنّا أهل بيت أعطانا الله (عزَّ وجلَّ) ستَّ خصال لم يعطها أحداً من الاوَّلين كان قبلكم، ولم يعطها أحداً من الاخرين غيرنا، نبيّنا سيّد الأنبياء والمرسلين، وهو أبوك، ووصيّنا سيّد الاوصياء وهو بعلك وشهيدنا سيّد الشهداء وهو حمزة بن عبد المطلّب عم أبيك، قالت: يا رسول الله هو سيّد الشهداء الّذين قتلوا معه؟ قال: لا بل سيّد شهداء الأوَّلين والاخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيّار في الجنّة مع الملائكة وإبناك حسن وحسين سبطا أمّتي وسيّدا شباب أهل الجنّة، ومنّا والّذي نفسي بيده مهدي هذه الاُمّة الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلما، قالت وأيُّ هؤلاء الّذين سمّيتهم أفضل؟ قال: عليٌّ بعدي أفضل أمّتي، وحمزة وجعفر أفضل أهل بيتي بعد عليٍّ، وبعدك وبعد ابنيَّ وسبطي حسن وحسين، وبعد الاوصياء من ولد ابني هذا - وأشار إلى الحسين - منهم المهديُّ، إنّا أهل بيت اختار الله لنا الاخرة على الدُّنيا، ثمّ نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إليها وإلى بعلها وإلى ابنيها فقال: يا سلمان اُشهد الله أنّي سلم لمن سالمهم، وحرب لمن حاربهم، أمّا إنهم معي في الجنة. ثمّ أقبل على عليٍّ (عليه السلام) فقال: يا أخي أنت ستبقى بعدي وستلقى من قريش شدَّة من تظاهر هم عليك وظلمهم لك، فإن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم وقائل من خالفك بمن وافقك وان لم تجد أعوانا فاصبر، وكفَّ يدك ولا تلق بها إلى التهلكة، فانّك منّي بمنزلة هارون من موسى ولك بهارون اُسوة حسنة إذا استضعفه قومه وكادوا يقتلونه، فاصبر لظلم قريش إيّاك وتظاهرهم عليك فانّك بمنزلة هارون ومن تبعه وهم بمنزلة العجل ومن تبعه. يا عليّ أنَّ الله تبارك
وتعالى قد قضي الفرقة والاختلاف على هذه الاُمّة، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى حتّى لا يختلف اثنان من هذه الاُمّة ولا ينازع في شيء من أمره ولا يجحد المفضول لذي الفضل فضله، ولو شاء لعجّل النقمة وكان منه التغيير حتّى يكذب الظالم ويعلم الحقُّ اين مصيره، ولكنّه جعل الدُّنيا دار الاعمال وجعل الاخرة دار القرار ليجزي الّذين اساؤوا بما عملوا ويجزي الّذين أحسنوا بالحسنى، فقال عليٌّ (عليه السلام) الحمد لله شكرا على نعمائه وصبراً على بلائه.
11 - حدّثنا أبو الحسن أحمد بن ثابت الدَّواليبيُّ بمدينة السلام قال: حدّثنا محمّد بن الفضل النحويُّ قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن عبد الصمد الكوفيُّ قال: حدّثنا عليُّ بن عاصم، عن محمّد بن عليِّ بن موسى، عن أبيه عليِّ بن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليِّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) قال: دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعنده اُبيّ بن كعب فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مرحباً بك يا أبا عبد الله يا زين السّماوات والأرض، فقال له اُبيّ: وكيف يكون يا رسول الله زين السّماوات والارض أحدٌ غيرك؟ فقال له: يا ابيّ والّذي بعثني بالحق نبيّاً أنَّ الحسين بن عليّ في السّماء أكبر منه في الأرض فإنّه مكتوب عن يمين العرش(612) مصباح هاد وسفينة نجاة وإمام غير وهن(613) وعزّ وفخر، وبحر - علم وذخر [فلم لا يكون كذلك!] وإن الله (عزَّ وجلَّ) ركّب في صلبه نطفة طيّبة مباركة زكيّة خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الارحام أو يجري ماء في الاصلاب أو يكون ليل ونهار ولقد لقّن دعوات ما يدعو بهنَّ مخلوق إلّا حشره الله (عزَّ وجلَّ) معه وكان شفيعه في آخرته، وفرَّج الله عنه كربه، وقضى بها دينه، ويسر أمره، وأوضح سبيله، وقوّاه على عدوِّه، ولم يهتك ستره، فقال اُبيّ: وما هذه الدَّعوات يا رسول الله؟ قال: تقول إذا فرغت من صلاتك وأنت قاعد: (اللّهمّ إنّي أسألك بكلماتك ومعاقد عرشك(614) وسكّان سماواتك [وأرضك] وأنبيائك ورسلك (أن تستجيب لي) فقد رهقني من أمري عسرٌ، فأسألك أن تصلي على محمّد وآل محمّد وأن تجعل لي من عسري يسراً) فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يسهّل أمرك ويشرح لك صدرك ويلقنّك شهادة أن لا إله إلّا الله عند خروج نفسك، قال له اُبيّ: يا رسول الله فما هذه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(612) في بعض النسخ (يمين عرش الله).
(613) في بعض النسخ (وامام عز وهن) وفي بعضها (وعز وفخر وعلم وذخر).
(614) أي بخصال استحق به العرش العز، أو بمواضع انعقادها منه، وفي بعض النسخ (أسألك بملكك ومعاقد عزك). وفي بعض النسخ (أسألك بمعاقد عرشك - الخ) بدون الزوائد الّتي كانت بين القوسين.
النطقة الّتي في صلب حبيبي الحسين؟ قال: مثل هذه النطقة كمثل القمر وهي نطفة تبيين وبيان يكون من اتبعه رشيداً ومن ضلَّ عنه غويّاً، قال: فما اسمه وما دعاؤه؟ قال: اسمه عليٌّ ودعاؤه (يا دائم يا ديموم، يا حيُّ يا قيّوم، يا كاشف الغمِّ ويا فارج الهمِّ، ويا باعث الرُّسل، ويا صادق الوعد) من دعا بهذا الدُّعاء حشره الله (عزَّ وجلَّ) مع عليِّ بن الحسين وكان قائده إلى الجنة.
قال له اُبيٌّ: يا رسول الله فهل له من خلف أو وصيٍّ؟ قال: نعم له مواريث السماوات والارض، قال: فما معنى مواريث السماوات والأرض يا رسول الله؟ قال: القضاء بالحقِّ، والحكم بالدِّيانة، وتأويل الاحلام(615) وبيان ما يكون. قال: فما اسمه؟ قال: اسمه محمّد وإن الملائكة لتستأنس به في السماوات ويقول في دعائه (اللّهمّ إن كان لي عندك رضوانٌ وود فاغفر لي ولمن تبعني من إخواني وشيعتي وطيب ما في صلبي) فركّب الله في صلبه نطفة مباركة طيّبة زكيّة، فأخبرني جبرئيل (عليه السلام)(616) أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) طيّب هذه النطفة وسمّاها عنده جعفراً، وجعله هادياً مهدياً وراضياً مرضياً يدعو ربّه فيقول في دعائه: (يا ديّان(617) غير متوان يا أرحم الراحمين اجعل لشيعتي من النّار وقاء، ولهم عندك رضاء(618)، فاغفر ذنوبهم، ويسرّ امورهم، واقض ديونهم، واستر عوراتهم، وهب لهم الكبائر الّتي بينك وبينهم، يا من لا يخاف الضيم ولا تأخذه سنة ولا نوم، اجعل لي من كلّ (همٍّ) وغمٍّ فرجاً) ومن دعا بهذا الدُّعاء حشره الله عنده أبيض الوجه مع جعفر ابن محمّد إلى الجنّة.
يا أُبيّ وإنَّ الله تبارك وتعالى ركّب على هذه النطفة نطفة زكيّة مباركة طيّبة أنزل عليها الرَّحمة وسمّاها عنده موسى [وجعله إماما] قال له أبيٌّ: يا رسول الله كلّهم يتواصفون ويتناسلون ويتوارثون ويصف بعضهم بعضاً؟ قال: وصفهم لي جبرئيل (عليه السلام) عن ربِّ العالمين جلَّ جلاله، فقال: فهل لموسى من دعوة يدعو بها سوى دعاء آبائه؟ قال نعم يقول في دعائه: (يا خالق الخلق، ويا باسط الرزق، ويا فالق الحبِّ [والنوى]، ويا بارئ النسم ومحيي الموتى ومميت الأحياء، و(يا) دائم الثبات، ومخرج النبات افعل بي ما أنت أهله)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(615) في بعض النسخ (الأحكام).
(616) كذا في بعض النسخ وفي أكثرها (فأخبرني عليه وآله السلام أنَّ الله - الخ).
(617) في بعض النسخ: (يا دان غير متوان) والظاهر (يا دانيا).
(618) في بعض النسخ: (رضوانا).
من دعا بهذا الدُّعاء قضى الله (عزَّ وجلَّ) حوائجه وحشره يوم القيامة مع موسى بن جعفر، وإنَّ الله ركّب في صلبه نطفة طيّبة زكيّة مرضيّة وسمّاها عنده عليّاً وكان الله (عزَّ وجلَّ) في خلقه رضيّاً في علمه وحكمه، وجعله حجّة لشيعته يحتجون به يوم القيامة وله دعاء يدعو به (اللّهمّ أعطني الهدى، وثبّتني عليه، واحشرني عليه آمنا أمن من لا خوف عليه ولا حزن ولا جزع، إنّك أهل التقوى وأهل المغفرة). وإن الله (عزَّ وجلَّ) ركّب في صلبه نطفة مباركة طيّبة زكيّة مرضيّة وسماها محمّد بن عليٍّ فهو شفيع شيعته ووارث علم جدِّه، له علامة بيّنة وحجّة ظاهرة إذا ولد يقول: (لا إله إلّا الله محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويقول في دعائه: (يا من لا شبيه له ولا مثال، أنت الله لا إله إلّا أنت ولا خالق إلّا أنت تفني المخلوقين وتبقى أنت، حلمت عمّن عصاك، وفي المغفرة رضاك) من دعا بهذا الدعاء كان محمّد بن عليّ شفيعه يوم القيامة. وإن الله تبارك وتعالى ركب في صلبه نطفة لا باغية ولا طاغية، وبارة مباركة طيبة طاهرة سماها عنده عليّاً، فألبسها السكينة والوقار، وأودعها العلوم والاسرار وكل شيء مكتوم، ومن لقيه وفي صدره شيء أنبأه به وحذّره من عدوِّه، ويقول في دعائه: (يا نور يا برهان يا منير يا مبين يا ربّ اكفني شرَّ الشرور وآفات الدُّهور، وأسألك النجاة يوم ينفخ في الصور) من دعا بهذا الدعاء كان عليُّ بن محمّد شفيعه وقائده إلى الجنّة، وإن الله تبارك وتعالى ركّب في صلبه نطفة سمّاها عنده الحسن بن عليّ فجعله نوراً في بلاده، وخليفة في أرضه وعزّاً لامته، وهادياً لشيعته، وشفيعاً لهم عند ربّهم، ونقمة على من خالفه، وحجّة لمن والاه، وبرهاناً لمن اتخذه إماماً، يقول في دعائه: (يا عزيز العزِّ في عزِّه، يا عزيزاً عزِّني بعزِّك، وأيّدني بنصرك وأبعد عني همزات الشياطين، وادفع عنّي بدفعك وامنع عني بمنعك واجعلني من خيار خلقك، يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد) من دعا بهذا الدّعاء حشره الله (عزَّ وجلَّ) معه، ونجاه من النّار ولو وجبت عليه، وإن الله (عزَّ وجلَّ) ركب في صلب الحسن نطفة مباركة زكيّة طيّبة طاهرة مطهّرة، يرضى بها كلّ مؤمن ممّن أخذ الله (عزَّ وجلَّ) ميثاقه في الولاية، ويكفر بها كلُّ جاحد، فهو إمام تقيٌّ نقيٌّ بار مرضيٌّ هاد مهديٌّ أوَّل العدل وآخره(619) يصدِّق الله (عزَّ وجلَّ) ويصدِّقه الله في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(619) في بعض النسخ: (مهدي يحكم بالعدل ويأمر به).
قوله، يخرج من تهامة حتّى(620) تظهر الدَّلائل والعلامات وله بالطالقان كنوز لا ذهبٌ ولا فضةٌ إلّا خيول مطهّمة(621)، ورجال مسوَّمة، يجمع الله (عزَّ وجلَّ) له من أقاصي البلاد على عدد أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، معه صحيفة مختومة فيه عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وصنائعهم وكلامهم وكناهم(622)، كرارُّون، مجدُّون في طاعته، فقال له أبيٌّ: وما دلائله وعلاماته يا رسول الله؟ قال: له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه وأنطقه الله تبارك وتعالى فناداه العلم أخرج يا وليَّ الله فاقتل أعداء الله، وله رايتان(623) وعلامتان وله سيف مغمد، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده، وأنطقه الله (عزَّ وجلَّ) فناداه السيف: أخرج يا وليَّ الله فلا يحلُّ لك أن تعقد عن أعداء الله فيخرج ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله، يخرج وجبرئيل عن يمنيه وميكائل عن يساره وشعيب وصالح على مقدَّمه، فسوف تذكرون ما أقول لكم وافوض أمري إلى الله (عزَّ وجلَّ) ولو بعد حين، يا أبيُّ طوبى لمن لقيه، وطوبى لمن أحبّه، وطوبى لمن قال به، ينجيهم الله من الهلكة بالاقرار به وبرسول الله وبجميع الأئمّة يفتح لهم الجنّة، مثلهم في الأرض كمثل المسك يسطع ريحه فلا يتغيّر أبداً، ومثلهم في السّماء كمثل القمر المنير الّذي لا يطفئ نوره أبداً، قال أبيُّ: يا رسول الله كيف حال(624) هؤلاء الأئمّة عن الله (عزَّ وجلَّ)؟ قال: إنَّ الله تبارك وتعالى أنزل عليَّ اثني عشر خاتما واثنتي عشرة صحيفة اسم كلّ إمام على خاتمه وصفته في صحيفته. صلّى الله عليه وعليهم أجمعين.
12 - حدّثنا محمّد بن عليٍّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثني عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيِّ، عن محمّد بن عليّ القرشيّ، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ (عليهم السلام) قال: دخلت أنا وأخي على جدي رسول الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(620) في بعض النسخ (حين).
(621) المطهم - كمعظم - السمين الفاحش، والنحيف الجسم الدقيقة - ضد - كذا في القاموس، وفي الصحاح المطهم: التام من كلّ شيء.
(622) في بعض النسخ (وحلاهم وكناهم).
(623) في بعض النسخ (هما رايتان) وفي العيون (وهما آيتان).
(624) في بعض النسخ (كيف جاءك بيان هؤلاء الائمّة).
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأجلسني على فخذه، وأجلس أخي الحسن على فخذه الاخرى، ثمّ قبلنا وقال: بأبي أنتما من إمامين صالحين(625) اختاركما الله منّي، ومن أبيكما وأُمّكما، واختار من صلبك يا حسين تسعة أئمّة تاسعهم قائمهم وكلّكم في الفضل والمنزلة عند الله تعالى سواء.
13 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثني محمّد بن يحيى العطّار، وعبد الله بن جعفر الحميريّ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن ابن محبوب عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الانصاريُّ قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح فيه أسماء الاوصياء من ولدها(626) فعددت اثني عشر آخرهم القائم ثلاثة منهم محمّد، وأربعة منهم عليّ صلوات الله عليهم أجمعين.
14 - حدّثنا حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين ابن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد قال: أخبرني القاسم بن محمّد بن حمّاد قال: حدّثنا غياث بن إبراهيم قال: حدّثنا الحسين بن زيد ابن عليّ، عن جعفر بن محمّد عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أبشروا ثمّ أبشروا - ثلاث مرات - إنّما مثل أمتي كمثل غيث لا يدري أوله خير أو آخره. إنّما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم منها فوج عاماً، ثمّ أطعم منها فوج عاماً، لعلَّ آخرها فوجاً أن يكون أعرضها بحراً، وأعمقها طولاً وفرعاً، وأحسنها جنّى، وكيف تهلك أمّة أنا أوّلها، واثنا عشر من بعدي من السعداء وأولي الالباب، والمسيح عيسى بن مريم آخرها، ولكن يهلك بين ذلك(627) نتج الهرج ليسوا منّي ولست منهم.
15 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن - عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم ابن قيس الهلاليِّ قال: سمعت عبد الله بن جعفر الطيّار يقول: كنا عند معاوية والحسن والحسين (عليهما السلام) وعبد الله بن عبّاس وعمر بن أبي سلمة أسامة بن زيد فذكر حديثاً جرى بينه وبينه وإنّه قال لمعاوية بن أبي سفيان: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: إنّي أولى بالمؤمنين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(625) في بعض النسخ (سبطين) مكان (صالحين).
(626) (من ولدها) ليس في العيون والخصال.
(627) في بعض النسخ (من ذلك).
من أنفسهم، ثمّ أخي عليّ بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابني الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ ابني الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا استشهد فابنه عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وستدركه يا عليُّ ثمّ ابنه محمّد بن عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا حسين، ثمّ تكملّه اثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين، قال عبد الله: ثمّ استشهدت الحسن والحسين صلوات الله عليهما وعبد الله بن عبّاس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد فشهدوا لي عند معاوية، قال سليم ابن قيس: وقد كنت سمعت ذلك من سلمان وأبي ذرٍّ والمقداد وأسامة بن زيد فحدّثوني أنّهم سمعوا ذلك من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
16 - حدّثنا أبو عليّ أحمد بن الحسن بن عليّ بن عبد ربّه قال: حدّثنا أبو زيد محمّد بن يحيى بن خلف بن يزيد المروزي بالرِّي في شهر ربيع الأوَّل سنة اثنتين وثلاثمائة قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظليُّ - في سنة ثمان وثلاثين ومائتين - المعروف بإسحاق بن راهويه قال: حدّثني يحيى بن يحيى(628) قال: حدّثنا هشام بن خالد(629) عن الشعبي، عن مسروق قال: بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتى شابُّ هل: عهد إليكم نبيّكم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كم يكون من بعده خليفة؟ قال: إنّك لحدث السِّن وإنَّ هذا لشيء ما سألني عنه أحد قبلك، نعم عهد إلينا نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه يكون بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل.
17 - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدّثنا أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي الرجال البغداديُّ(630) قال: حدّثنا محمّد بن عبدوس الحرّانيُّ قال: حدّثنا عبد الغفّار بن الحكم قال: حدّثنا منصور بن أبي الأسود، عن مطرف، عن الشعبيِّ عن عمّه قيس بن عبيد(631) قال: كنّا جلوساً في حلقة فيها عبد الله بن مسعود فجاء أعرابيٌّ فقال: أيّكم عبد الله؟ فقال: عبد الله بن مسعود: أنا عبد الله، قال: هل حدّثكم نبيّكم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كم يكون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(628) هو يحيى بن يحيى بن بكير بن عبد الرّحمن الحنظلي أبو زكريّا النيسابوري. ثقة ثبت امام كما في التقريب.
(629) كذا وفي بعض النسخ (هيثم عن مخالد) والصواب هشام عن مجالد، والمراد بهشام هشام بن سنبر الدستوائي، وبمجالد مجالد بن سعد بن عمير وقد تقدَّم تحقيق ذلك ص 67.
(630) راجع ترجمته تاريخ بغداد ج 4 ص 385.
(631) في الخصال (قيس بن عبد) ولم أجده.
بعده من الخلفاء؟ قال: نعم اثنا عشر عدّة نقباء بني إسرائيل.
18 - حدّثنا أبو القاسم عتاب بن محمّد الحافظ قال: حدّثنا يحيى بن محمّد بن صاعد قال: حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن بن الفضل؛ ومحمّد بن عبد الله بن سوَّار، ابن وراق النفيلي(632) قالوا: حدّثنا عبد الغفّار بن الحكم قال: حدّثنا منصور بن أبي الأسود، عن مطرف، عن الشعبي. قال عتّاب: وحدّثنا إسحاق بن محمّد الأنماطي(633) قال: حدّثنا يوسف بن موسى قال: حدّثنا جرير، عن أشعث بن سوار، عن الشعبي. قال عتاب: وحدّثنا الحسين ابن محمّد الحراني قال: حدّثنا أيّوب بن محمّد الوزانَّ قال: حدّثنا سعيد بن مسلمة قال: حدّثنا أشعث بن سوّار، عن الشعبي كلّهم قالوا: عن عمه قيس بن عبيد. قال أبو القاسم عتّاب: وهذا حديث مطرف قال: كنا جلوسا في المسجد، ومعنا عبد الله بن مسعود فجاء أعرابي فقال: فيكم عبد الله [بن مسعود] قال: نعم أنا عبد الله فما حاجتك؟ قال: يا عبد الله أخبركم نبيّكم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كم يكون فيكم من خليفة؟ قال: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحدٌ منذ قدمت العراق، نعم اثنا عشر خليفة عدَّة نقباء بني إسرائيل قال أبو عروبة في حديثه: نعم عدَّة نقباء بني إسرائيل، قال جرير، عن أشعث، عن ابن مسعود، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: الخلفاء بعدي اثنا عشر كعدَّة نقباء بني إسرائيل.
19 - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن عبد ربّه النيسابوريّ قال: حدّثنا أبو القاسم هارون بن إسحاق يعني الهمدانيّ قال: حدّثنا عمّي إبراهيم بن محمّد، عن زياد بن علاقة؛ وعبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة قال: كنت مع أبي عند النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فسمعته يقول: يكون بعدي اثنا عشرا أميراً، ثمّ أخفى صوته، فقلت لأبي: ما الّذي أخفى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: قال كلّهم من قريش.
20 - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدّثنا أبو عليّ محمّد بن عليّ بن إسماعيل الكسريِّ المروزيُّ(634) قال: حدّثنا سهل بن عمّار النيسابوريُّ قال: حدّثنا عمرو بن عبد الله بن رزين قال: حدَّثنا سفيان، عن سعيد بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(632) كذا. وفي بعض النسخ (ونزار الدئلي) وفي بعضها (نزار الديلمي).
(633) في بعض النسخ (أبلى). ولم أجده.
(634) في نسخ الخصال (اليشكري المروزي).
عمرو، عن الشعبيِّ، عن جابر بن سمرة قال: جئت مع أبي إلى المسجد ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخطب فسمعته يقول: يكون من بعدي اثنا عشر - يعني أميراً - ثمَّ خفض من صوته فلم أدر ما يقول، فقلت لابي: ما قال؟ قال: قال: كلّهم من قريش.
21 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن إسحاق الدّينوريُّ قال: حدّثنا أبو بكر بن أبي داود(635) قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن شاذان قال: حدّثنا الوليد بن هشام قال حدّثنا محمّد بن ذكوان(636) قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن سيرين، عن جابر ابن سمرة قال: كنّا عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يلي هذا الامر اثنا عشر قال: فصرخ النّاس(637) فلم أسمع ما قال، فقلت لابي - وكان أقرب إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منّي -: ما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ فقال: قال: كلّهم من قريش، وكلّهم لا يرى مثله.
وقد أخرجت الطرق في هذا الحديث من طريق عبد الله بن مسعود؛ ومن طريق جابر بن سمرة في كتاب النصِّ على الأئمّة الاثنى عشر (عليهم السلام) بالامامة.
22 - حدّثنا عبد الله بن محمّد الصائغ قال: حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن سعيد قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن زياد قال: حدّثنا إسماعيل الطيّان قال: حدّثنا أبو أسامة قال: حدّثني سفيان، عن برد، عن مكحول أنَّه قيل له،: إنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: يكون بعدي اثنا عشر خليفة، قال مكحول: نعم، وذكر لفظة اخرى.
23 - حدّثنا عبد الله بن محمّد الصائغ قال: حدّثني أبو الحسين أحمد بن محمّد بن يحيى القصرانيُّ، قال: حدّثني أبو عليّ بشر بن موسى بن صالح(638) قال: حدّثنا أبو الوليد خلف بن الوليد البصريُّ، عن إسرائيل(639)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(635) في الخصال (أبو بكر بن أبي زواد) وفي بعض نسخه (أبو بكر بن أبي رواد) ولم أجده.
(636) في الخصال (قال: حدّثنا محمّد قال: حدّثنا مخول بن ذكوان).
(637) صراخهم هذا عند قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في خطبته (يكون بعدى اثنا عشر) أو اخفاء صوته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يكشف النقاب عن امور خفية لا تخفى على المتدرب الخبير وهل يكون ذلك الاخوفا من أن يقول (كلّهم من عترتي) كما خافوا وفعلوا ما فعلوا عند قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (ايتوني بدواة وقرطاس) ولعله قال، ولكن حرفوا كلامه (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(638) عنونه الخطيب في التاريخ ج 7 ص 86 وقال: كان ثقة أمينا عاقلا ركينا، ولد سنة 191 ومات يوم السبت لاربع بقين بن ربيع الاوَّل سنة ثمان وثمانين ومائتين. وفي اكثر النسخ (بشر بن أبي موسى) وهو تصحيف.
(639) يعني إسرائيل بن يونس المترجم في التهذيب، والتاريخ ج 7 ص 20.
عن سماك قال: سمعت جابر ابن سمرة يقول: سمعت النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: يقوم من بعدي إثنا عشر أميراً، ثمّ تكلّم بكلمة له أفهمها، فسألت القوم، فقالوا: قال: كلّهم من قريش.
24 - حدّثنا عبد الله بن محمّد قال: حدّثنا أبو الحسين أحمد بن محمّد بن يحيى القصراني قال: حدّثنا أبو عليّ الحسين بن الكميت بن بهلول الموصليُّ(640) قال: حدّثنا غسان بن الربيع قال: حدّثنا سليمان بن عبد الله مولى عامر الشعبيِّ، عن عامر عن جابر أنَّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لا يزال أمر اُمّتي ظاهراً حتّى يمضي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش.
25 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن عمر بن اُذينة، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلاليِّ قال: رأيت عليّاً (عليه السلام) في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في خلافة عثمان وجماعة يتحدَّثون ويتذاكرون العلم والفقه فذكرنا قريشاً [وشرفها] وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الفضل مثل قوله (الائمّة من قريش) وقوله (النّاس تبع لقريش) و(قريش أئمّة العرب) وقوله (لا تسبّوا قريشاً) وقوله (أنَّ للقرشي قوَّة رجلين من غيرهم) وقوله (من أبغض قريشاً أبغضه الله). وقوله (من أراد هوان قريش أهانه الله). وذكروا الانصار وفضلها وسوابقها ونصرتها وما أثنى الله تبارك وتعالى عليهم في كتابه، وما قال فيهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الفضل، وذكروا ما قال في سعد بن عبادة وغسيل الملائكة، فلن يدعوا شيئاً من فضلهم حتّى قال كلُّ حيٍّ: منا فلان وفلان، وقالت قريش: منّا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومنّا جعفر، ومنّا حمزة، ومنّا عبيدة بن الحارث، وزيد بن حارثة(641) وأبو بكر وعمر وعثمان وسعد وأبو وعبيدة وسالم، وابن عوف، فلم يدعوا من الحيين أحداً من أهل السابقة إلّا سمّوه، وفي الحلقة أكثر من مائتي رجل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(640) قال الخطيب في التاريخ ج 8 ص 87 الحسين بن الكميت بن البهلول بن عمر أبو على الموصلي قدم بغداد وحدث بها عن غسان بن الربيع وأبي سلمة - إلى آخر ما قال. وفي بعض النسخ (أبو عليّ الحسن بن الليث) وهو تصحيف.
(641) زيد بن حارثة لم يكن قرشيا إنّما هو مولى. وليس هو تصحيف زيد بن خارجة لأنّه انصاري خزرجي بدري.
فمنهم عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الرّحمن ابن عوف، وطلحة، والزُّبير، وعمار، والمقداد، وأبو ذرٍّ، وهاشم بن عتبة، وابن عمر، والحسن والحسين (عليهما السلام)، وابن عبّاس، ومحمّد بن أبي بكر، وعبد الله بن جعفر، ومن الانصار اُبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو أيّوب الأنصاري، وأبو الهيثم ابن التّيهان، ومحمّد بن مسلمة(642) وقيس بن سعد بن عبادة، وجابر بن عبد الله، وأنس ابن مالك، وزيد بن أرقم، وعبد الله بن أبي أوفى، وأبو ليلى ومعه ابنه عبد الرّحمن قاعد بجنبه غلام صبيح الوجه أمرد، فجاء أبو الحسن البصريُّ ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صحبيح الوجه، معتدل القامة قال: فجعلت أنظر إليه وإلى عبد الرّحمن بن أبي ليلى فلا أدري أيّهما أجمل هيئة غير أنَّ الحسن أعظمهما وأطولهما، فأكثر القوم في ذلك من بكرة إلى حين الزَّوال وعثمان في داره لا يعلم بشيء ممّا هم فيه، وعليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) ساكت لا ينطق، لا هو ولا أحد من أهل بيته.
فأقبل القوم عليه فقالوا: يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلّم؟ فقال: ما من الحيّين إلّا وقد ذكر فضلاً وقال حقاً، وأنا أسألكم يا معشر قريش والأنصار بمن أعطاكم الله (عزَّ وجلَّ) هذا الفضل؟ أبأنفسكم وعشائركم وأهل بيوتاتكم أو بغيركم؟ قالوا: بل أعطانا الله ومنَّ علينا بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعشيرته لا بأنفسنا وعشائرنا ولا بأهل بيوتاتنا، قال: صدقتم يا معشر قريش والأنصار، ألستم تعلمون أنَّ الّذي نلتم به من خير الدُّنيا والاخرة منا أهل البيت خاصّة دون غيرهم، وأن ابن عمّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (إنّي وأهل بيتي كنّا نوراً يسعى بين يدي الله تبارك وتعالى قبل أنَّ يخلق الله (عزَّ وجلَّ) آدم (عليه السلام) بأربعة عشر ألف سنة فلمّا خلق آدم (عليه السلام) وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض، ثمّ حمله في السفينة في صلب نوح (عليه السلام) ثمّ قذف به في النّار في صلب إبراهيم (عليه السلام)، ثمّ لم يزل الله (عزَّ وجلَّ) ينقلنا من الاصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة ومن الارحام الطاهرة إلى الاصلاب الكريمة من الاباء والامّهات لم يلتق واحد(643) منهم عليّ سفاح قطُّ)؟ فقال أهل السابقة والقدمة وأهل بدر وأهل أحد: نعم قد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(642) هو محمّد بن مسلمة بن سلمة بن حريش بن خالد الخزرجي الانصاري أحد الئلاثة الّذي قتلوا كعب بن الاشرف وهو الّذي استخلفه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بعض غزواته. وفي بعض النسخ (محمّد بن سلمة) وهو نسبة إلى الجد.
(643) في بعض النسخ (لم يلف أحد).
(644) التوبة: 100.
سمعنا ذلك من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمَّ قال: أنشدكم الله أتعلمون أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) فضّل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية وإنّي لم يسبقني إلى الله (عزَّ وجلَّ) وإلى رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحدٌ من هذه الاُمّة؟ قالوا: اللّهمّ نعم.
قال: فأنشدكم الله أتعلمون حيث نزلت (والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار)(644) و(السابقون السابقون أولئك المقرَّبون)(645) سئل عنها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: (أنزلها الله تعالى في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله وعليُّ بن أبي طالب وصيي أفضل الاوصياء)؟ قالوا: اللّهمّ نعم.
قال: فأنشدكم الله (عزَّ وجلَّ) أتعلمون حيث نزلت (يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسول وأولي الامر منكم)(646) وحيث نزلت (إنّما وليكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون)(647) وحيث نزلت (ولم يتّخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة)(648) (قال النّاس: يا رسول الله أهذه خاصّة في بعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم؟ فأمر الله (عزَّ وجلَّ) نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يعلمهم ولاة أمرهم وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجّهم فنصبني للنّاس بغدير خم، ثمّ خطب فقال: (أيّها النّاس أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أنَّ النّاس مكذبي، فأوعدني لابلغنها أو ليعذبني) ثمّ أمر فنودي الصلاة جامعة، ثمّ خطب النّاس فقال: أيّها النّاس أتعلمون أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: قم يا عليُّ فقمت، فقال: من كنت مولاه فعليُّ مولاه اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، فقام سلمان الفارسيُّ رضي الله عنه فقال: يا رسول الله ولاؤه كماذا؟ فقال (عليه السلام) ولاؤه كولائي(649) من كنت أولى به
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(645) الواقعة: 10.
(646) النساء: 59.
(647) المائدة: 60.
(648) التوبة: 16.
(649) في بعض النسخ (والاه كماذا؟ فقال: والاه كولائي).
من نفسه فعليُّ أولى به من نفسه، فأنزل الله تبارك وتعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً)(650) فكبّر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقال: الله أكبر بتمام النعمة وكمال نبوَّتي ودين الله (عزَّ وجلَّ) وولاية عليٍّ بعدي(651)، فقام أبو بكر وعمر فقالا: يا رسول الله هذه الايات خاصّة لعليٍّ؟ قال: بلى فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة، قالا: يا رسول الله بيّنهم لنا، قال: عليٌّ أخي ووزيري ووارثي ووصيّي وخليفتي في أمّتي ووليُّ كلّ مؤمن بعدي، ثمّ ابني الحسن، ثمّ ابني الحسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد، القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه ولا يفارقهم حتّى يردوا عليّ حوضي (؟ فقالوا: كلّهم اللّهمّ نعم قد سمعنا ذلك كله وشهدنا كما قلت سواء، وقال بعضهم: قد حفظنا جلَّ ما قلت، ولم نحفظه كلّه وهؤلاء الّذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا، فقال عليٌّ (عليه السلام): صدقتم ليس كلُّ النّاس يستوون في الحفظ، أنشدكم الله من حفظ ذلك من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمّا قام فأخبر به؟ فقام زيد ابن أرقم والبراء بن عازب وسلمان وأبو ذرٍّ والمقداد وعمّار بن ياسر رضي الله عنهم فقالوا: نشهد لقد حفظنا قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو قائم على المنبر وأنت إلى جنبه وهو يقول: (أيّها النّاس أنَّ الله أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيّي وخليفتي والّذي فرض الله (عزَّ وجلَّ) على المؤمنين في كتابه طاعته فقرنه بطاعته وطاعتي، فأمركم بولايتي وولايته فإني راجعت ربّي (عزَّ وجلَّ) خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم فأوعدني ربي لابلغنها أو ليعذّبني، أيّها النّاس أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أمركم في كتابة بالصلاة فقد بيّنتها لكم وبالزّكاة والصوم والحجّ فبيّنتها وفسّرتها لكم وأمركم بالولاية وإنّي اشهدكم أنّها لهذا خاصّة - ووضع يده على كتف عليِّ بن أبي طالب - ثمّ لابنيه من بعده، ثمّ للاوصياء من بعدهم من ولدهم لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم القرآن حتّى يردوا عليَّ حوضي أيّها النّاس قد بيّنت لكم مفزعكم(652) بعدي وإمامكم ودليلكم وهاديكم وهو أخي عليُّ ابن أبي طالب وهو فيكم بمنزلتي فيكم فقلّدوه دينكم وأطيعوه في جميع اموركم فإنَّ عنده جميع ما علّمني الله تبارك وتعالى وحكمته فسلوه وتعلّموا منه ومن أوصيائه بعده، ولا تعلّموهم ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(650) المائدة: 3.
(651) في بعض النسخ (تمام نبوتي وتمام ديني الله (عزَّ وجلَّ) وولاية على بعدي).
(652) المفزع: الملجأ.
تتقدَّموهم ولا تخلّفوا عنهم فإنّهم مع الحقّ والحقّ معهم لا يزايلونه ولا يزايلهم) ثمّ جلسوا.
فقال سليم: ثمّ قال (عليه السلام): أيّها النّاس أتعلمون أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أنزل في كتابه (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرِّجس أهل البيت ويطهرّكم تطهيراً)(653) فجمعني وفاطمة وابنيَّ حسناً وحسيناً ثمّ ألقى علينا كساء، قال: (اللّهمّ إنَّ هؤلاء أهل بيتي ولحمتي يؤلمني ما يؤلمهم ويجرحني ما يجرحهم: فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً) فقالت اُمّ سلمة: وأنا يا رسول الله؟ فقال: أنت على خير، إنّما انزلت في وفي أخي [علي] وفي ابنيَّ الحسن والحسين وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصّة، ليس معنا فيها أحدٌ غيرنا)؟ فقالوا كلّهم: نشهد أنَّ ام سلمة حدّثتنا بذلك فسألنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فحدّثنا كما حدّثتنا امُّ سلمه رضي الله عنها.
ثم قال عليّ (عليه السلام): أنشدكم الله أتعلمون أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لمّا أنزل في كتابه: (يا أيّها الّذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)(654) فقال سلمان: يا رسول الله عامّة هذه أم خاصّة؟ فقال (عليه السلام): (أما المأمورون فعامّة المؤمنين امروا بذلك، وأما الصادقون فخاصّة لأخي عليٍّ وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة)؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: أنشدكم الله أتعلمون أنّي قلت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في غزوة تبوك: لم خلّفتني مع الصبيان والنساء؟ فقال: (إنَّ المدينة لا تصلح إلّا بي أوبك وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنَّه لا نبيَّ بعدي)؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال أنشدكم الله أتعملون أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أنزل في سورة الحجِّ (يا أيّها الّذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلّكم تفلحون - إلى آخر السورة)(655) فقام سلمان فقال: يا رسول الله من هؤلاء الّذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على النّاس الّذين اجتباهم الله ولم يجعل عليهم في الدِّين من حرج ملة أبيكم إبراهيم؟ قال (عليه السلام): عني بذلك ثلاثة عشر رجلاً خاصّة دون هذه الاُمّة، قال سلمان:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بينهم لي يا رسول الله، قال: (أنا وأخي عليّ وأحد عشر من ولدي)؟ قالوا: اللّهمّ نعم.
قال: أنشدكم الله أتعلمون أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قام خطيباً لم يخطب بعد ذلك فقال: (أيّها النّاس إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فتمسّكوا بهما لئلّا تضلّوا(656) فإنَّ اللطيف الخبير أخبرني وعهد إليَّ أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض) فقام عمر بن الخطّاب وهو شبه المغضب فقال: يا رسول الله أكلُّ أهل بيتك؟ فقال: (لا ولكن أوصيائي منهم أوّلهم أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في امّتي وولي كلّ مؤمن من بعدي، هو أوّلهم، ثمّ ابني الحسن، ثمّ ابني الحسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد حتّى يردوا عليَّ الحوض، شهداء الله في أرضه وحججه على خلقه وخزّان علمه ومعادن حكمته من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله (عزَّ وجلَّ))؟ فقالوا كلّهم: نشهد أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال ذلك، ثمّ تمادى بعليٍّ (عليه السلام) السؤال فما ترك شيئاً إلّا ناشدهم الله فيه وسألهم عنه حتّى أتى على آخر مناقبه وما قال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كلُّ ذلك يصدِّقونه ويشهدون أنَّه حق.
26 - حدّثنا محمّد بن عمر الحافظ قال: حدّثني أبو بكر محمّد بن عليٍّ المقريُّ كان يلّقب بقطاة قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن يحيى السوسيُّ قال: حدّثنا عبد العزيز ابن أبان(657) قال: حدّثنا سفيان الثوري، عن جابر، عن الشعبيِّ، عن مسروق قال: سألت عبد الله(658) هل أخبرك النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كم بعده خليفة؟ قال: نعم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش.
27 - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن المعلّي بن محمّد البصريّ، عن جعفر بن سليمان، عن عبد الله الحكم، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عبّاس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنَّ خلفائي واوصيائي، وحجج الله على الخلق بعدي اثنا عشر: أوّلهم أخي وآخرهم ولدي، قيل: يا رسول الله ومن أخوك؟ قال: عليُّ بن أبي طالب، قيل: فمن ولدك؟ قال: المهديُّ الّذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والّذي بعثني بالحقِّ نبيّاً لو لم يبق من الدُّنيا إلّا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم(659) حتّى يخرج فيه ولدي المهديّ فينزل روح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(656) في بعض النسخ (لن تضلوا). وفي بعض النسخ الحديث (لا تضلوا).
(657) في بعض النسخ (عبد العزيز بن خالد) وكلاهما من رواة سفيان.
(658) يعني ابن مسعود.
(659) في بعض النسخ (لأطال الله ذلك اليوم).
الله عيسى بن مريم فيصلّي خلفه وتشرق الأرض بنوره(660) ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب.
28 - حدّثنا عليُّ بن عبد الله الورّاق الرازيُّ قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا الهيثم بن أبي مسروق النهديُّ، عن الحسين بن علوان، عن عمر ابن خالد، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباته، عن عبد الله بن عبّاس قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: أنا وعليٌّ والحسن والحسين وتسعةٌ من ولد الحسين مطهّرون معصومون.
29 - حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان قال: حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدّثنا الفضل بن الصقر العبديِّ قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن عباية بن ربعي، عن عبد الله بن عبّاس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنا سيّد النبييّن، وعليّ بن أبي طالب سيّد الوصييّن، وإنَّ أوصيائي بعدي اثنا عشر أوّلهم عليُّ بن أبي طالب، وآخرهم القائم (عليهم السلام).
30 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن سهل بن زياد، وأحمد بن محمّد بن عيسى قالا: حدّثنا الحسن بن العبّاس بن حريش(661) الرّازيُّ، عن أبي جعفر الثاني، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) أنَّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول لأصحابه: آمنوا بليلة القدر إنّها تكون لعليِّ بن أبي طالب وولده الاحد عشر من بعده.
31 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى؛ ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب؛ ومحمّد بن عيسى بن عبيد؛ وعبد الله ابن عامر بن سعيد، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن الحجّاج الخشّاب، عن معروف ابن خرّبوذ قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّما مثل أهل بيتي في هذه الاُمّة مثل نجوم السّماء كلّما غاب نجم طلع نجم.
32 - حدّثنا غير واحد من أصحابنا قالوا: حدّثنا أبو عليٍّ محمّد بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(660) في بعض النسخ (بنور ربّه). وفي بعض النسخ (بنور ربها).
(661) ضعيف جداً صنع كتابا في تفسير (إنّا أنزلناه) ولا يعول عليه.
همّام قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر، عن أحمد بن هلال، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه صلوات الله عليهم قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) اختار من الأيّام الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختارني على جميع الأنبياء، واختار منّي عليّاً وفضله على جميع الاوصياء، واختار من عليّ الحسن والحسين، واختار من الحسين الاوصياء من ولده، ينفون عن التنزيل تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل المضلّين، تاسعهم قائمهم و(هو) ظاهرهم وهو باطنهم.
33 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن زياد الهمدانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن معقل القرميسيني قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله البصريّ قال: حدّثنا إبراهيم بن مهزم عن أبيه، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن عليٍّ (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الأئمّة اثنا عشر من أهل بيتي أعطاهم الله تعالي فهمي وعلمي وحكمي وخلقهم من طينتي، فويل للمتكبّرين عليهم بعدي، القاطعين فيهم صلتي، مالهم لا أنالهم الله شفاعتي.
34 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن همّام أبو عليّ، عن عبد الله بن جعفر، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن أبي المثنّى النخعيِّ، عن زيد بن عليِّ بن الحسين بن عليّ، عن أبيه عليِّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليٍّ (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كيف تهلك أمة أنا وعليٌّ واحد عشر من ولدي اولو الالباب(662) أنا أوّلها والمسيح بن مريم آخرها، ولكن يهلك بين ذلك من لست منه وليس منّي.
35 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن أحمد بن محمّد بن زياد الازديِّ، عن أبان بن عثمان، عن ثابت ابن دينار، عن سيّد العابدين عليّ بن الحسين، عن سيّد الشهداء الحسين بن عليّ عن سيّد الاوصياء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الأئمّة بعدي اثنا عشر أوّلهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(662) كذا وفي بعض النسخ (اولو الايات).
أنت يا عليّ وآخرهم القائم الّذي يفتح الله (عزَّ وجلَّ) على يديه مشارق الأرض ومغاربها.
36 - حدّثنا محمّد بن عليٍّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثني عمّي محمّد بن أبي - القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيُّ قال: حدّثني محمّد بن عليٍّ القرشي قال: حدّثني أبو الربيع الزهرانيُّ قال: حدّثنا جرير(663) عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد قال: قال ابن عبّاس: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: إنَّ لله تبارك وتعالى ملكا يقال له: دردائيل كان له ستّة عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح هواء والهواء كما بين السّماء إلى الأرض، فجعل يوماً يقول في نفسه: أفوق ربّنا جلَّ جلاله شيء؟ فعلم الله تبارك وتعالى ما قال فزاده أجنحة مثلها فصار له اثنان وثلاثون ألف جناح، ثمّ أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه أنَّ طر، فطار مقدار خمسين عاماً فلم ينل رأس قائمة من قوام العرش، فلمّا علم الله (عزَّ وجلَّ) إتعابه أوحى إليه أيّها الملك عد إلى مكانك فأنا عظيم فوق كلِّ عظيم وليس فوقي شيء ولا أوصف بمكان فسلبه الله أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة، فلمّا ولد الحسين بن عليّ (عليهما السلام) وكان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إلى مالك خازن النّار أنَّ أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمّد، وأوحى إلى رضوان خازن الجنان أنَّ زخرف الجنان وطيّبها لكرامة مولود ولد لمحمّد في دار الدُّنيا(664)، وأوحى الله تبارك وتعالى إلى حور العين تزّيّن وتزاورن لكرامة مولود ولد لمحمّد في دار الدُّنيا، وأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إلى الملائكة أن قوموا صفوفاً بالتسبيح والتحميد والتمجيد والتكبير لكرامة مولود ولد لمحمّد في دار الدُّنيا، وأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرئيل (عليه السلام) أن اهبط إلي نبيّي محمّد في ألف قبيل والقبيل ألف ألف من الملائكة على خيول بلق، مسرَّجة ملجّمة، عليها قباب الدُّرِّ والياقوت، ومعهم ملائكة يقال لهم: الرُّوحانيّون، بأيديهم أطباق من نور أن هنّئوا محمّداً بمولود، وأخبره يا جبرئيل أنّي قد سميته الحسين، وهنّئه وعزِّه وقل له: يا محمّد يقتله شرار أمّتك على شرار الدَّوابِّ، فويل للقاتل، وويل للسائق، وويل للقائد. قاتل الحسين أنا منه بريء وهو منّي بريء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(663) يعني جرير بن عبد الحميد الضبي ابا عبد الله الرازي القاضي. وثقة النسائي.
(664) قوله (في دار الدُّنيا) هنا وما يأتي لا يخفى ما فيه، والصواب (في الأرض). ولعل التصرف من الراوي. والدنيا: نقيض الاخرة، وصف لا اسم.
لأنّه لا يأتي يوم القيامة أحد إلّا وقاتل الحسين (عليه السلام) أعظم جرما منه، قاتل الحسين يدخل النّار، يوم القيامة مع الّذين يزعمون أنَّ مع الله إلهاً آخر، والنار أشوق إلى قاتل الحسين ممّن أطاع الله إلى الجنّة.
قال: فبينا جبرئيل (عليه السلام) يهبط من السّماء إلى الأرض إذ مرَّ بدردائيل فقال له دردائيل: يا جبرئيل ما هذه اللّيلة في السّماء هل قامت القيامة على أهل الدُّنيا؟ قال: لا ولكن ولد لمحمّد مولود في دار الدُّنيا وقد بعثني الله (عزَّ وجلَّ) إليه لاهنّئه بمولوده فقال الملك: يا جبرئيل بالذي خلقك وخلقني إذا هبطتَّ إلى محمّد فأقرئه منّي السلام وقل له: بحق هذا المولود عليك إلّا ما سألت ربّك أن يرضى عني فيرد عليّ أجنحتي ومقامي من صفوف الملائكة فهبط جبرئيل (عليه السلام) على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهنّأه كما أمره الله (عزَّ وجلَّ) وعزَّاه فقال له النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): تقتله أمّتي؟ فقال له: نعم يا محمّد، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ما هؤلاء بأمّتي أنا بريء منهم، والله (عزَّ وجلَّ) بريء منهم، قال جبرئيل: وأنا بريء منهم يا محمّد، فدخل النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على فاطمة (عليها السلام) فهّنأها وعزَّاها فبكث فاطمة (عليها السلام)، وقالت: يا ليتني لم ألده، قاتل الحسين في النّار، فقال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): وأنا أشهد بذلك يا فاطمة ولكنّه لا يقتل حتّى يكون منه إمام يكون منه الأئمّة الهادية بعده، ثمّ قال (عليه السلام): والائمّة بعدي الهادي عليّ، والمهتدي الحسن، والناصر الحسين، والمنصور عليّ بن الحسين، والشافع(665) محمّد بن عليٍّ، والنفاع جعفر بن محمّد، والامين موسى ابن جعفر، والرِّضا عليُّ بن موسى، والفعّال محمّد بن عليٍّ، والمؤتمن عليُّ بن محمّد، والعلام الحسن بن عليّ، ومن يصلي خلفه عيسى بن مريم (عليه السلام) القائم (عليه السلام).
فسكتت فاطمة (عليها السلام) من البكاء ثمَّ أخبر جبرئيل (عليه السلام) النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقصّة الملك وما أصيب به، قال ابن عبّاس: فأخذ النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الحسين (عليه السلام) وهو ملفوف في خرق من صوف فأشار به إلى السّماء، ثمّ قال: اللّهمّ بحقِّ هذا المولود عليك لا بل بحقك عليه وعلى جدِّه محمّد وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب أنَّ كان للحسين بن عليٍّ ابن فاطمة عندك قدرٌ فارض عن دردائيل وردَّ عليه أحنجته ومقامه من صفوف الملائكة فاستجاب الله دعاءه وغفر للملك [وردِّ عليه أحنجته وردِّه إلى صفوف الملائكة] فالملك لا يعرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(665) في بعض النسخ (الشفاع) وفي بعضها (النفاح).
في الجنّة إلّا بأن يقال: هذا مولى الحسين بن عليٍّ وابن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
37 - حدّثنا المظفر بن جعفر بن المظفّر العلوي السمر قنديُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه قال: حدّثنا محمّد بن نصر(666)، عن الحسن بن موسى الخشّاب قال: حدّثنا الحكم بن بهلول الأنصاري(667)، عن إسماعيل ابن همّام، عن عمران بن قرَّة، عن أبي محمّد المدنيِّ، عن ابن أُذينة، عن أبان بن - أبي عيّاش قال: حدّثنا سليم بن قيس الهلاليِّ قال: سمعت عليّاً (عليه السلام) يقول: ما نزلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) آية من القرآن إلّا أقرأنيها وأملاها عليَّ وكتبتها بخطّي وعلّمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، ودعا الله (عزَّ وجلَّ) لي أن يعلّمني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علماً أملاه عليَّ فكتبته، وما ترك شيئاً علمه الله (عزَّ وجلَّ) من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي وما كان أو يكون من طاعة أو معصية إلّا علّمنيه وحفظته ولم أنس منه حرفاً واحداً، ثمّ وضع يده على صدري ودعا الله (عزَّ وجلَّ) أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكمة ونوراً، لم أنس من ذلك شيئاً ولم يفتني شئ لم أكتبه، فقلت: يا رسول الله أتتخوّف عليَّ النيسان فيما بعد؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لست أتخوف عليك نسياناً ولا جهلاً وقد أخبرني ربّي جل جلاله أنَّه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الّذين يكونون من بعدك، فقلت: يا رسول الله ومن شركائي من بعدي؟ قال: (الّذين قرنهم الله (عزَّ وجلَّ) بنفسه وبي، فقال: أطيعوا الله واطيعوا الرَّسول وأولى الامر منكم - الآية) فقلت: يا رسول الله ومن هم؟ قال: الأوصياء منّي إلى أن يردوا عليَّ الحوض كلّهم هاد مهتد، لا يضرُّهم من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه، بهم تنصر أمّتي وبهم يمطرون وبهم يدفع عنهم البلاء ويستجاب دعاؤهم. قلت: يا رسول الله سمّهم لي فقال: ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسن - ثمّ ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين (عليهما السلام) - ثمّ ابن له يقال له عليُّ وسيولد في حياتك فأقرئه منّي السلام، ثمّ تكمّله اثنى عشر، فقلت: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله سمّهم لي [رجلا فرجلا] فسمّاهم رجلاً رجلاً، فيهم والله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(666) في بعض النسخ (محمّد بن نصير).
(667) في بعض النسخ (الحسن بن بهلول) ولم أظفر به على كلا العنوانين.
يا أخا بني هلال مهدي أمّتي محمّد الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، والله إنّي لاعرف من يبايعه بين الرُّكن والمقام، وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم.
1 - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسين بن محمّد ابن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي جميلة المفضل بن صالح، عن جابر بن يزيد الجعفيٍّ، عن جابر بن عبد الله الانصاريِّ قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه النّاس بي خَلقاً وخُلقاً، تكون به غيبة وحيرة تضلُّ فيها الامم، ثمّ يقبل كالشهاب الثّاقب يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.
2 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن جمهور، عن فضالة بن أيّوب، عن معاوية ابن وهب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتمُّ به في غيبته قبل قيامه ويتولّى أولياءه، يعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودَّتي وأكرم أمتي عليَّ يوم القيامة.
3 - حدّثنا عبد الواحد بن محمّد رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو عمرو البلخي(668)، عن محمّد بن مسعود قال: حدّثني خلف بن حمّاد(669) عن سهل بن زياد، عن إسماعيل ابن مهران، عن محمّد بن أسلم الجبليِّ، عن الخطّاب بن مصعب، عن سدير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه، يأتمّ به وبأئمة الهدى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(668) عبد الواحد هو عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوريّ العطّار الّذي حدثه بنيسابور سنة 352. وأما أبو عمرو البلخي أو اللجي كما في بعض النسخ الظاهر هو محمّد بن عمر بن عبد العزيز أبو عمرو الكشي فصحف لأنّه من غلمان محمّد بن مسعود العياشي ويروي عنه كثيراً.
(669) في بعض النسخ (خلف بن حامد). وفي بعضها (خلف بن جابر).
من قبله، ويبرء إلى الله (عزَّ وجلَّ) من عدوِّهم أولئك رفقائي وأكرم أمّتي عليَّ.
4 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن؛ ومحمّد بن موسى المتوكّل رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريّ؛ ومحمّد بن يحيى العطّار جميعاً قالوا: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، وإبراهيم بن هاشم، وأحمد بن أبي عبد الله البرقيُّ، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطاب جميعاً: قالوا: حدّثنا أبو عليّ الحسن ابن محبوب السَّراد، عن داود بن الحصين، عن أبي بصير، عن الصادق جعفر بن محمّد عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): المهديُّ من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه النّاس بي خَلقاً وخُلقاً، تكون له غيبة وحيرة حتّى تضلُّ الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
5 - حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار النيسابوريُّ قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوريُّ قال: حدّثنا حمدان بن سليمان النيسابوريّ، عن محمّد ابن إسماعيل بزيع، عن صالح بن عقبة، عن أبيه، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه سيّد العابدين عليّ بن الحسين، عن أبيه سيّد الشهداء الحسين بن عليِّ، عن أبيه سيّد الاوصياء أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): المهديُّ من ولدي، تكون له غيبة وحيرة تضلُّ فيها الاُمم، يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهم السلام) فيملاها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلما.
6 - وبهذا الاسناد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أفضل العبادة انتظار الفرج.
7 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيُّ، عن عليّ بن عثمان، عن محمّد بن الفرات، عن ثابت بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنَّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) إمام أمّتي وخليفتي عليها من بعدي، ومن ولده القائم المنتظر الّذي يملأ
الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، والّذي بعثني بالحق بشيرا إنَّ الثابتين على القول به في زمان غيبته لاعزُّ من الكبريت الاحمر، فقام إليه جابر بن عبد الله الانصاريُّ فقال: يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة؟ قال: إي وربّي، وليمحصّ الله الّذين آمنوا ويمحق الكافرين، يا جابر أنَّ هذا الامر (أمر) من أمر الله وسرُّ من سرِّ الله، مطويٌّ عن عباد الله، فإيّاك والشك فيه فإنَّ الشكَّ في أمر الله (عزَّ وجلَّ) كفر.
8 - حدّثنا أبو الحسن محمّد عليّ بن الشاه الفقيه المروروذيُّ بمرو الرُّذوذ قال: حدّثنا أبو حامد أحمد بن محمّد بن الحسين قال حدّثنا أبو يزيد أحمد بن خالد الخالدي قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن صالح التميميُّ قال: حدّثنا محمّد بن حاتم القطّان، عن حمّاد بن عمرو، عن الامام جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام) في حديث طويل في وصيّة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يذكر فيها أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال له: يا عليّ واعلم أنَّ أعجب النّاس إيمانا وأعظمهم يقينا قوم يكونون في آخر الزَّمان لم يلحقوا النبيَّ، وحجبتهم الحجّة، فآمنوا بسواد على بياض.
1 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ؛ ومحمّد بن يحيى العطّار؛ وأحمد بن إدريس جميعاً، عن محمّد ابن الحسين بن أبي الخطّاب؛ وأحمد بن محمّد بن عيسى، وأحمد بن محمّد بن خالد البرقيُّ وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهنيِّ، وحدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمد بن الحسن الصفّار، وسعد بن عبد الله، عن عبد الله بن محمّد الطيالسيِّ، عن منذر بن محمّد بن قابوس(670)، عن النصر بن أبي السريِّ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(670) منذر بن محمّد بن المنذر أبو الجهم القابوسي: ثقة من أصحابنا من بيت جليل (جش وصه) وصحف في جميع النسخ بزيد بن محمد. وأما النضر أو النصر بن أبي السري كما في بعض النسخ فلم أجده وفي الكافي مكانه منصور بن السندي ولم أظفر به أيضا.
عن أبي داود سليمان بن سفيان المسترق؛ عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهنيِّ، عن الحارث بن المغيرة النصريِّ، عن الاصبغ ابن نباتة قال: أتيت أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) فوجدته متفكّراً ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين مالي أراك متفكّراً تنكت في الأرض أرغبت فيها؟ فقال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدُّنيا يوماً قط ولكن فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي، هو المهديُّ يملأها عدلا كما ملئت جوراً وظلما، تكون له حيرة وغيبة، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون، فقلت: يا أمير المؤمنين وإن هذا لكائن؟ فقال: نعم كما أنَّه مخلوق وأنى لك بالعلم بهذا الامر يا أصبغ اولئك خيار هذه الاُمّة مع إبرار هذه العترة، قلت: وما يكون بعد ذلك؟ قال: ثمّ يفعل الله ما يشاء فإنَّ له إرادات وغايات ونهايات.
2 - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن، ومحمّد بن عليّ ما جيلويه رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا محمّد بن أبي القاسم ما جيلويه، عن محمّد بن عليٍّ الكوفيّ القرشيِّ المقريء، عن نصر بن مزاحم المنقريِّ، عن عمر بن سعد(671)، عن فضيل بن خديج، عن كميل بن زياد النخعيِّ.
وحدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، عن محمّد بن الحسن الصفّار، وسعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريِّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى؛ وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثماليَّ، عن عبد الرّحمن بن جندب الفزاريِّ، عن كميل بن زياد النخعيِّ.
وحدَّثنا عبد الله بن محمّد بن عبد الوهاب بن نصر بن عبد الوهّاب القرشيُّ قال: أخبرني أبو بكر محمّد بن داود بن سليمان النيسابوريُّ قال: حدّثنا موسى بن إسحاق الانصاريُّ القاضيُّ بالرِّي قال: حدّثنا أبو نعيم ضِرار بن صرد التيمي(672) قال: حدّثنا عاصم بن حميد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(671) الظاهر هو عمر بن سعد بن أبي الصيد الاسدي. الّذي روى نصر في صفينه عنه عن فضيل بن خديج، وفي بعض النسخ (عمر بن سعيد) وفي بعضها (محمّد بن سعيد) وفي بعضها (عمير بن سعيد).
(672) كوفي، متعبد، صدوق، رمي بالتشيع (التقريب)
الحنّاط، عن أبي حمزة، عن عبد الرّحمن بن جندب الفزاريِّ، عن كميل ابن زياد النخعيِّ.
وحدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثماليِّ عن عبد الرّحمن بن جندب الفزاريِّ، عن كميل بن زياد النخعي. وحدّثنا الشيخ أبو سعيد محمّد بن الحسن بن عليِّ بن محمّد بن أحمد بن عليِّ بن - الصلت القميّ رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن العبّاس الهرويُّ قال: حدّثنا أبو - عبد الله محمّد بن إسحاق بن سعيد السعديُّ قال: حدّثنا أبو حاتم محمّد بن إدريس الحنظلي الرازي قال: حدّثنا إسماعيل بن موسى الفزاريُّ، عن عاصم بن حميد، عن أبي - حمزة الثماليِّ، عن عبد الرّحمن بن جندب، عن كميل بن زياد النخعي - واللفظ لفضيل ابن خديج، عن كميل بن زياد - قال: أخذ أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) بيدي فأخرجني إلى ظهر الكوفة فلمّا أصحر تنفّس ثمّ قال: يا كميل إنَّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، احفظ عنّي ما أقول لك: النّاس ثلاثة عالم رباني، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كلِّ ناعق، يميلون مع كلِّ ريح، لم يتسضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق، يا كميل العلم خيرٌ من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو(673) على الانفاق، يا كميل محبّة العلم دين يدان به، يكسب الانسان به الطاعة في حياته وجميل الاحدوثة بعد وفاته، وصنيع -(674) المال يزول بزواله، يا كميل مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدَّهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، هاه إنَّ ههنا - وأشار بيده إلى صدره - لعلماً جمّاً(675) لو أصبت له حملة، بل أصبت لقناً(676) غير مأمومن عليه، يستعمل آلة الدِّين للدُّنيا، ومستظهراً بحجج الله(677) (عزَّ وجلَّ) على خلقه، وبنعمه على أوليائه(678) ليتّخذه الضعفاء وليجة دون وليِّ الحقِّ. أو منقاداً لحملة العلم(679) لا بصيرة له في أحنائه(680) ينقدح الشكُّ في قلبه بأوَّل عارض من شبهة، إلّا لاذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(673) أي ينمو.
(674) في بعض النسخ (ومنفعة المال تزول).
(675) أي كثيراً. وأصبت أي وجدت.
(676) أي سريع الفهم.
(677) أي مستعلياً. وفي بعض النسخ (يستظهر بحجج الله).
(678) في بعض النسخ (على عباده).
(679) في بعض النسخ (أو منقاداً لحملة الحق، لا بصيرة له في احيائه).
(680) الضمير يرجع إلى العلم والاحناء: الاطراف أي لعدم علمه بالبرهان والحجة.
ولا ذاك(681) أو منهوماً باللذّات، سلس القياد للشّهوات. أو مغرماً(682) بالجمع والادِّخار، ليسا من رعاة الدِّين في شيء، أقرب شئ شبها بهما الانعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه اللّهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجّة [إما] ظاهر مشهور أو خاف مغمور لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته، وكم ذا وأين أولئك، أولئك والله الاقلّون عدداً، والأعظمون خطراً بهم يحفظ الله حججه وبيناته حتّى يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق الأُمور، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وانسوا بما استوحش منه الجاهلون، [و] صحبوا الدُّنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلِّ الاعلى يا كميل أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه آه آه شوقا إلى رؤيتهم، وأستغفر الله لي ولكم.
وفي رواية عبد الرّحمن بن جندب: انصرف إذا شئت.
وحدَّثنا بهذا الحديث أبو أحمد القاسم بن محمّد بن أحمد السّراج الهمدانيّ بهمدان قال: حدّثنا أبو أحمد القاسم بن [أبي] صالح قال: حدّثنا موسى بن إسحاق القاضي الانصاريُّ قال: حدّثنا أبو نعيم ضرار بن صرد قال: حدّثنا عاصم بن حميد الحنّاط، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرّحمن بن جندب الفزاريِّ، عن كميل بن زياد النخعيِّ قال: أخذ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبّانة فلمّا أصحر جلس، ثمّ قال: يا كميل بن زياد احفظ عنّي ما أقول لك: القلوب أوعية فخيرها أوعاها. وذكر الحديث مثله إلّا أنَّه قال فيه: (اللّهمّ بلى لن تخلو الأرض من قائم بحجّة لئلّا تبطل حجج الله وبيّنانه) ولم يذكر فيه: (ظاهر [مشهور] أو خاف مغمور) وقال في آخره (إذا شئت فقم).
وأخبرنا بهذا الحديث الحاكم أبو محمّد بكر بن عليّ بن محمّد بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(681) (لاذا) اشارة إلى المنقاد. (ولا ذاك) اشارة إلى اللقن ويجوز أن يكون بمعنى لا هذا المنقاد محمود عند الله ولا ذاك اللقن.
(682) بفتح الراء أي مولعاً. وفي بعض النسخ (أو مغرياً) من الاغراء.
الفضل الحنفيِّ الشاشيِّ [بايلاق] قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الله بن إبراهيم البزَّاز الشافعي(683) بمدينة السلام قال: حدّثنا موسى بن إسحاق القاضي قال: حدّثنا ضرار بن صرد، عن عاصم بن حميد الحناط، عن أبي حمزة الثماليِّ، عن عبد الرّحمن بن جندب الفزاريِّ عن كميل بن زياد النخعيُّ قال: أخد عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبّانة، فلمّا أصحر جلس، ثمّ تنفس، ثمّ قال: يا كميل بن زياد احفظ ما أقول لك: القلوب أوعية فخيرها أوعاها، النّاس ثلاثة فعالم ربّانيٌّ، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق. وذكر الحديث بطوله إلى آخره.
وحدّثنا بهذا الحديث أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن أحمد الاسواريُّ بإيلاق قال: حدّثنا مكيُّ بن أحمد بن سعدويه البرذعيُّ قال: أخبرنا عبد الله بن محمّد بن الحسن المشرقيُّ(684) قال: حدّثنا محمّد بن إدريس أبو حاتم قال: حدّثنا إسماعيل بن موسى الفزاريُّ، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثماليِّ، عن ثابت بن أبي صفيّة، عن عبد الرّحمن بن جندب، عن كميل بن زياد قال: أخذ بيدي عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) فأخرجني إلى ناحية الجبّانة، فلمّا أصحر جلس، ثمَّ تنفس، ثمّ قال: يا كميل بن زياد: القلوب أوعية فخيرها أوعاها. وذكر الحديث بطوله إلى آخره مثله.
وحدّثنا بهذا الحديث أبو الحسن أحمد بن محمّد بن الصقر الصائغ العدل قال: حدّثنا موسى بن إسحاق القاضيّ، عن ضرار بن صرد، عن عاصم بن حميد الحنّاط، عن أبي حمزة الثماليِّ، عن عبد الرَّحمن بن جندب الفزاريِّ، عن كميل بن زياد النخعيِّ ووذكر الحديث بطوله إلى آخره.
وحدّثنا بهذا الحديث الحاكم أبو محمّد بكر بن عليِّ بن محمّد بن الفضل الحنفيُّ الشاشيُّ بإيلاق قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الله بن إبراهيم البزَّاز الشافعيُّ بمدينة السلام قال: حدّثنا بشر بن موسى أبو عليٍّ الاسدي قال: حدّثنا عبد الله بن الهيثم قال: حدّثنا أبو يعقوب إسحاق بن محمّد بن أحمد النخعيُّ قال: حدّثنا عبد الله بن الفضل بن عبد الله بن أبي الهياج(685) بن محمّد بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلّب قال: حدّثنا هشام بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(683) المعنون في تاريخ بغداد ج 5 ص 456، وكان ثقة ثبتا كثير الحديث حسن التصنيف.
(684) كذا وفي بعض النسخ (عبد الله بن محمّد بن الحسن البرقيُّ) ولم أجده.
(685) في بعض النسخ (أبي الصباح).
محمّد السائب أبو منذر الكلبيُّ، عن أبي مخنف لوط بن يحيى، عن فضيل بن خديج، عن كميل بن زياد النخعيِّ قال: أخذ بيدي أمير المؤمنين عليُّ أبي طالب (عليه السلام) بالكوفة فخرجنا حتّى انتهينا إلى الجبّانة. وذكر فيه: (اللّهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجّة ظاهر [مشهور] أو باطن مغمور لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته) وقال في آخره: انصرف إذا شئت.
وحدثني أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد عن عبد الله بن الفضل بن عيسى(686)، عن عبد الله النوفليِّ، عن عبد الله بن عبد الرّحمن، عن هشام الكلبي، عن أبي مخنف لوط بن يحيى، عن عبد الرّحمن بن جندب، عن كميل بن زياد أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له في كلام طويل: (اللّهمّ إنّك لا تخلي الأرض من قائم بحجة إمّا ظاهر مشهور أو خائف(687) مغمور لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته.
حدّثنا محمّد بن عليٍّ ما جيلويه رضي الله عنه قال: حدّثني عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن عليّ الكوفيِّ، عن نصر بن مزاحم، عن أبي مخنف لوط بن يحيى الازديِّ، عن عبد الرّحمن بن جندب، عن كميل بن زياد النخعيِّ قال: قال لي أمير المؤمنين (عليه السلام) - في كلام [له] طويل -: اللّهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة ظاهر [مشهور] أو خاف مغمور لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته [وقال في آخره: انصرف إذا شئت].
حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسين بن محمّد ابن عامر، عن عمّه عبد الله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان الاحمر عن عبد الرّحمن بن جندب، عن كميل بن زياد النخعيِّ قال: سمعت عليّاً (عليه السلام) يقول في آخر كلام له: اللّهمّ إنّك لا تخلي الأرض من قائم بحجّة ظاهر أو خاف مغمور لئلّا تبطل حججك وبيّناتك.
وحدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيُّ قال: حدّثنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(686) كذا في النسخ ولم أعرفه.
(687) كذا في اكثر النسخ وفي بعضها (خاف).
عبد الله بن أحمد قال: حدّثنا أبو زهير عبد الرّحمن بن موسى البرقيِّ(688) قال: حدّثنا محمّد بن الزّيّات، عن أبي صالح، عن كميل بن زياد قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام طويل: اللّهمّ إنّك لا تخلّي الأرض من قائم بحجّة إما ظاهر أو خاف مغمور لئلّا تبطل حججك وبيّناتك.
ولهذا الحديث طرق كثيرة.
3 - حدّثنا أبو سعيد محمّد بن الفضل بن محمّد بن إسحاق المذكر بنيسابور قال: حدّثنا أبويحيى زكريّا بن يحيى بن الحارث البزاز قال: حدّثنا عبد الله بن مسلم الدِّمشقيُّ قال: حدّثنا إبراهيم بن يحيى الاسلميُّ المدينيُّ، عن عمارة بن جوين(689) عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: شهدنا الصلاة على أبي بكر ثمّ اجتمعنا إلى عمر بن الخطّاب فبايعناه وأقمنا أياماً نختلف إلى المسجد إليه حتّى سمّوه أمير المؤمنين، فبينا نحن عنده جلوس يوماً إذ جاءه يهوديٌّ من يهود المدينة وهم يزعمون أنَّه من ولد هارون أخي موسى (عليهما السلام) حتّى وقف على عمر فقال له: يا أمير المؤمنين أيّكم أعلم بعلم نبيكم وبكتاب ربّكم حتّى أسأله عمّا أريد؟ قال: فأشار عمر إلى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له اليهوديُّ: أكذلك أنت يا عليُّ؟ فقال: نعم سل عمّا تريد، قال إنّي أسألك عن ثلاث وعن ثلاث وعن واحدة فقال له عليٌّ (عليه السلام): لم لا تقول: إنّي أسألك عن سبع؟ قال له اليهوديُّ: أسألك عن ثلاث فإنَّ أصبت فيهمنَّ سألتك عن الثلاث الاخرى فإنَّ أصبت فيهنَّ سألتك عن الواحدة، وإن أخطأت في الثلاث الاولى لم أسألك عن شيء، فقال له عليٌّ (عليه السلام): وما يدريك إذا سألتني فأجبتك أخطأت أم أصبت؟ قال: فضرب يده إلى كمّه فأخرج كتاباً عتيقاً فقال هذا ورثته عن آبائي وأجدادي إملاء موسى بن عمران وخطُّ هارون وفيه الخصال الّتي أُريد أن أسألك عنها، فقال له عليّ (عليه السلام): على أنَّ لى عليك أن أجبتك فيهنَّ بالصواب أن تسلم، فقال اليهوديُّ: والله لئن أجبتني فيهنَّ بالصّواب لأسلمنَّ الساعة على يديك، فقال له عليٌّ (عليه السلام): سل، قال: أخبرني عن أوَّل حجر وضع على وجه الارض؟ وأخبرني عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(688) كذا ولم أجده، وفى بعض النسخ (الرقي).
(689) عمارة بن جوين بجيم مصغر - أبو هارون العبدى شيعي تابعي ضعفه العامه لتشيعه: ظاهرا. وفي بعض النسخ (عمارة بن جرير) أو (حريز) وكلاهما تصحيف. واما ابراهيم بن يحيى راويه فلم أجده لا في رجال الخاصّة ولا العامة.
أوَّل شجرة نبتت على وجه الارض؟ وأخبرني عن أول عين نبعت على وجه الارض؟
فقال لى عليٌّ (عليه السلام): يا يهودي أما أول حجر وضع على وجه الأرض فإنَّ اليهود يزعمون أنّها صخرة بيت المقدِّس، وكذبوا ولكنه الحجر الأسود نزل به آدم (عليه السلام) معه من الجنّة فوضعه في ركن البيت والنّاس يتمسحون به ويقبّلونه ويجدِّدون العهد والميثاق فيما بينهم وبين الله (عزَّ وجلَّ)، قال اليهوديُّ: اشهد بالله لقد صدقت، قال له عليّ (عليه السلام): وأما أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض فإنَّ اليهود يزعمون أنّها الزَّيتونة وكذبوا ولكنّها النخلة من العجوة، نزل بها آدم (عليه السلام) معه من الجنّة وبالفحل فأصل النخلة كلّه من العجوة، قال له اليهوديُّ: اشهد بالله لقد صدقت، قال له عليٌّ (عليه السلام): وأمّا أوَّل عين نبعت على وجه الأرض فإنَّ اليهود يزعمون أنّها العين التي نبعت تحت صخرة بيت المقدَّس وكذبوا ولكنّها عين الحياة الّتي نسي عندها صاحب موسى السمكة المالحة فلمّا أصابها ماء العين عاشت وسربت فأتبعها موسى (عليه السلام) وصاحبه فلقيا الخضر، قال اليهوديُّ: اشهد بالله لقد صدقت، قال له عليُّ (عليه السلام): سل [عن الثلاث الاخرى] قال: أخبرني عن هذه الاُمّةكم لها بعد نبيّها من إمام عدل؟ واخبرني عن منزل محمّد أين هو من الجنة؟ ومن يسكن معه في منزله، قال له عليٌّ (عليه السلام): يا يهوديُّ يكون لهذه الاُمّة بعد نبيها اثنا عشر إماماً عدلا، لا يضرهم خلاف من خالف عليهم. قال له اليهودي: اشهد بالله لقد صدقت، قال له عليّ (عليه السلام): و[أما] منزل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الجنّة في جنة عدن وهي وسط الجنان وأقربها من عرش الرّحمن جل جلاله، قال له اليهودي: اشهد بالله لقد صدقت، قال له عليّ (عليه السلام): والّذين يسكنون معه في الجنّة هؤلاء [الائمة] الاثنا عشر(690) قال له اليهوديُّ: أشهد بالله لقد صدقت، قال له عليٌّ (عليه السلام): سل [عن الواحدة]، قال: أخبرني عن وصيِّ محمّد في أهله كم يعيش بعده وهل يموت موتاً أو يقتل قتلاً، قال له عليٌّ (عليهما السلام): يا يهوديُّ يعيش بعده ثلاثين سنة وتخضب منه هذه من هذا - وأشار إلى رأسه -. قال: فوثب إليه اليهوديُّ فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنَّ محمداً رسول الله وأنّك وصيُّ رسول الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(690) في بعض النسخ (هؤلاء الاثنا عشرا إماماً).
4 - حدّثنا محمّد بن عليٍّ ما جيلويه رضي الله عنه قال: حدّثني عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن محمّد خالد البرقيُّ، عن القاسم بن يحيى، عن جدِّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه عليِّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليٍّ، عن أبيه أمير المؤمنين (عليهم السلام) أنَّه قال: أنَّ الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة أخفى رضاه في طاعته فلا تستصغرنَّ شيئاً من طاعته، فربما وافق رضاه وأنت لا تعلم، وأخفى سخطه في معصيته فلا تستصغرنَّ شيئاً من معصيته فربّما وافق سخطه وأنت لا تعلم، وأخفى إجابته في دعائه فلا تستصغرنَّ شيئاً من دعائه فربما وافق إجابته وأنت لا تعلم، وأخفى وليّه في عباده فلا تستصغرنَّ عبداً من عباده(691) فربما يكون وليّه وأنت لا تعلم(692).
5 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ ومحمّد بن يحيى العطّار؛ وأحمد بن إدريس جميعاً، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيِّ، ويعقوب بن يزيد؛ وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن ابن فضّال، عن أيمن بن محرز الحضرميِّ، عن محمّد بن سماعة الكنديِّ، عن إبراهيم بن يحيى المدينيِّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لمّا بايع النّاس عمر بعد موت أبي بكر أتاه رجلٌ من شباب اليهود وهو في المسجد فسلّم عليه والناس حوله فقال: يا أمير المؤمنين دلّني على أعلمكم بالله وبرسوله وبكتابه وبسنّته، فأومأ بيده إلى عليّ (عليه السلام) فقال: هذا، فتحوَّل الرَّجل إلى عليٍّ فسأله: أنت كذلك؟ فقال: نعم، فقال: إنّي أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة، فقال له أمير المؤمنين أفلا قلت عن سبع؟ فقال اليهوديُّ: لا إنّما أسألك عن ثلاث فإنَّ أصبت فيهنَّ سألتك عن ثلاث بعدهنَّ، وإن لم تصب لم أسألك، فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: أخبرني أن أجبتك بالصواب والحقِّ تعرف ذلك؟ وكان الفتى من علماء اليهود وأحبارها يرون أنَّه من ولد هارون بن عمران أخي موسى (عليهما السلام) فقال: نعم فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): بالله الّذي لا إله إلّا هو لئن أجبتك بالحقِّ والصواب لتسلمنَّ ولتدعنَّ اليهوديّة؟ فحلف اليهوديُّ وقال: ما جئتك إلّا مرتاداً(693) أريد الاسلام،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(691) في بعض النسخ (من عبيد الله فربما - الخ)
(692) في مناسبة هذا الحديث لعنوان الباب تأمل. لأنّ المراد بالولي المحب لا الحجة.
(693) المرتاد: الطالب للشيء وفي بعض النسخ (مرتاداً لدين الاسلام).
فقال: يا هارونيُّ سل عمّا بدا لك تخبر، قال: أخبرني عن أوّل شجرة نبتت على وجه الارض؟ وعن أوّل عين نبعت على وجه الارض؟ وعن أوّل حجر وضع على وجه الارض؟ فقال [له] أمير المؤمنين (عليه السلام): أما سؤالك عن أول شجرة نبتت على وجه الأرض فإنَّ اليهود يزعمون أنّها الزيتونة وكذبوا إنّما هي النخلة من العجوة هبط بها آدم (عليه السلام) معه من الجنّة فغرسها وأصل النخل كلّه منها، وأما قولك: أوَّل عين نبعت على وجه الأرض فإنَّ اليهود يزعمون أنّها العين الّتي ببيت المقدس تحت الحجر وكذبوا هي عين الحيوان التي انتهى موسى وفتاه إليها فغسل فيها السمكة المالحة فحييت وليس من ميت يصيبه ذلك الماء إلّا حيي، وكان الخضر على مقدّمة ذي القرنين يطلب عين الحياة فوجدها الخضر (عليه السلام) وشرب منها ولم يجدها ذو القرنين، وأما قولك: أول حجر وضع على وجه الأرض فإنَّ اليهود يزعمون أنَّه الحجر الّذي في بيت المقدس وكذبوا إنّما هو الحجر الأسود هبط به آدم (عليه السلام) معه من الجنّة فوضعه في الرُّكن والنّاس يستلمونه وكان أشدَّ بياضاً من الثلج فاسودَّ من خطايا بني آدم.
قال: فأخبرني كم لهذه الاُمّة من إمام هدى، هادين مهدييّن، لا يضرُّهم خذلان من خذلهم، وأخبرني أين منزل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الجنّة، ومن معه من أمته في الجنة؟ قال: أما قولك: كم لهذه الاُمّة من إمام هدى، هادين مهدييّن، لا يضرُّهم خذلان من خذلهم، فإنَّ لهذه الاُمّة اثنا عشر إماماً هادين مهدييّن، لا يضرّهم خذلان من خذلهم، وأمّا قولك: أين منزل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الجنّة ففي أشرفها وأفضلها جنة عدن، وأما قولك: من مع محمّد من أمته في الجنّة فهؤلاء الاثنا عشر أئمّة الهدى. قال الفتى: صدقت فوالله الّذي لا إله إلّا هو أنَّه لمكتوب عندي بإملاء موسى وخطّ هارون بيده. قال: فأخبرني كم يعيش وصيُّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) [من] بعده، وهل يموت موتاً أو يقتل قتلا؟ فقال له عليٌّ (عليه السلام): ويحك يا يهوديُّ أنا وصيُّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أعيش بعده ثلاثين سنة لا أزيد يوماً ولا أنقص يوماً(694) ثمّ يبعث أشقاها شقيق عاقر ناقة ثمود
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(694) هذا مخالف لمّا اجمعت عليه الاُمّة في تاريخ وفاتهما صلى الله عليهما فإنَّ رحلة الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في اواخر الصفر أو أوائل الربيع وشهادة امير المؤمنين (عليه السلام) في 21 رمضان أو 23. وابراهيم بن يحيى المديني راوي الخبر رجل مجهول وليس في رجال الصادق (عليه السلام) ذكر منه.
فيضربني ضربة ههنا في مفرقي فتخضب منه لحيتي، ثمّ بكى (عليه السلام) بكاءً شديداً، قال: فصرخ الفتى وقطع كستيجه(695) وقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنَّ محمداً رسول الله [وأنّك وصي رسول الله].
قال أبو جعفر العبدي يرفعه قال: هذا الرَّجل اليهودي أقرَّ له من بالمدينة أنَّه أعلمهم وأنَّ أباه كان كذلك فيهم.
6 - حدّثنا محمّد بن علىٍّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي القاسم عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقيُّ، عن أبيه، عن عبد الله بن القاسم(696)، عن حيّان السراج عن داود بن سليمان الغسّاني(697)، عن أبي الطفيل قال: شهدت جنازة أبي بكر يوم مات وشهدت عمر حين بويع وعليٌّ (عليه السلام) جالس ناحية إذ أقبل عليه غلام يهوديٌّ عليه ثياب حسان وهو من ولد هارون حتّى قام على رأس عمر فقال: يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الاُمّة بكتابهم وأمر نبيهم؟ قال: فطأطأ عمر رأسه، فقال: إيّاك أعني، وأعاد عليه القول، فقال له عمر: ما شأنك؟ فقال: إنّي جئتك مرتاداً لنفسي، شاكّاً في ديني، فقال: دونك هذا الشابَّ قال: ومن هذا الشابُّ؟ قال: هذا عليّ بن أبي طالب ابن عم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو أبو الحسن والحسين ابني رسول الله وهذا زوج فاطمة ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). فأقبل اليهوديُّ على عليٍّ (عليه السلام) فقال: أكذلك أنت؟ قال: نعم، فقال اليهوديُّ: إنّي أريد أن أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة، قال: فتبسّم عليّ (عليه السلام)، ثمّ قال: يا هاروني ما منعك أن تقول: سبعا، قال: أسألك عن ثلاث فإنَّ علمتهنَّ سألتك عمّا بعدهنَّ وإن لم تعلمهنَّ علمت أنَّه ليس لك علم، فقال: عليٌّ (عليه السلام): فإني أسألك بالاله الذى تعبده إن أنا أجبتك في كلِّ ما تريد لتدعنَّ دينك ولتدخلنَّ في ديني؟ فقال: ما جئت إلّا لذلك، قال: فسل، قال: فأخبرني عن أول قطرة دم قطرت على وجه الأرض أيُّ قطرة هي، وأوَّل عين فاضت على وجه الأرض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(695) الكستيج - بالضم وكسر المثناة الفوقية وسكون المثناة التحتية -: خيط غليظ يشده الذمي فوق ثيابه دون الزنار، وهو معرب كستى والظاهر هو من شعار النصارى دون - اليهود فتأمل.
(696) في بعض النسخ (محمّد بن أبي الهيثم).
(697) في بعض النسخ (الكتاني) وفي بعضها (الكسائي -) ولم أجده.
أيُّ عين هي، وأوَّل شيء اهتزَّ على وجه الأرض أيُّ شيء هو، فأجابه أمير المؤمنين (عليه السلام). فقال: أخبرني عن الثلاث الاُخرى أخبرني عن محمّدكم بعده من إمام عدل؟ وفي أيِّ جنّة يكون؟ ومن الساكن معه في جنّته؟ فقال: يا هارونيُّ إنَّ لمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الخلفاء اثنا عشر إماماً عدلاً لا يضرُّهم خذلان من خذلهم ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم وإنّهم أرسب(698) في الدِّين من الجبال الرّواسي في الأرض، ومسكن محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في جنّة عدن معه أولئك الاثنا عشر الأئمّة العدل(699)، فقال: صدقت والله الذى لا إله إلّا هو إنّي لاجدها في كتاب أبي هارون كتبه بيده وأملاه عمّي موسى (عليه السلام) قال: فأخبرني عن الواحدة فأخبرني عن وصيِّ محمّد كم يعيش من بعده، وهل يموت أو يقتل؟ قال: يا هارونيُّ يعيش بعده ثلاثين سنة لا يزيد يوماً ولا ينقص يوماً، ثمّ يضرب ضربة ههنا - يعني قرنه - فتخضب هذه من هذا، قال: فصاح الهارونيُّ وقطع كستيجه وهو يقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وأنّك وصيّه ينبغي أن تفوق ولا تفاق، وأن تعظم ولا تستضعف، قال: ثمَّ مضى به (عليه السلام) إلى منزله فعلّمه معالم الدين.
7 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن محمّد ابن عيسى، عن عبد الرّحمن بن أبي هاشم، عن أبي يحيى المدينيِّ، عن أبى عبد الله (عليه السلام) قال: جاء يهوديّ إلى عمر يسأله عن مسائل، فأرشده إلى عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) ليسأله فقال عليٌّ (عليه السلام): سل، فقال: أخبرني كم يكون بعد نبيّكم من إمام عدل؟ وفي أي جنّة هو؟ ومن يسكن معه في جنة؟ فقال له عليٌّ (عليه السلام): يا هارونيُّ لمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعده اثنا عشر إماماً عدلاً، لا يضرهم خذلان من خذلهم ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم، أثبت في دين الله من الجبال الرَّواسيّ، ومنزل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في جنة عدن والّذين يسكنون معه هؤلاء الاثنا عشر، فأسلم الرَّجل وقال: أنت أولى بهذا المجلس من هذا، أنت الّذي تفوق ولا تفاق وتعلو ولا تعلى.
8 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحكم بن مسكين الثقفيِّ، عن صالح بن عقبة(700) عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال: لمّا هلك أبو بكر واستخلف عمر رجع عمر إلى المسجد فقعد فدخل عليه رجل فقال له: يا أمير المؤمنين إنّي رجل من اليهود، وأنا علّامتهم وقد أردت أن أسألك عن مسائل أن أجبتني عنها أسلمت، قال: وما هي؟ فقال ثلاث: وثلاث وواحدة، فإنَّ شئت سألتك وإن كان في قومك أحدٌ أعلم منك فأرشدني إليه، فقال: عليك بذلك الشابِّ (يعني عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام)) فأتى عليّاً (عليه السلام) فقال له: لم قلت: ثلاث وثلاث وواحدة، إلّا قلت: سبعاً؟ قال: [أنا إذا جاهل إنك] أن لم تجبني في الثلاث اكتفيت، قال: فإنَّ أجبتك تسلم؟ قال: نعم، قال: سل، فقال: أسألك عن أوَّل حجر وضع على وجه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(698) في بعض النسخ (أثبت).
(699) في بعض النسخ (الاثنا عشر إماماً العدول).
(700) هو صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ربيحة: قال العلامة في (صه). كذاب غال لا يلتفت إليه.
الأرض وأوَّل عين نبعت على وجه الأرض، وأول شجرة نبتت على وجه الأرض، فقال (عليه السلام): يا يهودي أنتم تقولون: [إن] أول حجر وضع على وجه الأرض الحجر الّذي في بيت المقدس وكذبتم بل هو الحجر الّذي نزل به آدم (عليه السلام) من الجنّة، قال: صدقت والله أنَّه لبخط هارون وإملاء موسى (عليهما السلام) قال: وأنتم تقولون: إنَّ أول عين نبعت على وجه الأرض العين الّتي نبعت ببيت المقدس وكذبتم هي عين الحياة الّتي غسل فيها يوشع بن نون السمكة وهي الّتي شرب منها الخضر وليس يشرب منها أحد إلّا حيي، قال: صدقت والله أنَّه لبخط هارون وإملاء موسى (عليهما السلام)، قال: وأنتم تقولون: أنَّ أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض الزّيتونة وكذبتم وهي العجوة نزل بها آدم (عليه السلام) من الجنّة، قال: صدقت والله أنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسى (عليهما السلام). قال: فالثلاث الاخرى؟ قال: كم لهذه الاُمّة من إمام هدى، لا يضرُّهم من خالفهم؟ قال: اثنا عشر إماماً، قال: صدقت والله إنَّه لبخط هارون وإملاء موسى (عليهما السلام)، قال: وأين يسكن نبيكم من الجنّة، قال: في أعلاها درجة وأشرافها مكاناً في جنّات عدن، قال: صدقت والله أنَّه لبخط هارون وإملاء موسى (عليهما السلام) قال: فمن ينزل معه في منزله؟ قال: اثنا عشر إماماً. قال: صدقت والله أنَّه لبخطِّ هارون وإملاء موسى (عليهما السلام).
قال: السابعة؟ قال: فأسألك كم يعيش وصيّه بعده؟ قال: ثلاثين سنة، قال: ثمّ يموت أو يقتل؟ قال: يقتل فيضرب على قرنه فتخضب لحيته، قال: صدقت والله إنَّه لبخطّ هارون وإملاء موسى (عليهما السلام) [فأسلم اليهودي].
9 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري الكوفيُّ قال: حدّثني إسحاق بن محمّد الصيرفيُّ، عن أبي هاشم، عن فرات بن أحنف، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه ذكر القائم (عليه السلام) فقال: أما ليغيبنَّ حتّى يقول الجاهل: ما لله في آل محمّد حاجة.
10 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، ومحمّد بن الحسين بن
أبي الخطّاب، والهيثم بن أبي مسروق النهديِّ، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي إسحاق الهمدانيّ قال: حدّثني الثقة من أصحابنا أنَّه سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: اللّهمّ إنّك لا تخلّي الأرض من حجّة لك على خلقك ظاهر أو خاف مغمور لئلّا تبطل حججك وبيّناتك.
11 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا هارون ابن مسلم، عن سعدان، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله، عن آبائه، عن عليٍّ (عليهم السلام) أنَّه قال في خطبة له على منبر الكوفة: اللّهمّ إنَّه لابدّ لارضك من حجّة لك على خلقك، يهديهم إلى دينك ويعلّمهم علمك لئلّا تبطل حجّتك ولا يضل أتباع أوليائك بعد إذ هديتهم به، إما ظاهر ليس بالمطاع أو مكتتم مترقّب، إن غاب عن النّاس شخصه في حال هدايتهم، فإنَّ علمه(701) وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون.
12 - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه قال: حدّثنا أبي، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريِّ، عن عباد بن يعقوب، عن الحسن بن حمّاد(702)، عن أبي الجارود، عن يزيد الضخم(703) قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: كأنّي بكم تجولون جولان النعم، تطلبون المرعى فلا تجدونه.
13 - حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن موسى بن عمران رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن محمّد بن عبد الحميد؛ وعبد الصّمد بن محمّد(704) جميعاً، عن حنان بن سدير، عن عليّ بن الحزور، عن الاصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: صاحب هذا الامر الشريد الطّريد الفريد الوحيد.
14 - حدّثنا محمّد بن أحمد الشيبانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفيُّ قال: حدّثنا سهل بن زياد الادميُّ قال: حدّثنا عبد العظيم بن عبد الله الحسنيُّ رضي الله عنه، عن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: للقائم منّا غيبة أمدها طويل كأنّي بالشّيعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(701) في بعض النسخ (لم يغب مثبت علمه).
(702) في بعض النسخ (الحسين بن محمّد).
(703) كذا، ولم اجده.
(704) في بعض النسخ (عبد الله بن محمّد).
يجولون جولان النعم في غيبته، يطلبون المرعى فلا يجدونه، إلّا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة ثمّ قال (عليه السلام): إنَّ القائم منّا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه.
حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفيُّ عن عبد الله بن موسى الرُّويانيِّ(705)، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيِّ، عن محمّد بن عليٍّ الرِّضا، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) بهذا الحديث مثله سواء.
15 - حدّثنا عليُّ بن عبد الله الوراق قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم ابن هاشم، عن إسحاق بن محمّد الصيرفي [عن هشام]، عن فرات بن أحنف، عن الاصبغ ابن نباتة قال: ذكر عند أمير المؤمنين (عليه السلام) القائم (عليه السلام) فقال: أما ليغيبن حتّى يقول الجاهل: ما لله في آل محمّد حاجة.
16 - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عليِّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن عليِّ بن موسى الرِّضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليِّ، عن أبيه عليِّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليٍّ، عن أبيه أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام): إنَّه قال: التّاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقِّ، المظهر للدِّين، والباسط للعدل، قال الحسين: فقلت له: يا أمير المؤمنين وإنَّ ذلك لكائن؟ فقال (عليه السلام): إي والّذي بعث محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالنبوَّة واصطفاه على جميع البريّة ولكن بعد غيبة وحيرة فلا يثبت فيها على دينه إلّا المخلصون المباشرون لروح اليقين، الّذين أخذ الله (عزَّ وجلَّ) ميثاقهم بولايتنا وكتب في قلوبهم الايمان وأيّدهم بروح منه.
17 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد ابن سنان، عن زياد المكفوف، عن عبد الله بن أبي عقبة الشاعر(706) قال: سمعت أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: كأنّي بكم تجولون جولان الابل تبتغون المرعي فلا تجدونه يا معشر الشيعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(705) سيأتي الكلام فيه.
(706) كذا ولم أجده وفي بعض النسخ (عبد الله بن أبي عقب) وفي بعضها (عبد الله ابن عفيف).
18 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدَّثنا سعد بن عبد الله عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن عبد الله بن أبي عقبة الشاعر(707) قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: كأنّي بكم تجولون جولان الابل تبتغون المرعى فلا تجدونه يا معشر الشيعة.
19 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدَّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن سهل بن زياد الادميِّ، وأحمد بن محمّد بن عيسى قالا: حدَّثنا الحسن بن العبّاس ابن الحريش الرَّازيُّ(708)، عن أبي جعفر محمّد بن عليِّ الثاني، عن آبائه (عليهم السلام) أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال لابن عبّاس: أنَّ ليلة القدر في كلِّ سنة وإنّه ينزل في تلك اللّيلة أمر السنة ولذلك الامر ولاة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال ابن عبّاس: من هم؟ قال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمّة محدِّثون(709).
1 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسن بن إسماعيل قال: حدّثنا أبو عمرو سعيد بن محمّد بن نصر القطّان قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد السلميُّ قال: حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن(710) قال: حدّثنا محمّد بن سعيد بن محمّد قال: حدّثنا العبّاس بن أبي عمرو، عن صدقة بن أبي موسى، عن أبي نضرة قال: لمّا احتضر أبو جعفر محمّد بن عليِّ الباقر (عليهما السلام) عند الوفاة دعا بابنه الصادق (عليه السلام)، فعهد إليه عهداً فقال له أخوه زيد بن عليٍّ بن الحسين: لو امتثلت فيَّ تمثال الحسن والحسين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(707) كذا ولم أجده وفي بعض النسخ (عبد الله بن أبي عقب) وفي بعضها (عبد الله ابن عفيف).
(708) الرَّجل ضعيف جداً قال ابن الغضائري بعد عنوانه: ضيعف روى عن أبن جعفر الثاني فضل (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) كتاباً مصنفاً (أي موضوعاً) فاسد الالفاظ تشهد مخائله أنَّه موضوع وهذا الرَّجل لا يلتفت إليه ولا يكتب حديثه (صه).
(709) هذا الخبر وان كان سنده ضعيفاً لكن متنه صحيح موافق للحق.
(710) في العيون (محمّد بن عبد الرحيم).
(عليهما السلام) لرجوت أن لا تكون أتيت منكراً، فقال: يا أبا الحسن إنَّ الامانات ليست بالتمثال، ولا العهود بالرّسوم، وإنّما هي أمور سابقة عن حجج الله تبارك وتعالى، ثمّ دعا بجابر بن عبد الله(711) فقال له: يا جابر حدِّثنا بما عاينت في الصحيفة؟ فقال له جابر: نعم يا أبا جعفر دخلت على مولاتي فاطمة (عليها السلام) لاهنّئها بمولود الحسن (عليه السلام)(712) فإذا هي بصحيفة بيدها من درَّة بيضاء، فقلت: يا سيّدة النسوان ما هذه الصحيفة الّتي أراها معك؟ قالت: فيها أسماء الأئمّة من ولدي فقلت لها: ناوليني لأنظر فيها، قالت: يا جابر لو لا النهي أفعل لكنّه نهي أن يمسّها إلّا نبيٌّ أو وصيٌّ نبيٍّ، أو أهل بيت نبيٍّ، ولكنّه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها.
قال جابر: فقرأت فإذا فهيا: (أبو القاسم محمّد بن عبد الله المصطفى، أمّه آمنة بنت وهب. أبو الحسن عليُّ بن أبي طالب المرتضى، أمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. أبو محمّد الحسن بن عليٍّ البرُّ. أبو عبد الله الحسين بن عليٍّ التقيُّ، أمّهما فاطمة بنت محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أبو محمّد عليّ بن الحسين العدل، أمّه شهربانويه(713) بنت يزدجرد ابن شاهنشاه، أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر، أمه أمّ عبد الله بنت الحسن بن عليِّ بن أبي طالب. أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق، أمّه أم فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر. أبو إبراهيم موسى بن جعفر الثقة، أمه جارية اسمها حميدة. أبو الحسن عليُّ بن موسى الرِّضا، أمّه جارية اسمها نجمة. أبو جعفر محمّد بن عليّ الزكيُّ، أمّه جارية اسمها خيزران. أبو الحسن عليّ بن محمّد الامين، أمه جارية اسمها سوسن(714) أبو محمّد الحسن بن عليٍّ الرفيق، أمه جارية اسمها سمانة(715) وتكنّى بأمِّ الحسن. أبو القاسم محمّد بن الحسن، هو حجّة الله تعالى على خلقه القائم(716)، أمّه جارية اسمها نرجس صلوات الله عليهم أجمعين.
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم (عليه السلام)، والّذي أذهب إليه ما روي في النهي من تسميته، وسيأتي ذكر ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(711) سند هذا الخبر ضعيف ومشتمل على مجاهيل ومتنه لا يلائم ما جاء في غيره من الأخبار ففي تفسير القمي بسند صحيح عن الباقر (عليه السلام) سئل عن جابر فقال (عليه السلام): (رحم الله جابراً بلغ من فقهه أنَّه كان يعرف تأويل هذه الآية: أنَّ الّذي فرض عليك القرآن - الآية) وهو ظاهر في موته في حياة ابي جعفر (عليه السلام) وروى نحوه الكشي، وقد أجمعت أرباب السير ومعاجم التراجم على أنَّه مات قبل سنه 80 قال ابن قتيبة: مات جابر بالمدينة نسة 78 وهو ممّن تأخر موته من أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالمدينة. وقال ابن سعد: مات سنة 73. وفي المحكى عن عمرو بن عليّ ويحيى بن بكير وغيرهما أنَّه مات سنة 78 كما في تهذيب التهذيب. وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: أنَّه شهد العقبة الثانية مع أبيه وكف بصره في آخر عمره وتوفي سنة 74 وقيل 78 وقيل 77 بالمدينة وصلى عليه أميرها أبان بن عثمان، وقيل توفى وهو ابن اربع وتسعين. وعلى أي كان وفاته قبل ميلاد أبي - عبد الله جعفر بن محمّد (ع) بسنين لأنّه (عليه السلام) ولد سنة 83، وكانت وفاة الباقر (عليه السلام) سنة 114 وفي قول 116 فكيف يمكن حضور جابر عنده (عليه السلام) حين حضرته الوفاة، مع أنَّ الظاهر من قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) له: (إنّك ستدرك رجلاً من أهل بيتي - الخ) أنَّه أدرك محمّد بن على الباقر (عليهما السلام) فحسب ولم يدرك بعده من الأئمّة (عليهم السلام) أحداً. والاخبار الّتي تتضمن حياته بعد على بن الحسين (عليهما السلام) كلّها مخدوشة لأنّه (ع) توفى سنة 94 وأبو عبد الله حينذاك ابن أحد عشر سنة وتوفى جابر قبل ذلك نحواً من عشرين سنة، وما قال المامقاني (ره) من أنَّ الكشي روى أنَّه (يعني جابر) آخر من بقي من الصحابة من أنَّ عامر بن واثلة مات سنة 110 فلازم ذلك بقاء جابر بعد سنة 110. اشتباه محض لأنّ عامر لم يكن صحابياً إنّما ذكروه في جملة الصحابة لتولده قبل وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). ولعل مراد الكشي أنَّه آخر من بقى من الصحابة بالمدينة ممّن شهد العقبة كما قال الجزرى: حيث قال: جابر آخر من مات ممّن شهد العقبة. ثمّ اعلم إنّي أظن أنَّ العلاج بان نقول: سقطت جملة من لفظ الرواة أو قلم النساخ وصحف (يا أبا جعفر) والاصل (ثمّ قال دعا أبي يوماً بجابر بن عبد الله... فقال له جابر نعم يا ابا محمّد - الخ) فيرفع الاشكال، وأمثال هذا السقط والتحريف كثيرة في الاحاديث.
ثم اعلم أيضاً أنَّ قولها (لكنه نهى أن يمسها إلّا نبي أو وصي نبي أو أهل بيت نبي) يخالف ما سيأتي في حديث اللوح لأنّ فيه (فأعطتنيه امك فاطمة فقرأته وانتسخته).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(712) كذا.
(713) في بعض النسخ (شاه بانويه).
(714) المشهور كما في اخبار اخر اسمها (سمانة).
(715) المشهور اسمها (حديث) مصغراً أو (سليل).
(716) في بعض النسخ (هو الحجّة القائم).
روينا(717) في ذلك من الأخبار في باب أضعه في هذا الكتاب لذلك إن شاء الله [تعالى ذكره].
الباب الثامن والعشرون: ذكر النص على القائم (عليه السلام) في اللوح الّذي أهداه الله (عزَّ وجلَّ) إلى رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودفعه إلى فاطمة (عليها السلام) فعرضته على جابر بن عبد الله الانصاريّ حتّى قرأه وانتسخه وأخبر به أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليهما السلام) بعد ذلك (718)
1 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً، عن أبي الحسن صالح بن أبي حمّاد؛ والحسن بن طريف جميعاً، عن بكر بن صالح.
وحدّثنا أبي، ومحمّد بن موسى بن المتوكّل، ومحمّد بن عليٍّ ماجيلويه؛ وأحمد ابن عليِّ بن إبراهيم؛ والحسن بن أبراهيم بن ناتانة(719)؛ وأحمد بن زياد الهمدانيُّ رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه أبراهيم بن هشام، عن بكر بن صالح، عن عبد الرّحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أبي (عليه السلام) لجابر بن عبد الله الأنصاريِّ: إنَّ لي إليك حاجة فمتى يخفُّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها، فقال له جابر: في أي الاوقات شئت، فخلى به أبو جعفر (عليه السلام)، قال له: يا جابر أخبرني عن اللّوح الّذي رأيته في يد [ي] أمّي فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وما أخبرتك به أنَّه في ذلك اللوح مكتوباً، فقال جابر: أشهد بالله إنّي دخلت على أمّك فاطمة (عليها السلام) في حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أهنّئها بولادة الحسين (عليه السلام)(720) فرأيت في يدها لوحاً أخضر ظننت أنَّه من زمرُّد، ورأيت فيه كتابةً بيضاء شبيهة بنور الشمس، فقلت لها: بأبي أنت وأمّي يا بنت رسول الله ما هذا اللّوح؟ فقالت: هذا اللّوح أهداه الله (عزَّ وجلَّ) إلى رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابنيَّ وأسماء الاوصياء من ولدي، فأعطانيه أبي ليسرنِّي بذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(717) في بعض النسخ (رويت).
(718) دأب الصدوق رحمه الله اطناب العناوين بخلاف الكليني (ره).
(719) في بعض النسخ (الحسين بن ابراهيم) واحتمل الاستاد وحيد البهبهاني في هامش المنهج كونه أخا الحسن.
(720) كذا في النسخ المخطوطة عندي وفي نسخة منها (الحسن خ ل).
قال جابر: فأعطتنيه أمّك(721) فاطمة (عليها السلام) فقرأته وانتسخته فقال له أبي (عليه السلام): فهل لك يا جابر أن تعرضه علىَّ؟ فقال: نعم، فمشى معه أبي (عليه السلام) حتّى انتهى إلى منزل جابر فأخرج إلى أبي صحيفة من رقٍّ، فقال: يا جابر انظر أنت في كتابك لاقرأه أنا عليك، فنظر جابر في نسخته(722) فقرأه عليه أبي (عليه السلام) فوالله ما خالف حرف حرفا، قال جابر: فانّي أشهد بالله أنّي هكذا رأيته في اللّوح مكتوباً:
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم: هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمّد نوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الرُّوح الامين من عند ربِّ العالمين، عظّم يا محمّد أسمائي، واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا قاصم الجبارين (ومبير المتكبّرين) ومذلُّ الظالمين وديّان يوم الدِّين، إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا فمن رجا غير فضلي، أو خاف غير عدلي عذَّبته عذاباً لا اُعذِّبه أحداً من العالمين، فإيّاي فاعبد وعليَّ فتوكّل، إنّي لم أبعث نبيّاً فاكملت أيامه وانقضت مدَّته إلّا جعلت له وصيّاً وإني فضّلتك على الأنبياء، وفضّلت وصيك على الاوصياء وأكرمتك بشبليك بعده وبسبطيك الحسن والحسين، وجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدَّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامّة معه، والحجّة البالغة عنده، بعترته اُثيب واعاقب، أوّلهم عليّ سيّد العابدين، وزين أوليائي الماضين، وابنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(721) يخالف ما مر أنفاً في وفاة أبى جعفر محمّد بن عليّ (عليهما السلام).
(722) إنّما كانت ملاقاة جابر مع أبي جعفر (عليه السلام) بعد زيارة الاربعين في المدينة قطعاً وقد قيل أنَّه في زيارة الاربعين مكفوف البصر فكيف يمكن معه قراءة النسخة؟ ويمكن أن نقول: إنّما يكون عماه في آخر أيّام حياته فاشتبه على بعض من ترجمه فتوهم عماه في الاربعين سنة 61 وهو خلاف ما نصوا عليه من أنَّه كف بصره آخر عمره. وما في بشارة المصطفى في خبر زيارته في الاربعين من قول عطية (قال: فالمسنيه فألمسته فخر على القبر) لا يدلُّ على العمى ولعل من شدة الحزن وكثرة البكاء ابيضت عيناه، أو غمرتهما العبرة في ذلك اليوم. ويؤيده ما في هذا الخبر (ثمّ جال ببصره حول القبر وقال: السلام عليكم - الخ).
سُمّي جدِّه(723) المحمود، محمّد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر الراد عليه كالرَّادُّ عليَّ، حقّ القول منّي لاكرمنَّ مثوى جعفر، ولاسرنَّه في أوليائه واشياعه وأنصاره وانتحبّت بعد موسى فتنة عمياء حندس(724)، لأنّ خيط فرضي لا ينقطع(725) وحجتي لا تخفى، وأن أوليائي لا يشقون أبداً، إلّا ومن جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غيّر آية من كتابي فقد افترى عليَّ، وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدَّة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي، [ألا] إنَّ المكذِّب بالثامن مكذِّب بكل أوليائي. وعليُّ وليّي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوَّة وأمتحنه بالاضطلاع، يقتله عفريت مستكبر، يدفن بالمدينة الّتي بناها العبد الصالح ذو القرنين إلى جنب شرٍّ خلقي، حقّ القول منّي لاقرَّنَّ عينه بمحمّد ابنه(726) وخليفته من بعده، فهو وارث علمي ومعدن حكمتي وموضع سرِّي وحجّتي على خلقي، جعلت الجنّة مثواه وشفعته في سبعين من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا النّار، وأختم بالسعادة لابنه عليٍّ وليّي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، أخرج منه الدّاعي إلي سبيلي والخازن لعلمي الحسن، ثمّ أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيّوب، ستذلُّ أوليائي في زمانه ويتهادون رؤوسهم كما تهادى رؤوس الترك والدّيلم فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض من دمائهم، ويفشو الويل والرَّنين في نسائهم(727) أولئك أوليائي حقّاً، بهم أدفع كلِّ فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزَّلازل، وأرفع عنهم الاصار(728) والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون.
قال عبد الرّحمن بن سالم قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلّا هذا الحديث لكفاك فصنه إلّا عن أهله.
2 - حدّثنا عليّ بن الحسين بن شاذويه المؤدِّب، وأحمد بن هارون القاضي رضي الله عنهما قالا: حدّثنا محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد ابن مالك الفزاريِّ الكوفيِّ، عن مالك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(723) في بعض النسخ (شبيه جده).
(724) انتحب أي تنفس شديداً.
(725) في بعض النسخ (لأنّ خيط وصيتي).
(726) في الكافي (بابنه م ح م د).
(727) كلّ ذلك في زمان الغيبة لا في أيّام ظهوره (عجل الله تعالى فرجه). لأنّ المؤمنين في أيامه. في كمال العزة.
(728) في بعض النسخ (القيود).
السلوليِّ(729)، عن درست بن عبد الحميد، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الله بن جبلة، عن أبي السفاتج، عن جابر الجعفيِّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليٍّ الباقر (عليهما السلام)، عن جابر بن عبد الله الانصاريِّ قال: دخلت على مولاتي فاطمة (عليها السلام) وقدَّ امها لوح يكاد ضوؤه يغشي الأبصار، فيه اثنا عشر اسماً ثلاثة في ظاهره وثلاثة في باطنه، وثلاثة أسماء في آخره، وثلاثة أسماء في طرفه، فعددتها فإذا هي اثنا عشر إسماً، فقلت: أسماء من هؤلاء؟ قالت: هذه أسماء الاوصياء أوّلهم ابن عمّي وأحد عشر من ولدي، آخرهم القائم [صلوات الله عليهم أجمعين]، قال جابر، فرأيت فيها محمّداً محمّداً محمّداً في ثلاثة مواضع، وعليّاً وعليّاً وعليّاً وعليّاً في أربعة مواضع.
3 - وحدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنه قال: حدّثني أبي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الانصاريِّ قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح [مكتوب] فيه أسماء الاوصياء فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمّد وأربعة منهم عليٌّ (عليهم السلام).
وحدّثنا أبو محمّد الحسن بن حمزة العلويِّ رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن الحسين بن درست السرويُّ، عن جعفر بن محمّد بن مالك قال: حدّثنا محمّد بن عمران الكوفيُّ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران؛ وصفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: يا إسحاق إلّا ابشّرك، قلت: بلى جعلت فداك يا بن رسول الله فقال: وجدنا صحيفة باملاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وخطِّ أمير المؤمنين (عليه السلام) فيها:
بسم الله الرّحمن الرّحيم: هذا كتاب من الله العزيز الحكيم، وذكر حديث اللّوح كما ذكرته في هذا الباب مثله سواء إلّا أنَّه قال في آخره، (ثمَّ قال الصادق (عليه السلام): يا إسحاق هذا دين الملائكة والرُّسل فصنه عن غير أهله يصنك الله ويصلح بالك، ثمّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(729) كذا. والظاهر هو مالك بن حصين السلولي. وفزارة حي من غطفان. والفزار أبو قبيلة من تميم منهم جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري.
قال (عليه السلام): من دان بهذا أمن عقاب الله (عزَّ وجلَّ).
وحدّثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسن بن إسماعيل قال: حدّثنا سعيد بن محمّد بن القطّان قال: حدّثنا عبد الله ابن موسى الرُّوياني أبو تراب(730)، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيِّ، عن عليِّ بن الحسن ابن زيد بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب، قال: حدّثني عبد الله بن محمّد بن جعفر، عن أبيه عن جده أنَّ محمّد بن عليِّ باقر العلم (عليهما السلام) جمع ولده وفيهم عمّهم زيد بن عليٍّ، ثمّ أخرج كتاباً إليهم بخطِّ عليٍّ (عليه السلام) وإملاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مكتوب فيه:
هذا كتاب من الله العزيز الحكيم العليم - [وذكر] حديث اللّوح إلى موضع الّذي يقول فيه (اولئك هم المهتدون) -.
ثمَّ قال في آخره قال عبد العظيم: العجب كلّ العجب لمحمّد بن جعفر وخروجه إذ سمع أباه (عليه السلام) يقول هكذا ويحكيه، ثمّ قال: هذا سرُّ الله ودينه ودين ملائكته فصنه إلّا عن أهله وأوليائه.
4 - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه قال: حدّثنا أبي، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى، وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الانصاريِّ قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح فيه أسماء الاوصياء، فعددت اثني عشر إسماً آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمّد، وأربعة منهم عليُّ صلوات الله عليهم [أجمعين].
1 - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(730) في هامش بعض المخطوطة (عبيد الله) بالياء ابن موسى الروباني بالباء المنقطة تحتها نقطة قبل الالف والنون بعدها. والروبان قرية بالكوفة) انتهى. لكن لم أجده والرويان بالياء المثناة التحتية وضم الراء مدينة كبيرة من جبال طبرستان خرج منها جماعة من العلماء كما في اللباب لابن الاثير. وما (عبيد الله) كما في التوحيد وبعض النسخ أو (عبد الله) كما في المتن فلا أعلم الصواب منهما.
بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ؛ ومحمّد بن يحيى العطّار، وأحمد بن إدريس جميعاً قالوا: حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقيُّ قال: حدّثنا أبو هاشم داود بن القاسم الجعفريُّ، عن أبي جعفر الثاني محمّد بن عليٍّ (عليهما السلام) قال: أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات يوم ومعه الحسن بن عليٍّ وسلمان الفارسيُّ رضي الله عنه، وأمير المؤمنين (عليه السلام) متكئ على يد سلمان فدخل المسجد الحرام فجلس إذ أقبل رجلٌ حسن الهيئة واللّباس، فسلم على أمير المؤمنين (عليه السلام) فردَّ (عليه السلام) فجلس، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهنَّ (1) علمت أنَّ القوم ركبوا من أمرك ما أقضي عليهم أنّهم ليسوا بمأمونين في دنياهم ولا في آخرتهم، وإن تكن الاخرى علمت أنّّك وهم شرع سواء. فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): سلني عمّا بدا لك؟ فقال: أخبرني عن الرَّجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرَّجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرَّجل كيف يشبه ولده الاعمام والاخوال؟ فالتفت أمير المؤمنين إلى أبي محمّد الحسن فقال: يا أبا محمّد أجبه، فقال: أمّا ما سألت عنه من أمر الانسان إذا نام أين تذهب روحه، فإنَّ روحه متعلّقة بالرِّيح والرِّيح متعلّقة بالهواء(731) إلى وقت ما يتحرك صاحبها لليقظة، فإنَّ أذن الله (عزَّ وجلَّ) برد تلك الرُّوح إلى صاحبها(732) جذبت تلك الرُّوح الرّيح، وجذبت تلك الرّيح الهواء، فرجعت الروح فأسكنت في بدن صاحبها، وإن لم يأذن الله (عزَّ وجلَّ) برد تلك الروح إلى صاحبها جذب الهواء الرّيح(733)، وجذبت الرّيح الروح، فلم ترد إلى صاحبها إلى وقت ما يبعث.
وأمّا ما ذكرت من أمر الذكر والنسيان: فإنَّ قلب الرَّجل في حقّ، وعلى الحق طبق فإنَّ صلى الرَّجل عند ذلك على محمّد وآل محمّد صلاة تامة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحقّ فأضاء القلب(734) وذكر الرَّجل ما كان نسيه، وإن هو لم يصلِّ على محمّد وآل محمّد أو نقص من الصلاة عليهم انطبق ذلك الطبق على ذلك الحقِّ فأظلم القلب ونسي الرَّجل ما كان ذكر.
وأمّا ما ذكرت من أمر المولود الّذي يشبه أعمامه وأخواله، فإنَّ الرَّجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مضطرب فأسكنت تلك النطفة في جوف الرَّحم(735) خرج الولد يشبه أباه وأمه، وإن هو أتاها بقلب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(731) في بعض النسخ (أن أجبتني فيهن).
(732) في بعض النسخ (على صاحبها).
(733) في بعض النسخ (معلقة في الهواء).
(734) في بعض النسخ (ممّا يلي القلب) مكان (فأضاء القلب).
(735) في بعض النسخ (وانسكبت تلك النطفة فوقعت في جوف الرحم).
غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب، اضطربت تلك النطفة فوقعت في حال اضطرابها(736) على بعض العروق فإنَّ وقعت على عرق من عروق الاَعمام أشبه الولد أعمامه، وإن وقعت على عرق من عروق الاخوال أشبه الرَّجل أخواله، فقال الرَّجل: أشهد أن لا إله إلّا الله، ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنَّ محمداً رسول الله، ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّك وصيّه والقائم بحجّته [بعده] - وأشار [بيده] إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) - ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّك وصيّه والقائم بحجّته - وأشار إلى الحسن (عليه السلام) - وأشهد أنَّ الحسين ابن عليّ وصي أبيك والقائم بحجّته بعدك، وأشهد على عليّ بن الحسين أنَّه القائم بأمر الحسين بعده، وأشهد على محمّد بن عليّ أنَّه القائم بأمر عليّ بن الحسين، وأشهد على جعفر بن محمّد أنَّه القائم بأمر محمّد بن عليّ، وأشهد على موسى بن جعفر أنَّه القائم بأمر جعفر بن محمّد، وأشهد على عليّ بن موسى أنَّه القائم بأمر موسى بن جعفر، واشهد على محمّد بن عليّ أنَّه القائم بأمر عليّ بن موسى، وأشهد على عليّ بن محمّد أنَّه القائم بأمر محمّد بن عليّ، وأشهد على الحسن بن عليّ أنَّه القائم بأمر عليّ بن محمّد، وأشهد على رجل من ولد الحسن بن عليّ لا يكنّى ولا يسمّى حتّى يظهر أمره فيملأ الأرض(737) عدلاً كما ملئت جوراً، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثمّ قام فمضى.
فقال أمير المؤمنين: يا أبا محمّد اتبعه فانظر أين يقصد؟ فخرج الحسن (عليه السلام) في أثره قال: فما كان إلّا أنَّ وضع رجله خارج المسجد فما دريت أين أخذ من أرض الله(738) فرجعت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأعلمته فقال: يا أبا محمّد أتعرفه؟ فقلت: الله ورسوله وامير المؤمنين أعلم، فقال: هو الخضر (عليه السلام).
2 - حدّثنا المظفر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقندي رضي الله عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه قال: حدّثنا جبرئيل بن أحمد، عن موسى بن جعفر البغداديّ قال: حدّثني الحسن بن محمّد الصيرفي، عن حنان بن سدير، عن أبيه سدير بن حكيم، عن أبيه، عن أبي سعيد عقيصا قال: لمّا صالح الحسن بن عليّ (عليهما السلام) معاوية بن أبي سفيان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(736) في بعض النسخ (في وقت اضطرابها).
(737) في بعض النسخ (فيملأها).
(738) في بعض النسخ (من الأرض).
دخل عليه النّاس، فلامه بعضهم على بيعته، فقال (عليه السلام): ويحكم ما تدرون ما عملت والله الّذي عملت خيرٌ لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت، إلّا تعلمون أنّني إمامكم مفترض الطاعة عليكم وأحد سيّدي شباب أهل الجنّة بنصٍّ من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليَّ؟ قالوا: بلى، قال: أما علمتم أنَّ الخضر (عليه السلام) لمّا خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصواباً، أما علمتم أنَّه ما منّا أحد إلّا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلّا القائم الّذي يصلّي روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) خلفه، فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يخفي ولادته، ويغيب شخصه لئلّا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيّدة الاماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثمّ يظهره بقدرته في صورة شابٍّ دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أنَّ الله على كلّ شيء قدير.
1 - حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار قال: حدّثنا أبو عمرو الكشي(739) قال: حدّثنا محمّد بن مسعود قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن شجاع، عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن عبد الرّحمن بن الحجاج، عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين (عليهم السلام) قال: قال الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام): في التاسع من ولدي سنة من يوسف، وسنّة من موسى بن عمران (عليهما السلام) وهو قائمنا أهل البيت، يصلح الله تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة.
2 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن إسحاق المعاذيُّ(740) رضي الله عنه قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(739) في جميع النسخ (أبو عمرو الليثي) بتصحيف. والصحيح (الكشي) كما في المتن أخذا من هامش بعض النسخ المخطوطة المصححة. والكشي صاحب رجال المعروف وهو من غلمان محمّد بن مسعود العياشي.
(740) كذا في بعض النسخ وفي أكثرها (المعادي) بالدال المهملة. وفي اللباب: المعاذى نسبة إلى معاذ ينسب إليه جماعة، منهم بيت كبير بخراسان.
حدّثنا أحمد ابن محمّد الهمدانيُّ الكوفيُّ قال: حدّثنا أحمد بن موسى بن الفرات قال: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد قال: حدّثنا سفيان قال: حدّثنا عبد الله بن الزُّبير، عن عبد الله ابن شريك، عن رجل من همدان قال: سمعت الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) يقول: قائم هذه الاُمّة هو التاسع من ولدي وهو صاحب الغيبة وهو الّذي يقسم ميراثه وهو حي.
3 - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن - هاشم، عن أبيه، عن عبد السّلام بن صالح الهرويِّ قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح، عن الرَّبيع بن سعد، عن عبد الرّحمن بن سليط قال: قال الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) منا اثنا عشر مهديّاً أوّلهم أمير المؤمنين عليُّ بن ابي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الامام القائم بالحقِّ، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحقِّ على الدِّين كله ولو كره المشركون، له غيبة يرتدُّ فيها أقوام ويثبت فيها على الدِّين آخرون، فيؤذون ويقال لهم: (متى هذا الوعد إن كنم صادقين) أما إنَّ الصابر في غيبته على الاذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
4 - حدّثنا عليّ بن محمّد بن الحسن القزوينيُّ قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرميُّ قال: حدّثنا أحمد بن يحيى الاحول قال: حدّثنا خلاد المقرئ، عن قيس بن أبي حصين عن يحيى بن وثّاب، عن عبد الله بن عمر قال: سمعت الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) يقول: لو لم يبق من الدُّنيا إلّا يوم واحد لطول الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتّى يخرج رجلٌ من ولدي، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، كذلك سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول.
5 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك قال: حدّثني حمدان بن منصور، عن سعد بن محمّد، عن عيسى الخشّاب قال: قلت للحسين بن عليّ (عليهما السلام): أنت صاحب هذا الامر؟ قال: لا ولكن صاحب الامر الطريد الشريد الموتور بأبيه، المكنّي بعمّه(741)، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر(742).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(741) يمكن أن يقرء بشد النون على وزان (الثنى) ويكون المراد أنَّ التعبير بالكنية دون الاسم لاجل عمه. أو يقرء على وزان (المهدى) بمعنى المخفي والمستتر فالمعنى الغائب بسبب عمه. والموتور: من قتل له قتيل ولم يدرك بثاره.
(742) سيأتي في حديث محمّد بن عليّ بن الحسين: ما يوافقه.
1 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعريّ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن الحسن، عن أبي سعيد العصفري، عن عمرو بن ثابت، عن أبي حمزة قال: سمعت عليّ بن الحسين (عليهما السلام) يقول: أنَّ الله تبارك وتعالى خلق محمّداً وعليّاً والائمّة الأحد عشر من نور عظمته أرواحاً في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق، يسبّحون الله (عزَّ وجلَّ) ويقدِّسونه، وهم الأئمّة الهادية من آل محمّد (عليهم السلام).
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: قد روي هذا الخبر بغير هذا اللّفظ إلّا أنَّ مسموعي ما قد ذكرته.
2 - حدّثنا عليّ بن عبد الله الورّاق قال: حدّثنا محمّد بن هارون الصوفيُّ، عن عبد الله(743) بن موسى، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ رضي الله عنه قال: حدّثني صفوان ابن يحيى، عن إبراهيم بن أبي زياد، عن أبي حمزة الثماليِّ، عن أبي خالد الكابليِّ قال: دخلت على سيّدي عليِّ بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام) فقلت له: يا بن رسول الله أخبرني بالّذين فرض الله (عزَّ وجلَّ) طاعتهم ومودتهم، وأوجب على عباده الاقتداء بهم بعد رسول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ فقال لي: يا كنكر(744) أنَّ أولي الامر الّذين جعلهم الله عزّ وجلّ أئمّة للنّاس وأوجب عليهم طاعتهم: أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين ابنا عليِّ بن أبي طالب، ثمَّ انتهى الامر إلينا. ثمَّ سكت.
فقلت له: يا سيّدي روي لنا عن أمير المؤمنين [عليٍّ] (عليه السلام) أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة لله (عزَّ وجلَّ) على عباده، فمن الحجّة والامام بعدك؟ قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(743) في بعض النسخ (عبيد الله) وهو الروياني الذي تقدَّم ص 312.
(744) كنكر لقب لابي خالد.
ابني محمّد، وإسمه في التوراة باقر، يبقر العلم بقراً، هو الحجّة والامام بعدي، ومن بعد محمّد ابنه جعفر، واسمه عند أهل السّماء الصادق، فقلت له: يا سيّدي فكيف صار اسمه الصادق وكلّكم صادقون، قال: حدّثني أبي، عن أبيه (عليهما السلام) أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) فسمّوه الصادق، فإنَّ للخامس من ولده ولداً اسمه جعفر يدَّعي الامامة اجتراء على الله وكذباً عليه فهو عند الله جعفر الكذَّاب المفتري على الله (عزَّ وجلَّ)، والمدعي لمّا ليس له بأهل، المخالف على أبيه والحاسد لأخيه، ذلك الّذي يروم كشف ستر الله عند غيبة ولي الله (عزَّ وجلَّ)، ثمّ بكي عليّ بن الحسين (عليهما السلام) بكاءً شديداً، ثمّ قال: كأني بجعفر الكذَّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليِّ الله، والمغيب في حفظ الله والتوكيل بحرم أبيه جهلاً منه بولادته، وحرصاً منه على قتله أنَّ ظفر به، [و] طمعاً في ميراثه حتّى يأخذه بغير حقّه.
قال أبو خالد: فقلت له: يا بن رسول الله وإنَّ ذلك لكائن، فقال: إي وربّي أنَّ ذلك لمكتوب عندنا في الصحيفة الّتي فيها ذكر المحن الّتي تجري علينا بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). قال أبو خالد: فقلت: يا بن رسول الله ثمّ يكون ماذا، قال: ثمّ تمتدُّ الغيبة(745) بولي الله (عزَّ وجلَّ) الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والائمّة بعده.
يا أبا خالد إنَّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان، لأنّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والافهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزَّمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالسيف، اولئك المخلصون حقّاً وشيعتنا صدقاً، والدُّعاة إلى دين الله (عزَّ وجلَّ) سراً وجهراً. وقال عليّ بن الحسين (عليهما السلام): إنتظار الفرج من أعظم الفرج.
وحدّثنا بهذا الحديث عليُّ بن أحمد بن موسى. ومحمّد بن أحمد الشيبانيُّ(746) وعليّ بن عبد الله الورَّاق، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفيّ، عن سهل بن زياد الادميِّ عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ رضي الله عنه، عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(745) في بعض النسخ (تشتد الغيبة).
(746) كذا والظاهر هو السناني.
صفوان، عن إبراهيم أبي زياد عن أبي حمزة الثماليِّ، عن أبي خالد الكابليِّ، عن عليّ بن الحسين (عليهما السلام).
قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: ذكر زين العابدين (عليه السلام) [ل] جعفر الكذَّاب دلالة في إخباره بما يقع منه.
وقد روي مثل ذلك عن أبي الحسن عليِّ بن محمّد العسكري (عليهما السلام) أنَّه لم يسرَّ به لمّا ولد وإنّه أخبرنا بأنه سيضلُّ خلقاً كثيراً كلّ ذلك دلالة له (عليه السلام) أيضاً لأنّه لا دلالة على الامامة أعظم من الأخبار بما يكون قبل أن يكون كما كان، مثل ذلك دلالة لعيسى بن مريم (عليه السلام) على نبوَّته إذ أنبأ النّاس بما يأكلون وما يدَّخرون في بيوتهم، وكما كان النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين قال أبو سفيان في نفسه: من فعل مثل ما فعلت جئت فدفعت يدي في يده إلّا كنت أجمع عليه الجموع من الاحابيش وكنانة فكنت ألقاه بهم(747) فلعليّ كنت أدفعه. فناداه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من خيمته فقال: إذا كان الله يجزيك يا أبا سفيان. وذلك دلالة له (عليه السلام) كدلالة عيسى بن مريم (عليه السلام). وكلُّ من أخبر من الأئمّة (عليهم السلام) بمثل ذلك فهي دلالة تدلُّ النّاس على أنَّه إمام مفترض الطاعة من الله تبارك وتعالى.
حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن الحسن بن الفرات قال: أخبرنا صالح بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن زياد، عن أمّه فاطمة بنت محمّد بن الهيثم المعروف بابن سيابة(748) قالت: كنت في دار أبي الحسن عليِّ بن محمّد العسكريِّ (عليهما السلام) في الوقت الّذي ولد فيه جعفر فرأيت أهل الدّار قد سرُّوا به، فصرت إلى أبي الحسن (عليه السلام) فلم أره مسروراً بذلك، فقلت له: يا سيّدي ما لي أراك غير مسرور بهذا المولود؟ فقال (عليه السلام): يهون عليك أمره فإنه سيضلُّ خلقاً كثيراً(749).
3 - حدّثنا الشريف أبو الحسن عليُّ بن موسى بن أحمد بن إبراهيم بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(747) في بعض النسخ (إلّا كنت أجمع عليه الاحاببش بركابه فكنت ألقاه بهم) والمراد بالاحابيش قريش لأنّهم تحالفوا بالله أنّهم ليد على غيرهم ما سجا ليل ووضح نهار وما رسا حبشي. وحبشي بضم الحاء وسكون الباء وتشديد الياء التحتية جبل بأسفل مكة على سنة أميال منها، فسموا أحابيش قريش باسم الجبل. وقال ابن اسحاق: أنَّ الاحابيش هم بنو الهون بن خزيمة وبنو الحارث بن عبد مناة من كنانة وبنو المصطلق من خزاعة، فلمّا سميت تلك الاحياء بالاحابيش من قبل تجمعها صار التحبيش في الكلام: التجميع. وفي بعض النسخ (الزنج) مكان (الجموع).
(748) في بعض النسخ (ابن سبانة) وفي بعضها (ابن النسابة).
(749) ذكر المصنف هذا الحديث مؤيداً لكلامه ولا ربط له بالعنوان.
محمّد بن - عبد الله بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: حدّثنا أبو عليّ محمّد بن همّام قال: حدّثنا أحمد بن محمّد النوفليِّ قال: حدّثنا أحمد بن هلال، عن عثمان بن عيسى الكلابيّ، عن خالد بن نجيح، عن حمزة بن حمران، عن أبيه [حمران بن أعين]، عن سعيد بن جبير قال: سمعت سيّد العابدين عليّ بن الحسين (عليهما السلام) يقول: في القائم منا سنن من الأنبياء(750) [سنة من أبينا آدم (عليه السلام)، و] سنة من نوح، وسنّة من إبراهيم، وسنّة من موسى، وسنّة من عيسى، وسنّة من أيّوب، وسنّة من محمّد صلوات الله عليهم، فأمّا (من آدم و) نوح فطول العمر وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال النّاس، وأما من موسى، فالخوف والغيبة وأمّا من عيسى فاختلاف النّاس فيه، وأمّا من أيّوب فالفرج بعد البلوى، وأمّا من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فالخروج بالسيف.
4 - حدّثنا محمّد بن عليّ بن بشار القزوينيُّ قال: حدّثنا أبو الفرج المظفر ابن أحمد قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفيُّ الاسديُّ قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعيُّ، عن عمّه الحسين بن يزيد، عن حمزة بن حمران، عن أبيه، عن سعيد بن جبير قال: سمعت سيّد العابدين عليّ بن الحسين (عليهما السلام) يقول: في القائم سنة من نوح وهو طول العمر.
5 - حدّثنا عليُّ بن أحمد الدّقّاق؛ ومحمّد بن أحمد الشيبانيُّ رضي الله عنهما قالا: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ، عن موسى بن عمران النخعيِّ، عن عمه الحسين ابن يزيد، عن حمزة بن حمران، عن أبيه حمران بن أعين، عن سعيد بن جبير قال: سمعت سيّد العابدين عليّ بن الحسين (عليهما السلام) يقول: في القائم سنة من نوح وهو طول العمر.
6 - وبهذا الاسناد قال: قال عليُّ بن الحسين سيّد العابدين (عليهما السلام): القائم منا تخفى ولادته على النّاس حتّى يقولوا: لم يولد بعد، ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه بيعة.
7 - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن بسطام بن مرّة، عن عمرو بن ثابت قال: قال عليُّ بن الحسين سيّد العابدين (عليهما السلام): من ثبت على موالاتنا(751) في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(750) في بعض النسخ (في القائم منا سنن من ستة أنبياء) وفي بعضها (سنن من سبعة انبياء). وما بين القوسين ليس في بعض النسخ.
(751) في بعض النسخ (على ولايتنا).
غيبة قائمنا أعطاه الله (عزَّ وجلَّ) أجر ألف شهيد من شهداء بدر واحد.
8 - حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام الكلينيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيُّ قال: حدّثنا القاسم بن العلاء قال: حدّثنا إسماعيل بن عليّ القزويني قال: حدّثني عليّ بن إسماعيل، عن عاصم بن حميد الحناط، عن محمّد بن قيس، عن ثابت الثماليِّ، عن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام) أنَّه قال: فينا نزلت هذه الآية: (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)(752) وفينا نزلت هذه الآية: (وجعلها كلمة باقية في عقبه)(753) والامامة في عقب الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) إلى يوم القيامة. وإنَّ للقائم منّا غيبتين إحداهما أطول من الاُخرى، أمّا الاولى فستّة أيّام، أو ستّة أشهر، أو ستة سنين(754). وأمّا الاخرى فيطول أمدها حتّى يرجع عن هذا الامر أكثر من يقول به فلا يثبت عليه إلّا من قوى يقينه وصحّت معرفته ولم يجد في نفسه حرجاً ممّا قضينا، وسلّم لنا أهل البيت.
9 - وبهذا الاسناد قال: قال عليُّ بن الحسين (عليهما السلام): إنَّ دين الله (عزَّ وجلَّ)(755) لا يصاب بالعقول الناقصة والاراء الباطلة والمقائيس الفاسدة، ولا يصاب إلّا بالتسليم، فمن سلّم لنا سلم، ومن اقتدى بنا هدى، ومن كان يعمل بالقياس والرأي هلك، ومن وجد في نفسه شيئاً ممّا نقوله أو نقضي به حرجاً كفر بالّذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم وهو لا يعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(752) الاحزاب: 6.
(753) الزخرف: 47.
(754) قال العلامة المجلسي - ره -: قوله (عليه السلام): (فستة أيّام) لعله اشارة إلى اختلاف أحواله (عليه السلام) في غيبته، فستة أيّام لم يطلع على ولادته إلّا خاص الخاص من أهاليه (عليه السلام)، ثمّ بعد ستة أشهر اطلع عليه غيرهم من الخواص، ثمّ بعد ست سنين عند وفاة والده (عليه السلام) ظهر أمره لكثير من الخلق. أو اشارة إلى أنَّه بعد امامته لم يطلع على خبره إلى ستة أيّام أحد، ثمّ بعد ستة أشهر انتشر أمره، وبعد ست سنين ظهر وانتشر أمر السفراء.
والاظهر أنَّه اشارة إلى بعض الازمان المختلفة الّتي قدرت لغيبته وإنّه قابل للبداء. ويؤبده ما رواه الكليني باسناده عن الاصبغ في حديث طويل قد مر بعضه في باب أخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) (ثمّ قال: قلت: يا أمير المؤمنين وكم تكون الحيرة والغيبة؟ فقال: ستة أيّام أو ستة أشهر أو ست سنين، فقلت: وان هذا لكائن؟ فقال: نعم كما أنَّه مخلوق، وأنى لك بهذا الامر يا أصبغ اولئك خيار هذه الاُمّة مع خيار أبرار هذه العترة، فقلت: ثمّ ما يكون بعد ذلك؟ فقال: ثمّ يفعل الله ما يشاء، فإنَّ له بداءات وارادات وغايات ونهايات) فانه يدلُّ على أنَّ هذا الامر قابل للبداء والترديد قرينة ذلك والله يعلم - انتهى
(755) يعني أحكامه وشريعته وفرائضه وسننه لا الأُمور الاعتقادية الّتي لا يعرف إلّا بالعقول وبارشادهم (عليه السلام).
1 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ قالا: حدّثنا أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد، عن الحسين(756) ابن الربيع المدائني قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن أسيد بن ثعلبة(757)، عن أم هانئ قالت: لقيت أبا جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) فسألته عن هذه الآية (فلا أقسم بالخنّس الجوار الكنّس)؟ فقال: إمام يخنس في زمانه عند انقضاء من علمه سنة ستّين ومائتين، ثمّ يبدو كالشهاب الوقاد في ظلمة اللّيل(758) فإنَّ أدركت ذلك قرت عيناك.
2 - حدّثنا أحمد بن هارون الفامي(759)، وعليُّ بن الحسين بن شاذويه المؤدّب، وجعفر بن محمّد بن مسرور؛ وجعفر بن الحسين رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا محمّد بن عبد الله ابن جعفر الحميريُّ، عن أبيه، عن أيّوب بن نوح، عن العبّاس بن عامر القصبانيُّ.
وحدّثنا جعفر بن عليّ بن الحسن بن عليّ عبد الله بن المغيرة الكوفيُّ قال: حدّثني جدي الحسن بن عليّ بن عبد الله، عن العبّاس بن عامر القصبانيُّ عن موسى ابن هلال الضبيّ، عن عبد الله بن عطاء قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): أنَّ شيعتك بالعراق كثيرون فوالله ما في أهل بيتك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(756) في بعض النسخ (الحسن) والسند مضطرب ففي الكافي أحمد بن الحسن عن عمر ابن يزيد عن الحسن بن الربيع الهمدانيّ - الخ.
(757) في بعض النسخ: (أسد بن ثعلبة).
(758) تأويل لا تفسير والآية في سورة التكوير: 16. والخنس - كركع - الكواكب كلّها أو السيارة أو النجوم الخمسة. وكنس الظبي يكنس دخل في كناسه وهو مستتره في الشجر لأنّه يكنس الرمل حتّى يصل، جمع كنس وكنس كركع، والجواري الكنس هي الخنس لانها تكنس في المغيب كالظباء في الكنس. أو هي كلّ النجوم لانها تبدو ليلا وتخفى نهارا أو الملائكة أو بقر الوحش وظمأوه (القاموس).
(759) الفامي والقاضي متحد ولعله القاضي الفامي، ففي بعض النسخ وبعض الاسانيد كتب (الفامي) وفي بعضها (القاضي).
مثلك فكيف لا تخرج؟ فقال: يا عبد الله بن عطاء قد أمكنت الحشو(760) من أذنيك، والله ما أنا بصاحبكم، قلت: فمن صاحبنا؟ قال: انظروا من تخفى على النّاس ولادته فهو صاحبكم.
3 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثني موسى بن عمر بن يزيد الصيقل، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (قال أرأيتم أن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين)(761) فقال: هذه نزلت في القائم(762)، يقول: أن أصبح إمامكم غائبا عنكم لا تدرون أين هو فمن يأتيكم بإمام ظاهر، يأتيكم بأخبار السّماء والأرض وحلال الله جلَّ وعزَّ وحرامه، ثمّ قال (عليه السلام): والله ما جاء تأويل هذه الآية ولابدَّ أن يجيء تأويلها.
4 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن الفضيل(763) عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أنَّ الله تبارك وتعالى أرسل محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى الجنِّ والانس، وجعل من بعده الاثني عشر وصيّاً، منهم من مضى ومنهم من بقى، وكلُّ وصيٍّ جرت فيه سنة من الاوصياء الّذين بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على سنّة أوصياء عيسى (عليه السلام) وكانوا اثني عشر وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) على سنّة المسيح.
5 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن عبد الله بن حمّاد الانصاريّ، ومحمّد بن سنان جميعاً، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن عليٍّ الباقر (عليهما السلام) قال: قال لي: يا أبا الجارود إذا دارت الفلك، وقال النّاس: مات القائم إو هلك، بأيِّ واد سلك، وقال الطالب: أنّى يكون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(760) الحشو: فضل الكلام.
(761) الملك: 30.
(762) في بعض النسخ (في الامام).
(763) في بعض النسخ (عن محمّد بن الفضل).
ذلك وقد بليت عظامه فعند ذلك فارجوه، فإذا سمعتم به فأتوه ولو حبواً على الثلج(764).
6 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن محمّد بن عيسى، عن سليمان بن داود، عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: في صاحب هذا الامر أربع سنن من أربعة أنبياء (عليهم السلام): سنّة من موسى وسنّة من عيسى، وسنّة من يوسف، وسنّة من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فأمّا من موسى: فخائف يترقّب، وأمّا من يوسف فالحبس، وأمّا من عيسى فيقال: أنَّه مات، ولم يمت، وأمّا من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فالسيف.
حدثنا أحمد بن زياد الهمدانيّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم ابن هاشم، عن محمّد بن عيسى، عن سليمان بن داود، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) بمثل ذلك.
7 - وحدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب [الكليني] قال: حدّثنا القاسم بن العلاء قال: حدّثنا إسماعيل بن عليٍّ القزوينيُّ(765) قال: حدّثني عليُّ بن إسماعيل، عن عاصم بن حميد الحناط، عن محمّد بن مسلم الثقفي الطحان قال: دخلت على أبي جعفر محمّد بن عليٍّ الباقر (عليهما السلام) وأنا أُريد أن أسأله عن القائم من آل محمّد صلى الله عليه وعليهم، فقال لي مبتدئا: يا محمّد بن مسلم أنَّ في القائم من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شبهاً من خمسة من الرُّسل: يونس بن متى، ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمّد، صلوات الله عليهم:
فأمّا شبهه من يونس بن متى: فرجوعه من غيبته وهو شابٌّ بعد كبر السنِّ، وأمّا شبهه من يوسف بن يعقوب (عليهما السلام): فالغيبة من خاصّته وعامّته، واختفاؤه من إخوته وإشكال أمره على أبيه يعقوب (عليهما السلام) مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته. وأمّا شبهه من موسى (عليه السلام) فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده ممّا لقوا من الاذى والهوان إلى أن أذن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(764) الحبو: أن يمشي على يديه وركبتيه.
(765) لم أجده وكذا شيخه.
الله (عزَّ وجلَّ) في ظهوره ونصره وأيده على عدوِّه. وأمّا شبهه من عيسى (عليه السلام): فاختلاف من اختلف فيه، حتّى قالت طائفة منهم: ما ولد، وقالت طائفة: مات، وقالت طائفة: قتل وصلب. وأمّا شبهه من جدِّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فخروجه بالسيف(766)، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والجبارين والطواغيت، وإنّه ينصر بالسيف والرعب، وإنّه لاتردُّ له راية.
وإنَّ من علامات خروجه: خروج السفيانيِّ من الشام، وخروج اليمانيِّ [من اليمن] وصحية من السّماء في شهر رمضان، ومناد ينادي من السّماء باسمه واسم أبيه.
8 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى؛ ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب والهيثم بن أبي مسروق النهديُّ، عن الحسن بن محبوب السرَّاد، عن عليّ بن رئاب عن أبي حمزة الثماليِّ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: أنَّ أقرب النّاس إلى الله (عزَّ وجلَّ) وأعلمهم به وأرأفهم بالناس محمّد صلى الله عليه والائمّة (عليهم السلام)، فادخلوا أين دخلوا وفارقوا من فارقوا - عني بذلك حسيناً وولده (عليهم السلام) - فإنَّ الحقَّ فيهم وهم الاوصياء ومنهم الأئمّة فأينما رأيتموهم فاتَّبعوهم وإن أصبحتم يوماً لا ترون منهم أحداً فاستغيثوا بالله (عزَّ وجلَّ)، وانظروا السنة الّتي كنتم عليها واتّبعوها، وأحبّوا من كنتم تحبّون وابغضوا من كنتم تبغضون، فما أسرع ما يأتيكم الفرج.
9 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب؛ ومحمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن درَّاج، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): ما أجاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحدٌ قبل عليِّ بن أبي طالب وخديجة (عليهما السلام) ولقد مكث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمكة ثلاث سنين مختفياً خائفاً يترقب، ويخاف قومه والناس(767) - والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة إليه -.
10 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(766) في بعض النسخ (فتجر يده السيف).
(767) في مناسبة الحديث بالباب تأمل. إلّا أن يقال: ذكر بمناسبة ما ذكر في ذيل الحديث السابق (وانظروا السنة الّتي كنتم عليها) وهذا أيضاً غير وجيه.
عليّ محمّد ابن همّام، عن جعفر بن محمّد بن مالك قال: حدّثني الحسن بن محمّد بن سماعة قال: حدّثنا أحمد بن الحارث، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عن أبيه أبي جعفر الباقر (عليهما السلام) قال: إذا قام القائم (عليه السلام) قال: (فررت منكم لمّا خفتكم فوهب لي ربّي حكماً وجعلني من المرسلين).
11 - حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيّ قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعيُّ، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفليِّ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة [عن أبيه] عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: في صاحب هذا الامر سنّة من موسى، وسنّة من عيسى، وسنّة من يوسف، وسنّة من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
فأمّا من موسى فخائف يترقب، وأمّا من عيسى فيقال فيه ما [قد] قيل في عيسى، وأمّا من يوسف: فالسجن والغيبة، وأمّا من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فالقيام بسيرته وتبيين آثاره(768) ثمّ يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر فلا يزال يقتل أعداء الله حتّى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)، قلت: وكيف يعلم أنَّ الله تعالى قد رضي؟ قال: يلقي الله (عزَّ وجلَّ) في قلبه الرحمة.
12 - حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو عمرو الكشّيُّ قال: حدّثنا محمّد بن مسعود قال: حدّثنا عليُّ بن محمّد القمّيّ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي أحمد الازديّ، عن ضريس الكناسيِّ قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إنَّ صاحب هذا الامر فيه سنّة من يوسف ابن أمة سوداء، يصلح الله (عزَّ وجلَّ) أمره في ليلة واحدة.
13 - وبهذا الاسناد، عن محمّد بن مسعود قال: حدّثنا جبرئيل بن أحمد قال: حدّثنا موسى بن جعفر بن وهب البغداديُّ، ويعقوب بن يزيد، عن سليمان بن الحسن، عن سعد بن أبي خلف الزَّام(769) عن معروف بن خرَّبوذ قال: قتل لأبي جعفر الباقر (عليه السلام): أخبرني عنكم؟ قال: نحن بمنزلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(768) في بعض النسخ (فالقيام بالسيف وتبيين آثاره).
(769) هو سعد بن أبي خلف الزهري مولاهم الزام ثقة من أصحاب الكاظم (ع).
النجوم إذا خفي نجم بدا نجم [منا] أمن وأمان وسلم وإسلام، وفاتح ومفتاح، حتّى إذا استوى بنو عبد المطلّب فلم يدر أيّ من أيٍّ، أظهر الله (عزَّ وجلَّ) [لكم] صاحبكم فاحمدوا الله (عزَّ وجلَّ) وهو يخيّر الصعب والذَّلول، فقلت: جعلت فداك فأيهما يختار؟ قال: يختار الصعب على الذّلول.
14 - وبهذا الاسناد، عن محمّد بن مسعود، عن نصر بن الصباح، عن جعفر بن سهيل قال: حدّثني أبو عبد الله أخو أبي عليٍّ الكابليُّ، عن القابوسيِّ، عن نصر بن السندي، عن الخليل بن عمرو(770)، عن عليّ بن الحسين الفزاري، عن إبراهيم بن عطيّة عن أم هانيء الثقفية قالت: غدوت على سيّدي محمّد بن عليِّ الباقر (عليهما السلام) فقلت له: يا سيدي آية في كتاب الله (عزَّ وجلَّ) عرضت بقلبي فأقلقتني وأسهرت ليلي، قال: فسلي يا اُمّ هانيء قالت: قلت: يا سيدي قول الله (عزَّ وجلَّ): (فلا اقسم بالخنّس الجوار الكنّس) قال: نعم المسألة سألتيني يا أم هانئ هذا مولود في آخر الزَّمان هو المهديُّ من هذه العترة، تكون له حيرة وغيبة يضلُّ فيها أقوام، ويهتدي فيها أقوام، فيا طوبى لك أنَّ أدركتيه، وياطوبى لمن أدركه.
15 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيِّ، عن أبيه، عن المغيرة، عن المفضّل بن صالح، عن جابر(771) عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: يأتي على النّاس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثّابتين على أمرنا في ذلك الزَّمان، أنَّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم البارئ جل جلاله فيقول: عبادي(772) وإمائي! آمنتم بسرِّي وصدَّقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب منّي، فأنتم عبادي وإمائي حقّاً منكم أتقبّل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء ولو لاكم لأنزلت عليهم عذابي، قال جابر: فقلت: يا بن رسول الله فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزَّمان؟ قال: حفظ اللسان ولزوم البيت.
16 - حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام رضي الله عنه قال: حدّثنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(770) السند مشتمل على مجاهيل ومهملين.
(771) يعني جابر الجعفي.
(772) في بعض النسخ (عبيدي).
محمّد بن يعقوب الكلينيُّ قال: حدّثنا القاسم بن العلاء قال: حدّثني إسماعيل بن عليٍّ القزويني قال: حدّثني عليُّ بن إسماعيل، عن عاصم بن حميد الحنّاط، عن محمّد بن مسلم الثقفيِّ قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليٍّ الباقر (عليهما السلام) يقول: القائم منّا منصور بالرُّعب، مؤيّد بالنصر تطوي له الأرض وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله (عزَّ وجلَّ) به دينه على الدِّين كله ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلّا قد عمر، وينزل روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) فيصلّي خلفه، قال: قلت(773): يا بن رسول الله متى يخرج قائمكم؟ قال: إذا تشبّه الرِّجال بالنساء، والنساء بالرِّجال، واكتفى الرِّجال بالرِّجال، والنساء بالنساء، وركب ذوات الفروج السروج، وقبلت شهادات الزُّور، وردَّت شهادات العدول، واستخف النّاس بالدماء وارتكان الزِّنا وأكل الرِّبا، واتّقي الاشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفيانيّ من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين الرُّكن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزّكيّة، وجاءت صيحة من السّماء بأنَّ الحقَّ فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً. وأوَّل ما ينطق به هذه الآية (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين)(774) ثمّ يقول: أنا بقية الله في أرضه وخليفته وحجّته عليكم فلا يسلم عليه مسلم إلّا قال: السلام عليك يا بقية الله في أرضه، فإذا اجتمع إليه العقد(775) وهو عشرة آلاف رجل خرج، فلا يبقى في الأرض معبود دون الله (عزَّ وجلَّ) من صنم [ووثن] وغيره إلّا وقعت فيه نار فاحترق. وذلك بعد غيبة طويلة ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به.
17 - حدّثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلويُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه قال: حدّثنا أبو القاسم قال: كتبت من كتاب أحمد الدهان، عن القاسم بن حمزة، عن ابن أبي عمير قال: أخبرني أبو إسماعيل السِّراج عن خيثمة الجعفيِّ قال: حدّثني أبو أيّوب المخزومي(776) قال: ذكر أبو جعفر محمّد - ابن عليٍّ الباقر (عليهما السلام) سَير الخلفاء الاثني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(773) في بعض النسخ (خلفه، فقلت).
(774) هود: 88.
(775) في بعض النسخ (فإذا اجتمع له العقد).
(776) في بعض النسخ (أبو لبيد المخزومي).
عشر الراشدين [صلوات الله عليهم] فلمّا بلغ آخرهم قال: الثاني عشر الّذي يصلّي عيسى بن مريم (عليه السلام) خلفه [عليك] بسنته والقرآن الكريم(777).
هذا آخر الجزء الاوَّل(778) من كتاب [إ] كمال الدِّين و[إ] تمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة تصنيف الشيخ الفقيه(779) [الصدوق] أبي جعفر محمّد بن عليّ الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه.
ويتلوه الجزء الثاني أوّله باب ما روي عن الصّادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) من النصِّ على القائم (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(777) كذا في جميع النسخ المخطوطة عندي وفي البحار أيضاً إلّا أنَّ في نسخة ثمينة بدون (عليك) والحديث كما ترى فيه تقطيع. والضمير في (بسنته) راجع إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إن كانت مع (عليك) وبدونه راجع إلى الصاحب (ع) كما هو الظاهر.
(778) في بعض النسخ (تم الجزء الاوَّل). وفي بعضها (نجز الجزء الاوَّل)
(779) في بعض النسخ (الشيخ العالم الصدوق).
الجزء الثاني
بسم الله الرّحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمّد وآله الطاهرين
الباب الثالث والثلاثون: ما روي عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) من النص على القائم (عليه السلام) وذكر غيبته، وإنّه الثاني عشر من الائمة (عليهم السلام)
قال [الشيخ الفقيه] أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (الفقيه) مصنف هذا الكتاب رحمه الله:
1 - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي، عن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن سنان، عن صفوان بن مهران، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) أنَّه قال: من أقر بجميع الأئمّة وجحد المهديِّ كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء وجحد محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نبوَّته، فقيل له: يا بن رسول الله فمن المهديُّ من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحلُّ لكم تسميته.
2 - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله عن الحسن بن عليّ الزيتونيِّ؛ ومحمّد بن أحمد بن أبي قتادة، عن أحمد بن هلال، عن امية بن عليّ، عن أبي الهيثم بن أبي حبّة(780) عن أبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(780) كذا. وفي بعض النسخ (أبي الهيثم بن أبي نجية) وفي بعضها (أبي الحية) ولم أجده، ويحتمل بعيدا كونه مصحف (ابراهيم بن أبي حبة اليسع بن سعد المكي الّذي عنونه الشيخ في رجال الصادق (عليه السلام) وقال: ضعيف. أو كونه (الهيثم بن عروة التميميّ) الكوفي الثقة. ولفظ (أبي) من زيادات النساخ ويؤيد الثاني ذكره مع النسبة في الخبر الاتي تحت رقم 3.
عبد الله (عليه السلام) قال: إذا اجتمعت ثلاثة أسماء متوالية: محمّدٌ، وعليٌّ، والحسن، فالرَّابع القائم.
3 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو عليٍّ محمّد ابن همام قال: حدّثنا أحمد بن مابنداذ قال: أخبرنا أحمد بن هلال قال: حدّثني اميّة ابن عليٍّ القيسيُّ، عن أبي الهيثم التميميِّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا توالت ثلاثة أسماء: محمّد وعليٌّ، والحسن، كان رابعهم قائمهم.
4 - حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد الدقاق رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفليِّ، عن المفضّل بن عمر قال: دخلت على سيّدي جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، فقلت: يا سيدي لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك؟ فقال لي: يا مفضّل: الامام من بعدي ابني موسى والخلف المأمول المنتظر (م ح م د) ابن الحسن بن عليّ بن محمّد عليِّ بن موسى.
5 - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقيُّ قال: حدّثنا أبي، عن جدِّي أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان؛ وأبي عليٍّ الزراد جميعاً، عن إبراهيم الكرخيِّ قال: دخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام) وإني لجالس عنده إذ دخل أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) وهو غلام، فقمت إليه فقبّلته وجلست فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا إبراهيم أما أنَّه [ل] صاحبك من بعدي، أما ليهلكنَّ فيه أقوام ويسعد [فيه] آخرون، فلعن الله قاتله وضاعف على روحه العذاب، أما ليخرجن الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه، سُمّي جدّه، ووارث علمه وأحكامه وفضائله، [و] معدن الامامة، ورأس الحكمة، يقتله جبّار بني فلان، بعد عجائب طريفة حسداً له، ولكن الله [عزّ وجلّ] بالغ أمره ولو كره المشركون. يخرج الله من صلبه تكملة اثني عشر(781) إماماً مهديّاً، اختصهم الله بكرامته وأحلّهم دار قدسه المنتظر للثاني عشر منهم(782) كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يذبُّ عنه.
قال: فدخل رجل من موالي بني اميّة، فانقطع الكلام فعدت إلى أبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(781) في بعض النسخ (تمام اثني عشر).
(782) في بعض النسخ (المقر بالثاني عشر منهم).
عبد الله (عليه السلام) إحدى عشرة مرة اريد منه أن يستتمَّ الكلام فما قدرت على ذلك، فلمّا كان قابل السنة الثانية(783) دخلت عليه وهو جالسٌ فقال: يا إبراهيم هو المفرِّج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد، وبلاء طويل، وجزع وخوف، فطوبى لمن أدرك ذلك الزَّمان. حسبك يا إبراهيم. قال إبراهيم: فما رجعت بشيء أسر من هذا لقلبي ولا أقر لعيني.
6 - حدّثنا محمّد بن عليّ ما جيلويه، ومحمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنهما قالا: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أبي طالب عبد الله ابن الصلت القمّيِّ، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: كنت أنا وأبو بصير ومحمّد بن عمران مولى أبي جعفر (عليه السلام) في منزل بمكّة، فقال محمّد بن عمران: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: نحن اثنا عشر مهديّاً(784) فقال له أبو بصير: تالله لقد سمعت ذلك من أبي عبد الله (عليه السلام)؟ فحلف مرَّة أو مرَّتين أنَّه سمع ذلك منه. فقال أبو بصير: لكني سمعته من أبي جعفر (عليه السلام).
وحدّثنا بمثل هذا الحديث محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن أبي طالب عبد الله بن الصلت القمّيِّ، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران مثله سواء.
7 - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه قال: حدّثنا أبي، عن محمّد ابن الحسين بن يزيد الزيات، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن ابن سماعة(785)، عن عليِّ بن الحسن بن رباط، عن أبيه، عن المفضّل بن عمر قال: قال الصادق جعفر ابن محمّد (عليهما السلام) إنَّ الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا. فقيل له: يا بن رسول الله ومن الاربعة عشر؟ فقال: محمّد وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين والائمّة من ولد الحسين، آخرهم القائم الّذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدّجّال ويطهّر الأرض من كلّ جور وظلم.
8 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(783) كذا.
(784) في بعض النسخ (محدثا).
(785) في بعض النسخ (عليّ بن سماعة).
محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب، عن عليِّ بن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال في قول الله (عزَّ وجلَّ): (يوم يأتي بعض آيات ربّك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل)(786)، فقال (عليه السلام): الايات هم الائمّة، والآية المنتظرة القائم (عليه السلام) فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف، وإن آمنت بمن تقدَّمه من آبائه (عليهم السلام).
9 - حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان(787)؛ وعليُّ بن أحمد بن محمّد الدّقّاق، وعليُّ ابن عبد الله الورَّاق، وعبد الله محمّد الصايغ؛ ومحمّد بن أحمد الشيبانيُّ رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان قال: حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدّثنا تميم بن بهلول قال: حدّثنا عبد الله بن أبي الهذيل(788): وسألته عن الامامة فيمن تجب؟ وما علامة من تجب له الامامة؟ فقال لي: إنَّ الدّليل على ذلك والحجّة على المؤمنين والقائم في امور المسلمين والناطق بالقرآن والعالم بالاحكام أخو نبيِّ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وخليفته على امّته ووصيّه عليهم، ووليّه الّذي كان منه بمنزلة هارون من موسى المفروض الطاعة يقول الله (عزَّ وجلَّ): (يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسول وأولي الامر منكم)(789)، وقال جل ذكره: (إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزَّكاة وهم راكعون)(790) المدعوُّ إليه بالولاية، المثبت له الامامة يوم غدير خمٍّ، بقول الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الله جلَّ جلاله: (ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأعن من أعانه ذاك عليُّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وإمام المتّقين وقائد الغرِّ المحجّلين، وأفضل الوصيّين وخير الخلق أجمعين بعد رسول ربِّ العالمين، وبعده الحسن ثمّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(786) الانعام: 158.
(787) لعله العطّار فصحف.
(788) عبد الله بن أبي الهذيل الغنري أبو المغيرة الكوفيّ عامي من التابعين يروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعبد لله بن مسعود وعمار بن ياسر وخباب الارت وغيرهم من الصحابة، وكان عثمانياً توّفي في ولاية خالد القسري وروايته هذا عن الصادق (ع) بعيد جدا وان أدرك أيامه كما أنَّ رواية تميم عنه (عليه السلام) بواسطة واحدة لم تعهد في كتب الصدوق (ره)، واحتمال تعدد عبد الله بن أبي الهذيل أو أنَّ القول له بعيد. والسند في البحار أيضاً كما في المتن.
(789) النساء: 59.
(790) المائدة: 55.
الحسين سبطا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إبنا خيرة النسوان، ثمّ عليُّ بن الحسين؛ ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليُّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ عليُّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليٍّ، ثمّ ابن الحسن بن عليٍّ صلوات الله عليهم إلى يومنا هذا واحد بعد واحد، إنّهم عترة الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) معروفون بالوصيّة والامامة في كلّ عصر وزمان، وكل وقت وأوان، وإنّهم العروة الوثقى، وأئمة الهدى، والحجة على أهل الدُّنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإنَّ كلّ من خالفهم ضالٌّ مضلٌّ تارك للحق والهدى، وإنّهم المعبّرون عن القرآن، والناطقون عن الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالبيان، وإنَّ من مات ولا يعرفهم مات ميتة جاهلية، وإن فيهم الورع والعفّة والصدق والصلاح والاجتهاد، وأداء الامانة إلى البرِّ والفاجر، وطول السجود وقيام اللّيل، واجتناب المحارم، وانتظار الفرج بالصبر وحسن الصحبة، وحسن الجوار. ثمّ قال تميم بن بهلول: حدَّثني أبو معاوية، عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في الامامة بمثله سواء.
10 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدَّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن خالد، عن محمّد ابن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أقرب ما يكون العباد من الله (عزَّ وجلَّ) وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجّة الله (عزَّ وجلَّ)، فلم يظهر لهم ولم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنَّه لم تبطل حجج الله [عنهم وبيناته] فعندها فتوقّعوا الفرج صباحاً ومساء، وإنَّ أشد ما يكون غضب الله تعالى على أعدائه إذا افتقدوا حجّة الله فلم يظهر لهم، وقد عَلم أنَّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنّهم يرتابون لمّا غيّب عنهم حجّته طرفة عين، ولا يكون ذلك إلّا على رأس شرار الناس.
11 - وبهذا الاسناد قال: قال المفضّل بن عمر: سمعت الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول: من مات منتظراً لهذا الامر كان كمن كان مع القائم في فسطاطه، لا بل كان كالضارب بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالسيف.
12 - حدّثنا عليُّ بن أحمد الدَّقّاق رضي الله عنه قال: حدّثنا
محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ، عن سهل بن زياد الادميُّ، عن الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز العبديِّ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): من أقرَّ بالائمة من آبائي وولدي وجحد المهدي من ولدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نبوَّته. فقلت: يا سيدي ومن المهديُّ من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه، ولا يحلُّ لكم تسميته.
13 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمدانيُّ قال: حدّثنا أبو عبد الله العاصميُّ، عن الحسين بن القاسم بن أيّوب(791)، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن ثابت الصائغ(792) عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: منّا اثنا عشر مهديّاً مضى ستة وبقى ستّة، يصنع الله بالسادِّس ما أحبَّ(793).
14 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمدانيُّ قال: حدّثنا أبو عبد الله العاصميُّ، عن الحسين بن القاسم بن أيّوب، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن وهيب، عن ذريح، عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: منّا اثنا عشر مهديّاً.
15 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمدانيُّ قال: حدّثنا جعفر بن عبد الله قال: حدّثني عثمان بن عيسى، عن سماعة ابن مهران قال: كنت أنا وأبو بصير ومحمّد بن عمران مولى أبي جعفر في منزل بمكّة فقال محمّد بن عمران: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: نحن اثنا عشر محدَّثون(794) فقال أبو بصير: والله لقد سمعت ذلك من أبي عبد الله (عليه السلام) فحلف مرَّتين أنَّه سمعه منه.
16 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(791) هو الحسين بن القاسم بن محمّد بن أيّوب بن شمون أبو عبد الله الكاتب وكان أبوه من أجلة أصحابنا (جش). قال ابن الغضائري: (ضعفوه وهو عندي ثقة ولكن البحث فيمن يروي عنه).
(792) هو ثابت بن شريح أبو اسماعيل الصائغ الانباري مولى الازدثقة. وفي النسخ (ثابت الصباغ) وفى بعضها (الصباح) وكلاهما تصحيف.
(793) في بعض النسخ (في السادس ما أحب).
(794) في بعض النسخ (اثنا عشر مهديا).
خالد البرقيِّ، عن محمّد بن سنان عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أقرب ما يكون العباد من الله (عزَّ وجلَّ) وأرضى ما يكون عنهم إذا فقدوا حجّة الله، فلم يظهر لهم ولم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنَّه لم تبطل حجج الله (عزَّ وجلَّ) ولا بيّناته، فعندها فتوقّعوا الفرج صباحا ومساء، وإنَّ أشدَّ ما يكون غضب الله على أعدائه إذا افتقدوا حجّته فلم يظهر لهم، وقد علم أنَّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنّهم يرتابون ما غيّب عنهم حجّته طرفة عين، ولا يكون ذلك إلّا على رأس شرار الناس.
17 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب عن محمّد بن النعمان قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): أقرب ما يكون العبد إلى الله (عزَّ وجلَّ) وأرضى ما يكون عنه إذا افتقدوا حجّة الله فلم يظهر لهم، وحجب عنهم فلم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنَّه لا تبطل حجج الله ولا بيّناته فعندها فليتوقّعوا الفرج صباحاً ومساء، وإنَّ أشدَّ ما يكون غضباً على أعدائه إذا أفقدهم حجّته فلم يظهر لهم، وقد علم أنَّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنّهم يرتابون (ل) ما أفقدهم حجّته طرفة عين.
18 - حدّثنا أبي [ومحمّد بن الحسن] رضي الله عنه [ما] قال [ل]: حدّثنا سعد بن - عبد الله قال: حدّثنا المعلّى بن محمّد البصريِّ، عن محمّد بن جمهور، وغيره، عن [محمّد] بن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: في القائم سنّة(795) من موسى بن عمران (عليه السلام)، فقلت: وما سنّة(796) موسى بن عمران، فقال: خفاء مولده، وغيبته عن قومه. فقلت: وكم غاب موسى بن عمران (عليه السلام) عن قومه وأهله، فقال: ثماني وعشرين سنة.
19 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن غير واحد من أصحابنا، عن داود بن كثير الرقِّيّ، عن أبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (الّذين يؤمنون بالغيب)(797) قال: من أقرَّ بقيام القائم أنَّه حقٌّ.
20 - حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد الدَّقّاق رضي الله عنه قال: حدّثنا أحمد بن أبي - عبد الله الكوفيُّ قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد، عن عليِّ بن أبي حمزة(798)، عن يحيى بن أبي القاسم قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتَّقين الّذين يؤمنون بالغيب) فقال: المتّقون شيعة عليّ (عليه السلام)، والغيب فهو الحجّة الغائب. وشاهد ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (ويقولون لو لا انزل عليه آية من ربّه فقل إنّما الغيب لله فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين)(799).
21 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أحمد بن هلال، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن فضالة بن أيّوب، عن سدير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنَّ في القائم شبه(800) من يوسف (عليه السلام) قلت: كأنّك تذكر خبره أو غيبته؟ فقال لي: ما تنكر من ذلك هذه الاُمّة أشباه الخنازير، إنَّ إخوة يوسف كانوا أسباطاً أولاد أنبياء، تاجروا يوسف وبايعوه وهم إخوته وهو أخوهم فلم يعرفوه حتّى قال لهم: (أنا يوسف) فما تنكر هذه الاُمّة أنَّه يكون الله (عزَّ وجلَّ) في وقت من الاوقات يريد أن يستر حجّته(801)، لقد كان يوسف (عليه السلام) إليه ملك مصر، وكان بينه وبين ولده مسيرة ثمانية عشر يوماً فلو أراد الله (عزَّ وجلَّ) أن يعرِّفه مكانه لقدر على ذلك، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة مسيرة تسعة أيّام من بدوهم إلى مصر، فما تنكر هذه الاُمّة أن يكون الله (عزَّ وجلَّ) يفعل بحجّته ما فعل بيوسف أن يكون يسير في أسواقهم ويطأ بسطُهم وهم لا يعرفونه، حتّى يأذن الله (عزَّ وجلَّ) أن يعرِّفهم بنفسه كما أذن ليوسف حتّى قال لهم (هل علمتم ما فعلتم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(797) البقرة: 2.
(798) هو عليّ بن أبي حمزة - سالم - البطائني بقرينة روايته عن يحيى أبي بصير، ورواية الحسين بن يزيد عنه. وكان إحد عمد الواقفة، قال عليّ بن الحسن بن فضال: أنَّه كذاب واقفي متهم ملعون. وقال ابن الغضائري: على بن أبي حمزة أصل الوقف وأشد الخلق عداوة للولي بعد أبي ابراهيم (عليه السلام) (يعنى الرضا (عليه السلام)). وأمّا يحيى بن أبي القاسم فهو أبو بصير المكفوف ولعل الصواب (يحيى بن القاسم) وعليّ بن أبي حمزة هو قائده.
(799) الآية في سورة يونس تحت رقم 20. وكما يظهر من سياق الايات المراد بالاية العذاب. وقوله: (فانتظروا - الآية) أي فانتظروا العذاب واني معكم كذلك. ولا ينبغي تأويل العذاب بالحجة (عليه السلام). وقوله (وشاهد ذلك) من كلام الصدوق رحمه الله لا من تتمة الحديث كما نص عليه العلامة المجلسي رحمه الله. ولم يعهد في كلام أحد من المعصومين: نقل الشاهد لكلامهم في نظير هذا.
(800) في بعض النسخ (سنّة).
(801) في بعض النسخ (يبين حجّته).
بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قالوا إنّك لأنت يوسف * قال أنا يوسف وهذا أخي)(802).
22 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا أبي، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن صفوان بن مهران الجمّال قال: قال الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): أما والله ليغيبنَّ عنكم مهديّكم حتّى يقول الجاهل منكم: ما لله في آل محمّد، ثمّ يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.
23 - حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوريّ قال: حدّثنا حمدان بن سليمان، عن محمّد بن إسماعيل ابن بزيع، عن حيّان السّراج، عن السيّد بن محمّد الحميريِّ - في حديث طويل - يقول فيه: قلت للصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): يا بن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك (عليهم السلام) في الغيبة وصحّة كونها فأخبرني بمن تقع؟ فقال (عليه السلام): أنَّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الأئمّة الهداة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وآخرهم القائم بالحقِّ، بقية الله في الأرض، وصاحب الزَّمان والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدُّنيا حتّى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
24 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن - عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عثمان بن عيسى الكلابيِّ، عن خالد بن - نجيح، عن زرارة بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أنَّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، قلت له: ولم؟ قال: يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه -. ثمّ قال: يا زرارة وهو المنتظر، وهو الّذي يشك النّاس في ولادته، منهم من يقول: هو حمل، ومنهم من يقول: هو غائب، ومنهم من يقول: ما ولد، ومنهم من يقول: ولد قبل وفاة أبيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(802) يوسف: 90 و91.
بسنتين. غير أنَّ الله تبارك وتعالى يحب أن يمتحن الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون.
قال زرارة: فقلت: جعلت فداك فإنَّ أدركت ذلك الزَّمان فأيَّ شيء أعمل قال: يا زرارة أن أدركت ذلك الزَّمان فأدم هذا الدُّعاء(803): (اللّهمّ عرّفني نفسك، فانّك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللّهمّ عرّفني رسولك فانّك إن لم تعرِّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللّهمّ عرفني حجّتك فانّك إن لم تعرفني حجّتك ضللت عن ديني).
ثمَّ قال: يا زرارة لابدَّ من قتل غلام بالمدينة، قلت: جعلت فداك أليس يقتله جيش السفيانيُّ؟ قال: لا، ولكن يقتله جيش بني فلان، يخرج حتّى يدخل المدينة فلا يدري النّاس في أيِّ شيء دخل، فيأخذ الغلام فيقتله(804)، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لم يمهلهم الله (عزَّ وجلَّ) فعند ذلك فتوقّعوا الفرج.
وحدّثنا بهذا الحديث محمّد بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو عليِّ محمّد ابن همّام قال: حدّثنا أحمد بن محمّد النوفليُّ قال: حدّثني أحمد بن هلال، عن عثمان ابن عيسى الكلابيّ، عن خالد بن نجيح، عن زرارة بن أعين، عن الصادق جعفر ابن محمّد (عليهما السلام).
وحدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن عليِّ بن محمّد الحجال، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة بن أعين، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) أنَّه قال: إنَّ للقائم(805) غيبة قبل أن يقوم - وذكر الحديث مثله سواء -.
25 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم بن هاشم قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد، عن صالح بن محمّد، عن هانئ التمار(806) قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): أنَّ لصاحب هذا الامر غيبة فليتق الله عبد وليتمسك بدينه.
26 - حدّثنا إسحاق بن عيسى، ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد بن محمّد عيسى، عن عليِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(803) في بعض النسخ (فألزم هذا الدعاء).
(804) في الخبر الّذي مر في ص 331 تحت رقم 16 (قتل غلام من آل محمّد بين الركن والمقام اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكية). ولعل هذا الغلام غيره، فتأمل.
(805) في بعض النسخ المصححة (للغلام).
(806) كذا، وفي بعض النسخ (هانئ اليمانيِّ)، وفي الكافي (صالح بن خالد، عن يمان التمار) وفي غيبة النعماني (صالح بن محمّد، عن يمان التمار).
بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في غيبته لم يعلم بها أحدٌ(807).
27 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد بن محمّد عيسى؛ وعليّ بن إسماعيل بن عيسى، عن محمّد بن عمرو ابن سعيد الزّيّات [عن الجريريِّ](808) عن عبد الحميد بن أبي الديلم الطائيِّ قال: قال [لي] أبو عبد الله (عليه السلام): يا عبد الحميد بن أبي الدِّيلم إنَّ الله تبارك وتعالى رسلاً مستعلنين ورسلاً مستخفين فإذا سألته بحقِّ المستعلنين فسله بحقِّ المستخفين.
28 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ ومحمّد ابن الحسن الصفّار جميعاً قالا: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب؛ ومحمّد بن عيسى ابن عبيد قالا: حدّثنا صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن محمّد بن عليٍّ الحلبيِّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اكتتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمكّة مختفياً خائفاً خمس سنين ليس يظهر أمره وعليٌّ (عليه السلام) معه وخديجة ثمّ أمره الله (عزَّ وجلَّ) أن يصدع بما أمر به(809) فظهر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأظهر أمره.
وفي خبر آخر أنَّه (عليه السلام) كان مختفياً بمكّة ثلاث سنين.
29 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن - عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ، ومحمّد بن يحيى العطّار؛ وأحمد بن إدريس جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن عليِّ بن رئاب، عن عبيد الله بن عليٍّ الحلبيِّ قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: مكث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمكة بعد ما جاءه الوحي عن الله تبارك وتعالى ثلاث عشرة سنّة منها ثلاث سنين مختفياً خائفاً لا يظهر حتّى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(807) من هذا الحديث إلى خمسة أو ستة أحاديث بعده ذكرت هنا لمناسبة الأحاديث السابقة لا مناسبة الباب وتقدم بعضها سابقا.
(808) الظاهر هو اسحاق بن جرير وتقدم الخبر ص 21 بسند آخر عن عبد الحميد أيضا.
(809) في قوله تعالى (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)، الحجر: 94.
أمره الله (عزَّ وجلَّ) أن يصدع بما أمره به، فأظهر حينئذ الدعوة.
30 - حدّثنا جماعة من أصحابنا قالوا: حدّثنا محمّد بن همام قال: حدّثنا جعفر ابن محمّد بن مالك الفزاريُّ قال: حدّثني جعفر بن إسماعيل الهاشميُّ قال: سمعت خالي محمّد بن عليٍّ يروي عن عبد الرّحمن بن حمّاد، عن عمر بن سالم صاحب السابريِّ)(810) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الآية (أصلها ثابت وفرعها في السّماء)(811) قال: أصلها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وفرعها أمير المؤمنين (عليه السلام)، والحسن والحسين ثمرها، وتسعة من ولد الحسين أغصانها، والشيعة ورقها، والله إنَّ الرَّجل منهم ليموت فتسقط ورقة من تلك الشجرة. قلت: قوله (عزَّ وجلَّ): (تؤتي أكلها كلَّ حين بإذن ربّها)(812) قال: ما يخرج من علم الامام إليكم في كلِّ سنة من حجٍّ وعمرة.
31 - حدّثنا عليُّ بن أحمد بن محمّد بن عمران رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله الكوفيّ قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعيُّ، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفليِّ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنَّ سنن الأنبياء (عليهم السلام) بما وقع بهم من الغيبات حادثة في القائم منّا أهل البيت حذو النعل بالنعل والقذَّة بالقذَّة(813).
قال أبو بصير: فقلت: يا بن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ فقال: يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سيّدة الاماء، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثمّ يظهره الله (عزَّ وجلَّ) فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها، وينزل روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) فيصلّى خلفه وتشرق الأرض بنور ربّها، ولا تبقى في الأرض بقعة عبد فيها غير الله (عزَّ وجلَّ) إلّا عبد الله فيها، ويكون الدِّين كلّه لله ولو كره المشركون.
32 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن الفضيل(814)، عن أبيه، عن منصور قال: قال أبو عبد الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(810) في بعض النسخ (عمر بن صالح السابري)، وفى بعضها (عمر بن بزيع السابري) وكلاهما تصحيف.
(811) ابراهيم: 24.
(812) ابراهيم: 24.
(813) القذة: ريش السهم.
(814) في بعض النسخ (محمّد بن الفضل). وفي الكافي ج 1 ص 370 (عن جعفر بن محمّد الصيقل عن أبيه عن منصور). وعلى أي المراد بمنصور منصور بن الوليد الصيقل ولعل الصواب (جعفر بن محمّد بن الصيقل، عن أبيه، عن منصور).
(عليه السلام): يا منصور إنَّ هذا الامر لا يأتيكم إلّا بعد [إ] يأس، لا والله [لا يأتيكم] حتّى تميّزوا، لا والله [لا يأتيكم] حتّى تمحّصوا، ولا والله [لا يأتيكم] حتّى يشقى من شقي ويسعد من سعد.
32 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار، عن أحمد بن الحسين، عن عثمان عيسى، عن خالد بن نجيح، عن زرارة بن أعين قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول: إنَّ للغلام غيبة قبل أن يقوم، قلت: ولم ذاك جعلت فداك؟ فقال: يخاف - وأشار بيده إلى بطنه وعنقه - ثمّ قال (عليه السلام): وهو المنتظر الّذي يشكُّ النّاس في ولادته فمنهم من يقول: إذا مات أبوه مات، ولا عقب له. ومنهم من يقول: قد ولد قبل وفاة أبيه بسنتين. لأنّ الله (عزَّ وجلَّ) يحبُّ أن يمتحن خلقه فعند ذلك يرتاب المبطلون.
33 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن؛ ومحمّد بن موسى بن المتوكّل؛ ومحمّد بن عليّ ماجيلويه؛ وأحمد بن يحيى العطّار رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريُّ الكوفيُّ، عن إسحاق بن محمّد الصيرفيِّ، عن يحيى بن المثنّى العطّار، عن عبد الله بن بكير، عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يفقد النّاس إمامهم فيشهد الموسم فيراهم ولا يرونه.
34 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضى الله عنهما قالا: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن صالح بن محمّد، عن هانيء التمّار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أنَّ لصاحب هذا الامر غيبة، المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد، ثمَّ قال - هكذا بيده(815) - ثمّ قال: [إنَّ] لصاحب هذا الامر غيبة فليتّق الله عبدٌ وليتمسّك بدينه.
35 - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميريُّ؛ وأحمد بن إدريس جميعاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(815) أي أشار بيده، وفي معنى القول توسع. قال بثوبه أي رفعه، وبيده أي أشار. وبرجله أي مشى. والخارط: من يضرب بيده على أعلى الغصن ثمّ يمدها إلى الاسفل ليسقط ورقه. والقتاد شجر له شوك. والخبر في الكافي عن صالح بن خالد عن يمان التمار.
قالوا: حدّثنا أحمد بن محمّد بن - عيسى؛ ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب؛ ومحمّد بن عبد الجبّار، وعبد الله بن عامر ابن سعد الاشعريُّ، عن عبد الرَّحمن بن أبي نجران، عن محمّد بن المساور، عن المفضّل ابن عمر الجعفيِّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إيّاكم والتنويه(816)، أما والله ليغيبنَّ إمامكم سنيناً(817) من دهركم، ولتمحّصنَّ حتّى يقال: مات(818) أو هلك بأيِّ واد سلك، ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر(819) ولا ينجو إلّا من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الايمان وأيده بروح منه، ولترفعنَّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أيُّ من أيٍّ، قال: فبكيت، فقال [لي]: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ فقلت: وكيف لا أبكي وأنت تقول: اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أيٌّ من أيٍّ فكيف نصنع؟ قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصّفة، فقال: يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس؟ قلت: نعم، قال: والله لامرنا أبين من هذه الشمس.
36 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الحسين ابن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن عبد الله بن عبد الرّحمن الاصمِّ، عن الحسين بن المختار القلانسيِّ، عن عبد الرّحمن بن سيابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم، يتبرَّأ بعضكم من بعض فعند ذلك تميّزون وتمحّصون وتغربلون، وعند ذلك اختلاف السيفين(820) وإمارة من أوّل النهار وقتل وخلع(821) من آخر النهار.
37 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى؛ ويعقوب بن يزيد جميعاً، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن جعفر بن محمّد ابن منصور، عن رجل - واسمه عمر بن عبد العزيز - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: إذ أصبحت وأمسيت لا ترى إماماً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(816) التنويه: الرفع والتشهير والدعوة. يعني لا تشهروا أنفسكم، أو لا تدعوا النّاس إلى دينكم.
(817) التنوين على لغة بني عامر كما قال الازهري على ما في التصريح.
(818) زاد في الكافي (قتل).
(819) لتكفأن على بناء المجهول من المخاطب أو الغائب من قولهم كفأت الاناء إذا كببته، كناية عن اضطرابهم وتزلزلهم في الدِّين من شدة الفتن. (المرآة).
(820) في بعض النسخ (اختلاف السنن) وفي البحار (اختلاف السنين).
(821) في بعض النسخ (وقطع).
تأتمُّ به فأحبب من كنت تحبُّ وأبغض من كنت تبغض حتّى يظهره الله (عزَّ وجلَّ).
38 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى؛ ومحمّد بن عيسى بن عبيد(822)، عن الحسن ابن محبوب، عن يونس بن يعقوب، عمّن أثبته، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: كيف أنتم إذا بقيتم دهراً من عمركم لا تعرفون إمامكم؟ قيل له: فإذا كان ذلك فكيف نصنع؟ قال: تمسَّكوا بالأمر الاوَّل حتّى يستبين لكم(823).
40 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن العبّاس بن معروف، عن عليِّ بن مهزيار، عن الحسن بن محبوب، عن حمّاد بن عيسى، عن إسحاق بن جرير، عن عبد الله بن سنان قال: دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: فكيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى، ولا علما يرى، ولا ينجو منها إلّا من دعا دعاء الغريق، فقال له أبي: إذا وقع هذا ليلاً فكيف نصنع؟ فقال: أما أنت فلا تدركه، فإذا كان ذلك فتمسكوا بما في أيديكم حتّى يتّضح لكم الامر.
41 - حدّثنا جعفر بن عليِّ بن الحسن بن عليِّ بن عبد الله بن المغيرة الكوفيّ رضي الله عنه قال: حدّثني جدِّي الحسن بن على، عن العبّاس بن عامر القصبانيِّ، عن عمر بن أبان الكلبيِّ، عن أبان بن تغلب قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يأتي على النّاس زمان يصيبهم فيه سبطة(824) يأرز العلم فيها بين المسجدين كما تأرز الحيّة في جُحرها، يعني بين مكّة والمدينة، فبينما هم كذلك إذ أطلع الله (عزَّ وجلَّ) لهم نجمهم، قال: قلت: وما السبطة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(822) في بعض النسخ (وعثمان بن عيسى).
(823) أي تمسكوا بما تعلمون من دينكم وامامكم ولا تتزلزلوا وتتحيروا وترتدوا، أولا تؤمنوا بمن يدعى أنَّه الحجّة حتّى يستبين لكم.
(824) في بعض النسخ (بسطة) هنا وما يأتي، وفي بعضها (شيطة) كذلك. وفي القاموس أسبط: سكت فرقا. وبالارض: ألصق وامتد من الضرب. وفي نومه: غمض. وعن الامر تغابي وانبسط، ووقع فلم يقدر أن يتحرك. وفي الكافي (بطشة). قوله (يأرز) بتقديم المهملة أي تنضم وتجتمع بعضه إلى بعض. وتنقيص، والحية لاذ بجحرها ورجعت إليه وثبتت في مكانها.
قال: الفترة والغيبة لامامكم، قال: قلت: فكيف نصنع فيما بين ذلك؟ فقال: كونوا على ما أنتم عليه حتّى يطلع الله لكم نجمكم.
42 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا، حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن المفضّل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن تفسير جابر فقال: لا تحدِّث به السفل فيذيعوه، أما تقرأ في كتاب الله (عزَّ وجلَّ): (وإذا نقر في الناقور)(825) إنَّ منّا إماماً مستتراً فإذا أراد الله (عزَّ وجلَّ) إظهار أمره نكت في قلبه نكتة فظهر وأمر بأمر الله (عزَّ وجلَّ).
43 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رض) قالا: حدَّثنا محمّد بن الحسن الصفّار قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب؛ ومحمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيُّ جميعاً عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عيسى بن عبد الله بن محمّد بن عمر عليِّ ابن أبي طالب عن خاله الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال: قلت له: أن كان كونٌ - لا أراني الله يومك - فبمن أئتمُّ؟ فأومأ إلى موسى (عليه السلام) فقلت: فإنَّ مضى موسى فإلى من؟ قال: إلى ولده، قلت، فإنَّ مضى ولده وترك أخا كبيراً وإبنا صغيراً فبمن أئتمُّ؟ قال: بولده، ثمّ قال: هكذا أبداً، قلت: فإن أنا لم أعرفه ولم أعرف موضعه فما أصنع؟ قال: تقول: (اللّهمّ إنّي أتولّى من بقي من حججك من ولد الامام الماضي) فإنَّ ذلك يجزيك.
44 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن درَّاج، عن زرارة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يأتي على النّاس زمان يغيب عنهم إمامهم، فقلت له: ما يصنع النّاس في ذلك الزَّمان؟ قال: يتمسّكون بالأمر الّذي هم عليه حتّى يتبيّن لهم.
45 - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديُّ رضي الله عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(825) المدثر: 9.
قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود قال: حدّثني أبي محمّد بن مسعود قال: حدّثنا أحمد بن عليِّ بن كلثوم قال: حدّثني الحسن بن عليٍّ الدّقّاق، عن محمّد بن أحمد بن أبي قتادة، عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يكون بعد الحسين تسعة أئمّة، تاسعهم قائمهم.
46 - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويِّ رضي الله عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه محمّد بن مسعود العياشيّ قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن شجاع، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنَّ في صاحب هذا الامر سنن من الأنبياء (عليهم السلام)، سنّة من موسى بن عمران، وسنّة من عيسى، وسنّة من يوسف، وسنّة من محمّد صلوات الله عليهم: فأمّا سنّة من موسى بن عمران فخائف يترقّب، وأمّا سنّة من عيسى فيقال فيه ما قيل في عيسى، وأمّا سنّة من يوسف فالستر يجعل الله بينه وبين الخلق حجاباً، يرونه ولا يعرفونه، وأمّا سنّة من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيهتدي بهداه ويسير بسيرته.
47 - وبهذا الاسناد، عن محمّد بن مسعود قال: حدَّثني جبرئيل بن أحمد(826) قال: حدَّثني موسى بن جعفر بن وهب البغداديُّ قال: حدّثني محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن أبان، عن الحارث بن المغيرة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): هل يكون النّاس في حال لا يعرفون الامام؟ فقال: قد كان يقال ذلك، قلت: فكيف يصنعون؟ قال: يتعلّقون بالأمر الاوَّل حتّى يستبين لهم الاخر.
48 - وبهذا الاسناد، عن موسى بن جعفر قال: حدّثني موسى بن القاسم، عن عليّ بن جعفر، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قول الله (عزَّ وجلَّ): (قل أرأيتم أن أصبح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(826) جبرئيل بن أحمد الفاريابي أبو محمّد كان مقيما بكش، كثير الرواية عن العلاء بالعراق وقم وخراسان، (منهج المقال).
ماؤكم غوراً أفمن يأتيكم بماء معين)(827)، قال: أرأيتم أن غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد.
49 - وبهذا الاسناد، عن موسى بن جعفر بن وهب البغداديِّ قال: حدّثني الحسن بن محمّد الصيرفيُّ قال: حدّثني يحيى بن المثنّى العطّار(828)، عن عبد الله بن بكير، عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يفقد النّاس إمامهم، يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه.
50 - وبهذا الاسناد، عن محمّد بن مسعود قال: وجدت بخطِّ جبرئيل بن أحمد: حدّثني العبيدي محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرَّحمن، عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى، ولا إمام هدى ولا ينجو منها إلّا من دعا بدعاء الغريق، قلت: كيف دعاء الغريق؟ قال: يقول: (يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك) فقلت: (يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبي على دينك) قال: إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) مقلّب القلوب والابصار ولكن قل كما أقول لك: (يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك)(829).
51 - حدّثنا محمّد بن عليّ حاتم النوفليُّ المعروف بالكرماني(830) قال: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشّاء البغداديّ قال: حدّثنا أحمد بن طاهر [القمي] قال: حدّثنا محمّد بن بحر بن سهل الشيبانيُّ(831) قال: أخبرنا عليُّ بن الحارث، عن سعيد ابن منصور الجواشني(832) قال أخبرنا أحمد بن عليٍّ البديلي قال: أخبرنا أبي، عن سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضّل بن عمر، وأبو بصير، وأبان بن تغلب على مولانا أبى عبد الله الصادق (عليه السلام) فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبريٌّ(833) مطوَّق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(827) الملك: 30.
(828) كذا في أكثر النسخ والبحار وفي بعض النسخ (جعفر بن نجم المثنى العطّار).
(829) يدلُّ على أنَّه لا ينبغي تغيير ألفاظ الدعاء المروي بزيادة ولو كانت ترى أحسن.
(830) كذا وهكذا في العيون ص 54 في صدر سند حديث لكن في بعض النسخ المصححة صححه بقلم أحمر بالبوفكي. ولكن في رجال المامقاني وقاموس الرِّجال كما في المتن وأحمد بن عيسى عنونه الخطيب في التاريخ ج 4 ص 280 وقال: كان، ثقة توّفي في رجب 322 أو 323.
(831) محمّد بن بحر بن سهل من أهل سجستان، قيل: في مذهبه ارتفاع وحديثه قريب من السلامة (جش) وقال ابن الغضائري (كما في صه): أنَّه ضعيف وفي مذهبه ارتفاع. وأمّا راويه أحمد بن طاهر فمهمل، وفي بعض النسخ (أحمد بن عبد الله).
(832) عليّ بن حارث مهمل، وسعيد بن منصور الجواشني من رؤساء الزّيديّة، ولم أجد أحمد على البديلي هو وأبوه مهملان والحديث غريب.
(833) المسح - بكسر الميم -: الكساء من الشعر.
بلا جيب، مقصّر الكميّن، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى، ذات الكبد الحرىَّ، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغيير في عارضيه، وأبلى الدُّموج محجريه(834) وهو يقول: سيّدي غيبتك نفت رقادي، وضيّقت عليَّ مهادي، وابتزَّت منّي راحة فؤادي سيّدي غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد وفقد الواحد بعد الواحد يفنى الجمع والعدد، فما احُسُّ بدمعة ترقى من عيني وأنين يفتر من صدري(835) عن دوارج الرَّزايا وسوالف البلايا إلّا مثّل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها، وبواقي أشدها وأنكرها(836) ونوائب مخلوطة بغضبك، ونوازل معجونة بسخطك.
قال سدير: فاستطارت عقولنا ولهاً، وتصدَّعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل، والحادث الغائل(837)، وظنّنا أنَّه سمت لمكروهة قارعة(838)، أو حلّت به من الدَّهر بائقة، فقلنا: لا أبكى الله يا ابن خير الورى عينيك من أيّة حادثة تستنزف دمعتك(839) وتستمطر عبرتك؟ وأيّة حالة حتمت عليك هذا المأتم؟.
قال: فزفر(840) الصادق (عليه السلام) زفرة انتفخ منها جوفه، واشتدَّ عنها خوفه، وقال: ويلكم(841) نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرَّزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الّذي خصَّ الله به محمّداً والائمّة من بعده (عليهم السلام)، وتأمّلت منه مولد غائمنا وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزَّمان، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الاسلام من أعناقهم الّتي قال الله تقدَّس ذكره: (وكلَّ إنسان ألزمناه طائره في عنقه)(842) - يعني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(834) المحجر - كمجلس ومنبر - من العين ما دار بها وبدا من البرقع.
(835) يفتر أي يخرج بفتور وضعف.
(836) الغوابر جمع غابر: نقيض الماضي. والغوابر والبواقي في قبال الدوارج والسوالف في المستثنى منه، وصحف في بعض النسخ والبحار بالعوائر والتراقي وتكلف العلامة المجلسي رحمه الله في توجيهه، وحاصل المعنى: أنَّه ما يسكن بى شيء من البلايا الماضية إلّا وعوّض عنه من الأُمور الاتية بأعظم منها.
(837) الغائل: المهلك والغوائل. الدواهي.
(838) سمت لهم أي هيأ لهم وجه الكلام والرأي.
(839) استنزف الدمع: استنزله أو استخرجه كله.
(840) زفر الرَّجل: اخرج نفسه مع مده اياه. والزفرة: التنفس مع مد النفس.
(841) قد يرد الويل بمعنى التعجب (النهاية).
(842) الاسراء: 13.
الولاية - فأخذتني الرِّقّة، واستولت عليّ الأحزان فقلنا: يا بن رسول الله كرِّمنا وفضّلنا(843) بإشراكك إيّانا في بعض ما أنت تعلمه من علم ذلك.
قال: إنَّ الله تبارك وتعالى أدار للقائم منّا ثلاثة أدارها في ثلاثة من الرُّسل (عليهم السلام) قدّر مولده تقدير مولد موسى (عليه السلام)، وقدَّر غيبته تقدير غيبة عيسى (عليه السلام)، وقدر إبطاءه تقدير إبطاء نوح (عليه السلام)، وجعل له من بعد ذلك عمر العبد الصالح - أعني الخضر (عليه السلام) - دليلاً على عمره، فقلنا له: اكشف لنا يا بن رسول الله عن وجوه هذه المعاني.
قال (عليه السلام): أمّا مولد موسى (عليه السلام) فإنَّ فرعون لمّا وقف على أنَّ زوال ملكه على يده أمر باحضار الكهنة فدلّوه على نسبه وإنّه يكون من بني إسرائيل، ولم يزل يأمر أصحابه بشقِّ بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل حتّى قتل في طلبه نيّفاً وعشرين ألف مولود، وتعذَّر عليه الوصول إلى قتل موسى (عليه السلام) بحفظ الله تبارك وتعالى إيّاه، وكذلك بنو اُميّة وبنو العبّاس لمّا وقفوا على أنَّ زوال ملكهم وملك الامراء(844) والجبابرة منهم على يد القائم منا ناصبونا العداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(845) وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلى قتل القائم، ويأبى الله (عزَّ وجلَّ) أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلّا أن يتمَّ نوره ولو كره المشركون.
وأمّا غيبة عيسى (عليه السلام): فإنَّ اليهود والنصارى اتّفقت على أنَّه قتل فكذَّبهم الله جلَّ ذكره بقوله: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم)(846)، كذلك غيبة القائم فإنَّ الاُمّة ستنكرها لطولها؛ فمن قائل يهذي بأنه لم يلد، وقائل يقول: إنَّه يعتدَّى إلى ثلاثة عشر وصاعداً، وقائل يعصي الله (عزَّ وجلَّ) بقوله: إنَّ روح القائم ينطق في هيكل غيره.
وأمّا إبطاء نوح (عليه السلام): فانّه لمّا استنزلت العقوبة على قومه من السّماء بعث الله (عزَّ وجلَّ) الرُّوح الامين (عليه السلام) بسبع نويات، فقال: يا نبيَّ الله إنَّ الله تبارك وتعالى يقول لك: إنَّ هؤلاء خلائقي وعبادي ولست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلّا بعد تأكيد الدَّعوة وإلزام الحجّة فعاود اجتهادك في الدَّعوة لقومك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(843) في بعض النسخ (وشرفنا).
(844) في بعض النسخ (زوال ملكهم الامراء - الخ).
(845) في بعض النسخ (في قتل اهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)).
(846) النساء: 157.
(847) الازر: الاحاطة، والقوة، والضعف (ضد) والمؤازرة أن يقوي الزرع بعضه بعضاً. وسوق الشجر تسويقاً صار ذا ساق (القاموس) يعني تقوت وتقوى ساقها وكثرت أغصانها. وزهو التمرة: احمرارها واصفرارها.
فإني مثيبك عليه وأغرس هذه النّوى فإنَّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص، فبشّر بذلك من تبعك من المؤمنين.
فلمّا نبتت الاشجار وتأزَّرت وتسوَّقت وتغصّنت وأثمرت وزها التمر عليها(847) بعد زمان طويل استنجز من الله سبحانه وتعالى العدة، فأمره الله تبارك وتعالى أن يغرس من نوى تلك الاشجار ويعاود الصبر والاجتهاد، ويؤكّد الحجّة على قومه، فأخبر بذلك الطوائف الّتي آمنت به فارتدَّ منهم ثلاثمائة رجلٌ وقالوا: لو كان ما يدّعيه نوح حقّاً لمّا وقع في وعد ربّه خلف.
ثمَّ أنَّ الله تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كلّ مرَّة بأن يغرسها مرَّة بعد اخرى إلى أن غرسها سبع مرَّات فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين، ترتدُّ منه طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيّف وسبعين رجلاً فأوحى الله تبارك وتعالى عند ذلك إليه، وقال: يا نوح الان أسفر الصبح عن اللّيل لعبنك حين صرح الحقُّ عن محضه وصفى [الامر والايمان] من الكدر بارتداد كلِّ من كانت طينته خبيثة، فلو أنّي أهلكت الكفّار وأبقيت من قد أرتدَّ من الطوائف التي كانت آمنت بك لمّا كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الّذين أخلصوا التوحيد من قومك، واعتصموا بحبل نبوَّتك بأن أستخلفهم في الأرض وامكنَّ لهم دينهم وابدلَّ خوفهم بالامن لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشك(848) من قلوبهم، وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالأمن منّي لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الّذين ارتدّوا وخبث طينهم وسوء سرائرهم الّتي كانت نتائج النفاق، وسنوح الضّلالة(849) فلو أنّهم تسنّموا منّي الملك(850) الّذي اوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداءهم لنشقوا روائح صفاته ولاستحكمت سرائر نفاقهم(851) تأبّدت حبال ضلالة قلوبهم، ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة، وحاربوهم على طلب الرئاسة، والتفرُّد بالأمر والنهي، وكيف يكون التمكين في الدِّين وانتشار الامر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب كلّا (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا)(852).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(848) في بعض النسخ (بذهاب الشرك).
(849) أي ظهورها وفي بعض النسخ (شيوخ الضّلالة) وفي بعضها (شبوح الضّلالة) ولعل الصواب (شيوع الضّلالة).
(850) أي ركبوا الملك وفي بعض النسخ (تنسموا) من تنسم النسيم أي تشممه وفي بعض النسخ (تنسموا من الملك).
(851) في بعض النسخ (مرائر نفاقهم) وفي بعضها (من أثر نفاقهم) ونشقه - كفرحه - شمه. وفي بعض النسخ (تأيد حبال ظلالة قلوبهم).
(852) هود: 40 اقتباس وفي الآية (واصنع - الآية).
قال الصادق (عليه السلام): وكذلك القائم فإنه تمتدُّ أيّام غيبته ليصرح الحقُّ عن محضه ويصفو الايمان من الكدر بارتداد كلِّ من كانت طينته خبيثة من الشيعة الّذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخاف والتمكين والامن المنتشر في عهد القائم (عليه السلام).
قال المفضّل: فقلت: يا بن رسول الله فإنَّ [هذه] النواصب تزعم أنَّ هذه الآية(853) نزلت في أبي بكر وعمر، وعثمان، وعليٍّ (عليه السلام) فقال: لا يهدي الله قلوب الناصبة. متى كان الدِّين الّذي ارتضاه الله ورسوله متمكّناً بانتشار الامن(854) في الاُمّة، وذهاب الخوف من قلوبها، وارتفاع الشكِّ من صدورها في عهد واحد من هؤلاء، وفي عهد عليٍّ (عليه السلام) مع ارتداد المسلمين والفتن الّتي تثور في أيامهم، والحروب الّتي كانت تنشب بين الكفّار وبينهم. ثمّ تلا الصادق (عليه السلام) (حتّى إذا استيأس الرُّسل وظنّوا أنّهم قد كذبوا جاءهم نصرنا)(855).
وأمّا العبد الصالح - أعني الخضر (عليه السلام) - فإنَّ الله تبارك وتعالى ما طوَّل عمره لنبوّة قدرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لامامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بلى إنَّ الله تبارك وتعالى لمّا كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم (عليه السلام) في أيّام غيبته ما يقدّر، وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطَّول، طول عمر العبد الصالح في غير سبب يوجب ذلك إلّا لعلة الاستدلال به على عمر القائم (عليه السلام) وليقطع بذلك حجّة المعاندين لئلّا يكون للنّاس على الله حجّة.
52 - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقندي رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن جعفر بن مسعود؛ وحيدر بن محمّد بن نعيم السمرقنديُّ جميعاً، عن محمّد مسعود العياشيّ قال: حدّثني عليّ بن محمّد بن شجاع، عن محمّد بن عيسى، عن يونس ابن عبد الرَّحمن، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قال الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في قول الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(853) أي قوله (وعد الله الّذين آمنوا منكم وعمل الصالحات ليستخلفنهم - الآية).
(854) في بعض النسخ (بانتشار الامر).
(855) يوسف: 111.
(عزَّ وجلَّ): (يوم يأتي بعض آيات ربّك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً)(856) يعني خروج القائم المنتظر منّا، ثمَّ قال (عليه السلام): يا أبا بصير طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته، والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء الله الّذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
53 - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه محمّد بن مسعود العياشيِّ، عن جعفر ابن أحمد، عن العمركيِّ بن علي البوفكيِّ(857)، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال، عن مروان بن مسلم، عن أبي بصير قال: قال الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): طوبي لمن تمسّك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية، فقلت له جعلت فداك وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنّة أصلها في دار عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) وليس من مؤمن إلّا وفي داره غصن من أغصانها، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ)، (طوبى لهم وحسن مآب)(858).
54 - حدّثنا عليُّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدَّقّاق قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعيُّ، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفليِّ، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يا بن رسول الله إنّي سمعت من أبيك (عليه السلام) أنَّه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهديّاً فقال: إنّما قال: اثنا عشر مهديّاً، ولم يقل: إثنا عشر إماماً، ولكنّهم قوم من شيعتنا يدعون النّاس إلى موالاتنا ومعرفة حقّنا.
55 - حدّثنا عليُّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقّاق رضي الله عنه قال: حدَّثنا حمزة بن القاسم العلويُّ العباسيُّ(859) قال: حدّثنا جعفر بن محمّد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(856) الانعام: 158.
(857) العمركي بن عليّ بن محمّد البوفكي شيخ من أصحابنا ثقة (صه) وبوفك قرية بنيسابور، وراوية جعفر بن أبي أحمد بن أيّوب صحيح الحديث.
(858) الرعد: 29.
(859) حمزة بن القاسم من أحفاد أبي الفضل العبّاس بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) الشهيد بطف جليل القدر من أصحابنا كثير الحديث.
بن مالك الكوفيُّ الفزاريُّ قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن زيد الزّيّات قال: حدّثنا محمّد بن زياد الازديُّ، عن المفضّل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال: سألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (وإذا ابتلى إبراهيم ربُّه بكلمات فأتمهنَّ)(860) ما هذه الكلمات؟
قال: هي الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه فتاب الله عليه وهو أنَّه قال: (أسألك بحقِّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت عليَّ) فتاب الله عليه إنَّه هو التَّواب الرَّحيم. فقلت له: يا بن رسول الله فما يعني (عزَّ وجلَّ) بقوله (فأتمّهنَّ)؟ قال: يعني فأتمّهنَّ إلى القائم اثني عشر إماماً تعسة من ولد الحسين (عليهم السلام).
قال المفضّل: فقلت: يا بن رسول الله فأخبرني عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (وجعلها كلمة باقية في عقبه)(861) قال: يعني بذلك الامامة، جعلها الله تعالى في عقب الحسين إلى يوم القيامة، قال: فقلت له: يا بن رسول الله فكيف صارت الامامة في ولد الحسين دون ولد الحسن (عليهما السلام) وهما جميعاً ولداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسبطاه وسيّدا شباب أهل الجنّة؟ فقال (عليه السلام): إنَّ موسى وهارون كانا نبييّن مرسلين وأخوين فجعل الله (عزَّ وجلَّ) النبوَّة في صلب هارون دون صلب موسى (عليهما السلام)، ولم يكن لأحد أن يقول: لم فعل الله ذلك، وإنَّ الامامة خلافة الله (عزَّ وجلَّ) في أرضه وليس لأحد أن يقول: لِمَ جعله الله في صلب الحسين دون صلب الحسن (عليهما السلام)، لأنّ الله تبارك وتعالى هو الحكيم في أفعاله (لا يسئل عمّا يفعل وهم يسئلون) (862).
1 - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدَّثنا سعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(860) البقرة: 124.
(861) الزخرف: 27.
(862) الأنبياء: 23. وللمؤلف كلام طويل ذيل هذا الخبر في كتابه معاني الأخبار ص 127.
بن عبد الله، عن الحسن بن عيسى بن محمّد بن عليِّ بن جعفر، عن أبيه، عن جدِّه محمّد بن عليٍّ، عن عليِّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنّكم أحد عنها، يا بنيَّ(863): إنَّه لابدّ لصاحب هذا الامر من غيبة حتّى يرجع عن هذا الامر من كان يقول به، إنّما هي محنة من الله (عزَّ وجلَّ) امتحن بها خلقه، ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحّ من هذه لاتبعوه. فقلت: يا سيّدي وما الخامس من ولد السابع؟ فقال: يا بنيَّ عقولكم تضعف عن ذلك وأحلامكم تضيق عن حمله ولكن أن تعيشوا فسوف تدركونه.
2 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله قال: حدَّثنا الحسن ابن موسى الخشّاب، عن العبّاس بن عامر القصبانيِّ(864) قال: سمعت أبا الحسن موسى ابن جعفر (عليهما السلام) يقول: صاحب هذا الامر من يقول النّاس: لم يولد بعد(865).
3 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن عيسى، عن موسى بن القاسم، عن معاوية بن وهب البجليِّ؛ وأبي قتادة عليِّ ابن محمّد بن حفص، عن عليِّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: قلت: ما تأويل قول الله (عزَّ وجلَّ): (قل أرأيتم أن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين)(866) فقال: إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون.
4 - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن خالد البرقيُّ، عن عليِّ بن حسّان، عن داود بن كثير الرّقّي قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن صاحب هذا الامر قال: هو الطريد الوحيد الغريب الغائب عن أهله، الموتور بأبيه (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(863) كذا في نسخ الكتاب وعلل الشرايع وغيبة الطوسي وغيبة النعماني رحمهما الله وكفاية الاثر، والخطاب لاخيه عليّ بن جعفر ولعله من باب اللطف والشفقة، أو يكون في الأصل (عليّ بن جعفر قال: حدّثنا موسى بن جعفر (عليهما السلام) - الخ) وقوله: (يا بني) بصيغة الجمع من باب الشفقة أيضاً.
(864) عبّاس بن عامر بن رباح أبو الفضل الثقفي القصبانى عنونه الشيخ في رجاله تارة من أصحاب الكاظم (عليه السلام) واخرى في باب من لم يرو عنهم (عليه السلام)، وعنونه العلاقة في القسم الاوَّل وقال: الشيخ الصدوق الثقة انتهى. والقصباني نسبة إلى بيع القصب كما في اللباب وهو خلاف القياس.
(865) اعلم أنَّ الخبر يأتي أيضاً في باب ما روي عن الهادي (عليه السلام) في النص على القائم وغيبته عن سعد عن الخشاب عن اسحاق بن محمّد بن أيّوب، عن الهادي (ع) ص 382.
(866) الملك: 30.
5 - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن صالح بن السنديِّ، عن يونس بن عبد الرَّحمن قال: دخلت على موسى بن جعفر (عليهما السلام) فقلت له: يا بن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال: أنا القائم بالحقِّ ولكن القائم الّذي يطهّر الأرض من أعداء الله (عزَّ وجلَّ) ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلما هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون.
ثمَّ قال: طوبى لشيعتنا، المتمسّكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمّة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثمَّ طوبى لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة.
* * *
قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: إحدى العلل الّتي من أجلها وقعت الغيبة الخوف كما ذكر في هذا الحديث، وقد كان موسى بن جعفر (عليهما السلام) في ظهوره كاتماً لأمره وكان شيعته لا تختلف إليه ولا تجترون(867) على الاشارة خوفاً من طاغية زمانه، حتّى أنَّ هشام بن الحكم لمّا سئل في مجلس يحيى بن خالد عن الدّلالة على الامام أخبر بها، فلمّا قيل له: (من هذا الموصوف)؟ قال: صاحب القصر أمير المؤمنين هارون الرَّشيد، وكان هو خلف الستر قد سمع كلامه، فقال: أعطانا والله من جراب النورة(868) فلمّا علم هشام أنَّه قد أتى هرب وطلب فلم يقدر عليه وخرج إلى الكوفة ومات بها عند بعض الشيعة، فلم يكفِّ الطلب عنه حتّى وضع ميتاً بالكناسة وكتبت رقعة ووضعت معه: (هشام بن الحكم الّذي يطلبه أمير المومنين) حتّى نظر إليه القاضي والعدول وصاحب المعونة والعامل، فحينئذ كفّ الطاغية عن الطلب عنه(869).
ذكر كلام هشام بن الحكم رضي الله عنه في هذا المجلس وما آل إليه أمره
حدَّثنا أحمد بن زياد الهمدانيُّ، والحسين بن إبراهيم بن ناتانه رضي الله عنهما قالا: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد ابن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(867) في بعض النسخ (لا تجسرون).
(868) مثل بين العرب والاصل فيه أنَّه سأل محتاج أميراً قسي القلب شيئاً فعلق على رأسه جراباً من النورة (الكلس) عند فمه وأنفه، وكلما تنفس دخل في أنفه شيء فصار مثلاً.
(869) في بعض النسخ (كف الطلب عنه).
أبي عمير قال: أخبرني عليٌّ الاسواريُّ قال: كان ليحيى بن خالد مجلس في داره يحضره المتكلّمون من كلِّ فرقة وملة يوم الأحد، فيتناظرون في أديانهم، يحتجُّ بعضهم على بعض، فبلغ ذلك الرَّشيد، فقال ليحيى بن خالد: يا عباسي ما هذا المجلس الّذي بلغني في منزلك يحضره المتكلّمون؟ قال: يا أمير المؤمنين ما شيء ممّا رفعني به أمير المؤمنين وبلغ بي من الكرامة والرَّفعة أحسن موقعاً عندي من هذا المجلس، فانّه يحضره كلُّ قوم مع اختلاف مذاهبهم، فيحتجُّ بعضهم على بعض ويعرف المحقُّ منهم، ويتبيّن لنا فساد كلِّ مذهب من مذاهبهم.
فقال له الرَّشيد: أنا اُحبُّ أن أحضر هذا المجلس وأسمع كلامهم على أن لا يعلموا بحضوري فيحتشموني ولا يظهروا مذاهبهم، قال: ذلك إلى أمير المؤمنين متى شاء، قال: فضع يدك على رأسي أن لا تُعلمهم بحضوري، ففعل [ذلك] وبلغ الخبر المعتزلة، فتشاوروا بينهم وعزموا على أن لا يكلّموا هشاماً إلّا في الامامة لعلمهم بمذهب الرَّشيد وإنكاره على من قال بالامامة. قال: فحضروا، وحضر هشام، وحضر عبد الله بن يزيد الاباضيُّ وكان من أصدق النّاس(870) لهشام بن الحكم، وكان يشاركه في التجارة(871)، فلمّا دخل هشام سلّم على عبد الله بن يزيد من بينهم، فقال يحيى بن خالد لعبد الله بن يزيد: يا عبد الله كلّم هشاماً فيما اختلفتم فيه من الامامة.
فقال هشام: أيّها الوزير ليس لهم علينا جوابٌ ولا مسألة إنَّ هؤلاء قوم كانوا مجتمعين معنا على إمامة رجل، ثمَّ فارقونا بلا علم ولا معرفة، فلا حين كانوا معنا عرفوا الحقَّ، ولا حين فارقونا علموا على ما فارقونا، فليس لهم علينا مسألة ولا جواب.
فقال بيان(872) - وكان من الحرورية -: أنا أسألك يا هشام، أخبرني عن أصحاب عليٍّ يوم حكّموا الحكمين أكانوا مؤمنين أم كافرين؟ قال هشام: كانوا ثلاثة أصناف: صنفٌ مؤمنون، وصنفٌ مشركون، وصنفٌ ضلال، فأمّا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(870) من الصداقة. والاباض - بكسر الهمزة - ومنه الاباضية فرقة من الخوارج أصحاب عبد الله بن اباض التميمي. (الصحاح).
(871) في بعض النسخ (في المحاورة).
(872) في بعض النسخ (بنان) وكذا فيما يأتي.
المؤمنون فمن قال مثل قولي: إنَّ عليّاً (عليه السلام) إمام من عند الله (عزَّ وجلَّ). ومعاوية لا يصلح لها، فآمنوا بما قال الله (عزَّ وجلَّ) في عليّ (عليه السلام) وأقرُّوا به.
وأما المشركون فقوم قالوا: علىٌّ إمام، ومعاوية يصلح لها، فأشركوا إذ أدخلوا معاوية مع عليٍّ (عليه السلام).
وأما الضلّال: فقوم خرجوا على الحميّة والعصبيّة للقبائل والعشائر [ف]ـلم يعرفوا شيئاً من هذا وهم جهّال. قال: فأصحاب معاوية ما كانوا؟ قال: كانوا ثلاثة أصناف: صنفٌ كافرون، وصنفٌ مشركون، وصنف ضلّال.
فأمّا الكافرون: فالذين قالوا: إنَّ معاوية إمام، وعليٌّ لا يصلح لها، فكفروا من جهتين إذ جحدوا إماماً من الله (عزَّ وجلَّ)، ونصبوا إماماً ليس من الله.
وأمّا المشركون: فقوم قالوا: معاوية إمامٌ، وعليٌّ يصلح لها، فأشركوا معاوية مع عليٍّ (عليه السلام).
وأمّا الضّلال: فعلى سبيل اولئك خرجوا للحميّة والعصبيّة للقبائل والعشائر. فانقطع بيان عند ذلك.
فقال ضرار: وأنا أسألك يا هشام في هذا؟ فقال هشام: أخطأت قال: ولم؟ قال: لانكم كلكم مجتمعون على دفع إمامة صاحبي، وقد سألني هذا عن مسألة وليس لكم أن تثنوا بالمسألة عليَّ حتّى أسألك يا ضرار عن مذهبك في هذا الباب؟ قال ضرار: فسل، قال: أتقول: إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) عدلٌ لا يجور؟ قال: نعم هو عدل لا يجور تبارك وتعالى، قال: فلو كلّف الله المقعد المشي إلى المساجد والجهاد في سبيل الله، وكلّف الاعمى قراءة المصاحف والكتب أتراه كان يكون عادلاً أم جائراً؟ قال ضرار: ما كان الله ليفعل ذلك، قال هشام: قد علمتُ أنَّ الله لا يفعل ذلك ولكن ذلك على سبيل الجدل والخصومة، أنَّ لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائراً إذ كلّفه تكليفاً لا يكون له السبيل إلى إقامته وأدائه؟ قال: لو فعل ذلك لكان جائزاً.
قال: فأخبرني عن الله (عزَّ وجلَّ) كلّف العباد ديناً واحداً لا اختلاف فيه لا يقبل منهم إلّا أن يأتوا به كما كلفهم؟ قال: بلى، قال: فجعل لهم دليلاً على وجود ذلك الدِّين، أو كلّفهم مالا دليل لهم على وجوده فيكون بمنزلة من كلّف الأعمى قراءة الكتب والمعقد المشي إلى المساجد والجهاد؟ قال: فسكت ضرار ساعة، ثمَّ قال: لابدّ من دليل وليس بصاحبك، قال: فتبسّم هشام وقال: تشيّع شطرك(873) وصرت إلى الحقِّ ضرورة ولا خلاف بيني وبينك إلّا في التسمية، قال ضرار: فإنّي أرجع القول عليك في هذا، قال: هات، قال ضرار لهشام: كيف تعقد الامامة؟ قال هشام: كما عقد الله (عزَّ وجلَّ) النبوَّة، قال: فهو إذا نبيٌّ، قال هشام: لا لأنّ النبوَّة يعقدها أهل السّماء، والامامة يعقدها أهل الأرض، فعقد النبوَّة بالملائكة، وعقد الامامة بالنبيِّ(874) والعقدان جميعاً بأمر الله جلَّ جلاله، قال: فما الدّليل على ذلك؟ قال هشام: الاضطرار في هذا، قال ضرار: وكيف ذلك؟ قال هشام: لا يخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه: إمّا أن يكون الله (عزَّ وجلَّ) رفع التكليف عن الخلق بعد الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلم يكلفهم ولم يأمرهم ولم ينههم فصاروا بمنزلة السباع والبهائم الّتي لا تكليف عليها، أفتقول هذا يا ضرار إنَّ التكليف عن النّاس مرفوعٌ بعد الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ قال: لا أقول هذا، قال هشام: فالوجه الثاني ينبغي أن يكون النّاس المكلفون(875) قد استحالوا بعد الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) علماء في مثل حدِّ الرَّسول في العلم حتّى لا يحتاج أحدٌ إلى أحد، فيكونوا كلّهم قد استغنوا بأنفسهم، وأصابوا الحق الّذي لا اختلاف فيه، أفتقول هذا إنَّ النّاس استحالوا علماء حتّى صاروا في مثل حدِّ الرَّسول في العلم بالدين حتّى لا يحتاج أحدٌ إلي أحد مستغنين بأنفسهم عن غيرهم في إصابة الحقِّ؟ قال: لا أقول هذا ولكنهم يحتاجون إلى غيرهم.
قال: فبقي الوجه الثالث وهو أنَّه لابدّ لهم من عالم يقيمه الرسول لهم لا يسهو ولا يغلط ولا يحيف، معصوم من الذُّنوب، مبرَّءٌ، من الخطايا، يحتاج [النّاس] إليه ولا يحتاج إلى أحد، قال: فما الدّليل عليه؟ قال هشام: ثمان دلالات أربع في نعت نسبه، وأربع في نعت نفسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(873) أي بعضك، ولعل المراد به لسانه حيث أقر بوجود الدليل.
(874) في بعض النسخ (إلّا أنَّ النبوَّة تعقد بالملائكة والامامة تعقد بالنبي).
(875) صفة للناس. و(استحالوا) أي تحولوا علماء لا يحتاجون إلى علمه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد أن يكون في زمان الرَّسول يحتاجون إليه في دينهم.
فأمّا الاربع الّتي في نعت نسبه: فإنّه يكون معروف الجنس، معروف القبيلة، معروف البيت، وأن يكون من صالب الملّة والدَّعوة إليه إشارة، فلم ير جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب الّذين منهم صاحب الملّة والدعوة الّذي ينادى باسمه في كلّ يوم خمس مرَّات على الصوامع (أشهد أنَّ لا إله إلّا الله، وأنَّ محمداً رسول الله) فتصل دعوته إلى كلِّ برٍّ وفاجر وعالم وجاهل، مقرّ ومنكر، في شرق الأرض وغربها ولو جاز أن تكون الحجّة من الله على هذا الخلق في غير هذا الجنس لاتى على الطالب المرتاد دهرٌ من عصره لا يجده، ولجاز أن يطلبه في أجناس من هذا الخلق من العجم وغيرهم، ولكان من حيث أراد الله (عزَّ وجلَّ) أن يكون صلاح يكون فساد ولا يجوز هذا في حكمة الله جلَّ وجلاله وعدله أن يفرض على النّاس فريضة لا توجد، فلمّا لم يجز ذلك لم يجز أن يكون إلّا في هذا الجنس لا تصاليه بصاحب الملة والدعوة، فلم يجز أن يكون من هذا الجنس إلّا في هذه القبيلة لقرب نسبها من صاحب الملّة وهي قريش، ولمّا لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلّا في هذه القبيلة لم يجز أن يكون من هذه القبيلة إلّا في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب الملّة والدَّعوة، ولمّا كثر أهل هذا البيت وتشاجروا في الامامة لعلوِّها وشرفها ادَّعاها كلُّ واحد منهم فلم يجز إلّا أن يكون من صاحب الملّة والدَّعوة إشارة إليه بعينه واسمه ونسبه كيلا يطمع فيها غيره.
وأما الاربع الّتي في نعت نفسه: فإنَّ يكون أعلم النّاس كلّهم بفرائض الله وسننه وأحكامه حتّى لا يخفى عليه منها دقيق ولا جليل، وأن يكون معصوماً من الذُّنوب كلّها، وأن يكون أشجع النّاس، وأن يكون أسخى النَّاس.
فقال عبد الله بن يزيد الاباضيُّ: من أين قلت: إنَّه أعلم النّاس؟ قال: لأنّه إن لم يكن عالماً بجميع حدود الله وأحكامه وشرائعه وسننه لم يؤمن عليه أن يقلب الحدود، فمن وجب عليه القطع حدَّه، ومن وجب عليه الحد قطعه، فلا يقيم لله (عزَّ وجلَّ) حدّاً على ما أمر به فيكون من حيث أراد الله صلاحاً يقع فساداً.
قال: فمن أين قلت: إنَّه معصوم من الذنوب؟ قال لأنّه إن لم يكن
معصوماً من الذُّنوب دخل في الخطأ، فلا يؤمن أن يكتم على نفسه ويكتم على حميمه وقريبه، ولا يحتجُّ الله بمثل هذا على خلقه.
قال: فمن أين قلت: إنَّه أشجع النّاس؛ قال: لأنّه فئة للمسلمين الّذي يرجعون إليه في الحروب، وقال الله (عزَّ وجلَّ): (ومن يولّهم يومئذ دبره إلّا متحرِّفاً لقتال أو متحيّزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله)(876) فإن لم يكن شجاعاً فر فيبوء بغضب من الله، ولا يجوز أن يكون من يبوء بغضب من الله (عزَّ وجلَّ) حجّة الله على خلقه.
قال: [ف] من أين قلت أنَّه أسخى النّاس؟ قال: لأنّه خازن المسلمين فإنَّ لم يكن سخيا تاقت نفسه إلى أموالهم(877) فأخذها فكان خائناً، ولا يجوز أن يحتجَّ الله على خلقه بخائن.
فعند ذلك قال ضرار: فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت؟ فقال: صاحب القصر أمير المؤمنين. وكان هارون الرَّشيد قد سمع الكلام كلّه، فقال عند ذلك: أعطانا والله من جراب النورة، ويحك يا جعفر - وكان جعفر بن يحيى جالساً معه في الستر - من يعني بهذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين يعني به موسى بن جفعر، قال: ما عنى بها غير أهلها(878)، ثمَّ عضَّ على شفتيه وقال: مثل هذا حيٌّ ويبقى لي ملكي ساعة واحدة؟! فو الله للسان هذا أبلغ في قلوب النّاس من مائة ألف سيف، وعلم يحيى أنَّ هشاما قد إنّي(879) فدخل الستر فقال: يا عبّاسيُّ ويحك من هذا الرَّجل فقال: يا أمير المؤمنين حسبك تُكفى تُكفى، ثمَّ خرج إلى هشام فغمزه، فلم هشام أنَّه قد اتي فقام يريهم أنَّه يبول أو يقضي حاجة فلبس نعليه وانسلَّ ومر ببيته وأمرهم بالتواري وهرب ومرَّ من فوره نحو الكوفة فوافى الكوفة ونزل على بشير النبّال - وكان من حملة الحديث من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) - فأخبره الخبر، ثمَّ اعتلَّ علّة شديدة فقال له البشير: آتيك بطبيب؟ قال: لا أنا ميت، فلمّا حضره الموت قال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(876) الانفال: 16.
(877) أي اشتاقت ونازعت نفسه إليه.
(878) أي ما عني بقوله (أمير المؤمنين) إلّا من هو أمير المؤمنين عنده.
(879) يعني وقع في الهلكة.
لبشير: إذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف اللّيل وضعني بالكناسة واكتب رقعة وقل: هذا هشام بن الحكم الّذي يطلبه أمير المؤمنين، مات حتف أنفه.
وكان هارون قد بعث إلى إخوانه وأصحابه فأخذ الخلق به، فلمّا أصبح أهل الكوفة رأوه، وحضر القاضي وصاحب المعونة والعامل والمعدلون بالكوفة، وكتب إلى الرَّشيد بذلك، فقال: الحمد لله الّذي كفانا أمره فخلّى عمّن كان اُخذ به.
* * *
6 - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي أحمد محمّد بن زياد الازديِّ قال: سألت سيدي موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة)(880) فقال (عليه السلام): النعمة الظاهرة الامام الظاهر، والباطنة الامام الغائب، فقلت له: ويكون في الأئمّة من يغيب؟ قال: نعم يغيب عن أبصار النّاس شخصه، ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منّا، يسهّل الله له كلِّ عسير، ويذلّل له كلِّ صعب، ويظهر له كنوز الأرض، ويقرِّب له كلَّ بعيد، ويبير به كلَّ جبّار عنيد(881) ويهلك على يده كلَّ شيطان مريد، ذلك ابن سيّدة الاماء الّذي تخفى على النّاس ولادته، ولا يحلُّ لهم تسميته حتّى يظهره الله (عزَّ وجلَّ) فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً(882).
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: لم أسمع هذا الحديث إلّا من أحمد بن زياد ابن جعفر الهمدانيُّ رضي الله عنه بهمدان عند منصر في من حَجَّ بيت الله الحرام، وكان رجلاً ثقة ديناً فاضلاً رحمة الله عليه ورضوانه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(880) لقمان: 20.
(881) اباره الله: أهلكه. وفي بعض النسخ (يتبر) والتبر: الكسر والاهلاك كالتتبير وفى بعض النسخ (يفنى به).
(882) في هامش بعض النسخ المخطوطة هكذا: (الّذي ادعاه المصنف فيما تقدَّم من النهي عن ذكر اسمه (عليه السلام) يقويه ويؤيده هذا الحديث ولا فالروايات التي ذكرها في هذه الابواب عن الائمّة: في النهي عن ذكر اسمه (عليه السلام) يمكن أن يحمل النهي فيها على قبل الغيبة في زمان العباسية دون عصرنا هذا لأنّ التقيّة كانت في ذلك الزَّمان أشد من هذا العصر. وإنّما قلنا (يمكن أن يحمل النهى على قبل غيبته (عليه السلام)) لأنّ النهى لا يخلو من وجهين اما خوفا على الامام وهو مفقود في هذا العصر اذلا يقدر احد أن يظفر به، وأمّا خوفاً على القائل الذاكر باسمه وهذا أيضاً منتف إذ لا يتصور الضرر من مخالفي هذا العصر ولا التعرض به لأنّه لو كان أحد ينادي في الاسواق باعلى صوته يا محمّد بن الحسن لا يرى أحد من المخالفين أنَّه سمع اسمه ويعرفه حتّى يؤذي قائله وإذا كان كذلك فلم لا يجوز للمؤمنين أن يسموه ويتبركوا ويتشرفوا بذكر اسمه (ع). وأمّا قبل غيبته الكبرى كان الضرر متصوراً، لكن هذه الرواية تأبى ذلك والله أعلم).
1 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن أيّوب بن نوح قال: قلت للرِّضا (عليه السلام): إنّا لنرجو أن تكون صاحب هذا الامر وأن يردَّه الله(883) (عزَّ وجلَّ) إليك من غير سيف، فقد بويع لك وضربت الدَّراهم باسمك، فقال: ما منّا أحد اختلفت إليه الكتب، وسئل عن المسائل وأشارت إليه الاصابع، وحملت إليه الأموال إلّا اغتيل أو مات على فراشه حتّى يبعث الله (عزَّ وجلَّ) لهذا الامر رجلاً خفي المولد والمنشأ غير خفيٍّ في نسبه.
2 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا جعفر ابن محمّد بن مالك الفزاريُّ، عن عليِّ بن الحسن بن فضّال، عن الرَّيّان بن الصلت قال: سمعته يقول: سئل أبو الحسن الرِّضا (عليه السلام) عن القائم (عليه السلام) فقال: لا يرى جسمه ولا يسمى باسمه.
3 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أحمد ابن هلال العبر تائيِّ، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الحسن عليِّ بن موسى الرضا (عليهما السلام) قال: قال لي: لابدّ من فتنة صمّاء صيلم(884) يسقط فيها كلّ بطانة ووليجة وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يبكي عليه أهل السّماء وأهل الأرض وكلُّ جرَّى وحرَّان، وكل حزين ولهفان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(883) في بعض النسخ (يسديه الله) وفي بعضها (يسوقه الله).
(884) الصيلم: الامر الشديد والداهية. والفتنة الصماء هي الّتي لا سبيل إلى تسكينها لتناهيها في دهائها لأنّ الاصم لا يسمع الاستغاثة ولا يقلع عمّا يفعله، وقيل: هي كالحية الصماء التي لا تقبل الرقي (النهاية) وبطانة الرَّجل صاحب سره والّذي يشاوره. ووليجة الرَّجل: دخلاؤه وخاصته.
ثم قال (عليه السلام): بأبي وأمّي سمِّي جدِّي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وشبيهي وشبيه موسى بن عمران (عليه السلام)، عليه جيوب النور، يتوقَّد من شعاع ضياء القدس(885) يحزن لموته أهل الأرض والسماء، كم من حرَّى مؤمنة، وكم من مؤمن متأسف حرَّان حزين عند فقدان الماء المعين، كأنّي بهم آيس ما كانوا قد نودوا نداءً يسمع من بُعد كما يسمع من قرب، يكون رحمة على المؤمنين وعذابا على الكافرين.
4 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا أبي، عن محمّد ابن أحمد، عن محمّد بن مهران(886)، عن خاله أحمد بن زكريّا قال: قال لي الرِّضا عليُّ ابن موسى (عليهما السلام): أين منزلك ببغداد؟ قلت: الكرخ، قال: أما إنَّه أسلم موضع ولابدَّ من فتنة صماء صيلم تسقط فيها كلّ وليجة وبطانة، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي.
5 - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عليِّ بن معبد، عن الحسين بن خالد قال: قال عليُّ بن موسى الرضا (عليهما السلام): لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقيّة له، إنَّ أكرمكم عند الله أعملكم بالتقيّة. فقيل له: يا بن رسول الله إلى متى؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقيّة قبل خروج قائمنا فليس منّا فقيل له: يا بن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال الرَّابع من ولدي ابن سيّدة الاماء، يطهّر الله به الأرض من كلِّ جور، ويقدِّسها من كلِّ ظلم، [وهو] الّذي يشكُّ النّاس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره(887)، ووضع ميزان العدل بين النّاس فلا يظلم أحدٌ أحداً، وهو الّذي تطوي له الأرض ولا يكون له ظلٌّ، وهو الّذي ينادي مناد من السّماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدُّعاء إليه يقول: ألا إنَّ حجّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتّبعوه، فإنَّ الحقَّ معه وفيه، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (إن نشأ ننزَّل عليهم من السّماء آية فظلَّت أعناقهم لها خاضعين)(888).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(885) في بعض النسخ (سناء ضياء القدس) وقال العلامة المجلسي: المعنى أنَّ جيوب الاشخاص النورانية من كمل المؤمنين والملائكة المقربين وأرواح المرسلين تشتعل للحزن على غيبته وحيرة النّاس فيه وإنّما ذلك لنور ايمانهم الساطع من شموس عوالم القدس - إلى أن قال -: ويحتمل أن يكون (على) تعليلية أي بركة هدايته وفيضه (ع) يسطع من جيوب القابلين أنوار القدس من العلوم والمعارف الربانية.
(886) في بعض النسخ (محمّد بن حمدان).
(887) في بعض النسخ (بنور ربها).
(888) الشعراء: 4.
6 - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليّ ابن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهرويِّ قال: سمعت دعبل بن عليٍّ الخزاعيِّ يقول: أنشدت مولاي الرِّضا عليَّ بن موسى (عليهما السلام) قصيدتي الّتي أوَّلها:
مدارس آيات خلت من تلاوة * * * ومنزل وحي مقفر العرصات
فلمّا انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج * * * يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كلّ حقٍّ وباطل * * * ويجزي على النعماء والنقمات
بكى الرِّضا (عليه السلام) بكاء شديداً، ثمّ رفع رأسه إليَّ فقال لي: يا خزاعيُّ نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الامام ومتى يقوم؟ فقلت: لا يا مولاي إلّا إنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد ويملاها عدلاً [كما ملئت جوراً].
فقال: يا دعبل الامام بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه عليٌّ، وبعد عليّ ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدُّنيا إلّا يوم واحد لطول الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتّى يخرج فيملا الأرض(889) عدلاً كما ملئت جوراً.
وأمّا (متى) فإخبار عن الوقت، فقد حدّثني أبي، عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذرِّيّتك؟ فقال (عليه السلام): مثله مثل الساعة الّتي (لا يجليها لوقتها إلّا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلّا بغتة)(890).
ولدعبل بن عليٍّ الخزاعيِّ رضي الله عنه خبر آخر أحببت إيراده على أثر هذا الحديث الّذي مضى.
حدَّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم رضي الله عنه، عن أبيه، عن جده إبراهيم بن هاشم، عن عبد السلام بن صالح الهرويِّ قال: دخل دعبل بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(889) في بعض النسخ (فيملاها).
(890) الاعراف: 178. وفي اكثر النسخ (لا يجليها لوقتها إلّا الله (عزَّ وجلَّ) ثقلت في السموات - الآية) لكن في العيون كما في المتن.
عليٍّ الخزاعيُّ رضي الله عنه على أبي الحسن عليّ بن موسى الرِّضا (عليهما السلام) بمرو فقال له: يا بن رسول الله إنّي قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي(891) أن لا أنشدها أحداً قبلك، فقال (عليه السلام) هاتها، فأنشدها:
مدارس آيات خلت من تلاوة * * * ومنزل وحي مقفر العرصات
فلمّا بلغ إلى قوله:
أرى فيئهم في غيرهم متقسّماً * * * وأيديهم من فيئهم صفرات
بكى أبو الحسن الرِّضا (عليه السلام) وقال: صدقت يا خزاعيُّ فلمّا بلغ إلى قوله:
إذا وتروا مدُّوا إلى واتريهم * * * أكفّاً عن الاوتار منقبضات
جعل أبو الحسن (عليه السلام) يقلّب كفيه وهو يقول: أجل والله منقبضات، فلمّا بلغ إلى قوله:
لقد خفت في الدُّينا وأيّام سعيها * * * وإنّي لأرجو الأمن بعد وفاتي
قال له الرضا (عليه السلام): آمنك الله يوم الفزع الاكبر.
فلمّا انتهي إلى قوله:
وقبر ببغداد لنفس زكيّة * * * تضمنّه الرّحمن في الغرفات
قال له الرِّضا (عليه السلام): أفلا الحق لك بهذا الموضع بيتين، بهما تمام قصيدتك؟ فقال: بلى يا بن رسول الله، فقال (عليه السلام):
وقبر بطوس يالها من مصيبة * * * توقّد في الأحشاء بالحرقات(892)
إلى الحشر حتّى يبعث الله قائما * * * يفرِّج عنّا الهمَّ والكربات
فقال دعبل: يا بن رسول الله هذا القبر الّذي بطوس قبر من هو؟ فقال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(891) أي حلفت أو نذرت وجعلت على نفسي كذا وكذا.
(892) في بعض النسخ (ألحت على الاحشاء بالزفرات).
الرضا (عليه السلام): قبري، ولا تنقضي الأيّام واللّيالي حتّى تصير طوس مختلف شيعتي وزوَّاري في غربتي، إلّا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له.
ثمَّ نهض الرِّضا (عليه السلام) بعد فراغ دعبل من إنشاده القصيدة وأمره أنَّ لا يبرح من موضعه فدخل الدّار فلمّا كان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار رضويّة، فقال له: يقول لك مولاي: إجعلها في نفقتك، فقال دعبل: والله ما لهذا جئت، ولا قلت هذه القصيدة طمعاً في شيء يصل إليَّ وردَّ الصرة وسأل ثوباً من ثياب الرِّضا (عليه السلام) ليتبرك به ويتشرف، فأنفذ إليه الرضا (عليه السلام) جبة خز مع الصرة وقال الخادم: قل له: يقول لك [مولاي]: خذ هذه الصرَّة فانّك ستحتاج إليها ولا تراجعني فيها، فأخذ دعبل الصرة والجبة وانصرف، وسار من مروفي قافلة، فلمّا بلغ ميان - قوهان(893) وقع عليهم اللّصوص، وأخذوا القافلة بأسرها وكتفوا أهلها، وكان دعبل فيمن كتف، وملك اللصوص القافلة، وجعلوا يقسّمونها بينهم، فقال رجلٌ من القوم متمثّلاً بقول دعبل من قصيدته:
أرى فيئهم في غيرهم متقسّماً * * * وأيديهم من فيئهم صفرات
فسمعه دعبل فقال له: لمن هذا البيت؟ فقال له: لرجل من خزاعة يقال له: دعبل بن عليٍّ، فقال له دعبل: فأنا دعبل بن عليّ قائل هذه القصيدة الّتي منها هذا البيت، فوثب الرَّجل إلى رئيسهم وكان يصلي على رأس تلٍّ وكان من الشيعة فأخبره فجاء بنفسه حتّى وقف على دعبل قال له: أنت دعبل؟ فقال: نعم، فقال له: أنشد القصيدة، فأنشدها فحلَّ كتافه وكتاف جميع أهل القافلة(894)، وردَّ إليهم جميع ما اُخذ منهم لكرامة دعبل وسار دعبل حتّى وصل إلى قمّ فسأله أهل قمّ أن ينشدهم القصيدة فأمرهم أن يجتمعوا في مسجد الجامع، فلمّا اجتمعوا صعد دعبل المنبر فأنشدهم القصيدة، فوصله النّاس من المال والخلع بشيء كثير، واتّصل بهم خبر الجبة، فسألوه أن يبيعها منهم بألف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(893) كذا أيضاً في العيون. وفي هامش بعض النسخ: قوهان قرية بقرب نيسابور.
(894) الكتاف حبل يشد به.
دينار، فامتنع من ذلك، فقالوا له: فبعنا شيئاً منها بألف دينار، فأبى عليهم، وسار عن قمّ، فلمّا خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب فأخذوا الجبّة منه، فرجع دعبل إلى قمّ فسألهم ردَّ الجبّة عليه، فامتنع الاحداث من ذلك، وعصوا المشايخ في أمرها وقالوا لدعبل: لا سبيل لك إلى الجبّة، فخذ ثمنها ألف دينار، فأبى عليهم، فلمّا يئس من ردَّ الجبة عليه سألهم أن يدفعوا إليه شيئاً منها فأجابوه إلى ذلك فأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللّصوص قد أخذوا جميع ما كان له في منزله، فباع المائة دينار الّتي كان الرِّضا (عليه السلام) وصله بها من الشيعة كلّ دينار بمائة درهم فحصل في يده عشرة آلاف درهم، فتذكّر قول الرضا (عليه السلام): (إنّك ستحتاج إليها)، وكانت له جارية لها من قلبه محلُّ فرمدت رمداً عظيماً فأدخل أهل الطبِّ عليها، فنظروا إليها فقالوا: أمّا العين اليمني فليس لنا فيها حيلة وقد ذهبت، أمّا اليسري فنحن نعالجها ونجتهد ونرجو أن تسلم، فاغتمَّ دعبل لذلك غمّاً شديداً، وجزع عليها جزعاً عظيماً.
ثمَّ إنَّه ذكر ما معه من فضلة الجبّة فمسحها على عيني الجارية وعصبها بعصابة منها من أوَّل اللّيل، فأصبحت وعيناها أصحُّ ممّا كانتا [وكأنه ليس لها أثر مرض قطُّ] ببركة [مولانا] أبي الحسن الرضا (عليه السلام)(895).
* * *
7 - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن إبراهيم، عن أبيه، عن الرَّيّان بن الصلت قال: قلت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(895) لدعبل وقصيدته هذه حكايات، وقيل: أنَّه كتب هذه القصيدة على ثوب وأحرم فيه وأمر أن يجعل في جملة أكفانه وتوفى سنّة 246 بشوش
وقيل: أنَّ ابنه رآه في المنام فسئل عن حاله فذكر أنَّه على سوء حال ومشقة لبعض أفعاله فلقى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال له: انت دعبل؟ قال: نعم قال: فانشدني ما قلت في أولادي فأنشده قوله:
لا أضحك الله سن الدهر إن ضحكت * * * وآل أحمد مظلومون قد قهروا
مشردون نفوا عن عقر دارهم * * * كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر
فقال له: احسنت فشفع (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيه وأعطاء ثيابه، فأمن ونجا.
للرِّضا (عليه السلام): أنت صاحب هذا الامر؟ فقال: أنا صاحب هذا الامر ولكنّي لست بالّذي أملاها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني، وإنَّ القائم هو الّذي إذا خرج كان في سنِّ الشيوخ ومنظر الشبّان، قويّاً في بدنه حتّى لو مدَّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان (عليهما السلام). ذاك الرَّابع من ولدي، يغيبه الله في ستره ما شاء، ثمَّ يظهره فيملأ [به] الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
1 - حدّثنا عليُّ بن أحمد بن موسى الدَّقّاق(896) رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن - هارون الصوفي قال: حدّثنا أبو تراب عبد الله موسى الروياني(897) قال: حدَّثنا عبد العظيم بن عبد الله بن عليِّ بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام) [الحسنيُّ] قال: دخلت على سيّدي محمّد بن عليِّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام) وأنا اريدُ أن أسأله عن القائم أهو المهدي أو غيره فابتدائي فقال لي: يا أبا القاسم أنَّ القائم منا هو المهديُّ الّذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، والّذي بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالنبوَّة وخصّنا بالامامة إنَّه لو لم يبق من الدُّنيا إلّا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيه فيملا الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وإنَّ الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة، كما أصلح أمر كليمه موسى (عليه السلام) إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً فرجع وهو رسولٌ نبيٌّ، ثمّ قال (عليه السلام): أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج.
2 - حدّثنا محمّد بن أحمد الشيباني(898) رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيّ، عن سهل بن زياد الادميِّ، عن عبد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(896) في بعض النسخ (عليّ بن أحمد بن محمّد الدقاق).
(897) تقدَّم ويأتي أنَّه في بعض النسخ (عبيد الله بن موسى).
(898) في بعض النسخ (محمّد بن أحمد السناني) وكلاهما واحد ظاهراً.
العظيم بن عبد الله الحسنيِّ قال: قلت لمحمّد بن عليِّ بن موسى (عليهم السلام): إنّي لارجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فقال (عليه السلام): يا أبا القاسم: ما منّا إلّا وهو قائم بأمر الله (عزَّ وجلَّ)، وهاد إلى دين الله، ولكنَّ القائم الّذي يطهر الله (عزَّ وجلَّ) به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً هو الّذي تخفى على النّاس(899) ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سُمّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنيه، وهو الّذي تطوي له الأرض، ويذلُّ له كلُّ صعب [و] يجتمع إليه من أصحابه عدَّة أهل بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، من أقاصي الأرض، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إنَّ الله على كلّ شيء قدير)(900) فإذا اجتمعت له هذه العدَّة من أهل الاخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله (عزَّ وجلَّ)، فلا يزال يقتل أعداء الله حتّى يرضى الله (عزَّ وجلَّ).
قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيّدي وكيف يعلم أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد رضي؟ قال: يلقي في قلبه الرَّحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللّات والعزَّى فأحرقهما.
3 - حدّثنا عبد الواحد بن محمّد العبدوس العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوريّ قال: حدّثنا حمدان بن سليمان قال: حدّثنا الصقر ابن أبي دلف قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليٍّ الرِّضا (عليهما السلام) يقول: إنَّ الامام بعدي إبني عليٌّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والامام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثمَّ سكت. فقلت له: يا بن رسول - الله فمن الامام بعد الحسن؟ فبكي (عليه السلام) بكاء شديداً، ثمَّ قال: أنَّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقِّ المنتظر. فقلت له: يا بن رسول الله لم سمّي القائم؟ قال: لأنّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته. فقلت له: ولم سمي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المنتظر؟ قال؟ لأنَّ له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون.
1 - حدّثنا عليُّ بن أحمد بن موسى الدّقّاق(901)، وعليُّ بن عبد الله الورّاق رضى الله عنهما قالا: حدّثنا محمّد بن هارون الصوفيُّ قال: حدّثنا أبو تراب عبد الله بن موسى الرُّويانيُّ(902)، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيِّ قال: دخلت عليّ سيّدي عليَّ بن محمّد (عليهما السلام) فلمّا بصربي قال لي: مرحباً بك يا أبا القاسم أنت وليّنا حقّاً قال: فقلت له: يا بن رسول الله إنّي اريد أنَّ أعرض عليك ديني فإن كان مرضيّاً ثبّت عليه حتّى ألقي الله (عزَّ وجلَّ) فقال: هات يا أبا القاسم، فقلت: إنّي أقول: أنَّ الله تبارك وتعالى واحد، ليس كمثله شيء، خارج عن الحدَّين حدَّ الابطال وحدَّ التشبيه، وإنّه ليس بجسم ولا صورة، ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسّم الأجسام، ومصوِّر الصور، وخالق الاعراض والجواهر، وربُّ كلِّ شيء ومالكه وجاعله ومحدِّثه، وإنَّ محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبيَّ بعده إلي يوم القيامة، وإنَّ شريعته خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة(903).
وأقول: إنَّ الامام والخليفة ووليَّ الامر بعده أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ جعفر بن محمّد، ثم موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ أنت يا مولاي. فقال (عليه السلام): ومن بعدي الحسن ابني فكيف للنّاس بالخلف من بعده؟ قال: فقلت: وكيف ذاك يا مولاي؟ قال: لأنّه لا يرى شخصه ولا يحلُّ ذكره باسمه حتّى يخرج فيملا الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، قال: فقلت: أقررتُ وأقول: إنَّ وليهم ولي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(901) في بعض النسخ (عليّ بن أحمد بن محمّد الدقاق).
(902) تقدَّم الكلام فيه، وفى بعض النسخ وفى التوحيد (عبيد الله بن موسى).
(903) كذا في جميع النسخ ولكن رواه المصنف في التوحيد ص 81 وليس فيه قوله: وان شريعته - إلى قوله: - يوم القيامة).
الله، وعدوَّهم عدوُّ الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله. وأقول: إنَّ المعراج حق، والمسألة في القبر حق، وإن الجنّة حقٌّ، والنار حق، والصراط حقٌّ، والميزان حقٌّ، (وأنَّ الساعة آتية لا ريب فيها. وأن الله يبعث من في القبور) وأقول: إنَّ الفرائض الواجبة بعد الولاية: الصلاة والزَّكاة والصوم والحجِّ والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فقال عليُّ بن محمّد (عليهما السلام): يا أبا القاسم هذا والله دين الله الّذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه، ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدُّنيا و[في] الاخرة.
2 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن محمّد ابن عمر الكاتب، عن عليِّ بن محمّد الصيمريُّ، عن عليِّ بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) أسأله عن الفرج، فكتب إلىَّ: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج
3 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثني إبراهيم ابن مهزيار، عن أخيه، عليّ بن مهزيار، عن عليِّ بن محمّد بن زياد(904) قال: كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) أسأله عن الفرج، فكتب إليَّ: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقّعوا الفرج.
4 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(904) هذا الخبر والذي قبله متحد إلّا أنَّ في السابق عليّ بن محمّد الصيمري عن عليّ بن مهزيار وفى هذا الخبر عليّ بن مهزيار عن عليّ بن محمّد ولعل أحدهما نسخة بدل عن الاخر فتوهم الكتاب وجعلوه على زعمهم خبرين. وقيل: المراد هنا عليّ بن محمّد التستري الّذي عنونة العلامة في الايضاح وهو غير عليّ بن محمّد الصيمري الّذي في الخبر السابق انتهى.
ثم اعلم أنَّ عليّ بن محمّد بن زياد الصيمري هو صهر جعفر بن محمود الوزير عليّ ابنة أم أحمد وكان رجلاً من وجوه الشيعة وثقاتهم ومقدماً في الكتابة والادب والعلم والمعرفة كما في اثبات الوصية ص 240 طبع النجف والظامر أنَّ الكاتب هو دون عليّ بن مهزيار والله اعلم.
قال: حدّثنا محمّد ابن عبد الله بن أبي غانم القزوينيُّ قال: حدّثني إبراهيم بن محمّد بن فارس قال: كنت أنا [ونوح] وأيوب بن نوح في طريق مكّة فنزلنا على وادي زبالة فجلسنا نتحدَّث فجرى ذكر ما نحن فيه وبعد الامر علينا فقال أيّوب بن نوح: كتبت في هذه السنة أذكر شيئاً من هذا، فكتب إليَّ: إذا رفع علمكم(905) من بين أظهركم فتوقّعوا الفرج من تحت أقدامكم(906).
5 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن أحمد العلويُّ، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفريِّ قال: سمعت أبا الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) يقول: الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ فقال: لانكم لا ترون شخصه ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه، قلت: فكيف نذكره؟ قال: قولوا: الحجّة من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
6 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثني الحسن بن موسى الخشّاب، عن إسحاق بن محمّد بن أيّوب قال: سمعت أبا الحسن عليَّ بن محمّد [بن عليِّ بن موسى] (عليهم السلام) يقول: صاحب هذا الامر من يقول النّاس: لم يولد بعد(907).
7 - وحدّثنا بهذا الحديث محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، عن محمّد بن معقل، عن جعفر بن محمّد بن مالك، عن إسحاق بن محمّد بن أيّوب، عن أبي الحسن عليِّ بن محمّد (عليهما السلام) أنَّه قال: صاحب هذا الامر من يقول النّاس: إنَّه لم يولد بعد.
8 - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم عن أبيه، عن عليِّ بن صدقة، عن عليِّ بن عبد الغفّار قال: لمّا مات أبو جعفر الثاني (عليه السلام) كتبت الشيعة إلى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) يسألونه عن الامر، فكتب (عليه السلام): الامر لي ما دمت حيّاً، فإذا نزلت بي مقادير الله (عزَّ وجلَّ) آتاكم الله الخلف منّي وأنّى لكم بالخلف بعد الخلف.
9 - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن - إبراهيم قال: حدّثني عبد الله بن أحمد الموصليُّ، عن الصقر بن أبي دلف قال: لمّا حمل المتوكّل سيّدنا أبي الحسن (عليه السلام) جئت لاسأل عن خبره قال: فنظر إليَّ حاجب المتوكّل(908) فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه، فقال: يا صقر ما شأنك؟ فقلت: خير أيّها الاستاذ فقال: اقعد، قال الصقر: فأخذني ما تقدَّم وما تأخّر(909) وقلت: أخطأت في المجيء قال: فوحى النّاس عنه(910)، ثمّ قال: ما شأنك وفيم جئت؟ قلت: لخبر مّا، قال: لعلّك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(905) (علمكم) اما بالتحريك أي من يعلم به سبيل الحق، أو بالكسر يعني صاحب علمكم.
(906) قال العلامة المجلسي رحمه الله: (توقع الفرج من تحت الاقدام كناية عن قربه وتيسر حصوله، فإنَّ من كانت قدماه على شيء فهو أقرب الاشياء به ويأخذه إذا رفعهما، فعلى الاولين المعنى أنَّه لابدّ أن تكونوا في تلك الازمان متوقعين للفرج كذلك غير آيسين منه. ويحتمل أن يكون المراد ما هو أعم من ظهور الامام أي يحصل لكم فرج اما بالموت والوصول إلى رحمة الله، أو ظهور الامام، أو رفع شر الاعادي بفضل الله. وعلى الوجه الثالث الكلام محمول على ظاهره فانه إذا تمت جهالة الخلق وضلالتهم لابدّ من ظهور الامام (عليه السلام) كما دلت الأخبار وعادة الله في الامم الماضية عليه).
(907) تقدَّم الخبر في باب ما روي عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) ص 360.
(908) في معاني الأخبار (فنظر إلى الرازقي وكان حاجباً للمتوكل واومأ إلى أن ادخل).
(909) كذا في جميع النسخ المخطوطة عندي وفي الخصال والمعاني أيضاً وفي المطبوع (فأخذ فيما تقدَّم وما تأخر). وعليه فالمعنى اما أخذ بالسؤال عمّا تقدَّم وعما تأخر من الأُمور المختلفة لاستعلام حالي وسبب مجيئي، فلذا ندم على الذهاب إليه لئلّا يطلع على حاله ومذهبه، أو الموصول فاعل (أخذني) بتقدير أي اخذني التفكر فيما تقدَّم من الأُمور من ظنه التشبع بي وفيما تأخر ممّا يترتب على مجيئي من المفاسد (البحار).
(910) أي أشار إليهم أن يبعدوا عنه، أو على بناء التفعيل أي أعجلهم في الذهاب. وفي المعاني (فأوجئ النّاس عنه) بصيغة المجهول وأوجأ فلاناً عنه أي دفعه ونحاه.
جئت تسأل عن خبر مولاك؟ فقلت له: ومن مولاي؟ مولاي أمير المؤمنين، فقال اسكت مولاك هو الحقُّ لا تتحشمني فإنّي على مذهبك، فقلت: الحمد لله، فقال أتحبُّ أن تراه؟ فقلت: نعم، فقال: اجلس حتّى يخرج صاحب البريد، قال: فجلست فلمّا خرج قال: لغلام له: خذ بيد الصقر فأدخله إلى الحجرة الّتي فيها العلويُّ المحبوس وخلَّ بينه وبينه، قال: فأدخلني الحجرة وأومأ إلى بيت، فدخلت فإذا هو (عليه السلام) جالس على صدر حصير وبحذاه قبر محفور، قال: فسلّمت فردَّ [عليَّ السلام] ثمّ أمرني بالجلوس فجلست، ثمّ قال لي: يا صقر ما أتى بك؟ قلت: يا سيدي جئت أتعرف خبرك قال ثمّ نظرت إلى القبر وبكيت، فنظر إليَّ وقال: يا صقر لا عليك لن يصلوا إلينا بسوء فقلت: الحمد لله ثمّ قلت: يا سيّدي حديث يروي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا أعرف معناه، قال: فما هو؟ قلت: قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا تعادوا الأيّام فتعاديكم) ما معناه؟
فقال: نعم الأيّام نحن، بنا قامت السماوات والأرض، فالسبت: اسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والأحد أمير المؤمنين، والاثنين الحسن والحسين، والثلثاء عليُّ بن الحسين ومحمّد بن عليٍّ الباقر وجعفر بن محمّد [الصادق]، والاربعاء موسى بن جعفر وعليُّ بن موسى ومحمّد بن عليٍّ وأنا، والخميس ابني الحسن، والجمعة ابن ابني وإليه تجتمع عصابة الحق، وهو الّذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فهذا معنى الأيّام ولا تعادوهم في الدُّنيا فيعادوكم في الاخرة، ثمّ قال (عليه السلام): ودع واخرج فلا آمن عليك(911).
10 - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد الموصلي قال: حدّثنا الصقر بن أبي دلف قال: سمعت عليَّ بن محمّد بن عليٍّ الرِّضا (عليهم السلام) يقول: إنَّ الامام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(911) في الخصال في ذيل الخبر بيان للمصنف وقال: الأيّام ليست بالائمة ولكن كني (عليه السلام) بها عن الأئمّة لئلّا يدرك معناه غير اهل الحق ثمّ ذكر لكلامه شاهدا من آيات القرآن.
1 - حدّثنا عليّ بن عبد الله الورّاق قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد ابن إسحاق بن سعد الاشعريّ قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف [من] بعده، فقال لي مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق إنَّ الله تبارك وتعالى لم يخلِّ الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام) ولا يخلّيها إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزِّل الغيث، وبه يخرج بركات الارض.
قال: فقلت له: يا بن رسول الله فمن الامام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) مسرعاً فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلامٌ كان وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين، فقال: يا أحمد بن إسحاق لو لا كرامتك على الله (عزَّ وجلَّ) وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنَّه سُمّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنّيه، الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الاُمّة مثل الخضر (عليه السلام)، ومثلَه مثل ذي القرنين، والله ليغيبنَّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلّا من ثبته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته وفّقه [فيها] للدُّعاء بتعجيل فرجه.
فقال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي فهل من علامة يطمئنُّ إليها قلبي؟ فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربيٍّ فصيح فقال: أنا بقيّة الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق.
فقال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً، فلمّا كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا بن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت [به] عليَّ
فما السنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: طول الغيبة يا أحمد، قلت: يا بن رسول الله وإنَّ غيبته لتطول؟ قال: إي وربّي حتّى يرجع عن هذا الامر أكثر القائلين به ولا يبقى إلّا من أخذ الله (عزَّ وجلَّ) عهده لولايتنا، وكتب في قلبه الايمان وأيّده بروح منه.
يا أحمد بن إسحاق: هذا أمر من أمر الله، وسرٌّ من سرِّ الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غداً في علّييّن.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: لم أسمع بهذا الحديث إلّا من عليِّ بن عبد الله الورَّاق وجدت بخطّه مثبتاً فسألته عنه فرواه لي عن سعد بن عبد الله، عن أحمد ابن إسحاق رضي الله عنه كما ذكرته(912).
ما روي من حديث الخضر (عليه السلام) (913)
1 - حدّثني محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى البصريُّ قال: حدّثنا محمّد بن عطية قال: حدّثنا هشام ابن جعفر، عن حمّاد، عن عبد الله بن سليمان(914) قال: قرأت في بعض كتب الله (عزَّ وجلَّ) أنَّ ذا القرنين كان عبداً صالحاً جعله الله حجّة على عباده ولم يجعله نبيّاً، فمكّن الله له في الأرض وآتاه من كلِّ شيء سبباً، فوصفت له عين الحياة وقيل له: من شرب منها لم يمت حتّى يسمع الصيحة وإنّه خرج في طلبها حتّى انتهى إلى موضع فيه ثلاثمائة وستّون عيناً وكان الخضر على مقدَّمته(915)، وكان من أحبّ النّاس إليه فأعطاه حوتاً مالحاً، وأعطى كلّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(912) راجع تتمة أحاديث هذا الباب فيما سيأتي ص 407 عند قول المصنف: (رجعنا إلى ذكر ما روي عن أبي الحسن بن عليّ العسكري (ع).
(913) ذكر المصنف هذا الفصل والّذي بعده استطراداً بين باب أخبار أبي محمّد العسكري (عليه السلام) ولذا جعلناه ممتازاً عن أخبار الباب.
(914) عبد الله بن سليمان مشترك بين خمسة ولم يوثق أحد منهم والخبر - كما ترى - مقطوع أي غير مروي عن المعصوم (عليه السلام).
(915) يعني على مقدمة عسكر ذي القرنين وهو غريب لأنّ الخضر إذا كان معاصراً لموسى (عليه السلام) فكان على التقريب 1500 عام قبل الميلاد، وذو القرنين سواء كان اسكندر أو كورش كان بعد موسى (عليه السلام) بقرون كثيرة، فإنَّ اسكندر في عام 330 قبل الميلاد وكورش 550 قبل الميلاد فلعل المراد بذي القرنين رجل آخر غيرهما هذا، وقد نقل ابن قتيبة في معارفه عن وهب بن منبه قال: (ذو القرنين هو رجل من الاسكندرية اسمه الاسكندروس وكان حلم حلماً رأى فيه أنَّه دنا من الشمس حتّى أخذ بقرنيها في شرقها وغربها، فقص رؤياه على قومه، فسموه ذا القرنين وكان في الفترة بعد عيسى (عليه السلام)). انتهى. وعلى أي حال تاريخ ذى القرنين والخضر في غاية تشويه والوهم والاضطراب ونحن لا نقول في حقهما إلّا ما قاله القرآن أو ما وافقه من الأخبار ونترك الزوائد لاهلها.
واحد من أصحابه حوتاً مالحاً، وقال لهم: ليغسل كلُّ رجل منكم حوته عند كلِّ عين، فانطلق الخضر (عليه السلام) إلى عين من تلك العيون فلمّا غمس الحوت في الماء حيي وانساب في الماء، فلمّا رأى الخضر (عليه السلام) ذلك علم أنَّه قد ظفر بماء الحياة فرمى بثيابه وسقط في الماء فجعل يرتمس فيه ويشرب منه فرجع كلُّ واحد منهم إلى ذي القرنين ومعه حوته، ورجع الخضر وليس معه الحوت فسأله عن قصّته فأخبره فقال له: أشربت من ذلك الماء؟ قال: نعم، قال: أنت صاحبها وأنت الّذي خلقت لهذا العين فأبشر بطول البقاء في هذه الدُّنيا مع الغيبة عن الابصار إلى النفخ في الصور.
2 - حدَّثنا عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أبي عبد الله البرقيِّ قال: حدّثنا أبي، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمزة بن حمران وغيره، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال: خرج أبو جعفر محمّد بن عليٍّ الباقر (عليهما السلام)(916) بالمدينة فتضجّر واتّكأ على جدار من جدرانها متفكّراً إذ أقبل إليه رجل فقال له، يا أبا جعفر على م حزنك؟ على الدُّنيا فرزق [الله (عزَّ وجلَّ)] حاضر يشترك فيه البرُّ والفاجر: أم على الاخرة فوعد صادق يحكم فيه ملك قادر، قال، أبو جعفر (عليه السلام): ما على هذا حزني إنّما حزني على فتنة ابن الزُّبير، فقال له الرَّجل: فهل رأيت أحداً خاف الله فلم ينجه، أم هل رأيت أحداً توكل على الله فلم يكفه؟ وهل رأيت أحداً استجار الله فلم يجره(917)؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): لا، فولّى الرَّجل، فقيل: من هو ذاك؟ فقال أبو جعفر: هذا هو الخضر (عليه السلام).
قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: جاء هذا الحديث هكذا، وقد روى في خبر آخر أنَّ ذلك كان مع عليِّ بن الحسين (عليهما السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(916) وهم الراوي، وإنّما هو عليّ بن الحسين (عليهما السلام) فاشتبه عليه كما قال المصنف رحمه الله. وذلك لأنّه كانت فتنة ابن الزبير في سنّة ثلاث وستين وهو بمكة وأخرج أهل المدينة عامل يزيد (عثمان بن محمّد بن أبي سفيان) ومروان بن الحكم وسائر بني أمية من المدينة باشارة ابن الزبير وهو بمكة فوجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة في جيش عظيم لقتال ابن الزبير، فسار بهم حتّى نزل المدينة فقاتل أهلها وهزمهم وأباحها ثلاثة أيّام - وهي وقعة الحرة المعروفة - ثمّ سار مسلم بن عقبة إلى مكة قاصداً قتال عبد الله بن الزبير فتوفى بالطريق ولم يصل، فدفن بقديد وولى الجيش الحصين بن نمير السكوني، فمضى بالجيش وحاصروا عبد الله بن الزبير وأحرقت الكعبة حتّى انهدم جدارها وسقط سقفها وأتاهم الخبر بموت يزيد فانكفئوا راجعين إلى الشام. وبويع ابن الزبير على الخلافة سنّة خمس وستين وبني الكعبة وبايعة أهل البصرة والكوفة وقتل في أيّام الحجاج سنّة 73.
هذا، ثمّ اعلم أنَّ أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليهما السلام) في أيّام ابن الزبير ابن ست عشرة سنّة، وفي وقعة الحرة ابن سبع أو ثمان سنين. فكيف يلائم هذا مع ما في المتن. بل كان ذلك مع عليّ بن الحسين (عليهما السلام) لأنّ فتنة ابن الزبير وخروجه وهدم البيت وبناءه الكعبة وقتله كلّها في أيّام السجاد (عليه السلام).
(917) في بعض النسخ (استخار الله فلم يخره).
3 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثني سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريّ قالا: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد ابن خالد البرقيُّ، عن أحمد بن زيد النيسابوريِّ قال: حدّثني عمر بن - إبراهيم الهاشمي، عن عبد الملك بن عمير، عن أسيد بن صفوان صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: لمّا كان اليوم الّذي قبض فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) إرتجَّ الموضع بالبكاء(918)، ودهش النّاس كيوم قبض النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فجاء رجل باك وهو مسرع(919) مسترجعٌ، وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوَّة، حتّى وقف على باب البيت الّذي فيه أمير المؤمنين فقال: رحمك الله يا أبا الحسن كنت أول القوم إسلاماً، وأخلصهم إيمانا، وأشدَّهم يقيناً، وأخوفهم من الله (عزَّ وجلَّ)، وأعظمهم عناء(920)، وأحوطهم على رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله، وأشبههم به هدياً ونطقاً وسمتاً وفعلاً(921)، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن الاسلام وعن رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعن المسلمين خيراً، قويت حين ضعف أصحابه، وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذ همَّ أصحابه، كنت خليفته حقّاً لم تنازع ولم تضرع(922) برغم المنافقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، وضغن الفاسقين.
فقمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتّعوا(923)، ومضيت بنور الله إذ وقفوا، ولو اتّبعوك لهدوا، وكنت أخفضهم صوتاً، وأعلاهم قوّتاً(924) وأقلهم كلاماً، وأصوبهم منطقاً، وأكبرهم رأياً، وأشجعهم قلباً، وأشدَّهم يقيناً، وأحسنهم عملاً، وأعرفهم بالامور.
كنت والله للدِّين يعسوباً [أوّلا حين تفرَّق النّاس وآخراً حين فشلوا] وكنت بالمؤمنين أبا رحيماً، إذ صاروا عليك عيالاً، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمّرت إذ خنعوا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(918) ارتج أي اضطرب.
(919) في بعض النسخ (متضرع).
(920) في بعض النسخ (أعظمهم غنى). و(أحوطهم) أي أشدهم حياطة وحفظا وصيانة وتعهدا.
(921) الهدى: الطريقة والسيرة. والسمت: هيئة أهل الخير. وفي نسخة (خلفا) مكان (نطقا).
(922) أي تذل في بعض النسخ (تصرع) بالصاد المهملة.
(923) التعتعة: التردد في الكلام من حصر أوعى.
(924) في الكافي (أعلاهم قنوتا) وفي بعض نسخه (قدما).
وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، وأدركت إذ تخلّفوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا.
كنت على الكافرين عذاباً صباً، وللمؤمنين غيثاً وخصباً، فطرت والله بنعمائها، وفزت بحبائها، وأحرزت سوابقها(925) وذهبت بفضائلها، لم تفلل حجّتك(926)، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك [ولم تخن(927)].
كنت كالجبل [الّذي] لا تحرِّكه العواصف، ولا تزيله القواصف. وكنت كما قال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ضعيفاً في بدنك، قويّاً في أمر الله (عزَّ وجلَّ) متواضعاً في نفسك، عظيماً عند الله (عزَّ وجلَّ)، كبيراً في الأرض، جليلاً عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز، ولا لأحد فيك مطمع، ولا لأحد عندك هوادة(928)، الضعيف الذَّليل عندك قويٌّ عزيز حتى تأخذ له بحقّة، والقويُّ العزيز عندك ضعيف ذليل حتّى تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحقُّ والصدق والرفق وقولك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم فيما فعلت(929)، وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأطفئت النيران(930) واعتدل بك الدِّين، وظهر أمر الله ولو كره الكافرون، وقوي بك الايمان، وثبت بك الاسلام والمؤمنون، وسبقت سبقاً بعيداً، وأتعبت من بعدك تعباً شديداً فجللت عن البكاء، وعظمت رزيّتك في السّماء، وهدَّت مصيبتك الانام فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. رضينا من الله (عزَّ وجلَّ) قضاه، وسلّمنا لله أمره، فو الله لن يصاب المسلمون بمثلك أبداً.
كنت للمؤمنين كهفاً وحصناً [وقنة راسياً] وعلى الكافرين غلظة وغيظاً، فألحقك الله بنبيّه ولا حرمنا أجرك ولا أضلّنا بعدك. وسكت القوم حتّى انقضى كلامه وبكى وأبكى أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمَّ طلبوه فلم يصادفوه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(925) في هامش بعض النسخ الجديدة (سوابغها). والظاهر هو الصواب بقرينة النعماء والحباء. ولكن (بنعمائها) في بعض النسخ (بعنانها) و(حبائها) في بعض النسخ (بجنانها).
(926) في بعض النسخ (لم يفلل حدك).
(927) في بعض نسخ الكافي (لم تخر) من الخرور وهو السقوط.
(928) المهمز: العيب والوقيعة والمغمز: المطعن والعيب أيضاً والهوادة: اللين والرفق والرخصة والمحاباة أي لا تأخذك عند وجوب حد الله على أحد محاباة ورفق.
(929) كذا في بعض النسخ وفي الكافي أيضاً لكن في أكثر النسخ (وعزم فأقلعت).
(930) في بعض النسخ (وأطفئت بك النّار).
4 - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ العمريُّ السمرقنديُّ رضي الله عنه قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه محمّد بن مسعود، عن جعفر بن أحمد، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال قال: سمعت؟ أبا الحسن عليّ بن موسى الرِّضا (عليهما السلام) يقول: أنَّ الخضر (عليه السلام) شرب من ماء الحياة فهو حيٌّ لا يموت حتّى ينفخ في الصور، وأنّه ليأتينا(931) فيسلّم فنسمع صوته ولا نرى شخصه، وإنّه ليحضر حيث ما ذكر، فمن ذكره منكم فليسلّم عليه، وإنّه ليحضر الموسم كلَّ سنّة فيقضي جميع المناسك، ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته.
5 - وبهذا الاسناد قال: قال أبو الحسن عليُّ بن موسى الرِّضا (عليهما السلام) لمّا قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جاء الخضر (عليه السلام) فوقف على باب البيت وفيه عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد سجيّ بثوبه فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد (كلُّ نفس ذائقة الموت وإنّما توفون أجوركم يوم القيمة)، إنَّ في الله خلفاً من كلِّ هالك، وعزاءً من كلِّ مصيبة، ودركاً من كلّ فائت، فتوكّلوا عليه، وثقوا به، واستغفر الله لي ولكم فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): هذا أخي الخضر (عليه السلام) جاء يعزِّيكم بنبيكم (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
6 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد الهمدانيُّ قال: حدّثنا عليُّ بن الحسن بن عليِّ بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليِّ بن موسى الرِّضا (عليهما السلام) قال: لمّا قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أتاهم آت فوقف على باب البيت فعزّاهم به، وأهل البيت يسمعون كلامه ولا يرونه فقال عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام): هذا هو الخضر (عليه السلام) أتاكم يعزِّيكم بنبيّكم (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وكان اسم الخضر(932) خضرويه بن قابيل بن آدم (عليه السلام)، ويقال له: خضرون أيضاً ويقال له: جعدا، وإنّه إنّما سمّي الخضر لأنّه جلس على أرض بيضاء فاهتزَّت خضراء فسمي الخضر لذلك وهو أطول الادمييّن عمراً، والصحيح أنَّ اسمه بليا(933) بن ملكان بن عامر بن أرفخشذ بن سام بن نوح(934). وقد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(931) في بعض النسخ (ليلقانا).
(932) من كلام المصنف (ره).
(933) في معافي الأخبار (تاليا).
(934) كذا، وفي المعارف لابن قتيبة (بليا بن ملكان بن فالغ بن عامر بن شالخ بن ارفخشذ بن سام بن نوح).
أخرجت الخبر في ذلك مسنداً في كتاب (علل الشرائع والاحكام والاسباب).
7 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو أحمد عبد الله بن أحمد بن محمّد بن عيسى قال: حدّثنا عليُّ بن سعيد بن بشير قال: حدّثنا ابن كاسب قال: حدّثنا عبد الله بن ميمون المكّي قال: حدّثنا جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليِّ بن الحسين (عليهم السلام) - في حديث طويل - يقول في آخره: لمّا توفّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وجاءت التعزية جاءهم آت يسمعون حسِّه(935) ولا يرون شخصه، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (كلُّ نفس ذائقة الموت وإنّما توفّون اجوركم يوم القيمة) إنَّ في الله عزاء من كلِّ مصيبة، وخلفاً من كلِّ هالك، ودركاً من كلِّ فائت فبالله فثقوا، وإيّاه فارجوا، فإنَّ المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فقال عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام): هل تدرون من هذا؟ [قالوا: لا، قال:] هذا هو الخضر (عليه السلام).
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إنَّ أكثر المخالفين يسلمون لنا حديث الخضر (عليه السلام) ويعتقدون فيه أنَّه حي غائب عن الابصار، وأنّه حيث ذكر حضر، ولا ينكرون طول حياته، ولا يحملون حديثه على عقولهم ويدفعون كون القائم (عليه السلام) وطول حياته في غيبته(936)، وعندهم أنَّ قدرة الله (عزَّ وجلَّ) تتناول إبقاءه إلى يوم النفخ في الصور، وإبقاء إبليس مع لعنته إلى يوم الوقت المعلوم في غيبته، وأنّها لا تتناول إبقاء حجّة الله على عباده مدَّة طويلة في غيبته مع ورود الأخبار الصحيحة بالنص عليه بعينه واسمه ونسبه عن الله تبارك وتعالى وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعن الأئمّة (عليهم السلام).
ما روي من حديث ذى القرنين
1 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليِّ بن النعمان، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنَّ ذا القرنين لم يكن نبيّاً ولكنه كان عبداً صالحاً أحبَّ الله فأحبّه الله وناصح لله فناصحه الله، أمر قومه بتقوي الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(935) يعني صوته وفي بعض النسخ (صوته).
(936) في بعض النسخ (بغيبته).
فضربوه على قرنه فغاب عنهم زماناً، ثمّ رجع إليهم فضربوه على قرنه الاخر، وفيكم من هو على سنّته.
2 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن الحسن البزاز قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب بن يوسف قال: حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار العطارديُّ قال: حدّثنا يونس بن بكير، عن محمّد بن إسحاق بن يسار المدنيِّ(937)، عن عمرو ابن ثابت، عن سماك بن حارث، عن رجل من بني أسد قال: سأل رجل عليّاً (عليه السلام): أرأيت ذا القرنين كيف استطاع أن يبلغ المشرق والمغرب؟ قال: سخر الله له السحاب، ومدَّ له في الاسباب، وبسط له النور، فكان اللّيل والنّهار عليه سواء.
3 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا أبي، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن اورمة قال: حدّثني القاسم بن عروة، عن يزيد الارجنيِّ(938)، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ ابن نباتة قال: قام ابن الكوَّا إلي أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) وهو على المنبر فقال له: يا أمير المؤمنين أخبرني عن ذي القرنين أنبيٌّ كان أو ملك؟ وأخبرني عن قرنيه أذهب كان أو فضّة؟ فقال له (عليه السلام): لم يكن نبيّاً ولا ملكاً ولا كان قرناه من ذهب ولا فضّة ولكنّه كان عبداً أحبّ الله فأحبّه الله، ونصح لله فنصحه الله، وإنّما سمّي ذا القرنين لأنّه دعا قومه فضربوه على قرنه فغاب عنهم حيناً، ثمَّ عاد إليهم فضرب على قرنه الاخر وفيكم مثله.
4 - حدّثنا أبو طالب المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه قال: حدّثني محمّد بن نصير قال: حدّثنا محمّد بن عيسى [عن حمّاد بن عيسى] عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفيِّ، عن جابر بن عبد الله الانصاريِّ قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: إنَّ ذا القرنين كان عبدا صالحا جعله الله (عزَّ وجلَّ) حجّة على عباده فدعا قومه إلى الله وأمرهم بتقواه، فضربوه على قرنه فغاب عنهم زماناً حتّى قيل: مات أو هلك بأيِّ وادسلك، ثمّ ظهر ورجع إلي قومه فضربوه على قرنه الاخر، وفيكم من هو على سنّته، وانَّ الله (عزَّ وجلَّ) مكن لذي القرنين في الأرض، وجعل له من كلِّ شيء(939) سبباً، وبلغ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(937) محمّد بن اسحاق هو صاحب السيرة وجدّه كما في تهذيب التهذيب (يسار) ولكن ضبط في هامش السيرة لابن هشام (بشار).
(938) يزيد بن قيس كان عامله على الري وهمدان.
(939) في بعض النسخ (وآتاه من كلّ شيء).
المغرب والمشرق، وإنَّ الله تبارك وتعالى سيجري سنّته في القائم من ولدي فيبلّغه شرق الأرض وغربها حتي لا يبقى منهلاً ولا موضعاً من سهل ولا جبل وطئه ذو القرنين إلّا وطئه، ويظهر الله (عزَّ وجلَّ) له كنوز الأرض ومعادنها، وينصره بالرُّعب، فيملأ الأرض به عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.
وممّا روي من سياق حديث ذي القرنين.
5 - حدّثنا به محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى بن سعيد البصريّ قال: حدّثنا محمّد بن عطيّة قال: حدّثنا عبد الله بن عمر [و] بن سعيد البصريُّ قال: حدّثنا هشام بن جعفر ابن حمّاد، عن عبد الله بن سليمان وكان قارئاً للكتب قال: قرأت في بعض كتب الله (عزَّ وجلَّ) إنَّ ذا القرنين كان رجلاً من أهل الاسكندريّة وأمه عجوز من عجائزهم وليس لها ولدٌ غيره يقال له: إسكندروس، وكان له أدب وخلق وعفّة من وقت ما كان غلاماً إلى أن بلغ رجلاً، وكان [قد] رأى في المنام كأنّه دنا من الشمس حتّى أخذ بقرنيها في شرقها وغربها فلمّا قصَّ رؤياه على قومه سمّوه ذا القرنين، فلمّا رأى هذه الرُّؤيا بعدت همّته وعلا صوته وعزَّ في قومه.
وكان أول ما اجتمع عليه أمره أن قال: أسلمت لله (عزَّ وجلَّ)، ثمّ دعا قومه إلى الاسلام فأسلموا هيبة له، ثمّ أمرهم أن يبنوا له مسجداً فأجابوه إلى ذلك فأمر أن يجعلوا طوله أربعمائة ذراع، وعرضه مائتي ذراع، وعرض حائطه اثنين وعشرين ذراعاً، وعلوَّه إلى السّماء مائة ذراع، فقالوا له: يا ذا القرنين كيف لك بخشب يبلغ ما بين الحائطين؟ فقال لهم: إذا فرغتم من بنيان الحائطين فاكبسوه بالتراب حتّى يستوي الكبس مع حيطان المسجد فإذا فرغتم من ذلك فرضتم على كلِّ رجل من المؤمنين على قدره(940) من الذهب والفضّة، ثمَّ قطعتموه مثل قلامة الظفر وخلطتموه مع ذلك الكبس وعملتم له خشباً من نحاس وصفائح من نحاس تذيبون ذلك وأنتم متمكّنون من العمل كيف شئتم على أرض مستوية، فإذا فرغتم من ذلك دعوتم المساكين لنقل ذلك التراب، فيسارعون فيه من أجل ما فيه من الذَّهب والفضّة.
فبنوا المسجد وأخرج المساكين ذلك التراب وقد استقلَّ السقف بما فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(940) أي على قدر حاله.
واستغنى، فجندهم أربعة أجناد في كلِّ جند عشرة آلاف، ثمّ نشرهم في البلاد، وحدث نفسه بالمسير، واجتمع إليه قومه فقالوا له: يا ذا القرنين ننشدك بالله ألّا تؤثر علينا بنفسك غيرنا، فنحن أحق برؤيتك وفينا كان مسقط رأسك، وبيننا نشأت وربيت، وهذه أموالنا وأنفسنا فأنت الحاكم فيها، وهذه أمّك عجوز كبيرة وهي أعظم خلق الله عليك حقّاً، فليس ينبغي لك أن تعصيها وتخالفها، فقال لهم: والله إنَّ القول لقولكم وإن الرأي لرأيكم ولكنني بمنزلة المأخوذ بقلبه وسمعه وبصره، يقاد ويدفع من خلفه، لا يدري اين يؤخذ به وما يراد به ولكن هلمّوا يا معشر قومي فادخلوا هذا المسجد وأسلموا عن آخركم ولا تخالفوا عليَّ فتهلكوا.
ثمَّ دعا دهقان(941) الاسكندريّة فقال له: اعمر مسجدي وعزَّ عنّي أمّي، فلمّا رأى الدِّهقان جزع أمّه وطول بكائها احتال لها ليعزِّيها بما أصاب النّاس قبلها وبعدها من المصائب والبلاء، فصنع عيداً عظيماً ثمّ أذَّن مؤذِّنه يا أيّها النّاس إنَّ الدِّهقان يؤذنكم لتحضروا يوم كذا وكذا، فلمّا كان ذلك اليوم أذن مؤذنه اسرعوا واحذروا أن يحضر هذا العيد إلّا رجل قد عرىٌّ من البلايا والمصائب، فاحتبس النّاس كلّهم وقالوا: ليس فينا أحد عري من البلاء ما منّا أحد إلّا وقد أصيب ببلاء أو بموت حميم، فسمعت أمُّ ذي القرنين هذا فأعجبها ولم تدر ما يريد الدِّهقان، ثمّ أنَّ الدهقان بعث مناديا ينادي فقال: يا أيّها النّاس إنَّ الدهقان قد أمركم أن تحضروه يوم كذا وكذا ولا يحضره إلّا رجل قد ابتلي وأصيب وفجع ولا يحضره أحد عرى من البلاء فإنّه لا خير فيمن لا يصيبه البلاء، فلمّا فعل ذلك، قال النّاس: هذا رجل قد كان بخل ثمَّ ندم فاستحيا فتدارك أمره ومحا عيبه، فلمّا اجتمع النّاس خطبهم:
فقال: يا أيّها النّاس إنّي لم أجمعكم لمّا دعوتكم له ولكنّي جمعتكم لاكلّمكم في ذي القرنين وفيما فجعنا به من فقده وفراقه فاذكروا آدم (عليه السلام) فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأسكنه جنته، وأكرمه بكرامة لم يكرم بها أحداً ثمَّ ابتلاه بأعظم بليّة كانت في الدُّنيا وذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(941) الدهقان: رئيس القرية ومقدم أصحاب الزراعة.
الخروج من الجنّة وهي المصيبة الّتي لا جبر لها، ثمّ ابتلى إبراهيم (عليه السلام) من بعده بالحريق وابتلى ابنه بالذبح، ويعقوب بالحزن والبكاء، ويوسف بالرق، وأيوب بالسقم، ويحيى بالذِّبح، وزكريا بالقتل، وعيسى بالاسر(942) وخلقاً من خلق الله كثيراً لا يحصيهم إلّا الله (عزَّ وجلَّ).
فلمّا فرغ من هذا الكلام قال لهم: انطلقوا فعزّوا أمَّ الاسكندروس لننظر كيف صبرها فإنّها أعظم مصيبة في ابنها، فلمّا دخلوا عليها قالوا لها: هل حضرت الجمع اليوم وسمعت الكلام؟ قالت لهم: ما خفي عنّي من أمركم شيء ولا سقط عنّي من كلامكم شيء، وما كان فيكم أحدٌ أعظم مصيبة باسكندروس منّي، ولقد صبرني الله تعالى وأرضاني وربط على قلبي، وإنّي لارجو أن يكون أجري على قدر ذلك، وأرجو لكم من الاجر بقدر ما رزيتم من فقد أخيكم وأن تؤجروا على قدر ما نويتم في أمّه وأرجو أن يغفر الله لي ولكم ويرحمني وإياكم، فلمّا رأوا حسن عزائها وصبرها انصرفوا عنها وتركوها، وانطلق ذو القرنين يسير على وجهه حتى أمعن في البلاد يؤمُّ في المغرب، وجنوده يومئذ المساكين، فأوحى الله جلَّ جلاله إليه يا ذا القرنين أنت حجّتي على جميع الخلائق ما بين الخافقين من مطلع الشمس إلى مغربها، وحجّتي عليهم، وهذا تأويل رؤياك.
فقال ذو القرنين: يا إلهي إنّك قد ندبتني لامر عظيم لا يقدر قدره غيرك، فأخبرني عن هذه الاُمّة بأي قوَّة اكابرهم(943)؟ وبأيِّ عدد أغلبهم، وبأية حيلة أكيدهم، وبأي صبر اقاسيهم، وبأي لسان اكلّمهم، وكيف لي بأن أعرف لغاتهم، وبأيِّ سمع أعي كلامهم، وبأيِّ بصر أنفذهم وبأيِّ حجّة اخاصمهم، وبأيِّ قلب أعقل عنهم، وبأيِّ حكمة ادبّر امورهم وبأيِّ حلم اصابرهم، وبأيِّ قسط أعدل فيهم، وبأيِّ معرفة أفضل بينهم، وبأيِّ علم أتقن امورهم، وبأيِّ عقل احصيهم، وبأي جند اقاتلهم؟ فإنّه ليس عندي ممّا ذكرت شيء يا ربّ، فقوني عليهم فانّك الرَّبُّ الرحيم الّذي لا تكلّف نفساً إلّا وسعها، ولا تحملها إلّا طاقتها.
فأوحى الله جلّ جلاله إليه أنّي سأطوقك ما حمّلتك، وأشرح لك فهمك فتفقه كلَّ شيء، وأشرح لك صدرك فتسمع كلَّ شيء، وأطلق لسانك بكلِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(942) إن قلت: أنَّ ذا القرنين كان قبل ميلاد عيسى (عليه السلام) بقرون فكيف يصح ذلك القول؟ وقلت أن قلنا أنَّه بعد الميلاد فكيف يلائم قوله في آخر الخبر (وكان عدة ما سار في البلاد من يوم بعثه الله (عزَّ وجلَّ) إلى يوم قبضه الله خمسمائة عام).
قلنا: الامر في أمثال هذه القصص الغير المنقولة عن المعصوم سهل. وأوردها المصنف رحمه الله طرداً للباب نظير الذيول الّتي تداول في عصرنا في جميع المؤلفات من المؤلفين ولعل المصنف رحمه الله أوردها لاجل المواعظ البالغة التي ذكر في آخرها ولكن اعلم أنَّه (ره) لم يحتج بامثال هذه القصص وجلت ساحته عن الاحتجاج بها، ثمّ راجع في تحقيق ذي القرنين بحار الانوار ج 12 ص 208 إلى 215 من الطبع الحروفي.
(943) في بعض النسخ (اكاثرهم).
شيء، وأفتح لك سمعك فتعي كلَّ شيء، وأكشف لك عن بصرك فتنفذ كلَّ شيء واحصي لك(944) فلا يفوتك شيء، وأحفظ عليك فلا يعزب عنك شيء، وأشدُّ [لك] ظهرك فلا يهولك شيء وألبسك الهيبة فلا يروِّعك شيء، وأسدَّدلك رأيك فتصيب كلَّ شيء، وأسخّرلك جسدك فتحسن كلَّ شيء، وأسخرلك النور والظلمة وأجعلها جندين من جنودك النور يهديك، والظلمة تحوطك، وتُحوشُ عليك الامم(945) من ورائك.
فانطلق ذو القرنين برسالة ربّه (عزَّ وجلَّ)، وأيده الله تعالى بما وعده فمرَّ بمغرب الشمس فلا يمرُّ بامّة من الامم إلّا دعاهم إلى الله (عزَّ وجلَّ) فإنَّ أجابوه قبل منهم وإن لم يجيبوه أغشاهم الظلمة، فأظلمت مداينهم وقراهم وحصونهم وبيوتهم ومنازلهم، واغشيت أبصارهم، ودخلت في أفواههم وآنافهم وآذانهم وأجوافهم، فلا يزالون فيها متحيّرين حتّى يستجيبوا لله (عزَّ وجلَّ) ويعجّوا إليه حتّى إذا بلغ مغرب الشمس وجد عندها الاُمّة الّتي ذكرها الله تعالى في كتابه ففعل بهم ما فعل بمن مرَّ به [من] قبلهم حتّى فرغ ممّا بينه وبين المغرب ووجد جمعاً وعدداً لا يحصيهم إلّا الله وبأساً وقوَّة لا يطيقه إلّا الله (عزَّ وجلَّ)، والسنّة ومختلفة وأهواء متشتّتة وقلوباً متفرّقة، ثمّ مشى على الظلمة ثمانية أيّام وثمان ليال وأصحابه ينظرونه حتّى انتهى إلى الجبل الّذي هو محيط بالارض كلّها فإذا هو بملك من الملائكة قابض على الجبل وهو يقول: سبحان ربي من الان إلى منتهى الدَّهر، سبحان ربّي من أول الدُّنيا إلى آخرها، سبحان ربّي من موضع كفي إلى عرش ربي، سبحان ربي من منتهى الظلمة إلى النور، فلمّا سمع ذاك ذو القرنين خرّ ساجداً، فلم يرفع رأسه حتّى قواه الله تعالى وأعانه على النظر إلى ذلك الملك، فقال له الملك: كيف قويت يا ابن آدم على أن تبلغ إلى هذا الموضع ولم يبلغه أحدٌ من ولد آدم قبلك؟ قال ذو القرنين: قوّاني على ذلك الّذي قوَّاك على قبض هذا الجبل وهو محيط بالارض، قال له الملك: صدقت قال له ذو القرنين: فأخبرني عنك أيّها الملك؟ قال: إنّي موكّل بهذا الجبل وهو محيط بالارض كلّها، ولولا هذا الجبل لانكفأت الأرض بأهلها، وليس على وجه الأرض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(944) في بعض النسخ (وأحضر لك).
(945) حاش الصيد: جاءه من حواليه لبصرفه إلى الحبالة (القاموس).
جبل أعظم منه، وهو أوّل جبل أثبته الله (عزَّ وجلَّ)(946)، فرأسه ملصق بسماء الدُّنيا وأسفله في الأرض السابعة السفلى وهو محيط بها كالحلقة، وليس على وجه الأرض مدينة إلّا ولها عرق إلى هذا الجبل، فإذا أراد الله (عزَّ وجلَّ) أن يزلزل مدينة أوحى إليَّ فحرَّكت العرق الّذي [متّصل] إليها فزلزلها.
فلمّا أراد ذو القرنين الرُّجوع قال للملك: أوصني، قال الملك: لا يهمنّك رزق غد، ولا تؤخّر عمل اليوم لغد، ولا تحزن على ما فاتك، وعليك بالرِّفق، ولا تكن جبّاراً متكبراً.
ثمَّ إن ذا القرنين رجع إلى أصحابه، ثمّ عطف بهم نحو المشرق يستقرئ ما بينه وبين المشرق من الامم فيفعل بهم مثل ما فعل بأمم المغرب قبلهم حتّى إذا فرغ [م] ما بين المشرق والمغرب عطف نحو الرَّدم الّذي ذكره الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه فإذا هو باُمّة (لا يكادون يفقهون قولاً) وإذا [ما] بينه وبين الردَّم مشحون من امة يقال لها: يأجوج ومأجوج أشباه البهائم يأكلون ويشربون ويتوالدون وهم ذكور وإناث، وفيهم مشابه من النّاس الوجوه والاجساد والخلقة، ولكنّهم قد نقصوا في الابدان نقصاً شديداً وهم في طول الغلمان، ليس منهم انثى ولا ذكر يجاوز طوله خمسة أشبار، وهم على مقدار واحد في الخلق والصورة، عراة حفاة لا يغزلون ولا يلبسون ولا يحتذون، عليهم وبرٌ كوبر الابل يواريهم ويسترهم من الحرّ والبرد(947)، ولكلِّ واحد منهم اذنان أحدهما ذات شعر والاخرى ذات وبر، ظاهرهما وباطنهما، ولهم مخالب في موضع الاظفار، وأضراس وانياب كأضراس السباع وأنيابها. وإذا نام أحدهم افترش إحدى اذنيه والتحف بالاُخرى فتسعه لحافاً، وهم يرزقون تنّين البحر(948) في كلِّ عام يقذفه إليهم السحاب فيعيشون به عيشاً خصباً ويصلحون عليه ويستمطرونه في إبّانه(949) كما يستمطر النّاس المطر في إبّان المطر، وإذا قذفوا به خصبوا وسمنوا وتوالدوا وكثروا وأكلوا منه حولاً كاملاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(946) في بعض النسخ (أسسه الله (عزَّ وجلَّ)).
(947) المروي عن أئمتنا: أنّهم اقوام وحشية غير متمدنين، بل يعيشون كالبهائم كما جاء في تفسير العياشيّ عن أبي بصير عن الباقر (عليه السلام) قال: (لم يعلموا صنعة البيوت) وفي تفسير القمي (لم يعلموا صنعة الثياب). وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) (ورد على قوم قدأ حرقهم الشمس وغيرت اجسادهم وألوانهم حتّى صيرتهم كالظلمة).
(948) التنين نوع من الحيات.
(949) ابانه أي وقته. وفي بعض النسخ (في أيّام المطر).
إلى مثله من العام المقبل، ولا يأكلون معه شيئاً غيره، وهم لا يحصى عددهم إلّا الله عزّ وجلّ الّذي خلقهم، وإذا أخطأهم التنين قحطوا وأجدبوا وجاعوا وانقطع النسل والولد، وهم يتسافدون كما تتسافد البهائم(950) على ظهر الطريق وحيث ما التقوا، وإذا أخطأهم التنين جاعوا وساحوا في البلاد، فلا يدعون شيئاً أتوا عليه إلّا أفسدوه وأكلوه، فهم أشدُّ فساداً فيما أتوا عليه من الأرض من الجراد والبرد والافات كلّها، وإذا أقبلوا من أرض إلى أرض جلا أهلها عنها وخلوها، وليس يغلبون ولا يدفعون حتّى لا يجد أحدٌ من خلق الله تعالى موضعاً لقدمه، ولا يخلو للانسان قدر مجلسه، ولا يدري أحدٌ من خلق الله أين أوّلهم وآخرهم(951)، ولا يستطيع أحدٌ من خلق الله أن ينظر إليهم ولا يدنو منهم نجاسةً وقذراً وسوء حلية، فبهذا غلبوا ولهم حسٌّ وحنين(952)، إذا أقبلوا إلى الأرض يسمع حسّهم من مسيرة مائة فرسخ لكثرتهم، كما يُسمع حسُّ الرِّيح البعيدة، أو حسُّ المطر البعيد ولهم همهمة إذا وقعوا في البلاد كهمهمة النحل إلّا أنَّه أشد وأعلا صوتا، يملا الأرض حتّى لا يكاد أحد أن يسمع من أجل ذلك الهميم شيئاً، وإذا أقبلوا إلى أرض حاشوا وحوشها كلّها وسباعها حتّى لا يبقى فيها شيء منها، وذلك لأنّهم يملؤونها ما بين أقطارها ولا يتخلّف وراءهم من ساكن الأرض شيء فيه روح إلّا اجتلبوه من قبل أنّهم أكثر من كلّ شيء، فأمرهم أعجب من العجب وليس منهم أحدٌ إلّا وقد عرف متي يموت وذلك من قبل أنَّه لا يموت منهم ذكر حتّى يولد له ألف ولد ولا تموت منهم أنثى حتّى تلد ألف ولد، فبذلك عرفوا آجالهم، فإذا ولد ذلك الالف برزوا للموت، وتركوا طلب ما كانوا فيه من المعيشة والحياة، فهذه قصّتهم من يوم خلقهم الله (عزَّ وجلَّ) إلى يوم يفنيهم.
ثم إنّهم جعلوا في زمان ذي القرنين يدورون أرضاً أرضاً من الارضين، وأمّة امّة من الامم وهم إذا توجّهوا لوجه لم يعدلوا عنه أبداً ولا ينصرفون يميناً ولا شمالاً ولا يلتفتون.
فلمّا أحسّت تلك الاُمم بهم وسمعوا همهمتهم استغاثوا بذي القرنين وذو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(950) السفاد: النكاح.
(951) في بعض النسخ (كم من أوّلهم إلى آخرهم).
(952) الحس والحسيس: الصوت الخفي. والحنين: الصوت الجلي.
القرنين يومئذ نازلاً في ناحيتهم فاجتمعوا إليه وقالوا: يا ذا القرنين إنَّه قذ بلغنا ما آتاك الله من الملك والسلطان، وما ألبسك الله من الهيبة، وما أيّدك به من جنود أهل الأرض ومن النور والظلمة، وإنّا جيران يأجوج ومأجوج، وليس بيننا وبينهم سوى هذه الجبال، وليس لهم إلينا طريق إلّا هذين الصدفين ولو ينسلون أجلونا عن بلادنا لكثرتهم حتّى لا يكون لنا فيها قرار، وهم خلق من خلق الله كثير فيهم مشابه من الانس وهم أشباه البهائم، يأكلون من العشب، ويفترسون الدّوابِّ والوحوش كما تفترسها السباع، ويأكلون حشرات الأرض كلّها من الحيّات والعقارب وكل ذي روح ممّا خلق الله تعالى، وليس [ممّا خلق الله] جلّ جلاله خلق ينموا نماهم وزيادتهم فلانشكُّ أنّهم يملؤون الأرض ويجلون أهلها منها ويفسدون فيها، ونحن نخشى كلّ وقت أن يطلع علينا أوائلهم من هذين الجبلين، وقد آتاك الله (عزَّ وجلَّ) من الحيلة والقوَّة ما لم يؤت أحداً من العالمين، (فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سدّاً * قال ما مكّنّي فيه ربّي خير فأعينوني بقوَّة أجعل بينكم وبينهم ردماً * آتوني زبر الحديد).
قالوا: ومن أين لنا من الحديد والنحاس ما يسع هذا العمل الّذي تريد أن تعمل قال: إنّي سأدلّكم على معدن الحديد والنحاس، فضرب لهم في جبلين حتّى فتقهما فاستخرج لهم منهما معدنين من الحديد والنحاس، قالوا: فبأي قوَّة نقطع الحديد والنحاس؟ فاستخرج لهم معدنا آخر من تحت الأرض يقال لها: السامور وهو أشدُّ بياضاً من الثلج(953) وليس شيء منه يوضع على شيء إلّا ذاب تحته فصنع لهم منه أداة يعملون بها - وبه قطع سليمان بن داود (عليه السلام) أساطين بيت المقدِّس وصخوره جاءت بها الشياطين من تلك المعادن - فجمعوا من ذلك ما اكتفوا به فأوقدوا على الحديد حتّى صنعوا منه زبراً مثال الصخور، فجعل حجارته من حديد، ثمّ أذاب النحاس فجعله كالطين لتلك الحجارة، ثمّ بنى وقاس ما بين الصدفين فوجده ثلاثة أميال فحفر له أساساً حتّى كاد أن يبلغ الماء وجعل عرضه ميلاً وجعل حشوه زبر الحديد، وأذاب النحاس فجعله خلال الحديد فجعل طبقة من نحاس واخرى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(953) في بعض النسخ (وهو أشد شيء بياضاً). والسامور: الالماس المعروف اليوم كما في بحر الجواهر ولا يذب شيئاً بل قطعه.
من حديد حتّى ساوى الرَّدم بطول الصدفين، فصار كأنّه برد حبرة من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد، فيأجوج ومأجوج ينتابونه في كلِّ سنة مرَّة، وذلك أنّهم يسيحون في بلادهم حتّى إذا وقعوا إلى ذلك الردم حبسهم، فرجعوا يسيحون في بلادهم، فلا يزالون كذلك حتّى تقرب الساعة وتجيء أشراطها فإذا جاء أشراطها وهو قيام القائم (عليه السلام) فتحه الله (عزَّ وجلَّ) لهم، وذلك قوله (عزَّ وجلَّ) (حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كلِّ حدب ينسلون)(954).
فلما فرغ ذو القرنين من عمل السدِّ انطلق على وجهه، فبينما هو يسير وجنوده إذ مرَّ على شيخ يصلّي فوقف عليه بجنوده حتّى انصرف من صلاته فقالى له ذو القرنين: كيف لم يروعك ما حضرك من الجنود؟ قال: كنت أناجي من هو أكثر جنوداً منك وأعزُّ سلطاناً وأشدُّ قوَّة، ولو صرفت وجهي إليك ما أدركت حاجتي قبله. فقال له ذو القرنين: فهل لك أن تنطلق معي فأواسيك بنفسي وأستعين بك على بعض أموري؟ قال: نعم إن ضمنت لي أربعاً(955): نعيماً لا يزول، وصحّة لا سقم فيها، وشباباً لا هرم فيه، وحياة لا موت فيها. فقال له ذو القرنين: أيُّ مخلوق يقدر على هذه الخصال؟ فقال الشيخ: فانّي مع من يقدر على هذه الخصال(956) ويملكها وإيّاك.
ثمَّ مرَّ برجل عالم فقال لذي القرنين: أخبرني عن شيئين منذ خلقهما الله تعالى قائمين، وعن شيئين جاريين، وشيئين مختلفين، وشيئين متباغضين؟ فقال ذو القرنين: أما الشيئان القائمان فالسماء والأرض، وأمّا الشيئان الجاريان فالشمس والقمر، وأمّا الشيئان المختلفان فالليل والنهار، وأمّا الشيئان المتباغضان فالموت والحياة، فقال: انطلق فانّك عالم.
فانطلق ذو القرنين يسير في البلاد حتّى مرَّ بشيخ يقلّب جماجم الموتى فوقف عليه بجنوده فقال له: أخبرني أيّها الشيخ لايِّ شيء تقلّب هذه الجاجم؟ قال: لا عرف الشريف عن الوضيع فما عرفت، فإني لاُقلّبها منذ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(954) الكهف: 94 و95.
(955) في بعض النسخ (أربع خصال).
(956) في بعض النسخ (فإنَّ معي من يقدر عليها).
عشرين سنّة، فانطلق ذو القرنين وتركه وقال: ما أراك عنيت بهذا أحداً غيري.
فبينما هو يسير إذ وقع إلى الاُمّة العالمة الّذين هم من قوم موسى الّذين (يهدون بالحقِّ وبه يعدلون) فوجد أمّة مقسطة عادلة يقسمون بالسويّة، ويحكمون بالعدل، ويتواسون ويتراحمون، حالهم واحدة، وكلمتهم واحدة، وقلوبهم مؤتلفة، وطريقتهم مستقيمة، وسيرتهم جميلة، وقبور موتاهم في أفنيتهم وعلى أبواب دورهم وبيوتهم، وليس لبيوتهم أبواب وليس عليهم أمراء، وليس بينهم قضاة، وليس فيهم أغنياء ولا ملوك ولا أشراف ولا يتفاوتون ولا يتفاضلون ولا يختلفون ولا يتنازعون ولا يستبّون ولا يقتتلون، ولا تصيبهم الافات.
فلمّا رأى ذلك من أمرهم ملئ منهم عجباً، فقال: أيّها القوم أخبروني خبركم فإنّي قد درت الأرض شرقها وغربها وبرَّها وبحرها وسهلها وجبلها ونورها وظلمتها فلم ألق مثلكم(957)، فأخبروني ما بال قبور موتاكم على أفنيتكم وعلى أبواب بيوتكم؟ قالوا: فعلنا ذلك عمداً لئلّا ننسى الموت، ولا يخرج ذكره من قلوبنا.
قال: فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب؟ فقالوا: لأنّه ليس فينا لصٌّ ولا ظنين(958)، وليس فينا إلّا الامين، قال: فما بالكم ليس عليكم أمراء؟ قالوا: لأنّنا لا نتظالم، قال: فما بالكم ليس بينكم حكّام؟ قالوا: لاننا لا نختصم، قال: فما بالكم ليس فيكم ملوك؟ قالوا: لأنّنا لا نتكاثر، قال: فما بالكم ليس فيكم أشراف؟ قالوا: لانَّنا لا نتنافس، قال: فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون، قالوا: من قبل أنّا متواسون متراحمون، قال: فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون؟ قالوا: من قبل ألفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا، قال: فما بالكم لا تستبّون ولا تقتتلون؟ قالوا: من قبل أنّا غلبنا طبائعنا بالعزم، وسسنا أنفسنا بالحلم، قال: فما بالكم كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة؟ قالوا: من قبل أنّا لا نتكاذب ولا نتخادع، ولا يغتاب بعضنا بعضاً، قال: فأخبروني لم ليس فيكم مسكين ولا فقير؟ قالوا: من قبل أنّا نقسم بالسويّة، قال: فما بالكم ليس فيكم فظٌّ ولا غليظ؟ قالوا: من قبل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(957) في بعض النسخ (فلم أر مثلكم).
(958) في بعض النسخ (ليس فينا لص ولا خائن).
الذُّلِّ والتواضع، قال: فلم جعلكم الله أطول النّاس أعماراً؟ قالوا: من قبل أنّا نتعاطي الحقِّ ونحكم بالعدل، قال: فما بالكم لا تقحطون؟ قالوا: من قبل إنّا لا نغفل عن الاستغفار، قال: فما بالكم لا تحزنون؟ قالوا: من قبل أنّا وطّنّا أنفسنا على البلاء وحرصنا عليه فعزّينا أنفسنا(959)، قال: فما بالكم لا تصيبكم الافات؟ قالوا من قبل أنّا لا نتوكّل على غير الله [جلَّ جلاله] ولا نستمطر بالانواء(960) والنجوم، قال: فحدِّثوني أيّها القوم أهكذا وجدتم آباءكم يفعلون؟ قالوا: وجدنا آباءنا يرحمون مسكينهم، ويواسون فقيرهم، ويعفون عمّن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويستغفرون لمسيئهم، ويصلون أرحامهم، ويؤدُّون أماناتهم، ويصدقون ولا يكذبون، فأصلح الله بذلك أمرهم.
فأقام عندهم ذو القرنين حتّى قبض ولم يكن له فيهم عمر، وكان قد بلغه السنَّ، وأدركه الكبر، وكان عدَّة ما سار في البلاد من يوم بعثه الله (عزَّ وجلَّ) إلى يوم قبضه الله خمسمائة عام.
رجعنا إلى ذكر ما روي عن أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) بالنص على ابنه القائم صاحب الزَّمان (عليه السلام).
* * *
2 - حدّثنا أبو طالب المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديّ قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه محمّد بن مسعود العيّاشيِّ قال: حدّثنا آدم ابن محمّد البلخي(961) قال: حدّثني عليُّ بن الحسين(962) بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(959) عزى تعزية - الرَّجل -: سلاء.
(960) النوء: النجم جمعه أنواء. والانواء ثمان وعشرون منزلة، ينزل القمر كلّ ليلة في منزلة منها ويسقط في الغرب كلّ ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر وتطلع اخرى مقابلها ذلك الوقت في الشرق فتنقضي جميعها مع انقضاء السنة وكانت العرب تزعم أنَّ مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطر، وينسبونه إليها، فيقولون: مطرنا بنوء كذا. وإنّما سمى نوءاً لأنّه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق. وينوء نوءاً أي نهض وطلع (النهاية).
(961) هو آدم بن محمّد القلانسي من أهل بلخ، يقول بالتفويض (صه).
(962) في بعض النسخ (عليّ بن الحسن).
هارون الدّقّاق قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن عبد الله بن قاسم بن إبراهيم بن مالك الاشتر قال: حدّثني يعقوب بن منقوش قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وهو جالس على دكّان في الدَّار، وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل، فقلت له: [يا] سيّدي من صاحب هذا الامر؟ فقال: ارفع الستر، فرفعته فخرج إلينا غلام خماسيُّ(963) له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، درِّي المقلتين، شثن الكفّين، معطوف الرُّكبتين، في خدِّه الايمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمّد (عليه السلام) ثمّ قال لي: هذا صاحبكم، ثمّ وثب فقال له: يا بني ادخل إلى الوقت المعلوم، فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثمّ قال لي: يا يعقوب انظر من في البيت، فدخلت فما رأيت أحداً(964).
3 - حدّثنا عليّ بن عبد الله الوراق قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدَّثني موسى بن جعفر بن وهب البغداديُّ أنَّه خرج من أبي محمّد (عليه السلام) توقيع: (زعموا أنّهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل وقد كذَّب الله (عزَّ وجلَّ) قولهم والحمد لله).
4 - حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام رضي الله عنه قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيُّ قال: حدّثني علان الرَّازيُّ قال: أخبرني بعض أصحابنا أنَّه لمّا حملت جارية أبي محمّد (عليه السلام) قال: ستحملين ذكراً واسمه محمّد وهو القائم من بعدي.
5 - حدّثنا أبو طالب المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه قال: حدّثنا أحمد بن عليِّ بن كلثوم قال: حدّثنا عليّ بن أحمد الرازي قال: خرج بعض إخواني من أهل الرِّي مرتاداً بعد مضيِّ أبي محمّد (عليه السلام) فبينما هو في مسجد الكوفة مغموماً متفكراً فيما خرج له يبحث حصا المسجد بيده فظهرت له حصاة فيها مكتوب محمّد، قال الرَّجل: فنظرت إلى الحصاة فإذا فيها كتابة ثابتة(965) مخلوقة غير منقوشة.
6 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنه قال: حدّثني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(963) في الدر النثير والنهاية غلام خماسي: طوله خمسة أشبار والانثى خماسية، ولا يقال: سداسي ولا سباعي ولا غير الخمسة.
(964) سيأتي الحديث في باب من شاهد القائم (عليه السلام) بهذا السند أيضاً.
(965) في بعض النسخ (ناتئة) ونتأ ينتؤ نتوءاً خرج من موضعه. وتنفخ وبعضو ورم فهو ناتئ.
أبي، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريِّ قال: حدّثني محمّد بن أحمد المدائنيُّ، عن أبي غانم(966) قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) يقول: في سنّة مائتين وستّين تفترق شيعتي.
ففيها قبض أبو محمّد (عليه السلام) وتفرَّقت الشيعة وأنصاره، فمنهم من انتمى إلى جعفر(967) ومنهم من تاه و[منهم من] شك، ومنهم من وقف على تحيّره، ومنهم من ثبت على دينه بتوفيق الله (عزَّ وجلَّ).
7 - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديُّ رضي الله عنه قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود العياشيُّ، عن أبيه، عن أحمد بن عليِّ بن كلثوم، عن عليٍّ بن أحمد الرّازيِّ، عن أحمد بن إسحاق بن سعد قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن عليّ العسكريَّ (عليهما السلام) يقول: الحمد لله الّذي لم يخرجني من الدُّنيا حتّى أراني الخلف من بعدي، أشبه النّاس برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خَلقاً وخُلقاً، ويحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته، ثمّ يظهره فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.
8 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا موسى بن جعفر بن وهب البغداديُّ قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) يقول: كأني بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف منّي، أما إنَّ المقرَّ بالأئمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المنكر لولدي كمن أقرَّ بجميع أنبياء الله ورسله ثمّ أنكر نبوَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والمنكر لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كمن أنكر جميع أنبياء الله لأنّ طاعة آخرنا كطاعة أوَّلنا، والمنكر لاخرنا كالمنكر لأوَّلنا. أما أنَّ لولدي غيبة يرتاب فيها النّاس إلّا من عصمه الله (عزَّ وجلَّ).
9 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثني أبو عليّ بن همام قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري - قدَّس الله روحه - يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وأنا عنده عن الخبر الّذي روي عن آبائه (عليهم السلام): (أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة لله على خلقه إلي يوم القيامة وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(966) كذا، وفي بعض النسخ والبحار أيضاً (أبي حاتم) وفي هامش بعض المخطوط عن حاشية رجال الميرزا (أبو غانم لا أعرفه روى خبراً عنه عيسى بن مهران في باب ضمان النفوس من كتاب قصاص التهذيب).
(967) انتمى أي انتسب وفي بعض النسخ (آل) وتاه يتيه إذا تحير وضل.
فقال (عليه السلام): أنَّ هذا حق كما أنَّ النهار حق، فقيل له: يا بن رسول الله فمن الحجّة والامام بعدك؟ فقال ابني محمّد، هو الامام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهليّة. أما أنَّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذّب فيها الوقاتون، ثمَّ يخرج فكأنّي أنظر إلى الاعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة.
الباب التاسع والثلاثون: فيمن أنكر القائم الثاني عشر من الأئمّة (عليهم السلام)
1 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أنكر واحداً من الاحياء فقد أنكر الاموات.
2 - وحدَّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار؛ والحسن بن متيل الدّقّاق؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً قالوا: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب؛ ويعقوب بن يزيد؛ وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن محمّد بن أبي عمير؛ وصفوان بن يحيى جميعاً، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أنكر واحداً من الاحياء فقد أنكر الاموات.
3 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن محمّد بن عيسى، عن إسماعيل بن مهران، عن محمّد بن سعيد، عن أبان بن تغلب قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): من عرف الأئمّة ولم يعرف الامام الّذي في زمانه أمؤمن هو؟ قال: لا، قلت: أمسلم هو؟ قال: نعم.
قال مصنّف هذا الكتاب - رضي الله عنه: الاسلام هو إقرار بالشهادتين، وهو الّذي به تحقن الدماء والاموال والثواب على الايمان، وقال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من شهد أن لا إله إلّا الله، وأن محمداً رسول الله فقد حقن ما له ودمه إلّا بحقهما، وحسابه على الله (عزَّ وجلَّ).
4 - حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيّ قال: حدّثنا سهل بن زياد الادمي قال: حدّثنا الحسن بن محبوب(968)، عن عبد العزيز العبديِّ، عن ابن أبي يعفور(969) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من أقرَّ بالائمة من آبائي وولدي، وجحد المهديَّ من ولدي كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء وجحد محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم). فقلت: يا سيدي: ومن المهديُّ من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع، يغيب عنهم شخصه ولا يحلُّ لهم تسميته.
5 - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه قال: حدّثنا أبي، عن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن سنان، عن صفوان [بن مهران]، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) أنَّه قال: من أقرَّ بجميع الائمّة، وجحد المهديَّ كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء وجحد محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نبوَّته، فقيل له، يا بن رسول الله فمن المهديُّ من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحلُّ لكم تسميته.
6 - حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوريُّ العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوريُّ، عن حمدان بن سليمان قال: حدَّثني أحمد بن عبد الله بن جعفر الهمدانيّ، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): القائم من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنّته سنتي، يقيم النّاس على ملّتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب ربّي (عزَّ وجلَّ)، من أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني، ومن كذَّبه فقد كذَّبني، ومن صدَّقه فقد صدَّقني، إلى الله أشكو المكذَّبين لي في أمره، والجاحدين لقولي في شأنه، والمضلّين لاُمّتي عن طريقته (وسيعلم الّذين ظلموا أيِّ منقلب ينقلبون).
7 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن عبد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(968) في أكثر النسخ (عن محمّد بن الحسن بن محبوب) وهو تصحيف ورواية سهل عن السراد كثير راجع التهذيب ج 2 ص 73 وص 411 و463، والكافي ج 1 ص 457. وهكذا رواية السراد عن العبدي راجع التهذيب ج 2 ص 455 و464 حسبما رقمناه و399 و408 حسبما رقم فيه.
(969) في بعض النسخ (عن أبي يعقوب).
الرّحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) - في حديث طويل - يقول في آخره: كيف يهتدي من لم يبصر؟ وكيف يبصر من لم ينذر، اتّبعوا قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأقرُّوا بما نزل من عند الله (عزَّ وجلَّ)، واتّبعوا آثار الهدى فإنّها علامات الامانة والتقيُّ، واعلموا أنَّه لو أنكر رجل عيسى بن مريم (عليه السلام) وأقرَّ بمن سواه من الرُّسل (عليهم السلام) لم يؤمن، اقصدوا الطريق بالتماس المنار، والتمسوا من وراء الحجب الاثار تستكملوا أمر دينكم، وتؤمنوا بالله ربكم.
8 - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني.
9 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا أبي، عن عبد الله ابن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن غير واحد، عن مروان بن مسلم قال: قال الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): الامام علم فيما بين الله (عزَّ وجلَّ) وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمناً، ومن أنكره كان كافراً.
10 - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن محمّد بن مروان، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهليّة، ولا يعذر النّاس حتّى يعرفوا إمامهم.
11 - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن، ومحمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي سعيد المكاريِّ، عن عمّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية كفر وشرك وضلالة.
12 - حدّثنا عليُّ بن عبد الله الوراق قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن جعفر الاسدي رضي الله عنه قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعيُّ، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته [فـ] مات [فقد مات] ميتة جاهليّة.
13 - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد قال: حدّثني عمران عن محمّد(970) بن عبد الحميد، عن محمّد بن الفضيل، عن عليِّ بن موسى الرِّضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليٍّ، عن أبيه عليِّ بن الحسين عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا عليُّ أنت والائمّة من ولدك بعدي حجج الله (عزَّ وجلَّ) على خلقه، وأعلامه في بريّته، من أنكر واحداً منكم فقد أنكرني، ومن عصى واحداً منكم فقد عصاني، ومن جفا واحداً منكم فقد جفاني، ومن وصلكم فقد وصلني ومن أطاعكم فقد أطاعني، ومن والاكم فقد والاني، ومن عاداكم فقد عاداني لأنّكم منّي، خلقتم من طينتي وأنا منكم.
14 - حدّثنا عليّ بن محمّد رضي الله عنه قال: حدّثنا حمزة بن القاسم العلويُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسن بن محمّد الفارسي قال: حدّثنا عبد الله بن قدامة الترمذيُّ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: من شكَّ في أربعة فقد كفر بجميع ما أنزل الله تبارك وتعالى أحدها: معرفة الامام في كلّ زمان وأوان بشخصه ونعته.
15 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً، عن محمّد بن عيسى؛ ويعقوب بن يزيد؛ وإبراهيم ابن هاشم جميعاً؛ عن حمّاد بن عيسى، عن عمر بن اذينة، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلاليِّ أنَّه سمع من سلمان ومن أبي ذرٍّ ومن المقداد حديثاً عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهليّة، ثمَّ عرضه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(970) في بعض النسخ (عن محمّد بن عليّ قال: حدثنى عمران بن محمّد). وهو عمران بن موسى الزيتوني الاشعري. وأمّا راويه عليّ بن محمّد فلعله عليّ بن محمّد بن مروان، وهو مهمل.
على جابر وابن - عباس فقالا: صدقوا وبرّوا، وقد شهدنا ذلك وسمعناه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإن سلمان قال: يا رسول الله إنّك قلت: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية من هذا الامام؟ قال: من أوصيائي يا سلمان، فمن مات من أمّتي وليس له إمام منهم يعرفه فهي ميتة جاهليّة، فإنَّ جهله وعاداه فهو مشركٌ، وإن جهله ولم يعاده ولم يوال له عدوّاً فهو جاهل وليس بمشرك.
الباب الأربعون: ما روي في أنَّ الامامة لا تجتمع في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)
1 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرّحمن عن الحسين بن ثوير أبي فاختة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تكون الامامة(971) في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهم السلام) أبداً، إنّها جرت(972) من عليّ بن الحسين (عليهما السلام) كما قال الله جل جلاله: (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)(973) ولا تكون بعد عليِّ بن الحسين إلّا في الاعقاب وأعقاب الاعقاب.
2 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، ومحمّد بن عيسى بن عبيد، عن الحسين بن الحسن الفارسى، عن سليمان بن جعفر الجعفريِّ، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تجتمع الامامة في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)، إنّما تجري في الاعقاب وأعقاب الاعقاب(974).
3 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدَّثنا عليُّ بن الحسين السعد آباديُّ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(971) في الكافي ج 1 ص 285 و286 بهذا الاسناد (لا تعود الامامة).
(972) في الكافي (إنّما جرت).
(973) الانفال: 76 والاحزاب: 7.
(974) في الكافي باسناده، عن سليمان، عن حمّاد عنه (عليه السلام).
محمّد بن سنان، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أبي الله (عزَّ وجلَّ) أن يجعلها (يعني الامامة)(975) في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام).
4 - حدَّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسين ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن سنان، عن أبي سلام، عن سورة بن كليب، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (وجعلها كلمة باقية في عقبه)(976) إنّها في الحسين (عليه السلام) تنتقل من ولد إلى ولد، لا ترجع إلى أخ ولاعمٍّ.
5 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً، عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي جعفر محمّد بن جعفر [عن أبيه - خ] عن عبد الحميد بن نصر، عن أبي إسماعيل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تكون الامامة في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام) أبداً، إنّما هي في الاعقاب وأعقاب الاعقاب.
6 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن الحسين السعد آباديُّ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيِّ، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لمّا ولدت فاطمة (عليها السلام) الحسين (عليه السلام) أخبرها أبوها (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن امّته ستقتله من بعده، قالت: ولا حاجة لي فيه، فقال: أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد أخبرني أن يجعل الأئمّة من ولده، قالت: قد رضيت يا رسول الله.
7 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميريُّ جميعاً، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، ومحمّد بن عيسى بن عبيد جميعاً، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عيسى بن عبد الله العلويِّ العمريِّ(977)، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام) قال: قلت له: جعلت فداك إن كان كون - ولا أراني الله يومك - فبمن أئتمُّ؟ قال: فأومأ إلى موسى (عليه السلام)، قلت: فإنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(975) من زيادات النساخ أو المؤلف (ره) لعدم وجودها في الكافي والراوي واحد.
(976) الزخرف: 28.
(977) هو عيسى بن عبد الله بن عمر بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
مضى موسى (عليه السلام) فبمن أئتم؟ قال: بولده، قلت: فإنَّ مضى ولده وترك أخا كبيراً وابنا صغيراً فبمن أئتمّ؟ قال: بولده، ثمّ هكذا أبداً، قلت: فإن أنا لم أعرفه ولم أعرف موضعه فما أصنع؟ قال: تقول: (اللّهمّ إنّي أتولّي من بقي من حججك من ولد الامام الماضي فإنَّ ذلك يجزئك(978).
8 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريّ قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى قال: حدّثنا الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لمّا أن حملت(979) فاطمة (عليها السلام) بالحسين (عليه السلام) قال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد وهب لك غلاما اسمه الحسين، تقتله اُمّتي، قالت: فلا حاجة لي فيه، فقال: أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد وعدني فيه عدة، قالت: وما وعدك؟ قال: وعدني أن يجعل الامامة من بعده في ولده، فقالت: رضيت.
9 - حدَّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: أخبرنا أحمد بن محمّد الهمدانيُّ قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليِّ بن فضال، عن أبيه، عن هشام بن سالم قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): الحسن أفضل أم الحسين؟ فقال: الحسن أفضل من الحسين. [قال:] قلت: فكيف صارت الامامة من بعد الحسين في عقبه دون ولد الحسن؟ فقال: أنَّ الله تبارك وتعالى أحب أن يجعل(980) سنّة موسى وهارون جارية في الحسن والحسين (عليهما السلام)، إلّا ترى أنّهما كانا شريكين في النبوَّة كما كان الحسن والحسين شريكين في الامامة وإن الله (عزَّ وجلَّ) جعل النبوَّة في ولد هارون ولم يجعلها في ولد موسى وإن كان موسى أفضل من هارون (عليهما السلام)، قلت: فهل يكون إمامان في وقت واحد؟ قال: لا إلّا أن يكون أحدهما صامتاً مأموما لصاحبه، والاخر ناطقاً إماماً لصاحبه، فأمّا أن يكونا إمامين ناطقين في وقت واحد فلا.
قلت: فهل تكون الامامة في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)؟ قال: لا إنّما هي جارية في عقب الحسين (عليه السلام) كما قال الله (عزَّ وجلَّ): (وجعلها كلمة باقية في عقبة) ثمّ هي جارية في الاعقاب وأعقاب الاعقاب إلى يوم القيامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(978) روى الكليني (ره) نحوه في الكافي ج 1 ص 286.
(979) في بعض النسخ (علقت).
(980) في بعض النسخ (أنَّ الله تبارك وتعالى لم يرد بذلك إلّا أن يجعل - الخ) وفى بعضها (أنَّ الله تبارك وتعالى أبي إلّا أن يجعل - الخ).
10 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (وبئر معطّلة وقصر مشيد)(981) فقال: البئر المعطلة الامام الصامت، والقصر المشيد الامام الناطق.
الباب الحادي والأربعون: ما روي في نرجس أم القائم (عليهما السلام) واسمها مليكة بنت يشوعا(982) بن قيصر الملك
1 - حدَّثنا محمّد بن عليّ بن حاتم النوفليّ قال: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشاء البغداديُّ قال: حدّثنا أحمد بن طاهر القمي قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن بحر الشيبانيُّ قال: وردت كربلا سنة ستَّ وثمانين ومائتين، قال: وزرت قبر غريب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمّ انكفأت إلى مدينة السلام متوجّهاً إلى مقابر قريش في وقت قد تضرَّمت الهواجر وتوقدت السمائم، فلمّا وصلت منها إلى مشهد الكاظم (عليه السلام) واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرَّحمة، المحفوفة بحدائق الغفران أكببت عليها بعبرات متقاطرة، وزفرات متتابعة وقد حجب الدَّمع طرفيَّ عن النظر فلمّا رقأت العبرة وانقطع النحيب فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه، وتقوَّس منكباه، وثفنت جبهته وراحتاه، وهو يقول لاخر معه عند القبر: يا ابن أخي لقد نال عمّك شرفاً بما حمّله السيّدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم الّتي لم يحمل مثلها إلّا سلمان، وقد أشرف عمّك على استكمال المدَّة وانقضاء العمر، وليس يجد في أهل الولاية رجلاً يفضي إليه بسرِّه، قلت: يا نفس لا يزال العناء والمشقّة ينالان منك باتعابي الخفّ والحافر(983) في طلب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(981) الحج: 45. وعليّ بن أبي حمزة البطائني أحد عمد الواقفة كذاب متهم ملعون قال العلامة (ره): قد رويت عنه أحاديث كثيرة وكتب تفسير القرآن كله من أوله إلى آخره إلّا أنَّ أبي لا أستحل أن أروى عنه حديثاً واحداً.
(982) في بعض النسخ (يوشعا) وفي بعضها (يستوعا).
(983) كناية عن البعير والفرس.
العلم، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدلُّ على علم جسيم وأثر عظيم، فقلت: أيّها الشيخ ومن السيّدان؟ قال: النجمان المغيّبان في الثرى بسرِّ من رأى، فقلت: إنّي اقسم بالموالاة وشرف محلّ هذين السيّدين من الامامة والوراثة إنّي خاطب علمهما، وطالب آثارهما، وباذل من نفسي الايمان المؤكّدة على حفظ أسرارهما، قال: أن كنت صادقاً فيما تقول فأحضر ما صحبك من الاثار عن نقلة أخبارهم، فلمّا فتّش الكتب وتصفّح الرِّوايات منها قال: صدقت أنا بشر بن سليمان النخّاس(984) من ولد أبي أيّوب الانصاريّ أحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد (عليهما السلام) وجارهما بسر من رأى، قلت: فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما قال: كان مولانا أبو الحسن علىُّ بن محمّد العسكري (عليهما السلام) فقهني في أمر الرقيق فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلّا بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتّى كملت معرفتي فيه فأحسنت الفرق [فيما] بين الحلال والحرام.
فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسرِّ من رآى وقد مضى هويٌّ(985) من اللّيل إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعاً فإذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن عليِّ بن محمّد (عليهما السلام) يدعوني إليه فلبست ثيابي ودخلت عليه فرأيته يحدِّث ابنه أبا محمّد واخته حكيمة من وراء الستر، فلمّا جلست قال: يا بشر إنّك من ولد الانصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت وإني مزكيّك ومشرِّفك بفضيلة تسبق بها شأو الشيعة(986) في الموالاة بها: بسرٍّ أطلعك عليه وأنفذك في ابتياع أمة(987) فكتب كتاباً ملصقاً(988) بخطٍّ روميٍّ ولغة روميّةٍ، وطبع عليه بخاتمه، وأخرج شستقة(989) صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا فقال: خذها وتوجّه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وبرزن الجواري منها فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العبّاس وشراذم من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرتين صفيقتين، تمتنع من السفور ولمس المعترض، والانقياد لمن يحاول لمسها ويشغل نظره، بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرَّقيق فيضربها النخاس فتصرخ صرخة روميّة، فاعلم أنّها تقول: واهتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين عليَّ بثلاثمائة دينار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(984) مهمل.
(985) يعني زماناً غير قليل.
(986) في بعض النسخ (سائر الشيعة)، والشأو مصدر الامد والغاية يقال فلان بعيد الشأو أي عالي الهمة.
(987) في بعض النسخ (في تتبع أمره). مكان (في ابتياع أمة).
(988) في بعض النسخ (مطلقاً) وفي بعضها (ملفقاً).
(989) كذا في أكثر النسخ وفي بعض النسخ (الشنسقة) والظاهر الصواب (الشنتقة) معرب (چنته) وفي البحار (الشقة) وهي بالكسر والضم - السبيبة المقطوعة من الثياب المستطيلة. وعلى أي المراد الصرة الّتي يجعل فيه الدنانير.
فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول بالعربيّة: لو برزت في زيِّ سليمان وعلى مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك، فيقول النخّاس: فما الحيلة ولابدَّ من بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي [إليه و] إلي أمانته وديانته، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له: إنَّ معي كتاباً ملصقاً لبعض الاشراف كتبه بلغة روميّة وخطٍّ روميٍّ، ووصف فيه كرمه ووفاه ونبله وسخاءه فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه فإنَّ مالت إليه ورضيته، فأنا وكيله في ابتياعها منك.
قال بشر بن سليمان النخّاس: فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية، فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاء شديداً، وقالت لعمر بن يزيد النخاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرِّجة المغلّظة(990) إنَّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت اشاحّه في ثمنها حتّى استقرَّ الامر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عليه السلام) من الدَّنانير في الشستقة الصفراء، فاستوفاه منّي وتسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى حجرتي الّتي كنت آوي إليها ببغداد فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولاها (عليه السلام) من جيبها وهي تلثمه(991) وتضعه على خدِّها وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها، فقلت: تعجباً منها أتلثمين كتابا ولا تعرفين صاحبه؟ قالت: أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلِّ أولاد الأنبياء أعرني سمعك وفرِّغ لي قلبك أنا مليكة بنت يشوعا(992) بن قيصر ملك الرُّوم، وأمّي من ولداً الحوارييّن تنسب إلى وصيِّ المسيح شمعون، أنبئك العجب العجيب إنَّ جدِّي قيصر أراد أن يزوِّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنّة فجمع في قصره من نسل الحوارييّن ومن القسّيسين والرُّهبان ثلاثمائة رجل ومن ذوي الاخطار سبعمائة رجل وجمع من أمراء الاجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهو ملكه عرشاً مسوغاً(993) من أصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الاساقفة عكفاً ونشرت أسفار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(990) المحرجة: اليمين الّذي يضيق المجال على الحالف ولا يبقي له مندوحة عن برقسمه. والمغلظة: المؤكدة.
(991) أي تقبله.
(992) في بعض النسخ (يوشعا).
(993) في بعض النسخ (وابرز هو من ملكه عرشا مصنوعا). والبهو: البيت المقدم امام البيوت. وفي بعض النسخ (مصنوعا) مكان (سوغا).
الانجيل تسافلت الصلبان(994) من الاعالي فلصقت بالارض، وتقوَّضت الاعمدة(995) فانهارت إلى القرار، وخرَّ الصاعد من العرش مغشيّاً عليه، فتغيّرت ألوان الاساقفة، وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدِّي: أيّها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدّالّة على زوال هذا الدِّين المسيحي والمذهب الملكاني(996)، فتطيّر جدِّي من ذلك تطيّراً شديداً، وقال للاساقفة: أقيموا هذه الاعمدة، وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبّر العاثر(997) المنكوس جدّه لا زوِّج منه هذه الصبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الاوَّل، وتفرَّق النّاس وقام جدِّي قيصر مغتمّاً ودخل قصره وارخيت الستور فأريت في تلك الليلة كان المسيح والشمعون وعدَّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدِّي ونصبوا فيه منبرا يباري السّماء علوا(998) وارتفاعا في الموضع الّذي كان جدي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع فتية وعدة من بنيه فيقوم إليه المسيح فيعتنقه فيقول: يا روح الله إنّي جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى أبي محمّد صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلى شمعون فقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: قد فعلت، فصعد ذلك المنبر وخطب محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وزوَّجني وشهد المسيح (عليه السلام) وشهد بنوا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والحواريون، فلمّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقص هذه الرُّؤيا على أبي وجدي مخافة القتل، فكنت أسرُّها في نفسي ولا أبديها لهم، وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد حتّى امتنعت من الطعام والشراب وضعفت نفسي ودقَّ شخصي ومرضت مرضاً شديداً فما بقي من مدائن الرُّوم طبيب إلّا أحضره جدِّي وسأله عن دوائي فلمّا برح به اليأس(999) قال: يا قرة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فازودكها في هذه الدنيا؟ فقلت: يا جدِّي أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من اُسارى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(994) في بعض النسخ (تساقطت الصلبان).
(995) في بعض النسخ (تفرقت الاعمدة) وفي بعضها (تقرضت).
(996) الملكانية أصحاب ملكا الّذي ظهر بالروم واستولى عليها. ومعظم الروم ملكانية قالوا: أنَّ الكلمة اتحدت بجسد المسيح (الملل والنحل).
(997) في بعض النسخ (العابر) وفي البحار نقلا عن غيبة الشيخ (العاهر).
(998) يبارى السّماء: أي يعارضها.
(999) برح به الامر تبريحا: جهده وأضرّ به.
المسلمين وفككت عنهم الأغلال وتصدقت عليهم ومننتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح وامه لى عافية وشفاء، فلمّا فعل ذلك جدي تجلدت في إظهار الصحة في بدني وتناولت يسيراً من الطعام فسَّر بذلك جدِّي وأقبل على إكرام الاُسارى إعزازهم، فرأيت أيضاً بعد أربع ليال كأنَّ سيّدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف وصيفة من وصائف الجنان فتقول لي مريم: هذه سيّدة النساء أمّ زوجك أبي محمّد (عليه السلام)، فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد من زيارتي، فقالت ليٌّ سيّدة النساء (عليها السلام): إنَّ ابني أبا محمّد لا يزورك وأنت مشركة بالله وعلى مذهب النصارى(1000) وهذه اختي مريم تبرَّأ إلى تعالى من دينك فإنَّ ملت إلى رضا الله (عزَّ وجلَّ) ورضا المسيح ومريم عنك وزيارة أبي محمّد أياك فتقولي: أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنَّ - أبي - محمداً رسول الله، فلمّا تتكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني سيّدة النساء إلى صدرها فطيبت لي نفسي، وقالت: الان توقّعي زيارة أبي محمّد إيّاك فإنّي منفذه إليك، فانتبهت وأنا أقول: واشوقاه إلى لقاء أبي محمّد، فلمّا كانت اللّيلة القابلة جاءني أبو محمّد (عليه السلام) في منامي فرأيته كأني أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك؟ قال: ما كان تأخيري عنك إلّا لشركك وإذ قد أسلمت فإني زائرك في كلّ ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.
قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الاسر(1001) فقالت: أخبرني أبو محمّد ليلة من الليالي أن جدَّك سيسرب(1002) جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا، ثمَّ يتبعهم فعليك باللّحاق بهم متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت وما شعر أحد [بي] بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك، وذلك باطلاعي إيّاك عليه، ولقد سألني الشيخ الّذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري، فقلت: العجب إنّك روميّة ولسانك عربيٌّ؟ قالت: بلغ من ولوع جدّي وحمله إيّاي على تعلم الاداب أن أو عز(1003) إلى إمرأة ترجمان له في الاختلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1000) كذا في البحار وفي جميع النسخ (على دين مذهب النصارى).
(1001) في بعض النسخ (وكيف صرت في الاسارى).
(1002) أي سيرسل. وفي البحار عن الغيبة (سيسر).
(1003) أو عز إليه في كذا: تقدمه.
إلي، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتفيدني العربيّة حتّى استمرَّ عليها لساني واستقام.
قال بشر: فلمّا انكفأت بها إلى سرَّ من رأى(1004) دخلت على مولانا أبي الحسن العسكريَّ (عليه السلام) فقال لها: كيف أراك الله عزَّ الاسلام وذلَّ النصرانيّة، وشرف أهل بيت محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ قالت: كيف أصف لك يا بن رسول الله ما أنت أعلم به منّي؟ قال: فإنّي اريد(1005) أن اكرمك فأيّما أحب إليك عشرة آلاف درهم؟ أم بشرى لك فيها شرف الأبد؟ قالت: بل البشرى(1006)، قال (عليه السلام): فأبشري بولد يملك الدُّنيا شرقاً وغرباً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، قالت: ممّن؟ قال (عليه السلام): ممّن خطبك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) له من ليلة كذا من شهر كذا من سنّة كذا بالرُّوميّة، قالت: من المسيح ووصيّه؟ قال: فممَّن زوَّجك المسيح ووصيّه، قالت: من ابنك أبي محمّد؟ قال: فهل تعرفينه؟ قالت: وهل خلوت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة الّتي أسلمت فيها على يد سيّدة النساء أمّه.
فقال أبو الحسن (عليه السلام): يا كافور ادع لي اُختي حكيمة، فلمّا دخلت عليه قال (عليه السلام) لها: هاهيه فاعتنقتها طويلاً وسرت بها كثيراً، فقال لها مولانا: يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن فإنها زوجة أبي محمّد وأمِّ القائم (عليه السلام)(1007).
1 - حدَّثنا محمّد بن الحسن بن الوليد رضي الله عنه قال: حدَّثنا محمّد بن يحيى العطّار قال: حدّثنا أبو عبد الله الحسين بن رزق الله(1008) قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1004) انكفأت أي رجعت.
(1005) في بعض النسخ (أحب).
(1006) في بعض النسخ (قال: بل الشرف).
(1007) سيأتي ص 427 ما ينافيه في الجملة: ونقلنا هناك في عدم التنافي كلاما.
(1008) كذا في النسخ المصححة ولم أجده، وفي بعض النسخ (الحسين بن عبيد الله) وهو السعدي يرمي بالغلو وقال النجاشي: له كتب صحيحة الحديث. وأمّا موسى بن محمّد فمهمل ولم أجده إلّا في عمدة الطالب في عقب القاسم حمزة بن موسى (عليه السلام).
حدّثني موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: حدثتني حكيمة بنت محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، قالت: بعث إليَّ أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فقال: يا عمة اجعلي إفطارك [هذه] اللّيلة عندنا فإنّها ليلة النصف من شعبان فإنَّ الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة وهو حجّته في أرضه، قالت: فقلت له: ومن امّه؟ قال لي: نرجس، قلت له: جعلني الله فداك ما بها أثر، فقال: هو ما أقول لك، قالت: فجئت، فلمّا سلّمت وجلست جاءت تنزع خفّي وقالت لي: يا سيّدني [وسيدة أهلي] كيف أمسيت؟ فقلت: بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي، قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمة؟ قالت: فقلت لها: يا بنيّة أنَّ الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدُّنيا والاخرة قالت: فخجلت واستحيت.
فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الاخرة أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت، فلمّا أن كان في جوف اللّيل قمت إلى الصلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ثمَّ جلست معقبة، ثمَّ اضطجعت ثمّ انتبهت فزعة وهي راقدة، ثمَّ قامت فصلت ونامت.
قالت حكيمة: وخرجت أتفقّد الفجر فإذا أنا بالفجر الاوَّل كذنب السرحان وهي نائمة فدخلني الشكوك، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام) من المجلس فقال: لا تعجلي يا عمّة فهاك الامر قد قرب، قالت: فجلست وقرأت الم السجدة ويس، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة فوثبت إليها فقلت: اسم الله عليك، ثمّ قلت لها: أتحسينَّ شيئاً؟ قالت: نعم يا عمة، فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك، قالت: فأخذتني فترة وأخذتها فترة فانتبهت بحسِّ سيّدي فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به (عليه السلام) ساجداً يتلقّى الأرض بمساجده فضممته إليَّ فإذا أنا به نظيفٌ متنظفٌ فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام) هلمي إليَّ ابني يا عمّة فجئت به إليه فوضع يديه تحت أليتيه وظهره ووضع قدميه على صدره ثمَّ أدلى لسانه في فيه وأمَّر يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثمّ قال: تكلّم يا بني فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده
لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ صلى على أمير المؤمنين وعلى الأئمّة (عليهم السلام) إلى أن وقف على أبيه، ثمّ أحجم(1009).
ثمَّ قال أبو محمّد (عليه السلام): يا عمة اذهبي به إلى امّه ليسلم عليها وائتني به، فذهبت به فسلّم عليها ورددته فوضعته في المجلس ثمَّ قال: يا عمّة إذا كان يوم السابع فأتينا قالت حكيمة: فلمّا أصبحت جئت لاسلّم على أبي محمّد (عليه السلام) وكشفت الستر لا تفقّد سيّدي (عليه السلام) فلم أره، فقلت: جعلت فداك ما فعل سيدي؟ فقال: يا عمة استود عناه الّذي استودعته امّ موسى موسى (عليه السلام).
قالت حكيمة: فلمّا كان في اليوم السابع جئت فسلّمت وجلست فقال: هلمّي إليَّ ابني، فجئت بسيّدي (عليه السلام) وهو في الخرقة ففعل به كفعلته الاولى، ثمَّ أدلى لسانه في فيه كأنّه يغذِّيه لبناً أو عسلاً، ثمَّ قال: تكلم يا بنيَّ، فقال: أشهد أن لا إلّا إله الله وثنّى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين حتّى وقف على أبيه (عليه السلام)، ثمّ تلا هذه الآية: (بسم الله الرّحمن الرّحيم ونريد أن نمنَّ على الّذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين. ونمكّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)(1010) قال: موسى فسألت عقبة الخادم عن هذه، فقال: صدقت حكيمة.
2 - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل قال: حدّثني محمّد بن إبراهيم الكوفيُّ قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله الطهوي(1011) قال: قصدت حكيمة بنت محمّد (عليه السلام) بعد مضيِّ أبو محمّد (عليه السلام) أسألها عن الحجّة وما قد اختلف فيه النّاس من الحيرة الّتي هم فيها فقالت لي: اجلس فجلست، ثمّ قالت: يا محمّد أنَّ الله تبارك وتعالى لا يخلّي الأرض من حجّة ناطقة أو صامتة، ولم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1009) أي سكت. أحجم عنه أي كف ونكص هيبة.
(1010) القصص: 5.
(1011) في بعض النسخ (الطهوي) وفي بعضها (الظهري) وفي بعضها (الزهري) وبعضها (المطهري) وفي بعضها (الطهري) ولم أجد بهذه العناوين في أصحاب الهادي أحداً نعم ذكر (الطهومي) في جامع الرواة من أصحاب الرِّضا (عليه السلام) لكن حاله مجهول.
يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام) تفضيلاً للحسن والحسين وتنزيها لهما أن يكون في الأرض عديلهما إلّا أنَّ الله تبارك وتعالى خصَّ ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن (عليهما السلام) كما خص ولد هارون على ولد موسى (عليه السلام) وإن كان موسى حجّة على هارون، والفضل لولده إلى يوم القيامة، ولا بد للامة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقون، كيلا يكون للخلق على الله حجّة، وإن الحيرة لابدّ واقعة بعد مضيِّ أبي محمّد الحسن (عليه السلام)، فقلت: يا مولاتي هل كان للحسن (عليه السلام) ولد؟ فتبسّمت ثمّ قالت: إذا لم يكن للحسن (عليه السلام) عقب فمن الحجّة من بعده وقد أخبرتك أنَّه لا إمامة لاخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)، فقلت: يا سيّدتي حدِّثيني بولادة مولاي وغيبته (عليه السلام) قالت: نعم كانت لي جارية يقال لها: نرجس فزارني ابن أخي فأقبل يحدق النظر إليها، فقلت له: يا سيّدي لعلّك هويتها فارسلها إليك؟ فقال لها: لا يا عمّة ولكنّي أتعجب منها فقلت: وما أعجبك [منها]؟ فقال (عليه السلام): سيخرج منها ولد كريم على الله (عزَّ وجلَّ) الّذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلما، فقلت: فارسلها إليك يا سيّدي؟ فقال: استأذني في ذلك أبي (عليه السلام) قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن (عليه السلام): فسلّمت وجلست فبدأني (عليه السلام) وقال: يا حكيمة أبعثي نرجس إلى ابني أبي محمّد قالت: فقلت: يا سيّدي(1012) على هذا قصدتك على أن أستأذنك في ذلك، فقال لي: يا مباركة إنَّ الله تبارك وتعالى أحبَّ أن يشركك؟؟ الاجر ويجعل لك في الخير نصيباً، قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزيّنتها ووهبتها لابي محمّد (عليه السلام) وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أيّاماً، ثمّ مضى إلى والده (عليهما السلام) ووجّهت بها معه.
قالت حكيمة: فمضى أبو الحسن (عليه السلام) وجلس أبو محمّد (عليه السلام) مكان والده وكنت أزوره كما كنت أزور والده فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفيّ، فقالت: يا مولاتي ناوليني خفّك، فقلت: بل أنت سيّدتي ومولاتي والله لا أدفع إليك خفيّ لتخلعيه ولا لتخدميني بل أنا أخدمك على بصري، فسمع أبو محمّد (عليه السلام) ذلك فقال: جزاك الله يا عمّة خيراً، فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس فصحت بالجارية وقلت: ناوليني ثيابي لانصرف فقال (عليه السلام): لا يا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1012) قيل: لا منافاة بين هذا الحديث والّذي سبق لأنّ في الّذي سبق قال (عليه السلام): (يا بنت رسول الله أخرجيها وعلميها الفرائض والسنن فانها زوجة أبي محمّد وام القائم (عليه السلام)) فكانت هي عند حكيمة في تلك الحالة حتّى اشتهرت بجارية حكيمة وجرى الامر بعد كما في هذا الخبر.
عمّتا بيّتي اللّيلة عندنا فإنّه سيولد اللّيلة المولود الكريم على الله (عزَّ وجلَّ) الّذي يحيى الله (عزَّ وجلَّ) به الأرض بعد موتها، فقلت: ممّن يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحبل؟ فقال: من نرجس لا من غيرها، قالت: فوثبت إليها فقلبتها ظهراً لبطن فلم أربها أثر حبل، فعدت إليه (عليه السلام) فأخبرته بما فعلت فتبسّم ثمَّ قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل لأنَّ مثلها مثل أمِّ موسى (عليه السلام) لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها، لأنَّ فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى (عليه السلام)، وهذا نظير موسى (عليه السلام).
قالت حكيمة: فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها فقالت: يا مولاتي ما أرى بي شيئاً من هذا، قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلب جنباً إلى جنب حتي إذا كان آخر اللّيل وقت طلوع الفجر وثبت فزعة فضمّمتها إلى صدري وسمّيت عليها(1013) فصاح [إليَّ] أبو محمّد (عليه السلام) وقال: اقرئي عليها (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها: ما حالك؟ قالت: ظهر [بي] الامر الّذي أخبرك به مولاي فأقبلت أقرأ كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ وسلّم عليَّ.
قالت حكيمة: ففزعت لمّا سمعت، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام) لا تعجبي من أمر الله (عزَّ وجلَّ) أنَّ الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً، ويجعلنا حجّة في أرضه كباراً فلم يستتمَّ الكلام حتي غيبت عنّي نرجس فلم أرها كأنّه ضرب بيني وبينها حجاب فعدوت نحو أبي محمّد (عليه السلام) وأنا صارخة، فقال لي: ارجعي يا عمّة فانّك ستجديها في مكانها.
قالت: فرجعت فلم ألبث أنَّ كشف الغطاء الّذي كان بيني وبينها وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشى بصري وإذا أنا بالصبيِّ (عليه السلام) ساجداً لوجهه(1014)، جاثياً على ركبتيه، رافعا سبّابتيه، وهو يقول: (أشهد أن لا إله إلّا الله [وحده لا شريك له] وأنَّ جدِّي محمداً رسول الله وأنَّ أبي أمير المؤمنين، ثمَّ عدَّ إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه. ثمَّ قال(1015): اللّهمّ انجز لي ما وعدتني واتمم لي أمري وثبّت وطأتي، واملا الأرض بي عدلاً وقسطاً).
فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام) فقال: يا عمّة تناوليه وهاتيه، فتناولته وأتيت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1013) يعني قلت: (اسم الله عليك) كما مر في الحديث السابق.
(1014) في بعض النسخ (على وجهه).
(1015) في بعض النسخ (فقال (عليه السلام)).
به نحوه، فلمّا مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي سلّم على أبيه فتناوله الحسن (عليه السلام) منّي [والطير ترفرف على رأسه] وناوله لسانه فشرب منه، ثمّ قال: امضي به إلى امّه لترضعه وردِّيه إليَّ قالت: فتناولته امه فأرضعته، فرددته إلى أبي محمّد (عليه السلام) والطير ترفرف على رأسه فصاح بطير منها فقال له: احمله واحفظه وردِّه إلينا في كلّ أربعين يوماً، فتناوله الطير وطار به في جوِّ السّماء وأتبعه سائر الطير، فسمعت أبا محمّد (عليه السلام) يقول: (استودعك الله الّذي أودعته اُمّ موسى موسى) فبكت نرجس فقال لها: اسكتي فإنَّ الرضاع محرَّم عليه إلّا من ثديك وسيعاد إليك كما ردَّ موسى إلى امّه وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (فرددناه إلى امّه كي تقرَّ عينها ولا تحزن)(1016).
قالت حكيمة: فقلت: وما هذا الطير؟ قال: هذا روح القدس الموكّل بالائمّة (عليهم السلام) يوفّقهم ويسدّدهم ويربّيهم بالعلم(1017).
قالت حكيمة: فلمّا كان بعد أربعين يوماً ردَّ الغلام ووجَّه إليَّ ابن أخي (عليه السلام) فدعاني، فدخلت عليه فإذا أنا بالصبيِّ متحرِّك يمشي بين يديه، فقلت: يا سيّدي هذا ابن سنتين؟ فتبسّم (عليه السلام)، ثمّ قال: إنَّ أولاد الأنبياء والاصياء إذا كانوا أئمّة ينشؤون بخلاف ما ينشؤ غيرهم، وإنَّ الصبيَّ منّا إذا كان أتى عليه شهرٌ كان كمن أتى عليه سنّة، وإنَّ الصبي منا ليتكلّم في بطن اُمّه ويقرأ القرآن ويعبد ربّه (عزَّ وجلَّ)، [و] عند الرِّضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليه صباحاً ومساءً.
قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبيِّ في كلِّ أربعين يوماً إلى أن رأيته رجلاً(1018) قبل مضيِّ أبي محمّد (عليه السلام) بأيام قلائل فلم أعرفه، فقلت لابن أخي (عليه السلام) من هذا الّذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال لي: هذا ابن نرجس وهذا خليفتي من بعدي وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي.
قالت حكيمة: فمضى أبو محمّد (عليه السلام) بعد ذلك بأيّام قلائل، وافترق النّاس كما ترى ووالله إنّي لاراه صباحاً ومساءً وإنّه لينبئني عمّا تسألون عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1016) القصص: 13.
(1017) في بعض النسخ (يزينهم بالعلم).
(1018) فيه غرابة لأنّ كلّ من رآه (عليه السلام) في أيّام أبيه رآه وهو صبي.
فأخبركم، ووالله إنّي لاريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني به وإنّه ليرد عليّ الامر فيخرج إليَّ منه جوابه من ساعته من غير مسألتي. وقد أخبرني البارحة بمجيئك إليَّ وأمرني أن اخبرك بالحقِّ.
قال محمّد بن عبد الله: فوالله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطّلع عليها أحدٌ إلّا الله (عزَّ وجلَّ)، فعلمت أنَّ ذلك صدق وعدل من الله (عزَّ وجلَّ)، لأنّ الله (عزَّ وجلَّ) قد أطلعه عليّ ما لم يطلع عليه أحداً من خلقه.
3 - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسين بن محمّد ابن عامر، عن معلى بن محمّد البصريِّ(1019) قال: خرج عن أبي محمّد (عليه السلام) حين قتل الزُّبيري: (هذا جزاء من افترى على الله تبارك وتعالى في أوليائه، زعم أنَّه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة الله (عزَّ وجلَّ)) وولد له ولدٌ وسمّاه (م ح م د) سنة ستّ وخمسين ومائتين.
4 - حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام رضي الله عنه قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيُّ قال: حدّثنا عليُّ بن محمّد قال: ولد الصاحب (عليه السلام) للنصف من شعبان سنّة خمس وخمسين ومائتين(1020).
5 - حدّثنا محمّد بن عليٍّ ماجيلويه، وأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنهما قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثنا الحسين بن عليٍّ النيسابوريُّ، عن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، عن السيّاري قال: حدثتني نسيم ومارية قالتا: إنَّه لمّا سقط صاحب الزَّمان (عليه السلام) من بطن امّه جاثياً على ركبتيه، رافعا سبّابتيه إلى السّماء، ثمَّ عطس فقال: الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله، زعمت الظلمة أنَّ حجّة الله داحضة لو أذن لنا في الكلام لزال الشكُّ.
قال إبراهيم بن محمّد بن عبد الله: وحدَّثتني نسيم خادم أبي محمّد (عليه السلام) قالت: قال لي صاحب الزَّمان (عليه السلام) وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة، فعطست عنده فقال لي: يرحمك الله، قالت: نسيم ففرحت بذلك فقال لي (عليه السلام): إلّا ابشرك في العطاس فقلت: بلي [يا مولاي] فقال: هو أمان من الموت ثلاثة أيام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1019) كذا في جميع النسخ وقد سقط هنا (عن أحمد بن محمّد بن عبد الله) كما في الكافي والارشاد.
(1020) كذا ولم أجده في الكافي غير أنَّ فيه بعد عنوان الباب بدون ذكر السند هكذا (ولد (عليه السلام) للنصف من شعبان سنّة خمس وخمسين ومائتين).
6 - حدّثنا محمّد بن عليٍّ ماجيلويه، ومحمّد بن موسى بن المتوكّل؛ وأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار قال: حدّثني إسحاق بن رياح البصريِّ(1021)، عن أبي جعفر العمريِّ قال: لمّا ولد السيّد (عليه السلام) قال أبو محمّد (عليه السلام): ابعثوا إلى أبي عمرو(1022)، فبعث إليه فصار إليه فقال له: اشتر عشرة آلاف رطل خبز، وعشرة آلاف رطل لحم وفرِّقه - أحسبه قال: على بني هاشم - وعقَّ عنه بكذا وكذا شاة.
7 - حدّثنا محمّد بن عليٍّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار قال: حدّثني أبو عليٍّ الخيزرانيُّ عن جارية له كان أهداها لأبي محمّد (عليه السلام) فلمّا أغار جعفر الكذَّاب على الدّار جاءته فارَّة من جعفر، فتزوَّج بها. قال أبو عليٍّ: فحدَّثتني أنّها حضرت ولادة السيّد (عليه السلام)، وأن اسم أم السيّد صقيل، وأن أبا محمّد (عليه السلام) حدثها بما يجري على عياله، فسألته أن يدعوا الله (عزَّ وجلَّ) لها أن يجعل منيتها قبله، فماتت في حياة أبي محمّد (عليه السلام)(1023) وعلى قبرها لوح مكتوب عليه هذا قبر امّ محمّد. قال أبو عليِّ: وسمعت هذه الجارية تذكر أنَّه لمّا ولد السيّد (عليه السلام) رأت لها نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ افق السّماء، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السّماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده، ثمّ تطير، فأخبرنا أبا محمّد (عليه السلام) بذلك فضحك، ثمّ قال: تلك ملائكة نزلت للتبرُّك بهذا المولود وهي أنصاره إذا خرج.
8 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ قال: حدّثنا محمّد بن أحمد العلويُّ، عن أبي غانم الخادم قال: ولد لابي محمّد (عليه السلام) ولد فسمّاه محمداً، فعرضه على أصحابه يوم الثالث، وقال: هذا صاحبكم من بعدي، وخليفتي عليكم، وهو القائم الّذي تمتدُّ إليه الاعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1021) مهمل وفي بعض النسخ (اسحاق بن نوح وفي بعضها) اسحاق بن روح (ولم أجده).
(1022) يعني عثمان بن سعيد.
(1023) موتها قبل وفاة أبي محمّد مخالف لمّا سيجيء في الباب الاتى (باب ذكر من شاهد القائم (ع) ولم أجد في غيره من الاحاديث أو التواريخ وفاتها قبل أبي محمّد (ع).
9 - حدّثنا عليُّ بن الحسن بن الفرج(1024) المؤذَّن رضي الله عنه قال: حدّثني محمّد ابن الحسن الكرخيِّ قال: سمعت أبا هارون - رجلاً من أصحابنا - يقول: رأيت صاحب الزَّمان (عليه السلام) وكان مولده يوم الجمعة سنة ستّ وخمسين ومائتين.
10 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثني عبد الله بن جعفر الحميريُّ قال: حدّثني محمّد بن إبراهيم الكوفيُّ إنَّ أبا محمّد (عليه السلام) بعث إلى بعض من سمّاه لي بشاة مذبوحة، وقال: هذه من عقيقة ابني محمّد.
11 - حدّثنا محمّد بن عليٍّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار قال: حدّثنا الحسين بن عليٍّ النيسابوريُّ قال: حدّثنا الحسن بن المنذر، عن حمزة بن أبي الفتح قال: جاءني يوماً فقال لي: البشارة ولد البارحة في الدّار مولود لأبي محمّد (عليه السلام) وأمر بكتمانه، قلت: وما اسمه؟ قال، سمّي بمحمّد وكنّي بجعفر(1025).
12 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسن بن عليِّ بن زكريّا بمدينة السلام قال: حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن خليلان قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدِّه، عن غياث بن أسيد قال: ولد الخلف المهدي (عليه السلام) يوم الجمعة، وأمّه ريحانة، ويقال لها: نرجس، ويقال: صقيل ويقال: سوسن إلّا أنَّه قيل: لسبب الحمل صقيل(1026) وكان مولده (عليه السلام) لثمان ليال خلون من شعبان سنة ستّ وخمسين ومائتين، ووكيله عثمان بن سعيد، فلمّا مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن عليِّ بن محمّد السمريِّ رضي الله عنهم، قال: فلمّا حضرت السمريّ الوفاة سئل أن يوصى فقال: لله أمر هو بالغه، فالغيبة التامّة هي الّتي وقعت بعد مضيِّ السمريّ رضي الله عنه.
13 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيُّ رضي الله عنه قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1024) في بعض النسخ (عليّ بن الحسين بن الفرج).
(1025) سيجيء في باب ذكر من شاهد القائم (ع) من قول عقبة الخادم (يكنى أبا القاسم ويقال أبا جعفر). وتقدم فيما أخبر به الحسين (ع) ص 318 آخر حديث (الموتور بابيه المكنى بعمه) فتأمل.
(1026) إنّما سمي صيقلا أو صقيلا لمّا اعتراه من النور والجلاء بسبب الحمل المنور.
حدّثنا الحسن بن عليِّ بن زكريّا بمدينة السلام قال: حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن خليلان قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدِّه، عن غياث بن أسيد(1027) قال: شهدت محمّد بن عثمان العمريّ قدَّس الله روحه يقول: لمّا ولد الخلف المهديُّ (عليه السلام) سطع نور من فوق رأسه إلى أعنان السّماء، ثمّ سقط لوجهه ساجداً لربّه تعالى ذكره ثمَّ رفع رأسه وهو يقول: (شهد الله أنَّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلّا هو العزيز الحكيم إنَّ الدِّين عند الله الاسلام) قال: وكان مولده يوم الجمعة.
14 - وبهذا الاسناد، عن محمّد بن عثمان العمريِّ - قدَّس الله روحه - أنَّه قال: ولد السيّد (عليه السلام) مختوناً، وسمعت حكيمة تقول: لم ير باُمّه دمٌ في نفاسها، وهكذا سبيل امهات الأئمّة (عليهم السلام).
15 - حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن محمّد بن قتيبة النيسابوريِّ، عن حمدان بن سليمان، عن محمّد بن الحسين بن [ي] زيد، عن أبي أحمد محمّد بن زياد الازدي قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول: - لمّا ولد الرِّضا (عليه السلام) -: إنَّ ابني هذا ولد مختوناً طاهراً مطهّراً، وليس من الأئمّة أحد يولد إلّا مختونا طاهراً مطهّراً، ولكن سنمرُّ الموسى عليه لاصابة السنّة واتباع الحنيفية.
16 - حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن الحسين بن عبد الله بن مهران الابيُّ الازدي العروضيُّ(1028) بمرو قال: حدّثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق القمّيّ(1029) قال: لمّا ولد الخلف الصالح (عليه السلام) ورد عن مولانا أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) إلى جدِّي أحمد بن إسحاق(1030) كتاب فإذا فيه مكتوبٌ بخطِّ يده (عليه السلام) الّذي كان ترد به التوقيعات عليه، وفيه (ولدلنا مولودٌ فليكن عندك مستوراً وعن جميع النّاس مكتوماً، فإنّا لم نظهر عليه إلّا الاقرب لقرابته والوليّ لولايته أحببنا إعلامك ليسرّك الله به، مثل ما سرَّنا به(1031)، والسلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1027) كذا في بعض النسخ المصححة وفي بعضها (عن غياث بن اسد).
(1028) راجع مقدمة معاني الأخبار (ص 39 تحت رقم 13) المتن والهامش.
(1029) كذا، وفى نسخة (أحمد بن الحسن بن احمد اسحاق) والمعنون في الرِّجال (احمد بن الحسن بن اسحاق بن سعد).
(1030) كذا.
(1031) في بعض النسخ (كما سرنا به).
الباب الثالث والأربعون: ذكر من هنأ أبا محمّد الحسن بن عليّ (ع) بولادة ابنه القائم (عليه السلام)
1 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الكرخيُّ قال: حدّثنا عبد الله بن العبّاس العلويُّ قال: حدّثنا أبو الفضل الحسن بن الحسين العلويُّ قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) بسرِّ من رأى فهنّأته بولادة ابنه القائم (عليه السلام).
باب ذكر من شاهد القائم (عليه السلام) ورآه وكلمه
1 - حدّثنا عليُّ بن الحسن بن الفرج(1032) المؤذِّن رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد ابن الحسن الكرخيُّ قال: سمعت أبا هارون رجلاً من أصحابنا يقول: رأيت صاحب الزَّمان (عليه السلام) ووجهه يضيء كأنّه القمر ليلة البدر، ورأيت على سرَّته شعراً يجري كالخطِّ، وكشفت الثوب عنه فوجدته مختوناً، فسألت أبا محمّد (عليه السلام) عن ذلك فقال: هكذا ولد، وهكذا ولدنا، ولكنّا سنمرُّ الموسى عليه لاصابة السنّة.
2 - حدّثنا محمّد بن عليٍّ ما جيلويه رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار قال: حدّثني جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريُّ قال: حدّثني معاوية بن حكيم؛ ومحمّد ابن أيّوب بن نوح: ومحمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه قالوا: عرض علينا أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ونحن في منزله وكنا أربعين رجلاً فقال: هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا(1033)، قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلّا أيّامٌ قلائل حتّى مضي أبو محمّد (عليه السلام).
3 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدَّثنا عبد الله بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1032) في بعض النسخ (الحسين بن الفرج).
(1033) يعني أكثركم، أو عن قريب، فإنَّ الظاهر أنَّ محمّد بن عثمان العمري كان يراه في أيّام سفارته. ويحتمل ايصال الكتب إليه من وراء الحجاب أو بوسائط، لكن ينافيه الخبر الاتي وكذا ما سيأتي في الباب من أنَّه شاهد القائم (ع) تحت رقم 9 و10.
جعفر الحميريُّ قال: قلت لمحمّد بن عثمان العمريَّ رضي الله عنه: إنّي أسألك سؤال إبراهيم ربّه جلَّ جلاله حين قال له: (ربِّ أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنَّ قلبي)(1034) فأخبرني عن صاحب هذا الامر هل رأيته؟ قال: نعم وله رقبة مثل ذي - وأشار بيده إلى عنقه -.
4 - حدّثنا عليّ بن أحمد الدّقّاق، ومحمّد بن محمّد بن عصام الكلينيُّ؛ وعليّ بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيُّ قال: حدّثني عليُّ بن محمّد قال: حدَّثني محمّد(1035) والحسن إبنا عليِّ بن إبراهيم في سنّة تسع وسبعين ومائتين قالا: حدّثنا محمّد بن عليّ بن عبد الرّحمن العبديِّ - من عبد قيس - عن ضوء ابن عليٍّ العجليِّ، عن رجل من أهل فارس سمّاه قال: أتيت سرَّ من رأى فلزمت باب أبي محمّد (عليه السلام) فدعاني من غير أن أستأذن، فلمّا دخلت وسلمت قال لي: يا أبا فلان كيف حالك؟ ثمّ قال لي: اقعد يا فلان، ثمّ سألني عن رجال ونساء من أهلي، ثمّ قال لي: ما الّذي أقدمك علي؟ قلت: رغبة في خدمتك، قال لي: فقال: ألزم الدّار، قال فكنت في الدّار مع الخدم، ثمّ صرت أشتري لهم الحوائج من السوق وكنت أدخل عليه من غير إذن إذا كان في دار الرِّجال، فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرِّجال فسمعت حركة في البيت فناداني: مكانك لا تبرح، فلم أجسر أخرج ولا أدخل، فخرجت على جارية ومعها شيء مغطى، ثمّ ناداني ادخل، فدخلت ونادى الجارية فرجعت فقال لها: اكشفي عمّا معك، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه وكشفت عن بطنه، فإذا شعر نابت من لبته إلى سرته، أخضر ليس بأسود، فقال: هذا صاحبكم، ثمّ أمرها فحملته فما رأيته بعد ذلك حتّى مضى أبو محمّد (عليه السلام)، قال ضوء بن عليّ: فقلت للفارسي: كم كنت تقدر له من السنين؟ فقال: سنتين، قال العبدي، فقلت لضوء: كم تقدر له الان في وقتنا؟ قال: أربعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1034) البقرة: 260.
(1035) الظاهر هو محمّد بن عليّ بن ابراهيم الهمدانيّ روى عن أبيه عن جده عن الرِّضا (ع) وكان وكيل الناحية وكذلك ابنه القاسم وأبوه على وجده ابراهيم بن محمّد (منهج المقال) وقيل: المراد بعلي عليّ بن ابراهيم بن موسى بن جعفر والعلم عند الله. والخبر رواه الكليني في الكافي ج 1 ص 514 والشيخ في الغيبة ص 150.
عشر سنّة، قال أبو عليّ وأبو عبد الله(1036): ونحن نقدر له الان إحدى وعشرين سنّة(1037).
5 - حدّثنا أبو طالب المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه محمّد بن مسعود العيّاشيّ قال: حدّثنا آدم بن محمّد البلخي قال: حدّثني عليّ بن الحسن بن هارون(1038) الدقاق قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن عبد الله بن القاسم بن إبراهيم بن الاشتر قال: حدّثنا يعقوب بن منقوش(1039) قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وهو جالس على دكان في الدّار وعن يمينه بيت وعليه ستر مسبل، فقلت له: يا سيدي من صاحب هذا الامر؟ فقال: ارفع الستر فرفعته فخرج إلينا غلامٌ خماسيٌّ له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، درِّيٌ المقلتين، شثن الكفّين، معطوف الرُّكبتين(1040)، في خده الايمن خال، وفي رأسه ذوابة، فجلس على فخذ أبي محمّد (عليه السلام) ثمّ قال لي: هذا هو صاحبكم، ثمّ وثب فقال له: يا بني ادخل إلى الوقت المعلوم، فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثمّ قال لي: يا يعقوب انظر إلى من في البيت؟ فدخلت فما رأيت أحداً.
6 - حدّثنا أبو بكر محمّد بن عليّ بن محمّد بن حاتم النوفليُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو الحسين عبد الله محمّد بن جعفر القصبانيُّ البغداديُّ قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الفارسي الملقب بابن جرموز(1041) قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن بلال بن ميمون قال: حدّثنا الازهريُّ مسرور بن العاص (4) قال: حدّثني مسلم بن الفضل قال: أتيت أبا سعيد غانم بن سعيد الهندي بالكوفة فجلست، فلمّا طالت مجالستي إيّاه سألته عن حاله، وقد كان وقع إلي شيء من خبره، فقالت: كنت ببلد الهند بمدينة - يقال لها: قشمير الدَّاخلة ونحن أربعون رجلاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1036) يعني بابي عليّ: محمّد بن عليّ بن ابراهيم. وبأبي عبد الله: الحسن بن عليّ ابن ابراهيم الهمدانيّ على ما مر تحقيقه.
(1037) فبناء على ذلك يكون الصاحب عند وفاة أبيه ابن سنتين وهو مخالف للمشهور.
(1038) في بعض النسخ (عليّ بن الحسين بن هارون).
(1039) في البحار (يعقوب بن منفوس).
(1040) (درى المقلتين) المراد به شدة بياض العين أو تلالؤ جميع الحدقة، من قولهم (كوكب درى) بالهمز ودونها (معطوف الركبتين) أي كانتا مائلتين إلى القدام لعظمها وغلظهما كما أن شئن الكفين غلظهما أي يميلان إلى الغلظ والقصر.
(1041) لم أجده ولا راويه ولا شيخه ولا شيخ شيخه إلى أخر السند الاوَّل في أحد من كتب الرِّجال والتراجم الّتي كانت عندي. وفي بعض النسخ (ابن حرسون) مكان ابن (جرموز).
ح(1042) وحدّثنا أبي رحمه الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن علّان الكلينيِّ قال: حدّثني عليُّ بن قيس، عن غانم أبي سعيد الهنديِّ. ح(1043) قال علّان الكلينيُّ: وحدثني جماعة، عن محمّد بن محمّد الاشعريِّ، عن غانم، ثمّ قال: كنت عند ملك الهند(1044) في قشمير الداخلة ونحن أربعون رجلاً نقعد حول كرسيِّ الملك وقد قرأنا التوراة وإلّا نجيل والزَّبور يفزع إلينا في العلم فتذاكرنا يوماً محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقلنا: نجده في كتبنا فاتفقنا على أن أخرج في طلبه وأبحث عنه، فخرجت ومعي مال فقطع عليّ الترك وشلحوني(1045) فوقعت إلى كابل وخرجت من كابل إلى بلخ والامير بها ابن أبي شور(1046) فأتيته وعرَّفته ما خرجت له فجمع الفقهاء والعلماء لمناظرتي، فسألتهم عن محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: هو نبيّنا محمّد ابن عبد الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد مات، فقلت: ومن كان خليفته؟ فقالوا: أبو بكر فقلت: أنسبوه لي، فنسبوه إلى قريش، فقلت: ليس هذا بنبي أنَّ النبيّ الّذي نجده في كتبنا خليفته ابن عمه وزوج ابنته وأبو ولده، فقالوا للامير: أنَّ هذا قد خرج من الشرك إلى الكفر فمر بضرب عنقه، فقلت لهم: أنا متمسّك بدين ولا أدعه إلّا ببيان.
فدعا الأميرُ الحسين بن إسكيب(1047) وقال له: يا حسين ناظر الرَّجل، فقال: العلماء والفقهاء: حولك فمرهم بمناظرته، فقال له: ناظره كما أقول لك واخل به والطف له، فقال: فخلا بي الحسين وسألته عن محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: هو كما قالوه لك غير أنَّ خليفته ابن عمّه عليّ بن أبي طالب وهو زوج ابنته فاطمة وأبو ولده الحسن والحسين، فقلت: أشهد أن لاإله إلّا الله وإنّه رسول الله، وصرت إلى الأمير فأسلمت فمضى بي إلى الحسين ففقهني فقلت له: إنّا نجد في كتبنا أنَّه لا يمضي خليفة إلّا عن خليفة، فمن كان خليفة عليٍّ (عليه السلام)؟ قال: الحسن ثمّ الحسين، ثمّ سمّى الأئمّة واحداً واحداً حتّى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1042) في بعض النسخ (الازهر [ي] بن مسرور بن العبّاس).
(1043) علامة تحويل السند.
(1044) في بعض النسخ المصححة (كنت أكون مع ملك الهند).
(1045) التشليح: التعرية.
(1046) في بعض النسخ (أبي سور)، وفي الكافي (داود بن العبّاس بن أبي [أ] سود).
(1047) بالسين غير المعجمة والكاف المكسورة والباء المنقطة تحتها نقطين والباء المنقطة تحتها نقطة - المروزي المقيم بسمرقند وكش قال العلامة: هو من أصحاب أبي محمّد العسكري (عليه السلام) ثقة ثقة ثبت عالم متكلم مصنف الكتب وله كتب ذكرناه في كتابنا الكبير (صه).
بلغ الحسن بن عليٍّ ثمّ قال لي: تحتاج أن تطلب خليفة الحسن وتسأل عنه، فخرجت في الطلب.
قال محمّد بن محمّد: ووافى معنا بغداد فذكر لنا أنَّه كان معه رفيق قد صحبه على هذا الامر فكره بعض أخلاقه ففارقه.
قال: فبينما أنا يوماً وقد تمسّحت(1048) في الصراة وأنا مفكّر فيما خرجت له إذ أتاني آت وقال لي: أجب مولاك، فلم يزل يخترق بي المحالّ حتّى أدخلني داراً وبستاناً، وإذا بمولاي (عليه السلام) قاعدٌ، فلمّا نظر إلى كلّمني بالهندية وسلّم عليّ، وأخبرني عن اسمي وسألني عن الاربعين رجلاً بأسمائهم عن اسم رجل رجل، ثمّ قال لي: تريد الحجَّ مع أهل قم في هذه السنة؟ فلا تحج في هذه السنة وانصرف إلى خراسان وحج من قابل. قال: ورمى إلى بصرة وقال: اجعل هذه في نفقتك ولا تدخل في بغداد إلى دار أحد ولا تخبر بشيء ممّا رأيت.
قال محمّد: فانصرفنا من العقبة ولم يقض لنا الحج، وخرج غانم إلى خراسان وانصرف من قابل حاجا، فبعث إلينا(1049) بألطاف ولم يدخل قمّ وحجَّ وانصرف إلى خراسان فمات رحمه الله بها.
قال محمّد بن شاذان عن الكابلي(1050): وقد كنت رأيته عند أبي سعيد - فذكر(1051) أنَّه خرج من كابل مرتادا أو طالبا وإنّه وجد صحّة هذا الدِّين في الانجيل وبه اهتدي(1052).
فحدَّثني محمّد بن شاذان بنيسابور قال: بلغني أنَّه قد وصل فترصّدت له حتّى لقيته فسألته عن خبره فذكر أنَّه لم يزل في الطلب وأنّه أقام بالمدينة فكان لا يذكره لأحد إلّا زجره، فلقى شيخا من بني هاشم وهو يحيى بن محمّد العريضيُّ فقال له: أنَّ الّذي تطلبه بصرياء. قال: فقصدت صرياء فجئت إلى دهليز مرشوش، وطرحت نفسي على الدُّكان فخرج إليَّ غلام أسود فزجرني وانتهرني وقال لي: قم من هذا المكان وانصرف فقلت: لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1048) أي توضأت وفي بعض النسخ (تمشيت) وفي بعضها (تمسيت) أي وصلت إليها في المساء. والصراة: نهران ببغداد كبرى وصغرى. وفي بعض النسخ (الفرات) مكان (الصراة).
(1049) في بعض النسخ (إليه).
(1050) الظاهر هو رفيق أبي سعيد غانم.
(1051) أي محمّد بن شاذان، يحتمل أبا سعيد وهو بعيد.
(1052) إلى هنا انتهى ما في الكافي.
أفعل، فدخل الدّار ثمّ خرج إلي وقال: ادخل فدخلت فإذا مولاي (عليه السلام) قاعد بوسط الدّار، فلمّا نظر إلي سمّاني باسم لي لم يعرفه أحد إلّا أهلي بكابل، وأخبرني بأشياء، فقلت له: إنَّ نفقتي قد ذهبت فمر لي بنفقة، فقال لي: أما إنّها ستذهب منك بكذبك، وأعطاني نفقة فضاع منّي ما كانت معي وسلم ما أعطاني، ثمّ انصرفت السنة الثانية فلم أجد في الدّار أحدا.
7 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا جعفر ابن محمّد بن مالك الكوفيُّ، عن إسحاق بن محمّد الصيرفي، عن يحيى بن المثنّى العطّار عن عبد الله بن بكير، عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يفقد النّاس إمامهم فيشهد الموسم فيراهم ولا يرونه.
8 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه قال: سمعته يقول: والله أنَّ صاحب هذا الامر ليحضر الموسم كلِّ سنة فيرى النّاس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه.
9 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ قال: سألت محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه فقلت له: أرأيت صاحب هذا الامر؟ فقال: نعم وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول: (اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني).
10 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ قال: سمعت محمّد بن عثمان العمريَّ رضي الله عنه يقول: رأيته صلوات الله عليه متعلّقاً بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: (اللّهمّ انتقم لي من اعدائي).
11 - حدّثنا أبو طالب المظفّر بن جعفر بن المظفّر بن جعفر بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود قال: حدّثنا أبو النضر محمّد بن مسعود قال: حدّثنا آدم بن محمّد البلخيُّ قال: حدّثنا عليُّ بن الحسن الدقّاق(1053) قال: حدّثني إبراهيم بن محمّد العلويّ قال: حدثتني نسيم خادمة أبي محمّد (عليه السلام) قالت: دخلت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1053) في بعض النسخ (عليّ بن الحسين الدقاق كما مر).
على صاحب هذا الامر (عليه السلام) بعد مولده بليلة فعطست عنده قال لي: يرحمك الله قالت نسيم: ففرحت [بذلك] فقال لي (عليه السلام): إلّا أبشرك في العطاس؟ قلت: بلى، قال: هو أمان من الموت ثلاثة أيّام.
12 - وبهذا الاسناد، عن إبراهيم بن محمّد العلويِّ قال: حدّثني طريف أبو نصر(1054) قال: دخلت على صاحب الزَّمان (عليه السلام) فقال: عليّ بالصندل الاحمر فأتيته به، ثمّ قال: أتعرفني؟ قلت: نعم، فقال: من أنا؟ فقلت: أنت سيدي وابن سيدي، فقال: ليس عن هذا سألتك، قال طريف: فقلت: جعلني الله فداك فبيّن لي(1055) قال: أنا خاتم الاوصياء، وبي يدفع الله (عزَّ وجلَّ) البلاء عن أهلي وشيعتي.
13 - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه قال: حدّثنا جعفر بن معروف قال: كتب إلي أبو عبد الله البلخي، حدّثني عبد الله السوريّ قال: صرت إلى بستان بني عامر، فرأيت غلمانا يلعبون في غدير ماء وفتى جالساً على مصلّى واضعاً كمّه على فيه، فقلت: من هذا؟ فقالوا (م ح م د) ابن الحسن (عليه السلام) وكان في صورة أبيه (عليه السلام).
14 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ قال: كنت مع أحمد بن إسحاق عند العمري رضي الله عنه فقلت للعمري: إنّي أسألك عن مسألة كما قال الله (عزَّ وجلَّ) في قصّة إبراهيم: (أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنَّ قلبي): هل رأيت صاحبي؟ فقال لي: نعم وله عنق مثل ذي - وأومأ بيديه جميعاً إلى عنقه، قال: قلت: فالاسم؟ قال: إيّاك أن تبحث عن هذا فإنَّ عند القوم أنَّ هذا النسل قد انقطع.
15 - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ العمريُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه قال: حدّثنا جعفر بن معروف، عن أبي عبد الله البلخي، عن محمّد بن صالح بن عليّ بن محمّد بن قنبر الكبير مولى الرِّضا (عليه السلام) قال: خرج صاحب الزَّمان على جعفر الكذاب من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1054) في بعض النسخ (أبو نصير).
(1055) في بعض النسخ (فسر لي).
موضع لم يعلم به عندما نازع في الميراث بعد مضيِّ أبي محمّد (عليه السلام) فقال له: يا جعفر مالك تعرض في حقوقي؟ فتحير جعفر وبهت، ثمّ غاب عنه، فطلبه جعفر بعد ذلك في النّاس فلم يره، فلمّا ماتت الجدَّة أم الحسن أمرت أن تدفن في الدّار، فنازعهم وقال: هي داري لا تدفن فيها، فخرج (عليه السلام) فقال: يا جعفر أدارك هي؟، ثمَّ غاب عنه فلم يره بعد ذلك.
16 - حدّثنا محمّد بن محمّد الخزاعيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو عليٍّ الاسديُّ، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفيِّ أنَّه ذكر عدد من انتهى إليه ممّن وقف على معجزات صاحب الزَّمان (عليه السلام) ورآه من الوكلاء ببغداد: العمري وابنه، حاجز، والبلالي، والعطار. ومن الكوفة: العاصميُّ. ومن أهل الاهواز: محمّد بن إبراهيم بن مهزيار. ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق. ومن أهل همدان: محمّد بن صالح. ومن أهل الرِّي: البسّامي، والاسديُّ - يعني نفسه - ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء. ومن أهل نيسابور: محمّد بن شاذان.
ومن غير الوكلاء من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس(1056)، وأبو عبد الله الكنديُّ، وأبو عبد الله الجنيديُّ، وهارون القزَّاز، والنيليُّ، وأبو القاسم بن دبيس(1057)، وأبو عبد الله بن فروخُّ، ومسرور الطبّاخ مولي أبي الحسن (عليه السلام)، وأحمد ومحمّد إبنا الحسن، وإسحاق الكاتب من بني نيبخت(1058)، وصاحب النواء، وصاحب الصرّة المختومة. ومن همدان: محمّد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمّد بن هارون بن عمران. ومن الدِّينور: حسن بن هارون، وأحمد بن أخيّة(1059) وأبو الحسن. ومن إصفهان ابن باذشالة(1060). ومن الصيمرة: زيدان. ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمّد بن محمّد، وعليُّ بن محمّد بن إسحاق، وأبوه، والحسن بن يعقوب. ومن أهل الرِّي: القاسم بن - موسى وابنه، وأبو محمّد بن هارون. وصاحب الحصاة، وعليّ بن محمّد، ومحمّد بن محمّد الكلينيُّ، وأبو جعفر الرِّفاء. ومن قزوين: مرداس، وعليّ بن أحمد. ومن فاقتر(1061): رجلان. ومن شهرزور: ابن الخال. ومن فارس: المحروج(1062). ومن مرو: صاحب الالف دينار، وصاحب المال والرقعة البيضاء، وأبو ثابت. ومن نيسابور: محمّد بن شعيب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1056) في بعض النسخ (أبي حابس) وفي بعضها (أبي عابس).
(1057) في بعض النسخ (بن دميس) وفي بعضها (رميس) وفي بعضها (دبيش).
(1058) كذا في النسخ المصححة. وفي نسخة (بنى نوبخت) وفي بعضها (صاحب الفراء) مكان (صاحب النواء).
(1059) في بعض النسخ (أحمد) أخوه).
(1060) في بعض النسخ (ابن پادشاكة).
(1061) في بعض النسخ (قابس). وفي بعض النسخ (قائن).
(1062) في بعض النسخ (المحووج).
ابن صالح. ومن اليمن الفضل بن يزيد، والحسن ابنه، والجعفريُّ، وابن الأعجميِّ والشمشاطيُّ. ومن مصر: صاحب المولودين(1063)، وصاحب المال بمكة وأبو رجاء. ومن نصيبين: أبو محمّد بن الوجناء. ومن الاهواز الحصيني(1064).
17 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيُّ، رضي الله عنه قال: حدّثنا عليّ بن أحمد الكوفيُّ المعروف بأبي القاسم الخديجيِّ قال: حدّثنا سليمان بن إبراهيم الرِّقّي قال: حدّثنا أبو محمّد الحسن بن وجناء النصيبي قال: كنت ساجداً تحت الميزات في رابع أربع وخمسين حجّة بعد العتمة، وأنا أتضرع في الدعاء إذ حرَّكني محرِّك فقال: قم يا حسن بن وجناء، قال: فقمت فإذا جارية صفراء نحيفة البدن أقول: إنّها من أبناء أربعين فما فوقها، فمشت بين يديَّ وأنا لا أسألها عن شيء حتّى أتت بي إلى دار خديجة (عليها السلام) وفيها بيت بابه في وسط الحائط وله درج ساج يرتقى، فصعدت الجارية وجاءني النداء: اصعد يا حسن، فصعدت فوقفت بالباب، فقال لي صاحب الزَّمان (عليه السلام): يا حسن أتراك خفيت عليّ والله ما من وقت في حجّك إلّا وأنا معك فيه، ثمّ جعل يعد عليّ أوقاتي، فوقعت [مغشيّاً] على وجهي، فحسست بيد قد وقعت عليَّ فقمت، فقال لي: يا حسن الزم دار جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، ولا يهمنّك طعامك ولا شرابك ولا ما يستر عورتك، ثمّ دفع إليَّ دفتراً فيه دعاء الفرج وصلاة عليه فقال: بهذا فادع، وهكذا صلِّ عليّ، ولا تعطه إلّا محقّي أوليائي فإنَّ الله جل جلاله موفقك فقلت: يا مولاي لا أراك بعدها؟ فقال: يا حسن إذا شاء الله، قال فانصرفت من حجتي ولزمت دار جعفر بن محمّد (عليهما السلام) فأنا أخرج منها فلا أعود إليها إلّا لثلاث خصال: لتجديد وضوء أو لنوم أو لوقت الافطار، وأدخل بيتي وقت الافطار فأصيب رباعيّاً مملوءاً ماءً ورغيفاً على رأسه وعليه ما تشتهي نفسي بالنّهار، فآكل ذلك فهو كفاية لي، وكسوة الشتاء في وقت الشتاء، وكسوة الصيف في وقت الصيف، وإنّي لأدخل الماء بالنهار فأرشّ البيت وأدع الكوز فارغا فاوتي بالطعام(1065) ولا حاجة لى إليه فاصّدّق به ليلاً كيلا يعلم بي من معي.
18 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيُّ رضي الله عنه قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1063) في بعض النسخ المصححة (صاحبا المولودين). ولعل المراد من سيجيء ذكرهما في باب ذكر التوقيعات.
(1064) في بعض النسخ المصححة (الخصيبي) وفي بعضها (الحضيني).
(1065) في بعض النسخ (وأواني الطعام).
حدّثنا أبو القاسم عليُّ بن أحمد الخديجيُّ الكوفيّ قال: حدّثنا الازدي(1066) قال: بينما أنا في الطواف قد طفت ستّاً وأنا أريد أن أطوف السابع فإذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة وشابُّ حسن الوجه طيب الرائحة هيوب مع هيبته متقرب إلى النّاس يتكلم فلم أرأ حسن من كلامه ولا أعذب من نطقه وحسن جلوسه فذهبت أكلّمه فزبرني النّاس فسألت بعضهم من هذا؟ فقالوا: هذا ابن رسول الله يظهر في كلِّ سنّة يوماً لخواصّه يحدثهم، فقلت: يا سيدي مسترشداً أتيتك فأرشدني هداك الله، فناولني (عليه السلام) حصاة فحوَّلت وجهي فقال لي بعض جلسائه: ما الّذي دفع إليك؟ فقلت: حصاة وكشفت عنها فإذا أنا بسبيكة ذهب، فذهبت فإذا أنا به (عليه السلام) قد لحقني فقال: لي ثبتت عليك الحجّة، وظهر لك الحقُّ وذهب عنك العمى،، أتعرفني؟ فقلت: لا فقال (عليه السلام): أنا المهديُّ [و] أنا قائم الزَّمان، أنا الّذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً، أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة ولا يبقى النّاس في فترة وهذه أمانة لا تحدِّث بها إلّا إخوانك من أهل الحق.
19 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن إبراهيم بن مهزيار(1067) قال: قدمت مدينة الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فبحثت عن أخبار آل أبي محمّد الحسن بن عليّ الاخير (عليهما السلام) فلم أقع عليّ شئ منها فرحلت منها إلى مكّة مستبحثاً عن ذلك، فبينما أنا في الطواف إذ تراءى لي فتى أسمر اللّون، رائع الحسن، جميل المخيلة، يطيل التوسم في، فعدت إليه مؤمّلاً منه عرفان ما قصدت له، فلمّا قربت منه سلمت، فأحسن الاجابة، ثمّ قال: من أيِّ البلاد أنت؟ قلت: رجل من أهل العراق، قال: من أي العراق؟ قلت: من الاهواز، فقال: مرحباً بلقائك هل تعرف بها جعفر بن حمدان الحصينيُّ(1068)، قلت: دعي فأجاب، قال: رحمة الله عليه ما كان أطول ليله وأجزل نيله، فهل تعرف إبراهيم بن مهزيار قلت: أنا إبراهيم بن مهزيار فعانقني مليّاً ثمّ قال: مرحباً بك يا أبا إسحاق ما فعلت بالعلامة الّتي وشجّت(1069) بينك وبين أبي محمّد (عليه السلام)؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1066) مضطرب، ففي (غط) عن عليّ بن ابراهيم الفدكي، عن الاودي.
(1067) سيجيء نحو هذه الحكاية عن محمّد بن على بن مهزيار عن أبيه واستشكل فيهما لتقدم زمانهما عن عصر الغيبة.
(1068) في بعض النسخ المصححة (الخصيبي).
(1069) في النهاية في حديث عليّ (عليه السلام) (ووشج بينها وبين أزواجها) إي خلط وألف يقال: وشج الله بينهما توشيجا.
فقلت: لعلّك تريد الخاتم الذي آثرني الله به من الطيّب أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)؟ فقال: ما أردت سواه، فأخرجته إليه، فلمّا نظر إليه استعبر وقبّله، ثمّ قرأ كتابته فكانت (يا الله يا محمّد يا عليُّ) ثمّ، قال: بأبي يداً طالما جلت فيها(1070).
وتراخى بنا فنون الأحاديث(1071) - إلى أن قال لي -: يا أبا إسحاق أخبرني عن عظيم ما توخّيت بعد الحج؟ قلت: وأبيك ما توخيت إلّا ما سأستعلمك مكنونه، قال: سل عمّا شئت فإني شارح لك إن شاء الله؟ قلت: هل تعرف من أخبار آل أبي محمّد الحسن (عليهما السلام) شيئا؟ قال لي: وأيم الله إنى لاعرف الضوء بجبين(1072) محمّد وموسى ابني الحسن ابن عليّ (عليهم السلام) ثمّ إنّي لرسولهما إليك قاصدا لانبائك أمرهما فإنَّ أحببت لقاءهما والاكتحال بالتبرك بهما فارتحل معي إلى الطائف وليكن ذلك في خفية من رجالك واكتتام.
قال إبراهيم: فشخصت معه إلى الطائف أتخلّل رملة فرملة حتّى أخذ في بعض مخارج الفلاة فبدت لنا خيمة شعر، قد أشرفت على أكمة رمل تتلألؤاً تلك البقاع منها تلالؤا، فبدرني إلى الاذن، ودخل مسلّماً عليهما وأعلمهما بمكاني فخرج عليَّ أحدهما وهو الأكبر سنّاً (م ح م د) ابن الحسن (عليهما السلام) وهو غلام أمرد ناصع اللّون، واضح الجبين، أبلج الحاجب، مسنون الخدَّين، أقنى الانف، أشمُّ أروع كأنّه غصن بان، وكأنَّ صفحة غرَّته كوكب دري، بخده الايمن خال كأنه فتاة مسك على بياض الفضّة وإذا برأسه وفرة سحماء(1073) سبطة تطالع شحمة أذنه، له سمت ما رأت العيون أقصد منه ولا أعرف حسناً وسكينة وحياء.
فلمّا مثل لي أسرعت إلى تلقّيه فأكببت عليه ألثم كلَّ جارحة منه، فقال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1070) يعني بأبي فديت يد أبي محمّد العسكري (عليه السلام) الّتي طالما جلت أيّها الخاتم فيها. وفي بعض النسخ (بأبي بنان طالما جلت فيها).
(1071) كذا في جميع النسخ (ووقع في نسخة العلامة المجلسي (ره) في البحار تصحيف.
(1072) في البحار (الضريحين) وقال في بيانه: البعيدين عن الناس. وقال: قال الجوهري: الضريح: البعيد - الخ. والصريح: الخالص والمراد خالص النسب، وفي بعض النسخ (الضويحين) تثنية الضويحة مصغر الضاحة بمعنى البصر والعين. والتصغير للمحبة فالمعنى البصرين أو العينين المحبوبين، لكنه بعيد لمّا سيجيء تحت رقم 23 (اتعرف الصريحين قلت، نعم، قال: ومن هما؟ قلت محمّد وموسى).
(1073) الناصع الخالص. والبلجة: نقاوه ما بين الحاجبين، يقال: رجل أبلج بين البلج إذا لم يكن مقرونا. والمسنون: المملس ورجل مسنون الوجه إذا كان في وجهه وانفه طول. والشمم: ارتفاع في قصبة الانف مع استواء أعلاه، فإن كان فيها احديداب فهو القنى. والوفرة: الشعرة إلى شحمة الاذن. والسحماء: السوداء. وشعر سبط أي مترسل غير جعد، والسمت: هيئة أهل الخير (الصحاح).
لي: مرحباً بك يا أبا إسحاق لقد كانت الأيّام تعدني وشك لقائك والمعاتب بيني وبينك على تشاحط الدّار وتراخى المزار(1074)، تتخيّل لي صورتك حتّى كانا لم نخل طرفة عين من طيب المحادثة، وخيال المشاهدة، وأنا أحمد الله ربي ولي الحمد على ما قيّض من التلاقي ورفّه من وكربة التنازع(1075) والاستشراف عن أحوالها متقدّمها ومتأخرها.
فقلت: بأبي أنت وأمّي ما زلت أفحص عن أمرك بلداً فبلداً منذ استأثر الله بسيّدي أبي محمّد (عليه السلام) فاستغلق عليّ ذلك حتّى من الله عليّ بمن أرشدني إليك ودلّني عليك، والشكر لله على ما أوزعني(1076) فيك من كريم اليد والطولَّ، ثمّ نسب نفسه وأخاه موسى(1077) واعتزل بي ناحية، ثمّ قال: إنَّ أبي (عليه السلام) عهد إلي أن لا أوطن من الأرض إلّا أخفاها وأقصاها إسرارا لامري، وتحصينا لمحلي لمكائد أهل الضلال والمردة من أحداث الامم الضوالِّ، فنبذني إلى عالية الرَّمال، وجبت صرائم الأرض(1078) ينظرني الغاية الّتي عندها يحل الامر وينجلي الهلع(1079).
وكان (عليه السلام) أنبط لي(1080) من خزائن الحكم، وكوا من العلوم ما أن أشعت إليك(1081) منه جزء أغناك عن الجملة.
[واعلم] يا أبا إسحاق إنَّه قال (عليه السلام): يا بنيَّ أنَّ الله جلَّ ثناؤه لم يكن ليخلي أطباق أرضه وأهل الجدِّ في طاعته وعبادته بلا حجّة يستعلى بها، وإمام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1074) الوشك - بالفتح والضم -: السرعة. والمعاتب المراضي من قولهم (استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني وتشاحط الدّار: تباعدها.
(1075) التقييض: التيسير والتسهيل، والتنازع: التساوق من قولهم نازعت النفس إلى كذا أي اشتاقت. وفي بعض النسخ (التنارح) أي التباعد.
(1076) أي ألهمني.
(1077) هذا خلاف ما أجمعت عليه الشيعة الإماميّة من أنَّه ليس لابي محمّد ولد إلّا القائم عليه وعلى آبائه السلام. فتأمل.
(1078) (العالية): كلّ ما كان من جهة نجد من المدينة من قراها وعمائرها إلى تهامة العالية، وما كان دون ذلك السافلة. (المراصد). و(جبت صرائم الأرض) أي قطعت ودرت ما انصرم من معظم الرمل يعنى الاراضي المحصود زرعها. وفي بعض النسخ (خبت) بالخاء المعجمة - وهو المطمئن من الأرض فيه رمل.
(1079) الهلع: الجزع.
(1080) أنبط الحفار: بلغ الماء. ونبج الماء: نبع والمراد أظهر وأمشى.
(1081) في بعض النسخ (أشعب) أي افرق وأجزء.
يؤتمُّ به، ويقتدى بسبيل سنّته ومنهاج قصده، وأرجو يا بنيَّ أن تكون أحد من أعدَّ الله لنشر الحقِّ ووطئ الباطل(1082) وإعلاء الدِّين، وإطفاء الضلال، فعليك يا بنيَّ بلزوم خوافي الأرض، وتتّبع أقاصيها، فإنَّ لكلِّ ولي لاولياء الله (عزَّ وجلَّ) عدواً مقارعاً وضدّاً منازعاً افتراضا لمجاهدة أهل النفاق وخلاعة اولي الالحاد والعناد فلا يوحشنّك ذلك.
واعلم إنَّ قلوب أهل الطاعة والاخلاص نزَّع إليك(1083) مثل الطير إلى أو كارها وهم معشر يطلعون بمخائل الذِّلّة والاستكانة(1084)، وهم عند الله بررة أعزاء، يبرزون بأنفس مختلّة محتاجة(1085)، وهم أهل القناعة والاعتصام، استنبطوا الدِّين فوازروه على مجاهدة الاضداد، خصّهم الله باحتمال الضيم في الدُّنيا(1086) ليشملهم باتّساع العزِّ في دار القرار، وجبلهم(1087) على خلائق الصبر لتكون لهم العاقبة الحسنى، وكرامة حسن العقبى.
فاقتبس يا بنيَّ نور الصبر على موارد امورك تَفُز بدرك الصنع في مصادرها، واستشعر العزَّ فيما ينوبك تحظ بما تحمد غبّه إن شاء الله(1088)، وكأنك يا بنيَّ بتأييد نصر الله [و] قد أنَّ، وتيسير الفلج وعلو الكعب [و] قد حان(1089)، وكأنّك بالرَّايات الصفر والاعلام البيض تخفق على أثناء أعطافك(1090) ما بين الحطيم وزمزم، وكأنّك بترادف البيعة وتصافي الولاء(1091) يتناظم عليك تناظم الدُّرِّ في مثاني العقود، وتصافق الاكفِّ على جنبات الحجر الأسود(1092)، تلوذ بفنائك من ملابراهم الله من طهارة الولاة ونفاسة التربة، مقدسة قلوبهم من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1082) في بعض النسخ (وطى الباطل).
(1083) نزع - كركع - أي مشتاقون اليك. وقد يقرء (ترع) بالتحريك والترع - محركة -: الاسراع إلى الشى والامتلاء. في القاموس: ترع - كفرح - فهو ترع، وفلان اقتحم الأُمور مرحاً ونشاطاً فهو تريع ولعل المختار أنسب كما في البحار، لكن في بعض النسخ المصححة (أنَّ قلوب أهل الطاعة والاخلاص تترع أشد ترعاً اليك من الطير.. الخ)
(1084) أي يدخلون في امور هي مظان المذلة. أو يطلعون ويخرجون بين النّاس مع أحوال هي مظانها.
(1085) في بعض النسخ (بررة أغراء) باعجام العين واهمال الراء جمع الاغر من غر الاماجد وغر المحجلين. وفي بعض النسخ (بأنفس مخبلة محتاجة) والخبل: فساد العقل والمختار هو الصواب.
(1086) الضيم. الظلم.
(1087) أي خلقهم وفطرهم.
(1088) أي اصبر على المكاره والبلايا وما يرد عليك منها حتّى تفوز بدرك ما صنع الله اليك ومعروفه لديك في ارجاع المكاره وصرفها عنك. واستشعر العز في ما ينوبك أي أضمر العز والنصرة والغلبة في قلبك لاجل الغيبة من خوفك عن النّاس، واصبر وانتظر الفرج فيما أصابك من هذه النوائب. أو اعلم وأيقن بأن ما ينوبك من البلايا والمحن هو سبب لعزك وقربك وسعادتك. والغب: المآل والعاقبة. وفي بعض النسخ (بما تحمد عليه).
(1089) علو الكعب كناية عن الغلبة والعز والشرف.
(1090) اثناء الشيء: قواه وطاقاته، والمراد بالاعطاف جوانبها. والحفق: الاضطراب وخفقت الراية تحرك واضطرب.
(1091) في الكنز (تصافى) باهمديگر دوستي پاك وخالص داشتن). يعني الود الخالص. وفي بعض النسخ (تصادف).
(1092) أي العقود المثنية المعقودة الّتي لا يتطرق إليها التبدد. أوفي موضع ثنيها فانها في تلك المواضع أجمع وأكثف. والتصافق. ضرب اليد على اليد عند البيعة من صفقت له بالبيع أي ضربت بيدي على يده. والجنبات: الاطراف.
دنس النفاق، مهذَّبة أفئدتهم من رجس الشقاق، لينة عرائكهم للدِّين(1093)، خشنة ضرائبهم عن العدوان، واضحة بالقبول أوجههم، نضرة بالفضل عيدانهم(1094) يدينون بدين الحقِّ وأهله، فإذا اشتدَّت أركانهم، وتقوَّمت أعمادهم فدَّت بمكانفتهم(1095) طبقات الامم إلى إمام، إذ تبعتك في ظلال شجرة دوحة تشعّبت أفنان غصونها على حافاة بُحيرة الطبريّة(1096) فعندها يتلالؤ صبح الحقِّ وينجلي ظلام الباطل، ويقصم الله بك الطغيان، ويعيد معالم الايمان، يظهر بك استقامة الافاق وسلام الرِّفاق، يودُّ الطفل في المهد لو استطاع إليك نهوضاً، ونواشط الوحش لو تجد نحوك مجازاً، تهتزُّ بك(1097) أطراف الدُّنيا بهجة، وتنشر عليك أغصان العزِّ نضرة، وتستقرُّ بواني الحقِّ في قرارها، وتؤوب شوارد الدِّين(1098) إلى إو كارها، تتهاطل عليك سحائب الظفر، فتخنق كلُّ عدوٍّ، وتنصر كلّ وليٍّ، فلا يبقي على وجه الأرض جبّار قاسط ولا جاحد غامط، ولا شانيء مبغض، ولا معاند كاشح(1099)، ومن يتوكّل على الله فهو حسبه إنَّ الله بالغ أمره قد جعل الله لكلِّ شيء قدراً.
ثمَّ قال: يا أبا إسحاق ليكن مجلسي هذا عندك مكتوماً إلّا عن أهل التصديق والاخوَّة الصادقة في الدِّين، إذا بدت لك أمارات الظهور والتمكّن فلا تبطئ بإخوانك عنّا وباهر المسارعة(1100) إلى منار اليقين وضياء مصابيح الدِّين تلق رشداً إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1093) العرائك جمع عريكة وهي الطبيعة، وكذا الضرائب جمع ضريبة وهي الطبيعة أيضاً والسيف وحدّه.
(1094) العيدان - بالفتح - الطوال من النخل.
(1095) فدّ يفد - كفر يفر -: عدا وركض. والمكانفة: المعاونة. والاعماد: جمع عمود من غير قياس.
(1096) (إذ تبعتك) أي بايعك وتابعك هؤلاء المؤمنون. والدوحة: الشجرة العظيمة والافنان: الاغصان. وفي بعض النسخ (بسقت أفنان غصونها) وبسق النخل بسوقاً: طال. والحافاة: الجوانب.
(1097) الناشط: الثور الوحشي يخرج من أرض إلى أرض. وتهتز: أي تنحرك.
(1098) بواني الحق: أساسها. وفي بعض النسخ (بواني العز) أي الخصال الّتي تبني العز وتؤسسها. وآب يؤوب أوبا فهو آب أي راجع. وشرد البعير أي نفر فهو شارد والوكر: عش الطائر، جمعها أوكار. وتهاطل السحاب أي تتابع بالمطر.
(1099) الغامط: الحاقر للحق، وغمط العافية لم يشكرها، وغمط أهله بطر بالنعمة والشانئ، العائب. والكاشح: الّذي يضمر لك العداوة.
(1100) في هامش بعض النسخ عن المحكم لابن سيدة (بهر عليه أي غلبه وفاق على غيره في العلم والمسارعة انتهى. وفي بعض النسخ (ناهز المسارعة) وفي البحار (باهل المسارعة).
ثمّ اعلم أنَّ هذه الجملة يتضمن بقاء ابراهيم بن مهزيار إلى يوم خروجه ولا يخفى ما فيه.
قال إبراهيم بن مهزيار: فمكثت عنده حيناً أقتبس ما اؤدِّي إليهم(1101) من موضحات الأعلام ونيّرات الأحكام، وأرويِّ نبات الصدور من نضارة ما ادَّخره الله في طبائعه من لطائف الحكم وطرائف فواضل القسم حتّى خفت إضاعة مخلّفي بالأهواز لتراخي اللّقاء عنهم فاستأذنته بالقفول، وأعلمته عظيم ما أصدر به عنه من التوحّش لفرقته والتجرُّع للظّعن عن محاله(1102)، فأذن وأردفني من صالح دعائه ما يكون ذخراً عند الله ولعقبي وقرابتي إن شاء الله.
فلمّا أزف ارتحالي(1103) وتهيّأ اعتزام نفسي غدوت عليه مودِّعاً ومجدِّداً للعهد وعرضت عليه مالاً كان معي يزيد على خمسين ألف درهم وسألته أن يتفضَّل بالأمر بقبوله منّي، فابتسم وقال: يا أبا إسحاق استعن به على منصرفك فإنَّ الشّقّة قذفة وفلوات الأرض أمامك جمّة(1104) ولا تحزن لا عراضنا عنه، فإنا قد أحدثنا لك شكره ونشره وربضناه عندنا بالتذكرة وقبول المنّة فبارك الله فيما خوَّلك وأدام لك مانوً لك(1105) وكتب لك أحسن ثواب المحسنين وأكرم آثار الطائعين، فإنَّ الفضل له ومنه، وأسأل الله أن يردَّك إلى أصحابك بأوفر الحظّ من سلامة الاوبة وأكناف الغبطة بلين المنصرف ولا أوعث الله لك سبيلا(1106)، ولا حيّر لك دليلاً، وأستودعه نفسك وديعة لا تضيع ولا تزول بمنّه ولطفه إن شاء الله.
يا أبا اسحاق: قنعنا بعوائد إحسانه وفوائد امتنانه، وصان أنفسنا عن معاونة الاولياء لنا عن الاخلاص في النيّة، وإمحاض النصيحة، والمحافظة على ما هو أنقي وأتقى وأرفع ذكراً(1107).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1101) يعني أؤدي إلى اخواني. وقوله (إليهم) ليس في بعض النسخ.
(1102) القفول: الرجوع من السفر والظعن: السير والارتحال.
(1103) أي دنا رجعتي. والاعتزام: العزم، أو لزوم القصد في المشي. وقد يقرء (الاغترام) بالغين المعجمة والراء المهملة من الغرامة كانه يغرم نفسه بسوء صنيعه في مفارقة مولاه.
(1104) الشقة - بالضم والكسر -: البعد والناحية يقصدها المسافر، والسفر البعيد والمشقة. (القاموس). وفلاة قذف - محركة؛ وبضمتين وكصبور - أي بعيدة. والجمة - بفتح الجيم وضمها -: معظم الشيء أو الكثير منه.
(1105) ربضت الشاة: أقامت في مربضها. وربضه بالمكان تربيضا ثبته فيه، والدواب: آواها في المربض. وخوله الشيء: أعطاه إيّاه متفضلا، أو ملكه اياه. ونوله تنويلا: أعطاه نوالا، ونوله معروفه أعطاه اياه.
(1106) الاوبة: الرجوع، والاكناف اما بكسر الهمزة مصدر أكنفه أي صانه وحفظه وأعانه وأحاطه، أو بفتحها جمع الكنف - محركه - وهو الحرز والستر والجانب والظل والناحية. ووعث الطريق: تعسر سلوكه، والوعث: الطريق العسر، والوعثاء: المشقة.
(1107) في بعض النسخ (ما هو أبقى وأتقى وأرفع ذكراً).
قال: فأقفلت عنه(1108) حامداً لله (عزَّ وجلَّ) على ما هداني وأرشدني، عالماً بأنَّ الله لم يكن ليعطّل أرضه ولا يخلّيها من حجّة واضحة، وإمام قائم، وألقيت(1109) هذا الخبر المأثور والنسب المشهور توخيّاً للزِّيادة في بصائر أهل اليقين، وتعريفاً لهم ما من الله (عزَّ وجلَّ) به من إنشاء الذُّريّة الطيّبة والتربة الزّكيّة، وقصدت أداء الامانة والتسليم لمّا استبان ليضاعف الله (عزَّ وجلَّ) الملّة والهادية، والطريقة المستقيمة المرضيّة(1110) قوَّة عزم وتأييد نيّة، وشدَّة أزر، واعتقاد عصمة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
20 - وسمعنا شيخاً(1111) من أصحاب الحديث يقال له: أحمد بن فارس الاديب يقول: سمعت بهمدان حكاية حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني فسألني أن أثبتها له بخطّي ولم أجد إلى مخالفته سبيلاً، وقد كتبتها.
وعهدتها على من حكاها:
وذلك أنَّ بهمدان ناساً يعرفون ببني راشد وهم كلّهم يتشيعون ومذهبهم مذهب أهل الامامة، فسألت عن سبب تشيّعهم من بين أهل همدان؟ فقال لي شيخ منهم - رأيت فيه صلاحاً - وسمتاً -: إنَّ سبب ذلك أنَّ جدنا الّذي ننتسب إليه خرج حاجّاً فقال: إنَّه لمّا صدر من الحجِّ وساروا منازل في البادية قال: فنشطت في النزول والمشي فمشيت طويلاً حتّى أعييت ونعست فقلت في نفسي: أنام نومة تريحني، فإذا جاء أواخر القافلة قمت: قال: فما انتبهت إلّا بحرِّ الشمس ولم أر أحداً فتوحشت ولم أر طريقاً ولا أثراً، فتوكّلت على الله (عزَّ وجلَّ) وقلت: أسير حيث وجّهني، ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضراء كأنّها قريبة عهد من غيث، وإذا تربتها أطيب تربة، ونظرت في سواء تلك الأرض(1112) إلى قصر يلوح كأنّه سيف، فقلت: ليت شعري ما هذا القصر الّذي لم أعهده ولم أسمع به فقصدته، فلمّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلّمت عليهما فردّاً ردّاً جميلاً وقالا: اجلس فقد أراد الله بك خيراً، فقام أحدهما ودخل واحتبس غير بعيد، ثمّ خرج فقال: قم فادخل، فدخلت قصرا لم أر بناء أحسن من بنائه ولا أضوء منه، فتقدَّم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه، ثمّ قال لي: ادخل، فدخلت البيت فإذا فتى جالس في وسط البيت وقد علّق فوق رأسه من السقف سيف طويل تكاد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1108) أي رجعت عنه، وفي بعض النسخ (فأقلعت عنه) أي تركته.
(1109) في بعض النسخ (وألفت).
(1110) في بعض النسخ (والطبقة المرضية). مكان (والطريقة - الخ).
(1111) في هامش بعض النسخ والبحار كذا (القصة مذكورة في كتاب السّلطان المفرج عن أهل الايمان، عن أحوال صاحب الزَّمان) تأليف السيّد عليّ بن عبد الحميد.
(1112) أي وسطها.
ظبته تمس رأسه(1113)، والفتى [كأنه] بدر يلوح في ظلام، فسلّمت فردَّ السلام بألطف كلام وأحسنه، ثمّ قال لي: أتدري من أنا؟ فقلت: لا والله، فقال: أنا القائم من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنا الّذي أخرج في آخر الزَّمان بهذا السيف - وأشار إليه - فأملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
فسقطت على وجهي، وتعفّرت، فقال: لا تفعل ارفع رأسك أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها: همدان، فقلت: صدقت يا سيدي ومولاي، قال: فتحبُّ أن تؤوب إلى أهلك؟ فقلت: نعم يا سيدي وأبشرهم بما أتاح الله (عزَّ وجلَّ) لي، فأومأ إلى الخادم فأخذ بيدي وناولني صرَّة وخرج ومشى معي خطوات، فنظرت إلى طلال وأشجار ومنارة مسجد فقال: أتعرف هذا البلد؟ فقلت: إنَّ بقرب بلدنا بلدة تعرف بأسد آباذ وهي تشبهها، قال: فقال: هذه أسد آباذ إمض راشداً، فالتفتُّ فلم أره.
فدخلت أسد آباذ وإذا في الصرّة أربعون أو خمسون ديناراً، فوردت همدان وجمعت أهلي وبشِّرتهم بما يسرّه الله (عزَّ وجلَّ) لي ولم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدَّنانير.
21 - حدّثنا محمّد بن عليّ بن محمّد بن حاتم النوفليُّ المعروف بالكرمانيُّ قال: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشاء البغداديّ قال: حدّثنا أحمد بن طاهر القمّيّ قال: حدّثنا محمّد بن بحر بن سهل الشيبانيُّ قال: حدّثنا أحمد بن مسرور(1114)، عن سعد بن عبد الله القمّيِّ قال: كنت إمرءا لهجاً بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها، كلفاً باستظهار ما يصحُّ لي من حقائقها، مغرماً(1115) بحفظ مشتبهها ومسغلقها، شحيحاً على ما أظفر به من معضلاتها(1116) ومشكلاتها، متعصّباً لمذهب الإماميّة راغباً عن الامن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم والتعدِّي إلى التباغض والتشاتم، معيباً للفرق ذوي الخلاف، كاشفاً عن مثالب أئمّتهم، هتاكا لحجب قادتهم، إلى أن بليت بأشدِّ النواصب منازعة، وأطو لهم مخاصمة، وأكثرهم جدلاً، وأشنعهم سؤالاً وأثبتهم على الباطل قدماً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1113) ظبة السيف - بالضم مخففاً -: طرفه، وحد السيف والسنان.
(1114) رجال السند بعضهم مجهول الحال وبعضهم مهمل، والمتن متضمن لغرائب بعيد صدروها عن المعصوم (عليه السلام)، ويشتمل على احكام تخالف ما صح عنهم:. مضافاً إلى أنَّ الواسطة بين الصدوق وسعد بن عبد الله في جميع كتبه واحدة ابوه أو محمّد بن الحسن ابن أحمد بن الوليد كما هو المحقق عند من تتبّع كتبه ومشيخته وهنا بين المؤلف وسعد خمس وسائط. وقد رواه الطبري في الدلائل بثلاث وسائط هم غير ما هنا.
(1115) (لهجاً) أي حريصا (كلفاً) أي مولعاً. (مغرماً) أي محباً مشتاقاً.
(1116) في بعض النسخ (معاضلها).
فقال ذات يوم - وأنا اناظره -: تَبّاً لك ولاصحابك يا سعد إنّكم معاشر الرَّافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما، وتجحدون من رسول الله ولايتهما وإمامتهما، هذا الصدِّيق الّذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته، أما علمتم أنَّ رسول الله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلّا علماً منه أنَّ الخلافة له من بعده وأنّه هو المقلّد لامر التأويل والملقى إليه أزمّة الاُمّة، وعليه المعوِّل في شعب الصدع، ولم الشعث، وسدِّ الخلل، وإقامة الحدود، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك(1117)، وكما أشفق على نبوَّته أشفق على خلافته، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرِّ مساعدة إلى مكان يستخفي فيه، ولمّا رأينا النبيّ متوجّها إلى الانجحار ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر للغار للعلّة الّتي شرحناها، وإنّما أبات عليّاً على فراشه لمّا لم يكن يكترث به، ولم يحفل به لاستثقاله(1118)، ولعلمه بأنه إن قتل لم يتعذَّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب الّتي كان يصلح لها.
قال سعد: فأوردت عليه أجوبة شتّى، فما زال يعقب(1119) كلِّ واحد منها بالنقض والرَّدِّ عليَّ، ثمّ قال:، يا سعد ودونكها أُخرى بمثلها تخطم أنوف الرَّوافض(1120)، ألستم تزعمون أنَّ الصدِّيق المبرَّأ من دنس الشكوك والفارق المحامي عن بيضة الاسلام كانا يسرانَّ النفاق، واستدللتم بليلة العقبة، أخبرني عن الصدِّيق والفاروق أسلما طوعاً أو كرهاً؟ قال سعد: فاحتلت لدفع هذه المسألة عنّي خوفاً من الالزام وحذراً من أنّي إن أقررت له بطوعهما(1121) للاسلام احتجَّ بأنَّ بدء النفاق ونشأه في القلب لا يكون إلّا عند هبوب روائح القهر والغلبة، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد إليه قلبه نحو قول الله تعالى (فلمّا رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنّا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا)(1122) وإن قلت: أسلما كرها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1117) تسريب الجيوش: بعثها قطعة قطعة.
(1118) أكترث له أي ما أبالي. وما حفله وما حفل به أي ما بالى به ولا أهتم له.
(1119) في بعض النسخ (يقصد).
(1120) خطمه أي ضرب أنفه.
(1121) في بعض النسخ (بطواعيتهما).
(1122) المؤمن: 85.
كان يقصدني بالطعن إذ لم تكن ثمة سيوف منتضاة(1123) كانت تريهما البأس.
قال سعد: فصدرت عنه مزوراً(1124) قد انتفخت أحشائي من الغضب وتقطّع كبدي من الكرب وكنت قد اتّخذت طوماراً وأثبت فيه نيفاً وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيباً على أن أسال عنها خبير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمّد (عليه السلام) فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصداً نحو مولانا بسرِّ من رأى فلحقته في بعض المنازل فلمّا تصافحنا قال: بخير لحاقك بي، قلت: الشوق ثمَّ العادة في الاسولة قال: قد تكافينا على هذه الخطّة الواحدة، فقد برَّح بي القرم(1125) إلي لقاء مولانا أبي محمّد (عليه السلام) وأنا اريد أن أساله عن معاضل في التأويل ومشاكل في التنزل فدونكها الصحبة المباركة فإنّها تقف بك على ضفة بحر(1126) لا تنقضي عجائبه، ولا تفنى غرائبه، وهو إمامنا.
فوردنا سرِّ من رأى فانتهينا منها إلى باب سيّدنا فاستأذنّا فخرج علينا الاذن بالدُّخول عليه وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطّاه بكساء طبريٍّ فيه مائة وستّون صرَّة من الدنانير والدَّراهم، على كلِّ صرة منها ختم صاحبها.
قال سعد: فما شبّهت وجه مولانا أبي محمّد (عليه السلام) حين غشينا نور وجهه إلّا ببدر قد استوفى من لياليه أربعاً بعد عشر، وعلى فخذه الايمن غلامٌ يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، على رأسه فرق بين وفرتين كأنّه ألف بين واوين، وبين يدي مولانا رمّانة ذهبيّة تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركّبة عليها، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده قلمٌ إذا أراد أن يسطر به على البياض شيئاً قبض الغلام على أصابعه، فكان مولانا يدحرج الرّمّانة بين يديه ويشغله بردِّها كيلا يصده عن كتابة ما أراد(1127) فسلّمنا عليه فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس فلمّا فرغ من كتبة البياض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1123) انتضى السيف: سله.
(1124) الازورار عن الشيء: العدول عنه.
(1125) الخطة - بالضم - شبه القصة والأمر والجهل (ق) يعنى تساوينا على هذه الحالة أي العادة في الاسولة في القصة الواحدة في الامر الواحد. وبرح به الامر تبريحاً، وتباريح الشوق: توهجه. والقرم - محركة -: شدة شهوة اللحم وكثر استعمالها حتّى قيل في الشوق إلى الحبيب والمراد هنا شده الشوق. وفي بعض النسخ (برح بى الشوق).
(1126) ضفة البحر: ساحله. وفي بعض النسخ (ثقف بك).
(1127) قال في هامش البحار الطبع الحروفي كذا: (فيه غرابة من حيث قبض النلام (عليه السلام) على أصابع أبيه أبي محمّد (عليه السلام). وهكذا وجود رمانة من ذهب يلعب بها لئلّا يصده عن الكتابة، وقد روى في الكافي ج 1 ص 311 عن صفوان الجمال قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صاحب هذا الامر فقال: أنَّ صاحب هذا الامر لا يلهو ولا يلعب. وأقيل أبو الحسن موسى وهو صغير ومعه عناق مكية وهو يقول لها: اسجدي لربك. فأخذه أبو عبد الله (عليه السلام) وضمه إليه، وقال: بابي وامي من لا يلهو ولا يلعب) انتهى. أقول: في طريق هذه الرواية معلى بن محمّد البصريّ قال العلامة رحمه الله في حقه: مضطرب الحديث والمذهب. وكذا النجاشي. وقال ابن الغضائري نعرف حديثه وننكره، يروى عن الضعفاء ويجوز أن يخرج شاهداً راجع جامع الرواة.
الّذي كان بيده، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه فنظر الهاديُّ (عليه السلام)(1128) إلى الغلام وقال له: يا بنيَّ فضَّ الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك، فقال: يا مولاي أيجوز أن أمدَّ يداً طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلّها بأحرمها؟ فقال مولاي: يا ابن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز ما بين الحلال والحرام منها، فأوَّل صرَّة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: (هذه لفلا بن فلان، من محلّة كذا بقمّ، يشتمل على اثنين وستّين ديناراً، فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها وكانت إرثاً له عن أبيه خمسة وأربعون ديناراً، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً، وفيها من اجرة الحوانيت ثلاثة دنانير) فقال مولانا: صدقت يا بني دل الرَّجل على الحرام منها، فقال (عليه السلام): (فتش عن دينار رازيّ السكّة، تاريخه سنّة كذا، قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه، وقراضة آملية وزنها ربع دينار، والعلّة في تحريمها أنَّ صاحب هذه الصرة وزن في شهر كذا من سنّة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّاً وربع منٍّ فأتت على ذلك مدَّة وفي انتهائها قيّض لذل الغزل سارق، فأخبر به الحائك صاحبه فكذبه واستردَّ منه بدل ذلك منّاً ونصف منٍّ غزلا أدقّ ممّا كان دفعه إليه واتخذ من ذلك ثوبا، كان هذا الدِّينار مع القراضة ثمنه) فلمّا فتح رأس الصرَّة صادف رقعة في وسط الدّنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال، واستخرج الدِّينار والقراضة بتلك العلامة.
ثمَّ أخرج صرَّة اُخرى فقال الغلام: (هذه لفلان بن فلان، من محلّة كذا بقم تشتمل على خمسين ديناراً لا يحلُّ لنا لمسها). قال: وكيف ذاك؟ قال: (لانّها من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكّاره في المقاسمة، وذلك أنَّه قبض حصّته منها بكيل واف وكان ما حصَّ الأكّار بكيل بخس) فقال مولانا: صدقت يا بنيَّ.
ثمَّ قال: يا أحمد بن إسحاق احملها بأجمعها لتردَّها أو توصي بردِّها على أربابها فلا حاجة لنا في شيء منها، وائتنا بثوب العجوز. قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته(1129).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1128) كذا. ولعله مصحف (عن مولاي (عليه السلام)).
(1129) الحقيبة: ما يجعل في مؤخر القتب أو السرج من الخرج ويقال له بالفارسية: الهكبة.
فلمّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليَّ مولانا أبو محمّد (عليه السلام) فقال: ما جاء بك يا سعد؟ فقلت: شوَّقني أحمد بن إسحاق على لقاء مولانا. قال: والمسائل الّتي أردت أن تسأله عنها؟ قلت: على حالها يا مولاي قال: فسل قرَّة عيني - وأومأ إلى الغلام - فقال لي الغلام: سل عمّا بدالك منها، فقلت له: مولانا وابن مولانا إنّا روينا عنكم أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) حتّى أرسل يوم الجمل إلى عائشة: إنّك قد أرهجت على الاسلام(1130) وأهله بفتنتك، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عنى غربك(1131) وإلّا طلقتك، ونساء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد كان طلاقهنَّ وفاته، قال: ما الطلاق؟ قلت: تخلية السبيل، قال: فإذا كان طلاقهنَّ وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد خلّيت لهنَّ السبيل فلم لا يحلُّ لهنَّ الازواج؟ قلت: لأنّ الله تبارك وتعالى حرَّم الازواج عليهنَّ، قال: كيف وقد خلّى الموت سبيلهنَّ؟ قلت: فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الّذي فوَّض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حكمه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: إنَّ الله تقدَّس اسمه عظّم شأن نساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فخصّهنَّ بشرف الامّهات، فقال رسول الله: يا أبا الحسن أنَّ هذا الشرف باق لهنَّ ما دمن الله على الطاعة، فأيّتهنَّ عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج وأسقطها من شرف اُمومة المؤمنين(1132).
قلت: فأخبرني عن الفاحشة المبيّنة الّتي إذا أتت المرأة بها في عدَّتها حلَّ للزّوج أن يخرجها من بيته؟ قال: الفاحشة المبيّنة هي السحق دون الزِّنا(1133) فإنَّ المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحدُّ ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزوُّج بها لاجل الحدِّ وإذا سحقت وجب عليها الرَّجم والرَّجم خزي ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه، ومن أخزاه فقد أبعده، ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه.
قلت: فأخبرني يا بن رسول الله عن أمر الله لنبيّه موسى (عليه السلام) (فاخلع نعليك إنّك بالواد المقدَّس طوى)(1134) فإنَّ فقهاء القريقين يزعمون أنّها كانت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1130) الارهاج: اثارة الغبار.
(1131) الغرب - بتقديم الغين المعجمة على الراء -: الحدّة.
(1132) في بعض النسخ (من شرف امهات المؤمنين).
(1133) كذا، ولم يعمل به احد من الفقهاء، بل فسروا الفاحشة بما يوجب الحد أو ايذائها أهل الرَّجل بلسانها أو بفعلها فتخرج للاول لاقامة الحد ثمّ ترد إلى مسكنها عاجلا. وفى الثاني تخرج إلى مسكن آخر يناسب حالها، ثمّ ما فيه أنَّ السحق يوجب الرجم أيضاً خلاف ما أجمعت الإماميّة عليه من أنَّه كالزنا في الحد بل دون الزنا بايجابه الجلد ولو كان من محصنة وقد روى المؤلف في فقيهه عن هشام وحفص البختري (أنَّه دخل نسوة على أبي عبد الله (عليه السلام) فسألته امرأة عن السحق، فقال: حدها حد الزاني - الخبر).
(1134) طه: 12.
من إهاب الميتة، فقال: (عليه السلام) من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوَّته(1135) لأنّه ما خلا الامر فيها من خطيئتين إما أن تكون صلاة موسى فيهما جائزة أو غير جائزة، فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة، وإن كانت مقدَّسة مطهّرة فليست بأقدس وأطهر من الصلاة وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى أنَّه لم يعرف الحلال من الحرام وما علم ما تجوز فيه الصلاة وما لم تجز، وهذا كفر(1136).
قلت: فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما قال: إنَّ موسى ناجى ربّه بالواد المقدَّس فقال: يا ربِّ إنّي قد أخلصت لك المحبّة منّي، وغسلت قلبي عمّن سواك - وكان شديد الحبِّ لأهله - فقال الله تعالى: (اخلع نعليك) أي أنزع حبَّ أهلك من قلبك أن كانت محبّتك لي خالصة، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولاً(1137).
قلت: فأخبرني يا بن رسول الله عن تأويل (كهيعص) قال هذه الحروف من أنباء الغيب، أطلع الله عليها عبده زكريّا، ثمّ قصّها على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذلك أنَّ زكريّا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إيّاها، فكان زكريّا إذا ذكر محمّداً وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين سري عنه همّه، وانجلى كربه، وإذا ذكر الحسين خنقته العبرة، ووقعت عليه البهرة(1138)، فقال ذات يوم: يا إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثورزفرتي؟ فأنبأه الله تعالى عن قصته، وقال: (كهيعص) (فالكاف) اسم كربلاء. و(الهاء) هلاك العترة. و(الياء) يزيد، وهو ظالم الحسين (عليهما السلام). و(العين) عطشه. و(الصاد) صبره(1139).
فلمّا سمع ذلك زكريّا لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام ومنع فيها النّاس من الدُّخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته (إلهي أتفجّع خير خلقك بولده إلهي أتنزل بلوى هذه الرَّزية بفنائه، إلهي أتلبس عليّاً وفاطمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1135) أنَّ موسى (عليه السلام) لم يكن نبيّاً حينذاك فتأمل.
(1136) غريب جداً، فإنَّ المصنّف رحمه الله روي في العلل عن محمّد بن الحسن بن احمد بن الوليد عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن أبان، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال الله (عزَّ وجلَّ) لموسى: (فاخلع نعليك) لانها من جلد حمار ميت (والخبر صحيح أو حسن كالصحيح مع أنَّ ابن الوليد الراوي للخبر هو من نقدة الاثار. ولا يعارضه خبر المتن من حيث السند.
(1137) محبة الله تعالى خالصا لم تكن مخالفاً لمحبة الاهل وقد كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يحب فاطمة وبعلها وبنيها: حباً شديداً فتأمل فيه، وهذه المطالب بعيد صدورها عن المعصوم وربما تقوى القول بموضوعيّة الخبر، والعلم عند الله.
(1138) البهر: تتابع النفس وانقطاعه كما يحصل بعد الاعياء والعدو الشديد.
(1139) وفسر بغير ذلك راجع معاني الأخبار ص 22 وتفسير عليّ بن ابراهيم سورة مريم.
ثياب هذه المصيبة، إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما)؟! ثمّ كان يقول: (اللّهمّ ارزقني ولداً تقرُّ به عيني على الكبر، وأجعله وارثاً وصيّاً، واجعل محلّه منّي محل الحسين، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه، ثمَّ فجّعني به كما تفجع محمداً حبيبك بولده) فرزقه الله يحيى وفجّعه به. وكان حمل يحيى ستّة أشهر وحمل الحسين (عليه السلام) كذلك، وله قصّة طويلة.
قلت: فأخبرني يا مولاي عن العلّة الّتي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم، قال: مصلحٌ أو مفسدٌ؟ قلت: مصلحٌ، قال: فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى، قال: فهي العلّة، وأوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك(1140) أخبرني عن الرُّسل الّذين اصطفاهم الله تعالى وأنزل عليهم الكتاب وأيّدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الامم(1141) وأهدي إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى (عليهما السلام) هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا هما بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق وهما يظنّان أنَّه مؤمن، قلت: لا، فقال: هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلاً ممّن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين، قال الله تعالى: (واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا - إلى قوله - لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم)(1142) فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوَّة واقعاً على الافسد دون الاصلح وهو يظن أنَّه الاصلح دون الافسد علمنا أنَّ لا اختيار إلّا لمن يعلم ما تخفي الصدور وما تكنُّ الضمائر وتتصرَّف عليه السرائر وأن لاخطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لمّا أرادوا أهل الصلاح.
ثمَّ قال مولانا: يا سعد وحين ادَّعى خصمك أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمّا أخرج مع نفسه مختار هذه الاُمّة إلى الغار إلّا علما منه أنَّ الخلافة له من بعده وأنّه هو المقلّد امور التأويل والملقى إليه أزمّة الاُمّة وعليه المعوِّل في لمِّ الشعث وسدِّ الخلل وإقامة الحدود، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1140) في بعض النسخ (يثق بعقلك).
(1141) كذا. والظاهر (أعلم الامم).
(1142) الاعراف: 155.
فكما أشفق على نبوَّته أشفق على خلافته إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرِّ مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه وإنّما أبات عليّاً على فراشه لمّا لم يكن يكترث له ولم يحفل به لاستثقالة إيّاه وعلمه أنَّه إن قتل لم يتعذَّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب الّتي كان يصلح لها. فهلّا نقضت عليه دعواه بقولك أليس قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (الخلافة بعدي ثلاثون سنّة) فجعل هذه موقوفة على أعمار الاربعة الّذين هم الخلفاء الرَّاشدون في مذهبكم فكان لا يجد بُدّاً من قوله لك: بلى، قلت: فكيف تقول حينئذ: أليس كما علم رسول الله أنَّ الخلافة من بعده لابي بكر علم أنّها من بعد أبي بكر لعمر ومن بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعليٍّ فكان أيضاً لا يجد بُدّاً من قوله لك: نعم، ثمَّ كنت تقول له: فكان الواجب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يخرجهم جميعاً [على الترتيب] إلى الغار ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ولا يستخفّ بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إيّاهم وتخصيصه أبا بكر وإخراجه مع نفسه دونهم.
ولمّا قال: أخبرني عن الصدِّيق والفاروق أسلما طوعاً أو كرهاً؟ لِمَ لم تقل له: بل أسلما طمعاً وذلك بأنّهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عمّا كانوا يجدون في التوراة وفي سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن عواقب أمره(1143)، فكانت اليهود تذكر أنَّ محمداً يسلّط على العرب كما كان بختنّصر سلّط على بني إسرائيل ولابدَّ له من الظفر بالعرب كما ظفر بختنصر ببني إسرائيل غير أنَّه كاذب في دعواه أنَّه نبيٌّ(1144). فأتيا محمّداً فساعداه على شهادة ألّا إله إلّا الله وبايعاه طمعا في أن ينال كلُّ واحد منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت اموره واستتبّت(1145) أحواله فلمّا آيسا من ذلك تلثما وصعدا العقبة مع عدة من أمثالهما من المنافقين على أن يقتلوه فدفع الله تعالى كيدهم وردهم بغيظهم لم ينالوا خيراً كما أتى طلحة والزُّبير عليّاً (عليه السلام) فبايعاه وطمع كلّ واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد، فلمّا آيساً نكثا بيعته وخرجا عليه فصرع الله كلّ واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1143) قيل: هذا خلاف الاعتبار لأنّ أهل مكة كلّهم مشركون وليس بينهم أهل الكتاب لا سيما اليهود، مع أنّهما ليسا من أهل التحقيق. وخبر اسلام الثاني مشهور ولا يمتنع ايمان احد طوعاً ثمّ كفره كما لا يمتنع أن يكون ملكا مقرباً ثمّ صار رجيماً كما هو حال كثير من الصحابة كطلحة والزبير وخالد بن الوليد واضرابهم الّذين ارتدوا.
(1144) قيل: هذا مخالف لقوله تعالى في شأن اليهود (وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فما جاءهم ما عرفوا كفروا به).
(1145) استتب له الامر أي استقام.
قال سعد: ثمَّ قام مولانا الحسن بن عليٍّ الهادي (عليه السلام) للصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكياً فقلت: ما أبطأك وأبكاك؟ قال: قد فقدت الثوب الّذي سألني مولاي إحضاره، قلت: لا عليك فأخبره، فدخل عليه مسرعاً وانصرف من عنده متبسّماً وهو يصلّي على محمّد وآل محمّد، فقلت: ما الخبر؟ قال: وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولانا يصلّي عليه.
قال سعد: فحمدنا الله تعالى على ذلك وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا أيّاماً، فلا نرى الغلام بين يديه فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا(1146) وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائماً وقال: يا بن رسول الله قد دنت الرِّحلة واشتدَّ المحنة(1147)، فنحن نسأل الله تعالى أن يصلّي على المصطفى جدِّك وعلى المرتضى أبيك وعلى سيّدة النساء امّك وعلى سيّدي شباب أهل الجنّة عمّك وابيك وعلى الأئمّة الطاهرين من بعدهما آبائك، وأن يصلّي عليك وعلى ولدك ونرغب إلى الله أنَّ يعلي كعبك ويكبت عدوَّك، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك.
قال: فلمّا قال هذه الكلمات استعبر مولانا حتّى استهلّت دموعه وتقاطرت عبراته ثمّ قال: يا ابن اسحاق لا تكلّف في دعائك شططاً فانّك ملاق الله تعالى في صَدرَك هذا فخرَّ أحمد مغشيّاً عليه، فلمّا أفاق قال: سألتك بالله وبحرمة جدِّك إلّا شرَّفتني بخرقة أجعلها كفناً، فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهماً فقال: خذها ولا تنفق على نفسك غيرها، فانّك لن تعدم ما سألت، وإنَّ الله تبارك وتعالى لن يضيع أجر من أحسن عملاً.
قال سعد: فلمّا انصرفنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حُلوان على ثلاثة فراسخ حُمَّ أحمد بن إسحاق وثارت به علّة صعبة أيس من حياته فيها، فلمّا وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطناً بها(1148)، ثمَّ قال: تفرَّقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه ورجع كلُّ واحد منّا إلى مرقده. قال سعد: فلمّا حان أن ينكشف اللّيل عن الصبح أصابتني فكرة(1149) ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم [خادم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1146) في بعض النسخ (من أهل أرضنا).
(1147) في بعض النسخ (واستد الراحلة).
(1148) أي مقيما بحلوان.
(1149) في بعض النسخ (وكزة) والوكز كالوعد: الدفع والطعن والضرب بجمع الكف.
مولانا أبي محمّد (عليه السلام)] وهو يقول: أحسن الله بالخير عزاكم، وجبر بالمحبوب رزيّتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه، فقوموا لدفنه فإنّه من أكرمكم محلاً عند سيّدكم. ثمَّ غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتّى قضينا حقّه، وفرغنا من أمره(1150) - رحمه الله -.
23 - حدّثنا أبو الحسن عليُّ بن موسى بن أحمد بن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن موسى بن جعفر ابن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: وجدت في كتاب أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أحمد الطوال، عن أبيه، عن الحسن بن عليٍّ الطبريِّ، عن أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليِّ بن إبراهيم بن مهزيار قال: سمعت أبي يقول: سمعت جدي عليَّ بن إبراهيم بن مهزيار(1151) يقول: كنت نائماً في مرقدي إذ رأيت في ما يرى النائم قائلاً يقول لي: حجّ فانّك تلقى صاحب زمانك. قال عليُّ ابن إبراهيم: فانتبهت وأنا فرح مسرور(1152)، فما زلت في الصلاة حتّى انفجر عمود الصبح وفرغت من صلاتي وخرجت أسأل عن الحاجِّ فوجدت فرقة تريد الخروج، فبادرت مع أوَّل من خرج، فما زلت كذلك حتّى خرجوا وخرجت بخروجهم اريد الكوفة، فلمّا وافيتها نزلت عن راحلتي وسلّمت متاعي إلى ثقات إخواني وخرجت أسأل عن آل أبي محمّد (عليه السلام)، فما زلت كذلك فلم أجد أثراً، ولا سمعت خبراً، وخرجت في أوَّل من خرج اُريد المدينة، فلمّا دخلتها لم أتمالك أن نزلت عن راحلتي وسلّمت رحلي إلى ثقات إخواني وخرجت أسأل عن الخبر وأقفوا الاثر، فلا خبراً سمعت، ولا أثراً وجدت، فلم أزل كذلك إلى أن نفر النّاس إلى مكة، وخرجت مع من خرج، حتّى وافيت مكة، ونزلت فاستوثقت من رحلي وخرجت أسأل عن آل أبي محمّد (عليه السلام) فلم أسمع خبراً ولا وجدت أثراً، فما زلت بين الاياس والرَّجاء متفكّراً في أمري وعائباً على نفسي، وقد جنَّ اللّيل. فقلت: أرقب إلى أن يخلو لي وجه الكعبة لاطوف بها وأسأل الله (عزَّ وجلَّ) أن يعرِّفني أملي فيها فبينما أنا كذلك وقد خلالي وجه الكعبة إذ قمت إلى الطواف، فإذا أنا بفتى مليح الوجه، طيّب الرائحة، مترّز ببردة، متّشح باُخرى، وقد عطف بردائه على عاتقه فرعته(1153)، فالتفت إليَّ فقال: ممّن الرّجل؟ فقلت: من الاهواز، فقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1150) اعلم أنَّ ما تضمنه الخبر من وفات أحمد بن اسحاق القمي في حياة أبي محمّد العسكري (ع) مخالف لمّا أجمعت عليه الرجاليون من بقائه بعده (عليه السلام) قال الشيخ في كتاب الغيبة: (وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات يرد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل - ثمّ ساق الكلام إلى أن قال: - ومنهم أحمد بن اسحاق وجماعة يخرج التوقيع في مدحهم، روى أحمد بن ادريس، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عيسى عن أبي محمّد الرازي قال: كنت واحمد بن أبي عبد الله بالعسكر، فورد علينا رسول من قبل الرَّجل فقال: أحمد بن اسحاق الاشعريّ وابراهيم بن محمّد الهمدانيّ واحمد بن حمزة ابن اليسع ثقات جميعاً).
وفي ربيع الشيعة لابن طاووس: (أنَّه من السفراء والابواب المعروفين الّذين لا يختلف الشيعة القائلون بامامة الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فيهم. راجع منهج المقال ص 32.
(1151) في بعض النسخ (محمد بن عليّ قال سمعت أبي يقول: سمعت جدي عليّ بن مهزيار (وهو كما ترى مضطرب لأنّ عليّ بن ابراهيم أبوه دون جده وفي نسخة مصححة (محمد بن الحسن بن عليّ بن ابراهيم بن مهزيار قال: سمعت أبي يقول: سمعت جدي عليّ بن مهزيار) وجعل (ابراهيم نسخة بدل لمهزيار. ولكن فيما يأتي بعد كلّها (عليّ بن مهزيار) وفي البحار (سمعت جدي عليّ بن مهزيار) وكذا في ما يأتي في كلّ المواضع (عليّ بن مهزيار).
ثم اعلم أنَّ عليّ بن ابراهيم بن مهزيار لم يكن مذكورا في كتب الرِّجال بل المذكور (أبو الحسن عليّ بن مهزيار) وابنه (محمد بن علي) و(أبو إسحاق ابراهيم بن مهزيار) وابنه (محمد بن ابراهيم) وكان عليّ بن مهزيار يروي عنه أخوه ابراهيم، وكان من أصحاب الرِّضا (ع)، ثمّ اختص بابي جعفر الثاني وكذلك بابي الحسن الثالث (عليهما السلام) وتوكل لهم. وكان أبو إسحاق ابراهيم بن مهزيار من أصحاب أبي جعفر وأبي الحسن (عليهما السلام) وفي ربيع الشيعة أنَّه من وكلاء القائم وكذا ابنه محمّد بن ابراهيم وليس غير هؤلاء من أسماء ابناء مهزيار مذكورين في الرِّجال، هذا.
ثم اعلم أيضاً أنَّ ملاقاة عليّ بن مهزيار للقائم (ع) بعيد جداً لتقدم زمانه ففى الكافي ج 4 ص 310 عن محمّد بن يحيى عمّن حدثه، عن ابراهيم بن مهزيار قال: (كتبت إلى أبي محمّد (ع) أنَّ مولاك عليّ بن مهزيار أوصى أن يحجَّ عنه من ضيعة صير ربعها لك في كلّ سنّة حجّة إلى عشرين ديناراً وإنّه قد انقطع طريق البصرة فتضاعف المؤونة على النّاس فليس يكتفون بعشرين ديناراً، وكذلك أوصى عدة مواليك في حججهم، فكتب يجعل ثلاث حجج حجتين إن شاء الله) وهذا الخبر وأمثاله ظاهرة في موت عليّ بن مهزيار في أيّام العسكري وعدم ادراكه عصر الغيبة.
واما ملاقاة أخيه (ابراهيم بن مهزيار) مع خصوصيات ذكره من سفره وبحثه عن أخبار آل ابي محمّد (عليه السلام) مع أنَّه من وكلائه فمستبعد أيضاً بحسب بعض الرويات روى الكشي باسناده عن محمّد بن ابراهيم بن مهزيار (أن أباه ابراهيم لمّا حضره الموت دفع إليه مالا وأعطاه علامة وقال من اتاك بها فادفع إليه ولم يعلم بالعلامة إلّا الله تعالى، ثمّ جاءه شيخ فقال: أنا العمري هات المال وهو كذا وكذا ومعه العلامة فدفع إليه المال). وهو ظاهر في كونه من سفراء الصاحب (ع). وروى نحوه الكلينيُّ في الكافي ج 1 ص 518 والشيخ في غيبته أيضاً.
(1152) في بعض النسخ (فانتبهت فرحاً مسروراً).
(1153) أي خفته وفي بعض النسخ (فحركته).
أتعرف بها ابن الخصيب! فقلت: رحمه الله دعي فأجاب، فقال: رحمه الله لقد كان بالنّهار صائماً وباللّيل قائماً وللقرآن تالياً ولنا موالياً، فقال: أتعرف بها عليَّ بن إبراهيم بن مهزيار؟ فقلت: أنا عليٌّ، فقال: أهلاً وسهلاً بك يا أبا الحسن. أتعرف الصريحين(1154)؟ قلت: نعم قال: ومن هما؟ قلت: محمّد وموسى. ثمّ قال: ما فعلت العلامة الّتي بينك وبين أبي محمّد (عليه السلام) فقلت: معي، فقال: أخرجها إليَّ، فأخرجتها إليه خاتماً حسناً على فصّه (محمّد وعليّ) فلمّا رأى ذلك بكى [مليّاً ورن شجيّاً، فأقبل يبكي بكاء] طويلاً وهو يقول: رحمك الله يا أبا محمّد فلقد كنت إماماً عادلاً، ابن أئمّة وأبا إمام، أسكنك الله الفردوس الأعلى مع آبائك (عليهم السلام).
ثم قال: يا أبا الحسن صر إلى رحلك وكن على اُهبة من كفايتك(1155) حتّى إذا ذهب الثلث من اللّيل وبقي الثلثان فالحق بنا فانّك ترى مناك [إن شاء الله] قال ابن مهزيار: فصرت إلى رجلي اطيل التفكّر حتّى إذا هجم الوقت(1156)، فقمت إلى رحلي وأصلحته، وقدمت راحلتي وحملتها وصرت في متنها حتّى لحقت الشعب فإذا أنا بالفتى هناك يقول: أهلاً وسهلاً بك يا أبا الحسن طوبى لك فقد اذن لك، فسار وسرت بسيره حتّى جازبي عرفات ومنى، وصرت في أسفل ذروة جبل الطائف، فقال لي: يا أبا الحسن انزل وخذ في اهبة الصلاة، فنزل ونزلت حتّى فرغ وفرغت، ثمّ قال لي: خذفي صلاة الفجر وأوجز، فأوجزت فيها وسلّم وعفّر وجهه في التراب، ثمّ ركب وأمرني بالرُّكوب فركبت، ثمّ سار وسرت بسيره حتّى علا الذِّروة فقال: المح هل ترى شيئاً؟ فلمحت فرأيت بقعة نزهة كثيرة العشب والكلاء، فقلت: يا سيّدي أرى بقعة نزهة كثيرة العشب والكلاء، فقال لي: هل ترى في أعلاها شيئاً؟ فلمحت فإذا أنا بكثيب من رمل فوق بيت من شعر يتوقّد نوراً، فقال لي: هل رأيت شيئاً؟ فقلت: أرى كذا وكذا، فقال لي: يا ابن مهزيار طب نفساً وقرّ عيناً فإنَّ هناك أمل كلِّ مؤمّل، ثمّ قال لي: انطلق بنا، فسار وسرت حتّى صار في أسفل الذَّروة، ثمّ قال: انزل فههنا يذل لك كلّ صعب؛ فنزل ونزلت حتّى قال لي: يا ابن مهزيار خلِّ عن زمام الرَّاحلة، فقلت: على من اخلّفها وليس ههنا أحدٌ؟ فقال: إنَّ هذا حرم لا يدخله إلّا ولي، ولا يخرج منه إلّا وليٌّ، فخلّيت عن الرَّاحلة، فسار وسرت فلمّا دنا من الخباء سبقني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1154) تقدَّم الكلام فيه ص 446.
(1155) في بعض النسخ (اهبة السفر من لقائنا).
(1156) في بعض النسخ (انهجم الليل).
وقال لي: قف هناك إلى أن يؤذن لك، فما كان إلّا هنيئة فخرج إليَّ وهو يقول: طوبى لك قد اعطيت سؤلك، قال: قد خلت عليه صلوات الله عليه وهو جالس على نمط عليه نطع أديم(1157) أحمر متكّئ على مسورة أديم، فسلّمت عليه وردَّ عليّ السلام ولمحته فرأيت وجهه مثل فلقة قمر، لا بالخرق ولا بالبزق، ولا بالطويل الشامخ، ولا بالقصير اللاصقّ، ممدود القامة، صلت الجبين، أزج الحاجبين(1158)، أدعج العينين، أقنى الانف(1159) سهل الخدَّين، على خدِّه الأيمن خال. فلمّا أن بصرت به حار عقلي في نعته وصفته، فقال لي: يا ابن مهزيار كيف خلّفت إخوانك في العراق؟ قلت: في ضنك عيش وهناة، قد تواترت عليهم سيوف بني الشيصبان(1160) فقال: قاتلهم الله أنّى يؤفكون، كأنّي بالقوم قد قتلوا في ديارهم وأخذهم أمر ربهم ليلاً ونهاراً، فقلت: متى يكون ذلك يا بن رسول الله؟ قال: إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة بأقوام لاخلاق لهم والله ورسوله منهم براء وظهرت الحمرة في السّماء ثلاثاً فيها أعمدة كأعمدة اللّجين تتلألأ نوراً ويخرج السروسي(1161) من إرمنية وأذربيجان يريد وراء الرِّي الجبل الأسود المتلاحم بالجبل الاحمر، لزيق جبل طالقان، فيكون بينه وبين المروزيِّ وقعة صيلمانيّة(1162)، يشيب فيها الصغير، ويهرم منها الكبير، ويظهر القتل بينهما. فعندها توقّعوا خروجه إلى الزَّوراء(1163)، فلا يلبث بها حتّى يوافي باهات(1164)، ثمّ يوافي واسط العراق، فيقيم بها سنّة أو دونها، ثمّ يخرج إلى كوفان فيكون بينهم وقعة من النجف إلى الحيرة إلى الغريِّ وقعة شديدة تذهل منها العقول، فعندها يكون بوار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1157) النمط: ضرب من البسط ويمكن أن يكون معرب نمد. والمسورة: متكأ من أدم.
(1158) الدعج: سواد العين، وقيل: شدة سواد العين في شدة بياضها. والازج: الادق.
(1159) أي ذو احد يداب. و(سهل الحذين) أي غير مرتفع الخدين لقلة لحمهما.
(1160) الهناة: الشر والفساد. والشيصبان: اسم شيطان، وقبيلة من الجن، والذكر من النحل.
(1161) نسبة إلى سروس - بالمهملنين أوله وآخره وربما قيل بالمعجمة في آخره: مدينة نفيسة في جبل نفوسه بافريقية وأهلها خوارج اباضية، ليس بها جامع ولا منبر ولا في قرية من قراها وهي نحو من ثلاثمائة قرية لم يتفقوا على رجل يقدمونه للصلاة (المراصد) وفي بعض النسخ (الشروسى) ولم أجده. والارمنية بالكسر - كورة بالروم. (ق)
(1162) الصيلم: الامر الشديد ووقعة صيلمة أي مستأصلة. وفي نسخة (صلبانية).
(1163) الزوراء: دجلة بغداد وموضع بالمدينة قرب المسجد. كما في القاموس وفي المراصد: دجلة بغداد، وأرض كانت لاحيحة بن الحلاج.
(1164) في البحار (ماهان) وقال: أي الدينور ونهاوند.
الفئتين، وعلى الله حصاد الباقين.
ثمَّ تلا قوله تعالى (بسم الله الرّحمن الرَّحيم آتيها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالامس)(1165) فقلت: سيّدي يا بن رسول الله ما الامر؟ قال: نحن أمر الله وجنوده، قلت: سيّدي يا بن رسول الله حان الوقت؟ قال: (واقتربت الساعة وانشق القمر)(1166).
24 - حدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ قال: حدّثنا أبو القاسم جعفر ابن أحمد(1167) العلويُّ الرِّقيُّ العريضيُّ قال: حدَّثني أبو الحسن عليُّ بن أحمد العقيقيُّ قال: حدّثني أبو نعيم الانصاريُّ الزيدي قال: كنت بمكّة عند المستجار وجماعة من المقصّرة(1168) وفيهم المحمودي وعلّان الكلينيُّ وأبو الهيثم الدِّيناريُّ وأبو جعفر الاحول الهمدانيُّ، وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً، ولم يكن منهم مخلص علمته غير محمّد بن القاسم العلويّ العقيقي، فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجّة سنّة ثلاث وتسعين ومائتين من الهجرة إذ خرج علينا شابٌّ من الطواف عليه أزاران محرمٌ [بهما]، وفي يده نعلان فلمّا رأيناه قمنا جميعاً هيبة له، فلم يبق منا أحد إلّا قام وسلم عليه، ثمّ قعد والتفت يميناً وشمالاً، ثمّ قال: أتدرون ما كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول في دعاء الالحاح؟ قلنا: وما كان يقول؟ قال: كان يقول:
(اللّهمّ إنّي أسألك باسمك الّذي به تقوم السّماء، وبه تقوم الأرض، وبه تفرق بين الحقِّ والباطل، وبه تجمع بين المتفرّق، وبه تفرّق بين المجتمع، وبه أحصيت عدد الرِّمال وزنة الجبال وكيل البحار أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً).
ثمّ نهض فدخل الطواف، فقمنا لقيامه حين انصرف، وانسينا أن نقول له: من هو؟ فلمّا كان من الغد في ذلك الوقت خرج علينا من الطواف فقمنا كقيامنا الاوَّل بالامس ثمّ جلس في مجلسه متوسّطاً، ثمَّ نظر يميناً وشمالاً قال: أتدرون ما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول بعد صلاة الفريضة؟ قلنا: وما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1165) يونس: 24.
(1166) احتمل العلامة المجلسي رحمه الله اتحاد هذا الخبر مع الّذي تقدَّم تحت رقم 18 وقال: العجب أنَّ محمّد بن أبي عبد الله عد فيما مضى محمّد بن ابراهيم بن مهزيار ممّن رآه (ع) (يعنى الصاحب) ولم يعد أحداً من هؤلاء ثمّ قال: اعلم أنَّ اشتمال هذه الأخبار على أنَّ له (ع) أخاً مسمى بموسى غريب.
(1167) في النسخة المصححة (ابولقاسم جعفر بن محمّد).
(1168) يعني في العمرة في الحج.
كان يقول؟، قال: كان يقول:
(اللّهمَّ إليك رفعت الأصوات [ودعيت الدعوات] ولك عنت الوجوه، ولك خضعت الرِّقاب وإليك التحاكم في الأعمال، يا خير مسؤول وخير من أعطى، يا صادق يا باريء، يا من لا يخلف الميعاد، يا من أمر بالدُّعاء وتكفّل بالاجابة، يا من قال: (ادعوني أستجب لكم) يا من قال: (وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ اُجيبُ دعوة الدَّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون). يا من قال: (يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله أنَّ الله يغفر الذُّنوب جميعاً إنَّه هو الغفور الرحيم).
ثمَّ نظر يميناً وشمالاً بعد هذا الدعاء فقال: أتدرون ما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في سجدة الشكر؟ قلنا: وما كان يقول؟ قال: كان يقول:
(يا من لا يزيده إلحاح الملحّين إلّا جوداً وكرماً، يا من له خزائن السماوات والأرض، يا من له خزائن مادقَّ وجلَّ، لا تمنعك إساءتي من إحسانك إليَّ، إنّي أسألك أن تفعل بي ما أنت أهله، وأنت أهل الجود والكرم والعفو، يا ربّاه، يا الله افعل بي ما أنت أهله فأنت قادر على العقوبة وقد استحققتها، لا حجّة لي ولا عذر لي عندك، أبوء إليك بذنوبي كلّها، وأعترف بها كي تعفو عنّي وأنت أعلم بها منّي، بؤت إليك بكلِّ ذنب أذنبته، وبكل خطيئة أخطأتها، وبكل سيّئة عملتها، يا ربّ اغفر لي وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت الاعزُّ الاكرم.
وقام فدخل الطواف فقمنا لقيامه وعاد من غد في ذلك الوقت فقمنا لاستقباله كفعلنا فيما مضى(1169) فجلس متوسّطاً ونظر يميناً وشمالاً فقال: كان عليُّ بن الحسين سيّد العابدين (عليه السلام) يقول في سجوده في هذا الموضع - وأشار بيده إلى الحجر نحو الميزاب -) عبيدك بفنائك(1170)، مسكينك ببابك أسألك ما لا يقدر عليه سواك، ثمَّ نظر يميناً وشمالاً ونظر إلى محمّد بن القاسم العلويِّ فقال: يا محمّد بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1169) في بعض النسخ (لاقباله كقيامنا فيما مضى).
(1170) زاد في بعض النسخ (فقيرك بفنائك).
القاسم أنت على خير إن شاء الله، وقام فدخل الطواف فما بقي أحد منّا إلّا وقد تعلم ما ذكر من الدعاء و(1171) نسينا أن نتذاكر أمره إلّا في آخر يوم، فقال لنا المحمودي: يا قوم أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا والله صاحب الزَّمان (عليه السلام)، فقلنا: وكيف ذاك يا أبا عليٍّ فذكر أنَّه مكث يدعو ربّه (عزَّ وجلَّ) ويسأله أن يريه صاحب الامر سبع سنين قال: فبينا أنا يوماً في عشيّة عرفة فإذا بهذا الرَّجل بعينه فدعا بدعاء وعيته فسألته ممّن هو؟ فقال: من النّاس، فقلت: من أيِّ النّاس من عربها أو مواليها؟ فقال: من عربها، فقلت: من أيِّ عربها؟ فقال: من أشرفها وأشمخها(1172)، فقلت: ومن هم؟ فقال بنو هاشم، فقلت: من أيِّ بني هاشم؟ فقال: من أعلاها ذروة وأسناها رفعة، فقلت: وممن هم؟ فقال: ممّن فلق الهام، وأطعم الطعام، وصلّى بالليل والنّاس نيام، فقلت: إنَّه علويٌّ فأحببته على العلويّة، ثمّ افتقدته من بين يدي، فلم أدر كيف مضى في السّماء أم في الأرض، فسألت القوم الّذين كانوا حوله أتعرفون هذا العلويَّ؟ فقالوا: نعم يحجُّ معنا كلَّ سنة ماشياً، فقلت: سبحان الله والله ما أرى به أثر مشي، ثمّ انصرفت إلى المزدلفة كئيباً حزيناً على فراقه وبتُّ في ليلتي تلك فإذا أنا برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(1173) فقال: يا محمّد رأيت طلبتك؟ فقلت: ومن ذاك يا سيّدي؟ فقال: الّذي رأيته في عشيتك فهو صاحب زمانكم.
فلمّا سمعنا ذلك منه عاتبناه على ألّا يكون أعلمنا ذلك، فذكر أنَّه كان ناسياً أمره إلى وقت ما حدَّثنا.
وحدّثنا بهذا الحديث عمار بن الحسين بن إسحاق الاسروشني بجبل بوتك من أرض فرغانة قال: حدّثني أبو العبّاس أحمد بن الخضر قال: حدّثني أبو الحسين محمّد بن عبد الله الاسكافي قال: حدّثني سليم، عن أبي نعيم الانصاريِّ(1174) قال: كنت بالمستجار بمكة أنا وجماعة من المقصّرة فيهم المحموديُّ وعلّان الكلينيُّ وذكر الحديث مثله سواء.
وحدَّثنا أبو بكر محمّد بن محمّد بن عليِّ بن محمّد بن حاتم قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1171) في اللباب: الاسروشنى بضم الالف وسكون السين المهملة وضم الراء وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وفي آخرها نون، هذه النسبة إلى أسروشنة وهى بلدة كبيرة وراء سمرقند من سيحون خرج منها جماعة من العلماء في كلّ فن - الخ). وقال في المراصد كذا ذكره السمعاني والاشهر الاعرف أنَّه بالشين المعجمة أولا. أقول: وفي بعض النسخ (أشر وسني) كما في ضبط المراصد.
(1172) في بعض النسخ (من أسمحها).
(1173) في بعض النسخ (فرأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)).
(1174) هو محمّد بن أحمد الانصاريّ وفي بعض النسخ (سليم بن أبى نعيم الانصاريّ).
حدّثنا أبو الحسين عبيد الله بن محمّد بن جعفر القصباني البغداديُّ قال: حدّثني أبو محمّد عليُّ بن محمّد بن - أحمد بن الحسين الماذرائي(1175) قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عليٍّ المنقذيُّ الحسنيّ بمكة قال: كنت جالساً بالمستجار وجماعة من المقصّرة وفيهم المحموديُّ وأبو الهيثم الدِّيناري وأبو جعفر الاحول، وعلّان الكلينيُّ، والحسن بن وجناء، وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً، وذكر الحديث مثله سواء.
25 - حدّثنا أبو الحسن عليُّ بن الحسن بن [عليِّ بن] محمّد بن عليِّ بن الحسين ابن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: سمعت أبا الحسين الحسن بن وجناء يقول: حدّثنا أبي، عن جدِّه(1176) أنَّه كان في دار الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) فكبستنا الخيل وفيهم جعفر بن عليٍّ الكذَّاب واشتغلوا بالنهب والغارة وكانت همّتي في مولاي القائم (عليه السلام) قال: فإذا [أنا] به (عليه السلام) قد أقبل وخرج عليهم من الباب وأنا أنظر إليه وهو (عليه السلام) ابن ستّ سنين فلم يره أحد حتّى غاب.
ووجدت مثبتاً في بعض الكتب المصنفة في التواريخ ولم أسمعه إلّا عن محمّد بن - الحسين بن عبّاد أنَّه قال: مات أبو محمّد الحسن بن عليِّ (عليهما السلام) يوم جمعة مع صلاة الغداة، وكان في تلك اللّيلة قد كتب بيده كتباً كثيرة إلى المدينة، وذلك في شهر ربيع الاوَّل لثمان خلون منه سنة ستّين ومائتين من الهجرة، ولم يحضر [ه] في ذلك الوقت إلّا صقيل الجارية، وعقيد الخادم ومن علم الله (عزَّ وجلَّ) غيرهما، قال عقيد: فدعا بماء قد أغلي بالمصطكي فجئنا به إليه فقال: أبدء بالصلاة هيّئوني فجئنا به وبسطنا في حجره المنديل فأخذ من صقيل الماء فغسل به وجهه وذراعيه مرَّة مرَّة ومسح على رأسه وقدميه مسحاً وصلّي صلاة الصبح على فراشه وأخذ القدح ليشرب فأقبل القدح يضرب ثناياه ويده ترتعد فأخذت صقيل القدح من يده. ومضى من ساعته صلوات الله عليه ودفن في داره بسرّ من رأى إلى جانب أبيه صلوات الله عليهما فصار إلى كرامة الله جلَّ جلاله وقد كمل عمره تسعاً وعشرين سنة.
قال: وقال لي عبّاد في هذا الحديث: قدمت أمُّ أبي محمّد (عليه السلام) من المدينة واسمها. (حديث) حين اتّصل بها الخبر إلى سرّ من رأى فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر ومطالبته إيّاها بميراثه وسعايته بها إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1175) في بعض النسخ (المادرائى) باهمال الدال.
(1176) في بعض النسخ (عن جدي).
السّلطان وكشفه ما أمر الله (عزَّ وجلَّ) بستره فادَّعت عند ذلك صقيل أنّها حامل فحملت إلى دار المعتمد فجعل نساء المعتمد وخدمه، ونساء الموفق وخدمه، ونساء القاضي ابن أبي الشوارب يتعاهدن أمرها في كلِّ وقت. ويراعون إلى أن دهمهم أمر الصغار وموت عبيد الله بن يحيى بن خاقان بغتة، وخروجهم من سرَّ من رأى وأمر صاحب الزَّنج بالبصرة وغير ذلك فشغلهم ذلك عنها.
وقال أبو الحسن عليُّ بن محمّد حباب(1177) حدَّثني أبو الأديان قال: قال عقيد الخادم وقال أبو محمّد بن خيرويه التستريُّ وقال حاجز الوشّاء(1178) كلّهم حكوا عن عقيد الخادم، وقال أبو سهل بن نوبخت: قال عقيد الخادم: ولد وليُّ الله الحجّة ابن الحسن ابن عليِّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن - أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين ليلة الجمعة غرَّة شهر رمضان(1179) سنّة أربع وخمسين ومائتين من الهجرة، ويكنّى أبا القاسم ويقال: أبو جعفر، ولقبه المهديّ وهو حجّة الله (عزَّ وجلَّ) في أرضه على جميع خلقه، وأمّه صقيل الجارية، ومولده بسرَّ من رأى في درب الرَّاضة(1180) وقد اختلف النّاس في ولادته، فمنهم من أظهر، ومنهم من كتم، ومنهم من نهى عن ذكر خبره، ومنهم من أبدى ذكره والله أعلم به.
وحدَّث أبو الأديان قال: كنت أخدم الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسى بن جعفر ابن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام) وأحمل كتبه إلى الامصار فدخلت عليه في علّته الّتي توفّي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً وقال: امض بها إلى المدائن فانّك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل. قال أبو الأديان: فقلت: يا سيّدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي، فقلت: زدني، فقال: من يصلّي عليَّ فهو القائم بعدي، فقلت: زدني، فقال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي، ثمَّ منعتني هيبته أن أسأله عمّا في الهميان.
وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سرَّ من رأى يوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1177) في بعض النسخ (قال أبو الحسن محمّد بن على بن حباب) وفي بعضها (خشاب).
(1178) في بعض النسخ (حاجب الوشاء) وكذا ما يأتي.
(1179) في بعض النسخ (ليلة الجمعة من شهر رمضان).
(1180) في بعض النسخ (درب الرصافة) وفي بعضها (دار الرصافة).
الخامس عشر كما ذكر لي (عليه السلام) فإذا أنا بالواعية في داره وإذا به على المغتسل وإذا أنا بجعفر بن عليٍّ أخيه بباب الدّار والشيعة من حوله يعزُّونه ويهنّونه، فقلت في نفسي: أن يكن هذا الامام فقد بطلت الامامة، لانّي كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور، فتقدَّمت فعزَّيت وهنّيت فلم يسألني عن شيء، ثمّ خرج عقيد فقال: يا سيّدي قد كفن أخوك فقم وصلِّ عليه فدخل جعفر بن عليٍّ والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن عليّ قتيل المعتصم المعروف بسلمة.
فلمّا صرنا في الدّار إذا نحن بالحسن بن عليٍّ صلوات الله عليه على نعشه مكفّناً فتقدَّم جعفر بن عليٍّ ليصلّي على أخيه، فلمّا همَّ بالتكبير خرج صبيٌّ بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ برداء جعفر بن عليٍّ وقال: تأخّر يا عمّ فأنا أحقّ بالصلاة على أبي، فتأخّر جعفر، وقد اربدَّ وجهه واصفرَّ(1181).
فتقدَّم الصبيُّ وصلّى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام) ثمَّ قال: يا بصريُّ هات جوابات الكتب التي معك، فدفعتها إليه، فقلت في نفسي: هذه بيّنتان(1182) بقي الهميان، ثمّ خرجت إلى جعفر بن عليٍّ وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا سيّدي من الصبيُّ لنقيم الحجّة عليه؟ فقال: والله ما رأيته قطُّ ولا أعرفه. فنحن جلوس إذ قدم نفر من قمّ فسألوا عن الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) فعرفوا موته فقالوا: فمن [نعزي]؟ فأشار النّاس إلى جعفر بن عليٍّ فسلّموا عليه وعزُّوه وهنُّوه وقالوا: إنَّ معنا كتباً ومالاً، فتقول ممّن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منّا أن نعلم الغيب، قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان [وفلان] وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطليّة، فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا: الّذي وجّه بك لاخذ ذلك(1183) هو الامام، فدخل جعفر بن عليٍّ على المعتمد وكشف له ذلك، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية فطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حبلا بها لتغطى حال الصبي فسلّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن - خاقان فجأة، وخروج صاحب الزَّنج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1181) اربد وجهه أي تغير إلى الغبرة.
(1182) في بعض النسخ (هذه اثنتان).
(1183) في بعض النسخ (لاجل ذلك).
بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، والحمد لله ربِّ العالمين.
26 - حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن الحسين بن عبد الله بن محمّد بن مهران الابي العروضي رضي الله عنه بمر وقال: حدّثنا [أبو] الحسين [بن] زيد بن عبد الله البغداديُّ قال: حدّثنا أبو الحسن عليُّ بن سنان الموصليُّ قال: حدَّثني أبي قال: لمّا قبض سيّدنا أبو محمّد الحسن بن عليٍّ العسكريُّ صلوات الله عليهما وفد(1184) من قمّ والجبال وفود بالاموال الّتي كانت تحمل على الرسم والعادة، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن (عليه السلام)، فلمّا أن وصلوا إلى سرّ من رأى سألوا عن سيدنا الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)، فقيل لهم: إنَّه قد فقد، فقالوا: ومن وارثه؟ قالوا: أخوه جعفر بن عليٍّ فسألوا عنه فقيل لهم إنه قد خرج متنزِّها وركب زورقاً في الدِّجلة يشرب ومعه المغنون، قال: فتشاور القوم(1185) فقالوا: هذه ليست من صفة الامام، وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتّى نردَّ هذه الأموال على أصحابها.
فقال أبو العبّاس محمّد بن جعفر الحميريُّ القمّيُّ: قفوا بنا حتّى ينصرف هذا الرَّجل ونختبر أمره بالصحّة.
قال: فلمّا انصرف دخلوا عليه فسلّموا عليه وقالوا: يا سيّدنا نحن من أهل قمّ ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها وكنّا نحمل إلى سيّدنا أبي محمّد الحسن بن عليٍّ الأموال فقال: وأين هي؟ قالوا: معنا، قال: احملوها إليَّ، قالوا: لا، إنَّ لهذه الأموال خبراً طريفاً، فقال: وما هو؟ قالوا: إنَّ هذه الأموال تجمع ويكون فيها من عامّة الشيعة الدِّينار والدِّيناران، ثمّ يجعلونها في كيس ويختمون عليه وكنّا إذا وردنا بالمال على سيّدنا أبي محمّد (عليه السلام) يقول: جملة المال كذا وكذا ديناراً، من عند فلان كذا ومن عند فلان كذا حتّى يأتي على أسماء النّاس كلّهم ويقول ما على الخواتيم من نقش، فقال جعفر: كذبتم تقولون على أخي ما لا يفعله، هذا علم الغيب ولا يعلمه إلّا الله.
قال: فلمّا سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلى بعض فقال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1184) في بعض النسخ (أتى).
(1185) في بعض النسخ (فتثور القوم).
لهم: احملوا هذا المال إليَّ، قالوا: إنّا قوم مستأجرون وكلاء لارباب المال ولا نسلّم المال إلّا بالعلامات الّتي كنا نعرفها من سيّدنا الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) فإن كنت الامام فبرهن لنا وإلّا رددناها إلى أصحابها، يرون فيها رأيهم.
قال: فدخل جعفر على الخليفة - وكان بسرّ من رأى - فاستعدى عليهم، فلمّا احضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلى جعفر، قالوا: أصلح الله أمير المؤمنين إنّا قوم مستأجرون وكلاء لارباب هذه الأموال وهي وداعة لجماعة وأمرونا بأن لا نسلّمها إلّا بعلامة ودلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام).
فقال الخليفة: فما كانت العلامة الّتي كانت مع أبي محمّد. قال القوم: كان يصف لنا الدَّنانير وأصحابها والاموال وكم هي؟ فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه، وقد وفدنا إليه مراراً فكانت هذه علامتنا معه ودلالتنا، وقد مات، فإن يكن هذا الرَّجل صاحب هذا الامر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه، وإلّا رددناها إلى أصحابها.
فقال جعفر: يا أمير المؤمنين إنَّ هؤلاء قوم كذَّابون يكذبون على أخي وهذا علم الغيب فقال الخليفة: القوم رسل وما على الرَّسول إلّا البلاغ المبين قال: فبهت جعفر ولم يرد جواباً، فقال القوم: يتطوَّل أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى مَن يبدرقنا(1186) حتّى نخرج من هذه البلدة، قال: فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها، فلمّا أن خرجوا من البلد خرج إليهم غلام أحسن النّاس وجهاً، كأنّه خادم، فنادى يا فلان بن فلان ويا فلان ابن فلان أجيبوا مولاكم، قال: فقالوا: أنت مولانا، قال: معاذ الله: أنا عبد مولاكم فسيروا إليه، قالوا: فسرنا [إليه] معه حتّى دخلنا دار مولانا الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)، فإذا ولده القائم سيّدنا (عليه السلام) قاعد على سرير كأنّه فلقة قمر، عليه ثياب خضر، فسلّمنا عليه، فردَّ علينا السلام، ثمَّ قال: جملة المال كذا وكذا ديناراً، حمل فلان كذا، [وحمل] فلان كذا، ولم يزل يصف حتّى وصف الجميع.
ثمَّ وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدَّوابِّ، فخررنا سجّداً لله عزَّ - وجلَّ شكراً لمّا عرَّفنا، وقبّلنا الأرض بين يديه، وسألناه عمّا أردنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1186) من البدرقة. وفي بعض النسخ بالذال المعجمة بهذا المعنى أيضاً.
فأجاب، فحملنا إليه الأموال، وأمرنا القائم (عليه السلام) أن لا نحمل إلى سرَّ من رأى بعدها شيئاً من المال، فإنّه ينصب لنا ببغداد رجلاً يحمل إليه الأموال ويخرج من عنده التوقيعات، قالوا: فانصرفنا من عنده ودفع إلى أبي العبّاس محمّد بن جعفر القميِّ الحميريّ شيئاً من الحنوط والكفن فقال له: أعظم الله أجرك في نفسك، قال: فما بلغ أبو العبّاس عقبة همدان حتّى توفّي رحمه الله.
وكان بعد ذلك نحمل الأموال إلى بغداد إلى النوَّاب المنصوبين بها ويخرج من عندهم التوقيعات.
قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: هذا الخبر يدلُّ على أنَّ الخليفة كان يعرف هذا الامر كيف هو [وأين هو] وأين موضعه، فلهذا كفَّ عن القوم عمّا معهم من الأموال، ودفع جعفرا الكذاب عن مطالبتهم(1187) ولم يأمرهم بتسليمها إليه إلّا أنَّه كان يحب أن يخفى هذا الامر ولا ينشر لئلّا يهتدي إليه النّاس فيعرفونه، وقد كان جعفر الكذَّاب حمل إلى الخليفة عشرين ألف دينار لمّا توفّي الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وقال: يا أمير المؤمنين تجعل لي مرتبة أخي الحسن ومنزلته. فقال الخليفة: اعلم أنَّ منزلة أخيك لم تكن بنا إنّما كانت بالله (عزَّ وجلَّ) ونحن كنّا نجتهد في حط منزلته والوضع منه، وكان الله (عزَّ وجلَّ) يأبى إلّا أن يزيده كلَّ يوم رفعة لمّا كان فيه من الصيانة وحسن السّمت(1188) والعلم والعبادة، فإنَّ كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما كان في أخيك لم نغن عنك في ذلك شيئا.
الباب الرابع والأربعون: علة الغيبة
1 - حدَّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1187) في بعض النسخ (عنهم) مكان (عن مطالبتهم).
(1188) السمت - بفتح المهملة -: هيئة أهل الخبر. وتقدم تفصيله سابقا في رواية أحمد ابن عبيد الله بن خاقان.
صاحب هذا الامر تعمى ولادته على [هذا] الخلق لئلّا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج.
2 - حدَّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدَّثنا سعد بن عبد الله عن محمّد بن عبيد؛ ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل ابن صالح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يبعث القائم وليس في عنقه بيعة لاحد.
3 - حدّثنا أبي رحمه الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد؛ والحسن بن ظريف جميعاً، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يقوم القائم (عليه السلام) وليس لأحد في عنقه بيعة.
4 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمدانيُّ قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليِّ بن فضال، عن أبيه، عن أبى الحسن عليّ بن موسى الرِّضا (عليهما السلام) أنَّه قال: كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث(1189) من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه، قلت له: ولم ذاك يا بن رسول الله؟ قال: لأنّ إمامهم يغيب عنهم، فقلت: ولم؟ قال: لئلّا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف.
5 - حدّثنا عبد الواحد بن محمّد العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو عمرو الكشّي، عن محمّد بن مسعود قال: حدّثنا جبرئيل بن أحمد قال: حدّثنا محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صاحب هذا الامر تغيب ولادته عن هذا الخلق كيلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ويصلح الله (عزَّ وجلَّ) أمره في ليلة [واحدة].
6 - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود؛ وحيدر بن محمّد السمرقنديُّ جميعاً قالا: حدّثنا محمّد بن مسعود قال: حدّثنا جبرئيل بن أحمد، عن موسى بن جعفر البغداديِّ قال: حدّثني الحسن بن محمّد الصيرفي، عن حنان بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1189) المراد به أبو محمّد (عليه السلام). وفي بعض النسخ (عند فقدهم الرابع) فالمراد الحجّة (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
سدير، عن أبيه، عن أبى عبد الله (عليه السلام) قال: أنَّ للقائم منا غيبة يطول أمدها، فقلت له، يا بن رسول الله ولم ذلك؟ قال: لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أبى إلّا أن تجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) في غيباتهم، وإنّه لابدّ له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله تعالى: (لتركبنَّ طبقاً عن طبق)(1190) أي سنن من كان قبلكم.
7 - وبهذا الاسناد، عن محمّد بن مسعود قال: حدَّثني عبد الله بن محمّد بن خالد قال: حدّثني أحمد بن هلال، عن عثمان بن عيسى الرَّواسيُّ، عن خالد بن نجيح الجوَّاز(1191)، عن زرارة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام)، يا زرارة لابدَّ للقائم من غيبة؟ قلت: ولم، قال: يخاف عليّ نفسه - وأومأ بيده إلى بطنه -.
8 - وبهذا الاسناد، عن محمّد بن مسعود قال: حدّثني محمّد بن إبراهيم الوراق قال: حدّثنا حمدان بن أحمد القلانسيُّ، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن ابن بكير، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إنَّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، قال: قلت: ولم؟ قال: يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه -.
9 - حدّثني عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ ابن محمّد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إنَّ للقائم غيبة قبل ظهوره، قلت: ولم؟ قال: يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه. - قال زرارة: يعني القتل.
10 - حدَّثنا محمّد بن عليٍّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدَّثني عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيُّ، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: للقائم غيبة قبل قيامه، قلت(1192): ولم؟ قال: يخاف على نفسه الذِّبح.
11 - حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار رضي الله عنه قال: حدَّثني عليُّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوريُّ قال: حدّثنا حمدان بن سليمان النيسابوريُّ قال: حدّثني أحمد بن عبد الله بن جعفر المدائنيُّ، عن عبد الله بن الفضل الهاشميِّ قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول: إنَّ لصاحب هذا الامر غيبة لابدَّ منها يرتاب فيها كلُّ مبطل، فقلت: ولم جعلت فداك؟ قال: لامر لم يؤذن لنا في كشفه لكم(1193)؟ قلت: فما وجه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1190) الانشقاق: 19.
(1191) في بعض النسخ (الجوان) ولعله هو الصواب.
(1192) في بعض النسخ (قيل).
(1193) يعني على التفصيل.
الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة(1194) في غيبات من تقدَّمه من حجج الله تعالى ذكره، إنَّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلى وقت افتراقهما(1195).
يا ابن الفضل: إنَّ هذا الامر أمر من [أمر] الله تعالى وسرّ من سر الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنَّه (عزَّ وجلَّ) حكيم صدقنا بأن أفعاله كلّها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف.
الباب الخامس والأربعون: ذكر التوقيعات الواردة عن القائم (عليه السلام)
1 - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ رضي الله عنه قال: حدّثني جعفر ابن محمّد بن مسعود وحيدر بن محمّد بن السمرقنديُّ قالا: حدَّثنا أبو النضر محمّد بن مسعود قال: حدَّثنا آدم بن محمّد البلخيُّ قال: حدّثنا عليُّ بن الحسن الدَّقّاق؛ وإبراهيم ابن محمّد قالا: سمعنا عليَّ بن عاصم الكوفيّ يقول: خرج في توقيعات صاحب الزَّمان: (ملعون ملعون من سمّاني في محفل من النّاس)(1196).
2 - حدَّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا: حدَّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ قال: حدّثني محمّد بن صالح الهمدانيُّ قال: كتبت إلى صاحب الزَّمان (عليه السلام): إنَّ أهل بيتي يؤذونني ويقرِّعونني(1197) بالحديث الّذي روي عن أبائك (عليهم السلام) أنّهم قالوا: قوَّامنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1194) يعني على سبيل الاجمال.
(1195) في بعض النسخ (إلّا وقت افتراقهما).
(1196) قال عليّ بن عيسى الاربلي (ره): من العجب أنَّ الشيخ الطبرسي والشيخ المفيد رحمهما الله قالا: أنَّه لا يجوز ذكر اسمه ولا كنيته، ثمّ يقولان: أنَّ اسمه اسم النبيّ وكنيته كنيته (صلّى الله عليه وآله وسلّم). وهما يظنان أنّهما لم يذكرا اسمه ولا كنيته، وهذا عجيب والّذي أراه أنَّ المنع من ذلك إنّما كان في وقت الخوف عليه والطلب له والسؤال عنه، فأمّا الان فلا، والله أعلم انتهى، وتقدم الكلام فيه ص 369.
(1197) التقريع: التعنيف (الصحاح) وفي بعض النسخ (يفزعونني).
وخدَّامنا شرار خلق الله، فكتب (عليه السلام): (ويحكم أما تقرؤون ما قال (عزَّ وجلَّ): (وجعلنا بينهم وبين القرى الّتي باركنا فيها قرى ظاهرة)(1198) ونحن والله القرى الّتي بارك الله فيها وأنتم القرى الظاهرة).
قال عبد الله بن جعفر: وحدّثنا بهذا الحديث عليّ بن محمّد الكلينيُّ، عن محمّد ابن صالح، عن صاحب الزَّمان (عليه السلام).
3 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال: سمعت أبا عليٍّ محمّد بن همّام يقول: سمعت محمّد بن عثمان العمري قدَّس الله روحه يقول: خرج توقيع بخطٍّ أعرفه (من سمّاني في مجمع من النّاس باسمي فعليه لعنة الله) قال أبو عليٍّ محمّد بن همام: وكتبت أسأله عن الفرج متى يكون؟ فخرج إليَّ (كذب الوقّاتون).
4 - حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام الكلينيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيُّ، عن إسحاق بن يعقوب(1199) قال: سألت محمّد بن عثمان العمريَّ رضي الله عنه أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ فورد [ت في] التوقيع بخطِّ مولانا صاحب الزَّمان (عليه السلام): أمّا سألت عنه أرشدك الله وثبّتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمّنا، فاعلم أنَّه ليس بين الله (عزَّ وجلَّ) وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس منّي وسبيله سبيل ابن نوح (عليه السلام).
أمّا سبيل عمّي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف (عليه السلام).
أما الفقاع فشربه حرام، ولا بأس بالشلماب(1200)، وأمّا أموالكم فلا نقبلها إلّا لتطهروا، فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع فما آتاني الله خير ممّا آتاكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1198) السبأ: 18.
(1199) مجهول الحال لم أجده في الرِّجال ولا الكتب إلّا في نظير هذا الباب.
(1200) شراب يتخذ من الشيلم وهو الزوان الّذي يكون في البر، قال أبو حنيفة: الشيلم حب صغار مستطيل أحمر قائم كانه في خلقة سوس الحنطة ولا يسكر ولكنه يمر الطعام امراراً شديداً. وقال مرة نبات الشيلم سطاح وهو يذهب على الأرض وورقته كورقة الخلاف البلخى شديدة الخضرة رطبة، قال: والناس يأكلون ورقه إذا كان رطباً وهو طيب لا مرارة له وحبه اعقى من الصبر (التاج) وقال استاذنا الشعراني في هامش الوسائل ج 17 ص 291: (أنَّ الشلماب شراب يتخذ من الشيلم وهو حب شبيه بالشعير وفيه تخدير نظير البنج وان اتفق وقوعه في الحنطة وعمل منه الخبز اورث السدر والدوار والنوم ويكثر نباته في مزرع الحنطة ويتوهم حرمنه لمكان التخدير واشتباه التخدير بالاسكار عند العوام).
وأما ظهور الفرج فإنّه إلى الله تعالى ذكره، وكذب الوقاتون.
وأمّا قول من زعم أنَّ الحسين (عليه السلام) لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال.
وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا(1201) فانّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم.
وأما محمّد بن عثمان العمريُّ - رضي الله عنه وعن أبيه من قبل - فإنّه ثقتي وكتابه كتابي.
وأمّا محمّد بن عليِّ بن مهزيار الاهوازيُّ فسيصلح الله له قلبه ويزيل عنه شكّه.
وأمّا ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلّا لمّا طاب وطهر، وثمن المغنية حرام(1202).
وأما محمّد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت.
وأمّا أبو الخطّاب محمّد بن أبي زينب الاجدع فملعون وأصحابه ملعونون فلا تجالس أهل مقالتهم فإنّي منهم بريء وآبائي (عليهم السلام) منهم براء.
وأمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلَّ منها شيئاً فأكله فأنّما يأكل النيران.
وأمّا الخمس فقد اُبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلٍّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث.
وأما ندامة قوم قد شكّوا في دين الله (عزَّ وجلَّ) على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال، ولا حاجة في صلة الشاكين.
وأما علّة ما وقع من الغيبة فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)(1203) إنَّه لم يكن لأحد من آبائي (عليهم السلام) إلّا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1201) قيل: الحوادث الواقعة ما يحتاج فيه إلى الحاكم كاموال اليتامى فيثبت فيه ولاية الفقيه. وليس بشيء، والظاهر ما يتفق للنّاس من المسائل الّتي لا يعلمون حكمها فلابدّ لهم أن يرجعوا فيها إلى من يستنبطها من الأحاديث الواردة عنهم. والمراد برواة الحديث الفقهاء الّذين يفقهون الحديث ويعلمون خاصّه وعامّه ومحكمه ومتشابهه؛ ويعرفون صحيحه من سقيمه، وحسنه من مختلقه، والّذين لهم قوَّة التفكيك بين الصريح منه والدخيل وتمييز الاصيل من المزيف المتقوّل. لا الّذين يقرؤون الكتب المعروفة ويحفظون ظاهراً من ألفاظه ولا يفهمون معناه وليس لهم منة الاستنباط وان زعموا أنّهم حملة الحديث.
(1202) في بعض النسخ (ثمن القينة حرام) يعني الاماء المغنيات.
(1203) المائدة: 102.
وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الابصار السحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لاهل السّماء، فأغلقوا باب السؤال عمّا لا يعنيكم، ولا تتكلّفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدُّعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى بن اتّبع الهدى.
5 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، عن سعد بن عبد الله، عن عليّ بن محمّد الرَّازيَّ المعروف بعلان الكلينيّ قال: حدّثني محمّد بن شاذان بن نعيم النيسابوريُّ قال: اجتمع عندي مال للغريم (عليه السلام)(1204) خمسمائة درهم، ينقص منها عشرين درهماً فأنفت(1205) أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار، فأتممتها من عندي وبعثت بها إلىَّ محمّد بن جعفر(1206) ولم أكتب مالي فيها فأنفذ إلي محمّد بن جعفر القبض، وفيه (وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهماً).
6 - حدّثني أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن إسحاق بن يعقوب قال: سمعت الشيخ العمريِّ رضي الله عنه يقول: صحبت رجلاً من أهل السواد ومعه مال للغريم (عليه السلام) فأنفذه فردَّ عليه، وقيل له: أخرج حقَّ ولد عمك منه وهو أربعمائة درهم، فبقي الرَّجل متحيّراً باهتاً متعجّباً ونظر في حساب المال وكانت في يده ضيعة لولد عمه قد كان ردَّ عليهم بعضها وزوى عنهم بعضها فإذا الّذي نضَّ لهم(1207) من ذلك المال أربعمائة درهم، كما قال (عليه السلام)، فأخرجه وأنفذ الباقي فقبل.
7 - حدّثني أبي رضي الله عنه، عن سعد بن عبد الله، عن عليِّ بن محمّد الرَّازيِّ قال: حدّثني جماعة من أصحابنا أنَّه(1208) بعث إلى أبي عبد الله بن الجنيد وهو بواسط غلاماً وأمر ببيعه، فباعه وقبض ثمنه، فلمّا عيّر الدَّنانير نقصت من التعيير ثمانية عشر قيراطاً وحبّة، فوزن من عنده ثمانية عشر قيراطاً وحبة وأنفذها فردَّ عليه دينارا وزنه ثمانية عشر قيراطاً وحبّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1204) في بعض النسخ (للقائم (عليه السلام)). واطلاق الغريم على الصاحب لكونه صاحبا للحق (عجل الله تعالى فرجه).
(1205) أي كرهت، وفي بعض النسخ (فأبيت).
(1206) هو محمّد بن جعفر الاسدي أبو الحسين الرازي أحد الابواب كما في (ست).
(1207) في النهاية الاثيرية (خذ صدقة ما نض من اموالهم) أي حصل وظهر من أثمان أمتعتهم وغيرها.
(1208) يعني صاحب الامر (عليه السلام).
8 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه، عن سعد بن عبد الله، عن عليِّ بن محمّد الرَّازيِّ المعروف بعلّان الكلينيُّ قال: حدَّثني محمّد بن جبرئيل الاهوازي، عن إبراهيم ومحمّد ابني الفرج، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار أنَّه ورد العراق شاكّاً مرتاداً، فخرج إليه (قل للمهزياريُّ قد فهمنا ما حكيته عن موالينا بنا حيتكم فقل لهم: أما سمعتم الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (يا أيّها الّذين آمنوا أطيعو الله وأطيعوا الرَّسول وأولي الامر منكم) هل أمر إلّا بما هو كائن إلى يوم القيامة، أو لم تروا أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) جعل لكم معاقل تأوون إليها وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن ظهر الماضي [أبو محمّد] صلوات الله عليه، كلّما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلمّا قبضه الله إليه ظننتم أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد قطع السبب بينه وبين خلقه كلاً ما كان ذلك ولا يكون حتّى تقوم الساعة(1209) ويظهر أمر الله (عزَّ وجلَّ) وهم كارهون.
يا محمّد بن إبراهيم لا يدخلك الشكُّ فيما قدمت له فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لا يخلّي الأرض من حجّة، أليس قال لك أبوك قبل وفاته: أحضر الساعة من يعيّر هذه الدنانير الّتي عندي: فلمّا اُبطيء ذلك عليه وخاف الشيخ على نفسه الوحا(1210) قال لك: عيّرها على نفسك وأخرج إليك كيساً كبيراً وعندك بالحضرة ثلاثة أكياس وصرَّة فيها دنانير مختلفة النقد فعيّرتها وختم الشيخ بخاتمة وقال لك: اختم مع خاتمي، فإن أعش فأنا أحقُّ بها، وإن أمت فاتق الله في نفسك وأوّلا ثمّ فيَّ، فخلّصني وكن عند ظنّي بك. أخرج رحمك الله الدَّنانير الّتي استفضلتها من بين النقدين من حسابنا وهي بضعة عشر ديناراً واسترد من قبلك فإنَّ الزَّمان أصعب ممّا كان، وحسبنا الله ونعم الوكيل).
قال محمّد بن إبراهيم: وقدمت العسكر زائراً فقصدت الناحية فلقيتني امرأة وقالت: أنت محمّد بن إبراهيم؟ فقلت: نعم، فقالت لي: انصرف فانّك لا تصل في هذا الوقت وارجع الليلة فإنَّ الباب مفتوح لك فادخل الدّار واقصد البيت الّذي فيه السراج، ففعلت وقصدت الباب فإذا هو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1209) في بعض النسخ (إلى أن تقوم الساعة).
(1210) الوحا: السرعة والبدار، والمعنى أنَّه خاف على نفسه سرعة الموت.
مفتوح فدخلت الدّار وقصدت البيت الّذي وصفته فبينا أنا بين القبرين أنتحب وأبكي إذ سمعت صوتا وهو يقول: يا محمّد اتق الله وتب من كلِّ ما أنت عليه(1211) فقد قلدت أمراً عظيماً.
9 - وحدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، عن سعد بن عبد الله عن عليِّ بن محمّد الرَّازيِّ، عن نصر بن الصباح البلخيِّ قال: كان بمرو كاتب كان للخوزستانيِّ - سمّاه لي نصر - واجتمع عنده ألف دينار للناحية فاستشارني، فقلت: أبعث بها إلى الحاجزيِّ، فقال: هو في عنقك أن سألني الله (عزَّ وجلَّ) عنه يوم القيامة، فقلت: نعم قال نصر: ففارقته على ذلك، ثمّ انصرفت إليه بعد سنتين فلقيته فسألته عن المال، فذكر أنَّه بعث من المال بمائتي دينار إلى الحاجزيِّ فورد عليه وصولها والدُّعاء له، وكتب إليه كان المال ألف دينار فبعثت بمائتي دينار فإن أحببت أن تعامل أحداً فعامل الاسديَّ بالرِّي.
قال نصر وورد عليَّ نعي حاجز فجزعت من ذلك جزعاً شديداً واغتممت له(1212) فقلت له: ولمَ تغتمُّ وتجزع وقد من الله عليك بدلالتين قد أخبرك بمبلغ المال وقد نعي إليك حاجزاً مبتدئاً.
10 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن عليِّ بن محمّد الرازيُّ قال: حدّثني نصر بن الصباح قال: أنفذ رجلٌ من أهل بلخ خمسة دنانير إلى حاجز وكتب رقعة وغيّر فيها اسمه، فخرج إليه الوصول باسمه ونسبه والدعاء له.
11 - حدّثنا أبي رضي الله عنه، عن سعد بن عبد الله، عن أبي حامد المراغيِّ عن محمّد بن شاذان بن نعيم، قال: بعث رجل من أهل بلخ بمال ورقعة ليس فيها كتابة قد خطِّ فيها بإصبعه كما تدور من غير كتابة، وقال للرَّسول: احمل هذا المال فمن أخبرك بقصّته وأجاب عن الرُّقعة فأوصل إليه المال، فصار الرَّجل إلى العسكر وقد قصد جعفراً وأخبره الخبر، فقال له جعفر: تقرُّ بالبداء؟ قال الرَّجل: نعم، قال له: فإنَّ صاحبك قد بدا له وأمرك أن تعطيني المال،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1211) يعني من الوكالة وقد تقدَّم أنَّه من وكلاء الناحية.
(1212) فيه تصحيف والصواب (فورد على نعي حاجز فأخبرته فجزع من ذلك جزعاً شديداً واغتم، فقلت له - الخ) كما يظهر من الخرائج. أو خطاب للنفس و(له) زائد.
فقال له الرَّسول: لا يقنعني هذا الجواب فخرج من عنده وجعل يدور على أصحابنا، فخرجت إليه رقعة قال: هذا مال قد كان غرّر به(1213) وكان فوق صندوق فدخل اللّصوص البيت وأخذوا ما في الصندوق وسلّم المال وردت عليه الرُّقعة وقد كتب فيها كما تدور وسألت الدُّعاء فعل الله بك وفعل.
12 - حدّثنا أبي رضي الله عنه، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الصالح قال: كتبت أسأله الدُّعاء لباداشاله(1214) وقد حبسه ابن عبد العزيز، وأستأذن في جارية لي أستولدها، فخرج (استولدها ويفعل الله ما يشاء، والمحبوس يخلّصه الله) فاستولدت الجارية فولدت فماتت، وخلّي عن المحبوس يوم خرج إليَّ التوقيع.
قال: وحدَّثني أبو جعفر ولدلي مولود فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع أو الثامن، فلم يكتب شيئاً فمات المولود يوم الثامن، ثمّ كتبت أخبر بموته فورد (سيخلف عليك غيره وغيره فسمه أحمد ومن بعد أحمد جعفراً) فجاء كما قال (عليه السلام): قال: وتزوَّجت بامرأة سرّاً، فلمّا وطئتها علقت وجاءت بابنة فاغتممت وضاق صدري فكتبت أشكو ذلك، فورد (ستكفاها) فعاشت أربع سنين ثمَّ ماتت، فورد: (إنَّ الله ذو أتاة وأنتم تستعجلون).
قال: ولمّا ورد نعي ابن هلال لعنه الله(1215) جاءني الشيخ فقال لي: أخرج الكيس الّذي عندك، فأخرجته إليه فاخرج إليَّ رقعة فيها: (وأمّا ما ذكرت(1216) من أمر الصوفيِّ المتصنّع - يعني الهلاليِّ - فبتر الله عمره) ثمَّ خرج من بعد موته (فقد قصدنا فصبرنا عليه فبتر الله تعالى عمره بدعوتنا)(1217).
13 - حدَّثني أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن علّان الكلينيُّ عن الحسن بن الفضل اليمانيِّ قال: قصدت سرَّ من رأى فخرجت إليَّ صرَّة فيها دنانير وثوبان فرددتها وقلت في نفسي: أنا عندهم بهذه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1213) التغرير حمل النفس على الخطر. وفي بعض النسخ (غدر به) وفي بعضها (عوّربه) من التعوير وعوربه أي صرف عنه، قال في الصحاح: عورته عن الامر تعويراً أي صرفته عنه.
(1214) كذا. وفي بعض النسخ المصححة صححه بـ (باداشاكه) وعلى ما في المتن كانه اسم رجل مركب من فارسي هو (بادا) ومن (إن شاء الله) فإنَّ أهل الفرس كثيراً ما يستعملونها (شاله).
(1215) يعنى أحمد بن هلال العبرتائي. والمراد بالشيخ (أبو القاسم الحسين بن روح) كما يظهر من كتاب الاحتجاج.
(1216) الخطّاب للشيخ ظاهرا.
(1217) البتر بتقديم الموحدة على المثناة: القطع.
المنزلة فأخذتني الغرَّة(1218)، ثمّ ندمت بعد ذلك: فكتبت رقعة أعتذر من ذلك وأستغفر، ودخلت الخلاء وأنا اُحدِّث نفسي وأقول: والله لئن ردَّت إليَّ الصرَّة لم أحلّها ولم أنفقها حتّى احملها إلى والدي فهو أعلم بها منّي، قال: ولم يشر عليّ من قبضها منّي بشيء ولم ينهني عن ذلك. فخرج إليه (أخطأت إذ لم تعلمه أنّا ربما فعلنا ذلك بموالينا وربما يسألونا ذلك يتبركون به). وخرج إليَّ (أخطأت بردك برنا، فإذا استغفرت الله (عزَّ وجلَّ) فالله يغفر لك فأمّا إذا كانت عزيمتك وعقد نيتك أن لا تحدث فيها حدثا ولا تنفقها في طريقك فقد صرفناها عنك وأمّا الثوبان فلابدَّ منهما لتحرم فيهما).
قال: وكتبت في معنين وأردت أن أكتب في معنى ثالث فقلت في نفسي: لعلّه يكره ذلك، فخرج إلىَّ الجواب للمعنيين والمعنى الثالث الّذي طويته ولم أكتبه.
قال: وسألت طيباً فبعث إلي بطيب في خرقة بيضاء فكانت معي في المحمل، فنفرت ناقتي بعسفان(1219) وسقط محملي وتبدَّد ما كان فيه، فجمعت المتاع وافتقدت الصرة واجتهدت في طلبها، حتّى قال لي بعض من معنا ما تطلب؟ فقلت: صرَّة كانت معي قال: وما كان فيها؟ قلت نفقتي قال: قد رأيت من حملها، فلم أزل أسأل عنها حتّى أيست منها، فلمّا وافيت مكة حللت عيبتي وفتحتها فإذا أوَّل ما بدر عليَّ منها الصرَّة وإنّما كانت خارجاً في المحمل، فسقطت حين تبدَّد المتاع.
قال: وضاق صدري ببغداد في مقامي، وقلت في نفسي: أخاف أن لا أحجَّ في هذه السنة ولا أنصرف إلى منزلي وقصدت أبا جعفر أقتضيه جواب رقعة كنت كتبتها، فقال لي: صر إلى المسجد الّذي في مكان كذا وكذا، فإنه يجيئك رجل يخبرك بما تحتاج إليه فقصدت المسجد وأنا فيه إذ دخل عليَّ رجل فلمّا نظر إليَّ سلّم وضحك، وقال لي: أبشر فانّك ستحجُّ في هذه السنة وتنصرف إلى أهلك سالماً إن شاء الله تعالى.
قال: وقصدت ابن وجناء أسأله أن يكتري لي ويرتاد عديلاً فرأيته كارهاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1218) في بعض النسخ (العزة) وفي بعضها (الغيرة).
(1219) كعثمان موضع على مرحلتين من مكة.
ثمّ لقيته بعد أيّام فقال لي: أنا في طلبك منذ أيّام قد كتب إلي وأمرني أن أكترى لك وأرتاد لك عديلاً ابتداءً، فحدَّثني الحسن أنَّه وقف في هذه السنة على عشر دلالات والحمد الله رب العالمين.
14 - حدّثنا أبي رضي الله عنه، عن سعد بن عبد الله، عن عليِّ بن محمّد الشمشاطيِّ رسول جعفر بن إبراهيم اليمانيِّ قال: كنت مقيماً ببغداد، وتهيّأت قافلة اليمانييّن للخروج فكتبت أستأذن في الخروج معها فخرج (لا تخرج معها فمالك في الخروج خيرة وأقم بالكوفة) فخرجت القافلة وخرجت عليها بنو حنظلة فاجتاحوها(1220). قال: وكتبت أستأذن في ركوب الماء، فخرج (لا تفعل) فما خرجت سفينة في تلك السنة إلّا خرجت عليها البوارج(1221) فقطعوا عليها.
قال: وخرجت زائراً إلى العسكر فأنا في المسجد [الجامع] مع المغرب إذ دخل عليَّ غلامٌ فقال لي: قم، فقلت: من أنا وإلى أين أقوم؟ فقال لي: أنت عليُّ بن محمّد رسول جعفر بن إبراهيم اليمانيِّ، قم إلى المنزل، قال: وما كان علم أحد من أصحابنا بموافاتي(1222)، قال: فقمت إلى منزله واستأذنت في أن أزور من داخل فأذن لي.
15 - حدّثنا أبي رضي الله عنه، عن سعد بن عبد الله، عن علّان الكلينيُّ، عن الاعلم المصريِّ(1223) عن أبي رجاء المصريِّ(1224) قال: خرجت في الطلب بعد مضيِّ أبي محمّد (عليه السلام) بسنتين لم أقف فيهما على شيء، فلمّا كان في الثالثة كنت بالمدينة في طلب ولد لابي محمّد (عليه السلام) بصرياء(1225)، وقد سألني أبو غانم أن أتعشّى عنده، وأنا قاعد مفكّر في نفسي وأقول: لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين، فإذا هاتف أسمع صوته ولا أرى شخصه وهو يقول: (يا نصر بن عبد ربّه(1226) قل لاهل مصر: آمنتم برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حبث رأيتموه؟) قال نصر: ولم أكن أعرف اسم أبي وذلك أنّي ولدت بالمدائن فحملني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1220) اجتاح الشيء: استأصله، والجائحة: الافة.
(1221) جمع البارجة وهي سفينة كبيرة للقتال، والشرير.
(1222) وافيت القوم: أتيتهم.
(1223) في بعض النسخ (عن الاعلم البصريّ).
(1224) في بعض النسخ (البصريّ).
(1225) قد مر هذه اللفظة في حكاية غانم الهندي ص 440.
(1226) في بعض النسخ (نصر بن عبد الله).
النوفليُّ وقد مات أبي، فنشأت بها، فلمّا سمعت الصوت قمت مبادراً ولم أنصرف إلى أبي غانم وأخذت طريق مصر.
قال: وكتب رجلان من أهل مصر في ولدين لهما فورد (أمّا أنت يا فلان فآجرك الله ودعا للاخر فمات ابن المعزىّ)
16 - قال: وحدثني أبو محمّد الوجنائيُّ قال: اضطرب أمر البلد وثارت فتنة فعزمت على المقام ببغداد [فأقمت] ثمانين يوماً، فجاءني شيخ، وقال لي: انصرف إلى بلدك، فخرجت من بغداد وأنا كاره، فلمّا وافيت سرَّ من رأى وأردت المقام بها لمّا ورد عليَّ من اضطراب البلد، فخرجت فما وافيت المنزل حتّى تلقاني الشيخ ومعه كتاب من أهلي خبرونني بسكون البلد ويسألوني القدوم.
17 - حدّثنا أبي رضي الله عنه، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن هارون قال: كانت للغريم (عليه السلام) عليَّ خمسمائة دينار فأنا ليلة ببغداد وبها ريح وظلمة(1227) وقد فزعت فزعا شديداً وفكرت فيما عليّ ولي، وقلت في نفسي: حوانيت اشتريتها بخمسمائة وثلاثين ديناراً وقد جعلتها للغريم (عليه السلام) بخمسمائة دينار، قال: فجاءني من يتسلّم منّي الحوانيت وما كتبت إليه في شيء من ذلك من قبل أن أطلق به لساني ولا أخبرت به أحداً.
18 - حدَّثني أبي رضي الله عنه، عن سعد بن عبد الله(1228) قال: حدَّثني أبو القاسم ابن أبي حليس(1229) قال: كنت أزور الحسين (عليه السلام)(1230) في النصف من شعبان فلمّا كان سنّة من السنين وردت العسكر قبل شعبان وهممت أن لا أزور في شعبان، فلمّا دخل شعبان قلت: لا أدع زيارة كنت أزورها فخرجت زائراً وكنت إذا وردت العسكر أعلمتهم برقعة أو برسالة، فلمّا كان في هذه الدفعة قلت لابي القاسم الحسن بن أحمد الوكيل: لا تعلمهم بقدومي فإني اريد أن أجعلها زورة خالصة قال: فجاءني أبو القاسم وهو يتبسّم وقال: بعث إليَّ بهذين الدينارين وقيل لي: ادفعهما إلى الحليسيِّ وقال له: من كان في حاجة الله (عزَّ وجلَّ) كان الله في حاجته، قال: واعتللت بسرّ من رأى علّة شديدة أشفقت منها فأطليت(1231) مستعدّاً للموت، فبعث إلىَّ بستوقة فيها بنفسجين(1232) وأمرت بأخذه، فما فرغت حتّى أفقت من علتي والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1227) في بعض النسخ (وقد كان لها ريح وظلمة).
(1228) الظاهر سقط هنا (عن علان الكلينيُّ) بقرينة ما تقدَّم في قصّة الكابلي.
(1229) في بعض النسخ (أبي حابس) والظاهر الصواب ما في المتن لأنّ في المحكى عن نسخة ثمينة من الخرائج للراوندي (قال أبو القاسم الحليسي: كنت أزور العسكر في شعبان في أوله ثمّ ازور الحسين (عليه السلام) في النصف - الخ) بأدنى تفاوت في لفظها.
(1230) كذا وفي بعض النسخ (أزور الحير) والظاهر هو الاصوب وهو اسم القصر الّذي كان بسر من رأى فيه قبر العسكريين (عليهما السلام). والله أعلم.
(1231) في بعض النسخ (أشفقت فيها). وأطلى فلان اطلاء: مالت عنقه للموت.
(1232) شيء يعمل من البنفسج والانجبين كالسكنجبين.
قال: ومات لي غريم فكتبت أستأذن في الخروج إلى ورثته بواسط وقلت: أصير إليهم حدثان موته لعلّي أصل إلى حقّي فلم يؤذن لي، ثمَّ كتبت ثانية فلم يؤذن لي، ثمّ كتبت ثانية فلم يؤذن لي، فلمّا كان بعد سنتين كتب إليَّ إبتداء (صر إليهم) فخرجت إليهم فوصل إليَّ حقّي.
قال أبو القاسم: وأوصل أبو رميس(1233) عشرة دنانير إلى حاجز فنسيها حاجز أن يوصلها، فكتب إليه (تبعث بدنانير أبو رميس) ابتداء.
قال(1234): وكتب هارون بن موسى بن الفرات في أشياء وخطِّ بالقلم بغير مداد يسأل الدُّعاء لابني أخيه وكانا محبوسين، فورد عليه جواب كتابه وفيه دعاء للمحبوسين باسمهما.
قال: وكتب رجلٌ من ربض حميد يسأل الدُّعاء في حمل له فورد عليه (الدُّعاء في الحمل قبل الاربعة أشهر وستلد انثى) فجاء كما قال (عليه السلام).
قال: وكتب محمّد بن محمّد البصريّ(1235) يسأل الدعاء في أن يكفي أمر بناته، وأن يرزق الحجَّ ويردَّ عليه ماله، فورد عليه الجواب بما سأل، فحجَّ من سنته ومات من بناته أربع وكان له ستّ، وردَّ عليه ماله.
قال: وكتب محمّد بن يزداذ(1236) يسأل الدُّعاء لوالديه، فورد (غفر الله لك ولوالديك ولاختك المتوفّاة الملقّبة كلكي، وكانت هذه امرأة صالحة متزوّجة بجوّار(1237).
وكتبت في إنفاذ(1238) خمسين ديناراً لقوم مؤمنين منها عشرة دنانير لابنة عمٍّ لي(1239) لم تكن من الايمان على شيء، فجعلت اسمها آخر الرُّقعة والفصول، ألتمس بذلك الدَّلالة في ترك الدعاء فخرج في فصول المؤمنين تقبّل الله منهم وأحسن إليهم وأثابك ولم يدع لابنة عمّي بشيء.
قال: وأنفذت(1240) أيضاً دنانير لقوم مؤمنين فأعطاني رجل يقال له: محمّد بن سعيد دنانير فأنفذتها باسم أبيه متعمّداً ولم يكن من دين الله على شيء، فخرج الوصول من عنوان اسمه محمّد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1233) في بعض النسخ (ابن رميس) وفي بعضها (أبودميس).
(1234) يعني قال سعد أو علان الكلينيُّ وهو الصواب وهكذا إلى آخر الخبر.
(1235) في بعض النسخ (القصري).
(1236) محمّد بن يزداذ بالياء المثناة من تحت والزاي والدال المهملة والذال المعجمة. (رجال ابن داود).
(1237) الجوّار - ككتان - الاكار.
(1238) في بعض النسخ (أنقاد).
(1239) في بعض النسخ (لابن عمّي) والضمائر فيما بعد مذكرة.
(1240) في بعض النسخ (وأنقذت) ونقدت له الدراهم ونقدته الدراهم أي أعطيته فانتقدها أي قبضها. ونقدت الدراهم وانتقدتها إذا اخرجت منها الزيف (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
قال: وحملت في هذه السنة الّتي ظهرت لي فيها هذه الدلالة ألف دينار، بعث بها أبو جعفر ومعي أبو الحسين محمّد بن محمّد بن خلف وإسحاق بن الجنيد، فحمل أبو الحسين الخرج إلى الدُّور واكترينا ثلاثة أحمرة، فلمّا بلغت القاطول(1241) لم نجد حميراً فقلت لابي الحسين: احمل الخرج الّذي فيه المال واخرج مع القافلة حتّى أتخلّف في طلب حمار لاسحاق بن الجنيد يركبه فإنّه شيخ، فأكتريت له حمارا ولحقت بأبي الحسين في الحير - حير سر من رأى - وأنا اسامره(1242) وأقول له: احمد الله على ما أنت عليه، فقال: وددت أنَّ هذا العمل دام لي، فوافيت سر من رأى وأوصلت ما معنا، فأخذه الوكيل بحضرتي ووضعه في منديل وبعث به مع غلام أسود، فلمّا كان العصر جاءني برزيمة(1243) خفيفة، ولمّا أصبحنا خلابي أبو القاسم وتقدَّم أبو الحسين وإسحاق، فقال أبو القاسم للغلام الّذي حمل الرُّزيمة جاءني بهذه الدراهم وقال لي: ادفعها إلى الرَّسول الّذي حمل الرزيمة، فأخذتها منه، فلمّا خرجت من باب الدّار قال لي أبو الحسين من قبل أن أنطق أو يعلم أنَّ معي شيئاً: لمّا كنت معك في الحير تمنّيت أن يجئني منه دراهم أتبرك بها، وكذلك عام أول حيث كنت معك بالعسكر. فقلت له: خذها فقد آتاك الله، والحمد لله ربِّ العالمين.
قال: وكتب محمّد بن كشمرد يسأل الدُّعاء أن يجعل ابنه أحمد من امِّ ولده في في حلِّ، فخرج: (والصقريّ أحلَّ الله له ذلك) فأعلم (عليه السلام) أنَّ كنيته أبو الصقر.
قال(1244): وحدَّثني عليُّ بن قيس، عن غانم أبي سعيد الهنديِّ، وجماعة، عن محمد بن محمّد الاشعريّ، عن غانم قال: كنت أكون مع ملك الهند بقشمير الدَّاخلة ونحن أربعون رجلاً نقعد حول كرسيِّ الملك وقد قرأنا التوراة والانجيل والزَّبور، ويفزع إلينا في العلم فتذاكرنا يوماً أمر محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقلنا: نجده في كتبنا واتّفقنا علىَّ أن أخرج في طلبه وأبحث عنه، فخرجت ومعي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1241) موضع على دجلة.
(1242) المسامرة: المحادثة بالليل في بعض النسخ (اسايره). وتقدم أنَّ الحير قصر كان بسر من رأى.
(1243) تصغير (رزمة) وهي بالكسر ما شد في ثوب واحد. و(جاءني) أي أبو الحسين.
(1244) من هنا إلى تمام الخبر تقدَّم في باب من شاهد القائم (عليه السلام) ص 438 عن سعد عن علان الكلينيُّ عن عليّ بن قيس عن غانم أبي سعيد الهندي ولا مناسبة له ظاهراً بهذا الباب.
مال، فقطع عليّ الترك وشلّحوني فوقعت إلى كابل وخرجت من كابل إلى بلخ والامير بها ابن أبي شور(1245) فأتيته وعرَّفته ما خرجت له فجمع الفقهاء والعلماء لمناظرتي فسألتهم عن محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا: هو نبيّنا محمّد بن عبد الله وقد مات، فقلت: ومن كان خليفته؟؟ فقالوا: أبو بكر، فقلت: أنسبوه لي فنسبوه إلى قريش، فقلت: ليس هذا بنبيٍّ إنَّ النبيَّ الّذي نجده في كتبنا خليفته ابن عمّه وزوج ابنته وأبو ولده، فقالوا للامير: إنَّ هذا قد خرج من الشرك إلى الكفر مر بضرب عنقه، فقلت لهم: أنا متمسّك بدين لا أدعه إلّا ببيان، فدعا الأمير الحسين بن إسكيب وقال له: ناظر الرَّجل فقال له: العلماء والفقهاء حولك فمرهم بمناظرته، فقال له ناظره كما أقول لك واخل به وألطف له، فقال: فخلا بي الحسين فسألته عن محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: هو كما قالوه لك غير أنَّ خليفته ابن عمّه عليُّ بن أبي طالب بن عبد المطلّب، ومحمّد ابن عبد الله بن عبد المطلّب وهو زوج ابنته فاطمة، وأبو ولديه: الحسن والحسين، فقلت: أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمداً رسول الله. وصرت إلى الأمير فأسلمت، فمضى بي إلى الحسين ففقهني، فقلت: إنّا نجد في كتبنا أنَّه لا يمضي خليفة إلّا عن خليفة، فمن كان خليفة عليٍّ؟ قال: الحسن، ثمَّ الحسين، ثمّ سمّى الأئمّة حتّى بلغ إلى الحسن (عليهم السلام).
ثمَّ قال: تحتاج أن تطلب خليفة الحسن وتسأل عنه فخرجت في الطلب. فقال محمّد بن محمّد: فوافى معنا بغداد، فذكر لنا أنَّه كان معه رفيق قد صحبه على هذا الامر فكره بعض أخلاقه ففارقه، قال: فبينما أنا ذات يوم وقد تمسحت في الصراة(1246) وأنا مفكّر فيما خرجت له إذ أتاني آت وقال لي: أجب مولاك، فلم يزل يخترق بي المحال حتّى أدخلني داراً وبستاناً، فإذا مولاي (عليه السلام) قاعد فلمّا نظر إليَّ كلمني بالهندية وسلم عليَّ وأخبرني باسمي وسألني عن الاربعين رجلاً بأسمائهم عن اسم رجل رجل، ثمّ قال لي: تريد الحجَّ مع أهل قمّ في هذه السنة فلا تحجَّ في هذه السنة وانصرف إلى خراسان وحجَّ من قابل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1245) في بعض النسخ (ابن أبي شبور).
(1246) تقدَّم سابقا أنّها اسم نهران بالعراق وهما العظمى والصغرى.
قال: ورمى إلىَّ بصرة وقال: اجعل هذه في نفقتك ولا تدخل في بغداد إلى دار أحد ولا تخبر بشيء ممّا رأيت.
قال محمّد: فانصرفنا من العقبة ولم يقض لنا الحجّ، وخرج غانم إلى خراسان وانصرف من قابل حاجّاً وبعث إلينا بألطاف ولم يدخل قمّ وحجَّ وانصرف إلى خراسان فمات بها - رحمة الله -.
قال محمّد بن شاذان، عن الكابليِّ: وقد كنت رأيته عند أبي سعيد فذكر أنَّه خرج من كابل مرتاداً طالباً وإنّه وجد صحّة هذا الدِّين في الانجيل وبه اهتدي. فحدثني محمّد بن شاذان بنيسابور قال: بلغني أنَّه قد وصل(1247) فترصّدت له حتّى لقيته فسألته عن خبره فذكر أنَّه لم يزل في الطلب وإنّه أقام بالمدينة فكان لا يذكره لأحد إلّا زجره فلقى شيخاً من بني هاشم وهو يحيى بن محمّد العريضيُّ فقال له: إنَّ الّذي تطلبه بصرياء، قال: فقصدت صرياء وجئت إلى دهليز مرشوش فطرحت نفسي على الدُّكان فخرج إليَّ غلام أسود فزجرني وانتهرني وقال لي: قم من هذا المكان وانصرف، فقلت: لا أفعل فدخل الدّار ثمّ خرج إليَّ وقال: ادخل، فدخلت فإذا مولاي (عليه السلام) قاعدٌ وسط الدّار فلمّا نظر إلىَّ سمَّاني باسم له يعرفه أحد إلّا أهلي بكابل وأجرى لي أشياء، فقلت له: إنَّ نفقتي قد ذهبت فمر لي بنفقة، فقال لي: أما أنّها ستذهب منك بكذبك واعطاني نفقة فضاع منّي ما كان معي وسلم ما أعطاني، ثمَّ انصرفت السنة الثانية ولم أجد في الدَّار أحداً.
19 - حدَّثني أبي رضي الله عنه قال: حدَّثني سعد بن عبد الله قال: حدّثني عليُّ بن محمّد بن إسحاق الاشعريُّ قال: كانت لي زوجة من الموالي قد كنت هجرتها دهراً فجاءتني فقالت: إن كنت قد طلّقتني فأعلمني، فقلت لها: لم اُطلّقك ونلت منها في هذا اليوم فكتبت إليَّ بعد أشهر تدَّعي أنّها حامل، فكتبت في أمرها وفي دار كان صهري أوصى بها للغريم (عليه السلام) أسأل أن يباع منّي وأن ينجمّ عليَّ ثمنها(1248) فورد الجواب في الدَّار (قد اعطيت ما سألت) وكفَّ عن ذكر المرأة والحمل، فكتبت إلي المرأة بعد ذلك تعلمني أنّها كتبت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1247) يعني إلى الحضرة (عليه السلام).
(1248) أي يقرر أداءه في اوقات معلومة متتابعة نجوما لا دفعة واحدة.
بباطل وأنَّ الحمل لا أصل له، والحمد لله ربِّ العالمين.
20 - حدَّثنا أبي رضي الله عنه، عن سعد بن عبد الله قال: حدَّثني أبو عليٍّ المتّيليُّ(1249) قال: جاءني أبو جعفر فمضى بي إلي العبّاسيّة وأدخلني خربة وأخرج كتاباً فقرأه عليَّ فإذا فيه شرح جميع ما حدث على الدَّار وفيه (أنَّ فلانة - يعني امُّ عبد الله - تؤخذ بشعرها وتخرج من الدّار ويحدر بها إلى بغداد، فتقعد بين يدي السّلطان - وأشياء ممّا يحدث) ثمّ قال لي: احفظ، ثمَّ مزق الكتاب وذلك من قبل أن يحدّث ما حدث بمدَّة.
21 - قال(1250): وحدّثني أبو جعفر المروزيُّ، عن جعفر بن عمرو قال: خرجت إلى العسكر وامُّ أبي محمّد (عليه السلام) في الحياة ومعي جماعة، فوافينا العسكر فكتب أصحابي يستأذنون في الزيارة من داخل باسم رجل رجل، فقلت: لا تثبتوا اسمي فإني لا أستأذن فتركوا اسمي فخرج الاذن (ادخلوا ومن أبى أن يستأذن).
22 - قال: وحدّثني أبو الحسن جعفر بن أحمد قال: كتب إبراهيم بن محمّد بن الفرج الرُّخجيِّ في أشياء وكتب في مولود ولد له يسأل أن يسمّى، فخرج إليه الجواب فيما سأل ولم يكتب إليه في المولود شيء، فمات الولد، والحمد لله ربِّ العالمين.
قال: وجرى بين قوم من أصحابنا مجتمعين على كلام في مجلس فكتب إلى رجل منهم شرح ما جرى في المجلس.
23 - قال: وحدّثني العاصمي أنَّ رجلاً تفكر في رجل يوصل إليه ما وجب للغريم (عليه السلام) وضاق به صدره، فسمع هاتفاً يهتف به: (أوصل ما معك إلى حاجز).
قال: وخرج أبو محمّد السرويُّ إلى سرّ من رأى ومعه مال فخرج إليه ابتداء (فليس فينا شكٌّ ولا فيمن يقوم مقامنا شكٌّ وردَّ ما معك إلى حاجز).
24 - قال: وحدّثني أبو جعفر قال: بعثنا مع ثقة من ثقات إخواننا إلى العسكر شيئاً فعمد الرَّجل فدسَّ فيما معه رقعة من غير علمنا فردَّت عليه الرُّقعة من غير جواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1249) في بعض النسخ (المسلي) وفي بعضها (النيلي).
(1250) يعني سعد بن عبد الله.
قال(1251) أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الكنديُّ قال: قال لي أبو طاهر البلاليُّ: التوقيع الّذي خرج إليَّ من أبي محمّد (عليه السلام) فعلقوه في الخلف بعده وديعة في بيتك، فقلت له: احب أن تنسخ لي من لفظ التوقيع ما فيه، فأخبر أبا طاهر بمقالتي(1252) فقال له: جئني به حتّى يسقط الاسناد بيني وبينه، فخرج إليَّ من أبي محمّد (عليه السلام) قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثمّ خرج إلي بعد مضيه بثلاثة أيّام يخبرني بذلك(1253) فلعن الله من جحد أولياء الله حقوقهم وحمل النّاس على أكتافهم، والحمد لله كثيراً.
25 - قال: وكتب جعفر بن حمدان: فخرجت إليه هذه المسائل: (استحللت بجارية وشرطت عليها أن لا أطلب ولدها ولا الزمها منزلي، فلمّا أتى لذلك مدَّة قالت لي: قد حبلت، فقلت لها: كيف ولا أعلم أنّي طلبت منك الولد؟ ثمّ غبت وانصرفت وقد أتت بولد ذكر فلم انكره ولا قطعت عنها الاجراء والنفقة، ولي ضيعة قد كنت قبل أن تصير إليَّ هذه المرأة سبّلتها على وصاياي وعلي سائر ولدي على أنَّ الامر في الزِّيادة والنقصان منه إليَّ أيّام حياتي، وقد أتت هذه بهذا الولد، فلم الحقه في الوقف المتقدم المؤبد، وأوصيت أنَّ حدث بي حدث الموت أن يجري عليه ما دام صغيراً فإذا كبر اعطي من هذه الضيعة جملة مائتي دينار غير مؤبّد ولا يكون له ولا لعقبه بعد إعطائه ذلك في الوقف شيء، فرأيك أعزك الله في إرشادي فيما عملته وفي هذا الولد بما أمتثله والدُّعاء لي بالعافية وخير الدُّنيا والاخرة)؟
جوابها: (وأمّا الرَّجل الّذي استحلَّ بالجارية وشرط عليها أن لا يطلب ولدها فسبحان من لا شريك له في قدرته، شرطه على الجارية(1254) شرط على الله (عزَّ وجلَّ) هذا ما لا يؤمن أن يكون، وحيث عرف في هذا الشكَّ وليس يعرف الوقت الّذي أتاها فيه فليس ذلك بموجب البراءة في ولده، وأمّا إعطاء المائتي دينار وإخراجه [إيّاه وعقبه] من الوقف فالمال ماله فعل فيه ما أراد). قال أبو الحسين: حسب الحساب قبل المولود فجاء الولد مستويا(1255).
وقال: وجدت في نسخة أبي الحسن الهمدانيّ: أتاني - أبقاك الله - كتابك والكتاب الّذي أنفذته وروى هذا التوقيع الحسن بن عليّ بن إبراهيم، عن السياري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1251) كلام سعد بن عبد الله، أو علان الكلينيُّ الساقط في السند على ما استظهرناه. وكذا قوله (فقلت له) فيما يأتي وضمير (له) راجع إلى الحسين. وكذا المستتر في قوله (فأخبر) فيما يأتي.
(1252) في بعض النسخ (بمسألتي).
(1253) حاصل المعنى أنَّ الحسين بن اسماعيل سمع من البلالي أنَّه قال: التوقيع الّذي خرج إلى من أبي محمّد (عليه السلام) في أمر الخلف القائم هو من جملة ما أودعتك في بيتك - وكان قد أودعه أشياء كان في بيته - فأخبر الحسين سعداً بما سمع منه فقال سعد للحسين: احب أن ترى التوقيع الّذي عنده وتكتب لى من لفظه، فاخبر الحسين أبا طاهر بمقالة سعد، فقال أبو طاهر: جئني بسعد حتي يسمع منّي بلا واسطة، فلمّا حضره أخبره بالتوقيع. كما قال العلامة المجلسي في البحار وأيد بيانه بالخبر المروي في الكافي ج 1 ص 328 باب الاشارة والنص على صاحب الدّار تحت رقم 1. حيث روى هذا التوقيع عن عليّ بن بلال.
(1254) في بعض النسخ (شرطه في الجارية - الخ). وفي بعض النسخ (شرط على الجارية شرطاً على الله) وفي بعضها (شرط على الجارية شرط على الله) وكذا في البحار وقال المجلسي (ره): شرط على الجارية مبتدأ و(شرط على الله) خبره أو هما فعلان والاول استفهام انكاري. وما اخترناه في المتن معناه ظاهر.
(1255) الظاهر أنَّ الرَّجل حسب حسابه التقديري قبل ميلاد الولد، فجاء الولد حسبما قدره فعرف أنَّه ولده. والله أعلم.
26 - وكتب عليُّ بن محمّد الصيمريُّ رضي الله عنه يسأل كفناً فورد (إنَّه يحتاج إليه سنة ثمانين أو إحدي وثمانين). فمات رحمه الله في الوقت الّذي حدَّه وبعث إليه بالكفن قبل موته بشهر.
27 - [حدَّثنا عليُّ بن أحمد بن مهزيار] قال: حدَّثني أبو الحسين محمّد بن جعفر الاسديُّ قال: حدَّثنا أحمد بن إبراهيم قال: دخلت على حكيمة(1256) بنت محمّد بن عليٍّ الرِّضا اخت أبي الحسن العسكريِّ (عليهم السلام) في سنّة اثنين وثمانين بالمدينة فكلّمتها من وراء الحجاب وسألتها عن دينها فسمّت لي من تأتمُّ به، ثمَّ قالت: فلان بن الحسن (عليه السلام) فسمّته، فقلت لها: جعلني الله فداك معاينة أو خبراً؟ فقالت: خبراً عن أبي محمّد (عليه السلام) كتب به إلى امّه، فقلت لها: فأين المولود؟(1257) فقالت: مستور، فقلت: فالى من تفزع الشيعة؟ فقالت: إلى الجدَّة امِّ أبي محمّد (عليه السلام) فقلت لها: أقتدي بمن وصيّته إلى المرأة؟(1258) فقالت: اقتداء بالحسين بن عليٍّ بن أبي طالب (عليهما السلام) إنَّ الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) أوصى إلى اخته زينب بنت عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في الظاهر، وكان ما يخرج عن عليِّ بن الحسين من علم ينسب إلي زينب بنت على تستّرا على عليِّ بن الحسين، ثمّ قالت: إنّكم قوم أصحاب أخبار، وأمّا رويتم أنَّ التاسع من ولد الحسين (عليه السلام) يقسم ميراثه وهو في حياة(1259).
28 - وحدَّثنا أبو جعفر محمّد بن عليّ الأسود رضي الله عنه قال: كنت أحمل الأموال الّتي تجعل في باب الوقف إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان العمريّ رضي الله عنه فيقبضها منّي، فحملت إليه يوماً شيئاً من الأموال في آخر ايامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين فأمرني بتسليمه إلى أبي القاسم الرُّوحي رضي الله عنه وكنت اطالبه بالقبوض فشكا ذلك إلى أبي جعفر العمريِّ رضي الله عنه فأمرني أن لا اطالبه بالقبض(1260)، وقال: كلّما وصل إلى أبي القاسم وصل إليَّ، قال: فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا اطالبه بالقبوض.
قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: الدّلالة في هذا الحديث هي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1256) في بعض النسخ (حليمة) وفي بعضها (خديجة).
(1257) في بعض النسخ (فأين الولد).
(1258) في بعض النسخ (اقتدأتم في وصيته بامرأة).
(1259) لا مناسبة بين هذا الحديث وما يأتي وبين عنوان الباب.
(1260) في بعض النسخ (بالقبوض).
في المعرفة بمبلغ ما يحمل إليه والاستغناء عن القبوض ولا يكون ذلك إلّا عن أمر الله (عزَّ وجلَّ).
29 - وحدّثنا أبو جعفر محمّد بن عليٍّ الأسود رضي الله عنه أنَّ أبا جعفر العمريَّ حفر لنفسه قبراً وسوّاه بالساج، فسألته عن ذلك، فقال: للنّاس أسباب، ثمَّ سألته بعد ذلك فقال: قد امرت أن أجمع أمري. فمات بعد ذلك بشهرين رضي الله عنه.
30 - وحدَّثنا أبو جعفر محمّد بن عليٍّ الأسود رضي الله عنه قال: دفعت إليَّ امرأة سنّة من السنين ثوباً وقالت: احمله إلى العمريِّ رضي الله عنه، فحملته مع ثياب كثيرة، فلمّا وافيت بغداد أمرني بتسليم ذلك كلّه إلى محمّد بن العبّاس القمّيِّ، فسلّمته ذلك كلّه ما خلا ثوب المرأة. فوجّه إليَّ العمريُّ رضي الله عنه وقال: ثوب المرأة سلمه إليه، فذكرت بعد ذلك أنَّ امرأة سلّمت إليَّ ثوباً وطلبته فلم أجده، فقال لي: لا تغتمَّ فانّك ستجده فوجدته بعد ذلك، ولم يكن مع العمريِّ رضي الله عنه نسخة ما كان معي.
31 - وحدَّثنا أبو جعفر محمّد بن عليّ الأسود رضي الله عنه قال: سألني عليُّ بن الحسين بن موسى بن بابويه رضي الله عنه بعد موت محمّد بن عثمان العمريِّ رضي الله عنه أن أسأل أبا القاسم الرُّوحيّ أن يسأل مولانا صاحب الزَّمان (عليه السلام) أن يدعو الله (عزَّ وجلَّ) أن يرزقه ولداً ذكراً قال: فسألته فأنهى ذلك، ثمّ أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيّام أنَّه قد دعا لعليِّ بن الحسين وأنّه سيولد له ولد مبارك ينفع [الله] به وبعده أولاد.
قال أبو جعفر محمّد بن عليٍّ الأسود رضي الله عنه وسألته في أمر نفسي أن يدعو الله لي أن يرزقني ولداً ذكراً فلم يجبني إليه وقال: ليس إلى هذا سبيل، قال: فولد لعليِّ بن الحسين رضي الله عنه محمّد بن عليٍّ وبعده أولاد(1261)، ولم يولد لي شيء.
قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: كان أبو جعفر محمّد بن عليّ الأسود رضي الله عنه كثيراً ما يقول لي إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1261) في بعض النسخ (فولد لعليّ بن الحسين (ره) تلك السنة ابنه محمّد وبعده أولاد).
محمّد بن الحسن بن أحمد ابن الوليد رضي الله عنه، وأرغب في كتب العلم وحفظه -: ليس بعجب أن تكون لك هذه الرَّغبة في العلم، وأنت ولدت بدعاء الامام (عليه السلام).
32 - حدَّثنا أبو الحسين صالح بن شعيب الطالقانيُّ رضي الله عنه في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة قال: حدَّثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن مخلّد قال: حضرت بغداد عند المشايخ رضي الله عنهم فقال الشيخ أبو الحسن عليُّ بن محمّد السمري قدَّس الله روحه ابتداء منه: (رحم الله عليَّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي) قال: فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم فورد الخبر أنَّه توفّي ذلك اليوم، ومضى أبو الحسن السمريُّ رضي الله عنه بعد ذلك في النصف من شعبان سنّة ثمان وعشرين وثلاثمائة.
33 - أخبرنا محمّد بن عليِّ بن متّيل، عن عمّه جعفر بن محمّد بن متيل(1262) قال: لمّا حضرت أبا جعفر محمّد بن عثمان العمريّ السمّان رضي الله عنه الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسائله واحدِّثه، وأبو القاسم الحسين بن روح، فالتفت إليَّ ثمّ قال لي: قد امرت أن أوصى إلى أبى القاسم الحسين بن روح قال: فقمت من عند رأسه(1263) وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحوّلت عند رجليه.
34 - وأخبرنا محمّد بن عليِّ بن متّيل قال: كانت امرأة يقال لها: زينب من أهل آبة، وكانت امرأة محمّد بن عبديل الابيَّ معها ثلاثمائة دينار فصارت إلى عمّي جعفر ابن محمّد بن متّيل وقالت: اُحبُّ أن اسلّم هذا المال من يد إلى يد أبي القاسم بن روح قال: فأنفذني معها اترجم عنها، فلمّا دخلت على أبي القاسم رضي الله عنه أقبل يكلّمها بلسان آبيٍّ فصيح فقال لها: (زينب! چونا، خويذا، كوابذا، چون استه)(1264) ومعناه كيف أنت؟ وكيف كنت؟ وما خبر صبيانك(1265)؟ قال: فاستغنت عن الترجمة وسلمت المال ورجعت.
35 - وأخبرنا محمّد بن عليِّ بن متّيل قال: قال عمّي جعفر بن محمّد بن متّيل: دعاني أبو جعفر محمّد بن عثمان السمّان المعروف بالعمريّ رضي الله عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1262) كذا وفي بعض النسخ وفي غيبة الشيخ (جعفر بن أحمد بن متيل).
(1263) في بعض النسخ (فقمت من مكاني).
(1264) لسان آوجى محلى معناه بالفارسية الدارجة اليوم (چطورى، خوشى، كجابودي، بچه هايت چطورند).
(1265) في بعض النسخ (كيف أنت؟ وكيف مكثت؟ وما خبر صبيانك؟).
فأخرج إليَّ ثويبات مُعلّمَة وصرَّة فيها دراهم، فقال لي: يحتاج أن تصير بنفسك إلى واسط في هذا الوقت وتدفع ما دفعت إليك إلى أول رجل يلقاك عند صعودك من المركب إلى الشط بواسط، قال: فتداخلني من ذلك غم شديد، وقلت مثلي يرسل في هذا الامر ويحمل هذا لشيء الوتح؟(1266).
قال: فخرجت إلى واسط وصعدت من المركب فأوَّل رجل يلقاني سألته عن الحسن بن محمّد بن قطاة الصيدلاني(1267) وكيل الوقف بواسط فقال: أنا هو، من أنت؟ فقلت: أنا جعفر بن محمّد بن متّيل، قال: فعرفني باسمي وسلّم عليَّ وسلمت عليه، وتعانقنا، فقلت له: أبو جعفر العمريُّ يقرأ عليك السلام ودفع إليَّ هذه الثويبات وهذه الصرَّة لاسلّمها إليك، فقال: الحمد لله فإنَّ محمّد بن عبد الله الحائريَّ(1268) قد مات وخرجت لاصلاح كفنه، فحل الثياب وإذا فيها ما يحتاج إليه من حبر وثياب وكافور في الصرة، وكرى الحمّالين والحفّار، قال: فشيّعنا جنازته وانصرفت.
36 - وأخبرنا أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى العلويّ ابن أخي طاهر ببغداد طرف سوق القطن في داره، قال: قدم أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عليٍّ العقيقيُّ ببغداد في سنة ثمان وتسعين ومائتين إلى عليِّ بن عيسى بن الجرَّاح وهو يومئذ وزير في أمر ضيعة له، فسأله. فقال له: إنَّ أهل بيتك في هذا البلد كثيرٌ فإن ذهبنا نعطي كلما سألونا طال ذلك. - أو كما قال - فقال له العقيقي: فإني أسأل من في يده قضاء حاجتي، فقال له عليُّ بن عيسى: من هو؟ فقال: الله (عزَّ وجلَّ)، وخرج مغضباً، قال: فخرجت وانا أقول: في الله عزاء من كلِّ هالك، ودرك من كلِّ مصيبة.
قال: فانصرفت فجاءني الرَّسول من عند الحسين بن روح رضي الله عنه وأرضاه فشكوت إليه فذهب من عندي فأبلغه فجاءني الرَّسول بمائة درهم عدداً ووزناً ومنديل وشيء من حنوط وأكفان، وقال لي: مولاك يقرئك السلام ويقول لك: إذا أهمّك أمر أو غم فامسح بهذا المنديل وجهك، فإنَّ هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1266) الوتح - بالتحريك وككتف -: القليل التافه من الشيء.
(1267) الصيدلان قرية من قرى الواسط.
(1268) في بعض النسخ (العامري).
منديل مولاك (عليه السلام)، وخذ هذه الدَّراهم وهذا الحنوط وهذه الاكفان وستقضى حاجتك في ليلتك هذه، وإذا قدمت إلى مصر يموت محمّد بن إسماعيل من قبلك بعشرة أيّام، ثمَّ تموت بعده فيكون هذا كفنك وهذا حنوطك وهذا جهازك.
قال: فأخذت ذلك وحفظته وانصرف الرَّسول وإذا أنا بالمشاعل على بابي والباب يدقّ، فقلت لغلامي (خير): يا خير انظر أيَّ شيء هو ذا؟ فقال خير: هذا غلام حميد بن محمّد الكاتب ابن عم الوزير فأدخله إلي فقال لي: قد طلبك الوزير ويقول لك مولاي حميد: اركب إليَّ، قال: فركبت [وخبت الشوارع والدُّروب] وجئت إلى شارع الرَّزَّازين(1269) فإذا بحميد قاعد ينتظرني، فلمّا رآني أخذ بيدي وركبنا فدخلنا على الوزير، فقال لي الوزير: يا شيخ قد قضى الله حاجتك واعتذر إليَّ ودفع إلي الكتب مكتوبة مختومة قد فرغ منها، قال: فأخذت ذلك وخرجت.
قال أبو محمّد الحسن بن محمّد فحدّثنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد العقيقيُّ رحمه الله بنصيبين بهذا وقال لي: ما خرج هذا الحنوط إلّا لعمّتي فلانة لم يسمّها، وقد نعيت إليَّ نفسي(1270) ولقد قال لي الحسين بن روح رضي الله عنه: إنّي املّك الضيعة وقد كتب لي(1271) بالّذي أردت، فقمت إليه وقبّلت رأسه وعينيه، وقلت: يا سيّدي أرني الاكفان والحنوط والدّراهم، قال: فأخرج إلىَّ الاكفان وإذا فيها برد حبرة مسهم(1272) من نسيج اليمن وثلاثة أثواب مرويٍّ(1273) وعمامة، وإذا الحنوط في خريطة واخرج إليَّ الدَّراهم فعددتها مائة درهم [و] وزنها مائة درهم، فقلت: يا سيّدي: هب لي منها درهما أصوغه خاتماً، قال: وكيف يكون ذلك خذ من عندي ما شئت، فقلت: اريد من هذه وألححت عليه، وقبلت رأسه وعينيه، وفأعطاني درهماً فشددته في منديل وجعلته في كمي، فلمّا صرت إلى الخان فتحت زنفيلجة(1274) معي وجعلت المنديل في الزَّنفيلجة وقيد الدِّرهم مشدود وجعلت كتبي ودفاتري فوقه، وأقمت أيّاماً، ثمَّ جئت أطلب الدِّرهم فإذا الصرَّة مصرورة بحالها ولا شيء فيها،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1269) في بعض النسخ (فركبت وفتحت الشوارع والدروب وجئت إلى شارع الوزانين).
(1270) كذا في البحار نقلا عن الغيبة للطوسي (ره) فيحتمل أن تكون عمته في بيت الحسين بن روح فخرج إليها. وفي بعض النسخ من الاكمال و(وقد بغيته لنفسي) والمعنى ما خرج هذا الحنوط أولا الالعمتى ثمّ طلبت حنوطا لنفسي فخرج مع الكفن والدراهم.
(1271) على بناء المجهول ليكون حالا عن ضمير (املك) أو تصديقاً لمّا أخبر به أو على بناء المعلوم فالضمير المرفوع راجع إلى الحسين أي وقد كان كتب مطلبي إليه (ع) فلمّا خرج أخبرني به قبل رد الضيعة.
(1272) المسهم: المخطط.
(1273) في بعض النسخ (فروى).
(1274) معرب (زنبيلچه).
فأخذني شبه الوسواس فصرت إلى باب العقيقي فقلت لغلامه خير: اريد الدخول إلى الشيخ، فأدخلني إليه فقال لي: مالك؟ فقلت: يا سيّدي الدِّرهم الّذي أعطيتني إيّاه ما أصبته في الصرَّة فدعا بالز نفيلجة وأخرج الدَّراهم فإذا هي مائة درهم عدداً ووزناً، ولم يكن معي أحد أتهمته. فسألته في رده إلي فأبى، ثمَّ خرج إلى مصر وأخذ الضيعة، ثمّ مات قبله محمّد بن إسماعيل بعشرة أيّام [كما قيل] ثمّ توفّي رضي الله عنه وكفن في الاكفان الّذي دفعت إليه.
حدَّثنا عليُّ بن الحسين بن شاذويه المؤدِّب رضي الله عنه قال: حدَّثنا محمّد بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن جعفر الحميريِّ قال: حدّثني محمّد بن جعفر قال: حدّثني أحمد بن إبراهيم قال: دخلت على حكيمة بنت محمّد بن عليّ الرِّضا، اخت أبي الحسن صاحب العسكر (عليهم السلام) في سنه اثنتين وستين ومائتين فكلّمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسمّت لي من تأتم بهم، ثمّ قالت: والحجة ابن الحسن بن عليّ فسمّته، فقلت لها: جعلني الله فداك معاينة أو خبراً؟ فقالت خبراً عن أبي محمّد (عليه السلام) كتب به إلى امّه، فقلت لها: فأين الولد؟ فقالت: مستور، فقلت: إلى من تفزع الشيعة؟ فقالت [لي] إلى الجدَّة اُمِّ أبي محمّد (عليه السلام) فقلت لها: أقتدي بمن وصيّته إلى امرأة؟ فقالت: اقتداء بالحسين بن عليّ (عليهما السلام) فإنَّ الحسين بن عليّ (عليهما السلام) أوصى إلى اخته زينب بنت عليّ في الظاهر فكان ما يخرج عن عليّ بن الحسين (عليهما السلام) من علم ينسب إلى زينب ستراً على عليِّ بن الحسين (عليهما السلام)، ثمَّ قالت: إنّكم قوم أصحاب أخبار أما رويتم أنَّ التاسع من ولد الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) يقسم ميراثه وهو في الحياة(1275).
37 - حدَّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيُّ رضي الله عنه قال: كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدَّس الله روحه مع جماعة فيهم عليُّ بن عيسى القصريُّ فقام إليه رجلٌ فقال له: إنّي اريد أن أسألك عن شيء، فقال له: سل عمّا بدا لك، فقال الرَّجل، أخبرني عن الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) أهو وليُّ الله؟ قال: نعم، قال: أخبرني، عن قاتله أهو عدو الله؟ قال: نعم، قال الرَّجل: فهل يجوز أن يسلط الله (عزَّ وجلَّ) عدوه على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1275) تقدَّم الخبر في ص 501 مع الاختلاف في السند إلى الاسدي. ولا مناسبة له بالباب.
وليّه؟ فقال له أبو القاسم الحسين بن روح قدَّس الله روحه: افهم عنّي ما أقول لك إعلم أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لا يخاطب النّاس بمشاهدة العيان ولا يشافههم بالكلام، ولكنَّه جلَّ جلاله يبعث إليهم رسلا من أجناسهم وأصنافهم بشراً مثلهم، ولو بعث إليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم، فلمّا جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق قالوا لهم: أنتم بشرٌ مثلنا ولا نقبل منكم حتّى تأتوننا بشيء نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنّكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه فجعل الله (عزَّ وجلَّ) لهم المعجزات الّتي يعجز الخلق عنها، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الانذار والاعذار، فغرق جميع من طغى وتمرَّد، ومنهم من ألقي في النّار فكانت برداً وسلاماً، ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى من ضرعها لبناً، ومنهم من فلق له البحر، وفجر له من الحجر العيون، وجعل له العصا اليابسة ثعباناً تلقف ما يأفكون، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله، وأنبأهم بما يأكلون وما يدَّخرون في بيوتهم، ومنهم من انشقَّ له القمر، وكلمته البهائم مثل البعير والذِّئب وغير ذلك.
فلمّا أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق عن أمرهم وعن أن يأتوا بمثله(1276) كان من تقدير الله (عزَّ وجلَّ) ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه (عليهم السلام) مع هذه القدرة والمعجزات في حالة غالبين وفي اُخرى مغلوبين، وفي حال قاهرين وفي اُخرى مقهورين ولو جعلهم الله (عزَّ وجلَّ) في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لا تخذهم النّاس آلهة من دون الله (عزَّ وجلَّ) ولمّا عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار ولكنّه (عزَّ وجلَّ) جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبّرين، وليعلم العباد أنَّ لهم (عليهم السلام) إلهاً هو خالقهم ومدبّرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله، وتكون حجّة الله ثابتة على من تجاوز الحدَّ فيهم وادعى لهم الرُّبوبيّة، أو عاند أو خالف وعصى وجحد بما أتت به الرُّسل والأنبياء (عليهم السلام) (ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيَّ عن بينة).
قال محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه فعدت إلى الشيخ أبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1276) في بعض النسخ (عجز الخلق من اممهم عن أن يأتوا بمثله).
القاسم بن روح قدَّس الله روحه من الغد وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ما لنا يوم أمس من عند نفسه، فابتدأني فقال لي: يا محمّد بن إبراهيم لأن أخَّر من السّماء فتخطفني الطير أو تهوى بي الرِّيح في مكان سحيق أحبُّ إليَّ من أن أقول في دين الله (عزَّ وجلَّ) برأيي أو من عند نفسي، بل ذلك عن الأصل ومسموع عن الحجّة صلوات الله عليه وسلامه.
38 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا أبى قال: حدّثنا محمّد بن شاذان بن نعيم الشاذانيُّ قال: اجتمعت عندي خمسمائة درهم ينقص عشرين درهماً فوزنت من عندي عشرين درهماً ودفعتهما إلى أبي الحسين الاسديِّ رضي الله عنه ولم اعرفه أمر العشرين، فورد الجواب (قد وصلت الخمسمائة درهم الّتي لك فيها عشرون درهماً)(1277).
قال محمّد بن شاذان: أنفذت بعد ذلك مالاً ولم افسّر لمن هو، فورد الجواب (وصل كذا وكذا، منه لفلان كذا ولفلان كذا)
قال: وقال أبو العبّاس الكوفيُّ: حمل رجلٌ مالا ليوصله وأحبُّ أن يقف علي الدّلالة، فوقّع (عليه السلام) (أن استرشدت أرشدت وإن طلبت وجدت، يقول لك مولاك: احمل ما معك) قال الرَّجل: فأخرجت ممّا معي ستّة دنانير بلا وزن وحملت الباقي، فخرج التوقيع (يا فلان ردَّ الستّة دنانير الّتي أخرجتها بالاوزن ووزنها ستّة دنانير وخمسة دوانيق وحبّة ونصف) قال الرَّجل: فوزنت الدَّنانير فإذا هي(1278) كما قال (عليه السلام).
39 - حدّثنا أبو محمّد عمار بن الحسين بن إسحاق الاسروشنيّ رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن الخضر بن أبي صالح الخجندي(1279) رضي الله عنه أنَّه خرج إليه من صاحب الزَّمان (عليه السلام) توقيع بعد إن كان اغري بالفحص والطلب وسار عن وطنه ليتبين له ما يعمل عليه.
وكان نسخة التوقيع (من بحث فقد طلب، ومن طلب فقد دلَّ، ومن دلَّ فقد أشاط، ومن أشاط فقد أشرك) قال: فكف عن الطلب ورجع.
وحكي عن أبي القاسم بن روح - قدَّس الله روحه - أنَّه قال في الحديث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1277) تقدَّم الحديث سابقاً.
(1278) في بعض النسخ (فإذا أنّها) وفي بعضها (فإذا بها).
(1279) في البحار (الجحدري).
الّذي روي في أبي طالب أنَّه أسلم بحساب الجمل وعقد بيده ثلاثة وستّين أنَّ معناه إله احدٌ جوادٌ(1280).
40 - حدّثنا أحمد بن هارون القاضي(1281) رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله ابن جعفر الحميريُّ، عن أبيه، عن إسحاق بن حامد الكاتب قال: كان بقم رجلٌ بزَّاز مؤمن وله شريك مرجئي فوقع بينهما ثوب نفيس فقال المؤمن: يصلح هذا الثوب لمولاي، فقال له شريكه: لست أعرف مولاك، ولكن افعل بالثوب ما تحبُّ، فلمّا وصل الثوب إليه شقّه (عليه السلام) بنصفين طولاً فأخذ نصفه وردَّ النصف، وقال: لا حاجة لنا في مال المرجئيِّ.
41 - قال عبد الله بن جعفر الحميريُّ: وخرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمّد ابن عثمان العمريِّ في التعزية بأبيه رضي الله عنهما في فصل من الكتاب (إنّا لله وإنّا إليه راجعون تسليماً لأمره ورضاء بقضائه، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام)، فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقرّ به إلى الله (عزَّ وجلَّ) وإليهم، نضّر الله وجهه وأقاله عثرته).
وفي فصل آخر: (أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء، رزئت ورزئنا واوحشك فراقه وأوحشنا، فسرَّه الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله (عزَّ وجلَّ) ولداً مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحّم عليه، وأقول: الحمد لله، فإنَّ الانفس طيبة بمكانك وما جعله الله (عزَّ وجلَّ) فيك وعندك، أعانك الله وقوّاك وعضدك ووفقك، وكان الله لك وليّاً وحافظاً وراعياً وكافياً ومعيناً).
توقيع من صاحب الزَّمان (عليه السلام)
كان خرج إلى العمري وابنه رضي الله عنهما رواه سعد بن عبد الله.
42 - قال الشيخ أبو عبد الله جعفر رضي الله عنه: وجدته مثبتاً عنه رحمه الله (وفّقكما الله لطاعته، وثبّتكما على دينه، وأسعدكما بمرضاته، إنتهى إلينا ما ذكرتما أنَّ الميثميَّ(1282) أخبركما عن المختار ومناظراته من لقى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1280) سيأتي مسنداً ص 519.
(1281) في بعض النسخ (أحمد بن هارون الفامي).
(1282) في النسخ (الهيثمي).
واحتجاجه بأنّه لا خلف غير جعفر بن عليٍّ وتصديقه إيّاه وفهمت جميع ما كتبتما به ممّا قال أصحابكما عنه وأنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء، ومن الضّلالة بعد الهدى، ومن موبقات الاعمال ومرديات الفتن(1283)، فإنّه (عزَّ وجلَّ) يقول (ألم أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)(1284)، كيف يتساقطون في الفتنة، ويتردَّدون في الحيرة، ويأخذو يميناً وشمالاً، فارقوا دينهم، وأم ارتابوا، أم عاندوا الحق، أم جهلوا ما جاءت به الرِّوايات الصادقة والاخبار الصحيحة، أو علموا ذلك فتناسوا ما يعلمون إنَّ الأرض لا تخلو من حجّة إما ظاهراً وأمّا مغموراً.
أو لم يعلموا انتظام أئمّتهم بعد نبيّهم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واحداً بعد واحد إلى أن أفضى الامر بأمر الله (عزَّ وجلَّ) إلى الماضي - يعني الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) - فقام مقام آبائه (عليهم السلام) يهدي إلى الحقِّ وإلى طريق مستقيم، كانوا نوراً ساطعاً، وشهاباً لامعاً، وقمراً زاهراً، ثمّ اختار الله (عزَّ وجلَّ) له ما عنده فمضى على منهاج آبائه (عليهم السلام) حذو النعل بالنعل على عهد عهده، ووصيّة أوصى بها إلى وصيٍّ ستره الله (عزَّ وجلَّ) بأمره إلى غاية وأخفى مكانه بمشيئة للقضاء السابق والقدر النافذ، وفينا موضعه، ولنا فضله، ولو قد أذن الله (عزَّ وجلَّ) فيما قد منعه عنه وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه لاراهم الحق ظاهراً بأحسن حلية، وأبين دلالة، وأوضع علامة، ولا بان عن نفسه وقام بحجّته ولكن أقدار الله (عزَّ وجلَّ) لا تغالب وإرادته لا تردُّ وتوفيقه لا يسبق، فليدعوا عنهم اتّباع الهوى وليقيموا على أصلهم الّذي كانوا عليه، ولا يبحثوا عمّا ستر عنهم فيأثموا، ولا يكشفوا ستر الله (عزَّ وجلَّ) فيندموا، وليعلموا أنَّ الحق معنا وفينا، لا يقول ذلك سوانا إلّا كذَّاب مفتر، ولا يدَّعيه غيرنا إلّا ضالٌّ غويٌّ، فليقتصروا منّا على هذه الجملة دون التفسير، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله.
(الدعاء في غيبة القائم (عليه السلام))
43 - حدّثنا أبو محمّد الحسين بن أحمد المكتب قال: حدّثنا أبو عليٍّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بن همّام بهذا الدُّعاء، وذكر أنَّ الشيخ العمريَّ قدَّس الله روحه أملاه عليه وأمره أن يدعو به وهو الدُّعاء في غيبة القائم (عليه السلام).
(اللّهمّ عرِّفني نفسك، فانّك إن لم تعرِّفني نفسك لم أعرف نبيّك(1285)، اللّهمّ عرفني نبيّك فانّك إن لم تعرِّفني نبيك لم أعرف حجّتك، اللّهمّ عرفني حجّتك فانّك إن لم تعرِّفني حجّتك ضللت عن ديني، اللّهمّ لا تمتني ميتة جاهليّة، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، اللّهمّ فكما هديتني بولاية من فرضت طاعته عليّ من ولاة أمرك بعد رسولك صلوات الله عليه وآله حتّى واليت ولاة أمرك أمير المؤمنين والحسن والحسين وعليّاً ومحمداً وجعفراً وموسى وعليّاً ومحمّداً وعليّاً والحسن والحجّة القائم المهديَّ صلوات الله عليهم أجمعين، اللّهمَّ فثبّتني على دينك واستعملني بطاعتك، وليّن قلبي لوليِّ أمرك، وعافني ممّا امتحنت به خلقك، وثبّتني على طاعة وليِّ أمرك الّذي سترته عن خلقك، فبإذنك غاب عن بريّتك، وأمرك ينتظر وأنت العالم غير معلّم بالوقت الّذي فيه صلاح أمر وليك في الاذن له بإظهار أمره وكشف ستره، فصبّرني على ذلك حتّى لا احبَّ تعجيل ما أخّرت ولا تأخير ما عجلت، ولا أكشف عمّا سترته، ولا أبحث عمّا كتمته، ولا انازعك في تدبيرك، ولا أقول: لم وكيف؟ وما بال وليُّ الامر(1286) لا يظهر؟ وقد امتلأت الأرض من الجور؟. وأفوِّض اموري كلّها إليك.
اللّهمَّ إنّي أسألك أن تريني وليَّ أمرك ظاهراً نافذا لامرك مع علمي بأنَّ لك السّلطان والقدرة والبرهان والحجّة والمشيئة والارادة والحول والقوَّة، فافعل ذلك بي وبجميع المؤمنين حتّى ننظر إلى وليّك صلواتك عليه وآله ظاهر المقالة، واضح الدّلالة، هادياً من الضّلالة، شافياً من الجهالة، أبرز يا ربّ مشاهده، وثبّت قواعده، واجعلنا ممّن تقر عينه برؤيته، وأقمنا بخدمته، وتوفّنا على ملته، واحشرنا في زمرته.
اللَّهمّ أعذه من شرِّ جميع ما خلقت وبرأت وذرأت وأنشأت وصوَّرت واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته بحفظك الّذي لا يضيع من حفظته به، واحفظ فيه رسولك ووصيَّ رسولك. اللّهمَّ ومدَّ في عمره، وزد في أجله وأعنه على ما أوليته واسترعيته، وزد في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1285) في بعض النسخ (رسولك) وكذا ما يأتي.
(1286) في بعض النسخ (ولى أمر الله).
كرامتك له فانّه الهاديُّ والمهتدي والقائم المهدي، الطاهر التقيُّ النقي الزَّكيُّ والرَّضيُّ المرضيُّ، الصابر المجتهد الشكور.
اللّهمَّ ولا تسلبنا اليقين لطول الأمد في غيبته وانقطاع خبره عنّا، ولا تُنسنا ذكره وانتظاره والايمان وقوَّة اليقين في ظهوره والدُّعاء له والصلاة عليه حتّى لا يقنطنا طول غيبته من ظهوره وقيامه، ويكون يقيننا في ذلك كيقيننا في قيام رسولك صلواتك عليه وآله، وما جاء به من وحيك وتنزيلك، وقوِّ قلوبنا على الايمان به حتّى تسلك بنا على يده منهاج الهدى والحجّة العظمى، والطريقة الوسطى، وقوِّنا على طاعته، وثبّتنا على متابعته(1287) واجعلنا في حزبه وأعوانه وأنصاره، والرَّاضين بفعله(1288) ولا تسلبنا ذلك في حياتنا ولا عند وفاتنا حتّى تتوفّانا ونحن على ذلك غير شاكّين ولا ناكثين ولا مرتابين ولا مكذِّبين.
اللّهمّ عجّل فرجه وأيده بالنصر، وانصر ناصريه، واخذل خاذليه، ودمّر على من(1289) نصب له وكذب به، وأظهر به الحقِّ، وأمت به الباطل(1290)، واستنقذ به عبادك المؤمنين من الذُّلِّ، وانعش به البلاد(1291)، واقتل به جبابرة الكفر، واقصم به رؤوس الضلالة، وذلّل به الجبّارين والكافرين، وأبر(1292) به المنافقين والناكثين وجميع المخالفين والملحدين في مشارق الأرض ومغاربها، وبرِّها وبحرها، وسهلها وجبلها حتّى لا تدع منهم ديّاراً ولا تبقي لهم آثاراً، وتطهر منهم بلادك، واشف منهم صدور عبادك، وجدِّد به ما امتحى من دينك(1293)، وأصلح به ما بُدِّل من حكمك، وغير من سنتك حتّى يعود دينك به وعلى يديه غضّاً(1294) جديداً صحيحاً لا عوج فيه ولا بدعة معه حتّى تطفيء بعدله نيران الكافرين، فإنه عبدك الّذي استخلصته لنفسك وارتضيته لنصرة نبيّك، واصطفيته بعلمك، وعصمته من الذُّنوب وبرَّأته من العيوب، وأطلعته على الغيوب، وأنعمت عليه وطهّرته من الرِّجس ونقيته من الدنس.
اللّهمَّ فصل عليه وعلى آبائه الأئمّة الطاهرين، وعلى شيعتهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1287) في بعض النسخ (على مطايعته). وفي بعضها (على مشايعته).
(1288) في بعض النسخ (راغبين بعفله).
(1289) في بعض النسخ (دمدم على من) ودمدم عليه أي أهلكه.
(1290) في بعض النسخ (به الجور).
(1291) نعشه الله أي رفعه، وانتعش العاثر: نهض من عثرته.
(1292) أباره أي أهلكه، والمبير: المهلك. وفي بعض النسخ (أفن).
(1293) أي ما زال وذهب منه.
(1294) الغض: الطري.
المنتجبين، وبلّغهم من آمالهم أفضل ما يأملون، واجعل ذلك منّا خالصاً من كلِّ شكٍّ وشبهة ورياء وسمعة حتي لا نريد به غيرك ولا نطلب به إلّا وجهك.
اللّهمَّ إنّا نشكو إليك فقد نبيّنا، وغيبة وليّنا، وشدَّة الزَّمان علينا، ووقوع الفتن [بنا]، وتظاهر الأعداء [علينا]، وكثرة عدوِّنا، وقلة عددنا.
اللّهمَّ فافرج ذلك بفتح منك تعجّله، ونصر منك تعزه(1295)، وإمام عدل تُظهره إله الحقِّ ربَّ العالمين.
اللّهمَّ إنّا نسألك أن تأذن لوليك في إظهار عدلك في عبادك، وقتل أعدائك في بلادك حتّى لا تدع للجور يا ربّ دعامة إلّا قصمتها ولا بنيّة إلّا أفنيتها، ولا قوَّة إلّا أوهنتها، ولا ركناً إلّا هددته(1296) ولا حدّاً إلّا فللته، ولا سلاحاً إلّا أكللته(1297) ولا راية إلّا نكستها، ولا شجاعاً إلّا قتلته، ولا جيشا إلّا خذلته، وارمهم يا ربّ بحجرك الدَّامغ، واضربهم بسيفك القاطع، وببأسك الّذي لا ترده عن القوم المجرمين، وعذِّب أعداءك وأعداء دينك وأعداء رسولك بيد وليك وأيدي عبادك المؤمنين.
اللّهمَّ اكف وليّك وججّتك في أرضك هول عدوِّه وكدمن كاده، وامكر من مكر به، واجعل دائرة السّوء على من أراد به سُوءاً، واقطع عنه مادَّتهم، وارعب له قلوبهم، وزلزل له أقدامهم، وخذهم جهرة وبغتة، وشدد عليهم عقابك، واخزهم في عبادك، والعنهم في بلادك، وأسكنهم أسفل نارك، وأحط بهم أشدَّ عذابك و، وأصلهم ناراً واحش قبور موتاهم ناراً، وأصلهم حرَّ نارك، فإنّهم أضاعوا الصلاة واتّبعوا الشهوات وأذلوا عبادك.
اللّهمَّ وأحي بوليك القرآن، وأرنا نوره سرمداً لا ظلمة فيه، وأحي به القلوب الميتة، واشف به الصدور الوغرة(1298)، واجمع به الاهواء المختلفة على الحقِّ، وأقم به الحدود المعطّلة والاحكام المهملة حتّى لا يبقى حقّ إلّا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1295) في بعض النسخ (وبصبر منك تيسره).
(1296) الهدة: الهدم والكسر.
(1297) الحد: السيف والفل: الكسر والثلمة. وما يقال بالفارسية (كند شدن وكند كردن) والكلل - بفتح الكاف - بمعناه.
(1298) الوغرة - بالتسكين -: شدة توقد الحر. وفي صدره علىّ وغر أي ضغن والضعن الحقد والعداوة.
ظهر، ولا عدل إلّا زهر، واجعلنا يا ربِّ من أعوانه ومقوِّي سلطانه(1299) والمؤتمرين لأمره، والرَّاضين بفعله، والمسلّمين لأحكامه، وممّن لا حاجة له به إلى التقيّة من خلقك، أنت يا ربّ الّذي تكشف السوء وتجيب المضطرَّ إذا دعاك، وتنجي من الكرب العظيم، فاكشف يا ربّ الضرَّ عن وليّك، واجعله خليفة في أرضك كما ضمنت له.
اللّهمَّ ولا تجعلني من خصماء آل محمّد، ولا تجعلني من أعداء آل محمّد، ولا تجعلني من أهل الحنق والغيظ على آل محمّد، فإني أعوذ بك من ذلك فأعذني، وأستجير بك فأجرني.
اللّهمَّ صل على محمّد وآل محمّد، واجعلني بهم فائزاً عندك في الدُّنيا والاخرة ومن المقربين).
44 - حدّثنا أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتب قال: كنت بمدينة السلام في السنة الّتي توفّي فيها الشيخ عليُّ بن محمّد السمريُّ - قدَّس الله روحه - فحضرته قبل وفاته بأيّام فأخرج إلى النّاس توقيعاً نسخته:
(بسم الله الرّحمن الرحيم يا عليَّ بن محمّد السمريَّ أعظم الله أجر إخوانك فيك فانّك ميت ما بينك وبين ستة أيّام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية(1300) فلا ظهور إلّا بعد إذن الله (عزَّ وجلَّ) وذلك بعد طول الامد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، إلّا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفيانيِّ والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّة إلّا بالله العليِّ العظيم.
قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه. ومضى رضي الله عنه، فهذا آخر كلام سُمع منه.
45 - حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عليّ بن أحمد بن بزرج بن عبد الله بن منصور بن يونس بن برزج صاحب الصادق (عليه السلام) قال: سمعت محمّد بن الحسن الصيرفيَّ الدَّورقيَّ(1301) المقيم بأرض بلخ يقول: أردت الخروج إلى الحجِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1299) في بعض النسخ (وممن يقوى بسلطانه).
(1300) في بعض النسخ (الغيبة التامة).
(1301) في بعض النسخ (الدوري).
وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضّة، فجعلت ما كان معي من الذَّهب سبائك وما كان معي من الفضّة نقراً وكان قد دفع ذلك الماك إليَّ لاُسلِّمه من الشيخ(1302) أبي القاسم الحسين بن روح - قدَّس الله روحه - قال: فلمّا نزلت سرخس ضربت خيمتي على موضع فيه رمل، فجعلت اميّز تلك السبائك والنقر فسقطت سبيكة من تلك السبائك منّي وغاضت في الرَّمل وأنا لا أعلم قال: فلمّا دخلت همدان ميّزت تلك السبائك والنقر مرة أخرى اهتماماً منّي بحفظها ففقدت منها سبيكة وزنها مائة مثقال وثلاثة مثاقيل - أو قال: ثلاثة وتسعون مثقالاً - قال: فسبكت مكانها من مالي بوزنها سبيكة وجعلتها بين السبائك، فلمّا وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح - قدَّس الله روحه - وسلّمت إليه ما كان معي من السبائك والنقر، فمدَّ يده من بين [تلك] السبائك إلى السبيكة الّتي كنت سبكتها من مالي بدلاً ممّا ضاع منّي فرمى بها إليَّ وقال لي: ليست هذه السبيكة لنا وسبيكتنا ضيّعتها بسرخس حيث ضربت خيمتك في الرَّمل فارجع إلى مكانك وانزل حيث نزلت واطلب السبيكة هناك تحت الرَّمل فانّك ستجدها وستعود إلى ههنا فلا تراني.
قال: فرجعت إلى سرخس ونزلت حيث كنت نزلت، فوجدت السبيكة تحت الرَّمل وقد نبت عليها الحشيش، فأخذت السبيكة وانصرفت إلى بلدي، فلمّا كان بعد ذلك حججت ومعي السبيكة فدخلت مدينة السلام وقد كان الشيخ أبو القاسم الحسين ابن روح رضي الله عنه مضى، ولقيت أبا الحسن عليَّ بن محمّد السمريَّ رضي الله عنه فسلّمت السبيكة إليه.
46 - وحدَّثنا أبو جعفر محمّد بن عليّ بن أحمد البرزجيّ قال: رأيت بسرِّ من رأى رجلاً شاباً في المسجد المعروف بمسجد زبيدة في شارع السوق وذكر أنَّه هاشمي من ولد موسى بن عيسى لم يذكر أبو جعفر اسمه وكنت اصلّي فلمّا سلّمت قال لي: أنت قمّيّ أو رازيُّ؟ فقلت: أنا قمّيُّ مجاور بالكوفة في مسجد أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لي: أتعرف دار موسى بن عيسى الّتي بالكوفة؟ فقلت: نعم، فقال: أنا من ولده قال: كان لي أبٌ وله أخوان وكان أكبر الاخوين ذامال ولم يكن للصغير مالٌ، فدخل على أخيه الكبير فسرق منه ستمائة دينار، فقال الاخ الكبير: أدخل على الحسن بن عليّ ابن محمّد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1302) في النسخ (ذلك المال إليه لتسليمه إلى الشيخ).
بن الرِّضا (عليهم السلام) وأسأله أن يلطف للصغير لعله يرد مالي فانه حلو الكلام، فلمّا كان وقت السحر بدا لي في الدُّخول على الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرِّضا (عليهم السلام) قلت: أدخل على أشناس التركي صاحب السّلطان(1303) فأشكو إليه، قال: فدخلت على أشناس التركيّ وبين يديه نردُ يلعب به، فجلست أنتظر فراغه، فجاءني رسول الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) فقال لي: أجب، فقمت معه فلمّا دخلت على الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) قال لي: كان لك إلينا أوَّل اللّيل حاجة، ثمَّ بدالك عنها وقت السحر، إذهب فإنَّ الكيس الّذي أخذ من مالك قدرد ولا تشك أخاك وأحسن إليه وأعطه فإن لم تفعل فابعثه إلينا لنعطيه فلمّا خرج تلقاه غلاماً يخبره بوجود الكيس.
قال أبو جعفر البزرجيُّ: فلمّا كان من الغد حملني الهاشميُّ إلى منزله وأضافني ثمَّ صاح بجارية وقال: يا غزال - أو يا زلال - فإذا أنا بجارية مسنة فقال لها: يا جارية حدِّثي مولاك بحديث الميل والمولود، فقالت: كان لنا طفل وجع، فقالت لي مولاتي: امضي إلى دار الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) فقولي لحكيمة: تعطينا شيء نستشفي به لمولودنا هذا، فلمّا مضيت وقلت كما قال لي مولاي قالت حكيمة(1304): ايتوني بالميل الّذي كحل به المولود الّذي ولد البارحة - تعني ابن الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) - فأُتيت بميل فدفعته إليَّ وحملته إلى مولاتي فكحّلت به المولود فعوفي، وبقي عندنا وكنا نستشفي به ثمَّ فقدناه.
قال أبو جعفر البزرجيُّ: فلقيت في مسجد الكوفة أبا الحسن بن برهون البرسيَّ فحدثته بهذا الحديث عن هذا الهاشميِّ فقال: قد حدَّثني هذا الهاشميُّ بهذه الحكاية كما ذكرتها حذو النعل بالنعل سواء من غير زيادة ولا نقصان.
47 - حدّثنا الحسين بن عليِّ بن محمّد القمّي المعروف بأبي عليٍّ البغداديّ قال: كنت ببخارى، فدفع إليَّ المعروف بابن جاوشير عشرة سبائك ذهباً وأمرني أن أسلّمها بمدينة السلام إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح - قدَّس الله روحه - فحملتها معي فلمّا بلغت آمويه(1305) ضاعت منّي سبيكة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1303) في بعض النسخ (حاجب السلطان).
(1304) في بعض النسخ المصححة (فدخلت عليها وسألتها ذلك فقالت حكيمة - الخ).
(1305) ويقال: أمويه - بالفتح وتشديد الميم وسكون الواو وفتح الياء - وهي آمل المعروف: مدينة بطبرستان.
من تلك السبائك ولم أعلم بذلك حتّى دخلت مدينة السلام، فأخرجت السبائك لاُسلّمها فوجدتها قد نقصت واحدة فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها وأضفتها إلى التسع السبائك.
ثمَّ دخلت على الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح - قدَّس الله روحه - ووضعت السبائك بين يديه فقال لي: خذ تلك السبيكة الّتي اشتريتها - وأشار إليها بيده - وقال: إنَّ السبيكة الّتي ضيّعتها قد وصلت إلينا وهو ذا هي، ثمّ أخرج إليَّ تلك السبيكة الّتي كانت ضاعت منّي بآمويه فنظرت إليها فعرفتها.
قال الحسين بن عليِّ بن محمّد المعروف بأبي عليٍّ البغداديّ ورأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة فسألتني عن وكيل مولانا (عليه السلام) من هو؟ فأخبرها بعض القمّيين أنَّه أبو القاسم الحسين بن روح وأشار إليها فدخلت عليه وأنا عنده، فقالت له أيّها الشيخ أيُّ شيء معي؟ فقال: ما معك فألقيه في الدِّجلة ثمَّ ائتيني حتّى أخبرك، قال: فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فألقته في الدِّجلة، ثمّ رجعت ودخلت إلى أبي القاسم الروحي - قدَّس الله روحه - فقال أبو القاسم لمملوكة له: اخرجي إلي الحق، فأخرجت إليه حقّة فقال للمرأة: هذه الحقّة الّتي كانت معك ورميت بها في الدجلة أخبرك بما فيها أو تخبريني؟ فقالت له: بل أخبرني أنت، فقال: في هذه الحقة زوج سوار ذهب، وحلقة كبيرة فيها جوهرة، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر، وخاتمان أحدهما فيروزج والاخر عقيق. فكان الامر كما ذكر، لم يغادر منه شيئاً. ثمّ فتح الحقّة فعرض عليَّ ما فيها فنظرت المرأة إليه، فقالت: هذا الّذي حملته بعينه ورميت به في الدِّجلة، فغشي عليَّ وعلى المرأة فرحاً بما شاهدناه من صدق الدَّلالة.
ثمَّ قال الحسين لي بعد ما حدّثني بهذا الحديث: أشهد عند الله (عزَّ وجلَّ) يوم القيامة بما حدّثت به أنَّه كما ذكرته لم أزد فيه ولم أنقص منه، وحلف بالائمّة الاثني عشر صلوات الله عليهم لقد صدق فيما حدِّث به وما زاد فيه وما نقص منه.
48 - حدّثنا أبو الفرج محمّد بن المظفّر بن نفيس المصريُّ الفقيه قال: حدّثنا أبو الحسن محمّد بن أحمد الدّاوديُّ(1306)، عن أبيه قال: كنت عند أبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1306) كذا وهكذا في معاني الأخبار ص 285 وفي بعض النسخ (البروذاني).
القاسم الحسين ابن روح - قدَّس الله روحه - فسأله رجلٌ ما معنى قول العبّاس للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أنَّ عمّك أبا طالب قد أسلم بحساب الجُمل - وعقد بيده ثلاثة وستّين -(1307)) فقال: عنى بذلك إله أحدٌ جوادٌ.
وتفسير ذلك أنَّ الالف واحدٌ، واللام ثلاثون، والهاء خمسة، والألف واحد، والحاء ثمانية، والدَّال أربعة، والجيم ثلاثة، والواو ستة، والالف واحد، والدال أربعة. فذلك ثلاثة وستّون.
4 (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - حدّثنا محمّد بن أحمد الشيبانيُّ؛ وعليُّ بن أحمد بن محمّد الدّقّاق؛ والحسين ابن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدِّب؛ وعليِّ بن عبد الله الورَّاق رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن جعفر الاسديُّ رضي الله عنه قال: كان فيما ورد عليَّ من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان - قدَّس الله روحه - في جواب مسائلي إلى صاحب الزَّمان (عليه السلام):
(أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقولون إنَّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان فما أرغم أنف الشيطان أفضل من الصلاة، فصلّها وأرغم أنف الشيطان(1308).
وأمّا ما سألت عنه من أمر الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا ثمّ يحتاج إليه صاحبه، فكلُّ ما لم يسلّم فصاحبه فيه بالخيار، وكلُّ ما سلّم فلا خيار فيه لصاحبه، إحتاج إليه صاحبه أو لم يحتج، افتقر إليه أو استغنى عنه.
وأما ما سألت عنه من أمر من يستحلُّ ما في يده من أموالنا ويتصرَّف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا، فمن فعل ذلك فهو ملعونٌ ونحن خصماؤه يوم القيامة، فقد قال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (المستحلُّ من عترتي ما حرَّم الله ملعونٌ على لساني ولسان كلِّ نبيِّ) فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين، وكان لعنة الله عليه لقوله تعالى: (إلّا لعنة الله على الظالمين).
وأمّا ما سألت عنه من أمر المولود الّذي تنبت غلفته بعد ما يختن هل يختن مرَّة أُخرى؟ فإنّه يجب أن يقطع غلفته فإنَّ الأرض تضجُّ إلى الله (عزَّ وجلَّ) من بول الاغلف أربعين صباحاً(1309).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1307) راجع تفصيل ذلك هامش معاني الأخبار ص 285.
(1308) اعلم أنَّ العامّة لا يجوزون الصلاة بعد فريضة الغداة إلى طلوع الفجر وبعد العصر إلى المغرب وزعموا أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نهى عنها في هذين الوقتين. راجع تحقيق الكلام هامش كتاب الخصال طبع مكتبتنا ص 70.
(1309) الاغلف بالغين المعجمة، والاقلف بالقاف بمعنى وهو الصبي الّذي لم يختن.
وأمّا ما سألت عنه من أمر المصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه هل تجوز صلاته فإنَّ النّاس اختلفوا في ذلك قبلك، فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الاصنام أو عبدة النيران أن يصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه، ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الاصنام والنيران.
وأمّا ما سألت عنه من أمر الضياع الّتي لنا حيتنا هل يجوز القيام بعمارتها واداء الخراج منها وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتساباً للاجر وتقرُّباً إلينا(1310) فلا يحلُّ لأحد أن يتصرَّف من مال غيره بغير إذنه فكيف يحلُّ ذلك في ما لنا، من فعل شيئاً من ذلك من غير أمرنا فقد استحلَّ منّا ما حرَّم عليه، ومن أكل من أموالنا شيئاً فإنّما يأكل في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً.
وأما ما سألت عنه من أمر الرَّجل الّذي يجعل لنا حيتنا ضيعة ويسلّمها من قيم يقوم بها ويعمرها ويؤدِّي من دخلها خراجها ومؤونتها ويجعل ما يبقى من الدخل لنا حيتنا، فإنَّ ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيما عليها، إنّما لا يجوز ذلك لغيره.
وأمّا ما سألت عنه من أمر الثمار من أموالنا يمرُّ بها المار فيتناول منه ويأكله هل يجوز ذلك له؟ فإنه يحلُّ له أكله ويحرم عليه حمله.
50 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أصلحك الله ما أيسر ما يدخل به العبد النّار؟ قال: من أكل من مال اليتيم درهماً - ونحن اليتيم.
قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: معنى اليتيم هو المنقطع القرين في هذا الموضع، فسمّي النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهذا المعنى يتيماً، وكذلك كلُّ إمام بعده يتيم بهذا المعنى، والآية في أكل أموال اليتامى ظلما فيهم نزلت، وجرت من بعدهم في سائر الايتام، والدُّرَّة اليتيمة إنّما سمّيت يتيمة لأنّها منقطعة القرين.
51 - حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن محمّد الخزاعي رضي الله عنه قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1310) في بعض النسخ (اليكم).
حدّثنا أبو عليٍّ ابن أبي الحسين الاسديُّ، عن أبيه رضي الله عنه قال: ورد عليَّ توقيع من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري - قدَّس الله روحه - إبتداء لم يتقدّمه سؤال (بسم الله الرّحمن الرَّحيم لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين على من استحلَّ من مالنا درهماً) قال أبو الحسين الأسدي رضي الله عنه: فوقع في نفسي أنَّ ذلك فيمن استحل من مال الناحية درهماً دون من أكل منه غير مستحل له. وقلت في نفسي: أنَّ ذلك في جميع من استحل محرّماً، فأيّ فضل في ذلك للحجّة (عليه السلام) على غيره؟ قال: فوالّذي بعث محمداً بالحقِّ بشيرا لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما وقع في نفسي:
(بسم الله الرّحمن الرّحيم لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين على من أكل من مالنا درهماً حراماً).
قال أبو جعفر محمّد بن محمّد الخزاعيُّ: أخرج إلينا أبو عليٍّ بن أبي الحسين الاسديُّ هذا التوقيع حتّى نظرنا إليه وقرأناه.
52 - حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام الكلينيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيُّ، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيِّ قال: كتبت إلي عليِّ بن محمّد بن عليٍّ (عليهم السلام): رجل جعل لك جعلني الله فداك - شيئاً من ماله، ثمَّ احتاج إليه أيأخذه لنفسه أو يبعث به إليك؟ قال: هو بالخيار في ذلك ما لم يخرجه عن يده ولو وصل إلينا لرأينا أن نواسيه به وقد احتاج إليه(1311).
الباب السادس والأربعون: ما جاء في التعمير
1 - حدَّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدَّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال: عاش نوح (عليه السلام) ألفي سنّة وخمسمائة سنة. منها ثمانمائة وخمسون سنّة قبل أن يبعث، وألف سنّة إلّا خمسين عاماً وهو في قومه يدعوهم، وسبعمائة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1311) لا مناسبة لهذا الحديث بالباب لأنّه منعقد لتوقيعات القائم (عليه السلام) فقط.
عام بعد ما نزل من السفينة ونضب الماء(1312) فمصر إلّا مصار وأسكن ولده البلدان.
ثمَّ إنَّ ملك الموت (عليه السلام) جاءه وهو في الشمس فقال له: السلام عليك، فردَّ الجواب، فقال له: ما جاء بك يا ملك الموت؟ فقال: جئت لاقبض روحك، فقال له: تدعني أخرج من الشمس إلى الظلِّ؟ فقال له: نعم، فتحول نوح (عليه السلام)، ثمّ قال: يا ملك الموت كأنَّ ما مرَّبي من الدُّنيا مثل تحوُّلي من الشمس إلى الظلِّ، فامض لمّا امرت به، قال: فقبض روحه (عليه السلام).
2 - حدَّثنا محمّد بن عليٍّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن ارومة قال: حدّثني سعيد بن جناح، عن أيّوب بن راشد، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كانت أعمار قوم نوح (عليه السلام) ثلاثمائة سنّة، ثلاثمائة سنة.
3 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا أحمد بن إدريس؛ ومحمّد بن يحيى العطّار جميعاً قالا: حدّثنا محمّد بن أحمد بن يحيى قال: حدّثنا محمّد بن يوسف التميميّ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: عاش أبو البشر آدم (عليه السلام) تسعمائة وثلاثين سنّة، وعاش نوح (عليه السلام) ألفي سنّة وأربعمائة سنّة وخمسين سنّة، وعاش إبراهيم (عليه السلام) مائة وخمسا وسبعين سنّة، وعاش إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام) مائة وعشرين سنّة، وعاش إسحاق بن إبراهيم (عليهما السلام) مائة وثمانين سنّة وعاش يعقوب ابن إسحاق مائة وعشرين سنّة، وعاش يوسف بن يعقوب (عليهما السلام) مائة وعشرين سنّة، وعاش موسى (عليه السلام) مائة وستّاً وعشرين سنّة، وعاش هارون (عليه السلام) مائة وثلاثاً وثلاثين سنّة، وعاش داود (عليه السلام) مائة سنّة منها أربعين سنّة ملكه، وعاش سليمان بن داود (عليهما السلام) سبعمائة واثنتي عشرة سنة.
4 - حدّثنا محمّد بن عليِّ بن بشار القزوينيُّ رضي الله عنه قال: حدَّثنا أبو الفرج المظفّر بن أحمد قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفيُّ قال: حدّثنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1312) أي غار.
محمّد بن إسماعيل البرمكيُّ قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن صالح البزَّاز قال: سمعت الحسن بن عليٍّ العسكري (عليهما السلام) يقول: إنَّ ابني هو القائم من بعدي وهو الّذي يجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) بالتعمير والغيبة حتّى تقسو القلوب لطول الامد فلا يثبت على القول به إلّا من كتب الله (عزَّ وجلَّ) في قلبه الايمان وأيده بروح منه.
5 - حدَّثنا محمّد بن أحمد الشيبانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ، عن موسى بن عمران النخعيِّ، عن عمه الحسين بن يزيد النوفليِّ، عن حمزة ابن حمران عن أبيه حمران بن أعين، عن سعيد بن جبير قال: سمعت سيّد العابدين عليَّ بن الحسين (عليهما السلام) يقول: في القائم سنّة من نوح (عليه السلام) وهي طول العمر.
6 - حدَّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) أنَّه قال في حديث يذكر فيه قصّة داود (عليه السلام): إنَّه خرج يقرأ الزَّبور وكان إذا قرأ الزَّبور لا يبقي جبل ولا حجرٌ ولا طائر إلّا جاوبته، فانتهى إلى جبل فإذا على ذلك الجبل نبيٌّ عابد يقال له: حزقيل، فلمّا سمع دويَّ الجبال وأصوات السباع والطير علم أنَّه داود (عليه السلام)، فقال داود (عليه السلام): يا حزقيل تأذن لي فأصعد إليك؟ قال: لا، فبكي داود فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه يا حزقيل لا تعبّر داود وسلني العافية، قال: فأخذ حزقيل بيد داود (عليه السلام) ورفعه إليه، فقال داود: يا حزقيل هل هممت بخطيئة قطُّ؟ قال: لا، قال: فهل دخلك العجب بما أنت فيه من عبادة الله؟ قال: لا، قال: فهل ركنت إلى الدُّنيا فأحببت أن تأخذ من شهواتها ولذَّاتها؟ قال: بلى ربما عرض ذلك بقلبي، قال: فما كنت تصنع إذا كان ذلك؟ قال: أدخل إلى هذا الشعب فأعتبر بما فيه، قال: فدخل داود (عليه السلام) الشعب فإذا سرير من حديد عليه جمجمة بالية وعظام فانية وإذا لوح من حديد فيه كتابة فقرأها داود (عليه السلام) فإذا فيها أنا أروى بن سلم، ملكت ألف سنّة، وبنيت ألف مدينة، وافتضضت ألف بكر، فكان آخر عمري أن صار التراب فراشي، والحجارة وسادتي، والدِّيدان والحيّات جيراني، فمن رآني فلا يغترّ بالدُّنيا.
الباب السابع والأربعون: حديث الدجال وما يتصل به من أمر القائم (عليه السلام)
1 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدَّثنا عبد العزيز ابن يحيى الجلوديُّ بالبصرة قال: حدَّثنا الحسين بن معاذ قال: حدَّثنا قيس بن حفص قال: حدّثنا يونس بن أرقم، عن أبي سيّار الشيبانيِّ، عن الضحّاك بن مزاحم، عن النزال بن سبرة قال: خطبنا أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) فحمد الله (عزَّ وجلَّ) وأثنى عليه وصلى على محمّد وآله، ثمّ قال: سلوني أيّها النّاس قبل أن تفقدوني - ثلاثا - فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال: يا أمير المؤمنين متى يخرج الدَّجّال؟ فقال له عليٌّ (عليه السلام): اقعد فقد سمع الله كلامك وعلم ما أردت، والله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل، ولكن لذلك علامات وهيئات يتبع بعضها بعضاً كحذو النعل بالنعل، وإن شئت أنبأتك بها؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين.
فقال (عليه السلام): احفظ فإنَّ علامة ذلك: إذا أمات النّاس الصلاة، وأضاعوا الامانة واستحلّوا الكذب، وأكلوا الرِّبا، وأخذوا الرُّشا، وشيّدوا البنيان، وباعوا الدِّين بالدُّنيا، واستعملوا السفهاء، وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتبعوا الاهواء واستخفّوا بالدماء، وكان الحلم ضعفاً، والظلم فخراً، وكانت الامراء فجرة، والوزراء ظلمة، والعرفاء خونة(1313)، والقرَّاء فسقة، وظهرت شهادت الزُّور(1314)، واستعلن الفجور، وقول البهتان، والاثم والطغيان، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطولت المنارات، واكرمت الاشرار، وازدحمت الصفوف، واختلفت القلوب، ونقضت العهود، واقترب الموعود، وشارك النساء أزواجهنَّ في التّجارة حرصاً على الدُّنيا، وعلت أصوات الفسّاق واستمع منهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، واتّقي الفاجر مخافة شرِّه، وصدِّق الكاذب، وائتمن الخائن. واتخذت القيان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1313) المراد بالعرفاء هنا جمع عريف وهو العالم بالشيء والذي يعرف أصحابه والقيم بامر القوم والنقيب.
(1314) في بعض النسخ (شهادات الزور).
والمعازف(1315)، ولعن آخر هذه الاُمّة أوَّلها، وركب ذوات الفروج السروج، وتشبّه النساء بالرِّجال، والرِّجال بالنساء، وشهد الشاهد من غير أن يُستشهد، وشهد الاخر قضاء لذمام بغير حقٍّ عرفه وتفقُّه لغير الدِّين، وآثروا عمل الدُّنيا على الاخرة، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذِّئاب، وقلوبهم أنتن من الجيف وأمرُّ من الصبر، فعند ذلك الوحا الوحا(1316)، ثمّ العجل العجل، خير المساكن يومئذ بيت المقدَّس، وليأتينَّ على النّاس زمانٌ يتمنى أحدهم(1317) أنَّه من سكانه.
فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال: يا أمير المؤمنين من الدَّجّال؟ فقال: إلّا إنَّ الدَّجّال صائد بن الصيد(1318)، فالشقي من صدقه. والسعيد من كذَّبه، يخرج من بلدة يقال لها إصفهان، من قرية تعرف باليهوديّة، عينه اليمنى ممسوحة، والعين الاخرى في جبهته تضيء كأنّها كوكب الصبح، فيها علقة كأنها ممزوجة بالدَّم، بين عينيه مكتوب كافر، يقرؤه كلُّ كاتب واُمّيٍّ، يخوض البحار وتسير معه الشمس، بين يديه جبل من دخان، وخلفه جبل أبيض يُري النّاس أنَّه طعام، يخرج حين يخرج في قحط شديد تحته حمار أقمر، خطوة حماره ميلٌ، تطوي له الأرض منهلاً منهلاً، لا يمرُّ بماء إلّا غار إلى يوم القيامة، ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجنِّ والانس والشياطين يقول: إليَّ أوليائي(1319) (أنا الّذي خلق فسوَّى وقدَّر فهدى، أنا ربّكم الاعلى). وكذب عدوُّ الله، إنَّه أعور يطعم الطعام، ويمشي في الاسواق، وإنَّ ربّكم (عزَّ وجلَّ) ليس بأعور، ولا يطعم ولا يمشي ولا يزول. تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
ألا وإنَّ أكثر أتباعه يومئذ أولاد الزِّنا، وأصحاب الطيالسة الخضر، يقتله الله (عزَّ وجلَّ) بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة على يد من يصلّي المسيح عيسى بن مريم (عليهما السلام) خلفه إلّا إنَّ بعد ذلك الطامّة الكبرى.
قلنا: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: خروج دابّة (من) الأرض من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1315) جمع قنية: الاماء المغنيات.
(1316) الوحا الوحا يعني السرعة السرعة، البدار البدار.
(1317) في بعض النسخ (يود احدهم).
(1318) في بعض النسخ (صائد بن الصيد). وفي سنن الترمذي (ابن صياد).
(1319) أي اسرعوا، أو الى مرجعكم أوليائي والاول أنسب.
عند الصفا، معها خاتم سليمان بن داود، وعصى موسى (عليهم السلام)، يضع الخاتم على وجه كلِّ مؤمن فينطبع فيه: هذا مؤمن حقّاً، ويضعه على وجه كلّ كافر فينكتب هذا كافر حقا، حتّى أنَّ المؤمن لينادي: الويل لك يا كافر، وإنَّ الكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن، وددت أنّي اليوم كنت مثلك فأفوز فوزاًً عظيماً.
ثمَّ ترفع الدَّابّة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله جلَّ جلاله وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة، فلا توبة تقبل ولا عمل يرفع (ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً).
ثمَّ قال (عليه السلام) (لا تسألوني عمّا يكون بعد هذا فإنّه عهد عهده إليَّ حبيبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن لا اُخبر به غير عترتي.
قال النزال بن سبرة: فقلت لصعصعة بن صوحان: يا صعصعة ما عنى أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا؟ فقال صعصعة: يا ابن سبرة إن الّذي يصلّي خلفه عيسى بن مريم (عليه السلام) هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، وهو الشمس الطالعة من مغربها يظهر عند الرُّكن والمقام فيطهّر الأرض، ويضع ميزان العدل فلا يظلم أحدٌ أحداً.
فأخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّ حبيبه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عهد إليه أن لا يخبر بما يكون بعد ذلك غير عترته الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين.
وحدّثنا أبو بكر محمّد بن عمر بن عثمان بن الفضل العقيليُّ الفقيه قال: حدّثنا أبو عمر [و] محمّد بن جعفر بن المظفّر؛ وعبد الله بن محمّد بن عبد الرَّحمن الرّازيُّ، وأبو سعيد عبد الله بن محمّد بن موسى بن كعب الصيدانيّ؛ وأبو الحسن محمّد بن عبد الله بن صبيح الجوهريّ قالوا: حدّثنا أبو يعلى بن أحمد بن المثنّى الموصليُّ، عن عبد الاعلى بن حمّاد النرسيّ، عن أيّوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهذا الحديث مثله سواء.
2 - حدّثنا أبو بكر محمّد بن عمر بن عثمان بن الفضل العقيليُّ الفقيه بهذا الاسناد عن مشايخه، عن أبي يعلى الموصليّ، عن عبد الاعلى بن
حمّاد النرسيُّ، عن أيّوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صلّى ذات يوم بأصحابه الفجر، ثمَّ قام مع أصحابه حتّى أتى باب دار بالمدينة فطرق الباب فخرجت إليه امرأة فقالت: ما تريد يا أبا القاسم؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا أمَّ عبد الله استأذني لي على عبد الله، فقالت يا أبا القاسم وما تصنع بعبد الله فوالله إنَّه لمجهود في عقله يحدّث في ثوبه وإنّه ليراودني على الامر العظيم، فقال: استأذني عليه، فقالت: أعلى ذمّتك، قال: نعم، فقالت: ادخل، فدخل فإذا هو في قطيفة له يهينم فيها(1320)، فقالت أمّه: اسكت واجلس هذا محمّد قد أتاك فسكت وجلس فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهو هو، ثمّ قال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ما تري؟ قال: أرى حقّاً وباطلاً، وأرى عرشاً على الماء، فقال: اشهد أن لاإله إلّا الله وأنّي رسول الله، فقال: بل تشهد أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله، فما جعلك الله بذلك أحقّ منّي.
فلما كان اليوم الثاني صلّى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأصحابه الفجر، ثمَّ نهض فنهضوا معه حتّى طرق الباب فقالت أمّه: ادخل، فدخل فإذا هو في نخلة يغرد فيها(1321)، فقالت له أمّه: اسكت وانزل هذا محمّد قد أتاك فسكت، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرنكم أهو هو.
فلمّا كان في اليوم الثالث صلّى النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأصحابه الفجر، ثمّ نهض ونهض القوم معه حتّى أتى ذلك المكان فإذا هو في غنم له ينعق بها، فقالت له أمّه: اسكت واجلس هذا محمّد قد أتاك، فسكت وجلس وقد كانت نزلت في ذلك اليوم آيات من سورة الدُّخان فقرأها بهم النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في صلاة الغداة، ثمّ قال: أتشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله؟ فقال: بل تشهد أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله فما جعلك الله بذلك أحقَّ منّي.
فقال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي قد خبأت لك خبيئاً فما هو؟ فقال: الدُّخ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1320) الهينمة: الصوت الخفي والكلام الّذي لا يفهم. وفي بعض النسخ (يهمهم فيها).
(1321) الغر - بالتحريك - التطريب في الصوت والغناء.
الدُّخ(1322) فقال النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إخسأ فانّك لن تعدو أجلك، ولن تبلغ أملك ولن تنال إلّا ما قُدِّر لك.
ثمَّ قال لاصحابه: أيّها النّاس ما بعث الله (عزَّ وجلَّ) نبيّاً إلّا وقد أنذر قومه الدَّجّال، وإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد أخره إلى يومكم هذا فمهما تشابه عليكم من أمره فإنَّ ربّكم ليس بأعور، أنَّه يخرج على حمار عرض ما بين أذنيه ميل، يخرج ومعه جنة ونار وجبل من خبز ونهر من ماء، أكثر أتباعه اليهود والنساء والاعراب، يدخل آفاق الأرض كلّها إلّا مكة ولا بتيها، والمدينة ولا بتيها(1323).
قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: أنَّ أهل العناد والجحود يصدقون بمثل هذا الخبر ويروونه في الدَّجال وغيبته وطول بقائه المدَّة الطويلة وخروجه في آخر الزَّمان، ولا يصدِّقون بأمر القائم (عليه السلام) وأنّه يغيب مدة طويلة، ثمّ يظهر فيملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، مع نصِّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والائمّة (عليهم السلام) بعده عليه باسمه وغيبته ونسبه، وإخبارهم بطول غيبته إرادة لاطفاء نور الله (عزَّ وجلَّ) وإبطالاً لامر ولي الله، ويأبى الله إلّا أن يتمَّ نوره ولو كره المشركون، وأكثر ما يحتجّون به في دفعهم لامر الحجّة (عليه السلام) أنّهم يقولون: لم نرو هذه الأخبار الّتي تروونها في شأنه ولا نعرفها.
وهكذا يقول من يجحد نبوَّة نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الملحدين والبراهمة واليهود والنصارى والمجوس أنَّه ما صحَّ عندنا شيء ممّا تروونه من معجزاته ودلائله ولا نعرفها، فنعتقد ببطلان أمره لهذه الجهة، ومتى لزمنا ما يقولون لزمهم ما تقوله هذه الطوائف وهم أكثر عدداً منهم، ويقولون أيضاً: ليس في موجب عقولنا أن يعمر أحدٌ في زماننا هذا عمراً يتجاوز عمر أهل الزَّمان، فقد تجاوز عمر صاحبكم على زعمكم عمر أهل الزمان.
فنقول لهم: أتصدِّقون على أنَّ الدّجَّال في الغيبة يجوز أن يعمر عمراً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1322) يعني الدخان، وخبات أي سترت.
(1323) لابتا المدينة: حرتاه، واللابة: الحرة وهي الأرض ذات الحجارة السود الّتي فد البستها لكثرتها.
يتجاوز عمر أهل الزَّمان، وكذلك إبليس اللعين ولا تصدِّقون بمثل ذلك لقائم آل محمّد (عليهم السلام) مع النصوص الواردة فيه بالغيبة وطول العمر والظهور بعد ذلك للقيام بأمر الله (عزَّ وجلَّ) وما روي في ذلك من الأخبار الّتي قد ذكرتها في هذا الكتاب ومع ما صحَّ عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذ قال: (كلّ ما كان في الامم السالفة يكون في هذه الاُمّة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة).
وقد كان فيمن مضى من أنبياء الله (عزَّ وجلَّ) وحججه (عليهم السلام) معمّرون، أمّا نوح (عليه السلام) فإنّه عاش ألفي سنّة وخمسمائة سنّة، ونطق القرآن بأنّه (لبث في قومه ألف سنّة إلّا خمسين عاماً).
وقد روي في الخبر الّذي قد أسندته في هذا الكتاب أنَّ في القائم (عليه السلام) سنّة من نوح (عليه السلام) وهي طول العمر فكيف يدفع أمره ولا يدفع ما يشبهه من الأُمور الّتي ليس شيء منها في موجب العقول، بل لزم الاقرار بها لأنّها رويت عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وهكذا يلزم الاقرار بالقائم (عليه السلام) من طريق السمع وفي موجب أيِّ عقل من العقول أنَّه يجوز أن يلبث أصحاب الكهف في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، هل وقع التصديق بذلك إلّا من طريق السمع، فلم لا يقع التصديق بأمر القائم (عليه السلام) أيضاً من طريق السمع وكيف يصدِّقون ما يرد من الأخبار عن وهب بن المنبّه، وعن كعب الاحبار في المحالات الّتي لا يصحُّ شيءٌ منها في قول الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا في موجب العقول، ولا يصدِّقون بما يرد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والائمّة (عليهم السلام) في القائم وغيبته وظهوره بعد شك أكثر النّاس في أمره وارتدادهم عن القول به، كما تنطق به الاثار الصحيحة عنهم (عليه السلام) هل هذا إلّا مكابرة في دفع الحق وجحوده.
كيف لا يقولون: أنَّه لمّا كان في الزَّمان غير محتمل للتعمير وجب أن تجري سنة الاولين بالتعمير في أشهر الاجناس تصديقاً لقول صاحب الشريعة (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا جنس أشهر من جنس القائم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأنّه مذكور في الشرق والغرب على ألسنة المقرّين به والسنة المنكرين له، ومتى بطل وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمّة (عليهم السلام) مع الرِّوايات الصحيحة عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه أخبر
بوقوعها به (عليه السلام) بطلت نبوَّته لأنّه يكون قد أخبر بوقوع الغيبة بمن لم يقع به، ومتى صحَّ كذبه في شيء لم يكن نبيّاً وكيف يصدِّق (عليه السلام) فيما أخبر به في أمر عمّار بن ياسر رضي الله عنه أنَّه تقتله الفئة الباغية وفي أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه تخضب لحيته من دم رأسه، وفي الحسن بن عليّ (عليهما السلام) أنَّه مقتول بالسمِّ، وفي الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) أنَّه مقتول بالسيف؟ ولا يصدَّق فيما أخبر به من أمر القائم ووقوع الغيبة به والتعيين عليه(1324) باسمه ونسبه؟! بلى هو (عليه السلام) صادق في جميع أقواله، مصيب في جميع أحواله، ولا يصحُّ إيمان عبد حتّى لا يجد في نفسه حرجاً ممّا قضى ويسلّم له في جميع الأُمور تسليماً، ولا يخالطه شكٌّ ولا ارتياب، وهذا هو الاسلام، والاسلام هو الاستسلام والانقياد. (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين).
ومن أعجب العجائب أنَّ مخالفينا يروون أن عيسى بن مريم (عليه السلام) مرَّ بأرض كربلا فرأى عدَّة من الظباء هناك مجتمعة، فأقبلت إليه وهي تبكي وأنّه جلس وجلس الحواريّون فبكى وبكى الحواريّون، وهم لا يدرون لم جَلس ولم بكى، فقالوا: يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال: أتعلمون أيَّ أرض هذه؟ قالوا: لا، قال: هذه أرض يُقتل فيها فرخ الرَّسول أحمد وفرخ الحرَّة الطاهرة(1325) البتول شبيهة اُمّي، ويلحد فيها، هي أطيب من المسك لأنّها طينة الفرخ المستشهد، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، وهذه الظباء تكلّمني وتقول: إنّها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرخ المستشهد المبارك، وزعمت أنّها آمنة في هذه الأرض، ثمّ ضرب بيده إلى بعر تلك الظباء فشمّها فقال: اللّهمَّ أبقها أبداً حتّى يشمّها أبوه فيكون له عزاء وسلوة، وإنّها بقيت إلى أيّام أمير المؤمنين (عليه السلام) حتّى شمّها وبكى وأخبر بقصّتها لمّا مرَّ بكربلاء.
فيصدِّقون بأن بعر تلك الظباء تبقى زيادة على خمسمائة سنة لم تغيّرها الامطار والرِّياح ومرور الأيّام واللّيالي والسنين عليه، ولا يصدِّقون بأن القائم من آل محمّد (عليهم السلام) يبقى حتّى يخرج بالسيف فيبير أعداء الله (عزَّ وجلَّ) ويظهر دين الله. مع الأخبار الواردة عن النبيِّ والائمّة صلوات الله عليهم بالنصِّ عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1324) في بعض النسخ (والنص عليه).
(1325) في بعض النسخ (الخيرة الطاهرة).
باسمه ونسبه وغيبته المدَّة الطويلة، وجرى سنن الاوَّلين فيه بالتعمير، هل هذا إلّا عناد وجحود للحقِّ؟ [نعوذ بالله من الخذلان].
الباب الثامن والأربعون: [حديث الظباء بأرض نينوى] في سياق هذا الحديث على جهته ولفظه
1 - حدّثنا أحمد بن الحسن بن القطان وكان شيخاً لاصحاب الحديث ببلد الرِّي يعرف بأبي عليِّ بن عبد ربّه قال: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان قال: حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدّثنا تميم بن بهلول قال: حدّثنا عليُّ ابن عاصم، عن الحصين بن عبد الرَّحمن، عن مجاهد، عن ابن عبّاس قال: كنت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في خرجته إلى صفّين، فلمّا نزل بنينوى وهو شطُّ الفرات قال: بأعلى صوته: يا ابن عبّاس أتعرف هذا الموضع؟ قال: قلت: ما أعرفه يا أمير المؤمنين، فقال: لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي، قال: فبكى طويلاً حتّى اخضلت لحيته(1326) وسالت الدُّموع على صدره وبكينا معه وهو يقول: أوه أوه مالي ولال أبي سفيان مالي ولال حرب: حزب الشيطان وأولياء الكفر؟! صبراً يا أبا عبد الله فقد لقي أبوك مثل الّذي تلقى منهم، ثمَّ دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة فصلّى ما شاء الله أن يصلّي.
ثم ذكر نحو كلامه الاوَّل إلّا أنَّه نعس عند انقضاء صلاته ساعة، ثمّ انتبه فقال: يا ابن عبّاس، فقلت: ها أناذا، فقال: إلّا اخبرك بما رأيت في منامي آنفاً عند رقدتي؟ فقلت: نامت عيناك ورأيت خيراً يا أمير المؤمنين، قال: رأيت كأنّي برجال بيض قد نزلوا من السّماء معهم أعلام بيض، قد تقلّدوا سيوفهم وهي بيض تلمع، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطّة، ثمّ رأيت هذه النخيل قد ضربت بأغصانها إلى الأرض، فرأيتها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1326) أخضلت لحيته أي ابتلت بالدموع.
تضطرب بدم عبيط، وكأني بالحسين نجلي(1327) وفرخي ومضغتي ومخّي قد غرق فيه، يستغيث فلا يغاث، وكأن الرِّجال البيض قد نزلوا من السّماء ينادونه ويقولون: صبرأ آل الرَّسول فإنكم تقتلون على أيدي شرار النّاس، وهذه الجنّة يا أبا عبد الله إليك مشتاقة، ثمّ يعزَّونني ويقولون: يا أبا الحسن أبشر فقد أقرَّ الله عينك به يوم القيامة، يوم يقوم النّاس لربِّ العالمين، ثمّ انتبهت.
هكذا والّذي نفس عليٍّ بيده لقد حدّثني الصادق المصدَّق أبو القاسم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إنّي سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا وهذه أرض كرب وبلاء، يدفن فيها الحسين وسبعة عشر رجلاً كلّهم من ولدي وولد فاطمة (عليها السلام)، وأنّها لفي السماوات معروفة، تذكر أرض كرب وبلاء كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس، ثمَّ قال لي: يا ابن عبّاس اطلب لي حولها بعر الظباء، فو الله ما كذبت ولا كذبت قط وهي مصفرَّة، لونها لون الزَّعفران.
قال ابن عبّاس: فطلبتها فوجدتها مجتمعة فناديته يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة الّتي وصفتها لي، فقال عليٌّ (عليه السلام): صدق الله ورسوله ثمّ قام يهرول إليها فحملها وشمّها وقال: هي هي بعينها، تعلم يا ابن عبّاس ما هذه الابعار؟ هذه قد شمها عيسى ابن مريم (عليه السلام) وذلك أنَّه مرَّ بها ومعه الحواريّون فرأى هذه الظباء مجتمعة فأقبلت إليه الظباء وهي تبكي فجلس عيسى (عليه السلام) وجلس الحواريون، فبكى وبكى الحواريّون وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى، فقالوا: يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال: أتعلمون أيَّ أرض هذه؟ قالوا: لا، قال: هذه أرض يُقتل فيها فرخ الرَّسول أحمد وفرخ الحرة الطاهرة(1328) البتول شبيهة اُمّي ويلحد فيها وهي أطيب من المسك وهي طينة الفرخ المستشهد، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، فهذه الظباء تكلّمني وتقول: إنّها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرخ المبارك، وزعمت أنّها آمنة في هذه الأرض، ثمّ ضرب بيده إلى هذه الصيران(1329) فشمها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1327) في بعض النسخ (سخلى).
(1328) في بعض النسخ (الخيرة الطاهرة).
(1329) جمع الصوار - ككتاب - وهو القطيع من البعر أو المسك وقال في القاموس: الصور: النخل الصغار. والصيران: المجتمع. والمراد بالصيران هنا المجتمعة من أبعار الظباء.
فقال: هذه بعر الظباء على هذه الطيب لمكان حشيشها، اللّهمَّ أبقها أبداً حتّى يشمّها أبوه فتكون له عزاه وسلوة. قال: فبقيت إلى يوم النّاس هذا وقد اصفرَّت لطول زمنها هذه أرض كرب وبلاء.
وقال بأعلى صوته: يا ربّ عيسى بن مريم لا تبارك في قتلته والحامل عليه والمعين عليه والخاذل له.
ثمَّ بكى بكاء طويلاً وبكينا معه حتّى سقط لوجهه وغشي عليه طويلاً، ثمّ أفاق فأخذ البعر فصرَّها في ردائه وأمرني أن أصرَّها كذلك، ثمّ قال: يا ابن عبّاس إذا رأيتها تنفجر دماً عبيطاً فاعلم أنَّ أبا عبد الله قد قتل ودفن بها.
قال ابن عبّاس: فوالله لقد كنت أحفظها أكثر من حفظي لبعض ما افترض الله عليَّ وأنا لا أحلّها من طرف كمّي، فبينا أنا في البيت نائمٌ إذ انتبهت فإذا هي تسيل دماً عبيطاً وكان كمي قد امتلأت دماً عبيطاً، فجلست وأنا أبكي وقلت: قتل والله الحسين والله ما كذبني عليٌّ قطٌّ في حديث حدَّثني ولا أخبرني بشيء قطُّ أنَّه يكون إلّا كان كذلك لأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره، ففزعت وخرجت وذلك [كان] عند الفجر فرأيت والله المدينة كأنّها ضباب(1330) لا يستبين فيها أثر عين، ثمَّ طلعت الشمس فرأيت كأنّها كاسفة، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط، فجلست وأنا باك وقلت، قتل والله الحسين، فسمعت صوتاً من ناحية البيت وهو يقول:
اصبروا آل الرَّسول * * * قُتل الفرخ النحول(1331)
نزل الرُّوح الامين * * * ببكاء وعويل
ثمَّ بكى بأعلى صوته وبكيت وأثبّت عندي تلك الساعة وكان شهر المحرَّم ويوم عاشوراء لعشر مضين منه فوجدته يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك، فحدَّثت بهذا. الحديث اولئك الّذين كانوا معه فقالوا: والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة لا ندري ما هو، فكنا نرى أنَّه الخضر صلوات الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1330) اليوم صار ذا ضباب - بالفتح - أي ندى كالغيم أو سحاب رقيق كالدخان.
(1331) النحول: الهزال. وفي بعض النسخ (المحول) ولعل المراد العطشان لأنّ المحل: انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلاء.
عليه وعلى الحسين، ولعن الله قاتله والمشيّع عليه.
وقد روى أنَّ حبابة الوالبيّة لقيت أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن بعده من الأئمّة (عليهم السلام) وأنّها بقيت إلى أيّام الرِّضا (عليه السلام) فلم ينكر من أمرها طول العمر فكيف ينكر القائم (عليه السلام).
الباب التاسع والأربعون: في سياق حديث حبابة الوالبيّة ما:
1 - حدّثنا عليُّ بن أحمد الدّقّاق رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب قال: حدّثنا عليُّ بن محمّد، عن أبي عليٍّ محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر، عن أحمد ابن قاسم العجليِّ، عن أحمد بن يحيى المعروف ببرد، عن محمّد بن خداهي(1332)، عن عبد الله بن أيّوب، عن عبد الله بن هشام، عن عبد الكريم بن عمر الخثعميِّ، عن حبابة الوالبيّة قالت: رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) في شرطة الخميس ومعه درَّة يضرب بها يبّاع الجري والمار ما هي والزَّمار والطافي ويقول لهم: يا بيّاعي مسوخ بني إسرائيل وجند بني مروان، فقام إليه فرات بن الأحنف فقال له: يا أمير المؤمنين فماجند بني مروان؟ (قالت:) فقال له: أقوام حلقوا اللحاء وفتلوا الشوارب، فلم أرنا ناطقاً أحسن نطقاً منه ثمَّ أتبعته فلم أزل أقفوا أثره حتّى قعد في رحبة المسجد فقلت له: يا أمير المؤمنين ما دلالة الامامة رحمك الله؟ فقال لي: ايتيني بتلك الحصاة - وأشار بيده إلى حصاة - فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه، ثمّ قال لي: يا حبابة إذا ادَّعى مدَّع الامامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنَّه إمام مفترض الطاعة، والامام لا يعزب عنه شيء يريده.
قالت: ثمَّ انصرفت حتّى قبض أمير المؤمنين (عليه السلام) فجئت إلى الحسن (عليه السلام) وهو في مجلس أمير المؤمنين والناس يسألونه، فقال لي: يا حبابة الوالبيّة! فقلت: نعم يا مولاي: فقال: هاتي ما معك، قلت: فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها كما طبع أمير المؤمنين (عليه السلام).
قالت: ثمَّ أتيت الحسين (عليه السلام) وهو في مسجد الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقرَّب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1332) في الكافي (عن أحمد بن محمّد بن يحيى المعروف بكرد، عن محمّد بن خداهي عن عبد الله بن أيّوب، عن عبد الله بن هاشم، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي).
ورحّب بي ثمّ قال لي: إنَّ في الدلالة دليلاً على ما تريدين، أفتريدين دلالة الامامة؟ فقلت: نعم يا سيّدي، فقال: هاتي ما معك، فناولته الحصاة، فطبع لي فيها، قالت: ثمّ أتيت عليَّ بن الحسين (عليهما السلام) وقد بلغ بي الكبر إلى أن أعييت(1333) وأنا أعدُّ يومئذ مائة وثلاث عشرة سنّة فرأيته راكعاً وساجداً مشغولاً بالعبادة، فيئست من الدِّلالة فأومأ إليَّ بالسبّابة فعاد إليَّ شبابي، قالت: فقلت: يا سيّدي كم مضى من الدُّنيا وكم بقي؟ قال: أمّا ما مضى فنعم، وأمّا ما بقي فلا، قالت: ثمّ قال لي: هاتي ما معك فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها، ثمّ أتيت أبا جعفر (عليه السلام) فطبع لي فيها، ثمّ أتيت أبا عبد الله - (عليه السلام) فطبع لي فيها، ثمّ أتيت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) فطبع لي فيها، ثمّ أتيت الرِّضا (عليه السلام) فطبع لي فيها ثمّ عاشت حبابة الوالبيّة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكره عبد الله بن هشام.
2 - حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيُّ قال: حدّثنا عليُّ بن محمّد قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر قال: حدّثني أبي، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليٍّ (عليهم السلام): أنَّ حبابة الوالبيّة دعا لها عليُّ بن الحسين فرد الله عليها شبابها فأشار إليها بإصبعه فحاضت لوقتها، ولها يومئذ مائة سنّة وثلاث عشرة سنة.
قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: فإذا جاز أن يردَّ الله على حبابة الوالبيّة شبابها وقد بلغت مائة سنّة وثلاث عشرة سنّة وتبقى حتّى تلقي الرِّضا (عليه السلام) وبعده تسعة أشهر بدعاء عليِّ بن الحسين (عليهما السلام)، فكيف لا يجوز أن يكون نفس الامام المنتظر (عليه السلام) أن يدفع الله (عزَّ وجلَّ) عنه الهرم ويحفظ عليه شبابه ويبقيه حتّى يخرج فيملاء الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، مع الأخبار الصحيحة بذلك عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والائمّة (عليهم السلام).
ومخالفونا رووا أنَّ أبا الدُّنيا المعروف بمعمر المغربيِّ واسمه عليُّ بن عثمان بن خطاب بن مرَّة بن مؤيّد لمّا قبض النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان له قريباً من ثلاثمائة سنّة، وأنّه خدم بعده أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأنَّ الملوك أشخصوه إليهم وسألوه عن علّة طول عمره واستخبروه عمّا شاهد فأخبر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1333) في الكافي (إلى أنَّ أرعشت).
أنَّه شرب من ماء الحيوان فلذلك طال عمره، وأنّه بقي إلى أيّام المقتدر، وأنّه لم يصحَّ لهم موته إلى وقتنا هذا، ولا ينكرون أمره فكيف ينكرون أمر القائم (عليه السلام) لطول عمره.
الباب الخمسون: سياق حديث معمر المغربي أبي الدُّنيا عليِّ بن عثمان بن الخطّاب بن مرَّة بن مؤيّد
1 - حدّثنا أبو سعيد عبد الله بن محمّد بن عبد الوهاب بن نصر السجزيُّ(1334) قال: حدّثنا أبو بكر محمّد بن الفتح الرّقي(1335)؛ وأبو الحسن عليُّ بن الحسن بن الاشكي(1336) ختن أبي بكر قالا: لقينا بمكّة رجلاً من أهل المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممّن كان حضر الموسم في تلك السنة وهي سنّة تسع وثلاثمائة فرأينا رجلاً أسود الرأس واللّحية كأنّه شنُّ بال(1337)، وحوله جماعة هم أولاده وأولاد أولاده ومشائخ من أهل بلده، وذكروا أنّهم من أقصى بلاد المغرب بقرب باهرت العليا وشهدوا هؤلاء المشائخ أنّا سمعنا آبائنا حكوا عن أبائهم وأجدادهم أنّا عهدنا(1338) هذا الشيخ المعروف بأبي الدُّنيا معمر واسمه عليُّ بن عثمان بن خطّاب بن مرّة بن مؤيّد وذكروا أنَّه همدانيٌّ، وأنّ أصله من صنعاء اليمن(1339) فقلنا له: أنت رأيت عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام)؟ فقال بيده(1340) ففتح عينيه وقد كان وقع حاجباه عليهما ففتحهما كأنّهما سراجان، فقال: رأيته بعينيَّ هاتين وكنت خادماً له، وكنت معه في وقعة صفّين، وهذه الشجّة من دابة عليٍّ (عليه السلام)، وأرانا أثرها على حاجبه الأيمن، وشهد الجماعة الّذين كانوا حوله من المشايخ ومن حفدته وأسباطه بطول العمر، وإنّهم منذ ولدوا عهدوه على هذه الحالة.
وكذا سمعنا من آبائنا وأجدادنا، ثمّ إنّا فاتحناه وساءلناه عن قصّته وحاله وسبب طول عمره فوجدناه ثابت العقل، يفهم ما يقال له ويجيب عنه بلبٍّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1334) في بعض النسخ (الشجري).
(1335) مجهول لا يعرف. وفي بعض النسخ البرقيُّ، وفي بعضها (المزني) وفي بعضها (المركي) وفي بعضها (المركني) وجعل في جميع هذه النسخ (القاسم) بدل (الفتح).
(1336) في بعض النسخ (عليّ بن الحسين بن حثكا اللائكي) واحتمل كونه عليّ بن الحسن اللاني المعنون في تقريب التهذيب.
(1337) أي القربة الخلقة الصغيرة.
(1338) في بعض النسخ (أنّهم سمعوا آباءهم واجدادهم أنّهم عهدوا).
(1339) في بعض النسخ (صعيد اليمن).
(1340) أي أشار. وفي معنى القول توسع.
وعقل، فذكر أنَّه كان له والدٌ قد نظر في كتب الاوائل وقرأها وقد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان وأنّها تجري في الظلمات، وأنّه من شرب منها طال عمره، فحمله الحرص على دخول الظلمات فتحمّل وتزوَّد حسب ما قدَّر أنَّه يكتفي به في مسيره، وأخرجني معه واخرج معنا خادمين باذلين وعدّة جمال لبون [عليها] روايا وزادو إنّا يومئذ ابن ثلاثة عشر سنّة، فسار بنا إلى أنَّ وافينا طرف الظلمات، ثمّ دخلنا الظلمات فسرنا فيها نحو ستّة أيّام ولياليها، وكنّا نميز بين اللّيل والنّهار بأنّ النّهار كان يكون أضوء قليلاً وأقل ظلمة من اللّيل، فنزلنا بين جبال وأودية ودكوات(1341)، وقد كان والدي رضي الله عنه يطوف في تلك البقعة في طلب النهر لأنّه وجد في الكتب الّتي قرأها أنَّ مجرى نهر الحيوان في ذلك الموضع، فأقمنا في تلك البقعة أيّاماً حتّى فنى الماء الّذي كان معنا واستقيناه جمالنا، ولولا أنَّ جمالنا كانت لبونا لهلكنا وتلفنا عطشاً، وكان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر ويأمرنا أن نوقد ناراً ليهتدي بضوئها إذا أراد الرُّجوع إلينا، فمكثنا في تلك البقعة نحو خمسة أيّام ووالدي يطلب النهر فلا يجده وبعد الاياس عزم على الانصراف حذراً على التلف لفناء الزَّاد والماء، والخدم الّذين كانوا معنا ضجروا فأوجسوا التلف على أنفسهم(1342) وألحوا على والدي بالخروج من الظلمات فقمت يوماً من الرَّحل لحاجتي فتباعدت من الرَّحل قدر رمية سهم فعثرت بنهر ماء أبيض اللّون، عذب لذيذ، لا بالصغير من الأنهار ولا بالكبير، ويجري جرياناً ليناً فذنوت منه وغرفت منه بيدي غرفتين أو ثلاثة فوجدته عذباً بارداً لذيذاً، فبادرت مسرعاً إلي الرَّحل وبشّرت الخدم بأنّي قد وجدت الماء، فحملوا ما كان معنا من القرب والادوات لنملاها، ولم أعلم أنَّ والدي في طلب ذلك النهر وكان سروري بوجود الماء، لمّا كنّا عدمنا الماء وفنى ما كان معنا، وكان والدي في ذلك الوقت غائباً عن الرحل مشغولا بالطلب فجهدنا وطفنا ساعة هويّة(1343) على أن نجد النهر، فلم نهتدي إليه حتّى أنَّ الخدم كذَّبوني وقالوا لي: لم تصدق، فلمّا انصرفت إلى الرَّحل وانصرف والدي أخبرته بالقصّة فقال لي: يا بنيَّ الّذي أخرجني إلى هذا المكان وتحمّل الخطر كان لذلك النهر ولم أرزق أنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1341) الدك: ما استوى من الرمل كالدكة والمستوى من المكان، والتل والجبل.
(1342) في بعض النسخ (في أنفسهم) وفي بعضها (وخشوا على أنفسهم).
(1343) أي زماناً طويلا.
وأنت رزقته وسوف يطول عمرك حتّى تملَّ الحياة، ورحلنا منصرفين وعدنا إلى أو طاننا وبلدنا وعاش والدي بعد ذلك سُنيّات ثمَّ توفّي رضي الله عنه.
فلمّا بلغ سنّي قريباً من ثلاثين سنّة وكان (قد) اتصل بنا وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ووفاة الخليفتين بعده خرجت حاجا فلحقت آخر أيّام عثمان فمال قلبي من بين جماعة أصحاب النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) فأقمت معه، أخدمه وشهدت معه وقايع وفي وقعة صفّين أصابتني هذه الشجّة من دابّته، فما زلت مقيماً معه إلى أن مضى لسبيله (عليه السلام)، فألحَّ عليَّ أولاده وحرمه أن اقيم عندهم فلم أقم وانصرفت إلى بلدي.
وخرجت أيّام بني مروان حاجّاً وانصرفت مع أهل بلدي إلى هذه الغاية ما خرجت في سفر إلّا ما كان [إلي] الملوك في بلاد المغرب يبلغهم خبري وطول عمري فيشخصوني إلى حضرتهم ليروني ويسألوني عن سبب طول عمري وعمّا شاهدت وكنت أتمنّى وأشتهي أن أحجَّ حجّة اُخرى فحملني هؤلاء حفدتي وأسباطي الّذين ترونهم حولي.
وذكر أنَّه قد سقطت أسنانه مرَّتين أو ثلاثة، فسألناه أن يحدِّثنا بما سمعه من أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) فذكر أنَّه لم يكن له حرص ولا همّة في العلم في وقت صحبته لعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، والصحابه أيضاً كانوا متوافرين فمن فرط ميلي إلى عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) ومحبتي له لم أشتغل بشيء سوى خدمته وصحبته، والّذي كنت أتذكّره ممّا كنت سمعته منه قد سمعه منّي عالم كثير من النّاس ببلاد المغرب ومصر والحجاز، وقد انقرضوا وتفانوا وهؤلاء أهل بيتي وحفدتي قد دوَّنوه فأخرجوا إلينا النسخة، فأخذ يملي علينا من حفظه(1344):
2 - حدَّثنا(1345) أبو الحسن عليُّ بن عثمان بن خطاب بن مرَّة بن مؤيّد الهمدانيّ المعروف بأبي الدُّنيا معمر المغربي رضي الله عنه حيّاً وميتاً قال: حدَّثنا عليُّ بن أبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1344) في بعض النسخ (من خطه).
(1345) معلق على السند الاوَّل وكذا ما يأتي.
طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من أحبَّ أهل اليمن فقد أحبّني، ومن أبغض أهل اليمن فقد أبغضني.
3 - وحدَّثنا أبو الدُّنيا معمر المغربيُّ قال: حدّثنا عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من أعان ملهوفاً كتب الله له عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات.
ثمَّ قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من سعى في حاجة أخيه المؤمن(1346) - لله (عزَّ وجلَّ) فيها رضاء وله فيها صلاح - فكأنّما خدم الله (عزَّ وجلَّ) ألف سنة لم يقع في معصيته طرفة عين.
4 - وحدَّثنا أبو الدُّنيا معمر المغربيُّ قال: سمعت عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: أصاب النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جوع شديدٌ وهو في منزل فاطمة (عليها السلام)، قال عليٌّ (عليه السلام): فقال لي النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا عليُّ هات المائدة فقدَّمت المائدة وعليها خبز ولحم مشوي.
5 - وحدَّثنا أبو الدُّنيا معمر المغربي قال: سمعت أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: جرحت في وقعة خيبر خمساً وعشرين جراحة فجئت إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلمّا رآى ما بي من الجراحة بكى وأخذ من دموع عينيه فجعلها على الجراحات فاسترحت من ساعتي.
6 - وحدّثنا أبو الدُّنيا معمر المغربيُّ قال: حدّثني عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من قرأ (قل هو الله أحد) مرَّة فكأنّما قرأ ثلث القرآن ومن قرأها مرَّتين فكأنّما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث مرَّات فكأنّما قرأ القرآن كله.
7 - وحدّثنا أبو الدُّنيا معمر المغربيُّ قال: سمعت عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كنت أرعى الغنم فإذا أنا بذئب على قارعة الطريق فقلت له. ما تصنع ههنا: فقال لي: وأنت ما تصنع ههنا؟ قلت: أرعى الغنم، قال لي مرّ - أو قال ذا الطريق - قال: فسقت الغنم فلمّا توسّط الذِّئب الغنم إذا أنا بالذِّئب قد شدَّ على شاة فقتلها، قال: فجئت حتّى أخذت بقفاه فذبحته وجعلته على يدي وجعلت أسوق الغنم فما سرت غير بعيد إذا أنا بثلاثة أملاك: جبرئيل وميكائيل وملك الموت (عليهم السلام) فلمّا رأوني قالوا: هذا محمّد بارك الله فيه فاحتملوني وأضجعوني وشقّوا جوفي بسكّين كان معهم وأخرجوا قلبي من موضعه وغسلوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1346) في بعض النسخ (أخيه المسلم).
جوفي بماء بارد كان معهم في قارورة حتّى نقي من الدَّم، ثمّ ردُّوا قلبي إلى موضعه وأمرُّوا أيديهم إلى جوفي، فالتحم الشقُّ بإذن الله (عزَّ وجلَّ) فما أحسست بسكّين ولا وجع، قال: وخرجت أعدوا إلى اُمّي - يعني حليمة داية النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - فقالت لي: أين الغنم؟ فخبّرتها بالخبر فقالت: سوف يكون لك في الجنّة منزلة عظيمة.
8 - وحدّثنا أبو سعيد عبد الله بن محمّد بن عبد الوهّاب قال: ذكر أبو بكر محمّد بن الفتح الرقيُّ(1347)؛ وأبو الحسن عليّ بن الحسين الاشكيّ أنَّ السّلطان بمكّة لمّا بلغة خبر أبي الدُّنيا تعرض له وقال: لابدّ أن اخرجك معي إلى بغداد إلى حضرة أمير المؤمنين المقتدر فإنّي أخشى أن يعتب عليّ إن لم اُخرجك، فسأله الحاجُّ من أهل المغرب وأهل المصر والشام أن يعفيه ولا يُشخصه فإنّه شيخ ضعيف ولا يؤمن ما يحدّث عليه، فأعفاه.
قال أبو سعيد: ولو أنّي حضرت الموسم في تلك السنة لشاهدته، وخبره كان مستفيضاً شائعاً في الامصار، وكتب عنه هذه الأحاديث المصريّون والشاميون والبغداديّون ومن سائر الامصار ممّن حضر الموسم وبلغه خبر هذا الشيخ وأحبَّ أن يلقاه ويكتب عنه هذه الأحاديث نفعنا الله وإيّاهم بها(1348).
9 - وأخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله ابن الحسن بن عليّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام) فيما أجازه لي ممّا صح عندي من حديثه(1349)؛ وصح عندي هذا الحديث برواية الشريف أبي عبد الله محمّد بن الحسن بن إسحاق بن الحسين(1350) بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليِّ أبي طالب (عليهم السلام) أنَّه قال: حججت في سنّة ثلاث عشرة وثلاثمائة وفيها حج نصر القشوري صاحب المقتدر بالله(1351) ومعه عبد الله بن حمدان المكنّى بأبي الهيجاء فدخلت مدينة الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ذي القعدة فأصبت قافلة المصرييّن وفيها أبو بكر محمّد بن عليٍّ الماذراثي ومعه رجل من أهل المغرب وذكر أنَّه رآى [رجلاً من] أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فاجتمع عليه النّاس وازدحموا وجعلوا يتمسّحون به وكادوا يأتون على نفسه فأمر عمّي أبو القاسم طاهر بن يحيى رضي الله عنه فتيانه وغلمانه، فقال: أفرجوا عنه النّاس ففعلوا وأخذوه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1347) تقدَّم الكلام فيه وفي قرينه ص 538.
(1348) في بعض النسخ (ويكتب عنه نفعهم الله وايانا به).
(1349) ذلك لأنّ أبا محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى العلويّ روى عن المجاهيل أحاديث منكرة وقال العلامة: رأيت أصحابنا يضعفونه (صه عن جش) وقال ابن الغضائري. أنَّه كان كذابا يضع الحديث مجاهرة، ويدعى رجالا غرباء ولا يعرفون (صه) توفى 358. (جامع الرواة).
(1350) في بعض النسخ (الحسن).
(1351) في بعض النسخ (حاجب المقتدر بالله).
فأدخلوه إلى دار ابن أبي سهل الطفّي وكان عمّي نازلها، فادخل واذن للنّاس فدخلوا وكان معه خمسة نفر [و] ذكروا أنّهم أولاد أولاده فيهم شيخ له نيّف وثمانون سنّة فسألناه عنه، فقال: هذا ابن ابني، وآخر له سبعون سنّة فقال: هذا ابن ابني، وإثنان لهما ستّون سنة أو خمسون سنة أو نحوها وآخر له سبع عشرة سنة، فقال: هذا ابن ابن ابني ولم يكن معه فيهم أصغر منه، وكان إذا رأيته قلت: هذا ابن ثلاثين سنة أو أربعين سنة، أسود الرَّأس واللّحية، شابٌّ نحيف الجسم أدم، ربع من الرِّجال خفيف العارضين، [هو] إلى القصر أقرب، قال أبو محمّد العلويُّ: فحدَّثنا هذا الرَّجل واسمه عليُّ بن عثمان بن الخطّاب بن مرّة بن مؤيّد بجميع ما كتبناه عنه وسمعنا من لفظه، وما رأيناه من بياض عنفقته(1352) بعد اسودادها ورجوع سوادها بعد بياضها عند شبعه من الطعام.
وقال أبو محمّد العلويُّ رضي الله عنه: ولولا أنَّه حدَّث جماعة من أهل المدينة من الاشراف والحاجّ من أهل مدينة السلام وغيرهم من جميع الافاق، ما حدَّثت عنه بما سمعت وسماعي منه بالمدينة وبمكّة في دار السهميين في دار المعروفة بالمكبّريّة وهي دار عليِّ بن عيسى بن الجرَّاح وسمعت منه في مضرب القشوريّ ومضرب الماذرائي عند باب الصفا، وأراد القشوري أن يحمله وولده إلى مدينة السلام إلى المقتدر، فجاءه أهل مكّة فقالوا: أيّد الله الاستاذ إنّا روينا في الأخبار المأثورة عن السلف أنَّ المعمر المغربي إذا دخل مدينة السلام فنيت وخرجت وزال الملك فلا تحمله وردَّه إلى المغرب. فسألنا مشايخ أهل المغرب ومصر فقالوا: لم نزل نسمع به من آبائنا ومشايخنا يذكرون اسم هذا الرَّجل، واسم البلدة الّتي هو مقيم فيما طنجة(1353) وذكروا أنّهم كان يحدثهم بأحاديث قد ذكرنا بعضها في كتابنا هذا.
قال أبو محمّد العلويَّ [رضي الله عنه]: فحدَّثنا هذا الشيخ أعني علىُّ بن عثمان المغربي ببدء خروجه من بلدة حضر موت، وذكر أنَّ أباه خرج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1352) العنفقة، الشعر الّذي في الشفة السفلى، وقيل. الشعر الّذي بينها وبين الذقن (النهاية).
(1353) بلدة بساحل بحر المغرب (ق).
هو وعمّه محمّد وخرجا به معهما يريدون الحج وزيارة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فخرجوا من بلادهم من حضر موت وساروا أيّاماً، ثمّ أخطأوا الطريق وتاهوا في المحجّة فأقاموا تائهين ثلاثة أيّام وثلاث ليال علي غير محجّة فبينا هم كذلك إذا وقعوا على جبال رمل يقال لها: رمل عالج، متّصل برمل إرم ذات العماد.
قال: فبينما نحن كذلك إذا نظرنا إلى أثر قدم طويل فجعلنا نسير على أثرها، فأشرفنا على واد وإذا برجلين قاعدين على بئر أو على عين، قال: فلمّا نظرا إلينا قام أحدهما فأخذ دلواً فأدلاه فاستقى فيه من تلك العين أو البئر، واستقبلنا وجاء إلى أبي فناوله الدَّلو فقال أبي: قد أمسينا ننيخ(1354) على هذا الماء ونفطر إن شاء الله، فصار إلى عمّي وقال له: اشرب فردَّ عليه كما ردَّ عليه أبي، فناولني وقال لي: اشرب فشربت فقال لي: هنيئاً لك إنّك ستلقى عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) فأخبره أيّها الغلام بخبرنا وقل له: الخضر وإلياس يقرئانك السلام، وستعمر حتّى تلقى المهدي وعيسى بن مريم (عليهما السلام) فإذا لقيتهما فأقرئهما منا السلام، ثمّ قالا: ما يكونان هذان منك؟ فقلت: أبي وعمّي، فقالا: أمّا عمّك فلا يبلغ مكّة، وأمّا أنت وأبوك فستبلغان ويموت أبوك وتعمر أنت ولستم تلحقون النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأنّه قد قرب أجله.
ثمّ مرّا فو الله ما أدري أين مرَّا في السّماء أو في الأرض فنظرنا فإذا لا بئر ولا عين ولا ماء، فسرنا متعجّبين من ذلك إلى أن رجعنا إلى نجران فاعتلَّ عمّي ومات بها وأتممت أنا وأبي حجّنا ووصلنا إلى المدينة فاعتل أبي ومات، وأوصى بي إلى عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) فأخذني وكنت معه أيّام أبي بكر وعمر وعثمان وأيّام خلافته حتي قتله ابن ملجم لعنه الله.
وذكر أنَّه لمّا حوصر عثمان بن عفّان في داره دعاني فدفع إليَّ كتاباً ونجيباً وأمرني بالخروج إلى عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) وكان غائباً بينبع في ضياعه وأمواله فأخذت الكتاب وسرت حتّى إذا كنت بموضع يقال له: جدار أبي عباية فسمعت قرآناً فإذا أنا بعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يسير مقبلاً من ينبع وهو يقول: (أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً وأنّكم إلينا لا ترجعون) فلمّا نظر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1354) أناخ الجمل: أبركه.
إليَّ قال: يا أبا الدُّنيا ما وراءك؟ قلت: هذا كتاب أمير المؤمنين عثمان، فأخذه فقرأه فإذا فيه:
فان كنت مأكولاً فكن أنت آكلي(1355) * * * وإلّا فأدركني ولمّا امزق
فإذا قرأه قال: برسر(1356) فدخل إلى المدينة ساعة قتل عثمان بن عفّان فمال (عليه السلام) إلى حديقة بني النجّار وعلم النّاس بمكانه فجاؤوا إليه ركضاً وقد كانوا عازمين على أن يبايعوا طلحة بن عبيد الله، فلمّا نظروا إليه ارفضوا إليه ارفضاض الغنم يشدُّ عليها السبع، فبايعه طلحة ثمَّ الزبير، ثمّ بايع المهاجرون والأنصار فأقمت معه أخدمه فحضرت معه الجمل وصفّين فكنت بين الصفّين واقفاً عن يمينه إذا سقط سوطه من يده، فأكببت آخذه وأدفعه إليه وكان لجام دابّته حديداً مزجّجاً(1357) فرفع الفرس رأسه فشجّني هذه الشجّة الّتي في صُدغي، فدعاني أمير المؤمنين (عليه السلام) فتفل فيها وأخذ حفنة من تراب(1358) فتركه عليها فوالله ما وجدت لها ألماً ولا وجعاً، ثمَّ أقمت معه (عليه السلام) وصحبت الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) حتّى ضرب بساباط المدائن، ثمَّ بقيت معه بالمدينة أخدمه وأخدم الحسين (عليه السلام) حتّى مات الحسن (عليه السلام) مسموماً، سمّته جعدة بنت الاشعث ابن قيس الكنديُّ لعنها الله دسّاً من معاوية.
ثمَّ خرجت مع الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) حتّى حضرت كربلاء وقُتل (عليه السلام) وخرجت هارباً من بني أميّة، وأنا مقيم بالمغرب أنتظر خروج المهديِّ وعيسى بن - مريم (عليه السلام).
قال أبو محمّد العلويُّ رضي الله عنه: ومن عجيب ما رأيت من هذا الشيخ عليِّ ابن عثمان وهو في دار عمّي طاهر بن يحيى رضي الله عنه وهو يحدِّث بهذه الاعاجيب وبدء خروجه فنظرت عنفقته قد احمرَّت ثمّ ابيضّت فجعلت أنظر إلى ذلك لأنّه لم يكن في لحيته ولا في رأسه ولا في عنفقته بياضٌ، قال: فنظر إلى نظري إلى لحيته وإلى عنفقته وقال: أما ترون أنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1355) رواه القاموس في مادة (مزق) وفيه (خير آكل).
(1356) رجل برّسرّ أي يبرّ ويسرّ (الصحاح).
(1357) المزجج: المرقع الممدود. وفي بعض النسخ (مدّمجاً) أي مستحكماً.
(1358) الحفنة هي ملء الكف.
هذا يصيبني إذا جعت وإذا شبعت رجعت إلى سوادها، فدعا عمّي بطعام فأخرج من داره ثلاث موائد فوضعت واحدة بين يدي الشيخ وكنت أنا أحد من جلس عليها فجلست معه ووضعت المائدتان في وسط الدّار وقال عمّي للجماعة: بحقي عليكم إلّا أكلتم وتحرمتم بطعامنا، فأكل قومٌ وامتنع قومٌ، وجلس عمّي عن يمين الشيخ يأكل ويلقي بين يديه فأكل أكل شابٍّ وعمّي يحلف عليه وأنا أنظر إلى عنفقته تسود حتّى عادت إلى سوادها وشبع.
10 - فحدّثنا عليُّ بن عثمان بن الخطّاب قال: حدَّثني عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من أحبَّ أهل اليمن فقد أحبّني ومن أبغضهم فقد أبغضني.
الباب الحادي والخمسون: حديث عبيد بن شرية(1359) الجرهمي
1 - وحدَّثنا أبو سعيد عبد الله بن محمّد بن عبد الوهّاب السجزيُّ قال: وجدت في كتاب لأخي أبي الحسن بحظه يقول: سمعت بعض أهل العلم وممّن قرأ الكتب وسمع الأخبار أنَّ عبيد بن شرية الجرهمي وهو معروف عاش ثلاثمائة سنّة وخمسين سنّة، فأدرك النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحسن إسلامه وعمر بعد ما قبض النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتّى قدم على معاوية في أيّام تغلّبه وملكه، فقال له معاوية: أخبرني يا عبيد عمّا رأيت وسمعت ومن أدركت وكيف رأيت الدَّهر؟.
فقال: أمّا الدَّهر فرأيت ليلاً يشبه ليلاً، ونهاراً يشبه نهاراً، ومولوداً يولد، وميتا يموت، ولم أدرك أهل زمان إلّا وهم يذمون زمانهم، وأدركت من قد عاش ألف سنّة فحدَّثني عمّن كان قبله قد عاش ألفي سنة(1360).
وأمّا ما سمعت فإنّه حدّثني ملك من ملوك حمير أنَّ بعض الملوك التبايعة(1361) ممّن قد دانت له البلاد، وكان يقال له: ذو سرح كان أعطى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1359) في بعض النسخ (عبيد بن شريد) وهو تصحيف.
(1360) راجع مكالمته مع معاوية كتاب (المعمرون) لابي حاتم السجستاني ص 50.
(1361) ملوك التبابعة هم بنو حمير كانوا باليمن، وإنّما سموا تبابعة لأنّه يتبع بعضهم بعضاً، كلما هلك واحد منهم قام بعده واحد آخر ولم يكونوا يسمون الملك منهم بتبّع حتّى يملك اليمن.
الملك في عنفوان شبابه، وكان حسن السيرة في أهل مملكته، سخيافيهم مطاعاً فملكهم سبعمائة سنة، وكان كثيراً يخرج في خاصّته إلى الصيد والنزهة، فخرج يوماً في بعض متنزِّهه فأتى على حيّتين إحديهما بيضاء كأنّها سبيكة فضة والاخرى سوداء كأنّها حُمَمَة(1362) وهما تقتتلان وقد غلبت السوداء على البيضاء، فكادت تأتي على نفسها، فأمر الملك بالسوداء فقتلت، وأمر بالبيضاء فاحتملت حتّى انتهى بها إلى عين من ماء نقيٍّ عليها شجرة فأمر فصبَّ الماء عليها وسقيت حتّى رجعت إليها نفسها، فأفاقت فخلّي سبيلها فانسابت الحيّة فمضت لسبيلها، ومكث الملك يومئذ في متصيده ونزهته فلمّا أمسى رجع إلى منزله وجلس على سريره في موضع لا يصل إليه حاجب ولا أحدٌ، فبينا هو كذلك إذ رآى شابّاً أخذ بعضادتي الباب وبه من الشباب والجمال شيءٌ لا يوصف، فسلّم عليه، فذعر منه الملك فقال له: من أنت؟ ومن أذن لك في الدُّخول إليَّ في هذا الموضع الّذي لا يصل إلي فيه حاجب ولا غيره؟ فقال له الفتى: لا ترُع أيّها الملك إنّي لست بأنسيٍّ ولكنّي فتى من الجنِّ أتيتك لاُجازيك ببلائك الحسن الجميل عندي، قال الملك: وما بلائي عندك؟ قال: أنا الحيّة الّتي أحييتني في يومك هذا والاسود الّذي قتلته وخلصتني منه كان غلاماً لنا تمرَّد علينا، وقد قتل من أهل بيتي عدَّة، كان إذا خلا بواحد منّا قتله، فقتلتَ عدوِّي وأحييتني فجئتك لأكافيك ببلائك عندي، ونحن أيّها الملك الجنُّ لا الجنُّ قال له الملك: وما الفرق بين الجنِّ والجنِّ، ثمَّ انقطع الحديث من الأصل الّذي كتبته فلم يكن هناك تمامه.
الباب الثاني والعشرون: حديث الربيع بن الضبع الفزاري
1 - حدّثنا أحمد بن يحيى المكتب قال: حدّثنا أبو الطيب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1362) الحمم: الرماد والفحم وكل ما احترق من النّار، الواحدة حممة. (الصحاح).
أحمد بن محمّد الورَّاق قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن دريد الازديِّ العمانيُّ بجميع أخباره وكتبه الّتي صنّفها ووجدنا في أخباره أنَّه قال: لمّا وفد النّاس على عبد الملك بن مروان قدم فيمن قدم عليه الرَّبيع بن ضبع الفزاريُّ - وكان أحد المعمّرين - ومعه ابن ابنه وهب بن عبد الله بن الرَّبيع شيخاً فانياً قد سقط حاجباه على عينيه وقد عصبهما، فلمّا رآه الاذن وكانوا يأذنون النّاس على أسنانهم، قال له: ادخل أيّها الشيخ، فدخل يدبُّ على العصا يقيم بها صلبه وكشحيه على ركبتيه فلمّا رآه عبد الملك رقَّ له وقال له: اجلس أيّها الشيخ، فقال: يا أمير المؤمنين أيجلس الشيخ وجدّه على الباب؟ قال: فأنت إذن من ولد الرَّبيع بن ضبع؟ قال: نعم أنا وهب بن عبد الله بن الربيع، فقال للاذن ارجع فأدخل الرَّبيع، فخرج الاذن فلم يعرفه حتّى نادى: أين الرَّبيع؟ قال: ها أنا ذا، فقام يهرول في مشيته فلمّا دخل على عبد الملك سلّم فقال عبد الملك لجلسائه: ويلكم إنَّه لا شبُّ الرَّجلين، يا ربيع أخبرني عمّا أدركت من العمر والّذي رأيت من الخطوب الماضية؟ قال: أنا الّذي أقول:
ها أنا ذا آمل الخلود وقد * * * أدرك عمري(1363) ومولدي حُجُرا
أنا أمرء القيس(1364) قد سمعت به * * * هيهات هيهات طال ذا عمرا
فقال عبد الملك: قد رويت هذا من شعرك وأنا صبيٌّ. قال: وأنا أقول:
إذا عاش الفتى مائتين عاماً * * * فقد ذهب اللّذاذة والفتاء(1365)
قال عبد الملك: وقد رويت هذا أيضاً وأنا غلام يا ربيع لقد طلبك جدٌّ غير عاثر(1366)، ففصّل لي عمرك؟ فقال: عشت مائتي سنّة في الفترة بين عيسى ومحمّد (عليهما السلام) ومائة وعشرين سنّة في الجاهليّة وستين سنّة في الاسلام.
قال: أخبرني عن الفتية في قريش المتواطيء الاسماء، قال: سل عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1363) في رواية (أدرك عقلي).
(1364) على سبيل التشبيه في الشعر وفي (المعمرون) (أبا مريء القيس).
(1365) في رواية (فقد أودى المسرة والفتاء) وفي البحار (فقد ذهب اللذاذة والغناء) ويروي (فقد ذهب التخيل والفتاء) والفتاء مصدر الفتى وكان قبل البيت بيتان هما:
إذا كان الشتاء فأدفئوني * * * فانَّ الشيخ يهدمه الشتاء
فأما حين يذهب كلّ قُرٍّ * * * فسربالٌ خفيفٌ أو رداء
(1366) الجد - بالفتح -: الحظ والبخت والغناء أي طلبك بخت عظيم لم يعثر حتّى وصل اليك أو لم يعثر بك، بل نمشك في كلّ الاحوال.
أيّهم شئت قال: أخبرني، عن عبد الله بن عبّاس قال: فهم وعلم وعطاء وحلم ومقري ضخم.
قال: فأخبرني عن عبد الله بن عمر، قال: حلم وعلم وطول وكظم وبعد من الظلم.
قال: فأخبرني، عن عبد الله بن جعفر؟ قال: ريحانة طيب ريحها، لين مسها قليل على المسلمين ضررها.
قال: فأخبرني عن عبد الله بن الزُّبير؟ قال: جبل وعر ينحدر منه الصخر. قال: لله درك ما أخبرك بهم؟ قال: قرب جواري وكثر استخباري.
الباب الثالث والخمسون: حديث شق الكاهن
1 - حدَّثنا أحمد بن يحيى المكتّب رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو الطيّب أحمد ابن محمّد الوراق قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن بن دريد الازديُّ العمّانيُّ قال: حدّثنا أحمد بن عيسى أبو بشير العقيليُّ، عن أبي حاتم، عن أبي قبيصة، عن ابن الكلبيِّ، عن أبيه قال: سمعت شيوخاً من بجيله ما رأيت على سروهم(1367) ولا حسن هيئتهم، يخبرون أنَّه عاش شقُّ الكاهن ثلاثمائة سنّة فلمّا حضرته الوفاة اجتمع إليه قومه فقالوا: أوصنا فقد آن أن يفوتنا بك الدَّهر، فقال: تواصلوا ولا تقاطعوا، وتقابلوا ولا تدابروا، وبلّوا الارحام(1368) واحفظوا الذِّمام، وسوِّدوا الحليم، وأجلّوا الكريم، ووقّروا ذا الشيبة وأذلّوا اللّئيم، وتجنبوا الهزل في مواضع الجدِّ، ولا تكدِّروا الانعام بالمنِّ، واعفوا إذا قدرتم، وهادنوا إذا عجزتم، وأحسنوا إذا كويدتم(1369) واسمعوا من مشايخكم، واستبقوا دواعي الصلاح عند إحن العداوة فإنَّ بلوغ الغاية في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1367) السرو - بفتح السين المهملة وسكون الراء والواو آخراً -: المروءة في شرف.
(1368) في النهاية فيه (بلوا ارحامكم ولو بالسلام) أي ندوها بصلتها وهم يطلقون اليبس على القطيعة.
(1369) من الكيد.
النكاية جرح بطيء الاندمال، وإيّاكم والطعن في الأنساب، لا تفحصوا عن مَساويكم(1370)، ولا تودعوا عقايلكم غير مُساويكم(1371) فإنّها وصمة فادحة وقضأة فاضحة(1372)، الرِّفق الرِّفق لا الخرق فإن الخُرق مندمة في العواقب، مكسبة للعواتب، الصبر أنفذ عتاب(1373)، والقناعة خير مال والنّاس أتباع الطمع، وقرائن الهلع، ومطايا الجزع، وروح الذُّلِّ التخاذل، ولا تزالون ناظرين بعيون نائمة ما اتّصل الرَّجاء بأموالكم والخُوف بمحالكم.
ثمَّ قال: يا لها نصيحة زلّت عن عذبة فصيحة إذا كان وعاؤها وكيعاً(1374) ومعدنها منيعاً، ثمّ مات.
قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: أنَّ مخالفينا يروون مثل هذه الأحاديث ويصدِّقونها، ويروون حديث شدَّاد بن عاد بن إرم وأنّه عمر تسعمائة سنّة، ويروون صفة الجنّة وأنّها مغيّبة عن النّاس فلا ترى وأنّها في الأرض ولا يصدِّقون بقائم آل محمّد (عليهم السلام) ويكذِّبون بالاخبار الّتي رويت فيه جحودا للحقِّ وعناداً لاهله.
الباب الرابع والخمسون: حديث شداد بن عاد بن أرم وصفة أرم ذات العماد الّتي لم يخلق مثلها في البلاد
1 - أخبرنا محمّد بن هارون الزَّنجانيُّ فيما كتب إليَّ قال: حدّثنا معاذ أبو المثنّى العنبري(1375) قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد بن أسماء قال: حدَّثنا جويرية، عن سفيان، عن منصور عن أبي وائل قال: إنَّ رجلاً يقال له:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1370) يعني مساوي بني نوعكم.
(1371) العقيلة: الكريمة أي لا تزوجوا بناتكم إلّا ممّن يساويكم في الشرف.
(1372) الوصمة: العار والعيب. والفادح: الثقيل وقضأة فاضحة أي عيب وفساد وتقضؤوا منه أن يزوجوه أي استخسوا حسبه.
(1373) في بعض النسخ (أنفذ عتاد).
(1374) وعاء وكيع أي شديد متين.
(1375) هو معاذ بن معاذ العنبري قاضي البصرة عامي وثقه ابن معين وأبو حاتم وعبد الله هو ابن أخ جويرية وثقه أبو حاتم. وعمه جويرية وثقه أحمد (تهذيب التهذيب).
عبد الله بن قلابة خرج في طلب إبل له قد شردت فبينا هو في صحاري عدن في تلك الفلوات إذ هو وقع على مدينة عليها حصن حول ذلك الحصن قصور كثيرة وأعلام طوال، فلمّا دنا منها ظنَّ أن فيها من يسأله عن إبله فلم ير داخلاً ولا خارجاً، فنزل عن ناقته وعقلها وسلَّ سيفه ودخل من باب الحصن، فإذا هو ببابين عظيمين لم يُر في الدُّنيا بناء أعظم منهما ولا أطول، وإذا خشبها من أطيب عود وعليها نجوم من ياقوت أصفر وياقوت أحمر، ضوؤها قد ملأ المكان، فلمّا رآى ذلك أعجبه ففتح أحد البابين ودخل فإذا هو بمدينة لم ير الرَّاؤون مثلها قطُّ، وإذا هو بقصور، كلِّ قصر منها معلّق تحته أعمدة من زبرجد وياقوت، وفوق كلِّ قصر منها غرف، وفوق الغرف غرف مبنيّة بالذَّهب والفضّة واللّؤلؤ والياقوت والزَّبرجد، وعلى كلِّ باب من أبواب تلك القصور مصاريع مثل مصاريع باب المدينة من عود طيب، قد نُضّدت عليه اليواقيت، وقد فرشت تلك القصور باللّؤلؤ وبنادق المسك والزَّعفران، فلمّا رآى ذلك أعجبه ولم ير هناك أحداً فأفزعه ذلك.
ثمَّ نظر إلى الازقّة فإذا في كلِّ زقاق منها أشجار قد أثمرت، تحتها أنهار تجري، فقال: هذه الجنّة الّتي وصف الله (عزَّ وجلَّ) لعباده في الدُّنيا والحمد لله الّذي أدخلني الجنّة، فحمل من لؤلؤها ومن بنادق المسك والزَّعفران ولم يستطع أن يقلع من زبرجدها ومن ياقوتها لأنّه كان مثبتاً في أبوابها وجدرانها، وكان اللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران منثوراً بمنزلة الرَّمل في تلك القصور والغرف كُلّها، فأخذ منها ما أراد وخرج حتّى أتى ناقته وركبها، ثمّ سار يقفو أثر ناقته حتّى رجع إلى اليمن وأظهر ما كان معه وأعلم النّاس أمره، وباع بعض ذلك اللّؤلؤ وكان قد اصفارَّ وتغيّر من طول ما مرَّ عليه من اللّيالي والايّام، فشاع خبره وبلغ معاوية بن أبي سفيان، فأرسل رسولاً إلى صاحب صنعاء وكتب بإشخاصه، فشخص حتّى قدم على معاوية فخلا به وسأله عمّا عاين فقصَّ عليه أمر المدينة وما رأى فيها وعرض عليه ما حمله منها من اللّؤلؤ وبنادق المسك والزَّعفران، فقال: والله ما أعطى سليمان بن داود مثل هذه المدينة، فبعث معاوية إلى كعب الاحبار فدعاه وقال له: يا أبا إسحاق هل بلغك أنَّ في الدُّنيا مدينة مبنيّة بالذَّهب والفضّة وعمدها من الزَّبرجد
والياقوت وحصاء قصورها وغرفها اللّؤلؤ، وأنهارها في الازقّة تجري تحت الاشجار.
قال كعب: أمّا هذه المدينة فصاحبها شدَّاد بن عاد الّذي بناها وأمّا المدينة فهي إرم ذات العماد وهي الّتي وصف الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه المنزل على نبيّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذكر أنَّه لم يخلق مثلها في البلاد.
قال معاوية: حدِّثنا بحديثها فقال: إنَّ عادا الاُولى - وليس بعاد قوم هود (عليه السلام) - كان له ابنان سمّي أحدهما شديداً والاخر شدّاداً فهلك عاد وبقيا وملكا وتجبّراً وأطاعهما النّاس في الشرق والغرب، فمات شديد وبقي شدَّاد فملك وحده ولم ينازعه أحد.
وكان مولعاً بقراءة الكتب، وكان كلّما سمع بذكر الجنّة وما فيها من البنيان والياقوت والزَّبرجد واللؤلؤ رغب أن يفعل مثل ذلك في الدُّنيا عتوّاً على الله (عزَّ وجلَّ) فجعل على صنعتها مائة رجل تحت كلِّ واحد منهم ألف من الاعوان، فقال: انطلقوا إلى أطيب فلاة في الأرض وأوسعها، فاعملوا لي فيها مدينة من ذهب وفضّة وياقوت وزبرجد ولؤلؤ، واصنعوا تحت تلك المدينة أعمدة من زبرجد وعلى المدينة قصوراً، وعلى القصور غرفاً، وفوق الغرف غرفاً، وأغرسوا تحت القصور في أزقّتها أصناف الثمار كلّها وأجروا فيها الأنهار حتّى يكون تحت أشجارها، فإنّي قرأت في الكتب صفة الجنّة وأنا احبُّ أن أجعل مثلها في الدُّنيا.
قالوا له: كيف نقدر على ما وصفت لنا من الجواهر والذَّهب والفضّة حتّى يمكننا أن نبني مدينة كما وصفت؟.
قال شدَّاد: إلّا تعلمون أنَّ ملك الدُّنيا بيدي؟ قالوا: بلى، قال: فانطلقوا إلى كلِّ معدن من معادن الجواهر والذَّهب والفضّة فوكّلوا بها حتّى تجمعوا ما تحتاجون إليه، وخذوا ما تجدونه في أيدي النّاس من الذّهب والفضّة.
فكتبوا إلى كلِّ ملك في الشرق والغرب فجعلوا يجمعون أنواع الجواهر عشر سنين فبنوا له هذه المدينة في مدَّة ثلاثمائة سنّة، وعمر شدَّاد تسعمائة
سنّة فلمّا أتوه وأخبروه بفراغهم منها قال: انطلقوا فاجعلوا عليها حصناً، واجعلوا حول الحصن ألف قصر، عند كلِّ قصر ألف علم، يكون في كلِّ قصر من تلك القصور وزيرٌ من وزرائي فرجعوا وعملوا ذلك كلّه له، ثمَّ أتوه فأخبروه بالفراغ منها كما أمرهم به، فأمر النّاس بالتجهيز إلى إرم ذات العماد فأقاموا في جهازهم إليها عشر سنين.
ثمَّ سار الملك يريد إرم فلمّا كان من المدينة على مسيرة يوم وليلة بعث الله (عزَّ وجلَّ) عليه وعلى جميع من كان معه صيحة من السّماء فأهلكتهم جميعاً وما دخل إرم ولا أحدٌ ممّن كان معه، فهذه صفة إرم ذات العماد الّتي لم يخلق مثلها في البلاد.
وإنّي لاجد في الكتب أنَّ رجلاً يدخلها ويرى ما فيها ثمّ يخرج ويحدِّث النّاس بما يرى فلا يصدَّق، وسيدخلها أهل الدِّين في آخر الزمان.
قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: إذا جاز أن يكون في الأرض جنّة مغيبة عن أعين النّاس لا يهتدي إلى مكانها أحدٌ من النّاس ولا يعلمون بها ويعتقدون صحّة كونها من طريق الأخبار، فكيف لا يقبلون من طريق الأخبار كون القائم (عليه السلام) الان في غيبته، وإذا جاز أن يعمر شدّاد بن عاد تسعمائة سنّة فيكف لا يجوز أن يعمر القائم (عليه السلام) مثلها أو أكثر منها.
والخبر في شدَّاد بن عاد عن أبي وائل، والاخبار في القائم (عليه السلام) عن النبيِّ والائمّة صلوات الله عليهم فهل ذلك إلّا مكابرة في جحود الحقِّ.
ووجدت في كتاب المعمّرين أنَّه حكى عن هشام بن سعيد الرِّجّال قال: إنّا وجدنا حجراً بالاسكندريّة مكتوباً فيه أنا شدَّاد بن عاد وأنا الّذي شيّدت العماد الّتي لم يخلق مثلها في البلاد، وجنّدت الاجناد وشددت بساعدي الواد فبنيتهنَّ إذ لا شيب ولا موت، وإذ الحجارة في اللّين مثل الطين، وكنزت كنزاً في البحر على اثني عشر منزلاً لم يخرجه حتّى تخرجه امّة محمّد.
* * *
وعاش أوس بن ربيعة بن كعب بن اُميّة الاسلميُّ مائتين وأربع عشرة سنّة وقال في ذلك:
لقد عمرت حتّي ملَّ أهلي * * * ثوائي عندهم وسئمتُ عمري(1376)
وحُقَّ لِمَن أتى مائتان عاماً * * * عليه وأربعٌ من بعد عَشر
يملُّ من الثواء وصبح يوم(1377) * * * يغاديه وليلٌ بعدُ يَسري
فأبلَى جَدَّتي وتُرِكتُ شِلواً(1378) * * * وباح بما اُجِنُّ ضَميرَ صدري
وعاش أبو زبيد واسمه البدر بن حرملة الطّائي وكان نصرانيّاً خمسين ومائة سنة.
وعاش نصر بن دهمان بن (بصار بن بكر بن) سُليم بن أشجع بن الرَّيث بن غطفان مائة وتسعين سنّة حتّى سقطت أسنانه وخرف عقله وأبيضَّ رأسه فحزب قومه أمرٌ(1379) فاحتاجوا فيه إلى رأيه، ودعوا الله (عزَّ وجلَّ) أن يردَّ إليه عقله وشبابه، فعاد إليه عقله وشبابه وأسودَّ شَعره.
فقال فيه سلمة بن الخُرشُب الأنماريُّ من أنمار بن بغيض، ويقال: بل عياض مرداس السلمي:
لنصر بن دُهمانَ الهُنيدَة عاشها * * * وتسعينَ حولاً ثمّ قُوِّم فانصاتا(1380)
وعاد سواد الرَّأس بعد بياضه(1381) * * * وراجعه شرخ الشباب الّذي فاتا(1382)
وراجع عقلاً عند ما فات عقله * * * ولكنّه من بعد ذا كُلّه ماتا
وعاش سويد بن حذَّاق العبدي(1383) ومائتي سنة.
وعاش الجُعشم بن عوف بن حذيمة دهراً طويلاً فقال:
حتى متى الجُعشم في الاحياء * * * ليس بذي أيد ولا غَنَاء
هيهات ما للموت من دواء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1376) (ثوائي) أي اقامتي وفي رواية (فيهم) مكان (عندهم).
(1377) في نسخة (وصبح ليل).
(1378) الشلو - بالكسر -: بقية الشيء، والمشلى من الرِّجال: الخفيف اللحم. وفي رواية (وبقيت شلوا).
(1379) حزبه أمر أي نزل به مهم أو أصابه غم.
(1380) الهنيدة: المائة من الابل وغيرها، وقال أبو عبيدة: هي اسم لكل مائة وانصات الرَّجل إذا أجاب.
(1381) في رواية (بعد ابيضاضه).
(1382) شرخ الشباب أوله أو نضارته.
(1383) من عبد القيس بن أفصى بن دعمّي بن أسد بن ربيعة بن نزار.
وعاش ثعلبة بن كعب بن زيد بن عبد الاشهل الاوسي(1384) مائتي سنّة، فقال:
لقد صاحبت أقواماً فأمسوا(1385) * * * خُفاتاً ما يُجاب لهم دعاء
مضوا قصد السبيل وخلّفوني * * * فطال عليَّ بعدهم الثواء
فأصبحت الغداة رَهين بيتي * * * وأخلَفني من الموت الرجاء
وعاش رداءة بن كعب(1386) بن ذهل بن قيس النخعيُّ ثلاثمائة سنّة، وقال:
لم يَبقَ يا خذلة من لداتي * * * أبو بَنينَ لا ولا بنات(1387)
ولا عقيم غير ذي سبات(1388) * * * إلّا يعدُّ اليومَ في الأموات
هل مشترٍ أبيعه حياتي
وعاش عديُّ بن حاتم طيء عشرين ومائة سنة.
وعاش اماباة بن قيس بن الحارث بن شيبان الكنديِّ ستين ومائة سنة.
وعاش عميرة بن هاجر بن عمير بن عبد العزَّى بن قُمَير سبعين ومائة سنّة وقال:
بَليتُ وأفناني الزَّمان وأصبَحتَ * * * هُنَيدَة قد ابقيت(1389) من بعدها عشرا
وأصبحتُ مثلَ الفرخ لا أنا ميّتٌ * * * فاُسلى(1390) ولا حيٌّ فاُصدِرُ لي أمرا
وقد عِشتُ دهراً ما تُجنُّ عشيرتي * * * لها ميّتاً حتّى أخُطّ به قبرا
وعاش العرَّام بن منذر(1391) بن زُبيد بن قيس بن حارثة بن لَأم دهراً طويلاً في الجاهليّة، وأدرك عمر بن عبد العزيز واُدخل عليه وقد اختلفت ترقوتاه وسقط حاجباه فقيل له: ما أدركت؟ فقال:
ووالله ما أدري أأدركتُ اُمّة * * * على عهد ذي القرنين أم كنت أقدَما
مَتَى تخلعا منّي القميص تبيّنا * * * جاجيء(1392) لم يكسين لحماً ولا دماً
وعاش سيف بن وهب بن جذيمة الطائيُّ مائتي سنة وقال:
ألا إنّني عاجلاً ذاهبُ * * * فلا تَحسبوا أنّني كاذِبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1384) في بعض النسخ (الاشوس).
(1385) في رواية السجستاني (فاضحوا).
(1386) في بعض النسخ (رداد بن كعب). وأورده أبو حاتم السجستاني في (المعمرون) بعنوان جعفر بن قرط بن كعب بن قيس بن سعد وذكر له شعراً، ولعله كعب بن رداة النخعي كما ذكره ابن الكلبي على قول السجستاني.
(1387) لدة الرَّجل: تربه والجمع لدات.
(1388) السبات: النوم والراحة وفى بعض النسخ (ذي بتات) والبتات: متاع البيت. وفي رواية السجستاني (من مسقط الشمس إلى الفرات).
(1389) في رواية (قد انضيت).
(1390) في بعض النسخ (فابلى) وفى البحار (فابكى). وزاد في كتاب أبي حاتم السجستاني:
وقد كنت دهرا أهزم الجيش * * * واحداً وأعطى فلا منأ عطائي ولا نزرا
(1391) في بعض النسخ والكتب (عوام بن المنذر).
(1392) جاجيء جمع جؤجؤ وهو الصدر، وقيل: عظامه، وهو المراد هنا.
لبست شبابي فأفنيتُه * * * وأدركني القَدَر الغالبُ
وخصم دَفعتُ ومولّى نفعتُ * * * حتّى يثوب له ثائبُ
وعاش أرطاة بن دشهبة المزنيُّ عشرين ومائة سنّة، فكان يكنّى أبا الوليد، فقال له عبد الملك بن مروان: ما بقي من شعرك يا أرطاة؟ قال: يا أمير المؤمنين إنّي لا أشرب ولا أطرب ولا أغضب، ولا يجيئني الشعراء إلّا على أحد هذه الخصال على أنّي أقول:
رأيت المرء تأكله اللّيالي * * * كأكل الأرض ساقطة الحديد
وما تبقي المنيّة حين تأتي * * * على نفس ابن آدم من مزيد
وأعلم أنّها ستكرُّ حتّى * * * توفّى نذرَها بأبي الوليد
فارتاع عبد الملك(1393)، فقال: يا أرطاة. فقال أرطاة: يا أمير المؤمنين إنّي اُكنّى أبا الوليد.
وعاش عبَيد بن الأبرص(1394) ثلاثمائة سنّة فقال:
فَنيتُ وأفناني الزَّمان وأصبَحت * * * لداتي بنو نَعش وزهر الفراقد(1395)
ثمَّ أخذه النعمان بن المنذر يوم بؤسه فقتله.
وعاش شُريح بن هانيء عشرين ومائة سنة حتّى قتل في زمن الحجّاج بن يوسف فقال في كبره وضعفه:
أصبحت ذا بثٍّ اقاسي الكبر * * * قد عِشتُ بين المشركين أعصرا
ثُمتَ أدركت النبيَّ المنذَرا * * * وبعده صدِّيقه وعمرا
ويَوم مَهران ويوم تسترا * * * والجمع في صِفِّينهم والنهَّرا(1396)
هيهات ما أطول هذا عمرا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1393) أي فزع لمّا ظن أنَّه أراد بابي الوليد اياه.
(1394) هو عبيد بن الابرص الاسدي الشاعر من بني سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد وقتله كما في هامش (المعمرون) المنذر بن ماء السّماء وهو أحد فحول الشعراء الجاهلي.
(1395) الفراقد جمع فرقد، وهو النجم الّذي يهتدي به.
(1396) يوم مهران ويوم تستر يومان من أيّام المسلمين المشهورة في تاريخ الفتوحات الإسلامية ببلاد الفرس. والاشعار في كتاب السجستاني مصرعها الاوَّل ساقط وجعل المصراع الثاني مكانه وهكذا إلى آخرها.
وعاش رجلٌ من بني ضبّة يقال له: المسجاح بن سباع الضّبيِّ(1397) دهراً طويلاً فقال:
لقد طوَّفت في الافاق حتّى * * * بليت وقد أنى لي لَو أبيدُ(1398)
وأفناني ولو يفنى نهارٌ * * * وليل كلّما يمضي يَعودُ
وشهرٌ مُستهلٌّ بعد شهر * * * وحَولٌ بعده حول جديد
وعاش لقمان العاديُّ الكبير(1399) خمسمائة وستّين سنّة، وعاش عمر سبعة أنسر [عاش] كلُّ نسر منها ثمانين عاماً، وكان من بقية عاد الاُولى.
وروى أنَّه عاش ثلاثة آلاف سنّة وخمسمائة سنّة، وكان من وفد عاد الّذين بعثهم قومهم إلى الحرم ليستسقوا لهم، وكان اعطي عمر سَبعة أنسر وكان يأخذ فرخ النسر الذَّكر فيجعله في الجبل الّذي هو في أصله فيعيش النسر منها ما عاش، فإذا مات أخذ آخر، فربّاه حتّى كان آخرها لبد، وكان أطولها عمراً، فقيل فيه: (طال الأبد على لبد)(1400).
وقد قيل فيه أشعار معروفة(1401)، وأعطي من القوَّة والسمع والبصر على قدر ذلك وله أحاديث كثيرة.
وعاش زهير بن جناب(1402) بن هُبَل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الله بن رفيدة بن ثور بن كلب الكلبي ثلاثمائة سنّة(1403).
وعاش مزيقيا واسمه عمر بن عامر وهو ماء السّماء لأنّه كان حياة أينما نزل كمثل ماء السّماء، وإنّما سمي مزيقيا لأنّه عاش ثمانمائة سنّة، أربعمائة سوقة، واربعمائة ملكاً، وكان يلبس كلّ يوم حلّتين، ثمَّ يأمر بهما فيمزَّقان حتّى لا يلبسهما أحد غيره.
وعاش هُبَل بن عبد الله بن كنانة ستّمائة سنّة(1404).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1397) قال ابن دريد: مسحاج بن سباع. وفي (المعمرون) مسجاح بن خالد بن الحارث بن قيس بن نصر بن عائذة بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة. وقال: زعموا أنَّه قال - ثمّ ذكر ما في المتن من الشعر وزاد:
ومفقود عزيز الفقد تأتي * * * منيته ومأمول وليد
(1398) في بعض النسخ (بليت وآن لى أنَّ قد أبيد) وكذا في (المعمرون).
(1399) هو غير لقمان الّذي عاصر داود النبيّ (عليه السلام).
(1400) راجع مجمع الامثال ص 372.
(1401) قال لبيد بن ربيعة الجعفري من بني كلاب فيه:
ولقد رأى لبد النسور تطايرت * * * رفع القوادم كالفقير الاعزل
من تحته لقمان يرجو نهضه * * * ولقد رأى لقمان إلّا يأتلى
وقال الضبي فيه:
أو لم تر لقمان أهلكه * * * ما افتات من سنة ومن شهر
وبقاء نسر كلما انقرضت * * * أيامه عادت الى نسر
وقال النابغة الذبياني:
أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا * * * أخنى عليها الّذي أخنى على لبد
وأخنى أي أفسد.
(1402) في بعض النسخ (حباب).
(1403) في (المعمرون) عاش أربعمائة سنّة وعشرين سنة.
(1404) قال السجستاني (سبعمائة) وذكر له حكاية.
وعاش أبو الطحمان القَينيُّ(1405) مائة وخمسين سنة.
وعاش مستوغر بن ربيعة بن كعب بن زيد مناة بن تميم ثلاثمائة وثلاثين سنّة، ثمَّ أدرك الاسلام فلم يسلم وله شعر معروف(1406).
وعاش دويد بن زيد بن نهد أربعمائة سنّة وخمسين سنّة فقال في ذلك:
ألقى عليَّ الدَّهر رجلاً ويداً * * * والدَّهر ما أصلح يوماً أفسدا
يُفسد ما أصلحه اليوم غدا
وجمع بنيه حين حضرته الوفاة فقال: (يا بَنيَّ أوصيكم بالنّاس شرّاً لاتقبلوا لهم معذرة، ولا تقيلوا لهم عثرة...)(1407).
وعاشَ تيم الله بن ثعلبة بن عُكاية مائتي سنّة(1408).
وعاش ربيع بن ضبع بن وهب بن بَغيض بن مالك بن سعد بن عدِّي بن فزارة مائتين وأربعين سنّة(1409) وأدرك الاسلام فلم يسلم.
وعاش معدي كرب الحميريُّ من آل ذي يزن مائتين وخمسين سنة.
وعاش شرية بن عبد الله الجعفي ثلاثمائة سنّة فقدم على عمر بن الخطّاب بالمدينة فقال: لقد رأيت هذا الوادي الّذي أنتم فيه وما به قطرة ولا هضبة(1410) ولا شجرة، ولقد أدركت اخريات قومي يشهدون شهادتكم هذه - يعني لا إله إلّا الله - ومعه ابن له يهادى(1411) قد خرف، فقيل له: يا شرية هذا ابنك قد خرف وبك بقيّة؟ فقال: والله ما تزوَّجت امّه حتّى أتت علىَّ سبعون سنّة ولكنّي تزوَّجتها عنيفة سَتيرةً إن رضيت رأيت ما تقرُّبه عيني وإن سخطت تأتّت لي حتّى أرضى، وإنَّ ابني هذا تزوَّج امرأة بذيّة فاحشة أن رأى ما تقرُّبه عينه تعرَّضت له حتّى يسخط وإن سخط تلغّبته حتّى يهلك(1412).
حدَّثنا أبو سعيد عبد الله بن محمّد بن عبد الوهّاب بن نصر السّجزيُّ(1413) قال: سمعت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1405) اسمه حنظلة بن الشرقي وهو من بني كنانة بن القين وفي (المعمرون) عاش مائتي سنة. وقد يظهر من القاموس كونه شاعراً.
(1406) أولها (ولقد سئمت من الحياة وطولها * وعمرت من عدد الستين مئينا).
(1407) بقية وصيته: (أوصيكم بالناس شراً، طعناً وضرباً، قصروا الاعنة، واشرعوا الاسنة، وارعوا الكلاء وان كان على الصفا، وما احتجتم إليه فصونوه، وما استغنيتم عنه فأفسدوه على من سواكم، فإنَّ غش النّاس يدعو إلى سوء الظن، وسوء الظن يدعوا إلى الاحتراس) انتهى. راجع نسخة اخرى من وصية (دويد) امالي السيّد رحمه الله ج 1 ص 171.
ونظير ذلك الكلام وصية جده نهد بن زيد. وكأن معاوية بن أبى سفيان قرأ هذه الوصية وعمل بها حين بعث سفيان بن عوف الغامدي إلى غارة الانبار حيث أوصاه - كما في شرح الحديدي - بان اقتل من لقيت ممّن ليس على مثل رأيك، وأخرب كلّ ما مررت به من القرى وانتهب الأموال - الخ. وكذا في وصية يزيد ابنه حين بعث مسلم بن عقبة إلى المدينة في فتنة ابن الزبير.
(1408) في (المعمرون) خمسمائة سنّة وقال: كان من دهاة العرب في زمانه.
(1409) في (المعمرون) (عاش اربعين وثلاثمائة سنّة).
(1410) الهضبة: المطرة. وفي رواية (قصبة).
(1411) أي يميل في المشي.
(1412) اللغب: التعب والاعياء.
(1413) في بعض النسخ (نصير الشجري).
أبا الحسن(1414) أحمد بن محمّد بن عبد الله بن حمزة بن زيد الشعرانيّ من ولد عمّار ابن ياسر رضي الله عنه يقول: حكي لي أبو القاسم محمّد بن القاسم المصريُّ: أنَّ أبا - الجيش(1415) حمادويه بن أحمد بن طولون كان قد فتح الله عليه من كنوز مصر ما لم يرزق أحد قبله، فغزى بالهرمين(1416) فأشار إليه جلساؤه وحاشيته وبطانته بأن لا يتعرَّض لهدم الاهرام فإنّه ما تعرَّض لهذه أحد فطال عمره، فألحَّ في ذلك وأمر ألفاً من الفعلة أن يطلبوا الباب، فكانوا يعملون سنّة حواليه حتّى ضجروا وكلّوا، فلمّا همّوا بالانصراف بعد الاياس منه وترك العمل وجدوا سَرَباً فقدروا أنَّه الباب الّذي يطلبونه، فلمّا بلغوا آخره وجدوا بلاطة قائمة(1417) من مرمر فقدروا أنّها الباب فاحتالوا فيها إلى أن قلعوها وأخرجوها [قال محمّد بن المظفّر وجدوا من ورائها بناء منضمّاً لا يقدروا عليه فأخرجوها ثمّ نظّفوها] فإذا عليها كتابة باليونانيّة، فجمعوا حكماء مصر وعلماءها من سائر الأديان، فلم يهتدوا لها.
وكان [في القوم] رجل يعرف بأبي عبد الله المدينيِّ أحد حفّاظ الدُّنيا وعلمائها فقال لابي الجيش حمادويه بن أحمد: أعرف في بلد الحبشة اُسقُفاً قد عمر وأتى عليه ثلاثمائة وستّون سنة يعرف هذا الخطَّ، وقد كان عزم على أن يعلّمنيه فلحرصي على علم العرب لم أقم عنده وهو باق، فكتب أبو الجيش إلى ملك الحبشة يسأله أن يحمل هذا الاسقف إليه، فأجابه أنَّ هذا شيخ قد طعن في السنِّ وقد حطمه الزَّمان وإنّما يحفظه هذا الهواء وهذا الإقليم، ويخاف عليه أن نقل إلى هواء آخر وإقليم آخر ولحقته حركة وتعب ومشقّة السفر أن يتلف، وفي بقائه لنا شرف وفرح وسكينة، فإن كان لكم شيء يقرؤه أو يفسره أو مسألة تسألونه فاكتب لى بذلك، فحملت البلاطة في قارب(1418) إلى بلد اُسوان من الصعيد الاعلى، وحملت من اسوان على العجلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1414) في بعض النسخ (سمعت أبا الحسين).
(1415) في بعض النسخ (أبا الحسن) وكذا فيما يأتي.
(1416) الهرمان - بالتحريك -: بناعان اوليان بمصر بناهما ادريس لحفظ العلوم فيهما عن الطومان. أو بناء سنان بن المشلشل، أو بناء الاوائل لمّا علموا بالطوفان من جهة النجوم وفيها كلّ طب وسحر وطلسم. وهناك أهرام صغار كثيرة (القاموس).
(1417) البلاط: الحجارة المفروشة في الدار.
(1418) أي سفينة صغيرة.
إلى بلد الحبشة وهي قريبة من الاسوان، فلمّا وصلت قرأها الاسقف وفسّر ما كان فيها بالحبشيّة، ثمَّ نقلت إلى العربيّة فإذا فيها مكتوب:
أنا الرَّيّان بن دومغ، فسئل أبو عبد الله المدينيُّ عن الريّان من كان؟ فقال: هو والد العزيز الملك الّذي كان في زمان يوسف النبيّ (عليه السلام) واسمه الوليد بن الريان ابن دومغ. وكان عمر العزيز سبعمائة سنّة، وعمر الرَّيّان والده ألف وسبعمائة سنّة وعمر دومغ ثلاثة آلاف سنة.
فإذا فيها: أنا الرَّيّان بن دومغ خرجتُ في طلب علم النيل الأعظم لاعلم فيضه ومنبعه إذ كنت أرى مفيضه فخرجت ومعي من صحبني أربعة آلاف رجل فسرت ثمانين سنّة إلى أن انتهيت إلى الظلمات والبحر المحيط بالدُّنيا فرأيت النيل يقطع البحر المحيط ويعبر فيه ولم يكن لي منفذ، وتماوت أصحابي(1419) وبقيت في أربعة آلاف رجل فخشيت على ملكي، فرجعت إلى مصر وبنيت الاهرام والبرانيَّ وبنيت الهرمين وأودعتهما كنوزي وذخائري، وقلت في ذلك:
وأدرك علمي بعض ما هو كائن * * * ولا علم لي بالغيب والله أعلم
وأتقنت ما حاولت إتقان صنعه * * * وأحكمته والله أقوى وأحكم
وحاولت علم النيل من بدء فيضه * * * فأعجزني والمرء بالعجز ملجم
ثمانين شاهورا قطعت مسايحاً * * * وحولي بني حجر وجيش عرموم(1420)
إلى أن قطعت الانس والجنَّ كلّهم * * * وعارضني لجٌّ من البحر مظلم
فأيقنت أنَّ لا منفذ بعد منزلي * * * لذي همّة(1421) بعدي ولا متقدم
فابت إلى ملكي وأرسيت ثاوياً * * * بمصر وللايام بؤس وأنعم
أنا صاحب الاهرام في مصر كلها * * * وباني برانيها بها والمقدَّم
تركت بها آثار كفّي وحكمتي * * * على الدَّهر لا تبلي ولا تتهدَّم(1422)
وفيها كنوز جمّة وعجائب * * * وللدّهر أمر مرَّة وتجهّم(1423)
سيفتح أقفالي ويبدي عجائبي * * * وليٌّ لربّي آخر الدّهر ينجم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1419) تماوت. تظاهر أنَّه مات وأظهر التخافت والتضاعف.
(1420) العرمرم: الجيش الكثير.
(1421) في بعض النسخ (لذي نهبة) وفي بعضها (لذي هيبة).
(1422) في بعض النسخ (تتثلم).
(1423) في نسخة (تهجم).
بأكناف بيت الله تبدو اموره * * * فلابدَّ أن يعلو ويسمو به السم
ثمان وتسع واثنتان وأربع * * * وتسعون اخرى من قتيل وملجم
ومن بعد هذا كرّ تسعون تسعة * * * وتلك البراني تستخرّ وتهدم
وتبدى كنوزي كلّها غير أنّني * * * أرى كلَّ هذا أن يفرّقها الدَّم
زبرت مقالي في صخور قطعتها * * * ستبقي وأفنى بعدها ثمَّ اُعدم
فحينئذ قال أبو الجيش حمادويه بن أحمد: هذا شيء ليس لأحد فيه حيلة إلّا القائم من آل محمّد (عليه السلام) وردت البلاطة كما كانت مكانها.
ثم إنَّ أبا الجيش بعد ذلك بسنة قَتَله طاهر الخادم [ذبحه] على فراشه وهو سكران، ومن ذلك الوقت عرف خبر الهرمين ومَن بناهما، فهذا أصحُّ ما يقال من خبر النيل والهرمين.
وعاش ضُبيرة بن [سعيد بن] سعد بن سهم القرشيُّ مائة وثمانين سنّة، وأدرك الاسلام فهلك فجأة.
وعاش لبيد بن ربيعة الجعفري مائة وأربعين سنّة وأدرك الاسلام فأسلم، فلمّا بلغ سبعون سنّة من عمره أنشأ يقول في ذلك:
كأنّي وقد جاوزت سبعين حجّة * * * خلعت بها عن منكبي ردائيا
فلما بلغ سبعا وسبعين سنّة أنشأ يقول:
باتت تشكي إلي النفس مجهشة * * * وقد حملتك سبعاً بعد سبعينا
فان تزيدي ثلاثاً تبلغي أملا * * * وفي الثلاث وفاء للثمانينا
فلمّا بلغ تسعين سنّة أنشأ يقول:
كأني وقد جاوزت تسعين حجّة * * * خلعت بها عنّي عذار لثامي
رمتني بنات الدَّهر من حيث لا أرى * * * وكيف بمن يرمى وليس برام
فلو أنّني ارمى بنبل رأيتها * * * ولكنّني اُرمي بغير سهام
فلمّا بلغ مائة وعشر سنين أنشأ يقول:
أليس في مائة قد عاشها رجلٌ * * * وفي تكامل عشر بعدها عمر
فلمّا بلغ مائة وعشرين سنّة أنشأ يقول:
قد عشت دهراً قبل مجرى داحس * * * لو كان للنفس اللّجوج خلود
فلما بلغ مائة وأربعين سنّة أنشأ يقول:
ولقد سئمت من الحياة وطولها * * * وسؤال هذا النّاس كيف لبيد
غلب الرِّجال وكان غير مغلب * * * دهر طويل دائم ممدود
يوما إذا يأتي عليَّ وليلة * * * وكلاهما بعد المضيِّ يعود
فلمّا حضرته الوفاة قال لابنه: يا بنيَّ أنَّ أباك لم يمت ولكنّه فني فإذا قبض أبوك فأغمضه وأقبل به القبلة وسجّه بثوبه، ولا أعلمنَّ ما صرخت عليه صارخة أو بكت عليه باكية، وانظر جفنتي الّتي كنت اُضيف بها فأجد صنعتها، ثمّ احملها إلى مسجدك وإلى من كان يغشاني عليها فإذا قال الامام: (سلام عليكم) فقدّمها إليهم يأكلون منها فإذا فرغوا فقل: احضروا جنازة أخيكم لبيد بن ربيعة فقد قبضه الله (عزَّ وجلَّ) ثمّ أنشأ يقول:
وإذا دفنت أباك فاجعل * * * فوقه خشباً وطيناً
وصفائح صمّاً روا * * * شنها تسدّدن الغصونا
ليقين حرَّ الوجه سفساف * * * التراب ولن يقينا
وقد ورد في الخبر في حديث لبيد بن ربيعة في أمر الجفنة غير هذا، وذكروا أنَّ لبيد بن ربيعة جعل على نفسه أنَّ كلّما هبت الشمال أن ينحر جزوراً فيملأ الجفنة الّتي حكوا عنها في أوّل حديثه.
فلمّا ولي الوليد بن عقبة بن أبي معيط الكوفة خطب النّاس فحمد الله (عزَّ وجلَّ) وأثنى عليه وصلى على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمّ قال: أيّها النّاس قد علمتم حال لبيد بن ربيعة الجعفريّ وشرفه ومروءته، وما جعل على نفسه كلّما هبت الشمال أن ينحر جزوراً فأعينوا أبا عقيل على مروءته، ثمّ نزل وبعث إليه بخمسة من الجزر، ثمّ أنشأ يقول فيها:
أرى الجزَّار يشحذ شفرتيه * * * إذا هبّت رياح أبي عقيل
طويل الباع أبلج جعفريّ * * * كريم الجدِّ كالسيف الصيقل
وفي ابن الجفعريِّ بما لديه * * * على العلّات(1424) والمال القليل
وقد ذكروا أنَّ الجزر كانت عشرين، فلمّا أتته قال: جزي الله الأمير خيراً قد عرف أنّي لا أقول الشعر ولكن أخرجي يا بنيّة، فخرجت إليه بنية له
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1424) على العلات أي على كلّ حال.
خماسيّة، فقال لها: أجيبي الأمير، فأقبلت وأدبرت، ثمَّ قالت: نعم وأنشأت تقول:
إذا هبّت رياح أبي عقيل * * * دعونا عند هبّتها الوليدا
طويل الباع أبلج عبشميّاً(1425) * * * أعان على مروءته لبيدا
بأمثال الهضاب(1426) كأنّ ركباً * * * عليها من بني حام قعودا
أبا وهب جزاك الله خيراً * * * نحرناها وأطعمنا التريدا
فعد أنَّ الكريم له معاد * * * وعهدي بابن أروى أن تعودا
فقال: لها: أحسنت يا بنية لولا إنّك سألت، قالت: إنَّ الملوك لا يستحيى من مسألتهم، قال: وأنت يا بنيّة أشعر.
وعاش ذو الاصبع العدوانيُّ واسمه حرثان بن الحارث بن محرَّث بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن الظرب بن عثمان ثلاثمائة سنة.
وعاش جعفر بن قبط(1427) ثلاثمائة سنّة وأدرك الاسلام.
وعاش عامر بن الظرب العدوانيّ ثلاثمائة سنّة(1428).
وعاش محصِّن بن عتبان بن ظالم بن عمرو بن قطيعة بن الحارث بن سلمة بن مازن الزُّبيديُّ مائتين وخمسين سنّة، وقال في ذلك:
ألا يا سلم إنّي لست منكم * * * ولكنّي امرءٌ قوتي سغوب(1429)
دعاني الدّاعيان فقلت: هيّا(1430) * * * فقالا: كلُّ من يدعى يُجيب
ألا يا سلم أعياني قيامي * * * وأعيتني المكاسب والذُّهوب(1431)
وصرت رذية(1432) في البيت كلّا * * * تأذَّى بي إلّا باعد والقريب
كذاك الدَّهر والأيّام خون(1433) * * * لها في كلِّ سائمة نصيب
وعاش عوف بن كنانة الكلبيُّ ثلاثمائة سنّة فلمّا حضرته الوفاة جمع بنيه فأوصاهم وهو عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد بن ثور بن كلب فقال: يا بنيَّ احفظوا وصيّتي فإنّكم أن حفظتموها سدتم قومكم من بعدي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1425) منسوب إلى عبد شمس بجوار أو ولاء أو حلف.
(1426) شبه الجزور بالهضاب وهو الحبل المنبسط.
(1427) كذا ولعل الصواب (جعفر بن قرط) بضم القاف وسكون الراء وهو جعفر بن قرط بن كعب بن قيس بن سعد. وذكر ابن الكلبي أنَّه جعفر بن قرط بن عبد يغوث بن كعب ابن ردة الشاعر.
(1428) في (المعمرون) مائتي سنة.
(1429) السغب: الجوع وفي رواية (ولكني امرء قومي شعوب).
(1430) في رواية (أيّهاً) وكلاهما كلمة زجر.
(1431) في بعض النسخ (الرهوب) وفي بعضها (الركوب).
(1432) الرذى من أثقله المرض والضعف من كلّ شيء (القاموس).
(1433) جمع الخوان: ما يؤكل عليه الطعام.
إلهكم فاتقوه، ولا تحزنوا ولا تخونوا، ولا تثيروا السباع(1434) من مرابضها فتندموا وجاوزوا النّاس بالكف عن مساويهم فتسلموا وتصلحوا، وعفّوا عن الطلب إليهم ولا تستقلوا(1435)، وألزموا الصمت إلّا من حقٍّ تحمدوا، وابذلوا لهم المحبّة تسلم لكم الصدور، ولا تحرموهم المنافع فيظهروا الشكاة، وتكونوا منهم في ستر ينعم بالكم، ولا تكثروا مجالستهم فيُستخفّ بكم، وإذا نزلت بكم معضلة فاصبروا لها، وألبسوا للدَّهر أثوابه فإنَّ لسان الصدق مع المسكنة خيرٌ من سوء الذِّكر مع الميسرة، ووطّنوا أنفسكم على المذلة لمن تذلّل لكم فإنَّ أقرب الوسائل المودَّة، وإنَّ أتعبت النشب البغضة، وعليكم بالوفاء، وتنكّبوا العذر يأمن سربكم، [وأصيخوا للعدل] وأحيوا الحسب بترك الكذب فإنَّ آفة المروءة الكذب والخلف، ولا تعلموا النّاس أقتاركم فتهونوا عليهم وتخملوا، وإياكم والغربة فإنّها ذلّة، ولا تضعوا الكرائم إلّا عند الأكفاء وابتغوا لانفسكم المعالي، ولا يختلجنّكم جمال النساء عن الصحة(1436) فإنَّ نكاح الكرائم مدارج الشرف، واخضعوا لقومكم، ولا تبغوا عليهم لتنالوا المنافس، ولا تخالفوهم فيما اجتمعوا عليه فإنَّ الخلاف يزري بالرئيس المطاع، وليكن معروفكم لغير قومكم من بعدهم، ولا توحشوا أفنيتكم من أهلها فإنَّ إيحاشها إخماد النّار ودفع الحقوق، وارفضوا النائم بينكم [تسلموا]، وكونوا أعواناً عند الملمات(1437) تغلبوا، واحذروا النجعة(1438) إلّا في منفعة لا تصابوا، وأكرموا الجار يخصب جنابكم، وآثروا حقَّ الضعيف على أنفسكم، وألزموا مع السفهاء الحلم تقلّ همومكم، وإيّاكم والفرقة فإنها ذلة، ولا تكلّفوا أنفسكم فوق طاقتها إلّا المضطر فإنكم لن تلاموا عند اتّضاح العذر وبكم قوَّة خيرٌ من أن تعاونوا في الاضطرار منكم إليهم بالمعذرة(1439)، وجدُّوا ولا تفرطوا فإنَّ الجدَّ مانع الضيم، ولتكن كلمتكم واحدة تعزُّوا ويرهف حدّكم ولا تبذلوا الوجوه لغير مكرميها فتكلحوها ولا تجشّموها أهل الدَّناءة فتقصروا بها(1440) ولا تحاسدوا فتبوروا، واجتنبوا البخل فإنّه داء، وابنوا المعالي بالجود والأدب ومصافاة أهل الفضل والحباء(1441) وابتاعوا المحبّة بالبذل، ووقّروا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1434) في بعض النسخ (تستثيروا السباع).
(1435) في بعض النسخ (لئلّا تستثقلوا).
(1436) في رواية (عن صراحة النسب). وفي بعض النسخ (عن النصيحة). وفي وصية أكثم بن صيفي (يا بني لا يغلبنكم جمال النساء عن صراحة النسب.
(1437) في رواية (وكونوا أنجادا عند الملمات تغلبوا).
(1438) النجعة وزان الرقعة طلب الكلاء في موضعه وفي رواية (واحذروا النجعة الّتي في المنعة).
(1439) في رواية (فلئن تلاموا وبكم قوه خير من أن تعاونوا بالعجز).
(1440) في بعض النسخ (لغير مكرمة فتخلقوها ولا تحتشموا أهل الدناءة فتقصروا بها) وفي بعض النسخ (ولا تحتشموها). والتجشم: التكلف.
(1441) في رواية (وابتنوا المباني بالادب ومصافاة أهل الحباء). والحباء: العطاء بلا جزاء.
أهل الفضل، وخذوا عن أهل التجارب، ولا يمنعكم من معروف صغره فإنَّ له ثواباً، ولا تحقروا الرِّجال فتزدروا، فإنّما المرء بأصغريه ذكاء قبله ولسان يعبّر عنه، وإذا خوفتم داهيةً فعليكم بالتثبت قبل العجلة، والتمسوا بالتودد المنزلة عند الملوك، فإنهم من وضعوه اتّضع، ومن رفعوه ارتفع، وتنبّلوا تسم إليكم الأبصار، وتواضعوا بالوقار ليحبّكم ربّكم، ثمّ قال:
وما كلُّ ذي لبٍّ بموتيك نصحه * * * ولا كلُّ مؤت نضحه بلبيب
ولكن إذا ما استجمعا عند واحد * * * فحقٌّ له من طاعة بنصيب
وعاش صيفيُّ بن رياح بن أكثم أحد بني أسد بن عمر بن تميم مائتين وسبعين سنّة وكان يقول: لك على أخيك سلطان في كلِّ حال إلّا في القتال، فإذا أخذ الرَّجل السلاح فلا سلطان لك عليه، وكفى بالمشرفيّة واعظاً(1442)، وترك الفخر أبقى للثناء، وأسرع الجرم عقوبة البغي، وشرُّ النصرة التعدِّي، وألام الاخلاق أضيقها، ومن سوء الادب كثرة العتاب(1443)، وأقرع الأرض بالعصاء. - فذهبت مثلاً -(1444).
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا * * * وما علم الانسان إلّا ليعلما
وعاش عبّاد بن شداد اليربوعيُّ: مائة وخمسين سنّة(1445).
وعاش أكثم بن صيفي أحد بني أسد بن عمرو بن تميم ثلاثمائة وستّين سنّة وقال بعضهم مائة وتسعين سنّة وأدرك الاسلام فاختلف في إسلامه إلّا أنَّ أكثرهم لا يشكُّ في أنَّه لم يسلم فقال في ذلك:
وإنّ امرءاً قد عاش تسعين حجّة * * * إلى مائة لم يسأم العيش جاهل
خلت مائتان غير ستّ وأربع * * * وذلك من عدِّ الليالي قلائل
وقال محمّد بن سلمة: أقبل أكثم بن صيفي يريد الاسلام فقتله ابنه عطشا فسمعت أنَّ هذه الآية نزلت فيه (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على الله)(1446) ولم تكن العرب تقدَّم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1442) المشرفية سيوف جيدة تنسب إلى مشارف الشام.
(1443) في بعض (النسخ) ومن الاذى كثرة العتاب).
(1444) القرع - بالفتح -: الضرب، والمراد أن ينبه الانسان صاحبه عند خطئه. وأصل المثل أنَّ عامر بن الظرب طعن في السن وأنكر قومه من عقله شيئاً، فقال لبنيه: اذا رأيتمونى خرجت من كلامي وأخذت في غيره فاقرعوا إلى المحجن بالعصا فكانوا يقرعونه والارض.
(1445) في (المعمرون) مائة وثمانين سنّة وفي بعض النسخ (عاد بن شداد).
(1446) النساء: 99.
عليه أحداً في الحكمة، وإنّه لمّا سمع برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعث ابنه حليساً(1447) فقال: يا بنيَّ إنّي أعظك بكلمات فخذ بهنَّ من حين تخرج من عندي إليَّ أن ترجع إلي، ائت نصيبك في شهر رجب فلا تستحله فيستحلُّ منك، فإنَّ الحرام ليس يُحرّم نفسه وإنّما يحرمه أهله، ولا تمرنَّ بقوم إلّا نزلت عند أعزِّهم وأحدث(1448) عقداً مع شريفهم، وإيّاك والذليل فإنّه أذلَّ نفسه ولو أعزَّها لاعزَّه قومه فإذا قدمت على هذا الرَّجل فاني قد عرفته وعرفت نسبه وهو في بيت قريش واعز العرب وهو أحد رجلين إمّا ذو نفس أراد ملكاً، فخرج للملك بعزِّه فوقّره وشرِّفه وقم بين يديه ولا تجلس إلّا باذنه حيث يأمرك ويشير إليك فإنّه إن كان ذلك(1449) كان أدفع لشرِّه عنك وأقرب لخيره منك، فإن كان نبيّاً فإنَّ الله لا يُحَسُّ فيتوهّم ولا ينظر فيتجسّم، وإنّما يأخذ الخيرة حيث يعلم(1450) لا يخطئ فيستعتب إنّما أمره على ما يحبُّ وإن كان نبيّاً فستجد أمره كلّه صالحاً وخبره كلّه صادقاً، وستجده متواضعاً في نفسه متذلّلاً لربّه، فذلّ له فلا تحدثنَّ أمراً دوني، فإنَّ الرَّسول إذا أحدث الامر من عنده خرج من يدي الّذي أرسله، واحفظ ما يقول لك إذا ردَّك إلي فانّك لو توهّمت أو نسيت جشمتني(1451) رسولاً غيرك.
وكتب معه باسمك اللّهمَّ من العبد إلى العبد؛ أما بعد: فأبلغنا ما بلغك فقد أتانا عنك خبر لا ندري ما أصله، فإنَّ كنت اريت فأرنا، وإن كنت عُلّمت فعلّمنا وأشركنا في كنزك والسلام.
فكتب إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيما ذكروا: (من محمّد رسول الله إلى أكثم ابن صيفي: أحمد الله إليك أنَّ الله تعالى أمرني أن أقول: لا إله إلّا الله، وآمر النّاس بقولها، والخلق خلق الله (عزَّ وجلَّ) والأمر كلّه لله خلقهم وأماتهم وهو ينشرهم وإليه المصير، أدَّبتكم بآداب المرسلين ولتسألن عن النبأ العظيم ولتعلّمنَّ نبأه بعد حين).
فلمّا جاءه كتاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لابنه: يا بنيَّ ماذا رأيت؟ قال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها، تجمع أكثم بن صيفي إليه بني تميم ثمّ قال:
يا بني تميم لا تحضروني سفيهاً فإنَّ من يسمع بخل، ولكلِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1447) في بعض النسخ (حبيشاً).
(1448) في بعض النسخ (وأخذت).
(1449) أي أن كان ملكاً.
(1450) لعل المعنى الله يعلم حيث يجعل رسالاته.
(1451) أي كلفتني.
انسان رأى في نفسه، وانَّ السفيه واهن الراى وان كان قوِّى البدن ولاخير فيمن لا عقل له.
يا بني تميم كبرت سنّي ودخلتني ذلّة الكبر فإذا رأيتم منّى حسناً فاتوه، واذا انكرتم منّى شيئاً فقوِّموني بالحقِّ أستقم له، إنَّ ابني قد جاءني وقد شافه هذا الرَّجل فرآه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويأخذ بمحاسن الأخلاق، وينهى عن ملائمها، ويدعوا إلى أن يعبد الله وحده، وتخلع الأوثان ويترك الحلف بالنيران. ويذكر أنَّه رسول الله، وأنَّ قبله رسلاً لهم كتب، وقد علمت رسولاً قبله كان يأمر بعبادة الله (عزَّ وجلَّ) وحده، إنَّ أحق النّاس بمعاونة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومساعدته على أمره أنتم، فإن يكن الّذي يدعو إليه حقّاً فهو لكم، وإن يك باطلاً كنتم أحقُّ من كفَّ عنه وستر عليه.
وقد كان اسقف نجران يحدِّث بصفته، ولقد كان سفيان بن مجاشع قبله يحدِّث به وسمى ابنه محمداً، وقد علم ذوو الرأي منكم أنَّ الفضل فيما يدعو إليه ويأمر به، فكونوا في أمره أوّلاً ولا تكونوا أخيراً، اتّبعوه تشرَّفوا، وتكونوا سنام العرب، واتوه طائعين من قبل أن تأتوه كارهين، فإنّي أرى أمراً ما هو بالهوينا لا يترك مصعداً إلّا صعّده ولا منصوباً إلّا بلّغه، إنَّ هذا الّذي يدعوا إليه لو لم يكن دينا لكان في الاخلاق حسناً، أطيعوني واتّبعوا أمري أسأل لكم ما لا ينزع منكم أبداً، إنّكم أصبحتم أكثر العرب عدداً، وأوسعهم بلداً، وإني لارى أمراً لا يتّبعه ذليل إلّا عزّ، ولا يتركه عزيز إلّا ذلَّ، اتبعوه مع عزِّكم تزدادوا عزّاً، ولا يكن أحد مثلكم، إنَّ الاوَّل لم يدع للاخر شيئاً، وإن هذا أمر لمّا هو بعده من سبق إليه فهو الباقي، واقتدى به الثاني، فأصرموا أمركم فإنَّ الصريمة قوَّة، والاحتياط عجز(1452).
فقال مالك بن نويرة: خرف شيخكم. فقال أكثم: ويل للشجيِّ من الخليِّ(1453) أراكم سكوتاً وإنَّ آفة الموعظة الاعراض عنها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1452) في بعض النسخ (فالاختلاط عجز) والصريمة: العزيمة في الشيء. والصرم القطع.
(1453) الخلى: الخالي من الهم والحزن خلاف الشجي والمثل معروف والمعنى إنّي في هم عظيم لهذا الامر الّذي أدعوكم إليه وأنتم فارغون غافلون فويل لي منكم. (البحار)
ويلك يا مالك إنّك هالك، إنَّ الحقَّ إذا قام وقع القائم معه وجعل الصرعى قياماً فإياّك أن تكون منهم، أما إذا سبقتموني بأمركم فقرِّبوا بعيري أركبه، فدعا براحلته فركبها فتبعوه بنوه وبنو أخيه، فقال: لهفى على أمر لن ادركه ولم يسبقني.
وكتبت طيء إلى أكثم فكانوا أخواله، وقال آخرون: كتبت بنو مرَّة وهم أخواله أن أحدث إلينا ما نعيش به فكتب:
أمّا بعد: فإني اُوصيكم بتقوى الله وصلة الرَّحم فإنّها تثبت أصلها وتنبت فرعها وأنهاكم عن معصية الله وقطيعة الرَّحم فإنّها لا يثبت لها أصل ولا ينبت لها فرع واياكم ونكاح الحمقاء فإنَّ مباضعتها قذر، وولدها ضياع، وعليكم بالابل فأكرموها فانّها حصون العرب ولا تضعوا رقابها إلّا في حقّها فإنَّ فيها مهر الكريمة ورقوء الدَّم(1454) وبألبانها يتحف الكبير، ويغذى الصغير، ولو كلّفت الابل الطحن لطحنت، ولن يهلك امرءٌ عرف قدره، والعدم عدم العقل(1455) والمرء الصالح لا يعدم [من] المال، ورب رجل خير من مائة، ورب فئة أحب إلي من قبيلتين(1456) ومن عتب على الزَّمان طالت معتبته، ومن رضي بالقسم طابت معيشته، آفة الرَّأي الهوى، والعادة أملك بالأدب، والحاجة مع المحبّة خير من الغنى مع البغضة، والدُّنيا دُوَل فما كان لك منها أتاك على ضعفك وإن قصرت في طلبه، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوَّتك، وسوء حمل الفاقة(1457) تضع الشرف، والحسد داء ليس له دواء، والشماتة تَعقِب، ومن برَّ يوماً بُرَّ به، واللّومة مع السفاهة، ودعامة العقل الحلم، وجماع الامر الصبر وخير الأُمور مغبّةً العفو، وأبقى المودَّة حسن التعاهد، ومن يَز رغبّاً يزدد حبّاً(1458).
وصية أكثم بن صيفي عند موته: جمع أكثم بنيه عند موته فقال: يا بنيَّ إنَّه قد أتى عليَّ دهر طويل وأنا مزوِّدكم من نفسي قبل الممات:
اوصيكم بتقوى الله وصلة الرَّحم، وعليكم بالبرِّ فإنّه ينمي عليه العدد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1454) رقأ الدم: جف وسكن، والرقوء - كصبور -: ما يوضع على الدم ليرقئه والمعنى أنّها تعطى في الديات فتحقن بها الدماء.
(1455) العدم - بالضم وبضمتين وبالتحريك الفقدان وغلب على فقدان المال.
(1456) في بعض النسخ (من فئتين).
(1457) في بعض النسخ (الريبة).
(1458) يعني الزيارة يوماً ويوماً لا موجبة للحب.
ولا يبيد عليه أصل ولا يهتصر فرع، فأنها كم عن معصية الله وقطيعة الرَّحم فإنّه لا يثبت عليها أصل ولا ينبت عليها فرع، كفّوا ألسنتكم فإنَّ مقتل الرَّجل بين فكيه، إنَّ قول الحقِّ لم يدع لي صديقاً، انظروا أعناق الابل ولا تضعوها إلّا في حقّها فإنَّ فيها مهر الكريمة ورقوء الدَّم، وإيّاكم ونكاح الحمقاء فإنَّ نكاحها قذر وولدها ضياع، الاقتصاد في السفر أبقى للجمام(1459)، من لم يأس على ما فاته ودع بدنه(1460)، من قنع بما هو فيه قرَّت عينه، التقدُّم قبل التندُّم، أن أصبح عند رأس الامر أحبُّ إليَّ من أن اصبح عند ذنبه، لم يهلك امرء عرف قدره، العجز عند البلاء آفة التجمّل(1461) لم يهلك من مالك ما وعظك، ويل لعالم أمن من جهله(1462)، الوحشة ذهاب الأعلام، يتشابه الامر إذا أقبل، فإذا أدبر عرفه الكيّس وإلّا حمق، البطر عند الرَّخاء حمق، وفي طلب المعالي يكون العزّ، ولا تغضبوا من اليسير فإنّه يجنى الكثير، لا تجيبوا فيما لم تسئلوا(1463) عنه، ولا تضحكوا ممّا لا يضحك منه، تبارّوا في الدُّنيا ولا تباغضوا، الحسد في القرب فإنّه من يجتمع يتقعقع عمده(1464) يتقرَّب بعضكم من بعض في المودَّة، لا تتّكلوا على القرابة فتقاطعوا، فإنَّ القريب من قرب نفسه، وعليكم بالمال فأصلحوه فإنّه لا يصلح الأموال إلّا باصلاحكم، ولا يتّكلنَّ أحدكم على مال أخيه يرى فيه قضاء حاجته فإنّه من فعل ذلك كالقابض على الماء، ومن استغنى كرم على أهله، وأكرموا الخيل، نعم لهو الحُرَّة المغزل، وحيلة من لا حيلة له الصبر. وعاش قردة بن ثعلبة بن نفاثة(1465) السلوليُّ مائة وثلاثين سنّة في الجاهليّة، ثمّ أدرك الاسلام فأسلم.
وعاش مصاد بن جناب بن مرارة من بني عمرو بن يربوع بن حنظلة بن زيد بن مناة أربعين ومائة سنّة(1466).
وعاشُ قس بن ساعدة الاياديَّ ستمائة سنّة وهو الّذي يقول:
هل الغيث مُعطي الامن عند نزوله * * * بحال مسيء في الأُمور ومحسن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1459) كذا والظاهر (الاقتصاد في السعي أبقى للجمال) كما في رواية السجستاني، وأمّا الجمام كما في الصلب: الراحة، والقوة.
(1460) أي سكن. وفى بعض القراءات (ودّع) أي راح نفسه.
(1461) في بعض النسخ الحديث (الجزع عند النازلة آفة التجمل).
(1462) كذا. وفى جمهرة الامثال ج 1 ص 320 ومجمع الامثال ص 698 (ويل لعالم أمر من جاهله).
(1463) في بعض النسخ (عمّا لا تسألوا).
(1464) القعقعة: حكاية صوت السلاح، وقعقعت عمدهم تقعقعت: وارتحلوا يعني إذا اجتمعوا وتقاربوا وقع بينهم الشر فتفرقوا. أو معناه لابدّ من الافتراق بعد الاجتماع. أو من غبط بكثرة العدد واتساق الامر فهو بمعرض الزوال والانتشار.
(1465) في اكثر النسخ (فروة بن ثعلبة بن نفاية) والظاهر تصحيف.
(1466) وقال شعراً منها:
ان مصاد بن جناب قد ذهب * * * أدرك من طول الحياة ما طلب
والموت قدر يدرك يوماً من هرب
وما قد تولّى وهو قد فات ذاهباً * * * فهل ينفعنّي ليتني ولو أننّي
وكذلك يقول لبيد:
وأخلف قُسّاً ليتني ولو أنّني * * * وأعيا على لقمان حكم التدبّر
وعاش الحارث بن كعب المذحجي ستين ومائة سنة.
قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: هذه الأخبار الّتي ذكرتها في المعمرين قد رواها مخالفونا أيضاً من طريق محمّد بن السائب الكلبيِّ، ومحمّد بن إسحاق بن بشّار(1467) وعوانة بن الحكم وعيسى بن زيد بن آب(1468)، والهيثم بن عديٍّ الطائيُّ، وقد روى عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: كلّما كان في الامم السالفة تكون في هذه الاُمّة مثله حذو النعل بالنعل والقذَّة بالقذَّة.
وقد صحَّ هذا التعمير فيمن تقدَّم وصحّت الغيبات الواقعة بحجج الله (عليهم السلام) فيما مضى من القرون.
فكيف السبيل إلى إنكار القائم (عليه السلام) لغيبته وطول عمره مع الأخبار الواردة فيه عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعن الأئمّة (عليهم السلام)، وهي الّتي قد ذكرناها في هذا الكتاب بأسانيدها.
حدَّثنا عليّ بن أحمد الدَّقّاق رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ، عن موسى بن عمران النخعيِّ، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفليِّ، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كلّما كان في الامم السالفة فإنّه يكون في هذه الاُمّة مثله حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذِّة.
حدَّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال: حدَّثنا الحسن بن عليّ السكري قال: حدَّثنا محمّد بن زكريّا، عن جعفر بن محمّد بن عمارة، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): والّذي بعثني بالحق نبيّاً وبشيراً لتركبنَّ اُمّتي سنن من كان قبلها حذو النعل بالنعل حتّى لو أنَّ حيّة من بني إسرائيل دخلت في جحر لدخلت في هذه الاُمّة حيّة مثلها.
حدَّثنا الشريف أبو الحسن عليُّ بن موسى بن أحمد بن إبراهيم بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1467) تقدَّم الاختلاف في جده أهو يسار أو بشار.
(1468) في البحار (عيسى بن يزيد بن رئاب).
محمّد بن عبيد الله(1469) رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو عليٍّ الحسن بن ركام(1470) قال: حدّثنا احمد بن محمّد النوفليِّ قال: حدَّثني أحمد بن هلال، عن عثمان بن عيسى الكلابيِّ، عن خالد بن نجيح، عن حمزة بن حمران، عن أبيه، عن سعيد بن جبير قال: سمعت سيّد العابدين على بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) يقول: في القائم منّا سنن من الأنبياء (عليهم السلام)، سنّة من نوح، وسنّة من إبراهيم، وسنّة من موسى، وسنّة من عيسى، وسنّة من أيّوب، وسنّة من محمّد صلوات الله عليهم.
وأمّا من نوح (عليه السلام) فطول العمر، وأمّا من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال النّاس، وأمّا من موسى فالخوف والغيبة، وأمّا من عيسى فاختلاف النّاس فيه، وأمّا من أيّوب (عليه السلام) فالفرج بعد البلوى، وأمّا من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فالخروج بالسيف.
فمتى صحَّ التعمير لمن تقدَّم عصرنا وصحَّ الخبر بأنَّ السنة بذلك جارية في القائم (عليه السلام) الثاني عشر من الأئمّة (عليهم السلام) لم يجز إلّا أن يعتقد أنَّه لو بقي في غيبته ما بقي لم يكن القائم غيره، وإنّه لو لم يبق من الدُّنيا إلّا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيملاها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً كما روي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعن الأئمّة (عليهما السلام) بعده.
ولا يحصل لنا الاسلام إلّا بالتسليم لهم فيما يرد ويصحُّ عنهم، ولا حول ولا قوَّة إلّا بالله العلي العظيم.
وما في الازمنة المتقدِّمة من أهل الدِّين والزهد والورع إلّا مغيّبين لاشخاصهم مستترين لامرهم، يظهرون عند الامكان والامن ويغيبون عند العجز والخوف وهذا سبيل الدُّنيا من إبتدائها إلى وقتنا هذا، فكيف صار أمر القائم (عليه السلام) في غيبته من دون جميع الأُمور منكراً إلّا لمّا في نفوس الجاحدين من الكفر والضلال وعداوة الدِّين وأهله وبغض النبيِّ والائمّة بعده (عليهم السلام).
[حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدَّثنا الحسن بن عليِّ السكري(1471) قال: حدّثنا محمّد بن زكريّا قال:] فقد بلغني أنَّ ملكا من ملوك الهند كان كثير الجند واسع المملكة مهيباً في أنفس النّاس، مظفرّاً على الأعداء، وكان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1469) في بعض النسخ (عبد الله).
(1470) في بعض النسخ (أبو عليّ بن همام).
(1471) في بعض النسخ (العسكري) وفي بعضها السكوني.
مع ذلك عظيم النهمة(1472) في شهوات الدُّنيا ولذّاتها وملاهيها، مؤثراً لهواه، مطيعا له، وكان أحب النّاس إليه وانصحهم له في نفسه من زين له حاله وحسّن رأيه، وابغض النّاس واعشّهم له في نفسه من امره بغيرها وترك امره فيها،، وكان قد أصاب الملك فيها في حداثة سنّة وعنفوان شبابه وكان له رأي أصيل ولسان بليغ ومعرفة بتدبير النّاس، وضبطهم، فعرف النّاس ذلك منه فانقادوا له، وخضع له كلُّ صعب وذلول، واجتمع له سكر الشباب وسكر السّلطان، والشّهوة والعجب، ثمَّ قوَّى ذلك ما أصاب من الظّفر على من ناصبه والقهر لاهل مملكته، وانقياد النّاس له، فاستطال على النّاس واحتقرهم، ثمّ ازداد عجباً برأيه ونفسه لمّا مدحه النّاس وزيّنوا أمره عنده، فكان لاهمّة له إلّا الدُّنيا وكانت الدُّنيا له مؤاتية، لا يريد منها شيئاً إلّا ناله، غير أنَّه كان مئناثاً(1473) لا يولد له ذكر، وقد كان الدِّين فشا في أرضه قبل ملكه، وكثر أهله، فزين له الشيطان عداوة الدِّين وأهله وأضر بأهل الدِّين فأقصاهم مخافة على ملكه، وقرَّب أهل الاوثان، وصنع لهم أصناماً من ذهب وفضة، وفضّلهم وشرَّفهم، وسجد لأصنامهم.
فلمّا رأى النّاس ذلك منه سارعوا إلى عبادة الاوثان والاستخفاف بأهل الدِّين، ثمّ إنَّ الملك سأل يوماً عن رجل من أهل بلاده كانت له منه منزلة حسنة ومكانة رفيعة وكان أراد ليستعين به على بعض اموره ويحبّه ويكرمه، فقيل له: أيّها الملك أنَّه قد خلع الدُّنيا وخلا منها ولحق بالنّساك فثقل ذلك على الملك، وشقَّ عليه، ثمَّ إنَّه أرسل إليه فأتي به، فلمّا نظر إليه في زيِّ النسّاك وتخشّعهم زبره وشتمه(1474) وقال له: بينا أنت من عبيدي وعيون أهل مملكتي ووجهم وأشرافهم إذ فضحت نفسك وضيّعت أهلك ومالك واتّبعت أهل البطالة والخسارة حتّى صرت ضحكه ومثلاً، وقد كنت أعددتك لمهمِّ اموري، والاستعانة بك على ما ينوبني، فقال له: أيّها الملك أنَّه أن لم يكن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1472) النهمة - بفتح النون - بلوغ الهمة والشهوة في الشيء ويقال: له في هذا الامر نهمة أي شهوة.
(1473) المئناث: الّتي اعتادت أن تلد الاناث وكذلك الرَّجل لانهما يستويان في مفعال. ويقابله المذكار وهى التي تلد الذكور كثيراً.
(1474) النساك: العباد. وزبره أي زجره.
لي عليك حقٌّ فلعقلك عليك حق، فاستمع قولي بغير غضب، ثمَّ ائمر بما بدالك بعد الفهم والتثبيت، فإنَّ الغضب عدوُّ العقل، ولذلك يحول بين صاحبه وبين الفهم، قال الملك: قل ما بدالك.
قال النّاسك: فإنّي أسألك أيّها الملك أفي ذنبي على نفسي عتبت علىَّ أم في ذنب منّي إليك سالف؟.
قال الملك: إنَّ ذنبك إلى نفسك أعظم الذُّنوب عندي، وليس كلّما أراد رجل من رعيّتي أن يهلك نفسه اخلي بينه وبين ذلك، ولكنّي أعد إهلاكه نفسه كإهلاكه لغيره ممّن أنا وليّه والحاكم عليه وله، فأنا أحكم عليك لنفسك وآخذ لها منك إذ ضيّعت أنت ذلك، فقال له النّاسك: أراك أيّها الملك لا تأخذني إلّا بحجّة ولانفاذ لحجّة إلّا عند قاض، وليس عليك من النّاس قاض، لكن عندك قضاة وأنت لأحكامهم منفذ، وأنا ببعضهم راض، ومن بعضهم مشفق.
قال الملك: وما أولئك القضاة؟ قال: أمّا الّذي أرضى قضاءه فعقلك، وأمّا الّذي أنا مشفق منه فهواك، قال الملك: قل ما بدالك وأصدقني خبرك ومتى كان هذا رأيك؟ ومن أغواك؟ قال: أمّا خبري فإني كنت سمعت كلمة في حداثة سنّي وقعت في قلبي فصارت كالحبّة المزروعة، ثمَّ لم تزل تنمي حتّى صارت شجرة إلى ما ترى، وذلك؟ أنّي [كنت] قد سمعت قائلاً يقول: يحسب الجاهل الامر الّذي هو لا شيء شيئاً والأمر الّذي هو الشيء لا شيء، ومن لم يرفض الامر الّذي هو لا شيء لم ينل الامر الّذي هو الشيء، ومن لم يبصر الامر الّذي هو الشيء لم تطب نفسه برفض الامر الّذي هو لا شيء، والشيء هو الاخرة، واللّاشيء هو الدُّنيا، فكان لهذه الكلمة عندي قرار لأنّي وجدت الدُّنيا حياتها موتاً وغناها فقراً، وفرحها ترحاً، وصحّتها سقماً، وقوَّتها ضعفاً، وعزَّها ذلّاً، وكيف لا تكون حياتها موتاً، وإنّما يحيى فيما صاحبها ليموت، وهو من الموت على يقين، ومن الحياة عليّ قلعة، وكيف لا يكون غناؤها فقرا وليس يصيب أحد منها شيئاً إلّا احتاج لذلك الشيء إلى شيء آخر يصلحه وإلى أشياء لابدَّ له منها.
ومثل ذلك أنَّ الرَّجل ربما يحتاج إلى دابّة فإذا أصابها احتاج إلى علفها
وقيّمها ومربطها(1475) وأدواتها، ثمَّ احتاج لكلِّ شيء من ذلك إلى شيء آخر يصلحه وإلى أشياء لابدَّ له منها، فمتى تنقضي حاجة من هو كذلك وفاقته؟ وكيف لا يكون فرحها ترحاً وهي مرصدة لكلِّ من أصاب منها قرة عين أن يرى من ذلك الامر بعينه أضعافه من الحزن، أن رأى سروراً في ولده فما ينتظر من الاحزان في موته وسقمه وجايحة أن أصابته أعظم من سروره به، وإن رأى السّرور في مال فما يتخوَّف من التلف أن يدخل عليه أعظم من سروره بالمال، فإذا كان الأمر كذلك فأحق النّاس بأن لا يتلبّس بشيء منها لمن عرف هذا منها. وكيف لا يكون صحّتها سقماً وإنّما صحّتها من أخلاطها وأصحُّ أخلاطها وأقربها من الحياة الدَّم، وأظهر ما يكون الانسان دماً أخلق ما يكون صاحبه بموت الفجأة، والذُّبحة والطّاعون(1476) والآكلة والبرسام، وكيف لا يكون قوَّتها ضعفاً وإنّما تجمع القوى فيها ما يضرُّه ويوبقه، وكيف لا يكون عزُّها ذلّاً ولم ير فيها عزٌّ قطُّ إلّا أورث أهله ذلّاً طويلاً، غير أنَّ أيّام العز قصيرة، وأيام الذُلِّ طويلة، فأحقُّ النّاس بذمِّ الدُّنيا لمن بسطت له الدُّنيا فأصاب حاجته منها فهو يتوقَّع كلَّ يوم وليلة وساعة وطرفة عين أن يعدي على ماله فيجتاح، وعلى حميمه فيختطف وعلى جمعه فينهب، وأن يؤتى بنيانه من القواعد فيهدم، وأن يدبَّ الموت إلى حشده فيستأصل، ويفجع بكلِّ ما هو به ضنين.
فأذمُّ إليك أيّها الملك الدُّنيا الاخذة ما تعطي، والمورثة بعد ذلك التبعة، السلابة لمن تكسو، والمورثة بعد ذلك العرى، المواضعة لمن ترفع، والمورثة بعد ذلك الجزع، التاركة لمن يعشقها، والمورثة بعد ذلك الشقوة، المغوية لمن أطاعها واغترَّ بها، الغدَّارة بمن ائتمنها وركن إليها، هي المركب القموص(1477) والصّاحب الخَؤون، والطّريق الزلق، والمهبط المهوي، هي المكرمة الّتي لا تكرم أحداً إلّا أهانته، المحبوبة الّتي لا تحبُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1475) المربط - بفتح الباء وكسرها - موضع ربط الدواب.
(1476) الذبحة - بضم الذال وفتح الباء، والعامة تسكن الباء -: ورم حارّ في العضلات من جانب الحلقوم التي بها يكون البلع. وقال العلامة: وقد يطلع الذبحة على الاختناق. والشيخ لا يفرق بينهما، وقيل هي ورم اللوزتين (بحر الجواهر).
(1477) القموص - على وزان چموش - وبمعناه.
أحداً، الملزومة الّتي لا تلزم أحداً، يوفي لها وتغدر، ويصدق لها وتكذب، وينجز لها وتخلف، هي المعوِّجة لمن استقام بها، المتلاعبة بمن استمكنت(1478) منه، بينا هي تطعمه إذ حوَّلته مأكولا، وبيناهي تخدمه إذ جعلته خادما، وبينا هي تضحكه إذ ضحكت منه، وبينا هي تشمته إذ شمتت منه(1479) وبينا هي تبكيه إذا بكت عليه، وبينا هي قد بسطت يده بالعطيّة إذ بسطتها بالمسألة، وبينا هو فيها عزيز إذ أذلّته وبينا هو فيها مكرم إذ أهانته، وبينا هو فيها معظّم إذ صار محقوراً، وبينا هو رفيع إذ وضعته، وبينا هي له مطيعة إذ عصته، وبينا هو فيها مسرور إذ أحزنته، وبينا هو فيها شبعان إذ أجاعته، وبينا هو فيها حيٌّ إذ أماتته.
فافٍّ لها من دار إذ كان هذا فعالها، وهذه صفتها، تضع التاج على رأسه غدوة وتعفر خدَّة بالتراب عشية، وتحلّى الايدي بأسورة الذَّهب عشيّة، وتجعلها في الاغلال غدوة، وتقعد الرَّجل على السّرير غدوة، وترمي به في السّجن عشيّة، تفرش له الدِّيباج عشية، تفرش له التّراب غدوة، وتجمع له الملاهي والمعازف غدوة، وتجمع عليه النّوائح والنوادب عشيّة، تحبب إلى أهله قربه عشية، وتحبّب إليهم بعده غدوة، تطيب ريحه غدوة وتنتن ريحه عشيّة، فهو متوقع لسطواتها، غير ناج من فتنتها وبلائها، تمتع نفسه من أحاديثها وعينه من أعاجيبها، ويده مملوءة من جمعها ثمّ تصبح الكفّ صفراً، والعين هامدة، ذهب ما ذهب، وهوى ما هوى، وباد ما باد، وهلك ما هلك، تجد في كلِّ من كلّ خلفاً، وترضى بكلٍّ من كلٍّ بدلاً، تسكن دار كلِّ قرن قرناً، وتطعم سؤر كلِّ قوم قوماً، تقعد الاراذل مكان الأفاضل، والعجزة مكان الحزمة(1480) تنقل أقواماً من الجدب إلى الخصب(1481)، ومن الرّجلة إلى المركب ومن البؤس إلى النّعمة، ومن الشدَّة إلى الرَّخاء، ومن الشّقاء إلى الخفض والدَّعة حتّى إذا غمستهم في ذلك انقلبت بهم فسلبتهم الخصب، ونزعت منهم القوَّة. فعادوا إلى أبأس البؤس، وأفقر الفقر، وأجدب الجدب.
فأمّا قولك أيّها الملك في إضاعة الأهل وتركهم فإنّي لم أضيّعهم، ولم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1478) في بعض النسخ (استمسكت).
(1479) في بعض النسخ (وبينا هي تشتمه إذا شتمت منه). ولعل الصواب (بينا هي تسمنه إذ سمنت منه).
(1480) في بعض النسخ (الفجرة مكان البررة).
(1481) الجدب: القحط، مقابل الخصب.
أتركهم بل وصلتهم وانقطعت إليهم، ولكنّي كنت وأنا أنظر بعين مسحورة لا أعرف بها الاهل من الغرباء ولا الأعداء من الاولياء، فلمّا انجلى عنّي السّحر استبدلت بالعين المسحورة عيناً صحيحة، واستبنت الأعداء من الاولياء، والاقرباء من الغرباء، فإذا الّذين كنت أعدّهم أهلين وأصدقاء وإخواناً وخلطاء إنّما هو سباع ضارية(1482) لاهمة لهم إلّا أن تأكلني وتأكل بي، غير أنَّ اختلاف منازلهم في ذلك على قدر القوَّة، فمنهم كالاسد في شدَّة السورة(1483) ومنهم كالذِّئب في الغارة والنّهبة، ومنهم كالكلب في الهرير والبصبصة، ومنهم كالثعلب في الحيلة السّرقة، فالطّرق واحدة والقلوب مختلفة.
فلو أنّك أيّها الملك في عظيم ما أنت فيه من ملكك، وكثرة من تبعك ومن أهلك وجنودك وحاشيتك وأهل طاعتك، نظرت في أمرك عرفت أنّك فريدٌ وحيدٌ، ليس معك أحد من جميع أهل الأرض، وذلك إنّك قد عرفت أنَّ عامّة الامم عدو لك، وأنَّ هذه الاُمّة الّتي اوتيت الملك عليها كثيرة الحسد(1484) من أهل العداوة والغشّ لك الّذين هم أشدّ عداوة لك من السباع الضارية، وأشد حنقاً عليك من كلِّ الامم الغريبة، وإذا صرت إلى أهل طاعتك ومعونتك وقرابتك وجدت لهم قوماً يعملون عملاً باجر، يحرصون مع ذلك أن ينقصوك من العمل فيزدادوك من الاجر، واذا صرت الى أهل خاصّتك وقرابتك صرت الى قوم جعلت كدَّك وحدك(1485) وكدحك ومهنّأك وكسبك لهم، فانت تودِّي إليهم كلَّ يوم الضّريبه، وليس كلّهم وان وزَّعت بينهم جميع كدِّك عنك براض فإنَّ أنت حبست عنهم ذلك فليس منهم البتّة راض، أفلا ترى أنّك أيّها الملك وحيد لا أهل لك ولا مال.
فأمّا أنا فإنَّ لي أهلاً ومالاً وإخواناً وأخوات وأولياء، لا يأكلوني، ولا يأكلون بي؛ يحبّوني واُحبّهم، فلا يفقد الحبُّ بيننا، ينصحوني وأنصحهم فلا غشَّ بيننا، ويصدِّقوني، واُصدِّقهم فلا تكاذب بيننا، ويوالوني واُواليهم فلا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1482) الضاري من الكلاب ما لهج بالصيد وتعود أكله.
(1483) السورة - بالفتح -: الحدة.
(1484) في بعض النسخ (الحشد) وهو الجماعة.
(1485) الكد: السعي والجد. والكدح في العمل: المجاهدة فيه.
عداوة بيننا، ينصروني وأنصرهم فلا تخاذل بيننا، يطلبون الخير الّذي أن طلبته معهم لم يخافوا أن أغلبهم عليه أؤ أستأثر به دونهم، فلا فساد بيننا ولا تحاسد، يعملون لي وأعمل لهم باجور لا تنفد ولا يزال العمل قائماً بيننا، هم هداتي أن ضللت، نور بصري أن عميت، وحصني أن اتيت، ومجّني إن رميت(1486) وأعواني إذا فزعت، وقد تنزَّهنا عن البيوت والمخاني(1487) فلا نريدها وتركنا الذَّخاير والمكاسب لاهل الدُّنيا فلا تكاثر بيننا ولا تباغى، ولا تباغض، ولا تفاسد، ولا تحاسد، ولا تقاطع، فهؤلاء أهلي أيّها الملك وإخواني وأقربائي وأحبّائي، وأحببتهم وانقطعت إليهم، وتركت الّذين كنت أنظر إليهم بالعين المسحورة لمّا عرفتهم، والتمست السلامة منهم.
فهذه الدُّنيا أيّها الملك الّتي أخبرتك أنّها لا شيء فهذا نسبها وحسبها ومصيرها إلى ما قد سمعت، وقد رفضتها لمّا عرفتها، وأبصرت الامر الّذي هو الشيء فإن كنت تحبُّ أيّها الملك أن أصف لك ما أعرف عن أمر الاخرة الّتي هي الشيء فاستعدَّ إلى السّماع، تسمع غير ما كنت تسمع به من الاشياء.
فلم يزد الملك عليه إلّا أن قال له: كذبت لم تصب شيئاً، ولم تظفر إلّا بالشّقاء والعناء، فاخرج ولا تقيمنَّ في شيء من مملكتي، فانّك فاسد مفسد.
وولد للملك في تلك الأيّام بعد إياسه من الذُّكور غلامٌ لم ير النّاس مولوداً مثله قطُّ حسناً وجمالاً وضياء، فبلغ السّرور من الملك مبلغاً عظيماً كاد أن يشرف منه على هلاك نفسه من الفرح، وزعم أنَّ الاوثان الّتي كان يعبدها هي الّتي وهبت له الغلام، فقسّم عامّة ما كان في بيوت أمواله على بيوت أوثانه، وأمر النّاس بالاكل والشرب سنة وسمّى الغلام يوذاسف(1488) وجمع العلماء والمنجّمين لتقويم ميلاده، فرفع المنجّمون إليه أنّهم يجدون الغلام يبلغ من الشرف والمنزلة ما لا يبلغه أحدٌ قطُّ في أرض الهند، واتّفقوا على ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1486) المجن: الترس وكل ما وقى من السلاح.
(1487) لعله جمع خان وهو الحانوت والفندق. وفي بعض النسخ (المخابي).
(1488) كذا بالياء في جميع النسخ والمظنون أنَّه تصحيف والصواب بوداسف والكلمة مركبة من (بوذا) و(سف) وقيل: بوذا هو الاسم الديني لمؤسس الديانة البوذية ومعناه باللغة السنسكريتية: العالم الذي وصل الحصول على البوذة وهو العلم الكامل. لكن لم أجد في موضع يدخله أداة التعريف وعلى ما قيل ليس باسم علم بل هو صفة، وبناء عليه يجوز أن يدخله (أل) ويقال (البوذا) والعلم عند الله.
جميعاً، غير أنَّ رجلاً قال: ما أظنُّ الشّرف والمنزلة والفضل الّذي وجدناه يبلغه هذا الغلام إلّا شرف الاخرة ولا أحسبه إلّا أن يكون إماماً في الدِّين والنسك وذافضيلة في درجات الاخرة لأنّي أرى الشرف الّذي تبلغه ليس يشبه شيئاً من شرف الدُّنيا وهو شبيه بشرف الاخرة. فوقع ذلك القول من الملك موقعاً كاد أن ينغصه سروره بالغلام، وكان المنجّم الّذي أخبره بذلك من أوثق المنجّمين في نفسه وأعلمهم وأصدقهم عنده، وأمر الملك للغلام بمدينة فأخلاها وتخيّر له من الظّؤورة(1489) والخدم كلَّ ثقة، وتقدَّم إليهم أن لا يذكر فيما بينهم موت ولا آخرة ولا حزن ولا مرض ولا فناء حتّى تعتاد ذلك ألسنتهم وتنساه قلوبهم، وأمرهم إذا بلغ الغلام أن لا ينطقوا عنده بذكر شيء ممّا يتخوَّفونه عليه خشية أن يقع في قلبه منه شيء فيكون ذلك داعية إلى اهتمامه بالدِّين والنسك، وأن يتحفظوا ويتحرَّزوا من ذلك، ويتفقد بعضهم من بعض.
وازداد الملك عند ذلك حنقاً على النّسّاك مخافة على ابنه.
وكان لذلك الملك وزير قد كفل أمره وحمل عنه مؤونة سلطانه، وكان لا يخونه ولا يكذبه ولا يكتمه، ولا يؤثر عليه، ولا يتواني في شيء من عمله، ولا يضيّعه، وكان الوزير مع ذلك رجلاً لطيفا طلقا معروفاً بالخير، يحبه النّاس ويرضون به إلّا أنَّ أحباء الملك وأقرباءه كانوا يحسدونه، ويبغون عليه، ويستقلون بمكانه(1490).
ثم إنَّ الملك خرج ذات يوم إلى الصّيد ومعه ذلك الوزير فأتى به في شعب من الشعاب على رجل قد أصابته زمانة شديدة في رجليه، ملقى في أصل شجرة لا يستطيع براحاً(1491) فسأله الوزير عن شأنه فأخبره أنَّ السبّاع أصابته، فرَّق له الوزير فقال له الرَّجل: ضمّني إليك واحملني إلى منزلك فانّك تجد عندي منفعة، فقال الوزير: إنّي لفاعل وإن لم أجد عندك منفعة، ولكن يا هذا ما المنفعة الّتي تعدنيها، هل تعمل عملاً أو تحسن شيئاً؟ فقال الرَّجل:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1489) جمع الظئر: المرضعة.
(1490) في بعض النسخ (يستثقلون بمكانه).
(1491) أي لا يستطيع تحولا.
نعم أنا أرتق الكلام(1492) فقال: وكيف ترتق الكلام قال: إذا كان فيه فتق أرتقه حتّى لا يجيء من قبله فساد، فلم ير الوزير قوله شيئاً، وأمر بحمله إلى منزله وأمر له بما يصلحه حتّى إذا كان بعد ذلك احتال أحبّاء الملك للوزير وضربوا له الأُمور ظهراً وبطناً فأجمع رأيهم على أن دسوا رجلاً منهم إلى الملك، فقا له أيّها الملك أنَّ هذا الوزير يطمع في ملكك أن يغلب عليه من بعدك فهو يصانع النّاس على ذلك، ويعمل عليه دائباً، فإن أردت أن تعلم صدق ذلك فأخبره أنَّه قد بدا لك أن ترفض الملك وتلحق بالنّسّاك، فانّك سترى من فرحه بذلك ما تعرف به أمره، وكان القوم قد عرفوا من الوزير رقة عند ذكر فناء الدُّنيا والموت ولينا للنّسّاك وحبّاً لهم فعملوا فيه من الوجه الّذي ظنوا أنّهم يظفرون بحاجتهم منه، فقال الملك: لئن أنا هجمت منه على هذا لم أسأل عمّا سواه، فلمّا أدخل عليه الوزير قال له الملك: إنّك قد عرفت حرصي على الدُّنيا وطلب الملك وإنّي قد ذكرت ما مضى من ذلك فلم أجد معي منه طائلاً، وقد عرفت أنَّ الّذي بقي منه كالذي مضي فإنه يوشك أن ينقضي ذلك كلّه بأجمعة فلا يصير في يدي منه شيء، وأنا اريد أن أعمل في حال الاخرة عملاً قويّاً على قدر ما كان من عملي في الدُّنيا، وقد بدا لي أنَّ الحق بالنساك واُخلّي هذا العمل لأهله فما رأيك؟ قال: فرَّق الوزير لذلك رقّة شديدة حتّى عرف الملك ذلك منه، ثمّ قال: أيّها الملك أن الباقي وإن كان عزيزا لاهل أن يطلب، وإن الفاني وإن استمكنت منه لاهل أن يرفض، ونعم الرأي رأيت، وإني لارجو أن يجمع الله لك مع الدُّنيا شرف الاخرة، قال: فكبر ذلك على الملك ووقع منه كلّ موقع ولم يبدله شيئاً غير أنَّ الوزير عرف الثقل في وجهه فانصرف إلى أهله كئيباً حزيناً لا يدري من أين اتي ولا من دهّاه(1493) ولا يدري ما دواء الملك فيما استنكر عليه فسهر لذلك عامّة اللّيل، ثمّ ذكر الرَّجل الّذي زعم أنَّه يرتق الكلام فأرسل إليه فاُتي به فقال له: إنّك كنت ذكرت لي ذكراً من رتق الكلام فقال الرَّجل أجل فهل احتجت إلى شيء من ذلك؟ فقال الوزير: نعم اخبرك إنّي صحبت هذا الملك قبل ملكه ومنذ صار ملكاً فلم أستنكره فيما بيني وبينه قط لمّا يعرفه من نصيحتي وشفقتي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1492) رتق الفتق: أصلحه. يقال: هو راتق أي مصلح الامر.
(1493) في بعض النسخ (ما دهاه).
وإيثاري إيّاه على نفسي وعلى جميع النّاس، حتّى إذا كان هذا اليوم استنكرته استنكاراً شديداً لا أظنُّ لي خيراً عنده بعده، فقال له الرَّاتق: هل لذلك سبب أو علّة، قال الوزير: نعم دعاني أمس وقال لي كذا وكذا فقلت له كذا وكذا، فقال: من ههنا جاء الفتق وأنا وأرتقه إن شاء الله.
إعلم أنَّ الملك قد ظن أنّك تحب أن يتخلّى هو عن ملكه وتخلفه أنت فيه فإذا كان عند الصّبح فاطرح عنك ثيابك وحليتك وألبس أوضع ما تجده من ذي النّسّاك وأشهره، ثمّ احلق رأسك وامض على وجهك إلى باب الملك فإنَّ الملك سيدعو بك ويسألك عن الّذي صنعت فقل له: هذا الّذي دعوتني إليه ولا ينبغي لأحد أن يشير على صاحبه بشيء إلّا واساه فيه وصبر عليه، وما أظنُّ الّذي دعوتني إليه إلّا خيراً ممّا نحن فيه، فقم إذا بدا لك، ففعل الوزير ذلك فتخلّى عن نفس الملك ما كان فيها عليه.
ثمَّ أمر الملك بنفي النّسّاك من جميع بلاده وتوعّدهم بالقتل، فجدُّوا في الهرب والاستخفاء، ثمّ إنَّ الملك خرج ذات يوم متصيّداً فوقع بصره على شخصين من بعيد فأرسل إليهما فاتي بهما فإذا هما ناسكان فقال لهما: ما بالكما لن تخرجا من بلادي قالا: قد أتتنا رسلك ونحن على سبيل الخروج، قال: ولم خرجتما راجلين، قالا: لأنّا قوم ضعفاء ليس لنا دواب ولا زاد ولا نستطيع الخروج إلّا التقصير، قال الملك أن من خاف الموت أسرع بغير دابة ولا زاد، فقالا له: إنّا لا نخاف الموت بل لا ننظر قرَّة عين في شيء من الأشياء إلّا فيه.
قال الملك: وكيف لا تخافان الموت وقد زعمتما أنَّ رسلنا لمّا أتتكم وأنتم على سبيل الخروج أفليس هذا هو الهرب من الموت؟ قالا: أنَّ الهرب من الموت ليس من الفرق(1494) فلا تظن إنّا فرقناك ولكنا هربنا من أن نعينك على أنفسنا، فأسف الملك وامر بهما أن يحرقا بالنار، وأذن في أهل مملكته بأخذ النساك وتحريقهم بالنار فتجرّد رؤساء عبدة الاوثان في طلبهم وأخذوا منهم بشراً كثيراً وأحرقوهم بالنار، فمن ثمّ صار التحريق سنّة باقية في أرض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1494) الفرق - محركة -: الخوف.
الهند، وبقي في جميع تلك الأرض قوم قليل من النّسّاك كرهوا الخروج من البلاد، واختاروا الغيبة والاستخفاء ليكونوا دعاء وهداة لمن وصلوا إلى كلامهم.
فنبت ابن الملك أحسن نبات في جمسه وعقله وعلمه ورأيه، ولكنّه لم يؤخذ بشيء من الاداب إلّا بما يحتاج إليه الملوك ممّا ليس فيه ذكر موت ولا زوال ولا فناء واوتي الغلام من العلم والحفظ شيئاً كان عند النّاس من العجائب، وكان أبوه لا يدري أيفرح بما اوتي ابنه من ذلك أو يحزن له لمّا يتحوَّف عليه أن يدعوه ذلك إلى ما قيل فيه.
فلمّا فطن الغلام بحصرهم إيّاه في المدينة ومنعهم إيّاه من الخروج والنظر والاستماع وتحفّظهم عليه ارتاب لذلك وسكت عنه وقال في نفسه هؤلاء أعلم بما يصلحني منّي حتّى إذا ازداد بالسّنِّ والتجربة علما قال: ما أرى لهؤلاء عليَّ فضلاً وما أنا بحقيق أن اقلّدهم أمري، فأراد أن يكلم أباه إذا دخل عليه ويسأله عن سبب حصره إيّاه، ثمّ قال: ما هذا الامر إلّا من قبله وما كان ليطلعني عليه ولكنّي حقيق أن ألتمس علم ذلك من حيث أرجو إدراكه، وكان في خدمه رجل كان ألطفهم به وأرأفهم به، وكان الغلام إليه مستأنساً فطمع الغلام في إصابة الخبر من قبل ذلك الرَّجل فازداد له ملاطفة وبه استيناسا، ثمّ أنَّ الغلام واضعه الكلام في بعض الليل باللين وأخبره أنَّه بمنزلة والده وأولى النّاس به، ثمّ أخذه بالترغيب والترهيب وقال له: إنّي لأظن هذا الملك صائر لي بعد والدي وأنت فيه صائر أحد رجلين إما أعظم النّاس منه منزلة وأمّا أسوء النّاس حالا، قال له الخاضن(1495) وبأي شيء أتخوف في ملكك سوء الحال؟ قال: بأن تكتمني اليوم أمراً أفهمه غدا من غيرك، فأنتقم منك بأشد ما أقدر عليك، فعرف الحاضن منه الصدق وطمع منه في الوفاء فأفشى إليه خبره، والّذي قال المنجمون لابيه، والّذي حذر أبوه من ذلك، فشكر له الغلام ذلك وأطبق عليه حتّى إذا دخل عليه أبوه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1495) الحاضن فاعل من حضنه أي جعله في حضنه - والحضن ما دون الإبط إلى الكشح أو الصدر والعضدان وما بينهما - أي الحافظ والمؤدب.
قال: يا أبة إنّي وإن كنت صبيّاً فقد رأيت في نفسي واختلاف حالي أذكر من ذلك ما أذكر وأعرف بما لا أذكر منه ما أعرف وأنا أعرف إنّي لم أكن على هذا المثال وأنَّك لم تكن على هذه الحال، ولا أنت كائن عليها إلى الأبد وسيغيّرك الدَّهر عن حالك هذه، فلئن كنت أردت أن تخفي عنّي أمر الزوال فما خفي عليَّ ذلك، ولئن كنت حبستني عن الخروج وحُلت بيني وبين النّاس لكيلا تتوق نفسي إلى غير ما أنا فيه لقد تركتني بحصرك إيّاي، وإن نفسي لقلقة ممّا تحول بيني وبينه حتّى ما لي همٌّ غيره، ولا أردت سواه حتّى لا يطمئن قلبي إلى شيء ممّا أنا فيه ولا أنتفع به ولا آلفه، فخلّ عنّي وأعلمني بما تكره من ذلك وتحذره حتّى أجتنبه وأوثر موافقتك ورضاك على ما سواهما.
فلمّا سمع الملك ذلك من ابنه علم أنَّه قد علم ما الّذي يكرهه وأنّه من حبسه وحصره لا يزيده إلّا إغراء وحرصاً على ما يحال بينه وبينه، فقال: يا بنيَّ ما أردتُ بحصري إيّاك إلّا أن اُنّحي عنك الأذى، فلا ترى إلّا ما يوافقك ولا تسمع إلّا ما يسُّرك، فأمّا إذا كان هواك في غير ذلك فإنَّ آثر الاشياء عندي ما رضيت وهويت.
ثم أمر الملك أصحابه أن يركبوه في أحسن زينة وأن ينحّوا عن طريقه كلَّ منظر قبيح، وأن يعدوا له المعازف والملاهي ففعلوا ذلك، فجعل بعد ركبته تلك يكثر الرُّكوب، فمرَّ ذات يوم على طريق قد غفلوا عنه فأتى على رجلين من السّؤال(1496) أحدهما قد تورّم وذهب لحمه، واصفرَّ جلده، وذهب ماء وجهه، وسمج منظره، والاخر أعمى يقوده قائد، فلمّا رأى ذلك اقشعرَّ منهما وسأل عنهما فقيل له: إن هذا المورَّم من سقم باطن، وهذا الأعمى من زمانة، فقال ابن الملك: وإنَّ هذا البلاء ليصيب غير واحد؟ قالوا: نعم فقال: هل يأمن أحدٌ من نفسه أن يصيبه مثل هذا؟ قالوا: لا، وانصرف يومئذ مهموماً ثقيلاً محزوناً باكياً مستخفّاً بما هو فيه من ملكه وملك أبيه فلبث بذلك أيّاماً.
ثمَّ ركب ركبة فأتى في مسيره على شيخ كبير قد انحنى من الكبر،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1496) في بعض النسخ (فأتى عليه رجلان من السؤال).
وتبدَّل خلقه وابيضَّ شعره، واسودَّ لونه، وتقلّص جلده(1497) وقصر خطوه، فعجب منه وسأل عنه فقالوا: هذا الهرم، فقال: وفي كم تبلغ الرَّجل ما أرى؟ قالوا: في مائة سنّة أو نحو ذلك، وقال: فما وراء ذلك؟ قالوا: الموت، قال: فما يخلّى بين الرَّجل وبين ما يريد من المدة؟ قالوا: لا وليصيرنَّ إلى هذا في قليل من الأيّام، فقال: الشّهر ثلاثون يوماً والسنة اثنا عشر شهراً وانقضاء العمر مائة سنّة فما أسرع اليوم في الشّهر، وما أسرع الشّهر في السنة، وما أسرع السنّة في العمر، فانصرف الغلام وهذا كلامه يبدؤه ويعيده مكرّراً له.
ثمَّ سهر ليلته كلّها وكان له قلب حي ذكي وعقل لا يستطيع معه نسيانا ولا غفلة فعلاه الحزن والاهتمام فانصرف نفسه عن الدُّنيا وشهواتها وكان في ذلك يداري أباه ويتلطف عنده وهو مع ذلك قد أصغى بسمعه إلى كلّ متكلم بكلمة طمع أن يسمع شيئاً يدله على غير ما هو فيه، وخلا بحاضنه الّذي كان أفضى إليه بسره، فقال له: هل تعرف من النّاس أحداً شأنه غير شأننا هذا، قال: نعم قد كان قوم يقال لهم: النساك، رفضوا الدُّنيا وطلبوا الاخرة، ولهم كلام، وعلم لا يدرى ما هو، غير أنَّ النّاس عادوهم وأبغضوهم وحرقوهم، ونفاهم الملك عن هذه الأرض، فلا يعلم اليوم ببلادنا منهم أحد فإنهم قد غيبوا أشخاصهم ينتظرون الفرج، وهذه سنّة في أولياء الله قديمة يتعاطونها في دول الباطل، فاغتص لذلك الخبر فؤاده، وطال به اهتمامه، وصار كالرّجل الملتمس ضالّته الّتي لابدّ له منها، وذاع خبره في آفاق الأرض وشهر بتفكره وجماله وكماله وفهمه وعقله وزهادته في الدُّنيا وهوانها عليه. فبلغ ذلك رجلاً من النساك يقال له: بلوهر، بأرض يقال لها: سرنديب، كان رجلاً ناسكاً حكيماً فركب البحر حتّى أتى أرض سولابط، ثمّ عمد إلى باب ابن الملك فلزمه وطرح عنه زيَّ النّسّاك ولبس زيّ التجّار وتردَّد إلى باب ابن الملك حتّى عرف الاهل والاحبّاء والدَّاخلين إليه، فلمّا استبان له لطف الحاضن بابن الملك، وحسن منزلته منه أطاف به بلوهر حتّى أصاب منه خلوة، فقال له: إنّي رجل من تجار سرنديب، قدمت منذ أيّام، ومعي سلعة نفيسة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1497) تقلص أي انضم وانزوى.
الثّمن، عظيمة القدر، فأردت الثقة لنفسي فعليك وقع اختياري، وسلعتي خير من الكبريت الاحمر، وهي تبصر العميان، وتسمع الصم، وتداوي الاسقام، وتقوي من الضّعف، وتعصم من الجنون، وتنصر على العدوِّ، ولم أر بهذا أحداً هو أحقُّ، بها من هذا الفتى فإنَّ رأيت أن تذكر له ذلك ذكرته فإن كان له فيها حاجة أدخلتني عليه، فإنّه لم يخف عنه فضل سلعتي لو قد نظر إليها، قال الحاضن للحكيم: إنّك لتقول شيئاً ما سمعنا به من أحد قبلك ولا أرى بك بأسا وما مثلي يذكر ما لا يدري ما هو، فأعرض عليَّ سلعتك أنظر إليها فإن رأيت شيئاً ينبغي لي أن أذكره ذكرته، قال له بلوهر: إنّي رجلٌ طبيب وإنّي لارى في بصرك ضعفاً فأخاف أن نظرت إلى سلعتي أن يلتمع بصرك، ولكن ابن الملك صحيح البصر حدث السّنِّ ولست أخاف عليه أن ينظر إلى سلعتي فإن رأى ما يعجبه كانت له مبذولة على ما يحّب وإن كان غير ذلك لم تدخل عليه مؤونة ولا منقصة، وهذا أمر عظيم لا يسعك أن تحرمه إيّاه أو تطويه دونه، فانطلق الحاضن إلى ابن الملك فأخبره خبر الرَّجل فحسَّ قلب ابن الملك بأنّه قد وجد حاجته، فقال: عجّل إدخال الرَّجل عليَّ ليلاً وليكن ذلك في سرو كتمان، فإنَّ مثل هذا لا يتهاون به.
فأمر الحاضن بلوهر بالتهيؤ للدُّخول عليه، فحمل معه سفطاً فيه كتب له، فقال الحاضن: ما هذا السفط؟ قال بلوهر: في هذا السّفط سلعتي فإذا شئت فأدخلني عليه، فانطلق به حتّى أدخله عليه فلمّا دخل عليه بلوهر سلّم عليه وحيّاه وأحسن ابن الملك إجابته، وانصرف الحاضن، وقعد الحكيم عند الملك فأوَّل ما قال له بلوهر: رأيتك يا ابن الملك زدتني في التحيّة على ما تصنع بغلمانك وأشراف أهل بلادك؟ قال ابن الملك: ذلك لعظيم ما رجوت عندك، قال بلوهر: لئن فعلت ذلك بي فقد كان رجلاً من المملوك في بعض الافاق يعرف بالخير ويرجى فبينا هو يسير يوماً في موكبه إذ عرض له في مسيره رجلان ماشيان، لباسهما الخلقان، وعليهما أثر البؤس والضرِّ، فلمّا نظر إليهما الملك لم يتمالك أن وقع على الأرض فحيّاهما وصافحهما، فلمّا رأى ذلك وزراؤه اشتدَّ جزعهم ممّا صنع الملك فأتوا أخا له وكان جريّاً عليه فقالوا له: إنَّ الملك أزرى بنفسه، وفضح أهل مملكته، وخرَّ عن دابة
لانسانين دنييّن، فعاتبه على ذلك كيلا يعود، ولمه على ما صنع، ففعل ذلك أخ الملك فأجابه الملك بجواب لا يدري ما حاله فيه أساخط عليه الملك أم راض عنه، فانصرف إلى منزله حتّى إذا كان بعد أيّام أمر الملك منادياً وكان يسمى منادي الموت فنادى في فناء داره، وكانت تلك سنتهم فيمن أرادوا قتله، فقامت النوائح والنّوادب في دار أخ الملك ولبس ثياب الموتى وانتهى إلي باب الملك وهو يبكي بكاء شديداً ونتف شعره، فلمّا بلغ ذلك الملك دعابه، فلمّا أذن له الملك دخل عليه ووقع على الأرض ونادى بالويل والثّبور ورفع يده بالتضرُّع فقال له الملك: اقترب أيّها السفيه أنت تجزع من مناد نادى على بابك بأمر مخلوق وليس بأمر خالق، وأنا أخوك وقد تعلم أنَّه ليس لك إليَّ ذنب أقتلك عليه، ثمّ أنتم تلومونني على وقوعي إلى الأرض حين نظرت إلى منادي ربّي إلي وأنا أعرف منكم بذنوبي، فاذهب فإنّي قد علمت أنَّه إنّما استفزَّك وزرائي وسيعلمون خطأهم.
ثمَّ أمر الملك بأربعة توابيت فصُنعت له من خشب فطلى تابوتين منها بالذَّهب وتابوتين بالقار، فلمّا فرغ منها ملأ تابوتي القار ذهباً وياقوتاً وزبرجداً، وملأ تابوتي الذَّهب جيفاً ودماً وعذرة وشعراً، ثمّ جمع الوزراء والاشراف الّذين ظنَّ أنّهم أنكروا صنيعه بالرَّجلين الضعيفين النّاسكين فعرض عليهم التوابيت الاربعة وأمرهم بتقويمها فقالوا: أمّا في ظاهر الامر وما رأينا ومبلغ علمنا فإنَّ تابوتي الذهب لا ثمن لهما لفضلهما وتابوتي القار لا ثمن لهما لرذالتهما، فقال الملك: أجل هذا لعلمكم بالاشياء ومبلغ رأيكم فيها، ثمّ أمر بتابوتي القار فنزعت عنهما صفايحهما فأضاء البيت بما فيهما من الجواهر فقال: هذان مثل الرجلين الّذين ازدريتم لباسهما وظاهرهما وهما مملوءان علماً وحكمة وصدقاً وبرّاً وسائر مناقب الخير الّذي هو أفضل من الياقوت واللّؤلؤ والجوهر والذَّهب.
ثمَّ أمر بتابوتي الذَّهب فنزع عنهما أثوابهما فاقشعرَّ القوم من سوء منظرهما وتاذُّوا بريحهما نتنهما، فقال الملك: وهذان مثل القوم المتزيّنين بظاهر الكسوة واللّباس وأجوافهما مملوءة جهالة وعمىً وكذباً وجوراً وسائر أنواع الشرِّ الّتي هي أفظع وأشنع وأقذر من الجيف.
قال القوم للملك: قد فقّهنا واتّعظنا أيّها الملك.
ثمّ قال بلوهر: هذا مثلك يا ابن الملك فيما تلقيتني به من التحية والبشر فانتصب يوذاسف - ابن الملك - وكان متّكئاً، ثمّ قال: زدني مثلاً قال الحكيم:
إنَّ الزارع خرج ببذره الطيّب ليبذره، فلمّا ملا كفيّه ونثره وقع بعضه على حافّة الطّريق فلم يلبث أن التقطه الطير ووقع بعضه على صفاة قد أصابها ندى وطين فمكث حتّى اهتزَّ. فلمّا صارت عروقه إلى يبس الصّفاة مات ويبس، ووقع بعضه بأرض ذات شوك فنبت حتّى سنبل، وكاد أن يثمر فغمّه الشّوك فأبطله، وأمّا ما كان منه وقع في الأرض الطيّبة وإن كان قليلاً فإنّه سلم وطاب وزكى، فالزارع حامل الحكمة، وأمّا البذر ففنون الكلام، وأمّا ما وقع منه على حافّة الطريق فالتقطه الطير فما لا يجاوز السّمع منه حتّى يمرَّ صفحاً، وأمّا ما وقع على الصخرة في النّدى فيبس حين بلغت عروقه الصّفاة فما استحلاه صاحبه حتّى سمعه بفراغ قلبه وعرفه بفهمه ولم يفقه بحصافة ولا نيّة، وأمّا ما نبت منه وكاد أن يثمر فغمّه الشوك فأهلكه فما وعاه صاحبه حتّى إذا كان عند العمل به حفّته الشّهوات فأهلكته، وأمّا ما زكى وطاب وسلم منه وانتفع به فما رآه البصر ووعاه الحفظ، وأنفذه العزم بقمع الشّهوات وتطهير القلوب من دنسها.
قال ابن الملك: إنّي أرجوا أن يكون ما تبذره أيّها الحكيم ما يزكو ويسلم ويطيب، فاضرب لي مثل الدُّنيا وغرور أهلها بها.
قال بلوهر: بلغنا أنَّ رجلاً حمل عليه فيل مغتلم(1498) فانطلق موليّاً هارباً وأتبعه الفيل حتّى غشيه فاضطرَّه إلى بئر فتدلّى فيها وتعلق بغصنين نابتين على شفير البئر ووقعت قدماه على رؤوس حيّات، فلمّا تبيّن له أنَّه متعلّق بالغصنين فإذا في أصلهما جرذان يقرضان الغصنين، أحدهما أبيض والاخر أسود، فلمّا نظر إلى تحت قدميه، فإذا رؤوس أربع أفاع قد طلعن من جحرهنَّ، فلمّا نظر إلى قعر البئر إذا بتنيّن فاغر فاه(1499) نحوه يريد التقامه، فلمّا رفع رأسه إلى أعلا الغصنين إذا عليهما شيء من عسل النحل فيطعم من ذلك العسل،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1498) أي شديد الشهوة، يعني فيل مست، اغتلم الشراب: اشتدت سورته.
(1499) الفاغر: الفاتح فاه.
فألهاء ما طعم منه، وما نال من لذة العسل وحلاوته عن التفكر في أمر الافاعي اللّواتي لا يدري متي يبادرنه وألهاه عن التنيّن الّذي لا يدري كيف مصيره بعد وقوعه في لهواته.
أما البئر فالدُّنيا مملوءة آفات وبلايا وشروراً، وأمّا الغصنان فالعمر، وأمّا الجرذان فاللّيل والنّهار يسرعان في الاجل، وأمّا الافاعي الاربعة فالاخلاط الاربعة الّتي هي السّموم القاتلة من المرَّة والبلغم والرِّيح والدَّم الّتي لا يدري صاحبها متي تهيج به، وأمّا التنيّن الفاغر فاه ليلتقمه فالموت الرَّاصد الطالب، أمّا العسل الّذي اغترَّ به المغرور فما ينال النّاس من لذَّة الدُّنيا وشهواتها ونعيمها ودعتها من لذَّة المطعم والمشرب والشّم واللّمس والسّمع والبصر.
قال ابن الملك: أنَّ هذا المثل عجيب وإن هذا التشبيه حق، فزدني مثلاً للدنيا وصاحبها المغرور بها المتهاون بما ينفعه فيها؟
قال بلوهر: زعموا أنَّ رجلاً كان له ثلاثة قرناء، وكان قد آثر أحدهم على النّاس جميعاً، ويركب الاهوال والاخطار بسببه ويغرِّر بنفسه له، ويششغل ليله ونهاره في حاجته، وكان القرين الثاني دون الاوَّل منزلة وهو على ذلك حبيب إليه أمير عنده، يكرمه ويلاطفه ويخدمه ويطيعه ويبذل له ولا يغفل عنه، وكان القرين الثالث مجفوّاً محقوراً مستثقلاً، ليس له من ودِّه وماله إلّا أقلّه. حتّى إذا نزل بالرَّجل الامر الّذي يحتاج فيه إلى قرنائه الثلاثة، فأتاه زبانية الملك لذهبوا به ففزع إلى قرينه الاوَّل فقال له: قد عرفت إيثاري إياك وبذل نفسي لك، وهذا اليوم يوم حاجتي إليك فماذا عندك؟ قال: ما أنا لك بصاحب وإن لي أصحابا يشغلوني عنك، هم اليوم أولى بي منك ولكن لعليّ ازوِّدك ثوبين لتنتفع بهما.
ثمَّ فزع إلى قرينه الثاني ذي المحبّة واللّطف، فقال له: عرفت كرامتي إياك ولطفي بك وحرصي على مسرَّتك، وهذا يوم حاجتي إليك فماذا عندك؟ فقال: أنَّ أمر نفسي يشغلني عنك وعن أمرك، فاعمد لشأنك، واعلم أنَّه قد انقطع الّذي بيني وبينك وأنَّ طريقي غير طريقك إلّا إنّي لعليّ أخطو معك خطوات يسيره لا تنتفع بها، ثمّ أنصرف إلى ما هو أهمُّ إلىَّ منك.
ثمَّ فزع إلى قرينه الثالث الّذي كان يحقره، ويعصيه ولا يلتفت إليه أيّام رخائه فقال له: إنّي منك لمستح ولكن الحاجة اضطرَّتني إليك فماذا لي عندك؟ قال: لك عندي المواساة،: والمحافظة عليك، وقلّة الغفلة عنك، فابشر وقرَّ عيناً فإنّي صاحبك الّذي لا يخذلك ولا يسلّمك، فلا يهمنّك قلّة ما أسلفتني واصطنعت إلي، فإنّي قد كنت أحفظ لك ذلك وأوفره عليك كلّه، ثمّ لم أرض لك بعد ذلك حتّى اتجرت لك به فربحت أرباحاً كثيرة، فلك اليوم عندي من ذلك أضعاف ما وضعت عندي منه فأبشر، وإني أرجو أن يكون في ذلك رضي الملك عنك اليوم وفرجاً ممّا أنت فيه فقال الرَّجل عند ذلك: ما أدري على أيِّ الامرين أنا أشدُّ حسرة عليه على ما فرَّطت في القرين الصّالح أم على ما اجتهدت فيه من المحبّة لقرين السوء؟.
قال بلوهر: فالقرين الاوَّل هو المال، والقرين الثاني هو الأهل والولد، والقرين الثالث هو العمل الصّالح.
قال ابن الملك: أنَّ هذا هو الحقُّ المبين فزدني مثلاً للدنيا وغرورها وصاحبها المغرور بها، المطمئن إليها.
قال بلوهر: كان أهل مدينة يأتون الرَّجل الغريب الجاهل بأمرهم فيملّكونه عليهم سنّة فلا يشكُّ أنَّ ملكه دائمٌ عليهم لجهالته بهم فإذا انقضت السنّة أخرجوه من مدينتهم عرياناً مجرداً سليباً، فيقع في بلاء وشقاء لم يحدِّث به نفسه، فصار ما مضي عليه من ملكه وبالاً وخزياً ومصيبة وأذى، ثمّ أنَّ أهل تلك المدينة أخذوا رجلاً آخر فملكوه عليهم فلمّا رأى الرَّجل غربته فيهم لم يستأنس بهم وطلب رجلاً من أهل أرضه خيبرا بأمرهم حتّى وجده فأفضى إليه بسرِّ القوم وأشار إليه أن ينظر إلى الأموال الّتي في يديه فيخرج منها ما استطاع الاوَّل فالاوَّل حتّى يحرزه في المكان الّذي يخرجونه إليه فإذا أخرجه القوم صار إلى الكفاية والسّعة بما قدّم وأحرز، ففعل ما قال له الرَّجل ولم يضيع وصيّته.
قال بلوهر: وإنّي لارجو أن تكون أنت ذلك الرَّجل يا ابن الملك الّذي لم يستأنس بالغرباء ولم يغترَّ بالسّلطان، وأنا الرَّجل الّذي طلبت ولك عندي الدَّلالة والمعرفة والمعونة.
قال ابن الملك: صدقت أيّها الحكيم أنا ذلك الرَّجل وأنت طلبتي الّتي كنت طلبتها فصف لي أمر الاخرة تامّاً، فأمّا الدُّنيا فلعمري لقد صدقت ولقد رأيت منها ما يدلني على فنائها ويزهّدني فيها، ولم يزل أمرها حقيراً عندي.
قال بلوهر: إنَّ الزّهادة في الدُّنيا يا ابن الملك مفتاح الرَّغبة في الاخرة، ومن طلب الاخرة فأصاب بابها دخل ملكوتها وكيف لا تزهد في الدُّنيا يا ابن ملك وقد آتاك الله من العقل ما آتاك، وقد ترى أنَّ الدُّنيا كلّها وإن كثرت إنّما يجمعها أهلها لهذه الاجساد الفانية، والجسد لاقوام له، ولا امتناع به، فالحرُّ يذيبه، والبرد يجمده، والسّموم تتخلّله، والماء يغرقه، والشّمس تحرقه، والهواء يسقمه، والسّباع يفترسه والطير تنقره، والحديد يقطعه والصّدام يحطمه، ثمّ هم معجون بطينة من ألوان الاسقام والاوجاع والامراض، فهو مرتهن بها، مترقّب لها، وجل منها، غير طامع في السلامة منها، ثمّ هو مقارن الافات السّبع الّتي لا يتخلّص منها ذو جسد وهي الجوع والظّمأ والحرُّ والبرد والوجع والخوف والموت.
فأمّا ما سألت عنه من الامر الاخرة، فإنّي أرجو أن تجد ما تحسبه بعيداً قريباً وما كنت تحسبه عسيراً ويسيراً، وما كنت تحسبه قليلاً كثيراً.
قال ابن الملك: أيّها الحكيم أرأيت القوم الّذين كان والدي حرَّقهم بالنّار ونفاهم أهم أصحابك؟ قال بلوهر: نعم، فإنّه بلغني أنَّ النّاس اجتمعوا على عداوتهم وسوء الثناء عليهم، قال بلوهر: نعم قد كان ذلك، قال: فما سبب ذلك أيّها الحكيم قال بلوهر: أمّا قولك يا ابن الملك في سوء الثّناء عليهم فما عسى أن يقولوا فيمن يصدق ولا يكذب، ويعلم ولا يجهل، ويكفُّ ولا يؤذي، ويصلّي ولا ينام، ويصوم ولا يفطر ويبتلي فيصبر، ويتفكّر فيعتبر، ويطيب نفسه عن الأموال والاهلين، ولا يخافهم النّاس على أموالهم وأهليهم.
قال ابن الملك: فكيف اتّفق النّاس على عداوتهم وهم فيما بينهم مختلفون؟
قال بلوهر: مثلهم في ذلك مثل كلاب اجتمعوا على جيفة تنهشها ويهار بعضها بعضاً، مختلفة الالوان والاجناس فبينا هي تقبل على الجيفة إذ
دنى رجل منهم فترك بعضهنَّ بعضاً وأقبلن على الرَّجل فيهرن عليه جميعاً متعاويات عليه وليس للرَّجل في جيفتهنَّ حاجة، ولا أراد أن ينازعهنَّ فيها، ولكنّهنَّ عرفن غربته منهنَّ فاستوحشن منه واستأنس بعضهن ببعض وإن كنَّ مختلفات متعاديات فيما بينهنَّ من قبل أن يرد الرَّجل عليهنَّ.
قال بلوهر: فمثل الجيفة متاع الدُّنيا ومثل صنوف الكلاب ضروب الرِّجال الّذين يقتتلون على الدُّنيا ويهرقون دماءهم وينفقون لها أموالهم، ومثل الرَّجل الّذي اجتمعت عليه الكلاب ولا حاجة له في جيفهنّ كمثل صاحب الدِّين الّذي رفض الدُّنيا وخرج منها، فليس ينازع فيها أهلها ولا يمنع ذلك النّاس من أن يعادونه لغربته عندهم، فإن عجبت فاعجب من النّاس أنّهم لاهمّة لهم إلّا الدُّنيا وجمعها والتكاثر والتفاخر والتغالب عليها حتّى إذا رأوا من قد تركها في أيديهم وتخلّى عنها كانوا له أشدَّ حنقاً منهم للّذي يشاحّهم عليها، فأيُّ حجّة يا ابن الملك أدحض من تعاون المختلفين على من لاحجّة لهم عليه؟ قال ابن الملك: أعمد لحاجتي، قال بلوهر: إنَّ الطبيب الرَّفيق إذ رأى الجسد قد أهلكته الاخلاط الفاسدة فأراد أن يقوِّيه ويسمنه لم يغذه بالطّعام الّذي يكون منه اللّحم والدَّم والقوَّة لأنّه يعلم أنَّه متى أدخل الطعام على الاخلاط الفاسدة أضرَّ بالجسد ولم ينفعه ولم يقوه، ولكن يبدأ بالادويّة والحمية من الطعام، فإذا أذهب من جسده الاخلاط الفاسدة أقبل عليه بما يصلحه من الطعام، فحينئذ يجد طعم الطعام ويسمن ويقوي ويحمل الثقل بمشيئة الله عزّ وجلّ.
وقال ابن الملك أيّها الحكيم: أخبرني ماذا تصيب من الطعام والشراب؟
قال الحكيم: زعموا أنَّ ملكاً من الملوك كان عظيم الملك كثير الجند والاموال وأنّه بداله أن يغزو ملكا آخر ليزداد ملكاً إلى ملكه ومالا إلى ماله، فسار إليه بالجنود والعدد والعدَّة، والنساء والاولاد والاثقال، فأقبلوا نحوه فظهروا عليه واستباحوا عسكره فهرب وساق امرأته وأولاده صغاراً فألجأه الطلب عند المساء إلى أجمة على شاطيء النهر فدخلها مع أهله وولده وسيّب دوابّه مخافة أن تدل عليه بصهيلها فباتوا في الاجمة وهم يسمعون وقع حوافر
الخيل من كلِّ جانب فأصبح الرَّجل لا يطيق براحاً، وأمّا النهر فلا يستطيع عبوره، وأمّا الفضاء فلا يستطيع الخروج إليه لمكان العدوِّ، فهم في مكان ضيّق قد أذا هم البرد وأهجرهم الخوف وطواهم الجوع، وليس لهم طعام ولا معهم زاد ولا إدام، وأولاده صغار جياع يبكون من الضرِّ الّذي قد أصابهم فمكث بذلك يومين، ثمّ إنَّ أحد بنيه مات فألقوه في النهر فمكث بعد ذلك يوماً آخر فقال الرَّجل لامرأته: إنّا مشرفون على الهلاك جميعاً وإن بقي بعضنا وهلك بعضنا كان خيراً من أن نهلك جميعاً وقد رأيت أن أعجل ذبح صبيٍّ من هؤلاء الصبيّان فنجعله قوتا لنا ولاولادنا إلى أن يأتي الله (عزَّ وجلَّ) بالفرج فإن أخرنا ذلك هزل الصبيان حتّى لا يشبع لحومهم ونضعف حتّى لا نستطيع الحركة أن وجدنا إلى ذلك سبيلا، وطاوعته امرأته فذبح بعض أولاده ووضعوه بينهم ينهشونه، فما ظنّك يا ابن الملك بذلك المضطرِّ؟ أكل الكلب المستكثر يأكل؟ أم أكل المضطرِّ المستقلِّ؟ قال ابن الملك: بل أكل المستقل، قال الحكيم: كذلك أكلي وشربي يا ابن الملك في الدنيا.
فقال له ابن الملك: أرأيت هذا الّذي تدعوني إليه أيّها الحكيم أهو شيءٌ نظر النّاس فيه بعقولهم وألبابهم حتّى اختاروه على ما سواه لانفسهم أم دعاهم الله إليه فأجابوا، قال الحكيم: علا هذا الامر ولطف عن أن يكون من أهل الأرض أو برأيهم دبّروه، ولو كان من أهل الأرض لدعوا إلى عملها وزينتها وحفظها ودعتها ونعيمها ولذَّتها ولهوها ولعبها وشهواتها، ولكنّه أمر غريب ودعوة من الله (عزَّ وجلَّ) ساطعة، وهدى مستقيم، ناقض على أهل الدُّنيا أعمالهم، مخالف لهم، عائب عليهم، وطاعن ناقل لهم عن أهوائهم، داع لهم إلى طاعة ربّهم، وإن ذلك لبيّن لمن تنبّه، مكتوم عنده عن غير أهله حتّى يظهر الله الحق بعد خفائه ويجعل كلمته العليا وكلمة الّذين جهلوا السفلى.
قال ابن الملك: صدقت أيّها الحكيم. ثمّ قال الحكيم: إنَّ من النّاس من تفكّر قبل مجيء الرُّسل (عليهم السلام) فأصاب، ومنهم من دعته الرُّسل بعد مجيئها فأجاب وأنت يا ابن الملك ممّن تفكر بعقله فأصاب.
قال ابن الملك: فهل تعلم أحداً من النّاس يدعو إلى التّزهيد في الدُّنيا
غيركم؟ قال الحكيم: أما في بلادكم هذه فلا، وأمّا في سائر الامم ففيهم قوم ينتحلون الدِّين بألسنتهم ولم يستحقّوه بأعمالهم، فاختلف سبيلنا وسبيلهم، قال ابن الملك: كيف صرتم أولى بالحق منهم(1500) وإنّما أتاكم هذا الامر الغريب من حيث أتاهم؟ قال الحكيم: الحقُّ كلّه جاء من عند الله (عزَّ وجلَّ) وإنّه تبارك وتعالى دعا العباد إليه فقبله قوم بحقه وشروطه حتّى أدُّوه إلى أهله كما امروا، لم يظلموا ولم يخطئوا ولم يضيّعوا وقبله آخرون فلم يقوموا بحقّه وشروطه، ولم يؤدُّوه إلى أهله، ولم يكن لهم فيه عزيمة، ولا على العمل به نيّة ضمير، فضيّعوه واستثقلوه فالمضيّع لا يكون مثل الحافظ، المفسد لا يكون كالمصلح، والصّابر لا يكون كالجازع، فمن ههنا كنّا نحن أحقُّ به منهم وأولى.
ثم قال الحكيم: إنَّه ليس يجري على لسان أحد منهم من الدِّين والتزهيد والدُّعاء إلى الاخرة إلّا وقد اخذ ذلك عن أصل الحقِّ(1501) الّذي عنه أخذنا، ولكنّه فرق بيننا وبينهم أحداثهم الّتي أحدثوا وابتغاؤهم الدُّنيا وإخلادهم إليها، وذلك أنَّ هذه الدَّعوة لم تزل تأتي وتظهر في الأرض مع أنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم في القرون الماضية على ألسنة مختلفة متفرِّقة، وكان أهل دعوة الحق أمرهم مستقيم، وطريقهم واضح، ودعوتهم بينة، ولا فرقة بينهم ولا اختلاف، فكانت الرُّسل (عليهم السلام) إذا بلّغوا رسالات ربهم، واحتجو الله تبارك وتعالى على عباده بحجّته وإقامة معالم الدِّين وأحكامه، قبضهم الله (عزَّ وجلَّ) إليه عند انقضاء آجالهم ومنتهى مدَّتهم، ومكثت الاُمّة من الامم بعد نبيّها برهة من دهرها لا تغيّر ولا تبدَّل ثمّ صار النّاس بعد ذلك يحدثون الأحداث ويتبعون الشّهوات، ويضيّعون العلم، فكان العالم البالغ المستبصر منهم يخفى شخصه ولا يظهر علمه، فيعرفونه باسمه ولا يهتدون إلى مكانه ولا يبقى منهم إلّا الخسيس من أهل العلم، يستخفّ به أهل الجهل والباطل، فيخمل العلم ويظهر الجهل، ويتناسل القرون فلا يعرفون إلّا الجهل والباطل، ويزداد الجهّال استعالاء وكثرة، والعلماء خمولاً وقلّة، فحوَّلوا معالم الله تبارك وتعالى عن وجوهها، وتركوا قصد سبيلها، وهم مع ذلك مقرُّون بتنزله، متّبعون شبهه ابتغاء تأويله، متعلّقون بصفته،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1500) في بعض النسخ (فيما جعلكم الله أولى بالحق منهم).
(1501) في بعض النسخ (أهل الحق).
تاركون لحقيقته، نابذون لاحكامه فكلُّ صفة جاءت الرُّسل تدعوا إليها فنحن لهم موافقون في تلك الصّفة، مخالفون لهم في أحكامهم وسيرتهم، لسنا نخالفهم في شيء إلّا ولنا عليهم الحجّة الواضحة والبينة العادلة من نعت ما في أيديهم من الكتب المنزلة من الله (عزَّ وجلَّ)، فكل متكلّم منهم يتكلّم بشيء من الحكمة فهي لنا وهي بيننا وبينهم تشهد لنا عليهم بأنها توافق صفتنا وسيرتنا وحكمنا، وتشهد عليهم بأنها مخالفة لسنتهم وأعمالهم، فليسوا يعرفون من الكتاب إلّا وصفه، ولا من الدِّين إلّا اسمه، فليسوا بأهل الكتاب حقيقة حتّى يقيموه.
قال ابن الملك: فما بال الأنبياء والرُّسل (عليهم السلام) يأتون في زمان دون زمان؟ قال الحكيم: إنّما مثل ذلك كمثل ملك كانت له أرض موات لا عمران فيها، فلمّا أراد أن يقبل عليها بعمارته أرسل إليها رجلاً جلداً أميناً ناصحاً، ثمّ أمره أن يعمر تلك الأرض وأن يغرس فيها صنوف الشجر وأنواع الزَّرع، ثمّ سمّى له الملك ألوانا من الغرس معلومة، وأنواعا من الزرع معروفة، ثمّ أمره أن لا يعدو ما سمى له وأن لا يحدّث فيها من قبله شيئاً لم يكن أمره به سيّده، وأمره أن يخرج لها نهرا ويسد عليها حائطا، ويمنعها من أن يفسدها مفسد، فجاء الرَّسول الّذي أرسله الملك إلى تلك الأرض فأحياها بعد موتها وعمّرها بعد خرابها، وغرس فيها وزرع من الصّنوف الّتي أمره بها، ثمّ ساق الماء إليها، حتّى نبت الغرس واتّصل الزرع، ثمّ لم يلبث قليلاً حتّى مات قيمها، وأقام بعده من يقوم مقامه وخلف من بعده خلف خالفوا من أقامه القيم بعده وغلبوه على أمره، فأخرجوا العمران، وطمّوا الانهار، فيبس الغرس، وهلك الزّرع، فلمّا بلغ الملك خلافهم على القيّم بعد رسوله وخراب أرضه أرسل إليها رسولاً آخر يحييها ويعيدها ويصلحها كما كانت في منزلتها الاولى، وكذلك الأنبياء والرُّسل (عليهم السلام) يبعث الله (عزَّ وجلَّ) منهم الواحد بعد الواحد فيصلح أمر النّاس بعد فساده.
قال ابن الملك: أيخصُّ الأنبياء والرُّسل (عليهم السلام) إذا جاءت بما يبعث به أم تعمُّ؟
قال بلوهر: إنَّ الأنبياء والرُّسل إذا جاءت تدعوا عامّة النّاس فمن
أطاعهم كان منهم، ومن عصاهم لم يكن منهم، وما تخلو الأرض قطُّ من أن يكون لله (عزَّ وجلَّ) فيها مطاع من أنبيائه ورسله ومن أو صيائه، وإنّما مثل ذلك مثل طائر كان في ساحل البحر يقال له قدم(1502) يبيض بيضاً كثيراً وكان شديداً الحبِّ للفراخ وكثرتها، وكان يأتي عليه زمان يتعذّر عليه فيه ما يريده من ذلك، فلا يجد بدّاً من اتّخاذ أرض اخرى حتّى يذهب ذلك الزَّمان فيأخذ بيضه مخافة عليه من أن يهلك من شفقته فيفرِّقه في أعشاش الطّير فتحضن الطّير بيضته مع بيضتها وتخرج فراخه مع فراخها، فإذا طال مكث فراخ قدم مع فراخ الطّير ألفها بعض فراخ الطير واستأنس بها فإذا كان الزَّمان الّذي ينصرف فيه قدم إلى مكانه مرَّ بأعشاش الطير وأوكارها بالليل فأسمع فراخه وغيرها صوته فإذا سمعت فراخه صوته تبعته وتبع فراخه ما كان ألفها من فراخ سائر الطير ولم يجبه ما لم يكن من فراخه ولا ما لم يكن ألف فراخه وكان قد يضمُّ إليه من أجابه من فراخه حبّاً للفراخ، وكذلك الأنبياء إنّما يستعرضون النّاس جميعاً بدعائهم فيجيبهم أهل الحكمة والعقل لمعرفتهم بفضل الحكمة، فمثل الطّير الّذي دعا بصوته مثل الأنبياء والرُّسل الّتي تعمُّ النّاس بدعائهم، ومثل البيض المتفرِّق في أعشاش الطّير مثل الحكمة، ومثل سائر فراخ الطّير الّتي ألفت مع فراخ قدم مثل من أجاب الحكماء قبل مجييء الرُّسل، لأنّ الله (عزَّ وجلَّ) جعل لانبيائه ورسله من الفضل والرَّأي ما لم يجعل لغيرهم من النّاس، وأعطاهم من الحجج والنّور والضياء ما لم يعط غيرهم، وذلك لمّا يريد من بلوغ رسالته ومواقع حججه، وكانت الرُّسل إذا جاءت وأظهرت دعوتها أجابهم من النّاس أيضاً من لم يكن أجاب الحكماء وذلك لمّا جعل الله (عزَّ وجلَّ) على دعوتهم من الضّياء والبرهان.
قال ابن الملك: أفرأيت ما يأتي به الرُّسل والأنبياء إذ زعمت أنَّه ليس بكلام النّاس، وكلام الله (عزَّ وجلَّ) هو كلام وكلام ملائكته كلام، قال الحكيم: أما رأيت النّاس لمّا أرادوا أن يفهموا بعض الدّوابِّ والطّير ما يريدون من تقدُّمها وتأخّرها وإقبالها وإدبارها لم يجدوا الدّوابّ والطير تحمل كلامهم الّذي هو كلامهم، فوضعوا من النقر والصفير والزجر ما يبلغوا به حاجتهم وما عرفوا أنّها تطيق حمله، وكذلك العباد يعجزوا أن يعلموا كلام الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1502) في بعض النسخ (قرم) ولعل الصواب (قرلي).
(عزَّ وجلَّ) وكلام ملائكته على كنهه وكماله ولطفه وصفته فصار ما تراجع النّاس بينهم من الاصوات الّتي سمعوا بها الحكمة شبيها بما وضع النّاس للدواب، والطير ولم يمنع ذلك الصوت مكان الحكمة المخبرة في تلك الاصوات من أن تكون الحكمة واضحة بينهم، قوية منيرة شريفة عظيمة، ولم يمنعها من وقوع معانيها على مواقعها وبلوغ ما احتج به الله (عزَّ وجلَّ) على العباد فيها وكان الصوت للحكمة جسداً ومسكناً، وكانت الحكمة للصّوت نفساً وروحاً، ولا طاقة للنّاس أن ينفذوا غور كلام الحكمة، ولا يحيطوا به بعقولهم، فمن قبل ذلك تفاضلت العلماء في علمهم، فلا يزال عالم يأخذ علمه من عالم حتّى يرجع العلم إلى الله (عزَّ وجلَّ) الّذي جاء من عنده، وكذلك العلماء قد يصيبون من الحكمة والعلم ما ينجيهم من الجهل، ولكن لكلِّ ذي فضل فضله، كما أنَّ النّاس ينالون من ضوء الشمس ما ينتفعون به في معائشهم وأبدانهم ولا يقدرون أن ينفذوها بأبصارهم فهي كالعين الغزيرة، الظاهر مجراها، المكنون عنصرها، فالناس قد يجيبون بما ظهر لهم من مائها، ولا يدركون غورها وهي كالنجوم الزّاهرة الّتي يهتدى بها النّاس، ولا يعلمون مساقطها، فالحكمة أشرف وأرفع وأعظم ممّا وصفناها به كلّه، هي مفتاح باب كلِّ خير يرتجى، والنجاة من كلِّ شر يتّقى، وهي شراب الحياة الّتي من شرب منه لم يمت أبداً، والشفاء للسقم الّذي من استشفى به لم يسقم أبداً، والطريق المستقيم الّذي من سلكه لم يضلَّ أبداً، هي حبل الله المتين الّذي لا يخلقه طول التكرار، من تمسّك به انجلى عنه العمى، ومن اعتصم به فاز واهتدى، وأخذ بالعروة الوثقى.
قال ابن الملك: فما بال هذه الحكمة الّتي وصفت بما وصفت من الفضل والشرف والارتفاع والقوَّة والمنفعة والكمال والبرهان لا ينتفع بها النّاس كلّهم جميعا؟.
قال الحكيم: إنّما مثل الحكمة كمثل الشمس الطالعة على جميع النّاس الابيض والاسود منهم، والصّغير والكبير، فمن أراد الانتفاع بها لم تمنعه ولم يحل بينه وبينها من أقربهم وأبعدهم، ومن لم يرد الانتفاع بها فلا حجّة له عليها، ولا تمنع الشّمس على النّاس جميعاً، ولا يحول بين النّاس
وبين الانتفاع بها، وكذلك الحكمة وحالها بين النّاس إلى يوم القيامة، والحكمة قد عمّت النّاس جميعاً إلّا أنَّ النّاس يتفاضلون في ذلك، والشّمس ظاهرة إذ طلعت على الابصار النّاظرة فرّقت بين النّاس على ثلاثة منازل فمنهم الصّحيح البصر الّذي ينفعه الضّوء ويقوى على النظر، ومنهم الاعمى القريب من الضّوء الّذي لو طلعت عليه شمس أو شموس لم تغن عنه شيئاً، ومنهم المريض البصر الّذي لا يعدُّ في العميان ولا في أصحاب البصر، كذلك الحكمة هي شمس القلوب إذا طلعت تفرَّق على ثلاث منازل: منزل لاهل البصر الّذين يعقلون الحكمة فيكونون من أهلها، ويعملون بها، ومنزل لاهل العمى الّذين تنبو الحكمة عن قلوبهم لا نكارهم الحكمة وتركهم قبولها كما ينبو ضوء الشّمس عن العميان، ومنزل لاهل مرض القلوب الّذين يقصر علمهم ويضعف عملهم ويستوي فيهم السييء والحسن، والحقّ والباطل، وإنَّ أكثر من تطلع عليه الشمس وهي الحكمة ممّن يعمى عنها.
قال ابن الملك: فهل يسع الرَّجل الحكمة فلا يجيب إليها حتّى يلبث زماناً ناكباً عنها، ثمّ يجيب ويراجعها؟ قال بلوهر: نعم هذا أكثر حالات النّاس في الحكمة.
قال ابن الملك: ترى والدي سمع شيئاً من هذا الكلام قطُّ؟ قال بلوهر: لاأراه سمع سماعاً صحيحاً رسخ في قلبه ولا كلّمه فيه ناصح شفيق.
قال ابن الملك: وكيف ترك ذلك الحكماء منه طول دهرهم؟ قال بلوهر: تركوه لعلمهم بمواضع كلامهم، فربما تركوا ذلك ممّن هو أحسن إنصافاً وألين عريكة وأحسن استماعاً من أبيك حتّى أنَّ الرَّجل ليعاش الرَّجل طول عمره وبينهما الاستيناس والمودَّة والمفاوضة، ولا يفرّق بينهما شيء إلّا الدِّين والحكمة، وهو متفجّع عليه، متوجّع له، ثمّ لا يفضي إليه أسرار الحكمة إذ لم يره لها موضعاً.
وقد بلغنا أنَّ ملكا من الملوك كان عاقلاً قريباً من النّاس مصلحاً لامورهم، حسن النّظر والانصاف لهم، وكان له وزيرٌ صدق صالح يعينه على
الاصلاح ويكفيه مؤونته ويشاوره في اموره، وكان الوزير أديباً عاقلاً، له دين وورع ونزاهة على الدُّنيا(1503)، وكان قد لقي أهل الدِّين، وسمع كلامهم، وعرف فضلهم، فأجابهم وانقطع إليهم بإخائه وودِّه، وكانت له من الملك منزلة حسنة وخاصّة، وكان الملك لا يكتمه شيئاً من أمره، وكان الوزير أيضاً له بتلك المنزلة، إلّا أنَّه لم يكن ليطلعه على أمر الدِّين، ولا يفاوضه أسرار الحكمة، فعاشا بذلك زماناً طويلاً، وكان الوزير كلّما دخل على الملك سجد الأصنام وعظمها وأخذ شيئاً في طريق الجهالة والضّلالة تقيّة له فأشفق الوزير على الملك من ذلك واهتمَّ به واستشار في ذلك أصحابه وإخوانه فقالوا له: انظر لنفسك وأصحابك فإن رأيته موضعا للكلام فكلمه وفاوضه وإلّا فانّك إنّما تعينه على نفسك، وتهيجه على أهل دينك، فإنَّ السّلطان لا يغتر به، ولا تؤمن سطوته، فلم يزل الوزير على اهتمامه به مصافياً له، رفيقاً به رجاء أن يجد فرصة فينصحه أو يجد للكلام موضعاً فيفاوضه، وكان الملك مع ضلالته متواضعاً سهلاً قريباً، حسن السيرة في رعيته، حريصاً على إصلاحهم، متفقّداً لاُمورهم، فاصطحب الوزير [مع] الملك على هذا برهة من زمانه.
ثم إنَّ الملك قال للوزير ذات ليلة من اللّيالي بعد ما هدأت العيون: هل لك أن تركب فنسير في المدينة فننظر إلى حال النّاس وآثار الامطار الّتي أصابتهم في هذه الأيّام؟ فقال الوزير: نعم فركبا جميعاً يجولان في نواحي المدينة فمرَّا في بعض الطريق على مزبلة تشبه الجبل، فنظر الملك إلى ضوء النّار تبدو في ناحية المزبلة، فقال للوزير: إنَّ لهذه لقصة فانزل بنا نمشي حتّى ندنو منها فنعلم خبرها، ففعلا ذلك فلمّا انتهيا إلى مخرج الضّوء وجداً نقباً شبيهاً بالغار، وفيه مسكين من المساكين ثمّ نظراً في الغار من حيث لا يراهما الرَّجل فإذا الرَّجل مشَّوه الخلق، عليه ثياب خلقان من خلقان المزبلة، متكيء على متّكاء قد هيأه من الزبل، وبين يديه إبريق فخار، فيه شراب وفي يده طنبور، يضرب بيده وامرأته في مثل خلقه ولباسه قائمة بين يديه تسقيه إذا استسقى منها، وترقّص له إذا ضرب، وتحييّه بتحيّة الملوك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1503) في بعض النسخ (وزهادة عن الدُّنيا).
كلما شرب، وهو يسمّيها سيدة النساء، وهما يصفان أنفسهما بالحسن والجمال وبينهما من السّرور والضّحك والطّرب ما لا يوصف، فقام الملك على رجليه مليّاً والوزير ينظر كذلك ويتعجّبان من لذَّتهما وإعجابهما بما هما فيه، ثمّ انصرف الملك والوزير فقال الملك: ما أعلمني وإياك أصابنا الدهر من اللذة والسّرور والفرح مثل ما أصاب هذين الليلة مع إنّي أظنهما يصنعان كلّ ليلة مثل هذا، فاغتنم الوزير ذلك منه، ووجد فرصة فقال له: أخاف أيّها الملك أن يكون دنيانا هذه من الغرور ويكون ملكك وما نحن فيه من البهجة والسّرور في أعين من يعرف الملكوت الدّائم مثل هذه المزبلة، ومثل هذين الشخصين اللذين رأيناهما، وتكون مساكننا وما شيّدنا منها عند من يرجو مساكن السعادة وثواب الاخرة مثل هذا الغار في أعيننا، وتكون أجسادنا عند من يعرف الطهارة والنّضارة والحسن والصّحّة مثل جسد هذه المشوَّه الخلق في أعيننا، ويكون تعجّبهم عن إعجابنا بما نحن فيه كتعجّبنا من إعجاب هذين الشخصين بما هما فيه.
قال الملك وهل تعرف لهذه الصّفة أهلاً؟ قال الوزير: نعم، قال الملك: من هم؟ قال الوزير: أهل الدِّين الّذي عرفوا ملك الاخرة ونعيمها فطلبوه، قال الملك: وما ملك الآخرة؟ قال الوزير هو النعيم الّذي لا بؤس بعده، والغنى الّذي لا فقر بعده، والفرح الّذي لا ترح بعده، والصحّة الّتي لاسقم بعدها، والرِّضي الّذي لا سخط بعده، والامن الّذي لا خوف بعده، والحياة الّتي لا موت بعدها، والملك الّذي لا زوال له، هي دار البقاء، ودار الحيوان، الّتي لا انقطاع لها، ولا تغيّر فيها، رفع الله (عزَّ وجلَّ) عن ساكنيها فيها السقم والهرم والشّقاء والنصب والمرض والجوع والظمأ والموت، فهذه صفة ملك الاخرة وخبرها أيّها الملك.
قال الملك: وهل تدركون إلى هذه الدَّار مطلبا وإلى دخولها سبيلاً؟ قال الوزير: نعم هي مهيّأة لمن طلبها من وجه مطلبها، ومن أتاها من بابها ظفر بها، قال الملك: ما منعك أن تخبرني بهذا قبل اليوم؟ قال الوزير: منعني من ذلك إجلالك والهيبة لسلطانك، قال الملك: لئن كان هذا الامر الّذي وصفت يقيناً فلا ينبغي لنا أن نضيعه ولا نترك العمل به في إصابته،
ولكنّا نجتهد حتّى يصح لنا خبره، قال الوزير: أفتأمرني أيّها الملك أن أو اظب عليك في ذكره والتكرير له؟ قال الملك: بل آمرك أن لا تقطع عنّي ذكره ليلاً ولا نهاراً، ولا تريحني ولا تمسك عني ذكره فإنَّ هذا أمر عجيب لا يتهاون به، ولا يغفل عن مثله، وكان سبيل ذلك الملك والوزير إلى النجاة.
قال ابن الملك: ما أنا بشاغل نفسي بشيء من هذه الأُمور عن هذا السّبيل ولقد حدَّثت نفسي بالهرب معك في جوف اللّيل حيث بدالك أن تذهب.
قال بلوهر: وكيف تستطيع الذِّهاب معي والصّبر على صحبتي وليس لي جحر يأويني، ولا دابّة تحملني، ولا أملك ذهباً، ولا فضّة، ولا أدَّخر غذاء العشاء ولا يكون عندي فضل ثوب، ولا أستقرُ ببلدة إلّا قليلا حتّى أتحوَّل عنها ولا أتزوَّد من أرض إلى أرض أخري رغيفاً أبداً.
قال ابن الملك: إنّي أرجو أن يقوِّيني الّذي قوّاك، قال بلوهر: أمّا إنّك أن أبيت إلّا صحبتي كنت خليقاً أن يكون كالغني الّذي صاهر الفقير.
قال يوذاسف: وكيف كان ذلك؟ قال بلوهر: زعموا أنَّ فتى كان من أولاد الاغنياء فأراد أبوه أن يزوجه ابنة عمٍّ له ذات جمال ومال، فلم يوافق ذلك الفتى ولم يطلع أباه على كراهته حتّى خرج من عنده متوجّهاً إلى أرض أخري، فمرَّ في طريقه على جارية عليها ثياب خلقان لها، قائمة على باب بيت من بيوت المساكين فأعجبته الجارية، فقال لها: من أنت أيّتها الجارية؟ قالت: أنا ابنة شيخ كبير في هذا البيت، فنادى الفتى الشيخ فخرج إليه فقال له: هل تزوِّجني ابنتك هذه؟ قال: ما أنت بمتزوِّج لبنات الفقراء وأنت فتى من الأغنياء، قال: أعجبتني هذه الجارية ولقد خرجت هارباً من امرأة ذات حسب ومال أرادوا منّي تزويجها، فكرهتها فزوجني ابنتك فانّك واجد عندي خيراً إن شاء الله.
قال الشيخ: كيف أزوِّجك ابنتي ونحن لا تطيب أنفسنا أن تنقلها عنّا، ولا أحسب مع ذلك أنَّ أهلك يرضون أن تنقلها إليهم، قال الفتي: فنحن معكم في منزلكم هذا، قال الشيخ: أن صدقت فيما تقول فاطرح عنك زيّك
وحليتك هذه، قال: ففعل الفتى ذلك وأخذ أطماراً رثّة من أطمارهم فلبسها وقعد معهم، فسأله الشّيخ عن شأنه وعرض له بالحديث حتّى فتّش عقله فعرف أنَّه صحيح العقل وإنّه لم يحمله على ما صنع السّفه، فقال له الشيخ: أمّا إذا اخترتنا ورضيت بنا فقم معي إلى هذا السّرب فأدخله فإذا خلف منزله بيوت ومساكن لم ير مثلها قطٌ سعة وحسناً، وله خزائن من كلِّ ما يحتاج إليه، ثمَّ دفع إليه مفاتيحه وقال له: إنَّ كلّ ما ههنا لك فاصنع به ما أجببت، فنعم الفتى أنت وأصاب الفتى ما كان يريده.
قال يوذاسف: إنّي لأرجو أن أكون أنا صاحب هذا المثل إنَّ الشيخ فتش عقل هذا الغلام حتّى وثق به، فلعلّك تطوِّل بي على تفتيش عقلي فأعلمني ما عندك في ذلك، قال الحكيم لو كان هذا الامر إليَّ لاكتفيت منك بأدنى المشافهة ولكن فوق رأسي سنّة قد سنّها أئمّة الهدى في بلوغ الغاية في التوفيق، وعلم ما في الصّدور فأنا أخاف أن خالفت السنة أن أكون قد أحدثت بدعة، وأنا منصرف عنك الليلة وحاضر بابك في كلِّ ليلة، ففكّر في نفسك بهذا واتعظ به، وليحضرك فهمك وتثبت ولا تعجل بالتصديق لمّا يورده عليك همّك حتّى تعلمه بعد التؤدة والاناة وعليك بالاحتراس في ذلك أن يغلبك الهوى والميل إلى الشبهة والعمى، واجتهد في المسائل الّتي تظنُّ أنَّ فيها شبهة، ثمّ كلّمني فيها وأعلمني رأيك في الخروج إذا أردت، وافترقا على هذا تلك اللّيلة.
ثمَّ عاد الحكيم إليه فسلّم عليه ودعا له، ثمَّ جلس فكان من دعائه أن قال: أسأل الله الاوَّل الّذي لم يكن قبله شيء، والاخر الّذي لا يبقى معه شيء، والباقي الّذي لا منتهي له، والواحد الفرد الصمد الّذي ليس معه غيره، والقاهر الّذي لا شريك له، البديع الّذي لا خالق معه، القادر الّذي ليس له ضدّ، الصمد الّذي ليس له ندٌ، الملك الّذي ليس معه أحد أن يجعلك ملكاً عدلاً، إماماً في الهدى، قائداً إلى التقوى، ومبصّراً من العمي، وزاهداً في الدُّنيا، ومحبّاً لذوي النهى، ومبغضاً لأهل الرَّدى حتّى يفضي بنا وبك إلى ما وعد الله أوليائه على ألسنة أنبيائه من جنّته ورضوانه، فإن رغبتنا إلى الله في ذلك ساطعة، ورهبتنا منه باطنة، وأبصارنا إليه شاخصة(1504)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1504) في بعض النسخ (وأبصارنا إليه خاشعة).
واعناقنا له خاضعة، وأمورنا إليه صائرة.
فرَّق ابن الملك لذلك الدُّعاء رقة شديدة، وازداد في الخير رغبة، وقال متعجّباً من قوله: أيّها الحكيم أعلمني كم أتى لك من العمر؟ فقال: اثنتا عشر سنّة، فارتاع لذلك، وقال: ابن اثنتى عشرة سنّة طفل وأنت مع ما أرى من التكهّل لابن ستين سنة. قال الحكيم، أمّا المولد فقد راهق الستّين سنّة، ولكنّك سألتني عن العمر وإنّما العمر الحياة، ولا حياة إلّا في الدِّين والعمل به، والتخلي من الدُّنيا ولم يكن ذلك لي إلّا من اثنتي عشرة سنّة، فأمّا قبل ذلك فإنّي كنت ميّتاً ولست أعتدّ في عمري بأيّام الموت، قال ابن الملك: كيف تجعل الاكل والشارب والمتقلب ميتا؟ قال الحكيم: لأنّه شارك الموتى في العمى والصمِّ والبكم وضعف الحياة وقلّة الغنى، فلمّا شاركهم في الصّفة وافقهم في الاسم.
قال ابن الملك: لئن كنت لا تعدّ حياة ولا غبطة ما ينبغي لك أن تعدَّ ما يتوقع من الموت موتاً، ولا تراه مكروها، قال الحكيم: تغريري في الدُّخول عليك بنفسي يا ابن الملك مع علمي لسطوة أبيك على أهل ديني يدلّك على إنّي [لا أرى الموت موتاً] ولا أرى هذه الحياة حياة، ولا ما أتوقع من الموت مكروها، فكيف يرغب في الحياة من قد ترك حظه منها؟ أو يهرب من الموت من قد أمات نفسه بيده، أو لا ترى يا ابن الملك أنَّ صاحب الدِّين قد رفض في الدُّنيا من أهله وماله وما لا يرغب في الحياة إلّا له(1505) واحتمل من نصب العبادة ما لا يريحه منه إلّا الموت، فما حاجة من لا يتمتّع بلذَّة الحياة إلى الحياة؟ أو مهرب من لا راحة له إلّا في الموت من الموت.
قال ابن الملك: صدقت أيّها الحكيم فهل يسرك أن ينزل بك الموت من غد؟ قال الحكيم: بل يسرُّني أن ينزل بى الليلة دون غد فإنه من عرف السّييء والحسن وعرف ثوابهما من الله (عزَّ وجلَّ) ترك السييء مخافة عقابه، وعمل بالحسن رجاء ثوابه، ومن كان موقناً بالله وحده مصدِّقا بوعده فإنه يحبُّ الموت لمّا يرجو بعد الموت من الرَّخاء ويزهد في الحياة لمّا يخاف على نفسه من شهوات الدُّنيا والمعصية لله فيها فهو يحبُّ الموت مبادرة من ذلك، فقال ابن الملك: أنَّ هذا لخليق أن يبادر الهلكة لمّا يرجو في ذلك من النجاة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1505) في بعض النسخ (ما لا يرغب فيها مالا إلّا له).
فاضرب لي مثل اُمتنا هذه وعكوفها على أصنامها.
قال الحكيم: إنَّ رجلاً كان له بستان يعمره ويحسن القيام عليه إذ رأى في بستانه ذات يوم عصفوراً واقعا على شجرة من شجر البستان يصيب من ثمرها، فغاضه ذلك فنصب فخّاً فصاده، فلمّا هم بذبحه أنطقه الله (عزَّ وجلَّ) بقدرته، فقال لصاحب البستان: إنّك تهتمُّ بذبحي وليس في ما يشبعك من جوع ولا يقويك من ضعف فهل لك في خير ممّا هممت به؟ قال الرَّجل: ما هو؟ قال العصفور: تخلّي سبيلي واعلّمك ثلاث كلمات أن أنت حفظتهنَّ كنَّ خيراً لك من أهل ومال هولك، قال: قد فعلت فأخبرني بهنَّ، قال العصفور: احفظ عني ما أقول لك: لا تأس على ما فاتك ولا تصدقن بما لا يكون: ولا تطلبنَّ لا ما تطيق: فلمّا قضى الكلمات خلّى سبيله، فطار فوقع على بعض الاشجار، ثمّ قال للرَّجل: لو تعلم ما فاتك منّي لعلمت أنّك قد فاتك منّي عظيم جسيم من الامر، فقال الرَّجل وما ذاك؟ قال العصفور: لو كنت مضيت على ما هممت به من ذبحي لا ستخرجت من حوصلتي درَّة كبيضة الوزَّة فكان لك في ذلك غنى الدَّهر، فلمّا سمع الرَّجل منه ذلك أسرَّ في نفسه ندماً على ما فاته، وقال: دع عنك ما مضى، وهلمَّ أنطلق بك إلى منزلي فأحسن صحبتك وأكرم مثواك، فقال له العصفور: أيّها الجاهل ما أراك حفظتني إذا ظفرت بي، ولا انتفعت بالكلمات الّتي افتديت بها منك نفسي، ألم أعهد إليك إلّا تأس على ما فاتك ولا تصدِّق ما لا يكون، ولا تطلب مالا يدرك؟ أما أنت متفجّع على ما فاتك وتلتمس منّي رجعتي إليك وتطلب مالا تدرك وتصدِّق أن في حوصلتي درة كبيضة الوزة، وجميعي أصغر من بيضها، وقد كنت عهدت إليك أن لا تصدق بما لا يكون وأن أمتكم صنعوا أصنامهم بأيديهم ثمّ زعموا أنّها هي الّتي خلقتهم وخفظوها من أن تسرق مخافة عليها وزعموا أنّها هي الّتي تحفظهم، وأنفقوا عليها من مكاسبهم واموالهم، وزعموا أنّها هي الّتي ترزقهم فطلبوا من ذلك مالا يدرك وصدَّقوا بما لا يكون فلزمهم منه ما لزم صاحب البستان.
قال ابن الملك: صدقت أمّا الاصنام فإنّي لم أزل عارفاً بأمرها، زاهدا فيها، آيساً من خيرها، فأخبرني بالّذي تدعوني إليه والّذي ارتضيته لنفسك ما هو؟
قال بلوهر: جماع الدِّين أمر أنَّ أحدهما معرفة الله (عزَّ وجلَّ) والاخر العمل برضوانه، قال ابن الملك: وكيف معرفة الله (عزَّ وجلَّ)؟
قال الحكيم: أدعوك إلى أن تعلم أنَّ الله واحد ليس له شريك، لم يزل فرداً ربّاً، وما سواه مربوب، وأنّه خالق وما سواه مخلوق، وأنّه قديم وما سواه محدث، وأنّه صانع وما سواه مصنوع، وأنّه مدبّرٌ وما سواه مدبّرٌ، وأنّه باق وما سواه فإنَّ، وأنّه عزيز وما سواه ذليل، وأنّه لا ينام ولا يغفل ولا يأكل ولا يشرب ولا يضعف ولا يغلب ولا يضجر، ولا يعجزه شيء، لم تمتنع منه السماوات والأرض والهواء والبر والبحر، وأنّه كون الاشياء لا من شيء، وأنّه لم يزل ولا يزال، ولا تحدث فيه الحوادث، ولا تغيّره الاحوال، ولا تبدِّله الازمان، ولا يتغيّر من حال إلى حال، ولا يخلو منه مكان، ولا يشتغل به مكان، ولا يكون من مكان أقرب منه إلى مكان، ولا يغيب عنه شيء، عالمٌ لا يخفى عليه شيء، قديرٌ لا يفوته شيء، وأن تعرفه بالرأفة والرَّحمة والعدل، وأنَّ له ثواباً أعدَّه لمن أطاعه، وعذاباً أعده لمن عصاه، وأن تعمل لله برضاه، وتجتنب سخطه.
قال ابن الملك: فما رضي الواحد الخالق من الأعمال؟ قال الحكيم: يا ابن الملك رضاه أن تطيعه ولا تعصيه، وأن تأتي إلى غيرك ما تحبُّ أن يؤتى إليك، وتكفَّ عن غيرك ما تحبُّ أن يكفَّ عنك في مثله، فإنَّ ذلك عدل وفي العدل رضاه، وفي اتّباع آثار أنبياء الله ورسله بأن لا تعدو سنّتهم.
قال ابن الملك: زدني أيّها الحكيم تزهيداً في الدُّنيا وأخبرني بحالها.
قال الحكيم: إنّي لمّا رأيت الدُّنيا دار تصرف وزوال وتقلّب من حال إلى حال، ورأيت أهلها فيها أغراضا للمصائب، ورهائن للمتالف، ورأيت صحّة بعدها سقماً، وشباباً بعده هرماً، وغنى بعده فقراً، وفرحاً بعده حزناً، وعزّاً بعده ذلّاً، ورخاء بعده شدَّة، وأمناً بعده خوفاً، وحياة بعدها مماة، ورأيت أعماراً قصيرة وحتوفاً راصدة(1506) وسهاماً قاصدة، وأبداناً ضعيفة مستسلمة غير ممتنعة ولا حصينة، وعرفت أنَّ الدُّنيا منقطعة بالية فانية، وعرفت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1506) الحتف: الموت من غير قتل والجمع حتوف. والراصد: المراقب.
بما ظهر لي منها ما غاب عنّي منها، وعرفت بظاهرها باطنها، وغامضها بواضحها، وسرَّها بعلانيتها، وصدورها بورودها، فحذرتها لمّا عرفتها، وفررت منها لمّا أبصرتها، بينا تري المرء فيها مغتبطاً محبوراً(1507) وملكاً مسروراً(1508) في خفض ودعة ونعمة وسعة، في بهجة من شبابه، وحداثة من سنه، وغبطة من ملكه، وبهاء من سلطانه، وصحّة من بدنه إذا انقلبت الدُّنيا به أسرَّ ما كان فيها نفساً، وأقرَّ ما كان فيها عيناً، فأخرجته من ملكها وغبطتها وخفضها ودعتها وبهجتها، فأبدلته بالعزِّ ذلا، وبالفرح ترحاً، وبالسرور حزناً، وبالنعمة بؤسا، وبالغني فقراً، وبالسّعة ضيقاً، وبالشباب هرماً، وبالشّرف ضعة، وبالحياة موتاً، فدلّته في حفرة ضيقة شديدة الوحشة، وحيداً فريداً غريباً قد فارق الاحبّة وفارقوه، وخذله إخوانه فلم يجد عندهم منعاً وغرَّه أعداؤه فلم يجد عندهم دفعاً، وصار عزه وملكه وأهله وماله نهبة من بعده، كأن لم يكن في الدُّنيا ولم يذكر فيها ساعة قطُّ ولم يكن له فيها خطرٌ، ولم يملك من الأرض حظّاً قط، فلا تتّخذها يا ابن الملك داراً، ولا تتّخذنَّ فيها عقدة(1509) ولا عقاراً، فافّ لها وتف.
قال ابن الملك: افّ لها ولمن يغترّ بها إذا كان هذا حالها. ورقّ ابن الملك وقال: زدني أيّها الملك الحكيم من حديثك فإنه شفاء لمّا في صدري.
قال الحكيم: إنَّ العمر قصير، واللّيل والنّهار يسرعان فيه، والارتحال من الدُّنيا حثيث قريب، وإنّه وإن طال العمر فيها فإنَّ الموت نازل، والظاعن لا محالة راحلٌ فيصير ما جمع فيها مفرَّقاً، وما عمل فيها متبرّاً، وما شيّد فيها خراباً، ويصير اسمه مجهولاً، وذكره منسيّاً، وحسبه خاملاً، وجسده باليا، وشرفه وضيعاً، ونعمته وبالاً، وكسبه خساراً، ويورث سلطانه، ويستذلُّ عقبه، ويستباح حريمه، وتنقض عهوده، وتخفر ذمّته، وتدرس آثاره؛ ويوزع ماله، ويطوي رحله، ويفرح عدوّه ويبيد ملكه، ويورث تاجه، ويخلف على سريره، ويخرج من مساكنه مسلوباً مخذولاً فيذهب به إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1507) أي مسروراً، والحبر - بفتح الحاء وكسرها - السرور والجمع حبور وأحبار.
(1508) في بعض النسخ (مشعوفا).
(1509) العقدة: الضيعة وهي المتاع والعقار.
قبره، فيدلى في حفرته في وحدة وغربة وظلمة ووحشة ومسكنة وذلّة، قد فارق الاحبة وأسلمته العصبة فلا تؤنس وحشته أبداً، ولا ترد غربته أبداً، واعلم أنّها يحق على المرء اللبيب من سياسة نفسه خاصّة كسياسة الامام العادل الحازم الّذي يؤدب العامّة، ويستصلح الرعية، ويأمرهم بما يصلحهم، وينهاهم عمّا يفسدهم، ثمّ يعاقب من عصاه منهم، ويكرم من أطاعه منهم، فكذلك للرجل اللبيب أن يؤدب نفسه في جميع أخلاقها وأهوائها وشهواتها وأن تحملها وإن كرهت على لزوم منافعها فيما أحبت وكرهت، وعلى اجتناب مضارها، وأن يجعل لنفسه عن نفسه ثواباً وعقاباً من مكانها من السرور إذا أحسنت، ومن مكانها من الغمِّ إذا أساءت، وممّا يحقّ على ذي العقل النظر فيما ورد عليه من أموره، والاخذ بصوابها، وينهى نفسه عن خطائها، وأن يحتقر عمله ونفسه في رأيه لكيلا يدخله عجب، فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد مدح أهل العقل وذمَّ أهل العجب، ومن لا عقل له: وبالعقل يدرك كلَّ خير بإذن الله تبارك وتعالى وبالجهل تهلك النفوس، وإنَّ من أوثق الثقات عند ذوي الالباب ما أدركته عقولهم، وبلغته تجاربهم، ونالته أبصارهم في الترك للاهواء والشّهوات، وليس ذوا العقل بجدير أن يرفض ما قوي على حفظه من العمل احتقاراً له إذا لم يقدر على ما هو أكثر منه، وإنّما هذا من أسلحة الشيطان الغامضة الّتي لا يبصرها إلّا من تدبّرها، ولا يسلم منها إلّا من عصمه الله منها، ومن رأس أسلحته سلاحان أحدهما إنكار العقل أن يوقع في قلب الانسان العاقل أنَّه لا عقل له ولا بصر ولا منفعة له في عقله وبصره، ويريد أن يصدَّه عن محبة العلم وطلبه، ويزيّن له الاشتغال بغيره من ملاهي الدُّنيا، فإن اتّبعه الانسان من هذا الوجه فهو ظفره، وإن عصاه وغلبه فزع إلى السلاح الاخر وهو أن يجعل الانسان إذا عمل شيئاً وأبصر عرض له بأشياء لا يبصرها ليغمه ويضجزه بما لا يعلم حتّى يبغض إليه ما هو فيه بتضعيف عقله عنده، وبما يأتيه من الشبهة، ويقول: ألست ترى أنّك لا تستكمل هذا الامر ولا تطيقه أبداً فبم تعني نفسك وتشقيها فيما لا طاقه لك به، فبهذا السّلاح صرع كثيراً من النّاس، فاحترس من أن تدع اكتساب علم ما تعلمه وأن تخدع عمّا اكتسبت منه، فانّك في دار قد استخوذ على أكثر
أهلها الشّيطان بألوان حيله ووجوه ضلالته، ومنهم من قد ضرب على سمعه وعقله وقلبه فتركه لا يعلم شيئاً، ولا يسأل عن علم ما يجهل منه كالبهيمة، وإن لعامّتهم أدياناً مختلفة فمنهم المجتهدون في الضّلالة حتّى أنَّ بعضهم ليستحلّ دم بعض وأموالهم، ويمّوه ضلالتهم بأشياء من الحقِّ ليلبس عليهم دينهم، ويزيّنه لضعيفهم، ويصدّهم عن الدِّين القيّم، فالشّيطان وجنوده دائبون في إهلاك النّاس، وتضليلهم لا يسأمون، ولا يفترون ولا يحصى عددهم إلّا الله، ولا يستطاع دفع مكائدهم إلّا بعون من الله (عزَّ وجلَّ) والاعتصام بدينه، فنسأل الله توفيقاً لطاعته ونصراً على عدوِّنا، فإنه لا حول ولا قوَّة إلّا بالله.
قال ابن الملك: صف لي الله سبحانه وتعالى حتّى كأنّي أراه، قال: إنَّ الله تقدس ذكره لا يوصف بالرُّؤية، ولا يبلغ بالعقول كنه صفته، ولا تبلغ الالسن كنه مدحته، ولا يحيط العباد من علمه إلّا بما علّمهم منه على ألسنة أنبيائه (عليهم السلام) بما وصف به نفسه، ولا تدرك الاوهام عظم ربوبيته، هو أعلى من ذلك واجلُّ وأعزُّ واعظم وأمنع وألطف، فباح للعباد من علمه بما أحبَّ، وأظهرهم من صفته على ما أراد، ودلّهم على معرفته ومعرفة ربوبيّته بإحداث ما لم يكن، واعدام ما أحدث.
قال ابن الملك: وما الحجّة؟ قال: إذا رأيت شيئاً مصنوعاً غاب عنك صانعه علمت بعقلك أنَّ له صانعاً، فكذلك السّماء والأرض وما بينهما، فأيُّ حجّة أقوى من ذلك.
قال ابن الملك: فأخبرني أيّها الحكيم أبقدر من الله (عزَّ وجلَّ) يصيب النّاس ما يصيبهم من الاسقام والاوجاع والفقر والمكاره أو بغيره قدر.
قال بلوهر: لا بل بقدر، قال: فأخبرني عن أعمالهم السّيّئة، قال: إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) من سيّيء أعمالهم بريء ولكنّه (عزَّ وجلَّ) أوجب الثواب العظيم لمن أطاعه والعقاب الشديد لمن عصاه.
قال: فأخبرني من أعدل النّاس، ومن أجورهم، ومن أكسيم ومن أحمقهم، ومن أشقاهم ومن أسعدهم؟ قال: أعدلهم أنصفهم من نفسه
وأجورهم من كان جوره عنده عدلاً وعدل أهل العدل عنده جوراً، وأمّا أكسيهم فمن أخذ لاخرته اُهبتها(1510) وأحمقهم من كانت الدُّنيا همه، والخطايا عمله، وأسعدهم من ختم عاقبة عمله بخير، وأشقاهم من ختم له بما يسخط الله (عزَّ وجلَّ).
ثمَّ قال: من دان النّاس بما أنَّ دين بمثله هلك فذلك المسخط لله، المخالف لمّا يحب، ومن دانهم بما إن ديّن بمثله صلح فذلك المطيع لله الموافق لمّا يحب المجتنب لسخطه، ثمَّ قال: لا تستقبحنَّ الحسن وإن كان في الفجّار، ولا تستحسننَّ القبيح وإن كان في الأبرار.
ثمّ قال له: أخبرني أيُّ النّاس أولى بالسّعادة؟ وأيّهم أولى بالشّقاوة؟.
قال بلوهر: أولاهم بالسّعادة المطيع لله (عزَّ وجلَّ) في أوامره، والمجتنب لنواهية، وأولاهم بالشّقاوة العامل بمعصية الله، التارك لطاعته، المؤثر لشهوته على رضي الله (عزَّ وجلَّ)، قال: فأيُّ النّاس أطوعهم لله (عزَّ وجلَّ)؟ قال: أتبعهم لأمره، وأقواهم في دينه وأبعدهم من العمل باسيّئات، قال: فما الحسنات والسيّئات؟ قال: الحسنات صدق النيّة والعمل، والقول الطيّب، والعمل الصّالح، والسيئات سوء النيّة، وسوء العمل، والقول السيّيء، قال: فما صدق النيّة؟ قال: الاقتصاد في الهمّة، قال: فما سوء(1511) القول؟ قال: الكذب، قال: فما سوء العمل (1)؟ قال: معصية الله (عزَّ وجلَّ) قال: أخبرني كيف الاقتصاد في الهمة؟ قال: التذكر لزوال الدُّنيا وانقطاع أمرها، والكفّ عن الأُمور الّتي فيها النّقمة والتّبعة في الاخرة.
قال: فما السّخاء؟ قال: إعطاء المال في سبيل الله (عزَّ وجلَّ)، قال: فما الكرم؟ قال: التقوى، قال: فما البخل؟ قال: منع الحقوق عن أهلها وأخذها من غير وجهها قال: فما الحرص؟ قال: الاخلاد إلى الدُّنيا، والطماح إلى الأُمور الّتي فيها الفساد وثمرتها عقوبة الاخرة، قال: فما الصدق؟ قال: الطريقة في الدِّين بأن لا يخادع المرء نفسه ولا يكذبها، قال: فما الحمق؟ قال: الطمأنينة إلى الدُّنيا وترك ما يدوم ويبقى، قال: فما الكذب؟ قال: أن يكذب المرء نفسه فلا يزال بهواه شعفا ولدينه مسوفا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1510) الاهبة: العدة، يقال: أخذ للسفر أهبته أي أسبابه.
(1511) في بعض النسخ (شر) مكان (سوء).
قال: أي الرِّجال أكملهم في الصّلاح؟ قال: أكملهم في العقل وأبصرهم بعواقب الأُمور، وأعلمهم بخصومة، وأشدُّهم منهم احتراساً، قال: أخبرني ما تلك العاقبة وما اولئك الخصماء الّذين يعرفهم العاقل فيحترس منهم؟ قال: العاقبة الاخرة والفناء الدُّنيا، قال: فما الخصماء؟ قال: الحرص والغضب والحسد الحميّة والشهوة والرِّياء واللجاجة.
قال: أيُّ هؤلاء الّذين عددت أقوى وأجدر أن يسلم منه؟ قال: الحرص أقلُّ رضاً وأفحش غضباً، والغضب أجور سلطاناً وأقلُّ شكراً وأكسب للبغضاء، والحسد أسوء الخيبة للنيّة، وأخلف للظنّ، والحميّة أشدُّ لجاجة وأفظع معصية، والحقد أطول توقّداً وأقلُّ رحمة وأشدُّ سطوة، والرّياء أشدُّ خديعة، وأخفى اكتتاماً وأكذب، واللّجاجة أعي خصومة، وأقطع معذرة.
قال: أيُّ مكائد الشّيطان للنّاس في هلاكهم أبلغ؟ قال: تعميته عليهم البرَّ والاثم والثواب والعقاب وعواقب الأُمور في ارتكاب الشهوات، قال: أخبرني بالقوَّة الّتي قوى الله (عزَّ وجلَّ) بها العباد في تغالب تلك الأُمور السّيئة والاهواء المردية؟ قال: العلم والعقل والعمل بهما، وصبر النّفس عن شهواتها، والرجاء للثواب في الدِّين، وكثرة الذكر لفناء الدُّنيا، وقرب الاجل، والاحتفاط من أن ينقض ما يبقى بما يفني، فاعتبار ماضى الأُمور بعاقبتها والاحتفاظ بما لا يعرف إلّا عند ذوي العقول وكفِّ النفس عن العادة السّيّئة وحملها على العادة الحسنة، والخلق المحمود، وأن يكون أمل المرء بقدر عيشه حتّى يبلغ غايته، فإنَّ ذلك هو القنوع وعمل الصّبر والرِّضا بالكفاف واللّزوم للقضاء والمعرفة بما فيه في الشدّة من التعب وما في الافراط من الاقتراف، وحسن العزاء عمّافات، وطيب النفس عنه وترك معالجة ما لا يتمُّ، والصّبر بالاُمور الّتي إليها يرد، واختيار سبيل الرُّشد على سبيل الغيِّ، وتوطين النفس على أنَّه أنَّ عمل خيراً أجزي به وإن عمل شراً أجزي به والمعرفة بالحقوق والحدود في التقوى وعمل النصيحة وكف النفس عن اتباع الهوى. وركوب الشهوات، وحمل الأُمور على الرَّأي والاخذ بالحزم والقوَّة، فإن أتاه البلاء أتاه وهو معذور غير ملوم.
قال ابن الملك: أيُّ الأخلاق أكرم وأعزُّ؟ قال: التواضع ولين الكلمة
اللاخوان في الله (عزَّ وجلَّ)، قال: أي العبادة أحسن؟ قال: الوقار والمودَّة قال: فأخبرني أي الشّيم أفضل؟ قال: حب الصالحين، قال: أيُّ الذّكر أفضل، قال: ما كان في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: فأي الخصوم ألد؟ قال: ارتكاب الذُّنوب، قال ابن الملك: أخبرني أيُّ الفضل أفضل؟ قال: الرِّضا بالكفاف، قال: أخبرني أيُّ الادب أحسن؟ قال: أدب الدِّين، قال: أيُّ الشيء أجفا؟ قال: السّلطان العاتي، والقلب القاسي، قال: أيُّ شيء أبعد غاية؛ قال: عين الحريص الّتي لا تشبع من الدُّنيا، قال: أي الأُمور أخبث عاقبة؟ قال: التماس رضي النّاس في سخط الربِّ (عزَّ وجلَّ)، قال: أيُّ شيء أسرع تقلّباً، قال: قلوب الملوك الّذين يعملون للدُّنيا، قال: فأخبرني أيُّ الفجور أفحش؟ قال: إعطاء عهد الله والغدر فيه، قال: فأيُّ شيء أسرع انقطاعاً، قال: مودَّة الفاسق، قال: فأيُّ شيء أخون؟ قال: لسان الكاذب، قال: فأيُّ شيء أشد اكتتاماً؟ قال: شرُّ المرائي المخادع، قال: فأيُّ شيء أشبه بأحوال الدُّنيا، قال: أحلام النّائم، قال: أيُّ الرِّجال أفضل رضي؟ قال: أحسنهم ظنّاً بالله (عزَّ وجلَّ) وأتقاهم وأقلّهم غفلة عن ذكر الله وذكر الموت وانقطاع المدّة. قال أيُّ شيء من الدُّنيا أقرُّ للعين؛ قال: الولد الاديب والزَّوجة الموافقة المؤاتية المعينة على أمر الاخرة، قال: أيُّ الدّاء ألزم في الدُّنيا؟ قال: الولد السّوء والزَّوجة السّوء اللذين لا يجد منهما بدّاً، قال: أي الخفض أخفض؟ قال: رضي المرء بحظّه واستيناسه بالصّالحين.
ثمَّ قال ابن الملك للحكيم: فرَّغ لي ذهنك فقد أردت مساءلتك عن أهمِّ الاشياء إليَّ بعد إذ بصرني الله (عزَّ وجلَّ) من أمري ما كنت به جاهلا، ورزقني من الدِّين ما كنت منه آيساً.
قال الحكيم: سل عمّا بدالك، قال ابن الملك: أرأيت من أوتي الملك طفلاً ودينه عبادة الاوثان وقد غذي بلذَّات الدُّنيا واعتادها ونشأ فيها إلى أن كان رجلاً وكهلاً، لا ينتقل من حالته تلك في جهالته بالله تعالى ذكره وإعطائه نفسه شهواتها متجرِّداً لبلوغ الغاية فيما زين له من تلك الشّهوات مشتغلا بها، مؤثراً لها، جريّاً عليها، لا يري الرُّشد إلّا فيها، ولا تزيده
الأيّام إلّا حبّاً لها واغتراراً بها، وعجباً وحبّاً لأهل ملته ورأيه.
وقد دعته بصيرته في ذلك إلى أنَّ جهل أمر آخرته وأغفلها فاستخفَّ بها وسها عنها قساوة قلب وخبث نيّة وسوء رأي، واشتدَّت عداوته لمن خالفه من أهل الدِّين والاستخفاء بالحقِّ والمغيبّين لاشخاصهم انتظاراً للفرج من ظلمه وعداوته هل يطمع له أن طال عمره في النزوع عمّا هو عليه؟ والخروج منه إلى ما الفضل فيه بيّن والحجّة فيه واضحة؟ والحظّ جزيل من لزوم ما أبصر من الدِّين فيأتي ما يرجى له [به] مغفرة لمّا قد سلف من ذنوبه وحسن الثواب في مآبه. قال الحكيم: قد عرفت هذه الصّفة، وما دعاك إلى هذه المسألة.
قال ابن الملك: ما ذاك منك بمستنكر لفضل ما أوتيت من الفهم وخصصت به من العلم.
قال الحكيم: أمّا صاحب هذه الصّفة فالملك والّذي دعاك إليه العناية بما سألت عنه، والاهتمام به من أمره، والشفقة عليه من عذاب ما أوعد الله (عزَّ وجلَّ) من كان على مثل رأيه وطبعه وهواه، مع ما نويت من ثواب الله تعالى ذكره في أداء حقّ ما أوجب الله عليك له، وأحسبك تريد بلوغ غاية العذر في التلطّف لانقاذه وإخراجه عن عظيم الهول ودائم البلاء الّذي لا انقطاع له من عذاب الله إلى السّلامة وراحة الابد في ملكوت السّماء.
قال ابن الملك: لم تجرم(1512) حرفاً عمّا أردت فأعلمني رأيك فيما عنيت من أمر الملك وحاله الّتي أتخوّف أن يدركه الموت عليها فتصيبه الحسرة والنّدامة حين لا أغني عنه شيئاً فاجعلني منه على يقين وفرج عمّا أنا به مغموم شديد الاهتمام به فإنّي قليل الحيلة فيه.
قال الحكيم: أمّا رأينا فإنّا لا نبعد مخلوقاً من رحمة الله خالقه (عزَّ وجلَّ) ولا نأيس له منها ما دام فيه الرُّوح، وإن كان عاتياً طاغياً ضالاً لمّا قد وصف ربّنا تبارك وتعالى به نفسه من التحنّن والرَّأفة والرَّحمة ودلَّ عليه من الايمان وما أمر به من الاستغفار والتّوبة وفي هذا فضل الطّمع لك في حاجتك إن شاء الله، وزعموا أنَّه كان في زمن من الأزمان ملك عظيم الصوت في العلم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1512) هذه اللفظة يمكن أن يكون بالجيم والراء أي لم تخطأ، أو بالحاء المهملة على صيغة المفعول أي لم تمنع من فهمه. أو بالخاء المعجمة أي لم تترك، أو بالراي أي لم تشك.
رفيق سايس يحبُّ العدل في أمّته والاصلاح لرعيّته، عاش بذلك زماناً بخير حال، ثمّ هلك فجزعت عليه أمته وكان بامرأة له حمل فذكر المنجمون والكهنة أنَّه غلام وكان يدبّر ملكهم من كان يلي ذلك في زمان ملكهم فاتّفق الامر كما ذكره المنجمون والكهنة وولد من ذلك الحمل غلام فأقاموا عند ميلاده سنّة بالمعازف والملاهي والاشربة وإلّا طعمة، ثمّ إنَّ أهل العلم منهم والفقة والرّبّانييّن قالوا لعامّتهم: أنَّ هذا المولود إنّما هو هبة من الله تعالى وقد جعلتم الشكر لغيره وإن كان هبة من غير الله (عزَّ وجلَّ) فقد أديتم الحق إلى من أعطاكموه واجتهدتم في الشكر لمن رزقكموه، فقال لهم العامّة: ما وهبه لنا إلّا الله تبارك وتعالى، ولا امتنَّ به علينا غيره، قال العلماء: فإن كان الله (عزَّ وجلَّ) هو الّذي وهبه لكم فقد أرضيتم غير الّذي أعطاكم وأسخطهم الله الّذي وهبه لكم فقالت لهم الرّعيّة: فأشيروا لنا أيّها الحكماء وأخبرونا أيّها العلماء فنتّبع قولكم ونتقبّل نصيحتكم، ومرونا بأمركم، قالت العلماء: فإنّا نرى لكم أن تعدلوا عن اتباع مرضات الشيطان بالمعازف والملاهي والمسكر إلى ابتغاء مرضات الله (عزَّ وجلَّ) وشكره على ما أنعم به عليكم أضعاف شكركم للشيطان حتّى يغفر لكم ما كان منكم قالت الرعية: لا تحمل أجسادنا كلّ الّذي قلتم وأمرتم به، قالت العلماء: يا أولى الجهل كيف أطعتم من لاحق له عليكم وتعصون من له الحقُّ الواجب عليكم وكيف قويتم على ما لا ينبغي وتضعفون عمّا ينبغي؟! قالوا لهم: يا أئمّة الحكماء عظمت فينا الشهوات وكثرت فينا اللذات فقوينا بما عظم فينا منها على العظيم من شكلها وضعفت منّا النّيّات فعجزنا عن حمل المثقلات فارضوا منّا في الرُّجوع عن ذلك يوماً فيوماً، ولا تكلّفونا كلَّ هذا الثقل. قالوا لهم: يا معشر السفهاء ألستم أبناء الجهل وإخوان الضلال حين خفت عليكم الشقوة وثقلت عليكم السعادة، قالوا لهم: أيّها السادة الحكماء والقادة العلماء إنّا نستجير من تعنيفكم إيّانا بمغفرة الله (عزَّ وجلَّ) ونستتر من تعييركم لنا بعفوه فلا تؤنّبونا(1513) ولا تعيّرونا بضعفنا ولا تعيبوا الجهالة علينا فإنّا إن أطعنا الله مع عفوه وحمله وتضعيفه الحسنات واجتهدنا في عبادته مثل الّذي بذلنا لهوانا من الباطل بلغنا حاجتنا وبلغ الله (عزَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1513) انبه - بشد النون -: عنفه ولامه.
وجلَّ) بنا غايتنا ورحمنا كما خلقنا، فلمّا قالوا ذلك أقرَّ لهم علماؤهم ورضوا قولهم فصلّوا وصاموا وتعبّدوا وأعظموا الصّدقات سنّة كاملة، فلمّا انقضى ذلك منهم قالت الكهنة: إنَّ الّذي صنعت هذه الاُمّة على هذا المولود يخبر أنَّ هذا الملك يكون فاجراً ويكون بارّاً، ويكون متجبراً ويكون متواضعاً ويكون مسيئاً ويكون محسناً.
وقال المنجّمون مثل ذلك، فقيل لهم: كيف قلتم ذلك؟ قال الكهنة: قلنا هذا من قبل اللّهو والمعازف والباطل الّذي صنع عليه، وما صنع عليه من ضدّه بعد ذلك، وقال المنجّمون: قلنا ذلك من قبل استقامة الزُّهرة والمشتري، فنشأ الغلام بكبر لا توصف عظمته، ومرح لا ينعت، وعدوان لا يطاق، فعسف وجار وظلم في الحكم وغشم وكان أحبُّ النّاس إليه من وافقه على ذلك وأبغض النّاس إليه من خالفه في شيء من ذلك، واغترَّ بالشباب والصحّة والقدرة والظفر والنظر فامتلا سروراً وإعجاباً بما هو فيه ورأى كلّما يحب وسمع كلّما اشتهى حتّى بلغ اثنين وثلاثين سنّة ثمّ جمع نساء من بنات الملوك وصبيانا والجواري والمخدّرات وخيله المطهّمات العناق(1514) وألوان مراكبه الفاخرة ووصائفه وخدَّامه الّذين يكونون في خدمته فأمرهم أن يلبسوا أجد ثيابهم ويتزينوا بأحسن زينتهم وأمر ببناء مجلس مقابل مطلع الشمس صفائح أرضه الذهب، مفضضاً بأنواع الجواهر، طوله مائة وعشرون ذراعاً وعرضه ستّون ذراعاً، ومزخرفاً سقفه وحيطانه، قد زين بكرائم الحليِّ وصنوف الجوهر واللّؤلؤء النظيم وفاخره، وأمر بضروب الأموال فاخرجت من الخزائن ونضّدت سماطين(1515) أمام مجلسه، وأمر جنوده وأصحابه وقوّاده وكتابه وحجابه وعظماء أهل بلاده وعلمائهم فحضروا في أحسن هيئتهم وأجمل جمالهم وتسلّح فرسانه وركبت خيوله في عدَّتهم، ثمّ وقفوا على مراكزهم ومراتبهم صفوفاً وكراديس، وإنّما أراد بزعمه أن ينظر إلى منظر رفيع حسن تسرُّ به نفسه وتقرُّ به عينه، ثمّ خرج فصعد إلى مجلسه فأشرف على مملكته فخرُّوا له سجداً، فقال لبعض غلمانه: قد نظرت في أهل مملكتي إلى منظر حسن وبقي أن أنظر إلى صورة وجهي فدعا بمرآة فنظر إلى وجهه فبينا هو يقلّب طرفه فيها إذ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1514) أي تام الحسن.
(1515) نضد المتاع - بشد الضاد وتخفيفها - رتبه وضم بعضه إلى بعض متسقا أومر كوما والسماط: الشيء المصطف. وسماط الطريق جانباه.
لاحت له شعرة بيضاء من لحيته كغراب أبيض بين غربان سود، واشتدَّ منها ذعره وفزعه(1516) وتغيّر في عينه حاله وظهرت الكآبة والحزن في وجهه وتولى السرور عنه.
ثمَّ قال في نفسه: هذا حين نعي إلى شبابي وبيّن لي أنَّ ملكي في ذهاب واوذنت بالنزول عن سرير ملكي، ثمّ قال: هذه مقدَّمة الموت ورسول البلى(1517) لم يحجبه عنّي حاجب، ولم يمنعه عني حارس، فنعى إلي نفسي وآذنني بزوال ملكي فما أسرع هذا في تبديل بهجتي وذهاب سروري، وهدم قوَّتي، لم يمنعه منّي الحصون ولم تدفعه عنّي الجنود، هذا سالب الشباب والقوة، وما حق العز والثروة، ومفرِّق الشّمل وقاسم التراث بين الاولياء والأعداء؛ مفسد المعاش، ومنغّص الّلذّات ومخرّب العمارات ومشتّت الجمع، وواضح الرفيع، ومذلّ المنيع، قد أناخت بي أثقاله(1518) ونصب لي حباله.
ثمَّ نزل عن مجلسه حافياً ماشياً، وقد صعد إليه محمولاً، ثمّ جمع إليه جنوده ودعا إليه ثقاته فقال: أيّها الملأ ماذا صنعت فيكم وما [ذا] أتيت إليكم منذ ملكتكم ووليت أموركم؟ قالوا له: أيّها الملك المحمود عظم بلاؤك عندنا وهذه أنفسنا مبذولة في طاعتك، فمرنا بأمرك، قال: طرقني عدوٌّ مخيف(1519) لم تمنعوني منه حتّى نزل بي وكنتم عدتي وثقاتي، قالوا: أيّها الملك أين هذا العدوّ؟ أيرى أم لا يرى؟ قال: يرى بأثر ولا يرى عينه، قالوا أيّها الملك هذه عدتنا كما ترى وعندنا سكن وفينا ذووا الحجى والنّهي، فأرناه نكفك ما مثله يكفى، قال: قد عظم الاغترار منّي بكم ووضعت الثقة في غير موضعها حين اتّخذتكم وجعلتكم لنفسي جُنّة، وإنّما بذلت لكم الأموال ورفعت شرفكم وجعلتكم البطانة دون غيركم لتحفظوني من الأعداء وتحرسوني منهم، ثمّ أيّدتكم على ذلك بتشييد البلدان وتحصين المدائن والثقة من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1516) الذعر. الخوف والفزع.
(1517) في بعض النسخ (رسول البلاء).
(1518) أناخ البلاء على فلان: أقام عليه، وأناخ به الحاجة: أنزلها به. أناخ الجمل: أبركه.
(1519) طرق القوم: أتاهم ليلا.
السّلاح ونحّيت عنكم الهموم(1520) وفرَّغتكم للنّجدة والاحتفاط، ولم أكن أخشى أن أراع معكم ولا أتخوَّف المنون على بنياني وأنتم عكوف مطيفون به فطرقت وأنتم حولي واتيت وأنتم معي، فلئن كان هذا ضعف منكم فما أخذت أمري بثقة وإن كانت غفلة منكم فما أنتم بأهل النّصيحة ولا عليّ بأهل الشفقّة، قالوا: أيّها الملك أمّا شيء نطيق دفعه بالخيل والقوَّة فليس بواصل إليك إن شاء الله ونحن أحياء وأمّا ما لا يرى فقد غيّب عنّا علمه وعجزت قوتنا عنه.
قال: أليس اتخذتكم لتمنعوني من عدوِّي، قالوا: بلى قال: فمن أيِّ عدوّ تحفظوني من الّذي يضرُّني أو من الّذي لا يضرُّني؟ قالوا: من الّذي يضرك؟ قال: أفمن كلِّ ضارّ لي أو من بعضهم؟ قالوا: من كلِّ ضارّ، قال: فإنَّ رسول البلى قد أتاني ينعى إليَّ نفسي وملكي ويزعم أنَّه يريد خراب ما عمرت وهدم ما بنيت وتفريق ما جمعت وفساد ما أصلحت وتبذير ما أحرزت وتبديل ما عملت وتوهين ما وثقت، وزعم أنَّ معه الشماتة من الأعداء وقد قرَّت بي أعينهم فإنه يريد أن يعطيهم منّي شفاء صدورهم وذكر أنَّه سيهزم جيشي ويوحش انسي ويذهب عزِّي ويؤتم ولدي ويفرِّق جموعي، يفجع بي إخواني وأهلي وقرابتي ويقطع أوصالي ويسكن مساكني أعدائي، قالوا: أيّها الملك إنّما نمنعك من النّاس والسّباع والهوّام دوابِّ الأرض فأمّا البلى فلا طاقة لنا به ولا قوَّة لنا عليه ولا امتناع لنا منه، فقال: فهل من حيلة في دفع ذلك عنّي؟ قالوا: لا، قال: فشيءٌ دون ذلك تطيقونه، قالوا: وما هو؟ قال: الاوجاع والاحزان والهموم، قالوا: أيّها الملك إنّما قد قدر هذه الاشياء قوي لطيف وذلك يثور من الجسم والنفس وهو يصل إليك إذا لم يوصل ولا يحجب عنك وإن حجب(1521) قال: فأمر دون ذلك، قالوا: وما هو؟ قال: ما قد سبق من القضاء. قالوا: أيّها الملك ومن ذا غالب القضاء فلم يُغلب؟ ومن ذا كابره فلم يقهر؟ قال: فماذا عندكم؟ قالوا: ما نقدر على دفع القضاء، وقد أصبت التوفيق والتسديد فماذا الّذي تريد، قال: اريد أصحاباً يدوم عهدهم ويفوا لي وتبقى لي اخوَّتهم ولا يحجبهم عنّي الموت ولا يمنعهم البلى عن صحبتي ولا يستحيل(1522) بهم الامتناع عن صحبتي(1523) ولا يفردوني أن مت، ولا يسلّموني إن عشت، ويدفعون عني ما عجزتم عنه، من أمر الموت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1520) نحاه عنه أي أبعده عنه وأزاله - والنجدة: الشجاعة والشدة والبأس.
(1521) في بعض النسخ (وان حجب لم يحتجب).
(1522) يشتمل خ ل.
(1523) في بعض النسخ (ولا يستحيل بهم الاطماع عن نصيحتي) وفي بعضها (لا يستميل).
قالوا: أيّها الملك ومن هؤلاء الّذين وصفت، قال: هم الّذين أفسدتهم باستصلاحكم، قالوا: أيّها الملك أفلا تصطنع عندنا وعندهم معروفاً فإنَّ أخلاقك تامّة ورأفتك عظيمة؟ قال: إنَّ في صحبتكم إيّايّ السمُّ القاتل، والصّمم والعمي في طاعتكم، والبكم من موافقتكم، قالوا: كيف ذاك أيّها الملك؟ قال: صارت صحبتكم إيّاي في الاستكثار وموافقتكم على الجمع، وطاعتكم إيّاي في الاغتفال فبطأتموني عن المعاد وزيّنتم لي الدُّنيا ولو نصحتموني ذكّرتموني الموت ولو أشفقتم عليَّ ذكرتموني البلى، وجمعتم لي ما يبقي، ولم تستكثروا لي ما يفنى، فإنَّ تلك المنفعة الّتي ادَّعيتموها ضرر، وتلك المودَّة عداوة، وقد رددتها عليكم لا حاجة لي فيها منكم.
قالوا: أيّها الملك الحكيم المحمود قد فهمنا مقالتك وفي أنفسنا أجابتك وليس لنا أن نحتجَّ عليك فقد رأينا مكان الحجّة، فسكوتنا عن حجّتنا فساد لملكنا، وهلاك لدنيانا وشماتة لعدوِّنا، وقد نزل بنا أمر عظيم بالّذي تبدّل من رأيك وأجمع عليه أمرك، قال: قولوا آمنين واذكروا ما بدا لكم غير مرعوبين فإنّي كنت إلى اليوم مغلوباً بالحميّة والانفة وأنا اليوم غالب لهما، وكنت إلى اليوم مقهوراً لهما وأنا اليوم قاهر لهما، وكنت إلى اليوم ملكاً عليكم فقد صرت عليكم مملوكاً، وأنا اليوم عتيق وأنتم من مملكتي طلقاء، قالوا: أيّها الملك ما الّذي كنت مملوكا إذ كنت علينا ملكاً، قال: كنت مملوكاً لهواي مقهوراً بالجهل مستعبداً لشهواتي فقد قطعت تلك الطّاعة عنّي ونبذتها خلف ظهري، قالوا: فقل ما أجمعت عليه أيّها الملك؟ قال: القنوع والتخلّي لاخرتي وترك هذا الغرور ونبذ هذا الثقل عن ظهري والاستعداد للموت، والتأهب للبلاء، فإنَّ رسوله عندي قد ذكر أنَّه قد أمر بملأ زمتي والاقامة معي حتّى يأتيني الموت، فقالوا: أيّها الملك ومن هذا الرَّسول الّذي قد أتاك ولم نره، وهو مقدَّمة الموت الّذي لا نعرفه، قال: أما الرَّسول فهذا البياض الّذي يلوح بين السواد، وقد صاح في جميعه بالزوال، فأجابوا وأذعنوا، وأمّا مقدمة الموت فالبلى الّذي هذا البياض طرقه.
قالوا: أيّها الملك أفتدع مملكتك؟ وتهمل رعيّتك وكيف لا تخاف الاثم في تعطيل امتك ألست تعلم أنَّ أعظم الاجر في استصلاح النّاس وأن رأس الصّلاح الطاعة للامّة والجماعة، فكيف لا تخاف من الاثم، وفي هلاك
العامّة من الاثم فوق الّذي ترجو من الاجر في صلاح الخاصّة، ألست تعلم أنَّ أفضل العبادة العمل وأن أشد العمل السّياسة، فانّك أيّها الملك [ما في يديك] عدل على رعيتك، مستصلح لها بتدبيرك، فإنَّ لك من الاجر بقدر ما استصلحت، ألست أيّها الملك إذا خليت ما في يديك من صلاح اُمّتك فقد أردت فسادهم فقد حملت من الاثم فيهم أعظم ممّا أنت مصيب من الاجر في خاصّة يديك.
ألست أيّها الملك قد علمت أنَّ العلماء قالوا: من أتلف نفسا فقد استوجب لنفسه الفساد، ومن أصلحها فقد استوجب الصّلاح لبدنه، وأيُّ فساد أعظم من رفض هذه الرَّعيّة الّتي أنت إمامها والاقامة في هذه الاُمّة الّتي أنت نظامها حاشا لك أيّها الملك أن تخلع عنك لباس الملك الّذي هو الوسيلة إلى شرف الدُّنيا والاخرة، قال: قد فهمت الّذي ذكرتم وعقلت الّذي وصفتم فإنَّ كنت إنّما أطلب الملك عليكم للعدل فيكم والاجر من الله تعالى ذكره في استصلاحكم بغير أعوان يرفدونني ووزراء يكفونني فما عسيت أن أبلغ بالوحدة فيكم ألستم جميعاً نزعاً إلى الدُّنيا وشهواتها ولذَّاتها ولا آمن أن اخلد إلى الحال(1524) الّتي أرجو أن أدعها وأرفضها، فإن فعلت ذلك أتاني الموت على غرَّة، فأنزلني عن سرير ملكي إلى بطن الأرض وكساني التراب بعد الدِّيباج والمنسوج بالذَّهب ونفيس الجوهر، وضمّني إلى الضّيق بعد السّعة، وألبسني الهوان بعد الكرامة، فأصير فريداً بنفسي ليس معي أحد منكم في الوحدة، قد أخرجتموني من العمران وأسلمتموني إلى الخراب، وخلّيتم بين لحمي وبين سباع الطّير وحشرات الأرض فأكلت منّي النّملة فما فوقها من الهوامّ وصار جسدي دوداً وجيفة قذرة، الذل لي حليف، والعز منّي غريب، أشدُّكم حبّاً إلىَّ أسرعكم إلي دفني، والتخلية بيني وبين ما قدَّمت من عملي وأسلفت من ذنوبي، فيورثني ذلك الحسرة، ويعقبني النّدامة، وقد كنتم وعدتموني أن تمنعوني من عدوي الضّارَّ فإذا أنتم لا منع عندكم ولا قوَّة على ذلك لكم ولا سبيل، أيّها الملأ إنّي محتال لنفسي إذ جئتم بالخداع، ونصبتم لي شراك الغرور(1525)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1524) في بعض النسخ (إلى الدُّنيا).
(1525) الشرك: آلة الصيد.
فقالوا: أيّها الملك المحمود لسنا الّذي كنّا كما إنّك لست الّذي كنت، وقد أبدلنا الّذي أبدلك، وغيرنا الّذي غيّرك، فلا ترد علينا توبتنا وبذل نصيحتنا، قال: أنا مقيم فيكم ما فعلتم ذلك ومفارقكم إذا خالفتموه، فأقام ذلك الملك في ملكه وأخذ جنوده بسيرته واجتهدوا في العبادة فخصبت بلادهم وغلبوا عدوّهم وازداد ملكهم حتّى هلك ذلك الملك، وقد صار فيهم بهذه السّيرة اثنين وثلاثين سنّة فكان جميع ما عاش أربعاً وستّين سنة.
قال يوذاسف: قد سررت بهذا الحديث جدّاً، فزدني من نحوه أزدد سروراً ولربّي شكراً.
قال الحكيم: زعموا أنَّه كان ملك من الملوك الصّالحين وكان له جنود يخشون الله (عزَّ وجلَّ) ويعبدونه، وكان في ملك أبيه شدَّة من زمانهم والتفرُّق فيما بينهم وينقص العدوّ من بلادهم، وكان يحثّهم على تقوى الله (عزَّ وجلَّ) وخشيته والاستعانة به ومراقبته والفزع إليه، فلمّا ملك ذلك الملك قهر عدوِّه واستجمعت رعيّته وصلحت بلاده وانتظم له الملك، فلمّا رأى ما فضل الله (عزَّ وجلَّ) به أترفه ذلك وأبطره وأطغاه حتّى ترك عبادة الله (عزَّ وجلَّ) وكفر نعمه، وأسرع في قتل من عبد الله ودام ملكه وطالت مدَّته حتّى ذهل النّاس عمّا كانوا عليه من الحقِّ قبل ملكه ونشوه وأطاعوه فيما أمرهم به وأسرعوا إلى الضّلالة، فلم يزل على ذلك فنشأ فيه الاولاد وصار لا يعبد الله (عزَّ وجلَّ) فيهم ولا يذكر بينهم اسمه، ولا يحسبون أنَّ لهم إلهاً غير الملك، وكان ابن الملك قد عاهد الله (عزَّ وجلَّ) في حياة أبيه أنَّ هو ملك يوماً أن يعمل بطاعة الله (عزَّ وجلَّ) بأمر لم يكن من قبله من الملوك يعملون به ولا يستطيعونه، فلمّا ملك أنساه الملك رأيه الاوَّل ونيته الّتي كان عليها، وسكر سكر صاحب الخمر، فلم يكن يصحور ويفيق(1526). وكان من أهل لطف الملك رجلٌ صالح أفضل أصحابه منزلة عنده، فتوجّع له ممّا رأى من ضلالته في دينه ونسيانه ما عاهد الله عليه، وكان كلما أراد أن يعظه ذكر عتوَّه وجبروته ولم يكن بقي من تلك الاُمّة غيره وغير رجل آخر في ناحية أرض الملك لا يعرف مكانه ولا يدعى باسمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1526) صحا السكران: ذهب سكره وأفاق.
فدخل ذات يوم على الملك بجمجمة قد لفّها في ثيابه، فلمّا جلس عن يمين الملك انتزعها عن ثيابه فوضعها بين يديه ثمّ وطئها برجله فلم يزل يفركها(1527) بين يدي الملك وعلى بساطه حتّى دنس مجلس الملك بما تحات من تلك الجمجمة، فلمّا رأى الملك ما صنع غضب من ذلك غضبا شديداً، وشخصت إليه أبصار جلسائه واستعدت الحرس بأسيافهم انتظاراً لأمره إيّاهم بقتله، والملك في ذلك مالك لغضبه، وقد كانت الملوك في ذلك الزَّمان على جبروتهم وكفرهم ذوي أناة وتؤدة، استصلاحاً للرَّعيّة على عمارة أرضهم ليكون ذلك أعون للجلب وأدَّى للخراج، فلم يزل الملك ساكتاً على ذلك حتّى قام من عنده، فلفَّ تلك الجمجمة ثمّ فعل ذلك في اليوم الثاني والثالث، فلمّا رأى أنَّ الملك لا يسأله عن تلك الجمجمة، ولا يستنطقه عن شيء من شأنها أدخل مع تلك الجمجمة ميزاناً وقليلاً من تراب فلمّا صنع بالجمجمة ما كان يصنع أخذ الميزان وجعل في إحدى كفّتيه درهماً وفي الاُخرى بوزنه تراباً ثمّ جعل ذلك التراب في عين تلك الجمجمة ثمّ أخذ قبضة من التراب فوضعها في موضع الفم من تلك الجمجمة.
فلمّا رأى الملك ما صنع قلَّ صبره وبلغ مجهوده، فقال لذلك الرَّجل: قد علمت أنّك إنّما اجترأت على ما صنعت لمكانك منّي وإدلالك عليَّ، وفضل منزلتك عندي، ولعلّك تريد بما صنعت أمراً، فخرَّ الرَّجل للملك ساجداً وقبّل قدميه وقال: أيّها الملك أقبل عليَّ بعقلك كلّه فإنَّ مثل الكلمة مثل السّهم إذا رمي به في أرض لينة ثبت فيها وإذا رمي به في الصّفا لم يثبت، ومثل الكلمة كمثل المطر إذا أصاب أرضاً طيّبة مزروعة نبت فيها، وإذا أصاب السبّاخ لم ينبت، وإنَّ أهواء النّاس متفرِّقة، والعقل والهوى يصطرعان في القلب، فإن غلب هوى العقل عمل الرَّجل بالطيش والسفه، وإن كان الهوى هو المغلوب لم يوجد في أمر الرَّجل سقطة، فإنّي لم أزل منذ كنت غلاماً احبُّ العلم وأرغب فيه وأوثره على الأُمور كلّها، فلم أدع علماً إلّا بلغت منه أفضل مبلغ، فبينا أنا ذات يوم أطوف بين القبور إذ قد بصرت بهذه الجمجمة بارزة من قبور الملوك، فغاظني موقعها وفراقها جسدها غضباً للملوك،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1527) فرك الثوب: دلكه، الشيء عن الثوب أزاله وحكه حتّى تفتت.
فضممتها إليَّ وحملتها إلى منزلي فألبستها الدِّيباج ونضحتها بماء الورد والطيّب ووضعتها على الفرش وقلت: إن كانت من جماجم الملوك فسيؤثر فيها إكرامي إيّاها وترجع إلي جمالها وبهائها، وإن كانت من جماجم المساكين فإنَّ الكرامة لا تزيدها شيئاً ففعلت ذلك بها أياما فلم أستنكر من هيئتها شيئاً، فلمّا رأيت ذلك دعوت عبداً هو أهون عبدي عندي فأهانها فإذا هي على حالة واحدة عند الاهانة والاكرام، فلمّا رأيت ذلك أتيت الحكماء فسألتهم عنها فلم أجد عندهم علما بها، ثمّ علمت أنَّ الملك منتهى العلم ومأوى الحلم فأتيتك خائفا على نفسي ولم يكن لي أن أسألك عن شيء حتّى تبدأني به واحب أن تخبرني أيّها الملك أجمجمة ملك هي أم جمجمة مسكين فإنها لمّا أعياني أمرها تفكرت في أمرها وفي عينها الّتي كانت لا يملأوها شيء حتّى لو قدرت على ما دون السّماء من شيء تطلعت إلى أن تتناول ما فوق السّماء، فذهبت أنظر ما الّذي يسدها ويملأها فإذا وزن درهم من تراب قد سدها وملأها، ونظرت إلى فيها(1528) الّذي لم يكن يملأه شيء فملاءته قبضة من تراب، فإنَّ أخبرتني أيّها الملك أنّها جمجمة مسكين احتججت عليك بأني قد وجدتها وسط قبور الملوك، ثمّ أجمع جماجم ملوك وجماجم مساكين فإن كان لجماجمكم عليها فضل، فهو كما قلت، وإن أخبرتني بأنها من جماجم الملوك أنبأتك أنَّ ذلك الملك الّذي كانت هذه جمجمته قد كان من بهاء الملك وجماله وعزته في مثل ما أنت فيه اليوم فحاشاك أيّها الملك أن تصير إلى حال هذه الجمجمة فتوطأ بالاقدام وتخلط بالتراب ويأكلك الدود وتصبح بعد الكثرة قليلا وبعد العزة ذليلا، وتسعك حفرة طولها أدنى من أربعة أذرع، ويورث ملكك وينقطع ذكرك ويفسد صنايعك ويهان من أكرمت ويكرم من أهنت وتستبشر أعداءك ويضل أعوانك ويحول التراب دونك، فإنَّ دعوناك لم تسمع، وإن أكرمناك لم تقبل، وإن أهناك لم تغضب، فيصير بنوك يتامى ونساؤك أيامي(1529) وأهلك يوشك أن يستبدلن أزواجا غيرك.
فلما سمع الملك ذلك فزع قلبه وانسكبت عيناه يبكى ويعول ويدعو بالويل، فلمّا رأي الرَّجل ذلك علم أنَّ قوله قد استمكن من الملك، وقوله قد أنجع فيه زاده ذلك جرأة عليه وتكريرا لمّا قال، فقال له الملك: جزاك الله عني خيراً وجزا من حولي من العظماء شرا، لعمري لقد علمت، ما أردت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمقالتك هذه وقد أبصرت أمري فسمع النّاس خبره فتوجّهوا أهل الفضل نحوه وختم له بالخير وبقي عليه إلى أنَّ فارق الدُّنيا.
قال ابن الملك: زدني من هذا المثل، قال الحكيم: زعموا أنَّ ملكاً كان في أوّل الزَّمان وكان حريصاً على أن يولد له وكان لا يدع شيئاً ممّا يعالج به النّاس أنفسهم إلّا أتاه وصنعه، فلمّا طال ذلك من أمره حملت امرأة له من نسائه فولدت له غلاماً فلمّا نشأ وترعرع(1530) خطا ذات يوم خطوة فقال: معادكم تجفون، ثمَّ خطا اخرى فقال: تهرمون، ثمَّ خطا الثالثة فقال: ثمَّ تموتون، ثمَّ عاد كهيئته يفعل كما يفعل الصّبيُّ.
فدعا الملك العلماء والمنجّمين فقال: أخبروني خبر ابني هذا فنظروا في شأنه وأمره فأعياهم أمره، فلم يكن عندهم فيه علم، فلمّا رأى الملك أنَّه ليس عندهم فيه علم دفعه إلى المرضعات فأخذن في إرضاعه إلّا أنَّ منجّماً منهم قال: أنَّه سيكون إماماً، وجعل عليه حرَّاساً لا يفارقونه حتّى إذا شبَّ انسلَّ يوماً من عند مرضعيه والحرس فأتى السّوق فإذا هو بجنازة فقال: ما هذا؟ قالوا: إنساناً مات قال، ما أماته؟ قالوا: كبر وفنيت أيّامه ودنى أجله فمات، قال: وكان صحيحاً حيّاً يمشي ويأكل ويشرب؟ قالوا: نعم، ثمَّ مضى فإذا هو برجل شيخ كبير فقام ينظر إليه متعجّباً منه، فقال: ما هذا؟ قالوا: رجل شيخ كبير قد فنى شبابه وكبر، قال: وكان صغيراً ثمّ شاب؟ قالوا: نعم، ثمّ مضى فإذا هو برجل مريض مستلقى على ظهره، فقام ينظر إليه ويتعجب منه، فسألهم ما هذا؟ قالوا: رجل مريض، فقال: أو كان هذا صحيحاً ثمَّ مرض؟ قالوا: نعم، قال: والله لئن كنتم صادقين فإنَّ النّاس لمجنونون.
فافتقد الغلام عند ذلك فطلب فإذا هو بالسّوق فأتوه فأخذوه وذهبوا به فأدخلوه البيت، فلمّا دخل البيت استلقى على قفاه ينظر إلى خشب سقف البيت ويقول: كيف كان هذا؟ قالوا: كانت شجرة ثمَّ صارت خشباً، ثمَّ قطع، ثمَّ بني هذا البيت، ثمَّ جعل هذا الخشب عليه، فبينا هو في كلامه إذ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1530) ترعرع الصبي: نشأ وشب.
أرسل الملك إلى الموكّلين به: انظروا هل يتكلّم أو يقول شيئاً؟ قالوا: نعم وقد وقع في كلام ما نظنّه إلّا وسواساً، فلمّا رأى الملك ذلك وسمع جميع ما لفظ به الغلام، دعا العلماء فسألهم فلم يجد فيه عندهم علماً إلّا الرَّجل الاوَّل فأنكر قوله فقال بعضهم أيّها الملك لو زوَّجته ذهب عنه الّذي ترى، وأقبل وعقل أبصر فبعث الملك في الأرض يطلب ويلتمس له امرأة فوجدت له امرأة من أحسن النّاس وأجملهم فزوّجها منه، فلمّا أخذوا في وليمة عرسه أخذ اللّاعبون يلعبون والزمارون يزمرون، فلمّا سمع الغلام جلبتهم(1531) وأصواتهم قال: ما هذا؟ قالوا: هؤلاء لعّابون وزمّارون جمعوا لعرسك، فسكت الغلام، فلمّا فرغوا من العرس وأمسوا، دعا الملك امرأة ابنه فقال لها: أنَّه لم يكن لي ولد غير هذا الغلام: فإذا دخلت عليه فألطفي به واقربي منه وتحببي إليه، فلمّا دخلت المرأة عليه أخذت تدنو منه وتتقرَّب إليه، فقال الغلام على رسلك(1532) فإنَّ اللّيل طويل، بارك الله فيك، واصبري حتّى نأكل ونشرب، فدعا بالطّعام فجعل يأكل، فلمّا فرغ جعلت المرأة تشرب فلمّا أخذ الشراب منها نامت.
فقام الغلام فخرج من البيت، وانسلَّ من الحرس والبوَّابين حتّى خرج وتردَّد في المدينة، فلقيه غلام مثله من أهل المدينة فأتبعه وألقى ابن الملك عنه تلك الثياب الّتي كانت عليه ولبس ثياب الغلام، وتنكّر جهده وخرجا جميعاً من المدينة فسارا ليلتهما حتّى إذا قرب الصبح خشيا الطّلب فكمنا، فاتيت الجارية عند الصّبح فوجدوها نائمة فسألوها أين زوجك؟ قالت: كان عندي السّاعة، فطلب الغلام فلم يقدر عليه، فلمّا أمسى الغلام وصاحبه سارا ثمَّ جعلا يسيران اللّيل ويكمنان النّهار حتّى خرجا من سلطان أبيه، ووقعا في ملك سلطان آخر.
وقد كان لذلك الملك الّذي صارا إلى سلطانه ابنة قد جعل لها أن لا يزوَّجها أحداً إلّا من هويته ورضيته، وبني لها غرفة عالية مشرفة على الطّريق فهي فيها جالسة تنظر إلى كلِّ من أقبل وأدبر، فبينما هي كذلك إذ نظرت إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1531) جلب القوم: ضجوا واختلطت اصواتهم، والجلاب والمجلب - بشد اللام -: المصوت.
(1532) أي على مهلك يعني امهل وتأن.
الغلام يطوف في السّوق وصاحبه معه في خلقانه، فأرسلت إلى أبيها إنَّي قد هويت رجلاً فإن كنت مزوِّجي أحداً من النّاس فزوِّجني منه واتيت امّ الجارية فقيل لها: إنَّ ابنتك قد هويت رجلاً وهي تقول كذا وكذا، فأقبلت إليها فرحة حتّى تنظر إلى الغلام فأروها إيّاه فنزلت امّها مسرعة حتّى دخلت على الملك، فقالت: إنَّ ابنتك قد هويت رجلاً فأقبل الملك ينظر إليه، ثمَّ قال: أرونيه فأروه من بعد فأمر أن يلبس ثياباً اخرى ونزل فسأله واستنطقه وقال: من أنت ومن أين أنت؟ قال الغلام: وما سؤالك عنّي أنا رجل من مساكين النّاس، فقال: إنّك لغريب، وما يشبه لونك ألوان أهل هذه المدينة، فقال الغلام: ما أنا بغريب، فعالجه الملك أن يصدقه قصّته فأبى، فأمر الملك اناساً أن يحرسوه وينظروا أين يأخذ، ولا يعلم بهم، ثمّ رجع الملك إلى أهله فقال: رأيت رجلاً كأنه ابن ملك وماله حاجة فيما تراودونه عليه، فبعث إليه فقيل له: إنَّ الملك يدعوك، فقال الغلام: وما أنا والملك يدعوني وما لي إليه حاجة وما يدري من أنا، فانطلق به على كره منه حتّى دخل على الملك فأمر بكرسيٍّ فوضع له فجلس عليه ودعى الملك امرأته وابنته فأجلسهما من وراء الحجاب خلفه فقال له الملك: دعوتك لخير، وانَّ لى ابنه قد رغبت فيك اريد أن ازوِّجها منك فإن كنت مسكيناً فاغنيناك ورفعناك وشرَّفناك، قال الغلام: مالى فيما تدعوني ايه حاجه، فإن شئت ضربت لك مثلاً أيّها الملك؟ قال: فافعل.
قال الغلام: زعموا أنَّ ملكاً من الملوك كان له ابن وكان لابنه أصدقاء صنعوا له طعاماً ودعوه إليه فخرج معهم فأكلوا وشربوا حتّى سكروا فناموا فاستيقظ ابن الملك في وسط اللّيل فذكر أهله فخرج عامداً إلى منزله، ولم يوقظ أحداً منهم فبينا هو في مسيره إذ بلغ منه الشّراب فبصر بقبر على الطريق فظنَّ أنَّه مدخل بينه فدخله فإذا هو بريح الموتى فحسب ذلك لمّا كان به السّكر أنَّه رياح طيّبة فإذا هو بعظام لا يحسبها إلّا فرشه الممهدة، فإذا هو بجسد قد مات حديثاً وقد أروح فحسبه أهله فقام إلى جانبه فاعتنقه وقبّله وجعل يعبث به عامّة ليلة فأفاق حين أفاق ونظر حين نظر فإذا هو على جسد ميّت وريح منتنة، قد دنس ثيابه وجلده، ونظر إلى القبر وما فيه من الموتى،
فخرج وبه من السّوء ما يختفي به من النّاس أن ينظروا إليه متوجّهاً إلى باب المدينة، فوجده مفتوحاً فدخله حتّى أتى أهل فرأى أنَّه قد أنعم عليه حيث لم يلقه أحد، فألقى عنه ثيابه تلك واغتسل ولبس لباساً اخرى وتطيّب.
عمّرك الله أيّها الملك أتراه راجعاً إلى ما كان فيه وهو يستطيع؟ قال: لا، قال: فإنّي أنا هو، فالتفت الملك إلى امرأته وابنته، وقال لهما: قد أخبرتكما أنَّه ليس له فيما تدعونه رغبة، قالت امها: لقد قصرت في النعت لابنتي والوصف لها أيّها الملك ولكنّي خارجة إليه ومكلّمة له، فقال الملك للغلام: أنَّ امرأتي تريد أن تكلّمك وتخرج إليك ولم تخرج إلى أحد قبلك، فقال الغلام: لتخرج إن أحبّت، فخرجت وجلست فقالت للغلام: تعال إلى ما قد ساق الله إليك من الخير والرِّزق فأزوِّجك ابنتي فانّك لو قد رأيتها وما قسم الله (عزَّ وجلَّ) لها من الجمال والهيئة لاغتبطت، فنظر الغلام إلى الملك فقال: أفلا أضرب لك مثلاً؟ قال: بلى.
قال: إنَّ سرّاقاً تواعدوا أن يدخلوا خزانة الملك ليسرقوا، فنقّبوا حائط الخزانة فدخلوها فنظروا إلى متاع لم يروا مثله قطٌ، وإذا هم بقلّة من ذهب مختومة بالذَّهب فقالوا: لا نجد شيئاً أعلى من هذه القلة هي ذهب مختومة بالذَّهب والّذي فيها أفضل من الّذي رأينا فاحتملوها ومضوا بها حتّى دخلوا غيضة لا يأمن بعضهم بعضاً عليها ففتحوها فإذا في وسطها أفاع، فوثبن في وجوههم فقتلتهم أجمعين.
عمّرك الله أيّها الملك أفترى أحداً علم بما أصابهم ومالقوه يدخل يده في تلك القلّة وفيها من الافاعي؟ قال: لا، قال: فإنّي أنا هو، فقالت الجارية لأبيها: ائذن لي فأخرج إليه بنفسي واكلّمة فإنه لو قد نظر إليَّ وإلى جمالي وحسني وهيئتي وما قسم الله (عزَّ وجلَّ) لي من الجمال لم يتمالك أن يجيب، فقال الملك للغلام: إنَّ ابنتي تريد أن تخرج إليك ولم تخرج إلى رجل قطٌّ، قال: لتخرج إن أحبت، فخرجت عليه وهي أحسن النّاس وجها وقدّاً وطرفاً وهيكلاً، فسلّمت على الغلام وقالت للغلام: هل رأيت مثلي قطُّ أو أتم أو أجمل، أو أكمل أو أحسن؟ وقد هويتك وأحببتك، فنظر الغلام إلى الملك، فقال: أفلا أضرب لها مثلاً؟ قال: بلى.
قال الغلام: زعموا أيّها الملك أنَّ ملكاً له ابنان فاسر أحدهما ملك آخر فحبسه في بيت وأمر أن لا يمرَّ عليه أحد إلّا رماه بحجر، فمكث على ذلك حيناً، ثمّ إنَّ أخاه قال لابيه ائذن لي فأنطلق إلى أخي فافديه وأحتال له؟ قال الملك: فانطلق وخذ معك ما شئت من مال ومتاع ودوابٍّ، فاحتمل معه الزَّاد والرَّاحلة وانطلق معه المغنيّات والنّوائح فلمّا دنا من مدينة ذلك الملك أخبر الملك بقدومه فأمر النّاس بالخروج إليه وأمر له بمنزل خارج من المدينة فنزل الغلام في ذلك المنزل فلمّا جلس فيه ونشر متاعه وأمر غلمانه أن يبيعوا النّاس ويساهلوهم في بيعهم ويسامحوهم ففعلوا ذلك فلمّا رأى النّاس قد شغلوا بالبيع انسلّ ودخل المدينة وقد علم أين سجن أخيه ثمّ أتى السّجن فأخذ حصاة فرمى بها لينظر ما بقي من نفس أخيه، فصاح حين أصابته الحصاة. وقال: قتلتني ففزع الحرس عند ذلك وخرجوا إليه وسألوه لم صحت وما شأنك وما بدا لك وما رأيناك تكلّمت ونحن نعذِّبك منذ حين ويضربك ويرميك كلُّ من يمرُّ بك بحجر، ورماك هذا الرَّجل بحصاة فصحت منها؟ فقال: إنَّ النّاس كانوا من أمري على جهالة ورماني هذا عليّ علم فانصرف أخوه راجعاً إلى منزله ومتاعه، وقال للنّاس: إذا كان غداً فأتوني أنشر عليكم بزّاً ومتاعاً لم تروا مثله قطُّ فانصرفوا يومئذ حتّى إذا كان من الغد غذوا عليه بأجمعهم فأمر بالبزِّ فنشروا وأمر بالمغنيّات والنّايحات وكلُّ صنف معه ممّا يلهي به النّاس فأخذوا في شأنهم فاشتغل النّاس فأتى أخاه فقطع عنه أغلاله، وقال: أنا اداويك فاختلسه وأخرجه من المدينة فجعل على جراحاته دواء كان معه حتّى إذا وجد راحة أقامه على الطّريق، ثمّ قال له: انطلق فانّك ستجد سفينة قد سيّرت لك في البحر، فانطلق سائراً فوقع في جبّ فيه تنين وعلى الجب شجرة نابته فنظر إلى الشّجرة فإذا على رأسها اثنتا عشرة غولاً وفي أسفلها اثنا عشر سيفاً، وتلك السّيوف مسلولة معلّقة فلم يزل يتحمّل ويحتال حتّى أخذ بغصن من الشّجرة فتعلق به وتخلص وسار حتّى أتى البحر فوجد سفينة قد اعدّت له إلى جانب السّاحل فركب فيها حتّى أتوا به أهله.
عمّرك الله أيّها الملك أتراه عائداً إلى ما قد عاين ولقي، قال: لا، قال: فاني أنا هو، فيئسوا منه، فجاء الغلام الّذي صحبه من المدينة فسارَّه
وقال: اذكرني لها وانكحنيها فقال الغلام للملك إنَّ هذا يقول إنّي أحبُّ الملك أن ينكحنيها، فقال: لا أفعل قال: أفلا أضرب لك مثلاً؟ قال: بلى.
قال: أنَّ رجلاً كان في قوم فركبوا سفينة فساروا في البحر ليالي وأيّاماً ثمّ انكسرت سفينتهم بقرب جزيرة في البحر فيها الغيلان فغرقوا كلّهم سواه وألقاه البحر إلى الجزيرة، وكانت الغيلان يشرفن من الجزيرة إلى البحر فأتى غولاً فهويها ونكحها حتّى إذا كان مع الصّبح قتلته وقسّمت أعضاءه بين صواحباتها واتّفق مثل ذلك لرجل آخر فأخذته ابنة ملك الغيلان فانطلقت به فبات معها ينكحها وقد علم الرَّجل ما لقي من كان قبله فليس ينام حذرا إذا كان مع الصبح نامت الغول فانسل الرَّجل حتّى أتى السّاحل فإذا هو بسفينة فنادى أهلها واستغاث بهم فحملوه حتّى أتوا به أهله فأصبحت الغيلان فأتوا الغولة الّتي باتت معه فقالوا لها: أين الرَّجل الّذي بات معك؟ قالت: أنَّه قد فرَّ منّي، فكذَّبوها وقالوا: أكللته واستأثرت به علينا فلنقتلنك أن لم تأتنا به فمرت في الماء حتّى أتته في منزله ورحله فدخلت عليه وجلست عنده وقالت له: ما لقيت في سفرك هذا، قال: لقيت بلاء خلّصني الله منه وقصَّ عليها ذلك قالت: وقد تخلّصت: قال: نعم فقالت: أنا الغولة وجئت لاخذك فقال لها: أنشدك الله أن تهلكيني فإني أدلك على مكان رجل، قالت: إنّي أرحمك فانطلقا حتّى إذ دخلا على الملك، قالت: اسمع منّا أصلح الله الملك إنّي تزوّجت بهذا الرَّجل وهو من أحبّ النّاس إليَّ، ثمّ أنَّه كرهني وكره صحبتي فانظر في أمر نافلمّا رآها الملك أعجبه جمالها فخلا بالرَّجل فسارَّه وقال له: إنّي قد أحببت أن تتركها فأتزوَّجها قال: نعم أصلح الله الملك ما تصلح إلّا لك فتزوَّج بها الملك وبات معها حتّى إذا كانت مع السّحر ذبحته وقطعت أعضاءه وحملته إلى صواحباتها أفترى أيّها الملك أحداً يعلم بهذا ثمَّ ينطلق إليه؟ قال: الخاطب للغلام: فإنّي لا افارقك ولا حاجة لي فيما أردت.
فخرجا من عند الملك يعبدان الله جلَّ جلاله ويسيحان في الأرض، فهدى الله (عزَّ وجلَّ) بهما اناساً كثيراً وبلغ شأن الغلام وارتفع ذكره في الافاق
فذكر والده، وقال: لو بعثت إليه فاستنقذته ممّا هو فيه، فبعث إليه رسولاً فأتاه فقال له: إنَّ ابنك يقرئك السّلام وقصَّ عليه خبره وأمره فأتاه والده وأهله فاستنقذهم ممّا كانوا فيه.
ثمّ أنَّ بلوهر رجع إلى منزله واختلف إلى يوذاسف أيّاماً حتّى عرف أنَّه قد فتح له الباب ودلّه على سبيل الصواب، ثمّ تحوَّل من تلك البلاد إلى غيرها وبقي يوذاسف حزيناً مغتمّاً فمكث بذلك حتّى بلغ وقت خروجه إلى النّساك لينادي بالحقِّ ويدعو إليه أرسل الله (عزَّ وجلَّ) ملكاً من الملائكة فلمّا رأى منه خلوة ظهر له وقام بين يديه، ثمّ قال له: لك الخير والسلامة أنت إنسان بين البهائم الظالمين الفاسقين من الجهّال أتيتك بالتحيّة من الحق وإله الخلق بعثني إليك لاُبشرك وأذكر لك ما غاب عنك من امور دنياك وآخرتك، فاقبل بشارتي ومشورتي ولا تغفل عن قولي، اخلع عنك الدُّنيا وانبذ عنك شهواتها وازهد في الملك الزائل، والسلطان الفاني الّذي لا يدوم وعاقبته الندم والحسرة، واطلب الملك الّذي لا يزول الفرح الّذي لا ينقضي والرّاحة الّتي لا يتغيّر وكن صديقاً مقسطاً، فانّك تكون إمام النّاس تدعوهم إلى الجنة.
فلمّا سمع يوذاسف كلامه خرّ بين يدي الله (عزَّ وجلَّ) ساجداً، وقال: إنّي لامر الله تعالى مطيع وإلى وصيّته منته فمّرني بامرك فإنّي لك حامد ولمن بعثك إليَّ شاكرٌ فإنه رحمني ورؤف بي ولم يرفضني بين الأعداء فإني كنت بالذي أتيتني به مهتماً، قال الملك: إنّي أرجع إليك بعد أيّام، ثمّ أخرجك فتهيأ لذلك ولا تغفل عنه، فوطن يوذاسف نفسه على الخروج وجعل همته كله فيه ولم يطلع على ذلك أحداً حتّى إذا جاء وقت خروجه أتاه الملك في جوف الليل والنّاس نيام، فقال له: قم فاخرّج ولا تؤخّر ذلك، فقام ولم يفش سرَّه إلى أحد من النّاس غير وزيره فبينا هو يريد الرُّكوب إذا أتاه رجل شابٌ جميلٌ كان قد ملكهم بلاده فسجد له.
وقال: أين تذهب: يا ابن الملك وقد أصابنا العسر أيّها المصلح الحكيم الكامل: وتتركنا له وتترك ملكك وبلادك، أقم عندنا فإنّا كنّا منذ ولدت في رخاء وكرامة ولم تنزل بنا عاهة ولا مكروه، فسكّته يوذاسف وقال
له: امكث أنت في بلادك ودرا(1533) أهل مملكتك فأمّا أنا فذاهب حيث بعثت وعامل ما أمرت به فإن أنت أعنتني كان لك في عملي نصيباً.
ثم أنَّه ركب فسار ما قضى الله له أن يسير، ثمّ أنَّه نزل عن فرسه ووزيره يقود فرسه ويبكي أشدَّ البكاء، ويقول ليوذاسف: بأيِّ وجه أستقبل أبويك؟ وبما أجيبهما عنك وبأيِّ عذاب أو موت يقتلاني، وأنت كيف تطيق العسر والاذى الّذي لم تتعوّده وكيف لا تستوحش وأنت لم تكن وحدك يوماً قط؟ وجسدك كيف تحمّل الجوع والظّمأ والتقلّب على الأرض والتراب، فسكّته وعزَّاه ووهب له فرسه والمنطقة فجعل يقبّل قدميه ويقول: لا تدعني وراءك يا سيّدي اذهب بي معك حيث خرجت فانّه لا كرامة لي بعدك وإنّك إن تركتني ولم تذهب بي معك أخرج في الصّحراء ولم أدخل مسكنا فيه إنسان أبداً، فسكّته أيضاً وعزّاه وقال: لا تجعل في نفسك إلّا خيراً فإنّي باعث إلى الملك وموصيه فيك أن يكرمك ويحسن إليك.
ثمَّ نزع عنه لباس الملك ودفعه إلى وزيره وقال له: البس ثيابي وأعطاء الياقوتة الّتي كان يجعلها في رأسه، وقال له: انطلق بها معك وفرسي وإذا أتيته فاسجد له وأعطه هذه الياقوتة وأقرئه السّلام ثمّ الاشراف وقل لهم: إنّي لمّا نظرت فيما بين الباقي والزائل رغبت في الباقي وزهدت في الزائل ولمّا استبان لي أصلي وحسبي وفصلّت بينهما وبين الأعداء والقرباء رفضت الأعداء والقرباء وانقطعت إلى أصلي وحسبي، فأمّا والدي فإنّه إذا أبصر الياقوتة طابت نفسه، فإذا أبصر كسوني عليك ذكرني وذكر حبّي لك ومودّتي إيّاك، فمنعه ذلك أن يأتي إليك مكروهاً.
ثمَّ رجع وزيره وتقدَّم يوذاسف أمامه يمشي حتّى بلغ فضاء واسعاً فرفع رأسه فرأى شجرة عظيمة على عين من ماء أحسن ما يكون من الشجر وأكثرها فرعاً وغصناً وأحلاها ثمراً، وقد اجتمع إليها من الطير ما لا يعدّ كثرة، فسَّر بذلك المنظر وفرح به، وتقدَّم إليه حتّى دنا منه، وجعل يعبّره في نفسه ويفسّره فشبّه الشحر بالبشرى الّتي دعا إليها وعين الماء بالحكمة والعلم، والطّير بالناس الّذين يجتمعون إليه ويقبلون منه الدِّين، فبينا هو قائم إذا أتاه أربعة من الملائكة (عليهم السلام) يمشون بين يديه فأتبع آثارهم حتّى رفعوه في جوِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1533) من المداراة.
السّماء واوتي من العلم والحكمة ما عرف به الاولى والوسطى والاُخرى، والّذي هو كائن، ثمّ أنزلوه إلى الأرض وقرنوا معه قريناً من الملائكة الاربعة فمكث في تلك البلاد حينا ثمّ أنَّه أتى أرض سولابط فلمّا بلغ والده قدومه خرج يسير هو والأشراف فأكرموه وقرَّبوه، واجتمع إليه أهل بلده مع ذوي قرابته وحشمه وقعدوا بين يديه وسلّموا عليه وكلّمهم الكلام الكثير وفرش لهم الاساس وقال لهم: اسمعوا إليَّ بأسماعكم وفرغوا إلي قلوبكم لاستماع حكمة الله (عزَّ وجلَّ) الّتي هي نور الانفس وثقوا بالعلم الّذي هو الدّليل على سبيل الرَّشاد، وأيقظوا عقولكم وافهموا الفصل الّذي بين الحقِّ والباطل، والضلال والهدى.
واعلموا أنَّ هذا هو دين الحقِّ الّذي أنزله الله (عزَّ وجلَّ) على الأنبياء والرُّسل (عليهم السلام)، والقرون الاُولى، فخصّنا الله (عزَّ وجلَّ) به في هذا القرن برحمته بنا ورأفته رحمته وتحنّنه علينا وفيه خلاص من نار جهنم إلّا أنَّه لا ينال الانسان ملكوت السماوات ولا يدخلها أحد إلّا بالايمان وعمل الخير، فاجتهدوا فيه لتدركوا به الرّاحة الدائمة والحياة الّتي لا تنقطع أبداً ومن آمن منكم بالدين فلا يكوننّ إيمانه طمعاً في الحياة ورجاء لملك الأرض وطلب مواهب الدُّنيا، وليكن إيمانكم بالدِّين طمعاً في ملكوت السماوات ورجاء للخلاص وطلب النجاة من الضّلالة وبلوغ الراحة والفرج في الآخرة، فإنَّ ملك الأرض وسلطانها زائل، ولذَّاتها منقطعة، فمن اغترّ بها هلك وافتضح، لو قد وقف على ديّان الدِّين الّذي لا يدين إلّا بالحقِّ، فإنَّ الموت مقرون مع أجسادكم وهو يتراصد أرواحكم أن يكبكبها مع الأجساد.
واعلموا أنَّه كما أنَّ الطير لا يقدر على الحياة والنجاة من الأعداء من اليوم إلى غد إلّا بقوّة من البصر والجناحين والرِّجلين، فكذلك الانسان لا يقدر على الحياة والنّجاة إلّا بالعمل والايمان والعمل الصالح وأفعال الخير الكاملة، فتفكّر أيّها الملك أنت والأشراف فيما تسمعون وافهموا واعتبروا، واعبروا البحر ما دامت السّفينة، واقطعوا المفازة ما دام الدّليل والظهر والزَّاد، واسلكوا سبيلكم ما دام المصباح، واكثروا من كنوز البرِّ مع النّساك، وشاركوهم في الخير والعمل الصّالح، وأصلحوا التبع وكونوا لهم أعواناً،
ومروهم بأعمالكم لينزلوا معكم ملكوت النّور، واقبلوا النّور، واحتفظوا بفرائضكم، وإيّاكم أن تتوثّقوا إلى أماني الدُّنيا وشرب الخمور وشهوة النساء من كلِّ ذميمة وقبيحة مهكلة للرُّوح والجسد واتّقوا الحمية والغضب والعداوة والنميمة، وما لم ترضوه أن يؤتى إليكم فلا تأتوه إلى أحد، وكونوا طاهري القلوب، صادقي النيات لتكونوا على المنهاج إذا أتاكم الاجل.
ثمَّ انتقل من أرض سولابط وسار في بلاد ومدائن كثيرة حتّى أتى أرضاً تسمّى قشمير فسار فيها وأحيا ميّتها ومكث حتّى أتاه الأجل الّذي خلع الجسد، وارتفع إلى النور، ودعا قبل موته تلميذاً له اسمه ايابد الّذي كان يخدمه ويقوم عليه، وكان رجلاً كاملاً في الأُمور كلّها، وأوصى إليه، وقال: أنَّه قد دنا ارتفاعي عن الدُّنيا، واحتفظوا بفرائضكم، ولا تزيغوا عن الحقِّ، وخذوا بالتنسك ثمّ أمر ايابذ أن يبني له مكاناً فبسطه هو رجليه وهيّأ رأسه إلى المغرب ووجهه إلى المشرق ثمّ قضي نحبه.
قال مصنّف هذا الكتاب: ليس هذا الحديث وما شاكله من أخبار المعمّرين وغيرهم ممّا أعتمده في أمر الغيبة وقوعها، لأنّ الغيبة إنما صحّت لي بما صح عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والائمّة (عليهم السلام) من ذلك بالاخبار الّتي بمثلها صحّ الاسلام وشرائعه وأحكامه، ولكنّي أرى الغيبة لكثير من أنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم ولكثير من الحجج بعدهم (عليهم السلام) ولكثير من الملوك الصالحين من قبل الله تبارك وتعالى، ولا أجد لها منكراً من مخالفينا وجميعها في الصحّة من طريق الرِّواية دون ما قد صحّ بالاخبار الكثيرة الواردة الصحيحة عن النبيّ والائمّة صلوات الله عليهم في أمر القائم الثاني عشر من الأئمّة (عليهم السلام) وغيبته حتّى يطول الأمد وتقسو القلوب ويقع اليأس من ظهوره، ثمّ يطلعه الله وتشرق الأرض بنوره ويرتفع الظلم والجور بعدله، فليس في التكذيب بذلك مع الاقرار بنظائره إلّا القصد إلى إطفاء نور الله وإبطال دينه ويأبي الله إلّا أن يتمَّ نوره ويعلي كلمته ويحقُّ الحقَّ ويبطل الباطل، ولو كره المخالفون المكذبون بما وعد الله الصالحين على لسان خير النبيين صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين.
ولإيرادي هذا الحديث وما يشاكله في هذا الكتاب معنى آخر وهو أنَّ
جميع أهل الوفاق والخلاف يميلون إلى مثله من الأحاديث فإذا ظفروا به من هذا الكتاب حرصوا على الوقوف على سائر ما فيه، فهم بالوقوف عليه من بين منكر وناظر وشاكٍّ ومقرٍّ، فالمقرُّ يزداد به بصيرة، والمنكر تتأكّد عليه من الله الحجّة، والواقف الشاكُ يدعوه وقوفه بين الاقرار والانكار إلى البحث والتنقيب(1534) إلى أمر الغائب وغيبته، فترجى له الهداية لأنّ الصحيح من الأُمور لا يزيده البحث والتنقيب(1535) إلّا تأكيداً كالذهب الّذي كلما دخل النّار ازداد صفاء وجودة.
وقد غيّب الله تبارك وتعالى اسمه الاعظم الّذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى في أوائل سور من القرآن.
فقال (عزَّ وجلَّ): الم، والمر، والر، والمص، وكهيعص، وحمعسق، وطسم، وطس، ويس وما أشبه ذلك لعلّتين أحدهما أنَّ الكفار والمشركين كانت أعينهم في غطاء عن ذكر الله وهو النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدليل قوله (عزَّ وجلَّ) (أنزل الله إليكم ذكراً * رسولاً)(1536) وكانوا لا يستطيعون للقرآن سمعا فأنزل الله (عزَّ وجلَّ) أوائل سور منه اسم الأعظم بحروف مقطوعة هي من حروف كلامهم ولغتهم ولم تجر عادتهم بذكرها مقطوعة فلمّا سموها تعجبوا منها، وقالوا: نسمع ما بعدها تعجّباً فاستمعوا إلى ما بعدها فتأكّدت الحجّة على المنكرين وازداد أهل الاقرار به بصيرةً وتوقف الباقون شكاكاً لا همّة لهم إلّا البحث عمّا شكوا فيه، وفي البحث الوصول إلى الحقِّ.
والعلّة الاخرى في إنزال أوائل هذه السُور بالحروف المقطوعة ليخصِّ بمعرفتها أهل العصمة والطهارة، فيقيمون بها الدَّلائل ويظهرون بها المعجزات، ولم عم الله تعالى بمعرفها جميع النّاس لكان في ذلك ضدَّ الحكمة وفساد التدبير، وكان لا يؤمن من غير المعصوم أن يدعو بها على نبيٍّ مرسل أو مؤمن ممتحن، ثمّ لا يجوز أن يقع الاجابة بها مع وعده واتّصافه بأنه لا يخلف الميعاد، على أنَّه يجوز أن يعطى المعرفة ببعضها من يجعله عبرة لخلقه متى تعدى فيها حده كبلعم بن باعورا حين أراد أن يدعو على كليم الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1534) في بعض النسخ المصححة (التنقير) والتنقير التفتيش كما في النهاية.
(1535) في بعض النسخ المصححة (التنقير) والتنقير التفتيش كما في النهاية.
(1536) الطلاق: 11 - 1.
موسى بن عمران (عليه السلام) فأنسى ما كان اوتي من الاسم، فانسلخ منها، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه (واتل عليهم نبأ الّذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين)(1537)، وإنّما فعل (عزَّ وجلَّ) ذلك ليعلم النّاس أنَّه ما اختصَّ بالفضل إلّا من علم أنَّه مستحق للفضل، وإنّه لم عمَّ لجاز منهم وقوع ما وقع من بلعم.
وإذا جاز أن يغيب الله (عزَّ وجلَّ) اسمه الاعظم في الحروف المقطوعة في كتابه الّذي هو حجّته وكلامه، فكذلك جائز أن يغيب حجّته في النّاس عن عباده المؤمنين وغيرهم لعلمه (عزَّ وجلَّ) أنَّه متى أظهره وقع من أكثر النّاس التعدِّي لحدود الله في شأنه فيستحقّون بذلك القتل، فإنَّ قتلهم لم يجز وفي أصلابهم مؤمنون، وإن لم يقتلهم لم يجز وقد استحقّوا القتل.
فالحكمة للغيبة في مثل هذه الحالة موجبة، فإذا تزيّلوا ولم يبق في أصلابهم مؤمن أظهره الله (عزَّ وجلَّ) فخسف بأعدائه وأبادهم(1538)، إلّا ترى المحصنة إذا زنت وهي حبلى لم ترجم حتّى تضع ولدها وترضعه إلّا أن يتكفّل برضاعه رجل من المسلمين، فهذا سبيل من في صلبه مؤمن إذا وجب عليه القتل لم يُقتل حتّى يزايله، ولا يعلم ذلك إلّا من يكون حجّة من قبل علام الغيوب، ولهذا لا يقيم الحدود إلّا هو، وهذه هي العلة الّتي من أجلها ترك أمير المؤمنين (عليه السلام) مجاهدة أهل الخلاف خمساً وعشرين سنّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسين ابن محمّد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما بال أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقاتل مخالفيه في الاوَّل؟ قال: لآية في كتاب الله تعالى: (لو تزيّلوا لعذبنا الّذين كفروا منهم عذاباً أليماً)، قال: قلت: وما يعني بتزايلهم؟ قال: ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك القائم (عليه السلام) لم يظهر أبداً حتّى تخرج ودائع الله (عزَّ وجلَّ) فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله (عزَّ وجلَّ) فقتلهم.
حدثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ رضي الله عنه قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم الكرخيِّ قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام) - أو قال له رجل -: أصلحك الله ألم يكن عليٌّ (عليه السلام) قوّياً في دين الله (عزَّ وجلَّ)؟ قال: بلى؟ قال: فكيف ظهر عليه القوم، وكيف لم يدفعهم وما يمنعه(1539) من ذلك؟ قال: آية في كتاب الله (عزَّ وجلَّ) منعته؟ قال: قلت: وأيّة آية هي؟ قال: قوله (عزَّ وجلَّ): (لو تزّيّلوا لعذَّبنا الّذين كفروا منهم عذاباً أليماً) أنَّه كان لله (عزَّ وجلَّ) ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين فلم يكن عليّ (عليه السلام) ليقتل الآباء حتّى يخرج الودائع فلمّا خرجت الودائع ظهر على من ظهر فقاتله. وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبداً حتّى تظهر ودائع الله (عزَّ وجلَّ) فإذا ظهرت ظهر على من يظهر فقتله.
حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر السمرقنديُّ العلويُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه قال: حدّثنا جبرئيل ابن أحمد قال: حدّثني محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرّحمن عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (لو تزيّلوا لعذبنا الّذين كفروا منهم عذاباً أليماً)، لو أخرج الله (عزَّ وجلَّ) ما في أصلاب المؤمنين من الكافرين وما في أصلاب الكافرين من المؤمنين لعذَّب الّذين كفروا.
* * *
و(1540) حدّثنا أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن أحمد الفقيه الاسواريُّ بايلاق قال: حدّثنا مكّي بن أحمد البرذعي قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم الطرسوسيُّ يقول - وكان قد أتى عليه سبع وتسعون سنّة على باب يحيى بن منصور - قال: رأيت سربانك ملك الهند في بلدة تسمّى (قَنّوج)(1541) فسألناه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1539) في بعض النسخ (لم يمنعهم وما منعه).
(1540) عطف على ما سبق من أخبار المعمرين.
(1541) بفتح القاف وتشديد النون وآخره جيم، موضع ببلاد الهند. (المراصد).
كم أتى عليك من السنين؟ فقال: تسعمائة سنة وخمس وعشرون سنّة وهو مسلم وزعم أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنفذ إليه عشرة من أصحابه فيهم حذيفة بن اليمان وعمرو بن العاص واسامة بن زيد وأبو موسى الاشعريُّ وصهيب الروميُّ وسفينة وغيرهم يدعونه إلى الاسلام فأجاب وأسلم وقبل كتاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقلت له: كيف تصلّي مع هذا الضعف؟ فقال لي: قال الله تعالى: (الّذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم - الآية) فقلت له: وما طعامك، فقال: آكل ماء اللّحم والكرَّاث، وسألته هل يخرج منك شيء فقال: في كلِّ أسبوع مرّة شيء يسير، قال: وسألته عن أسنانه: فقال أبدلتها عشرين مرة ورأيت [له] في اصطبله شيئاً من الدَّوابِّ أكبر من الفيل يقال له: زند فيل، فقلت له: وما تصنع بهذا؟ قال: يحمل بها ثياب الخدم إلى القصّار. ومملكته مسيرة أربع سنين في مثلها، ومدينته طولها خمسون فرسخاً في مثلها، وعلى كلِّ باب منها عسكر في مائة ألف وعشرين ألفاً، إذا وقع في أحد من تلك الابواب حدث خرجت تلك الفرقة إلى الحرب لا يستعان بغيرها وهو في وسط المدينة وسمعته يقول: دخلت المغرب(1542) فبلغت إلى الرَّمل - رمل العالج - وصرت إلى قوم موسى (عليه السلام)، فرأيت سطوح بيوتهم مستوية وبيدر الطعام(1543) خارج القرية يأخذون منه القوت والباقي يتركونه هناك وقبورهم في دورهم وبساتينهم من المدينة على فرسخين ليس فيهم شيخ ولا شيخة ولم أر فيهم علّة ولا يعتلّون إلى أن يموتوا، ولهم أسواق إذا أراد إنسان منهم شراء شيء صار إلى السوق فوزن لنفسه وأخذ ما يصيبه وصاحبه غير حاضر، وإذا أرادوا الصلاة حضروا فصلّوا وانصرفوا، لا يكون بينهم خصومة أبداً ولا كلام يكره إلّا ذكر الله (عزَّ وجلَّ) والصلاة وذكر الموت.
قال مصنّف هذا الكتاب رحمه الله: فإذا كان جاز عند مخالفينا مثل هذه الحال لسربانك ملك الهند فينبغي أن لا يحيلوا مثل ذلك في حجّة الله في التعمير ولا قوَّة إلّا بالله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1542) في بعض النسخ (دخلت إلى العرب).
(1543) يعني الموضع الّذي يجمع فيه الحصيد والقمح ويداس.
الباب الخامس والخمسون: ما روي في ثواب المنتظر للفرج
1 - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديّ رضي الله عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود قال: حدّثنا جعفر بن محمّد(1544) قال: حدّثني العمركيُّ ابن عليٍّ البوفكيِّ، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن موسى النميريّ(1545)، عن العلاء بن سيابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من مات منكم على هذا الامر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم (عليه السلام).
2 - وبهذا الاسناد، عن ثعلبة، عن عمر بن أبان، عن عبد الحميد الواسطيُّ عن أبي جعفر محمّد بن عليٍّ الباقر (عليهما السلام) قال: قلت له: أصلحك الله لقد تركنا أسواقنا إنتظاراً لهذا الأمر، فقال (عليه السلام): يا عبد الحميد أترى من حبس نفسه على الله (عزَّ وجلَّ) لا يجعل الله له مخرجاً؟ بلى والله ليجعلنَّ الله له مخرجاً، رحم الله عبداً حبس نفسه علينا؛ رحم الله عبداً أحيا أمرنا، قال: قلت: فإن متُّ قبل أن أدرك القائم؟ قال: القائل منكم أن لو أدركت قائم آل محمّد نصرته، كان كالمقارع بين يديه بسيفه، لابل كالشهيد معه.
3 - وبهذا الاسناد، عن محمّد بن مسعود، عن جعفر بن معروف قال: أخبرني محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن موسى بن بكر الواسطيُّ، عن أبي الحسن عن آبائه (عليهم السلام) أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من الله (عزَّ وجلَّ).
4 - وبهذا الاسناد، عن محمّد بن عبد الحميد، عن محمّد بن الفضيل(1546) عن أبي الحسن الرِّضا (عليه السلام) قال: سألته عن الفرج؟ قال: إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (انتظروا إنّي معكم من المنتظرين)(1547).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1544) كذا في بعض النسخ وفي بعضها (جعفر بن أحمد) ولعل الصواب (جعفر بن معروف).
(1545) هو موسى بن أكيل النميري من اصحاب الصادق (عليه السلام) ثقة، وصحف في بعض النسخ (بالهرمزي) وفي بعضها (بالبربري). وفي بعضها (بالنهريري).
(1546) محمّد بن الفضيل من أصحاب الرِّضا (عليه السلام) أزدي صيرفي، يرمى بالغلو (صه) وقال الشيخ (ره) في رجاله: محمّد بن الفضيل الكوفيّ الازدي ضعيف.
(1547) الاعراف: 71. والظاهر ومن السياق المراد انتظار العذاب. والتأويل بالصاحب (عليه السلام) غريب جدا والعلم عند الله.
5 - وبهذا الاسناد، عن محمّد بن مسعود قال: حدّثني أبو صالح خلف بن حمّاد الكشي قال: حدّثنا سهل بن زياد(1548) قال: حدّثني محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قال الرِّضا (عليه السلام): ما أحسن الصبر وانتظار الفرج أما سمعت قول الله (عزَّ وجلَّ): (وارتقبوا إنّي معكم رقيب)(1549)، (فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين)، فعليكم بالصبر فإنّه إنّما يجيء الفرج على اليأس، فقد كان الّذين من قبلكم أصبر منكم.
6 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن جدِّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير؛ ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: المنتظر لامرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله.
7 - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا حيدر بن محمّد؛ وجعفر بن محمّد بن مسعود قالا: حدّثنا محمّد بن مسعود قال: حدّثنا القاسم بن هشام اللّؤلؤيُّ قال: حدّثنا الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمّار الساباطيِّ قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): العبادة مع الامام منكم المستتر في دولة الباطل أفضل، أم العبادة في الظهور الحقِّ ودولته مع الامام الظاهر منكم؟ فقال: يا عمّار الصدقة والله في السرِّ [في دولة الباطل] أفضل من الصدقة في العلانية وكذلك عبادتكم في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل أفضل لخوفكم من عدوِّكم في دولة الباطل وحال الهدنة ممّن يعبد الله (عزَّ وجلَّ) في ظهور الحق مع الامام الظاهر في دولة الحق، وليس العبادة مع الخوف وفي دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحق، إعلموا أنَّ من صلّى منكم صلاة فريضة وحداناً مستتراً بها من عدوِّه في وقتها فأتمها كتب الله (عزَّ وجلَّ) له بها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1548) سهل بن زياد ضعيف في الحديث غير معتمد عليه وكان احمد بن محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب وأخرجه من قم إلى الري. (جش)
(1549) تمام الآية في سورة هود: 94 (يا قوم اعملوا على مكانتكم إنّي عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إنّي معكم رقيب).
خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانيّة، ومن صلّى منكم صلاة نافلة في وقتها قاتمّها كتب الله (عزَّ وجلَّ) له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله حسنات المؤمن منكم أذا أحسن أعماله ودان الله (عزَّ وجلَّ) بالتقيّة على دينه وعلى إمامه وعلى ونفسه وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة كثيرة، أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) كريم.
قال: فقلت: جعلت فداك قد رغبتني في العمل وحثثتني عليه ولكنّي احبُّ أن أعلم كيف صرنا اليوم أفضل أعمالا من أصحاب الامام منكم الظاهر في دولة الحقِّ ونحن وهم على دين واحد وهو دين الله (عزَّ وجلَّ)؟
فقال: إنّكم سبقتموهم إلى الدُّخول في دين الله (عزَّ وجلَّ) وإلى الصلاة والصوم والحجِّ وإلى كلِّ فقه وخير وإلى عبادة الله سرّاً مع عدوِّكم مع الامام المستتر مطيعون له، صابرون معه، منتظرون لدولة الحقِّ، خائفون على إمامكم وأنفسكم من الملوك، تنظرون إلى حقٍّ إمامكم وحقّكم في أيدي الظلمة قد منعوكم ذلك واضطرُّوكم إلى حرث الدُّنيا(1550) وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف من عدوكم، فبذلك ضاعف الله أعمالكم، فهنيئاً لكم هنيئاً.
قال: فقلت له: جعلت فداك فما نتمنّى إذا أن نكون من أصحاب الامام القائم في ظهور الحقِّ ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أعمال أصحاب دولة الحقِّ؟ فقال: سبحان الله: أما تحبّون أن يظهر الله (عزَّ وجلَّ) الحق والعدل في البلاد، ويحسن حال عامّة العباد(1551)، ويجمع الله الكلمة ويؤلّف بين قلوب مختلفة ولا يعصى الله (عزَّ وجلَّ) في أرضه، ويقام حدود الله في خلقه، ويردَّ الله الحقَّ إلى أهله فيظهروه حتّى لا يستخفى بشيء من الحقِّ مخافة أحد من الخلق، أما والله يا عمّار لا يموت منكم ميت على الحال الّتي أنتم عليها إلّا كان أفضل عند الله (عزَّ وجلَّ) من كثير ممّن شهد بدراً واحداً فأبشروا.
8 - حدّثنا عليُّ بن أحمد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعيُّ، عن الحسين بن يزيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1550) في بعض النسخ (إلى جدب الأرض).
(1551) في بعض النسخ (عامّة النّاس).
النوفليِّ، عن أبي إبراهيم الكوفيِّ قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فكنت عنده إذ دخل عليه أبو الحسن موسى ابن جعفر (عليهما السلام) وهو غلام فقمت إليه وقبّلت رأسه وجلست فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا إبراهيم أما إنَّه صاحبك من بعدي، أما ليهلكنَّ فيه أقوام ويسعد آخرون، فلعن الله قاتله، وضاعف على روحه العذاب، أما ليخرجنَّ الله (عزَّ وجلَّ) من صلبه خير أهل الأرض في زمانه بعد عجائب تمر به حسداً له، ولكن الله تعالى بالغ أمره ولو كره المشركون يخرج الله تبارك وتعالى من صلبه تكملة اثني عشر مهديّاً، واختصّهم الله بكرامته وأحلّهم دار قدسه، المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يذبُّ عنه. فدخل رجل من موالي بني اُميّة فانقطع الكلام وعدت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) خمس عشرة مرَّة اريد استتمام الكلام فما قدرت على ذلك، فلمّا كان من قابل دخلت عليه وهو جالس فقال لي: يا أبا إبراهيم هو المفرِّج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد وبلاء طويل وجور، فطوبى لمن أدرك ذلك الزَّمان، حسبك الله يا أبا إبراهيم قال أبو إبراهيم: فما رجعت بشيء أسرُّ إليَّ من هذا ولا أفرح لقلبي منه(1552).
الباب السادس والخمسون: النهي عن تسمية القائم (عليه السلام)
1 - حدَّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدَّثني سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزبد عن الحسن بن محبوب، عن عليِّ بن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صاحب هذا الامر رجل لا يسميه باسمه إلّا كافر.
2 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله عن جعفر بن محمّد بن مالك، عن عليِّ بن الحسن بن فضّال، عن الرّيّان بن الصلت قال: سئل الرِّضا (عليه السلام) عن القائم (عليه السلام) فقال: لا يرى جسمه، ولا يسمّى باسمه
3 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن إسماعيل بن أبان، عن عمرو بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1552) تقدَّم هذا الخبر بتمامه ص 334.
شمر، عن جابر بن يزيد الجعفيِّ قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: سأل عمر أمير المؤمنين (عليه السلام) عن المهديِّ فقال: يا ابن أبي طالب أخبرني عن المهديِّ ما اسمه؟ قال أما اسمه فلا، إنَّ حبيبي وخليلي عهد إليَّ أن لا اُحدِّث باسمه حتّى يبعثه الله (عزَّ وجلَّ) وهو ممّا استودع الله (عزَّ وجلَّ) رسوله في علمه.
4 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن محمّد بن أحمد العلويّ، عن أبي هاشم الجعفريّ قال: سمعت أبا الحسن العسكريّ (عليه السلام) يقول: الخلف من بعدي الحسن ابني فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ قلت: ولم جعلني الله فداك؟ قال: لانّكم لا ترون شخصه ولا يحلُّ لكم ذكره باسمه، قلت: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا: الحجّة من آل محمّد صلوات الله عليه وسلامه.
الباب السابع والخمسون: ما روي في علامات خروج القائم (عليه السلام)
1 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه عليٍّ، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى عن محمّد بن حكيم، عن ميمون البان، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: خمس قبل قيام القائم (عليه السلام): اليمانيُّ والسفيانيُّ والمنادي يناديُّ من السّماء وخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية.
2 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار، عن العبّاس بن معروف، عن عليّ بن مهزيار، عن عبد الله بن محمّد الحجّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن شعيب الحذّاء، عن صالح مولى بني العذراء قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: ليس بين قيام قائم آل محمّد وبين قتل النفس الزّكيّة إلّا خمسة عشر ليلة.
3 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريِّ،
عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب الخزّاز، والعلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنَّ قدّام القائم علامات تكون من الله (عزَّ وجلَّ) للمؤمنين، قلت: وما هي جعلني الله فداك؟ قال: ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ) (ولنبلونّكم) يعني المؤمنين قبل خروج القائم (عليه السلام) (بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين)(1553) قال: يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، والجوع بغلاء أسعارهم (ونقص من الأموال) قال: كساد التجارات وقلة الفضل. ونقص من الانفس قال: موت ذريع(1554).
ونقص من الثمرات قال: قلّة ريع ما يزرع (وبشّر الصابرين) عند ذلك بتعجيل خروج القائم (عليه السلام).
ثمَّ قال لي: يا محمّد هذا تأويله إنَّ الله تعالى يقول: (وما يعلم تأويله إلّا الله والرَّاسخون في العلم)(1555).
4 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسين ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي عن الحارث بن المغيرة البصريِّ، عن ميمون البان قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) في فسطاطه فرفع جانب الفسطاط فقال: إنَّ أمرنا قد كان أبين من هذه الشمس، ثمّ قال: ينادي مناد من السّماء فلان بن فلان هو الامام باسمه، وينادي إبليس لعنه الله من الأرض كما نادى برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليلة العقبة.
5 - وبهذا الاسناد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن عيسى ابن أعين، عن المعلّي بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنَّ أمر السفيانيِّ من الامر المحتوم، وخروجه في رجب.
6 - وبهذا الاسناد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1553) البقرة: 155.
(1554) الذريع: السريع.
(1555) آل عمران: 7.
إبراهيم ابن عمر، عن أبي أيّوب، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الصيحة الّتي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة لثلاث وعشرين مضين من شهر رمضان.
7 - وبهذا الاسناد، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن - حنظلة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قبل قيام القائم خمس علامات محتومات اليمانيُّ، والسفيانيُّ، والصيحة، وقتل النفس الزّكيّة، والخسف بالبيداء.
8 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد ابن الحسين بن أبي الخطّاب، عن جعفر بن بشير، عن هشام بن سالم، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ينادي مناد باسم القائم (عليه السلام)، قلت: خاصٌّ أو عام؟ قال: عام يسمع كلُّ قوم بلسانهم، قلت: فمن يخالف القائم (عليه السلام) وقد نودي باسمه؟ قال: لا يدعهم إبليس حتّى ينادي [في آخر الليل](1556) ويشكّك الناس.
9 - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثنا عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن عليٍّ الكوفيّ، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن اذينة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): قال: أبي (عليه السلام): قال: أمير المؤمنين (عليه السلام): يخرج ابن آكلة الاكباد من الوادي اليابس وهو رجل ربعة، وحش الوجه(1557)، ضخم الهامة، بوجهه أثر جدري إذا رأيته حسبته أعور، إسمه عثمان وأبوه عنبسة، وهو من ولد أبي سفيان حتّى يأتي أرضاً ذات قرار ومعين(1558) فيستوي على منبرها.
10 - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان عن عمر بن يزيد قال: قال لي أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): إنّك لو رأيت السفياني لرأيت أخبث النّاس، أشقر أحمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1556) قال في البحار: الظاهر (في آخر النهار) كما سيأتي تحت رقم 14، ولعله من النساخ ولم يكن في بعض النسخ (في أخر الليل) أصلاً فالزيادة من النساخ.
(1557) أي يستوحش من يراه ولا يستأنس به وفى بعض النسخ (وخش الوجه) بالخاء المعجمة، والوخش: الردي من كلّ شيء، ورذال النّاس وسقاطهم للواحد والجمع والمذكر والمؤمث، (القاموس) وفى بعض النسخ المصححة (خشن الوجه).
(1558) يعني الكوفة كما جاءت به الاخبار.
أزرق، يقول: يا ربّ ثاري ثاري ثمّ النّار(1559)، وقد بلغ من خبثه أنَّه يدفن اُمُّ ولد له وهي حية مخافة أن تدلَّ عليه.
11 - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا محمّد بن أبي القاسم ماجيلويه، عن محمّد بن عليٍّ الكوفيِّ قال: حدّثنا الحسين بن سفيان، عن قتيبة بن محمّد، عن عبد الله بن أبي منصور البجليِّ قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اسم السفيانيِّ فقال: وما تصنع باسمه؟ إذا ملك كور الشام الخمس: دمشق، وحمص، وفلسطين، والاردن، وقنّسرين، فتوقّعوا عند ذلك الفرج، قلت: يملك تسعة أشهر؟ قال: لا ولكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوماً.
12 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا أحمد بن عليٍّ الانصاريُّ، عن أبي الصلت الهرويِّ قال: قلت للرضا (عليه السلام): ما علامات القائم منكم إذا خرج؟ قال: علامته أن يكون شيخ السنِّ، شابَّ المنظر حتّى أنَّ الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنّة أو دونها، وإنَّ من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيّام والليالي حتّى يأتيه أجله.
13 - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي الله عنه، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم عن محمّد بن علىٍّ الكوفيِّ، عن أبيه، عن أبي المغرا، عن المعلّى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صوت جبرئيل من السّماء، وصوت إبليس من الأرض، فاتّبعوا الصوت الاوَّل، وإياكم والاخير أن تفتتنوا به.
14 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أنَّ أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: أنَّ خروج السفياني من الامر المحتوم؟ قال [لي]: نعم، واختلاف ولد العبّاس من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم (عليه السلام) من المحتوم، فقلت له: كيف يكون [ذلك] النداء؟ قال: ينادي مناد من السّماء أول النهار: إلّا أنَّ الحقّ في عليٍّ وشيعته، ثمّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1559) في غيبة النعماني بسند آخر عنه (عليه السلام) (يا ربّ ثاري والنار، يا ربّ ثاري والنار) ولعل المعنى يا ربّ إنّي اطلب ثاري ولو بدخول النار.
ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار: إلّا أنَّ الحقَّ في السفيانيِّ وشيعته، فيرتاب عند ذلك المبطلون.
15 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن عيسى بن أعين، عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أنَّ أمر السفياني من المحتوم وخروجه في رجب.
16 - وبهذا الاسناد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم ابن عمر، عن أبي أيّوب، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الصيحة الّتي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة لثلاث وعشرين مضين من شهر رمضان.
17 - حدّثنا عليُّ بن أحمد بن موسى رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيُّ قال: حدّثنا إسماعيل بن مالك، عز محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) - وهو على المنبر -: يخرج رجل من ولدي في آخر الزَّمان أبيض اللّون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن(1560) عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين(1561) بظهره شامتان: شامة على لون جلده(1562) وشامة على شبه شامة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأمّا الّذي يخفى فأحمد وأمّا الّذي يعلن فمحمد، إذا هزَّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلّا صار قلبه أشدَّ من زبر الحديد، واعطاه الله تعالي قوَّة أربعين رجلاً، ولا يبقى ميت إلّا دخلت عليه تلك الفرحة [في قلبه] وهو في قبره، وهم يتزاورون في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1560) مبدح البطن أي واسعه وعريضه - والبداح. المتسع من الارض. والبدح - بالكسر -: الفضاء الواسع وامرأة بيدح أي بادن. والابدح: الرَّجل الطويل [السمين] والعريض الجنين من الدواب (القاموس).
(1561) (مشاش) جمع المشاشة - بالضم - وهي رأس العظم الممكن المضغ.
(1562) الشامة علامة تخالف البدن الّذي هي فيه اما باللون أو التورم، وهي الخال.
قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم صلوات الله عليه.
18 - وبهذا الاسناد، عن محمّد بن سنان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنَّ العلم بكتاب الله (عزَّ وجلَّ) وسنّة نبيّة (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لينبت في قلب مهديّنا كما ينبت الزرع على أحسن نباته، فمن بقي منكم حتّى يراه فليقل حين يراه: السلام عليكم يا أهل بيت الرَّحمة والنبوَّة ومعدن العلم وموضع الرسالة.
وروي أنَّ التسليم على القائم (عليه السلام) أن يقال له: (السلام عليك يا بقيّة الله في أرضه).
19 - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قال: أبو جعفر (عليه السلام): يخرج القائم (عليه السلام) يوم السبب يوم عاشورا يوم الّذي قتل فيه الحسين (عليه السلام).
20 - وبهذا الاسناد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن أبي بصير قال: سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد الله (عليه السلام): كم يخرج مع القائم (عليه السلام)؟ فإنّهم يقولون: أنَّه يخرج معه مثل عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، قال: وما يخرج إلّا في أولي قوَّة، وما تكون أولوا القوة أقلَّ من عشرة آلاف.
21 - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضي الله عنه قال: حدّثنا أبي: عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سنان، عن أبي خالد القمّاط، عن ضريس، عن أبي خالد الكابليِّ، عن سيّد العابدين عليّ بن الحسين (عليهما السلام) قال: المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدَّة أهل بدر فيصبحون بمكّة، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً)(1563) وهم أصحاب القائم (عليه السلام).
22 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1563) البقرة: 148.
يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن صفوان بن يحيى، عن مندل(1564)، عن بكار ابن أبي بكر، عن عبد الله بن عجلان قال: ذكرنا خروج القائم (عليه السلام) عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: كيف لنا أن نعلم ذلك؟ فقال: يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب (طاعة معروفة).
وروي أنَّه يكون في راية المهديِّ (عليه السلام) (البيعة لله (عزَّ وجلَّ)).
23 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن عبيد بن كرب(1565) قال: سمعت عليّاً (عليه السلام) يقول: إن لنا أهل البيت راية من تقدمها مرق ومن تأخر عنها محق، ومن تبعها(1566) لحق.
24 - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقيُّ قال: حدّثني أبي، عن جده أحمد بن أبي عبد الله البرقيُّ، عن أبيه محمّد بن خالد، عن إبراهيم ابن عقبة، عن زكريّا، عن أبيه، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يموت سفيه من آل العبّاس بالسر، يكون سبب موته أنَّه ينكح خصيا فيقوم فيذبحه ويكتم موته أربعين يوماً، فإذا سارت الركبان في طلب الخصي لم يرجع أول من يخرج [إلى آخر من يخرج] حتّى يذهب ملكهم.
25 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسين بن الحسن ابن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن الحكم الحنّاط، عن محمّد بن همّام، عن ورد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إثنان بين يدي هذا الامر: خسوف القمر لخمس، وكسوف الشمس لخمس عشرة [و] لم يكن ذلك منذ هبط آدم (عليه السلام) إلى الأرض، وعند ذلك يسقط حساب المنجّمين(1567).
26 - وبهذا الاسناد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبيِّ، عن معمر بن يحيى، عن أبي خالد الكابليِّ، عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1564) في أكثر النسخ (منذر).
(1565) كذا والظاهر أنَّه تصحيف والصواب عبيد الكندي الكوفيّ ذكره ابن حبان في الثقات.
(1566) في بعض النسخ (من لزمها).
(1567) ذلك لأنّ الخسوف في أواسط الشهر والكسوف في أواخره كما هو المعهود.
عليّ بن الحسين (عليهما السلام) قال: إذا بنى بنو العبّاس مدينة على شاطيء الفرات كان بقاؤهم بعدها سنة.
27 - وبهذا الاسناد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرّحمن بن الحجاج، عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قدّام القائم موتتان: موت أحمر وموت أبيض، حتّى يذهب من كلِّ سبعة خمسة، الموت الاحمر السيف، والموت الأبيض الطاعون.
28 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن الحسين السعد آباديُّ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تنكسف الشمس لخمس مضين من شهر رمضان قبل قيام القائم (عليه السلام).
29 - وبهذا الاسناد، عن أبي أيّوب، عن أبي بصير؛ ومحمّد بن مسلم قالا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا يكون هذا الامر حتّى يذهب ثلث النّاس، فقيل له: إذا ذهب ثلث النّاس فما يبقى؟ فقال (عليه السلام): أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي.
قال [أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه] مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: وقد أخرجت ما روي في علامات القائم (عليه السلام) وسيرته وما يجري في أيّامه في الكتاب السر المكتوم إلى الوقت المعلوم [ولا قوَّة إلّا بالله العليِّ العظيم].
الباب الثامن والخمسون: في نوادر الكتاب
1 - حدّثنا أحمد بن هارون القاضي(1568)؛ وجعفر بن محمّد بن مسرور، وعليّ بن الحسين بن شاذويه المؤدب رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا محمّد بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1568) في بعض النسخ (الفامي).
عبد الله بن جعفر بن جامع الحميريُّ قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الدقاق، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر قال: سألت الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (والعصر إنَّ الانسان لفي خسر) قال (عليه السلام): العصر عصر خروج القائم (عليه السلام) (إنَّ الانسان لفي خسر) يعني أعداءنا (إلّا الّذين آمنوا) يعني بآياتنا (وعملوا الصالحات) يعني بمواساة الاخوان (وتواصوا بالحقِّ) يعني بالامامة (وتواصوا بالصبر) يعني في الفترة.
قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: إنَّ قوماً قالوا بالفترة واحتجوا بها، وزعموا أنَّ الامامة منقطعة كما انقطعت النبوَّة والرِّسالة من نبيٍّ إلى نبيٍّ ورسول إلى رسول بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فأقول وبالله التوفيق: إنَّ هذا القول مخالف للحقِّ لكثرة الرِّوايات الّتي وردت أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة إلى يوم القيامة ولم تخل من لدن آدم (عليه السلام) إلى هذا الوقت، وهذه الأخبار كثيرة شائعة(1569) قد ذكرتها في هذا الكتاب وهي شائعة في طبقات الشيعة وفرقها، لا ينكرها منهم منكر، ولا يجحدها جاحد، ولا يتأولها متأوَّل، وإنَّ الأرض لا تخلو من إمام حيٍّ معروف إمّا ظاهر مشهور، أو خاف مستور، ولم يزل إجماعهم عليه إلى زماننا هذا فلامامة لا تنقطع ولا يجوز انقطاعها لانّها متّصلة ما اتصل الليل والنّهار.
2 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد ابن عيسى بن عبيد قال: حدّثنا عليُّ بن الحكم، وعليّ بن الحسن(1570)، عن نافع الورّاق عن هارون بن خارجة قال: قال لي هارون بن سعد العجلي(1571): قد مات إسماعيل الّذي كنتم تمدُّون أعناقكم إليه وجعفر شيخ كبير يموت غداً أو بعد غد، فتبقون بلا إمام، فلم أدر ما أقول له، فأخبرت أبا عبد الله (عليه السلام) بمقالته، فقال: هيهات هيهات أبى الله والله أن ينقطع هذا الامر حتّى ينقطع الليل والنهار فإذا رأيته فقل له: هذا موسى ابن جعفر، يكبر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1569) في بعض النسخ (متتابعة).
(1570) في بعض النسخ (عليّ بن الحسين).
(1571) زيدي. (رجال ابن دادد).
ويزوِّجه فيولد له ولد فيكون خلفاً إن شاء الله.
فهذا أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) يحلف بالله أنَّه لا ينقطع هذا الامر حتّى ينقطع الليل والنهار، والفترات بين الرُّسل (عليهم السلام) كانت جائزة لأنّ الرُّسل مبعوثة بشرائع الملّة وتجديدها ونسخ بعضها بعضاً، وليس الأنبياء والائمّة (عليهم السلام) كذلك ولا لهم ذلك لأنّه لا ينسخ بهم شريعة ولا يجدِّد بهم ملة، وقد علمنا أنَّه كان بين نوح وإبراهيم، وبين إبراهيم وموسى، وبين موسى وعيسى، وبين عيسى ومحمّد (عليهم السلام) أنبياء وأوصياء كثيرون(1572) وإنّما كانوا مذكّرين لامر الله، مستحفظين مستودعين لمّا جعل الله تعالى عندهم من الوصايا والكتب والعلوم وما جاءت به الرُّسل عن الله (عزَّ وجلَّ) إلى أممهم، وكان لكلِّ نبي منهم مذكر عنه ووصيٌّ يؤدِّي ما استحفظه من علومه ووصاياه، فلمّا ختم الله (عزَّ وجلَّ) الرُّسل بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يجز أن يخلو الأرض من وصي هاد مذكّر يقوم بأمره ويؤدِّي عنه ما استودعه، حافظاً لمّا ائتمنه عليه من دين الله (عزَّ وجلَّ) فجعل الله (عزَّ وجلَّ) ذلك سبباً لامامة منسوقة منظومة متّصلة ما اتّصل أمر الله (عزَّ وجلَّ) لأنّه لا يجوز أن تندرس آثار الأنبياء والرسل وأعلام محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وملته وشرائعه وفرائضه وسننه وأحكامه أو تنسخ أو تعفى(1573) عليها آثار رسول آخر وشرائعه إذ لا رسول بعده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا نبيُّ.
والامام ليس برسول ولا نبيٍّ ولا داع إلى شريعة ولا ملّة غير شريعة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وملّته، فلا يجوز أن يكون بين الامام والامام الّذي بعده فترة، فالفترات جائزة بين الرُّسل (عليهم السلام) وفي الامامة غير جائزة، فلذلك وجب أنَّه لابدّ من إمام محجوج به.
ولا بدَّ أيضاً أن يكون بين الرَّسول والرَّسول - وإن كان بينهما فترة - إمامٌ وصيٌّ يلزم الخلق حجّته ويؤدِّي عن الرُّسل ما جاؤوا به عن الله تعالى، وينبّه عباده على ما أغفلوا، ويبيّن لهم ما جهلوا، ليعلموا أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لم يتركهم سدّى ولم يضرب عنهم الذّكر صفحاً، ولم يدعهم من دينهم في شبهة، ولا من فرائضه الّتي وظفّها عليهم في حيرة، والنبوَّة والرِّسالة سنّة من الله جلَّ جلاله، والامامة فريضة، والسنن تنقطع ويجوز تركها في حالات،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1572) في بعض النسخ (يكثر عددهم).
(1573) كذا في جميع النسخ ولعله (تقفي عليها).
والفرائض لا تزول ولا تنقطع بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأجل الفرائض وأعظمها خطراً الامامة الّتي تؤدَّى بها الفرائض والسنن، وبها كمل الدِّين وتمت النعمة، فالائمة من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأنّه لا نبيَّ بعده، ليحملوا العباد على محجّة دينهم، ويلزموهم سبيل نجاتهم ويجنّبوهم موارد هلكتهم، ويبيّنوا لهم من فرائض الله (عزَّ وجلَّ) ما شذَّ عن أفهامهم ويهدوهم بكتاب الله (عزَّ وجلَّ) إلى مراشد، امورهم، فيكون الدِّين بهم محفوظاً لا تعترض فيه الشبهة، وفرائض الله (عزَّ وجلَّ) بهم مؤدَّاة لا يدخلها باطل، وأحكام الله ماضية لا يلحقها تبديل ولا يزيلها تغيير.
فالرِّسالة والنبوَّة سنن، ولامامة فرض وفرائض الله (عزَّ وجلَّ) الجارية علينا بمحمّد لازمة لنا، ثابتة لا تنقطع ولا تتغيّر إلى يوم القيامة مع أنّا لا ندفع الأخبار الّتي رويت أنَّه كان بين عيسى ومحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فترة لم يكن فيها نبي ولا وصي ولا ننكرها ونقول: أنّها أخبار صحيحة ولكنَّ تأويلها غير ما ذهب إليه مخالفونا من انقطاع الأنبياء والائمّة والرسل (عليهم السلام).
وإنّما معنى الفترة أنَّه لم يكن بينهما رسولٌ، ولا نبيٌّ. ولا وصيٌّ ظاهر مشهورٌ كمن كان قبله، وعلى ذلك دلَّ الكتاب المنزل أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) بعث محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على حين فترة من الرُّسل، لا من الأنبياء والاوصياء، ولكن قد كان بينه وبين عيسى (عليهما السلام) أنبياء وأئمّة مستورون خائفون، منهم خالد بن سنان العبسيُّ نبيٌّ لا يدفعه دافع ولا ينكره منكر لتواطيء الأخبار بذلك عن الخاصِّ والعامِّ وشهرته عندهم، وأنَّ ابنته أدركت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودخلت عليه فقال النبيُّ: هذه ابنة نبي ضيعه قومه خالد بن سنان العبسي، وكان بين مبعثه ومبعث نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خمسون سنّة، وهو خالد بن سنان بن بعيث(1574) بن مريطة بن مخزوم ابن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس حدّثني بذلك جماعة من أهل الفقه والعلم:
3 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد بن الوليد الخزَّاز، والسندي بن محمّد البزَّاز جميعاً، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان الاحمر،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1574) في بعض النسخ (لعيث). وفي المعارف لابن قتيبة (أتت ابنته رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فسمعته يقرأ (قل هو الله أحد) فقالت: كان أبي يقول هذا.
عن بشير النبّال، عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق (عليهما السلام) قالا: جاءت ابنة خالد بن سنان العبسيِّ إلى رسول الله و(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال لها: مرحباً يا ابنة أخي وصافحها وأدناها وبسط لها رداءه، ثمّ أجلسها إلى جنبه، ثمَّ قال: هذه ابنة نبيٍّ ضيّعة قومه خالد بن سنان العبسيّ.
وكان اسمها محياة ابنة خالد بن سنان.
وبعد فلو لا الكتاب المنزل وما أخبرنا الله تعالى به على لسان نبيّنا المرسل (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وما اجتمعت عليه الاُمّة من النقل عنه (عليه السلام) في الخبر الموافق للكتاب أنَّه لا نبيَّ بعده لكان الواجب اللّازم في الحكمة أن لا يجوز أن يخلو العباد من رسول منذر ما دام التكليف لازماً لهم، وأن تكون الرُّسل متواترة إليهم على ما قال الله (عزَّ وجلَّ): (ثمّ أرسلنا رسلنا تترا كلّما جاء اُمّة رسولها كذَّبوه فأتبعنا بعضهم بعضاً)(1575) ولقوله (عزَّ وجلَّ): (لئلّا يكون للنّاس على الله حجّة بعد الرُّسل)(1576) لأنّ علتهم لا تنزاح إلّا بذلك كما حكى تبارك وتعالى عنهم في قوله (عزَّ وجلَّ) (لو لا أرسلت إلينا رسولاً فنتّبع آياتك من قبل أن نذلَّ ونخزى)(1577).
فكان من احتجاج الله (عزَّ وجلَّ) في جواب ذلك أن قال: (قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبيّنات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين)(1578) فعلل العباد مع التكليف لا تنزاح(1579) إلّا برسول منذر مبعوث إليهم ليقيم أودهم ويخبرهم بمصالح أمورهم ديناً ودنياً، وينصف مظلومهم من ظالمهم، ويأخذ حقَّ ضعيفهم من قوّيهم، وحجّة الله (عزَّ وجلَّ) لا تلزمهم إلّا بذلك.
فلمّا أخبرنا (عزَّ وجلَّ) أنَّه قد ختم أنبياءه ورسله بمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سلذمنا لذلك وأيّقنا أنَّه لا رسول بعده، وأنّه لابدّ لنا ممّن يقوم مقامه وتلزمنا حجّة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1575) المؤمنون: 44.
(1576) النساء: 164.
(1577) طه: 134.
(1578) آل عمران: 183.
(1579) أي لا تبعد ولا تزول.
الله به، وتنزاح به علتنا لأنّ الله (عزَّ وجلَّ) قال في كتابه لرسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّما أنت منذر ولكل قوم هاد)(1580) ولأنَّ الحاجة منّا إلى ذلك دائمة فينا ثابتة إلى انقضاء الدُّنيا وزوال التكليف والأمر والنهي عنا فإنَّ ذلك الهادي لا يكون مثل حالنا في الحاجة إلى من يقوِّمه ويؤدِّبه ويهديه إلى الحقِّ، ولا يحتاج إلى مخلوق منا في شيء من علم الشريعة ومصالح الدِّين والدنيا، بل مقوِّمه وهاديه الله (عزَّ وجلَّ) بما يلهمه كما ألهم اُمّ موسى (عليه السلام)، وهداها إلى ما كان فيه نجاتها ونجاة موسى (عليه السلام) من فرعون وقومه.
فعلم الامام (عليه السلام) كلّه من الله (عزَّ وجلَّ) ومن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فبذلك يكون عالما بما في الكتاب المنزل وتنزيله وتفسيره وتأويله ومعانيه وناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وحلاله وحرامه، وأوامره وزواجره، ووعده ووعيده، وأمثاله وقصصه، لا برأي وقياس. كما قال الله (عزَّ وجلَّ): (ولو ردُّوه إلى الرَّسول وإلى أولي الامر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم)(1581).
والدَّليل على ذلك ما اجتمعت الاُمّة على نقله من قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا كتاب الله (عزَّ وجلَّ) وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علىَّ الحوض).
وبقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (الائمّة من أهل بيتي، لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم) فأعلمنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال إنَّه مخلّف فينا من يقوم مقامه في هدايتنا وفي معرفته علم الكتاب وإنَّ الاُمّة ستفارقهما إلّا من عصمه الله جلَّ جلاله بلزومهما فأنقذه باتباعهما من الضّلالة والرَّدى ضمانا منه صحيحا يؤديه عن الله (عزَّ وجلَّ) إذ لم يكن (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من المتكلفين، ولم يتبع إلّا ما يوحى إليه أن من تمسك بهما لن يضل، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض.
وبقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنَّ امته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة منها فرقة ناجية واثنتين وسبعين فرقة في النّار.
فقد أخرج (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من تمسّك بالكتاب والعترة من الفرق الهالكة وجعله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الناجية بما قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنَّه من تمسك بهما لن يضل.
وبقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنَّ في اُمّته من يمرق من الدِّين كما يمرق السهم من الرَّمية والمارق من الدِّين قد فارق الكتاب والعترة، فقد دلّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما أعلمنا أنَّ فيما خلّفه فينا غنى عن إرسال الله (عزَّ وجلَّ) الرُّسل إلينا وقطعا لعذرنا وحجّتنا، ووجدنا الاُمّة بعد نبيها و(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد كثر اختلافها في القرآن وتنزيله وسوره وآياته وفي قراءته ومعانيه وتفسيره وتأويله، وكل منهم يحتجُّ لمذهبه بآيات منه فعلمنا أنَّ الّذي يعلم من القرآن ما يحتاج إليه هو الّذي قرنه الله تبارك وتعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالكتاب الّذي لا يفارقه إلى يوم القيامة.
ومع هذا فإنّه لابدّ أن يكون مع هذا الهادي المقرون بالكتاب حجّة ودلالة يبيّن بهما من الخلق المحجوجين به المحتاجين إليه، ويكون بهما في صفاته وعلمه وثباته خارجاً عن صفاتهم غنيّاً بما عنده عنهم، تثبت بذلك معرفتهم عند الخلق، دلالة معجزة، وحجّة لازمة يضطر المحجوجين به إلى الاقرار بإمامته لكي يتبيّن المؤمن المحقُّ [بذلك] من الكافر المبطل المعاند الملبّس على النّاس بالأكاذيب والمخاريق وزخرف القول، وصنوف التأويلات للكتاب والأخبار، لأنّ المعاند لا يقبل البرهان.
فان احتجَّ محتجٌّ من أهل الالحاد والعناد بالكتاب وأنّه الحجّة الّتي يستغنى بها عن الأئمّة الهداة لأنّ فيه تبياناً لكلِّ شيء، ولقول الله (عزَّ وجلَّ): (ما فرَّطنا في الكتاب من شيء)(1582).
قلنا له: أمّا الكتاب فهو على ما وصفت، (فيه تبيان كلِّ بشيء) منه منصوص مبيّن، ومنه ما هو مختلف فيه، فلابدّ لنا من مبيّن يبيّن لنا ما قد اختلفنا فيه إذ لا يجوز فيه الاختلاف لقوله (عزَّ وجلَّ): (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)(1583). ولا بدّ للمكلّفين من مبيّن يبيّن ببراهين واضحة تبهر العقول وتلزم بها الحجّة، كما لم يكن فيما مضى بد من مبين لكل امة ما اختلف فيه من كتابها بعد نبيّها، ولم يكن ذلك لاستغناء أهل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوراة بالتوراة وأهل الزَّبور بالزَّبور وأهل الانجيل بالانجيل. وقد أخبرنا الله (عزَّ وجلَّ) عن هذه الكتب أنَّ فيها هدى ونوراً يحكم بها النبيّون، وأن فيها حكم ما يحتاجون إليه.
ولكنّه (عزَّ وجلَّ) لم يكلهم إلى علمهم بما فيها، وواتر الرُّسل إليهم، وأقام لكلِّ رسول علماً ووصياً وحجّة على أمّته، أمرهم بطاعته والقبول منه إلى ظهور النبيِّ الاخر لئلّا تكون لهم عليه حجّة، وجعل أوصياء الأنبياء حكّاماً بما في كتبه، فقال تعالى: (يحكم بها النبيّون الّذين أسلموا للذين هادوا والربّانيّون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء)(1584).
ثمّ أنَّه (عزَّ وجلَّ) قطع عنّا بعد نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الرُّسل (عليهم السلام) وجعل لنا هداة من أهل بيته وعترته يهدوننا إلى الحقِّ، ويجلون عنّا العمى، وينفون الاختلاف والفرقة، معصومين قد أمنّا منهم الخطأ والزَّلل، وقرن بهم الكتاب، وأمرنا بالتمسّك بهما، وأعلمنا على لسان نبيّه (عليه السلام) أنّا لا نضل ما إن تمسكنا بهما، ولو لا ذلك ما كانت الحكمة توجب إلّا بعثة الرُّسل (عليهم السلام) إلى انقطاع التكليف عنا، وبين الله (عزَّ وجلَّ) ذلك في قوله لنبيّه: (إنّما أنت منذر ولكلِّ قوم هاد) فللّه الحجّة البالغة علينا بذلك.
والرُّسل والأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم لم تخل الأرض منهم، وقد كانت لهم فترات من خوف وأسباب لا يظهرون فيها دعوةً، ولا يبدون أمرهم إلّا لمن أمنوه، حتّى بعث الله (عزَّ وجلَّ) محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فكان آخر أوصياء عيسى (عليه السلام) رجلٌ يقال له (آبي) وكان يقال له: (بالط) أيضاٌ
4 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن عيسى؛ ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، ويعقوب بن يزيد الكاتب؛ وأحمد بن الحسن بن عليِّ بن فضال، بن عبد الله بن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الّذي تناهت إليه وصية عيسى بن مريم (عليه السلام) رجل يقال له: (آبي).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1584) المائدة: 44.
5 - وحدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار؛ وسعد بن عبد الله جميعاً، عن يعقوب بن يزيد الكاتب، عن محمّد ابن أبي عمير، عمّن حدَّثه من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان آخر أوصياء عيسى (عليه السلام) رجلٌ يقال له: (بالط)(1585).
6 - وحدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا الهيثم بن أبي مسروق النهديُّ، ومحمّد بن عبد الجبّار، عن إسماعيل ابن سهل، وعن محمّد بن أبي عمير، عن درست بن أبي منصور الواسطيِّ، وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان سلمان الفارسيُّ رحمه الله قد أتى غير واحد من العلماء، وكان آخر من أتى آبي(1586)، فمكث عنده ما شاء الله، فلمّا ظهر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال آبي: يا سلمان أنَّ صاحبك الّذي تطلبه بمكة قد ظهر، فتوجّه إليه سلمان رحمة الله عليه.
7 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدَّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا جماعة من أصحابنا الكوفييّن، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن اُميّة ابن عليٍّ القيسيِّ قال: حدّثني درست بن أبي منصور الواسطيُّ أنَّه سأل أبا الحسن الاوَّل يعني موسى بن جعفر (عليهما السلام) أكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) محجوجاً بآبي؟ قال: لا ولكنّه كان مستودعاً لوصاياه فسلّمها إليه (عليه السلام) قال: قلت: فدفعها إليه على أنَّه كان محجوجاً به؟ فقال: لو كان محجوجاً به لمّا دفع إليه الوصايا، قلت: فما كان حال آبي؟ قال: أقرُّ بالنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبما جاء به ودفع إليه الوصايا ومات آبي من يومه.
فقد دلَّ ذلك على أنَّ الفترة هي الاختفاء والسرِّ والامتناع من الظهور وإعلان الدَّعوة لا ذهاب شخص، وارتفاع عين الذَّات والانّيّة(1587) وقد قال الله (عزَّ وجلَّ) في قصّة الملائكة (عليهم السلام): (يسبّحون اللّيل والنهار لا يفترون)(1588) فلو كان الفتور ذهاباً عن الشيء وذاته لكانت الآية محالاً لأنّ الملائكة ينامنون والنائم في غاية الفتور، والنائم لا يسبّح لأنّه إذا نام فتر عن التسبيح والنوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1585) قال المصنف ص 166: (قد ذكر قوم أنَّ (آبى) هو أبو طالب. وإنّما اشتبه الامر به لأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن آخر اوصياء عيسى (عليه السلام) فقال: (آبى) فصحفه النّاس وقالوا: (آبى) وأقول: (آبى) بمد الهمزة وامالة الباء من ألقاب علماء النصارى).
(1586) كذا. ولعل النكتة في عدم النصب حفظ صورة الكلمة لئلّا يشتبه بأبي.
(1587) في بعض النسخ (الاينية).
(1588) الأنبياء: 20.
بمنزلة الموت لأنّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (الله يتوفّى الانفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها)(1589)، ويقول عزّ وجلّ: (وهو الّذي يتوفّيكم باللّيل ويعلم ما جرحتم بالنهار)(1590) والنائم فاتر بمنزلة الميّت، والّذي لا ينام ولا تأخذه سنّة ولا نوم ولا يدركه فتور هو الله الّذي لا إله إلّا هو، والخبر دليل على ذلك.
8 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن موسى الورَّاق، عن يونس بن عبد الرَّحمن، عن داود بن فرقد العطّار قال: قال لي بعض أصحابنا أخبرني عن الملائكة أينامون؟ قلت: لا أدري، فقال: يقول الله (عزَّ وجلَّ): (يسبّحون اللّيل والنهار لا يفترون)، ثمّ قال: ألا أطرفك عن أبي عبد الله (عليه السلام) فيه بشيء؟ [قال:] فقلت: بلى، فقال: سئل عن ذلك فقال: ما من حيٍّ إلّا وهو ينام ما خلا الله وحده (عزَّ وجلَّ)، والملائكة ينامون. فقلت: يقول الله (عزَّ وجلَّ): (يسبّحون اللّيل والنهار لا يفترون) فقال: أنفاسهم تسبيح.
فالفترة إنّما هي الكفُّ عن إظهار الامر والنهي.
واللغة تدلُّ على ذلك، يقال: فتر فلان عن طلب فلان، وفتر عن مطالبته، وفتر عن حاجته وإنّما ذلك تراخ عنه وكفٌّ لا بطلان الشخص والعين، ومنه قول الرَّجل: أصابتني فترة، أي ضعف.
وقد احتجَّ قوم بقول الله (عزَّ وجلَّ) لنبيه: (لتنذر قوماً ما أتيهم من نذير من قبلك)(1591) وقول الله (عزَّ وجلَّ): (وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير)(1592) فجعلوا هذا دليلاً على أنَّه لم يكن بين عيسى (عليه السلام) وبين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نبيٌّ ولا رسولٌ ولا حجّة. وهذا تأويل بين الخطأ لأنّ النذر إنّما هم الرُّسل خاصّة دون الأنبياء والاوصياء، لأنّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1589) الزمر: 42.
(1590) الانعام: 60. وجرح واجترح أي اكتسب.
(1591) السجدة: 3.
(1592) سبأ: 44.
لمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّما أنت منذر ولكلِّ قوم هاد).
فالنذرهم الرُّسل، والأنبياء والأوصياء هداة، وفي قوله (عزَّ وجلَّ) (ولكلِّ قوم هاد) دليلٌ على أنَّه لم تخل الأرض من هداة في كلِّ قوم وكلِّ عصر تلزم العباد الحجّة لله (عزَّ وجلَّ) بهم من الأنبياء والاوصياء.
فالهداة من الأنبياء والاوصياء لا يجوز انقطاعهم ما دام التكليف من الله (عزَّ وجلَّ) لازماً للعباد، لأنّهم يؤدُّون عن النذر، وجائز أن تنقطع النذر، كما انقطعت بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلا نذير بعده.
9 - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد - الله قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب؛ ويعقوب بن يزيد جميعاً، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن محمّد بن مسلم قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام)(1593): في قول الله (عزَّ وجلَّ): (إنّما أنت منذر ولكلِّ قوم هاد) فقال: كلُّ إمام هاد لكل قوم في زمانهم.
10 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة، عن بريد بن معاوية العجليِّ قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): ما معنى (إنّما أنت منذر ولكل قوم هاد) فقال: المنذر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعليٌّ الهاديُّ، وفي كلّ وقت وزمان إمام منّا يهديهم إلى ما جاء به رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
والأخبار في هذا المعنى كثيرة وإنّما قال الله (عزَّ وجلَّ) لرسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك) أي ما جاءهم رسول قلبك بتبديل شريعة ولا تغيير ملة(1594) ولم ينف عنهم الهداة والدعاة من الاوصياء(1595)، وكيف يكون ذلك وهو (عزَّ وجلَّ) يحكي عنهم في قوله: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذيرٌ ليكونن أهدى من إحدى الامم فلمّا جاءهم نذير ما زادهم إلّا نفوراً)(1596). فهذا يدلُّ على أنَّه قد كان هناك هاد يدلّهم على شرائع دينهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1593) في بعض النسخ (لابي جعفر (عليه السلام)).
(1594) في بعض النسخ (ولا نسخ ملة).
(1595) في بعض النسخ (ولم ينف عنهم الهداية ولا عن الاوصياء).
(1596) فاطر: 41.
لأنّهم قالوا ذلك قبل أن يبعث محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(1597).
وممّا يدلُّ على ذلك الأخبار الّتي ذكرناها في هذا المعنى في هذا الكتاب ولا قوَّة إلّا بالله.
11 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ قال: حدّثنا الحسن بن ظريف، عن صالح بن أبي حمّاد، عن محمّد بن إسماعيل، عن أبي الحسن الرِّضا (عليه السلام) قال: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية فقلت له: كلُّ من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية؟ قال: نعم، والواقف كافر، والناصب مشركٌ.
12 - أخبرني عليُّ بن حاتم فيما كتب إليَّ قال: حدّثنا حميد بن زياد، عن الحسن بن عليّ بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثميِّ، عن سماعة وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نزلت هذه الآية في القائم (عليه السلام): (ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون)(1598).
13 - وبهذا الاسناد، عن أحمد بن الحسن الميثميِّ، عن الحسن بن محبوب، عن مؤمن الطاق، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ) (اعلموا أنَّ الله يحيي الأرض بعد موتها)(1599) قال: يحييها الله (عزَّ وجلَّ) بالقائم (عليه السلام) بعد موتها - بموتها كفر أهلها - والكافر ميت.
14 - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثنا عبد العزيز ابن يحيى الجلوديُّ البصريُّ قال: حدّثنا محمّد بن زكريّا الجوهريُّ قال: حدّثنا محمّد بن جعفر بن عمارة، عن أبيه، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: أفضل الكلام قول لا إله إلّا الله، وأفضل الخلق أوَّل من قال: لا إله إلّا الله، فقيل: يا رسول الله ومن أوَّل من قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1597) في بعض النسخ (قبل أن يكون محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(1598) الحديد: 16.
(1599) الحديد: 17.
لا إله إلّا الله؟ قال: أنا، وأنا نور بين يدي الله جلَّ جلاله أوحده وأسبّحه وأكبره وأقدِّسه وأمجّده، ويتلوني نور شاهد منّي، فقيل: يا رسول الله: ومن الشاهد منك؟ فقال: عليُّ بن أبي طالب أخي وصفيّي ووزيري وخليفي ووصيي، وإمام امّتي، وصاحب حوضي، وحامل لوائي، فقيل له: يا رسول الله فمن يتلوه؟ فقال: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ثمّ الأئمّة من ولد الحسين إلى يوم القيامة.
15 - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الحسن الكنانيِّ، عن جدِّه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أنزل على نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كتاباً قبل أن يأتيه الموت فقال: يا محمّد هذا [ال] كتاب وصيّتك إلى النجيب من أهلك، فقال: ومن النجيب من أهلي يا جبرئيل؟ فقال: عليّ بن أبي طالب وكان على الكتاب خواتيم من ذهب، فدفعه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى عليُّ (عليه السلام) وأمره أن يفك خاتماً ويعمل بما فيه، ففكَّ (عليه السلام) خاتماً وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى ابنه الحسن (عليه السلام)، ففكّ خاتماً وعمل بما فيه. ثمّ دفعه إلى الحسين (عليه السلام)، ففكّ خاتماً فوجد فيه أن اخرج بقومك إلى الشهادة ولا شهادة لهم إلّا معك واشر نفسك لله تعالى، ففعل. ثمّ دفعه إلى عليّ بن الحسين (عليهما السلام)، ففكَّ خاتماً فوجد فيه: اصمت والزم منزلك واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين، ففعل. ثمَّ دفعه إلى محمّد بن عليٍّ (عليهما السلام)، ففكَّ خاتماً فوجد فيه حدِّث النّاس وأفتهم ولا تخافنَّ إلّا الله (عزَّ وجلَّ) فإنّه لا سبيل لأحد عليك. ثمّ دفعه إليَّ ففضضت خاتما فوجدت فيه حدث النّاس وأفتهم وانشر علم أهل بيتك وصدِّق آبائك الصالحين ولا تخافن إلّا الله (عزَّ وجلَّ) وأنت في حرز وأمان، ففعلت. ثمَّ أدفعه إلى موسى بن جعفر، وكذلك يدفعه موسى إلى [الّذي] من بعده، ثمّ كذلك أبداً إلى يوم [قيام] المهديِّ (عليه السلام).
16 - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدّثنا عليُّ بن الحسين السعد آباديُّ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيِّ، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين
الحقِّ ليظهره على الدِّين كله ولو كره المشركون)(1600)، فقال: والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتّى يخرج القائم (عليه السلام) فإذا خرج القائم (عليه السلام) لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالامام إلّا كره خروجه حتّى أن لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله.
17 - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب؛ وأحمد بن محمّد بن عيسى جميعاً، عن محمّد ابن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر(1601) قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا خرج القائم (عليه السلام) من مكّة ينادي مناديه: إلّا لا يحملنَّ أحد [كم] طعاماً ولا شراباً، وحمل معه حجر موسى بن عمران (عليه السلام) وهو وقر بعير، فلا ينزل منزلاً إلّا انفجرت منه عيون فمن كان جائعا شبع، ومن كان ظمآناً روي، ورويت دوّابهم حتّى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة.
18 - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدَّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أوَّل من يبايع القائم (عليه السلام) جبرئيل ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه، ثمَّ يضع رجلاً على بيت الله الحرام ورجلاً على بيت المقدس ثمَّ ينادي بصوت طلق تسمعه الخلائق (أتى أمر الله فلا تستعجلوه)(1602).
19 - وبهذا الاسناد، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): سيأتي في مسجدكم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً - يعني مسجد مكّة - يعلم أهل مكّة أنَّه لم يلدهم آباؤهم ولا أجدادهم، عليهم السيوف مكتوب على كلِّ سيف(1603) كلمة تفتح ألف كلمة، فيبعث الله تبارك وتعالى ريحاً فتنادي بكلِّ واد؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1600) التوبة: 33.
(1601) قال العلامة في خلاصته في عنوانه في قسم الضعفاء: زياد بن المنذر أبو الجارود الهمدانيّ - بالدال المهملة - الخارقي - بالخاء المعجمة بعدها ألف وراء مهملة وقاف - الكوفى الاعمى التابعي، زيدي المذهب واليه تنسب الجارودية من الزّيديّة كان من اصحاب أبى جعفر (ع) روى عن الصادق (ع)، وتغير لمّا خرج زيد رضي الله عنه عن زيد وقال ابن الغضائري حديثه في أصحابنا أكثر منه في الزّيديّة، وأصحابنا يكرهون ما رواه محمّد بن سنان عنه ويعتمدون ما رواه محمّد بن بكر الارجني. وقال الكشي: زياد بن المنذر أبو الجارود الاعمى السرحوب - بالسين المهملة المضمومة والراء المهملة والباء المنقطة تحتها نقطة واحدة بعد الواو - مذموم ولا شبهة في ذمة وسمى سرحوباً باسم شيطان أعمى يسكن البحر، وكان أبو الجارود مكفوفاً أعمى أعمى القلب ثمّ روى الكشي في ذمه رويات تضمن بعضها كونها كذاباً كافراً.
(1602) النحل: 1.
(1603) في بعض النسخ (مكتوب عليها).
هذا المهديُّ، يقضي بقضاء داود وسليمان (عليهما السلام)، [و] لا يريد عليه بيّنة.
20 - وبهذا الاسناد، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا قام القائم (عليه السلام) لم يقم بين يديه أحدٌ من خلق الرَّّحمن إلّا عرفه صالح هو أم طالح؟ لأنَّ فيه آية للمتوسّمين وهي بسبيل مقيم.
21 - وبهذا الاسناد، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): دمان في الاسلام حلال من الله (عزَّ وجلَّ) لا يقضي فيهما أحد بحكم الله حتّى يبعث الله (عزَّ وجلَّ) القائم من أهل البيت (عليهم السلام)، فيحكم فيهما بحكم الله (عزَّ وجلَّ) لا يريد على ذلك بيّنة: الزاني المحصن يرجمه، ومانع الزكاة يضرب رقبته.
22 - وبهذا الاسناد، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) على ظهر النجف، فإذا استوى على ظهر النجف ركب فرساً أدهم أبلق بين عينيه شمراخ(1604) ثمَّ ينتفض به فرسه فلا يبقى أهل بلدة إلّا وهم يظنّون أنَّه معهم في بلادهم، فإذا نشر راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) انحطَّ إليه ثلاثة عشر ألف ملك وثلاثة عشر ملكاً كلّهم ينتظر القائم (عليه السلام)، وهم الّذين كانوا مع نوح (عليه السلام) في السفينة والّذين كانوا مع إبراهيم الخليل (عليه السلام) حيث القي في النّار، وكانوا مع عيسى (عليه السلام) حيث رفع، وأربعة آلاف مسوِّمين ومردفين، وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكاً(1605) يوم بدر، وأربعة آلاف ملك الّذين هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) فلم يؤذن لهم فصعدوا في الاستيذان وهبطوا وقد قتل الحسين (عليه السلام) فهم شُعثٌ غُبرٌ يبكون عند قبر الحسين (عليه السلام) إلى يوم القيامة، وما بين قبر الحسين (عليه السلام) إلى السّماء مختلف الملائكة.
23 - وبهذا الاسناد، عن أبان بن تغلب قال: حدَّثني أبو حمزة الثمالي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): كأنّي أنظر إلى القائم (عليه السلام) قد ظهر على نجف الكوفة فإذا ظهر على النجف نشر راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، [و] عمودها من عمد عرش الله تعالى، وسائرها من نصر الله (عزَّ وجلَّ)، ولا تهوى بها إلى أحد إلّا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهلكه الله تعالى، قال: قلت: أو تكون معه أو يؤتى بها؟ قال: بلي يؤتى بها، يأتية بها جبرئيل (عليه السلام).
24 - حدّثنا محمّد بن عليٍّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثنا عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله الكوفيِّ، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن المفضل ابن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لقد نزلت هذه الآية في المفتقدين من أصحاب القائم (عليه السلام) قوله (عزَّ وجلَّ): (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً) أنّهم ليفتقدون عن فرشهم ليلاً فيصبحون بمكة، وبعضهم يسير في السحاب يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه قال: قلت: جعلت فداك أيّهم أعظم إيماناً؟ قال: الّذي يسير في السحاب نهاراً.
25 - وبهذا الاسناد، عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كأنّي أنظر إلي القائم (عليه السلام) على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدَّة أهل بدر، وهم أصحاب الالوية وهم حكّام الله في أرضه على خلقه، حتّى يستخرج من قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب عهدٌ معهودٌ من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيجفلون عنه إجفال الغنم البكم، فلا يبقى منهم إلّا الوزير وأحد عشر نقيباً، كما بقوا مع موسى ابن عمران (عليه السلام) فيجولون في الأرض ولا يجدون عنه مذهباً فيرجعون إليه، والله إنّي لا عرف الكلام الّذي يقوله لهم فيكفرون به.
25 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسين ابن سعيد، عن محمّد بن جمهور، عن أحمد بن أبي هراسة، عن أبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حمّاد الانصاريِّ قال: حدّثنا عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كأني بأصحاب القائم (عليه السلام) وقد أحاطوا بما بين الخافقين فليس من شيء إلّا وهو مطيع لهم حتّى سباع الأرض وسباع الطير، يطلب رضاهم في كلِّ شيء، حتّى تفخر الأرض على الأرض وتقول: مرَّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم (عليه السلام).
26 - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه قال: حدّثنا الحسين بن محمّد ابن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن محمّد بن أبي
عمير، عن ابن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما كان قول لوط (عليه السلام) لقومه (لو أنَّ لي بكم قوَّة أو آوي إلى ركن شديد)(1606) إلّا تمنيّاً لقوّة القائم (عليه السلام) ولا ذكر إلّا شدة أصحابه وإنَّ الرَّجل منهم ليعطى قوَّة أربعين رجلاً، وإنَّ قلبه لأشدُّ من زبر الحديد، ولو مرُّوا بجبال الحديد لقلعوها، ولا يكفّون سيوفهم حتّى يرضى الله عزّ وجلّ.
27 - حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب عن عبد الله بن محمّد، عن منيع بن الحجّاج البصريِّ، عن مجاشع، عن معلّى، عن محمّد ابن الفيض، عن أبي جعفر قال: كانت عصى موسى لآدم (عليهما السلام) فصارت إلى شعيب، ثمَّ صارت إلى موسى بن عمران وإنّها لعندنا، وإنَّ عهدي بها آنفاً وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها، وإنّها لتنطق إذا استنطقت، اُعدَّت لقائمنا (عليه السلام) يصنع بها ما كان يصنع بها موسى [بن عمران (عليه السلام)]، وإنّها تصنع ما تؤمر، وإنّها حيث القيت تلقف ما يأفكون بلسانها(1607).
28 - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السرَّاج، عن بشر بن جعفر، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: أتدري ما كان قميص يوسف (عليه السلام)؟ قال: قلت: لا، قال: إنَّ ابراهيم (عليه السلام) لمّا أُوقدت له النّار أتاه جبرئيل (عليه السلام) بثوب من ثياب الجنّة فألبسه إيّاه، فلم يضرّه معها حر ولا برد، فلمّا حضر إبراهيم الموت جعله في تميمه(1608) وعلّقه على إسحاق وعلقه إسحاق على يعقوب فلمّا ولد يوسف علقه عليه وكان في عضده حتّى كان من أمره ما كان، فلمّا أخرجه يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب (عليه السلام) ريحه وهو قوله تعالي حكاية عنه: (إنّي لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون)(1609) فهو ذلك القميص الّذي اُنزل من الجنّة، قلت: جعلت فداك: فإلى من صار هذا القميص؟ قال: إلى أهله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1606) هود: 80.
(1607) رواه الكلينيُّ رحمه الله في الكافي ج 1 ص 232 بهذا السند وفيه اختلاف في آخره.
(1608) التميمة: عوذه تعلق على الانسان (الصحاح).
(1609) يوسف: 94.
وهو مع قائمنا إذا خرج، ثمَّ قال: كلُّ نبيٍّ ورث علماً أو غيره فقد انتهى إلى محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(1610).
29 - وبهذا الاسناد، عن المفضل بن عمر، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أنَّه إذا تناهت الأُمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى كلَّ منخفض من الأرض، وخفض له كلَّ مرتفع منها حتّى تكون الدُّنيا عنده بمنزلة راحته، فأيّكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها.
30 - حدّثنا جعفر بن محمّد بن محمّد بن مسرور قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن المعلّي بن محمّد البصريِّ، عن الحسن بن عليِّ الوشّاء، عن مثنّى الحنّاط، عن قتيبة الاعشى، عن ابن أبي يعفور، عن مولى لبني شيبان، عن أبي جعفر [الباقر] (عليه السلام) قال: إذا قام قائمنا (عليه السلام) وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت بها أحلامهم(1611).
31 - حدَّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنه قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب قال: حدّثنا أبو محمّد القاسم بن العلاء قال: حدّثني القاسم بن مسلم، عن أخيه عبد العزيز ابن مسلم ح وحدّثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيُّ رضي الله عنه قال: حدّثنا أبو أحمد القاسم بن محمّد بن عليٍّ المروزيُّ(1612) قال: حدّثنا أبو حامد(1613) عمران ابن موسى بن إبراهيم، عن الحسن بن القاسم الرقام قال: حدّثني القاسم بن مسلم، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم(1614) قال: كنّا في أيّام عليّ بن موسى الرِّضا (عليه السلام)(1615) بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة من بدء مقدمنا فأداروا أمر الامامة وذكروا كثرة اختلاف النّاس فيها، فدخلت على سيّدي (عليه السلام) فأعلمته خوضان النّاس فتبسّم (عليه السلام) ثمّ قال: يا عبد العزيز بن مسلم جهل القوم وخدعوا عن أديانهم، أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لم يقبض نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتّى أكمل له الدِّين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كلّ شيء، بين فيه الحلال والحرام، والحدود والاحكام، وجميع ما يحتاج إليه النّاس كملا فقال (عزَّ وجلَّ): (ما فرَّطنا في الكتاب من شيء)(1616) وأنزل في حجّة الوداع وهي آخر عمره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (اليوم أكملت لكم دينكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1610) رواه الكلينيُّ بهذا السند في الكافي ج 1 ص 232.
(1611) أي زاد الله في دماغهم فأكمل شعورهم وفكرهم بقدرته الكاملة والخبر رواه الكلينيُّ (ره) ج 1 ص 25 من الكافي.
(1612) في العيون (أبو أحمد القاسم بن محمّد بن على الهروي).
(1613) في بعض النسخ (أبو ماجد).
(1614) هو وأخوه مجهولان لا يعرفان ولا يذكران إلّا في طريق هذه الرواية. ويعرف منها مرتبتهما في التشيّع سيما عبد العزيز.
(1615) في بعض النسخ (كنا مع الرِّضا (عليه السلام)).
(1616) الانعام: 38.
وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)(1617) فأمر الامامة من تمام الدِّين، ولم يمض (عليه السلام) حتّى بين لاُمّته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم على قصد الحقِّ، وأقام لهم عليّاً (عليه السلام) علماً وإماماً، وما ترك شيئاً تحتاج إليه الاُمّة إلّا بينه، فمن زعم أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) لم يكمل دينه فقد ردَّ كتاب الله العزيز ومن رد كتاب الله [عزّ وجلّ] فهو كافر، هل تعرفون قدر الامامة ومحلّها من الاُمّة فيجوز فيها اختيارهم؟
إنَّ الامامة أجلُّ قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً، وأبعد غوراً من أن يبلغها النّاس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم، إنَّ الامامة خصَّ الله (عزَّ وجلَّ) بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوَّة والخلّة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرَّفه بها وأشاد بها ذكره(1618) فقال (عزَّ وجلَّ): (إنّي جاعلك للنّاس إماماً)(1619) فقال الخليل (عليه السلام) سروراً بها: ومن ذرّيّتي؟ قال الله تبارك وتعالى: (لا ينال عهدي الظالمين) فأبطلت هذه الآية إمامة كلِّ ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة، ثمّ أكرمها الله (عزَّ وجلَّ) بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة، فقال (عزَّ وجلَّ): (ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة وكلّاً جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا واوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلوة وإيتاء الزكوة وكانوا لنا عابدين)(1620).
فلم يزل في ذرّيّته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتّى ورثها النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال الله (عزَّ وجلَّ): (أنَّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النبيُّ والّذين آمنوا والله ولي المؤمنين)(1621)، فكانت له خاصّة فقلّدها (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليّاً (عليه السلام) بأمر الله (عزَّ وجلَّ) على رسم ما فرضها الله (عزَّ وجلَّ) فصارت في ذريته الاصفياء الّذين آتاهم الله العلم والايمان لقوله (عزَّ وجلَّ): (وقال الّذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث [ولكنّكم كنتم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1617) المائدة: 5.
(1618) الاشادة: رفع الصوت بالشيء.
(1619) البقرة: 124.
(1620) الأنبياء: 73 و74.
(1621) آل عمران 68.
لا تعلمون](1622) فهي في ولد عليٍّ (عليه السلام) خاصّة إلى يوم القيامة إذ لا نبيِّ بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فمن أين يختار هؤلاء الجهّال.
إنَّ الامامة هي منزلة الأنبياء وإرث الاوصياء، إنَّ الامامة خلافة الله تعالى وخلافة الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومقام أمير المؤمنين، وميراث الحسن والحسين (عليهم السلام).
إنَّ الامامة زمام الدِّين، ونظام المسلمين، وصلاح الدُّنيا وعز المؤمنين، أنَّ الامامة اُسُّ الاسلام النامي، وفرعه السامي، بالامام تمام الصلاة والزَّكاة والصيام والحجِّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والاحكام، ومنع الثغور والاطراف.
الامام: يحلُّ حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذبُّ عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة، الامام كالشمس الطالعة للعالم وهي في الافق بحيث لا تنالها الايدي والابصار.
الامام: البدر المنير، والسراج الزَّاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدُّجى(1623)، والبلد القفار(1624)، ولجج البحار.
الامام: الماء العذب على الظماء، والدّالُّ على الهدى، والمنجي من الرَّدى الامام: النّار على اليفاع، الحارُّ لمن اصطلى به(1625) والدَّليل في لمهالك(1626) من فارقة فهالك.
الامام: السحاب الماطر، والغيث الهاطل(1627)، والشمس المضيئة، والسماء الظليلة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة. والغدير والرَّوضة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1622) الروم: 56.
(1623) الغيهب: الظلمة وشدة السواد والدجى: الظلام.
(1624) القفر من الأرض: المفازة التي لا ماء فيها ولا نبات. وفى الكافي (اجواز البلدان والقفار. وفى العيون (البيد القفار) والبيداء: الفلاة.
(1625) اليفاع: ما ارتفع من الارض.
(1626) في العيون (المسالك).
(1627) الهاطل المطر المتتابع المتفرق العظيم القطر.
الامام: الأمين الرَّفيق، الوالد الشفيق(1628)، والأخ الشقيق، ومفزع العباد في الداهية(1629).
الامام: أمين الله (عزَّ وجلَّ) في خلقه، وحجّته على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله (عزَّ وجلَّ)، والذابُّ عن حرم الله (عزَّ وجلَّ).
الامام: هو المطهّر من الذنوب، المبرَّأ من العيوب، مخصوصٌ بالعلم، موسوم بالحلم، نظام الدِّين، وعزُّ المسلمين وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين.
الامام: واحد دهره، لا يدانيه أحدٌ، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضّل الوهّاب، فمن ذا الّذي يبلغ معرفة الامام أو يمكنه اختياره، هيهات هيهات، ضلّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الالباب(1630) وحسرت العيون وتصاغرت العظماء، وتحيّرت الحكماء، وحصرت الخطباء، وتقاصرت الحلماء، وجهلت الألبّاء، وكلت الشعراء وعجزت الادباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله، فأقرَّت بالعجز [والتقصير]، وكيف يوصف أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمره، أو يقوم أحد مقامه، أو يغني غناه، لا وكيف وأنى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين، ووصف الواصفين.
فأين الاختيار من هذا، وأين العقول عن هذا، وأين يوجد مثل هذا؟ ظنّوا أنَّ ذلك يوجد في غير آل الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الباطل، فارتقوا مرتقاً صعباً دحضاً تذلُّ عنه إلى الحضيض أقدامهم، وراموا إقامة الامام بعقول حائرة ناقصة وآراء مضلة فلم يزدادوا منه إلّا بعدا، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
لقد راموا صعباً، وقالوا إفكاً، وضلّوا ضلالاً بعيداً، ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الامام عن بصيرة وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1628) في العيون (والوالد الرقيق).
(1629) الداهية: الامر العظيم.
(1630) الحلوم كالالباب: العقول وضلت وحارت متقاربة المعنى.
وكانوا مستبصرين رغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله إلى اختيارهم والقرآن يناديهم (وربّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عمّا يشركون)(1631). وقال (عزَّ وجلَّ): (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)(1632). وقال (عزَّ وجلَّ): (ما لكم كيف تحكمون * أم لكم كتاب فيه تدرسون * أنَّ لكم فيه لمّا تخيّرون * أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيمة إنَّ لكم لمّا تحكمون * سلهم أيّهم بذلك زعيم * أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين)(1633) وقال (عزَّ وجلَّ): (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)(1634) أم (طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون)(1635) أم (قالوا سمعنا وهم لا يسمعون * أنَّ شرَّ الدَّوابِّ عند الله الصمُّ البكم الّذين لا يعقلون * ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولّوا وهم معرضون)(1636) أم (قالوا سمعنا وعصينا)(1637) بل هو [ب] فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
فكيف لهم باختيار الامام، والامام عالمٌ لا يجهل، وراع لا ينكل(1638) معدن القدس والطهارة والنسك(1639) والزَّهادة، والعلم والعبادة مخصوصٌ بدعوة الرَّسول وهو نسل المطهّرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، ولا يدانية [دنس، له المنزلة الاعلى لا يبلغها] ذو حسب، في البيت من قريش، والذَّروة من هاشم، والعترة من آل الرَّسول، والرضى من الله (عزَّ وجلَّ)، شرف الاشراف، والفرع من آل عبد مناف، نامي العلم(1640)، كامل الحلم، مضطلع بالامامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله (عزَّ وجلَّ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1631) القصص: 68.
(1632) الاحزاب: 36.
(1633) القلم: 37 إلى 42.
(1634) محمّد: 24.
(1635) راجع سورة التوبة: 93.
(1636) الانفال: 21 إلى 23.
(1637) البقرة: 93.
(1638) (وراع لا ينكل) أي حافظ للأمة، وفي بعض النسخ (وداع) بالدال، و(لا ينكل) إي لا يضعف ولا يجبن.
(1639) في بعض النسخ (والسناء) والصواب ما في الصلب كما في الكافي والعيون.
(1640) في بعض النسخ (باقر العلم).
إنَّ الأنبياء والائمّة (عليهم السلام) يوفّقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمته ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله (عزَّ وجلَّ): (أفمن يهدي إلى الحقِّ أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلّا أن يهدىّ فما لكم كيف تحكمون)(1641) وقوله (عزَّ وجلَّ): (ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلّا أولوا الالباب)(1642). وقوله (عزَّ وجلَّ) في طالوت: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(1643). وقال لنبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (وكان فضل الله عليك عظيماً)(1644).
وقال (عزَّ وجلَّ) في الأئمّة من أهل بيته وعترته وذرّيّته(1645) صلوات الله عليهم أجمعين: (أم يحسدون النّاس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيماً * فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا)(1646).
إن العبد إذا اختاره الله تعالى لامور عباده يشرح لذلك صدره، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاماً، فلم يعي بعده بجواب، ولا يحير(1647) فيه عن الصواب، فهو معصومٌ مؤيّدٌ، موفّقٌ، مسدِّدٌ، قد أمن الخطأ والزَّلل والعثار، يخصّه الله تعالى بذلك لتكون حجّته البالغة على عباده، وشاهده على خلقه (وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).
فهل يقدرون على مثل هذا فيختاروه، أن يكون خيارهم بهذه الصفة فيقدَّموه، تعدُّوا - وبيت الله - الحقذ، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنّهم لا يعلمون، وفي كتاب الله الهدى والشفاء، فنبذوه واتبعوا أهواءهم فذمّهم الله ومقتهم وأتعسهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1641) يونس: 35.
(1642) البقرة: 269.
(1643) البقرة: 247.
(1644) النساء: 113.
(1645) في بعض النسخ (ووراثه).
(1646) النساء: 53 و54.
(1647) من أحار الجواب أي لا يرده. وفي العيون (ولا يحيد) أي لا يميل.
فقال (عزَّ وجلَّ): (ومن أضلُّ ممّن اتّبع هويه بغير هدى من الله إنَّ الله لا يهدي القوم الظالمين)(1648): وقال (عزَّ وجلَّ): (فتعساً لهم وأضلَّ أعمالهم)(1649) وقال: (كبر مقتاً عند الله وعند الّذين آمنوا كذلك يطبع الله على كلِّ قلب متكبّر جبّار)(1650).
هذا آخر الجزء الثاني من كتاب (كمال الدِّين وتمام النعمة) في إثبات الغيبة وكشف الحيرة تصنيف: الشيخ السعيد أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمّي قدَّس الله روحه ونور ضريحه وبه كمل الكتاب وتمَّ، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين وسلّم تسليماً كثيراً.
إلى هنا تم تصحيحنا هذا الكتاب وتعليقنا عليه وذلك في ليلة الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع المولود من شهور سنّة 1390 من الهجرة النبوية. وأنا الاقل خادم العلم والدين عليّ اكبر الغفاريَّ عفى عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1648) القصص: 50.
(1649) محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): والتعس - بالفتح -: الهلاك.
(1650) الغافر: 35.