مكيال المكارم في فوائد الدّعاء للقائم (عليه السلام) / الجزء الأول
تأليف: ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ت ١٣٤٨
تحقيق: السيد علي عاشور
الطبعة: الأولى/ ١٤٢١هـ
فهرس المطالب
ترجمة الميرزا محمد تقي الموسوي الأصفهاني
الكتب المصنفة حول الإمام المهدي (عليه السلام)
مقدمة المؤلف
سبب تأليف الكتاب: رؤية الإمام (عليه السلام) في المنام وأمره
في وجوب معرفته (عليه السلام)
في إثبات أن إمام زماننا هو المهدي ابن الزكي الحسن العسكري (عليهما السلام)
في نبذة من الأحاديث المتواترة الدالة على إمامته (عليه السلام) بالخصوص
في ذكر شيء يسير من معجزاته المتواترة وكراماته الباهرة
في نبذة من حقوقه علينا ومراحمه إلينا (عليه السلام)
في الجهات المجتمعة فيه (عليه السلام) الموجبة للدعاء له على الأنام
حرف الألف: إيمانه بالله (عليه السلام)
إغاثة الملهوفين منا
أمن السبل والبلاد بظهوره (عليه السلام)
إحياء دين الله وإعلاء كلمة الله
انتقامه من أعداء الله
إقامة حدود الله
اضطراره (عليه السلام)
حرف الباء: بذل المعروف
بعث الحجج: وهم العلماء لدلالة الناس وإصلاح أمورهم
بلاؤه (عليه السلام)
بركاته (عليه السلام)
حرف التاء: تأليف القلوب
تلطفه (عليه السلام) بنا
تحمله (عليه السلام) الأذى منا
ترك حقه (عليه السلام) لنا في الدنيا والآخرة
تشييع أمواتنا
تجديده الإسلام بعد اندراسه وانمحائه
تمام الأمر به (عليه السلام)
تعليمه الناس كتاب الله الكريم الذي جمعه أمير المؤمنين وسيد الوصيين (عليه السلام)
حرف الثاء: ثواب الأعمال الحسنة وقبولها بولايته (عليه السلام)
ثائر دم الحسين والشهداء معه صلوات الله عليهم
حرف الجيم: جماله (عليه السلام)
جريان رزقنا على يده (عليه السلام)
جهاده (عليه السلام)
جمع الكلم على التوحيد والإسلام
جمع أنصار الدين من الملائكة والجن وسائر المؤمنين
جمع العقول
حرف الحاء المهملة: حمايته (عليه السلام) للإسلام
حربه (عليه السلام) للمخالفين
حجه (عليه السلام)
حياة الأرض به (عليه السلام)
حياة جمع من أولياء الله بظهوره (عليه السلام)
حبه (عليه السلام) لنا
حكمه (عليه السلام) بالحق
حكمه بالباطن بمقتضى علمه صلوات الله عليه
حرف الخاء المعجمة: خلقه (عليه السلام)
خوفه (عليه السلام)
خلافته (عليه السلام) على المسلمين
خروجه (عليه السلام) بالسيف بعد ظهوره
حرف الدال المهملة: دعاؤه (عليه السلام) للمؤمنين
دعوته إلى الحق في زيارته (عليه السلام)
دفع البلاء عنا بوجوده (عليه السلام)
دفع البلاء والعذاب عن سائر الناس
ذب الأعداء عن المؤمنين في غيبته وحضوره (عليه السلام)
ذلة الأعداء بيده وبعد ظهوره (عليه السلام)
حرف الراء المهملة: رباطه (عليه السلام) في سبيل الله
راحة الخلائق بظهوره وفي دولته (عليه السلام)
حرف الزاي المعجمة: زحمته (عليه السلام) في دين الله
زهده (عليه السلام)
زيارته (عليه السلام) لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وسائر المعصومين
حرف السين المهملة: سيرته (عليه السلام)
سخاؤه (عليه السلام)
حرف الشين المعجمة: شجاعته (عليه السلام)
شفاعته (عليه السلام) لنا إن شاء الله تعالى
شهادته (عليه السلام) لنا
شرفه (عليه السلام)
حرف الصاد المهملة: صبره (عليه السلام)
حرف الضاد المعجمة: ضيافته (عليه السلام)
حرف الطاء المهملة: طهارة الأرض به (عليه السلام) من الجور
طلب حقوق الأئمة (عليهم السلام) والمؤمنين ودمائهم
حرف الظاء المعجمة: ظهور الحق على يده (عليه السلام)
ظفره (عليه السلام) على المعاندين
ظلم الأعداء له (عليه السلام)
ظهور كمالات الأئمة (عليهم السلام) وشؤونهم وأخلاقهم بوجوده وظهوره (عليه السلام)
حرف العين المهملة: علمه (عليه السلام)
توضيح
عزة الأولياء بظهوره (عليه السلام)
عذاب الأعداء
عدله (عليه السلام)
عطف الهوى على الهدى
عطاؤه (عليه السلام)
عزلته (عليه السلام) عن الناس
عبادته (عليه السلام)
حرف الغين المعجمة: غيبته (عليه السلام) عن الأبصار بحكم الخالق الجبار
وينبغي هنا التنبيه على أمور
غربته (عليه السلام)
غلبة المسلمين بظهوره (عليه السلام)
غنى المؤمنين ببركة ظهوره (عليه السلام)
حرف الفاء: فضله (عليه السلام) علينا
فصله (عليه السلام) بين الحق والباطل
فرج المؤمنين على يده (عليه السلام)
فتح مدائن الكفرة وبلادهم
فتح الجفر الأحمر لطلب ثأر الأئمة الغرر (عليهم السلام)
فرح المؤمنين بظهوره وقيامه (عليه السلام)
حرف القاف: قتل الكافرين بسيفه (عليه السلام)
قتل الشيطان الرجيم
قوة أبدان المؤمنين وقلوبهم وجوارحهم في زمان ظهوره وانتشار نوره (عليه السلام)
قضاء دين المؤمنين
قضاء حوائج المؤمنين
قضاؤه (عليه السلام) بالحق
قرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قسطه (عليه السلام)
قتل الدجال وهو رئيس أهل الضلال
حرف الكاف: كمالاته (عليه السلام)
باب شباهته بآدم (عليهما السلام)
باب شباهته بهابيل (عليهما السلام)
باب شباهته بشيث (عليهما السلام)
باب شباهته بنوح (عليهما السلام)
باب شباهته بإدريس (عليهما السلام)
باب شباهته بهود (عليهما السلام)
باب شباهته بصالح (عليهما السلام)
باب شباهته بإبراهيم (عليهما السلام)
باب شباهته بإسماعيل (عليهما السلام)
باب شباهته بإسحاق (عليهما السلام)
باب شباهته بلوط (عليهما السلام)
باب شباهته بيعقوب (عليهما السلام)
باب شباهته بيوسف (عليهما السلام)
شباهته بالخضر (عليهما السلام)
باب شباهته بإلياس النبي (عليهما السلام)
باب شباهته بذي القرنين (عليهما السلام)
باب شباهته بشعيب النبي (عليهما السلام)
باب شباهته بموسى (عليهما السلام)
تنبيه
باب شباهته بهارون (عليهما السلام)
باب شباهته بيوشع (عليهما السلام)
باب شباهته بحزقيل (عليهما السلام)
باب شباهته بداود (عليهما السلام)
باب شباهته بسليمان (عليهما السلام)
باب شباهته بآصف (عليهما السلام)
باب شباهته بدانيال (عليهما السلام)
باب شباهته بعزير (عليهما السلام)
باب شباهته بجرجيس (عليهما السلام)
باب شباهته بأيوب (عليهما السلام)
باب شباهته بيونس (عليهما السلام)
باب شباهته بزكريا (عليهما السلام)
باب شباهته بيحيى (عليهما السلام)
باب شباهته بعيسى (عليهما السلام)
باب شباهته بجده خاتم الأنبياء (عليهما السلام)
الفصل الثاني: في شباهته بالأئمة المعصومين (عليهم السلام)
الفصل الثالث: في جملة من شباهاته بجده إمام الخافقين مولانا الشهيد أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)
كرمه (عليه السلام)
كشف العلوم للمؤمنين بنحو لم يتحقق قبل ظهوره لأحد من النبيين والوصيين
كشف الضر عن المؤمنين بالدعاء لهم عموما كما مر وخصوصا في موارد أكثر من أن تحصى
حرف اللام: لواؤه (عليه السلام)
حرف الميم: مرابطته (عليه السلام)
معجزاته (عليه السلام)
محنته (عليه السلام)
مصائبه (عليه السلام) كثيرة
محبته (عليه السلام) للمؤمنين
حرف النون نفعه (عليه السلام)
نوره (عليه السلام)
في معنى النور
نعمه (عليه السلام)
نصره للإسلام ونهيه (عليه السلام) عن المنكر وأمره بالمعروف
نداؤه (عليه السلام) مستنصرا من الأنام من أعظم ما يبعث على الدعاء له عقلا وشرعا
نصيحته لله ولدين الله ولرسول الله (صلى الله عليه وآله) وللمؤمنين
حرف الواو: ولايته لله تعالى وولايتنا له، وولايته علينا من الأمور العظيمة الباعثة للدعاء له عقلا وشرعا
المقام الثاني
المقام الثالث
وصله (عليه السلام)
حرف الهاء: همه (عليه السلام)
هدم أبنية الكفر والشقاق والنفاق
هداية العباد
هجرانه (عليه السلام)
حرف الياء المثناة: يده (عليه السلام) علينا
يمنه (عليه السلام)
الأمر الأول
الأمر الثاني
الأمر الثالث
المكرمة الأولى
المكرمة الثانية
المكرمة الثالثة
المكرمة الرابعة
المكرمة الخامسة
المكرمة السادسة
المكرمة السابعة النجاة من فتن آخر الزمان والسلامة عن الورود في شبكة الشيطان
المكرمة الثامنة أنه أداء لبعض حقوقه العظيمة في الجملة
المكرمة التاسعة أنه تعظيم لله وتعظيم لدين الله وتعظيم لرسول الله (عليهم السلام)
المكرمة العاشرة دعاء مولانا صاحب الزمان في حق الداعي له بالفرج والنصر
المكرمة الحادية عشرة الفوز بشفاعته صلوات الله عليه في يوم القيامة
الأمر الأول في معنى الشفاعة المقصودة
الأمر الثاني: في إثبات الشفاعة المصطلحة
الأمر الثالث: في ذكر بعض الشفعاء يوم القيامة
الأمر الرابع: في ذكر من يستحق الشفاعة
وههنا فوائد ينبغي التنبيه عليها
الأمر الخامس في كون الدعاء لمولانا صاحب الزمان وبتعجيل فرجه سببا للفوز بشفاعته
المكرمة الثانية عشرة الفوز بشفاعة خير البشر وصاحب الشفاعة الكبرى في المحشر
المكرمة الثالثة عشرة أنه وسيلة إلى الله (عزَّ وجلَّ)
المكرمة الرابعة عشرة استجابة الدعاء
المكرمة الخامسة عشرة أنه أداء أجر نبوة النبي (صلى الله عليه وآله) في الجملة
أما المقدمة الأولى
المقدمة الثانية
المقدمة الثالثة
المقدمة الرابعة
المقدمة الخامسة
المقدمة السادسة في بيان معنى المودة وأقسامها
المكرمة السادسة عشرة والسابعة عشرة دفع البلاء وسعة الرزق
المكرمة الثامنة عشرة غفران الذنوب
المكرمة التاسعة عشرة الفوز بشرف لقائه في اليقظة أو المنام
تنبيه فيه تشويق
المكرمة المتممة للعشرين
المكرمة الحادية والعشرون أن الداعي لذلك الأمر العلي يصير من إخوان النبي (صلى الله عليه وآله)
المكرمة الثانية والعشرون
تنبيه
المكرمة الثالثة والعشرون
تنبيه
المكرمة الرابعة والعشرون
المكرمة الخامسة والعشرون
المكرمة السادسة والعشرون ما يترتب على رعاية الأمانة
الأمر الأول
تذنيب
الأمر الثاني
الأمر الثالث
الأمر الرابع
المكرمة السابعة والعشرون
المكرمة الثامنة والعشرون
الموضع الثالث: في بيان كون الدعاء صلة وإحسانا
المكرمة التاسعة والعشرون
المكملة للثلاثين
المكرمة الحادية والثلاثون
المكرمة الثانية والثلاثون
المكرمة الثالثة والثلاثون
المكرمة الرابعة والثلاثون
المكرمة الخامسة والثلاثون
المكرمة السادسة والثلاثون
المكرمة السابعة والثلاثون
المكرمة الثامنة والثلاثون
المكرمة التاسعة والثلاثون
المتممة أربعين دخول الجنة بضمانة النبي (صلى الله عليه وآله)
الحادية والأربعون
المكرمة الثانية والأربعون غفران الذنوب وتبديل السيئات بالحسنات
الثالثة والأربعون
المكرمة الرابعة والأربعون
الخامسة والأربعون الفوز بثواب إعانة المظلوم ونصره
المكرمة السادسة والأربعون
المقام الثاني: في بيان معنى التواضع
تذنيب
المكرمة السابعة والأربعون
تتميم
المكرمة الثامنة والأربعون
المكرمة التاسعة والأربعون
المكرمة المتممة للخمسين قبول شفاعة يوم الدين في سبعين ألفا من المذنبين
المكرمة الحادية والخمسون
المكرمة الثانية والخمسون دخول الجنة بغير حساب
المكرمة الثالثة والخمسون
المكرمة الرابعة والخمسون
المكرمة الخامسة والخمسون
السادسة والخمسون أنه يتحف يوم القيامة بتحفة مخصوصة
السابعة والخمسون
الثامنة والخمسون
التاسعة والخمسون ثواب نصيحة المؤمن
المكملة للستين
بيان
تبيين
الحادية والستون
الثانية والستون أنه ممن تستغفر لهم الملائكة
الثالثة والستون
الرابعة والستون
المكرمة الخامسة والستون
السادسة والستون أنه يوجب سرور رسول الله
السابعة والستون
الثامنة والستون
التاسعة والستون
والمكملة للسبعين الأنيس الشفيق له في البرزخ والقيامة
الواحدة والسبعون
الثانية والسبعون
الثالثة والسبعون
الرابعة والسبعون دعاء الملائكة في حقه
الخامسة والسبعون
السادسة والسبعون
السابعة والسبعون
الثامنة والسبعون
التاسعة والسبعون درك مثل ثواب عبادة جميع العباد
المكملة للثمانين
الواحدة والثمانون
الثانية والثمانون
الثالثة والثمانون فيه ثواب الإحسان إلى مولانا صاحب الزمان
الرابعة والثمانون
الخامسة والثمانون
السادسة والثمانون
السابعة والثمانون ارتفاع الدرجات في روضات الجنات
الثامنة والثمانون
التاسعة والثمانون الفوز بأفضل درجات الشهداء يوم القيامة
المكملة للتسعين الفوز بالشفاعة الفاطمية
فصل
وينبغي التنبيه على أمور
بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة الميرزا محمد تقي الموسوي الأصفهاني
هو الميرزا افتخار الدين أبو عبد الله محمد تقي بن عبد الرزاق بن عبد الجواد بن محمد مهدي الموسوي الأصفهاني.
ولد بين أحضان أسرة علمية علمائية اتسمت بطابع التقوى والخلق العالية، حتى صار أن يضرب بهم المثل في ذلك، وتشمل هذه الصفات طرف أمه وأخواله كذلك، فأمه بنت الميرزا حسين نائب الصدر، وخاله المجتهد السيد مير محمد صادق المدرس، وابن عمته الميرزا أسد الله، فهو شبل هؤلاء الليوث، فلا غرو أن يكون أحد أعلام عصره، ونابغة وقته، وشهد لذلك كثرة مؤلفاته وكتبه.
الأخلاق الرفيعة والتلهج بذكر الله سبحانه وتعالى من الصفات التي كانت واضحة بشكل جلي على المترجم له رحمه الله، مما حدا به إلى اتخاذ طريق العرفان والسير والسلوك، ثم ظهرت صفة ثالثة أكثر جلاء من الأوليين وهي عشقه الكبير وتعلقه العجيب بصاحب الزمان (عجّل الله فرجه)، حتى وصل إلى مرحلة الملاقاة مع الإمام (عجّل الله فرجه) وهذه مرحلة لا ينالها إلا ذو حظ عظيم.
ونتيجة لهذا التأثر الكبير في حياته، انعكس الأثر في مؤلفاته ورسائله وأشعاره، فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا.
أولاده:
له من الذكور والإناث ثمانية، فمنهم من اتخذ طريق والده العرفاني، ومنهم أتخذ طريق العلم وهم:
1 - الحاج السيد محمد، وهو من العلماء الكبار في أصفهان، وله رسالة في ترجمة (طبيب زاده) طبعت مع كتاب (حور مقصورات).
2 - الحاج السيد عباس أحد أئمة الجماعة المعروفين ومن الخطباء المرموقين بأصفهان.
أساتذته:
تتلمذ السيد محمد تقي رحمه الله على جملة من العلماء الأعلام والأساتذة ذوي الاختصاص في الفقه والأصول والعرفان واللغة (النحو والصرف) والأدب وغيرها من العلوم، وذكر بعضهم في مؤلفاته وأطراهم باحترام بالغ وثناء وافر، وعبر عن والده في بعض مؤلفاته: (العالم الرباني، والحبر الصمداني، الجامع بين مرتبتي العلم والعمل، المبرأ عن كل نقص وخطل، فقيه آل الرسول، ورئيس العلماء والفحول...).
وأجيز رواية الحديث من بعض أساتذته، وأساتذته هم:
1 - والده السيد عبد الرزاق الموسوي الأصفهاني.
2 - الميرزا أسد الله، أستاذ النحو والصرف.
3 - السيد محمود الحسيني الگلشادي الأصفهاني، أستاذ اللغة والأدب.
4 - السيد أبو القاسم الدهگردي.
5 - الشيخ عبد الكريم الجزي، أجازاه اجتهادا ورواية.
6 - الحاج منير الدين البروجردي الأصفهاني.
7 - العلامة الميرزا بديع إمامي.
8 - المولى محمد الكاشاني.
مؤلفاته:
تعتبر الفترة التي عاشها المصنف رحمه الله من الفترات الصعبة جدا التي مرت على أصفهان بالخصوص، حيث مرت بأزمات عقائدية واجتماعية قاسية وسياسية، وإذا لاحظنا عمر المصنف (رحمه الله) والذي لا يتجاوز الخمسون عاما، وبملاحظة هذه المدة القصيرة وهذه الفترة العصيبة وما أنتجه المؤلف من تأليف وتدريس وبحث ومذاكرة وفتوى وغيرها، فسنجد أنه وقف أمام الواقع بكل قوة وإصرار وطموح، وهذا نابع من تمسكه المنقطع النظير بأهل بيت العصمة والطهارة سلام الله عليهم، وكلمة الحق التي يجب أن نقولها: إن هذا السيد الأجل يجب أن يخلد على مر التاريخ ويذكر بكل إجلال وإكبار، فأمثال هؤلاء الرجال الذين قدموا ما قدموا بدون ضوضاء وضجيج يجب أن نستفيد من علمهم ونغترف من بحر جودهم وعطائهم.
ومن مؤلفاته رحمه الله تعالى:
1 - تفسير القرآن الكريم. عربي.
2 - تذكرة الطالبين في ترجمة آداب المتعلمين. نظم فارسي، طبع سنة 1317 ه نظمه وهو ابن ستة عشر سنة، ويقع في أكثر من مائتي بيت، نظمه بطلب من الميرزا أحمد الأديب الجواهري.
3 - أبواب الجنات في آداب الجمعات. فارسي، كتبه وهو في الخامس والعشرين من عمره.
4 - بساتين الجنان في المعاني والبيان. وهو شرح عربي لأرجوزة المولى محمد، ألفه سنة 1319 ه.
5 - آداب صلاة الليل. عربي، ألفه بطلب من أحد الفضلاء.
6 - وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام. فارسي، ويقع في جزأين وطبع مرتين.
7 - نور الأبصار في فضيلة الانتظار. فارسي.
8 - كنز الغنائم في فضل الدعاء للقائم. فارسي.
9 - سراج القبور في آداب صلاة الليل. طبعت هذه الثلاثة في مجلد واحد سنة 1333 ه.
10 - توضيح الشواهد في توضيح شواهد كتاب جامع الشواهد.
11 - ترغيب الطلاب إلى علم الإعراب.
12 - أنيس المتفردين.
13 - تحفة المتأدبين في شرح هداية الطالبين.
14 - كتاب المنابر في المواعظ.
15 - ديوان شعر.
16 - محاسن الأديب في دقائق الأعاريب. كتبه سنة 1319 ه.
وغيرها من المؤلفات كالرسائل والردود التي نستطيع معرفة أسمائها.
17 - مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (عجّل الله فرجه). طبع سنة 1369.
وهو هذا الكتاب.
المؤلف في كتب التراجم:
أول من ترجم له العالم الفاضل الميرزا محمد علي معلم الحبيب آبادي (ت 1396 ه) حيث ترجم له في كتابه الأمالي قائلا: من كبار علماء أصفهان وساداتها الأجلاء، كان يقيم الجماعة في مسجد مشهد السيد إسماعيل بن زيد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) خلفا عن والده السيد عبد الرزاق الموسوي، كان كثير الاشتغال بجمع الأخبار والآثار الواردة في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)... أمه بنت المرحوم الحاج ميرزا حسين نائب الصدر، وخاله الفقيه الحاج مير محمد صادق المدرس... وكان له شعر متوسط في الحجة المنتظر يتخلص فيه (تقي)... وخطه جميل جيد.
وقال أيضا في كتابه مقالات مبسوطة: تتلمذ على كبار أساتذة أصفهان... حتى أصبح من العلماء المبرزين ومن مسلمي الاجتهاد... وحصلت المودة بيني وبينه سنين قبل وفاته، وزرته مكررا في بيته بمحلة (يزد آباد) من محال أصفهان...
عاش سني عمره قنعا متعففا، وسافر إلى مكة المكرمة والعراق للحج وزيارة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) مرارا نيابة عن بعض المؤمنين، وفي شهر رجب من سنة 1348 ه باع ما يملكه من قليل المتاع، وسافر إلى العراق، وبعد العودة أصيب بمرض أودى بحياته...
وقال في كتابه (مكارم الآثار) في آخر وقائع سنة 1301 ه:... وكان سيدا نجيبا وفقيها أديبا، ومن العلماء الممتازين بأصفهان، كان له خط مليح وشعر جيد... كان للناس عقيدة به في كتابة العرائض إلى الإمام المنتظر (عليه السلام) وزيارة عاشوراء... وتشرفت بخدمته مكررا، واستفدت منه كثيرا.
وقال الشيخ أقا بزرك الطهراني في نقباء البشر 1 / 258 / ترجمة 553: هو السيد الميرزا محمد تقي ابن الميرزا عبد الرزاق ابن الميرزا عبد الجواد الموسوي الأحمد آبادي الأصفهاني، عالم، فاضل، وخطيب بارع، حدثني أنه ولد ليلة الجمعة (5 / ج 1 / 1301)...
كان المترجم من العلماء الأعلام القائمين بالوظائف الشرعية وإمامة الجماعة والوعظ وغيرها...
وسبطه الفاضل البارع السيد محمد علي ابن العلامة السيد مرتضى ابن الميرزا محمد علي الموسوي الأبطحي الأصفهاني المولود سنة 1349 مؤلف: نتيجة الفكر في تنقيح رجال المعتبر.
وذكر كتابه هذا في الذريعة 22: 182 / 6591 قال:
مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (عجّل الله فرجه): طبع بالفارسية، وملخصه الموسوم ب (كنز الغنائم) وكلاهما للسيد المعاصر الحاج ميرزا محمد تقي بن عبد الرزاق الموسوي الأحمد آبادي الأصفهاني، مرتب على ثمانية أبواب، وبعد لم يتم وهو مبسوط.
وذكر الكتاب الأستاذ عبد الجبار الرفاعي في معجم المطبوعات العربية في إيران وقال:
إنه طبع (أي مكيال المكارم) في أصفهان سنة 1369 ه ق في 587 صفحة، وطبع في طهران مطبعة كوكب سنة 1361 ه ش.
وذكره القائيني في معجم مؤلفي الشيعة ص 37.
وترجم له السيد مصلح الدين ترجمة مختصرة في كتابه (رجال أصبهان).
وقال الشيخ الأديب الميرزا حسن خان الأنصاري المعروف بشيخ جابري في كتابه تاريخ أصبهان 3: 53: الميرزا السيد محمد تقي بن الميرزا عبد الرزاق الأحمد آبادي من المعاصرين وهو صاحب تأليف... اتصلت صداقتنا به سنين، وكان كوالده جميل الخط، توفي شابا...
وترجم له الزركلي في موسوعته الأعلام 6: 289، وكذلك الأستاذ كحالة في معجم المؤلفين في قسم الكتب المطبوعة.
وللمؤلف رحمه الله في مقدمة كتابه نور الأبصار الطبعة الثانية الفارسية 1401 ترجمة قد ذكرها نجله الأكبر حجة الإسلام السيد محمد فقيه الأحمد آبادي شارحا سيرته العلمية والدينية.
وقال آية الله العظمى الشيخ لطف الله الصافي في كتابه منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر (عليه السلام): إن كتاب (مكيال المكارم) كتاب كبير حسن نافع لم أر مثله في موضوعه، أفرده مصنفه (ره) لذكر فوائد الدعاء للقائم (عليه السلام) وما ورد في الأدعية له ولفرجه وما يتقرب به إليه، وقد جمع فيه أدعية كثيرة جليلة من الكتب المفيدة، وذكر فيه من الآداب والفوائد أو الجهات الموجبة للدعاء له والآثار المترتبة عليه، والأوقات والحالات والأماكن التي يتأكد فيها الدعاء له ما لا يتسعه هذا الكتاب.
سبب تأليف الكتاب:
في عام 1330 سافر سيدنا التقي رحمه الله إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، واتفق أن ظهر الوباء الشديد - الكوليرا - بين الحجاج مما أدى إلى مقتل الكثير من أهل مكة والحجاج والزوار، وعندها توجه السيد التقي متضرعا إلى الله سبحانه وتعالى أن يخلصه من هذا البلاء الكبير، معاهدا إياه أن يقوم بتأليف هذا الكتاب إذا عاد إلى وطنه سالما، فاستجاب الله سبحانه وتعالى دعاءه، ورجع سالما إلى وطنه وأنجز ما عاهد الله عليه.
وبسبب تعلقه الشديد وشوقه الذي لا يتوقف إلى رحاب مولانا صاحب الزمان (عجّل الله فرجه)، فقد تشرف برؤيته في المنام وأمره بإتمام هذا الكتاب وأن يسميه ب (مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (عجّل الله فرجه)).
ولادته ووفاته:
ولد سيدنا التقي في بلدة أصفهان - والتي هي مسقط رأسه ورأس آبائه - سنة 1301 ه في ليلة الجمعة الخامس من جمادي الأول كما نص عليه معاصره الشيخ الكبير الطهراني.
وفي شهر رجب من سنة 1348 ذهب سيدنا التقي رحمه الله إلى العراق للتشرف بزيارة العتبات المقدسة، وبعد أن عاد إلى وطنه أصفهان تمرض في أواخر شهر شعبان، ولازم الفراش مدة شهر كامل ثم التحق بالرفيق الأعلى ليلة الثلاثاء 25 شهر رمضان المبارك من سنة 1348 ه، ودفن بمقبرة تخت فولاد بأصفهان بجوار قبر والده الشريف.
فرحمه الله يوم ولد ويوم رحل ويوم يبعث حيا.
والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الكتب المصنفة حول الإمام المهدي (عليه السلام)
- البرهان في علامات مهدي آخر الزمان للعالم الشهير ملا علي المتقي (ت 975).
- والبيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي المتوفى س 658.
- عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر لجمال الدين يوسف الدمشقي من أعلام القرن السابع.
- مناقب المهدي (عليه السلام) لأبي نعيم الإصبهاني المتوفى س 430.
- القول المختصر في علامات المهدي المنتظر لابن حجر المتوفى س 974.
- العرف الوردي في أخبار المهدي للسيوطي المتوفى س 911.
- مهدي آل الرسول لعلي بن سلطان محمد الهروي الحنفي المتوفى؟.
- فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر للشيخ مرعي.
- المشرب الوردي في مذهب المهدي لعلي القارئ.
- فرائد فوائد الفكر في الإمام المهدي المنتظر للمقدسي.
- منظومة القطر الشهدي في أوصاف المهدي لشهاب الدين أحمد الخليجي الحلواني الشافعي.
- العطر الوردي بشرح القطر الشهدي للبليسي.
- تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان لابن كمال باشا الحنفي (ت 940).
- إرشاد المستهدي في بعض الأحاديث والآثار الواردة في شأن الإمام المهدي لمحمد علي حسين البكري المدني.
- أحاديث المهدي، وأخبار المهدي لأبي بكر بن خيثمة.
- الأحاديث القاضية بخروج المهدي لمحمد بن إسماعيل الأمير اليماني (ت 751).
- الهدية الندية فيما جاء في فضل ذات المهدية لقطب الدين مصطفى بن كمال الدين علي بن عبد القادر البكري الدمشقي الحنفي المتوفى س 1162.
- الجواب المقنع المحرر في الرد على من طغى وتجبر بدعوى أنه عيسى أو المهدي المنتظر للشيخ محمد حبيب الله بن مايابي الجكني الشنقيطي المدني.
- النظم الواضح المبين للشيخ عبد القادر بن محمد سالم.
- أحوال صاحب الزمان للشيخ سعد الدين الحموي.
- الأربعين (من أحاديث المهدي) لأبي العلاء الهمداني كما في ذخائر العقبى.
- تحديق النظر في أخبار المهدي المنتظر لمحمد بن عبد العزيز بن مافع (كما في مقدمة الينابيع).
- تلخيص البيان في أخبار مهدي آخر الزمان لعلي المتقي.
- الرد على من حكم وقضى بأن المهدي جاء ومضى، لملا علي القاري (ت 1014).
- علامات المهدي للسيوطي.
- المهدي لشمس الدين ابن قيم الجوزية المتوفى س 751.
- المهدي إلى ما ورد في المهدي لشمس الدين محمد بن طولون.
- النجم الثاقب في بيان أن المهدي من أولاد علي بن أبي طالب.
- الهدية المهدوية لأبي الرجاء محمد الهندي.
- كتاب المهدي لأبي داود صاحب السنن.
- الفواصم عن الفتن القواصم كما ذكر في السيرة الحلبية ج 1 ص 227.
- رسالة في المهدي (عليه السلام) لابن كثير الدمشقي.
- كلمتان هامتان 1 - نصف شعبان 2 - والمهدي المنتظر لمحمد زكي إبراهيم المعاصر.
- رسالة في رد من أنكر أن عيسى (عليه السلام) إذا نزل يصلي خلف المهدي صلاة الصبح للسيوطي.
- فصل الحكم بالعدل وفضل الإمام العادل.
علي عاشور قم المقدسة 15 شعبان المعظم 1421 ه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
يا من حارت في كبرياء هويته دقائق لطائف الأوهام، وانحسرت دون إدراك عظمته خطائف أبصار الأنام، يا من عنت الوجوه لهيبته، وخضعت الرقاب لعظمته، ووجلت القلوب من خيفته، رب أنت في الدارين رجائي، جل قدسك عن ثنائي، سبحانك لا أبلغ حمدك، ولا أحصي ثنائك، أنت كما أثنيت على نفسك، وفوق ما يقول القائلون. أحمدك على تظافر نعمائك، وتكاثر آلائك، وأصلي وأسلم على خاتم أنبيائك، وأفضل أصفيائك محمد وآله المعصومين، حججك وأمنائك، ولا سيما المدخر للانتقام من أعدائك، الذي بفرجه فرج أوليائك. واللعنة الدائمة المضاعفة على أعدائهم وأعدائك.
أما بعد: فيقول العبد المذنب الضعيف الخاطئ المهجور اللهيف الغريق في بحر الأماني محمد تقي ابن العالم الرباني والحبر الصمداني مولاي الميرزا عبد الرزاق الموسوي الأصفهاني عفى الله عن جرائمهما، وجمع الله تعالى بينهما وبين إمامهما.
إن أحق الأمور وأوجبها عقلا وشرعا أداء حق من له حق عليك، ومكافأة من أحسن إليك، ولا ريب أن أعظم الناس حقا علينا(1) وأوفرهم إحسانا إلينا، وأكثرهم مننا ونعما لدينا، من جعل الله تعالى معرفته تمام ديننا، والإذعان له مكمل يقيننا وانتظار فرجه أفضل أعمالنا، وزيارته غاية آمالنا، أعني " صاحب الزمان " وحامل راية العدل والإحسان، وماحي آثار الكفر والطغيان، الذي أمرنا بمتابعته، ونهينا عن تسميته، ثاني عشر الأئمة المعصومين، وخاتم الأوصياء المرضيين، القائم المنتظر الرضي ابن الزكي الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه، وسهل مخرجه، ولا فرق بيننا وبينه في الدنيا والآخرة.
لمؤلفه:
بنفسي من من هجره أنا ضائل * ومن للواء الفتح والنصر حامل
بنفسي إماما قائما غاب شخصه * وليس له في العالمين مماثل
بنفسي من يحيي شريعة جده * ويقضي بحكم لم يرمه الأوائل
ويجتث أصل الظالمين وفرعهم * ويحيى به رسم العلى والفضائل
فيا رب عجل في ظهور إمامنا * وهذا دعاء للبرية شامل
وحيث إنا لا نقدر على أداء حقوقه على التحقيق، وشكر وجوده وجوده كما يليق، وجب علينا الاستباق إلى الميسور، فإنه لا يسقط بالمعسور، وأفضل الأمور في زمان غيبته انتظار فرجه، والدعاء له، والمسابقة إلى ما يسره، ويزلف لديه ويتقرب به إليه.
وقد ذكرت في الباب الثامن من كتاب أبواب الجنات في آداب الجمعات نيفا وثمانين فائدة من الفوائد الدنيوية والأخروية المترتبة على الدعاء لفرجه صلوات الله عليه.
سبب تأليف الكتاب: رؤية الإمام (عليه السلام) في المنام وأمره
ثم سنح لي أن أفرد لذلك كتابا يشتمل على تلك الفوائد، وينظم فيه تلك الفرائد، فعاقني عن ذلك نوائب الزمان، وتوارد الأحزان، حتى تجلى لي في المنام من لا أقدر على وصفه بالقلم والكلام أعني مولاي وإمامي المنتظر، وحبيب قلبي المنكسر.
وقال لي ببيان أبهج من وصل الحبيب، وأهيج من صوت العندليب، ما لفظه: " أين كتابرا بنويس وعربي هم بنويس ونام اورا بگذار مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم ".
فانتبهت كالعطشان، وأسفت أسف اللهفان، وعزمت إطاعة أمره الأعلى وقلت كلمة الله هي العليا، ثم لم يساعدني التوفيق حتى سافرت في العام الماضي (1330 ه ش) وهي السنة المتممة للثلاثين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة إلى البيت العتيق، ولما تآطم هنالك الوباء، وتلاطم اللأواء عاهدت الله جل جلاله وعم نواله أن يخلصني من المهالك، ويسهل لي إلى وطني المسالك، أشرع في تصنيف ذلك فمن علي بالسلامة مما كنت أخاف، وكم له لدي من المواهب والألطاف، فشرعت فيه امتثالا لقوله عز من قائل: ﴿وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم﴾ وقوله المطاع الأعلى ﴿أوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا﴾.
فدونك كتابا ﴿كجنة عالية قطوفها دانية لا تسمع فيها لاغية فيها عين جارية، لها أبواب ثمانية، لنجعلها لكم تذكرة، وتعيها أذن واعية﴾ ونختمه بخاتمة فوائدها دائمة ﴿لا يصدعون عنها ولا ينزفون﴾ ختامه مسك، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ولمثل هذا فليعمل العاملون.
الباب الأول: في وجوب معرفته صلوات الله وسلامه عليه
وأنه لا يتحقق الإيمان بدون معرفة إمام الزمان ويدل على ذلك العقل والنقل.
أما الأول: فلأن العلل المحوجة إلى وجود النبي (صلى الله عليه وآله) هي المحوجة إلى وجود الوصي (عليه السلام) بعد وفاة النبي، والجهة الموجبة للرجوع إلى النبي هي الموجبة للرجوع إلى الوصي بعينها، فيجب على الله تعالى نصبه وعلى الناس معرفته لتوقف اتباعه على معرفته(2).
وأما الثاني فمتواتر لكنا نذكر نبذا مما رواه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني (ره) في الكافي روما للاختصار(3).
- فمنها(4) في الصحيح عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ) ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها﴾ قال: نحن والله الأسماء الحسنى التي(5) لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا.
أقول: لعل التعبير عنهم بالأسماء لكونهم أدلاء على الله، وعلامات قدرته وجبروته، كما أن الاسم علامة لصاحبه دال عليه، والله تعالى هو العالم.
- ومنها(6) في الصحيح عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: إن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام حتى يعرف.
أقول: يشير إلى وجوب إقامة الحجة على الله تعالى، وإن معرفته لا يتم إلا بوجود الإمام، فيجب معرفته على الناس ونصبه على الله.
- ومنها في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في خطبة له يذكر فيها حال الأئمة (عليهم السلام) وصفاتهم: إن الله (عزَّ وجلَّ) أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبينا عن دينه، وأبلج بهم عن سبيل منهاجه، وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه، فمن عرف من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) واجب حق إمامه وجد طعم حلاوة إيمانه، وعلم فضل طلاوة إسلامه، لأن الله تبارك وتعالى نصب الإمام علما لخلقه، وجعله حجة على أهل مواده وعالمه، ألبسه الله تاج الوقار، وغشاه من نور الجبار، يمد بسبب إلى السماء لا يقطع عنه مواده، ولا ينال ما عند الله إلا بجهة أسبابه ولا يقبل الله أعمال العباد إلا بمعرفته فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى، ومعميات السنن، ومشبهات الفتن، فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسين (عليه السلام) من عقب كل إمام يصطفيهم لذلك، ويجتبيهم ويرضى بهم لخلقه، ويرتضيهم كلما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماما علما بينا، وهاديا نيرا وإماما قيما، وحجة عالما أئمة من الله ﴿يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه، يدين بهديهم العباد، وتستهل بنورهم البلاد، وينمو ببركتهم التلاد، جعلهم الله حياة للأنام، ومصابيح للظلام، ومفاتيح للكلام، ودعائم للإسلام، جرت بذلك فيهم مقادير الله على محتومها، فالإمام هو المنتجب المرتضى، والهادي المنتجى، والقائم المرتضى، اصطفاه الله تعالى بذلك، واصطنعه على عينه في الذر حين ذرأه، وفي البرية حين برأه ظلا قبل خلق نسمة عن يمين عرشه، محبوا بالحكمة في علم الغيب عنده، اختاره بعلمه وانتجبه لطهره، بقية من آدم (عليه السلام)، وخيرة من ذرية نوح، ومصطفى من آل إبراهيم، وسلالة من إسماعيل وصفوة من عترة محمد (صلى الله عليه وآله) لم يزل مرعيا بعين الله يحفظه، ويكلأه بستره، مطرودا عنه حبائل إبليس وجنوده، مدفوعا عنه وقوب الغواسق ونفوث كل فاسق، مصروفا عنه قوارف السوء، مبرءا من العاهات، محجوبا عن الآفات، معصوما من الزلات، مصانا عن الفواحش كلها، معروفا بالحلم والبر في يفاعه، منسوبا إلى العلم والعفاف والفضل عند انتهائه، مسندا إليه أمر والده، صامتا عن المنطق في حياته.
فإذا انقضت مدة والده إلى أن انتهت به مقادير الله إلى مشيئته، وجاءت الإرادة من الله فيه إلى حجته، وبلغ منتهى مدة والده - صلى الله عليه - فمضى وصار أمر الله إليه من بعده، وقلده دينه، وجعله الحجة على عباده، وقيمه في بلاده، وأيده بروحه، وآتاه علمه، وأنبأه فضل بيانه، واستودعه سره، وانتدبه لعظيم أمره، وأنبأه فضل بيان علمه، ونصبه علما لخلقه، وجعله حجة على أهل عالمه، وضياء لأهل دينه، والقيم على عباده، رضي الله به إماما لهم، استودعه سره، واستحفظه علمه، واستحباه حكمته، واسترعاه لدينه، وانتدبه لعظيم أمره، وأحيى به مناهج سبيله، وفرائضه وحدوده، فقام بالعدل عند تحيير أهل الجهل، وتحير أهل الجدل، بالنور الساطع، والشفاء النافع، بالحق الأبلج، والبيان من كل مخرج، على طريق المنهج، الذي مضى عليه الصادقون من آبائه (عليهم السلام) فليس يجهل حق هذا العالم إلا شقي ولا يجحده إلا غوي، ولا يصد عنه إلا جري على الله جل وعلا. انتهى بطوله(7).
قوله (عليه السلام): طلاوة إسلامه الطلاوة مثلثة: الحسن والبهجة والقبول، قوله: أهل مواده وعالمه.
قال بعض الشراح: العالم وهو الخلق، عطف على الأهل، أو على المواد، ولعل المراد به العقول التي هي مواد معرفته، والإضافتان أعني إضافة المواد والعالم إلى ضميره تعالى بتقدير اللام للاختصاص والملكية، يعني جعله حجة على أهل العقول وغيرهم إذ هو حجة على جميع المخلوقات، وكل شيء يجب أن يرجع في تسبيحه وتقديسه وعبادته وكيفية خضوعه إليه ويحتمل أن يراد بالمواد عالم الزمانيات والجسمانيات، وبالعالم عالم المجردات والروحانيات وأما حمل أهل المواد على أهل المحبة، وحمل العالم فبعيد كحمل العطف على التفسير، فليتأمل.
أقول: الصحيح أنه لا مجرد سوى الله تعالى وما ذكره من إرادة إثبات مجرد سواه فلا ينهض دليلا، بل الدليل على خلافه، وليس هنا مقام بسط الكلام، فلنحوله إلى محله، وأما حمل العطف على التفسير، فليس ببعيد، وإن كان مقتضى العطف التغاير فتأمل.
- ومنها بسند كالصحيح أو الصحيح على بعض الوجوه عن أحدهما (عليهما السلام) أنه قال لا يكون العبد مؤمنا حتى يعرف الله ورسوله والأئمة (عليهم السلام) كلهم وإمام زمانه ويرد إليه ويسلم له ثم قال: كيف يعرف الآخر وهو يجهل الأول(8).
- ومنها في الصحيح عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق فقال: إن الله (عزَّ وجلَّ) بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) إلى الناس أجمعين رسولا وحجة لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) واتبعه وصدقه، فإن معرفة الإمام منا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدقه، ويعرف حقهما، فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقهما(9).
أقول: يريد أن وجوب معرفة الله ورسوله مقدم رتبة على وجوب معرفة الإمام لا نفي وجوب معرفة الإمام عمن لا يعرف الله ورسوله.
- ومنها(10) في الصحيح عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كل من دان الله (عزَّ وجلَّ) بعبادة يجهد فيها نفسه، ولا إمام له من الله، فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير، والله شانئ لأعماله، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها، فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلما جنها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها، فحنت إليها، واغترت بها، فباتت معها في مربضها، فلما أن ساق الراعي قطيعه، أنكرت راعيها وقطيعها، فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها فبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها، واغترت بها، فصاح بها الراعي الحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك، فهجمت ذعرة متحيرة تائهة لا راعي لها، يرشدها إلى مرعاها أو يردها، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله (عزَّ وجلَّ) ظاهر عادل أصبح ضالا تائها، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق، واعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا، وأضلوا، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد.
قوله (عليه السلام): طاهر، إن كان بالمهملة فالمعنى طاهر عن الأرجاس والذنوب، وهو معنى كونه معصوما، وإن كان بالمعجمة، فالمعنى ظاهر وجوده وحجيته بالدلائل الواضحة، والعلائم اللائحة، وإن كان شخصه غائبا عن الأبصار القاصرة(11).
- ومنها(12) بسند كالصحيح أو الصحيح على بعض الوجوه، عن أبي جعفر (عليه السلام) إنما يعرف الله (عزَّ وجلَّ) ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت، ومن لا يعرف الله (عزَّ وجلَّ) ولا يعرف الإمام منا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالا.
- ومنها(13) في الصحيح عنه (عليه السلام) قال ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضى الرحمن تبارك وتعالى الطاعة للإمام بعد معرفته إن الله (عزَّ وجلَّ) يقول ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا﴾ أما لو أن رجلا قام ليلة، وصام نهاره وتصدق بجميع ماله، وحج جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله حق في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان.
- ومنها(14) في الصحيح عن عيسى بن السري أبي اليسع، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحدا التقصير عن معرفة شيء منها، الذي من قصر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه، ولم يقبل منه عمله ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه، وقبل منه عمله، ولم يضق به مما هو فيه لجهل شيء من الأمور جهله، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، والإيمان بأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والإقرار بما جاء به من عند الله، وحق في الأموال الزكاة، والولاية التي أمر الله (عزَّ وجلَّ) بها ولاية آل محمد (صلى الله عليه وآله) قال: فقلت له: هل في الولاية شيء دون شيء فضل يعرف لمن أخذ به؟ قال: نعم رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان عليا، وقال الآخرون: كان معاوية، ثم كان الحسن، ثم كان الحسين، وقال الآخرون: يزيد بن معاوية وحسين بن علي، ولا سواء ولا سواء.
قال: ثم سكت (عليه السلام) ثم قال أزيدك؟ فقال له حكم الأعور: نعم جعلت فداك: قال: ثم كان علي بن الحسين، ثم كان محمد بن علي أبا جعفر، وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر (عليه السلام) وهم لا يعرفون مناسك حجهم، وحلالهم وحرامهم، حتى كان أبو جعفر ففتح لهم، وبين لهم مناسك حجهم، وحلالهم وحرامهم، حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس، وهكذا يكون الأمر، والأرض لا تكون إلا بإمام، ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية، وأحوج ما تكون إلى ما أنت عليه، إذا بلغت نفسك هذه، وأهوى بيده إلى حلقه، وانقطعت عنك الدنيا تقول لقد كنت على أمر حسن.
أقول: قوله هل في الولاية شيء (الخ) يحتمل أمرين:
أحدهما أن يكون المراد استفهام حد معين في الولاية بحيث لا يجزئ الأقل منه حتى يعرفه السائل، ويأخذ به وهذا هو الشيء الموصوف بالفضل فأجابه الإمام (عليه السلام) بذكر أمرين:
الأول معرفة الإمام، والثاني الإطاعة له، واستدل لهذا بالآية الشريفة الآمرة بإطاعة أولي الأمر، وللأول بقول النبي (صلى الله عليه وآله)، ويؤيد هذا الوجه قوله (عليه السلام) في الصحيح السابق فراجع.
وثانيهما: أن يكون المراد طلب دليل من الكتاب المبين أو سنة سيد المرسلين يدل على وجوب ولاية آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين، ليكون حجة على المخالفين، فإنه (عليه السلام) لما قال: والولاية التي أمر الله (عزَّ وجلَّ) بها ولاية آل محمد (صلى الله عليه وآله) سأل الراوي: هل في ذلك شيء؟ أي دليل فاضل يعرف، أي لا يمكن للمخالف رده وإنكاره بحيث يتعين بذلك الدليل وجوب ولايتهم (عليهم السلام) فذكر (عليه السلام) حجتين: إحداهما من الكتاب العزيز، والأخرى من السنة، التي لا يمكن للمخالف ردهما.
ووجه الدلالة أن من له أدنى دراية إذا جعل عقله حاكما يذعن بأن الله جل شأنه لا يأمر عباده المؤمنين بإطاعة فاسق فاجر عاص ظلوم، بل يأمر بإطاعة عالم زاهد معصوم، وكذا النبي (صلى الله عليه وآله) لا يحكم بأن من مات ولم يعرف رجلا متجاهرا بأنواع المعاصي والفجور كمعاوية ويزيد، ومن يحذو حذوهما، مات ميتة جاهلية، بل الذي يجب معرفته من لا يعرف المؤمن شرائع دينه إلا بالرجوع إليه ويؤيد هذا الوجه(15) قوله (عليه السلام): وقال الآخرون: يزيد بن معاوية وحسين بن علي ولا سواء ولا سواء، فتدبر.
- ومنها(16) في الصحيح عن الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية؟ قال: نعم، قلت: جاهلية جهلاء، أو جاهلية لا يعرف إمامه؟ قال (عليه السلام): جاهلية كفر ونفاق وضلال.
أقول: الأحاديث الواردة في هذا الباب كثيرة جدا.
- ومنها(17) ما روي في كمال الدين عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: من شك في أربعة فقد كفر بجميع ما أنزل الله تبارك وتعالى، أحدها معرفة الإمام في كل زمان وأوان بشخصه ونعته.
- وفيه(18) أيضا عن الصادق، عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته مات ميتة جاهلية.
وفيه(19) عنه - عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني.
- وفي غيبة النعماني(20) بإسناده عن الصادق (عليه السلام) قال من بات ليلة لا يعرف فيها إمام زمانه مات ميتة جاهلية، إلى غير ذلك من الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار.
وأما المراد من المعرفة التي يجب تحصيلها، فسيأتي في صدر الباب الثامن أن الواجب من المعرفة أمران أحدهما معرفة شخص الإمام باسمه ونسبه والثاني معرفة صفاته وخصائصه التي يمتاز بها عن غيره فانتظر لتفصيله إن شاء الله.
تنبيه قال المتأخرون من المجتهدين الخبر الصحيح ما كان راويه في كل طبقة عدلا إماميا وقال المتقدمون: هو ما حصل الاطمئنان بصدوره عن المعصوم. ومرادي بالصحيح في هذا الباب، هو المعنى الأول وكل ما عبرت فيه بسند كالصحيح أو الصحيح على بعض الوجوه، فهو الصحيح بالمعنى الثاني.
الباب الثاني: في إثبات إمامته (عليه السلام) الباب الثاني في إثبات أن إمام زماننا هو المهدي ابن الزكي الحسن العسكري (عليهما السلام)
إعلم ثبتك الله وإيانا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، وجمع بيننا وبين الخلف المنتظر من العترة الطاهرة أنه لا طريق إلى إثبات الإمامة إلا النص وظهور المعجزة وذلك لأن من شرط الإمام أن يكون معصوما، وإلا لانتقض الغرض من نصبه، وهو محال، والدليل على وجوب العصمة فيه كثير مذكور في محله، وهي كيفية نفسانية، ومرتبة خفية باطنية، لا يعلمها إلا الله تعالى شأنه ومن ألهمه الله تعالى علم ذلك فالواجب على الله تعالى أن يعينه لعباده إما بالنص عليه على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام السابق عليه، وإما بإجراء المعجزة على يديه، وإذا تعين الإمام من الله فالواجب على الناس أن يرجعوا إليه ويعتمدوا عليه ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا﴾ ويشهد لما ذكرنا الأحاديث المتواترة معنا.
- منها(21) ما رواه الشيخ الثقة الجليل أحمد بن أبي طالب الطبرسي(22) في الاحتجاج وهذا الحديث وإن كان طويلا لكنه يشتمل على فوائد جمة وأمور مهمة ويثبت إمامة مولانا بالنص والمعجزة وأنه ليس للأمة في نصب الإمام خيرة فلا غرو أن نذكره بطوله، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل قبوله.
قال رحمه الله تعالى: احتجاج الحجة القائم المنتظر صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلى آبائه (عليهم السلام) سعد بن عبد الله القمي الأشعري، قال: بليت بأشد النواصب منازعة، فقال لي يوما بعدما ناظرته تبا لك ولأصحابك، أنتم معاشر الروافض تقصدون المهاجرين والأنصار بالطعن عليهم، وبالجحود محبة النبي (صلى الله عليه وآله) لهم، فالصديق هو فوق الصحابة بسبب سبق الإسلام ألا تعلمون أن رسول الله إنما ذهب به ليلة الغار لأنه خاف عليه كما خاف على نفسه! ولما علم أنه يكون الخليفة في أمته، وأراد أن يصون نفسه كما يصون خاصة نفسه، كيلا يختل حال الدين من بعده، ويكون الإسلام منتظما، وقد أقام عليا على فراشه لما كان في علمه أنه لو قتل لا يختل الإسلام بقتله، لأنه يكون من الصحابة من يقوم مقامه، لا جرم لم يبال من قتله!!
" قال " سعد: إني قلت على ذلك أجوبة، لكنها غير مسكتة ثم قال: معاشر الروافض تقولون إن الأول والثاني كانا منافقين، وتستدلون على ذلك بليلة العقبة.
ثم قال لي: أخبرني عن إسلامهما كان عن طوع ورغبة، أو كان عن إكراه وإجبار، فاحترزت عن جواب ذلك، وقلت مع نفسي: إن كنت أجيبه بأنه كان عن طوع، فيقول لا يكون على هذا الوجه إيمانهما عن نفاق.
وإن قلت: كان عن إكراه وإجبار، لم يكن في ذلك الوقت للإسلام قوة حتى يكون إسلامهما بإكراه وقهر فرجعت عن هذا الخصم على حال ينقطع كبدي فأخذت طومارا وكتبت بضعا وأربعين مسألة من المسائل الغامضة التي لم يكن عندي جوابها.
فقلت أدفعها إلى صاحب مولاي أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) الذي كان في قم، أحمد بن إسحاق، فلما طلبته كان هو قد ذهب، فمشيت على أثره فأدركته وقلت الحال معه فقال لي: جئ معي إلى سر من رأى، حتى نسأل عن هذه المسائل مولانا الحسن بن علي (عليه السلام) فذهبت معه إلى سر من رأى، ثم جئنا إلى باب دار مولانا (عليه السلام) فاستأذنا للدخول عليه، فأذن لنا فدخلنا الدار، وكان مع أحمد بن إسحاق جراب قد ستره بكساء طبري، وكان فيه مائة وستون صرة من الذهب والورق، على كل واحد منها خاتم صاحبها، الذي دفعها إليه.
ولما دخلنا وقعت أعيننا على وجه أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) كان وجهه كالقمر ليلة البدر، وقد رأينا على فخذه غلاما يشبه المشتري في الحسن والجمال، وكان على رأسه ذؤابتان، وكان بين يديه رمان من الذهب قد حلي بالفصوص والجواهر الثمينة، قد أهداه واحد من رؤساء البصرة، وكان في يده قلم يكتب به شيئا على قرطاس، فكلما أراد أن يكتب شيئا، أخذ الغلام يده فألقى الرمان حتى يذهب الغلام إليه، ويجيء به، فلما ترك يده يكتب ما شاء ثم فتح أحمد بن إسحاق الكساء ووضع الجراب بين يدي الهادي (عليه السلام) فنظر إلى الغلام وقال: فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك؟ فقال (عليه السلام): يا مولاي أيجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة.
ثم قال: يا بن إسحاق أخرج ما في الجراب ليتميز بين الحرام والحلال. ثم أخرج صرة، فقال الغلام: هذا لفلان بن فلان من محلة كذا بقم، يشتمل على اثنين وستين دينارا، فيها من ثمن حجيرة باعها، وكانت إرثا عن أبيه خمسة وأربعون دينارا ومن أثمان سبعة أثواب أربعة عشر دينارا وفيه من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير.
فقال مولانا (عليه السلام): صدقت يا بني، دل الرجل على الحرام منها فقال الغلام: في هذه العين دينار بسكة الري تاريخه في سنة كذا، قد ذهب نصف نقشه عنه، وثلاثة قطاع قراضة بالوزن دانق ونصف دانق، في هذه الصرة، الحرام هذا القدر فإن صاحب هذه الصرة في سنة كذا في شهر كذا كان له عند نساج وهو من جملة جيرانه من الغزل من وربع، فأتى على ذلك زمان كثير، فسرق سارق من عنده فأخبره النساج بذلك، فما صدقه، وأخذ الغرامة بغزل أدق منه مبلغ من ونصف، ثم أمر حتى نسج منه ثوب وهذا الدينار والقراضة من ثمنه ثم حل عقدها، فوجد الدينار والقراضة كما أخبر. ثم أخرج صره أخرى.
فقال الغلام (عليه السلام): هذا لفلان بن فلان، من المحلة الفلانية بقم، والعين فيها خمسون دينارا، ولا ينبغي لنا أن ندني أيدينا إليها، فقال: لم؟ فقال (عليه السلام): من أجل أن هذه الدنانير من ثمن الحنطة، وكانت هذه الحنطة بينه وبين حراث له فأخذ نصيبه بكيل كامل وأعطى نصيبهم بكيل ناقص فقال مولانا الحسن (عليه السلام) صدقت يا بني.
ثم قال (عليه السلام) يا بن إسحاق، احمل هذه الصرة وبلغ أصحابها، وأوص بتبليغها إلى أصحابها فإنه لا حاجة بنا إليها ثم قال: جئ إلي بثوب تلك العجوز، فقال أحمد بن إسحاق: كان ذلك في حقيبة فنسيته، ثم مشى أحمد بن إسحاق ليجيء بذلك، فنظر إلي مولانا أبو محمد الهادي (عليه السلام) وقال: ما جاء بك يا سعد؟ فقلت شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا قال (عليه السلام): فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها، قلت: على حالها يا مولاي.
قال: فاسأل قرة عيني - وأومأ إلى الغلام - عما بدا لك، فقلت يا مولانا وابن مولانا، روي لنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل طلاق نسائه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى إنه بعث في يوم الجمل رسولا إلى عائشة وقال: إنك أدخلت الهلاك على الإسلام وأهله بالغش الذي حصل منك وأوردت أولادك في موضع الهلاك بالجهالة، فإن امتنعت وإلا طلقتك.
فأخبرنا يا مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض حكمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)؟
فقال (عليه السلام): إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي (صلى الله عليه وآله) فخصهن بشرف الأمهات، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبا الحسن إن هذا شرف باق ما دمن على طاعة الله، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فطلقها من الأزواج وأسقطها من شرف أمية المؤمنين.
ثم قلت أخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا فعلت المرأة تلك، يجوز لبعلها أن يخرجها من بيته في أيام عدتها؟ فقال (عليه السلام): تلك الفاحشة: السحق، وليست بالزنا، فإنها إذا زنت يقام عليها الحد، وليس لمن أراد تزويجها أن يمتنع من العقد عليها لأجل الحد الذي أقيم عليها، وأما إذا ساحقت فيجب عليها الرجم، والرجم هو الخزي، ومن أمر الله تعالى برجمها، فقد أخزاها، ليس لأحد أن يقربها.
ثم قلت: أخبرني يا بن رسول الله عن قول الله (عزَّ وجلَّ) لنبيه موسى (عليه السلام) ﴿فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى﴾ فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة.
فقال (عليه السلام): من قال ذلك فقد افترى على موسى، واستجهله في نبوته لأنه ما خلا الأمر فيها من أخطبين، إما أن كانت صلاة موسى فيها جائزة، أو غير جائزة فإن كانت صلاة موسى جائزة فيه، فجاز لموسى (عليه السلام) أن يكون لابسها في تلك البقعة وإن كانت مقدسة مطهرة، وإن كانت صلاته غير جائزة فيها، فقد أوجب أن موسى لم يعرف الحلال والحرام، ولم يعلم ما جازت الصلاة فيه مما لم يجز، وهذا كفر.
قلت: فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها قال (عليه السلام) إن موسى كان بالوادي المقدس، فقال:
يا رب، إني أخلصت لك المحبة مني وغسلت قلبي عمن سواك، وكان شديد الحب لأهله فقال الله تبارك وتعالى: ﴿فاخلع نعليك﴾ أي انزع حب أهلك من قلبك، إن كانت محبتك لي خالصة وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولا. فقلت: أخبرني عن تأويل ﴿كهيعص﴾ قال (عليه السلام) هذه الحروف من أنباء الغيب، أطلع الله عليها عبده زكريا ثم قصها على محمد (صلى الله عليه وآله).
وذاك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرائيل، فعلمه إياها فكان زكريا (عليه السلام) إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن سلام الله عليهم سري عنه همه، وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم الحسين (عليه السلام) خنقته العبرة. ووقعت عليه البهرة. فقال ذات يوم: إلهي، ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي، فإذا ذكرت الحسين تدمع عيني، وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته، فقال: ﴿كهيعص﴾ فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة، والياء يزيد، وهو ظالم الحسين (عليه السلام) والعين عطشه، والصاد صبره.
فلما سمع بذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب، وكان يرثيه: إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده! إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه!! إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة! إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما ثم كان يقول: إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر فإذا رزقتنيه، فافتني بحبه، ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده فرزقه الله تعالى يحيى، وفجعه به.
وكان حمل يحيى ستة أشهر، وحمل الحسين (عليه السلام) كذلك. فقلت أخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم، قال (عليه السلام) مصلح أو مفسد؟ قلت مصلح قال هل يجوز أن يقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى، قال: فهي العلة، أيدتها لك ببرهان يقبل ذلك عقلك قلت نعم.
قال (عليه السلام): أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل عليهم الكتب، وأيدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلام الأمم، فأهدى إلى ثبت الاختيار، ومنهم موسى وعيسى، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذ هما بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق، وهما يظنان أنه مؤمن؟ قلت: لا قال (عليه السلام) فهذا موسى كليم الله مع وفور عقله، وكمال علمه، ونزول الوحي عليه، اختار من أعيان قومه، ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا، ممن لم يشك في إيمانهم، وإخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين، قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا﴾ الآية.
فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح، وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد، علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور، وما تكن الضمائر، وينصرف عنه السرائر، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد، لما أرادوا أهل الصلاح.
ثم قال مولانا (عليه السلام) يا سعد إن من ادعى أن النبي - وهو خصمك - ذهب بمختار هذه الأمة مع نفسه إلى الغار، فإنه خاف عليه كما خاف على نفسه، لما علم أنه الخليفة من بعده على أمته، لأنه لم يكن من حكم الاختفاء أن يذهب بغيره معه، وإنما أقام عليا على مبيته، لأنه علم أنه إن قتل لا يكون من الخلل بقتله ما يكون بقتل أبي بكر، لأنه يكون لعلي من يقوم مقامه في الأمور، لم لا تنقض عليه بقولك: أولستم تقولون إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن الخلافة من بعدي ثلاثون سنة، وصيرها موقوفة على أعمار هؤلاء الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي (عليه السلام) فإنهم كانوا على مذهبكم خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فإن خصمك لم يجد بدا من قوله:
بلى. قلت له فإذا كان الأمر كذلك فكما كان أبو بكر الخليفة من بعده، كان هذه الثلاثة خلفاء أمنة من بعده، فلم ذهب بخليفة واحدة وهو أبو بكر إلى الغار؟ ولم يذهب بهذه الثلاثة؟
فعلى هذا الأساس يكون النبي (صلى الله عليه وآله) مستخفا بهم دون أبي بكر فإنه يجب عليه أن يفعل بهم ما فعل بأبي بكر، فلما لم يفعل ذلك بهم يكون متهاونا بحقوقهم، تاركا للشفقة عليهم، بعد أن كان يجب عليه أن يفعل بهم جميعا على ترتيب خلافتهم ما فعل بأبي بكر، وأما ما قال لك الخصم بأنهما أسلما طوعا أو كرها؟ لم لم تقل بل إنهما أسلما طمعا وذلك أنهما كانا يخالطان مع اليهود ويخبران بخروج محمد (صلى الله عليه وآله) واستيلائه على العرب من التوراة والكتب المقدسة وملاحم قصة محمد (صلى الله عليه وآله) ويقولون لهما يكون استيلاؤه على العرب كاستيلاء بخت نصر على بني إسرائيل، إلا أنه يدعي النبوة، ولا يكون من النبوة في شيء.
فلما ظهر أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ساعدا معه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله طمعا أن يجدا من جهة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولاية بلد إذا انتظم أمره، وتحسن باله، واستقامت ولايته. فلما أيسا من ذلك، وافقا مع أمثالهما ليلة العقبة، وتلثما مثل من تلثم منهم، ونفروا بدابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتسقطه، ويصير هالكا بسقوطه بعد أن صعد العقبة فيمن صعد، فحفظ الله تعالى نبيه من كيدهم، ولم يقدروا أن يفعلوا شيئا وكان حالهما كحال طلحة والزبير إذ جاءا عليا وبايعاه طمعا أن تكون لكل واحد منهما ولاية، فلما لم يكن ذلك وأيسا من الولاية نكثا بيعته، وخرجا عليه، حتى آل أمر كل واحد منهما إلى ما يؤول أمر من ينكث العهود والمواثيق.
ثم قام مولانا الحسن بن علي (عليه السلام) لصلاته، وقام القائم (عليه السلام) معه فرجعت من عندهما وطلبت أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكيا، فقلت ما أبطأك وما أبكاك؟ قال: قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره، قلت: لا بأس عليك فأخبره فدخل عليه وانصرف من عنده متبسما، وهو يصلي على محمد وأهل بيته فقلت: ما الخبر؟ فقال وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا يصلي عليه قال سعد فحمدنا الله جل ذكره على ذلك وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا (عليه السلام) أياما فلا نرى الغلام بين يديه.
فلما كان يوم الوداع، دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا فانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما وقال: يا بن رسول الله قد دنت الرحلة، واشتدت المحنة، فنحن نسأل الله أن يصلي على المصطفى جدك، وعلى المرتضى أبيك، وعلى سيدة النساء أمك، وعلى سيدي شباب أهل الجنة عمك وأبيك، وعلى الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك، وأن يصلي عليك وعلى ولدك، ونرغب إليه أن يعلي كعبك، ويكبت عدوك، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك، قال: فلما قال هذه الكلمة استعبر مولانا حتى استهملت دموعه، وتقاطرت عبراته.
ثم قال: يا بن إسحاق لا تكلف في دعائك شططا، فإنك ملاق الله في صدرك هذا، فخر أحمد مغشيا عليه فلما أفاق قال: سألتك بالله وبحرمة جدك إلا ما شرفتني بخرقة أجعلها كفنا فأدخل مولانا (عليه السلام) يده تحت البساط، فأخرج ثلاثة عشر درهما، فقال: خذها ولا تنفق على نفسك غيرها، فإنك لن تعدم ما سألت، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا. قال سعد:
فلما صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا (عليه السلام) من حلوان على ثلاثة فراسخ، حم أحمد بن إسحاق، وثارت عليه علة صعبة أيس من حياته فيها، فلما وردنا حلوان، ونزلنا في بعض الخانات، دعا أحمد بن إسحاق رجلا من أهل بلده كان قاطنا بها.
ثم قال: تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه، ورجع كل واحد منا إلى مرقده. قال سعد: فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح، أصابتني فكرة، ففتحت عيني، فإذا أنا بكافور الخادم، خادم مولانا أبي محمد (عليه السلام) وهو يقول أحسن الله بالخير عزاكم، وختم بالمحجوب رؤيتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم، ومن تكفينه، فقوموا لدفنه، فإنه من أكرمكم محلا عند سيدكم، ثم غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والنحيب والعويل حتى قضينا حقه وفرغنا من أمره رحمه الله.
- ومنها(23) ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام): أترون الموصي منا يوصي إلى من يريد؟ لا والله ولكن عهد من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه.
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أن إمامة مولانا وسيدنا الحجة بن الحسن العسكري صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه ثابتة بكلا الطريقين، أعني بالنص، والمعجزة المتواترين، فلنذكر نبذا منها في فصلين، لئلا يكون هذا الكتاب خاليا عن الدليل والله يقضي بالحق وهو يهدي السبيل، وهو حسبي ونعم الوكيل.
الفصل الأول: في نبذة من الأحاديث المتواترة الدالة على إمامته (عليه السلام) بالخصوص
- فمنها(24) ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعه الحسن بن علي (عليه السلام) وهو متك على يد سلمان، فدخل المسجد الحرام، فجلس إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس، فسلم على أمير المؤمنين، فرد (عليه السلام) فجلس، ثم قال: يا أمير المؤمنين: أسألك عن ثلاث مسائل، إن أخبرتني بهن علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما قضى عليهم، وأن ليسوا بمأمونين في دنياهم وآخرتهم وإن تكن الأخرى، علمت أنك وهم شرع سواء.
فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): سلني عما بدا لك. قال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين يذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟
فالتفت أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الحسن فقال يا أبا محمد، أجبه، قال: فأجابه الحسن (عليه السلام) فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله، ولم أزل أشهد بها، وأشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أنك وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) والقائم بحجته وأشار إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنك وصيه، والقائم بحجته، وأشار إلى الحسن(25) وأشهد أن الحسين بن علي وصي أخيه والقائم بحجته بعده، وأشهد على علي بن الحسين أنه القائم بأمر الحسين بعده وأشهد على محمد بن علي أنه القائم بأمر علي بن الحسين وأشهد على جعفر بن محمد بأنه القائم بأمر محمد وأشهد على موسى أنه القائم بأمر جعفر بن محمد، وأشهد على علي بن موسى أنه القائم بأمر موسى بن جعفر، وأشهد على محمد بن علي أنه القائم بأمر علي بن موسى، وأشهد على علي بن محمد بأنه القائم بأمر محمد ابن علي، وأشهد على الحسن بن علي بأنه القائم بأمر علي بن محمد، وأشهد على رجل من ولد الحسن لا يكنى ولا يسمى حتى يظهر أمره، فيملأها عدلا كما ملئت جورا، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
ثم قام فمضى، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا محمد اتبعه فانظر أين يقصد، فخرج الحسن بن علي (عليهما السلام)، فقال: ما كان إلا أن وضع رجله خارجا من المسجد، فما دريت أين أخذ من أرض الله، فرجعت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأعلمته فقال: يا أبا محمد أتعرفه؟ قلت: الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم، قال: هو الخضر (عليه السلام).
- ومنها ما رواه الشيخ الصدوق الفقيه السديد أبو جعفر محمد بن علي بن حسين بن موسى بن بابويه القمي (ره) في إكمال الدين وإتمام النعمة(26) بسند كالصحيح أو الصحيح على بعض الوجوه، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: دخلت على موسى بن جعفر (عليه السلام) فقلت له: يا بن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال: أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله (عزَّ وجلَّ) ويملأها عدلا كما ملئت جورا وظلما، هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون.
ثم قال (عليه السلام): طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منا، ونحن منهم، فقد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم ثم طوبى لهم، هم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة.
- ومنها ما روي في الخرائج(27) أن محمد بن مسلم قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه المعلى بن خنيس باكيا، فقال: وما يبكيك؟ قال: بالباب قوم يزعمون أن ليس لكم علينا فضل، وأنكم وهم شيء واحد فسكت، ثم دعا بطبق من تمر. فأخذ منه تمرة فشقها نصفين، وأكل التمر، وغرس النوى في الأرض فنبتت فحمل بسرا. فأخذ منها واحدة فشقها، فأكل وأخرج منها رقا ودفعه إلى المعلى وقال له: اقرأ وإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي المرتضى والحسن والحسين وعلي بن الحسين، وعدهم واحدا واحدا إلى الحسن العسكري وابنه (عليهم السلام).
- ومنها(28) ما رواه الصدوق في الصحيح عن الريان بن الصلت، قال: قلت للرضا (عليه السلام) أنت صاحب الأمر فقال: أنا صاحب الأمر، ولكني لست بالذي أملأها عدلا كما ملئت جورا، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني! ولكن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشبان قوي في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان (عليه السلام) ذاك الرابع من ولدي، يغيبه الله في ستره ما شاء الله ثم يظهره فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.
- ومنها ما رواه(29) في الصحيح عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) يقول الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف فقلت وكيف جعلني الله فداك فقال لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه فقلت فكيف نذكره قال (عليه السلام): قولوا: الحجة من آل محمد (صلى الله عليه وآله).
- ومنها ما رواه(30) الصدوق فيه في الصحيح، عن عثمان بن سعيد العمري قال: سئل أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السلام): إن الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة، وإن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وقال (عليه السلام): إن هذا حق كما أن النهار حق، فقيل له: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال (عليه السلام): ابني محمد وهو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون ويكذب فيها الوقاتون ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة.
أقول: قد روى الشيخ الثقة الجليل علي بن محمد بن علي الخزاز القمي (ره) في كتاب كفاية الأثر في النص على الاثني عشر مائة وسبعين حديثا من طرق الفريقين كلها مشتملة على التصريح بالقائم المنتظر، وفيها كفاية لمن اعتبر وهداية لمن استبصر ولعلنا نذكر بعضها في سائر أبواب هذا الكتاب وإلى الله أدعو وإليه مآب.
الفصل الثاني: في ذكر شيء يسير من معجزاته المتواترة وكراماته الباهرة
- فمنها ما رواه(31) الصدوق عن محمد بن عثمان العمري (ره) يقول: لما ولد الخلف المهدي صلوات الله عليه وآله سطع نور من فوق رأسه إلى عنان السماء.
ثم سقط لوجهه ساجدا لربه تعالى ذكره ثم رفع رأسه وهو يقول: ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة﴾ إلى آخر الآية.
- ومنها(32) أنه هبط من السماء حين ولد طيور بيضاء ومسحت أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثم طارت، فقال أبو محمد (عليه السلام): تلك الملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج.
رواه الصدوق في كتاب إكمال الدين.
- ومنها(33) ما فيه بسند صحيح عن محمد بن شاذان بن نعيم بنيسابور قال: اجتمع عندي مال للقائم (عليه السلام) خمسمائة درهم تنقص منها عشرين درهما فأنفت أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار، فأتممتها من عندي، وبعثت بها إلى محمد بن جعفر، ولم أكتب ما لي فيها فأنفذ إلي محمد بن جعفر القبض وفيه: وصلت خمسمائة درهم لك منها عشرون درهما.
أقول: رواه في الكافي(34) عن علي بن محمد عن محمد بن علي بن شاذان النيسابوري مثله بأدنى تفاوت في اللفظ.
- ومنها(35) ما رواه أيضا في الصحيح عن محمد بن هارون، قال كانت للغريم علي خمسمائة دينار فأنا ليلة ببغداد، وقد كان لها ريح وظلمة، وقد فزعت فزعا شديدا وفكرت فيما علي ولي وقلت في نفسي: حوانيت اشتريتها بخمسمائة وثلاثين دينارا وقد جعلتها للغريم (عليه السلام) بخمسمائة دينارا.
قال: فجائني من تسلم مني الحوانيت، وما كتبت إليه في شيء من ذلك من قبل أن ينطق لساني ولا أخبرت به أحدا.
- ومنها(36) أن علي بن محمد الصيمري(37) كتب إليه (عليه السلام) يسأل كفنا فورد أنه يحتاج إليه سنة ثمانين أو إحدى وثمانين فمات رحمه الله في الوقت الذي حدده وبعث إليه الكفن قبل موته بشهر.
رواه الصدوق (ره) في الإكمال.
أقول: من جملة معجزاته الباهرة وكراماته الظاهرة حصول المقاصد بإلقاء رقعة الاستغاثة به (عليه السلام) وهذا أمر مشاهد بالعيان ومجرب بالوجدان وسنذكرها في خاتمة هذا الكتاب والله هو الهادي إلى الصواب.
وإن شئت أن تطلع على معجزاته فارجع إلى الكتب المعدة لذلك لكي يتضح لك المسالك مثل كتاب إكمال الدين للشيخ الصدوق، والخرائج للشيخ سعيد بن هبة الله، وبحار الأنوار للفاضل الكامل مولانا محمد باقر المجلسي. والنجم الثاقب للعالم الكامل مولانا الحاج ميرزا حسين النوري، شكر الله تعالى مساعيهم الجميلة، وأثابهم بالأيادي الجزيلة.
وإني لو ذكرت أكثر مما رويت لعاقني عما على نفسي قضيت وما ذكرت كاف إذا كان أحد في البيت.
الباب الثالث: في نبذة من حقوقه علينا ومراحمه إلينا
وهي كثيرة، جليلة، لا أكاد أحصيها، ولا أستطيع الغوص فيها. فمثلها البحر الزاخر واليم المائر، غير أني أغترف منه غرفة، وأبتغي بذلك القربة، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.
فمنها حق الوجود فإنه السبب في وجودك وكل موجود، ولولاه ما خلقت أنت ولا غيرك، بل لولاه ما خلقت أرض ولا فلك، لولاه لم يقترن بالأول الثاني.
- ويدل على ذلك قوله في التوقيع الشريف المروي في الاحتجاج(38): ونحن صنائع ربنا، والخلق بعد صنائعنا، الخ، ومعنى هذا الكلام يجري على وجهين: أحدهما ما ذكر صلوات الله عليه في توقيع آخر.
- روى في الاحتجاج(39) أنه اختلف جماعة من الشيعة في أن الله (عزَّ وجلَّ) فوض إلى الأئمة أن يخلقوا ويرزقوا، فقال قوم هذا محال لا يجوز على الله لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله (عزَّ وجلَّ)، وقال آخرون: بل الله (عزَّ وجلَّ) أقدر الأئمة على ذلك وفوض إليهم فخلقوا، ورزقوا، وتنازعوا في ذلك تنازعا شديدا فقال قائل ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان فتسألونه عن ذلك، ليوضح لكم الحق فيه، فإنه الطريق إلى صاحب الأمر، فرضيت الجماعة بأبي جعفر، وسلمت وأجابت إلى قوله، فكتبوا المسألة، وأنفذوها إليه، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته: إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام، وقسم الأرزاق، لأنه ليس بجسم، ولا حال في جسم، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، فأما الأئمة (عليهم السلام) فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق، إيجابا لمسألتهم وإعظاما لحقهم. انتهى.
وحاصل هذا الوجه أنه وآبائه (عليهم السلام) هم الوسائط في إيصال الفيوضات الإلهية إلى سائر المخلوقات وإليه أشير في دعاء الندبة: " أين السبب المتصل بين أهل الأرض والسماء " ونسبة الفعل إلى السبب والواسطة كثيرة جدا في العرف واللغة.
والوجه الثاني: أنه المقصود الأصلي والغرض الحقيقي من خلق جميع ما أنشأه الباري تعالى شأنه، وكذا آباؤه الطاهرون (عليهم السلام) فهم العلة الغائية وخلق ما سواهم لأجلهم.
ويؤيد ذلك ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: نحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائع لنا. والأحاديث الدالة عليه متظافرة.
- منها ما رواه الصدوق في الإكمال(40) مسندا عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما خلق الله خلقا أفضل مني، ولا أكرم عليه مني.
قال علي (عليه السلام): فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرائيل؟ فقال (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على الملائكة المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك. فإن الملائكة لخدامنا، وخدام محبينا، يا علي:
﴿الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا﴾ بولايتنا، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حوا ولا الجنة ولا النار، ولا السماء ولا الأرض، وكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى التوحيد ومعرفة ربنا (عزَّ وجلَّ) وتسبيحه وتقديسه وتهليله! لأن أول ما خلق الله (عزَّ وجلَّ) أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتمجيده، ثم خلق الملائكة، فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا، استعظموا أمورنا، فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون وأنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة أن لا إله إلا الله. فلما شاهدوا كبر محلنا، كبرنا الله، لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال، وأنه عظيم المحل فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من القدرة والقوة، قلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالت الملائكة: لا حول ولا قوة إلا بالله.
فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا، وأوجبه من فرض الطاعة قلنا: الحمد لله، لتعلم الملائكة ما يحق الله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه، فقالت الملائكة: الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفة الله تعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده، ثم إن الله تعالى خلق آدم (عليه السلام) وأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا وإكراما، وكان سجودهم لله (عزَّ وجلَّ) عبودية، ولآدم إكراما وطاعة لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون! وإنه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرائيل مثنى مثنى.
ثم قال تقدم يا محمد فقلت: يا جبرائيل، أتقدم عليك؟ فقال: نعم لأن الله تبارك وتعالى اسمه فضل أنبيائه على ملائكته أجمعين وفضلك خاصة، فتقدمت وصليت بهم ولا فخر، فلما انتهينا إلى حجب النور، قال لي جبرائيل تقدم يا محمد. وتخلف عني، فقلت: يا جبرائيل، في مثل هذا الموضع تفارقني؟ فقال: يا محمد، إن هذا انتهاء حدي الذي وضعه الله لي في هذا المكان، فإن تجاوزته احترقت أجنحتي، لتعدي حدود ربي جل جلاله، فزخ بي ربي زخة في النور حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله (عزَّ وجلَّ) من ملكوته، فنوديت يا محمد فقلت لبيك ربي وسعديك، تباركت وتعاليت، فنوديت: يا محمد أنت عبدي، وأنا ربك فإياي فاعبد، وعلي فتوكل، فإنك نوري في عبادي، ورسولي إلى خلقي، وحجتي في بريتي، لمن تبعك خلقت جنتي، ولمن عصاك وخالفك خلقت ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتي، ولشيعتك أوجبت ثوابي.
فقلت: يا رب، ومن أوصيائي؟ فنوديت يا محمد، إن أوصيائك المكتوبون على ساق العرش، فنظرت وأنا بين يدي ربي إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نورا، في كل نور سطر أخضر مكتوب عليه اسم كل وصي من أوصيائي، أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم مهدي أمتي فقلت: يا رب أهؤلاء أوصيائي من بعدي فنوديت يا محمد هؤلاء أوليائي، وأحبائي، وأصفيائي، وحججي بعدك على بريتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك، وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني، ولأعلين بهم كلمتي، ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأملكنه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح، ولأذللن له الرقاب الصعاب، ولأرقينه في الأسباب، ولأنصرنه بجندي، ولأمدنه بملائكتي حتى يعلن دعوتي، ويجمع الخلق على توحيدي، ثم لأديمن ملكه، ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة.
والحمد لله رب العالمين والصلاة على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما.
- ومنها: حق البقاء في الدنيا: فلولاه ما حييت في الدنيا ساعة، ولا وجدت على الأرض ساحة. ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام (ره) في الكافي(41) بسند صحيح عن الوشاء(42) قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) هل تبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لا، قلت: إنا نروي أنها لا تبقى إلا أن يسخط الله (عزَّ وجلَّ) على العباد. قال: لا تبقى، إذا لساخت.
- وفي رواية أخرى(43) عن أبي عبد الله (عليه السلام): لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت.
- وروى الصدوق (ره) في الإكمال(44) بسند قوي كالصحيح أو الصحيح على الصحيح عن أبي حمزة الثمالي (اسمه ثابت) عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حدثني جبرائيل، عن رب العزة جل جلاله، أنه قال: من علم أنه لا إله إلا أنا وحدي، وأن محمدا عبدي ورسولي، وأن علي بن أبي طالب خليفتي، وأن الأئمة من ولده حججي، أدخله الجنة برحمتي، وأنجيه من النار بعفوي وأبحت له جواري، وأوجبت له كرامتي، وأتممت عليه نعمتي، وجعلته من خاصتي وخالصتي، إن ناداني لبيته، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن سكت ابتدأته، وإن ساء رحمته، وإن فر مني دعوته وإن رجع إلي قبلته، وإن قرع بابي فتحته، ومن لم يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي، ولم يشهد أن محمدا عبدي ورسولي أو شهد بذلك ولم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغر عظمتي، وكفر بآياتي وكتبي، إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيبته، وذلك جزاؤه مني، وما أنا بظلام للعبيد.
فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله، ومن الأئمة من ولد علي بن أبي طالب؟ قال (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثم سيد العابدين في زمانه علي ابن الحسين، ثم الباقر محمد بن علي، وستدركه يا جابر، فإذا أدركته فأقرئه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم الكاظم موسى بن جعفر، ثم الرضا علي بن موسى، ثم التقي محمد بن علي، ثم النقي علي بن محمد، ثم الزكي الحسن بن علي، ثم ابنه القائم بالحق مهدي أمتي، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي، وعترتي، من أطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني، بهم يمسك الله (عزَّ وجلَّ) السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبهم يحفظ الأرض أن تميد بأهلها.
- وعن غيبة النعماني عن الصادق عن أمير المؤمنين (عليه السلام): واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجة لله ولكن الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجة لله لساخت بأهلها. والأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا.
ومنها حق القرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله). ففي سورة حمعسق(45) ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾.
- وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال هم الأئمة (عليهم السلام). وفي حديث نداء القائم (عليه السلام) حين ظهوره في مكة: وأسألكم بحق الله وحق رسوله وبحقي فإن لي عليكم حق القربى برسول الله (صلى الله عليه وآله).
- ومنها حق المنعم على المتنعم وحق واسطة النعمة، ففي النبوي قال (صلى الله عليه وآله): من آتى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا من أنفسكم أنكم قد كافأتموه، انتهى.
وقد اجتمع الحقان لمولانا صاحب الزمان (عليه السلام) فإن ما ينتفع به أهل كل زمان إنما هو ببركة إمام زمانهم (عليه السلام)، ويدل على ما ذكرنا ما في زيارة الجامعة: (وأولياء النعم).
- وما في الكافي(46) عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن الله خلقنا، فأحسن خلقنا، وصورنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ووجهه الذي يؤتى منه وبابه الذي يدل عليه، وخزانه في سمائه وأرضه، بنا أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء، وينبت عشب الأرض، وبعبادتنا عبد الله، ولولا نحن ما عبد الله.
- وفي الخرائج عنه (عليه السلام): يا داود لولانا ما أطردت الأنهار ولا أينعت الثمار ولا اخضرت الأشجار.
- وما في الكافي(47) في حديث مرفوع عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خلق الله آدم وأقطعه الدنيا قطيعة، فما كان لآدم (عليه السلام) فلرسول الله (صلى الله عليه وآله) وما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فهو للأئمة من آل محمد (عليهم السلام).
- وفي حديث آخر(48) الدنيا وما فيها لله تبارك وتعالى ولرسوله ولنا، فمن غلب على شيء منها فليتق الله، وليؤد حق الله تبارك وتعالى، وليبر إخوانه فإن لم يفعل ذلك فالله ورسوله ونحن برآء منه.
- وفي دار السلام من كتاب بصائر الدرجات، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (عليه السلام):
يا أبا حمزة، لا تنامن قبل طلوع الشمس، فإني أكرهها لك إن الله يقسم في ذلك الوقت أرزاق العباد، وعلى أيدينا يجريها.
ومنها حق الوالد على الولد فإن الشيعة مخلوقون من فاضل طينتهم، كما أن الولد مخلوق من والده.
- وفي الكافي(49) عن الرضا (عليه السلام): الإمام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق.
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا وعلي أبوا هذه الأمة.
- وعن أبي عبد الله (عليه السلام)(50): إن الله خلقنا من عليين، وخلق أرواحنا من فوق ذلك، وخلق أرواح شيعتنا من عليين، وخلق أجسادهم من دون ذلك فمن أجل ذلك القرابة بيننا وبينهم، وقلوبهم تحن إلينا.
- وعن أبي جعفر (عليه السلام)(51): إن الله خلقنا من أعلى عليين وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا، وخلق أبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إلينا، لأنها خلقت مما خلقنا (الخبر).
- وفي الإكمال(52) عن عمر بن صالح السابري قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الآية ﴿أصلها ثابت وفرعها في السماء﴾ قال: أصلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفرعها في السماء هو أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسن والحسين ثمرها، وتسعة من ولد الحسين أغصانها، والشيعة ورقها والله إن الرجل منهم ليموت فتسقط ورقة من تلك الشجرة.
- وفي البحار(53) عن أمالي الشيخ الطوسي (ره) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أنا شجرة وفاطمة (عليها السلام) فرعها وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، ومحبوهم من أمتي ورقها.
والأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا مروية في الكافي والبرهان وغيرهما تركناها حذرا من الإطالة والعارف يكفيه الإشارة ولله در من قال:
يا حبذا دوحة في الخلد نابتة * ما مثلها نبتت في الخلد من شجر
المصطفى أصلها والفرع فاطمة * ثم اللقاح علي سيد البشر
والهاشميان سبطاها لها ثمر * والشيعة الورق الملتف بالثمر
هذا مقال رسول الله جاء به * أهل الروايات في العالي من الخبر
إني بحبهم أرجو النجاة غدا * والفوز مع زمرة من أحسن الزمر
ومنها حق السيد على العبد.
- ففي الزيارة الجامعة(54) (والسادة الولاة).
- وفي النبوي (صلى الله عليه وآله)(55) من طريق المخالفين: نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة، أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي (عليهم السلام).
أقول: بيان سيادة الأئمة (عليهم السلام) لنا يظهر مما مر، ومعنى سيادتهم (عليهم السلام) كونهم أولى بك منك في جميع أمورك كما قال الله تعالى:
- ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾(56).
- روي في كفاية الأثر(57) مسندا عن الحسين بن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): أنا أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ثم أنت يا علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم بعدك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وبعده الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم بعده علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم بعده محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وبعده جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم بعده موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم بعده علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم بعده محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم بعده علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم بعده الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والحجة ابن الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، أئمة أبرار، هم مع الحق والحق معهم، وقريب منه.
- في الإكمال(58) والكافي(59) من طريق آخر.
- وعن أبي الحسن موسى (عليه السلام)(60): إن الناس عبيد لنا في الطاعة.
- ومنها(61) حق العالم على المتعلم، فهو وآباؤه الطاهرون هم الراسخون في العلم كما في عدة روايات عن الصادق (عليه السلام) وقد أمر الناس(62) بالسؤال عنهم في قوله تعالى: ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾.
ومنها حق الإمام على الرعية.
- ففي الكافي(63) بإسناده عن أبي حمزة، قال سألت أبا جعفر (عليه السلام): ما حق الإمام على الناس؟
قال (عليه السلام): حقه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا، الخبر.
- وفي خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) المروية في روضة الكافي(64) قال: أما بعد: فقد جعل الله تعالى لي عليكم حقا بولاية أمركم، ومنزلتي التي أنزلني الله عز ذكره بها منكم، إلى أن قال في ذكر الحقوق التي فرضها الله تعالى: فأعظم ما افترض بعضها الله تبارك وتعالى من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، الخ.
فهذه نبذة من حقوقه (عليه السلام) على الأنام، ويتبين لك جملة منها في الباب الآتي إن شاء الله تعالى.
الباب الرابع: في الجهات المجتمعة فيه (عليه السلام) الموجبة للدعاء له على الأنام
وهي أمور، لو وجد واحد منها في أحد لاستحق الدعاء بحكم العقل، أو الشرع أو الجبلة الإنسانية، بل الطبيعة الحيوانية وقد اجتمعت كلها في وجوده، وذلك من كمال سعوده، وهي كثيرة أيضا، لكني أذكر جملة منها على ترتيب حروف الهجاء، وأستعين من خالق الأرض والسماء، وأسأله أن يجعلني من موالي خاتم الأوصياء وآبائه البررة الأتقياء، إن ربي لسميع الدعاء.
حرف الألف: إيمانه بالله (عليه السلام)
ينبغي الدعاء للمؤمن بمقتضى الاشتراك في الإيمان بحكم العقل والشرع.
- ففي الكافي(65) مسندا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما من مؤمن دعا للمؤمنين والمؤمنات، إلا رد الله (عزَّ وجلَّ) عليه مثل الذي دعا لهم به، من كل مؤمن ومؤمنة مضى من أول الدهر أو هو آت إلى يوم القيامة، إن العبد المؤمن ليؤمر به إلى النار يوم القيامة فيسحب، فيقول المؤمنون والمؤمنات يا رب هذا الذي كان يدعو لنا، فشفعنا فيه، فيشفعهم الله (عزَّ وجلَّ) فيه فينجو.
- وفيه(66) مسندا عن عيسى بن أبي منصور قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) أنا وابن أبي يعفور وعبد الله بن طلحة فقال (عليه السلام) ابتداءا منه، يا بن أبي يعفور، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ست خصال من كن فيه كان بين يدي الله (عزَّ وجلَّ)، وعن يمين الله (عزَّ وجلَّ)، فقال ابن أبي يعفور: وما هي جعلت فداك؟ قال: يحب المرء المسلم لأخيه ما يحب لأعز أهله، ويكره المرء المسلم لأخيه ما يكره لأعز أهله، ويناصحه الولاية، فبكى ابن أبي يعفور، وقال: كيف يناصحه الولاية؟ قال: يا بن أبي يعفور إذا كان منه بتلك المنزلة بثه همه ففرح لفرحه إن هو فرح وحزن لحزنه إن هو حزن، وإن كان عنده ما يفرج عنه، فرج عنه وإلا دعا الله له.
قال ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) ثلاث لكم، وثلاث لنا: أن تعرفوا فضلنا، وأن تطأوا عقبنا، وتنتظروا عاقبتنا، فمن كان هكذا كان بين يدي الله (عزَّ وجلَّ)، فيستضيء بنورهم من هو أسفل منهم وأما الذين عن يمين الله فلو أنهم يراهم من دونهم لم يهنئهم العيش مما يرون من فضلهم، فقال ابن أبي يعفور: وما لهم لا يرون وهم عن يمين الله!
فقال (عليه السلام) يا بن أبي يعفور إنهم محجوبون بنور الله أما بلغك الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: إن لله خلقا عن يمين العرش بين يدي الله، وعن يمين الله وجوههم أبيض من الثلج، وأضوء من الشمس الضاحية، يسأل السائل ما هؤلاء فيقال: هؤلاء الذين تحابوا في جلال الله.
أمره بالمعروف: يأتي ما يناسبه في نهيه عن المنكر.
استجابة دعائنا ببركة وجوده. إعلم أن من جملة نعم الله تعالى العظيمة علينا إذنه لنا في الدعاء ومسألة حاجاتنا منه تبارك وتعالى واستجابة دعائنا بمنه وكرمه ولما ثبت أن وصول جميع نعمه إلينا إنما يكون ببركة وجود إمام زماننا (عليه السلام)، وثبت أن إجابة الدعاء من أجل النعم بل أعظمها إذ به يتوصل إلى سائر نعمه، تحقق عظمة حق مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) علينا بسبب كون وجوده وسيلة لحصول هذه النعمة الجسيمة، والموهبة العظيمة فيجب علينا تلافي ذلك بالدعاء له (عليه السلام) وبسائر ما يحصل به شكر ذلك الإنعام.
ومما يدل بالخصوص على كون وجود الإمام سببا واسطة لحصول هذا الإنعام بالنسبة إلى كافة الأنام، ما رواه الصفار في بصائر الدرجات بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام)(67) قال: قال رسول الله لأمير المؤمنين (عليه السلام): أكتب ما أملي عليك، قال علي: يا نبي الله وتخاف النسيان؟
قال (صلى الله عليه وآله): لست أخاف عليك النسيان وقد دعوت الله لك أن يحفظك فلا ينساك، لكن اكتب لشركائك، قال: قلت: ومن شركائي يا نبي الله؟ قال (صلى الله عليه وآله): الأئمة من ولدك بهم تسقى أمتي الغيث، وبهم يستجاب دعاؤهم، وبهم يصرف البلاء عنهم، وبهم تنزل الرحمة من السماء وهذا أولهم، وأومأ بيده إلى الحسن (عليه السلام) - ثم أومأ بيده إلى الحسين - ثم قال (صلى الله عليه وآله): الأئمة من ولدك.
أقول: وهذا الحديث بملاحظة سائر عباراته صريح في ما ذكرناه كما لا يخفى إحسانه إلينا بالدعاء ودفع الأعداء، وكشف البأساء، وسائر ما نشير إلى جملة منها إن شاء الله.
وقد قال الله تعالى: ﴿هل جزاء الإحسان إلا الإحسان﴾ والإحسان باعث للدعاء بحكم العقل والشرع، ومقتضى الجبلة الإنسانية، أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم، فطالما استعبد الإنسان إحسان، إباحة ما في أيدينا من حقوقه لنا.
- ففي الكافي(68) عن مسمع، عن الصادق (عليه السلام) في حديث طويل: يا أبا سيار، إن الأرض كلها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا. فقلت له: وأن أحمل إليك المال كله؟ فقال (عليه السلام):
يا أبا سيار فقد طيبناه لك، وأحللناك منه، فضم إليك مالك وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض، فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا (عليه السلام)، فيجبيهم طسق(69) ما كان في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم. وأما ما كان في أيدي غيرهم، فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم، حتى يقوم قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم، ويخرجهم صغرة - الحديث.
استنصاره - يأتي في حرف الظاء المعجمة، وفي شباهاته بجده الشهيد أبي عبد الله الحسين (عليهم السلام)، في حرف الكاف، وفي نداءاته من حرف النون، إن شاء الله تعالى.
إغاثة الملهوفين منا
- ففي توقيعه(70) إلى الشيخ المفيد: إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، لولا ذلك لنزل بكم اللأواء، واصطلمكم الأعداء، الخ.
- ويعجبني هنا نقل واقعة مما ذكره العالم الفاضل الرباني الحاج ميرزا حسين النوري، ضاعف الله له النور، وأعلى درجته في الدار السرور في كتاب جنة المأوى(71)، في ذكر من فاز بلقاء الحجة (عليه السلام)، أو معجزته في الغيبة الكبرى، قال: حدثني العالم الجليل والحبر النبيل، مجمع الفضائل والفواضل الصفي الوفي، المولى علي الرشتي، طاب ثراه وكان عالما برا تقيا زاهدا حاويا لأنواع العلم، بصيرا ناقدا، من تلامذة السيد السند الأستاذ الأعظم دام ظله: ولما طال شكوى أهل الأرض حدود فارس ومن والاه إليه من عدم وجود عالم عامل كامل، نافذ الحكم فيهم، أرسله إليهم عاش فيهم سعيدا ومات هناك حميدا، رحمه الله وقد صاحبته مدة سفرا وحضرا، ولم أجد في خلقه وفضله نظيرا إلا يسيرا.
قال: رجعت مرة من زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) عازما للنجف الأشرف من طريق الفرات، فلما ركبنا في بعض السفن الصغار التي كانت بين كربلاء وطويرج، رأيت أهلها من أهل الحلة ومن طويرج، تفترق طريق الحلة والنجف، واشتغل الجماعة باللهو واللعب والمزاح، رأيت واحدا منهم لا يدخل في عملهم، عليه آثار السكينة والوقار، ولا يمازح ولا يضحك، وكانوا يعيبون على مذهبه، ويقدحون فيه، ومع ذلك كان شريكا في أكلهم وشربهم، فتعجبت منه إلى أن وصلنا إلى محل كان الماء قليلا، فأخرجنا صاحب السفينة، فكنا نمشي على شاطئ النهر، فاتفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق، فسألته عن سبب مجانبته عن أصحابه، وذمهم إياه وقدحهم فيه، فقال: هؤلاء من أقاربي من أهل السنة، وأبي منهم، وأمي من أهل الإيمان، وكنت أيضا منهم، ولكن الله من علي ببركة الحجة صاحب الزمان (عليه السلام) فسألت عن كيفية إيمانه.
فقال: اسمي ياقوت، وأنا أبيع الدهن عند جسر الحلة فخرجت في بعض السنين لجلب الدهن من أهل البراري خارج الحلة، فبعدت عنها بمراحل، إلى أن قضيت وطري من شراء ما كنت أريد منه وحملته على حماري ورجعت مع جماعة من أهل الحلة، ونزلنا في بعض المنازل ونمنا، وانتبهت، فما رأيت أحدا منهم وقد ذهبوا جميعا، وكان طريقنا في برية قفر، ذات سباع كثيرة، ليس في أطرافها معمورة، إلا بعد فراسخ كثيرة، فقمت وجعلت الحمل على الحمار ومشيت خلفهم، فضل عني الطريق، وبقيت متحيرا خائفا من السباع والعطش في يومه، فأخذت أستغيث بالخلفاء والمشايخ وأسألهم الإعانة، وجعلتهم شفعاء عند الله تعالى، وتضرعت كثيرا فلم يظهر منهم شيء، فقلت في نفسي إني سمعت من أمي، أنها كانت تقول إن لنا إماما حيا يكنى أبا صالح، يرشد الضال ويغيث الملهوف ويعين الضعيف، فعاهدت الله تعالى أن أستغيث به فإن أغاثني أدخل في دين أمي فناديته، واستغثت به، فإذا بشخص في جنبي وهو يمشي معي، وعليه عمامة خضراء.
قال (ره): وأشار حينئذ إلى نبات حافة النهر وقال كانت خضرتها مثل خضرة هذا النبات، ثم دله على الطريق، وأمره بالدخول في دين أمه، وذكر كلمات نسيتها.
وقال: ستصل عن قريب إلى قرية أهلها جميعا من الشيعة، قال: فقلت: يا سيدي أنت لا تجيء معي إلى هذه القرية؟ فقال (عليه السلام) ما معناه: لا، لأنه استغاث بي ألف نفس في أطراف البلاد، أريد أن أغيثهم، ثم غاب عني، فما مشيت إلا قليلا حتى وصلت إلى القرية وكان في مسافة بعيدة، ووصل الجماعة إليها بعدي بيوم.
فلما دخلت الحلة ذهبت إلى سيد الفقهاء السيد مهدي القزويني، طاب ثراه، وذكرت له القصة فعلمني معالم ديني، فسألت عنه عملا أتوصل به إلى لقائه مرة أخرى، فقال زر أبا عبد الله (عليه السلام) أربعين ليلة جمعة.
قال: فكنت أزوره من الحلة في ليالي الجمع إلى أن بقي واحدة، فذهبت من الحلة في يوم الخميس، فلما وصلت إلى باب البلد، فإذا جماعة من أعوان الظلمة يطالبون الواردين التذكرة، وما كان عندي تذكرة ولا قيمتها، فبقيت متحيرا، والناس متزاحمون على الباب، فأردت مرارا أن أتخفى وأجوز عنهم، فما تيسر لي، وإذا بصاحبي صاحب الأمر (عليه السلام) في زي لباس طلبة الأعاجم، عليه عمامة بيضاء في داخل البلد فلما رأيته استغثت به، فخرج وأخذني معه وأدخلني من الباب فما رآني أحد.
فلما دخلت البلد افتقدته من بين الناس وبقيت متحسرا على فراقه.
أمن السبل والبلاد بظهوره (عليه السلام)
- في البحار(72) من إرشاد الديلمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها ورد كل حق إلى أهله، الخ وفي حديث آخر عنه: تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب، ولا يهيجها أحد، وفي آخر عنه في قوله تعالى: ﴿سيروا فيها ليالي وأياما آمنين﴾ قال (عليه السلام): مع قائمنا أهل البيت.
إحياء دين الله وإعلاء كلمة الله
في دعاء الندبة: أين محيي معالم الدين وأهله. وفي الحديث القدسي الذي ذكرناه في الباب السابق ولأظهرن به ديني...، الخ.
- وفي تفسير قوله تعالى: ﴿ليظهره على الدين كله﴾(73) بظهور القائم.
- وفي البحار(74) في حديث طويل عن النبي (صلى الله عليه وآله): التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتي، أشبه الناس بي، في شمائله وأقواله وأفعاله، ليظهر بعد غيبة طويلة، وحيرة مضلة، فيعلي أمر الله، ويظهر دين الله، ويؤيد بنصر الله، وينصر بملائكة الله، فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.
- وفي البحار(75) في حديث طويل عن أبي جعفر (عليه السلام): ثم يرجع إلى الكوفة فيبعث الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا إلى الآفاق كلها فيمسح بين أكتافهم وعلى صدورهم فلا يتعايون في قضاء، ولا تبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا رسول الله. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا، والغرض الإشارة.
انتقامه من أعداء الله
من ألقابه المنتقم
وفي الإكمال(76) بإسناده عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما أسري بي إلى السماء، أوحى إلي ربي جل جلاله فقال: يا محمد، إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة، فاخترتك منها فجعلتك نبيا وشققت لك من اسمي اسما، فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت الثانية، فاخترت منها عليا وجعلته وصيك وخليفتك، وزوج ابنتك، وأبا ذريتك، وشققت له اسما من أسمائي، فأنا العلي الأعلى، وهو علي، وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما، ثم عرضت ولايتهم على الملائكة، فمن قبلها كان عندي من المقربين، يا محمد، لو أن عبدا عبدني حتى ينقطع، ويصير كالشن البالي، ثم أتاني جاحدا لولايتهم فما أسكنته جنتي، ولا أظللته تحت عرشي، يا محمد، تحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب.
فقال (عزَّ وجلَّ): ارفع رأسك. فرفعت رأسي وإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين، وعلي بن الحسين ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي وعلي بن محمد، والحسن بن علي، ومحمد بن الحسن القائم في وسطهم، كأنه كوكب دري، قلت: يا رب، ومن هؤلاء.
قال: الأئمة وهذا القائم، الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللات والعزى، طريين فيحرقهما، فلفتنة الناس يومئذ بهما أشد من فتنة العجل والسامري.
- وفي البحار(77) عن العلل(78)، بإسناده عن عبد الرحيم القصير، عن أبي جعفر قال: أما لو قام قائمنا لقد ردت إليه الحميراء حتى يجلدها الحد، وحتى ينتقم لابنة محمد (صلى الله عليه وآله) فاطمة منها، قلت: جعلت فداك ولم يجلدها الحد، قال: لفريتها على أم إبراهيم، قلت: فكيف أخر الله للقائم؟ فقال له: إن الله تبارك وتعالى بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) رحمة، وبعث القائم نقمة.
- وفيه(79) عن المزار الكبير بإسناده عن أبي عبد الله: إذا قام قائمنا انتقم لله ولرسوله ولنا أجمعين.
- وفيه(80) عن إرشاد الديلمي عنه (عليه السلام) وقطع أيدي بني شيبة وعلقها على باب الكعبة، وكتب عليها هؤلاء سراق الكعبة.
- وفي الاحتجاج(81) عن النبي (صلى الله عليه وآله) في خطبة الغدير، قال (صلى الله عليه وآله): ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهدي صلوات الله عليه، ألا إنه الظاهر على الدين كله ألا إنه المنتقم من الظالمين ألا إنه فاتح الحصون وهادمها، ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك، ألا إنه مدرك بكل ثأر لأولياء الله (عزَّ وجلَّ)، ألا إنه الناصر لدين الله، ألا إنه الغراف من بحر عميق، ألا إنه يسم كل ذي فضل بفضله، وكل ذي جهل بجهله، ألا إنه خيرة الله ومختاره، ألا إنه وارث كل علم والمحيط به، ألا إنه المخبر عن ربه (عزَّ وجلَّ) والمنبه(82) بأمر إيمانه، ألا إنه الرشيد السديد، ألا إنه المفوض إليه، ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه، ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده، ولا حق إلا معه، ولا نور إلا عنده، ألا إنه لا غالب له، ولا منصور عليه، ألا وإنه ولي الله في أرضه، وحكمه في خلقه وأمينه في سره وعلانيته.
وقال (صلى الله عليه وآله) في موضع آخر من هذه الخطبة: معاشر الناس، النور من الله (عزَّ وجلَّ) في مسلوك ثم في علي ثم في النسل منه إلى القائم المهدي، الذي يأخذ بحق الله، وبكل حق هو لنا، الخ.
- وفي القمي(83) في قوله تعالى: ﴿فمهل الكافرين أمهلهم رويدا﴾(84) لوقت بعث القائم، فينتقم لي من الجبارين، والطواغيت من قريش، وبني أمية وسائر الناس.
إقامة حدود الله
- في الدعاء المروي عنه (عليه السلام) بتوسط العمري (ره): وأقم به الحدود المعطلة، والأحكام المهملة.
- وفي كمال الدين، عن الصادق (عليه السلام)، في وصف زمان ظهوره: ويقام حدود الله.
- وفي حديث آخر(85): إن إقامة حد واحد من حدود الله أزكى من المطر أربعين يوما وليلة.
- كما في الحديث عن أبي جعفر (عليه السلام): ويأتي في حياة الأرض به (عليه السلام) ما يفيد هنا إن شاء الله.
- وفي البحار(86) عن الصادق (عليه السلام): دمان في الإسلام حلال من الله (عزَّ وجلَّ)، لا يقضي فيهما أحد بحكم الله (عزَّ وجلَّ)، حتى يبعث الله القائم من أهل البيت، فيحكم فيهما بحكم الله (عزَّ وجلَّ)، لا يريد فيه بينة، الزاني المحصن يرحمه ومانع الزكاة يضرب رقبته.
أقول: حد الزاني المحصن هو الرجم وتخصيصه بإجراء هذا الحكم من حيث حكمه بمقتضى علمه الواقعي، وعدم درء الحد بالشبهات، كما في زمن سائر الأئمة (عليهم السلام).
اضطراره (عليه السلام)
- في دعاء(87) الندبة " أين المضطر الذي يجاب إذا دعا ".
- وفي تفسير علي بن إبراهيم(88) (ره) في قوله تعالى: ﴿أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض﴾(89) قال فإنه حدثني أبي عن الحسن بن علي بن فضال، عن صالح بن عقبة عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: نزلت في القائم من آل محمد (عليهم السلام) وهو المضطر إذا صلى في المقام ركعتين، ودعا الله فأجابه، ويكشف السوء ويجعله خليفة في الأرض.
حرف الباء: بذل المعروف
- في البحار(90) عن أبي جعفر (عليه السلام) في وصف القائم (عليه السلام): وتجمع إليه أموال الدنيا كلها ما في بطن الأرض وظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء، وركبتم فيه محارم الله، فيعطي شيئا لم يعط أحد كان قبله، الخ.
ويأتي في سخائه ما له دخل في المقام.
بعث الحجج: وهم العلماء لدلالة الناس وإصلاح أمورهم
- ففي التوقيع المروي عنه (عليه السلام) في الاحتجاج:(91) وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله.
بلاؤه (عليه السلام)
- روى الصدوق(92) بإسناده عن سيد العابدين (عليه السلام) أنه قال: في القائم سنة من سبعة أنبياء إلى أن قال (عليه السلام): وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى، الخبر.
بركاته (عليه السلام)
قد تقدم في الباب الثالث، أن جميع ما يصل إلى الخلائق من النعم الظاهرة والباطنة في زمانه إنما هو من بركات وجوده صلوات الله عليه، والأخبار في ذلك فوق حد التواتر، ولذلك قال (عليه السلام) في التوقيع المروي:
- في الاحتجاج(93): وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار سحاب.
حرف التاء - تأليف القلوب
- في دعاء الندبة(94): أين مؤلف شمل الصلاح والرضا.
- وفي دعاء أمير المؤمنين (عليه السلام) له: واجمع به شمل الأمة.
- وفي حديث آخر: ويؤلف به بين القلوب المختلفة.
- وفي الكافي(95) عن الصادق: ويؤلف الله بين القلوب المختلفة.
- وفي البحار(96) في حديث مروي عن أمير المؤمنين قال: قلت: يا رسول الله أمنا آل محمد المهدي أم من غيرنا؟ فقال رسول الله: لا بل منا، يختم الله به الدين، كما فتح بنا وبنا ينقذون من الفتن كما أنقذوا من الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخوانا، كما ألف بينهم بعد عداوة الشرك إخوانا في دينهم.
وهذا الحديث مروي من طريق أهل السنة وقد أذعنوا بصحته والحمد لله.
تلطفه (عليه السلام) بنا
يشهد بذلك قوله (عليه السلام) في التوقيع المروي:
- في الاحتجاج(97): إنه أنهي إلي ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة، في ولاة أمرهم فغمنا ذلك لكم لا لنا وساءنا فيكم لا فينا لأن الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا، ونحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائعنا.
ويدل على المقصود أيضا، ما في بصائر الدرجات:
- بإسناده(98) عن زيد الشحام، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: يا زيد، جدد عبادة، وأحدث توبة، قال نعيت إلي نفسي جعلت فداك؟ قال: فقال لي: يا زيد ما عندنا خير لك وأنت من شيعتنا، قال: وقلت: وكيف لي أن أكون من شيعتكم؟ قال: فقال (عليه السلام) لي: أنت من شيعتنا، إلينا الصراط والميزان وحساب شيعتنا والله لأنا أرحم بكم منكم بأنفسكم، الخبر.
تحمله (عليه السلام) الأذى منا
- ففي توقيع آخر مروي(99) فيه أيضا: قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم ومن دينه جناح البعوضة، الخ.
ترك حقه (عليه السلام) لنا في الدنيا والآخرة
أما في الدنيا، فقد سبق في إباحة ما في أيدينا، وأما في الآخرة:
- فقد روي في البحار(100) في المجلد الثالث، عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: إذا كان يوم القيامة جعل الله حساب شيعتنا علينا فما كان بينهم وبين الله استوهبه محمد (صلى الله عليه وآله) وما كان فيما بينهم وبين الناس من المظالم أداه محمد (صلى الله عليه وآله) عنهم، وما كان فيما بيننا وبينهم وهبناه لهم، حتى يدخلوا الجنة بغير حساب.
- أقول: روي في البرهان(101) عدة أحاديث في هذا المعنى، عن الأئمة (عليهم السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿إن علينا حسابهم﴾ فراجع.
تشييع أمواتنا
- يدل عليه ما روي في البحار(102) من كتاب المناقب، أنه اجتمعت عصابة الشيعة بنيسابور، واختاروا محمد بن علي النيسابوري فدفعوا إليه ثلاثين ألف دينار وخمسين ألف درهم، وشقة من الثياب، وأتت شطيطة بدرهم صحيح وشقة خام من غزل يدها تساوي أربعة دراهم، فقالت: إن الله لا يستحيي من الحق قال فثنيت درهمها، وجاءوا بجزء فيه مسائل ملء سبعين ورقة في كل ورقة مسألة، وباقي الورق بياض ليكتب الجواب تحتها، وقد حزمت كل ورقتين بثلاث حزم، وختم عليها بثلاث خواتيم على كل حزام خاتم وقالوا:
ادفع إلى الإمام ليلة، وخذ منه في غد فإن وجدت الجزء صحيح الخواتيم: فاكسر منها خمسة وانظر هل أجاب عن المسائل، فإن لم تنكسر الخواتيم فهو الإمام المستحق للمال، فادفع إليه، وإلا فرد إلينا أموالنا.
فدخل على الأفطح عبد الله بن جعفر، وجربه، وخرج عنه قائلا (ربي اهدني إلى سواء الصراط)، قال: فبينما أنا واقف إذا أنا بغلام يقول: أجب من تريد فأتى بي دار موسى بن جعفر (عليه السلام)، فلما رآني قال: لم تقنط يا أبا جعفر ولم تفزع إلى اليهود والنصارى؟ إلي فأنا حجة الله ووليه، ألم يعرفك أبو حمزة على باب مسجد جدي؟ وقد أجبتك عما في الجزء من المسائل بجميع ما تحتاج إليه منذ أمس فجئني به وبدرهم شطيطة الذي وزنه درهم ودانقان الذي في الكيس الذي فيه أربعمائة درهم للوازواري، والشقة التي في رزمة الأخوين البلخيين، قال فطار عقلي من مقاله، وأتيت بما أمرني، ووضعت ذلك قبله، فأخذ درهم شطيطة وإزارها ثم استقبلني، وقال: إن الله لا يستحيي من الحق يا أبا جعفر، أبلغ شطيطة سلامي وأعطها هذه الصرة، وكانت أربعين درهما.
ثم قال وأهديت لها شقة من أكفاني من قطن قريتنا صيدا، قرية فاطمة (عليها السلام) وغزل أختي حليمة ابنة أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام).
ثم قال وقل لها ستعيشين تسعة عشر يوما من وصول أبي جعفر، ووصول الشقة والدراهم، فأنفقي على نفسك منها ستة عشر درهما، واجعلي أربعة وعشرين صدقة عنك، وما يلزم عنك وأنا أتولى الصلاة عليك، فإذا رأيتني يا أبا جعفر فاكتم علي فإنه أبقى لنفسك.
ثم قال (عليه السلام): واردد الأموال إلى أصحابها، وافكك هذه الخواتيم عن الجزء، وانظر هل أجبناك عن المسائل أم لا؟ من قبل أن تجيئنا بالجزء فوجدت الخواتيم صحيحة ففتحت منها واحدا من وسطها، فوجدت فيه مكتوبا: ما يقول العالم (عليه السلام) في رجل قال: نذرت لله لأعتقن كل مملوك كان في رقي قديما، وكان له جماعة من العبيد؟ الجواب بخطه: ليعتقن من كان في ملكه من قبل ستة أشهر.
والدليل على صحة ذلك قوله تعالى: ﴿والقمر قدرناه﴾ الآية، والحديث من ليس له ستة أشهر وفككت الختام الثاني فوجدت ما تحته: ما يقول العالم في رجل قال: والله لأتصدقن بمال كثير فما يتصدق.
الجواب تحته بخطه: إن كان الذي حلف من أرباب شياه، فليتصدق بأربع وثمانين شاة، وإن كان من أصحاب النعم، فليتصدق بأربع وثمانين بعيرا وإن كان من أرباب الدراهم، فليتصدق بأربع وثمانين درهما.
والدليل عليه قوله تعالى: ﴿ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة﴾ فعددت مواطن رسول الله قبل نزول تلك الآية(103) فكانت أربعة وثمانين موطنا. فكسرت الخاتم الثالث فوجدت تحته مكتوبا، ما يقول العالم في رجل نبش قبر ميت وقطع رأس الميت وأخذ الكفن.
الجواب بخطه: يقطع السارق لأخذ الكفن من وراء الحرز، ويلزم مائة دينار لقطع رأس الميت، لأنا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أمه قبل أن ينفخ فيه الروح، فجعلنا في النطفة عشرين دينارا... المسألة إلى آخرها، فلما وافى خراسان، وجد الذين رد عليهم أموالهم، ارتدوا إلى الفطحية، وشطيطة على الحق، فبلغها سلامه وأعطاها صرته، وشقته فعاشت كما قال (عليه السلام) فلما توفيت شطيطة جاء الإمام على بعير له، فلما فرغ من تجهيزها، ركب بعيره وانثنى نحو البرية، وقال (عليه السلام): عرف أصحابك وأقرأهم مني السلام وقل لهم إني ومن يجري مجراي من الأئمة (عليهم السلام) لا بد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم فاتقوا الله في أنفسكم.
تجديده الإسلام بعد اندراسه وانمحائه
- ففي الدعاء المروي عنه (عليه السلام)(104) بتوسط العمري (ره): وجدد به ما امتحى من دينك.
- وفي الدعاء المروي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)(105): وجدد به ما محي من دينك وبدل من حكمك حتى تعيد دينك به وعلى يديه جديدا غضا.
- وفي البحار(106) نقلا عن إرشاد الديلمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام القائم دعا الناس إلى الإسلام جديدا، وهداهم إلى أمر قد دثر، وضل عنه الجمهور وإنما سمي القائم مهديا لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه، وسمي القائم لقيامه بالحق.
- ومن كتاب غيبة النعماني(107) (ره) عن أبي جعفر (عليه السلام) في سيرة القائم (عليه السلام): يقوم بأمر جديد وسنة جديدة وقضاء جديد على العرب شديد.
- وعن أبي عبد الله (عليه السلام)(108) في جواب من سأل عن سيرة المهدي (عليه السلام) قال: يصنع ما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يهدم ما كان قبله، كما هدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام جديدا.
- وفي خبر آخر عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله(109).
- وعنه(110): إن قائمنا إذا قام دعى الناس إلى أمر جديد، كما دعى إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء.
- وعن أبي عبد الله (عليه السلام)(111): الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء، قال أبو بصير فقلت: اشرح لي هذا أصلحك الله فقال يستأنف الداعي منا دعاء جديدا كما دعى رسول الله.
- وعنه (عليه السلام)(112) كأني بالقائم على منبر عليه قباء فيخرج من وريان قبائه كتابا مختوما بخاتم ذهب فيفكه فيقرأه على الناس فيجفلون عنه إجفال الغنم فلم يبق إلا النقباء فيتكلم بكلام فلا يلحقون ملجأ حتى يرجعوا إليه وإني لأعرف الكلام الذي يتكلم به.
تمام الأمر به (عليه السلام)
- في كتاب التوحيد(113) للشيخ الصدوق بإسناده إلى الرضا (عليه السلام) في تفسير حروف المعجم قال (عليه السلام): والتاء تمام الأمر بقائم آل محمد.
تعليمه الناس كتاب الله الكريم الذي جمعه أمير المؤمنين وسيد الوصيين (عليه السلام)
في البحار(114) نقلا عن غيبة النعماني(115) عن أمير المؤمنين (عليه السلام): كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة، وقد ضربوا الفساطيط، يعلمون الناس القرآن كما أنزل.
- وعنه (عليه السلام) كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل.
قال أصبغ بن نباتة: قلت يا أمير المؤمنين، أوليس هو كما أنزل؟ قال: لا محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم وما ترك أبو لهب إلا للإزراء على رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنه عمه.
- وعن أبي عبد الله (عليه السلام) كأني بشيعة علي في أيديهم المثاني يعلمون الناس.
- وعن إرشاد الديلمي عن أبي جعفر (عليه السلام) إذا قام قائم آل محمد ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما أنزل الله جل جلاله فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف.
- وفي الكافي بإسناده(116) عن سالم بن أبي سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد الله وأنا أستمع حروفا من القرآن، ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس، حتى يقوم القائم (عليه السلام) فإذا قام القائم قرأ كتاب الله (عزَّ وجلَّ) على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي (عليه السلام) وقال: أخرجه علي (عليه السلام) إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله (عزَّ وجلَّ) كما أنزل الله على محمد (صلى الله عليه وآله) وقد جمعته من اللوحين، فقالوا هوذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه، فقال (عليه السلام): أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا، إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرأوه.
- وفي الاحتجاج(117) أنه لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع علي (عليه السلام) القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار، وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما فتحه أبو بكر، خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه (عليه السلام) وانصرف ثم أحضر عمر زيد بن ثابت وكان قارئا للقرآن، فقال له عمر: إن عليا جاءنا بالقرآن، وفيه فضائح المهاجرين والأنصار فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال لهم: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم، وأظهر علي القرآن الذي ألفه، أليس قد بطل كل ما عملناه؟
قال عمر: فما الحيلة؟
قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة!
فقال عمر: ما حيلة دون أن نقتله ونستريح منه ومن شره، فدبروا في قتله على يد خالد بن الوليد، فلم يقدر على ذلك.
فلما استخلف عمر سأل عليا (عليه السلام) أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم فقال: يا أبا الحسن لو أنك جئتنا بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر، حتى نجتمع عليه.
فقال علي (عليه السلام): هيهات ليس إلى ذلك سبيل إنما جئت به إليكم لتقوم به الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئتنا به، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون، والأوصياء من ولدي.
فقال له عمر: فهل وقت لإظهاره معلوم؟ فقال (عليه السلام): نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره، ويحمل الناس عليه(118) فيجري السنة به صلوات الله عليه.
أقول: يمكن أن يكون هذا هو السر في تسمية القائم (عليه السلام) بالقرآن العظيم باعتبار أنه الآمر به وحامل الناس على قرائته ومظهره ومروجه.
- روي في البرهان(119) عن حسان العامري قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله تعالى:
﴿ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم﴾ قال: ليس هكذا تنزيلها إنما هي ولقد آتيناك السبع من المثاني نحن هم والقرآن العظيم ولد الولد.
- وعن القاسم(120) بن عروة عنه (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى ﴿ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم﴾ قال سبعة أئمة والقائم (عليهم السلام).
أقول: أما كونهم سبعة فيمكن أن يقال إنه باعتبار أسمائهم وتكون فاطمة (عليها السلام) مقصودة أيضا في الحديث الأول والقرآن العظيم ولد الولد وهو القائم (عليه السلام) وأما الحديث الثاني فبتسمية القائم (عليه السلام) باسم سابع وهو أحمد.
- كما في البحار(121) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: له اسمان اسم يخفى، واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد، الخ.
- ويؤيده ما رواه عن يونس(122) بن عبد الرحمن عمن ذكره رفعه قال سألت أبا عبد الله عن قول الله تعالى(123) ﴿ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم﴾(124) قال: إن ظاهرها الحمد وباطنها ولد الولد، والسابع منها القائم (عليه السلام) وعلى هذا يكون عطف القرآن العظيم على سبع من باب تخصيصه (عليه السلام) بالذكر لأمور مهمة، وأما المثاني فيمكن أن يكون المراد به جميع الآيات القرآنية ويؤيده قوله تعالى(125): ﴿الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني﴾(126) الآية.
ويؤيده أيضا قول أبي عبد الله (عليه السلام) في الحديث المروي سابقا.
- عن غيبة النعماني(127) كأني بشيعة علي (عليه السلام) في أيديهم المثاني والتعبير بذلك لتكرر نزوله، فقد نزل إلى بيت المعمور جملة واحدة في ليلة القدر مرة أولى، ثم نزل منه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) نجوما في مدة عشرين سنة(128) ويمكن أن يكون المراد به خصوص فاتحة الكتاب كما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) والتعبير عنها بالمثاني إما لتكررها في كل فريضة أو لتكرر نزولها عن النبي (صلى الله عليه وآله) والتعبير عن الأئمة (عليهم السلام) بذلك اللفظ إما باعتبار كونهم ولد الولد فهم في مرتبة ثانية بالنسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بحسب عالم البشرية وترتيب الخلقة الإنسانية كما أن فاطمة في المرتبة الأولى وإما باعتبار كونهم في مرتبة ثانية بالنسبة إلى الكتاب الكريم كما يشهد به حديث الثقلين المتواتر المروي من الطريق المخالف والمؤالف.
- فمن طريق المخالفين عن أبي سعيد الخدري عنه (صلى الله عليه وآله)(129) قال أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله (عزَّ وجلَّ) حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض(130) وأما باعتبار كونهم (عليهم السلام) في مرتبة ثانية بالنسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بحسب العلوم الربانية، والمقامات العقلانية.
- فقد قال (صلى الله عليه وآله)(131): " أنا مدينة الحكمة وعلي بابها ".
- وقال(132) أمير المؤمنين (عليه السلام) علمني رسول الله ألف باب كل باب يفتح ألف باب. هذا ما سنح بالبال في حل الإشكال، وتحقيق هذا المقال، والله العالم بحقائق الأحوال، وقد قيل فيه وجوه بعيدة لا نطيل الكتاب بذكرها، من أرادها فليرجع إلى (كتاب مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار) للشيخ أبي الحسن الشريف.
حرف الثاء: ثواب الأعمال الحسنة وقبولها بولايته (عليه السلام)
قد مضى في الباب الأول ما يشهد له ويأتي في الباب الثامن ما يدل عليه.
- وفي كمال الدين(133) عن الصادق (عليه السلام) من أقر بالأئمة من آبائي وولدي وجحد المهدي من ولدي، كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمدا نبوته صلوات الله عليهم.
قال عبد الله بن أبي يعفور: فقلت يا سيدي ومن المهدي من ولدك؟ قال (عليه السلام): الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته وفي هذا المعنى أخبار كثيرة يأتي بعضها في الباب الثامن إن شاء الله.
ثائر دم الحسين والشهداء معه صلوات الله عليهم
في المجمع: الثائر الذي لا يبقي على شيء حتى يدرك ثأره. انتهى.
- وفي زيارة عاشوراء: " فأسأل الله الذي أكرم مقامك، وأكرمني بك أن يرزقني طلب ثارك، مع إمام منصور من أهل بيت محمد ".
- وفي البحار(134) عن النعماني، عن أبي جعفر في وصفه: ليس شأنه إلا القتل لا يستبقي أحدا.
- وعن العياشي(135) عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى:
﴿ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا﴾ قال: هو الحسين بن علي (عليه السلام) " قتل مظلوما ونحن أولياؤه والقائم منا إذا قام طلب بثار الحسين (عليه السلام) فيقتل حتى يقال قد أسرف في القتل ".
وقال (عليه السلام): المقتول الحسين ووليه القائم والاسراف في القتل أن يقتل غير قاتله " إنه كان منصورا "، فإنه لا يذهب من الدنيا حتى ينتصر برجل من آل رسول الله يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
- وفي رواية أخرى عن الكافي(136) عن أبي عبد الله في قوله تعالى ﴿ومن قتل) ﴿الخ) قال: نزلت في الحسين (عليه السلام) لو قتل أهل الأرض به ما كان سرفا.
- وفي العلل(137) عن أبي جعفر قال لما قتل جدي الحسين ضجت الملائكة إلى الله (عزَّ وجلَّ) بالبكاء والنحيب وقالوا إلهنا وسيدنا أتغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليهم قروا ملائكتي فوعزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين ثم كشف الله (عزَّ وجلَّ) عن الأئمة من ولد الحسين (عليه السلام) للملائكة، فسرت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلي. فقال الله (عزَّ وجلَّ): بذلك القائم أنتقم منهم.
- وفي الكافي(138) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الحسين لما قتل عجت السماوات والأرض ومن عليها والملائكة، فقالوا: يا ربنا ائذن لنا في هلاك الخلق حتى نجدهم عن جديد الأرض بما استحلوا حرمتك، وقتلوا صفوتك، فأوحى إليهم يا ملائكتي ويا سماواتي ويا أرضي اسكنوا ثم كشف حجابا من الحجب، فإذا خلفه محمد واثنا عشر وصيا له عليهم وأخذ بيد فلان القائم من بينهم فقال: يا ملائكتي ويا سماواتي، ويا أرضي، بهذا أنتصر، قالها ثلاث مرات.
- وفي غاية المرام(139) للسيد المحدث الجليل السيد هاشم البحراني (ره) من طريق العامة في حديث المعراج قال الله تعالى: يا محمد تحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب، فقال:
التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والمهدي (عليهم السلام) في ضحضاح من نور قيام يصلون، وهو في وسطهم - يعني المهدي - كأنه كوكب دري، وقال: يا محمد هؤلاء الحجج وهو الثائر من عترتك وعزتي إنه الحجة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي.
- وفي البحار(140) في وصف أصحاب القائم (عليه السلام) عن أبي عبد الله (عليه السلام) كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات الله، أشد من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدة إلا خربوها، كأن على خيولهم العقبان، يتمسحون بسرج الإمام، يطلبون بذلك البركة ويحفون به، يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد فيهم رجال لا ينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياما على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأمة لسيدها، كالمصابيح كأن قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون يدعون بالشهادة، ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله، شعارهم: يا لثارات الحسين، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى إرسالا، بهم ينصر الله إمام الحق.
- وعنه (عليه السلام)(141) قال: إذا خرج القائم (عليه السلام) قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها. وقد علل ذلك في الحديث الرضوي بأنهم يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها ومن رضي شيئا كان كمن أتاه.
- وفي كتاب المحجة(142) فيما نزل في القائم الحجة عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿ومن قتل مظلوما﴾ الخ قال نزلت في الحسين (عليه السلام) لو قتل وليه أهل الأرض ما كان مسرفا ووليه القائم.
حرف الجيم: جماله (عليه السلام)
إعلم: أن مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه أجمل الناس وأحسنهم وجها لأنه أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله).
- لما رواه السيد البحراني في كتاب المحجة(143)، وغيره عن عمار، عن رسول الله، أنه قال: يا عمار إن الله تبارك وتعالى عهد إلي أن يخرج من صلب الحسين أئمة تسعة والتاسع من ولده يغيب عنهم، وذلك قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين﴾ يكون له غيبة طويلة يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخرون، فإذا كان في آخر الزمان يخرج فيملأ الدنيا قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما ويقاتل على التأويل، كما قاتلت على التنزيل، وهو سميي، وأشبه الناس بي. الحديث.
- وفي إكمال الدين(144) عن رسول الله قال: المهدي من ولدي، اسمه اسمي وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقا وخلقا، يكون له غيبة وحيرة يضل فيها الأمم، يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.
- وفيه أيضا(145) بسند صحيح عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقا وخلقا تكون له غيبة وحيرة حتى يضل الخلق عن أديانهم فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب، فيملأها قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا.
- وفيه أيضا(146) مسندا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث ابن عباس وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري، ويحفظون وصيتي التاسع منهم قائم أهل بيتي، ومهدي أمتي، أشبه الناس بي في شمائله، وأقواله وأفعاله. الحديث.
وإذ قد عرفت أنه أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) فاعلم أنه قد ثبت بالنص أن رسول الله كان أجمل الناس وجها وأحسنهم صورة.
- لما رواه ثقة الإسلام في الكافي(147) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان نبي الله أبيض مشرب حمرة أدعج العينين، مقرون الحاجبين، شثن الأطراف، كأن الذهب أفرغ على براثنه، عظيم مشاشة المنكبين، إذا التفت يلتفت جميعا من شدة استرساله، سربته سائلة من لبته إلى سرته، كأنها وسط الفضة المصفاة، وكأن عنقه إلى كاهله إبريق فضة، يكاد أنفه إذا شرب أن يرد الماء وإذا مشى تكفأ كأنه ينزل في صبب لم ير مثل نبي الله (صلى الله عليه وآله) قبله ولا بعده.
- وفي البحار(148) عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (ره) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال على المنبر: يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض، مشرب حمرة مبدح البطن عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان، شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبي (صلى الله عليه وآله). الحديث.
- ومن طريق المخالفين عن النبي (صلى الله عليه وآله)(149) قال: المهدي طاوس أهل الجنة.
- وعنه(150) قال: المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي وجسمه جسم إسرائيلي على خده الأيمن خال كأنه كوكب دري.
- وعنه قال(151): المهدي منا أجلى الجبين أقنى الأنف.
- وفي كتاب تبصرة الولي(152) فيمن رأى القائم المهدي (عليه السلام) عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري قال: وجه قوم من المفوضة والمقصرة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد (عليه السلام) قال كامل: فقلت في نفسي: أسأله (عليه السلام) لا يدخل الجنة إلا من يعرف معرفتي، وقال بمقالتي.
فلما دخلت على سيدي أبي محمد (عليه السلام) نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي، ولي الله وحجته يلبس الناعم من الثياب، ويأمر بمواساة الإخوان، وينهانا عن لباس مثله، فقال (عليه السلام) متبسما: يا كامل وحسر عن ذراعيه، فإذا مسح أسود خشن على جلده. فقال:
هذا لله، وهذا لكم، فسلمت وجلست إلى باب عليه ستر مرخى، فجاءت الريح، فكشفت طرفه، فإذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر، من أبناء أربع سنين أو مثلها. فقال يا كامل بن إبراهيم - واقشعررت من ذلك - وألهمت أن قلت: لبيك يا سيدي. فقال: جئت إلى ولي الله وحجته وبابه تسأله هل يدخل الجنة إلا من يعرف معرفتك وقال بمقالتك؟ فقلت: أي والله، فقال (عليه السلام): إذا والله يقل داخلها والله ليدخلها قوم يقال لهم الحقية.
قلت: يا سيدي ومن هم؟ قال (عليه السلام): قوم من حبهم لعلي (عليه السلام) يحلفون بحقه، ولا يدرون ما حقه وفضله، ثم سكت صلوات الله عليه ثم قال: وجئت تسأله عن مقالة المفوضة كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء شئنا والله يقول: ﴿وما تشاءون إلا أن يشاء الله﴾ ثم رجع الستر إلى حالته ولم أستطع كشفه ونظر إلي أبو محمد (عليه السلام) متبسما فقال: يا كامل ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك الحجة من بعدي، فقمت وخرجت ولم أعاينه بعد ذلك.
- وفي قضية محمد بن عبيد الله القمي المنقولة في البحار(153) عن غيبة الشيخ الطوسي قال: لم أر قط في حسن صورته واعتدال قامته، الخ، والأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا ولعلنا نذكر بعضها في غير هذا الباب والله الهادي إلى نهج الصواب ولله در من قال:
قمر تكامل في نهاية حسنه * مثل القضيب على رشاقة قده
فالبدر يطلع من ضياء جبينه * والشمس تغرب في شقائق خده
ملك الجمال بأسره فكأنما * حسن البرية كلها من عنده
وأما وجه تشبيهه (عليه السلام) بالشهاب الثاقب، فلعله لأنه (عليه السلام) يظهر بغتة كما ورد في عدة روايات، وكذلك الشهاب، أو لأنه يضيء حتى يرى ضوؤه كالشهاب الثاقب، ويشهد بذلك أيضا عدة روايات تأتي في نوره (عليه السلام)، أو لأنه يطرد الشياطين ويدفعهم كما يطردون بالشهاب الثاقب قال الله تعالى: ﴿إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب﴾.
جريان رزقنا على يده
مرَّ في الباب الثالث.
جهاده (عليه السلام)
- في الدعاء المروي(154) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) للحجة (عليه السلام) في وصفه: الحاج(155) المجاهد المجتهد (الخ).
- وفي البحار(156) عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه يخرج موتورا غضبان أسفا لغضب الله على هذا الخلق، عليه قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان عليه يوم أحد وعمامته السحاب، ودرع رسول الله السابغة، وسيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذو الفقار يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجا (الحديث).
- وعنه (عليه السلام)(157) في قول الله تعالى(158): ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله﴾ قال: لم يجئ تأويل هذه الآية بعد، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رخص لهم لحاجته وحاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها، لم يقبل منهم، ولكنهم يقتلون حتى يوحد الله (عزَّ وجلَّ) وحتى لا يكون شرك.
- ومنه(159) عن بشير النبال قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إنهم يقولون: إن المهدي (عليه السلام) لو قام لاستقامت له الأمور عفوا ولا يهريق محجمة دم. فقال (عليه السلام): كلا والذي نفسي بيده، لو استقامت لأحد لاستقامت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أدميت رباعيته، وشج في وجهه، كلا والذي نفسي بيده، حتى نمسح نحن أو أنتم العرق والعلق ثم مسح (عليه السلام) جبهته.
أقول: العلق: الدم، ومسح العرق والعلق كناية عن ملاقاة الشدائد التي توجب سيلان العرق، والجراحات المسيلة للدم كما ذكره المجلسي (ره).
- وفي كمال الدين(160) عن عيسى الخشاب قال: قلت للحسين بن علي صلوات الله عليه: أنت صاحب هذا الأمر؟ قال: لا ولكن صاحب الأمر الطريد الشريد الموتور(161) بأبيه، المكنى بعمه، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر.
أقول: قوله (عليه السلام): المكنى بعمه يعني أن من كناه (أبو جعفر).
- كما ورد في رواية أخرى(162) عن الحسن بن المنذر عن حمزة بن أبي الفتح قال: كان يوما جالسا فقال لي: البشارة ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمد (عليه السلام) وأمر بكتمانه، وأمر أن يعق عنه ثلاثمائة شاة، قلت: وما اسمه؟ قال: يسمى: م ح م د - ويكنى بأبي جعفر.
- وفيه(163) أيضا عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله) فقال لي مبتدئا: يا محمد بن مسلم، إن في القائم من أهل بيت محمد (عليه السلام) سنة من خمسة من الرسل: يونس بن متي ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله عليهم.
فأما سنة من يونس بن متي فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن.
وأما سنة من يوسف بن يعقوب فالغيبة من خاصته وعامته، واختفاؤه من إخوته وإشكال أمره على أبيه يعقوب النبي (عليه السلام) مع قرب المسافة بينه وبين أبيه، وأهله وشيعته.
وأما سنة من موسى (عليه السلام) فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده، مما لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله (عزَّ وجلَّ) في ظهوره، ونصره وأيده على عدوه.
وأما سنة من عيسى فاختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة ما ولد، وطائفة منهم قالت: مات، وطائفة قالت: قتل وصلب.
وأما سنة من جده المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) فتجريده السيف(164) وقتله أعداء الله تعالى وأعداء رسوله (صلى الله عليه وآله)، والجبارين والطواغيت وأنه ينصر بالسيف والرعب، وأنه لا يرد له راية، وإن من علامات خروجه (عليه السلام) خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني، وصيحة من السماء في شهر رمضان، ومناد ينادي من السماء باسمه واسم أبيه.
جمع الكلم على التوحيد والإسلام
- ففي دعاء الندبة(165): أين جامع الكلم على التقوى، وفي كتاب المحجة(166) وغيره عن أمير المؤمنين في قوله تعالى: ﴿ليظهره على الدين كله﴾(167) الخ، حتى لا تبقى قرية إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله بكرة وعشيا.
- وعن ابن عباس (الذي قال أكثر ما قلت في التفسير مأخوذ عن أمير المؤمنين (عليه السلام)) قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني، ولا صاحب ملة إلا صار إلى الحق:
الإسلام، حتى تأمن الشاة والذئب، والبقرة والأسد، والإنسان والحية، حتى لا تقرض الفأرة جرابا، وحتى توضع الجزية، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، وهو قوله تعالى: ﴿ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾(168) وذلك يكون عند قيام القائم (عليه السلام).
وقال علي بن إبراهيم(169) عند تفسير هذه الآية: إنها نزلت في قائم آل محمد (عليهم السلام).
- وفي كتاب المحجة عن العياشي(170) في تفسيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها﴾(171) قال: إذا قام القائم لا يبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله).
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا مر بعضها ويأتي بعض آخر إن شاء الله تعالى.
جمع أنصار الدين من الملائكة والجن وسائر المؤمنين
ففي تفسير قوله تعالى: ﴿أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا﴾(172) عن أبي عبد الله (عليه السلام) يعني أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر قال (عليه السلام) يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف(173).
- وعن علي بن الحسين وابنه (عليه السلام)(174) قال (عليه السلام) الفقداء قوم يفقدون من فرشهم فيصبحون بمكة وهو قول الله تعالى: ﴿أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا﴾.
- وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: لقد نزلت هذه الآية في المفقودين من أصحاب القائم:
﴿أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا﴾ إنهم المفقودون من فرشهم ليلا فيصبحون بمكة، وبعضهم يسير في السحاب نهارا يعرف اسمه واسم أبيه وحليته ونسبه.
قال المفضل: فقلت: جعلت فداك أيهم أعظم إيمانا؟
قال (عليه السلام): الذي يسير في السحاب نهارا(175).
- وعن(176) أبي الحسن موسى والله لو قد قام قائمنا يجمع الله إليه شيعتنا من جميع البلدان ونعم ما قيل في هذا المعنى:
لقد جدت يا بن الأكرمين بنعمة * جمعت بها بين المحبين في ستر
فلا زلت بالإحسان كهفا وملجأ * وقد جل ما قد كان منك عن الشكر
- وفي البحار(177) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه ينحط عليه الملائكة الذين كانوا مع نوح في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم حين ألقي في النار، والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل، والذين كانوا مع عيسى حين رفعه الله إليه، وأربعة آلاف ملك مع النبي (صلى الله عليه وآله) مسومين وألف مردفين، وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكة بدريين، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي (عليه السلام)، فلم يؤذن لهم في القتال، فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة ورئيسهم ملك يقال له: منصور، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ولا يودعه مودع إلا شيعوه ولا يمرض مريض إلا عادوه، ولا يموت ميت إلا صلوا على جنازته، واستغفروا له بعد موته وكل هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم إلى وقت خروجه.
- وفي حديث المفضل(178) عن الصادق (عليه السلام) قال: يا مفضل يظهر وحده ويأتي البيت وحده، ويلج الكعبة وحده، ويجن عليه الليل وحده فإذا نامت العيون، وغسق الليل نزل إليه جبرائيل وميكائيل والملائكة صفوفا فيقول له جبرائيل: يا سيدي قولك مقبول وأمرك جايز، فيمسح يده على وجهه ويقول: ﴿الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين﴾(179) ويقف بين الركن والمقام، فيصرخ صرخة فيقول يا معشر نقبائي، وأهل خاصتي ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض ائتوني طائعين فترد صيحته عليهم وهم في محاريبهم وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل فيجيبون نحوها، ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر حتى يكون كلهم بين يديه بين الركن والمقام، فيأمر الله (عزَّ وجلَّ) النور فيصير عمودا من الأرض إلى السماء فيستضيء به كل مؤمن على وجه الأرض ويدخل عليه نور من جوف بيته، فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور إلى أن قال المفضل: يا سيدي يقيم بمكة؟
قال (عليه السلام): لا يا مفضل بل يستخلف فيها رجلا من أهله فإذا سار منها وثبوا عليه فيقتلونه فيرجع إليهم فيأتونه مهطعين مقنعي رؤوسهم يبكون ويتضرعون ويقولون يا مهدي آل محمد (صلى الله عليه وآله) التوبة التوبة فيعظهم وينذرهم ويحذرهم ويستخلف عليهم منهم خليفة ويسير فيثبون عليه بعده فيقتلونه فيرد إليهم أنصاره من الجن والنقباء ويقول لهم: ارجعوا فلا تبقوا منهم بشرا فلولا أن رحمة ربكم وسعت كل شيء وأنا تلك الرحمة لرجعت إليهم معكم فقد قطعوا الأعذار بينهم وبين الله وبيني وبينهم فيرجعون إليهم فوالله لا يسلم من المائة منهم واحد لا والله ولا من ألف واحد.
قال المفضل: قلت يا سيدي فأين تكون دار المهدي (عليه السلام) ومجتمع المؤمنين؟
قال (عليه السلام): دار ملكه الكوفة ومجلس حكمه جامعها وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريين.
قال المفضل: يا مولاي كل المؤمنين يكونون بالكوفة؟
قال: أي والله لا يبقى مؤمن إلا كان بها أو حواليها وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم، وليودن أكثر الناس أنه اشترى شبرا من أرض السبع، بشبر من ذهب. والسبع خطة من خطط همدان (الحديث).
ولعل المراد من قوله (عليه السلام): لا يبقى مؤمن إلا كان بها أو حواليها، الكون الزيارة أي زيارة مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه، لا الكون على الدوام للإقامة ويشهد لذلك قوله:
وليودن (الخ).
ويحتمل أن يكون أو حواليها تصحيف أو حن إليها كما في رواية مروية في البحار وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام).
- ويؤيد المعنى الأول الذي ذكرناه ما في البحار(180) عن غيبة الشيخ الطوسي (ره) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا دخل القائم (عليه السلام) الكوفة لم يبق مؤمن إلا وهو بها أو يجيء إليها.
- ومما يدل على اجتماع المؤمنين عند مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه وعجل الله فرجه ما رواه الصدوق في كمال الدين(181) عن أبي الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) فإنه سئل عن معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله): لا تعادوا الأيام فتعاديكم. فقال (عليه السلام): نعم الأيام نحن بنا قامت السماوات والأرض، فالسبت اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأحد أمير المؤمنين، والاثنين الحسن والحسين، والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، والأربعاء موسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي وأنا، والخميس ابني الحسن، والجمعة ابن ابني وإليه تجتمع عصابة الحق وهو الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا. فهذا معنى الأيام ولا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة.
جمع العقول (182):
- في كمال الدين(183) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت بها أحلامهم.
وفي الخرائج: وأكمل به أخلاقهم، بدل الجزء الأخير.
- وفي أصول الكافي(184) بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم.
قال العلامة المجلسي الثاني في مرآة العقول: الضمير في قوله يده إما راجع إلى الله أو إلى القائم وعلى التقديرين كناية عن الرحمة والشفقة أو القدرة والاستيلاء، وعلى الأخير يحتمل الحقيقة، وقوله: فجمع بها عقولهم يحتمل وجهين أحدهما أنه يجعل عقولهم مجتمعة على الإقرار بالحق فلا يقع بينهم اختلاف ويتفقون على التصديق وثانيهما أنه يجتمع عقل كل واحد منهم، ويكون جمعه باعتبار مطاوعة القوى النفسانية للعقل، فلا يتفرق لتفرقها كذا قيل، والأول أظهر والضمير في (بها) راجع إلى اليد وفي (به) إلى الوضع، أو إلى القائم (عليه السلام) والأحلام جمع الحلم بالكسر وهو العقل. انتهى كلامه (ره).
أقول: الأظهر أن الضمير في يده يرجع إلى القائم (عليه السلام).
- والدليل على هذا قول الصادق (عليه السلام) في حديث آخر مروي في الكافي قال (عليه السلام) إن هذا الأمر يصير إلى من يلوى له الحنك(185) فإذا كانت من الله فيه المشيئة خرج. فيقول الناس، ما هذا الذي كان ويضع الله له يدا على رأس رعيته.
حرف الحاء المهملة: حمايته (عليه السلام) للإسلام
يظهر من جهاده وحربه (عليه السلام).
- في البحار(186) عن النعماني بإسناده(187) عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: كأني بدينكم هذا لا يزال موليا يفحص بدمه ثم لا يرده عليكم إلا رجل منا أهل البيت (الحديث) ويأتي تمامه في سخائه وفي كشف العلوم إن شاء الله تعالى.
حربه (عليه السلام) للمخالفين
والفرق بينه وبين الجهاد، أن الجهاد بالنسبة إلى الكفار، والحرب يعم أهل كلمة الإسلام، كما تدل عليه آية المحارب، وغيرها.
- وكيف كان فيشهد لما ذكرنا ما في البحار(188) عن النعماني بإسناده عن الفضيل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قائمنا إذا قام استقبل من جهة الناس أشد ما استقبله رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جهال الجاهلية فقلت كيف ذلك؟ قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله، ويحتج عليه به (الحديث).
- وفي رواية أخرى(189) عنه (عليه السلام) فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه.
- وعنه (عليه السلام)(190) أنه قال ثلاثة عشر مدينة وطائفة يحارب القائم أهلها ويحاربونه: أهل مكة وأهل المدينة وأهل الشام وبنو أمية وأهل البصرة، وأهل دميسان، والأكراد، والأعراب، وضبة، وغني، وباهلة، وأزد، وأهل الري.
- وفي كمال الدين(191) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في صاحب هذا الأمر سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله).
فأما من موسى فخائف يترقب.
وأما من عيسى فيقال فيه ما قيل في عيسى.
وأما من يوسف (عليه السلام) فالسجن والغيبة.
وأما من محمد (صلى الله عليه وآله) فالقيام بسيرته وتبين آثاره ثم يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر بيمينه، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله (عزَّ وجلَّ).
قال أبو بصير: قلت: وكيف يعلم أن الله تعالى قد رضي؟ قال: يلقي في قلبه الرحمة.
- وفي حديث المفضل(192) عن الصادق (عليه السلام) قال: يخرج الحسني الفتى الصبيح الذي نحو الديلم، يصيح بصوت له فصيح: يا آل أحمد أجيبوا الملهوف، والمنادي من حول الضريح. فتجيبه كنوز الله بالطالقان، كنوز وأي كنوز، ليست من فضة ولا ذهب بل هي رجال كزبر الحديد على البراذين الشهب، بأيديهم الحراب ولم يزل يقتل الظلمة حتى يرد الكوفة، وقد صفا أكثر الأرض فيجعلها له معقلا، فيتصل به وبأصحابه خبر المهدي (عليه السلام)، ويقولون:
يا بن رسول الله من هذا الذي قد نزل بساحتنا؟ فيقول: أخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو، وما يريد وهو والله يعلم أنه المهدي، وإنه ليعرفه، ولم يرد بذلك الأمر إلا ليعرف أصحابه من هو.
فيقول: إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخاتمه وبردته ودرعه الفاضل، وعمامته السحاب وفرسه اليربوع وناقته الغضبا، وبغلته الدلدل وحماره اليعفور ونجيبه البراق ومصحف أمير المؤمنين (عليه السلام) فيخرج له ذلك ثم يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق، ولم يرد ذلك إلا أن يري أصحابه فضل المهدي، حتى يبايعوه.
فيقول الحسني: الله أكبر، مد يدك يا بن رسول الله حتى نبايعك فيمد يده فيبايعه ويبايعه سائر العسكر الذي مع الحسني إلا أربعين ألفا أصحاب المصاحف المعروفون بالزيدية، فإنهم يقولون ما هذا إلا سحر عظيم فيختلط العسكر فيقبل المهدي (عليه السلام) على الطائفة المنحرفة فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيام فلا يزدادون إلا طغيانا وكفرا فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعا.
ثم يقول لأصحابه لا تأخذوا المصاحف ودعوها تكون عليهم حسرة كما بدلوها وغيروها وحرفوها ولم يعملوا بما فيها (الحديث).
والأخبار في هذا الباب كثيرة يأتي بعضها في قتل الكافرين بسيفه إن شاء الله تعالى.
حجه (عليه السلام)
- روى الصدوق في كمال الدين(193) بسند صحيح عن محمد بن عثمان العمري (ره) قال: والله إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة فيرى الناس فيعرفهم ويرونه ولا يعرفونه.
أقول: والذي يدل على استحباب الدعاء للحجاج من حيث حجه بيت الله:
- ما رواه في الفقيه عن الصادق (عليه السلام)(194) قال: إذا كان عشية عرفة بعث الله (عزَّ وجلَّ) ملكين يتصفحان وجوه الناس فإذا فقدا رجلا قد عود نفسه الحج، قال أحدهما لصاحبه يا فلان ما فعل فلان قال: فيقول: الله أعلم، قال: فيقول أحدهما: اللهم إن كان حبسه عن الحج فقر فأغنه، وإن كان حبسه دين فاقض عنه دينه، وإن كان حبسه مرض فاشفه، وإن كان حبسه موت فاغفر له وارحمه. إنتهى.
فإن هذا الحديث يدل على استحباب الدعاء لمن عود نفسه الحج، كما لا يخفى.
ويأتي في شباهته بالخضر ما يناسب المقام إن شاء الله تعالى.
حياة الأرض به (عليه السلام)
- روى الصدوق (ره) في كمال الدين(195) بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها﴾(196) قال: يحييها الله (عزَّ وجلَّ) بالقائم (عليه السلام) بعد موتها. يعني بموتها كفر أهلها، والكافر ميت.
- وفي كتاب المحجة(197) عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها﴾ يعني يصلح الله الأرض بقائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) بعد موتها، يعني من بعد جور أهل مملكتها ﴿وقد بينا لكم الآيات﴾ بقائم آل محمد ﴿لعلكم تعقلون﴾.
- وعن أبي إبراهيم (عليه السلام)(198) في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿يحيي الأرض بعد موتها﴾ قال ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله (عزَّ وجلَّ) رجالا فتحيي الأرض لإحياء العدل، ولإقامة الحد فيها أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا.
- وفي الجواهر(199) عن سدير قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): حد يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين ليلة وأيامها.
- وفي المحجة(200) عن الحلبي أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها﴾ قال (عليه السلام): العدل بعد الجور. حلمه يظهر مما يأتي في خلقه إن شاء الله تعالى.
حياة جمع من أولياء الله بظهوره (عليه السلام)
يأتي في نفعه إن شاء الله تعالى في حرف النون.
حبه (عليه السلام) لنا
يظهر مما مر في تلطفه بنا، فإن التلطف ثمرة المحبة، ومما سبق في الباب الثالث في حق الوالد على الولد، وما مر في تشييع أمواتنا وبالجملة كل إحسانه إلينا ثمرة حبه لنا إن شاء الله تعالى.
لكن لا يخفى عليك أن حبه لنا ليس إلا من جهة الإيمان بالله، والإطاعة له (عزَّ وجلَّ)، فإن أردت حبه صلوات الله عليه لك، فعليك بإطاعة الله تعالى وإياك إياك أن تؤذيه وتعاديه بمخالفة الله جل جلاله فتكون ممن قال الله (عزَّ وجلَّ) في حقه: ﴿إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا﴾.
- روي في دار السلام عن الباقر (عليه السلام)، أنه قال لجابر الجعفي: ما يتقرب العبد إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، ما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد منكم حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو، ولا ينال ولايتنا إلا بالعمل والورع.
والأخبار في هذا المعنى كثيرة وكما أن إطاعة الله تعالى توجب كمال المحبة، فكذلك العصيان يوجب زوالها.
- روي في الكافي(201) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ما من عبد إلا وعليه أربعون جنة، حتى يعمل أربعين كبيرة، فإذا عمل أربعين كبيرة انكشفت عنه الجنن، فيوحي الله إليهم أن استروا عبدي بأجنحتكم فتستره الملائكة بأجنحتها قال: فما يدع شيئا من القبيح إلا قارفه، حتى يتمدح إلى الناس بفعله القبيح.
فتقول الملائكة: يا رب هذا عبدك ما يدع شيئا إلا ركبه، وإنا لنستحيي مما يصنع فيوحي الله (عزَّ وجلَّ) إليهم أن ارفعوا أجنحتكم عنه، فإذا فعل ذلك أخذ في بغضنا أهل البيت، فعند ذلك ينهتك ستره في السماء، وستره في الأرض، فتقول الملائكة: يا رب هذا عبدك قد بقي مهتوك الستر، فيوحي الله (عزَّ وجلَّ) إليهم لو كانت لله فيه حاجة ما أمركم أن ترفعوا أجنحتكم عنه.
حكمه (عليه السلام) بالحق
- روي في كمال الدين(202) بإسناده، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد الله، سيأتي في مسجدكم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، يعني مسجد مكة، يعلم أهل مكة أنه لم يلدهم آباؤهم ولا أجدادهم، عليهم السيوف، مكتوب على كل سيف كلمة تفتح ألف كلمة، فيبعث الله تبارك وتعالى ريحا، فتنادي بكل واد: هذا المهدي يقضي بقضاء داود وسليمان (عليهما السلام) ولا يريد عليه بينة.
- وفيه أيضا(203) عنه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا قام القائم (عليه السلام)، لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمن إلا عرفه، صالح هو أم طالح، لأن فيه آية للمتوسمين وهي بسبيل مقيم.
- وفي البحار(204) عن كتاب الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد (ره) بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال يقضي القائم بقضايا ينكرها بعض أصحابه ممن قد ضرب قدامه بالسيف وهو قضاء آدم فيقدمهم فيضرب أعناقهم ثم يقضي الثانية فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف، وهو قضاء داود (عليه السلام) فيقدمهم فيضرب أعناقهم، ثم يقضي الثالثة فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف وهو قضاء إبراهيم (عليه السلام)، فيقدمهم فيضرب أعناقهم، ثم يقضي الرابعة وهو قضاء محمد (صلى الله عليه وآله) فلا ينكرها أحد عليه.
حكمه بالباطن بمقتضى علمه صلوات الله عليه
- في البحار(205) عن النعماني عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: بينا الرجل على رأس القائم يأمره وينهاه إذ قال: أديروه فيديرونه إلى قدامه، فيأمر بضرب عنقه فلا يبقى في الخافقين شيء إلا خافه.
- وعن إرشاد الديلمي(206) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) حكم بين الناس بحكم داود، لا يحتاج إلى بينة يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه ويخبر كل قوم بما استبطنوه، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم، قال الله سبحانه ﴿إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم﴾.
- وعن عبد الله بن المغيرة(207) عنه (عليه السلام) قال: إذا قام القائم أقام خمس مائة من قريش فضرب أعناقهم.
ثم أقام خمسمائة أخرى، حتى يفعل ذلك ست مرات، قلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟
قال (عليه السلام): نعم منهم ومن مواليهم.
- وعنه (عليه السلام)(208) قال: إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه، وحول المقام إلى الموضع الذي كان فيه، وقطع أيدي بني شيبة، وعلقها على باب الكعبة، وكتب عليها هؤلاء سراق الكعبة.
أقول: قد مر ما يدل عليه ويأتي إن شاء الله تعالى في قتل الكافرين، وفي هدم أبنية الكفر والشقاق والنفاق.
حرف الخاء المعجمة: خلقه (عليه السلام)
- في البحار عن النعماني(209)، بإسناده عن أبي وائل، قال: نظر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى الحسين، فقال: إن ابني هذا سيد، كما سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيدا، وسيخرج الله من صلبه رجلا باسم نبيكم، يشبهه في الخلق والخلق، يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة للحق، وإظهار للجور، والله لو لم يخرج لضربت عنقه(210) يفرح بخروجه أهل السماوات وسكانها، وهو رجل أجلى الجبين أقنى الأنف، الخ.
- ومن طريق المخالفين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)(211) قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لبعث الله رجلا اسمه اسمي وخلقه خلقي (الحديث).
وقد مر بعض الأخبار في جماله (عليه السلام) فراجع.
والخلق كما في كتب اللغة: السجية، فمعنى كون خلقه كخلق النبي (صلى الله عليه وآله) شباهته به في عامة صفاته وسجاياه، لا خصوص حسن المعاشرة وغير ذلك.
ويؤيد ما ذكرنا أن صاحب كشف الغمة نقل عن محمد بن يوسف الشافعي في كفاية الطالب(212)، أنه قال بعد ذكر هذا الحديث ومعنى قوله (صلى الله عليه وآله) خلقه خلقي: من أحسن الكنايات عن انتقام المهدي (عليه السلام) من الكفار لدين الله تعالى، كما كان النبي (صلى الله عليه وآله) وقد قال تعالى: ﴿إنك لعلى خلق عظيم﴾: قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى عفى الله عنه: العجب قوله من أحسن الكنايات إلى آخر الكلام ومن أين تحجر على الخلق فجعله مقصورا على الانتقام فقط! وهو عام في جميع أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) من كرمه وشرفه وعلمه وحلمه وشجاعته وغير ذلك من أخلاقه التي عددتها في صدر هذا الكتاب واعجب من قوله: ذكر الآية دليلا على ما قرره. إنتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
خوفه (عليه السلام)
- في الكافي(213) بإسناده عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن للقائم (عليه السلام) غيبة قبل أن يقوم، قلت: ولم؟ قال: إنه يخاف، وأومى بيده إلى بطنه يعني القتل.
- وفي حديث آخر(214) عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال: قلت ولم؟ قال: يخاف وأومى بيده إلى بطنه، ثم قال: يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين، غير أن الله (عزَّ وجلَّ) يحب أن يمتحن الشيعة.
فعند ذلك يرتاب المبطلون، قال: قلت: جعلت فداك، إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟ قال (عليه السلام): يا زرارة إذا أدركت ذلك الزمان فادع بهذا الدعاء: " اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك، لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك، لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك، ضللت عن ديني ".
أقول: قد ورد هذا الدعاء في حديث آخر(215) هكذا: " اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك، لم أعرفك، اللهم عرفني نبيك، فإنك إن لم تعرفني نبيك، لم أعرفه قط، اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك، ضللت عن ديني ".
- وفي الكافي(216) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له وأنك لا تخلي أرضك من حجة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور كيلا تبطل حجتك، ولا تضل أولئك(217) بعد إذ هديتهم، الخ.
ومر في الباب الثاني ح 17 عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) أنه قال: هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه.
- وفي كمال الدين(218) بإسناده، عن سيد العابدين (عليه السلام): في القائم سنة من سبعة أنبياء:
سنة من أبينا آدم (عليه السلام) وسنة من نوح، وسنة من إبراهيم، وسنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من أيوب، وسنة من محمد صلوات الله عليهم، فأما من آدم ونوح فطول العمر، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأما من موسى (عليه السلام) فالخوف والغيبة، وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه، وأما من أيوب (عليه السلام) فالفرج بعد البلوى، وأما من محمد فالخروج بالسيف.
- وفيه(219) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء (عليهم السلام) سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله)، فأما من موسى فخائف يترقب، وأما من يوسف فالسجن، وأما من عيسى فيقال إنه مات ولم يمت، وأما من محمد (صلى الله عليه وآله) فالسيف.
- وفيه(220) عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: إذا قام القائم (عليه السلام)، قال: ﴿ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين﴾.
- وفيه(221) بإسناده عن زرارة قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: إن للقائم غيبة قبل أن يقوم، قلت: ولم ذلك جعلت فداك؟ قال: يخاف وأشار بيده إلى بطنه وعنقه، الخ.
- وفي كتاب المحجة(222) عن الصادق (عليه السلام) في تفسير قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا﴾(223) قال (عليه السلام): القائم وأصحابه.
خلافته (عليه السلام) على المسلمين
مر في الباب الثالث ما يدل عليه.
- ويدل عليه أيضا ما في كفاية الأثر(224) من طريق العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) الخلفاء بعدي اثنا عشر تسعة من صلب الحسين (عليه السلام) والتاسع قائمهم ومهديهم، فطوبى لمحبيهم، والويل لمبغضيهم.
- وفيه(225) عنه (صلى الله عليه وآله) قال لا تقوم الساعة حتى يقوم قائم الحق منا، وذلك حين يأذن الله (عزَّ وجلَّ)، فمن تبعه نجى، ومن تخلف عنه هلك، فالله الله عباد الله، ائتوه ولو على الثلج، فإنه خليفة الله.
- ويدل عليه أيضا ما في البحار(226) عن كشف الغمة، من طريق العامة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادي: هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه.
- ومن طريق العامة أيضا عنه (صلى الله عليه وآله)(227) قال يقتتل عند كنزكم ثلاثة، كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تجيء الرايات السود، فيقتلونهم قتلا لم يقتله قوم، ثم يجيء خليفة الله المهدي، فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه، فإنه خليفة الله المهدي ختم العلوم به.
- في حديث كميل المروي في دار السلام، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) يا كميل! ما من علم إلا وأنا أفتحه، وما من شيء إلا والقائم يختمه الخبر.
أقول: المراد بشيء، إما العلم بقرينة صدر الكلام، وإما جميع الكمالات والأخلاق الحسنة والعلوم والمعارف الحقة التي أظهر سائر الأئمة بعضها بمقتضى صلاح زمانهم، والقائم عجل الله تعالى فرجه يظهر جميعها فالجميع يختم بظهوره.
- ويؤيد ذلك ما رواه(228) الصدوق (ره) عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن آبائه صلوات الله عليهم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله (عزَّ وجلَّ) اختار من الأيام الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان ومن الليالي ليلة القدر، واختارني من جميع الأنبياء، واختار مني عليا وفضله على جميع الأوصياء، واختار من علي الحسن والحسين واختار من الحسين الأوصياء من ولده، ينفون عن التنزيل تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الضالين، تاسعهم قائمهم، وهو ظاهرهم وهو باطنهم.
- وفي الكافي(229) في حديث الراهب الذي أسلم على يد مولانا الكاظم (عليه السلام)، ثم إن الراهب قال: أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت(230) فتبين في الأرض منها أربعة وبقي في الهواء منها أربعة على من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء، ومن يفسرها؟ قال (عليه السلام): ذاك قائمنا ينزله الله عليه، فيفسره وينزل عليه ما لم ينزل على الصديقين والرسل والمهتدين، الحديث ويأتي في كشف العلوم لهم ما يدل على المقصود إن شاء الله تعالى.
خروجه (عليه السلام) بالسيف بعد ظهوره
يجب عليه إطاعة لأمر الله، ودفعا لأعدائه، وحفظا لنفسه لما عرفت في خلقه في حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه لو لم يخرج لضربت عنقه ويأتي في أخبار غيبته ونداءاته ما يناسب المقام فلا تغفل.
حرف الدال المهملة: دعاؤه (عليه السلام) للمؤمنين
- ففي التوقيع المروي في آخر الاحتجاج(231) عنه (عليه السلام) لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء فلتطمئن بذلك من أوليائنا القلوب.
وقال السيد الأجل علي بن طاوس (ره) في المهج، وكنت أنا بسر من رأى فسمعت سحرا دعاءه (عليه السلام) فحفظت منه من الدعاء لمن ذكره من الأحياء والأموات: وأبقهم - أو قال وأحيهم - في عزنا وملكنا وسلطاننا ودولتنا، وكان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة.. إنتهى كلامه رفع مقامه.
- وفي الكافي(232) بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبته في مسجد الخيف قال ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم.
أقول: يعني دعوة الأئمة (عليهم السلام).
- وفي الكافي(233) أيضا بإسناده عن رجل من قريش من أهل مكة قال: قال سفيان الثوري: اذهب بنا إلى جعفر بن محمد (عليه السلام) قال فذهبت معه إليه، فوجدناه قد ركب دابته، فقال له سفيان: يا أبا عبد الله، حدثنا بحديث خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجد الخيف قال:
دعني حتى أذهب في حاجتي، فإني قد ركبت، فإذا جئت حدثتك، فقال: أسألك بقرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما حدثتني، قال: فنزل فقال له سفيان من لي بدواة وقرطاس حتى أثبته فدعى به ثم قال (عليه السلام): اكتب بسم الله الرحمن الرحيم خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجد الخيف:
نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم تبلغه يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم، المؤمنون إخوة، تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم.
فكتبه سفيان، ثم عرضه عليه، وركب أبو عبد الله (عليه السلام)، وجئت أنا وسفيان فلما كنا في بعض الطريق فقال لي: كما أنت حتى أنظر في هذا الحديث.
فقلت له: قد والله ألزم أبو عبد الله رقبتك شيئا لا يذهب من رقبتك أبدا فقال: وأي شيء ذلك؟ فقلت له: ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله قد عرفناه، والنصيحة لأئمة المسلمين، من هؤلاء الأئمة الذين تجب علينا نصيحتهم؟ معاوية بن أبي سفيان، ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم، وكل من لا يجوز شهادته عندنا، ولا يجوز الصلاة خلفهم؟
وقوله: واللزوم لجماعتهم فأي الجماعة مرجئ يقول: من لم يصل ولم يصم ولم يغتسل من جنابة وهدم الكعبة ونكح أمه، فهو على إيمان جبرائيل وميكائيل؟ أو قدري يقول:
لا يكون ما شاء الله (عزَّ وجلَّ)، ويكون ما شاء إبليس؟ أو حروري يبرأ من علي بن أبي طالب وشهد عليه بالكفر؟ أو جهمي يقول: إنما هي معرفة الله وحده، ليس الإيمان شيء غيرها.
قال: ويحك وأي شيء يقولون؟ فقلت: يقولون إن علي بن أبي طالب والله الإمام الذي يجب علينا نصيحته، ولزوم جماعتهم أهل بيته. قال: فأخذ الكتاب فخرقه، ثم قال لا تخبر بها أحدا.
- ويدل على دعاء(234) إمام كل زمان لشيعته أيضا، ما روي في البحار(235) عن مناقب ابن شهرآشوب عن موسى بن سيار قال: كنت مع الرضا (عليه السلام) وقد أشرف على حيطان طوس، وسمعت واعية فاتبعتها فإذا نحن بجنازة، فلما بصرت بها رأيت سيدي وقد ثنى رجله عن فرسه، ثم أقبل نحو الجنازة، فرفعها، ثم أقبل يلوذ بها، كما تلوذ السخلة بأمها.
ثم أقبل علي وقال: يا موسى بن سيار من شيع جنازة ولي من أوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب عليه حتى إذا وضع الرجل على شفير قبره رأيت سيدي قد أقبل فأفرج الناس عن الجنازة حتى بدا له الميت فوضع يده على صدره ثم قال: يا فلان ابن فلان أبشر بالجنة فلا خوف عليك بعد هذه الساعة.
فقلت جعلت فداك هل تعرف الرجل؟ فوالله إنها بقعة لم تطأها قبل يومك هذا، فقال (عليه السلام) لي: يا موسى بن سيار، أما علمت أنا معاشر الأئمة تعرض علينا أعمال شيعتنا صباحا ومساء، فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا الله تعالى الصفح لصاحبه، وما كان من العلو سألنا الله الشكر لصاحبه.
- ويدل على المقصود أيضا ما روي(236) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث ذميلة قال: يا ذميلة ليس من مؤمن يمرض إلا مرضنا لمرضه ولا يحزن إلا حزنا لحزنه، ولا يدعو إلا أمنا على دعائه، ولا يسكت إلا دعونا له، الخبر.
ويأتي بطوله في الباب الخامس إن شاء الله تعالى(237).
هذا، وأنت إذا لاحظت توقيعاته الشريفة المروية في كتاب الاحتجاج(238) كفاك في هذا الباب والله الهادي إلى نهج الصواب.
- ويدل على المقصود أيضا ما رواه محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات بإسناده عن أبي الربيع الشامي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) بلغني عن عمرو بن إسحاق حديث. فقال: اعرضه. قال: دخل علي أمير المؤمنين (عليه السلام) فرأى صفرة في وجهه. قال: ما هذه الصفرة؟ فذكر وجعا به فقال له علي (عليه السلام): إنا لنفرح لفرحكم ونحزن لحزنكم، ونمرض لمرضكم وندعو لكم، وتدعون فنؤمن قال عمرو: قد عرفت ما قلت. ولكن كيف ندعو فتؤمن؟ فقال (عليه السلام): إنا سواء علينا البادي والحاضر. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): صدق عمرو(239).
دعوته إلى الحق في زيارته (عليه السلام)
- السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته وفي الجامعة: السلام على الأئمة الدعاة والقادة الهداة. الخ.
- وفي حديث عبد العزيز بن مسلم المروي في الكافي(240)، والكمال عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): الإمام أمين الله في خلقه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله، الخ.
- وفي البحار(241) عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إذا أذن الله (عزَّ وجلَّ) للقائم في الخروج، صعد المنبر، ودعى الناس إلى نفسه وناشدهم بالله، ودعاهم إلى حقه، وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعمل فيهم بعمله، فيبعث الله جل جلاله جبرائيل حتى يأتيه، فينزل على الحطيم، ثم يقول له: إلى أي شيء تدعو؟ فيخبره القائم.
فيقول جبرائيل: أنا أول من يبايعك ابسط يدك فيمسح على يده، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، فيبايعونه ويقيم بمكة، حتى يتم أصحابه عشرة آلاف أنفس، ثم يسير منها إلى المدينة.
- وعن أبي جعفر (عليه السلام)(242) في حديث طويل: ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) والولاية لعلي بن أبي طالب والبراءة من عدوه، الخبر.
- وعنه (عليه السلام)(243): إن قائمنا إذا قام دعى الناس إلى أمر جديد كما دعى إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء.
- وعن أبي بصير(244) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء، فقلت له: اشرح لي هذا أصلحك الله، فقال (عليه السلام): يستأنف الداعي منا دعاء جديدا كما دعى رسول الله (صلى الله عليه وآله).
دفع البلاء عنا بوجوده (عليه السلام)
قد مضى بعض ما يدل عليه في حرف الألف.
- ويدل عليه أيضا في الخرائج(245) روى علان عن طريف عن نصر الخادم قال: دخلت على صاحب الزمان (عليه السلام) وهو في المهد، فقال لي: علي بالصندل الأحمر، فأتيته به، فقال (عليه السلام):
أتعرفني؟ قلت: نعم أنت سيدي وابن سيدي، فقال (عليه السلام): ليس عن هذا سألتك، قلت فسر لي؟ قال (عليه السلام): أنا خاتم الأوصياء وبي يدفع البلاء عن أهلي وشيعتي.
- ورواه الصدوق (ره) في كمال الدين(246) بأدنى تفاوت، وفي غاية المرام(247) من مسند أحمد بن حنبل، بإسناده عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) النجوم أمان لأهل السماء إذا ذهبت النجوم ذهبوا، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض.
- وفيه(248) عن الحمويني من أعيان علماء العامة، بإسناده عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي.
- وفي كفاية الأثر(249) بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، قيل: يا رسول الله فالأئمة بعدك من أهل بيتك؟ قال (صلى الله عليه وآله) نعم، بعدي اثنا عشر إماما، تسعة من صلب الحسين (عليه السلام) أمناء معصومون، ومنا مهدي هذه الأمة ألا إنهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي، ما بال أقوام يؤذوني فيهم، لا أنالهم الله شفاعتي.
- وفيه(250) عن الحسين بن علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أول ما خلق الله حجبه فكتب على حواشيها: أن لا إله إلا الله محمد رسول الله علي وصيه، ثم خلق العرش فكتب على أركانه: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي وصيه، ثم خلق الأرضين فكتب على أطوارها: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي وصيه، ثم خلق اللوح فكتب على حدوده: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي وصيه. فمن زعم أنه يحب النبي ولا يحب الوصي، فقد كذب ومن زعم أنه يعرف النبي ولا يعرف الوصي فقد كفر.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): ألا إن أهل بيتي أمان لكم، فأحبوهم بحبي، وتمسكوا بهم، لن تضلوا.
قيل: فمن أهل بيتك يا نبي الله؟
قال (صلى الله عليه وآله): علي وسبطاي وتسعة من ولد الحسين (عليه السلام)، أئمة أبرار أمناء معصومون، ألا إنهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي.
- وفي غاية المرام(251) بإسناده عن جابر الجعفي قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام): لأي شيء يحتاج إلى النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام؟ فقال (عليه السلام): لبقاء العالم على صلاحه وذلك أن الله (عزَّ وجلَّ) يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام قال الله (عزَّ وجلَّ) ﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم﴾.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون.
- وفي الإكمال(252) والأمالي(253) بسنده(254) عن سيد العابدين (عليه السلام) قال: نحن أئمة المسلمين وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين ونحن أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وبنا ينشر الرحمة ويخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها.
ثم قال (عليه السلام): ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله ولولا ذلك لم يعبد الله.
قال سليمان: فقلت للصادق (عليه السلام): فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال (عليه السلام): كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب.
أقول: وجه تشبيهه (عليه السلام) بالشمس يأتي إن شاء الله تعالى في نفعه.
- وعن(255) سيد الساجدين (عليه السلام) قال: إذا قام قائمنا أذهب الله (عزَّ وجلَّ) عن شيعتنا العاهة وجعل قلوبهم كزبر الحديد (الخ) ويأتي تمامه في حرف القاف إن شاء الله تعالى.
دفع البلاء والعذاب عن سائر الناس
وهذا أيضا من بركات وجوده وكمال جوده.
- روي في كمال الدين(256) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، يا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جل جلاله فيقول عبيدي وإمائي آمنتم بسري وصدقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب مني، أي عبيدي وإمائي حقا منكم أتقبل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، لولاكم لأنزلت عليهم عذابي.
ذب الأعداء عن المؤمنين في غيبته وحضوره (عليه السلام)
أما في زمن غيبته فبدعائه كما عرفت وأما في زمن حضوره فقد ظهر من حربه وجهاده ويظهر من قتل الكافرين بسيفه ومن ذلة الأعداء بيده.
ذلة الأعداء بيده وبعد ظهوره (عليه السلام)
- في الكافي(257) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا قام القائم عرض الإيمان على كل ناصب فإن دخل فيه بحقيقة وإلا ضرب عنه أو يؤدي الجزية كما يؤديها اليوم أهل الذمة ويشد على وسطه الهميان ويخرجهم من الأمصار إلى السواد.
أقول: مر في حرف الألف ما يدل عليه.
- وفي الكافي(258) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن للحق دولة وللباطل دولة وكل واحد منهما في دولة صاحبه ذليل (الحديث).
- وفي البحار عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون﴾(259) قال (عليه السلام): يعني يوم خروج القائم (عليه السلام).
- وفي تفسير علي بن إبراهيم(260) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿إن له معيشة ضنكا﴾(261) قال: هي والله للنصاب، قال معاوية بن عمار: جعلت فداك قد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتى ماتوا، قال (عليه السلام): ذلك والله في الرجعة يأكلون العذرة.
حرف الراء المهملة: رباطه (عليه السلام) في سبيل الله
سيأتي في حرف الميم بعنوان المرابطة إن شاء الله تعالى.
راحة الخلائق بظهوره وفي دولته (عليه السلام)
- في البحار(262) عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾ قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلا دخل في الإسلام حتى يأمن الشاة والذئب والبقرة والأسد والإنسان والحية وحتى لا تقرض فأرة جرابا (الخبر إلى أن قال) وذلك يكون عند قيام القائم.
- وفي البحار(263) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصفه (عليه السلام): وتصطلح في ملكه السباع وتخرج الأرض نبتها وتنزل السماء بركتها، الخبر.
- وفيه(264) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي وجسمه جسم إسرائيلي على خده الأيمن خال كأنه كوكب دري يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى في خلافته أهل الأرض وأهل السماء والطير في الجو.
- وفي حديث آخر(265) عنه (صلى الله عليه وآله) يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحا، فقال له رجل: وما صحاحا؟ قال: السوية بين الناس.
- وفيه(266) من كتاب سعد السعود نقلا عن صحف إدريس (عليه السلام): وألقي في تلك الزمان الأمانة على الأرض فلا يضر شيء شيئا ولا يخاف شيء من شيء ثم تكون الهوام والمواشي بين الناس فلا يؤذي بعضهم بعضا وأنزع حمة كل ذي حمة من الهوام وغيرها وأذهب سم كل ما يلدغ وأنزل بركات من السماء والأرض وتزهر الأرض بحسن نباتها، ويخرج كل ثمارها وأنواع طيبها وألقي الرأفة والرحمة بينهم (الخ).
- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ولأخرجت الأرض نباتها ولذهبت الشحناء من قلوب العباد واصطلحت السباع والبهائم حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلا على النبات وعلى رأسها زينتها لا يهيجها سبع ولا تخافه.
ومر في حرف الألف ما يدل على ذلك.
حرف الزاي المعجمة: زحمته (عليه السلام) في دين الله
تظهر مما مر في جهاده وحربه وغيرهما، ويأتي في صبره، وقتل الكافرين وغيرهما ما يدل عليه.
زهده (عليه السلام)
- في الكافي(267) بإسناده عن حماد بن عثمان قال: حضرت أبا عبد الله (عليه السلام)، وقال له رجل أصلحك الله، ذكرت أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس الخشن: يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك، ونرى عليك اللباس الجديد، فقال (عليه السلام) له: إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر ولو لبس مثل ذلك اليوم شهر به فخير لباس كل زمان لباس أهله، غير أن قائمنا أهل البيت (عليه السلام) إذا قام لبس ثياب علي (عليه السلام) وسار بسيرة علي (عليه السلام).
أقول: ولعل هذا هو المراد في قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي عبد الله الجدلي: ألا أخبرك بأنف المهدي (عليه السلام) وعينه؟ قال: قلت نعم، فضرب بيده إلى صدره، فقال: أنا. انتهى.
لأن الأنف بمعنى السيد، والمقتدى به في الأمور والعين بمعنى من يكون كذات الشيء ونفسه، فيكون هذا الكلام كناية عن أن المهدي (عليه السلام) يسير بسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في أفعاله، فهو أنفه: أي مقتداه في أفعاله، وعينه: أي كأنه هو في زهده وعبادته وسيرته وشجاعته، وسائر خصوصياته، وهذا استعمال شائع متعارف في المحاورات العرفية أيضا، حيث يقال لشيء يكون مشابها وموافقا لشيء آخر في تمام الخصوصيات: هذا عينه، وأما كون الأنف بمعنى السيد والمقتدى به فيشهد له قول الشاعر: قوم هم الأنف والأذناب غيرهم، والله تعالى هو العالم.
- وفيه(268) عن المعلى بن خنيس قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) يوما: جعلت فداك ذكرت آل فلان وما هم فيه من النعيم، فقلت لو كان هذا إليكم لعشنا معكم، فقال: هيهات هيهات يا معلى! أما والله أن لو كان ذاك ما كان إلا سياسة الليل، وسياحة النهار، ولبس الخشن وأكل الجشب، فزوى ذلك عنا، فهل رأيت ظلامة قط صيرها الله نعمة إلا هذه؟
- وفي البحار(269) عن الشيخ الطوسي بإسناده، عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ما تستعجلون بخروج القائم فوالله ما لباسه إلا الغليظ، ولا طعامه إلا الشعير الجشب، وما هو إلا بالسيف، والموت تحت ظل السيف.
- ومنه(270) عن الرضا (عليه السلام) قال أنتم أرخى بالا منكم يومئذ قال الراوي: وكيف قال: لو قد خرج قائمنا لم يكن إلا العلق والعرق، والقوم على السروج، وما لباس القائم إلا الغليظ، وما طعامه إلا الجشب.
زيارته (عليه السلام) لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وسائر المعصومين الكرام قطيعة عند ذوي الأفهام
- ويشهد لهذا المقام ما في البحار(271) في ضمن واقعة الجزيرة الخضراء قال السيد شمس الدين بعد أن سأله الراوي: هل يحج الإمام (عليه السلام)؟ قال: الدنيا خطوة مؤمن، فكيف بمن لم تقم الدنيا إلا بوجوده ووجود آبائه! نعم يحج في كل عام، ويزور آباءه في المدينة والعراق، وطوس، على مشرفيها السلام، الخ.
وأما رجحان الدعاء لزوارهم (عليهم السلام) فغير خفي على من استضاء بنور الإسلام.
- ويدل عليه ما رواه ابن وهب(272) عن الصادق أنه دعا في سجوده لزوار الحسين بدعاء طويل وطلب لهم الثواب الجزيل وأثنى عليهم بالثناء الجميل ثم قال: يا معاوية من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الأرض. وسنذكر الحديث بطوله في الباب الثامن إن شاء الله تعالى.
حرف السين المهملة: سيرته (عليه السلام)
يتبين من زهده.
- وفي البحار(273) عن أبي جعفر (عليه السلام) في وصف القائم عجل الله تعالى فرجه، قال: إذا قام سار بسيرة رسول الله (الحديث).
ومر في دعوته إلى الحق ما يدل على ذلك.
- وفي البحار(274) عن النعماني(275) بإسناده عن عبد الله بن عطا قال: سألت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) فقلت: إذا قام القائم بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال: يهدم ما قبله كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويستأنف الإسلام جديدا.
- وفي بصائر الدرجات(276) بإسناده عن عبد الملك بن أعين قال: أراني أبو جعفر بعض كتب علي (عليه السلام) ثم قال لي: لأي شيء كتبت هذه الكتب؟ قلت: ما أبين الرأي فيها. قال (عليه السلام):
هات، قلت: علم أن قائمكم يقوم يوما فأحب أن يعمل بما فيها، قال: صدقت.
سخاؤه (عليه السلام)
يظهر مما مر في خلقه ويأتي في ندائه.
- وفي البحار(277) عن النعماني(278) عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: كأنني بدينكم هذا لا يزال موليا يفحص بدمه ثم لا يرده عليكم إلا رجل منا أهل البيت، فيعطيكم في السنة عطاءين ويرزقكم في الشهر رزقين، وتؤتون الحكمة في زمانه حتى إن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
- وفي حديث آخر عنه(279) قال: وتجتمع إليه أموال الدنيا كلها، من بطن الأرض وظهرها فيقال للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدم الحرام وركبتم فيه المحارم، فيعطي عطاء لم يعطه أحد قبله.
- وعن النبي (صلى الله عليه وآله)(280) من طريق العامة أنه قال: فيجيء إليه الرجل فيقول يا مهدي أعطني، قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله.
- وفي حديث آخر(281) من طريقهم عنه: والمال يومئذ كدوس يقوم الرجل فيقول:
يا مهدي أعطني، فيقول: خذ.
- وفي غاية المرام(282) من طريقهم عنه (صلى الله عليه وآله) في حديث أبي سعيد الخدري: يكون المال كدوسا، يأتيه الرجل فيسأله، فيجيء له في ثوبه ما استطاع أن يحمله.
- وفي حديث أبي هريرة(283) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي المال بلا عدد.
أقول: ويأتي في كرمه ما يناسب هذا المقام ونعم ما قيل:
بنت المكارم وسط كفك منزلا * * * فجميع مالك للأنام مباح
وإذا المكارم أغلقت أبوابها * * * يوما فأنت لقفلها مفتاح
وقال آخر:
هو البحر من أي النواحي أتيته * * * ولجته المعروف والبر ساحله
تعود بسط الكف حتى لو أنه * * * أراد انقباضا لم تعطه أنامله
فلو لم يكن في كفه غير نفسه * * * لجاد بها فليتق الله سائله
وقال مؤلف هذا الكتاب عفى الله تعالى عنه في التضمين:
إن الذي خلق المكارم حازها * * * في ذات آدم للإمام القائم
حرف الشين المعجمة: شجاعته (عليه السلام)
تبين مما مر في حربه وجهاده ويأتي في علمه وفي قتل الكفرة.
شفاعته (عليه السلام) لنا إن شاء الله تعالى
- في غاية المرام(284) من طريق العامة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول (صلى الله عليه وآله)، أنا واردكم على الحوض، وأنت يا علي الساقي، والحسن الذائد والحسين الآمر وعلي بن الحسين الفارض، ومحمد بن علي الناشر، وجعفر بن محمد السائق، وموسى بن جعفر محصي المحبين والمبغضين وقامع المنافقين، وعلي بن موسى مزين المؤمنين، ومحمد بن علي منزل أهل الجنة في درجاتهم، وعلي بن محمد خطيب شيعته ومزوجهم الحور العين، والحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيئون به، والمهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن الله إلا لمن يشاء ويرضى.
أقول: السر في تخصيص الشفاعة بمولانا الحجة (عليه السلام) مع أنهم جميعا شفعاء يوم القيامة أن شفاعتهم لا تشمل المنكرين لمولانا صاحب الزمان (عليه السلام) ﴿فما لهم من شافعين ولا صديق حميم﴾ وإن أقروا بمن سبقه من الأئمة الطاهرين.
- ولهذا ورد في الحديث المروي، في كمال الدين(285) عن الصادق (عليه السلام): من أقر بالأئمة من آبائي وولدي، وجحد المهدي من ولدي، كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمدا (صلى الله عليه وآله). الخبر.
وفي معناه روايات أخر وفيما ذكرناه كفاية لمن اعتبر.
شهادته (عليه السلام) لنا
- في الكافي(286) في تفسير قوله تعالى: ﴿فإذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا﴾ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نزلت في أمة محمد (صلى الله عليه وآله) خاصة، في كل قرن منهم إمام منا شاهد عليهم، ومحمد (صلى الله عليه وآله) شاهد علينا.
- وعنه (عليه السلام) قال: نحن الشهداء على الناس، فمن صدق صدقناه يوم القيامة ومن كذب كذبناه يوم القيامة(287).
- وعن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا﴾ قال: نحن الأمة الوسطى ونحن شهداء الله تبارك وتعالى على خلقه، وحججه في أرضه. الخبر(288).
- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)(289) قال: إن الله تبارك وتعالى طهرنا وعصمنا، وجعلنا شهداء على خلقه، وحجته في أرضه، وجعلنا مع القرآن، وجعل القرآن معنا، لا نفارقه ولا يفارقنا.
شرفه (عليه السلام)
- في البحار(290) عن النعماني بإسناده: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) هل ولد القائم؟ قال: لا، ولو أدركته لخدمته أيام حياتي.
أقول: تأمل أيها اللبيب، وتأدب بهذا التأديب، ولا تؤذه أيام حياتك بصنوف سيئاتك، وسيوف كلماتك.
حرف الصاد المهملة: صبره (عليه السلام)
- في حديث اللوح المروي في كمال الدين(291) وغيره، بعدة طرق في وصف القائم (عليه السلام): عليه كمال موسى، وبهاء عيسى، وصبر أيوب، الخبر.
ومر في بلائه ما يدل عليه. ونعم ما قيل:
فحزني ما يعقوب بث أقله * وكل بلا أيوب بعض بليتي
لأنه قد جمع له أنواع البلاء وطول ذلك يوجب اشتداده.
وأنت إذا تفكرت ساعة ظهر لك حقيقة ما ذكرت فعليك بالدعاء له وطلب الفرج له من الله تعالى شأنه.
حرف الضاد المعجمة: ضيافته (عليه السلام)
- روي في دار السلام عن قصص الأنبياء أن إبراهيم (عليه السلام) كان يكنى بأبي الضيفان، وكان لا يتغدى ولا يتعشى إلا مع ضيف، وربما مشى ميلا أو ميلين أو أكثر حتى يجد ضيفا، وضيافته قائمة إلى يوم القيامة، وهي الشجرة المباركة التي قال الله تعالى ﴿يوقد من شجرة مباركة﴾.
أقول: لا يخفى أن هذه الضيافة هي الضيافة بالعلوم والسنن القائمة بوجود النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) إلي يوم القيامة، وفي زيارة يوم الجمعة(292): وأنا فيه ضيفك وجارك، وقد مضى في الباب الثالث ما يناسب هذا المقام.
وقال السيد ابن طاوس رحمه الله تعالى في جمال الأسبوع(293):
نزيلك حيث ما اتجهت ركابي * * * وضيفك حيث كنت من البلاد
- ويعجبني هنا نقل حديث لا يخلو من مناسبة للمقام، ذكره في كتاب دار السلام نقلا عن مشكاة الطبرسي قال: قال رجل لأبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام): كيف أبو دلف له أربعة آلاف قرية وقرية؟ فقال (عليه السلام): إنه ضاف به مؤمن ليلة فزوده جلة من تمر كان فيها أربعة آلاف تمرة وتمرة، فأعطاه الله تعالى بكل تمرة قرية.
حرف الطاء المهملة: طهارة الأرض به (عليه السلام) من الجور
- في كمال الدين(294) عن الصادق (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نورا قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام، فهي أرواحنا فقيل له: يا بن رسول الله، ومن الأربعة عشر؟
فقال محمد وعلي، وفاطمة، والحسن والحسين، والأئمة من ولد الحسين، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته، فيقتل الدجال، ويطهر الأرض من كل جور وظلم، وقد مضى ما يدل على ذلك في حرف الحاء وغيره.
طلب حقوق الأئمة (عليهم السلام) والمؤمنين ودمائهم
- في البحار(295) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أما والله لأقتلن أنا وابناي هذان، وليبعثن الله رجلا من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليغيبن عنهم تمييزا لأهل الضلالة، حتى يقول الجاهل ما لله في آل محمد (صلى الله عليه وآله) من حاجة.
أقول: مر في حرف الألف ما يناسبه، ويأتي ما يدل عليه إن شاء الله تعالى.
حرف الظاء المعجمة: ظهور الحق على يده (عليه السلام)
يظهر من حياة الأرض به وقتل الكافرين وتجديد الإسلام
ظفره (عليه السلام) على المعاندين
- في الكافي(296) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن منا إماما مظفرا مستطرا، فإذا أراد الله عز ذكره إظهار أمره، نكت في قلبه نكتة فظهر فقام بأمر الله تبارك وتعالى.
- وفي المحجة(297) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿لولا أخرتنا إلى أجل قريب﴾ إلى خروج القائم، فإن معه النصر والظفر، ويأتي في علمه ما يدل عليه.
ظلم الأعداء له (عليه السلام)
- روى علي بن إبراهيم(298) في تفسيره، بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى:
﴿ولمن انتصر بعد ظلمه﴾(299) يعني القائم وأصحابه، فأولئك ما عليهم من سبيل. والقائم إذا قام انتصر من بني أمية، ومن المكذبين والنصاب، هو وأصحابه.
- ورواه في المحجة(300) عن محمد بن العباس بإسناده عنه (عليه السلام) من طريق آخر.
- وروى علي بن إبراهيم(301) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير﴾(302) قال: إن العامة يقولون: نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أخرجته قريش من مكة، وإنما هو القائم إذا خرج يطلب بدم الحسين (عليه السلام) وهو قوله: نحن أولياء الدم وطلاب الدية.
- وروى السيد في البرهان(303) عن أبي جعفر أنه قال: في هذه الآية: هي في القائم وأصحابه.
- وفي كتاب المحجة والبحار(304) عن الباقر (عليه السلام): إن القائم (عليه السلام) يسند ظهره حين ظهوره إلى البيت الحرام مستجيرا به ينادي إلى أن يقول: وأسألكم بحق الله وحق رسوله وبحقي فإن لي عليكم حق القربى برسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أعنتمونا ومنعتمونا ممن يظلمنا، فقد أخفنا وظلمنا وطردنا من ديارنا وأبنائنا، وبغي علينا، الخبر ويأتي بطوله في ندائه (عليه السلام).
- وفي البحار مرفوعا(305) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يقدم القائم (عليه السلام) حتى يأتي النجف، فيخرج إليه من الكوفة جيش السفياني، وأصحابه، والناس معه وذلك يوم الأربعاء، فيدعوهم ويناشدهم حقه، ويخبرهم أنه مظلوم مقهور ويقول من حاجني في الله فأنا أولى الناس بالله. الخبر.
- وفي كمال الدين(306) بإسناده عن الحسين بن علي (عليه السلام) قال: قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة، وهو الذي يقسم ميراثه، وهو حي.
- وفيه(307) في حديث أبي خالد الكابلي، عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: كأني بجعفر الكذاب، وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله والمغيب في حفظ الله، والموكل بحرم أبيه جهلا منه بولادته، وحرصا منه على قتله، إن ظفر به طمعا في ميراث أخيه حتى يأخذه بغير حق (الخ)، ويأتي بطوله في الباب الثامن إن شاء الله تعالى.
- وعن غيبة الشيخ الطوسي (ره)(308) عن رشيق قال: بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر فأمرنا أن يركب كل واحد منا فرسا ويجنب فرسا آخر ونخرج مخفين لا يكون معنا قليل ولا كثير، إلا على السرج مصلى، وقال لنا ألحقوا بسامرة، ووصف لنا محلة ودارا وقال: إذا أتيتموها تجدوا على الباب خادما أسود، فاكبسوا الدار ومن رأيتم فيها فائتوني برأسه.
فوافينا سامرة فوجدنا الأمر كما وصفه، وفي الدهليز خادم اسود، وفي يده تكة ينسجها، فسألناه عن الدار ومن فيها فقال: صاحبها، فوالله ما التفت إلينا، وقل اكتراثه بنا، فكبسنا الدار كما أمرنا، فوجدنا دارا سرية، ومقابل الدار ستر، ما نظرت قط إلى أنبل منه، كأن الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت، ولم يكن في الدار أحد، فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كأن بحرا فيه وفي أقصى البيت حصير، قد علمنا أنه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي، فلم يلتفت إلينا، ولا إلى شيء من أسبابنا.
فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطى البيت فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه فخلصته وأخرجته، وغشي عليه وبقي ساعة وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل، فناله مثل ذلك، وبقيت مبهوتا، فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلى الله وإليك، فوالله ما علمت كيف الخبر ولا إلى من أجيء وأنا تائب إلى الله، فما التفت إلى شيء مما قلنا، وما انفتل عما كان فيه، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه.
وقد كان المعتضد ينتظرنا وقد تقدم إلى الحجاب إذا وافينا أن ندخل عليه في أي وقت كان، فوافيناه في بعض الليل، فأدخلنا عليه فسألنا عن الخبر، فحكينا له ما رأينا، فقال:
ويحكم لقيكم أحد قبلي وجرى منكم إلى أحد شيء، أو قول؟ الخبر، ليضربن أعناقنا فما جسرنا أن نحدث به إلا بعد موته.
ظهور كمالات الأئمة (عليهم السلام) وشؤونهم وأخلاقهم بوجوده وظهوره (عليه السلام)
تقدم في ختم العلوم به من حرف الخاء، قول النبي (صلى الله عليه وآله) في وصفه: هو ظاهرهم وهو باطنهم، ومعنى ذلك - والله يعلم - أنه مظهر جميع العلوم الظاهرة والباطنة، التي آتاها الله النبي، والأئمة (عليهم السلام)، ومظهر كمالاتهم وشؤونهم جميعا.
- ويؤيد هذا المعنى ما في تاسع البحار(309) عن الاختصاص(310) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان قاعدا في المسجد، وعنده جماعة من أصحابه، فقالوا له: حدثنا يا أمير المؤمنين. فقال لهم: ويحكم إن كلامي صعب مستصعب، لا يعقله إلا العالمون. قالوا: لا بد من أن تحدثنا.
قال (عليه السلام): قوموا بنا فدخل الدار فقال: أنا الذي علوت فقهرت، أنا الذي أحيي وأميت، أنا الأول والآخر، والظاهر والباطن، فغضبوا وقالوا كفر وقاموا، فقال علي (عليه السلام) للباب: يا باب، استمسك عليهم. فاستمسك عليهم الباب.
فقال صلوات الله وسلامه عليه: ألم أقل لكم إن كلامي مستصعب لا يعقله إلا العالمون؟
تعالوا أفسر لكم. أما قولي: أنا الذي علوت فقهرت: فأنا الذي علوتكم بهذا السيف فقهرتكم حتى آمنتم بالله ورسوله، وأما قولي: أنا أحيي وأميت: أحيي السنة وأميت البدعة، وأما قولي: أنا الأول: أنا أول من آمن بالله وأسلم، أما قولي: أنا الآخر: أنا آخر من سجى على النبي (صلى الله عليه وآله) ثوبه ودفنه، وأما قولي: أنا الظاهر والباطن: فأنا عندي علم الظاهر والباطن.
وأنت إذا لاحظت ما ذكرنا ونذكر في هذا الباب، اتضح لك نهج الصواب وعلمت أنه (عليه السلام) مظهر جميع صفات الأئمة الأطياب، ومظهر كمالات البررة الأنجاب وفيما ذكرناه كفاية لأولي الألباب.
حرف العين المهملة: علمه (عليه السلام)
مضى في حكمه بالحق ما يدل عليه.
- وفي كمال الدين(311) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن العلم بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) لينبت في قلب مهدينا كما ينبت الزرع على أحسن نباته فمن بقي منكم حتى يراه، فليقل حين يراه: السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة.
- وفي البحار(312) عن النعماني بإسناده عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن علي (عليه السلام) قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له: يا أمير المؤمنين نبئنا بمهديكم هذا؟ فقال (عليه السلام): إذا درج الدارجون وقل المؤمنون، وذهب المجلبون، فهناك.
فقال: يا أمير المؤمنين عليك السلام، ممن الرجل؟ فقال: من بني هاشم، من ذروة طود العرب وبحر مغيضها إذا وردت، ومجفو أهلها إذا أتت، ومعدن صفوتها إذا اكتدرت، لا يجبن إذا المنايا هلعت، ولا يجوز إذا المؤمنون اكتنفت، ولا ينكل إذا الكماة اصطرعت، مشمر مغلولب، ظفر ضرغامة حصد، مخدش ذكر، سيف من سيوف الله، رأس قثم، نشق رأسه في باذخ السؤدد، وغارز مجده في أكرم المحتد، فلا يصرفنك عن تبعته(313) صارف عارض، ينوص إلى الفتنة كل مناص، إن قال فشر قائل، وإن سكت فذو دعائر.
ثم رجع إلى صفة المهدي، فقال: أوسعكم كهفا(314) وأكثركم علما وأوصلكم رحما، اللهم فاجعل بيعته خروجا من الغمة، واجمع به شمل الأمة. فإن جاز لك فاعزم ولا تنثن عنه إن وفقت له، ولا تجيزن عنه إن هديت إليه هاه - وأومى بيده إلى صدره - شوقا إلى رؤيته.
توضيح
قال الفيروزآبادي: درج دروجا ودرجانا: مشى، والقوم انقرضوا وفلانا لم يخلف نسلا أو مضى لسبيله. إنتهى.
والغرض انقراض قرون كثيرة، قوله (عليه السلام): ذهب المجلبون أي المجتمعون على الحق، والمعينون للدين أو الأعم.
قال الجزري، أجلبوا عليه إذا تجمعوا وتألبوا، وأجلبه أي أعانه، وأجلب عليه إذا صاح به واستحثه، والطود بالفتح: الجبل العظيم، وفي بعض النسخ بالراء وهو بالضم أيضا الجبل، والأول أصوب، والمغيض: الموضع الذي يدخل فيه الماء فيغيب ولعل المعنى أنه بحر العلوم والخيرات فهي كامنة فيه، أو شبهه ببحر في أطرافه مغائض فإن شيعتهم مغائض علومهم.
قوله (عليه السلام): ومجفو أهلها أي إذا أتاه أهله يجفونه، ولا يطيعونه، قوله: هلعت أي صارت حريصة على إهلاك الناس، قوله: ولا يجوز، في بعض النسخ: ولا يخور إذا المنون أكسفت والخور: الجبن، والمنون: الموت، والكماة بالضم، جمع الكمي وهو الشجاع، أو لابس السلاح، ويقال ظفر بعدوه، فهو ظفر والضرغامة بالكسر: الأسد، قوله: حصد أي يحصد الناس بالقتل، قوله: مخدش أي يخدش الكفار ويجرحهم والذكر من الرجال بالكسرة القوي الشجاع الأبي، ذكره الفيروزآبادي.
وقال: الرأس أعلى كل شيء وسيد القوم، والقثم، كزفر: الكثير العطاء.
وقال الجزري: رجل نشق إذا كان يدخل في أمور لا يكاد يخلص منها، وفي بعض النسخ باللام والباء يقال: رجل لبق ككتف أي حاذق بما عمل، وفي بعضها شق رأسه أي جانبه والبازخ العالي المرتفع.
قوله: وغارز مجده، أي مجده الغارز الثابت، من غرز الشيء، أي أدخله وأثبته، والمحتد بكسر التاء: الأصل. وقوله: ينوص صفة للصارف، وقال الفيروزآبادي: المناص الملجأ، وناص مناصا تحرك، وعنه تنحى وإليه نهض.
قوله: فذو دعائر، من الدعارة، وهو الخبث والفساد، ولا يبعد أن يكون تصحيف الدغائل، جمع الدغيلة وهي الدغل والحقد. أو بالمهملة، من الدعل، بمعنى الختل، قوله (عليه السلام): فإن جاز لك. أي تيسر لك مجازا، ويقال: انثنى، أي انعطف.
قوله (عليه السلام): ولا تجيزن عنه أي إن أدركته في زمان غيبته، وفي بعض النسخ: ولا تحيزن بالحاء المهملة والزاي المعجمة، أي لا تتحيزن من التحيز عن الشيء بمعنى التنحي عنه، ذكر كل ذلك المجلسي (ره) في البحار ثم قال: وكانت النسخ مصحفة محرفة في أكثر ألفاظها.
أقول: تقدم ما يدل على المقصود ويأتي ما يدل عليه في كشف العلوم إن شاء الله تعالى.
عزة الأولياء بظهوره (عليه السلام)
في دعاء الندبة(315): أين معز الأولياء، ومذل الأعداء؟
- وفي كمال الدين(316) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كأني بأصحاب القائم (عليه السلام) قد أحاطوا ما بين الخافقين، ليس من شيء إلا وهو مطيع لهم حتى سباع الأرض وسباع الطير تطلب رضاهم في كل شيء، حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول مر بي اليوم رجل من أصحاب القائم (عليه السلام).
عذاب الأعداء
- عن أبي عبد الله (عليه السلام)(317) في قوله تعالى: ﴿ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة﴾ قال: العذاب خروج القائم، والأمة المعدودة، أهل بدر وأصحابه.
- وقال علي بن إبراهيم(318) في قوله تعالى: ﴿سأل سائل بعذاب واقع﴾(319) سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن معنى هذا؟ فقال: نار تخرج من المغرب. وملك يسوقها من خلفها، حتى تأتي دار بني سعد بن همام عند مسجدهم، فلا تدع دارا لبني أمية إلا أحرقتها وأهلها، ولا تدع دارا فيها وتر لآل محمد إلا أحرقتها وذلك المهدي (عليه السلام).
أقول: يأتي ما يدل على ذلك في حرف القاف.
عدله (عليه السلام)
- أظهر صفاته الحسنة، ولهذا لقب بالعدل كما في الدعاء المروي عنه(320) لليالي شهر رمضان(321): اللهم وصل على ولي أمرك القائم المؤمل، والعدل المنتظر.
- وفي حديث أبي المروي في كمال الدين، وغيره عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في وصفه (عليه السلام):
أول العدل وآخره (الخ)، يريد بذلك كمال عدله وقل ما يخلو حديث ذكر فيه عن ذكر عدله.
- فعن النبي (صلى الله عليه وآله) في كمال الدين(322): إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثنا عشر، أولهم أخي، وآخرهم ولدي. قيل: يا رسول الله، ومن أخوك؟ قال:
علي بن أبي طالب. قيل فمن ولدك؟ قال: المهدي الذي يملأها قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، والذي بعثني بالحق بشيرا، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله ذلك اليوم، حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى ابن مريم، فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنوره، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب.
- وعن سيد الشهداء(323) قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم، حتى يخرج رجل من ولدي، فيملأها عدلا وقسطا، كما ملئت جورا وظلما كذلك سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول.
أقول: الأخبار في هذا المعنى متواترة جدا، ونذكر بعضها فيما يأتي إن شاء الله تعالى، والذي يظهر لي من تتبع موارد الاستعمال أن العدل أعم من القسط، فإن القسط يستعمل في مقام توفية حق الغير، مثل مقام أداء الشهادة والقضاء والكيل والوزن ونحوها، والعدل يستعمل فيما يستعمل فيه القسط وفي غيره.
وبعبارة أخرى: القسط لا يستعمل إلا فيما يرجع إلى الغير. والعدل يستعمل في ما يرجع إلى النفس والغير.
فالعدل موافقة الحق مطلقا والقسط موافقة الحق في مورد الخلائق، وإن شئت تصديق ما ذكرنا فارجع إلى الآيات الشريفة القرآنية المذكور فيها العدل والقسط، والجور ضد القسط والظلم ضد العدل، فالظلم هو التجاوز عن الحق مطلقا، والجور هو التجاوز عن الحق الراجع إلى الغير.
والأحاديث الواردة بهذا المضمون تدل على أن الحكام والرؤساء والقضاة يجورون في حكومتهم بين الناس في آخر الزمان، وهم يظلمون أنفسهم وغيرهم أيضا، وإذا ظهر القائم (عليه السلام)، رفع الجور وعدل في الحكومة بينهم، واجتث أصل الظالمين وفرعهم، بحيث يشمل عدله جميع العالم فلا يظلم أحد أحدا.
- ولذلك قال الصادق (عليه السلام) في الحديث المروي في البحار(324) وغيبة النعماني: أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر. وسيأتي بعض الأخبار المصرحة بعدله.
عطف الهوى على الهدى
- من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)(325) في وصف القائم (عليه السلام) في بعض خطبه: يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي.
عطاؤه (عليه السلام)
- في البحار(326) وغاية المرام من طريق العامة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يكون عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن، رجل يقال له المهدي، يكون عطاؤه هنيئا.
أقول: كون عطائه هنيئا بسبب وقوع المؤمنين قبل ظهوره في المضيقة، وابتلائهم بأنواع الشدة والمصيبة.
- كما ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات﴾(327) عن الصادق (عليه السلام): إنها للمؤمنين قبل قيام القائم.
ويأتي الحديث، في الباب الثامن إن شاء الله تعالى، وفي حديث إبراهيم الكرخي المروي في كمال الدين(328)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في وصف القائم (عليه السلام)، قال: يا إبراهيم هو مفرج الكرب عن شيعته بعد ضنك شديد، وبلاء طويل، الخ، ويأتي بطوله في حرف الفاء إن شاء الله تعالى أيضا.
- وفي تفسير حمعسق(329) عن أبي جعفر (عليه السلام)(330) قال: (حم) حتم و(ع) عذاب، و(س) سنون كسني يوسف (عليه السلام) و(ق) قذف وخسف ومسخ يكون في آخر الزمان، الخ.
ولا يخفى أن الفرج بعد الشدة، والعطاء بعد الضيق والمشقة، أهنأ من غيره، وإلى ذلك أشار (عليه السلام) في صدر الحديث بقوله: عند انقطاع من الزمان، وظهور من الفتن، ويمكن أن يكون ذلك من جهة عدم شوب عطائه بالمن، كما هو دأب أكثر الناس فإنهم إن أعطوا أعطوا قليلا، ومنوا كثيرا، ومن جهة كونه أكرم الناس وأعظمهم شأنا. ولا ريب أن عطاء الكريم أهنأ من غيره. أو من جهة كثرة عطائه:
- فقد ورد(331) من طريق العامة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي المال بلا عدد.
- وفي حديث آخر، عنه (صلى الله عليه وآله) في وصف القائم (عليه السلام) والمال يومئذ كثير يقول الرجل:
يا مهدي أعطني، فيقول: خذ. رواهما في غاية المرام(332) وتقدم في سخائه ما يناسب المقام، ويأتي في كرمه ما له دخل في هذا المطلب إن شاء الله تعالى.
عزلته (عليه السلام) عن الناس
مر في خوفه ما يدل عليه.
- وفي الصحيح(333) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بد له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة وما بثلاثين من وحشة.
- وفي قضية إبراهيم بن مهزيار المروية في كمال الدين(334) وغيره قال (عليه السلام): إن أبي عهد إلي أن لا أوطن من الأرض إلا أخفاها وأقصاها، إسرارا لأمري وتحصينا لمحلي من مكائد أهل الضلال والمردة، من أحداث أمم الضوال. إلى آخر ما قال (عليه السلام).
عبادته (عليه السلام)
- يدل على ذلك ما روي عن الكاظم (عليه السلام) في وصفه (عليه السلام): يعتوره مع سمرته صفرة من سهر الليل.
أقول: وهذا معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله)(335) في وصفه: وجهه كالدينار.
وقال الفاضل المحدث النوري: يعني كالدينار في الصفاء والتلألؤ والله العالم.
يقول المصنف: إن الحديث الأول مروي في كتاب فلاح السائل(336) وصلاة البحار(337) عن الكاظم (عليه السلام) وبعده: بأبي من ليله يرعى النجوم ساجدا وراكعا، الخ وسيأتي الحديث بتمامه في الباب السادس فنسبة هذا الحديث إلى الصادق، كما وقع في نجم الثاقب كأنه سهو منه فتدبر، ولعله وقف على حديث آخر.
حرف الغين المعجمة: غيبته (عليه السلام) عن الأبصار بحكم الخالق الجبار
قد أخبر بها الرسول المختار، والأئمة الأطهار صلوات الله عليهم ما أظلم الليل وأضاء النهار.
- ففي كمال الدين(338) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقا وخلقا، تكون به غيبة وحيرة، تضل فيها الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب، يملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.
- وعنه (عليه السلام)(339) أيضا قال: المهدي من ولدي، تكون له غيبة وحيرة، تضل فيها الأمم، يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهم السلام) فيملأها عدلا وقسطا، كما ملئت جورا وظلما.
- وعنه (صلى الله عليه وآله)(340) قال: طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي، وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه ويتولى أولياءه ويعادي أعداءه ذلك من رفقائي، وذوي مودتي، وأكرم أمتي علي يوم القيامة.
- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)(341) أنه قال للحسين: التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق، المظهر للدين، الباسط للعدل، قال الحسين: فقلت: يا أمير المؤمنين وإن ذلك لكائن، فقال (عليه السلام): أي والذي بعث محمدا بالنبوة، واصطفاه على جميع البرية، ولكن بعد غيبة وحيرة، لا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون، المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه.
- وعن أصبغ بن نباتة(342) قال: أتيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فوجدته متفكرا، ينكت الأرض فقلت: يا أمير المؤمنين ما لي أراك متفكرا تنكت في الأرض، أرغبت فيها؟ فقال: لا والله ما رغبت فيها، ولا في الدنيا يوما قط، ولكن فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي، هو المهدي يملأها عدلا كما ملئت جورا وظلما تكون له حيرة وغيبة تضل فيها أقوام وتهتدي فيها آخرون، فقلت: يا أمير المؤمنين وإن هذا لكائن؟
فقال (عليه السلام): نعم كما أنه مخلوق، الخبر.
- وعنه (عليه السلام)(343) قال: للقائم منا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته، يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه، ولم يقس قلبه لطول غيبة إمامه، فهو معي في درجتي يوم القيامة، ثم قال (عليه السلام): إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه.
- وعنه (عليه السلام)(344) قال حين ذكر عنده القائم: أما ليغيبن حتى يقول الجاهل ما لله في آل محمد (صلى الله عليه وآله) حاجة.
- وعن الحسن بن علي (عليه السلام)(345) قال: ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلا القائم الذي يصلي روح الله عيسى ابن مريم خلفه، فإن الله (عزَّ وجلَّ) يخفي ولادته، ويغيب شخصه، لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة النساء، يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته، في صورة شاب دون أربعين سنة، وذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدير.
- وعن الحسين بن علي (عليهما السلام)(346) قال: قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة، هو الذي يقسم ميراثه وهو حي.
- وعن(347) علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: إن للقائم منا غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، أما الأولى فستة أيام أو ستة أشهر(348) أو ستة سنين، وأما الأخرى فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه وصحت معرفته، ولم يجد في نفسه حرجا مما قضيناه وسلم لنا أهل البيت.
- وعن الباقر (عليه السلام)(349) في قوله تعالى: ﴿فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس﴾ قال: هذا مولود في آخر الزمان، هو المهدي من هذه العترة، يكون له حيرة وغيبة، يضل فيها قوم، ويهتدي فيها قوم، الخ.
- وعن الصادق (عليه السلام)(350) في حديث ابن أبي يعفور، قال: من أقر بالأئمة من آبائي وولدي، وجحد المهدي من ولدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمدا نبوته صلوات الله عليهم، فقلت: يا سيدي ومن المهدي من ولدك؟ قال الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته.
- وعنه (عليه السلام)(351) قال: أقرب ما يكون العبد إلى الله (عزَّ وجلَّ)، وأرضى ما يكون عنه إذا افتقدوا حجة الله فلم يظهر لهم، وحجب عنهم فلم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنه لا تبطل حجج الله ولا بيناته فعندها فليتوقعوا الفرج صباحا ومساء فإن أشد ما يكون الله غضبا على أعدائه، إذا أفقدهم حجته فلم يظهر لهم، وقد علم أن أولياءه لا يرتابون ولو علم أنهم يرتابون ما أفقدهم حجته طرفة عين.
- وعنه(352) قال: إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض، وصاحب الزمان والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه، لم يخرج من الدنيا حتى يظهر، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.
- وعن(353) علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: إذا فقد الخامس من ولد السابع، فالله الله في أديانكم، لا يردكم أحد عنها، يا بني إنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتى يرجع عن هذا الأمر، من كان يقول به، إنما هي محنة من الله (عزَّ وجلَّ)، امتحن بها خلقه، ولو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصح من هذا لاتبعوه.
- وعن الحسين بن خالد(354) قال: قال علي بن موسى الرضا المرتضى (عليه السلام): لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له، وإن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية فقيل له: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى متى؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا، فقيل له: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن القائم منكم أهل البيت؟
قال (عليه السلام) الرابع من ولدي، ابن سيدة الإماء، يطهر الله به الأرض من كل جور، ويقدسها من كل ظلم، وهو الذي يشك الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل بين الناس. فلا يظلم أحد أحدا، وهو الذي تطوى له الأرض ولا يكون له ظل، وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه، يقول: ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه، فإن الحق معه وفيه، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين﴾.
- وعن عبد العظيم(355) بن عبد الله الحسني قال: قلت لمحمد بن علي بن موسى (عليه السلام):
إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا، فقال: يا أبا القاسم، ما منا إلا وهو قائم بأمر الله (عزَّ وجلَّ)، وهاد إلى دين الله، ولكن القائم الذي يطهر الله (عزَّ وجلَّ) به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلا وقسطا، هو الذي تخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سمي رسول الله وكنيه (صلى الله عليه وآله)، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذل له كل صعب، ويجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ) ﴿أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير﴾ فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص، أظهر الله أمره، فإذا أكمل له العقد، وهو عشرة آلاف رجل، خرج بإذن الله (عزَّ وجلَّ)، فلا يزال يقتل أعداء الله، حتى يرضى الله تعالى.
قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيدي وكيف يعلم أن الله (عزَّ وجلَّ) قد رضي؟ قال: يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما.
- وعن علي بن مهزيار(356) قال كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) أسأله عن الفرج، فكتب إلي: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين، فتوقعوا الفرج.
- وعن(357) أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال: دخلت على أبي محمد الحسن ابن علي، وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئا: يا أحمد بن إسحاق، إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض وبه ينزل الغيث وبه يخرج بركات الأرض، قال:
فقلت له: يا بن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) مسرعا فدخل البيت، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين، فقال: يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله (عزَّ وجلَّ)، وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سمي رسول الله وكنيه (عليه السلام) الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.
يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأمة مثل الخضر ومثل ذي القرنين والله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته، ووفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه، فقال أحمد بن إسحاق فقلت: يا مولاي فهل من علامة يطمئن إليها قلبي؟
فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح فقال: أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق.
قال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسرورا فرحا، فلما كان من الغد عدت إليه فقلت: يا بن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت به علي، فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ قال (عليه السلام): طول الغيبة يا أحمد.
قلت: يا بن رسول الله وإن غيبته لتطول؟ قال: أي وربي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به ولا يبقى إلا من أخذ الله (عزَّ وجلَّ) عهده لولايتنا وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه، يا أحمد بن إسحاق: هذا أمر من أمر الله وسر من سر الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين، تكن معنا غدا في عليين.
- وعن(358) أبي محمد الحسن بن محمد المكتب، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري قدس الله روحه، فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله (عزَّ وجلَّ)، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورا، وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال: فنسخنا هذا التوقيع، وخرجنا من عنده، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه فقيل له: من وصيك من بعد؟ فقال لله أمر هو بالغه، ومضى رضي الله عنه فهذا آخر كلام سمع منه رحمة الله ورضوانه عليه.
أقول: هذه نبذة مما ورد عن الأئمة الأطهار، في الإخبار بغيبة الإمام الغائب عن الأبصار، رويته بإسنادي الآتي في خاتمة الكتاب عن الشيخ الصدوق في كتاب كمال الدين وتمام النعمة، ومضى فيما مر، ويأتي فيما بعد ما يناسب هذا المقام.
وينبغي هنا التنبيه على أمور
الأول: في سبب غيبته وهو قسمان:
الأول: ما لم يبين لنا ويتبين بعد ظهوره:
- روى الشيخ الصدوق بإسناده(359) عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: إن لصاحب الأمر غيبة لا بد منها، يرتاب فيها كل مبطل، فقلت: ولم جعلت فداك؟ قال (عليه السلام): لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم.
قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام)، إلا وقت افتراقهما.
يا بن الفضل، إن هذا الأمر أمر من أمر الله تعالى، وسر من سر الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه (عزَّ وجلَّ) حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف لنا.
- وفي التوقيع المروي في الاحتجاج(360) عن الحجة (عليه السلام): وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم﴾ إنه لم يكن أحد من آبائي إلا قد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي، الخ.
الثاني: ما بينه الأئمة المعصومون (عليهم السلام) لنا وهو وجوه:
الأول: خوفه (عليه السلام) من القتل، كما مر في خوفه (عليه السلام) فراجع، وهذا أيضا أحد الأسباب الموجبة لخروجه بالسيف إذا ظهر، كما مر في حديث أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال: لو لم يخرج لضربت عنقه، الخ، يعني يجب عليه الخروج بالسيف بعد ظهوره، حفظا لنفسه الشريفة فإن الظهور أعم من الخروج فربما يكون الإمام ظاهرا ولا يخرج بالسيف، مثل سائر الأئمة (عليهم السلام)، سوى مولانا الحسين (عليه السلام) فإنه لو لم يخرج لقتله الأعداء كما قتلوا آباءه الطاهرين بغيا وعدوانا، وكفرا وطغيانا.
الثاني: أن لا يكون من الطواغيت في عنقه بيعة وقد تقدم هذا الوجه في التوقيع وفي حديث الحسن المجتبى وأبيه صلوات الله وسلامه عليهما.
الثالث: الامتحان للخلق ﴿ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين﴾، كما ذكر في حديث الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) وحديث الصادق (عليه السلام) الذي مر في خوفه.
- وعن الرضا (عليه السلام) قال: والله ما يكون ما تمدون أعينكم إليه حتى تمحصوا وتميزوا وحتى لا يبقى منكم إلا الأندر فالأندر.
- وعن النعماني(361) بإسناده عن الصادق قال: زاد الفرات على عهد أمير المؤمنين فركب هو وابناه الحسن والحسين، فمر بثقيف، فقالوا قد جاء علي يرد الماء فقال علي: أما والله لأقتلن أنا وابناي هذان، وليبعثن الله رجلا من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا وليغيبن عنهم تميزا لأهل الضلالة، حتى يقول الجاهل ما لله في آل محمد من حاجة.
الرابع: أن يجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام).
- كما ورد في حديث سدير(362) عن الصادق (عليه السلام) قال: إن للقائم منا غيبة يطول أمدها فقلت له: ولم ذلك يا بن رسول الله؟ قال: لأن الله (عزَّ وجلَّ) أبى إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) في غيباتهم، وإنه لا بد له يا سدير من انتهاء مدة غيباتهم قال الله تعالى:
﴿لتركبن طبقا عن طبق﴾ أي سنن من كان قبلكم.
الخامس: أن لا تضيع ودائع الله (عزَّ وجلَّ) أعني المؤمنين الذين يظهرون من أصلاب الكافرين.
- كما روي في العلل(363) والكمال(364) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث ابن أبي عمير عمن ذكره قال: قلت له - يعني أبا عبد الله (عليه السلام) -: ما بال أمير المؤمنين لم يقاتل مخالفيه في الأول؟ قال: لآية في كتاب الله (عزَّ وجلَّ) ﴿لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما﴾ قال:
قلت: وما يعني بتزايلهم؟ قال: ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين، فكذلك القائم (عليه السلام) لن يظهر أبدا، حتى تخرج ودائع الله (عزَّ وجلَّ)، فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله (عزَّ وجلَّ) جلاله، فقتلهم.
السادس: قبائح أعمالنا، وفضائح أفعالنا، فإنها المانعة عن ظهوره (عليه السلام) عقوبة علينا.
- كما عن(365) أمير المؤمنين (عليه السلام): واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجة لله، ولكن الله سيعمي خلقه منها، بظلمهم وجورهم، وإسرافهم على أنفسهم. الخبر.
- وفي توقيع الحجة (عليه السلام) إلى الشيخ المفيد(366): ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا، على حق المعرفة، وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه، ولا نؤثره منهم، والله المستعان.
الأمر الثاني: إعلم أن له (عليه السلام) غيبتين إحداهما الصغرى والثانية الكبرى، أما الصغرى فكانت مدتها من حين وفاة أبيه إلى وفاة السمري، في منتصف شعبان، سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة فتكون الغيبة الصغرى ثمان وستين سنة وإن جعلت الغيبة من زمان ولادته، فهي ثلاث وسبعون سنة، فإن ولادته كانت في منتصف شعبان، سنة خمس وخمسين ومأتين.
- كما في الكافي(367) وفيه أيضا بإسناده عن أحمد بن محمد قال خرج عن أبي محمد حين قتل الزبيري: هذا جزاء من افترى على الله في أوليائه زعم أنه يقتلني، وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة الله! وولد له ولد سماه (م ح م د) سنة ست وخمسين ومأتين.
أقول: يمكن الجمع بينه وبين سابقه بجعل الظرف متعلقا بقوله خرج أي خرج التوقيع سنة ست وخمسين ومأتين أو بحمل إحداهما على الشمسية والأخرى على القمرية ذكرهما الفاضل المحدث المجلسي (ره) في البحار(368).
الأمر الثالث: أنه ليس لغيبته الكبرى التي مبدؤها وفاة السمري رضي الله عنه أمد محدود ولا أجل موعود، بل لله الحكم في وقت ظهوره، وإشراق نوره، ويدل على ذلك أخبار مستفيضة.
- ففي البحار، عن كتاب الغيبة(369) للشيخ الطوسي (ره) بإسناده عن الفضيل قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام): هل لهذا الأمر وقت؟ فقال: كذب الوقاتون، كذب الوقاتون، كذب الوقاتون.
- وعن أبي عبد الله (عليه السلام)(370) قال: كذب الموقتون ما وقتنا فيما مضى، ولا نوقت فيما يستقبل.
- وفي المحجة(371) عن مفضل بن عمر، قال: سألت سيدي أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) هل للمأمول المنتظر المهدي وقت موقت تعلمه الناس؟ فقال: حاش لله أن نوقت له وقتا، قال:
قلت: مولاي ولم ذلك؟ قال: لأنه الساعة التي قال الله تعالى: ﴿ويسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو﴾، الخبر.
- وفي الصحيح(372) عن محمد بن مسلم (ره) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من وقت لك من الناس شيئا فلا تهابن أن تكذبه، فلسنا نوقت لأحد وقتا.
- وفي حديث(373) محمد بن الحنفية، حين سئل عنه: هل لذلك وقت؟ قال: لا، لأن علم الله غلب علم الموقتين، إن الله وعد موسى ثلاثين ليلة وأتمها بعشر، لم يعلمها موسى، ولم يعلمها بنو إسرائيل، فلما جاز الوقت، قالوا غرنا موسى، فعبدوا العجل، ولكن إذا كثرت الحاجة والفاقة في الناس، وأنكر بعضهم بعضا، فعند ذلك توقعوا أمر الله صباحا ومساء.
- وفي الصحيح(374) عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن عليا (عليه السلام) كان يقول: إلى السبعين بلاء، وكان يقول بعد البلاء رخاء وقد مضت السبعون ولم أر رخاء، فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا ثابت إن الله تعالى كان وقت هذا الأمر في السبعين فلما قتل الحسين اشتد غضب الله على أهل الأرض، فأخره إلى أربعين ومائة سنة فحدثناكم فأذعتم الحديث، وكشفتم قناع الستر، فأخره الله ولم يجعل له بعد ذلك وقتا عندنا و﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب﴾.
قال أبو حمزة: وقلت ذلك لأبي عبد الله فقال: (عليه السلام): قد كان ذاك.
- وعن أبي بصير(375) عن أبي عبد الله قال: قلت له: جعلت فداك متى خروج القائم (عليه السلام)؟ فقال: يا أبا محمد إنا أهل بيت لا نوقت، وقد قال محمد (عليه السلام): كذب الوقاتون، يا أبا محمد إن قدام هذا الأمر خمس علامات: أولهن النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكية، وخسف بالبيداء، الخبر.
- وفي التوقيع الشريف المروي في البحار(376): أما ظهور الفرج، فإنه إلى الله، وكذب الوقاتون.
الأمر الرابع: أن الأئمة (عليهم السلام) قد أخبروا بكلتي غيبته.
- ففي البحار(377) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال بعد عد الأئمة (عليهم السلام): ثم يغيب عنهم إمامهم ما شاء الله، ويكون له غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى، ثم التفت إلينا رسول الله فقال رافعا صوته: الحذر الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي.
قال علي (عليه السلام): فقلت: يا رسول الله فما يكون حاله عند غيبته؟ قال: يصبر حتى يأذن الله له بالخروج فيخرج من قرية يقال لها كرعة، على رأسه عمامتي متدرع بدرعي متقلد بسيفي ذي الفقار ومناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه، الخ.
- وعن أبي جعفر (عليه السلام)(378) أنه قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، الخ.
- وفي حديث آخر(379) عنه: إن للقائم غيبتين يقال في إحداهما هلك ولا يدرى في أي واد سلك.
- وعن أبي عبد الله (عليه السلام)(380) أنه قال لحازم بن حبيب: يا حازم، إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، يظهر في الثانية، إن جاءك من يقول إنه نفض يده من تراب قبره فلا تصدقه.
- وفي حديث آخر(381) عنه (عليه السلام) قال: للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة، الأولى لا يعلم بمكانه إلا خاصة مواليه في دينه.
الأمر الخامس: أنه في زمن غيبته يشهد الناس ويراهم ولا يرونه.
- ففي البحار(382) عن النعماني، بإسناده عن سدير الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: إن في صاحب هذا الأمر لشبه من يوسف، فقلت: فكأنك تخبرنا بغيبة أو حيرة! فقال: ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك! إن إخوة يوسف كانوا عقلاء ألباء أسباطا أولاد الأنبياء، دخلوا عليه فكلموه، وخاطبوه وتاجروه، وراودوه وكانوا إخوته، وهو أخوهم لم يعرفوه حتى عرفهم نفسه، وقال لهم: أنا يوسف، فعرفوه حينئذ فما تنكر هذه الأمة المتحيرة أن يكون الله جل وعز يريد في وقت أن يستر حجته عنهم! لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوما، فلو أراد أن يعلمه مكانه لقدر على ذلك، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف؟ أن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقه، صاحب هذا الأمر يتردد بينهم، ويمشي في أسواقهم، ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه، حتى يأذن الله له أن يعرفهم نفسه، كما أذن ليوسف حتى قال له إخوته: ﴿أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف﴾.
- وعن أبي عبد الله (عليه السلام)(383) قال: يفقد الناس إمامهم، فيشهدهم الموسم فيراهم ولا يرونه.
الأمر السادس: إن غيبته لا تنافي اللطف الموجب لإظهار الإمام (عليه السلام)، أما بالنسبة إلى المجرمين، فلأنهم السبب في خفائه، كما عرفت في الوجه السادس، وأما بالنسبة إلى الصالحين، فلوجهين:
الأول: أن الله تعالى قد أعطاهم من العقول والأفهام ما صارت الغيبة لهم بمنزلة المشاهدة كما صرح به سيد العابدين (عليه السلام) في حديث أبي خالد الكابلي الذي يأتي ذكره في الباب الثامن إن شاء الله تعالى.
- وفي حديث محمد بن النعمان(384) عن الصادق (عليه السلام): وقد علم أن أولياءه لا يرتابون ولو علم أنهم يرتابون ما أفقدهم حجته طرفة عين.
وقد قدمنا هذا الحديث في أخباره عن غيبة القائم.
وفي حديث المفضل عنه(385) قال: والله لأمرنا أبين من هذه الشمس، وسنذكره في الباب الثامن.
الوجه الثاني: أن مشاهدته (عليه السلام) غير ممنوعة عن بعض الصالحين، كما يشعر بذلك قوله (عليه السلام) في التوقيع الذي قدمناه في الوجه السادس من أسباب غيبته، فراجع هناك.
- ويدل عليه ما في قضية علي بن إبراهيم بن مهزيار(386) ثم قال: ما الذي تريد يا أبا الحسن، قلت: الإمام المحجوب عن العالم، قال: وما هو محجوب عنكم، ولكن حجبه سوء أعمالكم، الخ، والحديث مذكور في تبصرة الولي وغيره، فإن شئت تفصيل ذلك فاطلبه هناك لانشراح صدرك وصلاح حالك، مضافا إلى أن أدل الأمور على إمكان شيء وقوعه، وقد وقع الفوز بلقائه (عليه السلام) لجمع من سلفنا الصالحين، رحمة الله عليهم أجمعين، وذكر تفصيل تلك الوقائع خارج عما نحن بصدده، ولعل الله (عزَّ وجلَّ) يوفقني لذكر طرف منها في خاتمة هذا الكتاب، فإنه الهادي إلى نهج الصواب وإن شئت ما يكفيك فانظر في كتاب النجم الثاقب(387) وكتاب جنة المأوى، اللذين ألفهما العالم الرباني، المستفيض بالفيض القدسي، الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي، رحمه الله تعالى.
وقال السيد الأجل المرتضى علم الهدى رضي الله تعالى عنه في كتاب الغيبة: فإن قيل فأي فرق بين وجوده غائبا لا يصل إليه أحد، ولا ينتفع به بشر، وبين عدمه؟ ألا جاز إعدامه إلى حين علم الله سبحانه بتمكين الرعية له، كما جاز أن يبيحه الاستتار، حتى يعلم منه التمكين له فيظهر، قيل له أولا نحن نجوز أن يصل إليه كثير من أوليائه، والقائلين بإمامته، فهم ينتفعون به في حال الغيبة النفع الذي نقول إنه لا بد في التكليف منه، لأنهم مع علمهم بوجوده (عليه السلام) بينهم، وقطعهم على وجوب طاعته عليهم ولزومها لهم، لا بد من أن يخافوه ويهابوه، في ارتكاب القبائح، ويخشوا تأديبه ومؤاخذته، فيقل منهم فعل القبيح، إلى آخر ما أفاده أعلى الله تعالى مقامه، وزاد له أنعامه.
وقال السيد العالم العابد الزاهد علي بن طاوس (ره) في كشف المحجة(388) مخاطبا لولده:
والطريق مفتوحة إلى إمامك لمن يريد الله جل جلاله عنايته به وتمام إحسانه إليه، إنتهى كلامه رفع مقامه.
وإن ذكرت كلمات العلماء الصالحين في هذا الباب، طال الكتاب، ومل الأصحاب.
فإن قلت: إذا أثبت جواز المشاهدة، ووقوعها، فكيف التوفيق بين ذلك وبين التوقيع الذي خرج إلى السمري! فقد صرح فيه بتكذيب من يدعي المشاهدة.
قلت: قد ذكر علماؤنا في ذلك وجوها أوجهها ما ذكره المجلسي في البحار(389) حيث قال بعد ذكر التوقيع المذكور: لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه (عليه السلام) إلى الشيعة على مثال السفراء، لئلا ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه والله يعلم.
غربته (عليه السلام)
إعلم أن للغربة معنيين: أحدهما البعد عن الأهل والوطن والديار، والثاني قلة الأعوان والأنصار وهو روحي فداه غريب بكلا المعنيين فيا عباد الله أعينوه ويا عباد الله انصروه.
ويدل على غربته بالمعنى الأول ما ذكرناه في عزلته وبالمعنى الثاني ما مر في حديث الجواد (عليه السلام): فإذا اجتمعت له هذه العدة، يعني ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أهل الإخلاص أظهر الله أمره، الخ، فانظر أيها العاقل، كيف طالت السنون، ومضت الأعوام، ولم تجتمع هذه العدة للإمام (عليه السلام): فهذا أقوى شاهد على قلة أنصاره وغربته.
- ويدل على ذلك أيضا ما في البحار(390) عن غيبة الشيخ الطوسي (ره) النفس الزكية غلام من آل محمد (صلى الله عليه وآله) اسمه محمد بن الحسن يقتل بلا جرم ولا ذنب، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر، فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) في عصبة لهم، أدق في أعين الناس من الكحل، فإذا خرجوا بكى لهم الناس، لا يرون إلا أنهم يختطفون يفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربها، ألا وهم المؤمنون حقا، ألا إن خير الجهاد في آخر الزمان.
أقول: يدل على أن التشبيه بالكحل من جهة القلة قوله: لا يرون إلا أنهم يختطفون أي يستلبون من جهة قلتهم.
- ويدل على هذا المعنى ويؤيده ما في البحار(391) عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أصحاب المهدي شباب لا كهول فيهم، إلا مثل كحل العين، والملح في الزاد، وأقل الزاد الملح.
- ويدل على غربته بالمعنيين جميعا قول أمير المؤمنين في الحديث المروي في كمال الدين(392) قال (عليه السلام): صاحب هذا الأمر الشريد الطريد الفريد الوحيد.
- وفيه(393) عن داود بن كثير الرقي، قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر، قال (عليه السلام): هو الطريد الوحيد، الغريب الغائب عن أهله، الموتور بأبيه (عليه السلام).
غلبة المسلمين بظهوره (عليه السلام)
مر في حياة الأرض به وفي إحياء دين الله وإعلاء كلمة الله ما يدل على ذلك ويأتي في قتل الكافرين ما يدل عليه.
- وفي المحجة(394) عن زرارة قال: قال أبو جعفر: ﴿قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة﴾ حتى لا يكون مشرك ويكون الدين كله لله(395)، فقال (عليه السلام): لم يجئ تأويل هذه الآية ولو قد قام قائمنا بعد، سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية، وليبلغن دين محمد ما بلغ الليل، حتى لا يكون شرك على ظهر الأرض، كما قال الله.
غنى المؤمنين ببركة ظهوره (عليه السلام)
- عن الصادق (عليه السلام) في حديث ويطلب الرجل منكم من يصله بماله، ويأخذ من زكاته لا يوجد أحد يقبل منه ذلك استغنى الناس بما رزقهم الله من فضله.
أقول: يأتي تمامه في نوره(396) من حرف النون.
حرف الفاء: فضله (عليه السلام) علينا
مر بعض ما يدل عليه في الباب الثالث وبعض في هذا الباب، وفيه كفاية لأولي الألباب.
فصله (عليه السلام) بين الحق والباطل
- يدل عليه ما في البحار(397) عن العياشي في تفسيره عن عجلان أبي صالح قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تمضي الأيام والليالي حتى ينادي مناد من السماء: يا أهل الحق اعتزلوا يا أهل الباطل اعتزلوا، فيعزل هؤلاء من هؤلاء، ويعزل هؤلاء من هؤلاء، قال:
قلت: أصلحك الله، يخالط هؤلاء بعد ذلك النداء؟ قال: كلا إنه يقول في الكتاب: ﴿ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب﴾.
- وفيه في حديث(398) طويل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وقائع زمان ظهور القائم وخروجه: وينادي مناد في شهر رمضان من ناحية المشرق عند الفجر: يا أهل الهدى اجتمعوا، وينادي مناد من قبل المغرب بعدما يغيب الشفق يا أهل الباطل اجتمعوا ومن الغد عند الظهر تتلون الشمس، تصفر فتصير سوداء مظلمة، ويوم الثالث يفرق الله بين الحق والباطل، وتخرج دابة الأرض، وتقبل الروم إلى ساحل البحر عند كهف الفتية، فيبعث الله الفتية من كهفهم مع كلبهم منهم رجل يقال له مليخا، وآخر حملاها، وهما الشاهدان المسلمان للقائم (عليه السلام).
- وعن غيبة النعماني(399) عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: لا تذهب الدنيا حتى ينادي مناد من السماء: يا أهل الحق اجتمعوا فيصيرون في صعيد واحد، ثم ينادي مرة أخرى يا أهل الباطل اجتمعوا فيصيرون في صعيد واحد، قلت: فيستطيع هؤلاء أن يدخلوا في هؤلاء؟ قال: لا والله وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ) ﴿ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب﴾.
أقول: ويفصل بين الحق والباطل بوجه آخر وهو أنه (عليه السلام) يعرفهم بسيماهم، فيخبط أعداءه بالسيف.
ويأتي ما يدل على ذلك في قتل الكافرين بسيفه إن شاء الله تعالى.
فرج المؤمنين على يده (عليه السلام)
- يدل عليه قوله (عليه السلام) في التوقيع المروي في الاحتجاج(400): وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم، لأن الظاهر كون اسم الإشارة إشارة إلى الفرج، يعني أن فرجكم يحصل بظهوره وفرجه، صلوات الله عليه وعجل الله تعالى فرجه.
- ويدل عليه أيضا زيارة يوم الجمعة(401): وهذا يوم الجمعة وهو يومك المتوقع فيه ظهورك، والفرج فيه للمؤمنين على يدك، وقتل الكافرين بسيفك، الخ.
- ويدل عليه أيضا ما في كمال الدين(402) بإسناده عن إبراهيم الكرخي قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وإني لجالس عنده إذ دخل أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وهو غلام فقمت إليه فقبلته، وجلست معه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) يا إبراهيم أما أنت فهذا صاحبك من بعدي، أما ليهلكن فيه أقوام ويسعد آخرون، فلعن الله قاتله، وضاعف عليه العذاب، أما ليخرجن الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه سمي جده ووارث علمه وأحكامه في قضاياه، معدن الإمامة ورأس الحكمة يقتله جبار بني فلان بعد عجائب طريفة حسدا له ولكن الله جل وعز بالغ أمره ولو كره المشركون.
ويخرج الله (عزَّ وجلَّ) من صلبه تكملة اثني عشر مهديا، اختصهم الله بكرامته، وأحلهم دار قدسه، المنتظر الثاني عشر منهم، المقر به كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يذب عنه.
قال: فدخل رجل من موالي بني أمية، فانقطع كلامه، فعدت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) إحدى عشرة مرة، أريد منه أن يتم الكلام، فما قدرت على ذلك فلما كان عام القابل من السنة الثانية، دخلت عليه وهو جالس فقال: يا إبراهيم هو مفرج الكرب عن شيعته بعد ضنك شديد، وبلاء طويل وجزع وخوف فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان، حسبك يا إبراهيم، قال إبراهيم: فما رجعت بشيء هو آنس من هذا لقلبي ولا أقر لعيني.
- وعن أمير المؤمنين في ذكر حال المؤمنين في زمان الجائرين: حتى لا يكون لأحدكم موضع قدمه وحتى تكونوا على الناس أهون من الميتة عند صاحبها فبينا أنتم كذلك: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ وهو قول ربي (عزَّ وجلَّ) في كتابه ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا﴾.
- وفي البحار(403) عن غيبة الشيخ، عن وهب بن منبه، عن ابن عباس في حديث طويل أنه قال: يا وهب ثم يخرج المهدي (عليه السلام)، قلت من ولدك؟ قال: لا والله ما هو من ولدي ولكن من ولد علي (عليه السلام) فطوبى لمن أدرك زمانه وبه يفرج الله عن الأمة حتى يملأها قسطا وعدلا، إلى آخر الخبر.
- وفي دعاء الصادق (عليه السلام) له في يوم الحادي والعشرين من شهر رمضان المروي في كتاب الإقبال(404): وأن تأذن لفرج من بفرجه فرج أوليائك وأصفيائك من خلقك، إلى آخر ما قال، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
فتح مدائن الكفرة وبلادهم
- في كمال الدين(405) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الأئمة من بعدي اثنا عشر، أولهم أنت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله (عزَّ وجلَّ) على يديه مشارق الأرض ومغاربها.
- وفي تاسع البحار(406) عن أمالي الشيخ الطوسي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث جابر: فختم الله بي النبوة، وولد علي فختمت به الوصية، ثم اجتمعت النطفتان مني ومن علي فولدنا الجهر والجهير الحسنان، فختم الله بهما أسباط النبوة، وجعل ذريتي منهما والذي يفتح مدينة أو قال مدائن الكفر، ويملأ أرض الله عدلا بعد ما ملئت جورا، الخ.
أقول: الجهر والجهير بمعنى الجميل الحسن المنظر كما ذكره أهل اللغة.
- وفي الثالث عشر من البحار(407) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يملك القائم ثلاثمائة سنة ويزداد تسعا كما لبث أهل الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا فيفتح الله له شرق الأرض وغربها ويقتل الناس حتى لا يبقى إلا دين محمد (صلى الله عليه وآله) ويسير بسيرة سليمان بن داود (عليه السلام) ويدعو الشمس والقمر فيجيبانه وتطوى له الأرض ويوحى إليه فيعمل بالوحي بأمر الله.
- وفي غاية المرام وغيره(408) من طريق العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: المهدي من ولدي ابن أربعين سنة، كأن وجهه كوكب دري، في خده الأيمن خال أسود، عليه عباءتان قطوانيتان كأنه من رجال بني إسرائيل، يستخرج الكنوز ويفتح مدائن الشرك.
- وعنه(409) أيضا قال: لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي، يفتح الله القسطنطينية وجبل الديلم على يده، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يفتحها.
- وفي البحار(410) عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا قام القائم أقام في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلا يقول عهدك كفك، فإذا ورد عليك ما لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك واعمل بما فيها. قال: ويبعث جندا إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا إلى الخليج، كتبوا على أقدامهم شيئا ومشوا على الماء، قالوا هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو! فعند ذلك يفتحون لهم باب المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها بما يريدون.
فتح الجفر الأحمر لطلب ثأر الأئمة الغرر (عليهم السلام)
- في الكافي(411) عن الصادق (عليه السلام) قال لابن أبي يعفور: وعندي الجفر الأحمر، قال:
قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر، قال: السلاح وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل، الخبر.
فرح المؤمنين بظهوره وقيامه (عليه السلام)
يأتي ما يدل عليه في نفعه من حرف النون إن شاء الله تعالى.
حرف القاف: قتل الكافرين بسيفه (عليه السلام)
- يدل على ذلك أخبار مستفيضة أو متواترة ففي البحار(412) وغيره عن كتاب الاختصاص عن معاوية الدهني عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى(413) ﴿يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام﴾ فقال: يا معاوية ما يقولون في هذا؟ قلت: يزعمون أن الله تبارك وتعالى يعرف المجرمين بسيماهم في القيامة فيأمر بهم، فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم، فيلقون في النار، فقال (عليه السلام) لي: وكيف يحتاج الجبار تبارك وتعالى إلى معرفة خلق أنشأهم وهم خلقه! فقلت: جعلت فداك وما ذلك؟
قال (عليه السلام): لو قام قائمنا أعطاه الله السيماء، فيأمر بالكافر(414)، فيؤخذ بنواصيهم، وأقدامهم، ثم يخبط بالسيف خبطا.
- وفي كتاب المحجة(415) عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): هذه نزلت في القائم، وهو يعرفهم بسيماهم، فيخبطهم بالسيف هو وأصحابه خبطا.
- وعن العياشي(416) بإسناده عن أبي بكير، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله تعالى:
﴿وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها﴾(417) قال (عليه السلام): نزلت في القائم (عليه السلام) إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الأرض وغربها فعرض (عليهم السلام) فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويحب لله، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلا وحد الله، قلت: جعلت فداك إن الخلق أكثر من ذلك، فقال (عليه السلام): إن الله إذا أراد أمرا قلل الكثير وكثر القليل.
- وعن أبي بصير(418) قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه: ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾(419) فقال (عليه السلام): والله ما نزل تأويلها بعد، قلت: جعلت فداك ومتى ينزل تأويلها؟ قال: حتى يقوم القائم إن شاء الله تعالى فإذا خرج القائم لم يبق كافر أو مشرك إلا كره خروجه، حتى لو أن كافرا أو مشركا في بطن صخرة لقالت الصخرة: يا مؤمن في بطني كافر أو مشرك فاقتله، فيجيئه فيقتله.
- وعن مفضل بن عمر(420) قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله (عزَّ وجلَّ) ﴿ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر﴾(421) قال: الأدنى عذاب السقر، والأكبر المهدي بالسيف.
- وعن كشف البيان عن الصادق (عليه السلام) في معنى الآية: إن الأدنى القحط والجدب والأكبر خروج القائم المهدي بالسيف في آخر الزمان.
- وفي البحار(422) عن الاختصاص في حديث مرفوع عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا قام القائم أتى رحبة الكوفة، فقال برجله هكذا - وأومى بيده إلى موضع - ثم قال: احفروا ههنا فيحفرون فيستخرجون اثني عشر ألف درع، واثني عشر ألف سيف، واثني عشر ألف بيضة، لكل بيضة وجهان، ثم يدعو اثني عشر ألف رجل من الموالي والعجم فيلبسهم ذلك، ثم يقول: من لم يكن عليه مثل ما عليكم فاقتلوه.
- وعن النعماني(423) بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم أن لا يروه، مما يقتل من الناس أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس ليس هذا من آل محمد لو كان من آل محمد (عليهم السلام) لرحم.
- وعن إرشاد الديلمي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر آلاف أنفس يدعون البترية، عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت، فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف، حتى يأتي على آخرهم، ثم يدخل الكوفة، فيقتل بها كل منافق مرتاب، ويهدم قصورها ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله عز وعلا.
أقول: الأخبار في هذا الباب كثيرة جدا، تركناها حذرا من الإطالة وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله تعالى.
قتل الشيطان الرجيم
- روي في البحار(424) عن كتاب الأنوار المضيئة، في حديث مرفوع عن إسحاق بن عمار، قال: سألته عن إنظار الله تعالى إبليس وقتا معلوما ذكره في كتابه فقال: ﴿إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم﴾ قال: الوقت المعلوم يوم قيام القائم، فإذا بعثه الله كان في مسجد الكوفة، وجاء إبليس حتى يجثو على ركبتيه، فيقول: يا ويلاه من هذا اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه، فذلك يوم الوقت المعلوم منتهى أجله.
أقول: رواه السيد البحراني في البرهان(425) عن الصادق (عليه السلام) وفي معناه روايات أخر ولا تنافي بينها وبين ما روي في البحار والبرهان(426): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقتل إبليس. لأن الفعل في الرواية الأولى على بناء المبني للمفعول فتدبر، والمراد باليوم زمان الظهور، لا خصوص اليوم المتعارف، كما لا يخفى على من له تتبع في الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار.
قوة أبدان المؤمنين وقلوبهم وجوارحهم في زمان ظهوره وانتشار نوره (عليه السلام)
- يدل على ذلك ما روي في البحار(427) عن الخصال، بإسناده عن سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام)، قال: إذا قام قائمنا أذهب الله (عزَّ وجلَّ) عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزبر الحديد، وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلا ويكونون حكام الأرض وسنامها.
- وفي البصائر في حديث(428) عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): فإذا وقع أمرنا، وجاء مهدينا كان الرجل من شيعتنا أجرأ من ليث، وأمضى من سنان، يطأ عدونا برجليه، ويضربه بكفيه وذلك عند نزول رحمة الله وفرجه على العباد.
- وفي كمال الدين(429) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما كان قول لوط لقومه: ﴿لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد﴾ إلا تمنيا لقوة القائم ولا ركن(430) إلا شدة أصحابه، وإن الرجل منهم يعطى قوة أربعين رجلا، وإن قلبه لأشد من زبر الحديد، ولو مروا بجبال الحديد لقطعوها، لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله (عزَّ وجلَّ).
- وفي البحار(431) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنه لو كان كذلك أعطي الرجل منكم قوة أربعين رجلا وجعل قلوبكم كزبر الحديد لو قذفتم بها الجبال فلقتها.
- وفي روضة الكافي(432) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن قائمنا إذا قام مد الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه.
- وفي حديث آخر عنه (عليه السلام)(433) قال: إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق.
قضاء دين المؤمنين
- في الكافي(434) عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيما مؤمن أو مسلم مات وترك دينا لم يكن في فساد ولا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه فإن لم يقض فعليه إثم ذلك، الخبر.
- وفي كتاب المحجة والبحار(435) عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل، قال: ثم يقبل إلى الكوفة، فيكون منزله بها، فلا يترك عبدا مسلما إلا اشتراه وأعتقه، ولا غارما إلا قضى دينه، ولا مظلمة لأحد من الناس إلا ردها، ولا يقتل منهم عبد إلا أدى ثمنه دية مسلمة إلى أهله ولا يقتل قتيل إلا قضى عنه دينه، وألحق عياله في العطاء حتى يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما وعدوانا، ويسكن هو وأهل بيته الرحبة، والرحبة إنما كانت مسكن نوح، هي أرض طيبة زاكية.
- وفي البحار(436) عن الصادق (عليه السلام) قال: أول ما يبتدئ المهدي أن ينادي في جميع العالم: ألا من له عند أحد من شيعتنا دين فليذكره، حتى يرد الثومة والخردلة فضلا عن القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والأملاك فيوفيه إياه.
قضاء حوائج المؤمنين
مر ما يدل عليه، ويأتي في نداءاته أيضا ونكتفي في هذا المقام بذكر واقعتين:
الأولى منهما: قد وقعت للعبد الآثم الجاني محمد تقي الموسوي الأصفهاني مؤلف هذا الكتاب وهي: أنه قد كثرت علي الديون قبل تأليف هذا الكتاب بثلاث سنين فتوسلت به وبآبائه (عليهم السلام) ذات ليلة، وذكرت حاجتي لهم وكان في شهر رمضان فلما رجعت من المسجد كان بعد طلوع الشمس فنمت وسمعته قال لي في المنام ما لفظه: (قدري بايد صبر كنيد تا أز مال خاص دوستان خاص خود بگيريم وبتو برسانيم).
يعني اصبر قليلا حتى نأخذ من خاصة أموال خواص محبينا فنعطيك، فانتبهت فرحا مسرورا منتجزا متشكرا محبورا، فلما مضى برهة من الزمان جاءني بعض من الإخوان، كنت أعرفه بالصلاح، وأشم منه الارتياح، وأعطاني ما قضى به الديون، وسكن عني الشجون، وقال: هذا من سهم الإمام (عليه السلام). فسررت غاية السرور شوقا، وقلت ﴿هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا﴾.
فيا إخواني في الدين وخلاني على اليقين، أوصيكم بعرض حوائجكم إليه، فلا يخفى شيء من أموركم عليه.
- ففي الكافي(437) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الإمام ليسمع في بطن أمه، فإذا ولد خط بين كتفيه: ﴿وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم﴾ فإذا صار الأمر إليه، جعل الله له عمودا من نور يبصر به ما يعمل أهل كل بلدة.
- وفي جنة المأوى عن كشف المحجة(438) عن الكليني، في كتاب الرسائل عمن سماه قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام): إن الرجل يحب أن يفضي إلى إمامه ما يحب أن يفضي به إلى ربه، قال: فكتب (عليه السلام): إن كانت لك حاجة فحرك شفتيك، فإن الجواب يأتيك.
أقول: الأخبار في ذلك المعنى متعددة من أرادها فليطلبها من مظانها.
الواقعة الثانية: ما في جنة المأوى(439) تأليف العالم الجليل الحاج ميرزا حسين النوري، ضاعف الله تعالى له النور، وأعلى درجته في دار السرور قال: في شهر جمادى الأولى من سنة ألف ومأتين وتسعة وتسعين، ورد الكاظمين (عليهما السلام) رجل اسمه (آقا محمد مهدي) وكان من قاطني بندر ملومين من بنادر ماجين وممالك برمة، وهو الآن في تصرف الإنجليز، ومن بلدة كلكته قاعدة سلطنة ممالك الهند إليه مسافة ستة أيام في البحر، مع المراكب الدخانية، وكان أبوه من أهل شيراز ولكنه ولد وتعيش في البندر المذكور وابتلي قبل التاريخ المذكور بثلاث سنين بمرض شديد، فلما عوفي منه بقي أصم أخرس، فتوسل لشفاء مرضه بزيارة أئمة العراق (عليهم السلام) وكان له أقارب في بلدة الكاظمين من التجار المعروفين، فنزل عليهم وبقي عندهم عشرين يوما فصادف وقت حركة مركب الدخان إلى سر من رأى، لطغيان الماء، فأتوا به إلى المركب وسلموه إلى راكبيه، وهم من أهل بغداد وكربلاء، وسألوهم المراقبة في حاله، والنظر في حوائجه، لعدم قدرته على إبرازها.
وكتبوا إلى بعض المجاورين من أهل سامراء للتوجه في أموره فلما ورد تلك الأرض المشرفة والناحية المقدسة، أتى إلى السرداب المنور بعد الظهر من يوم الجمعة العاشر من جمادى الآخرة من السنة المذكورة، وكان فيه جماعة من الثقات والمقدسين إلى أن أتى إلى الصفة المباركة فبكى وتضرع فيها زمانا طويلا وكان يكتب قبيله حاله على الجدار، ويسأل من الناظرين الدعاء والشفاعة، فما تم بكاءه وتضرعه إلا وقد فتح الله تعالى لسانه وخرج بإعجاز الحجة (عليه السلام) من ذلك المقام المنيف مع لسان ذلق وكلام فصيح.
وأحضر في يوم السبت في محفل تدريس سيد الفقهاء وشيخ العلماء رئيس الشيعة وتاج الشريعة المنتهي إليه رياسة الإمامية، سيدنا الأفخم وأستاذنا الأعظم الحاج الأقا ميرزا محمد حسن الشيرازي، متع الله المسلمين بطول بقائه وقرأ عنده متبركا سورة الفاتحة المباركة، بنحو أذعن الحاضرون بصحته وحسن قراءته وصار يوما مشهودا ومقاما محمودا، وفي ليلة الأحد والاثنين اجتمع العلماء والفضلاء في الصحن الشريف، فرحين مسرورين، وأضاؤوا فضاءه من المصابيح والقناديل ونظموا القصة، ونشروها في البلاد.
وكان معه في المركب مادح أهل البيت (عليهم السلام) الفاضل اللبيب الحاج ملا عباس الزنوزي البغدادي فقال - وهو من قصيدة طويلة - ورآه مريضا وصحيحا:
وفي عامها جئت والزائرين * إلى بلدة سر من قد رآها
رأيت من الصين فيها فتى * وكان سمي إمام هداها
يشير إذا ما أراد الكلام * وللنفس منه براها
وقد قيد السقم منه اللسان * وأطلق من مقلتيه دماها
فوافى إلى باب سرداب من * به الناس طرا تنال مناها
يروم بغير لسان يزور * وللنفس منه دهت بعناها
وقد صار يكتب فوق الجدار * ما فيه للروح منه شفاها
أروم الزيارة بعد الدعاء * ممن رأى أسطري وتلاها
لعل لساني يعود الفصيح * وعلي أزور وأدعو إلاها
إذا هو في رجل مقبل * تراه ورى البعض من أتقياها
تأبط خير كتاب له * وقد جاء من حيث غاب
ابن طه فأومى إليه ادع ما قد كتب * وجاء فلما تلاه دعاها
وأوصى به سيدا جالسا * أن ادع له بالشفاء شفاها
فقام وأدخله غيبة * الإمام المغيب من أوصياها
وجاء إلى حضرة الصفة التي * هي للعين نور ضياها
وأسرج آخر فيها السراج * وأدناه من فمه ليراها
هناك دعا الله مستغفرا * وعيناه مشغولة ببكاها
ومذ عاد منها يريد الصلاة * قد عاود النفس منه شفاها
وقد أطلق الله منه اللسان * وتلك الصلاة أتم أداها
أقول: أمثال هذه الواقعة كثيرة، تركتها حذرا من الإطناب، ولعلي أذكر طرفا منها في هذا الكتاب، والله تعالى هو الهادي إلى نهج الصواب.
قضاؤه (عليه السلام) بالحق
مر في حرف الحاء المهملة ما يدل عليه.
- وفي البحار(440) عن دعوات الراوندي عن الحسن بن طريف قال: كتبت إلى أبي محمد العسكري (عليه السلام) أسأله عن القائم إذا قام بم يقضي بين الناس، وأردت أن أسأله عن شيء لحمي الربع فأغفلت ذكر الحمى، فجاء الجواب: سألت عن الإمام، فإذا قام يقضي بين الناس بعلمه كقضاء داود لا يسأل البينة، الخبر.
- وفيه(441) عن كتاب الغيبة للسيد علي بن عبد الحميد، بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: أول ما يبدأ القائم بأنطاكية، فيستخرج منها التوراة من غار فيه عصا موسى، وخاتم سليمان، قال: وأسعد الناس به أهل الكوفة، وقال: إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى أمر خفي، حتى إنه يبعث إلى رجل لا يعلم الناس له ذنبا فيقتله، حتى إن أحدهم يتكلم في بيته فيخاف أن يشهد عليه الجدار.
أقول: وفي هذا المعنى قلت في أبيات أثبتناها في صدر هذا الكتاب:
بنفسي من يحيي شريعة جده * ويقضي بحكم لم يرمه الأوائل
وفي هذا المعنى أخبار كثيرة، ثم إن هذا الحديث يدل على أن بدء ظهوره (عليه السلام) من أنطاكية، والجمع بينه وبين ما روي في البحار(442) وغيره، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه يخرج من قرية يقال لها كرعة، وفي بعض الروايات أنه يخرج من المدينة، وفي بعضها من مكة، بتعدد ظهوراته، كما تدل عليه الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار.
ويأتي ذكرها في كل مقام بمناسبته.
قرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)
تقتضي الدعاء له لأنه من المودة وقد قال الله تعالى: ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾(443).
وسيأتي في ذلك زيادة تحقيق في الباب الخامس إن شاء الله تعالى.
- ولما رواه الشيخ الصدوق (ره) في الخصال(444) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أربعة أنا الشفيع لهم يوم القيامة ولو أتوني بذنوب أهل الأرض: معين أهل بيتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه، والدافع عنهم بيده عقوبة.
أقول: وقد ورد هذا الحديث بغير هذا الطريق أيضا ويأتي ذكره في الباب الخامس إن شاء الله تعالى.
قسطه (عليه السلام)
قد مر معناه، وبعض ما يدل عليه في (عدله) ونزيدك هنا عدة روايات، لئلا يخلو هذا العنوان والله تعالى هو المستعان.
- فمنها ما في غاية المرام(445) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض.
- وفي حديث آخر(446) فيه عنه (صلى الله عليه وآله) قال: لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة واحدة، لطول الله تلك الليلة حتى يملك رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، الخبر.
فإن قلت: هذا الخبر مصرح بأن اسم أبيه اسم أبي النبي (صلى الله عليه وآله) وهذا مناف لكون القائم ابن الإمام حسن العسكري (عليه السلام).
قلت: قد أجاب عن ذلك محمد بن طلحة الشافعي، وهو من أعيان علماء العامة أولا: بأن هذا من زيادات زائدة أحد رواة هذا الحديث، وهو ممن عادته الزيادة في الأحاديث:
ورواية أبي داود والترمذي في صحيحيهما خالية من تلك الزيادة.
وثانيا: لو فرض ورود ذلك احتمل أن يكون اسم أبي مصحف ابني ومثل ذلك كثير الوقوع.
وثالثا: لو فرض وروده بهذا النحو أول بأن النبي (صلى الله عليه وآله) عبر عن الكنية بالاسم وعن الجد بالأب، فالمراد بأبيه الحسين (عليه السلام) وكنيته أبو عبد الله وهذان التعبيران شائعان في العرف واللغة. إنتهى كلامه ملخصا.
أقول: ليس المعول في إثبات كون الحجة بن الحسن (عليه السلام) هو القائم الموعود على هذا الحديث، بل المعول على الأخبار الكثيرة المتواترة الناصة المصرحة بذلك التي قدمنا نبذة منها.
وإنما أوردت هذا الحديث مع أجوبة هذا الفاضل اللبيب لئلا يشتبه الأمر على من لاحظه، ولأن يعلم الناظر في هذا الكتاب ما جرى عليه عادة بعض رواتهم من الزيادة في الأحاديث، وقد صرح جمع منهم بأن زائدة أحد رواة هذا الحديث ممن ديدنه الزيادة ولكي تعلم أن كون القائم هو ابن الحسن العسكري من الأمور المسلمة بينهم حتى إن هذا الفاضل أوجب على نفسه تأويل هذا الحديث على فرض صدوره، والحمد لله تعالى على إتمام نوره، ويعجبني هنا نقل رواية تبصر لها السيد محمد الحميري (ره) لأن فيها التصريح بالحجة ابن الحسن وأنه الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا.
- روى الشيخ الصدوق رحمة الله عليه في كمال الدين(447) بإسناده عن السيد المذكور قال: كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمد بن الحنفية، قد ضللت في ذلك زمانا، فمن الله علي بالصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)، وأنقذني به من النار وهداني إلى سواء الصراط، فسألته بعدما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علي وعلى جميع أهل زمانه، وأنه الإمام الذي فرض الله طاعته، وأوجب الاقتداء به فقلت له: يا بن رسول الله، قد روي لنا أخبار عن آبائك (عليهم السلام) في الغيبة وصحة كونها، فأخبرني بمن تقع؟ فقال (عليه السلام): إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أولهم أمير المؤمنين، وآخرهم القائم بالحق، بقية الله في الأرض وصاحب الزمان والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.
قال السيد: فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه وقلت قصيدتي التي أولها:
فلما رأيت الناس في الدين قد غووا * تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا
وناديت باسم الله والله أكبر * وأيقنت أن الله يعفو ويغفر
ودنت بدين الله ما كنت دينا * به ونهاني سيد الناس جعفر
فقلت فهبني قد تهودت برهة * وإلا فديني دين من يتنصر
وإني إلى الرحمن من ذاك تائب * وإني قد أسلمت والله أكبر
فلست بغال ما حييت وراجع * إلى ما عليه كنت أخفي وأظهر
ولا قائلا حي برضوى محمد * وإن عاب جهال مقالي فأكثروا
ولكنه ممن مضى لسبيله * على أفضل الحالات يقفى ويخبر
مع الطيبين الطاهرين الأولى لهم * من المصطفى فرع زكي وعنصر
إلى آخر القصيدة وهي طويلة، وقلت بعد ذلك قصيدة أخرى:
أيا راكبا نحو المدينة جسرة * عذافرة يطوى بها كل سبسب
إذا ما هداك الله عاينت جعفرا * فقل لولي الله وابن المهذب
ألا يا أمين الله وابن أمينه * أتوب إلى الرحمن ثم تأوبي
إليك من الأمر الذي كنت مطنبا * أحارب فيه جاهدا كل معرب
وما كان قولي في ابن خولة مبطنا * معاندة مني لنسل المطيب
ولكن روينا عن وصي محمد * وما كان فيما قال بالمتكذب
بأن ولي الله يفقد لا يرى * سنين كفعل الخائف المترقب
فتقسم أموال الفقيد كأنما * تغيبه بين الصفيح المنصب
فيمكث حينا ثم ينبع نبعة * كنبعة جدي من الأفق كوكب
يسير بنصر الله من بيت ربه * على سؤدد منه وأمر مسبب
يسير إلى أعدائه بلوائه * فيقتلهم قتلا كحران مغضب
فلما روي أن ابن خولة غائب * صرفنا إليه قولنا لم نكذب
وقلنا هو المهدي والقائم الذي * يعيش به من عدله كل مجدب
فإن قلت لا فالحق قولك والذي * أمرت فحتم غير ما متعصب
وأشهد ربي أن قولك حجة * على الناس طرا من مطيع ومذنب
بأن ولي الأمر والقائم الذي * تطلع نفسي نحوه بتطرب
له غيبة لا بد من أن يغيبها * فصلى عليه الله من متغيب
فيمكث حينا ثم يظهر حينه * فيملك من في شرقها والمغرب
بذاك أدين الله سرا وجهرة * ولست وإن عوتبت فيه بمعتب
- وفي البحار(448) عن المناقب عن داود الرقي قال: بلغ السيد الحميري أنه ذكر عند الصادق فقال (عليه السلام): السيد كافر، فأتاه وقال: يا سيدي أنا كافر مع شدة حبي لكم ومعاداتي الناس فيكم!
قال (عليه السلام): وما ينفعك ذاك وأنت كافر بحجة الدهر والزمان، ثم أخذ بيده، وأدخله بيتا، فإذا في البيت قبر، فصلى ركعتين، ثم ضرب بيده إلى القبر، فصار القبر قطعا، فخرج شخص من قبره ينفض التراب عن رأسه ولحيته، فقال له الصادق (عليه السلام): من أنت؟ قال: أنا محمد بن علي المسمى بابن الحنفية. فقال (عليه السلام): فمن أنا؟ قال: جعفر بن محمد حجة الدهر والزمان.
فخرج السيد يقول: تجعفرت باسم الله فيمن تجعفرا.
- ومنه(449) عن عباد بن صهيب قال: كنت عند جعفر بن محمد (عليه السلام) فأتاه نعي السيد فدعا له وترحم عليه، فقال له رجل: يا بن رسول الله وهو يشرب الخمر، ويؤمن بالرجعة، فقال (عليه السلام): حدثني أبي عن جدي أن محبي آل محمد (صلى الله عليه وآله) لا يموتون إلا تائبين وقد تاب ورفع مصلى كان تحته، فأخرج كتابا من السيد يعرفه أنه قد تاب، ويسأله الدعاء.
قتل الدجال وهو رئيس أهل الضلال
- يدل عليه ما رواه الصدوق (ره) في كمال الدين(450) بإسناده عن الصادق (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نورا قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا، فقيل له: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن الأربعة عشر؟ فقال: محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي، وفاطمة والحسن والحسين، والأئمة من ولد الحسين (عليهم السلام) آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته، فيقتل الدجال، ويطهر الأرض من كل جور وظلم.
- وفيه(451) أيضا بإسناده عن النزال بن سبرة، قال: خطبنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فحمد الله (عزَّ وجلَّ) وأثنى عليه، وصلى على محمد وآله ثم قال (عليه السلام): سلوني أيها الناس قبل أن تفقدوني، ثلاثا، فقام إليه صعصعة بن صوحان، فقال: يا أمير المؤمنين متى يخرج الدجال؟ فقال له (عليه السلام): اقعد فقد سمع الله كلامك، وعلم ما أردت، والله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل، ولكن لذلك علامات وهيئات يتبع بعضها بعضا، كحذو النعل بالنعل، فإن شئت أنبأتك بها، قال: نعم يا أمير المؤمنين.
فقال (عليه السلام): احفظ، فإن علامة ذلك إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلوا الكذب وأكلوا الربا، وأخذوا الرشا، وشيدوا البنيان وباعوا الدين بالدنيا، واستعملوا السفهاء، وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتبعوا الأهواء، واستخفوا بالدماء وكان العلم(452) ضعيفا، والظلم فخرا، وكانت الأمراء فجرة، والوزراء ظلمة والعرفاء خونة، والقراء فسقة، وظهرت شهادة الزور، واستعلن الفجور وقول البهتان والإثم والطغيان، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطولت المنارات، وأكرم الأشرار، وازدحمت الصفوف، واختلفت القلوب، ونقضت العهود، واقترب الموعود، وشارك النساء أزواجهن في التجارة حرصا على الدنيا، وعلت أصوات الزناديق واستمع منهم.
وكان زعيم القوم أرذلهم، واتقي الفاجر مخافة شره، وصدق الكاذب، وائتمن الخائن، واتخذت القيان والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وركب ذوات الفروج السروج، وتشبه النساء بالرجال، والرجال بالنساء، وشهد الشاهد من غير أن يستشهد، وشهد الآخر، قضاء لذمام بغير معرفة، وتفقه لغير الدين، وآثروا عمل الدنيا على عمل الآخرة، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب، وقلوبهم أنتن من الجيف وأمر من الصبر، فعند ذلك الوحا الوحا، ثم العجل العجل، خير المساكن يومئذ بيت المقدس، وليأتين على الناس زمان يتمنى أحدهم أنه من سكانه.
فقام الأصبغ بن نباتة فقال: يا أمير المؤمنين، من الدجال؟ فقال (عليه السلام): ألا إن الدجال صائد ابن صائد(453) فالشقي من صدقه والسعيد من كذبه، يخرج من بلدة يقال لها أصفهان. من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمنى ممسوحة، والعين الأخرى في جبهته تضيء كأنها كوكب الصبح، فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم، بين عينيه مكتوب كافر، يقرأه كل كاتب وأمي، يخوض البحار، ويسير معه الشمس بين يديه جبل من دخان وخلفه جبل أبيض، يري الناس أنه طعام.
يخرج حين يخرج في قحط شديد، تحته حمار أحمر. خطوة حماره ميل، تطوى له الأرض منهلا منهلا، ولا يمر بماء إلا غار إلى يوم القيامة، ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن والإنس والشياطين، يقول: إلي أوليائي أنا الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، أنا ربكم الأعلى، وكذب عدو الله، إنه أعور يطعم الطعام ويمشي في الأسواق وإن ربكم ليس بأعور ولا يمشي ولا يزول، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ألا وإن أكثر أتباعه يومئذ أولاد الزنا وأصحاب الطيالسة الخضر يقتله الله (عزَّ وجلَّ) بالشام على عقبة أفيق، لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة على يد من يصلي خلفه المسيح عيسى ابن مريم (عليه السلام).
ألا إن بعد ذلك الطامة الكبرى. قلنا: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: خروج دابة الأرض من عند الصفا، معها خاتم سليمان بن داود، وعصى موسى (عليه السلام) تضع الخاتم على وجه كل مؤمن، فينطبع فيه هذا مؤمن حقا. وتضعه على وجه كل كافر فيكتب فيه هذا كافر حقا، حتى إن المؤمن لينادي الويل لك يا كافر، وإن الكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن، وددت أني كنت مثلك فأفوز فوزا عظيما.
ثم ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله جل جلاله، وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها، فعند ذلك ترفع التوبة، فلا يقبل توبة ولا عمل ينفع: ﴿ولا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا﴾.
ثم قال (عليه السلام): لا تسألوني عما يكون بعدها فإنه عهد إلي حبيبي رسول الله أن لا أخبر به غير عترتي.
فقال النزال بن سبرة: فقلت لصعصعة بن صوحان: ما عنى أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا؟ فقال صعصعة يا بن سبرة إن الذي يصلي خلفه عيسى ابن مريم (عليه السلام) هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن علي (عليه السلام) وهو الشمس الطالعة من مغربها يظهر عند الركن والمقام فيطهر الأرض، ويضع ميزان العدل، فلا يظلم أحد أحدا فأخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) أن حبيبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهد إليه أن لا يخبر بما يكون بعد ذلك إلا عترته الأئمة (عليهم السلام).
أقول: لا ريب في حكم الشرع والعقل السديد بأن قاتل هذا الكافر العنيد يستوجب أن يدعى له بالنصر والتأييد، ثم إن هذا الخبر وإن كان ضعيفا باشتماله على عدة مجاهيل، لكن أكثر ما تضمنه معتضد بغيره من الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار.
وههنا فوائد ينبغي التنبيه عليها:
الأولى: أن قوله (عليه السلام): والله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل، يدل على أن ذلك من الأمور البدائية، التي يتطرق إليها احتمال التقدم والتأخر، وليس لها وقت معين كما أن ظهور مولانا الغائب (عليه السلام) أيضا من هذا القبيل، وقد أشرنا إلى ذلك في تنبيهات الغيبة من حرف الغين المعجمة.
الثانية: أن الدجال عليه اللعنة إنما يكون ساحرا، وما يخيل إلى الناس من سير الشمس معه، الخ إنما هو بسحره، ويدل على ما ذكرنا قوله (عليه السلام): يري الناس أنه طعام، وأما قوله (عليه السلام):
تطوى له الأرض، فإنما هو بسبب عظمة حماره، وهذا الكلام كناية عن سرعة سيره كما لا يخفى.
الثالثة: أن خروج دابة الأرض إنما يكون في زمن ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه، وقد وردت أخبار عديدة بأن المراد بها أمير المؤمنين (عليه السلام).
- فمنها ما في البحار(454) بإسناده عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ألا أحدثك ثلاثا قبل أن يدخل علي وعليك داخل؟ قلت: بلى، فقال أنا عبد الله وأنا دابة الأرض، صدقها وعدلها وأخو نبيها، ألا أخبرك بأنف المهدي وعينه؟ قال:
قلت: نعم، فضرب بيده إلى صدره فقال: أنا.
قال مؤلف هذا الكتاب محمد تقي الموسوي الأصفهاني عفي عنه: قد ذكرنا معنى قوله (عليه السلام): ألا أخبرك بأنف المهدي وعينه، الخ، في حرف الزاي المعجمة فراجع.
وأما أبو عبد الله الجدلي راوي هذا الحديث فاسمه عبيد بن عبد ونقل السيد المعتمد البارع السيد مصطفى في كتاب نقد الرجال عن الخلاصة أنه من أولياء أمير المؤمنين (عليه السلام) وخواصه.
- وفي رواية أخرى عنه(455) قال: دخلت على علي (عليه السلام) فقال: أحدثك بسبعة أحاديث إلا أن يدخل علينا داخل، قال: قلت: افعل جعلت فداك! قال: أتعرف أنف المهدي (عليه السلام) وعينه؟ قال: قلت: أنت يا أمير المؤمنين؟ قال (عليه السلام): وحاجبا الضلالة تبدو مخازيهما في آخر الزمان، قال: قلت: أظن والله يا أمير المؤمنين أنهما فلان وفلان، فقال (عليه السلام): الدابة! وما الدابة عدلها وصدقها وموقع بعثها والله مهلك من ظلمها (الخ).
- ومما يناسب ما ذكرناه ويؤكده ما في البحار(456) أيضا، عن معاني الأخبار بإسناده عن عباية الأسدي، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو مشتكي وأنا قائم عليه: لأبنين بمصر منبرا، ولأنقضن دمشق حجرا حجرا ولأخرجن اليهود والنصارى من كل كور العرب، ولأسوقن العرب بعصاي هذه، قال: قلت له: يا أمير المؤمنين، كأنك تخبر أنك تحيى بعدما تموت، فقال (عليه السلام): هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب يفعله رجل مني.
قال الصدوق (رض): إن أمير المؤمنين (عليه السلام) اتقى عباية الأسدي في هذا الحديث.
- وفي البحار(457) أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: قال رجل لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان: آية في كتاب الله قد أفسدت قلبي وشككتني، قال عمار: وأية آية هي؟ قال: قول الله تعالى: ﴿وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون﴾(458) الآية فأية دابة هذه؟ قال عمار: والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أريكها.
فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يأكل تمرا وزبدا فقال: يا أبا اليقظان هلم فجلس عمار، وأقبل يأكل معه، فتعجب الرجل منه فلما قام عمار قال الرجل: سبحان الله يا أبا اليقظان، حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتى ترينيها! قال عمار: قد أريتكها إن كنت تعقل.
- وعنه (عليه السلام)(459) قال: إنتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو نائم في المسجد، قد جمع رملا ووضع رأسه عليه فحركه برجله، ثم قال: قم يا دابة الله، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله أنسمي بعضنا بعضا بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلا له خاصة وهو الدابة التي ذكر الله تعالى في كتابه، الخبر. وفيما أسمعناك كفاية إن شاء الله.
الفائدة الرابعة: أن قوله (عليه السلام) في الحديث المذكور في صدر الكلام: فعند ذلك ترفع التوبة، الخ، يدل على أن الحجة عجل الله تعالى فرجه وظهوره يقبل التوبة والإيمان ممن سبق إلى الكفر والطغيان قبل خروج دابة الأرض وإذا خرج ارتفعت التوبة، ﴿ولا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل﴾ وبهذا الوجه يجمع بين الأخبار المختلفة الواردة في هذا الباب، فإن بعضها يدل على أن المهدي عجل الله تعالى فرجه يقبل ذلك، مثل ما ذكرناه في قتل الكافرين، وحاصله أنه يعرض الإسلام عليهم، فمن أطاع سلم وغنم، ومن أبى قتل وقصم، وبعضها يدل على أنه لا يقبل الإسلام ممن لم يكن مسلما قبل ذلك، ولا يقبل توبة أحد.
- مثل ما رواه الصدوق (ره) في كمال الدين(460) عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل﴾(461) قال (عليه السلام):
الآيات هم الأئمة المشطرة(462) والآية المنتظرة القائم (عليه السلام) فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف، وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه (عليهم السلام).
- وفي الحديث المروي في البحار(463) في وصفه عن أبي جعفر (عليه السلام): لا يستتيب أحدا ولا يأخذه في الله لومة لائم، إلى غير ذلك من الأخبار المتعارضة بظواهرها، وحاصل هذا الجمع أنه (عليه السلام) يقبل التوبة والإيمان من المخالفين، قبل خروج الدابة، ولا يقبل بعد ذلك.
فإن قلت: إنه يبعد هذا الوجه:
- ما روي في البرهان(464) في تفسير قوله تعالى: ﴿يوم يأتي بعض آيات ربك﴾ الخ.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما زالت الأرض إلا ولله فيها حجة، يعرف الحلال والحرام، ويدعو الناس إلى سبيل الله، ولا تنقطع الحجة من الأرض إلا أربعين يوما قبل يوم القيامة، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة ولم ﴿ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل﴾ أن ترفع الحجة، الخبر.
قلت: إن الناس لا يصيرون معصومين عن الآثام في زمن ظهور الإمام والمقصود من هذا الخبر أن المكلف إن عصى ثم تاب قبل توبته إلى ذلك الوقت المعلوم، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة الخ، فلا تنافي بينه وبين ما ذكرناه.
هذا ويمكن الجمع بين الأخبار السابقة بوجه آخر، لعله أحسن الوجوه، وهو أن المهدي (عليه السلام) يقبل توبة من يعلم أن إيمانه يكون عن حقيقة وإخلاص، ولا يقبل ممن يؤمن بلسانه للخلاص. ﴿ولات حين مناص﴾ ويشهد لهذا الوجه ما سبق من أنه (عليه السلام) يحكم بمقتضى علمه الباطني المختص به صلوات الله عليه، هذا ما خطر بالبال في حل الإشكال.
وقال السيد الجليل السيد نعمة الله الجزائري رحمه الله تعالى في الأنوار(465) قد كنت كثيرا ما أفكر في تلك الأخبار، وأطلب وجه الجمع بينها حتى وفق الله تعالى للوقوف على حديث يجمع بين هذه الأخبار، وحاصله أن المهدي (عليه السلام) إذا خرج أحيى الله سبحانه له جماعة ممن محض الكفر محضا كما سيأتي بيانه، فهؤلاء الأحياء الذين تقدم موتهم، ورأوا العذاب عيانا وعذبوا به، واضطروا إلى الإيمان، لا يقبل المهدي (عليه السلام) منهم توبة، لأن توبتهم في هذا الحال مثل توبة فرعون، لما أدركه الغرق فقال (عزَّ وجلَّ) في جوابه: ﴿آلآن وقد عصيت قبل﴾ فلم يقبل له توبة، ومثل توبة من بلغت روحه إلى حلقه وتغرغرت في صدره، ورأى مكانه من النار وعاينه، فإنه إذا تاب لا يقبل له توبة أيضا، فالمراد بالنفس التي لا ينفعها إيمانها هذه النفس.
وأما الأحياء الذين يكونون في زمان ظهوره (عليه السلام)، ولم يسبق عليهم الموت فلا يقبل (عليه السلام) منهم إلا القتل أو الإيمان. إنتهى كلامه رفع مقامه.
أقول: هذا المطلب صحيح في نفسه لكن الأخبار السابقة آبية عن هذا الجمع، لأن الظاهر منها بيان حال الأحياء، كما لا يخفى على المتأمل.
والظاهر أن السيد (ره) لما وقف على هذا الحديث، جعله وجها للجمع بين تلك الأخبار بسليقته، وبعده غير خفي، فالوجه الوجيه هو الوجه الأول، أو الثاني الذي ذكرناه بعون الله تعالى وهو العالم.
الفائدة الخامسة: أنه قد ظهر من قوله (عليه السلام) في حديث وصف الدجال: عينه اليمنى ممسوحة، الخ، وجه تسميته بالمسيح، ومن هذا القبيل تسمية الدرهم الأطلس الذي لا يكون مسكوكا بالمسيح، لاستواء سطحه، والأرض المستوية بالمسحاء.
ويظهر من صاحب القاموس وجه آخر، وهو أن الدجال سمي مسيحا لشؤمه، قال في معنى التمسيح: أن يخلق الله الشيء مباركا أو ملعونا ضد، قال: والمسيح عيسى لبركته وذكرت في اشتقاقه خمسين قولا في شرحي لمشارق الأنوار وغيره، إلى آخر ما قال مما لا يهم ذكره.
الفائدة السادسة: قال صاحب القاموس(466) في لغة دجل: الدجيل كزبير، ثمامة القطران، ودجل البعير: طلاه به، أو عم جسمه بالهناء، ومنه الدجال المسيح لأنه يعم الأرض، أو من دجل كذب وأحرق وجامع وقطع نواحي الأرض سيرا أو من دجل تدجيلا غطى وطلى بالذهب، لتمويهه بالباطل، أو من الدجال للذهب، أو لمائه، لأن الكنوز تتبعه، أو من الدجال لغرند السيف، أو من الدجالة للرفقة العظيمة، أو من الدجال كسحاب، للسرجين، لأنه ينجس وجه الأرض، أو من دجل الناس للقاطهم، لأنهم يتبعونه. إنتهى كلامه.
الفائدة السابعة: قال السيد الجزائري (ره) في الأنوار(467) أما الدجال فقد عرفت في حديث الصدوق (ره) أنه يخرج من أصبهان، وفي الأخبار بأن له خروجا مكررا كما أن أحواله مختلفة عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. إنتهى كلامه.
الفائدة الثامنة:
- روى شيخنا أمين الدين الفضل بن الحسن الطبرسي (ره) في كتاب مجمع البيان(468) مرسلا عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال من قرأ سورة الكهف فهو معصوم ثمانية أيام من كل فتنة، فإن خرج الدجال في تلك الثمانية أيام عصمه الله من فتنة الدجال.
- وفيه(469) في حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله) قال من قرأ عشر آيات من سورة الكهف حفظا لم يضره فتنة الدجال ومن قرأ السورة كلها دخل الجنة.
- وفي آخر(470) عنه (صلى الله عليه وآله) قال: ألا أدلكم على سورة شيعها سبعون ألف ملك حين نزلت، ملأت عظمتها ما بين السماء والأرض، قالوا: بلى، قال (صلى الله عليه وآله): سورة أصحاب الكهف من قرأها يوم الجمعة، غفر الله له إلى الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام، وأعطي نورا يبلغ السماء، ووقي فتنة الدجال.
- وفي آخر عنه(471) (صلى الله عليه وآله) قال: من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف ثم أدرك الدجال لم يضره، ومن حفظ خواتيم سورة الكهف كانت له نورا يوم القيامة.
حرف الكاف: كمالاته (عليه السلام)
إذا سمعت أن رجلا متصفا بكمال بل كمالات ابتلي ببلية بل بليات بعثك عقلك إلى نصره، والقيام بفكه من أسره، ولو لم تقدر على ذلك لابتدرت إلى الدعاء له بالفرج والخلاص مراعيا له بالشفقة والإخلاص، إذا عرفت ذلك، فنقول: إن مولانا صاحب الزمان قد حاز أطراف الكمال، ونال غاية الشرف والجلال والجمال وهو مع ذلك مبتلى ببليات من أهل الضلال، وبعيد عن الدار والأهل والعيال، وهذا واضح لمن نشط عن العقال، وراقب جانب الاعتدال أما عظمة مصائبه (عليه السلام) فبمقدار عظمته، وأما عظم كمالاته فيكل اللسان عن صفته، وتحسر العقول عن كنه معرفته ولعلك إذا نظرت في حذافير هذا الكتاب، اهتديت إلى هذا الباب، وارتويت من هذا الشراب، ونزيدك هنا في بيان أنه مجمع كمالات الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) ومظهر صفاتهم:
- ما رواه الشيخ الأجل، محمد بن الحر العاملي (ره) في كتاب إثبات الهداة(472) بالنصوص والمعجزات، عن كتاب إثبات الرجعة، للفضل بن شاذان (ره) أنه روى بإسناد صحيح، عن الصادق (عليه السلام)، أنه قال: ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا لإتمام الحجة على الأعداء. إنتهى، ونعم ما قيل: آنچه خوبان همه دارند توتنها داري.
- ويدل على المقصود أيضا ما رواه الفاضل العلامة المجلسي (ره) في البحار(473) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رواية المفضل (رض) قال وسيدنا القائم مسند ظهره إلى الكعبة، ويقول:
يا معشر الخلائق، ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث فها أنا ذا آدم وشيث، ألا ومن أراد أن ينظر إلى نوح وولده سام، فها أنا ذا نوح وسام، ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل، فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل. ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع، فها أنا ذا موسى ويوشع، ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون، فها أنا ذا عيسى وشمعون، ألا ومن أراد أن ينظر إلى محمد (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، فها أنا ذا محمد (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) فها أنا ذا الحسن والحسين (عليهما السلام)، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين فها أنا ذا الأئمة (عليهم السلام) أجيبوا إلى مسألتي، فإني أنبئكم بما نبئتم به، وما لم تنبأوا به، الخ.
أقول: هذا الحديث يدل على اجتماع جميع صفات الأنبياء العظام ومكارم الأئمة الكرام في وجود إمام زماننا وظهورها منه ويدل على ذلك أيضا، ما ذكرناه فيما سبق روايته عن رسول الله أنه قال: تاسعهم قائمهم، وهو ظاهرهم وباطنهم.
- ويدل عليه أيضا ما رواه الصدوق في كمال الدين(474) بإسناده عن أبي بصير قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن سنن الأنبياء (عليهم السلام) بما وقع بهم من الغيبات جارية في القائم منا أهل البيت، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة قال أبو بصير فقلت: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن القائم منكم أهل البيت؟ فقال يا أبا بصير، هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سيدة الإماء، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثم يظهره الله (عزَّ وجلَّ)، فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها، وينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلي خلفه، الخبر.
وحيث انجر الكلام إلى هذا المقام فلنبين هذا المرام، في ثلاثة فصول، بعون الملك العلام:
الفصل الأول: في شباهته بجمع من الأنبياء (عليهم السلام) العظام، فنقول:
باب شباهته بآدم (عليهما السلام)
آدم: أورثه الله تعالى الأرض جميعها، وجعله خليفة فيها، فقال: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾.
والحجة (عليه السلام) يورثه الله تعالى جميع الأرض ويجعله خليفة فيها.
- كما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام)(475) في تفسير قول الله (عزَّ وجلَّ)(476) ﴿وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض﴾ الآية أنه القائم وأصحابه، ويقول حين ظهوره بمكة ماسحا يده على وجهه: ﴿الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض﴾ إلى آخر الآية.
- كما في حديث المفضل: ويخرج وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه.
- وكما عن النبي (صلى الله عليه وآله): آدم (عليه السلام) بكى حتى صار في خديه أمثال الأودية(477).
- كذلك ما عن الصادق (عليه السلام)(478): القائم قال في زيارة الناحية: فلأندبنك صباحا ومساء، ولأبكين عليك بدل الدموع دما.
آدم: نزل في حقه: ﴿وعلم آدم الأسماء كلها﴾.
القائم: علمه ما علمه آدم، وما لم يعلمه آدم. فإن آدم أعطي من الاسم الأعظم خمسة وعشرين حرفا.
- كما في الحديث، وقد أعطي نبينا (صلى الله عليه وآله) اثنان وسبعون حرفا وجميع ما أعطاه الله تعالى النبي أعطاه أوصياءه (عليهم السلام) حتى انتهى إلى مولانا القائم عجل الله تعالى فرجه.
- وروى ثقة الإسلام الكليني في الصحيح(479)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إن العلم الذي نزل مع آدم (عليه السلام) لم يرفع، وما مات عالم إلا وقد ورث علمه إن الأرض لا تبقى بغير عالم.
آدم: أحيى الأرض بعبادة الله بعد موتها بكفر بني الجان وطغيانهم.
القائم: يحيي الأرض بدين الله، وعبادته وعدله، وإقامة حدوده، بعد موتها بكفر أهلها وظلمهم وعصيانهم.
- ففي البحار(480) عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿يحيي الأرض بعد موتها﴾، قال يحيي الله (عزَّ وجلَّ) بالقائم بعد موتها، يعني بموتها: كفر أهلها، والكافر ميت.
- وفي الوسائل(481) في قول الله (عزَّ وجلَّ)(482) ﴿يحيي الأرض بعد موتها﴾ عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله رجالا فيحيون العدل فتحيى الأرض لإحياء العدل ولإقامة الحد فيه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا.
- وفيه عن النبي (صلى الله عليه وآله)(483) قال ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة وحد يقام لله في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحا.
هذا وإلى متى وحتى متى أقول: آدم والقائم وما خلق آدم إلا لأجل القائم.
أن الذي خلق المكارم حازها * في صلب آدم للإمام القائم
باب شباهته بهابيل (عليهما السلام)
هابيل (عليه السلام): قتله أقرب الناس إليه، وأمسهم رحما به، وهو أخوه قابيل قال الله تعالى في كتابه العزيز(484) ﴿واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال إنما يتقبل الله من المتقين﴾.
القائم: روحي وأرواح العالمين فداه، أراد قتله، وعزم عليه أقرب الناس إليه وأمسهم رحما به وهو عمه جعفر الكذاب.
- فعن(485) سيد العابدين (عليه السلام)، قال: كأني بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله والمغيب في حفظ الله والموكل بحرم أبيه جهلا منه بولادته، وحرصا منه على قتله إن ظفر به طمعا في ميراث أخيه، حتى يأخذه بغير حق.
باب شباهته بشيث (عليهما السلام)
هبة الله: لم يأذن له في إظهار علمه خوفا.
- روى الكليني (ره) في روضة الكافي(486) عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل: إن هبة الله لما دفن أباه أتاه قابيل، فقال: يا هبة الله إني قد رأيت أبي آدم قد خصك من العلم بما لم أخص به أنا، وهو العلم الذي دعا به أخوك هابيل فتقبل قربانه، وإنما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي فيقولون: نحن أبناء الذي تقبل قربانه وأنتم أبناء الذي ترك قربانه، فإنك إن أظهرت من العلم الذي اختصك به أبوك شيئا قتلتك كما قتلت أخي هابيل فلبث هبة الله والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والإيمان، الخبر.
وكذلك القائم لم يأذن له إلى الوقت المعلوم.
- كما قال (عليه السلام): حين سقط من بطن أمه جاثيا على ركبتيه رافعا سبابتيه إلى السماء ثم عطس فقال (عليه السلام): الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة، ولو أذن لنا في الكلام لزال الشك. رواه رئيس المحدثين في كمال الدين(487).
باب شباهته بنوح (عليهما السلام)
نوح شيخ الأنبياء.
- فعن الصادق والهادي (عليهما السلام) أنه عاش خمسمائة وألفي عام.
- القائم (عليه السلام) شيخ الأوصياء فإنه ولد كما في الكافي(488) للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين فعمره الشريف إلى الآن، وهذا يوم الأحد عاشر ذي قعدة الحرام من سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة، يكون ألفا وإحدى وثمانين سنة وخمسا وثمانين يوما.
- وعن سيد العابدين (عليه السلام)(489): إن في القائم سنة من آدم ومن نوح وهي طول العمر، الخ، وقد مر الخبر بتمامه(490).
نوح: طهر الأرض من الكافرين بكلامه.
فقال: ﴿رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا﴾.
القائم: يطهر الأرض من الكافرين بحسامه، حتى لا يبقي منهم آثارا كما مر.
نوح: صبر ألف سنة إلا خمسين عاما.
قال الله: ﴿فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون﴾.
القائم: صبر منذ أول إمامته إلى الآن ولا أدري إلى متى يصبر مولانا صاحب الزمان.
نوح: من تخلف عنه غرق.
القائم: من تخلف(491) عنه هلك كما في الحديث.
نوح: أخر الله فرجه وفرج أصحابه، حتى رجع عنه أكثر القائلين به.
القائم: يؤخر الله تعالى فرجه وفرج أوليائه حتى يرجع عنه أكثر القائلين به كما عن العسكري (عليه السلام)(492).
نوح: بشر بظهوره إدريس النبي.
القائم: بشر الله تعالى بظهوره الملائكة، كما مر وبشر به النبي والأئمة (عليهم السلام)، بل بشر به الأنبياء السابقون، ولو ذكرنا ذلك لطال الكتاب.
نوح: كان يبلغ صوته شرق الأرض وغربها حين ندائه وصيحته، وكان هذا أحد معجزاته، كما في زبدة التصانيف.
- القائم (عليه السلام) يقف بين الركن والمقام حين ظهوره، فيصرخ صرخة فيقول: يا معاشر نقبائي، وأهل خاصتي، ومن ذخرهم الله لنصرتي، قبل ظهوري على وجه الأرض، ائتوني طائعين فترد صيحته (عليه السلام) عليهم، وهم في محاريبهم، وعلى فرشهم، في شرق الأرض وغربها، فيسمعونه في صيحة واحدة، في أذن كل رجل، فيجيبون نحوها، فلا يمضي لهم إلا كلمحة بصر حتى يكون كلهم بين الركن والمقام كما في حديث المفضل(493) عن الصادق (عليه السلام).
باب شباهته بإدريس (عليهما السلام)
إدريس (عليه السلام) وهو جد أبي نوح (عليه السلام) واسمه أخنوخ، رفعه الله مكانا عليا قيل: رفع إلى السماء الرابعة، وقيل: إلى السادسة.
- وفي مجمع البيان(494) قال مجاهد: رفع إدريس كما رفع عيسى وهو حي لم يمت، وقال آخرون إنه قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة وروي ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام).
القائم (عليه السلام) رفعه الله مكانا عليا إلى السماء.
إدريس (عليه السلام) حمله الملك على جناحه فطار به في جو السماء.
- روى علي بن إبراهيم القمي (ره)(495) عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى غضب على ملك من الملائكة فقطع جناحه، وألقاه في جزيرة من جزائر البحر، فبقي ما شاء الله تعالى في ذلك البحر فلما بعث الله تعالى إدريس جاء ذلك الملك إليه، فقال: يا نبي الله، ادع الله لي أن يرضى عني، ويرد علي جناحي قال: نعم فدعى إدريس ربه، فرد الله عليه جناحه، ورضي عنه قال الملك لإدريس:
لك إلي حاجة؟ قال: نعم أحب أن ترفعني إلى السماء، حتى أنظر إلى ملك الموت، فإنه لا عيش لي مع ذكره، فأخذه الملك على جناحه حتى انتهى به السماء الرابعة، فإذا ملك الموت يحرك رأسه تعجبا، فسلم إدريس على ملك الموت، وقال له ما لك تحرك رأسك؟
قال: إن رب العزة أمرني أن أقبض روحك بين السماء الرابعة والخامسة فقلت: يا رب وكيف هذا وغلظ السماء الرابعة مسيرة خمسمائة عام ومن السماء الرابعة إلى السماء الثالثة مسيرة خمسمائة عام وغلظ السماء الثالثة خمسمائة عام، وكل سماء وما بينهما كذلك فكيف يكون هذا ثم قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة وهو قوله ﴿ورفعناه مكانا عليا﴾ قال:
وسمي إدريس على نبينا وآله و(عليه السلام) لكثرة دراسته للكتب. إنتهى.
وقيل: إنه حي في الجنة وهو المروي عن ابن عباس.
القائم (عليه السلام) رفعه روح القدس صلوات الله عليه وطار به في جو السماء.
- ففي الحديث المروي في كمال الدين(496) عن حكيمة في باب ميلاد القائم (عليه السلام) فتناوله الحسن (عليه السلام) والطير ترفرف على رأسه، فصاح بطير منها فقال له احمله واحفظه، ورده إلينا في كل أربعين يوما، فتناوله الطائر، وطار به في جو السماء، واتبعه سائر الطير، فسمعت أبا محمد (عليه السلام) يقول: أستودعك الذي استودعته أم موسى موسى فبكت نرجس فقال (عليه السلام) لها اسكتي فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك، وسيعاد إليك، كما رد موسى إلى أمه. وذلك قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن﴾.
قالت حكيمة: فقلت ما هذا الطائر؟ قال (عليه السلام): هذا روح القدس الموكل بالأئمة يوفقهم ويسددهم، ويربيهم بالعلم، الخبر.
إدريس: غاب عن قومه لما عزموا على قتله، كما في الحديث، عن أبي جعفر صلوات الله وسلامه عليه.
القائم (عليه السلام) غاب عن قومه لما عزموا على قتله، كما مر في ظلم الأعداء له، من حرف الظاء المعجمة.
إدريس: طالت غيبته حتى وقعت شيعته في غاية العسر والضيق والشدة.
القائم: تطول غيبته حتى تقع شيعته في غاية العسر والضيق والشدة.
- ففي البحار(497) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لا يزال بكم الأمر حتى يولد في الفتنة والجور من لا يعرف عندها، حتى تملأ الأرض جورا، فلا يقدر أحد يقول: الله. ثم يبعث الله (عزَّ وجلَّ) رجلا مني ومن عترتي، فيملأ الأرض عدلا كما ملأها من كان قبله جورا.
- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال لتملأن الأرض ظلما وجورا حتى لا يقول أحد: الله، إلا مستخفيا، ثم يأتي الله بقوم صالحين يملأونها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. وقد مر في حرف الفاء ما يدل على ذلك.
إدريس: لما طالت غيبته اتفق الناس على التوبة إلى الله فأظهره الله تعالى وكشف عنهم البؤس والشدة.
القائم (عليه السلام) لو اتفق الناس على التوبة إلى الله تعالى في أمره، وعزموا على نصره، لأظهره الله تعالى، ويأتي ما يدل على ذلك في الباب الثامن إن شاء الله تعالى.
إدريس (عليه السلام): لما ظهر ذل له الملك الجبار وأهل قريته.
القائم (عليه السلام) إذا ظهر ذلت له الملوك الجبابرة، وجميع أهل العالم. وإن شئت الاطلاع على أحوال إدريس فانظر في الكتب المفصلة، مثل كمال الدين والبحار وحياة القلوب، وغيرها ولو ذكرنا أكثر من ذلك صرفنا عما نحن بصدده فلنكتف بهذا المقدار ونسأل الله تعالى أن يجمع بيننا وبين أوليائه في دار القرار.
باب شباهته بهود (عليهما السلام)
هود (عليه السلام) قيل اسمه عابر. بشر بظهوره نوح (عليه السلام).
- روي في كمال الدين(498) عن الصادق (عليه السلام) قال: لما حضرت نوحا الوفاة دعى الشيعة فقال لهم: اعلموا أنه سيكون من بعدي غيبة تظهر الطواغيت، وإن الله (عزَّ وجلَّ) يفرج عنكم بالقائم من ولدي اسمه هود، له سمت وسكينة ووقار، يشبهني في خلقي وخلقي، وسيهلك الله أعداءكم عند ظهوره بالريح، فلم يزالوا يرقبون هودا (عليه السلام)، وينتظرون ظهوره، حتى طال عليهم الأمد، وقست قلوب أكثرهم، فأظهر الله تعالى ذكره نبيه هودا عند اليأس منهم، وتناهى البلاء بهم، وأهلك الأعداء بالريح العقيم، التي وصفها الله تعالى ذكره فقال:
القائم (عليه السلام) قد بشر بظهوره بعد غيبته بجميع تلك الخصوصيات كل واحد من آبائه الكرام عليهم الصلاة والسلام. وقد تقدم نبذ منها في باب غيبته فراجع.
هود (عليه السلام): أهلك الله (عزَّ وجلَّ) الكافرين به بالريح العقيم، كما قال تعالى: ﴿فأرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم﴾.
القائم عجل الله تعالى فرجه سيهلك الله تعالى جمعا من الكافرين به، بريح سوداء مظلمة كما في رواية مفضل وسيأتي في نداءاته في (كح) إن شاء الله تعالى.
باب شباهته بصالح (عليهما السلام)
صالح: غاب عن قومه فلما رجع إليهم أنكره كثير منهم.
- روي في كمال الدين(499) عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إن صالحا (عليه السلام) غاب عن قومه زمانا.
وكان يوم غاب عنهم كهلا، مبدح البطن، حسن الجسم وافر اللحية، خميص البطن، خفيف العارضين، مجتمعا ربعة من الرجال.
فلما رجع إلى قومه لم يعرفوه بصورته، فرجع إليهم وهم على ثلاث طبقات، طبقة جاحدة لا ترجع أبدا وأخرى شاكة فيه، وأخرى على يقين فبدأ (عليه السلام) حيث رجع بطبقة الشكاك، فقال لهم: أنا صالح فكذبوه وشتموه، وزجروه، وقالوا برئ الله منك، إن صالحا كان في غير صورتك.
قال (عليه السلام): فأتى الجحاد فلم يسمعوا منه القول، ونفروا منه أشد النفور، ثم انطلق إلى الطبقة الثالثة، وهم أهل اليقين، فقال لهم: أنا صالح فقالوا: أخبرنا خبرا لا نشك فيه أنك صالح، فإنا لا نمتري أن الله تبارك وتعالى الخالق ينقل ويحول في أي صورة شاء، وقد أخبرنا وتدارسنا فيما بيننا بعلامات القائم إذا جاء، وإنما يصح عندنا إذا أتى الخبر من السماء.
فقال لهم صالح: أنا صالح الذي أتيتكم بالناقة، فقالوا صدقت، وهي التي نتدارس، فما علامتها؟ فقال: ﴿لها شرب ولكم شرب يوم معلوم﴾ قالوا آمنا بالله وبما جئتنا به فعند ذلك قال الله تبارك وتعالى ﴿إن صالحا مرسل من ربه﴾ فقال أهل اليقين: ﴿إنا بما أرسل به مؤمنون﴾.
وقال الذين استكبروا وهم الشكاك والجحاد: ﴿إنا بالذي آمنتم به كافرون﴾ قلت: هل كان فيهم ذلك اليوم عالم؟ قال (عليه السلام): الله أعدل من أن يترك الأرض بلا عالم يدل على الله (عزَّ وجلَّ) ولقد مكث القوم بعد خروج صالح سبعة أيام على فترة لا يعرفون إماما غير أنهم على ما في أيديهم من دين الله (عزَّ وجلَّ) كلمتهم واحدة، فلما ظهر صالح (عليه السلام) اجتمعوا عليه، وإنما مثل القائم (عليه السلام) مثل صالح.
القائم (عليه السلام): يجري فيه ما جرى في صالح حرفا بحرف، فإنه يظهر مع طول عمره في صورة شاب، دون أربعين سنة والناس بين موقن وشاك وجاحد، فيدعوهم فينكرونه، فيقتلهم، والموقنون يطلبون منه العلامة، فيريهم، فيبايعونه وقد ورد بكل ذلك الرواية، قدمنا بعضها ويأتي بعض آخر إن شاء الله والغرض هنا الإشارة.
باب شباهته بإبراهيم (عليهما السلام)
إبراهيم (عليه السلام) خفي حمله وولادته.
القائم (عليه السلام) خفي حمله وولادته.
إبراهيم (عليه السلام) كان(500) يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة، ويشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر، ويشب في الشهر كما يشب غيره في السنة كما ورد بذلك الرواية عن الصادق (عليه السلام).
القائم (عليه السلام) كذلك:
- ففي خبر(501) حكيمة رضي الله عنها المفصل قالت: فلما كان بعد أربعين يوما دخلت دار أبي محمد (عليه السلام) فإذا مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) يمشي في الدار فلم أر وجها أحسن من وجهه، ولا لغة أفصح من لغته فقال لي أبو محمد (عليه السلام) هذا المولود الكريم على الله (عزَّ وجلَّ) قلت له يا سيدي له أربعون يوما وأنا أرى من أمره ما أرى فقال (عليه السلام): يا عمتي أما علمت أنا معشر الأوصياء ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في جمعة وننشأ في الجمعة ما ينشأ غيرنا في السنة، الخبر.
إبراهيم: اعتزل الناس قال الله (عزَّ وجلَّ) نقلا عنه: ﴿وأعتزلكم وما تدعون من دون الله﴾.
الآية.
القائم (عليه السلام): اعتزل الناس وقد مر ما يدل على ذلك في حرف العين.
إبراهيم: وقع له غيبتان.
القائم (عليه السلام): وقع له غيبتان.
إبراهيم: لبس قميصا جاء به جبرائيل من الجنة حين ألقي في النار.
القائم (عليه السلام): يلبس هذا القميص بعينه حين يخرج.
- ففي كمال الدين(502) عن مفضل عن الصادق (عليه السلام) قال: سمعته يقول: أتدري ما كان قميص يوسف (عليه السلام) قلت: لا قال: إن إبراهيم (عليه السلام) لما أوقدت له النار نزل إليه جبرئيل (عليه السلام) بالقميص وألبسه إياه فلم يضره معه حر ولا برد فلما حضرته الوفاة جعله في تميمة وعلقه على إسحاق وعلقه إسحاق على يعقوب فلما ولد يوسف علقه عليه، وكان في عضده حتى كان من أمره ما كان فلما أخرجه يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب (عليه السلام) ريحه جعلت فداك، فإلى من صار هذا القميص؟ قال إلى أهله، وهو مع قائمنا إذا خرج ثم قال: كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى محمد (صلى الله عليه وآله).
- أقول: لا ينافي هذا الحديث ما رواه الفاضل العلامة المجلسي (ره) في البحار(503) عن النعماني(504) بإسناده عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ألا أريك قميص القائم الذي يقوم عليه، فقلت: بلى فدعا بقمطر ففتحه، وأخرج منه قميص كرابيس، فنشره.
فإذا هو في كمه الأيسر دم، فقال هذا قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي [كان](505) عليه يوم ضربت رباعيته وفيه يقوم القائم، فقلبت الدم ووضعته على وجهي، ثم طواه أبو عبد الله (عليه السلام) لأنه يحتمل أن يلبس كل واحد منهما في بعض الأحيان ويحتمل أيضا أن يكون قميص إبراهيم معه على عضده أو غيره إذ لا صراحة في الحديث الأول، على كونه (عليه السلام) لابسا له والله العالم.
إبراهيم: بنى البيت، ووضع الحجر الأسود مكانه، قال الله (عزَّ وجلَّ)(506) ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم﴾.
- وفي البرهان(507) وغيره عن عقبة بن بشير، عن أحدهما، أي الباقر والصادق (عليهما السلام) قال (عليه السلام): إن الله (عزَّ وجلَّ) أمر إبراهيم وإسماعيل البيت كل يوم ساقا، حتى انتهى إلى موضع الحجر الأسود، وقال أبو جعفر (عليه السلام): فنادى أبو قبيس: إن لك عندي وديعة فأعطاه الحجر، فوضعه موضعه.
القائم (عليه السلام) له مثل ذلك.
- ففي البحار(508) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه، وحول المقام إلى الموضع الذي كان فيه. الخبر.
- وفي الخرائج(509) عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، قال: لما وصلت بغداد في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة للحج وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر في مكانه إلى البيت كان أكبر همي الظفر بمن ينصب الحجر، لأنه مضى في أثناء الكتب قصة أخذه وأنه لا يضعه في مكانه إلا الحجة في الزمان كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين (عليه السلام) مكانه فاستقر. فاعتللت علة صعبة خفت منها على نفسي، ولم يتهيأ لي ما قصدت له، فعرفت أن ابن هشام يمضي إلى الحرم فكتبت رقعة وأعطيته إياها مختومة، أسأل فيها عن مدة عمري، وهل تكون الموتة في هذه العلة أم لا؟ وقلت له: همي في إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه وإنما أندبك لهذا.
قال: فقال المعروف بابن هشام: لما حصلت بمكة، وعزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة، تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه وأقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس، فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله فوضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه وعلت لذلك الأصوات، فانصرف خارجا من الباب فنهضت من مكاني أتبعه، وأدفع الناس عني يمينا وشمالا حتى ظن بي الاختلاط، والناس يفرجون له وعيني لا تفارقه حتى انقطع عن الناس، فكنت أسرع المشي خلفه وهو يمشي على تؤدة ولا أدركه.
فلما حصل بحيث لا يراه أحد غيري وقف، والتفت إلي فقال (عليه السلام) هات ما معك. فناولته الرقعة فقال من غير أن ينظر إليها: قل له: لا خوف عليك في هذه العلة، ويكون ما لا بد منه بعد ثلاثين سنة.
قال: فوقع علي الدمع حتى لم أطق حراكا، وتركني وانصرف.
قال أبو القاسم فحضر فأعلمني بهذه الجملة قال: فلما كان سنة ثلاثين اعتل أبو القاسم، فأخذ ينظر في أمره بتحصيل جهاز قبره، وكتب وصيته، فاستعمل الجد في ذلك، فقيل له ما هذا الخوف، ونرجو أن يتفضل الله بالسلامة؟ فما عليك مما تخافه فقال هذه السنة التي خوفت فيها فمات في علته ومضى (ره).
إبراهيم: أنجاه الله تعالى من النار، قال (عزَّ وجلَّ) في كتابه الكريم: ﴿قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم﴾(510).
القائم: يظهر مثل ذلك بكرامته.
- ففي بعض الكتب عن محمد بن زيد الكوفي عن الصادق (عليه السلام) قال: يأتي إلى القائم (عليه السلام) حين يظهر رجل من أصفهان ويطلب منه معجزة إبراهيم خليل الرحمن فيأمر (عليه السلام) أن توقد نار عظيمة ويقرأ قوله تعالى: ﴿فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون﴾ ثم يدخل في النار ثم يخرج منها سالما فينكر الرجل لعنة الله تعالى عليه ويقول: هذا سحر.
فيأمر القائم (عليه السلام) النار فتأخذه وتحرقه فيحترق، ويقول هذا جزاء من أنكر صاحب الزمان وحجة الرحمن صلوات الله وسلامه عليه.
إبراهيم: دعى الناس إلى الله لقوله تعالى ﴿وأذن في الناس بالحج﴾(511).
- وفي البرهان(512) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن إبراهيم أذن في الناس بالحج، فقال: أيها الناس إني إبراهيم خليل الله إن الله أمركم أن تحجوا هذا البيت فحجوه فأجابه من يحج إلى يوم القيامة.
القائم (عليه السلام): يدعو الناس إلى الله وقد مر ما يدل على ذلك في حرف الدال وفي أول حرف الكاف ويأتي ما يدل عليه إن شاء الله تعالى.
باب شباهته بإسماعيل (عليهما السلام)
إسماعيل: بشر الله تعالى بولادته قال (عزَّ وجلَّ) ﴿فبشرناه بغلام حليم﴾.
القائم (عليه السلام): بشر الله تعالى بولادته وبقيامه وقد مر ما يدل على ذلك في الباب الثالث وبشر بذلك أيضا رسول الله والأئمة الأطهار (عليهم السلام).
- ويدل عليه ما في تبصرة الولي والبحار(513) عن إسماعيل بن علي النوبختي (ره) قال:
دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) في المرضة التي مات فيها فأنا عنده إذ قال (عليه السلام) لخادمه عقيد وكان الخادم أسود نوبيا قد خدم من قبله علي بن محمد (عليه السلام)، وهو ربي الحسن (عليه السلام) فقال له يا عقيد اغل لي ماء بالمصطكي فأغلى له ثم جاءت به صيقل الجارية أم الخلف (عليه السلام) فلما صار القدح في يده، وهم بشربه فجعلت يده ترتعد، حتى ضرب القدح ثنايا الحسن (عليه السلام) فتركه من يده وقال (عليه السلام) لعقيد: أدخل البيت فإنك ترى صبيا ساجدا فائتني به.
قال أبو سهل: قال عقيد: فدخلت أتحرى فإذا أنا بصبي ساجد رافع سبابته نحو السماء فسلمت عليه فأوجز في صلاته فقلت: إن سيدي يأمرك بالخروج إليه إذ جاءت أمه صيقل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن (عليه السلام).
قال أبو سهل: فلما مثل الصبي بين يديه سلم وإذا هو دري اللون وفي شعر رأسه قطط مفلج الأسنان فلما رآه الحسن (عليه السلام) بكى وقال: يا سيد أهل بيته اسقني الماء فإني ذاهب إلى ربي وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده ثم حرك شفتيه ثم سقاه، فلما شربه قال:
هيئوني للصلاة فطرح في حجره منديل، فوضأه الصبي واحدة واحدة، ومسح على رأسه وقدميه فقال له أبو محمد (عليه السلام): أبشر يا بني فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجة الله في أرضه، وأنت ولدي ووصيي وأنا ولدتك، وأنت م ح م د بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت خاتم الأئمة الطاهرين، وبشر بك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسماك وكناك، بذلك عهد إلي أبي عن آبائك الطاهرين صلى الله على أهل البيت، ربنا إنه حميد مجيد. ومات الحسن بن علي من وقته صلوات الله عليهم أجمعين.
أقول: كانت وفاته بالسم في ثامن شهر ربيع الأول من سنة ستين ومأتين وكان عمره ثمانية وعشرين سنة صلوات الله عليه.
إسماعيل (عليه السلام): انفجر له من الأرض عين زمزم.
القائم (عليه السلام): ينفجر له من الحجر الصلب كما يأتي في شباهته بموسى، وقد نبع له من الأرض مرارا.
- منها ما في البحار(514) عن كتاب تنبيه الخواطر حدثني السيد الأجل علي بن إبراهيم العريضي العلوي الحسيني، عن علي بن علي بن نما قال: حدثنا الحسن بن علي بن حمزة الأقساسي، في دار الشريف علي بن جعفر بن علي المدائني العلوي، قال كان بالكوفة شيخ قصار، وكان موسوما بالزهد، منخرطا في سلك السياحة متبتلا للعبادة، مقتفيا للآثار الصالحة. فاتفق يوما أنني كنت بمجلس والدي، وكان هذا الشيخ يحدثه وهو مقبل عليه قال: كنت ذات ليلة بمسجد جعفي وهو مسجد قديم في ظاهر الكوفة وقد انتصف الليل وأنا بمفردي فيه للخلوة والعبادة إذ أقبل علي ثلاثة أشخاص فدخلوا المسجد فلما توسطوا صرحته جلس أحدهم، ثم مسح الأرض بيده يمنة ويسرة، وخضخض الماء ونبع، فأسبغ الوضوء منه.
ثم أشار إلى الشخصين الآخرين بإسباغ الوضوء، فتوضآ ثم تقدم فصلى بهما إماما، فصليت معهم مؤتما به، فلما سلم وقضى صلاته، بهرني حاله، واستعظمت فعله، من انباع الماء، فسألت الشخص الذي كان منهما على يميني عن الرجل، فقلت له من هذا؟ فقال لي:
هذا صاحب الأمر، ولد الحسن (عليه السلام)، فدنوت منه وقبلت يديه، وقلت له: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله):
ما تقول في الشريف عمر بن حمزة هل هو على الحق؟ فقال: لا. وربما اهتدى، ألا إنه لا يموت حتى يراني. فاستطرفنا هذا الحديث.
فمضت برهة طويلة فتوفي الشريف عمر، ولم يسمع أنه لقيه (عليه السلام) فلما اجتمعت بالشيخ الزاهد (ابن بادية) أذكرته بالحكاية التي كان ذكرها، وقلت له مثل الراد عله: أليس كنت ذكرت أن هذا الشريف لا يموت حتى يرى صاحب الأمر الذي أشرت إليه؟ فقال لي: ومن أين علمت أنه لم يره.
ثم إنني اجتمعت فيما بعد بالشريف أبي المناقب ولد الشريف عمر بن حمزة، وتفاوضنا أحاديث والده، فقال: إنا كنا ذات ليلة في آخر الليل عند والدي، وهو في مرضه الذي مات فيه، وقد سقطت قوته، وخفت صوته، والأبواب مغلقة علينا، إذ دخل علينا شخص هبناه، واستطرفنا دخوله، وذهلنا عن سؤاله فجلس إلى جنب والدي، وجعل يحدثه مليا، ووالدي يبكي، ثم نهض، فلما غاب عن أعيننا، تحامل والدي، وقال: أجلسوني، فأجلسناه وفتح عينيه، وقال: أين الشخص الذي كان عندي؟ فقلنا: خرج من حيث أتى فقال: اطلبوه، فذهبنا في أثره فوجدنا الأبواب مغلقة، ولم نجد له أثرا فعدنا إليه فأخبرناه بحاله، وأنا لم نجده، وسألناه عنه فقال: هذا صاحب الأمر. ثم عاد إلى ثقله في المرض، وأغمي عليه.
أقول: قد مر ما يناسب هذا المقام في حرف الظاء المعجمة فراجع.
إسماعيل: كان يرعى الأغنام.
- القائم (عليه السلام) في حديث المفضل(515) عن الصادق (عليه السلام): ووالله يا مفضل، كأني أنظر إليه دخل مكة، وعليه بردة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعلى رأسه عمامة صفراء، وفي رجليه نعلا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، المخصوفة، وفي يده هراوته، يسوق بين يديه عنازا عجافا، حتى يصل بها نحو البيت، ليس ثم أحد يعرفه، ويظهر وهو شاب، الخبر.
إسماعيل (عليه السلام): سلم لأمر الله (عزَّ وجلَّ)، وقال: ﴿يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين﴾ القائم (عليه السلام) سلم لأمر الله (عزَّ وجلَّ).
باب شباهته بإسحاق (عليهما السلام)
إسحاق (عليه السلام): بشر الله تعالى بولادته بعد يأس سارة من ذلك قال (عزَّ وجلَّ)(516): ﴿وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب﴾.
القائم (عليه السلام): بشر بولادته بعد يأس الناس من ذلك.
- ففي الخرائج(517) عن عيسى بن الشيخ(518) قال: دخل الحسن العسكري (عليه السلام) علينا الحبس، وكنت به عارفا، فقال لي: لك خمس وستون سنة وشهر ويومان، وكان معي كتاب دعاء وعليه تاريخ مولدي، وأني نظرت فيه فكان كما قال. ثم قال: هل رزقت من ولد! قلت:
لا قال: اللهم أرزقه ولدا يكون له عضدا فنعم العضد الولد ثم تمثل وقال:
من كان ذا عضد يدرك ظلامته * إن الذليل الذي ليست له عضد
فقلت له: ألك ولد؟ قال (عليه السلام): أي والله. سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطا وعدلا فأما الآن فلا. ثم تمثل (عليه السلام) وقال:
لعلك يوما أن تراني كأنما * بني حوالي الأسود اللوابد
فإن تميما قبل أن يلد الحصى * أقام زمانا وهو في الناس واحد
باب شباهته بلوط (عليهما السلام)
لوط (عليه السلام) تنزل الملائكة لنصرته وقد مر ما يدل على ذلك.
- وفي خبر(519) جارية أبي محمد (عليه السلام): لما ولد السيد - تعني الحجة (عليه السلام) - رأت له نورا ساطعا، قد ظهر منه، وبلغ أفق السماء، ورأت طيورا بيضا تهبط من السماء، وتمسح أجنحتها على رأسه، ووجهه، وسائر جسده، ثم تطير فأخبرنا أبا محمد (عليه السلام) بذلك، فضحك، ثم قال:
تلك ملائكة السماء، نزلت لتتبرك به. وهي أنصاره إذا خرج، هذا وقد مر في قوة [أبدان] المؤمنين ما يناسب المقام.
لوط (عليه السلام) خرج عن بلاد الفاسقين، القائم خرج عن بلاد الفاسقين.
باب شباهته بيعقوب (عليهما السلام)
يعقوب (عليه السلام): النبي (عليه السلام) جمع الله شمله بعد زمان طويل.
القائم (عليه السلام) يجمع الله شمله بعد زمان أطول من زمن يعقوب.
يعقوب (عليه السلام) بكى ليوسف حتى ﴿ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم﴾.
القائم (عليه السلام) بكى لجده الحسين (عليه السلام).
- فقال في زيارة الناحية(520) ولأبكين عليك بدل الدموع دما.
يعقوب (عليه السلام) كان ينتظر الفرج، ويقول ﴿لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون﴾.
القائم (عليه السلام) ينتظر الفرج كما تشهد به الروايات.
باب شباهته بيوسف (عليهما السلام)
يوسف: كان أجمل أهل زمانه.
القائم (عليه السلام): أجمل أهل زمانه وقد مر ما يدل عليه في جماله.
يوسف: غاب زمانا طويلا ﴿فدخل عليه إخوته فعرفهم وهم له منكرون﴾.
القائم (عليه السلام): غاب عن الخلق، وهو مع ذلك يسير فيهم ويعرفهم ولا يعرفونه وقد مر ما يدل على ذلك في حرف الغين المعجمة.
يوسف: أصلح الله تعالى أمره في ليلة واحدة، حيث رأى فيها ملك مصر في المنام ما رأى.
القائم (عليه السلام): يصلح الله تعالى أمره في ليلة واحدة فيجمع له فيها أعوانه من أقاصي البلاد.
- روى الصدوق (ره) في كمال الدين(521) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن صاحب هذا الأمر فيه شبه(522) من يوسف (عليه السلام) يصلح الله (عزَّ وجلَّ) أمره في ليلة واحدة.
- وعن النبي (صلى الله عليه وآله)(523) قال: المهدي منا أهل البيت، يصلح الله له أمره في ليلة.
يوسف: ابتلي بالسجن قال: ﴿رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه﴾.
القائم (عليه السلام) مر في حديث أبي جعفر (عليه السلام) أنه(524) قال: في صاحب هذا الأمر سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله)، إلى أن قال: وأما من يوسف فالسجن والغيبة.
أقول: اعتبر أيها المحب الموالي، وتأمل في عظمة مصيبة مولاك، وشدة محنته، كيف صارت الدنيا بسعتها، والأرض برحبها سجنا له، بحيث لا يأمن أن يظهر لجور المعاندين، ومعاندتهم إياه نسأل الله تعالى أن يعجل فرجه، ويسهل مخرجه.
يوسف (عليه السلام) لبث في السجن بضع سنين.
القائم (عليه السلام): ليت شعري كم يلبث في السجن ولا يخرج.
يوسف غاب عن خاصته وعامته واختفى عن إخوته، وأشكل أمره على أبيه يعقوب، مع قرب المسافة بينه وبين أهله وشيعته. كما في الحديث.
- القائم (عليه السلام) في حديث آخر في كمال الدين(525) عن الباقر (عليه السلام) في بيان شباهته بجمع من الأنبياء قال (عليه السلام) وأما شبهه من يوسف بن يعقوب (عليه السلام) فالغيبة من خاصته وعامته واختفاؤه من إخوته وإشكال أمره على أبيه يعقوب النبي (عليه السلام) مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته، الخبر.
أقول: الأخبار الدالة على كونه (عليه السلام) معنا، واطلاعه علينا كثيرة، ولعلنا نذكر بعضها في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
شباهته بالخضر (عليهما السلام)
الخضر (عليه السلام) طول الله (عزَّ وجلَّ) عمره، وهذا ثابت عند الفريقين، ويدل عليه أخبار كثيرة.
- منها ما في البحار(526) عن المناقب عن داود الرقي، قالا: قال: خرج أخوان لي يريدان المزار، فعطش أحدهما عطشا شديدا، حتى سقط من الحمار وسقط الآخر في يده، فقام فصلى، ودعا الله ومحمدا (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام)، كان يدعو واحدا بعد واحد حتى بلغ إلى آخرهم جعفر بن محمد (عليه السلام) فلم يزل يدعوه ويلوذ به، فإذا هو برجل قد قام عليه، وهو يقول يا هذا ما قصتك؟ فذكر له حاله، فناوله قطعة عود، وقال: ضع هذا بين شفتيه ففعل ذلك فإذا هو قد فتح عينيه، واستوى جالسا، ولا عطش به فمضى حتى زار القبر.
فلما انصرفا إلى الكوفة، أتى صاحب الدعاء المدينة، فدخل على الصادق (عليه السلام) فقال له اجلس ما حال أخيك؟ أين العود؟ فقال يا سيدي إني لما أصبت بأخي اغتممت غما شديدا فلما رد الله عليه روحه نسيت العود من الفرح فقال الصادق (عليه السلام): أما إنه ساعة صرت إلى غم أخيك أتاني أخي الخضر، فبعثت إليك على يديه قطعة عود من شجرة طوبى ثم التفت إلى خادم له فقال: علي بالسفط فأتي به ففتحه، وأخرج منه قطعة العود بعينها، ثم أراها إياه حتى عرفها، ثم ردها إلى السفط.
القائم (عليه السلام) طول الله عمره، بل يظهر من بعض الأحاديث، أن الحكمة في تطويل عمر الخضر (عليه السلام) أن يكون دليلا على طول عمر القائم (عليه السلام).
- روى الصدوق (ره) في كمال الدين(527) في حديث طويل نذكره في الباب الثامن إن شاء الله تعالى عن الصادق (عليه السلام) أنه قال وأما العبد الصالح الخضر، فإن الله تبارك وتعالى ما طول عمره لنبوة قدرها له ولا لكتاب ينزله عليه ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها ولا لطاعة يفرضها له، بلى، إن الله تبارك وتعالى لما كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم ما يقدر من عمر الخضر وما قدر في أيام غيبته ما قدر وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طول عمر العبد الصالح من غير سبب يوجب ذلك إلا لعلة الاستدلال به على عمر القائم (عليه السلام) وليقطع بذلك حجة المعاندين لئلا يكون للناس على الله حجة.
- وفي كمال الدين(528) أيضا عن الرضا (عليه السلام) قال: إن الخضر (عليه السلام) شرب من ماء الحياة فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور وإنه ليأتينا فيسلم علينا، فيسمع صوته ولا يرى شخصه، وإنه ليحضر حيث ما ذكر، فمن ذكره منكم فليسلم عليه، وإنه ليحضر الموسم كل سنة، فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة، فيؤمن على دعاء المؤمنين وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته.
الخضر (عليه السلام) اسمه بليا وقيل غير ذلك سمي خضرا لأنه كان لا يجلس على خشبة يابسة إلا اخضرت كما عن الصدوق (ره) وقيل لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله وقيل(529) لأنه كان في أرض بيضاء فإذا هي تهتز خضراء من خلفه، وفي لفظه ثلاث لغات فتح الخاء وكسرها مع سكون الضاد وفتح الخاء مع كسر الضاد.
- القائم (عليه السلام) روى في النجم الثاقب(530) أنه لا ينزل بأرض إلا اخضرت واعشوشبت، ونبع منها الماء فإذا ارتحل غار الماء وصارت الأرض كما كانت.
أقول: لهذا الخبر شواهد أخر يطول ذكرها في هذا المختصر.
الخضر (عليه السلام) أعطاه الله تعالى من القوة أنه يتصور كيف شاء - رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادق (عليه السلام)(531).
القائم (عليه السلام): أعطاء الله تعالى ذلك والروايات والحكايات الدالة على ذلك كثيرة ذكرنا بعضها في هذا الكتاب والله الموفق للصواب.
الخضر (عليه السلام): كان مأمورا بعلم الباطن ولهذا قال لموسى: ﴿إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا﴾.
القائم (عليه السلام): أيضا مأمور بعلم الباطن وقد مر ما يدل على ذلك في حكمه وعلمه.
الخضر (عليه السلام): لم يتبين وجه أفعاله إلا بعد كشفه لذلك.
القائم (عليه السلام) لا يتبين وجه غيبته كما ينبغي إلا بعد ظهوره وكشفه لذلك كما مر ذلك مرويا في تنبيهات الغيبة من الغين المعجمة.
الخضر (عليه السلام): يحضر الموسم كل سنة فيقضي مناسك الحج كما عرفت.
القائم (عليه السلام): يحضر الموسم كل سنة فيقضي مناسك الحج، وقد سبق ما يدل على ذلك في حجه، في الحاء المهملة ويعجبني هنا نقل رواية لطيفة وحكاية شريفة فيها فوائد عظيمة وموائد جسيمة.
- روى الشيخ الصدوق (ره) في كمال الدين(532) بإسناده عن أبي نعيم الأنصاري ورواه الفاضل المجلسي (ره) في البحار(533) عن كتاب الغيبة للشيخ الأجل محمد بن الحسن الطوسي (ره) بإسناده عن أبي نعيم أحمد بن محمد الأنصاري قال كنت حاضرا عند المستجار بمكة وجماعة زهاء ثلاثين رجلا لم يكن منهم مخلص غير محمد بن القاسم العلوي فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ومائتين إذ خرج علينا شاب من الطواف عليه إزاران محرم بهما وفي يده نعلان فلما رأيناه قمنا جميعا هيبة له ولم يبق منا أحد إلا قام فسلم علينا وجلس متوسطا ونحن حوله.
ثم التفت يمينا وشمالا ثم قال: أتدرون ما كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول في دعاء الإلحاح؟
قلنا وما كان يقول؟ قال (عليه السلام) كان يقول: " اللهم إني أسألك باسمك الذي تقوم به السماء وبه تقوم الأرض وبه تفرق بين الحق والباطل وبه تجمع بين المتفرق وبه تفرق بين المجتمع وبه أحصيت عدد الرمال وزنة الجبال وكيل البحار أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل لي من أمري فرجا ومخرجا ".
ثم نهض ودخل الطواف فقمنا لقيامه حتى انصرف ونسينا أن نذكر أمره وأن نقول من هو؟ وأي شيء هو؟ إلى الغد في ذلك الوقت فخرج علينا من الطواف فقمنا له كقيامنا بالأمس وجلس في مجلسه متوسطا فنظر يمينا وشمالا وقال: أتدرون ما كان يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد صلاة الفريضة؟ فقلنا وما كان يقول؟ قال (عليه السلام): كان يقول " اللهم إليك رفعت الأصوات، ودعيت الدعوات، ولك خضعت الرقاب، وإليك التحاكم في الأعمال، يا خير من سئل، ويا خير من أعطى، يا صادق يا بارئ يا من لا يخلف الميعاد يا من أمر بالدعاء وتكفل بالإجابة يا من قال(534): ﴿ادعوني أستجب لكم﴾ يا من قال(535): ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون﴾.
يا من قال(536): ﴿يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم﴾ لبيك وسعديك ها أنا ذا بين يديك، المسرف وأنت القائل ﴿لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا﴾.
ثم نظر يمينا وشمالا بعد هذا الدعاء فقال (عليه السلام): أتدرون ما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في سجدة الشكر؟ فقلنا وما كان يقول؟ قال: كان يقول: " يا من لا تزيده كثرة العطاء إلا سعة وعطاء، يا من لا يزيده إلحاح الملحين إلا جودا وكرما يا من لا تنفد خزائنه يا من له خزائن السماوات والأرض، يا من له خزائن ما دق وجل لا تمنعك إسائتي من إحسانك، إني أسئلك أن تفعل بي ما أنت أهله، فأنت أهل الجود، والكرم والعفو والتجاوز يا رب يا الله لا تفعل بي الذي أنا أهله فإني أهل العقوبة وقد استحققتها لا حجة لي ولا عذر لي عندك أبوء لك بذنوبي كلها وأعترف بها كي تعفو عني وأنت أعلم بها مني بؤت(537) إليك بكل ذنب أذنبته وبكل خطيئة أخطأتها وبكل سيئة عملتها يا رب اغفر لي وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم ".
وقام فدخل الطواف فقمنا لقيامه وعاد من الغد في ذلك الوقت فقمنا لإقباله كفعلنا فيما مضى فجلس متوسطا ونظر يمينا وشمالا فقال كان علي بن الحسين سيد العابدين (عليه السلام) يقول في سجوده في هذا الموضع - وأشار بيده إلى الحجر تحت الميزاب - (عبيدك بفنائك مسكينك بفنائك فقيرك بفنائك سائلك بفنائك يسألك ما لا يقدر عليه غيرك(538).
ثم نظر يمينا وشمالا ونظر إلى محمد بن القاسم العلوي من بيننا فقال يا محمد بن القاسم أنت على خير إن شاء الله وكان محمد بن القاسم يقول بهذا الأمر ثم قام فدخل الطواف فما بقي منا أحد إلا وقد ألهم ما ذكره من الدعاء وأنسينا أن نتذاكر أمره إلا في آخر يوم.
فقال لنا أبو علي المحمودي: يا قوم أتعرفون هذا؟ هذا والله صاحب زمانكم فقلنا: وكيف علمت يا أبا علي؟ فذكر أنه مكث سبع سنين يدعو ربه ويسأله معاينة صاحب الزمان (عليه السلام).
قال فبينا نحن يوما عشية عرفة وإذا بالرجل بعينه يدعو بدعاء وعيته فسألته ممن هو؟
فقال (عليه السلام): من الناس قلت: من أي الناس؟ قال: من عربها، قلت: من أي عربها؟ قال: من أشرفها قلت ومن هم؟ قال: بنو هاشم قلت من أي بني هاشم؟ قال: من أعلاها ذروة وأسناها رفعة قلت ممن؟ قال ممن فلق الهام: وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام.
قال فعلمت أنه علوي فأحببته على العلوية ثم افتقدته بين يدي فلم أدر كيف مضى في السماء أم في الأرض؟ فسألت القوم الذين كانوا حوله أتعرفون هذا العلوي فقالوا نعم، يحج معنا في كل سنة ماشيا فقلت: سبحان الله والله ما أرى به أثر مشي.
قال فانصرفت إلى المزدلفة كئيبا حزينا على فراقه ونمت في ليلتي تلك فإذا أنا برسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد رأيت طلبتك؟ فقلت: ومن ذاك يا سيدي؟ فقال (صلى الله عليه وآله): الذي رأيته في عشيتك هو صاحب زمانك، قال: فلما سمعنا ذلك منه عاتبناه عليه أن لا يكون أعلمنا ذلك فذكر أنه كان ناسيا أمره إلى وقت ما حدثنا به.
أقول: كان بين رواية الشيخ الصدوق في كمال الدين، وبين ما ذكره الفاضل المجلسي في البحار، نقلا عن غيبة الشيخ الطوسي، اختلاف يسير في بعض الألفاظ، بحيث لا يغير المعنى، فجمعت بين الروايتين. والله الموفق.
باب شباهته بإلياس النبي (عليهما السلام)
إلياس طول الله عمره كالخضر (عليه السلام) - القائم (عليه السلام) طول الله تعالى عمره.
إلياس يحج كل سنة كالخضر (عليه السلام) ويلتقيان.
- يدل عليه ما في تفسير العسكري (عليه السلام) (1) أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لزيد بن أرقم: إن أردت أن لا يصيبك شرهم، ولا ينالك مكرهم، (يعني المنافقين والكافرين) فقل إذا أصبحت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن الله يقيك من شرهم، فإنما هم شياطين ﴿يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا﴾.
وإذا أردت أن يؤمنك بعد ذلك من الغرق والحرق والسرق فقل إذا أصبحت: " بسم الله ما شاء الله، ما يكون من نعمة فمن الله، بسم الله ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، بسم الله ما شاء الله، وصلى الله على محمد وآله الطيبين) فإن من قالها ثلاثا إذا أصبح أمن من الغرق والحرق والسرق، حتى يمسي، ومن قالها ثلاثا إذا أمسى أمن من الحرق والغرق والسرق حتى يصبح.
وإن الخضر وإلياس (عليهما السلام) يلتقيان في كل موسم فإذا تفرقا، تفرقا عن هذه الكلمات، وإن ذلك شعار شيعتي، وبه يمتاز أعدائي من أوليائي يوم خروج قائمهم.
القائم (عليه السلام) يحج كل سنة وقد مر ما يدل عليه في حرف الحاء، وفي شباهته بالخضر (عليه السلام).
ويأتي في الباب الخامس ما يدل عليه (2) إن شاء الله تعالى.
١ - تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): 5.
2 - في بيان أن من المكارم التي تحصل بالدعاء له التأسي به وقد رآه العمري عند بيت الله الحرام وهو يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني، ويؤيده أيضا ما رواه في كمال الدين بإسناده عن عبيد بن زرارة قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يفقد الناس إمامهم فيشهد الموسم فيراهم ولا يرونه (لمؤلفه).
إلياس (عليه السلام) هرب من قومه وغاب عنهم خوفا لما أرادوا قتله.
القائم (عليه السلام) هرب من قومه وغاب عنهم خوفا لما أرادوا قتله.
إلياس (عليه السلام) غاب سبع سنين.
القائم (عليه السلام) ما أدري إلى متى تطول غيبته.
إلياس (عليه السلام) سكن في جبل وعر.
- القائم (عليه السلام) قال - في حديث علي بن مهزيار الأهوازي المروي في الكمال والبحار وتبصرة الولي(539) وغيرها -: أبي أبو محمد (عليه السلام) عهد إلي أن لا أجاور ﴿قوما غضب الله عليهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم﴾ وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلا وعرها، ومن البلاد إلا قفرها، والله مولاكم أظهر التقية، فوكلها بي، فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي، فأخرج.
فقلت يا سيدي، متى يكون هذا الأمر؟ فقال (عليه السلام) إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع الشمس والقمر، واستدار بهما الكواكب والنجوم، الخبر.
إلياس (عليه السلام) أحيى الله تعالى بدعائه يونس النبي(540) وهو صبي، بعد أربعة عشر يوما من موته، كما في الحديث.
القائم (عليه السلام) يحيي الله تعالى ببركته ودعائه أمواتا بعد انقضاء سنين كثيرة من موتهم، منهم أصحاب الكهف، ومنهم خمسة وعشرون من قوم موسى، الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، ومنهم يوشع وصي موسى، ومنهم مؤمن آل فرعون ومنهم سلمان الفارسي - ومنهم أبو دجانة الأنصاري، ومنهم مالك الأشتر رواه في البحار وغيره(541) عن الصادق (عليه السلام).
ويأتي ما يدل عليه في حرف النون إن شاء الله، ومن أنصاره أيضا إلياس النبي كما في الرواية أيضا عن الصادق (عليه السلام)، ويأتي إن شاء الله.
إلياس (عليه السلام) رفعه الله تعالى إلى السماء، كما روي عن ابن عباس.
القائم (عليه السلام) رفعه الله إلى السماء، كما مر في شباهته بإدريس.
إلياس (عليه السلام) قيل: إنه يغيث الملهوفين، المضطرين، الضالين في البراري والفيافي، ويهديهم، والخضر يعينهم ويرشدهم، في جزائر البحار، نقله المجلسي رضي الله عنه في حياة القلوب.
القائم (عليه السلام) يغيث الملهوفين، ويهدي الضالين، ويجيب المضطرين، في البر والبحر، بل في الأرض والسماء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
إلياس (عليه السلام) نزلت له المائدة من السماء بإذن الله تعالى.
- يدل عليه ما في تفسير البرهان وغيره(542) عن أنس أن النبي (صلى الله عليه وآله)، سمع صوتا من قلة جبل: اللهم اجعلني من الأمة المرحومة المغفورة. فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا بشيخ أشيب قامته ثلاثمائة ذراع - فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عانقه، ثم قال: إنني آكل في سنة مرة واحدة وهذا أوانه، فإذا هو بمائدة أنزلت من السماء، فأكلا وكان إلياس (عليه السلام).
- القائم (عليه السلام) نزلت بأمره ولأجله المائدة من السماء، ونكتفي في هذا المقام بذكر واقعة شريفة، ذكرها المجلسي(543) وغيره نقلا عن أبي محمد عيسى بن مهدي الجوهري، قال خرجت في سنة ثمان وستين ومأتين إلى الحج، وكان قصدي المدينة، حيث صح عندنا أن صاحب الزمان (عليه السلام) قد ظهر فاعتللت، وقد خرجنا من فيد(544) فتعلقت نفسي بشهوة السمك والتمر واللبن فلما وردت المدينة ولقيت بها إخواننا بشروني بظهوره بصابر.
فصرت إلى صابر، فلما أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافا، فدخلت القصر، فوقفت أرقب الأمر، إلى أن صليت العشائين، وأنا أدعو وأتضرع وأسأل، فإذا أنا ببدر الخادم يصيح بي: يا عيسى بن مهدي الجوهري أدخل، فكبرت وهللت، وأكثرت من حمد الله (عزَّ وجلَّ)، والثناء عليه.
فلما صرت في صحن القصر، رأيت مائدة منصوبة فمر بي الخادم إليها فأجلسني عليها، وقال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علتك، وأنت خارج من فيد(545) فقلت حسبي بهذا برهانا، فكيف آكل ولم أر سيدي ومولاي فصاح (عليه السلام) يا عيسى كل من طعامك، فإنك تراني.
فجلست على المائدة فنظرت فإذا عليها سمك حار يفور، وتمر إلى جانبه أشبه التمور بتمورنا، وبجانب التمر لبن، فقلت في نفسي: عليل وسمك وتمر ولبن! فصاح (عليه السلام) بي: يا عيسى أتشك في أمرنا، أفأنت أعلم بما ينفعك ويضرك، فبكيت واستغفرت الله تعالى وأكلت من الجميع وكلما رفعت يدي منه لم يتبين موضعها فيه، فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا فأكلت منه كثيرا، حتى استحييت فصاح (عليه السلام) بي: لا تستحيي يا عيسى، فإنه من طعام الجنة، لم تصنعه يد مخلوق، فأكلت فرأيت نفسي لا ينتهي عنه من أكله.
فقلت يا مولاي حسبي، فصاح بي: أقبل إلي فقلت في نفسي آتي مولاي ولم أغسل يدي، فصاح بي: يا عيسى وهل لما أكلت غمر؟ فشممت يدي، وإذا هي أعطر من المسك والكافور فدنوت منه فبدا لي نور غشي بصري ورهبت حتى ظننت أن عقلي قد اختلط.
فقال لي يا عيسى ما كان لك أن تراني لولا المكذبون القائلون بأين هو ومتى كان وأين ولد ومن رآه وما الذي خرج إليكم منه؟ وبأي شيء نبأكم؟ وأي معجز أتاكم أما والله لقد دفعوا أمير المؤمنين مع ما رووه وقدموا عليه، وكادوه وقتلوه وكذلك آبائي ولم يصدقوهم، ونسبوهم إلى السحر، وخدمة الجن إلى ما تبين.
يا عيسى فخبر أولياءنا ما رأيت، وإياك أن تخبر عدونا فتسلبه فقلت يا مولاي ادع لي بالثبات فقال (عليه السلام) لو لم يثبتك الله ما رأيتني، وامض بنجحك راشدا فخرجت أكثر حمدا لله وشكرا.
باب شباهته بذي القرنين (عليهما السلام)
ذو القرنين(546) لم يكن نبيا ولكنه دعا إلى الله تعالى وأمر بتقوى الله جل شأنه.
ذو القرنين كان حجة على الناس، القائم حجة على جميع أهل العالم.
ذو القرنين رفعه الله تعالى إلى السماء الدنيا فكشط له عن الأرض كلها جبالها وسهولها وفجاجها حتى أبصر ما بين المشرق والمغرب وآتاه الله من كل شيء علما يعرف به الحق والباطل، وأيده في قرنيه بكسف من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق، ثم أهبط إلى الأرض، وأوحي إليه: أن سر في ناحية غرب الأرض وشرقها الخ رواه الفاضل المجلسي (ره) في خامس البحار(547) في حديث طويل عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
القائم (عليه السلام) رفعه الله تعالى إلى ما فوق السماء ثم أهبط إلى الأرض كما مر. ذو القرنين غاب عن قومه غيبة طويلة القائم (عليه السلام) غاب عن قومه غيبة طويلة.
وفي حديث أحمد بن إسحاق عن العسكري (عليه السلام) قال أحمد: فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ قال (عليه السلام): طول الغيبة يا أحمد، الخبر وقد مر بطوله في غيبته(548) من حرف الغين المعجمة.
ذو القرنين بلغ مغرب الشمس ومطلعها، كما نطق به القرآن الكريم.
- القائم (عليه السلام) كذلك ففي كمال الدين(549) بإسناده عن جابر الأنصاري قال: سمعت رسول الله (عليه السلام) يقول: إن ذا القرنين كان عبدا صالحا جعله الله (عزَّ وجلَّ) حجة على عباده فدعى قومه إلى الله وأمرهم بتقواه فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا، حتى قيل مات أو هلك بأي واد سلك؟ ثم ظهر ورجع إلى قومه، فضربوه على قرنه الآخر، وفيكم من هو على سنته وإن الله (عزَّ وجلَّ) مكن لذي القرنين في الأرض وجعل له من كل شيء سببا وبلغ المغرب والمشرق وإن الله (عزَّ وجلَّ) سيجري سنته في القائم من ولدي، فيبلغه شرق الأرض وغربها حتى لا يبقي منهلا ولا موضعا منها من سهل أو جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه، ويظهر الله (عزَّ وجلَّ) له كنوز الأرض، ومعادنها، وينصره بالرعب ويملأ الأرض به عدلا وقسطا، كما ملئت جورا وظلما.
ذو القرنين (عليه السلام) ملك ما بين المشرق والمغرب. القائم (عليه السلام) يملك ما بين المشرق والمغرب.
ذو القرنين (عليه السلام) لم يكن نبيا، كما في الحديث لكن أوحى إليه.
القائم (عليه السلام) ليس نبيا لكنه يوحى إليه كما في الحديث.
ذو القرنين (عليه السلام) ركب السحاب.
- القائم (عليه السلام) يركب السحاب ويدل على ما ذكرنا ما رواه الصفار والفاضل المجلسي (ره) في البحار(550) عن البصائر والاختصاص(551) بإسنادهما عن عبد الرحيم عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: أما إن ذا القرنين قد خير السحابين فاختار الذلول وذخر لصاحبكم الصعب. قال الراوي:
قلت: وما الصعب؟ قال ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه - أما إنه سيركب السحاب، ويرقى في الأسباب: أسباب السماوات السبع، والأرضين السبع، خمس عوامر واثنتان خرابان.
وفي بصائر الدرجات(552) بإسناده عن سورة عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله.
- وبإسنادهما عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله خير ذا القرنين السحابين الذلول والصعب فاختار الذلول وهو ما ليس فيه برق ولا رعد، ولو اختار الصعب لم يكن له ذلك لأن الله ادخره للقائم (عليه السلام)(553).
باب شباهته بشعيب النبي (عليهما السلام)
- شعيب (عليه السلام) دعا قومه إلى الله، حتى كبر سنه، ودق عظمه، ثم غاب عنهم ما شاء الله، ثم عاد إليهم شابا.
- رواه الفاضل المجلسي (ره) في خامس البحار(554) عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
القائم (عليه السلام) يظهر مع طول عمره في صورة شاب له دون أربعين سنة، وقد مر ما يدل على ذلك.
- وفي البحار(555) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " ليس صاحب هذا الأمر من جاز أربعين " وفي معناه أخبار عديدة.
- شعيب (عليه السلام) في النبوي(556) أنه بكى من حب الله حتى عمي، فرد الله (عزَّ وجلَّ) عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره، ثم بكى حتى عمي، فرد الله عليه بصره الخ.
القائم (عليه السلام) في زيارة الناحية: ولأبكين عليك بدل الدموع دما.
شعيب (عليه السلام) نادى في قومه: ﴿بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين﴾.
- القائم (عليه السلام) في كمال الدين(557) عن أبي جعفر (عليه السلام): إن القائم (عليه السلام) إذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، فأول ما ينطق به هذه الآية ﴿بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين﴾ ثم يقول: أنا بقية الله وحجته، وخليفته عليكم، فلا يسلم عليه مسلم إلا قال: السلام عليك يا بقية الله في أرضه. فإذا اجتمع له العقد، وهو عشرة آلاف رجل، خرج فلا يبقى في الأرض معبود دون الله (عزَّ وجلَّ) من صنم ووثن وغيره، إلا وقعت فيه نار فاحترق وذلك بعد غيبة طويلة، ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به.
شعيب (عليه السلام) احترق مكذبوه بنار خرجت من السحابة التي أظلتهم قال الله (عزَّ وجلَّ):
﴿فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم﴾.
القائم (عليه السلام) سيحرق الأوثان وجميع ما يعبد من دون الرحمن في زمان ظهوره بالنار كما عرفت آنفا في الحديث.
باب شباهته بموسى (عليهما السلام)
موسى (عليه السلام) اختفى الحمل به. القائم (عليه السلام) اختفى الحمل به.
موسى (عليه السلام) أخفى الله ولادته. القائم (عليه السلام) أخفى الله تعالى ولادته.
موسى (عليه السلام) غاب عن قومه غيبتين إحداهما أطول من الأخرى، فالأولى غيبته عن مصر والثانية حين ذهب إلى ميقات ربه، ومدة الأولى كانت ثمانية وعشرين سنة.
- كما في رواية الصدوق، في كمال الدين(558) بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول في القائم سنة من موسى بن عمران، فقلت وما سنته من موسى بن عمران؟ قال: خفاء مولده، وغيبته عن قومه فقلت وكم غاب موسى عن أهله؟ قال:
ثمانية وعشرين سنة. إنتهى.
ومدة الثانية أربعين ليلة قال الله ﴿فتم ميقات ربه أربعين ليلة﴾.
القائم غاب عن قومه غيبتين إحداهما أطول من الأخرى كما مر.
موسى (عليه السلام) كلمه الله تعالى فقال: ﴿يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين﴾.
القائم (عليه السلام): كلمه الله تعالى حين رفع إلى سرادق العرش.
- ففي البحار(559) عن أبي محمد العسكري (عليه السلام)، قال: لما وهب لي ربي مهدي هذه الأمة، أرسل ملكين، فحملاه إلى سرادق العرش، حتى أوقفاه بين يدي الله (عزَّ وجلَّ)، فقال:
مرحبا بك عبدي لنصرة ديني وإظهار أمري، ومهدي عبادي آليت أني بك آخذ وبك أعطي وبك أغفر وبك أعذب، الخبر.
موسى: غاب عن قومه وعن غيرهم، خوفا من أعدائه، قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فخرج منها خائفا يترقب﴾ الآية.
القائم (عليه السلام) غاب عن قومه وعن غيرهم، خوفا من أعدائه، كما مر.
موسى على نبينا وآله و(عليه السلام)، وقع قومه في زمان غيبته في غاية التعب والمشقة والذلة، فإن أعداءهم كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم.
القائم (عليه السلام) يقع شيعته ومحبوه في زمان غيبته في غاية التعب والمشقة والذلة ﴿ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين﴾.
- ففي كمال الدين(560) عن أبي جعفر (عليه السلام) في بيان شباهته بجمع من الأنبياء، قال (عليه السلام):
وأما شبهه من موسى (عليه السلام)، فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده مما لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله (عزَّ وجلَّ) في ظهوره، ونصره وأيده على عدوه.
- وفي البحار عن النعماني(561) بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: لا تنفك هذه الشيعة حتى تكون بمنزلة المعز لا يدري الخابس على أيها يضع يده فليس لهم شرف يشرفونه، ولا سناد يستندون إليه في أمورهم.
- وفيه عن أمالي الشيخ(562) عن أمير المؤمنين قال: لتملأن الأرض ظلما وجورا، حتى لا يقول أحد، الله إلا متخفيا ثم يأتي الله بقوم صالحين، يملأونها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
- وفيه(563) في علامات زمان الغيبة عن الصادق (عليه السلام) في حديث طويل ورأيت المؤمن محزونا محتقرا ذليلا، ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلا بقلبه، ورأيت من يحبنا يزور ولا تقبل شهادته، ورأيت السلطان يذل للكافر المؤمن، الخبر وهو طويل.
- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان حال الشيعة في هذا الزمان وطول زمان شدتهم وابتلائهم، قال: والله لا يكون ما تأملون حتى يهلك المبطلون ويضمحل الجاهلون، ويأمن المتقون، وقليل ما يكون، حتى لا يكون لأحدكم موضع قدمه، وحتى تكونوا على الناس أهون من الميتة عند صاحبها... الخبر.
- وفي حديث آخر(564): إن المؤمن يتمنى الموت في ذلك الزمان صباحا ومساء.
والأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا لكن الشدة كل الشدة في زمان خروج السفياني.
- ففي البحار(565) عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي، بإسناده عن عمر بن أبان الكلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كأني بالسفياني أو بصاحب السفياني، قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة، فنادى مناديه من جاء برأس شيعة علي فله ألف درهم، فيثب الجار على جاره، ويقول هذا منهم، فيضرب عنقه، ويأخذ ألف درهم، أما إن إمارتكم يومئذ لا تكون إلا لأولاد البغايا، وكأني أنظر إلى صاحب البرقع، قلت: ومن صاحب البرقع فقال (عليه السلام): رجل منكم، يقول بقولكم، يلبس البرقع، فيحوشكم، فيعرفكم، ولا تعرفونه، فيغمز بكم رجلا رجلا، أما إنه لا يكون إلا ابن بغي.
أقول: خروج السفياني من العلامات المحتومة قبل ظهور القائم عجل الله تعالى فرجه، كما نطقت بذلك روايات كثيرة، وهو من أحفاد بني أمية لعنهم الله تعالى واسمه عثمان بن عيينة.
- وعن الصادق (عليه السلام)(566) قال: إنك لو رأيت السفياني رأيت أخبث الناس أشقر، أحمر أزرق.
- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)(567) قال: يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، وهو رجل ربعة، وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري، الخبر.
وتفصيل هذه الوقائع مذكور في البحار وغيره.
موسى (عليه السلام) لما وقع قومه في التيه وتاهوا، وبقوا فيه كانوا إذا ولد فيهم مولود يكون عليه ثوب يطول عليه بطوله كالجلد. نقله الطبرسي (ره) في مجمع البيان(568).
القائم (عليه السلام) يكون لشيعته نظير ذلك في زمان ظهوره.
- ففي المحجة(569) عن الصادق (عليه السلام) قال: إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها، واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وصار الليل والنهار واحدا، وعاش الرجل في زمانه ألف سنة يولد له في كل سنة غلام لا يولد له جارية يكسوه الثوب فيطول عليه كلما طال، ويكون عليه أي لون شاء.
موسى (عليه السلام) كان بنو إسرائيل ينتظرون قيامه لأنهم أخبروا بأن فرجهم على يده.
القائم (عليه السلام) شيعته ينتظرونه، لأنهم أخبروا بأن فرجهم على يده. وقد مر بعض ما يدل على ذلك في حرف الفاء جعلنا الله تعالى من شيعته، ومنتظريه، والذابين عنه والمحامين له (لمؤلفه):
فيا رب عجل في ظهور إمامنا * * * وهذا دعاء للبرية شامل
موسى (عليه السلام) قال الله تعالى(570): ﴿ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه﴾ الآية.
قال الطبرسي (ره) في مجمع البيان(571) يريد أن قومه اختلفوا فيه، أي في صحة الكتاب الذي أنزل عليه.
القائم (عليه السلام) كذلك يختلف في الكتاب الذي معه وهو ما جمعه أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو القرآن التام المدخر عند الحجة (عليه السلام).
- ويدل على ذلك ما في روضة الكافي(572) بإسناده عن أبي جعفر في قوله تعالى ﴿ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه﴾ قال: اختلفوا فيه كما اختلفت هذه الأمة في الكتاب وسيختلفون في الكتاب الذي مع القائم الذي يأتيهم به حتى ينكره ناس كثير فيقدمهم ويضرب أعناقهم.
- وفي البحار(573) عن الشيخ الطوسي بإسناده عن أبي عبد الله قال: إن أصحاب موسى ابتلوا بنهر وهو قول الله تعالى ﴿إن الله مبتليكم بنهر﴾ وإن أصحاب القائم (عليه السلام) يبتلون بمثل ذلك.
موسى (عليه السلام) خصه الله تعالى بالعصا، وجعلها معجزة له.
القائم (عليه السلام) خصه الله بتلك العصا بعينها:
- ففي كمال الدين(574) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كانت عصا موسى لآدم (عليه السلام)، فصارت إلى شعيب (عليه السلام) ثم صارت إلى موسى بن عمران، وإنها لعندنا، وإن عهدي بها آنفا وهي خضراء، كهيئتها حين انتزعت من شجرتها، وإنها لتنطق إذا استنطقت، أعدت لقائمنا (عليه السلام)، يصنع بها ما كان يصنع موسى بن عمران، وإنها تصنع ما تؤمر، وإنها حيث ألقيت تلقف ما يأفكون بلسانها.
- ورواه الفاضل المجلسي (ره) في الثالث عشر من البحار(575) عن كتاب بصائر الدرجات(576) وفيه: أعدت لقائمنا، ليصنع كما كان موسى (عليه السلام) يصنع بها وإنها لتروع وتلقف ما يأفكون، وتصنع كما تؤمر وإنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون تفتح لها شفتان(577) إحداهما في الأرض والأخرى في السقف، وبينهما أربعون ذراعا وتلقف ما يأفكون بلسانها.
وروى ثقة الإسلام الكليني (ره) في الكافي(578) مثل هذا.
- وفي كتاب تذكرة الأئمة الذي ينسب إلى الفاضل المجلسي، ولم أتثبته، روي عن محمد بن زيد الكوفي، عن الصادق (عليه السلام): إن رجلا من فارس يأتي القائم (عليه السلام) فيطلب منه معجزة موسى، فيلقي العصا فتصير ثعبانا مبينا فيقول الرجل هذا سحر، فتلقفه العصا بأمر شبيه موسى (عليه السلام).
تنبيه
يناسب المقام في ذكر تلك العصا وصفتها، نقل العلم العامل الفاضل المجلسي، في خامس البحار(579) عن كتاب عرائس المجالس للثعلبي، أنه قال: اختلف في اسم العصا، فقال ابن جبير: اسمها ما شاء الله، وقال مقاتل اسمها نفعة، وقيل غياث وقيل عليق.
وأما صفتها، والمآرب التي فيها لموسى (عليه السلام) فقال أهل العلم بأخبار الماضين، كان لعصا موسى شعبتان، ومحجن في أصل الشعبتين، وسنان حديد في أسفلها، فكان موسى (عليه السلام) إذا دخل مفازة ليلا، ولم يكن قمر تضيء شعبتاها كالشعبتين من نور، تضيئان له مد البصر، وكان إذا أعوز الماء أدلاها في البئر، فجعلت تمتد إلى مقدار قعر البئر، وتصير في رأسها شبه الدلو يستقي، وإذا احتاج إلى الطعام ضرب الأرض بعصاه، فيخرج ما يؤكل منه، وكان إذا اشتهى فاكهة من الفواكه غرزها في الأرض فتغصنت أغصان تلك الشجرة التي اشتهى موسى فاكهتها، وأثمرت له من ساعتها. ويقال كانت عصاه من اللوز، فكان إذا جاع ركزها في الأرض فأورقت، وأثمرت وأطعمت فكان يأكل منها اللوز وكان إذا قاتل عدوه يظهر على شعبتيها تنينان يتناضلان وكان يضرب على الجبل الصعب الوعر المرتقى وعلى الشجر والعشب والشوك فينفرج، وإذا أراد عبور نهر من الأنهار بلا سفينة ضربها عليه فانفلق، وبدا له طريق مهيع يمشي فيه.
وكان (عليه السلام) يشرب أحيانا من إحدى الشعبتين اللبن ومن الآخر العسل وكان إذا أعيى في طريقه يركبها، فتحمله إلى أي موضع شاء من غير ركض ولا تحريك رجل وكانت تدله على الطريق ويقاتل أعداءه وإذا احتاج موسى إلى الطيب فاح منها الطيب حتى يتطيب ثوبه وإذا كان في طريق فيه لصوص تخشى الناس جانبهم تكلمه العصا وتقول له خذ جانب كذا، وكان يهش بها على غنمه ويدفع بها السباع والحيات والحشرات، وإذا سافر وضعها على عاتقه، وعلق عليها جهازه ومتاعه ومقلاته ومخلاعه، وكساءه وطعامه، وسقاءه إلى آخر ما قال مما لا يهمنا ذكره، وإنما ذكرنا هذا المقدار لأن تلك العصا متعلقة ومخصوصة في هذه الأعصار بسيدنا وإمامنا الغائب عن الأبصار، صلى الله عليه ما أظلم الليل وأشرق النهار، كما نطقت به الأخبار والله العالم بخبايا الأسرار.
- وفي الثالث عشر من البحار(580) عن النعماني(581) بإسناده، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
كانت عصا موسى قضيب آس من غرس الجنة، أتاه بها جبرائيل لما توجه تلقاء مدين، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية ولن يبليا، ولن يتغيرا حتى يخرجهما القائم (عليه السلام) إذا قام.
موسى (عليه السلام) فر من مصر خوفا قال الله (عزَّ وجلَّ) نقلا عنه: ﴿ففررت منكم لما خفتكم﴾ الآية.
القائم (عليه السلام) فر من الأمصار وسكن فيافي القفار، خوفا من الأشرار لكنه مع ذلك يأتي الناس، ويمشي فيهم ويطلع عليهم وهم لا يعرفونه كما مر.
ويفر عند ظهوره أيضا من المدينة المنورة خوفا من السفياني.
- ويدل على ذلك ما في البحار(582) وغيره عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في شرح حال السفياني (لع) قال ويبعث السفياني بعثا إلى المدينة فيفر المهدي (عليه السلام) منها إلى مكة فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة، فيبعث جيشا على أثره فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفا يترقب على سنة موسى بن عمران.
قال (عليه السلام) وينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي مناد من السماء يا بيداء أبيدي القوم فيخسف بهم فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر يحول الله وجوههم إلى أقفيتهم وهم من كلب وفيهم نزلت هذه الآية ﴿يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها﴾ الآية(583).
موسى: خسف الله تعالى بعدوه الأرض وهو قارون قال (عزَّ وجلَّ) ﴿فخسفنا به وبداره الأرض﴾(584).
القائم (عليه السلام): يخسف الله تعالى بأعدائه الأرض وهم جيش السفياني كما ذكرنا آنفا.
موسى (عليه السلام) نزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين(585).
القائم (عليه السلام) يضيء نوره بحيث يستغني الناس عن ضوء الشمس والقمر ويأتي ما يدل على ذلك في نوره إن شاء الله تعالى.
موسى (عليه السلام) انفجرت له من الحجر اثنتا عشرة عينا.
- القائم (عليه السلام) روي في البحار(586) عن النعماني(587) بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا ظهر القائم ظهر براية رسول الله (عليه السلام)، وخاتم سليمان، وحجر موسى وعصاه ثم يأمر مناديه فينادي: ألا لا يحمل رجل منكم طعاما ولا شرابا ولا علفا، فيقول أصحابه: إنه يريد أن يقتلنا ويقتل دوابنا من الجوع والعطش، فيسير ويسيرون معه، فأول منزل ينزله يضرب الحجر فينبع منه طعام وشراب وعلف فيأكلون ويشربون ودوابهم، حتى ينزلوا النجف بظهر الكوفة.
- وفي كمال الدين(588) عنه (عليه السلام) قال: إذا خرج القائم من مكة ينادي مناديه: ألا لا يحملن أحد طعاما ولا شرابا وحمل معه حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير ولا ينزل منزلا إلا انفجرت منه عيون، فمن كان جائعا شبع ومن كان ظمآنا روي، ورويت دوابهم، حتى ينزلوا النجف من بطن الكوفة.
أقول: روى ثقة الإسلام الكليني (ره) في أصول الكافي(589) عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) مثله بأدنى تفاوت في بعض الألفاظ.
- وفي الخرائج(590) عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) قال: إذا قام القائم بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة، نادى مناد: ألا لا يحمل أحد منكم طعاما ولا شرابا. ويحمل معه حجر موسى بن عمران الذي انبجست منه اثنتا عشرة عينا، فلا ينزل منزلا إلا نصبه، فانبجست منه العيون، فمن كان جائعا شبع، ومن كان عطشانا روي، فيكون زادهم حتى ينزلوا النجف من ظاهر الكوفة، فإذا نزلوا ظاهرها انبعث منه الماء واللبن دائما، فمن كان جائعا شبع، ومن كان عطشانا روي.
موسى (عليه السلام) قتل فرعون لأجل إرادة قتله خلقا كثيرا وما ظفر بمراده، ووقع ما أراد الله تعالى.
القائم (عليه السلام) قتل فراعنة زمان الأئمة (عليهم السلام) لأجل إرادة قتله خلقا كثيرا من أولاد النبي (صلى الله عليه وآله).
- ففي كمال الدين(591) عن الصادق (عليه السلام) قال في حديث طويل، في بيان شباهته بموسى (عليه السلام): إن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يده أمر بإحضار الكهنة فدلوه على نسبه، وأنه يكون من بني إسرائيل، فلم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل، حتى قتل في طلبه نيفا وعشرين ألف مولود وتعذر عليه الوصول إلى قتل موسى، لحفظ الله تبارك وتعالى إياه وكذلك بنو أمية وبنو العباس لما وقفوا على أن زوال ملك الأمراء والجبابرة منهم على يد القائم منا، ناصبونا العداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرسول (صلى الله عليه وآله) وإبادة نسله طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائم، ويأبى الله (عزَّ وجلَّ) أن يكشف أمره لواحد من الظلمة، إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون، الخبر وهو طويل يأتي في الباب الثامن.
موسى (عليه السلام) أصلح الله أمره في ليلة واحدة القائم (عليه السلام) يصلح الله أمره في ليلة واحدة.
- ففي كمال الدين(592) عن أبي جعفر الثاني، في حديث وصف القائم قال: وإن الله ليصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى (عليه السلام) إذ ذهب ليقتبس نارا فرجع وهو رسول نبي، الخبر.
ويأتي في الباب الثامن إن شاء الله تعالى.
موسى (عليه السلام) أخر الله تعالى ظهوره للقوم امتحانا لهم لكي يتبين من يعبد العجل عمن يعبد الله (عزَّ وجلَّ).
القائم (عليه السلام) أخر الله تعالى ظهوره لأجل هذه الجهة أيضا، وقد مر ما يدل على ذلك.
باب شباهته بهارون (عليهما السلام)
هارون (عليه السلام) رفعه الله تعالى إلى السماء ثم رده إلى الأرض.
- يدل عليه ما في خامس البحار(593) مسندا عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال موسى لهارون امض بنا إلى جبل طور سينا، ثم خرجا فإذا بيت على بابه شجرة عليها ثوبان، فقال موسى لهارون: اطرح ثيابك وادخل هذا البيت، والبس هاتين الحلتين، ونم على السرير ففعل هارون، فلما أن نام على السرير، قبضه الله إليه وارتفع البيت والشجرة ورجع موسى إلى بني إسرائيل فأعلمهم أن الله قبض هارون ورفعه إليه، فقالوا كذبت، أنت قتلته فشكى موسى ذلك إلى ربه فأمر الله تعالى الملائكة فأنزلته على سرير بين السماء والأرض، حتى رأته بنو إسرائيل فعلموا أنه مات، هذا ونقل عن صاحب الكامل قريبا منه.
القائم (عليه السلام) رفعه الله تعالى إلى السماء بعد ولادته، ثم رده إلى الأرض وقد مر ما يدل عليه في شباهته بموسى (عليه السلام).
هارون (عليه السلام) كان يسمع كلام موسى من مكان بعيد وكذلك موسى يسمع كلام هارون من مكان بعيد ذكره صاحب كتاب بدائع الزهور.
- القائم (عليه السلام) روي في روضة الكافي(594) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن قائمنا إذا قام مد الله (عزَّ وجلَّ) لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد، يكلمهم فيسمعون، وينظرون إليه وهو في مكانه.
باب شباهته بيوشع (عليهما السلام)
يوشع (عليه السلام): حاربه المنافقون من أمة موسى (عليه السلام) بعد وفاة موسى.
القائم (عليه السلام): يحاربه المنافقون من هذه الأمة، وقد مر ما يدل على ذلك في حرف الحاء.
يوشع (عليه السلام): ردت له الشمس.
- القائم (عليه السلام): يكلم الشمس والقمر ويدعوهما فيجيبانه كما رواه العلامة المجلسي في البحار(595) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يملك القائم ثلاثمائة سنة ويزداد تسعا، كما لبث أهل الكهف في كهفهم يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا فيفتح الله له شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس حتى لا يبقى إلا دين محمد (ويسير) بسيرة سليمان بن داود ويدعو الشمس والقمر فيجيبانه، وتطوى له الأرض ويوحى إليه فيعمل بالوحي بأمر الله.
أقول: وقد نظمت في ذلك:
وإنما الوارد في نص الخبر * بأنه يدعو لشمس وقمر
ومنهما يستمع الإجابة * وليس في ذلك من غرابه
إذ فضل يوشع بجنب الحجة * كإبرة انغمست في لجه
فيا لهذا العز والكمال * ويا لهذا المجد والجلال
ويا لهذا الفضل والكرامة * ويا لهذا الشأن والفخامه
باب شباهته بحزقيل (عليهما السلام)
بالحاء المهملة والزاي المعجمة، وحزقل كزبرج لغة أيضا.
حزقيل (عليه السلام) أحيى الله تعالى له أمواتا.
- ففي روضة الكافي(596) عن أبي جعفر، وأبي عبد الله (عليهما السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ) ﴿ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم﴾ فقال (عليه السلام):
إن هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام، وكانوا سبعين ألف بيت وكان الطاعون يقع فيهم في كل أوان فكانوا إذا أحسوا به خرج من المدينة الأغنياء لقوتهم، وبقي فيها الفقراء لضعفهم فكان الموت يكثر في الذين أقاموا ويقل في الذين خرجوا فيقول الذين خرجوا لو كنا أقمنا لكثر فينا الموت، ويقول الذين أقاموا لو كنا خرجنا لقل فينا الموت.
قال (عليه السلام): فاجتمع رأيهم جميعا أنه إذا وقع الطاعون فيهم وأحسوا به خرجوا كلهم من المدينة، فلما أحسوا بالطاعون خرجوا جميعا، وتنحوا عن الطاعون حذر الموت فساروا في البلاد ما شاء الله.
ثم إنهم مروا بمدينة خربة قد جلا أهلها عنها وأفناهم الطاعون، فنزلوا بها فلما حطوا رحالهم واطمأنوا، قال لهم الله (عزَّ وجلَّ) ﴿موتوا جميعا﴾، فماتوا من ساعتهم وصاروا رميما يلوح، وكانوا على طريق المارة فكنستهم المارة فنحوهم وجمعوهم في موضع، فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له حزقيل فلما رأى تلك العظام بكى واستعبر، وقال: يا رب لو شئت لأحييتهم الساعة كما أمتهم، فعمروا بلادك وولدوا عبادك، مع من يعبدك من خلقك فأوحى الله تعالى إليه: أفتحب ذلك قال نعم يا رب فأحيهم ".
قال (عليه السلام): فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه: أن قل كذا وكذا فقال الذي أمره الله (عزَّ وجلَّ) أن يقوله، فقال أبو عبد الله (عليه السلام)، وهو الاسم الأعظم فلما قال حزقيل ذلك الكلام نظر إلى العظام يطير بعضها إلى بعض، فعادوا أحياء ينظر بعضهم إلى بعض، يسبحون الله عز ذكره، ويكبرونه ويهللونه، فقال حزقيل عند ذلك: " أشهد أن الله على كل شيء قدير ".
القائم (عليه السلام) يحيي الله تعالى له أمواتا من المؤمنين والمنافقين والكافرين والأخبار الدالة على ذلك كثيرة بل متواترة.
- فمنها ما في روضة الكافي(597) عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قوله تبارك وتعالى ﴿وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ قال: فقال (عليه السلام): يا أبا بصير ما تقول في هذه الآية؟ قال: قلت: إن المشركين يزعمون ويحلفون لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الله لا يبعث الموتى قال: فقال (عليه السلام): تبا لمن قال هذا، سلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات والعزى؟ قال: قلت: جعلت فداك فأوجدنيه، قال: فقال (عليه السلام): يا أبا بصير، لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوما من شيعتنا قباع سيوفهم على عواتقهم فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا، فيقولون بعث فلان وفلان وفلان من قبورهم وهم مع القائم، فيبلغ ذلك قوما من عدونا فيقولون: يا معشر الشيعة ما أكذبكم هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب! لا والله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون إلى يوم القيامة قال فحكى الله قولهم فقال: ﴿وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت﴾.
- وفيه(598) عن الحسن بن شاذان الواسطي، قال كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أشكو جفاء أهل واسط، وحملهم علي، وكانت عصابة من العثمانية تؤذيني، فوقع (عليه السلام) بخطه إن الله تعالى ذكره أخذ ميثاق أوليائنا على الصبر في دولة الباطل فاصبر لحكم ربك فلو قد قام سيد الخلق لقالوا: ﴿يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون﴾.
- وفي البحار(599) عن عبد الكريم الخثعمي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كم يملك القائم (عليه السلام)؟ فقال: سبع سنين، يطول الأيام والليالي حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم هذه وإذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب، مطرا لم تر الخلائق مثله، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم وكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة، ينفضون شعورهم من التراب.
- وفيه(600) عن الخصائص، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل قال (عليه السلام): فيا عجبا وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء، يلبون زمرة زمرة بالتلبية لبيك لبيك يا داعي الله، قد تخللوا سكك الكوفة، الخبر.
- وعنه (عليه السلام) في قوله (عزَّ وجلَّ)(601): ﴿ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين﴾ قال: هو أنا إذا خرجت أنا وشيعتي وخرج عثمان بن عفان وشيعته، ونقتل بني أمية، فعندها يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين.
- وفي تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى(602): ﴿فمهل الكافرين أمهلهم رويدا﴾ لوقت بعث القائم فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش وبني أمية وسائر الناس.
أقول: قد سبق بعض ما يدل على المقصود ويأتي إن شاء الله تعالى في حرف النون ما يدل عليه.
باب شباهته بداود (عليهما السلام)
داود (عليه السلام) جعله الله (عزَّ وجلَّ) خليفة، فقال: ﴿يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض﴾.
القائم (عليه السلام) جعله الله تعالى خليفة فقال تعالى(603) ﴿أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض﴾.
- وفي الدعاء المروي(604) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) له: ادفع عن وليك وخليفتك الخ وقد مر ما يدل على ذلك في حرف الألف وحرف الخاء المعجمة.
داود (عليه السلام) ألان الله له الحديد.
- في بعض الكتب، عن محمد بن زيد الكوفي، عن الصادق (عليه السلام) قال: إن رجلا من عمان يأتي إلى صاحب الزمان (عليه السلام) ويقول: إن الحديد قد لان لداود فإن أتيت بمثل ذلك صدقتك، فيريه (عليه السلام) معجزة داود فينكر ذلك الرجل، فيلقي القائم عجل الله تعالى فرجه على عنقه عمودا من حديد فيهلك، ويقول: هذا جزاء من كذب بآيات الله.
داود (عليه السلام) ناداه الحجر، فقال: يا داود خذني فاقتل بي جالوت.
القائم (عليه السلام) يناديه حين خروجه علمه فيقول: اخرج يا ولي الله فاقتل أعداء الله ويناديه سيفه بمثل ذلك.
- روى جميعها الشيخ الصدوق رضي الله تعالى عنه في كمال الدين وتمام النعمة، وينادي الحجر المؤمن في زمان ظهوره حين يختفي تحته الكافر، فيقول: يا مؤمن إن تحتي كافرا فاقتله فيجيء المؤمن فيقتله كما في الرواية.
داود (عليه السلام) قتل جالوت.
القائم (عليه السلام) يقتل الدجال وهو شر من جالوت.
داود (عليه السلام) كان يحكم بين الناس بالإلهام.
القائم (عليه السلام) قد سبق في حرف الحاء المهملة أنه يحكم بحكم داود ولا يحتاج إلى بينة.
داود (عليه السلام) نزل عليه كتاب من السماء مختوم بخاتم من ذهب، فيه ثلاث عشرة مسألة، فأوحى الله تعالى إلى داود: أن اسأل عنها ابنك سليمان فإن أخبر بهن فهو الخليفة من بعدك.
فدعا داود سبعين قسا، وسبعين حبرا وأجلس سليمان (عليه السلام) بين أيديهم، فقال: أخبرني يا بني، ما أقرب الأشياء؟ وما أبعد الأشياء وما آنس الأشياء؟ وما أوحش الأشياء؟ وما أحسن الأشياء؟ وما أقبح الأشياء؟ وما أقل الأشياء؟ وما أكثر الأشياء؟ وما القائمان؟ وما المختلفان؟ وما المتباغضان؟ وما الأمر الذي إذا ركبه الرجل حمد آخره؟ والأمر الذي إذا ركبه الرجل ذم آخره.
قال سليمان: أما أقرب الأشياء فالآخرة، وأما أبعد الأشياء فما فاتك من الدنيا وأما آنس الأشياء فجسد فيه روح ناطق، وأما أوحش الأشياء فجسد بلا روح، وأما أحسن الأشياء فالإيمان بعد الكفر، وأما أقبح الأشياء فالكفر بعد الإيمان، وأما أقل الأشياء فاليقين، وأما أكثر الأشياء فالشك، وأما القائمان فالسماء والأرض وأما المختلفان فالليل والنهار، وأما المتباغضان فالموت والحياة، وأما الأمر الذي إذا ركبه الرجل حمد آخره فالحلم على الغضب، وأما الأمر الذي إذا ركبه الرجل ذم آخره فالحدة على الغضب، قال: ففك ذلك الخاتم فإذا هذه المسائل سواء على ما نزل من السماء فقال القسيسون والأحبار: ما الشيء الذي إذا صلح صلح كل شيء من الإنسان وإذا فسد فسد كل شيء منه؟ فقال: القلب فرضوا بخلافته.
- القائم (عليه السلام) معه كتاب مختوم بخاتم من ذهب. روي في كمال الدين(605) عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية، وهم حكام الله في أرضه على خلقه، حتى يستخرج من قبائه كتابا مختوما بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيجفلون عنه إجفال الغنم البكم، فلا يبقى منهم إلا الوزير وأحد عشر نقيبا، كما بقوا مع موسى (عليه السلام) فيجولون في الأرض ولا يجدون عنه مذهبا، فيرجعون إليه، الخبر وقد مر من طريق آخر عن البحار(606) مع تفاوت فيه فراجع.
باب شباهته بسليمان (عليهما السلام)
سليمان (عليه السلام) جعله داود خليفة، ولم يبلغ الحلم:
- ففي الحديث(607) عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود (عليه السلام) أن يستخلف سليمان وهو صبي يرعى الغنم، فأنكر ذلك عباد بني إسرائيل وعلماؤهم، فأوحى الله تعالى: أن خذ عصى المتكلمين وعصا سليمان، واجعلها في بيت واختم عليه بخواتيم القوم، فإذا كان من الغد فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة، فأخبرهم داود (عليه السلام) فقالوا قد رضينا وسلمنا.
القائم (عليه السلام) جعله الله (عزَّ وجلَّ) خليفة وهو صبي له خمس سنين تقريبا وقد أجاب في حياة أبيه عن مسائل سعد بن عبد الله القمي، كما مر.
سليمان (عليه السلام) قال: ﴿هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي﴾ من حيث الكيفية، فإن ملك سلاطين العالم كما هو المتعارف المعتاد مشوب بالجور والفساد، وأراد سليمان أن لا يكون ملكه كذلك، وأيضا سلطنة ملوك الأرض إنما هو على الإنس، وسلطنته كانت على الجن والإنس والطير قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون﴾.
القائم (عليه السلام) وهب الله تعالى له ملكا لم يكن نظيره لأحد من الأولين والآخرين، من حيث الكيفية والكمية: أما الكمية فلأنه يملك ما بين الخافقين، كما في الحديث. وأما الكيفية، فلأنه محض العدل، وعدل محض، ولأن سلطنته تعم جميع أهل السماوات والأرضين كما مر.
سليمان (عليه السلام) سخر الله له الريح قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب﴾(608).
القائم (عليه السلام) يسخر الله له الريح ففي كمال الدين عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث(609) مر تمامه، قال فيبعث الله تبارك وتعالى، ريحا فتنادي بكل واد: هذا المهدي يقضي بقضاء داود وسليمان (عليهما السلام)، ولا يريد عليه بينة.
سليمان (عليه السلام) غاب عن قومه برهة من الزمان كما عن الصادق (عليه السلام) في حديث(610) رواه رئيس المحدثين في كتاب كمال الدين.
القائم (عليه السلام) غاب عن قومه أكثر من غيبة سليمان.
سليمان (عليه السلام) ردت له الشمس.
القائم (عليه السلام) يدعو الشمس والقمر فيجيبانه.
سليمان (عليه السلام) حشمة الله. القائم (عليه السلام) حشمة الله.
باب شباهته بآصف (عليهما السلام)
آصف كان عنده علم من الكتاب.
القائم (عليه السلام) عنده علوم الكتاب.
آصف غيبه الله تعالى غيبة طال أمدها كما روي في كمال الدين(611).
القائم (عليه السلام) غيبه الله تعالى غيبة طال أمدها.
آصف اشتدت البلوى على بني إسرائيل بغيبته.
القائم (عليه السلام) اشتدت البلوى على المؤمنين بغيبته كما مر.
باب شباهته بدانيال (عليهما السلام)
دانيال (عليه السلام) غاب عن بني إسرائيل مدة مديدة، وكان محبوسا في جب عظيم واسع مع أسد ليفترسه، فحرسه الله تعالى وأمر نبيا من بني إسرائيل أن يأتيه بطعامه وشرابه، واشتد البلاء على شيعته وأحبابه.
القائم (عليه السلام) غاب عنا واشتد البلاء بغيبته علينا وأراد أعداؤه أن يقتلوه فحرسه الله تعالى كما سبق.
باب شباهته بعزير (عليهما السلام)
عزير (عليه السلام) لما رجع إلى قومه وظهر فيهم قرأ التوراة كما أنزلت على موسى بن عمران (عليه السلام).
القائم (عليه السلام) حين يظهر لأهل الأرض يقرأ القرآن كما أنزل على خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله).
باب شباهته بجرجيس (عليهما السلام)
جرجيس (عليه السلام) أحيى الله له الموتى.
- ففي البحار(612) أن امرأة جاءته فقالت: أيها العبد الصالح كان لنا ثور نعيش به فمات فقال لها جرجيس: خذي عصاي هذه فضعيها على ثورك وقولي إن جرجيس يقول قم بإذن الله ففعلت، فقام حيا فآمنت بالله.
القائم (عليه السلام) يحيي الله تعالى له الموتى كما مر.
باب شباهته بأيوب (عليهما السلام)
أيوب (عليه السلام)(613) صبر على البلاء سبع سنين، كما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقال الله تعالى ﴿إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب﴾.
القائم (عليه السلام) صبر على البلاء منذ مات أبوه إلى الآن، ولا أدري إلى متى يطول صبره، وقد مر في حرف الباء ما يناسب المقام.
أيوب (عليه السلام) نبع له من الأرض عين من الماء أو عينان، قال الله تعالى: ﴿اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب﴾.
القائم (عليه السلام) نبع له من الأرض عين من الماء وقد مر بعض الروايات والحكايات في ذلك.
- ونزيدك هنا ملخص ما نقله القطب الراوندي في الخرائج(614) ونقله الفاضل المجلسي في البحار عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي بإسناده، عن أبي سورة أنه رأى الحجة (عليه السلام) حين رجوعه عن كربلا، بعد زيارة العرفة، قال أبو سورة: ومشينا ليلتنا فإذا نحن على مقابر مسجد السهلة، فقال هوذا منزلي، ثم قال (عليه السلام): تمضي أنت إلى ابن الرازي علي بن يحيى، فتقول له يعطيك المال بعلامة كذا وكذا في موضع كذا وكذا ومغطى بكذا فقلت: من أنت؟ فقال: أنا محمد بن الحسن ثم مشينا حتى انتهينا إلى النواويس في السحر فجلس وحفر بيده فإذا الماء قد خرج. وتوضأ ثم صلى ثلاث عشرة ركعة، فمضيت إلى الرازي، فدققت الباب فقال من أنت؟ فقلت: أبو سورة فسمعته يقول ما لي ولك يا أبا سورة فلما خرج وقصصت عليه القصة صافحني وقبل وجهي ومسح يدي على وجهه، ثم أدخلني الدار فأخرج الصرة من عند رجلي السرير، فاستبصر أبو سورة، وتشيع وكان زيديا.
أيوب (عليه السلام) أحيى الله (عزَّ وجلَّ) له الموتى قال الله تعالى ﴿وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين﴾.
القائم (عليه السلام) يحيي الله تعالى له الموتى وقد مر ما يدل على ذلك ويأتي ما يدل عليه في شباهته بعيسى إن شاء الله تعالى.
باب شباهته بيونس (عليهما السلام)
- روى الشيخ الصدوق (ره)(615) بإسناده عن محمد بن مسلم قال دخلت على أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله) فقال (عليه السلام) لي مبتدئا: يا محمد بن مسلم، إن في القائم من أهل بيت محمد (عليه السلام) سنة من خمسة من الرسل:
يونس بن متى، ويوسف بن يعقوب، وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم، فأما سنة من يونس بن متى فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن الخبر... وقد مضى تمامه.
باب شباهته بزكريا (عليهما السلام)
زكريا (عليه السلام) نادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب.
القائم (عليه السلام) ناداه الجبار جل جلاله كما مر وتناديه الملائكة في كل ليلة قدر ويناديه جبرائيل حين يبايعه، ويده على يده ويقول: البيعة لله. رواه الراوندي في الخرائج عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام).
- وفي حديث المفضل المروي في البحار، عن الصادق (عليه السلام)(616): يقول له جبرائيل يا سيدي قولك مقبول وأمرك جائز، الخبر.
زكريا (عليه السلام) بكى في مصيبة مولانا أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ثلاثة أيام، كما تقدم في حديث أحمد بن إسحاق، في الباب الثاني.
القائم (عليه السلام) يبكيه ويندبه طول عمره، وجميع دهره.
- ففي زيارة الناحية(617): ولأندبنك صباحا ومساء، ولأبكين عليك بدل الدموع دما.
باب شباهته بيحيى (عليهما السلام)
يحيى (عليه السلام) بشر بولادته قبل أن يولد.
القائم (عليه السلام) بشر بولادته قبل أن يولد.
- يحيى (عليه السلام) تكلم في بطن أمه:
كما في الحديث عن العسكري (عليه السلام): إن مريم دخلت على أم يحيى امرأة زكريا، فلم تقم لها، فناداها تدخل إليك سيدة نساء العالمين، مشتملة على سيد رجال العالمين فلا تقومين إليها فانزعجت، وقامت إليها(618).
القائم (عليه السلام) تكلم في بطن أمه، فقرأ سورة القدر، كما في رواية حكيمة (عليها السلام)(619).
يحيى (عليه السلام) كان أزهد أهل زمانه وأعبدهم.
القائم (عليه السلام) أعبد أهل زمانه وأزهدهم.
باب شباهته بعيسى (عليهما السلام)
عيسى (عليه السلام): ابن سيدة النساء في زمانها.
القائم (عليه السلام) ابن سيدة النساء في زمانها.
عيسى (عليه السلام) تكلم في بطن أمه، وكان يسبح. رواه الفاضل المجلسي (ره) في حاشية خامس البحار عن الثعلبي من طريق العامة.
القائم (عليه السلام) تكلم في بطن أمه كما مر آنفا.
عيسى (عليه السلام) تكلم في المهد صبيا.
القائم (عليه السلام) تكلم في المهد صبيا ويدل على ذلك عدة روايات:
- منها ما في كمال الدين(620) عن حكيمة بنت محمد بن علي الجواد (عليه السلام): إن الحجة (عليه السلام) تكلم بعد ولادته، فقال: أشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم صلى على أمير المؤمنين وعلى الأئمة (عليهم السلام) إلى أن وقف على أبيه، ثم أحجم وتكلم في اليوم السابع بالتوحيد، والصلاة على محمد والأئمة (عليهم السلام) ثم تلا هذه الآية: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم ونريد أن نمن على الذين استضعفوا...﴾(621) الخ.
- ومنها في رواية أخرى فيه(622) أنه حين تولده خر ساجدا لوجهه، جاثيا على ركبتيه، رافعا سبابتيه، وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدي محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن أبي أمير المؤمنين، ثم عد إماما إماما إلى أن بلغ إلى نفسه، ثم قال (عليه السلام): اللهم أنجز لي ما وعدتني، وأتمم لي أمري وثبت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلا وقسطا.
- ومنها ما فيه أيضا(623) عن نسيم ومارية الجاريتين أنه سقط صاحب الزمان (عليه السلام) من بطن أمه جاثيا على ركبتيه، رافعا سبابتيه إلى السماء، ثم عطس فقال: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله، زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة، لو أذن لنا في الكلام لزال الشك.
- وفيه(624) عن نسيم الخادم قالت قال صاحب الزمان (عليه السلام) وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة، فعطست عنده، فقال (عليه السلام) لي: رحمك الله، قالت نسيم ففرحت بذلك، فقال (عليه السلام) لي: ألا أبشرك في العطاس قلت بلى يا مولاي قال (عليه السلام) هو أمان من الموت ثلاثة أيام.
عيسى (عليه السلام) آتاه الله الحكم صبيا.
القائم (عليه السلام) آتاه الله الحكم صبيا كما مر.
عيسى (عليه السلام) رفعه الله إليه. القائم (عليه السلام) رفعه الله إليه كما تقدم.
عيسى (عليه السلام) اختلف الناس فيه.
القائم (عليه السلام) اختلف الناس فيه.
ويأتي إن شاء الله في الباب الثامن إن الصادق (عليه السلام) قال في بيان شباهة الحجة (عليه السلام) بعيسى:
إن اليهود والنصارى اتفقت على أنه قتل، فكذبهم الله جل ذكره بقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم﴾(625) كذلك غيبة القائم، فإن الأمة ستنكرها لطولها، فمن قائل بغير هدى بأنه لم يولد، وقائل يقول: إنه ولد ومات، وقائل يكفر بقوله: إن حادي عشرنا كان عقيما وقائل يمرق بقوله: إنه يتعدى إلى ثالث عشر فصاعدا، وقائل يعصي الله (عزَّ وجلَّ) بقوله: إن روح القائم ينطق في هيكل غيره، الخبر.
عيسى (عليه السلام) كان يحيي الموتى بإذن الله تعالى، قال الله (عزَّ وجلَّ) نقلا عنه (عليه السلام) ﴿وأحيي الموتى بإذن الله﴾(626) وقال تعالى مخاطبا له: ﴿وإذ تخرج الموتى بإذني﴾ الآية.
- ويعجبني هنا نقل رواية لطيفة مشتملة على مواعظ شريفة، رواها جمع من سلفنا الصالحين (ره) في كتبهم منهم الشيخ البهائي (ره) في كتاب شرح الأربعين عن الصادق (عليه السلام).
قال: مر عيسى ابن مريم (عليه السلام) على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابها، فقال (عليه السلام): أما إنهم لم يموتوا إلا بسخطة، ولو ماتوا متفرقين لتدافنوا، فقال الحواريون يا روح الله وكلمته، ادع الله أن يحييهم لنا، فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها فدعى عيسى (عليه السلام) ربه، فنودي من الجو: أن نادهم. فقام عيسى بالليل على شرف من الأرض فقال: يا أهل هذه القرية فأجابه منهم مجيب لبيك يا روح الله وكلمته فقال: ويحكم ما كانت أعمالكم؟ قال: عبادة الطاغوت، وحب الدنيا مع خوف قليل، وأمل بعيد وغفلة في لهو ولعب، فقال: كيف كان حبكم للدنيا؟
قال: كحب الصبي لأمه إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا، وإذا أدبرت عنا بكينا وحزنا، قال (عليه السلام):
كيف كانت عبادتكم للطاغوت؟ قال: الطاعة لأهل المعاصي، قال (عليه السلام): كيف كانت عاقبة أمركم؟ فقال: بتنا في ليلة في عافية، وأصبحنا في الهاوية، فقال: وما الهاوية؟ قال سجين قال (عليه السلام) وما السجين؟ قال: جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة. قال (عليه السلام) فما قلتم؟ وما قيل لكم؟ قال: قلنا ردنا إلى الدنيا فنزهد فيها، قيل لنا: كذبتم قال: ويحك، كيف لم يكلمني غيرك من بينهم؟ قال: يا روح الله، إنهم ملجمون بلجم من نار، بأيدي ملائكة غلاظ شداد، وأنا كنت فيهم ولم أكن منهم، فلما نزل العذاب عمني معهم: فأنا معلق بشعرة على شفير جهنم، لا أدري أكبكب فيها أم أنجو منها فالتفت عيسى (عليه السلام) إلى الحواريين، وقال: يا أولياء الله، أكل الخبز اليابس بالملح الجريش، والنوم على المزابل، خير كثير مع عافية الدنيا والآخرة.
القائم (عليه السلام) يحيي الموتى بإذن الله تعالى، ويدل على ذلك روايات مستفيضة، مر بعضها في شباهته بحزقيل وغيره.
- وفي بعض الكتب عن الصادق (عليه السلام) أنه إذا ظهر القائم (عليه السلام) أتاه رجل من آذربيجان وفي يده عظم من العظام النخرة، فيقول: إن كنت حجة الله، فأمر هذا العظم بأن ينطق، فينطق العظم بأمره (عليه السلام)، يقول: إني معذب منذ ألف عام، وأرجو من دعائك أن يخلصني الله تعالى من العذاب، فيقول الرجل: هذا سحر، فيصلب بأمره (عليه السلام) ويصبح مصلوبا سبعة أيام وينادي:
هذا جزاء من نسب معجزة الإمام إلى السحر ثم يموت.
عيسى (عليه السلام) قال: ﴿أنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم﴾ القائم (عليه السلام) يطلع على جميع أحوالنا وأفعالنا والدليل على ذلك جميع الأخبار الكثيرة الواردة في باب علم الأئمة (عليهم السلام) ولكني أتبرك في هذا المقام بذكر عدة روايات:
- فمنها ما في الخرائج(627) عن أبي بصير قال دخلت المسجد مع أبي جعفر (عليه السلام) والناس يدخلون ويخرجون، فقال (عليه السلام) لي: سل الناس: هل يرونني، وكل من لقيته سألته عنه، هل رأيت أبا جعفر (عليه السلام) فيقول: لا، وهو واقف. حتى دخل أبو هارون المكفوف فقال: سل هذا فقلت، هل رأيت أبا جعفر (عليه السلام)؟ فقال أليس هو قائما؟ قلت وما علمك؟ قال: وكيف لا أعلم، وهو نور ساطع.
قال: وسمعته يقول لرجل من أهل الإفريقية: ما حال راشد؟ قال: خلفته حيا صالحا يقرئك السلام. قال (عليه السلام): رحمه الله. قال مات؟ قال نعم قال: متى؟ قال (عليه السلام) بعد خروجك بيومين. قال والله ما مرض ولا كانت به علة، وإنما يموت من مرض وعلة قلت: من الرجل؟
قال (عليه السلام): رجل كان لنا مواليا وكان لنا محبا، ثم قال: لئن تروا أنه ليس لنا معكم أعين ناظرة، أو أسماع سامعة، لبئس ما رأيتم والله ما يخفى علينا شيء من أعمالكم فاحضرونا جميعا، وعودوا أنفسكم الخير، وكونوا من أهله، تعرفوا به، فإني بهذا آمر ولدي وشيعتي.
- ومنها: ما في الخرائج(628) أيضا عن الصادق (عليه السلام)، أنه دخل ناس عليه فقالوا ما حد الإمام؟ قال (عليه السلام): حده عظيم، إذا دخلتم عليه فوقروه، وعظموه، وآمنوا بما جاء به من شيء، وعليه أن يهديكم، وفيه خصلة إذا دخلتم عليه لم يقدر أحد أن يملأ عينه منه إجلالا له وهيبة، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان كذلك، وكذلك يكون الإمام قالوا: فيعرف شيعته؟ قال (عليه السلام) نعم، يراهم كلهم، قالوا فنحن لك شيعة؟ قال (عليه السلام) نعم، كلكم قالوا: أخبرنا بعلامة ذلك. قال:
أخبركم بأسمائكم وأسماء قبائلكم؟ قالوا: أخبرنا، فأخبرهم قالوا: صدقت قال (عليه السلام) وأخبركم عما أردتم أن تسألوا عنه في قوله تعالى: ﴿شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء﴾(629) قالوا:
صدقت قال: نحن نعطي شيعتنا ما نشاء من العلم، ثم قال (عليه السلام): يقنعكم؟ قالوا: بدون هذا نقنع.
- ومنها ما في كمال الدين(630)، عن حسن بن وجناء النصيبي، قال كنت ساجدا تحت الميزاب في رابع أربع وخمسين حجة بعد العتمة، وأنا أتضرع في الدعاء، إذ حركني محرك، فقال: قم يا حسن بن وجناء النصيبي. قال: فقمت فإذا جارية صفراء، نحيفة البدن، أقول: إنها من أبناء أربعين فما فوقها، فمشت بين يدي، وأنا لا أسألها عن شيء، حتى أتت بي إلى دار خديجة صلوات الله عليها وفيها بيت، بابه في وسط الحائط، وله درجة ساج يرتقى إليه، فصعدت الجارية، وجاءني النداء: اصعد يا حسن فصعدت، فوقفت بالباب، فقال لي صاحب الزمان (عليه السلام): يا حسن أتراك خفيت علي؟ والله ما من وقت في حجك إلا وأنا معك فيه.
ثم جعل يعد علي أوقاتي فوقعت مغشيا على وجهي، فحسست بيده قد وقعت علي، فقمت، فقال لي: يا حسن الزم بالمدينة دار جعفر بن محمد (عليه السلام) ولا يهمنك طعامك ولا شرابك، ولا ما يستر عورتك، ثم دفع إلي دفترا فيه دعاء الفرج وصلاة عليه.
فقال: بهذا فادع، وهكذا صل علي، ولا تعطه إلا محقي أوليائي، وإن الله جل جلاله موفقك، فقلت مولاي لا أراك بعدها؟ فقال (عليه السلام) يا حسن إذا شاء الله قال فانصرفت من حجتي، ولزمت دار جعفر بن محمد (عليه السلام) فأنا أخرج منها فلا أعود إليها إلا لثلاث خصال لتجديد وضوء، أو لنوم، أو لوقت الإفطار فأدخل بيتي وقت الإفطار فأصيب رباعيا مملوء ماء ورغيفا على رأسه عليه ما تشتهي نفسي بالنهار فآكل ذلك فهو كفاية لي، وكسوة الشتاء في وقت الشتاء وكسوة الصيف في وقت الصيف وإني لأدخل الماء بالنهار، وأرش البيت، وأدع الكوز فارغا، وأوتى بالطعام، فأصدق به ليلا لئلا يعلم بي من معي.
باب شباهته بجده خاتم الأنبياء (عليهما السلام)
- والكلمة الجامعة في هذا الباب قول رسول الله (صلى الله عليه وآله)(631) المهدي من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقا وخلقا، الخبر.
أقول: وهذا الكلام المبارك ينفتح منه أبواب كثيرة، فعليك بالتدبر فيه إن شاء الله تعالى كي يتم صبرك وينشرح صدرك.
الفصل الثاني في شباهته بالأئمة المعصومين (عليهم السلام)
وحيث إن ذكر كل واحد من خصائص آبائه الطاهرين وخصالهم وأحوالهم، ومعجزاتهم، وتطبيقها بخصاله وأحواله ومعجزاته، يحتاج إلى شرح طويل ومجال عريض، ويخرجنا عما نحن بصدده، فلا جرم نكتفي في ذكر كل منهم بما هو أظهر صفاته وأشهرها.
فنقول: أما أمير المؤمنين (عليه السلام) فأظهر صفاته علمه وزهده وشجاعته، وكلها يظهر من القائم (عليه السلام) وقد مر ما يدل على ذلك في حرف الجيم والحاء والزاي والعين.
وأما الحسن (عليه السلام) فأظهر صفاته حلمه، ومن آثار الحلم السكون، وعدم طيش النفس في المؤاخذة، حين يرى الشخص ما يكره من غيره، ونعم ما قيل:
تحلم على الأدنين واستبق ودهم * فلن تستطيع الحلم حتى تحلما
وأنت إذا تأملت في طول ما جرى على مولانا الحجة (عليه السلام) من رعيته، وشدة ابتلائه بهم، عرفت قوة صفة الحلم فيه، وظهورها منه، بحيث لم يظهر من أحد بهذه الكيفية.
وأما الحسين (عليه السلام) فيأتي شباهته به في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى.
وأما علي بن الحسين (عليه السلام) فأظهر صفاته عبادته، ولذا سمي بزين العابدين، وسيد العابدين، وذي الثفنات لأنه قد انخرم أنفه، وثفنت جبهته وركبتاه وراحتاه، إدابا منه لنفسه في العبادة:
- كما في حديث أبي جعفر الباقر (عليه السلام)(632) عن فاطمة بنت علي بن أبي طالب ولقد سألت عنه مولاة له، فقالت: أطنب أو أختصر؟ فقيل: بل اختصري فقالت: ما أتيته بطعام نهارا قط، وما فرشت له فراشا بليل قط، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة، التي وردت في شدة جهده في العبادة، ولمولانا الحجة عجل الله تعالى فرجه في جده سيد العابدين أسوة حسنة.
- فعن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)(633) أنه قال في وصف المهدي روحي فداه:
يعتوره مع سمرته صفرة من سهر الليل، بأبي من ليلة يرعى النجوم ساجدا وراكعا، (الخ) ويأتي بطوله في الباب السادس إن شاء الله تعالى.
وأما أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام) فأظهر صفاته شباهته برسول الله (صلى الله عليه وآله) ولذا قال جابر الأنصاري(634) حين نظر إليه: شمائل رسول الله ورب الكعبة كما ورد به عدة روايات مع أنه قد رأى من قبله الحسنين، وعلي بن الحسين (عليهم السلام) ولم يقل مثل هذا الكلام وكذا مولانا صاحب الأمر (عليه السلام) بل شباهته بالنبي (صلى الله عليه وآله) أتم وأكثر لما روي عنه في روايات مستفيضة، من طريق الخاصة والعامة أنه قال في وصفه: أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله. وقد مر نبذة منها في حرف الجيم فراجع.
وأما أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، فأظهر صفاته كشف العلوم وبيان الأحكام للأنام بنحو لم يتيسر لمن قبله من الأئمة (عليهم السلام) قال بعض أهل الحديث(635) إنه روى عنه أربعة آلاف رجل من الثقات.
أقول: ومع ذلك لم يكشف عن جميع ما عنده من أبواب العلوم، وأخر ذلك إلى زمان ظهور القائم (عليه السلام)، فهو الذي يبين للناس جميع الأحكام، ويكشف عما لم يجد السابقون عليه له أهلا، حتى إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول مشيرا إلى صدره: إن ههنا لعلما جما، لو أصبت له حملة، إلى آخر كلامه الشريف ويأتي ما يشهد لما قلناه في كشف العلوم إن شاء الله تعالى.
وأما أبو إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام) فقد ابتلي بالتقية وشدة الخوف، أكثر وأعظم مما ابتلي به آباؤه (عليهم السلام)، وهذا واضح لمن لاحظ تاريخ أحواله (عليه السلام)، وكذلك مولانا القائم (عليه السلام)، كما أشرنا إليه في حرف الخاء المعجمة.
وأما أبو الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فقد جعل الله له الرئاسة الظاهرة والاستيلاء على ما لم يستول عليه آباؤه الطاهرون، وارتفع التقية والخوف في زمانه في الجملة، وكذلك القائم (عليه السلام)، ليبدلنه الله تعالى من بعد خوفه أمنا، وليمكننه في الأرض بنحو لم يقع لأحد ممن تقدم عليه كما مر الإشارة إليه، واستيلاؤه على جميع العالم كاستيلاء سلطان النهار(636) على الليل المظلم.
- وقد روى علي بن إبراهيم (ره) بسند صحيح عن أبي جعفر (عليه السلام)(637) في قوله تعالى:
﴿والنهار إذا تجلى﴾(638) قال (عليه السلام): النهار هو القائم منا أهل البيت، إذا قام غلب دولة الباطل، الخبر.
وأما أبو جعفر محمد بن علي التقي (عليه السلام)، فقد آتاه الإمامة حين لم يبلغ مبلغ الرجال، ولم يرتق عمره إلى ثمانية أحوال، وكذلك الحجة (عليه السلام) كما مر في حرف الغين المعجمة.
وأما أبو الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام)، فكان له هيبة لم يكن لأحد مثلها، بحيث كان أعداؤه يخصونه باحترامات وإكرامات لا يخصون بها أحدا، وهذا كان يقع منهم إجلالا له وهيبة منه، لا ودا ومحبة وكذا القائم (عليه السلام) فإن له هيبة خاصة في قلوب الأعداء ورعبا.
وقد مر ما يدل عليه في شباهته بذي القرنين، وكذلك كان سيدنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام).
- ولنختم الكلام بذكر رواية شريفة مروية في ثاني عشر(639) البحار بإسناده: دخل العباسيون على صالح بن وصيف، ودخل صالح بن علي وغيرهم من المنحرفين عن هذه الناحية على صالح بن وصيف عندما حبس أبو محمد (عليه السلام) فقالوا له: ضيق عليه ولا توسع، فقال لهم: ما أصنع به وقد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه، فقد صار من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم ثم أمر بإحضار الموكلين فقال لهما ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل فقالا له: ما نقول في رجل يصوم نهاره ويقوم ليله كله لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا، وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلما سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين. ويأتي في شباهته (عليه السلام) بالحسين (عليه السلام) ما يناسب المقام. هذا وفي الزوايا خبايا قد طوينا عنها كشحا لئلا يطول الكتاب والله تعالى هو الموفق للصواب.
الفصل الثالث: في جملة من شباهاته بجده إمام الخافقين مولانا الشهيد أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)
وهي أمور منها: شدة الاهتمام بذكر أمرهما في الكتاب الكريم وفي سنة الأنبياء وكتبهم كما لا يخفى على المتتبع وإن شئت الاطلاع على جملة من ذلك فارجع إلى كتاب المحجة(640) فيما نزل من القرآن في الحجة (عليه السلام) وكتاب عاشر البحار(641) وكتب التفسير وغيرها.
ومنها: اهتمام الأنبياء السابقين في البكاء لمولانا الحسين (عليه السلام) وإقامة مجلس رثائه قبل شهادته، ومثله اهتمام الأئمة السابقين في الدعاء لفرج مولانا الحجة وطلب ظهوره قبل وقوع غيبته.
ومنها شدة سعيهما في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن مولانا الشهيد أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) لم يلاحظ التقية في ذلك وهذا من خصائصه وكذلك الحجة (عليه السلام) ويأتي في حرف النون ما يدل على المقصود.
ومنها عدم وقوع بيعة طاغية الزمان عليهما.
- ففي أوصاف الحسين (عليه السلام)(642) أنه قيل له يوم الطف إنزل على حكم بني عمك قال لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد ثم نادى: يا عباد الله " إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب " وقال (عليه السلام): " موت في عز، خير من حياة في ذل " ومر في أسباب غيبة الحجة عجل الله تعالى فرجه ما يدل على المقصود.
ومنها: الرفع إلى السماء، فقد رفعهما الملائكة إلى السماء بإذن الله تعالى كما مر في شباهته بإدريس.
ومنها: أن في تمني الكون مع الحسين (عليه السلام) يوم الطف، والعزم على نصرته ثواب الشهادة معه، وفي تمني الكون مع القائم (عليه السلام)، في زمان ظهوره والعزم على نصرته ثواب الشهادة، وجهاد الأعداء بمحضره كما وردت بهما الرواية ويأتي إن شاء الله تعالى في الباب الثامن.
ومنها: أن الحسين (عليه السلام) خرج من المدينة خائفا يترقب، ثم نزل في مكة، ثم ارتحل منها إلى نحو الكوفة، والحجة (عليه السلام) يقع له مثل ذلك:
- ففي الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام)(643) قال ويبعث السفياني بعثا إلى المدينة، فيفر المهدي (عليه السلام) منها إلى مكة، فيبلغ جيش السفياني بأن المهدي (عليه السلام) قد خرج إلى مكة، فيبعث جيشا على أثره، فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفا يترقب على سنة موسى بن عمران قال (عليه السلام): وينزل جيش السفياني البيداء، فينادي مناد من السماء: يا بيداء أبيدي القوم.
فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر، يحول الله وجوههم إلى أقفيتهم وهم من كلب، الخ.
ومنها: كون مصيبتهما أشد المصائب.
- أما الحسين (عليه السلام) ففي حديث(644) آدم وجبرائيل أنه قال: يا آدم ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب (الخ).
وأما القائم (عليه السلام) فلطول غيبته وشدة محنته.
- ومنها(645) أن الحسين (عليه السلام) استنصر في مكة حين أراد المسير إلى العراق فقال من كان باذلا مهجته فينا وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل، فإني راحل مصبحا إن شاء الله. وكذلك الحجة عجل الله تعالى فرجه، يستنصر في مكة حين ظهوره بها:
- فعن أبي جعفر الباقر، في حديث طويل(646) صحيح(647) قال: والقائم (عليه السلام) يومئذ بمكة قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيرا به فينادي: يا أيها الناس إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس فإنا أهل بيت نبيكم، ونحن أولى الناس بالله وبمحمد (صلى الله عليه وآله) فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجني في محمد (صلى الله عليه وآله) فأنا أولى الناس بمحمد (صلى الله عليه وآله) ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين أليس الله يقول في محكم كتابه: ﴿إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم﴾ فأنا بقية من آدم، وذخيرة من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمد صلى الله عليهم أجمعين، ألا ومن حاجني في كتاب الله، فأنا أولى الناس بكتاب الله، ومن حاجني في سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأنا أولى الناس بسنة رسول الله، فأنشد الله من سمع اليوم كلامي لما بلغ الشاهد منكم الغائب، وأسألكم بحق الله وحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحقي فإن لي عليكم حق القربى من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أعنتمونا، ومنعتمونا ممن يظلمنا، فقد أخفنا وظلمنا، وطردنا من ديارنا وأبنائنا، وبغي علينا، ودفعنا عن حقنا، وافترى أهل الباطل علينا، فالله الله فينا، لا تخذلونا وانصرونا ينصركم الله، الخبر.
أقول: إذا فتحت مسامع قلبك، وشرح صدرك بنور من ربك، سمعت نداء إمام زمانك في هذا الزمان، واستنصاره من أهل الإيمان، فهل من مجيب يجيبه؟ وهل من معين يعينه؟
وهل من ناصر ينصره؟ فإن النصرة في كل زمان على حسبه، فعليكم النصر، فإن نصره نصر لله، ونصر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولأولياء الله، ونصر للإسلام وللإيمان، ونصر للغريب، ونصر للمظلوم ونصر للمضطر، ونصر للعالم، ونصر لولي النعمة، ونصر للوالد الرحيم، إلى غير ذلك من العناوين الصادقة عليه الحاصلة بنصره. واعلم أن من أقسام نصرته وإعانته بذل المال في ذكره، وطبع الكتب المتعلقة به، المتكفلة لبيان آدابه، ومنها بذل المال لذرية الأئمة (عليهم السلام)، وشيعتهم، ومنها إعانة من يعينه وينصر بما تيسر من المال أو الجاه، أو الشفاعة واللسان أو غير ذلك والله الهادي.
أبواب صفاته الحميدة (عليهم السلام) ومن الجهات الموجبة للدعاء له على جميع الأنام المبدوءة ألفاظها بالكاف المهملة:
كرمه (عليه السلام)
فإن الطباع مجبولة على محبة الكريم، والعقول متفقة على رجحان الدعاء بل لزوم ذلك كما لا يخفى.
والفرق بين السخي والكريم أن السخي يعطي بعد السؤال والكريم يعطي قبل السؤال، وقد ذكروا في أحوال مولانا الحسن المجتبى (عليه السلام)، أنه جاءه بعض الأعراب فقال (عليه السلام): أعطوه ما في الخزانة فوجد فيها عشرون ألف دينار(648) فدفعها إلى الأعرابي، فقال الأعرابي: يا مولانا ألا تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي.
فأنشأ الحسن (عليه السلام):
نحن أناس نوالنا خضل * يرتع فيه الرجال والأمل
تجود قبل السؤال أنفسنا * خوفا على ماء وجه من يسل
لو علم البحر فضل نائلنا * لفاض من بعد فيضه خجل
ثم إن الأحاديث الدالة على كمال هذه الصفة في سيدنا ومولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه كثيرة، عموما وخصوصا.
فمنها: ما دل على أن الإمام في كل عصر أكرم الناس وأسخاهم.
ومنها: ما دل على أن خلقه خلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد مر تحقيقه.
ومنها: ما دل على تحليله (عليه السلام)، وإباحته صلوات الله عليه خمس ما في أيدي المخالفين، مثل السبي والغنائم، وغيرهما للمؤمنين إذا اشتروها من المخالفين، لتطيب ولادتهم وتزكوا أموالهم.
- ومنها: ما في البحار(649) عن أبي جعفر (عليه السلام) إذا ظهر القائم ودخل الكوفة بعث الله تعالى من ظهر الكوفة سبعين ألف صديق، فيكونون في أصحابه وأنصاره ويرد السواد إلى أهله هم أهله، ويعطي الناس عطايا مرتين في السنة، ويرزقهم في الشهر رزقين، ويستوي بين الناس، حتى لا ترى محتاجا إلى الزكاة، ويجيء أصحاب الزكاة بزكاتهم إلى المحاويج من شيعته فلا يقبلونها فيصرونها ويدورون في دورهم فيخرجون إليهم، فيقولون: لا حاجة لنا في دراهمكم.
قال المجلسي (ره) وساق الحديث إلى أن قال: وتجتمع إليه أموال أهل الدنيا كلها من بطن الأرض وظهرها، فيقال للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدم الحرام، وركبتم فيه المحارم، فيعطي عطاء لم يعطه أحد قبله.
أقول: قد مر في سخائه ما يدل على المقصود.
كشف العلوم للمؤمنين بنحو لم يتحقق قبل ظهوره لأحد من النبيين والوصيين
- ففي البصائر(650) بإسناده عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا وقف الرجل بين يديه قال: يا فلان استعد وأعد لنفسك ما تريد فإنك تمرض في يوم كذا وكذا، في ساعة كذا وكذا وسبب مرضك كذا وكذا، وتموت في شهر كذا وكذا في يوم كذا وكذا في ساعة كذا وكذا قال سعد فقلت هذا الكلام لأبي جعفر (عليه السلام) فقال: كان ذاك فقلت: جعلت فداك فكيف لا تقول أنت فلا تخبرنا فنستعد له قال (عليه السلام) هذا باب أغلق الجواب فيه علي بن الحسين (عليهما السلام) حتى يقوم قائمنا (عليه السلام).
- وفي البحار(651) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: العلم سبعة وعشرون حرفا فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير حرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفا فبثها في الناس وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفا.
- وفيه(652) عن أبي جعفر (عليه السلام) في وصف آداب القائم (عليه السلام) في زمان ظهوره قال في حديث طويل قال: ثم يرجع إلى الكوفة، فيبعث الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا إلى الآفاق كلها، فيمسح بين أكتافهم، وعلى صدورهم، فلا يتعايون في قضاء، ولا تبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو قوله ﴿وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون﴾(653) ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية، كما قبلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو قول الله(654) ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله﴾ الخ.
- وفي حديث آخر عنه (عليه السلام)(655) قال: وتؤتون الحكمة في زمانه حتى إن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
- وفي حديث آخر عنه (عليه السلام)(656) إذا قام القائم أقام في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلا يقول عهدك كفك، فإذا ورد عليك ما لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه، فانظر إلى كفك، واعمل بما فيها، الخبر.
- وفي كتاب الخرائج(657) عنه عن سيد الشهداء: ثم إن الله ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شيء في الأرض، وما كان فيها، حتى إن الرجل منهم يريد أن يعلم علم أهل بيته فيخبرهم بعلم ما يعلمون.
- وفي البحار(658) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل قال: ويقذف في قلوب المؤمنين العلم، فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من علم، فيومئذ تأويل هذه الآية: ﴿يغني الله كلاً من سعته﴾ وتخرج لهم الأرض كنوزها، ويقول القائم: ﴿كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية﴾ الخبر.
كشف الضر عن المؤمنين بالدعاء لهم عموما كما مر وخصوصا في موارد أكثر من أن تحصى
- فمنها ما نقله العالم الكامل مولانا المجلسي (ره) في التاسع عشر من البحار(659) بعدة طرق عن أبي الوفاء الشيرازي قال: كنت مأسورا بكرمان في يد ابن إلياس مقيدا مغلولا فأخبرت أنه قد هم بصلبي، فاستشفعت إلى الله (عزَّ وجلَّ) بزين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) فحملتني عيني، فرأيت في المنام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول لا تتوسل بي، ولا بابنتي، ولا بابني(660) في شيء من عروض الدنيا، بل للآخرة وما تؤمل من فضل الله (عزَّ وجلَّ) فيها، فأما أخي أبو الحسن فإنه ينتقم لك ممن يظلمك.
فقلت: يا رسول الله، أليس قد ظلمت فاطمة فصبر، وغصب هو على إرثك فصبر، فكيف ينتقم لي ممن ظلمني! فقال (صلى الله عليه وآله): ذلك عهد عهدته إليه وأمر أمرته به ولم يجد بدا من القيام به، وقد أدى الحق فيه، والآن فالويل لمن يتعرض لمواليه.
وأما علي بن الحسين فللنجاة من السلاطين، ومن مفسدة الشياطين، وأما محمد بن علي وجعفر بن محمد فللآخرة، وأما موسى بن جعفر فالتمس به العافية وأما علي بن موسى فللنجاة في الأسفار في البر والبحر، وأما محمد بن علي فأستنزل به الرزق من الله تعالى، وأما علي بن محمد فلقضاء النوافل وبر الإخوان.
وأما الحسن بن علي فللآخرة. وأما الحجة فإذا بلغ السيف منك المذبح وأومى (صلى الله عليه وآله) بيده إلى حلقه فاستغث به وهو يغيثك، وهو كهف وغياث لمن استغاث به.
فقلت: يا مولاي يا صاحب الزمان أنا مستغيث بك فإذا أنا بشخص قد نزل من السماء تحته فرس وبيده حربة من حديد(661) فقلت: يا مولاي، اكفني شر من يؤذيني فقال كفيتك فإنني سألت الله (عزَّ وجلَّ) فيك، وقد استجاب دعوتي فأصبحت فاستدعاني ابن إلياس، وحل قيدي وخلع علي، وقال بمن استغثت فقلت استغثت بمن هو غياث المستغيثين حتى سأل ربه (عزَّ وجلَّ). والحمد لله رب العالمين.
- ومنها: ما نقله في المجلد الثالث عشر(662) عن والده العالم العامل مولانا محمد تقي المعروف بالمجلسي الأول (ره) أنه قال: كان في زماننا رجل شريف صالح، كان يقال له أمير إسحاق الأسترآبادي وكان قد حج أربعين حجة ماشيا، وكان قد اشتهر بين الناس أنه تطوى له الأرض، فورد في بعض السنين بلدة أصفهان، فأتيته وسألته عما اشتهر فيه.
فقال: كان سبب ذلك أني كنت في بعض السنين مع الحاج متوجهين إلى بيت الله الحرام، فلما وصلنا إلى موضع كان بيننا وبين مكة سبعة منازل أو تسعة تأخرت عن القافلة لبعض الأسباب، حتى غابت عني، وضللت عن الطريق وتحيرت وغلبني العطش، حتى أيست من الحياة، فناديت: يا صالح يا أبا صالح أرشدونا إلى الطريق يرحمكم الله.
فتراءى لي في منتهى البادية شبح، فلما تأملته حضر عندي في زمان يسير فرأيته شابا حسن الوجه، نقي الثياب، أسمر على هيئة الشرفاء، راكبا على جمل ومعه إداوة(663) فسلمت عليه، فرد علي السلام، وقال أنت عطشان؟ قلت نعم، فأعطاني الإداوة فشربت، ثم قال:
تريد أن تلحق القافلة؟ قلت: نعم، فأردفني خلفه، وتوجه نحو مكة، وكان من عادتي قراءة الحرز اليماني في كل يوم، فأخذت في قراءته فقال (عليه السلام) في بعض المواضع: اقرأ هكذا.
قال فما مضى إلا زمان يسير، حتى قال لي: تعرف هذا الموضع فنظرت، فإذا أنا بالأبطح، فقال: إنزل، فلما نزلت رجعت، وغاب عني، فعند ذلك عرفت أنه القائم (عليه السلام) فندمت، وتأسفت على مفارقته، وعدم معرفته. فلما كان بعد سبعة أيام، أتت القافلة فرأوني في مكة بعد ما أيسوا من حياتي فلذا اشتهرت بطي الأرض.
قال في البحار قال الوالد: فقرأت عنده الحرز اليماني وصححته، وأجازني والحمد لله.
- ومنها ما نقله العالم العامل الحاج ميرزا حسين النوري (ره) في جنة المأوى(664) عن كتاب كنوز النجاح للشيخ الجليل أمين الإسلام فضل بن الحسن الطبرسي قال: دعاء علمه صاحب الزمان عليه سلام الله الملك المنان أبا الحسن محمد بن أحمد بن الليث رحمه الله تعالى، في بلدة بغداد في مقابر قريش وكان أبو الحسن قد هرب إلى مقابر قريش، والتجأ إليه (عليه السلام) من خوف القتل فنجا منه ببركة هذا الدعاء. قال أبو الحسن المذكور: إنه صلوات الله عليه علمني أن أقول: اللهم عظم البلاء وبرح الخفاء، وانقطع الرجاء، وانكشف الغطاء، وضاقت الأرض ومنعت السماء، وإليك يا رب المشتكى، وعليك المعول في الشدة والرخاء، اللهم فصل على محمد وآل محمد، أولي الأمر الذين فرضت علينا طاعتهم، فعرفتنا بذلك منزلتهم، ففرج عنا بحقهم فرجا عاجلا كلمح البصر، أو هو أقرب يا محمد يا علي، يا علي يا محمد إكفياني، فإنكما كافياي، وانصراني فإنكما ناصراي، يا مولاي يا صاحب الزمان الغوث الغوث، أدركني أدركني أدركني، قال الراوي: إنه (عليه السلام) عند قوله: يا صاحب الزمان، كان يشير إلى صدره الشريف.
أقول: إذا أردت أن تطلع على نبذ من ذلك فعليك بمطالعة كتاب النجم الثاقب، جزى الله تعالى مؤلفه أحسن الجزاء.
حرف اللام: لواؤه (عليه السلام)
من المهمات الدعاء لنشر لوائه فبذلك نفرح القلوب وتكشف الكروب:
- ففي كمال الدين(665) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال على المنبر: يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة مبدح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان على لون جلده وشامته على شبه شامة النبي (صلى الله عليه وآله) له اسمان:
اسم يخفى، واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد إذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب ووضع يده على رؤوس العباد، فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد وأعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلا، ولا يبقى ميت من المؤمنين إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قلبه وهو في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم (عليه السلام).
أقول: المراد بالقبور منازل أرواحهم في عالم البرزخ يشهد لذلك بعض الروايات كما حكي عن بعض الأساطين.
- وفي الإكمال(666) أيضا روي أنه يكون في راية المهدي (عليه السلام) الرفعة(667) لله (عزَّ وجلَّ).
- وفيه(668) عن أمير المؤمنين (عليه السلام): إن لنا أهل البيت راية، من تقدمها مرق، ومن تأخر عنها زهق، ومن تبعها لحق.
- وعن(669) الصادق (عليه السلام) قال كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) على ظهر النجف فإذا استوى على ظهر النجف ركب فرسا أدهم أبلق ما بين عينيه شمراخ(670) ثم ينتفض به فرسه فلا يبقى أهل بلدة إلا وهم يظنون أنه معهم في بلادهم، فإذا نشر راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) انحط إليه ثلاثة عشر ألف ملكا وثلاثة عشر ملكا كلهم ينظرون إلى القائم (عليه السلام)، الخبر.
- وعن أبي حمزة(671) قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) قد ظهر على ظهر النجف بالكوفة، فإذا ظهر على النجف نشر راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمودها من عمود(672) عرش الله تعالى وسائرها من نصر الله جل جلاله، ولا يهوي بها إلى أحد إلا أهلكه الله تعالى، قال:
قلت تكون معه أو يؤتى بها؟ قال: بل يؤتى بها يأتيه بها جبرائيل (عليه السلام).
- وفيه(673) أيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله) وفي حديث طويل قال: له علم إذا حان وقت خروجه، انتشر ذلك العلم من نفسه، وأنطقه الله تبارك وتعالى فناداه العلم: اخرج يا ولي الله، فاقتل أعداء الله. وله رايتان، وعلامتان، وله سيف مغمد، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله (عزَّ وجلَّ) فناداه السيف: أخرج يا ولي الله فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله، الخبر.
- وفي البحار(674) عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام)، لما التقى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البصرة، ونشر الراية راية رسول الله (عليه السلام) فتزلزلت أقدامهم فما اصفرت الشمس حتى قالوا: أمتنا يا بن أبي طالب، فعند ذلك قال (عليه السلام): لا تقتلوا الأسراء، ولا تجهزوا على جريح، ولا تتبعوا موليا، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن. ولما كان يوم صفين سألوه نشر الراية، فأبى عليهم فتحملوا عليه بالحسن والحسين وعمار بن ياسر، فقال (عليه السلام) للحسن: يا بني إن للقوم مدة يبلغونها وإن هذه راية لا ينشرها بعدي إلا القائم (عليه السلام).
- وفي حديث آخر عن أبي جعفر (عليه السلام)(675) في وصف رايته قال: ما هي والله من قطن ولا كتان ولا قز ولا حرير قال الراوي: فقلت من أي شيء هي؟ قال (عليه السلام) من ورق الجنة نشرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر ثم لفها ودفعها إلى علي (عليه السلام)، فلم تزل عنده حتى كان يوم البصرة فنشرها أمير المؤمنين، ففتح الله عليه، ثم لفها، وهي عندنا هناك، لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم (عليه السلام) فإذا قام نشرها فلم يبق في المشرق والمغرب أحد إلا لقيها، ويسير الرعب قدامها شهرا، وعن يمينها شهرا وعن يسارها شهرا.
ثم قال (عليه السلام) إنه يخرج موتورا غضبان أسفا لغضب الله على هذا الخلق، عليه قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان عليه يوم أحد وعمامته السحاب، ودرع رسول الله السابغة، وسيف رسول الله ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل هرجا، الخبر.
أقول: هذه الأحاديث تدل على تعدد راياته، ويدل عليه أخبار أخر تركنا ذكرها في هذا المختصر.
حرف الميم: مرابطته (عليه السلام) في سبيل الله تعالى
أما معنى المرابطة وفضلها فسنذكرهما في الباب الثامن إن شاء الله تعالى وأما فضل الدعاء للمرابطين وحسن ذلك فيدل عليه العقل والنقل.
أما الأول: فلأنهم حماة الدين، وعيون المسلمين والعقل يقضي بحسن الدعاء لمن هو كذلك.
وأما الثاني فيكفينا دعاء مولانا سيد العابدين (عليه السلام) لهم في الصحيفة المباركة السجادية، وهو الدعاء السابع والعشرون، وأما ما يدل على كون مولانا الحجة (عليه السلام) مرابطا في سبيل الله (عزَّ وجلَّ) فعدة روايات:
- منها: التوقيع(676) الخارج إلى الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (ره) نسخته من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله.
- ومنها: ما روي في كتاب الغيبة للشيخ النعماني (ره) بإسناده عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام)، أن ابن عباس بعث إليه من يسأله عن هذه الآية ﴿يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا﴾(677) فغضب علي بن الحسين (عليه السلام) وقال للسائل وددت أن الذي أمرك بهذا واجهني به ثم قال: نزلت في أبي وفينا، ولم يكن الرباط الذي أمرنا به بعد وسيكون ذلك ذرية من نسلنا المرابط، الخبر.
- وفي البرهان عن العياشي(678) مرسلا عن أبي جعفر (عليه السلام) في هذه الآية قال (عليه السلام) نزلت فينا، ولم يكن الرباط الذي أمرنا به بعد وسيكون ذلك يكون في نسلنا المرابط.
أقول: لا يخفى أن المقصود بالمرابط المذكور هو مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) بدلالة التوقيع المذكور، ومر في حرف اللام ما يشهد لذلك ومن هنا يظهر أن ذلك من عباداته المختصة به (عليه السلام) من بين الأئمة الكرام، كما أن منها أيضا حج بيت الله الحرام في جميع المواسم والأعوام كما بيناه في حرف الحاء المهملة، ومنها أيضا طول صبره، بحيث لم يتفق لأحد من آبائه صلوات الله تعالى عليهم، ومنها أيضا المواظبة في الندبة لمولانا الشهيد أبي عبد الله (عليه السلام) كل صباح ومساء، بناء على صدور الزيارة المعروفة بالناحية عنه (عليه السلام) كما نقله الفاضل المجلسي (ره) عن كتاب المزار الكبير(679) فإن فيها ما لفظه: " فلئن أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محاربا ولمن نصب لك العداوة مناصبا، فلأندبنك صباحا ومساء " (الخ).
معجزاته (عليه السلام)
تدل على شدة اهتمامه في ترويج دين الله وهداية عباد الله والدعاء لمن كان كذلك راجح وممدوح عقلا ونقلا، ولذلك تدعوا الملائكة لطالبي العلم، مضافا إلى أن هداية العباد من أعظم أقسام النفع لهم، والإحسان إليهم، فيجب الدعاء في حق من يهديهم إلى الحق، وغير ذلك من الوجوه التي تظهر بالتدبر.
- وأما معجزاته (عليه السلام)، فقد روى المحدث الحر العاملي (ره) في كتاب إثبات الهداة(680) عن كتاب فضل بن شاذان، بإسناده عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله وسلامه عليهما وعلى آبائهما وأبنائهما: ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء، إلا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا لإتمام الحجة على الأعداء، إنتهى. أما تفصيل ما ظهر منه من المعجزات فليطلب من الكتب المطولة كالبحار وغيره.
محنته (عليه السلام)
- روي في كتاب غيبة النعماني بإسناده(681) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد مما استقبله رسول الله (عليه السلام) من جهال الجاهلية قال فضيل: فقلت كيف ذلك؟ قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور، والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله ويحتج عليه به، الخبر.
وفي هذا المعنى روايات أخر تركنا ذكرها في هذا المختصر وهذا بيان محنته في زمان ظهوره.
أما محنته في زمان غيبته، فلا يكاد يخفى على أحد من شيعته.
مصائبه (عليه السلام) كثيرة
فإنه قد أصيب بمصيبة جده وآبائه خصوصا سيدنا الشهيد أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) فإنه ولي دمه كما ورد في التفسير والدعاء للمصاب مستحب كما دلت عليه الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
محبته (عليه السلام) للمؤمنين
ومحبة المؤمن له (عليه السلام) من أعظم الأسباب الموجبة الباعثة للمؤمن على الدعاء له ومسألة التعجيل في فرجه من الله تعالى شأنه.
أما محبته للمؤمنين فتدل عليه طوائف من الأخبار:
منها: ما دل على كون الإمام بمنزلة الوالد الشفيق والأب الرحيم للمؤمنين بل هو أرأف من الوالد بهم.
ومنها: ما دل على كون الشيعة بمنزلة الأوراق لشجرة الإمامة.
ومنها: ما دل على أن الإمام يحزن لحزن المؤمنين ويتفجع لمصابهم، ويألم لمرضهم.
ومنها: ما دل على دعائه لهم وفي حقهم.
ومنها: ما دل على إباحته الأنفال ونحوها لشيعته في زمان غيبته.
ومنها: ما دل على إغاثته لمحبيه في موارد كثيرة قد ذكرنا بعضها في هذا الكتاب.
ومنها: ما دل على حضور الإمام في تشييع جنازة المؤمن.
ومنها: ما ورد من بكائهم عند ابتلاء أحبائهم، وحين وفاتهم وغير ذلك مما لا يخفى على المتتبع إن شاء الله تعالى.
وأما محبة المؤمن له: فهي من الواجبات التي يتوقف عليها حصول حقيقة الإسلام وقبول الأعمال، بل لمحبته بالخصوص تأثير خاص اقتضى أمرا خاصا به كما سنذكره في الباب الثامن إن شاء الله تعالى فيا أيها المحبون المشتاقون، ادعوا لحبيبكم واسألوا الله تعالى أن يجعل لقاءه من نصيبكم.
حرف النون نفعه (عليه السلام)
اعلم أن منافع وجوده المبارك على أقسام:
القسم الأول: منافع وجوده غائبا كان أو حاضرا، وهو على قسمين: قسم يشترك في الانتفاع به جميع الخلائق، مثل الحياة والرزق والسكون في العالم، ونحوها فإن جميعها من بركات وجوده، كما أثبتنا في الباب الثاني والثالث.
- ولهذا قال (عليه السلام) في التوقيع الشريف(682) وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، الخ.
وقد ورد بمضمون هذا التوقيع الشريف روايات أخر عن الأئمة (عليهم السلام) وسنعقد في خاتمة هذا الكتاب فصلا لبيان مبانيها، وتحقيق إشاراتها ومعانيها إن شاء الله تعالى.
وقسم يختص بالمؤمنين من العنايات الربانية، والإفاضات العلمية، كإيضاح وقت الصلوات اليومية، ونحوها.
- روي في الوسائل(683) بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من يوم سحاب يخفى فيه على الناس وقت الزوال، إلا كان من الإمام (عليه السلام) للشمس زجرة حتى تبدو، فيحتج على أهل كل قرية من اهتم بصلاته ومن ضيعها.
والقسم الثاني: منافع زمان غيبته، وهي على قسمين أحدهما ما يختص بالمؤمنين وهي كثيرة.
منها: ما يترتب على انتظار زمان ظهوره من المثوبات الجليلة التي يأتي ذكرها في الباب الثامن إن شاء الله تعالى.
ومنها: ما يترتب على صبرهم في زمان غيبته، ونذكرها ثمة أيضا.
ومنها: تضاعف ثواب أعمالهم الحسنة في مثل هذا الزمان.
- ففي أصول الكافي وغيره عن عمار الساباطي(684) قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيما أفضل العبادة في السر مع الإمام منكم المستتر، في دولة الباطل، أو العبادة في ظهور الحق، ودولته مع الإمام منكم الظاهر؟ فقال: يا عمار الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك والله عبادتكم في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل، وتخوفكم من عدوكم في دولة الباطل، وحال الهدنة، أفضل ممن يعبد الله جل ذكره في ظهور الحق مع إمام الحق الظاهر في دولة الحق، وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل، مثل العبادة والأمن في دولة الحق.
واعلموا أن من صلى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة، مستترا بها من عدوه في وقتها فأتمها، كتب الله (عزَّ وجلَّ) له خمسين صلاة فريضة في جماعة ومن صلى منكم صلاة فريضة وحده مستترا بها من عدوه في وقتها فأتمها كتب الله (عزَّ وجلَّ) له بها خمسا وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن صلى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمها، كتب الله له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله (عزَّ وجلَّ) حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان بالتقية على دينه وإمامه ونفسه، وأمسك من لسانه، أضعافا مضاعفة إن الله (عزَّ وجلَّ) كريم، الخبر.
ومنها المثوبات الجليلة الكثيرة المترتبة على الأعمال المخصوصة بزمان غيبة الإمام صلوات الله عليه فإنها عظيمة جدا، وسنذكرها في الباب الثامن إن شاء الله تعالى.
وثانيهما ما يختص بالكافرين والمنافقين، وهو إمهالهم وتأخير عذابهم:
- ففي تفسير(685) علي بن إبراهيم القمي (ره) في قوله تعالى: ﴿فمهل الكافرين أمهلهم رويدا﴾(686) لوقت بعث القائم، فينتقم لي من الجبارين، والطواغيت من قريش وبني أمية وسائر الناس.
القسم الثالث: منافع زمان ظهوره، وهي على قسمين:
الأول: ما يعم جميع الخلائق، مثل انتشار نوره، وظهور عدله، وأمنية الطرق والبلاد، وظهور بركات الأرض واصطلاح السباع والبهائم، وعدم إيذاء ذي حمة أحدا وغيرها من بركاته الوافرة، ومنافعه المتكاثرة.
- ففي البحار(687) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف ظهور القائم (عليه السلام) قال: وتعطي السماء قطرها والشجر ثمرها، والأرض نباتها وتتزين لأهلها، وتأمن الوحوش حتى ترتعي في أطراف الأرض كأنعامهم، الخبر.
والثاني: ما يختص بالمؤمنين، وهو على قسمين:
أحدهما لإحيائهم، وهو الانتفاع بشرف حضوره، والاستضاءة بنوره، والأخذ عن علومه وارتفاع العاهات والأمراض والبليات عن أبدانهم.
- كما عن الصادق (عليه السلام)، في البحار(688) وغيره قال: إذا قام القائم أذهب الله عن كل مؤمن العاهة، ورد إليه قوته. وازدياد قوتهم، كما مر في حرف القاف، وطول أعمارهم، ومشاهدتهم كيف ينتقم القائم (عليه السلام) من أعدائهم، وغير ذلك من المنافع الكثيرة.
وثانيهما: لأمواتهم، فمن ذلك دخول الفرج بظهوره في قبورهم:
- ففي المحجة(689) عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى شأنه: ﴿ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله﴾ قال: في قبورهم بقيام القائم. ومر في حرف اللام، ما يدل على ذلك. ومن منافع زمان ظهوره لأموات المؤمنين حياتهم بعد موتهم.
- ففي البحار(690) عن الصادق (عليه السلام) قال وإذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطرا لم تر الخلائق مثله، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، وكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة، ينفضون شعورهم من التراب، وقد مر ما يدل على المقصود في حرف الكاف فراجع.
ويأتي في الباب الخامس ما يدل على أن الداعي لفرجه صلوات الله عليه يحيى في زمان ظهوره ليتشرف بحضوره إن شاء الله تعالى.
نوره (عليه السلام)
من أعظم ما يبعث على الدعاء له ويدل على ذلك العقل وتقريره، أنك إذا كنت في ليل مظلم في طريق مبهم، وكان فيه زحاليف مزلة، واعترضتك كلاب مؤذية، لا يمكنك الخلاص منها إلا بسراج تستضيء به في الطريق، وتتخلص ببركته من الشدة والضيق فأتاك آت بسراج أضاء به سبيلك، ونجوت به عما يغيلك، بعثك عقلك بل حملك طبعك على الدعاء له، من دون تأمل في أنه رجل أو امرأة وأنه عالم أو جاهل، وحر أو عبد، لأن نفس هذا الأمر صار سببا لدعائك وخلاصك من شدتك وابتلائك، إذا عرفت ذلك فاعلم أن تحقيق الكلام في هذا المقام يستدعي فصولا:
الأول: في معنى النور.
الثاني: في كون النورانية علامة الشرف وكمالها دليل كماله.
الثالث: في كون وجوده عجل الله تعالى فرجه نورا.
الرابع: في إشراقات نوره في غيبته وحضوره.
الفصل الأول: في معنى النور
اعلم أن النور اسم لكل ما هو ظاهر مظهر لغيره سواء كان ظهوره بنفسه أم بغيره وإلى هذا المعنى يرجع ما قيل في تعريفه: إن النور ما به تظهر الأشياء لأن ظهور الغير به فرع ظهوره في نفسه، فإن فاقد الشيء لا يكون معطيه، وأما ما قيل في تعريفه من أنه الظاهر بنفسه المظهر لغيره، فهو حق إن أريد به ما ذكرناه، وإن أريد به أن النور ما يكون ظهوره غير مستند إلى غيره، ويكون ظهور غيره مستندا إليه كما هو مقتضي باء السببية نفيه منع، إذ يلزم منه أن لا يصح إطلاقه على غير الله تعالى حقيقة، فلا ينعكس التعريف. وبالجملة، فالنور على كل من هذه التعاريف كلي مشكك يتفاوت أفراده فأعلاه الذات المقدس الظاهر بنفسه، المظهر لغيره، الخارج عن حدود الممكنات الخالق لجميع الأنوار وهو الله تعالى شأنه ونعم ما قيل:
يا من هو اختفى لفرط نوره * الظاهر الباطن في ظهوره
وهذا النور ليس بجوهر ولا عرض، بل هو المظهر لكل جوهر وعرض، وعلى هذا التقرير، فإطلاق النور عليه تعالى في قوله عز اسمه ﴿الله نور السماوات والأرض﴾ لا يحتاج إلى تجوز وتكلف أصلا.
- وكذا الدعاء المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في المهج(691) وغيره: بسم الله النور بسم الله نور على نور (الخ) ولشرح هذا الكلام مقام آخر، وقسم من النور يكون داخلا في الجواهر، وأعلاه وجود نبينا وحبيبنا محمد (صلى الله عليه وآله) الذي جعله مثل نوره، ومن هذا القسم وجود الإمام (عليه السلام)، ولهذا أطلق عليه النور، كما يأتي إن شاء الله تعالى.
ومنه العالم إلى غير ذلك من الأقسام، التي بعضها فوق بعض، وقسم من النور يكون داخلا في الأعراض، كضوء البرق والسراج وغيرهما وإطلاق النور على كلها حقيقة وبهذا البيان ينكشف لك عدم الاختلاف في التفاسير المروية لآية النور، فإن كلا منها بيان لبعض مصاديق النور، ولولا خوف الإطناب لأديت حق التحقيق، والتفصيل في هذا الباب والله تعالى هو الهادي إلى نهج الصواب.
الفصل الثاني وإذ قد عرفت أن للنور أقساما كثيرة بعضها فوق بعض، فلا ريب في كون النورانية علامة لشرف صاحبها، وكمالها دليل كمال شرفه، وهذا أمر واضح لا سترة فيه، ويدل عليه مضافا إلى دلالة العقل، الآيات والأخبار الكثيرة:
منها: آية النور، فإنه تعالى قد وصف نفسه بهذه الصفة المتعالية، وهو حسبنا في إثبات المطلوب.
ومنها: الآيات الواردة في مقام الامتنان بخلق الشمس والقمر، قال الله (عزَّ وجلَّ) ﴿جعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا﴾.
ومنها: الواردة في مقام الحلف كقوله تعالى: ﴿والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها﴾ وغيرهما.
وأما الأخبار فكثيرة جدا:
- منها ما ورد في وصف نور النبي (صلى الله عليه وآله) كما روي في البحار في المجلد السادس(692) عن الصادق (عليه السلام) قال: إن محمدا وعليا (عليهما السلام) كانا نورا بين يدي الله جل جلاله قبل خلق الخلق بألفي عام، وإن الملائكة لما رأت ذلك النور، رأت له أصلا وقد انشعب منه شعاع لامع فقالت: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليهم هذا نور من نوري، أصله نبوة وفرعه إمامة، فأما النبوة فلمحمد (صلى الله عليه وآله) عبدي ورسولي، وأما الإمامة فلعلي حجتي ووليي، ولولاهما ما خلقت خلقي، الخبر.
- وفيه(693) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن الله خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) قبل أن يخلق آدم، حين لا سماء مبنية ولا أرض مدحية، ولا ظلمة ولا نور، ولا شمس ولا قمر، ولا جنة، ولا نار، فقال العباس: فكيف كان بدء خلقتكم يا رسول الله؟ فقال: يا عم، لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا ثم تكلم بكلمة أخري فخلق منها روحا ثم مزج النور بالروح، فخلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين، فكنا نسبحه حين لا تسبيح ونقدسه حين لا تقديس، فلما أراد الله تعالى أن ينشئ خلقه فتق نوري فخلق منه العرش والعرش من نوري ونوري من نور الله ونوري أفضل من العرش.
ثم فتق نور أخي علي، فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور علي، ونور علي من نور الله وعلي أفضل من الملائكة.
ثم فتق نور ابنتي، فخلق منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور ابنتي فاطمة من نور الله وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض.
ثم فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس والقمر، فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن (عليه السلام) ونور الحسن (عليه السلام) من نور الله، والحسن أفضل من الشمس والقمر.
ثم فتق نور ولدي الحسين (عليه السلام) فخلق منه الجنة والحور العين فالجنة والحور العين من نور ولدي الحسين، ونور ولدي الحسين من نور الله، وولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين.
ومنها: ما دل على إضاءة نور سيدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) في السماء للملائكة بعد أن سخر الله تعالى عليهم الظلمة، وفي الدنيا في أوقات الصلوات.
والحديثان مذكوران في عاشر البحار، تركناهما روما للاختصار.
ومنها: ما دل على تفاوت درجات نور المؤمنين يوم القيامة، بحسب تفاوت درجات إيمانهم:
- ففي ثالث البحار(694) عن أبي ذر الغفاري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يرد على الحوض راية أمير المؤمنين، وإمام الغر المحجلين، فأقوم فآخذ بيده، فيبيض وجهه، ووجوه أصحابه، فأقول: ما خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون: تبعنا الأكبر وصدقناه ووازرنا الأصغر ونصرناه وقتلنا معه. فأقول: رووا رواء مرويين فيشربون شربة لا يظمأون بعدها، وجه إمامهم كالشمس الطالعة، ووجوههم كالقمر ليلة البدر وكأضوأ نجم في السماء.
الفصل الثالث في بيان كون وجوده نورا صلوات الله تعالى عليه، وهنا مطلبان.
الأول: في بيان أن الإمام نور.
والثاني: في بيان أن وجوده بخصوصه نور.
أما الأول: فلأن معنى النور كما عرفت هو الظاهر في نفسه المظهر لغيره ولا ريب أن الإمام بحسب كمالاته، ودلالاته أظهر المخلوقات وأعرفها، ولذلك قال مولانا أبو جعفر الباقر (عليه السلام) لمحمد بن مسلم (ره) في الحديث الذي رويناه في الباب الأول: من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله (عزَّ وجلَّ) ظاهر عادل أصبح ضالا تائها، الخبر. فإن ظهور الإمام (عليه السلام) بحسب دلالاته وكمالاته.
وأما شخصه فقد يغيب عن قوم وقد يظهر لهم، وهو في حال غيبته في غاية الظهور، كما قال سيدنا الصادق (عليه السلام)(695) لمفضل بن عمر حين بكى لأجل استماعه منه (عليه السلام) شدة الشبهة وارتفاع الرايات المشتبهة في زمان الغيبة: ترى هذه الشمس، قال: قلت: نعم، فقال (عليه السلام): والله لأمرنا أبين من هذه الشمس. وسيأتي الخبر بطوله في الباب الثامن إن شاء الله تعالى في فضل البكاء في زمان غيبة الحجة (عليه السلام) لغيبته.
- وروى في كمال الدين(696) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، في خطبة له على منبر الكوفة: اللهم إنه لا بد لأرضك من حجة لك على خلقك تهديهم إلى دينك تعلمهم علمك لئلا تبطل حجتك، ولا يضل أتباع أولئك بعد إذ هديتهم به إما ظاهر ليس بالمطاع، أو مكتتم مترقب، إن غاب عن الناس شخصه في حال هديهم(697) فإن علمه، وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون.
وأما ظهور الممكنات بوجود الإمام (عليه السلام) فيدل عليه ما قدمناه هنا، وفي الباب الثالث فلا نعيد. هذا مضافا إلى أن انكشاف جميع العلوم لم يكن إلا بوجودهم (عليهم السلام) كما دل عليه بعض ما ذكرناه في حرف الكاف، من هذا الباب ويدل بالصراحة على المقصود في هذا المقام عدة روايات عن الأئمة الكرام عليهم الصلاة والسلام.
- منها: ما رواه ثقة الإسلام الكليني (ره) في أصول الكافي(698) عن أبي خالد الكابلي، قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ) ﴿فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا﴾ فقال (عليه السلام): يا أبا خالد، النور والله نور الأئمة من آل محمد (عليهم السلام) إلى يوم القيامة وهم والله نور الله الذي أنزل، وهم والله نور الله في السماوات والأرض، الخبر.
- ومنها ما رواه أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام)(699) في قول الله تعالى: ﴿واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون﴾ قال (عليه السلام): النور في هذا الموضع أمير المؤمنين (عليه السلام).
- ومنها: ما رواه أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام)(700) في قوله تعالى: ﴿ويجعل لكم نورا تمشون به﴾ يعني إماما تأتمون به.
- ومنها: ما رواه أيضا عن الصادق (عليه السلام)(701) في قوله تعالى: ﴿ومن لم يجعل الله له نورا﴾:
إماما من ولد فاطمة (عليها السلام)، إلى غير ذلك من الأخبار المروية في مظانها.
المطلب الثاني في بيان أن وجوده نور بخصوصه (عليه السلام) ويدل على ذلك مضافا إلى ما سنذكره في الفصل الرابع عدة روايات.
- منها: ما ورد في وصفه في بعض الزيارات الجامعة(702): نور الأنوار، الذي تشرق به الأرض عما قليل.
- وفي زيارة أخرى(703) ونوره في سمائه وأرضه.
- وفي زيارة يوم الجمعة(704) السلام عليك يا نور الله الذي يهتدي به المهتدون.
- وفي دعاء ليلة نصف شعبان في وصف صاحب الزمان: نورك المتألق، وضياءك المشرق، الخ.
والمتألق: إما بمعنى اللامع بظهور نوره وإشراقه في زمان ظهوره بنحو مخصوص أو المتزين لتزينه بزينة مخصوصة وألطاف منصوصة، أو المتشمر للخصومة لاختصاصه بمطالبة الثأر من قتلة الأخيار كما نطقت به الأخبار.
- ومنها: ما رواه السيد ابن طاووس في فلاح السائل، والمجلسي في البحار(705) عن عباد بن محمد المدائني قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) بالمدينة حين فرغ من مكتوبة الظهر، وقد رفع يديه إلى السماء وهو يقول: أي سامع كل صوت إلى آخر الدعاء الذي نذكره في الباب السابع إن شاء الله تعالى قال: أليس قد دعوت لنفسك جعلت فداك؟ قال: دعوت لنور آل محمد وسابقهم، والمنتقم بأمر الله من أعدائهم، قلت: متى يكون خروجه جعلني الله فداك؟ قال: إذا شاء من له الخلق والأمر.
قلت: فله علامة قبل ذلك؟ قال نعم علامات شتى قلت: مثل ماذا؟ قال: خروج راية من المشرق، وراية من المغرب، وفتنة تظل أهل الزوراء، وخروج رجل من ولد عمي زيد باليمن وانتهاب ستارة البيت ويفعل الله ما يشاء.
- ومنها ما روي في تفسير البرهان(706) وغيره عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:
دخلت إلى مسجد الكوفة وأمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب بإصبعه ويتبسم، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما الذي يضحكك؟ فقال: عجبت لمن يقرأ هذه الآية ولم يعرفها حق معرفتها فقلت له أي آية يا أمير المؤمنين؟ فقال قوله تعالى: ﴿الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة﴾ المشكاة محمد (صلى الله عليه وآله) ﴿فيها مصباح﴾ أنا ﴿المصباح في زجاجة﴾ الزجاجة الحسن والحسين (عليهما السلام) ﴿كأنها كوكب دري﴾ وهو علي بن الحسين (عليه السلام) ﴿يوقد من شجرة مباركة﴾ علي بن موسى ﴿يكاد زيتها يضيء﴾ محمد بن علي ﴿ولو لم تمسسه نار﴾: علي بن محمد ﴿نور على نور﴾: الحسن بن علي ﴿يهدي الله لنوره من يشاء﴾ القائم المهدي ﴿ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم﴾.
هذا، وكما أن وجوده (عليه السلام) نور، وهو من النور، ويهدي إلى النور وأتباعه في نور، كذلك تاريخ ولادته نور فإنه (عليه السلام) كما قدمنا قد ولد منتصف شعبان المعظم سنة ست وخمسين ومأتين وهذا يطابق كلمة نور جعلنا الله تعالى من أنصاره وشيعته.
الفصل الرابع في بيان إشراقات نوره في بدء ظهوره وزمان غيبته وحضوره، فنقول: قد ظهر إشراق نوره في عالم الملكوت لإبراهيم (عليه السلام) حين انكشف له ملكوت السماوات، وسيأتي حديثه في الباب الثامن إن شاء الله تعالى، في ضمن أدلة جواز التسمية وللملائكة حين قتل الحسين (عليه السلام)، وقد مر أحاديث ذلك في حرف الثاء المثلثة، ولخاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) ليلة المعراج.
- روى في غاية المرام(707) من طريق العامة في حديث طويل عن النبي (صلى الله عليه وآله) في وصف معراجه وذكر أوصيائه: يا محمد أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب، فقال: التفت عن يمين العرش فالتفت، فإذا بعلي وفاطمة، والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والمهدي في ضحضاح من نور، قيام يصلون، وهو في وسطهم يعني المهدي كأنه كوكب دري، الخبر.
وفيه(708) من طريق الخاصة في وصف ليلة المعراج أيضا، قال: يا محمد، أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم، فقال: قم أمامك، فتقدمت أمامي فإذا علي بن أبي طالب، والحسن بن علي، والحسين بن علي، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة القائم صلوات الله عليهم أجمعين كأنه الكوكب الدري في وسطهم، الخبر. ويأتي تمامه في الأمر الثالث من الباب الثامن إن شاء الله تعالى.
أقول: قد خص نور مولانا الحجة بمقتضى هذين الحديثين بأمرين: أحدهما إشراقه في الأنوار كالكوكب الدري والوجه في ذلك ظهور نوره أتم وأكمل من سائرهم (عليهم السلام) في عالم الإمكان، وبه ظهور الدين، وشوكة أهل الإيمان، كما يتبين لك إن شاء الله تعالى. وثانيهما، وقوعه في وسط الأنوار، وقد سنح لنا في حكمة ذلك وسره وجوه خمسة:
الأول: أن ذلك دليل الشرف وعامة الرفعة كما هو المشاهد من طريقة الأكابر والأشراف، بل هي الطريقة المستقرة والسيرة المستمرة في جميع الأصناف ألا ترى أن صائغا لو أراد أن يصنع شيئا مكللا بجواهر عديدة نصب أعلاها وأغلاها في وسط سائر الجواهر وهذا دأب كل صانع ماهر.
وحكى في مجمع البيان(709) عن صاحب كتاب العين، أنه قال: الوسط من كل شيء أعدله وأفضله. إنتهى.
وقد ورد في أوصاف نبينا (صلى الله عليه وآله) أنه كان يجلس في وسط أصحابه.
- وفي مكارم الأخلاق(710) عن أبي ذر قال: كان رسول الله يجلس بين ظهراني أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو، حتى يسأل، الخبر.
ويؤيد ذلك أن الله تعالى جعل البيت المعمور وهو أشرف الأماكن السماوية في وسط السماوات وجعل الكعبة المشرفة في وسط الأرض، وجعل قلب الإنسان وهو أشرف أعضائه في وسطه، وجعل إنسان العين في وسطها، وجعل الشمس وهي أعظم السيارات وأنورها وأشرفها في وسطها وجعل الفردوس في وسط الجنة.
روي في رياض السالكين تأليف العالم الرباني السيد علي خان المدني، أن في الجنة مائة درجة، بين كل درجتين منها مثل ما بين السماء والأرض، وأعلى درجاتها منها الفردوس، وعليها يكون العرش، وهي أوسط شيء في الجنة ومنها تفجر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس. إنتهى.
- وفي البحار(711) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: وأما منزل محمد (صلى الله عليه وآله) من الجنة في جنة عدن(712) وهي في وسط الجنان، وأقربها من عرش الرحمن جل جلاله، والذين يسكنون معه في الجنة هؤلاء الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام). ويؤيد هذا الوجه أيضا أن الله جل شأنه أمر عباده بالمحافظة على الصلاة الوسطى خصوصا، بعد الأمر بالمحافظة على الصلوات عموما، ويؤيده أيضا قوله تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا﴾(713) (الخ).
وقد شرف الله تعالى وسط كل شهر ولهذا ورد الترغيب بصوم أيام البيض من كل شهر.
- وقد ورد في النبوي المشهور: خير الأمور أوسطها، إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة وما ذكرناه كاف لأهل البصيرة.
الوجه الثاني: أن يكون إشارة إلى كمال ظهوره، وانتشار نوره، كما أن الشمس إذا بلغت وسط المساء ظهرت في جميع الأمصار لجميع الأبصار وصار نوره في غاية الانتشار، وهذا واضح لأهل الاعتبار.
الوجه الثالث: أن الشيء إذا وقع وسطا توجه إليه الأنظار من أولي الأبصار ولما كان توجه أنظار الأئمة الأطهار إلى مولانا الغائب عن الأبصار في جميع الأزمنة والأعصار، لأن الله تعالى وعدهم الفرج بظهوره، وضمن لهم الانتقام من أعدائهم بحضوره جعل الله تعالى نوره المبارك في وسط أنوارهم، دلالة إلى هذا الأمر العظيم، والشأن الكريم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الوجه الرابع: أن يكون إشارة إلى انتهاء كمالات الأئمة المعصومين والأنبياء السابقين سلام الله تعالى عليهم أجمعين، وعلومهم إليه صلوات الله عليه، كما بيناه في حرف الكاف، كما أن الخطوط المستوية الخارجة من أطراف الدائرة تنتهي إلى نقطة الوسط، التي يسمونها أهل علم الهيئة بالمركز.
الوجه الخامس: أن يكون إشارة إلى وقوع مولانا صاحب الزمان في وسطهم بحسب الزمان، لأن رجعتهم بعد ظهوره ضرورية عند أهل الإيمان، وثابتة بالسنة والقرآن فيصير زمانه وسط زمانهم بالضرورة والوجدان.
وأما إشراق نوره (عليه السلام) في عالم الدنيا فعلى أقسام:
الأول: إشراقه حين ولادته.
الثاني: إشراقه في زمان حضوره وغيبته.
الثالث: إشراقه في زمان غيبته بالخصوص.
الرابع: إشراقه في زمان ظهوره بالخصوص.
أما الأول: فقد كان في الإنارة والضياء بحيث بلغت عنان السماء:
- كما ورد في رواية كمال الدين(714) عن محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه، قال:
لما ولد الخلف المهدي (عليه السلام)، سطع نور من فوق رأسه إلى عنان السماء، ثم سقط لوجهه ساجدا لربه تعالى ذكره، ثم رفع رأسه وهو يقول ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة﴾ إلى آخر الآية وكان مولده (عليه السلام) يوم الجمعة(715).
- في رواية أخرى(716) عن جارية أبي محمد (عليه السلام): أنه لما ولد السيد (عليه السلام)، رأت له نورا ساطعا، قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأت طيورا بيضا تهبط من السماء، وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده، ثم تطير، فأخبرنا أبا محمد (عليه السلام) بذلك فضحك، ثم قال:
تلك الملائكة، نزلت للتبرك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج.
- وفي رواية ثالثة(717) عن حكيمة قالت: وإذا أنا بها، وعليها من أثر النور ما غشي بصري، إلى آخر الرواية، وهي طويلة مذكورة في كمال الدين والبحار وغيرهما.
وأما القسم الثاني وهو إشراقه في زماني الحضور والغيبة، كليهما، فعلى نحوين:
أحدهما: إشراقه بلا واسطة، وقد تشرف برؤية هذا الإشراق جمع من أهل الوفاق:
منهم أبو هارون المذكور في رواية كمال الدين(718) عن محمد بن الحسن الكرخي، قال:
سمعت أبا هارون رجلا من أصحابنا، يقول: رأيت صاحب الزمان (عليه السلام) ووجهه يضيء كأنه القمر ليلة البدر، الخبر.
- وروى المحدث الجليل محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب إثبات الهداة(719) بالنصوص والمعجزات، عن كتاب إثبات الرجعة للشيخ الأجل، فضل بن شاذان، قال:
حدثنا إبراهيم بن محمد بن فارس النيسابوري، قال لما هم الوالي عمرو بن عوف بقتلي، غلب علي خوف عظيم، فودعت وتوجهت إلى دار أبي محمد (عليه السلام) لأودعه، وكنت أردت الهرب فلما دخلت عليه رأيت غلاما جالسا في جنبه وكان وجهه مضيئا كالقمر ليلة البدر فتحيرت من نوره وضيائه، وكاد ينسيني ما أنا فيه، فقال (عليه السلام) يا إبراهيم لا تهرب، فإن الله سيكفيك شره، فازداد تحيري، فقلت لأبي محمد: يا بن رسول الله يا سيدي من هذا؟ وقد أخبرني بما كان في ضميري، قال (عليه السلام): هو ابني وخليفتي من بعدي، الحديث.
ومنهم أحمد بن إسحاق القمي وقد ذكرنا حديثه في حرف الغين المعجمة من الباب الرابع فاغتنمه وراجع وسيأتي في القسم الثالث ما يدل عليه إن شاء الله تعالى.
وثانيهما إشراقه بواسطة. اعلم أن إشراق جميع الأنوار بالليل والنهار من الشمس والقمر وغيرهما من إشراقات نوره، وفيوضاته في غيبته وحضوره وتقرير ذلك من وجوه:
الأول: أن الشمس والقمر وغيرهما إنما خلقت من نوره (عليه السلام) كما دلت عليه الروايات، وهذا لا ينافي ما مر أن الشمس والقمر خلقا من نور الحسن (عليه السلام) لأن نورهم وأرواحهم وطينتهم واحدة كما دلت عليه الروايات أيضا، يعني أن نورهم وأرواحهم وطينتهم خلقت من أصل واحد، فيصح أن يقال إن القمر خلق من نور رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما يصح أن يقال إنه خلق من نور أمير المؤمنين أو القائم أو سائرهم (عليهم السلام).
- ونظير ذلك ما ذكره العالم الرباني الشيخ جعفر التستري (ره) في خصائص الحسين (عليه السلام) في بيان كون نوره أول ما خلق الله تعالى لكونه من نور النبي (صلى الله عليه وآله) وقد قال (صلى الله عليه وآله):
أول ما خلق الله نوري.
الوجه الثاني: ما دل من الروايات على أن جميع المخلوقات إنما خلقت مقدمة لخلق وجوده وآبائه الطاهرين فهم العلة الغائية في خلق جميع ما سواهم، فصدر ما صدر بسببهم فوجود الشمس ونورها وإضاءتها بواسطة الحجة وآبائهم (عليهم السلام).
الوجه الثالث: ما دل من الأخبار، على أنك قد عرفت في الباب الثالث أن بقاء ما في العالم من الشمس والقمر وغيرهما إنما هو بسبب وجود القائم فلا جرم يكون إضاءتهما وإشراق نورهما من آثار نوره في غيبته وحضوره.
وأما القسم الثالث: وهو إشراق نوره في زمان غيبته بالخصوص، فهو أيضا قسمان إشراق باطني وإشراق ظاهري.
أما الأول فإشراقه في قلوب المؤمنين فإنهم يرون إمامهم (عليه السلام) بحقائق الإيمان كما يشاهدونه بالعيان وهو نصب أعينهم، في كل زمان ومكان، وقد قلت في هذا المعنى تضمينا:
بنيت بقلبي منزلا لجنابكم * أقمت بها مذ كنت في غاية الحب
أما والذي لو شاء ما خلق النوى * لئن غبت عن عيني فما غبت عن قلبي
يوهمنيك بك الشوق حتى كأنما * أناجيك من قرب وإن لم تكن قربي
وقال آخر:
أحبابنا إن غبتم عن ناظري * فعن الفؤاد وخاطري ما غبتم
ويدل على ما ذكرناه روايات كثيرة، منها ما تقدم ذكره في الفصل الثالث.
- ومنها: ما رواه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني (ره) في أصول الكافي(720) عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: والله يا أبا خالد، لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين، ويحجب الله (عزَّ وجلَّ) نورهم عمن يشاء، فتظلم قلوبهم. والله يا أبا خالد لا يحبنا عبد ولا يتولانا، حتى يطهر الله قلبه ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلم لنا، ويكون سلما لنا فإذا كان سلما لنا سلمه الله من شديد الحساب وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر.
- ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق (ره) في كمال الدين(721) عن جابر الأنصاري في حديث نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الأئمة الاثني عشر. إلى أن قال (صلى الله عليه وآله): ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان.
قال جابر: فقلت له يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال (صلى الله عليه وآله) أي والذي بعثني بالنبوة، إنهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب، يا جابر، هذا من مكنون سر الله ومخزون علم الله فاكتمه إلا عن أهله، الخبر.
وأما الثاني: فإشراق نوره لبعض الأخيار، بحيث يرى بمشاهدة الأبصار، وهذا مخصوص ببعض الخواص والمهذبين من أهل الإخلاص ولنكتف هنا بذكر ثلاث حكايات شريفة أنيقة، فيها تذكار لأهل الحقيقة.
- الأولى: ما في البحار(722) عن السيد علي بن عبد الحميد، في كتاب سلطان المفرج عن أهل الإيمان، عند ذكر من رأى القائم (عليه السلام)، قال: فمن ذلك ما اشتهر وذاع، وملأ البقاع، وشهد بالعيان أبناء الزمان، وهو قصة أبي راجح الحمامي بالحلة، وقد حكى ذلك جماعة من الأعيان الأماثل، وأهل الصدق الأفاضل: منهم الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون سلمه الله تعالى، قال: كان الحاكم بالحلة شخصا يدعى مرجان الصغير، فرفع إليه أن أبا راجح هذا يسب الصحابة، فأحضره وأمر بضربه فضرب ضربا شديدا مهلكا على جميع بدنه حتى إنه ضرب على وجهه فسقطت ثناياه، وأخرج لسانه فجعل فيه مسلة من الحديد وخرق أنفه ووضع فيه شركة من الشعر، وشد فيها حبلا وسلمه إلى جماعة من أصحابه، وأمرهم أن يدوروا به أزقة الحلة، والضرب يأخذ من جميع جوانبه حتى سقط إلى الأرض، وعاين الهلاك.
فأخبر الحاكم بذلك، فأمر بقتله فقال الحاضرون: إنه شيخ كبير، وقد حصل له ما يكفيه، وهو ميت لما به فاتركه، وهو يموت حتف أنفه، ولا تتقلد بدمه، وبالغوا في ذلك حتى أمر بتخليته، وقد انتفخ وجهه ولسانه، فنقله أهله في الموت، ولم يشك أحد أنه يموت من ليلته.
فلما كان من الغد غدا عليه الناس، فإذا هو قائم يصلي على أتم حالة، وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت، واندملت جراحاته، ولم يبق لها أثر، والشجة قد زالت من وجهه، فعجب الناس من حاله، وسألوه عن أمره، فقال إني عاينت الموت، ولم يبق لي لسان أسأل الله تعالى به فكنت أسأله بقلبي واستغثت إلى سيدي ومولاي صاحب الزمان (عليه السلام).
فلما جن علي الليل فإذا بالدار قد امتلأت نورا، وإذا بمولاي صاحب الزمان قد أمر يده الشريفة على وجهي، وقال لي: أخرج وكد على عيالك فقد عافاك الله تعالى فأصبحت كما ترون.
وحكى الشيخ شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال: وأقسم بالله تعالى إن هذا أبو راجح كان ضعيفا جدا ضعيف التركيب، أصفر اللون، شين الوجه مقرض اللحية، وكنت دائما أدخل الحمام الذي هو فيه، وكنت دائما أراه على هذه الحالة وهذا الشكل، فلما أصبحت كنت ممن دخل عليه، فرأيته، وقد اشتدت قوته وانتصبت قامته وطالت لحيته واحمر وجهه، وعاد كأنه ابن عشرين سنة، ولم يزل على ذلك حتى أدركته الوفاة، إلى آخر ما قال.
- الثانية في البحار(723) أيضا من الكتاب المذكور، قال: ومن ذلك ما أخبرني من أثق به.
وهو خبر مشهور عند أكثر أهل المشهد الشريف الغروي، سلام الله تعالى على مشرفه، مأثور، صورته: إن الدار التي هي الآن سنة سبعمائة وتسع وثمانين أنا ساكنها، كانت لرجل من أهل الخير والصلاح يدعى حسين المدلل وبه يعرف ساباط المدلل، ملاصقة جدران الحضرة الشريفة، وهو مشهور بالمشهد الشريف الغروي.
وكان الرجل له عيال وأطفال، فأصابه فالج، فمكث مدة لا يقدر على القيام وإنما يرفعه عياله عند حاجته وضروراته، ومكث على ذلك مدة مديدة، فدخل على عياله وأهله بذلك شدة شديدة، واحتاجوا إلى الناس، واشتد عليهم البأس.
فلما كان سنة عشرين وسبعمائة هجرية، في ليلة من لياليها بعد ربع الليل أنبه عياله فانتبهوا في الدار، فإذا الدار والسطح قد امتلآ نورا يأخذ بالأبصار، فقالوا: ما الخبر؟ فقال: إن الإمام (عليه السلام) جاءني وقال لي: قم يا حسين، فقلت: يا سيدي أتراني أقدر على القيام؟ فأخذ بيدي وأقامني، فذهب ما بي، وها أنا صحيح على أتم ما ينبغي وقال لي: هذا الساباط دربي إلى زيارة جدي (صلى الله عليه وآله) فأغلقه في كل ليلة، فقلت: سمعا وطاعة لله ولك يا مولاي فقام الرجل وخرج إلى الحضرة الشريفة الغروية وزار الإمام وحمد الله تعالى على ما حصل له من الأنعام، وصار هذا الساباط المذكور إلى الآن ينذر له عند الضرورات فلا يكاد يخيب ناذره من المراد ببركة الإمام القائم (عليه السلام).
- الثالثة: قال العالم الرباني الحاج ميرزا حسين النوري (ره) في كتاب جنة المأوى(724) حدثني جماعة من الأتقياء الأبرار، منهم السيد السند والحبر المعتمد العالم العامل، والفقيه النبيه الكامل المؤيد المسدد السند محمد بن العالم الأوحد السيد أحمد بن العالم الجليل، والحبر المتوحد النبيل، السيد حيدر الكاظمي أيده الله تعالى، وهو من أجلاء تلامذة المحقق الأستاذ الأعظم الأنصاري طاب ثراه، وأحد أعيان أتقياء بلد الكاظمين (عليهما السلام)، وملاذ الطلاب والزوار والمجاورين، وهو وإخوته وآباؤه أهل بيت جليل، معروفون في العراق بالصلاح والسداد والعلم والفضل والتقوى يعرفون ببيت السيد حيدر، جده سلمه الله تعالى قال - فيما كتبه إلي وحدثني به شفاها أيضا - قال محمد بن أحمد بن حيدر الحسني الحسيني لما كنت مجاورا في النجف الأشرف لأجل تحصيل العلوم الدينية وذلك في حدود السنة الخامسة والسبعين بعد المأتين والألف من الهجرة النبوية كنت أسمع من جماعة أهل العلم وغيرهم من أهل الديانة، يصفون رجلا يبيع البغل وشبهه، أنه رأى مولانا المنتظر سلام الله عليه وعلى آبائه الطاهرين فطلبت معرفة شخصه حتى عرفته فوجدته رجلا صالحا متدينا وكنت أحب الاجتماع معه في مكان خال، لأستفهم منه كيفية رؤية مولانا الحجة (عليه السلام) روحي فداه.
فصرت كثيرا ما أسلم عليه وأشتري منه، مما يتعاطى بيعه حتى صار بيني وبينه نوع مودة كل ذلك مقدمة لتعرف خبره المرغوب في سماعه عندي، حتى اتفق لي أني توجهت إلى مسجد السهلة للاستجارة فيه، والصلاة والدعاء في مقاماته الشريفة ليلة الأربعاء، فلما وصلت إلى باب المسجد، رأيت الرجل المذكور على الباب، فاغتنمت الفرصة وكلفته المقام معي تلك الليلة، فأقام معي حتى فرغنا من العمل الموظف في مسجد السهلة، وتوجهنا إلى المسجد الأعظم مسجد الكوفة على القاعدة المتعارفة في ذلك الزمان، حيث لم يكن في مسجد السهلة معظم الإضافات الجديدة من الخدام والمساكن.
فلما وصلنا إلى المسجد الشريف، واستقر بنا المقام، وعملنا بعض الأعمال الموظفة فيه، سألته عن خبره والتمست منه أن يحدثني بالقصة تفصيلا، فقال ما معناه: إني كنت كثيرا ما أسمع من هل المعرفة والديانة أن من لازم عمل الاستجارة في مسجد السهلة أربعين ليلة أربعاء متوالية بنية رؤية الإمام المنتظر (عليه السلام) وفق لرؤيته، وأن ذلك قد جرب مرارا فاشتاقت نفسي إلى ذلك، ونويت ملازمة عمل الاستجارة في كل ليلة أربعاء ولم يمنعني من ذلك شدة حر ولا برد ولا مطر ولا غير ذلك حتى مضى لي ما يقرب من مدة سنة وأنا ملازم لعمل الاستجارة، والمبيت في مسجد الكوفة على القاعدة المتعارفة.
ثم إني خرجت عشية يوم الثلاثاء ماشيا على عادتي، وكان الزمان شتاء وكانت تلك العشية مظلمة جدا لتراكم الغيوم مع قليل مطر، فتوجهت إلى المسجد وأنا مطمئن بمجيء الناس على العادة المستمرة، حتى وصلت إلى المسجد وقد غربت الشمس، واشتد الظلام وكثر الرعد والبرق، فاشتد بي الخوف، وأخذني الرعب من الوحدة، لأني لم أصادف في المسجد الشريف أحدا أصلا، حتى إن الخادم المقرر للمجيء ليلة الأربعاء لم يجئ تلك الليلة، فاستوحشت لذلك للغاية، ثم قلت في نفسي ينبغي أن أصلي المغرب، وأعمل عمل الاستجارة عجالة وأمضي إلى مسجد الكوفة.
فصبرت نفسي، وقمت إلى صلاة المغرب، فصليتها ثم توجهت لعمل الاستجارة وصلاتها ودعائها، وكنت أحفظه فبينما أنا في صلاة الاستجارة إذ حانت مني التفاتة إلى المقام الشريف المعروف بمقام صاحب الزمان (عليه السلام) وهو في قبلة مكان مصلاي فرأيت فيه ضياء كاملا، وسمعت فيه قراءة مصل فطابت نفسي، وحصل لي كمال الأمن والاطمئنان، وظننت أن في المقام الشريف بعض الزوار، وأنا لم أطلع عليهم، وقت قدومي المسجد، فأكملت عمل الاستجارة وأنا مطمئن القلب.
ثم توجهت نحو المقام الشريف ودخلته فرأيت فيه ضياء عظيما لكني لم أر بعيني سراجا، ولكني في غفلة عن التفكر في ذلك ورأيت فيه سيدا جليلا مهابا بصورة أهل العلم، وهو قائم يصلي فارتاحت نفسي إليه، وأنا أظن أنه من الزوار الغرباء، لأني تأملته في الجملة فعلمت أنه من سكنة النجف الأشرف.
فشرعت في زيارة مولانا الحجة سلام الله عليه عملا بوظيفة المقام، وصليت صلاة الزيارة فلما فرغت أردت أن أكلمه في المضي إلى مسجد الكوفة، فهبته وأكبرته، وأنا أنظر إلى خارج المقام فأرى شدة الظلام وأسمع صوت الرعد والمطر، فالتفت إلي بوجهه الكريم برأفة وابتسام، وقال لي: تحب أن تمضي إلى مسجد الكوفة، فقلت نعم يا سيدنا، عادتنا أهل النجف إذا تشرفنا بعمل هذا المسجد نمضي إلى مسجد الكوفة ونبيت فيه لأن فيه مكانا وخداما وماء.
فقام وقال قم بنا نمضي إلى مسجد الكوفة، فخرجت معه وأنا مسرور به وبحسن صحبته، فمشينا في ضياء وحسن هواء، وأرض يابسة، لا تعلق بالرجل، وأنا غافل عن حال المطر والظلام الذي كنت أراه حتى وصلنا إلى باب المسجد وهو روحي فداه معي وأنا في غاية السرور والأمن بصحبته، ولم أر ظلاما ولا مطرا.
فطرقت باب الخارجة عن المسجد وكانت مغلقة، فأجابني الخادم من الطارق؟ فقلت:
افتح الباب فقال: من أين أقبلت في هذه الظلمة والمطر الشديد؟ فقلت من مسجد السهلة، فلما فتح الخادم الباب، التفت إلى ذلك السيد الجليل فلم أره، وإذا بالدنيا مظلمة للغاية وأصابني المطر فجعلت أنادي: يا سيدنا يا مولانا تفضل فقد فتحت الباب ورجعت إلى ورائي، أتفحص عنه وأنادي فلم أر أحدا أصلا وأضر بي الهواء والمطر والبرد، في ذلك الزمان القليل، فدخلت المسجد، وانتبهت من غفلتي وكأني كنت نائما فاستيقظت، وجعلت ألوم نفسي على عدم التنبه لما كنت أرى من الآيات الباهرة وأتذكر ما شاهدته وأنا غافل من كراماته، من الضياء العظيم في المقام الشريف، مع أني لم أر سراجا، ولو كان في ذلك المقام عشرون سراجا لما وفى بذلك الضياء وذكرت أن ذلك السيد الجليل سماني باسمي، مع أني لم أعرفه ولم أره قبل ذلك.
وتذكرت أني لما كنت في المقام كنت أنظر إلى فضاء المسجد فأرى الظلام الشديد وأسمع صوت المطر والرعد، وأني لما خرجت من المقام مصاحبا له سلام الله عليه كنت أمشي في ضياء، بحيث أرى موضع قدمي والأرض يابسة والهواء عذب، حتى وصلنا إلى باب المسجد، ومنذ فارقني شاهدت الظلمة والمطر وصعوبة الهواء، إلى غير ذلك، من الأمور العجيبة التي أفادتني اليقين بأنه الحجة صاحب الزمان الذي كنت أتمنى من فضل الله تعالى التشرف برؤيته، وتحملت مشاق عمل الاستجارة عند قوة الحر والبرد لمطالعة حضرته سلام الله عليه، فشكرت الله تعالى شأنه والحمد لله، انتهى كلامه رفع مقامه.
وأما القسم الرابع: وهو إشراق نوره في زمان ظهوره، فعلى نحوين أيضا: باطني وظاهري ويدل على الأول ما مر في القسم الثالث.
- وعلى الثاني ما رواه الشيخ الجليل علي بن إبراهيم القمي (ره) في تفسيره(725) مسندا عن المفضل بن عمر (ره) أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قول الله تعالى(726) ﴿وأشرقت الأرض بنور ربها﴾ قال: رب الأرض يعني إمام الأرض قلت: فإذا خرج يكون ماذا؟
قال (عليه السلام): إذا استغنى الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزئون بنور الإمام.
- وما رواه السيد الأجل السيد هاشم البحريني في كتاب المحجة(727) مسندا عن المفضل أيضا قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وصار الليل والنهار واحدا، وعاش الرجل في زمانه ألف سنة يولد له في كل سنة غلام، لا يولد له جارية، يكسوه الثوب، فيطول عليه كلما طال ويكون عليه أي لون شاء.
- وما رواه العالم الكامل المجلسي (ره) في البحار(728) عن المفضل أيضا قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها، واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة. الخبر.
- وفيه(729) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لأطال الله ذلك اليوم، حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب.
- وأما إشراق نوره في الآخرة، فيدل عليه ما رواه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني في أصول الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام)(730) في قوله تعالى: ﴿يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم﴾ أئمة المؤمنين يوم القيامة، تسعى بين يدي المؤمنين وبأيمانهم حتى ينزلوهم منازل أهل الجنة.
- وما رواه السيد البحريني في البرهان(731) عن الصادق (عليه السلام) أيضا، قال ﴿نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم﴾(732) قال نور أئمة المؤمنين يوم القيامة، يسعى بين أيدي المؤمنين وبأيمانهم، حتى ينزلوا بهم منازلهم في الجنة.
نعمه (عليه السلام)
قد تبين لك في الباب الثالث من هذا الكتاب أن جميع ما يتقلب فيه الخلق من النعم الظاهرة والباطنة إنما هو ببركة الحجة (عليه السلام)، وهذا من أعظم ما يوجب الدعاء له، عجل الله تعالى فرجه وسيأتي زيادة بيان لهذا المرام في الباب الخامس إن شاء الله تعالى.
- ويدل على ذلك مضافا إلى ما أشرنا إليه، ما في البرهان(733) في تفسير قول الله (عزَّ وجلَّ) ﴿ثم لتسألن يومئذ عن النعيم﴾(734) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تسأل هذه الأمة عما أنعم الله عليها برسوله، ثم بأهل بيته.
- وعنه أيضا(735) قال في قوله (عزَّ وجلَّ) ﴿ثم لتسألن يومئذ عن النعيم﴾ قال نحن النعيم ونحوه عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(736).
- وعن أبي خالد الكابلي(737) قال: دخلت على محمد بن علي (عليه السلام) فقدم طعاما لم آكل أطيب منه، فقال لي يا أبا خالد كيف رأيت طعامنا؟ قلت: جعلت فداك ما أطيبه غير أني ذكرت آية في كتاب الله فغضب، فقال (عليه السلام) وما هي؟ قلت، ﴿ثم لتسألن يومئذ عن النعيم﴾ فقال: والله لا تسأل عن هذا الطعام أبدا، ثم ضحك، حتى افتر ضاحكتاه، وبدت أضراسه، وقال: أتدري ما النعيم؟ قلت: لا، قال: نحن النعيم. والأخبار في هذا الباب كثيرة مذكورة في البرهان(738) وغيره.
فإن قلت: قد ورد في بعض الروايات تفسير النعيم بالأمن والصحة والرطب والماء البارد فكيف التوفيق؟
قلت: لا تنافي بين هذه الروايات، لأنهم (عليهم السلام) قد ذكروا في كل حديث بعض مصاديق النعيم، وذلك لا يدل على حصر النعيم فيما ذكر بخصوصه، وهذا كان في إثبات المطلوب.
- ويشهد لما ذكرنا ما روي في البرهان(739) عن الصادق (عليه السلام)، في حديث قال: نحن من النعيم.
نعم أعظم النعم الإلهية وجود الإمام (عليه السلام) لأنه الأصل لسائر النعم الظاهرة والباطنة، ومن هنا قد ورد في الروايات(740) أن جميع الناس يسألون عنه يوم القيامة.
وأما الغذاء الطيب والماء البارد ونحوهما فالله تعالى لا يسأل عنها عبده المؤمن، كما في عدة روايات، والحاصل أن كل أحد يسأل يوم القيامة، عن هذه النعمة العظيمة أعني النبي والأئمة وولايتهم (عليهم السلام) فإن كان من الشاكرين الموالين لهم كان من الفائزين، ولم يسأل عما عدا هذه النعمة، وإن كان من الكافرين المعاندين سئل عن جميع ما أنعم عليه من النعم وحوسب على دقيقها وجليلها، وهذا معنى المناقشة في الحساب، وقد يعبر عنه بسوء الحساب.
وبهذا الذي ذكرنا يجمع بين الروايات المتعارضة بظواهرها حيث إن بعضها يدل على أن الله تعالى أجل من أن يسأل عبده عما ينعم عليه من مطعمه ومشربه ونحوهما وبعضها يدل على أن في حلالها حساب.
وتوضيحه: أن وقوع الحساب يوم القيامة حق دل عليه القرآن، ولكن الناس في ذلك على أصناف.
منهم من يعفى عنه، ولا يحاسب أصلا وهذا لا ينافي الآيات الدالة على وقوع الحساب، لأنها قضايا مطلقة قابلة للتقييد والتخصيص.
- ففي تفسير القمي(741) عن الصادق (عليه السلام)، قال: كل أمة يحاسبها إمام زمانها، يعرف الأئمة أولياءهم وأعداءهم بسيماهم، وهو قوله: ﴿وعلى الأعراف رجال﴾(742) وهم الأئمة يعرفون كلا بسيماهم فيعطون أولياءهم كتبهم بأيمانهم فيمرون إلى الجنة بلا حساب، ويعطون أعداءهم كتبهم بشمالهم فيمرون إلى النار بلا حساب.
- وفيه(743) عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: ﴿للذين أحسنوا الحسنى وزيادة﴾(744) فأما الحسنى فالجنة، وأما الزيادة فالدنيا ما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة.
وروي مثله في البحار عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(745).
وهذا الصنف هم المؤمنون الذين لم يصرفوا ما أعطاهم الله تعالى من النعم في سخطه تعالى، ويشهد لذلك قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿أحسنوا﴾ فتدبر.
وهذا الصنف هم الذين أدوا شكر نعمة وجود الإمام وولايته حق أدائها.
وصنف آخر: هم الذين يحاسبون لكن يعفو الله ويصفح عنهم ويتجاوز عن سيئاتهم، ويحاسبهم بنحو لا يطلع عليه أحد من الخق، أو يحاسبهم إمامهم كذلك وهم المؤمنون الذين عرفوا تلك النعمة العظيمة، لكن صرفوا سائر ما أنعم الله عليهم أو بعضها في سخط الله تعالى، فيحاسبهم الله (عزَّ وجلَّ) لكن لا يطالبهم بقيمة نعمه عليهم بل يعفو عنهم.
- ويشهد لذلك ما في ثالث البحار(746) عن أمالي الصدوق(747) بإسناده عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة وقف عبدان مؤمنان للحساب كلاهما من أهل الجنة: فقير في الدنيا، وغني في الدنيا، فيقول الفقير: يا رب على ما أوقف؟ فوعزتك إنك لتعلم أنك لم تولني ولاية فأعدل فيها أو أجور، ولم ترزقني مالا فأؤدي منه حقا أو أمنع، ولا كان رزقي يأتيني منها إلا كفافا على ما علمت وقدرت بي.
فيقول الله جل جلاله: صدق عبدي خلوا عنه يدخل الجنة، ويبقى الآخر حتى يسيل منه العرق ما لو شربه أربعون بعيرا لكفاها، ثم يدخل الجنة فيقول له الفقير ما حبسك؟ فيقول طول الحساب، ما زال الشيء يجيئني بعد الشيء يغفر لي، ثم أسأل عن شيء آخر حتى تغمدني (عزَّ وجلَّ) منه برحمة وألحقني بالتائبين فمن أنت؟ فيقول: أنا الفقير الذي كنت معك آنفا فيقول: لقد غيرك النعيم بعدي.
- وفيه(748) عن أمالي الشيخ الطوسي(749) عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما﴾ قال: يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة، حتى يقام بموقف الحساب، فيكون الله تعالى هو الذي يتولى حسابه، لا يطلع على حسابه أحدا من الناس، فيعرفه ذنوبه حتى إذا أقر بسيئاته قال الله (عزَّ وجلَّ) للكتبة بدلوها حسنات، وأظهروها للناس.
فيقول الناس حينئذ: ما كان لهذا العبد سيئة واحدة! ثم يأمر الله به إلى الجنة فهذا تأويل الآية وهي في المذنبين من شيعتنا خاصة.
- وفيه(750) عن العيون(751) بإسناده عن إبراهيم بن العباس الصولي قال كنا يوما بين يدي علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فقال ليس في الدنيا نعيم حقيقي.
فقال له بعض الفقهاء ممن حضره، فيقول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿ثم لتسألن يومئذ عن النعيم﴾ أما هذا النعيم في الدنيا وهو الماء البارد.
فقال له الرضا (عليه السلام) وعلا صوته: كذا فسرتموه أنتم، وجعلتموه على ضروب فقالت طائفة هو الماء البارد، وقال غيرهم: هو الطعام الطيب، وقال آخرون هو طيب النوم ولقد حدثني أبي عن أبيه أبي عبد الله (عليه السلام)، أن أقوالكم هذه ذكرت عنده في قول الله (عزَّ وجلَّ)، ﴿ثم لتسألن يومئذ عن النعيم﴾ فغضب، وقال: إن الله (عزَّ وجلَّ) لا يسأل عباده عما تفضل عليهم به، ولا يمن بذلك عليهم، والامتنان بالإنعام مستقبح من المخلوقين، فكيف يضاف إلى الخالق (عزَّ وجلَّ)، ما لا يرضى للمخلوقين به، ولكن النعيم حبنا أهل البيت وموالاتنا، يسأل الله عنه بعد التوحيد والنبوة، لأن العبد إذا وفى بذلك أداه إلى نعيم الجنة التي لا تزول ولقد حدثني بذلك أبي عن أبيه عن محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه (عليه السلام) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا علي إن أول ما يسأل عنه العبد بعد موته شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأنك ولي المؤمنين، بما جعله الله وجعلته لك، فمن أقر بذلك وكان يعتقده، صار إلى النعيم الذي لا زوال له.
- وفي تفسير البرهان عن الصادق (عليه السلام)(752) قال: إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يحاسب المؤمن أعطاه كتابه بيمينه وحاسبه فيما بينه وبينه فيقول عبدي فعلت كذا وكذا وعملت كذا وكذا؟ فيقول نعم يا رب قد فعلت ذلك فيقول: قد غفرت لك وأبدلتها حسنات، الخبر.
والصنف الثالث: من الناس هم الذين يسألون عن جميع ما أنعم عليهم قليلا كان أو كثيرا دقيقا كان أو جليلا، حتى الرطب والماء البارد وغيرهما، كما(753) ورد في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
ولا يغفر لهم ولا يصفح عنهم وهم الذين لم يستجيبوا لله تعالى في أداء شكر تلك النعمة العظيمة، التي هي ولاية الإمام ووجوده (عليه السلام) قال الله (عزَّ وجلَّ) في سورة الرعد ﴿للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد﴾(754).
- وفي البحار(755) عن العياشي بإسناده عن الصادق (عليه السلام)، في قوله: ﴿ويخافون سوء الحساب﴾ قال: الاستقصاء والمداقة وقال: يحسب عليهم السيئات ولا يحسب لهم الحسنات.
أقول: وذلك لكفرهم بنعمة الله العظيمة التي هي السبب في قبول الحسنات.
- والصنف الرابع: هم الذين قال في حقهم سيد الساجدين عليه الصلاة والسلام في خطبة يوم الجمعة(756) واعلموا أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين، ولا تنشر لهم الدواوين، وإنما يحشرون إلى النار زمرا (الخ).
ومن تتبع في الأخبار حق التتبع وتدبر فيها حق التدبر، أذعن بهذا التحقيق، والله تبارك وتعالى ولي التوفيق وقد بسطنا الكلام في هذا المقام، مع كونه خارجا عما نحن بصدده أداء لشكر بعض نعمه.
ثم إن لنعمه صلوات الله عليه خصوصية في زمان ظهوره، وانتشار نوره كما وردت به الأخبار:
- فمنها: ما في البحار(757) عن النبي (عليه السلام) قال تتنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم يتنعموا مثلها قط، يرسل السماء عليهم مدرارا، ولا تدع الأرض شيئا من نباتها إلا أخرجته.
- ومنها: ما فيه(758) في حديث المفضل عن الصادق (عليه السلام)، قال ثم يعود المهدي إلى الكوفة، وتمطر السماء بها جرادا من ذهب، كما أمطره الله في بني إسرائيل على أيوب، ويقسم على أصحابه كنوز الأرض من تبرها ولجينها وجوهرها، الحديث.
نصره للإسلام ونهيه (عليه السلام) عن المنكر وأمره بالمعروف
كل منها يقتضي الدعاء لفاعله بحكم العقل والشرع فإن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر حماة الدين وحصون المسلمين، والآيات والروايات في الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة.
- ففي الكافي(759) عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل، قال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة تقام بها الفرائض، وتأمن المذاهب وتحل المكاسب، وترد المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر، فأنكروا بقلوبكم، والفظوا بألسنتكم، وصكوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم الخبر.
- وفي اللئالي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البر والتقوى، فإن لم يفعلوا ذلك، نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء.
- وعنه (صلى الله عليه وآله) قال وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي سلط الله عليهم شرارهم فيدعو خيارهم فلا يستجاب لهم.
والأخبار في هذا الباب كثيرة جدا، وقد عرفت في باب شباهة مولانا الحجة بجده الشهيد أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أن سعيه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما لا يماثله فيه أحد من البشر، لأنه (عليه السلام) مأمور من الله تعالى برفع جميع المنكرات عن جميع أقطار الأرض، بحيث لا يشذ عنها شاذ، ولا يبقى لفاعل منكر ملاذ ولا معاذ، كما ذكرنا غير مرة في هذا الكتاب.
- وفي كتاب المحجة عن الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)*(760) قال (عليه السلام): هذه لآل محمد المهدي وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها، ويظهر الدين ويميت الله (عزَّ وجلَّ) به وبأصحابه البدع والباطل كما أمات السفهة الحق، حتى لا يرى أثر من الظلم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولله عاقبة الأمور.
إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: يمكن أن يقرر رجحان الدعاء للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، لأنهما الناصران لدين الله تعالى، والحافظان لحدود الله، ولأن نفس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إحسان إلى المسلمين، ورعاية للدين، وهذا واضح لا سترة فيه.
والثاني: إن أول درجات النهي عن المنكر هو الإنكار القلبي، وهذا وإن كان أمرا خفيا باطنيا لكن له آثارا جلية، تظهر من الأعضاء والجوارح:
- ويدل عليه ما روي في الكافي(761) بسند موثق كالصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة(762).
- وفيه(763) بسند مرسل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله (عزَّ وجلَّ) بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها فلما انتهيا إلى المدينة وجدا رجلا يدعو الله ويتضرع إليه، فقال أحد الملكين لصاحبه ما ترى هذا الداعي؟ فقال: قد رأيته ولكن أمضي لما أمر به ربي فقال:
لا، ولكن لا أحدث شيئا حتى أراجع ربي، فعاد إلى الله تبارك وتعالى، فقال: يا رب إني انتهيت إلى المدينة، فوجدت عبدك فلانا يدعوك ويتضرع إليك فقال امض لما أمرتك به فإن ذا رجل لم يتمعر وجهه غيظا لي قط، إلى غير ذلك من الأخبار.
والغرض أن المؤمن إذا رأى منكرا لا يستطيع أن يدفعه وينهى عنه أنكره بقلبه وسأل الله تعالى أن يبعث من يقدر على دفع المنكر، ودعا لمن ينهى عن المنكر ويدفعه وهذه حالة جبلية كامنة في جميع المؤمنين والمؤمنات ولما علمنا أن الدافع لكافة المنكرات وحاسم مادتها هو القائم المهدي عجل الله تعالى فرجه، لزمنا أن نسأل الله (عزَّ وجلَّ) ليعجل فرجه، ويؤيده وينصره دفعا لما نشاهده ونسمعه من أصناف المنكرات، وأنواع المنهيات.
نداؤه (عليه السلام) مستنصرا من الأنام من أعظم ما يبعث على الدعاء له عقلا وشرعا
- أما نداؤه فهو قوله (عليه السلام) في التوقيع الشريف المروي في الاحتجاج وغيره(764) مخاطبا لعامة شيعته والمنتظرين لفرجه: وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم، وسيأتي بيان ذلك في الباب الخامس إن شاء الله تعالى.
وأما كونه ندائه صلوات الله وسلامه عليه باعثا موجبا للدعاء بحكم العقل فلا يحتاج إلى بيان لأن كل عاقل منصف إذا التفت إلى حال شخص له عليه حقوق كثيرة واجبة، وله إلى ذلك الشخص حوائج جمة، وبعد فهو من أشراف الناس وعظمائهم.
ثم غصب حقه، وبغي عليه فناداه بنداء وخاطبه بخطاب يدعوه إلى إعانته ونصرته، أفلا يدعوه عقله إلى إجابة هذا النداء، والمسارعة إلى متابعة صاحب هذا الدعاء؟ قل: بلى وربي خالق الأرض والسماء خصوصا إذا كان من أهل المحبة والولاء، وأنت إذا رجعت إلى ما ذكرناه في الباب الثالث من هذا الكتاب نفعك في هذا الباب وأما دلالة الشرع القويم إلى ذلك الصراط المستقيم، فمتكررة في الروايات وواضحة لأهل الدرايات.
- فمنها: ما في أصول الكافي(765) عن الصادق (عليه السلام): إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم.
أقول: فهل تسمع نداء مولاك، ومن تحتاج إليه في أولاك وأخراك؟ وهل تجيب دعوته؟
وهل تفضي حاجته؟ فإن لسان حاله ومقاله ناطق بالاستنصار، فأعينوه يا أولي الأسماع والأبصار.
وحيث انجر الكلام إلى هذا المقام، فلا بأس بذكر جملة من نداءاته (عليه السلام) قبل ظهوره أو بعده ونذكر النداءات الصادرة عنه (عليه السلام) ونداءات غيره جميعا، لأن كلتيهما متعلقان به (عليه السلام).
- (ألف) في البحار(766) عن النعماني بإسناده عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام)، قال: لا يخرج القائم (عليه السلام) حتى ينادى باسمه من جوف السماء، في ليلة ثلاث وعشرين ليلة جمعة، قلت: بم ينادى؟ قال: باسمه واسم أبيه ألا إن فلان ابن فلان قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) فاسمعوا له وأطيعوه فلا يبقى شيء خلق الله فيه الروح إلا سمع الصيحة، فتوقظ النائم، ويخرج إلى صحن داره، وتخرج العذراء من خدرها ويخرج القائم مما يسمع وهي صيحة جبرائيل.
- وفي كمال الدين(767) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ينادي مناد من السماء: إن فلان ابن فلان هو الإمام، وينادي باسمه وينادي إبليس لعنه الله تعالى من الأرض كما نادى برسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة.
- (ب) وفيه(768) عن الثمالي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: إن خروج السفياني من الأمر المحتوم؟ قال: نعم، واختلاف بني العباس من المحتوم وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم (عليه السلام) من المحتوم، فقلت له: فكيف يكون ذلك النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن الحق في علي وشيعته، ثم ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار: ألا إن الحق في السفياني وشيعته فيرتاب عند ذلك المبطلون.
- (ج): في البحار(769) عن العياشي عن عجلان أبي صالح، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: لا تمضي الأيام والليالي حتى ينادي مناد من السماء: يا أهل الحق اعتزلوا، يا أهل الباطل اعتزلوا، فيعزل هؤلاء من هؤلاء، ويعزل هؤلاء من هؤلاء قال: قلت: أصلحك الله يخالط هؤلاء وهؤلاء بعد ذلك النداء؟ قال: كلا إنه يقول في الكتاب: ﴿ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب﴾.
- (د) وفيه(770) عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل فيقوم القائم بين الركن والمقام فيصلي وينصرف ومعه وزيره، فيقول: يا أيها الناس إنا نستنصر الله على من ظلمنا، وسلب حقنا، من حاجنا في الله، فأنا أولى بالله، ومن حاجنا في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجنا في نوح، فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجنا في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم ومن حاجنا بمحمد (صلى الله عليه وآله) فأنا أولى الناس بمحمد (صلى الله عليه وآله) ومن حاجنا في النبيين، فنحن أولى الناس بالنبيين ومن حاجنا في كتاب الله فنحن أولى الناس بكتاب الله.
إنا نشهد وكل مسلم اليوم، أنا قد ظلمنا وطردنا، وبغي علينا وأخرجنا من ديارنا وأموالنا وأهالينا وقهرنا، ألا إنا نستنصر الله اليوم وكل مسلم.
ويجيء والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فيهم خمسون امرأة يجتمعون بمكة على غير ميعاد قزعا كقزع الخريف، يتبع بعضهم بعضا وهي الآية التي قال الله ﴿أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير﴾(771) فيقول رجل من آل محمد (صلى الله عليه وآله) وهي القرية الظالمة أهلها.
ثم يخرج من مكة هو ومن معه، الثلاثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام معه عهد نبي الله (صلى الله عليه وآله) ورايته وسلاحه ووزيره معه فينادي المنادي بمكة باسمه وأمره من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كلهم، الخبر.
- (ه) وفي النعماني(772) عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: إذا رأيتم نارا من المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد (صلى الله عليه وآله) إن شاء الله (عزَّ وجلَّ) إن الله عزيز حكيم.
ثم قال (عليه السلام): الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان شهر الله وهي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق، ثم قال: ينادي مناد من السماء باسم القائم فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلا استيقظ، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه، فزعا من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت، فأجاب، فإن الصوت صوت جبرائيل الروح الأمين، وقال (عليه السلام): الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين فلا تشكوا في ذلك واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت إبليس اللعين، ينادي ألا إن فلانا قتل مظلوما ليشكك الناس، ويفتنهم، الخبر.
- وفيه(773) عن عبد الله بن سنان قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسمعت رجلا من همدان يقول له: إن هؤلاء العامة يعيرونا، ويقولون لنا إنكم تزعمون أن مناديا ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر وكان (عليه السلام) متكئا فغضب وجلس ثم قال: لا ترووه عني، وارووه عن أبي، ولا حرج عليكم في ذلك أشهد إني قد سمعت أبي (عليه السلام) يقول: والله إن ذلك في كتاب الله (عزَّ وجلَّ) لبين حيث يقول: ﴿إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين﴾(774).
فلا يبقى في الأرض يومئذ أحد إلا خضع وذلت رقبته لها، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء ألا إن الحق في علي بن أبي طالب وشيعته فإذا كان من الغد صعد إبليس في الهوى، حتى يتوارى عن أهل الأرض، ثم ينادي: ألا إن الحق في عثمان بن عفان وشيعته فإنه قتل مظلوما، فاطلبوا بدمه.
قال (عليه السلام) فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت على الحق وهو النداء الأول ويرتاب يومئذ الذين في قلوبهم مرض: والمرض والله عداوتنا فعند ذلك يتبرؤون منا، ويتناولونا فيقولون:
إن المنادي الأول سحر من سحر أهل هذا البيت ثم تلا أبو عبد الله (عليه السلام) قول الله (عزَّ وجلَّ) ﴿وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر﴾.
- (ز) وفيه(775) عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ينادي مناد من السماء: إن فلانا هو الأمير وينادي مناد إن عليا وشيعته هم الفائزون.
- (ح) وفيه(776) عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ينادى باسم القائم يا فلان ابن فلان قم.
(ط) نداؤه بنفسه: وقد مر في باب شباهته بجده أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وفي مواضع أخرى.
- (ي) في النعماني(777) في رواية حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إن - لله مائدة - وفي غير هذه الرواية: مأدبة - بقرقيسيا يطلع مطلع من السماء فينادي يا طير السماء ويا سباع الأرض هلموا إلى الشبع من لحوم الجبارين(778).
- (يا) وفيه(779) في حديث طويل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وينزل أمير جيش السفياني البيداء، فينادي مناد من السماء: يا بيداء بيدي بالقوم فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر، يحول الله وجوههم إلى أقفيتهم وهم من كلب. الخبر.
- (يب): وفي البحار(780) في حديث طويل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وينادي مناد في شهر رمضان من ناحية المشرق عند الفجر: يا أهل الهدى اجتمعوا وينادي مناد من قبل المغرب بعدما يغيب الشفق: يا أهل الباطل اجتمعوا، الخبر.
- (يج) وفي كمال الدين(781) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أول من يبايع القائم (عليه السلام) جبرائيل ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه ثم يضع رجلا على بيت الله الحرام ورجلا على بيت المقدس، ثم ينادي بصوت ذلق تسمعه الخلائق ﴿أتى أمر الله فلا تستعجلوه﴾.
- (يد) وفي البحار(782) عن أبي جعفر (عليه السلام)، كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت، قائما بين الركن والمقام، بين يديه جبرائيل ينادي: البيعة لله فيملأها عدلا كما ملئت ظلما وجورا.
- (يه) في النعماني(783) عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: ينادى باسم القائم (عليه السلام) فيؤتى وهو خلف المقام فيقال له قد نودي باسمك فما تنتظر ثم يؤخذ بيده فيبايع قال: قال لي زرارة: الحمد لله، قد كنا نسمع أن القائم (عليه السلام) يبايع مستكرها(784)، فلم نكن نعلم وجه استكراهه، فعلمنا أنه استكراه لا إثم فيه.
- (يو) وفيه(785) عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول يشمل الناس موت وقتل حتى يلجأ الناس عند ذلك إلى الحرم فينادي مناد صادق من شدة القتال: فيم القتل والقتال، صاحبكم فلان.
- (يز) في البحار(786) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه.
- وفي حديث آخر(787) على رأسه غمامة بيضاء، تظله من الشمس، تنادي بلسان فصيح، يسمعه الثقلين والخافقين: وهو المهدي من آل محمد يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
- (يح) في غيبة النعماني(788) في حديث الحسن بن محبوب، عن الرضا (عليه السلام) كأني به أسر ما كانوا. قد نودوا نداء يسمعه من بالبعد، كما يسمعه من بالقرب يكون رحمة على المؤمنين وعذابا على الكافرين فقلت: بأبي وأمي أنت، وما ذلك النداء؟ قال (عليه السلام) ثلاثة أصوات في رجب.
أولها: ألا لعنة الله على الظالمين.
والثاني: أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين.
والثالث: يرى بدنا بارزا مع قرن الشمس ينادي ألا إن الله قد بعث فلانا على هلاك الظالمين فعند ذلك يأتي المؤمنين الفرج ويشفي الله صدورهم ويذهب غيظ قلوبهم.
- (يط) نداء سيفه وعلمه ففي حديث طويل روي في كمال الدين(789) عن الإمام التاسع عن آبائه، عن رسول الله صلى الله عليه وعليهم أجمعين، إلى أن قال: له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه، وأنطقه الله تبارك وتعالى فناجاه العلم: أخرج يا ولي الله فاقتل أعداء الله، وله رايتان وعلامتان وله سيف مغمد فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده، وأنطقه الله (عزَّ وجلَّ) فناداه السيف: أخرج يا ولي الله فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله فيخرج ويقتل أعداء الله، الخبر.
- (ك) في البحار(790) في حديث مرفوع إلى علي بن الحسين (عليه السلام) في ذكر القائم (عليه السلام) في خبر طويل قال: فيجلس تحت شجرة سمرة فيجيئه جبرائيل في صورة رجل من كلب فيقول: يا عبد الله ما يجلسك ههنا؟ فيقول: يا عبد الله إني أنتظر أن يأتيني العشاء، فأخرج في دبره إلى مكة وأكره أن أخرج في هذا الحر قال: فيضحك، فإذا ضحك عرفه أنه جبرائيل قال: فيأخذ بيده ويصافحه ويسلم عليه، ويقول له: قم ويجيئه بفرس يقال له البراق، فيركبه ثم يأتي إلى جبل رضوى، فيأتي محمد وعلي فيكتبان له عهدا منشورا، يقرأه على الناس، ثم يخرج إلى مكة والناس يجتمعون بها.
قال (عليه السلام): فيقوم رجل منه فينادي: أيها الناس هذا طلبتكم قد جاءكم يدعوكم إلى ما دعاكم إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فيقومون، قال: فيقوم هو بنفسه، فيقول: أيها الناس أنا فلان ابن فلان، أنا ابن نبي الله، أدعوكم إلى ما دعاكم إليه نبي الله.
فيقومون إليه ليقتلوه، فيقوم ثلاثمائة أو ينيف على الثلاثمائة فيمنعونه، منهم خمسون من أهل الكوفة وسائرهم من أفناء الناس، لا يعرف بعضهم بعضا اجتمعوا على غير ميعاد.
(كا) نداء مناديه ألا لا يحملن أحدا طعاما، وقد مر في شباهته بموسى (عليه السلام).
- (كب): في البحار(791) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام القائم لا تبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله).
- (كج) في الغيبة(792) للشيخ النعماني (ره) عن أبان بن تغلب، قال: كنت مع جعفر بن محمد (عليه السلام)، في مسجد مكة، وهو آخذ بيدي فقال: يا أبان سيأتي الله بثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا في مسجدكم هذا، يعلم أهل مكة أنه لم يخلق آباؤهم ولا أجدادهم بعد، عليهم السيوف، مكتوب على كل سيف اسم الرجل واسم أبيه وحليته ونسبه، ثم يأمر مناديا فينادي هذا المهدي يقضي بقضاء داود وسليمان لا يسأل على ذلك بينة.
- (كد) وفيه(793) عنه ويبعث الله الريح من كل واد تقول هذا المهدي، يحكم بحكم داود، ولا يريد بينة.
وروى الصدوق في كمال الدين(794) نحوا منه.
- (كه) وفيه عن الصادق (عليه السلام) في حديث مر جملة منه في لوائه عن البحار(795) إلى أن قال: فأول ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم، ويعلقها في الكعبة، وينادي مناديه هؤلاء سراق الله.
- (كو) في البحار(796) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أول ما يظهر القائم من العدل أن ينادي مناديه أن يسلم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف.
- (كز): في حديث المفضل(797) ويقف بين الركن والمقام فيصرخ صرخة فيقول يا معاشر نقبائي، وأهل خاصتي، ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض، ائتوني طائعين فترد صيحته عليهم، وهم في محاريبهم، وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها، فيسمعونه في صيحة واحدة، في أذن كل رجل فيجيبون نحوها، ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر، حتى يكون كلهم بين يديه بين الركن والمقام، فيأمر الله (عزَّ وجلَّ) النور فيصير عمودا من الأرض إلى السماء، فيستضيء به كل مؤمن على وجه الأرض، ويدخل عليه نور من جوف بيته، فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور، وهم لا يعلمون بظهور قائمنا أهل البيت عليه و(عليهم السلام)، ثم يصبحون وقوفا بين يديه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا بعدة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر، الخبر.
- (كح) وفيه(798) وينادي منادي المهدي (عليه السلام): كل من أحب صاحبي رسول الله (عليه السلام) وضجيعيه فلينفرد جانبا، فتتجزأ الخلق جزئين أحدهما موال والآخر متبرئ منهما فيعرض المهدي (عليه السلام) على أوليائهما البراءة منهما فيقولون يا مهدي آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحن لم نتبرأ منهما، ولسنا نعلم أن لهما عند الله وعندك هذه المنزلة، وهذا الذي بدا لنا من فضلهما، أنتبرأ الساعة منهما؟ وقد رأينا منهما ما رأينا هذا الوقت، من نضارتهما وغضاضتهما وحياة الشجرة بهما، بل والله نتبرأ منك وممن آمن بك ومن لا يؤمن بهما ومن صلبهما وأخرجهما وفعل بهما ما فعل، فيأمر المهدي (عليه السلام) ريحا سوداء فتهب عليهم، فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية، الخبر(799).
- (كط): وفيه(800) قال الصادق (عليه السلام) أول ما يبتدئ المهدي (عليه السلام) أن ينادي في جميع العالم: ألا من له عند أحد من شيعتنا دين فليذكره، حتى يرد الثومة والخردلة، فضلا عن القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والأملاك فيوفيه إياه، الخبر.
- (ل): في البحار(801) في حديث نبوي من طريق العامة، إلى أن قال (صلى الله عليه وآله) حتى يأمر (عليه السلام) مناديا ينادي يقول: من له في المال حاجة؟ فما يقوم من الناس إلا رجل واحد، فيقول أنا، فيقول: ائت السدان، يعني الخازن فقل له: إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالا فيقول له: أحث حتى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم فيقول: كنت أجشع أمة محمد (صلى الله عليه وآله) نفسا أعجز عما وسعهم فيرده ولا يقبل منه فيقال له: إنا لا نأخذ شيئا أعطيناه.
نصيحته لله ولدين الله ولرسول الله (صلى الله عليه وآله) وللمؤمنين
كلها من العناوين الموجبة للدعاء له بمقتضى العقل والشرع، ويدل على المقصود جميع ما ورد في اجتهاده في إحياء دين الله، وإعلاء كلمة الله، وقتل أعداء الله، وتأمين البلاد والهداية إلى نهج السداد مضافا إلى ما ورد في زيارته: السلام عليك أيها الولي الناصح، ومثله في الدعاء عقيب الزيارة المروية عنه (عليه السلام).
- وفي أحد توقيعاته الشريفة المروية في الاحتجاج(802) وغيره: فاتقوا الله وسلموا لنا، وردوا الأمر إلينا فعلينا الإصدار كما كان منا الإيراد ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم، ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى اليسار، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنة الواضحة، فقد نصحت لكم، والله شاهد علي وعليكم (الخ).
وفي هذا الكلام حكم لطيفة، ونصائح شريفة كافية لإصلاح حالك للدنيا والآخرة.
حرف الواو: ولايته لله تعالى وولايتنا له، وولايته علينا من الأمور العظيمة الباعثة للدعاء له عقلا وشرعا
فهنا مقامات ثلاثة:
المقام الأول: في ولايته لله تعالى الولاية هنا بالفتح بمعنى المحبة، فكل من يحب الله فهو وليه فجميع المؤمنين الصالحين أولياء الله (عزَّ وجلَّ) ويدل على ذلك من الآيات قوله تعالى: ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾(803) بناء على كون قوله (عزَّ وجلَّ) ﴿الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾ تفسيرا للأولياء.
- ومن الأخبار ما رواه ثقة الإسلام في أصول الكافي(804) بإسناده عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الصدود لأوليائي؟ فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم فيقال: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين، ونصبوا لهم، وعاندوهم، وعنفوهم في دينهم ثم يؤمر بهم إلى جهنم.
- وفيه(805) بإسناده عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: لما أسري بالنبي (صلى الله عليه وآله) قال: يا رب ما حال المؤمن عندك؟ قال: يا محمد من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي، الخبر.
- وفيه أيضا بسند صحيح عن الصادق (عليه السلام) قال: إن المؤمن ولي الله يعينه ويصنع له ولا يقول عليه إلا الحق ولا يخاف غيره.
- وفيه(806) أيضا بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لقد أسرى ربي بي فأوحى إلي من وراء الحجاب ما أوحى، وشافهني أن قال لي: يا محمد من أذل لي وليا فقد أرصد لي بالمحاربة ومن حاربني حاربته. قلت: يا رب ومن وليك هذا؟ قال: ذاك من أخذت ميثاقه لك ولوصيك ولذريتكما بالولاية.
إذا عرفت ذلك، فنقول: لا ريب في وجوب حب أولياء الله وحسنه، كما لا ريب في وجوب بغض أعداء الله، بل هو من ضروريات مذهبنا ويدل عليه العقل والنقل.
أما الأول: فلا يكاد يحتاج إلى البيان.
وأما الثاني: فمتواتر، لكنا نذكر بعض الروايات تيمنا.
- منها: ما في الكافي(807) بسند صحيح عن أبي جعفر الثاني عن أبيه عن جده صلوات الله عليهم، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله خلق الإسلام فجعل له عرصة، وجعل له نورا، وجعل له حصنا، وجعل له ناصرا.
فأما عرصته فالقرآن، وأما نوره فالحكمة، وأما حصنه فالمعروف، وأما أنصاره فأنا وأهل بيتي وشيعتنا، فأحبوا أهل بيتي وشيعتهم وأنصارهم فإنه لما أسري بي إلى السماء الدنيا فنسبني جبرائيل (عليه السلام) لأهل السماء استودع الله حبي وحب أهل بيتي وشيعتهم في قلوب الملائكة، فهو عندهم وديعة إلى يوم القيامة، ثم هبط بي إلى أهل الأرض، فنسبني لأهل الأرض، فاستودع الله (عزَّ وجلَّ) حبي وحب أهل بيتي وشيعتهم في قلوب مؤمني أمتي، فمؤمنو أمتي يحفظون وديعتي إلى يوم القيامة ألا فلو أن الرجل من أمتي عبد الله (عزَّ وجلَّ) عمره أيام الدنيا، ثم لقي الله (عزَّ وجلَّ) مبغضا لأهل بيتي وشيعتي، ما فرج الله صدره إلا عن نفاق.
- ومنها ما في أصول الكافي(808) أيضا بإسناده عن يعقوب بن الضحاك عن رجل من أصحابنا سراج وكان خادما لأبي عبد الله (عليه السلام) قال بعثني أبو عبد الله (عليه السلام) في حاجة وهو بالحيرة أنا وجماعة من مواليه قال: فانطلقنا إلى أن قال ثم جرى ذكر قوم فقلت: جعلت فداك إنا نبرأ منهم، إنهم لا يقولون ما نقول، قال: فقال (عليه السلام): يتولونا ولا يقولون ما تقولون تبرؤون منهم؟ قال: قلت: نعم، قال (عليه السلام): فهو ذا عندنا ما ليس عندكم فينبغي لنا أن نبرأ منكم؟ قال: قلت: لا، جعلت فداك ما نفعل؟ قال (عليه السلام): فتولوهم ولا تبرءوا منهم إن من المسلمين من له سهم ومنهم من له سهمان، الخبر، وهو طويل مذكور في باب درجات الإيمان من أصول الكافي.
- وفيه(809) في باب الحب في الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أوثق عرى الإيمان أن يحب في الله ويبغض في الله ويعطي في الله ويمنع في الله.
- وفي الباب المذكور عنه (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي عرى الإيمان أوثق؟ فقالوا الله ورسوله أعلم وقال بعضهم: الصلاة وقال بعضهم الزكاة وقال بعضهم الصيام وقال بعضهم الحج والعمرة وقال بعضهم الجهاد، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لكل ما قلتم فضل، وليس به، ولكن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله وتولي أولياء الله والتبري من أعداء الله.
- وفيه(810) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كل من لم يحب على الدين، ولم يبغض على الدين فلا دين له.
أقول: هذه نبذة من الأخبار الدالة على وجوب ولاية أولياء الله وإذا تمهد ما ذكرنا فنقول لا ريب في أنه كلما كان الإيمان أكمل كان الحب لأهله آكد، وكلما كان المؤمن أكمل فينبغي أن يكون حبك له أشد وأكمل، لأن هذه المحبة إنما هي بسبب الرابطة الإيمانية التي تكون بين المؤمنين فبهذا التقرير يجب أن يكون حبك لإمام زمانك الذي هو أصل الإيمان وعروته وطود الولاية وذروته أشد من حبك لجميع المؤمنين، بل يكون هو (عليه السلام) أحب إليك من أبيك وبنيك، بل من ذاتك كما دل على ذلك قوله تعالى: ﴿قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها، ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره﴾.
- والحديث النبوي المروي في دار السلام وغيره عن العلل قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)(811):
لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه، وتكون عترتي أحب إليه من عترته، ويكون أهلي أحب إليه من أهله، وتكون ذاتي أحب إليه من ذاته.
ثم إنه لا يخفى أن الحب أمر قلبي، وكيفية نفسانية إلا أن له آثارا ظاهرة وآيات باهرة بها يستدل على درجات حبك للمحبوب وشوقك إلى المطلوب:
منها: اهتمامك بالدعاء له إذا غاب واغتمامك له إذا أصيب بمصاب ألا ترى أنه إذا كان لك ولد صالح نقي بهي جميل نبيل يسرك النظر إليه فسافر سفرا لا تدري مكانه ومعانه فلا تنفك ساعة من ليلك ونهارك من فكره والدعاء له، وطلب الدعاء من المؤمنين والصالحين، هل هذا إلا لمكان المحبة وكمال المودة؟ فيا أيها المدعي حب مولاه هل يمضي عليك يوم لا تنساه؟ فأكثروا الدعاء له في الغياب واغتنموا الفرصة فإنها تمر مر السحاب.
المقام الثاني
في بيان اقتضاء ولايتنا له شدة الاهتمام في الدعاء له وهذا أمر ظاهر لا يخفى على أحد لأن الطبائع مجبولة على الدعاء للمحبوب وهذا واضح لا ينكره إلا لغوب وإنما الغرض هنا بيان لزوم تقديم الدعاء له على كل دعاء، وذلك يتضح بذكر مقدمة شريفة وهي أن أسباب الحب ثلاثة: اللذة، والنفع، والخير، وأعظم هذه الأسباب وأكملها ثالثها(812) بل نقول: إن السببين الأولين أيضا يرجعان إلى ذلك، والمراد منه أن يكون وجود شيء خيرا بوجه من الوجوه فإن الإنسان إذا علم وجود شيء أو شخص ذا خير أحبه طبعا وإن لم يصل إليه من خبره شيء فكلما ازداد خيرا ازداد الإنسان حبا له بحسب درجات معرفته بخيرات وجوده.
أما اللذة فأي لذة للمؤمن أعلى وأحلى من زيارة جماله والتشرف بوصاله فإن فيه من اللذات الظاهرة والباطنة ما لا أكاد أحصيها ولذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يتأوه شوقا إلى رؤيته كما في الحديث الذي رواه النعماني(813) في غيبته.
وأما النفع، فقد عرفت في الباب الثالث أن جميع المنافع إنما تصل إلى الخلق ببركات وجوده، مضافا إلى المنافع الخاصة المتوقفة على ظهوره، وانتشار نوره.
ونعم ما قيل بالعربية (لقد جمعت فيه المحاسن كلها) وبالفارسية: (آنچه خوبان همه دارند تو تنها داري).
وأما خيرات وجوده فعقولنا قاصرة، وأفكارنا فاترة عن إدراكها فما أوتينا من العلم إلا قليلا. لكن لكل امرئ فهم، ولكل مؤمن سهم. فمن كانت معرفته بخيرات وجوده أتم، كان الدعاء له في نظره أهم. لأن الاهتمام في الدعاء ناشئ عن كمال المحبة والولاء، وكمال المحبة ناشئ عن كمال المعرفة، وهذا أحد الوجوه لشدة اهتمام الأئمة (عليهم السلام) في الدعاء له (عليه السلام) وسؤال تعجيل فرجه من الملك العلام.
وسيأتي بعض الوجوه في صدر الباب السابع، مع زيادة شرح، وبيان لهذا الوجه فانتظر لتمام الكلام وتكميل هذا المرام.
فتحصل مما ذكرنا أن ولايتنا له تقتضي الاهتمام في الدعاء لفرجه، وكشف همه، أكثر من اهتمامنا في الدعاء لنفوسنا، وجميع ما يتعلق بنا، إن شاء الله تعالى.
المقام الثالث
في ولايته علينا، الولاية هنا بكسر الواو، بمعنى السلطنة والاستيلاء، والمراد بولايته علينا هو ما نص عليه في قوله تعالى: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾(814) كما مر صريحا في الحديث الذي رويناه في الباب الثالث في حق السيد على العبد، فراجع.
ومقتضى إذعانك بأنه أولى بك من نفسك في جميع ما يتعلق بك أن تجعله أولى منك في جميع ما تحبه لنفسك وتجعل السعي في حاجته مقدما على حاجتك.
ويحتمل أن يراد هذا المعنى من قوله (عليه السلام) في الزيارة الجامعة(815) ومقدمكم أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي في كل أحوالي وأموري (الخ) فولايته (عليه السلام) تقتضي أن تقدمه على نفسك في جميع الأمور، وقد مر في الحديث النبوي ما يدل على ذلك، ومن أهم ذلك الدعاء فإنه مفتاح كل خير، وسلاح كل تقي، فينبغي أن تقدمه على نفسك وكل من تحبه، بالدعاء له بالفرج والعافية. وفيما ذكرنا في هذه المقامات جملة كافية ودلالة شافية.
وصله (عليه السلام)
أهم حوائج المحبين، وغاية منى المشتاقين، ومنتهى رغبة العارفين، فمسألة التعجيل فيه من رب العالمين أكثر دعواتهم، وأكبر حاجاتهم، وأعظم مهماتهم، ونعم ما قيل:
فؤادي وطرفي يأسفان عليكم * وعندكم روحي وذكركم عندي
ولست ألذ العيش حتى أراكم * ولو كنت في الفردوس أو جنة الخلد
ومن طرائف ما سنح بالبال في هذا المقال وكتبته بقلم الاستعجال في الشوق إلى زمن الوصال وتذكر مولاي في كل حال هذه الأبيات:
تولى شبابي في الفراق فأسرعا * وآذن عمري بالرحيل فودعا
حييت بشوق الوصل دهرا ولم أكن * بشيء سوى تذكاره متمتعا
قد اشتد شوقي فيك يا غاية المنى * ويا خير من صلى ويا خير من دعا
ويا خير مقصود ويا خير موئل * ويا خير من لبى ويا خير من سعى
وقد طال صبري في النوى إذ تركتني * كئيبا غريبا باكيا متوجعا
فيا مهجتي يا روح قلبي وراحتي * أغثني فقلبي كاد أن يتصدعا
نظرت بأبواب الملوك فلم أجد * سوى بابك العالي ملاذا ومفزعا
وإذ نزل المعروف والعدل والسخا * فما اختار إلا في فنائك موضعا
أغثني بفيض من نداك فإنه * لقد صار منه البر والبحر مترعا
فلولاك ساخ الأرض بالخلق كلهم * وصار بطون الأرض للناس مضجعا
ولولاك اندك الجبال جميعها * ولولاك أركان السماء تزعزعا
وما نبتت في الأرض لولاك حبة * ولا شجر لولا وجودك أينعا
ولا أشرقت شمس ولا نير بدا * ولا نبعت عين ولا البرق أمصعا
وصيرنا الأعداء لولاك طعمة * وكان علينا الذل ثوبا ملفعا
وما فاز ناج بالنجاة بغيركم * ومن أمها من غيركم كان ألكعا
حبيبي حبيبي طال همي وكربتي * أغثني سريعا قبل أن أتضيعا
تعاليت عن مدحي ومدح الخلائق * وما قيل في علياك قد كنت أرفعا
بسبب ضعف أهل الإسلام، وارتياب قلوب الأنام، واقترافنا للآثام، وإصرارنا على المعاصي على الدوام، كما يتبين من بعض توقيعاته (عليه السلام)(816)، مما يوجب الدعاء لكشف همه على الخاص والعام، ويدل على هذا المرام، مضافا إلى أنه طريقة أهل المحبة من الأنام ما رويناه في أول حرف الألف من هذا الباب عن الصادق (عليه السلام)، فلا نعيد الكلام في هذا المقام.
هدم أبنية الكفر والشقاق والنفاق
مما يوجب الدعاء له عند أهل الاشتياق لأنه من لوازم البغض للأعداء وقد قدمنا وجوبه عند ذكر ولاية الأولياء.
وأما ما يدل على أن مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) يأمر بهدم أبنية أهل الكفر والطغيان، فعدة دعوات وروايات.
- منها دعاء الندبة(817) المروي عن الصادق (عليه السلام) ففيه: أين هادم أبنية الكفر والشقاق والنفاق.
- ومنها: رواية المفضل(818) عن الصادق (عليه السلام) قال: يأتي القائم (عليه السلام) بعد أن يطأ شرق الأرض وغربها الكوفة ومسجدها، ويهدم المسجد الذي بناه يزيد بن معاوية لعنه الله، لما قتل الحسين بن علي (عليه السلام)، و[هو] مسجد ليس لله، ملعون ملعون من بناه.
- ومنها: رواية علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي، المروية في المحجة(819) للسيد هاشم البحريني (ره) عن مولانا صاحب الزمان (عليه السلام): يا بن المهزيار، لولا استغفار بعضكم لبعض، لهلك من عليها، إلا خواص الشيعة، الذين تشبه أقوالهم أفعالهم، ثم قال: يا بن مهزيار - ومد يده - ألا أنبئك بالخبر؟ إنه إذا قعد الصبي، وتحرك المغربي، وسار اليماني، وبويع السفياني، يأذن الله لي فأخرج بين الصفا والمروة، في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا سواء، فأجيء إلى الكوفة، وأهدم مسجدها وأبنيه على بنائه الأول. وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة، وأحج بالناس حجة الإسلام، وأجيء إلى يثرب فأهدم الحجرة، وأخرج من بها وهما طريان، فآمر بهما تجاه البقيع وآمر بخشبتين يصلبان عليهما فتورق من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشد من الفتنة الأولى فينادي مناد من السماء: يا سماء أبيدي ويا أرض خذي فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان.
قلت يا سيدي: ما يكون بعد ذلك؟ قال الكرة الكرة، الرجعة الرجعة ثم تلا هذه الآية ﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا﴾.
- ومنها ما في البحار(820) عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه وحول المقام إلى الموضع الذي كان فيه.
- وفيه(821): في حديث آخر، عنه (عليه السلام) قال القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه، ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى أساسه، ويرد البيت إلى موضعه وأقامه على أساسه.
- وفيه(822): عن غيبة الشيخ بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، في حديث له حتى انتهى إلى مسجد الكوفة، وكان مبنيا بخزف ودنان وطين، فقال (عليه السلام) ويل لمن هدمك، وويل لمن سهل هدمك، وويل لبانيك بالمطبوخ، المغير قبلة نوح طوبى لمن شهد هدمك مع قائم أهل بيتي أولئك خيار الأمة مع أبرار العترة.
- وفيه(823) عنه عن أبي بصير، في حديث له اختصره، قال: إذا قام القائم دخل الكوفة، وأمر بهدم المساجد الأربعة، حتى يبلغ أساسها، ويصيرها عريشا كعريش موسى، وتكون المساجد كلها جماء، لا شرف لها، كما كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويوسع الطريق الأعظم، فيصير ستين ذراعا، ويهدم كل مسجد على الطريق، ويسد كل كوة إلى الطريق، وكل جناح وكنيف وميزاب إلى الطريق، ويأمر الله الفلك في زمانه فيبطئ في دوره، حتى يكون اليوم في أيامه كعشرة أيام، والشهر كعشرة أشهر، والسنة كعشر سنين من سنيكم.
ثم لا يلبث إلا قليلا، حتى يخرج إليه مارقة الموالي برميلة الدسكرة عشرة آلاف شعارهم: يا عثمان يا عثمان فيدعو رجلا من الموالي فيقلده سيفه، فيخرج إليهم فيقتلهم حتى لا يبقى منهم أحد، ثم يتوجه إلى كابل شاه، وهي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره، فيفتحها ثم يتوجه إلى الكوفة فينزلها، وتكون داره، ويبهرج سبعين قبيلة من قبائل العرب، الخبر.
هداية العباد
إلى طريق الرشاد، ونهج السداد، من أعظم الحقوق الموجبة للدعاء، لأنها من أعظم أنواع الإحياء كما صرح به في الحديث المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) في المجلد الأول(824) من البحار.
- وفيه(825) عن عوالي اللئالي مرسلا، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من علم شخصا مسألة فقد ملك رقبته، فقيل له يا رسول الله أيبيعه؟ فقال (صلى الله عليه وآله): لا ولكن يأمره وينهاه.
أقول: قد عرفت مما ذكرنا في نوره أن اهتداء جميع أهل الإيمان إنما هو بإضاءة نور صاحب الزمان مضافا إلى ما علمهم من صنوف الأحكام، المذكورة في توقيعاته (عليه السلام)، المروية في البحار والاحتجاج والإكمال(826) فالدعاء له مما يلزم أداء حقه في كل حال.
هجرانه (عليه السلام)
أشد أنواع العذاب على الخلص من الأحباب، ولهذا وعد للصبر عليه في زمن الغياب، الجزيل من الثواب، وسنذكر الأخبار الواردة في هذا الباب عن الأئمة الأطياب، في الباب الثامن من هذا الكتاب ولا ريب أن الجد في الدعاء لرفع العذاب من جبليات أولي الألباب.
- وقد ورد في بعض الأحاديث أن قلب المؤمن يذاب مما يشاهد في زمان الغياب.
ونعم ما قاله بعض الأحباب مما يناسب هذا الباب:
قد ذاب من الفراق لحمي ودمي * واشتد من الشوق إليكم ألمي
كم أشرب غصتي بدمعي ودمي * كم أصبر يا ليت وجودي عدمي
ومما وقع في روعي في بعض هذه الأسحار وجرى على لساني مخاطبا لصاحب الدار، والمنتظر الغائب عن الأبصار، في ذكر شدة ألم الهجر هذه الأشعار:
من هجرك يا حبيب قلبي قد ذاب * انظر نظرا إلي يا بن الأطياب
إن غبت لذنبنا فتبنا تبنا * أو خفت من العدى فما للأحباب
الجور فشا على المحبين فقم * يا منتقما بأمر رب الأرباب
حرف الياء المثناة: يده (عليه السلام) علينا
أي نعمته وتطلق اليد على النعمة كثيرا.
قال الشاعر:
ولن أذكر النعمان إلا بصالح * فإن له عندي يدي وأنعما
ويدي على وزن أمير، جمع يد كعبيد جمع عبد، كما نص عليه الشيخ الطبرسي (ره) في مجمع البيان.
ولما كانت النعم قاطبة إنما تصل إلينا ببركة وجود مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) لزمنا شكر وجوده بالدعاء له وما شاكله لأن شكر الواسطة في النعمة لازم كشكر صاحبها كما نطقت به الروايات وقد قدمنا ما يدل على المقصود في الباب الثالث من الكتاب وفي حرف النون من هذا الباب ويأتي في الباب الخامس مزيد بيان إن شاء الله تعالى شأنه.
- ومما يناسب هذا المقام ما روي في الخرائج والبحار(827) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد، فجمع به عقولهم، وأكمل به أخلاقهم.
قال بعض العلماء رضوان الله عليه: المراد وضع جارحته الخاصة بنحو المعجزة على رؤوس جميع العباد.
أقول: يحتمل أن يكون المراد باليد القوة أو الملك فيكون المعنى أنه إذا قام استولى على جميع العباد وشمل ملكه كل البلاد وبذلك يجمع العقول ويكمل الأخلاق، لزوال أهل الكفر والفسق والإلحاد.
يمنه (عليه السلام)
يعلم مما قدمنا في هذا الكتاب بتوفيق الملك الوهاب، فالأولى أن نختم هذا الباب بذكر أبيات هي كاللئالي مما سنح ببالي، وجرى في مقالي في بعض تلك الليالي. وإن كان هو المتعالي، عن مدحي ومدح أمثالي لكنها هدية من الداني إلى العالي، أهديتها لاستصلاح حالي، والبلوغ بآمالي، في عاجلي ومآلي، بشفاعة سيدي ومولائي وهي هذه:
قد هاج حزني وقلبي صار منكمدا * لهجر من حسنه للعالمين بدا
خير الورى نسبا شمس الهدى حسبا * وأفضل الخلق أعوانا ومحتشدا
قد حار ذو اللب في إدراك رتبته * والعقل في نعته أعيى وانخمدا
بيمنه تجد الأجبال ثابتة * لولا كرامته ألفيتها بددا
من نوره الشمس والأقمار نيرة * من فضله قد ربى ما كان منهمدا
لم يرزق الناس لولا فيض نائله * وما بقوا ساعة في دهرهم أبدا
شمائل المصطفى كانت شمائله * ومحكم الذكر في أوصافه وردا
تكامل العلم والأخلاق أكملها * في ذاته القدس طرا حين إذ ولدا
باهى به الله سكان السماء وقد * ضجوا إلى الله إذ قتل الحسين بدا
أن اسكنوا أنتقم حتما بقائمهم * من كل من حارب المظلوم أو طردا
في ذكر المكارم التي تحصل للإنسان بالدعاء لفرج مولانا (عليه السلام) الباب الخامس من الأبواب الثمانية لكتاب مكيال المكارم في ذكر المكارم التي تحصل للإنسان بالدعاء لفرج مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) وهو المقصود الأصلي من تأليف هذا الكتاب.
وينبغي قبل الشروع في المقصود التنبيه على أمور:
الأمر الأول
إعلم أن الغرض في هذا الباب ذكر ما يترتب على مسألة تعجيل فرج مولانا (عليه السلام) من المكارم، والفوائد العظام سواء كانت تلك الفائدة منحصرة في هذا العمل الشريف بالخصوص، أم كانت لدخوله في عموم عمل منصوص وليس الغرض قصر جميع تلك الفوائد على خصوص هذا العمل، ولا حصر فوائد هذا الدعاء فيما نذكره في هذا الكتاب المستعجل فلعل المتتبع في كتب الحديث والروايات يقف على أمر زائد على ما ذكرته من الفضائل والعنايات فإن ما جهلته أكثر مما علمته وما لم أدره أزيد مما دريته وليست المعرفة بما ذكرناه إلا ببركات سيدي ومولاي صاحب الزمان والاستضاءة بنوره عجل الله في فرجه وظهوره.
هو العلم الهادي بإشراق نوره * وإن غاب عن عيني كوقت ظهوره
ألم تر أن الشمس ينشر ضوءها * إذا هي تحت القزع حين عبوره
وهذان البيتان مما سنح لي في الخاطر وجرى على لساني القاصر بفضله الباهر عند ذكر تلك المآثر اقتباسا من قوله في التوقيع الشريف الذي أشرنا إليه في الباب السابق في نفعه.
الأمر الثاني
ربما يتوهم أن كونه (عليه السلام) وسيلة لسائر البريات في نيل جميع البركات يقتضي استغناءه عن الناس، فأي حاجة إلى دعائهم.
والجواب عن هذا التوهم من وجوه:
أحدها: أن يكون دعاؤنا له من باب هدية شخص حقير فقير إلى سلطان جليل كبير ولا ريب أن ذلك علامة احتياج هذا الفقير إلى عطاء ذاك السلطان الكبير وهذا دأب العبيد بالنسبة إلى الموالي، والداني إلى العالي، ونعم ما قيل:
أهدت سليمان يوم العيد قبرة * برجلة من جراد كان في فيها
ترنمت بلطيف القول ناطقة * إن الهدايا على مقدار مهديها
الثاني: أن الظاهر من الروايات أن وقت ظهوره (عليه السلام) من الأمور البدائية التي يمكن التقديم والتأخير مشروطا باهتمام أهل الإيمان بالدعاء لتعجيل ظهور صاحب الزمان (عليه السلام):
- والدليل على ما ذكرنا ما رواه المجلسي (ره) في البحار(828) عن تفسير العياشي، عن الفضل بن أبي قرة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول أوحى الله إلى إبراهيم أنه سيولد لك.
فقال لسارة: فقالت: ﴿أألد وأنا عجوز﴾ فأوحى الله إليه: أنها ستلد، ويعذب أولادها أربعمائة سنة بردها الكلام علي.
قال (عليه السلام): فلما طال على بني إسرائيل العذاب، ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحا، فأوحى الله إلى موسى وهارون يخلصهم من فرعون، فحط عنهم سبعين ومائة سنة.
قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام) هكذا أنتم، لو فعلتم لفرج الله عنا، فأما إذا لم تكونوا، فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه.
الثالث: أنه لا ريب في وقوع ابتلاء الأئمة (عليهم السلام)، بمقتضى البشرية بالبليات والأسقام والهموم والأحزان، ولدفع تلك الأمور أسباب، يتمشى بعضها من أهل الإيمان، ومن أعظم الأسباب لصرف أنواع البلاء الجد والاهتمام في الدعاء، كما ورد في الروايات، ولا يخفى على أهل الدرايات:
- فمنها ما في أصول الكافي(829) بسند صحيح عن حماد بن عثمان قال سمعته يقول:
إن الدعاء يرد القضاء ينقضه كما ينقض السلك وقد أبرم إبراما.
- وفي صحيح آخر(830) عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي: ألا أدلك على شيء لم يستثن فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قلت: بلى، قال: الدعاء يرد القضاء وقد أبرم إبراما، وضم أصابعه. إلى غير ذلك من الأحاديث المروية في مظانها، فالمؤمن المحب إذا احتمل ابتلاء مولاه الذي هو أعز عليه من نفسه وجميع من يهواه، ببعض ما ذكر من صنوف البلاء، جد واجتهد في الدفع عنه بالدعاء، كما يجتهد في الذب عنه بما تيسر له من الأسباب.
الرابع: أنه إذا كان لنا مطلوب وكان من دونه موانع لا يتيسر لنا البلوغ إليه إلا برفع تلك الموانع، وجب علينا المسابقة والمجاهدة في دفعها ورفعها، ولما كان تأخر ظهور مولانا (عليه السلام) بسبب موانع نشأت من قبلنا، فعلينا المسألة من الله تعالى شأنه، لدفع تلك الموانع. فالدعاء بتعجيل فرجه في الحقيقة دعاء في حقنا ومفيد لنا.
- وإلى هذا أشار (عليه السلام) في التوقيع المروي في كمال الدين(831) والاحتجاج(832) والبحار(833) حيث قال عجل الله تعالى فرجه: وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم، الخ إيماء إلى استغنائه عنا وفضله (عليه السلام) علينا، فتدبر.
الخامس: أنه ليس لفضل الله تعالى ورحمته نهاية محدودة، ولا في وجود الإمام (عليه السلام) نقص وقصور عن قبول الفيض منه (عزَّ وجلَّ)، فما المانع من إفاضة عناية مخصوصة بدعاء المؤمنين لمولاهم (عليه السلام).
والقول بأن كونه وسيلة في الإفاضة إلى العباد مناف لبلوغه درجة بوسيلة العباد، ليس إلا صرف استبعاد فإن كونهم علة غائية لخلق الممكنات، والإفاضة إلى البريات، لا ينافي حصول لوازم البشرية فيهم، فإن الله تعالى خلق الأفلاك والأرضين وما فيهن وما بينهن لأجلهم، ويفيض إلى أهلها ببركتهم، لكنهم يحتاجون بمقتضى البشرية في تعيشهم وبقاء حياتهم الظاهرة إلى ما يخرج من الأرض، كاحتياج سائر الخلق إليه.
ومما ذكرنا ظهر أن نفع الصلاة من المؤمنين على خاتم النبيين وآله الطاهرين يرجع إلى المصلي، والمصلى عليه، لا من باب الاحتياج إلى دعاء المصلي، حتى يرد علينا ما أورد، بل من جهة قابليتهم (عليهم السلام) لإفاضات الله تعالى التي لا نهاية لها لأن دوامها واستمرارها وتجددها إنما هي من لوازم قدرته الكاملة التامة العامة الدائمة.
الأمر الثالث
ربما يتوهم التنافي بين الأمر بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان وظهوره والأخبار الناهية عن التعجيل في ظهوره وسنذكرها في الباب الثامن إن شاء الله تعالى ويندفع هذا التوهم بأن الاستعجال المنهي عنه على ثلاثة أقسام.
الأول: ما يصير سببا لليأس عن ظهور القائم (عليه السلام)، بأن يكون الشخص لقلة الصبر مستعجلا فيقول هذا الأمر لو كان لوقع إلى الآن وهذا العنوان يجره بالآخرة إلى إنكار ظهور صاحب الزمان.
الثاني: العجلة التي تكون منافية للتسليم لأمر الله والرضا بقضاء الله وهذا النحو من الاستعجال يقضي بالآخرة إلى إنكار حكمة الخالق المتعال.
- ولذلك ورد في الدعاء المروي عنه (عليه السلام)(834) بتوسط الشيخ عثمان بن سعيد العمري (ره): فصبرني على ذلك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت ولا أكشف عما سترت ولا أبحث عما كتمت، ولا أنازعك في تدبيرك ولا أقول لم؟ وكيف؟ وما بال ولي الأمر لا يظهر وقد امتلأت الأرض من الجور!! إلى آخر الدعاء وسنذكره في الباب السابع إن شاء الله تعالى.
فإن قلت: لا ريب أن الدعاء بتعجيل الظهور إنما ينشأ من المحبة والشوق إلى ذلك وهذا ينافي قوله: حتى لا أحب تعجيل ما أخرت (الخ).
قلت: قد عرفت فيما قدمنا أن الظاهر من الأخبار كون وقت وقوع الفرج والظهور من بدائيات الأمور، فإذا جوز المحب تقريب وقت لقاء المحبوب بالاهتمام في الدعاء لهذا المطلوب، جد واجتهد فيه بما كان له ميسورا. وهذا لا ينافي التسليم لما كان في علم الله مقدورا.
نعم لو فرضنا العلم بالوقت المعين، الذي حتم الله تعالى بقضائه الذي لا يغير ولا يبدل وقوع أمر فيه، لم يكن للدعاء في تقديمه أو تأخيره مجال، ووجب الانقياد والتسليم له على كل حال.
الثالث: الاستعجال الذي يصير سببا لاتباع الضالين المضلين، والشياطين المبدعين، قبل ظهور العلامات المحتومة المروية عن الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، كما اتفق لكثير من الجاهلين أعاذنا الله تعالى وجميع المؤمنين من همزات الشياطين، وسيأتي تفصيل القول في تلك المواطن مع ذكر أخبارها في الباب الثامن، وإنما المقصود هنا الإشارة والاختصار، ليكون الناظر على بصيرة واعتبار.
هذا: وقد سنح بالبال، تقرير آخر لحل الإشكال، وهو أن الاستعجال على قسمين:
أحدهما مذموم والآخر ممدوح. فالمذموم طلب حصول الشيء قبل حضور وقته، وهذا قبيح عقلا ونقلا، والممدوح طلب حصول الشيء في أول أوقات الإمكان، ولما كان ظهور صاحب الأمر (عليه السلام) من الأمور التي يمكن تقدم وقوعه بإرادة الله تعالى ومنافع ذلك كثيرة لا تحصى، أوجب إيمان المؤمن الاهتمام في الدعاء له بتقديمه في أول زمان يصلح لذلك، والصبر والتسليم إلى حضور ذلك الزمان وسيأتي مزيد توضيح إن شاء الله تعالى.
إذا تقرر ما ذكرناه، (فلنذكر المكارم والفوائد العظام)، التي تترتب على الدعاء بتعجيل فرجه (عليه السلام)، أولا بنحو الاختصار والإجمال، ثم نذكرها مع أداتها بحسب ما يقتضيه الحال:
ألف: قوله (عليه السلام)، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم.
ب: يوجب ازدياد النعم.
ج: إظهار المحبة الباطنية.
د: أنه علامة الانتظار.
ه: إحياء أمر الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين.
و: سبب فزع الشيطان اللعين.
ز: النجاة من فتن آخر الزمان ومهالكه.
ح: أنه أداء لبعض حقوقه في الجملة وأداء حق ذي الحق [من] أوجب الأمور.
ط: أنه تعظيم لله ولدين الله.
ي: دعاء صاحب الزمان (عليه السلام) في حقه.
يا: شفاعته له في يوم القيامة.
يب: شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله) له إن شاء الله تعالى.
يج: أنه امتثال لأمر الله تعالى وابتغاء من فضل الله تعالى.
يد: يوجب إجابة الدعاء.
يه: أنه أداء أجر الرسالة.
يو: يوجب دفع البلاء.
يز: يوجب سعة الرزق إن شاء الله.
يح: غفران الذنوب.
يط: التشرف بلقائه في اليقظة أو المنام.
ك: الرجعة إلى الدنيا في زمان ظهوره (عليه السلام).
كا: يصير من إخوان النبي (صلى الله عليه وآله).
كب: استباق وقوع الفرج لمولانا صاحب الزمان.
كج: أسوة بالنبي والأئمة الأطهار (عليهم السلام).
كد: أنه وفاء بعهد الله وميثاقه.
كه: ما يترتب على بر الوالدين من الفوائد والمكارم.
كو: درك فضل رعاية الأمانة.
كز: زيادة إشراق نور الإمام في القلب.
كح: طول العمر إن شاء الله تعالى.
كط: التعاون على البر والتقوى.
ل: الفوز بنصر الله والغلبة على الأعداء بعون الله تعالى.
لا: الاهتداء بنور القرآن المجيد.
لب: صيرورته معروفا عند أصحاب الأعراف.
لج: الفوز بثواب طلب العلم إن شاء الله تعالى.
لد: الأمن من المخاوف والعقوبات الأخروية إن شاء الله تعالى.
له: البشارة والرفق عند الموت.
لو: إجابة دعوة الله ودعوة رسوله (عليه السلام).
لز: كونه مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في درجته.
لح: يصير أحب الخلق إلى الله تعالى.
لط: يصير أعز الخلق وأكرمهم عند رسول الله (عليه السلام).
م: أنه يصير من أهل الجنة إن شاء الله تعالى.
ما: يشمله دعاء النبي (صلى الله عليه وآله).
مب: غفران الذنوب وتبدل السيئات بحسنات.
مج: يؤيده الله تعالى في العبادة.
مد: يدفع به العقوبة عن أهل الأرض إن شاء الله تعالى.
مه: فيه ثواب إعانة المظلوم.
مو: فيه ثواب إجلال الكبير والتواضع له.
مز: فيه ثواب طلب ثأر مولانا المظلوم الشهيد أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).
مح: تحمل أحاديث الأئمة الطاهرين (عليهم السلام).
مط: إضاءة نوره لغيره في مشهد القيامة.
ن: شفاعته لسبعين ألفا من المذنبين.
نا: دعاء أمير المؤمنين (عليه السلام) في حقه يوم القيامة.
نب: دخول الجنة بغير حساب.
نج: السلامة من عطش بوم القيامة.
ند: الخلود في الجنة.
نه: يوجب خمش وجه إبليس وقرح قلبه.
نو: يتحف يوم القيامة بتحفة مخصوصة.
نز: أن الله (عزَّ وجلَّ) يخدمه من خدم الجنة.
نح: يكون في ظل الله الممدود وتنزل عليه الرحمة ما دام مشتغلا بذلك الدعاء.
نط: فيه ثواب نصيحة المؤمن.
س: أن المجلس الذي يدعى فيه للقائم عجل الله تعالى فرجه يكون محضرا للملائكة المكرمين.
سا: أن الداعي لهذا الأمر الجليل ممن يباهي به الإله الجليل.
سب: تستغفر له الملائكة.
سج: يكون من خيار الناس بعد الأئمة الطاهرين.
سد: أنه إطاعة لأولي الأمر الذين فرض الله تعالى طاعتهم.
سه: يوجب سرور الله (عزَّ وجلَّ).
سو: يوجب سرور رسول الله (صلى الله عليه وآله).
سز: أنه أحب الأعمال إلى الله تعالى شأنه.
سح: أن الداعي بهذا الأمر الشريف يكون ممن يحكمهم الله تعالى في الجنان إن شاء الله تعالى.
سط: أنه يحاسب حسابا يسيرا.
ع: الأنيس الشفيق له في البرزخ والقيامة.
عا: أنه أفضل الأعمال.
عب: يوجب زوال الغم.
عج: أنه أفضل من الدعاء في حق الإمام زمان ظهوره.
عد: دعاء الملائكة في حقه.
عه: يشمله دعاء سيد الساجدين عليه الصلاة والسلام وهو يشتمل على فنون من الفوائد وصنوف من العوائد.
عو: أنه تمسك بالثقلين.
عز: أنه اعتصام بحبل الله تعالى.
عح: يوجب كمال الإيمان.
عط: درك مثل ثواب جميع العباد.
ف: أنه تعظيم شعائر الله (عزَّ وجلَّ).
فا: فيه ثواب من استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فب: ثواب من استشهد تحت راية القائم (عليه السلام).
فج: فيه ثواب الإحسان إلى مولانا صاحب الزمان (عليه السلام).
فد: فيه ثواب إكرام العالم.
فه: ثواب إكرام الكريم.
فو: الحشر في زمرة الأئمة الطاهرين.
فز: ارتفاع الدرجات في روضات الجنات.
فح: الأمن من سوء الحساب في يوم الحساب.
فط: الفوز بأفضل درجات الشهداء يوم القيامة.
ص: الفوز بالشفاعة الفاطمية.
فصل
نذكر فيه عشرة مكارم مما يترتب على قضاء حاجة المؤمن وترتبه على ذلك الدعاء.
إذا عرفت ذلك فلنشرع في تفصيل تلك المكارم، والله المعين وهو العاصم.
المكرمة الأولى
- قوله عليه الصلاة والسلام في التوقيع المروي في كمال الدين(835) وكتاب الاحتجاج(836) على أهل اللجاج: وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم.
أقول: لا ريب بملاحظة ما ذكر قبل هذا الكلام، في أن المراد بالفرج ظهوره (عليه السلام)، لا دعاء الناس بتعجيل فرج نفوسهم.
- فانظر في كلامه قبل ذلك لشرح صدرك وإصلاح حالك، حيث قال (عليه السلام): وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله (عزَّ وجلَّ)(837) يقول: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم﴾ أنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي(838).
وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس، إذا غيبها عن الأبصار السحاب وإني لأمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب، وعلى من اتبع الهدى. إنتهى كلامه صلوات الله وسلامه عليه.
وأما إسحاق بن يعقوب المخاطب بهذا التوقيع الشريف، فلم يتعرض له الأصحاب بشيء إلا أن اعتماد الكليني وسائر المشايخ على روايته، يدل على حسن حاله وجلالته، وسلام مولانا عليه في التوقيع حسبه في الدلالة على الشأن الرفيع والمقام المنيع.
وأما المشار إليه بقوله (عليه السلام): فإن ذلك فرجكم فأحد أمور:
أحدها: أن يكون المراد بذلك فرجه (عليه السلام) ويكون الكلام تعليلا للأمر بدعاء الفرج يعني أن فرجكم يترتب على ظهوري وفرج أمري ويقرب هذا الاحتمال قرب اسم الإشارة منه.
ويؤيده أيضا جميع ما ورد في الروايات، من أن بفرجه فرج أولياء الله وقد قدمنا ما يدل على ذلك في حرف الفاء فراجع.
الثاني: أن يكون المراد بذلك فرجه أيضا، ويكون الكلام تعليلا للأمر بالإكثار من الدعاء.
الثالث: أن يكون المراد بذلك نفس هذا الدعاء، يعني أن يحصل الفرج لكم بالدعاء لتعجيل فرجي وظهوري.
الرابع: أن يكون المراد بذلك الإكثار يعني أنه يحصل الفرج في أمركم بإكثاركم من الدعاء، بتعجيل فرجي.
هذا ما اختلج بالبال من وجوه الاحتمال في هذا المقال، والله تعالى هو العالم بخفيات الأمور وحقائق الأحوال ويقرب الاحتمالين الأخيرين أن ذلك يستعمل في الإشارة إلى البعيد غالبا كما تبين في علم النحو فتدبر.
ويؤيدهما أيضا ما سيأتي إن شاء الله تعالى في بعض الروايات: أن الملائكة يدعون للداعي لأخيه المؤمن في غيبته بما يدعو به لأخيه أضعافا مضاعفة - وبعض آخر فيه أيضا دلالة على المقصود ونيل الفرج بالدعاء لفرجه المسعود.
فإن قلت: فما معنى حصول الفرج للداعي بهذا الدعاء؟
قلت: حصول الفرج بسبب هذا الدعاء يقع للداعي بأحد أنحاء:
منها: أن يبلغ بمأموله وما يهتم بحصوله من الأمور الدنيوية أو غيرها ببركة دعائه لمولاه، فإنه الوسيلة لكل خير وصلاح، والداعي لمن يدعو له بالفرج والفلاح.
ومنها: أن يعطيه الله بدل ما يرجوه عندما يسأله ويدعوه، بحيث يدفع عنه الحاجة والهموم، ويكشف عنه الشدة والغموم، ببركة دعائه لفرج مولاه المظلوم فإن إعانة المظلوم تصير سببا لإعانة الله تعالى كما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
ومنها: أن يمنحه الله تعالى الصبر على النوائب والسرور في كل ما يصيبه من الشدائد والمصائب ويلين له الصبر في البعد على المقصود كما ألان الحديد لداود: هذا كله إذا لم يقتض الحكمة الإلهية وقوع الفرج بالكلية، بظهور صاحب الدعوة النبوية والصولة الحيدرية، والشجاعة الحسينية، وأما أن وقوع الفرج المأمول، فهو نهاية المسؤول.
ثم إن الظاهر كون هذا الأمر للاستحباب، إذ لم أقف على من أفتى بالوجوب من الأصحاب، ويشهد له التعليل المذكور بعده أيضا، مضافا إلى كثرة ورود الأمر في أحاديثهم للاستحباب، ومضافا إلى أنه لو كان واجبا لعرفه أكثر أهل الإيمان بل جميعهم، لعموم الابتلاء به، كما يعرفون سائر الواجبات.
هذا وفي ورود الأمر بلفظ الإكثار أيضا دلالة على ما هو المختار والله تعالى هو الهادي وهو حسبي ونعم الوكيل.
المكرمة الثانية
زيادة النعم والكلام في تحقيق هذا المرام يقع في مقامات:
الأول: في أن وجوده نعمة.
الثاني: في وجوب شكر النعمة.
الثالث: في أن شكر النعمة سبب للمزيد.
الرابع: في معنى الشكر.
الخامس: في أن الدعاء من أقسام الشكر والإشارة إلى سائر أقسامه.
أما الأول: فيدل عليه العقل والنقل، أما العقل فلا ريب في أن أعظم النعم الإلهية ما يكون سببا للفوز بمعرفة المعارف الربانية والعلوم النافعة ولنيل الدرجات الرفيعة والنعم الأبدية الأخروية وغيرها مما لا يخفى على ذي مسكة وهذا هو الإمام الذي به يعرف الله ويعبد وبه يصل العبد إلى ما يهواه من المقامات العلية والمواهب السنية كما ورد في روايات كثيرة أوردنا بعضها في الباب الأول من هذا الكتاب وفيه كفاية لأولي الألباب.
وأما النقل فروايات كثيرة جدا.
- منها ما في أصول الكافي(839) بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، في قول الله (عزَّ وجلَّ) ﴿ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا﴾ قال نحن النعمة التي أنعم الله بها على عباده وبنا يفوز من فاز يوم القيامة.
- وروى في غاية المرام(840) عن تفسيري العياشي والقمي، ومثله ما في غاية المرام(841) أيضا بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿ثم لتسألن يومئذ عن النعيم﴾ قال: نحن النعيم، وفي حديث آخر عن الصادق (عليه السلام) مثله.
- وعن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قال: نحن نعيم المؤمن، وعلقم الكافر.
أقول: العلقم: الحنظل، وكون وجود الإمام كذلك بزعم الكافر لانزجاره عنه بسبب كفره أو المراد بيان حالهما يوم القيامة، فإن المؤمن يتنعم بأنواع النعم الأبدية لأجل إيمانه بالأئمة (عليهم السلام)، والكافر يعذب بأنواع العقوبات الدائمة بسبب كفره بهم صلوات الله عليهم.
- وفي مجمع البيان(842) عن العياشي بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين وبنا ألف الله بين قلوبهم وجعلهم إخوانا بعد أن كانوا أعداء وبنا هداهم الله للإسلام وهي النعمة التي لا تنقطع والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم الله به عليهم وهو النبي (صلى الله عليه وآله) وعترته.
- وفي كفاية الأثر(843) وكمال الدين(844) بإسنادهما عن محمد بن زياد الأزدي قال سألت سيدي موسى بن جعفر (عليهما السلام)، عن قول الله تعالى (عزَّ وجلَّ)(845) ﴿وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة﴾ قال (عليه السلام) النعمة الظاهرة الإمام الظاهر والباطنة الإمام الغائب قال فقلت له فيكون في الأئمة من يغيب؟ قال: نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره وهو الثاني عشر منا يسهل الله تعالى له كل عسير، ويذلل له كل صعب ويظهر له كنوز الأرض ويقرب عليه كل بعيد ويتبر كل جبار عنيد ويهلك على يده كل شيطان مريد ذلك ابن سيدة الإماء، الذي يخفى على الناس ولادته، ولا يحل لهم تسميته، حتى يظهره الله، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.
المقام الثاني: في بيان وجوب شكر النعمة ويدل عليه مضافا إلى حكم العقل السليم قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون﴾(846).
وقوله تعالى في سورة إبراهيم (عليه السلام): ﴿وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾(847).
وقوله تعالى في سورة البقرة: ﴿واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون﴾(848).
وقوله تعالى في سورة النحل: ﴿واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون﴾(849).
وفي سورة مريم: ﴿واشكروا له إليه ترجعون﴾(850) وغيرها من الآيات الشريفة، وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله تعالى.
المقام الثالث: في بيان كون الشكر سببا للمزيد ويدل عليه مضافا إلى الآية الشريفة الأخبار الكثيرة المتواترة.
- منها ما في الكافي(851) بسند كالصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما فتح الله على عبد باب شكر فخزن عنه باب الزيادة.
- وفيه(852) بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: مكتوب في التوراة اشكر من أنعم عليك، وأنعم على من شكرك فإنه لا زوال للنعماء إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت، الشكر زيادة النعم وأمان من الغير.
- وفيه(853) بإسناده عن معاوية بن وهب عنه (عليه السلام) قال: من أعطي الشكر أعطي الزيادة يقول الله (عزَّ وجلَّ) ﴿لئن شكرتم لأزيدنكم﴾.
المقام الرابع: في معنى الشكر. إعلم أن الشكر هو مقابلة الإحسان بالإحسان والكفر هو مقابلة الإحسان بالإساءة وهذا التعريف مما ألهمت بفضل الله تعالى وكرمه، وإليه يرجع جميع ما قيل في تعريف الشكر، ويرجع إليه كل ما ورد في الروايات من أقسامه، ويرشد إليه الممارسة والتأمل التام في الآيات والأخبار المروية عن الأئمة الكرام، عليهم الصلاة والسلام، كالأخبار الواردة في أن المؤمن مكفر. وأن أشكر الخلق لله أشكرهم للناس، وغيرها، فنسبة الشكر إلى الله تعالى حقيقة، كما أن نسبته إلى الخلق أيضا حقيقة.
وهذا التعريف أسد وأخصر مما قيل في تعريف الشكر، أنه صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله، لأن ما ذكرته يشمل شكر الخالق والخلق جميعا. كما لا يخفى.
المقام الخامس: في بيان أقسام الشكر وأن الدعاء شكر لنعمة وجود الإمام (عليه السلام) إذا علمت أن الشكر مقابلة النعمة بالإحسان، فلا يخفى عليك أن له أفرادا كثيرة بالوجدان، وأصولها شكر الجنان، وشكر اللسان وشكر الأركان، أعني جوارح الإنسان وسائر ما يتعلق به بكل عنوان.
أما الأول: فهو يحصل بعرفان النعمة، ومعرفة أنها من الله عز اسمه.
- كما روي في أصول الكافي(854) عن الصادق (عليه السلام) قال: من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد أدى شكرها.
قال المجلسي (ره): فعرفها بقلبه، أي عرف قدر تلك النعمة، وأن الله هو المنعم بها.
أقول: ومن آثار تلك المعرفة قصد تعظيم النعمة، وإظهار هذا القصد بما يترتب عليه من الآثار اللسانية، والأعمال البدنية، اللتين هما القسم الثاني والثالث من أقسام شكر النعمة فمن الآثار اللسانية التحميد والثناء، ومنها التحديث بالنعمة، ومنها الدعاء لبقاء تلك النعمة.
ومن الآثار البدنية الاجتهاد في الطاعة والعبادة..
- كما في الكافي(855) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند عائشة ليلتها، فقالت يا رسول الله، لم تتعب نفسك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا عائشة ألا أكون عبدا شكورا.
- وفيه(856) عن الصادق (عليه السلام) قال: شكر النعمة اجتناب المحارم وتمام الشكر قول الرجل: الحمد لله رب العالمين.
أقول: الظاهر من هذا الحديث أن أصل الشكر يحصل باجتناب المحارم والتحميد باللسان يكمله والله العالم.
ومن الآثار البدنية أيضا بذل المال في سبيل الله، كما يدل عليه بعض الأخبار.
ومنها سجدة الشكر.
ومنها: تعظيم النعمة كأخذ كسرة الخبز من الأرض وأكلها، إلى غير ذلك، مما لا يخفى على العارف السالك.
إذا عرفت ما ذكرناه، فنقول: لما كان وجود مولانا الحجة (عليه السلام) من أعظم نعم الله علينا، كما أثبتنا وبينا، ومعرفتنا به نعمة عظيمة أخرى، بل هي نعمة لا تقاس بها نعمة لأنها الجزء الأخير للإيمان، الذي يقال فيه إنه العلة التامة.
وقد بينا أن جميع النعم الظاهرة والباطنة إنما هي من فروع تلك النعمة السنية، أعني وجود الإمام: فوجب علينا الاهتمام في أداء شكر هذه النعمة أشد الاهتمام حتى نفوز بازدياد أنواع النعم الجسام، لأن الله (عزَّ وجلَّ) وعد الازدياد شكرا لشكر العباد، والله لا يخلف الميعاد.
وشكر هذه النعمة الكريمة الجسيمة على وجه يؤدي حقوقها العظيمة مما لا نقدر عليه بحكم العقول السليمة، ولكن القدر المقدور يحصل بعدة أمور:
منها: المعرفة القلبية بهذه النعمة البهية.
ومنها: ذكر فضائله، ونشر دلائله.
ومنها: بذل الصدقات لسلامته، لتصير من أهل كرامته.
ومنها: الإقبال إليه، بما يسره ويزلف لديه.
ومنها: طلب معرفته من الله المتعال، لتكون من أهل الشكر والاقبال.
ومنها: الاهتمام له بخالص الدعاء، بتعجيل الفرج وكشف البلاء، فإن هذا أحد الأقسام لشكر النعماء.
ويشهد لذلك أمور:
أحدها: أنه تعظيم له صلوات الله عليه، كما نشاهد بالوجدان ونرى بالعيان أن من قصد تعظيم بعض الأعيان، دعى له بشخصه ونعته من بين الأقران، وقد بينا أن تعظيم النعمة أول أفراد الإحسان، وأن الشكر هو مقابلة الإحسان بالإحسان، فثبت ما ادعيناه بواضح البرهان.
الثاني: أنه يحصل بالدعاء له صلوات الله عليه كمال الإقبال إليه، وقد مر آنفا في سابق المقال، أن أحد أقسام شكر النعمة هو الإقبال، كما أن الإعراض عن النعمة من أقسام الكفران.
والدليل على ذلك من آي القرآن، قول الخالق المنان، في سورة سبأ(857) بعد ذكر موت سليمان ﴿لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور﴾ حيث عبر عن إعراضهم بالكفران، وجزاهم بالسخط والخذلان.
- الثالث: ما روي في بعض الكتب المعتبرة عن النبي (صلى الله عليه وآله)(858) قال: من آتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا من أنفسكم أنكم قد كافأتموه.
- وعن سيد العابدين في رسالة الحقوق(859) قال (عليه السلام): وأما حق ذي المعروف عليك، فأن تشكره وتذكر معروفه، وتكسبه المقامة الحسنة، وتمحض له الدعاء فيما بينك وبين الله تعالى فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية ثم إن قدرت على مكافاته يوما كافيته.
الرابع: أنا قد بينا أن الشكر العملي يحصل باستعمال العبد كل واحدة من نعم الله تعالى فيما خلق هذه النعمة لأجله، وإن لم يفعل فقد قابل الإحسان بالإساءة وهو معنى الكفران بالنعمة. ولا ريب في أن الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان من جملة ما خلق لأجله اللسان، فبه يحصل شكر نعمة اللسان، فقد اتضح ما قصدناه بأبلغ بيان، ومن الله التوفيق وهو ولي الإحسان.
والدليل على ما ذكرناه من كون هذا الدعاء مما خلق لأجله اللسان، الأخبار الآمرة، والدعوات الصادرة له من معادن الوحي والتبيان فانظر في دعاء الافتتاح لتفوز بالفيض والفلاح، وفي دعاء يوم دحو الأرض وعرفة، لتكمل لك المعرفة ودعاء يونس بن عبد الرحمن، ودعاء العمروي المروي عن صاحب الزمان والدعاء بعد صلاة الليل، وفي حال السجود، والمروي في الكافي(860) لكل وقت مسعود، ودعاء يوم الجمعة عند الرواح، وبعد الظهر والعصر والصباح، وقنوت ظهر الجمعة المروي في جمال الأسبوع(861) بكمال العمل المشروع ودعاء مولانا الإمام موسى بن جعفر بعد صلاة عصره ويوم الجمعة بعد صلاة جعفر، وقنوت مولانا الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، الذي أمر بقراءة شيعته الكرام، إلى غير ذلك مما يوجب ذكره التطويل، والإشارة كافية لأهل التحصيل وإن أردت في ذلك التفصيل فسنذكر في الباب السابع ما يشفي العليل ويروي الغليل والله المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل.
المكرمة الثالثة
إظهار المحبة الباطنية: إعلم أن الحب وإن كان أمرا خفيا قلبيا وشيئا كامنا باطنيا، لكن له آثار ظاهرة، وفروع متكاثرة، فهو كشجرة أغصان ولكل غصن من الورد أفنان، فبعض آثاره يظهر في اللسان، وبعض في سائر جوارح الإنسان فكما لا يمكن منع الشجر عن إبراز أزهاره، لا يمكن منع ذي الحب عن ظهور آثاره.
ولنعم ما قال بعض أهل الحال.
إذا هممت بكتمان الهوى نطقت * مدامعي بالذي أخفي من الألم
فإن أبح أفتضح من غير منفعة * وإن كتمت فدمعي غير منكتم
لكن إلى الله أشكو ما أكابده * من طول وجد ودمع غير منصرم
فكما أنه كلما ازداد الشجر نموا ازداد إزهاره كذلك كلما ازداد الحب قوة ازداد آثاره فمن آثاره في العين إسبال الدموع وهجران الهجوع.
وقد قال بعض أهل الإشتياق، في آثار حال الفراق:
ولو أن عينا في الفراق بكت دما * لرأيت في عيني دما لا يجمد
ومن قصيدة لأبي العباس المبرد صدره يناسب هذا المقال:
بكيت حتى بكى من رحمتي الطلل * ومن بكائي بكت أعدائي إذ رحلوا
ومن آثار الحب في اللسان ذكر المحبوب في كل مكان وزمان، بكل بيان وبأي عنوان وحسبك شاهدا في التبيان، وناطقا بالبرهان قول الخالق المنان، في الحديث القدسي لموسى بن عمران (ذكري حسن على كل حال)(862).
أقول: وهذا حال أهل الحال والاقبال، وقد قال الله (عزَّ وجلَّ) في أحسن الأقوال في التصريح بهذا المقال: ﴿إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب﴾ الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم(863).
أقول: وهذا من آثار كمال الشوق إلى محبوبهم، ومن الآثار اللسانية أيضا ذكر فضائل المحبوب ومحاسنه، بكل نحو مطلوب، ولهذا ورد في فضل إنشاء الأشعار في مدح الأئمة الأطهار عدة من الأخبار، ونذكر هنا حديثا واحدا من تلك الأخبار، وفيه كفاية لأهل الاعتبار..
- وهو ما روي في الوسائل(864) والبحار عن ثامن الأئمة الأبرار صلوات الله عليهم، ما دام الليل والنهار، أنه قال: ما قال فينا مؤمن شعرا يمدحنا به إلا بنى الله تعالى له مدينة في الجنة أوسع من الدنيا سبع مرات، يزوره فيها كل ملك مقرب وكل نبي مرسل.
ومن الآثار اللسانية أيضا الدعاء للمحبوب بكل شيء مطلوب، وهذا من جبليات ذوي العقول، ولا ينكره إلا جهول.
ويدل على رجحان إظهار الحب باللسان، بل كونه من جملة الأركان، جعله ثاني أركان الإيمان، مع أن حقيقة الإيمان هو الإذعان، وهو أمر خفي في الجنان، كما دل عليه القرآن قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان﴾ وقال سبحانه: ﴿قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم﴾ فالإيمان في الحقيقة ليس إلا حب الله وحب رسوله وحب وليه. ومع ذلك لا تترتب آثار ما في الجنان إلا بإظهاره باللسان.
فتحصل من هذا البيان، أن الدعاء لفرج مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه كاشف عن حقيقة الإيمان، وهذا واضح عند أهل الإيقان.
ويدل عليه أيضا ما ذكرناه في فضل مدح الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، بإنشاء الأشعار وكذا ما ورد في فضل ذكر فضائلهم للعباد، فإنه إظهار للحب المكنون في الفؤاد. ويدل عليه أيضا، ما ورد في فضيلة حب أمير المؤمنين (عليه السلام) باللسان، فإن المراد به إظهار الحب القلبي باللسان بكل بيان وبأي عنوان، ولا ريب في كون الدعاء بتعجيل فرج صاحب الزمان من المصاديق القطعية لهذا العنوان وسيأتي لهذا المطلب مزيد شرح وبيان في أن من فوائده الفوز بثواب أهل الرضوان.
ولنعم ما قاله بعض أهل العرفان فيما يناسب هذا العنوان:
عباراتنا شتى وحسنك واحد * وكل إلى ذاك الجمال يشير المراد
أنه واحد الخلائق في جهات الحسن لا قصر جهات حسنه على جهة واحدة فافهم واغتنم هذه الفائدة.
ويدل أيضا على فضل إظهار الحب باللسان، ما ورد في آداب معاشرة الإخوان.
- ففي الكافي(865) في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لهشام بن سالم: إذا أحببت رجلا فأخبره بذلك، فإنه أثبت للمودة بينكما.
- وفيه(866) في حديث آخر صحيح باصطلاح القدماء، عن نصر بن قابوس الجليل رضي الله تعالى عنه، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا أحببت أحدا من إخوانك فأعلمه ذلك، فإن إبراهيم (عليه السلام) قال: ﴿رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي﴾(867).
قال المجلسي (ره) في مرآة العقول في شرح الحديث وهذا ينطبق أشد انطباق على ما روي في العيون في تفسير الآية: أن المراد بها ليطمئن قلبي على الخلة. فارجع إليه تفهم.
أقول: المراد بالإعلام كلما دل على حبك لأخيك من أهل الإسلام، لا خصوص إخبارك إياه بهذا المرام ويشهد لذلك أن إبراهيم (عليه السلام) جعل إجابة دعوته علامة خلة الملك العلام كما لا يخفى على ذوي الأفهام، فالاهتمام في الدعاء بتعجيل فرج الإمام إظهار لحبك له على النحو التام وهو يوجب شدة حبه لك من بين الأنام، بل يوجب حب آبائه الكرام. فإن الدعاء له إظهار للحب بجميعهم (عليهم السلام) فيكون باعثا لثبات حبهم لك، بمقتضى الصحيح السابق المروي عن الصادق (عليه السلام). ولو لم يكن غير هذه المكرمة في هذا المقام لكفى في مراتب الفضل والإنعام.
المكرمة الرابعة
أنه علامة الانتظار المأمور به في كثير من الأخبار وسيأتي في الباب الثامن ما يترتب عليه من الآثار إن شاء الله.
المكرمة الخامسة
أنه إحياء أمر الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وهذا كاف في ترغيب أهل اليقين. وما يدل من طريق المنقول، مضافا إلى اتفاق ذوي العقول، على حسن هذا العمل المقبول، روايات عديدة عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله).
- منها ما في أصول الكافي(868) بسند صحيح عن خيثمة قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) أودعه فقال: يا خيثمة، أبلغ من ترى من موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله العظيم وأن يعود غنيهم على فقيرهم وقويهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإن لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا، رحم الله عبدا أحيى أمرنا. يا خيثمة:
أبلغ موالينا أنا لا نغني عنهم من الله شيئا إلا بعمل، وأنهم لن ينالوا ولايتنا إلا بالورع، وأن أشد الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره.
- ومنها ما في عاشر البحار(869) عن مجالس الصدوق عن الرضا (عليه السلام) قال: من جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
- ومنها ما في اللئالي عن الصادق (عليه السلام) قال تلاقوا، وتحادثوا العلم فإن بالحديث تجلى القلوب الراينة، وبالحديث إحياء أمرنا، فرحم الله من أحيى أمرنا.
المكرمة السادسة
أنه سبب فزع الشيطان اللعين وتباعده عن الداعي بنحو اليقين، والدليل على ذلك من وجهين:
أحدهما: العقل، وتقريره أنه لا ريب في أن هذا العمل الشريف عبادة نفيسة توجب كمال الإيمان - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - والقرب إلى الله (عزَّ وجلَّ)، وكلما كمل إيمان المؤمن وازداد قربه من الله عز اسمه ازداد الشيطان عنه بعدا ونفورا وليس ذلك إلا لميل كل شيء إلى ما هو من سنخه وجنسه، فكما أن الإنسان كلما كمل في مراتب العبادة والاجتهاد في الطاعة، وكسب الأخلاق الحسنة قرب من عالم الملكوت وانكشف له ما لا ينكشف لغيره.
- ولذلك ورد في الحديث(870): لولا أن الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء.
كذلك يبعد عن الهواجس الشيطانية، والوساوس النفسانية، والشهوات الحيوانية ويبعد عنه الشيطان المغوي، والهوى المردي، حتى يبلغ الدرجة المذكورة.
- في الحديث القدسي، المروي عن الصادق (عليه السلام) في أصول الكافي(871): ما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته. الخبر.
أقول: قد اختلج بالبال في توضيح هذا المقال وجهان:
الأول: أن يكون المراد أن العبد إذا بلغ تلك الدرجة العليا والمرتبة القصوى لم يكن همه إلا الله تعالى، وذهل عن ما سواه، وذكر السمع والبصر واللسان من باب المثال، يعني لا يريد شيئا إلا الله، فهو سمعه وهو بصره، الخ.
- وهذا هو الذي أشار إليه سيد الساجدين، وإمام العارفين، علي بن الحسين (عليه السلام) في المناجاة حيث يقول: فقد انقطعت إليك همتي، وانصرفت نحوك رغبتي فأنت لا غيرك مرادي ولك لا لسواك سهري وسهادي، الخ.
والثاني: أن يكون المراد، أن العبد إذا كان بتلك المنزلة، حصل له ما أراد، ولم يحجب عنه شيء فمعنى كون الله تعالى سمعه وبصره ويده أنه يسمع كل ما يمكن أن يسمع، ويبصر كل ما يمكن أن يبصر، ويفعل كل ما يريد فهو يسمع ما لا يسمعه غيره ويبصر ما لا يبصره غيره، ويفعل ما لا يقدر عليه غيره. وهذا من الصفات الربانية التي يعطيها الله (عزَّ وجلَّ) إياه حبا له ولهذا قيل: إن العبد إذا أطاع الله تعالى أطاعه كل شيء.
ويؤيد هذا المعنى قوله (عزَّ وجلَّ): " إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته ".
- وفي اللئالي حكى أن إبراهيم بن أدهم قال: مررت براعي غنم، فقلت هل عندك شربة ماء أو من لبن؟ قال: نعم أيهما أحب إليك؟ قال: قلت: الماء فضرب بعصاه حجرا صلدا لا صدع فيه فانبجس الماء منه فإذا هو أبرد من الثلج وأحلى من العسل فبقيت متعجبا قال الراعي: لا تتعجب، فإن العبد إذا أطاع مولاه أطاعه كل شيء.
ثم إني بعد ما ألهمت هذين الوجهين بفضل الله تعالى وإفاضته رجعت إلى شرح الأربعين للشيخ المحقق العارف البهائي (ره) وشرح أصول الكافي(872) للعالم الرباني المولى صالح المازندراني ومرآة العقول للعلامة المجلسي الثاني (ره) فوجدت في كلام الأولين ما يرجع إلى أول الوجهين، وفي كلام الثالث ما يرجع إلى الوجه الثاني.
وقد ذكر العلامة المجلسي (ره) وجوها غير ذلك، وهي أيضا ترجع إلى أحد ذينك الوجهين عند التأمل التام وإن تفاوتت المسالك والأفهام ولا يخفى أن هذا المقام من مزال الأقدام، والله العاصم وهو ولي الأنام وبما ذكرناه اتضح معنى قوله تعالى: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر﴾ فإن الظاهر - والله العالم - أن هذا الكلام بيان لأمرين، ثانيهما أعلى من الأول.
وأولهما: أن الصلاة لما كانت معراجا للمؤمن، وسببا لقرب العبد من الله (عزَّ وجلَّ) إذا أداها العبد على النحو الذي أمر الله تعالى به كانت سببا لتباعد الشيطان عن صاحبها ولازم ذلك انتهاؤه عن الفحشاء والمنكر كما لا يخفى على من استبصر ويدل على هذا روايات عديدة:
- منها: ما في مجمع البيان(873) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا.
أقول: يعني أنه لم يؤد الصلاة حق أدائها، فلذلك لم يظهر عليه أثرها، والله العالم.
- ومنها: ما في الوسائل(874) عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على مواقيت الصلوات الخمس فإذا ضيعهن اجترأ عليه فأدخله في العظائم.
أقول: وهكذا الحال في كل عبادة يأتي بها المؤمن على الوجه الذي أمر الله تعالى به فإن اقتضاء العبادة لله (عزَّ وجلَّ) القرب منه، ولازمه تباعد الشيطان، وهذا ظاهر بالوجدان ومشاهد بالعيان.
ثم لا يخفى أنه كلما كانت العبادة في نظر الشارع أهم وأعظم، كان ذلك الاقتضاء فيها أكمل وأتم مثل الصلاة، والولاية، والزكاة، وقراءة القرآن، والدعاء بتعجيل فرج صاحب الزمان، وأمثالها وكذلك كلما كان أجمع لشرائط القبول كان أسرع وأكمل في حصول هذا الأمر المعقول وبهذا البيان ظهر سببية الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان لتباعد الشيطان بالدليل والبرهان.
الأمر الثاني من الأمرين اللذين بينهما الله (عزَّ وجلَّ) في الآية الشريفة، وهو أعلى من الأول، بل هو غاية الغايات وأعلى العنايات، وهو محض ذكر الله وذكر الله المحض والإعراض والذهول عما في السماوات والأرض وهو يحصل بصرف العبد جميع آنات عمره في عبادة الله، صارفا نظره عن كل ما سواه، بأن لا يذكره إلا لأنه ذكره، فهو مطلوبه لا غير من دون التفات إلى شيء آخر من شر أو خير.
- وهذا الذي أشار إليه سيد العابدين (عليه السلام) في مناجاته المتقدمة، وفي غيرها من كلماته النافعة الجامعة فإذا أتى العبد بصلاته تامة كاملة بحقيقتها، التي ينبغي أن يؤتى بها، تباعد الشيطان عنه، بنحو لا يقرب منه أبدا.
ولقد ذاكرني بعض العلماء المعاصرين يوما في معنى الحديث الوارد، بأن للصلاة أربعة آلاف حد.
فقلت: إن عدد المعاصي أربعة آلاف على ما نقل عن بعض علمائنا، فيمكن أن يكون المراد أن هذه حدود لا يتعدى عنها من أدى الصلاة بحقيقتها، يعني أن الدليل على أداء حقيقة الصلاة هو الاجتناب عن جميع تلك السيئات، فمن لم ينته عنها، لم يأت بحقيقة الصلاة وتجاوز عن حدود الله فاستحسن هذا الجواب، والله الهادي إلى نهج الصواب.
ويشهد لهذا الوجه الذي ذكرته بعون الله تعالى ما مر في الحديث النبوي عن مجمع البيان(875).
- وفيه أيضا عن ابن مسعود، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: لا صلاة لمن لم يطع الصلاة وطاعة الصلاة أن تنتهي عن الفحشاء والمنكر.
قال الشيخ الطبرسي روح الله روحه: ومعنى ذلك أن الصلاة إذا كانت ناهية عن المعاصي، فمن أقامها ثم لم ينته عن المعاصي لم تكن صلاته بالصفة التي وصفها الله بها فإن تاب من بعد ذلك، وترك المعاصي، فقد تبين أن صلاته كانت نافعة له ناهية، وإن لم ينته إلا بعد زمان قال:
- وروى أنس أن فتى من الأنصار كان يصلي الصلاة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويرتكب الفواحش، فوصف ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إن صلاته تنهاه يوما.
- وعن جابر قال: قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إن فلانا يصلي بالنهار، ويسرق بالليل؟ فقال (صلى الله عليه وآله):
إن صلاته لتردعه.
- قال وروى أصحابنا(876) عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: من أحب أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل؟ فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء والمنكر فبقدر ما منعته قبلت منه. إنتهى.
أقول: إنما نقلت تمام هذا الكلام لدفع ما ربما يسبق إلى بعض الأوهام في مثل هذا المقام، حتى لا يقول معترض لو كان الدعاء في هذا الأمر سببا لتباعد الشيطان، لم يصدر سيئة عن كثير من أفراد الإنسان، لدعائه بتعجيل فرج صاحب الزمان، لأنا نقول: إن هذا الأمر الشريف نظير الصلاة فجميع ما ذكرناه ثمة جار هناك والإشارة كافية لأهل الإدراك.
الوجه الثاني: من الدليل لاقتضاء هذا الدعاء تباعد الشيطان عن الداعي بتعجيل فرج صاحب الزمان، النقل:
- وهو ما روي في الأمالي(877) للشيخ الصدوق بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لأصحابه: ألا أخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا بلى، قال: الصوم يسود وجهه والصدقة تكسر ظهره، والحب في الله والموازرة على العمل الصالح يقطع دابره، والاستغفار يقطع وتينه، ولكل شيء زكاة وزكاة الأبدان الصيام.
أقول: وجه دلالة هذا الحديث الشريف على المطلوب يتوقف على ذكر مقدمة وهي أن للحب درجات ومراتب ولكل مرتبة من تلك المراتب أثر وفائدة للمؤمن الراغب فأول الدرجات هو الحب القلبي الذي يعبر عنه في الفارسية ب (دوست داشتن) وهذه المرتبة هي التي يتوقف عليها الإيمان، والفوز برحمة الرحمن، والدخول في الجنان، فلو لم يقدر عبد على إظهار ما في قلبه من حب ربه وأوليائه (عليهم السلام) لكفاه بنص القرآن ﴿إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان﴾ وينبعث من هذه المرتبة آثار شتى، بحسب استعدادات العبد وهي أفراد المرتبة الثانية، التي هي فرع المرتبة الأولى، ويعبر عنه في الفارسية ب (دوستي كردن) وفي العربية بالتحابب والمودة ونحوهما، وقد يعبر عنه بالحب في الله.
وقد ورد في فضل التحابب والموادة أحاديث عديدة، ذكرها يوجب التطويل ولكل مرتبة من مراتبه آثار جميلة، وفوائد جليلة، ومن جملة تلك الآثار الشريفة ما ذكر في تلك الرواية اللطيفة، وهو تباعد الشيطان عن الإنسان، وهذا من أعظم أنواع الإحسان، من الخالق المنان.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المراد من الحب في الله، بقرينة قوله (صلى الله عليه وآله): إن أنتم فعلتموه، الظاهر في إرادة الأفعال البدنية الإنسانية هو التحابب والموادة، يعني إظهار المحبة القلبية إلى ذوي العقائد الدينية، بما يصدر من الأفعال البدنية.
ولا ريب أن أعظم أهل الإيمان وهو مولانا صاحب الزمان أولى بإظهار الحب إليه من جميع أفراد الإنسان، فثمرة التحابب وهو بعد الشيطان، تحصل بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان، أسرع من حصوله بالموادة لغيره كائنا من كان، وهكذا الحال في الموادة له بغير الدعاء من أقسام الموادة والموالاة وكذا الموالاة والموادة للنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرين وصلحاء المؤمنين درجات بعضها فوق بعض والله سميع عليم.
المكرمة السابعة: النجاة من فتن آخر الزمان والسلامة عن الورود في شبكة الشيطان
والدليل على ذلك (مضافا إلى ما ستسمعه من كونه سببا لكمال الإيمان، وما مر في المكرمة السادسة من أنه سبب لتباعد الشيطان).
- ما رواه رئيس المحدثين في كتاب كمال الدين(878) عن علي بن عبد الله الوراق (ره) قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده فقال (عليه السلام) لي مبتدئا: يا أحمد بن إسحاق، إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام) ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض.
قال فقلت له: يا بن رسول الله (عليه السلام) فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) مسرعا فدخل البيت، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين فقال: يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله (عزَّ وجلَّ) وعلى حججه، ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سمي رسول الله وكنيه الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما.
يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأمة مثل الخضر، ومثله مثل ذي القرنين والله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته ووفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه، الخبر، وقد مر تمامه في الباب الرابع في حرف الغين المعجمة.
المكرمة الثامنة: أنه أداء لبعض حقوقه العظيمة في الجملة
وأداء حق ذوي الحقوق من أعظم الأمور وأهمها عقلا وشرعا فالكلام يقع في مقامات:
الأول: أن أداء حق ذوي الحقوق من أهم الأمور بحكم العقل وهذا واضح عند ذوي العقول.
الثاني: أنه من أهم الأمور وأفضلها بحكم الشرع ويدل عليه روايات عديدة.
- منها ما رواه ثقة الإسلام رحمه الله تعالى في أصول الكافي(879) بسند صحيح عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، قال: ما عبد الله بشيء أفضل من أداء حق المؤمن.
- وفي البحار عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: قضاء حقوق الإخوان أشرف أعمال المتقين.
الثالث: أن له (عليه السلام) علينا حقوقا عظيمة وقد مر في الباب الثالث منها شرذمة قليلة فلا نطيل الكلام لخروج إحصاء حقوقه عن طاقة الأنام.
- ويدل على هذا المرام ما روي في البحار(880) بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنه ليس يقدر أحد على صفة الله وكنه قدرته وعظمته، فكما لا يقدر أحد على كنه صفة الله وكنه قدرته وعظمته ولله المثل الأعلى فكذلك لا يقدر أحد على صفة رسول الله (عليه السلام)، وفضلنا، وما أعطانا الله، وما أوجب من حقوقنا، وكما لا يقدر أحد أن يصف فضلنا، وما أوجب الله من حقوقنا، فكذلك لا يقدر أحد أن يصف حق المؤمن، ويقوم به، الخبر.
أقول: لا يخفى أن جميع حقوق المؤمن إنما هي من شعب حقوقهم وفضلهم.
الرابع: أن الاهتمام بأداء الحقوق يوجب الرفعة عند الله (عزَّ وجلَّ) فمن كان جهده وسعيه في هذا الأمر أتم كان عند الله أعز وأكرم.
- ويدل على ذلك ما روي في الاحتجاج(881) عن الإمام الهمام أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) أنه قال: أعرف الناس بحقوق إخوانه وأشدهم قضاء لها أعظمهم عند الله شأنا، الخبر.
الخامس: أن من جملة حقوق المؤمن على المؤمن الدعاء له، ويدل على ذلك، مضافا إلى ما مر في حديث ابن أبي يعفور الذي رويناه في صدر الباب الرابع عن أبي عبد الله (عليه السلام) وإلى ما سيأتي في أن من المكارم قبول الأعمال عن سيد العابدين (عليه السلام) من حصول أداء حق واسطة النعمة بالدعاء له.
- ما رواه العلامة المجلسي (ره) في البحار(882) عن فقه الرضا (عليه السلام): إعلم يرحمك الله، أن حق الإخوان واجب فرض إلى أن قال: والإقبال على الله تعالى بالدعاء لهم. الخ.
- وما رواه ثقة الإسلام في أصول الكافي(883) عن المعلى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: ما حق المسلم على المسلم؟ قال (عليه السلام): له سبع حقوق واجبات، ما منهن حق إلا وهو عليه واجب، إن ضيع منها شيئا خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن لله فيه من نصيب قلت له جعلت فداك، وما هي؟ قال: يا معلى إني عليك شفيق، أخاف أن تضيع ولا تحفظ، وتعلم ولا تعمل. قال: قلت: لا قوة إلا بالله.
قال: أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك.
والحق الثاني: أن تجتنب سخطه وتتبع مرضاته وتطيع أمره.
والحق الثالث: أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك.
والحق الرابع: أن تكون عينه ودليله ومرآته.
والحق الخامس: أن لا تشبع ويجوع ولا تروى ويظمأ ولا تلبس ويعرى.
والحق السادس: أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم، فواجب أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه، ويصنع طعامه ويمهد فراشه.
والحق السابع: أن تبر قسمه وتجيب دعوته، وتعود مريضه وتشهد جنازته، وإذا علمت أن له حاجة تبادره إلى قضائها، ولا تلجئه أن يسألكها ولكن تبادره مبادرة، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته وولايته بولايتك.
أقول: الظاهر أن المراد بالواجب في الحديث، هو المعنى اللغوي فيكون أعم من الواجب والمستحب الشرعيين ويشهد لذلك روايات عديدة ذكرها يوجب التطويل.
قال العلامة المجلسي (ره) في البحار(884) يمكن حمل الوجوب على الأعم من المعنى المصطلح والاستحباب المؤكد، إذ لا أظن أحدا قال بوجوب أكثر ما ذكره مع تضمنه للحرج العظيم. إنتهى.
وقال رحمه الله تعالى في مرآة العقول: الظاهر أن هذه الحقوق بالنسبة إلى المؤمنين الكاملين، أو الأخ الذي واخاه في الله، وإلا فرعاية جميع ذلك بالنسبة إلى جميع الشيعة حرج عظيم بل ممتنع. إلا أن يقال: إن ذلك مقيد بالإمكان، بل السهولة بحيث لا يضر بحاله.
إنتهى.
إذا عرفت ما ذكرنا، فنقول: لا ريب في ثبوت هذه الحقوق لمولانا صاحب الزمان (عليه السلام) على جميع أهل الإيمان على كل من تلك التقادير وهذا واضح عند العارف البصير لأن إيمان الإمام أكمل من كل مسلم، وقد أطلق الأخ الشفيق، عليه في خبر عبد العزيز بن مسلم والدعاء في حقه إطاعة لأمره، وإعانة له باللسان وسنوضحه فيما سيأتي بأوضح بيان.
المكرمة التاسعة: أنه تعظيم لله وتعظيم لدين الله وتعظيم لرسول الله (عليهم السلام)
أما كونه تعظيما فقد أوضحناه في ذكر المكرمة الثانية، وأما كونه تعظيما لله فهو مما لا يحتاج إلى بيان لأن تعظيم كل مؤمن لمحض الإيمان، ليس إلا لتعظيم الخالق المنان.
وأما حسن تعظيم دين الله، فمن البديهيات عند ذوي العقول، فلا نحتاج إلى ذكر خبر منقول، مع أنه قد شرع كثير من الواجبات والسنن لأجل هذا الأمر الحسن، كالأغسال المسنونة، وصلاة التحية والطهارة لدخول المساجد وقراءة القرآن وغيرها مما لا يحتاج إلى البيان.
ويعجبني هنا نقل حكاية لطيفة فيها موعظة شريفة، ذكرها يناسب المقام ويكون تنبيها لأولي الأفهام، من كتاب إعلام الناس، بما جرى للبرامكة مع بني العباس، حكى محمد بن يزيد المبرد قال: كان أبو عثمان المازني، جاء إليه يهودي وسأله أن يقرأه كتاب سيبويه وبذل له مائة دينار، فامتنع أبو عثمان من ذلك فقلت له سبحان الله ترد مائة دينار مع فاقتك وحاجتك إلى درهم واحد؟ فقال: نعم يا أبا العباس، اعلم أن كتاب سيبويه يشتمل على ثلاثمائة آية من كتاب الله، ولم أرد أن أمكن منها كافرا، فسكت ولم يتكلم.
قال المبرد فما مضت إلا أيام، حتى جلس الواثق يوما للشرب، وحضر عنده ندماؤه، فغنت جارية في المجلس هذا الشعر:
أظلوم إن مصابكم رجلا * أهدى السلام تحية ظلم
فنصبت (رجلا) فلحنها بعض الحاضرين من الندماء، وقال: الصواب الرفع لأنه خبر أن، فقالت الجارية ما حفظته من معلمي إلا هكذا ثم وقع النزاع بين الجماعة فمن قائل الصواب معه، ومن قائل الصواب معها.
فقال الواثق: من بالعراق من أهل العربية ممن يرجع إليه فقالوا بالبصرة أبو عثمان المازني، وهو اليوم واحد عصره في هذا العلم.
فقال الواثق اكتبوا إلى والينا بالبصرة يسيره إلينا معظما مبجلا. فما كان إلا أيام حتى وصل الكتاب إلى البصرة فأمر الوالي أبا عثمان بالتوجه، وسيره على بغال البريد، فلما وصل دخل على الواثق فرفع مجلسه، وزاد في إكرامه، وعرض عليه البيت فقال: الصواب مع الجارية ولا يجوز في رجل غير النصب لأن (مصاب) مصدر بمعنى الإصابة، ورجلا منصوب به والمعنى إن أصابتكم رجلا أهدى السلام تحية ظلم فظلم خبر (إن)، ولا يتم الكلام إلا به، ففهم الواثق كلام أبي عثمان وعلم أن الحق ما قالته، وأعجب به، وانقطع الرجل الذي أنكر على الجارية.
ثم أمر الواثق لأبي عثمان المازني بألف دينار، وأتحفه بتحف وهدايا كثيرة لأهله، ووهبت له الجارية جملة أخرى ثم سيره إلى بلده مكرما فلما وصل جاء المبرد فقال له أبو عثمان: كيف رأيت يا أبا العباس! تركت لله مائة، فعوضني ألفا.
أقول: ترك المائة تعظيما للقرآن، وتعظيم القرآن تعظيم الخالق المنان، فافهم أيها الإنسان واجهد في تعظيمه وتعظيم صاحب الزمان، فإنه عدل القرآن وشريكه في كل عنوان.
فإن القرآن حبل الله المتين.
والقائم (عليه السلام) حبل الله المتين.
القرآن: أعطاه الله النبي في قبال جميع ما أعطاه أهل الدنيا.
والقائم (عليه السلام) كذلك.
القرآن: قال الله تعالى في حقه ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾(885) وكذلك القائم (عليه السلام).
القرآن: فيه تبيان كل شيء.
القرآن: أنزله الله ليخرجهم من الظلمات إلى النور.
القائم (عليه السلام): يظهره الله ليخرجهم من الظلمات إلى النور ظاهرا وباطنا.
القرآن التام غائب عن أهل العالم.
صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه غائب عن أهل العالم.
بالقرآن تبلى السرائر.
بظهور القائم عليه الصلاة والسلام تبلى السرائر.
القرآن: شفاء للمؤمنين.
القائم (عليه السلام): شفاء للمؤمنين.
القرآن: لا يزيد الظالمين إلا خسارا(886) وطغيانا وكفرا.
وكذلك القائم (عليه السلام).
القرآن(887): هدى ورحمة لقوم ونقمة وبوار لقوم آخرين.
وكذلك القائم (عليه السلام).
القرآن: حجة باقية.
القائم (عليه السلام) حجة باقية.
القرآن: منع الله عنه مس الأيدي النجسة.
القائم (عليه السلام) منع الله عنه مس الأيدي النجسة.
القرآن: من أقر به أقر بجميع الكتب المنزلة، ومن لم يقر به لم ينفعه الإقرار بغيره من الكتب.
القائم (عليه السلام): من أقر به أقر بجميع الأئمة ومن لم يقر به لم ينفعه الإقرار بغيره من الأئمة.
القرآن: يشفع لقارئيه يوم القيامة.
القائم (عليه السلام): يشفع لتابعيه يوم القيامة.
هذا وسيأتي ذكر ذلك في خاتمة الكتاب بأوضح بيان والله المستعان وعليه الاتكال.
المكرمة العاشرة: دعاء مولانا صاحب الزمان في حق الداعي له بالفرج والنصر
- ويدل على ذلك، مضافا إلى أنه مقتضى شكر الإحسان، الذي هو أولى به من كل إنسان قوله صلوات الله عليه في حجابه المروي في مهج الدعوات(888) بعد الدعاء لتعجيل فرجه ما لفظه: واجعل من يتبعني لنصرة دينك مؤيدين، وفي سبيلك مجاهدين وعلى من أرادني وأرادهم بسوء منصورين الخ.
إذ لا ريب في أن الدعاء له وبتعجيل فرجه اتباع ونصرة له، فإن من أقسام النصرة للإيمان ولمولانا صاحب الزمان النصرة باللسان، والدعاء له من أقسام النصرة اللسانية، كما لا يخفى.
- ويدل على المطلوب أيضا ما ذكره علي بن إبراهيم(889) القمي في تفسير قوله تعالى:
﴿وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها﴾(890) فإذا دعا المؤمن لمولاه (عليه السلام) بخالص الدعاء كافأه مولاه أيضا بخالص الدعاء ودعاؤه مفتاح كل خير ومقلاع كل ضير.
- ويشهد لذلك ويؤيده ما رواه القطب الراوندي (ره) في الخرائج(891) قال: حدث جماعة من أهل أصفهان، منهم أبو العباس أحمد بن النصر وأبو جعفر محمد بن علوية قالوا:
كان بأصفهان رجل يقال له عبد الرحمن، وكان شيعيا قيل له: ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة علي النقي (عليه السلام) دون غيره من أهل الزمان قال: شاهدت ما أوجب ذلك علي وهو أني كنت رجلا فقيرا، وكان لي لسان وجرأة فأخرجني أهل أصفهان سنة من السنين، فخرجت مع قوم آخرين إلى باب المتوكل متظلمين، فبينا نحن بالباب إذ خرج الأمر بإحضار علي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام)، فقلت لبعض من حضر من هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره؟
فقيل: هو رجل علوي، تقول الرافضة بإمامته.
ثم قال: وقدرت أن المتوكل يحضره للقتل فقلت: لا أبرح من ههنا حتى أنظر إلى هذا الرجل، أي رجل هو! قال: فأقبل على فرس وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صفين، ينظرون إليه فلما رأيته وقع حبه في قلبي، فصرت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله عنه شر المتوكل، فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابته، لا ينظر يمنة ولا يسرة، وأنا أكرر في نفسي الدعاء له.
فلما صار بإزائي أقبل بوجهه علي، ثم قال استجاب الله دعاءك، وطول عمرك، وكثر مالك وولدك فارتعدت من هيبته ووقعت بين أصحابي. فسألوني: ما شأنك؟ فقلت: خيرا، ولم أخبر بذلك مخلوقا، ثم انصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان ففتح الله علي بدعائه وجوها من المال، حتى أنا اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم، سوى مالي خارج داري، ورزقت عشرة من الأولاد، وقد مضى لي من العمر نيفا وسبعين سنة وأنا أقول بإمامة ذلك الرجل، الذي علم ما كان في نفسي، واستجاب الله دعاءه في أمري.
أقول: فانظر أيها العاقل، كيف كافى مولانا الهادي (عليه السلام) دعاء ذلك الرجل بسبب الإحسان ذلك بأن دعا له بما عرفت مع كونه خارجا حينئذ عن زمرة أهل الإيمان. أفترى من نفسك في حق مولانا صاحب الزمان، أن لا يذكرك بدعاء الخير إذا دعوت له، مع كونك من أهل الإيمان! لا والذي خلق الإنس والجان بل هو يدعو لأهل الإيمان وإن كانوا غافلين عن هذا الشأن، لأنه ولي الإحسان، وحسبك للدليل والبرهان ما ذكرناه في الباب الرابع، في حرف الدال وفيه كفاية لأهل الإقبال.
ومما يؤيد ما ذكرناه في هذا المقام ما ذكره بعض إخواني الصالحين الكرام أنه رأى الإمام (عليه السلام) في المنام فقال (عليه السلام) له إني أدعو لكل مؤمن يدعو لي بعد ذكر مصائب سيد الشهداء في مجالس العزاء، نسأل الله التوفيق لذلك إنه سميع الدعاء.
المكرمة الحادية عشرة: الفوز بشفاعته صلوات الله عليه في يوم القيامة
وتحقيق المرام في هذا المقام، يستدعي ذكر أمور:
الأول: في معنى الشفاعة.
الثاني: إثبات الشفاعة.
الثالث: الإشارة إلى الشفعاء يوم القيامة.
الرابع: من يستحق الشفاعة.
الخامس: كون الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) سببا للفوز بشفاعته صلوات الله عليه - فنقول ومن الله التوفيق.
الأمر الأول: في معنى الشفاعة المقصودة
وهو أن يطلب الشخص ممن فوقه خيرا لمن دونه، وذلك الخير إما إسقاط عقاب، أو زيادة ثواب، أو كلاهما، فإن كانت الشفاعة لأهل الطاعة كان معناه طلب زيادة ثوابهم ورفع درجاتهم، وإن كانت لأهل الإساءة كان معناه طلب العفو عن زلاتهم وسيئاتهم، وإسقاط عقابهم، أو إسقاط العذاب، والفوز بالمنافع جميعا وهذا الذي ذكرناه هو الحق في تحقيق معنى الشفاعة.
وقد خالف في ذلك فرقتان: التفضيلية، والوعيدية على ما حكي عنهما.
فقال الأولون: إنها مختصة بدفع المضار، وإسقاط العقاب عن مستحقيه من مذنبي المؤمنين، وإليه ذهب جمع من علمائنا.
وقال آخرون: هي في زيادة المنافع للمطيعين، والتائبين دون العاصين.
وقال المحقق الطوسي(892) رفع الله تعالى درجته: الحق صدق الشفاعة فيهما أي لزيادة المنافع وإسقاط المضار، وثبوت الثاني له (عليه السلام) بقوله: ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.
إنتهى.
أقول: الحق ثبوت الشفاعة له (عليه السلام) بكلا القسمين، وسيأتي تحقيق ذلك في الأمر الرابع إن شاء الله تعالى.
الأمر الثاني: في إثبات الشفاعة المصطلحة
لا ريب في جواز الشفاعة عقلا.
وأما وقوعها فيدل عليه مضافا إلى أنه من ضروريات المذهب، بل الدين، كما صرح به المجلسي في حق اليقين(893) الكتاب والسنة والإجماع وكل واحد منها كاف لأهل الاستماع.
فمن الآيات قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه﴾(894).
وفي سورة مريم: ﴿لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا﴾(895).
وفي سورة طه: ﴿يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا﴾(896).
وفي سورة الأنبياء: ﴿لا يشفعون إلا لمن ارتضى﴾(897).
وفي سورة سبأ: ﴿ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له﴾(898).
وأما الأخبار: فهي في حد التواتر ونحن نكتفي بذكر نبذة مما روي في ثالث البحار(899).
- فعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لكل نبي دعوة قد دعا بها، وقد سأل سؤالا وقد أخبأت دعوتي لشفاعتي لأمتي يوم القيامة.
- وعنه (صلى الله عليه وآله)(900) قال ثلاثة يشفعون إلى الله (عزَّ وجلَّ): الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء.
- وعنه (صلى الله عليه وآله)(901) قال: من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي، ومن لم يؤمن بشفاعتي، فلا أناله الله شفاعتي، ثم قال (عليه السلام): إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، فأما المحسنون فما عليهم من سبيل.
أقول: المراد بالشفاعة في هذا الحديث هو طلب العفو عن المسيء، لا حصر الشفاعة فيه.
- وعنه (عليه السلام) قال: أنا الشفيع لأمتي إلى ربي.
- وعنه (صلى الله عليه وآله)(902) إذا قمت المقام المحمود، تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتي، فيشفعني الله فيهم، والله لا تشفعت فيمن آذى ذريتي.
- وفي حديث آخر(903) أنه دخل مولى لامرأة علي بن الحسين على أبي جعفر (عليه السلام) يقال له أبو أيمن فقال: يا أبا جعفر تغرون الناس وتقولون شفاعة محمد شفاعة محمد!
فغضب أبو جعفر (عليه السلام) حتى تربد وجهه، ثم قال: ويحك يا أبا أيمن، غرك أن عف بطنك وفرجك، أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله) ويلك، فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار.
ثم قال: ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة.
ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): إن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) الشفاعة في أمته، ولنا شفاعة في شيعتنا، ولشيعتنا شفاعة في أهليهم ثم قال: وإن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر، وإن المؤمن ليشفع حتى لخادمه، ويقول: يا رب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد.
الأمر الثالث: في ذكر بعض الشفعاء يوم القيامة
إعلم أن الشفاعة الكبرى من خصائص نبينا (صلى الله عليه وآله).
- روى في الخصال(904) وغيره عنه (صلى الله عليه وآله) قال: أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي:
جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، ونصرت بالرعب، وأحل لي المغنم وأعطيت جوامع الكلم وأعطيت الشفاعة.
وشفاعة غيره من شعب شفاعته الكبرى لانتهائها إليه (صلى الله عليه وآله).
فمن الشفعاء: الأئمة الطاهرون، كما عرفت.
- ويدل عليه أيضا ما في البحار(905) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى: ﴿فما لنا من شافعين ولا صديق حميم﴾(906) قال: الشافعون الأئمة والصديق من المؤمنين.
- وفي قوله تعالى: ﴿من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه﴾(907) قال: نحن أولئك الشافعون.
- وعن النبي (صلى الله عليه وآله)(908) الشفعاء خمسة القرآن، والرحم، والأمانة، ونبيكم وأهل بيت نبيكم.
- وعن معاوية بن وهب(909) قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى:
﴿لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا﴾(910) قال: نحن والله المأذون لهم في ذلك والقائلون صوابا، قلت: جعلت فداك وما تقولون؟ قال: نمجد ربنا ونصلي على نبينا (صلى الله عليه وآله) ونشفع لشيعتنا فلا يردنا ربنا.
ومنهم ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله).
- ففي أمالي الصدوق والبحار(911) عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة، جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فتغشاهم ظلمة شديدة فيضجون إلى ربهم ويقولون يا رب اكشف عنا هذه الظلمة قال: فيقبل قوم يمشي النور بين أيديهم قد أضاء أرض القيامة فيقول أهل الجمع هؤلاء أنبياء الله؟ فيجيئهم النداء من عند الله ما هؤلاء بأنبياء فيقول أهل الجمع: فهؤلاء ملائكة؟ فيجيئهم النداء من عند الله: ما هؤلاء بملائكة فيقول أهل الجمع:
هؤلاء شهداء؟ فيجيئهم النداء من عند الله ما هؤلاء بشهداء فيقولون من هم؟ فيجيئهم النداء: يا أهل الجمع سلوهم من أنتم فيقول أهل الجمع: من أنتم؟ فيقولون: نحن العلويون، نحن ذرية محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحن أولاد علي ولي الله، نحن المخصوصون بكرامة الله، نحن الآمنون المطمئنون، فيجيئهم النداء من عند الله (عزَّ وجلَّ): اشفعوا في محبيكم وأهل مودتكم وشيعتكم، فيشفعون.
ومنهم المؤمنون وقد مر، ويأتي ما يدل عليه.
- وفي البحار(912) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا تستخفوا بفقراء شيعة علي وعترته من بعده، فإن الرجل منهم ليشفع لمثل ربيعة ومضر.
ومنهم: العلماء العاملون.
- ففيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة بعث الله العالم والعابد فإذا وقفا بين يدي الله (عزَّ وجلَّ)، قيل للعابد انطلق إلى الله، وقيل للعالم: قف تشفع للناس بحسن تأديبك لهم.
ومنهم: زوار قبر الحسين (عليه السلام).
- ففي خصائص الحسين وغيره، عن سيف التمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: زائر الحسين مشفع يوم القيامة لمائة ألف رجل: كلهم قد وجبت له النار.
- وفي مزار البحار(913) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ينادي مناد يوم القيامة أين شيعة آل محمد فيقوم عنق من الناس لا يحصيهم إلا الله فيقومون ناحية من الناس ثم ينادي مناد أين زوار قبر الحسين فيقوم أناس كثير فيقال لهم خذوا بيد من أحببتم انطلقوا بهم إلى الجنة فيأخذ الرجل من أحب حتى إن الرجل من الناس يقول لرجل يا فلان أما تعرفني أنا الذي قمت لك يوم كذا وكذا فيدخله الجنة لا يدفع ولا يمنع.
الأمر الرابع: في ذكر من يستحق الشفاعة
اعلم رزقك الله تعالى وإيانا شفاعة الشافعين أنه لا يستحق الشفاعة سوى أهل الإيمان كما قال الله تعالى ﴿لا يشفعون إلا لمن ارتضى﴾.
- ففي البرهان(914) وغيره عن الكاظم والرضا (عليهما السلام) معناه لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه.
ويدل على ذلك أيضا روايات عديدة مع أن ذلك مما لا خلاف فيه أجده بين الإمامية.
- ففي البحار(915) عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن المؤمن ليشفع لحميمه إلا أن يكون ناصبا ولو أن ناصبا شفع له كل نبي مرسل وملك مقرب ما شفعوا.
- وفي حديث آخر(916) عنه قال: إن الجار يشفع لجاره والحميم لحميمه ولو أن الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين شفعوا في ناصب ما شفعوا.
- وفي تفسير علي بن إبراهيم القمي(917) عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا﴾ قال لا يشفع ولا يشفع ولا يشفع إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا إلا من أذن له بولاية أمير المؤمنين والأئمة من بعده فهو العهد عند الله، الخبر، والأخبار فيه كثيرة.
ثم إنه لا يخفى أن المؤمنين على صنفين قوم مطيعون صالحون، وقوم مسرفون عاصون، فهل يشمل شفاعة الشافعين المحسنين والعاصين أم يختص بالمحسنين أو بالعاصين، أقوال والحق هو القول الأول، وهو شمول الشفاعة لكل منهما، أما بالنسبة إلى المحسنين فهي توجب ازدياد الثواب وارتفاع الدرجات وأما بالنسبة إلى العاصين فتوجب الخلاص من العقاب واندفاع المضرات أو مع الفوز بالمنافع أيضا، والدليل على ذلك بعد صدق الشفاعة على طلب زيادة الثواب ورفع العقاب عدة روايات:
- منها: ما رواه ثقة الإسلام في أصول الكافي(918) في كتاب فضل القرآن عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل في ذكر شفاعة القرآن إلى أن قال: فينطلق به إلى رب العزة تبارك وتعالى، فيقول يا رب عبدك وأنت أعلم به قد كان نصبا لي مواظبا علي يعادي بسببي، ويحب في ويبغض في فيقول الله (عزَّ وجلَّ): أدخلوا عبدي جنتي واكسوه حلة من حلل الجنة وتوجوه بتاج.
فإذا فعل ذلك به عرض على القرآن فيقال له: هل رضيت بما صنع بوليك فيقول: يا رب إني أستقل هذا له فزده مزيد الخير كله، فيقول (عزَّ وجلَّ) وعزتي وجلالي، وعلوي وارتفاع مكاني، لأنحلن له اليوم خمسة أشياء مع المزيد له، ولمن كان بمنزلته ألا إنهم شباب لا يهرمون وأصحاء لا يسقمون، وأغنياء لا يفتقرون، وفرحون لا يحزنون، وأحياء لا يموتون ثم تلا هذه الآية: ﴿لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى﴾ الخبر، وهو نص في وقوع الشفاعة، بطلب رفع العقاب وزيادة الثواب.
- ومنها: قوله (عليه السلام) في رواية أبي أيمن(919) التي ذكرناها في الأمر الثاني ما من أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة. لشموله بعمومه جميع المؤمنين حتى المطيعين، بل الأنبياء السابقين وغيرهم من الصالحين ومن المعلوم أن احتياجهم إلى شفاعته ليس لرفع العذاب إذ لا مقتضى لتعذيبهم بل هو لارتفاع الدرجات وازدياد العنايات.
- ويعضد هذه الرواية ما روي في البحار(920) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من أحد من الأولين والآخرين، إلا وهو يحتاج إلى شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة.
- ومنها: ما في البحار(921) والبرهان عن العياشي، عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الجن والإنس يحبسون يوم القيامة في صعيد واحد، فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة، فيقولون: إلى من؟ فيأتون نوحا فيسألونه الشفاعة، فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون: إلى من؟ فيقال إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيسألونه الشفاعة فيقول هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون: إلى من؟ فيقال: ائتوا موسى فيأتونه، فيسألونه الشفاعة فيقول:
هيهات، قد رفعت حاجتي فيقولون: إلى من؟ فيقال: ائتوا عيسى فيأتونه، ويسألونه الشفاعة، فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون: إلى من؟ فيقال: ائتوا محمدا.
فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقوم مدلا، حتى يأتي باب الجنة، فيأخذ بحلقة الباب ثم يقرعه، فيقال: من هذا؟ فيقال: أحمد فيرحبون ويفتحون الباب فإذا نظر إلى الجنة خر ساجدا يمجد ربه بالعظمة، فيأتيه ملك فيقول ارفع رأسك وسل تعط، واشفع تشفع فيرفع رأسه فيدخل من باب الجنة فيخر ساجدا، ويمجد ربه ويعظمه فيأتيه ملك فيقول: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع فيقوم فما يسأل شيئا إلا أعطاه الله إياه.
قال المجلسي (ره): قوله قد رفعت حاجتي: أي إلى غيري والحاصل: إني أيضا أستشفع من غيري، فلا أستطيع شفاعتكم.
أقول: لا ريب أن احتياجهم إلى غيرهم ليس لأجل نجاتهم من العذاب لأنهم معصومون، لم يصدر عنهم ما يقتضيه بل هو لأجل فوزهم بالدرجات العالية، التي لا يصلون إليها إلا بسبب من هو أرفع منهم، أعني نبينا محمدا وآله المعصومين المكرمين (عليهم السلام).
فإن قلت: إن هذا الحديث وما بمعناه من الأحاديث ينافي ما مر سابقا من كونهم من شفعاء يوم القيامة.
قلت: لا تنافي بين هذين الحديثين، إذ لا مانع من وصولهم إلى درجات ومنافع ببركة من فوقهم ووصول من دونهم في المرتبة إلى درجات ومنافع ببركتهم، وسقوط العقاب عنهم بشفاعتهم كما مر في شفاعة الأئمة للمؤمنين وشفاعة المؤمنين لمن دونهم من أهليهم.
وسيأتي في كيفية شفاعة الصديقة الطاهرة (عليها السلام) لمحبيها وشيعتها، وشفاعتهم لمحبيهم، وذوي حقوقهم، ما يرفع هذا الاستبعاد والله الهادي إلى نهج السداد.
- ومنها: ما روي في اللئالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن المؤمنين المتواطئين في الله ليكون أحدهما في الجنة فوق الآخر بدرجة، فيقول: يا رب إنه أخي وصاحبي، قد كان يأمرني بطاعتك، ويثبطني عن معصيتك ويرغبني فيما عندك، فاجمع بيني وبينه في هذه الدرجة فيجمع الله بينهما، الخبر.
- ومنها ما روي في دار السلام عن الكافي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر شريف، وفيه: فأما الخليلان المؤمنان فتخالا حياتهما في طاعة الله تبارك وتعالى وتباذلا عليها، وتوادا عليها فمات أحدهما قبل صاحبه فأراه الله تعالى منزله في الجنة يشفع لصاحبه فيقول: خليلي فلان كان يأمرني بطاعتك ويعينني عليها وينهاني عن معصيتك رب فثبته على ما تشاء عليه من الهدى، حتى تريه ما أريتني فيستجيب الله له حتى يلتقيان عند الله (عزَّ وجلَّ) فيقول كل واحد لصاحبه: جزاك الله من خليل خيرا كنت تأمرني بطاعة الله، وتنهاني عن معصيته. الخبر.
فهذه الروايات تدل على وقوع شفاعة الشافعين للصالحين من المؤمنين، طلبا لهم زيادة الثواب كما تقع للعاصين، مضافا إلى أن القائلين بتخصيص الشفاعة بطلب إسقاط العقاب، يلزمهم القول بكونها طلبا للثواب في حق المستوجبين للعقاب أيضا، وبيان ذلك: أن كل من قال بحصول نجاة العاصين من النار بشفاعة الشافعين، قال بدخولهم الجنة بسبب تلك الشفاعة، فلو كانت الشفاعة طلب إسقاط العقاب فقط لزم القول بأن من يشفع له شافع لا يدخل الجنة ولا النار، أما عدم دخوله الجنة، فلعدم المقتضى له وأما عدم دخوله النار فلشفاعة الشافعين.
ويمكن المناقشة بأن السبب في دخول الجنة هو الإيمان فإذا سقط العقاب بالشفاعة صار السبب بلا مانع، فيتحقق مقتضاه.
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة بوجهين:
أحدهما: أن بعض الروايات صريح في أن دخول الجنة أيضا بالشفاعة:
- ففي الأمالي والبحار(922) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فأيما امرأة صلت في اليوم والليلة خمس صلوات، وصامت شهر رمضان، وحجت بيت الله الحرام وزكت مالها، وأطاعت زوجها، ووالت عليا بعدي، دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة. الخبر.
- وفي البحار(923) في حديث شفاعة فاطمة (عليها السلام) ومحبيها، فيقول الله: يا أحبائي، ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، انظروا من كساكم لحب فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، انظروا من رد عنكم غيبة في حب فاطمة، فخذوا بيده وأدخلوه الجنة. الخبر.
- وفي(924) حديث آخر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن المؤمن ليشفع لجاره وما له حسنة، فيقول: يا رب جاري، كان يكف عني الأذى، فيشفع فيه، فيقول الله تبارك وتعالى: أنا ربك، وأنا أحق من كافى عنك، فيدخله الجنة، وما له من حسنة، وإن أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنسانا، فعند ذلك يقول أهل النار: ﴿فما لنا من شافعين ولا صديق حميم﴾ - وفي البحار(925) والبرهان عنه (صلى الله عليه وآله) إذا حشر الناس يوم القيامة ناداني مناد يا رسول الله إن الله جل اسمه قد أمكنك من مجازاة محبيك ومحبي أهل بيتك الموالين لهم فيك والمعادين لهم فيك فكافهم بما شئت فأقول: يا رب الجنة فأبوئهم منها حيث شئت فذلك المقام المحمود الذي وعدت به.
وثانيهما: أن الأخبار دلت على كون الإيمان سببا لدخول الجنة وكون الثواب على الإيمان وأما كونه سببا بلا واسطة فلا، فيمكن أن يكون المقصود منها أنه لا يدخل الجنة من لا يكون مؤمنا، وأما نفي الحاجة إلى الشفاعة، فلا دليل عليه.
فتلخص من جميع ما ذكرناه تحقق الشفاعة وثبوتها بكلا القسمين، وارتفع الإشكال من البين.
وقد وفقني الله تعالى لتحقيق هذا المرام وتنقيح هذا المقام ببركة أهل الذكر (عليهم السلام)، مع خلو كلام من وقفت على كلامه من الأعلام عن التنقيح التام. وأما من خص الشفاعة بطلب زيادة الثواب لأهل الإطاعة فقد استدل بظواهر بعض الآيات.
منها: قوله تعالى: ﴿ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع﴾ والعاصي ظالم.
ومنها: قوله تعالى: ﴿ما للظالمين من أنصار﴾.
ومنها: قوله تعالى: ﴿فما تنفعهم شفاعة الشافعين﴾.
والجواب: عن الجميع أن المراد بالظالمين في هذه الآيات وما شابهها الكفار والنواصب، والذين أخروا الأئمة (عليهم السلام) عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها وقدموا عليهم غيرهم، والذين ماتوا جاهلين بإمام زمانهم وأمثال هؤلاء من الذين يرجع أمرهم بالآخرة إلى عدم الإيمان.
والدليل على ما ذكرنا - مضافا إلى ما مر وما سيجيء - أخبار كثيرة، بل متواترة ليس هنا مقام ذكرها، مع أن ذلك مقتضى الجمع بين الأدلة أيضا كما لا يخفى.
وأما من خص الشفاعة بطلب إسقاط العقاب عن مستحقيه، من مذنبي المؤمنين فقد استند إلى أمرين:
الأول: أن الشفاعة لو كانت في زيادة المنافع لا غير لكنا شافعين في النبي حيث نطلب له من الله علو الدرجات، والتالي باطل قطعا لأن الشافع أعلى من المشفوع فيه، فالمقدم مثله وهذا الوجه في الحقيقة إبطال للقول السابق وهو تخصيص الشفاعة بطلب زيادة الثواب فقط.
ويمكن الجواب عنه بمنع الملازمة لأنا قد ذكرنا أن معنى الشفاعة أن يطلب الشخص ممن فوقه خيرا لمن دونه، وهذا المورد قد جعل الشفاعة بمعنى مطلق طلب زيادة المنافع، وهذه مغالطة واضحة.
والحاصل أن ما نحن فيه، نظير الطلب الذي له أفراد منها الأمر، ومنها السؤال، ومنها الالتماس، فإذا صدر الطلب عن العالي سمي أمرا، وإذا صدر عن الداني سمي سؤالا وإذا صدر عن المساوي سمي التماسا، مع أنه ليس مفاد كل منها سوى الطلب، والتفاوت إنما هو في مراتب الطالب، فكذلك فيما نحن فيه، إذا صدر طلب المنفعة والثواب من شخص لمن دونه، كان شفاعة كطلب النبي (صلى الله عليه وآله) زيادة المثوبات ورفع درجات لأمته، وإذا صدر ذلك من شخص لمن فوقه، كان دعاء كصلاة الأمة على النبي ودعائهم له.
الثاني: الأحاديث التي ادعى دلالتها على تخصيص الشفاعة بالمذنبين.
منها قول النبي (صلى الله عليه وآله) ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.
ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، فأما المحسنون فما عليهم من سبيل.
ومنها قوله: وأما شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم.
والجواب عن الجميع، أن الغرض في هذه الروايات بيان أظهر الفردين، وأكمل الأمرين لا حصر الشفاعة في واحد من القسمين. ويشهد لذلك ما قدمناه من الدليل، والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل.
وههنا فوائد ينبغي التنبيه عليها
الأولى: أن الشفاعة التي لا تشمل الكفار هي الشفاعة في الخروج من النار وأما الشفاعة في تخفيف العذاب، فالظاهر من بعض الأخبار شمولها لهم.
- ففي البحار(926) عن حنان، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لا تسألوهم فتكلفونا قضاء حوائجهم يوم القيامة.
- وفيه(927) بسند آخر عنه (عليه السلام) قال لا تسألوهم الحوائج فتكونوا لهم الوسيلة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في القيامة.
أقول: ولهذا المطلب شواهد عديدة في الأخبار مثل ما ورد من أن حب الأئمة الأطهار ينفع كل أحد حتى الكفار، ونحو ذلك.
فإن قلت: إن ذلك ينافي ما نطق به بعض الآيات، كقوله تعالى: ﴿لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون﴾ ونحوه.
قلت: يمكن الجمع بينهما بأحد وجهين:
أحدهما: أن يكون المراد بالتخفيف الممنوع عنهم، التخفيف الزماني، بأن يرفع العذاب عنهم في بعض الأحيان، بدليل قوله تعالى في سورة المؤمن: ﴿وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب﴾ وهذا لا ينافي التخفيف عن بعضهم من حيث الكيفية.
وثانيهما: أن يخصص عدم التخفيف بمن ليس له شافع يشفع له في ذلك، والله تعالى هو العالم.
- الثانية: قد دل قوله (عليه السلام): أعطيت خمسا لم يعطها أحد من الأنبياء.. (الخ) على أن الشفاعة من خصائصه، وهذا مناف بظاهره لما دل على كثرة الشفعاء يوم القيامة، ويمكن الجمع بينهما بوجوه:
الأول: أن يكون المراد بإعطاء الشفاعة إياه بخصوصه، الوعد والإذن من الله عز اسمه في ذلك لنبينا (صلى الله عليه وآله) في دار الدنيا، دون سائر الأنبياء والشفعاء.
- ويشهد لهذا الوجه ما في تفسير القمي في قوله تعالى: ﴿ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له﴾ قال: لا يشفع أحد من أنبياء الله ورسله يوم القيامة، حتى يأذن الله، إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن الله قد أذن له في الشفاعة قبل يوم القيامة، والشفاعة له وللأئمة من ولده، ثم بعد ذلك للأنبياء (عليهم السلام).
الثاني: أن يكون المراد الشفاعة العامة، التي ما من أحد من الأولين والآخرين إلا ويحتاج إلى شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله)، كما مر في الحديث.
وأما غيره فشفاعته لقومه وعشيرته، أو طائفة مخصوصة فشفاعته أعم الشفاعات وأتمها لاحتياج كل أحد من الخلق إليه، وعدم احتياجه إلى أحد سوى الخالق المتعال عز اسمه.
الثالث: أن الشفاعة لا تجوز إلا بعد صدور الإذن عن الله تعالى، كما قال (عزَّ وجلَّ) ﴿من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه﴾ وقال (عزَّ وجلَّ): ﴿ما من شفيع إلا من بعد إذنه﴾ وقال تعالى: ﴿إلا من أذن له الرحمن﴾ وقال تعالى: ﴿إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى﴾ وقال تعالى:
﴿لا يسبقونه بالقول﴾ الخ.
فيمكن أن يكون الإذن منه (عزَّ وجلَّ) لنبينا في الشفاعة، بمقتضى ما مر في خبر عيص، ويعضده أخبار عديدة، وتكون شفاعة سائر الشفعاء بإذن النبي، فجميع الشفاعات يرجع إلى شفاعته، ويكون من شعب هذه الشفاعة العظمى. وهذا معنى اختصاصه بالشفاعة، والشفاعة الكلية والشفاعة الكبرى. والغرض من ارجاع الخلائق أولا إلى غيره من الأنبياء كما مر في خبر عيص، وورد في غيره من الأخبار إظهار شأن خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) لجميع أهل المحشر في يوم الجزاء.
الثالثة: قد مر في حرف الشين المعجمة في الباب الرابع حديث نبوي من طريق العامة في ذكر مناصب الأئمة، إلى أن قال (صلى الله عليه وآله) والمهدي شفيعهم يوم القيامة، حيث لا يأذن الله إلا لمن يشاء ويرضى.
وقد ذكرنا هنالك أن السر في تخصيص الشفاعة بمولانا الحجة صلوات الله عليه، أن أحدا من الشفعاء لا يشفع في منكر صاحب الأمر (عليه السلام)، وإن أقر بمن قبله فكأن الشفاعة شفاعته، والأمر أمره.
الأمر الخامس: في كون الدعاء لمولانا صاحب الزمان وبتعجيل فرجه سببا للفوز بشفاعته
وبيان ذلك: أنه لا بد في الفوز بشفاعة الشافعين في يوم الدين، من تحقق رابطة بين الشافع والمشفوع له، في دار الدنيا كخدمة له، وإعانة، أو قضاء حاجة أو دعاء، أو إظهار محبة خالصة، أو إعزاز له، أو دفع أذى عنه ونحوها، كما عرفت في حديث شفاعة المؤمنين لمن يدعو لهم في أول الباب الرابع، وفي حديث شفاعة المؤمن، الذي ذكرناه في الأمر الثاني آنفا، وكذا في حديث شفاعة زائر الحسين (عليه السلام)، الذي رويناه في الأمر الثالث، ويدل على ذلك مضافا إلى ما ذكرناه روايات كثيرة:
- منها ما في ثالث البحار(928) عن تفسير الإمام عن أمير المؤمنين، قال (عليه السلام): الله رحيم بعباده، ومن رحمته أنه خلق مائة رحمة، جعل منها رحمة واحدة في الخلق كلهم، فبها يتراحم الناس وترحم الوالدة ولدها، وتحنن الأمهات من الحيوانات على أولادها، فإذا كان يوم القيامة، أضاف هذه الرحمة الواحدة إلى تسع وتسعين رحمة، فيرحم بها أمة محمد (صلى الله عليه وآله) ويشفعهم فيمن يحبون له الشفاعة من أهل الملة. حتى إن الواحد ليجيء إلى مؤمن الشيعة فيقول اشفع لي فيقول: وأي حق لك علي فيقول: سقيتك يوما ماء فيذكر ذلك فيشفع فيه ويجيئه آخر فيقول: إن لي عليك حقا فاشفع لي فيقول: وما حقك علي فيقول: استظللت بظل جداري ساعة في يوم حار فيشفع له، فيشفع فيه ولا يزال يشفع حتى يشفع في جيرانه، وخلطائه ومعارفه فإن المؤمن أكرم على الله مما تظنون.
- وفي البحار(929) أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمر به الرجل له المعرفة به في دار الدنيا وقد أمر به إلى النار، والملك ينطلق به قال فيقول يا فلان، أغثني، فقد كنت أصنع إليك المعروف في الدنيا وأسعفك في الحاجة تطلبها مني فهل عندك اليوم مكافأة! فيقول المؤمن للملك الموكل به: خل سبيله. قال: فيسمع الله قول المؤمن فيأمر الملك أن يجيز قول المؤمن، فيخلي سبيله.
أقول: إذا كان هذا حال المؤمن في الشفاعة، لمن كان بينه وبينه رابطة جزئية. فلا ريب في أن مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) يشفع(930) لمن يداوم على الدعاء له، ولا يتركه معذبا يوم القيامة لأن الدعاء من الروابط العظيمة والحبال المتينة فهو قضاء لحاجته ودليل محبته، وموجب لمسرته، وهو مع ذلك من أقسام نصرته وأنواع خدمته، إلى غير ذلك من العناوين الصادقة عليه مما هو وسيلة إليه.
المكرمة الثانية عشرة: الفوز بشفاعة خير البشر وصاحب الشفاعة الكبرى في المحشر
ويدل على ذلك - مضافا إلى جميع ما مر، لأن التوسل إلى الإمام الثاني عشر توسل إلى النبي المطهر -:
- ما رواه رئيس المحدثين في الخصال(931) بإسناده عن مولانا الرضا، قال: حدثني أبي عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعة أنا الشفيع لهم يوم القيامة ولو أتوني بذنوب أهل الأرض: معين أهل بيتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه، والدافع عنهم بيده عقوبة.
- وروى العلامة الحلي (ره)(932) عن النبي (صلى الله عليه وآله) مرسلا أنه قال: إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف، ولو جاءوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا.
- وفي ثالث البحار(933) بإسناده عن الرضا عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريتي والقاضي لهم حوائجهم، والساعي في أمورهم ما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه عندما اضطروا.
أقول: لا يخفى صدق ثلاثة من هذه العناوين على الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الأمر، لأنه نوع من النصر، ومحبة لسانية، وقضاء الحاجة كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
- ومما يدل على المقصود ما عن العلامة (ره) في(934) وصاياه لولده، قال: قال الصادق (عليه السلام): إذا كان يوم القيامة، نادى مناد: أيها الخلائق أنصتوا، فإن محمدا (صلى الله عليه وآله) يكلمكم، فينصت الخلائق، فيقوم النبي (صلى الله عليه وآله) فيقول يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى نكافيه فيقولون: بآبائنا وأمهاتنا أي يد أو أي منة أو أي معروف! بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) على جميع الخلائق فيقول (صلى الله عليه وآله): بلى من آوى أحدا من أهل بيتي، أو برهم، أو كساهم من عري، أو أشبع جائعهم، فليقم، حتى أكافيه.
فيقوم أناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النداء من قبل الله: يا محمد يا حبيبي، قد جعلت مكافأتهم إليك، فأسكنهم في الجنة حيث شئت، فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.
أقول: لا ريب في أن الدعاء بالخير من أقسام البر، فيستحق الداعي بذلك شفاعة سيد البشر، في يوم المحشر، واعلم أن هذا الحديث أيضا مما يدل على ثبوت الشفاعة في زيادة الثواب كما ثبتت في رفع العقاب، فتعقل.
- ويدل على المقصود أيضا ما رواه الصدوق في أماليه(935) بإسناده عن الباقر (عليه السلام) عن آبائه، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: من أراد التوسل إلي، وأن يكون له عندي يد، أشفع له بها يوم القيامة، فليصل أهل بيتي، ويدخل السرور عليهم.
أقول: لا ريب في سرور أهل البيت (عليهم السلام) جميعا بالدعاء، في تعجيل فرج صاحب الزمان (عليه السلام) وظهوره، بل يمكن أن يكون من أفراد الصلة لهم صلوات الله عليهم أيضا فتدبر.
المكرمة الثالثة عشرة: أنه وسيلة إلى الله (عزَّ وجلَّ)
وقد أمر الله تعالى بابتغاء الوسيلة إليه في قوله(936) ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون﴾ وجعل الفلاح والنجاة موقوفا على هذه الأمور الثلاثة، وهي مجتمعة في الدعاء لمولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه، لأن أول مراتب التقوى هو الإيمان، ولا ريب أن الدعاء له وبتعجيل فرجه علامة للإيمان وسبب لكمال الإيمان كما مر.
ويأتي إن شاء الله تعالى وهو من أقسام المجاهدة باللسان ووسيلة إلى الخالق المنان، وتقريره من وجهين:
أحدهما: أن معنى الوسيلة كما في مجمع البيان(937) الوصلة والقربة، ولا شبهة في كون هذا الدعاء وصلة إلى الله تعالى، وقربة إليه كسائر العبادات التي يتقرب بها إليه غير أن هذا من أعظم الوسائل قربة، وأقربها وسيلة، وأرفعها شأنا وأجلها مقدارا كما يتبين في هذا الكتاب بعون الملك الوهاب، وهو الهادي إلى نهج الصواب.
الوجه الثاني: أن المراد بالوسيلة في خصوص الآية الشريفة هو الإمام، لما ذكره علي بن إبراهيم القمي (ره)(938) في تفسيره في قوله تعالى: ﴿وابتغوا إليه الوسيلة﴾(939) قال: فقال تقربوا إليه بالإمام والظاهر استناده إلى الرواية عن الإمام في تعيين هذا المرام.
- وفي البرهان(940) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في قوله تعالى: ﴿وابتغوا إليه الوسيلة﴾ أنا وسيلته.
- وفي مرآة الأنوار(941) عن كتاب الواحدة، عن طارق بن شهاب قال: قال علي (عليه السلام) في حديث له: إن الأئمة من آل محمد (صلى الله عليه وآله) الوسيلة إلى الله والوصلة إلى عفوه، الخبر.
- وفيه(942) أيضا من كتاب رياض الجنان، عن جابر، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في حديث له، ذكر فيه فضله، وفضل الأئمة: نحن الوسيلة إلى الله.
- وفي(943) بعض الزيارات: وجعلتهم الوسيلة إلى رضوانك.
- وفي دعاء الندبة(944): وجعلتهم الذرائع إليك والوسيلة إلى رضوانك، الخ.
- وفي(945) دعاء سيد العابدين (عليه السلام) في يوم عرفة: وجعلتهم الوسيلة إليك، والمسلك إلى جنتك الخ.
فتحصل من جميع ذلك أن المراد بالوسيلة هو الإمام فابتغاء الوسيلة إلى الله هو تحصيل ما يكون سببا لرضاه وقربة إلى جنابه، وحيث إن الله عز اسمه جعل لكل قوم هاديا ولكل أمة إماما، كما قال عز اسمه ﴿إنما أنت منذر ولكل قوم هاد﴾(946) فجعله هاديا، ووسيلة لهم إليه فاللازم على كل قوم أن يعرفوا هاديهم ووسيلتهم، ويبتغوا إليه الوسيلة بما يرضيه عنهم، ويطلب منهم، إذ لا يجدي التقرب بأحد منهم، مع الجهل بولي الأمر والإمام في كل عصر.
- ولذلك قال في(947) الحديث المعروف المتلقى بالقبول بين الفريقين: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، فحال الجاهل بإمام زمانه حال الجاهل بجميع الأئمة ويدل على ما ذكرناه الأخبار المتواترة.
- منها: ما في مرآة الأنوار(948) وغيره، بالإسناد عن الصادق (عليه السلام)، قال: خرج الحسين (عليه السلام) على أصحابه، فقال: أيها الناس إن الله (عزَّ وجلَّ) ما خلق العباد إلا ليعرفوا، فإذا عرفوا وعبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه فقال له رجل: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأبي أنت وأمي فما معرفة الله؟ قال (عليه السلام) معرفته في كل زمان معرفة إمامهم الذي يجب عليهم طاعته.
ثم حكى صاحب الكتاب عن شيخه العلامة المجلسي، أنه قال في البحار إنما فسر معرفة الله بمعرفة الإمام، لبيان أن معرفة الله لا تحصل إلا من جهة الإمام أو لاشتراط الانتفاع بمعرفته تعالى بمعرفته (عليه السلام). إنتهى.
إذا تقرر ما ذكرنا، فنقول: لا ريب أن الدعاء بتعجيل الفرج لمولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه من أعظم الوسائل، التي جعلها الله تعالى وسيلة إليه، لأنه ليس وسيلة إليه فقط، بل هو وسيلة إلى جميع الأئمة بل جميع الأنبياء والأوصياء، الذين هم الوسائل الربانية، وذوو الأبوة الروحانية، وهو سبب لسرورهم ورضاهم، وطلب لما هو مقصدهم ومناهم، ومع ذلك كله، إطاعة لأولي الأمر، الذين أمر الله تعالى بإطاعتهم في قوله: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر﴾(949) - ويشهد لما ذكرناه، ويؤيده ما روي في البرهان(950) وغيره عن مولانا أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، في قوله تعالى في سورة الجمعة: ﴿فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) ﴿الخ) قال: يعني بالصلاة بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبالأرض الأوصياء أمر الله بطاعتهم وولايتهم كما أمر بطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) وطاعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، كنى الله في ذلك عن أسمائهم فسماهم بالأرض، وفي قوله: ﴿وابتغوا من فضل الله﴾(951) قال: هكذا نزلت:
وابتغوا فضل الله على الأوصياء، الخبر.
أقول: إنما شبهوا بالأرض لوجوه:
منها: أن الله تعالى شأنه قد جعل الأرض سكنا وقرارا للخلائق فبذلك يعيشون ويسكنون ويدرجون ويستريحون وقد تقدم في الباب الثالث والرابع أن سكون الأرض وقرارها بوجود الإمام، فسكون جميع ما في الأرض واستراحته ليس إلا بسبب وجوده صلوات الله عليه.
ومنها: أن الأرض واسطة في وصول البركات السماوية إلى أهل العالم قال (عزَّ وجلَّ):
﴿وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج﴾ والإمام أيضا واسطة في وصول البركة الإلهية إلى أهل العالم كما مر.
ومنها: أن الله تعالى قد أخرج من الأرض أنواعا من النعم، والفواكه والثمرات والعشب والكلأ، وغيرها بحسب حاجة الخلق، لكي ينتفع كل واحد منهم من بني آدم وغيرهم، من الحيوانات والحشرات بما يصلحه ويناسبه، قال تعالى: ﴿ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم﴾.
وقد أخرج من وجود الإمام أنواعا من العلوم والأحكام بحسب حوائج الخلق ومصالحهم كي لا يحتاجوا إلى غيره، إلى غير ذلك من الوجوه التي تظهر بالتدبر إن شاء الله تعالى وقد اختلج هذه الوجوه عجالة بالبال، والله الموفق في كل حال.
توضيح: قال الشيخ الطبرسي (ره) في مجمع البيان(952): القضب هو ألقت الرطب، يقضب مرة بعد أخرى، يكون علفا للدواب عن ابن عباس والحسن، والأب: المرعى من الحشيش، وسائر النبات الذي ترعاه الأنعام والدواب. إنتهى.
وفي القاموس القضب: كل شجرة طالت وبسطت أغصانها، والأب: الكلأ أو المرعى أو ما أنبتت الأرض، والخضر. إنتهى.
المكرمة الرابعة عشرة: استجابة الدعاء
يعني أن الداعي إذا جعل دعاءه لنفسه مقرونا بالدعاء لمولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه، يصير دعاؤه لمولاه سببا وواسطة في استجابة ما يدعو به لنفسه.
ويدل على ذلك وجوه عقلية ونقلية:
الأول: أنه لا شك ولا شبهة في تحقق إجابة دعاء العبد لمولانا صاحب الزمان لوجود المقتضى، وعدم المانع، وكلاهما واضحان والتأخير في الإجابة لا يدل على نفي الإجابة كما لا يخفى فإذا جعل الشخص أول دعائه وآخره لصاحب الأمر بتعجيل فرجه، وتسهيل مخرجه، كان مقتضى كرم أكرم الأكرمين أن يستجيب ما بينهما أيضا، وقد قرر سبحانه ذلك بين عباده، فإن من اشترى أمتعة مختلفة بصفقة واحدة، وكان بعضها معيبا يجب عليه إما أن يقبل الجميع أو يرد الجميع، ولا يجوز أن يرد المعيب فقط.
الوجه الثاني: أن جملة من الذنوب والسيئات مانعة عن إجابة الدعوات فإذا قرن الإنسان دعاءه بالدعاء لمولانا صاحب الزمان غفرت له تلك الذنوب الموانع فيصير دعاؤه بلا مانع فيستجيب له المنان الواسع وسيأتي في المكرمة الثامنة عشرة اقتضاء الدعاء له (عليه السلام) غفران الذنوب إن شاء الله تعالى.
الوجه الثالث: قد ذكرنا سابقا أن من فوائد الدعاء له (عليه السلام) دعاءه في حق الداعي، ولا ريب أن دعاءه بكفاية مهم الداعي يقتضي استجابة ما يسأله من الله جل شأنه كما لا يخفى.
- الوجه الرابع: ما روي في أصول الكافي(953) في فضل الصلاة على محمد وآله مرسلا عن الصادق (عليه السلام) قال: من كانت له إلى الله حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآله، ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد، فإن الله (عزَّ وجلَّ) أكرم من أن يقبل الطرفين، ويدع الوسط، إذ كانت الصلوات على محمد وآل محمد لا تحجب عنه.
أقول: وجه دلالته على المطلوب، أن عموم التعليل يقتضي استجابة كل دعاء يقع بين دعاءين مستجابين، لأنه تعالى أكرم من أن يستجيب الطرفين ويرد ما وقع في البين. وقد ذكرنا في الوجه الأول أن دعاء المؤمن في فرج مولاه (عليه السلام) وطلب نصرته، مستجاب لا محالة.
فهذا الدليل النقلي شاهد لما ذكرناه من الوجه العقلي.
الوجه الخامس: ما سيأتي من دعاء الملائكة للداعي في حق مؤمن غائب، بأضعاف ما سأل له، ولا ريب في استجابة دعاء الملائكة لخلوه عن الموانع، فيقتضي دعاؤهم استجابة دعائه في حق نفسه.
- الوجه السادس: ما روي في أصول الكافي(954) بسند معتبر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا دعا أحدكم فليعم، فإنه أوجب للدعاء، وفي بعض النسخ: فليعم في الدعاء، فإنه أوجب للدعاء.
أقول: قوله (صلى الله عليه وآله) فإنه أوجب للدعاء، يعني أن الدعاء للعموم أثبت، وألزم لدعاء الداعي في حقه، من أن يدعو لنفسه فقط، خاليا عن الدعاء للمؤمنين، فحاصله سببية ذلك الدعاء العام، لإجابة الدعاء ونيل المرام. ووجه دلالة هذا الكلام على ما هو المقصود في هذا المقام، أن العموم في الدعاء يتصور على وجهين:
أحدهما: أن يشرك الداعي جميع المؤمنين والمؤمنات في دعائه، بأن يدخل نفسه فيهم، فيدعو له ولهم جميعا كأن يقول: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، واقض حوائج المؤمنين والمؤمنات. أو يقول: اللهم اغفر لنا، واقض حاجتنا مريدا بذلك نفسه وسائر المؤمنين والمؤمنات.
وثانيهما: أن يكون دعاؤه دعاء يشمل نفعه جميع المؤمنين والمؤمنات، وإن لم يصرح بهم، كالدعاء بطلب الأمنية، ونزول البركات السماوية، وخروج البركات الأرضية، ودفع البلاء، ونحوها مما يعم نفعه جميعهم وهذا أيضا تعميم في الدعاء. والدعاء لفرج مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) من هذا القبيل فيكون من مصاديق هذا الدليل، ويترتب عليه الفائدة المذكورة، وهي على العارفين غير مستورة، وإن تجمد أحد لقصوره، وأنكر ما ذكرناه مع ظهوره، وأنكر كون هذا القسم تعميما في الدعاء قلنا - مماشاة ومسالمة للخصماء -: إذا قصد الداعي، أو صرح بأن غرضه من هذا الدعاء انتفاع جميع المؤمنين والسعداء، فلا ريب في كونه دعاء للعموم، وبذلك يقحم المتعنت الخصوم.
وأما كون الدعاء لظهور مولانا صاحب الزمان عليه صلوات الملك المنان مما ينتفع به جميع أهل الإيمان، فلا يحتاج إلى مزيد بيان، بعد ما ذكرناه في الباب الرابع، بأحسن تبيان، إذ بظهوره فرج كل مؤمن، وفرح كل موقن، وظهور كل عدل، وخمود كل جهل، وانكشاف العلوم، واندفاع الغموم، وارتفاع العاهات، وانتشار البركات وغلبة المؤمنين، وهلاك الظالمين، وأمن البلاد، وسلامة العباد، واجتماع الأحباب، وغيره مما بيناه في مطاوي هذا الكتاب والله تعالى هو الهادي إلى نهج الصواب.
وأما قوله (صلى الله عليه وآله) إذا دعا أحدكم فليعم فهو يحتمل أمورا:
أحدها: أن يكون المقصود أن المؤمن إذا دعا فليجعل دعاءه هذا عاما للمؤمنين، وليدخل نفسه في جملتهم فإذا فعل ذلك: بأن دعا دعاء شاملا عاما لجميعهم، كان ذلك أوجب، أي أثبت، يعني يكون هذا الدعاء أسرع إجابة، وأشد نفوذا من دعائه لنفسه فقط، فهذا الوجه يقتضي كون التعميم سببا لسرعة إجابة هذا الدعاء.
وحاصلة أنك لو قلت: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات كان أوجب لمغفرتك من قولك:
اللهم اغفر لي، وإذا قلت: اللهم عجل فرج مولانا صاحب الزمان، كان أوجب لفرجك من أن تقول: اللهم اجعل لي من أمري فرجا، لأن الدعاء لفرجه (عليه السلام) دعاء للفرج لجميع المؤمنين والمؤمنات فتدبر.
الأمر الثاني: أن يكون من باب المشارفة ويكون المقصود أنك إذا أردت الدعاء لنفسك في أمر من الأمور فابدأ بالدعاء للعموم، فإنه أوجب لدعائك، يعني أن دعاءك للعموم يصير سببا لاستجابة دعائك، وثبوت مرادك وحصول مرامك فيكون هذا الكلام من قبيل قوله تعالى: ﴿إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم﴾ وقوله: ﴿فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله﴾ ونحوهما.
وحاصل هذا الوجه أن معنى قوله (عليه السلام): إذا دعا أحدكم فليعم، أنه إذا أراد أحدكم الدعاء لنفسه، فليبدأ بدعاء عام للمؤمنين ثم يدع لنفسه فإن ذلك أوجب لدعائه لنفسه، وأثبت له، لأن في تقديم الدعاء لأهل الإيمان تأثيرا تاما في استجابة دعاء الإنسان..
- كما ورد في عدة روايات(955) عن الصادق (عليه السلام): إن من قدم أربعين رجلا من إخوانه فدعا لهم، ثم دعا لنفسه، استجيب له فيهم وفي نفسه.
الأمر الثالث: أن يكون المراد مطلق المقارنة العرفية يعني أنك إذا دعوت في كل زمان لنفسك، فادع بدعاء عام لإخوانك، سواء كان قبل دعائك لنفسك أم بعده، أو دعاء عاما له ولهم. وهذا النوع من الاستعمال كثير في اللغة العربية والمحاورات العرفية كما لا يخفى على العارف البصير، ولا ينبئك مثل خبير.
- الوجه السابع: ما رواه ثقة الإسلام الكليني (ره) أيضا، في أصول الكافي(956) عن محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تبارك وتعالى ﴿ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله﴾(957) قال (عليه السلام): هو المؤمن، يدعو لأخيه بظهر الغيب، فيقول له الملك: آمين، ويقول الله العزيز الجبار: ولك مثلا ما سألت وقد أعطيت ما سألت بحبك إياه.
أقول: السند صحيح عندنا. وحكم العلامة المجلسي في مرآة العقول(958) بضعفه والظاهر أنه لمكان عمرو بن شمر، لأنه قد صرح بتوثيق جميع رواة هذا الخبر في وجيزته إلا عمرو بن شمر، فقال: (ضعيف). والأقرب عندي تبعا للعالم المحقق النوري (ره) في مستدرك الوسائل(959) كونه ثقة لرواية جماعة من الأجلاء عنه، ولأمارات أخر، ذكرها لا يناسب وضع هذا المختصر، ولعدم ثبوت ما رمي به من الغلو فراجع وتدبر.
وكيف كان فدلالته على المطلوب واضحة لقوله: ولك مثلا ما سألت، فإنه ظاهر في إجابة ما سأل لأخيه في حق الداعي مع الزيادة.
وقوله: وقد أعطيت ما سألت بحبك إياه، يدل على إجابة ما سأل لنفسه ببركة دعائه في حق أخيه الغائب، ويحتمل بعيدا أن يكون لفظة أعطيت بصيغة المتكلم المبني للفاعل.
يعني أعطيت ما سألت لأخيك الغائب والله العالم.
فيا أيها الطالب الراغب في نيل المطالب هل تعرف مؤمنا أكمل إيمانا، وأتم يقينا، وأشد اجتهادا، وأقرب إلى الله حبا، وأعظم عند الله شأنا، وأرفع جاها من مولاك صاحب الزمان (عليه السلام)؟ فأكثر الدعاء لمولاك حتى يستجيب الله ببركته دعاك.
الوجه الثامن: أنه قد تقدم ويأتي أن من فوائد الدعاء لظهوره وتعجيل فرجه كمال الإيمان، وقوة اليقين، والنجاة من وساوس المشككين والمضلين، وذلك من الأسباب المقتضية لإجابة الدعاء كما أن ضعف اليقين والشك في أصول الدين مانع عن الإجابة فإذا كان العبد مواظبا في الدعاء لمولاه (عليه السلام) قوي يقينه وكمل إيمانه وإذا قوي يقينه، وكمل إيمانه رزقه الله تعالى الإجابة.
- ويدل على ذلك ما رواه ثقة الإسلام الكليني (ره)(960) في الموثق كالصحيح عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) (يعني الباقر والصادق صلوات الله عليهما) قال: قلت: إنا لنرى الرجل له عبادة واجتهاد وخشوع، ولا يقول بالحق، فهل ينفعه ذلك شيئا؟ فقال (عليه السلام): يا محمد إن(961) مثل أهل البيت مثل أهل بيت كانوا في بني إسرائيل، كان لا يجتهد أحد منهم أربعين ليلة إلا دعا فأجيب وإن رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة، ثم دعا فلم يستجب له فأتى عيسى ابن مريم، على نبينا وآله و(عليه السلام) يشكو إليه ما هو فيه ويسأله الدعاء.
قال (عليه السلام) فتطهر عيسى (عليه السلام) وصلى، ثم دعا الله (عزَّ وجلَّ) فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه: يا عيسى، إن عبدي أتاني من غير الباب الذي أؤتى منه إنه دعاني وفي قلبه شك منك فلو دعاني حتى ينقطع عنقه وتنتثر(962) أنامله ما استجبت له.
قال: فالتفت إليه عيسى (عليه السلام) فقال: تدعو ربك وأنت في شك من نبيه؟ فقال يا روح الله وكلمته، قد كان والله ما قلت، فادع الله أن يذهب به عني. قال: فدعا له عيسى صلى الله عليه فتاب الله عليه وقبل منه وصار في حد أهل بيته.
الوجه التاسع: ما ذكره المجلسي (ره) في مرآة العقول(963) في سر حجب الدعاء بدون الصلاة على محمد وآله، قال: إن المقصود من إيجاد الثقلين وسائر الموجودات، والقابل من فيوض الفائضة من بدء الإيجاد إلى ما لا يتناهى من الأزمنة والأوقات، هو رسول الله وأهل بيته عليهم أفضل الصلوات، فلهم الشفاعة الكبرى في هذه النشأة، والنشأة الأخرى وبواسطتهم تفيض الرحمات على جميع الورى. إذ لا بخل في المبدأ وإنما النقص من القابل، وهم القابلون لجميع الفيوض القدسية والرحمات الإلهية فإذا أراد الداعي استجلاب رحمة من الله تعالى، يصلي عليهم، ولا يرد هذا الدعاء لأن المبدأ فياض، والمحل قابل، وببركتهم يفيض على الداعي بل على جميع الخلق كما إذا جاء أعرابي، أو كردي غير مستأهل لشيء من الإكرام إلى باب سلطان، نافذ حكمه في الأنام، فأمر له ببسط الموائد واختصه بأنواع العوائد نسبه العقلاء إلى قلة العقل، وسخافة الرأي، بخلاف ما إذا أمر بذلك لأحد من مقربي حضرته، وأمراء جنده أو لرسول أحد من سلاطين عصره فحضر هذا الأعرابي أو الكردي تلك المائدة فأكل منها، يكون مستحسنا، بل لو منع منها يكون مستقبحا بظاهر النظر. إنتهى كلامه رفع مقامه.
أقول: لا يخفى أن هذا الوجه يجري في الدعاء لمولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه حرفا بحرف وهذا واضح بأدنى نظر لمن تبصر واعتبر.
الوجه العاشر: ما ذكره هذا الفاضل العلام في ذاك المقام أيضا، فقال: إنهم صلوات الله عليهم وسائط بيننا وبين ربنا تقدس وتعالى في إيصال الحكم والأحكام منه إلينا، لعدم ارتباطنا بساحة جبروته، وبعدنا عن حريم ملكوته، فلا بد أن يكون بيننا وبين ربنا سفراء وحجب ذوو جهات قدسية، وحالات بشرية، يكون لهم بالجهات الأول ارتباط بالجناب الأعلى، يأخذون عنه، ويكون لهم بالجهات الثانية مناسبة للخلق، يلقون إليهم ما أخذوا من ربهم.
ولذا جعل الله سفراءه وأنبياءه ظاهرا من نوع البشر، وباطنا مباينين عنهم في أطوارهم وأخلاقهم، ونفوسهم وقابلياتهم فهم مقدسون روحانيون قائلون: ﴿إنما أنا بشر مثلكم﴾ لئلا ينفر عنهم أمتهم، وليقبلوا منهم، ويأنسوا بهم فكذلك في إفاضته سائر الفيوض والكمالات.
هم وسائط بين ربهم وبين سائر الموجودات، فكل فيض وجود يبتدئ بهم، ثم ينقسم على سائر الخلق، فالصلوات عليهم استجلاب للرحمة من معدنها، وللفيوض إلى مقسمها، لتنقسم على سائر البرايا، بحسب استعداداتها وقابلياتها. إنتهى كلامه قدس سره.
أقول: وهذا الوجه أيضا يجري في المقام، كما لا يخفى على ذوي الأفهام فهذه الوجوه عشرة كاملة. يقتضي كون الإجابة للداعي شاملة بسبب دعائه لمولانا القائم عليه الصلاة والسلام الدائم، والله الموفق وهو العاصم.
المكرمة الخامسة عشرة: أنه أداء أجر نبوة النبي (صلى الله عليه وآله) في الجملة
ويدل على ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ) في سورة حمعسق ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾ وإثبات هذا المرام، يتوقف على ذكر مقدمات مرتبطة بالمقام.
الأولى: أن طلب النبي (صلى الله عليه وآله) شيئا أمر، ولو كان بلفظ السؤال.
الثانية: أن طلبه يقتضي الوجوب بإطلاقه، إلا أن يدل دليل على خلافه.
الثالثة: أن للنبي (صلى الله عليه وآله) حق النبوة على الأمة، فيجب عليهم أداء حقه بقدر استطاعتهم.
الرابعة: أن الله تعالى جعل أجر نبوته الراجع إلى العباد المودة في القربى بحكم الآيات والروايات عن أهل بيت العصمة.
الخامسة: في بيان معنى القربى، وأنه ذرية النبي (صلى الله عليه وآله) لا غيرهم ورد أقوال العامة.
السادسة: في بيان معنى المودة وأقسامها.
أما المقدمة الأولى
فاعلم أن الأمر على ما هو الحق عند أهل التحقيق هو طلب العالي من الداني إيجاد فعل، سواء كان بلفظ أمرت، أم صيغة إفعل، أم غيرها كان يكون بلفظة السؤال لبعض المصالح، والحكم بمقتضى الحال، أم كان بغير لفظ كالإشارة، والكتابة ونحوهما، والدليل على ما ذكرناه هو التبادر. ألا ترى أنه لو صدر طلب عن شخص جليل بأي لفظ، قيل: أمر فلان بكذا، ولو قال شخص داني: إني آمر بكذا، نسبه العقلاء إلى السفاهة والخرافة وذلك لاختصاص الأمر وضعا بالعالي كاختصاص الدعاء والسؤال وضعا بالداني، واختصاص الالتماس بالمتساوي. وتتبع موارد الاستعمال يشهد لذلك في جميع الأحوال.
وأما قوله تعالى حكاية عن فرعون إذ قال لقومه: ﴿فماذا تأمرون﴾ حيث نسب إليهم الأمر مع كونه عاليا بالنسبة إليهم، ففيه وجهان على سبيل منع الخلو: أحدهما: أن يكون المفعول محذوفا أي فماذا تأمرون العساكر؟ وعلى ذلك فاستعمال الأمر في معناه الحقيقي، لعلو الأمراء بالنسبة إلى العساكر. وثانيهما تنزيلهم - أي المخاطبين - بهذا الخطاب منزلة العالمين مجازا لبعض المناسبات والله العالم.
فظهر بهذه المقدمة أن الطلب الصادر من النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بأي لفظ صدر ولو بلفظ السؤال كما في تلك الآية الشريفة، بأن يكون التعبير عن الأمر بلفظ السؤال، إما تواضعا وهضما لنفسه الشريفة، التي هي مصدر الكمالات الظاهرية والباطنية.
- كما قال (صلى الله عليه وآله) في الحديث النبوي المعروف: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وإما تنزيلا للمخاطبين منزلة العالين رفقا بهم وتلطفا، ليتفيؤوا إلى أمره صلوات الله عليه هذا إذا قلنا باستفادة وجوب المودة عن قوله (صلى الله عليه وآله) ﴿لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾(964) فإن معناه أن مطلوبي الراجع إلي منكم منحصر في ذلك.
ويمكن استفادة الوجوب من خصوص خطاب الله (عزَّ وجلَّ) لنبيه (صلى الله عليه وآله) بقوله ﴿قل لا أسألكم) ﴿الخ) الظاهر في وجوب مطالبته هذا الحق منهم عليه (صلى الله عليه وآله) ولو لم يكن أداء هذا الحق واجبا عليهم، لما أوجب مطالبته منهم عليه كما لا يخفى.
المقدمة الثانية
قد حققنا في علم أصول الفقه، أن الأمر ظاهر بإطلاقه في الطلب الحتمي بمعنى أن نفس الأمر حقيقة في الطلب وبعبارة أخرى ليس مفاد الأمر إلا الطلب، والطلب المطلق الخالي عن القرائن الحالية، أو المقالية الداخلية أو الخارجية منصرف في العرف إلى الطلب الحتمي، ظاهر فيه.
وآية ذلك أنا نرى في الأوامر الصادرة من الموالي إلى العبيد ومن يحذو حذوهم، أن المخاطبين بها لا يتأملون في حتمية تلك الأوامر عليهم بل ينبعثون وينهضون بجبلتهم إلى إيجاد ما أمروا به من دون تأمل في أن ذلك الطلب هل هو حتمي أم لا؟.
ونرى أيضا بالعيان أنهم لو لم يفعلوا ذلك أو تأملوا فيه وقعوا في معرض الذم واللوم والعتاب وليس ذلك إلا لما ذكرناه من ظهور الطلب المطلق عند أهل العرف في الطلب الحتمي وانصرافه إلى ذلك من دون حاجة إلى نصب قرينة وجعل علامة بل إرادة خلاف ذلك، يحتاج إلى قرينة حالية أو مقالية، أو دلالة دليل خارج على ذلك ولهذا الوجه يحمل الأوامر الواردة في الشرع على الإيجاب إذا لم يكن قرينة على الاستحباب من دون تأمل وارتياب.
نعم إذا ورد أمر بشيء، كان علينا الفحص والتفتيش عن القرائن في سائر الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار إذ كثيرا ما يكون فيها قرائن وشواهد لبعضها الآخر فإن بعضها يكشف عن بعض، وليس ذلك للتأمل في ظهور الطلب المطلق في الإيجاب بل هو لتكثر القرائن والشواهد لخبر وارد في باب في سائر الأبواب، كما أن الأصوليين حكموا بوجوب الفحص عن المخصص، قبل العمل بالعام لكثرة ورود المخصصات في كل مقام، لا للتأمل في ظهور العام كما لا يخفى على أولي الأفهام، فإن وجدنا شاهدا لكون هذا الأمر أمرا ندبيا كان هو الباعث على صرف اللفظ عما هو ظاهر فيه، وإن لم نجد ذلك، لم يكن لنا محيص عن الالتزام بالإيجاب، والله الهادي إلى نهج الصواب.
وبهذه المقدمة ظهر أن الطلب الصادر عن النبي (صلى الله عليه وآله) في هذا الباب بأمر الخالق الوهاب، طلب حتمي بغير ارتياب، كما لا يخفى على أولي الألباب ويشهد له الأحاديث المروية عن الأئمة الأطياب، حيث إنهم استشهدوا بتلك الآية في إثبات الإيجاب.
- ففي تفسير البرهان وغاية المرام(965) عن الحسن بن علي المجتبى (عليه السلام)، في خطبة له قال: وإنا من أهل بيت افترض الله مودتهم على كل مسلم، حيث يقول: ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾(966).
- وفي الكتابين(967) بإسناده عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) لما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾ قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى قد فرض لي عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه؟ فلم يجبه أحد منهم، فانصرف.
فلما كان من الغد، قام فيهم، فقال مثل ذلك، ثم قام عنهم ثم قال مثل ذلك، في اليوم الثالث، فلم يتكلم أحد فقال: أيها الناس إنه ليس من ذهب ولا فضة، ولا مطعم ولا مشرب قالوا: فألقه إذا، قال: إن الله تبارك وتعالى أنزل علي: ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾ قالوا: أما هذه فنعم.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فوالله ما وفى بها إلا سبعة نفر: سلمان، وأبو ذر، وعمار، والمقداد بن الأسود الكندي، وجابر بن عبد الله الأنصاري، ومولى لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يقال له البست(968) وزيد ابن أرقم.
هذا ويأتي في المقدمات الآتية ما يدل على المقصود إن شاء الله تعالى.
المقدمة الثالثة
إن للنبي (صلى الله عليه وآله) حق النبوة على الأمة، فيجب عليهم أداء حقه بقدر استطاعتهم فمن لم يؤد فقد ظلم وهذا المطلب غني عن البيان، لأنه من الوضوح بأرفع مكان ضرورة اتفاق ذوي العقول على وجوب أداء حق ذي الحق بفطرة عقولهم، ولا ريب أيضا في أن أعظم الناس حقا هو الرسول (صلى الله عليه وآله)، الباعث على فكاك رقابهم من النار كما لا يخفى على أهل الاعتبار، فيجب أن يكون اهتمامهم في أداء حقه آكد من غيره.
ونكتفي في هذا المقام بذكر خبر شريف مروي في غاية المرام(969) من طريق العامة.
- إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): أخرج فناد ألا من ظلم أجيرا أجرته فعليه لعنة الله، ألا من تولى غير مواليه فعليه لعنة الله، ألا من سب أبويه فعليه لعنة الله فنادى بذلك.
فدخل عمر وجماعة على النبي (صلى الله عليه وآله) وقالوا: هل من تفسير لما نادى؟ قال: نعم إن الله يقول: ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾ فمن ظلمنا فعليه لعنة الله، ويقول:
﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ ومن كنت مولاه فعلي مولاه، فمن والى غيره وغير ذريته فعليه لعنة الله، وأشهدكم أنا وعلي أبوا المؤمنين فمن سب أحدنا فعليه لعنة الله.
فلما خرجوا قال عمر: يا أصحاب محمد ما أكد النبي لعلي بغدير خم ولا غيره، أشد من تأكيده في يومنا هذا، قال حسان بن الأرت(970): كان ذلك قبل وفاة رسول الله بتسعة عشر يوما.
المقدمة الرابعة
إن الله تعالى جعل أجر نبوته الراجع إلى العباد المودة في القربى، بمقتضى الآية والروايات:
- فمنها: ما في أمالي الصدوق(971) في المجلس 79 (وسنده صحيح) بإسناده عن الرضا (عليه السلام) في حديث طويل، ذكر فيه آيات الاصطفاء، وأنها اثنتا عشرة، إلى أن قال السادسة قول الله جل جلاله: ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾ وهذه خصوصية للنبي يوم القيامة، وخصوصية للآل دون غيرهم، وذلك أن الله حكى في ذكر نوح في كتابه، يا قوم:
﴿لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون﴾.
وحكى (عزَّ وجلَّ) عن هود، أنه قال: ﴿لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون﴾ وقال (عزَّ وجلَّ) لنبيه (صلى الله عليه وآله) قل يا محمد ﴿لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾ ولم يفرض الله مودتهم إلا وقد علم أنهم لا يرتدون عن الدين أبدا، ولا يرجعون إلى ضلال أبدا.
وأخرى أن يكون الرجل وادا للرجل، فيكون بعض أهل بيته عدوا له، فلا يسلم قلب الرجل له، فأحب الله (عزَّ وجلَّ) أن لا يكون في قلب رسول الله على المؤمنين شيء، ففرض عليهم مودة ذوي القربى فمن أخذ بها وأحب رسول الله وأحب أهل بيته لم يستطع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يبغضه ومن تركها ولم يأخذ بها وأبغض أهل بيته فعلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يبغضه لأنه قد ترك فريضة من فرائض الله، فأي فضيلة وأي شرف يتقدم هذا أو يدانيه.
فأنزل الله هذه الآية على نبيه (صلى الله عليه وآله) ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾ فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس إن الله قد فرض لي عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه؟ فلم يجبه أحد، فقال: أيها الناس إنه ليس بذهب ولا فضة، ولا مأكول ولا مشروب، فقالوا: هات إذا، فتلا عليهم هذه الآية، فقالوا: أما هذا فنعم، فما وفى بها أكثرهم، وما بعث الله (عزَّ وجلَّ) نبيا إلا أوحى إليه أن لا يسأل قومه أجرا، لأن الله (عزَّ وجلَّ) يوفي أجر الأنبياء، ومحمد (صلى الله عليه وآله) فرض الله (عزَّ وجلَّ) مودة قرابته على أمته، وأمره أن يجعل أمره فيهم ليوادوه في قرابته بمعرفة فضلهم الذي أوجب الله (عزَّ وجلَّ) لهم، فإن المودة إنما تكون على قدر معرفة الفضل.
فلما أوجب الله ذلك ثقل لثقل وجوب الطاعة، فتمسك بها قوم أخذ الله ميثاقهم على الوفاء، وعاند أهل الشقاق والنفاق، وألحدوا في ذلك، فصرفوه عن حده الذي حده الله فقالوا القرابة هم العرب كلها وأهل دعوته، فعلى أي الحالتين كان فقد علمنا أن المودة هي للقرابة، فأقربهم من النبي أولاهم بالمودة كلما قربت القرابة كانت المودة على قدرها.
وما أنصفوا نبي الله في حياطته ورأفته، وما من الله به على أمته مما تعجز الألسن عن وصف الشكر عليه، أن لا يودوه في قرابته وذريته وأهل بيته، وأن لا يجعلوهم منهم كمنزلة العين من الرأس، حفظا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وحبا لبنيه، وكيف والقرآن ينطق به، ويدعو إليه، والأخبار ثابتة بأنهم أهل المودة، والذين فرض الله مودتهم، ووعد الجزاء عليها، أنه ما وفى أحد بهذه المودة مؤمنا مخلصا إلا استوجب الجنة لقول الله (عزَّ وجلَّ) في هذه الآية(972) ﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾ مفسرا ومبينا، الخبر.
وبهذا الخبر الشريف ينفتح من العلم أبواب، فتأمل فيه، كي تهتدي إلى الصواب وبهذه المقدمة تبين أن المودة في القربى أجر النبوة، فيجب أداء ذلك الأجر على جميع الأمة.
المقدمة الخامسة
في بيان المراد من القربى، المخصوصين بتلك الخصيصة العظمى ونكتفي في هذا المقام بذكر جملة مما روي في غاية المرام(973) من طرق العامة ليكون آكد في الحجة، وأبلغ في الإعذار.
- فعن مسند أحمد بن حنبل، بإسناده عن ابن عباس، قال: لما نزل ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾ قالوا يا رسول الله، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟
قال (صلى الله عليه وآله): علي وفاطمة وابناهما، وعن تفسير الثعلبي مثله.
- وعن صحيح البخاري عن سعيد بن جبير: قربى آل محمد. ومثله عن صحيح مسلم، وكذا الجمع بين الصحاح الستة.
- وعن الحمويني بإسناده(974) عن ابن عباس قال لما نزلت ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾ قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين يأمرنا الله بمودتهم؟ قال: علي وفاطمة وولدهما.
ومثله عن أبي نعيم(975) إلا أن فيه: قال: علي وفاطمة وأولادهما.
وقد تحصل من هذه المقدمة أن القربى هم ذرية النبي (صلى الله عليه وآله) وقد ورد في بعض رواياتنا ذلك أيضا، وفي بعضها أن المراد بالقربى الأئمة (عليهم السلام) ويمكن الجمع بينهما بوجهين.
أحدهما أن ذكر الأئمة من باب ذكر المصداق الكامل كما ورد نظيره في كثير من التفاسير.
والثاني: أن يكون المراد من المودة الواجبة للأئمة (عليهم السلام) هو المعرفة بهم، وتولاهم بمعنى جعلهم أولياء له دون غيرهم كما يظهر ذلك من الحديث المروي عن مولانا الرضا (عليه السلام)، في المقدمة الرابعة.
وكيفما كان، فلا ريب في أن أقرب ذوي القربى وأكملهم في زماننا ليس سوى مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه، فيجب على كل أحد مودته صلوات الله عليه ويجب أن تكون مودته أشد وأكثر من غيره من ذوي القربى لما تقدم ذكره في كلام مولانا الرضا عليه آلاف التحية والثناء.
المقدمة السادسة: في بيان معنى المودة وأقسامها
فنقول المراد من المودة هو المحبة القلبية، بما لها من الآثار الظاهرية التي هي الكواشف عن المحبة الكامنة في القلب ولهذا فسر المودة في تفسير القمي(976) بتلك الآثار التي هي لوازمها حقيقة، قال: أجر النبوة أن لا تؤذوهم، ولا تقطعوهم ولا تغصبوهم وتصلوهم ولا تنقضوا العهد فيهم إلى آخر ما قال. ولا ريب أن من آثار المودة القلبية المودة اللسانية، ولها أقسام:
فمنها الدعاء للمحبوب بكل أمر مطلوب. فإنه من معظم الآثار الظاهرة كما نرى بالعيان في سلوك الآباء بالنسبة إلى أولادهم فإن محبتهم القلبية تجبلهم على الدعاء بالخير، وهذا مشاهد بالعيان، فلا يحتاج إلى إقامة دليل وبرهان.
والحاصل من هذه المقدمات: أن المودة في القربى أجر الرسالة، وأعظم ذوي القربى، وأقربهم هو مولانا الحجة، والدعاء له من جملة أقسام المودة فبه يؤدى أجر النبوة في الجملة، وحيث إن أداء أجر النبوة واجب على جميع الأمة كما قدمنا فيجب عليهم المودة لمولانا الحجة بما تيسر عليهم من الآثار، وما ذكرناه كاف لأولي الأبصار.
المكرمة السادسة عشرة والسابعة عشرة: دفع البلاء وسعة الرزق
ويدل عليهما روايات كثيرة:
- منها: ما في الكافي(977) بسند صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب يدر الرزق، ويدفع المكروه.
- ومنها: ما في الوسائل(978) مسندا عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث، قال: عليك بالدعاء لإخوانك بظهر الغيب، فإنه يهيل الرزق - قالها ثلاثا -.
- وفيه(979) أيضا مسندا عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب مستجاب، ويدر الرزق، ويدفع المكروه.
- وفيه(980) بإسناده عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الدعاء لأخيك بظهر الغيب يسوق إلى الداعي الرزق ويصرف عنه البلاء ويقول له الملك ولك كمثل ذلك.
أقول: هذه الأحاديث تدل على حصول هاتين الفائدتين بالدعاء لكل مؤمن غائب أفتعرف أيها العاقل مؤمنا أكمل إيمانا من مولاك صاحب الزمان الذي معرفته علة تامة لحصول الإيمان فبادر بالدعاء له في كل آن.
المكرمة الثامنة عشرة: غفران الذنوب
- ويدل على ذلك مضافا إلى أنه مقتضى شفاعة خاتم النبيين وخاتم الوصيين ما في تفسير الإمام (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله). قال: والذي بعثني بالحق نبيا إن رجلا من شيعتنا يكون له ذنوب وخطايا أعظم من جبال أحد ومن الأرض والسماء كلها بأضعاف كثيرة، فما هو إلا أن يتوب ويجدد على نفسه ولايتنا أهل البيت إلا كأن قد ضرب بذنوبه الأرض أشد من ضربة عمار هذه الصخرة بالأرض الخبر.
أقول: الظاهر أن تجديد الولاية هو إظهار ما يدل على التزام الإنسان بولاية الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، وانقياده لهم، وركونه إليهم، ولا ريب أن ذلك يحصل بالدعاء لفرج مولانا صاحب الزمان، وطلب ظهوره من الخالق المنان لأنه كاشف عن الانتظار لفرجهم وعلامة للالتزام بولايتهم وإلا فأصل الاعتقاد القلبي غني عن التجديد. وإن كان قابلا للمزيد وما ذكرناه واضح لمن ألقى السمع وهو شهيد.
المكرمة التاسعة عشرة: الفوز بشرف لقائه في اليقظة أو المنام
وقد وردت هذه المكرمة بالخصوص في حديث منصوص، لدعاء مخصوص رواه المجلسي (ره) في البحار(981) نقلا عن كتاب الاختيار للسيد علي بن حسين بن الباقي (ره) عن الصادق (عليه السلام) إنه قال: من قرأ بعد كل فريضة هذا الدعاء فإنه يرى الإمام م ح م د بن الحسن عليه وعلى آبائه السلام في اليقظة أو في المنام: (بسم الله الرحمن الرحيم) اللهم بلغ إلى آخر الدعاء وسنذكره في الباب الآتي إن شاء الله تعالى، وهو مشتمل على الدعاء لفرجه (عليه السلام).
- وفيه(982): عن جنة الأمان عن الصادق (عليه السلام) أيضا أنه قال: من قال بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة الظهر: اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم لم يمت حتى يدرك القائم من آل محمد (عليهم السلام).
- وروى الشيخ الجليل الحسن بن الفضل الطبرسي، رحمه الله تعالى، في مكارم الأخلاق(983) مرسلا أن من دعا بهذا الدعاء عقيب كل فريضة وواظب على ذلك عاش حتى يمل الحياة ويتشرف بلقاء صاحب الأمر عجل الله فرجه، وهو: اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم إن رسولك الصادق المصدق، إلى آخر الدعاء وهو أيضا دعاء في فرج مولانا الحجة صلوات الله عليه وسنذكره بعدة طرق وروايات، عن معادن العلوم والعنايات في الباب الآتي في ذكر ما يتأكد فيه الدعاء له من الأوقات إن شاء الله تعالى.
تنبيه فيه تشويق
إعلم أني كنت أواظب على هذا الدعاء منذ أول زمان التكليف، وقد وقع لي الفوز في المنام بلقائه الشريف، ثلاث مرات إلى الآن، بحيث حصل الجزم بأنه مولاي صاحب الزمان (عليه السلام).
فمنها: أني رأيت ليلة في المنام أنه دخل داري التي أنا فيها ساكن الآن، ومعه نبي من أنبياء بني إسرائيل فدخل في حجرتي التي تكون تجاه القبلة، وأمرني بذكر مصائب مولانا الشهيد أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) فأطعت أمره المطاع، وهو جالس مواجها لي بحال الاستماع فلما فرغت قرأت زيارة مولانا أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) متوجها إلى سمت كربلاء، ثم زيارة مولانا أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، متوجها إلى سمت طوس على النحو المأنوس، ثم زيارة مولانا الحجة عجل الله تعالى فرجه متوجها إليه صلوات الله عليه، فلما فرغت وأراد الانصراف، أعطاني هذا النبي الذي كان معه وجها لا أدري مبلغه عن قبله، وغابا عني صلوات الله عليهما.
ثم لما كان اليوم الثاني من تلك الليلة التي كانت أحسن من وقت الصباح، وأضوأ من ضحى الوضاح لقيت بعض العلماء الراشدين كثر الله تعالى أمثالهم فأعطاني وجها طيبا كأنه كان غيثا صيبا فقلت ﴿هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا﴾ وأظهر لي صحة رؤياي لأزداد شوقا.
هذا وقد أفيض إلي من البركات الباطنة والعلوم الكاملة الكامنة والمعارف الإيمانية والألطاف الربانية بعد هذا المنام ما يتعسر بيانه بلسان الأقلام. وقد قدمنا في ذكر سبب تأليف هذا الكتاب ما يكون عبرة لأولي الألباب، وذكرنا في مقام آخر ما يكون تبصرة لمن استبصر.
المكرمة المتممة للعشرين
ما يكون غاية أمل المؤمنين المشتاقين وهو الرجوع إلى الدنيا في زمان ظهوره وانتشار نوره إن تأخر هذا الأمر العظيم عن هذه الأزمان ولم نفز في زمان حياتنا بمشاهدة ظهور صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه.
- ويدل على ذلك ما رواه العالم العامل، والفقيه الكامل المولى أحمد الأردبيلي (ره) في كتاب حديقة الشيعة عن مولانا الصادق عليه الصلاة والسلام، ومضمونه: أنه ما من مؤمن يتمنى خدمته، ويدعو لتعجيل فرجه، إلا أتاه آت على قبره، وناداه باسمه: يا فلان قد ظهر مولاك صاحب الزمان فإن شئت فقم واذهب إلى حضرة الإمام وإن شئت فنم إلى يوم القيام.
قال فيرجع إلى الدنيا خلق كثيرون ويولد لهم من نسلهم بنون.
أقول: قد كان هذا الحديث في كتاب الحديقة مترجما بالفارسية فنقلت عباراته إلى اللغة العربية، وقد ورد هذ الفضل بالخصوص(984) في حديث منصوص لدعاء العهد(985) بالخصوص.
- ففي البحار(986) والأنوار والمقباس وزاد المعاد(987) وغيرها من مؤلفات العلماء الأمجاد روي عن الصادق (عليه السلام) بحذف الإسناد وعبارة الأنوار النعمانية(988) هكذا: أنه قال: من دعا بهذا الدعاء أربعين صباحا كان من أنصار القائم (عليه السلام) وإن مات قبل ظهوره (عليه السلام)، أحياه الله تعالى حتى يجاهد معه، ويكتب له بعدد كل كلمة منه ألف حسنة، ويمحى عنه ألف سيئة، وهو هذا بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم رب النور العظيم، والكرسي الرفيع، إلى آخر الدعاء وسنذكره في الباب الآتي إن شاء الله تعالى، وهو دعاء شريف مشتمل على الدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه وفي هذه الجملة كفاية لما دللنا إليه.
المكرمة الحادية والعشرون: أن الداعي لذلك الأمر العلي يصير من إخوان النبي (صلى الله عليه وآله)
- ويدل على ذلك ما في بصائر الدرجات بإسناده(989) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم، وعنده جماعة من أصحابه: اللهم لقني إخواني مرتين.
فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله فقال: لا إنكم أصحابي.
وإخواني قوم في آخر الزمان، آمنوا ولم يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم: لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا أولئك مصابيح الدجى، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة.
ورواه المجلسي في ثالث عشر البحار(990) مثله.
- وفيه (أي في البحار)(991) في حديث آخر عن عوف بن مالك، قال: قال رسول الله (عليه السلام) ذات يوم: يا ليتني قد لقيت إخواني. فقال له أبو بكر وعمر: أولسنا إخوانك آمنا بك وهاجرنا معك؟ قال (صلى الله عليه وآله): قد آمنتم وهاجرتم، ويا ليتني قد لقيت إخواني، فأعادا القول، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين يأتون من بعدكم يؤمنون بي، ويحبوني، وينصروني، ويصدقوني وما رأوني، فيا ليتني قد لقيت إخواني.
واعلم أن الكلام هنا في أمرين:
الأول: في وجه دلالة الحديثين على المطلوب، وبيان ذلك بنحو مرغوب، فنقول إنه (صلى الله عليه وآله) قد فرع إخاءهم في الحديث الأول على كمال الإيمان كما هو واضح، لا يحتاج إلى بيان. وقد ذكرنا أن الدعاء لمولانا صاحب الزمان علامة كمال الإيمان وسبب كماله في الإنسان زيادة على ما قد كان فيصير الداعي من مصاديق ذاك العنوان، فثبت ما أردناه بواضح البرهان.
وأما الحديث الثاني فقد وصف فيه الإخوان بصفات قد امتازوا بها عن سائر أهل الإيمان وهي المحبة والنصرة والإيمان من دون أن يروه بالعيان ولا ريب في أن جميعها مجتمعة في الدعاء لفرج صاحب الزمان، فإنه نصرة للنبي، ومحبة إليه، وإيمانه، وتصديق لما دل عليه.
وهذا كله من الواضحات، عند ذوي العقول، وله شواهد كثيرة من طريق المنقول.
الأمر الثاني: في بيان معنى الأخوة المذكورة بحسب ما استفدناه من الروايات المأثورة فنقول: إنه يحتمل أمورا.
أحدها: أن يكون المراد الصداقة الواقعية، التي لازمها حب الصديق لصديقه والنصرة له في كل أموره، في غيبته وحضوره فيكون الأخ بمعنى الصديق، وهو أحد معانيه، كما ذكر في القاموس وهذا الاستعمال في العرف واللغة شائع مأنوس.
- ويشهد له في هذا المقام ما روي في البحار(992) عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (ره) بإسناده عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه، يتولى وليه، ويتبرأ من عدوه، ويتولى الأئمة الهادية من قبله أولئك رفقائي، وذوو ودي ومودتي، وأكرم أمتي علي.
الثاني: أن يكون المراد منه الأخوة الإيمانية الثابتة بين أهل الإيمان، فإن الإخاء لا يحصل إلا باشتراك الأخوين في جهة جامعة، ونسبة واقعة، تكون لكل منهما بالنسبة إلى الآخر. ولا ريب أن ذلك لا يحصل إلا بالإيمان الثابت الواقعي الحقيقي فإذا ثبت الإيمان بهذا النحو، ثبت الإخاء بينه وبين النبي (صلى الله عليه وآله) لأنهما مشتركان في ذلك قال الله (عزَّ وجلَّ) ﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله﴾ الآية.
- ولهذا (ورد في خبر عبد العزيز بن مسلم عن مولانا الرضا (عليه السلام) أنه قال: الإمام الأخ الشفيق (الخ).
ولا ريب أن هذا المقام لا يحصل بصرف صحابة النبي أو الإمام عليهما الصلاة والسلام بل لا بد من الإيمان الثابت القطعي التام فإذا ثبت ذلك، لم يكن فرق بين أن يلاقي أحد الأخوين أخاه، أم لم يلاق إياه كما أن رابطة الأخوة بين الأخوين النسبيين لا تنفصم بانفصالهما في الزمان أو المكان، ولو لم يحصل هذا الشأن لم ينفع مصاحبة النبي أو الإمام والاجتماع معهما في زمان أو مكان. ولم يجز نسبة الأخوة إليهما بحسب الإيمان.
ولما كان أكثر أصحاب خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) من المؤمنين المعارين، الذين لم يكن لهم حظ من الإيمان سوى الإقرار باللسان، نفى عنهم مرتبة الإخوان. ومما يشهد لهذا البيان، كون السائل في الحديث الثاني، هما الأولان، اللذان لم يكن لهما نصيب من الإيمان.
ومن جميع ما ذكرنا ظهر ضعف ما تمسك به العامة لإثبات فضيلة الغاصب الأول، حيث تشبثوا في ذلك بقول الله (عزَّ وجلَّ) ﴿ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا﴾ مستدلين لفضله بمصاحبة النبي (صلى الله عليه وآله).
ويعجبني هنا نقل كلام الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان طاب ثراه قال الشيخ الجليل أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج(993) حدث الشيخ أبو علي الحسن بن معمر الرقي، بالرملة في شوال سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة عن الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (ره)، أنه قال: رأيت في المنام سنة من السنين كأني قد اجتزت في بعض الطرق، فرأيت حلقة دائرة بها أناس كثير، فقلت: ما هذا؟
فقالوا: هذه حلقة فيها رجل يعظ فقلت من هو؟ فقالوا عمر بن الخطاب ففرقت الناس، ودخلت الحلقة، فإذا أنا رجل يتكلم على الناس بشيء لم أحصله، فقطعت عليه الكلام وقلت: أيها الشيخ، أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق ابن أبي قحافة من قول الله تعالى ﴿ثاني اثنين إذ هما في الغار﴾؟ فقال: وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه الآية في ستة مواضع:
الأول: أن الله تعالى ذكر النبي (صلى الله عليه وآله)، وذكر أبا بكر فجعله ثانيه، فقال: (ثاني اثنين).
والثاني: أنه وصفهما بالاجتماع في مكان واحد، بتأليفه بينهما فقال: (إذ هما في الغار).
والثالث: أنه أضاف إليه بذكر الصحبة، ليجمع بينهما فيما يقتضي الرتبة فقال تعالى: (إذ يقول لصاحبه).
والرابع: أنه أخبره عن شفقة النبي (صلى الله عليه وآله) ورفقه به لموضعه عنده فقال: (لا تحزن).
والخامس: أنه أخبرك أن الله معهما على حد سواء، ناصرا لهما، ودافعا عنهما فقال: ﴿إن الله معنا﴾.
والسادس: أنه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر، لأن رسول الله لم تفارقه السكينة قط فقال: ﴿فأنزل الله سكينته عليه﴾ فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار، لا يمكنك، ولا لغيرك الطعن فيها.
فقلت له: جرت بكلامك في الاحتجاح لصاحبك عنه وإني بعون الله سأجعل جميع ما أتيت به: ﴿كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف﴾.
أما قولك: إن الله تعالى ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) وجعل أبا بكر ثانيه، فهو إخبار عن العدد، لعمري لقد كانا اثنين، فما في ذلك من الفضل ونحن نعلم ضرورة أن مؤمنا ومؤمنا أو مؤمنا وكافرا اثنان فما أرى لك في ذكر العدد طائلا تعتمده.
وأما قولك: إنه وصفهما بالاجتماع في المكان فإنه كالأول، لأن المكان يجمع المؤمن والكافر، كما يجمع العدد المؤمنين والكفار، وأيضا فإن مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) أشرف من الغار، وقد جمع المؤمنين والكفار، وفي ذلك، قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين﴾، وأيضا فإن سفينة نوح (عليه السلام) قد جمع النبي والشيطان والبهيمة، والمكان لا يدل على ما أوجبت من الفضيلة فبطل فضلان.
وأما قولك: إنه أضافه إليه بذكر الصحبة، فإنه أضعف من الفضلين الأولين لأن اسم الصحبة يجمع المؤمنين والكفار والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿إذ قال لصاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا﴾ وأيضا فإن اسم الصحبة تطلق بين العاقل والبهيمة، والدليل على ذلك من كلام العرب، الذي نزل القرآن بلسانهم، فقال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه﴾ إنهم قد سموا الحمار صاحبا فقالوا:
إن الحمار مع الحمار مطية * فإذا خلوت به فبئس الصاحب
وأيضا قد سموا الجماد مع الحي صاحبا، قالوا ذلك في السيف، فقالوا:
زرت هندا وذاك غير اختيان * ومعي صاحب كتوم اللسان
يعني السيف، فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر وبين العاقل والبهيمة، وبين الحيوان والجماد فأي حجة لصاحبك فيه.
وأما قولك: إنه ﴿قال لا تحزن﴾ فإنه وبال عليه ومنقصة له ودليل على خطئه لأن قوله:
﴿لا تحزن﴾ نهي وصورة النهي قول القائل: لا تفعل فلا يخلو أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعة أو معصية، فإن كان طاعة فإن النبي (صلى الله عليه وآله) لا ينهى عن الطاعات بل يأمر بها، ويدعو إليها، وإن كان معصية، فقد نهاه النبي (صلى الله عليه وآله) عنها وقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنه نهاه.
وأما قولك: إنه قال ﴿إن الله معنا﴾ فإن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر أن الله معه، وعبر عن نفسه بلفظ الجمع كقوله ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾.
وقد قيل أيضا في هذا إن أبا بكر قال: يا رسول الله، حزني على أخيك علي بن أبي طالب ما كان منه، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لا تحزن فإن الله معنا، أي معي ومع أخي علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وأما قولك: إن السكينة نزلت على أبي بكر فإنه ترك للظاهر، لأن الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيده الله عز اسمه بالجنود كذا يشهد ظاهر القرآن في قوله (عزَّ وجلَّ) ﴿فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها﴾ فإن كان أبو بكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود وفي هذا إخراج النبي (صلى الله عليه وآله) من النبوة، على أن هذا الموضع لو كتمته على صاحبك كان خيرا له لأن الله تعالى أنزل السكينة على النبي (صلى الله عليه وآله) في موضعين كان معه قوم مؤمنون، فشركهم فيها فقال في أحد الموضعين: ﴿فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى﴾ وقال في الموضع الآخر: ﴿فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها﴾.
ولما كان في هذا الموضع خصه وحده بالسكينة، وقال ﴿فأنزل الله سكينته عليه﴾ فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة على خروجه من الإيمان فلم يحر جوابا، وتفرق الناس واستيقظت من نومي.
الثالث: أن يكون المراد بالأخوة الأخوة في الخلقة الأصلية والطينة الأولية، يعني أن هؤلاء المؤمنين المتصفين بالصفات المذكورة، خلقوا من فاضل طينة النبي والأئمة (عليهم السلام)، فهم أخوة بحسب الطينة الأصلية.
- كما يدل على ذلك ما نقله المجلسي رحمه الله تعالى، في مرآة العقول عن معاني الأخبار للشيخ الصدوق، بإسناده إلى أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) ومعي رجل من أصحابنا فقلت له جعلت فداك يا بن رسول الله، إني لأغتم وأحزن من غير أن أعرف لذلك سببا، فقال: الحزن والفرح يصل إليكم منا لأنا إذا دخل علينا حزن أو سرور كان ذلك داخلا عليكم لأنا وإياكم من نور الله تعالى، فجعلنا وطينتنا وطينتكم واحدة ولو تركت طينتكم كما أخذت لكنا وأنتم سواء، ولكن مزجت طينتكم بطينة أعدائكم، فلولا ذلك ما أذنبتم ذنبا أبدا.
قال: قلت: جعلت فداك فتعود طينتنا ونورنا كما بدأ؟ فقال (عليه السلام): أي والله، يا عبد الله، أخبرني عن هذا الشعاع الزاهر من القرص، إذا طلع أهو متصل به أم بائن منه؟
فقلت له: جعلت فداك، بل هو بائن منه، فقال: أفليس إذا غابت الشمس وسقط القرص عاد إليه فاتصل به، كما بدأ منه، فقلت له: نعم، فقال (عليه السلام): كذلك والله شيعتنا، من نور الله خلقوا، وإليه يعودون والله إنكم لملحقون بنا يوم القيامة، وإنا لنشفع ونشفع، ووالله إنكم لتشفعون فتشفعون، وما من رجل منكم إلا وترفع له نار عن شماله وجنة عن يمينه، فيدخل أحباءه الجنة وأعداءه النار.
قال المجلسي (ره): فتأمل وتدبر في هذا الحديث فإن فيه أسرارا غريبة. إنتهى كلامه رفع مقامه.
المكرمة الثانية والعشرون
إن الاهتمام والمداومة في طلب فرج مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) من الخالق القادر المنان بشرائطه المقررة بقدر الإمكان، يصير سببا لقرب وقوعه، وسرعة طلوعه.
- ويدل على ذلك ما في البحار(994) وغيره عن العياشي(995) عن الفضل بن أبي قرة قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أوحى الله إلى إبراهيم أنه سيولد لك فقال لسارة فقالت: ﴿أألد وأنا عجوز﴾؟ فأوحى الله إليه: إنها ستلد ويعذب أولادها أربعمائة سنة، بردها الكلام علي.
قال (عليه السلام): فلما طال على بني إسرائيل العذاب، ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحا فأوحى الله إلى موسى وهارون يخلصهم من فرعون فحط عنهم سبعين ومائة سنة.
قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): هكذا أنتم لو دعوتم لفرج الله عنا فأما إذ لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه.
تنبيه
إعلم: أنه يستفاد من هذا الحديث الشريف أمور:
أحدها: أن جزاء الأعمال الصادرة من الشخص طاعة كانت أم معصية قد يصل إلى أولاده وأعقابه.
- كما ورد عن الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما﴾(996) أنه كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء وذلك لحكم جليلة ومصالح عظيمة قد خفيت علينا أكثرها وبين لنا بعضها في الروايات الصادرة عن العترة الطاهرة.
فإن قلت: لا ريب في أن إيصال الخيرات والنعم إلى أولاد الشخص، إيصال إليه، وتفضل عليه، في الحقيقة لما نرى بينهما من كمال المودة والرأفة بل ربما يكون إيصال الخير إلى الأولاد ألذ للإنسان بل للحيوان، من تنعم نفسه بهذا الإحسان، حيا كان أو ميتا.
- كما ورد أن أرواح المؤمنين الذين يأتون لزيارة أولادهم إذا رأوهم بخير فرحوا وإذا رأوهم في شدة وضيق حزنوا، إلى غير ذلك مما يدل عليه.
وأما تعذيب الأولاد بسبب ما صدر عن الآباء والأمهات، فهو مما لا يساعد عليه العقل، ولا الكتاب العزيز.
أما العقل: فلأنه ظلم في نظره، ولا ريب في قبحه على الله عز اسمه، وأما كتاب الله (عزَّ وجلَّ) فقد قال الله تعالى(997) ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾.
قلنا: إن ابتلاء الناس بالبليات والآفات قد يكون لتكفير خطيئاتهم وسيئاتهم وقد يكون لرفع درجاتهم وزيادة مثوباتهم فيمكن أن يعذب الله تعالى بعض عباده ببعض المصائب والمحن والآفات ويجعل ذلك كفارة لذنوب الآباء والأمهات بسبب تألمهم لابتلاء أولادهم بتلك المصيبات، ثم يخص هذا العبد المصاب بأنواع من النعم والثواب، لابتلائه في دار الدنيا بتلك الهموم والبليات وهذه عناية حسنة، ومبادلة مستحسنة، وليس في ذلك شيء من خلاف العدل والإحسان، بل هو نوع إحسان إلى الإنسان من الخالق المنان.
- ويدل على ما ذكرناه في هذا المقام قول مولانا الصادق (عليه السلام) في جواب مفضل بن عمر الذي هو من خواص صحبه الكرام فإنه (عليه السلام) بعد ما بين له منافع حواس الإنسان ومضار فقدها بأحسن بيان، قال المفضل: فقلت: فلم صار بعض الناس يفقد شيئا من هذه الجوارح فيناله في ذلك مثل ما وصفته يا مولاي؟ قال (عليه السلام): ذلك للتأديب والموعظة، لمن يحل ذلك به ولغيره بسببه، كما قد يؤدب الملوك الناس للتنكيل والموعظة فلا ينكر ذلك عليهم، بل يحمد من رأيهم، ويصوب من تدبيرهم ثم إن للذين تنزل بهم هذه البلايا من الثواب بعد الموت، إن شكروا وأنابوا ما يستصغرون معه ما ينالهم منها، حتى إنهم لو خيروا بعد الموت لاختاروا أن يردوا إلى البلايا ليزدادوا من الثواب، الخبر.
ويمكن أن يقرر الجواب بوجه آخر فيقال: إن الله (عزَّ وجلَّ)، قد قدر بمقتضى حكمه ابتلاء هؤلاء الأولاد بمصائب وبليات، لكن قد جعل اندفاع تلك البلايا عنهم موقوفا على صدور بعض الأفعال عن آبائهم وأمهاتهم، أو صدور بعض الأفعال عنهم، فلما لم يقع الشرط، جرى التقدير الإلهي فابتلاؤهم في الحقيقة لم يكن مجازاة بأعمال آبائهم وأمهاتهم، حتى يتوجه الإشكال المذكور، بل بحسب المصالح الواقعية الثابتة في كل أمر مقدور وهذا مما استفدناه من بعض خصيصي الأصحاب، فتح الله له الخير في كل باب.
الأمر الثاني: مما يستفاد من ذاك الحديث الشريف هو وقوع البداء في بعض المقدرات، ويدل عليه أيضا كثير من الروايات، بل هو من جملة الضروريات عند الإمامية، بل هو مما يعرفون بالاعتقاد به عند مخالفيهم، وذكر هذه المسألة تفصيلا خارج عما نحن بصدده، فلنذكر خلاصة ما استفدناه من الأخبار وكلام العلماء الأخيار.
فنقول: إن المراد بالبداء هو أن يقدر الله (عزَّ وجلَّ) شيئا، ثم يقدر خلافه. وهذا أمر ممكن عقلا، وواقع نقلا، لعموم قدرته تعالى ودوام قدرته، ولدلالة الآيات القرآنية، والأخبار المتواترة. وإنما أنكره المخالفون زعما منهم أن ذلك يستلزم أن يكون الله (عزَّ وجلَّ) جاهلا بالأمر الثاني غافلا عن مصلحته، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
- ولهذا ورد في رد زعمهم هذا في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما بدا لله في شيء إلا كان في علمه قبل أن يبدو له، وفي معناه أخبار عديدة مروية في أصول الكافي(998) وتوحيد الصدوق(999) والبحار وغيرها.
وتحقيق الكلام في ذلك بحيث يرتفع غواشي الأوهام عن وجوه الأفهام أن يقال: إن الأمور كما ورد في الأخبار على قسمين: محتومة وموقوفة، والمراد بالمحتومة ما لا يكون تحققها وجودا أو عدما موقوفا على شيء، بل قضاها الله تعالى وأمضاها، وحتمها، وبالموقوفة ما يكون وجودها أو عدمها موقوفا في علم الله تعالى على حصول شيء أو انتفاء شيء.
وهذا القسم أيضا على قسمين:
أحدهما: ما بين الله تعالى لأنبيائه أو ملائكته أو أوليائه (عليهم السلام) كونه موقوفا.
والثاني: ما لم يبين لهم ذلك، بل هو محتوم في نظرهم وعلمهم، ولكنه موقوف في علم الله (عزَّ وجلَّ)، والبداء الذي نقول به ودلت عليه الروايات المروية عن أئمتنا (عليهم السلام)، إنما هو في هذين القسمين، دون القسم الأول، وهذا كما ترى لا يستلزم جهلا لله سبحانه، ومثال ذلك: أن يقدر الله سبحانه أن يعيش زيد عشرين سنة إن لم يصل رحمه، ويعيش ثلاثين سنة إن وصل رحمه فإنه تعالى قدر العشرين فإذا عمل زيد بالشرط الموقوف عليه زيد في عمره عشر سنين، فزيادة العشر بداء في تقدير العشرين والله تعالى كان عالما بذلك من أزل الآزال، لكن في ذلك التوقيف حكم جليلة لتقدير الخالق المتعال، فظهور ما قدره الله تعالى مشروطا عند تحقق شرطه - وقد خفي علينا - يسمى بداء، فتدبر.
وبهذا البيان: اتضح وجه الجمع بين طوائف من الأخبار:
- منها: ما دل على أن البداء لا يقع فيما يصل علمه إلى الأنبياء مثل ما روي في أصول الكافي(1000) عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: العلم علمان فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحد من خلقه وعلم علمه ملائكته ورسله. فما علمه ملائكته ورسله، فإنه سيكون، ولا يكذب نفسه، ولا ملائكته ولا رسله، وعلم عنده مخزون، يقدم منه ما يشاء ويثبت ما يشاء.
ومنها: ما دل على وقوع البداء، فيما يصل علمه إلى الملائكة والأنبياء أيضا مثل إخبار عيسى بموت المرأة التي كانت تزف إلى زوجها، ثم لم تمت وظهر خلافه وإخبار ملك الموت داود بموت شاب جالس عنده بعد سبعة أيام، ثم لم يمت، وزاد الله في أجله ثلاثين سنة لرحمة داود لهذا الشاب، وإخبار الله تعالى نوحا بهلاك قومه مرات ثم أخر ذلك وإخباره (عزَّ وجلَّ) نبيه يونس بهلاك قومه في اليوم المعين، ثم تاب الله عليهم، إلى غير ذلك.
ووجه الجمع بين الطائفتين أن يكون المراد بما ذكره مولانا الصادق (عليه السلام) في الرواية السابقة أن يخبر الله (عزَّ وجلَّ) نبيه بوقوع أمر ويخبره بأنه من المحتوم الذي لا يغير، مثل الأخبار الواردة في خروج السفياني الملعون، قبل قيام القائم عجل الله تعالى فرجه.
ويكون المراد بالطائفة الثانية أن يخبر الله تعالى نبيه مثلا بأمر، ولم يبين له كون ذلك محتوما أو موقوفا في علم الله تعالى على شيء فهذا الأمر ظاهره يكون محتوما، إذ لم يبين له كونه موقوفا فيمكن أن يقع فيه البداء، لكونه موقوفا عند الله (عزَّ وجلَّ) على أمر يظهره للنبي بل هو مخزون عنده ولا يستلزم وقوع خلافه كذبا ولا تكذيبا.
وبهذا الوجه جمع الشيخ (ره) بين تلك الأخبار واستقربه المجلسي (ره) في كتابيه المرآة والبحار.
أقول: ويشهد للجمع المذكور عدة روايات:
- منها ما عن الاحتجاج(1001) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال: لولا آية من كتاب الله لأخبرتكم بما كان، وبما يكون، وبما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية: ﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب﴾.
- وفي رواية أخرى(1002) عن الرضا (عليه السلام) قال: قال أبو عبد الله وأبو جعفر وعلي بن الحسين، والحسين بن علي، والحسن بن علي، وعلي بن أبي طالب: والله لولا آية في كتاب الله لحدثناكم بما يكون إلى أن تقوم الساعة ﴿يمحو الله ما يشاء﴾ الآية.
واتضح بالبيان المذكور وجه الجمع بين طائفتين أخريين من الأخبار أيضا: إحداهما تدل على أن البداء لا يقع في المحتوم كما ذكرنا.
- مثل ما في البحار(1003) عن العياشي، عن الفضيل قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من الأمور أمور محتومة جائية لا محالة ومن الأمور أمور موقوفة عند الله، يقدم منها ما يشاء، ويمحو ما يشاء، ويثبت منها ما يشاء لم يطلع على ذلك أحدا - يعني الموقوفة - فأما ما جاءت به الرسل، فهي كائنة لا يكذب نفسه، ولا نبيه، ولا ملائكته.
- والأخرى تدل على وقوع البداء في المحتوم أيضا مثل ما في غيبة الشيخ النعماني(1004) بإسناده عن أبي هاشم داود بن قاسم الجعفري قال: كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام)، فجرى ذكر السفياني، وما جاء في الرواية، من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): هل يبدو لله في المحتوم؟ قال: نعم قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم، فقال: إن القائم من الميعاد، والله لا يخلف الميعاد.
ووجه الجمع، أن تكون الطائفة الأولى ناظرة إلى ما أخبر الله تعالى بحتميته فتغييره تكذيب لنفسه ولملائكته وأنبيائه والثانية ناظرة إلى ما لم يخبر الله تعالى بكونه محتوما ولا بكونه موقوفا فله المشيئة في ذلك إلا أن الإخبار بشيء من دون بيان كونه موقوفا لما كان ظاهرا في الحتمية سمي محتوما.
وفي هذا الحديث أيضا إشعار بهذا المطلب، فإنه (عليه السلام) علل عدم وقوع البداء في أمر القائم (عليه السلام)، بكونه من الميعاد، والله سبحانه صرح بأنه لا يخلف الميعاد.
والحاصل: أن المراد بالمحتوم في هذا الخبر هو ما كان محتوما بحسب ظاهر الأخبار لعدم بيان كونه موقوفا على شيء فتغييره مما لا ضير فيه، والمراد بالمحتوم الذي لا يقع فيه البداء هو ما صرح بحتميته، وأنه لا يتغير ولا يتبدل، فتبديله تكذيب لنفسه ولأنبيائه، وملائكته، وهذا مما ألهمني الله سبحانه ببركة مولاي صاحب الزمان (عليه السلام) ولم أعثر على من سبقني إليه.
ثم إن بعض المحدثين قد جمع بين هذا الخبر والأخبار الدالة على أنه لا يقع البداء في المحتوم بنحو آخر لا يخلو عندي عن النظر والأولى أن ننقل كلامه بتمامه ثم نذكر ما يتوجه عليه بحسب النظر القاصر.
قال أعلى الله تعالى مقامه في أواخر الباب الحادي عشر من كتابه المسمى بالنجم الثاقب، ما ترجمته: وقد انقضى من عمره الشريف إلى الآن ألف وأربعون وعدة سنين، ولا تبديل ولا تغيير فيه ما بقي شيء مما جاء عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) من الآيات والعلامات التي تكون قبل ظهوره ومع ظهوره، وهي جميعها قابلة للتغيير والتبديل والتقديم والتأخير والتأويل بشيء آخر، حتى تلك التي عدت في الحتميات، فإن المقصود من المحتوم في تلك الأخبار - على الظاهر - ليس أنها غير قابل للتغيير أبدا، بل الظاهر منه ما قالوه (عليهم السلام) بما يأتي - والله العالم - بأنه مرتبة من التأكيد بما لا ينافي التغير في مرحلة من مراحل وجودها.
ويؤيد ذلك ما رواه الشيخ النعماني في غيبته عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال:
أقول: إن هذا الكلام قابل للمناقشة من وجوه:
الأول: إن الجزم بكون جميع العوالم قابلة للتغيير ينافي الروايات الكثيرة بل المتواترة المصرحة بكون بعضها من المحتوم الذي لا يتغير ولا يتبدل.
- منها ما رواه النعماني(1005) في كتابه عن عبد الملك بن أعين، قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فجرى ذكر القائم (عليه السلام)، فقلت له: أرجو أن يكون عاجلا، ولا يكون سفياني فقال (عليه السلام) لا والله إنه لمن المحتوم الذي لا بد منه.
- ومنها: ما رواه النعماني (ره) أيضا(1006) بإسناده عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿فقضى أجلا وأجل مسمى عنده﴾ فقال: إنهما أجلان أجل محتوم، وأجل موقوف فقال له حمران: ما المحتوم؟ قال (عليه السلام) الذي لا يكون غيره قال وما الموقوف؟ قال (عليه السلام) الذي لله فيه المشيئة قال حمران: إني لأرجو أن يكون أجل السفياني من الموقوف فقال أبو جعفر (عليه السلام): لا والله، إنه لمن المحتوم.
- ومنها ما رواه أيضا(1007) عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام): إن من الأمور أمورا موقوفة، وأمورا محتومة، وإن السفياني من المحتوم الذي لا بد منه.
- ومنها: ما رواه بإسناده عن خلاد الصائغ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: السفياني لا بد منه.
- ومنها ما رواه الصدوق في كمال الدين(1008) بإسناده عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: إن خروج السفياني من الأمر المحتوم؟ وقتل النفس الزكية من المحتوم وخروج القائم من المحتوم.. الخبر.
- ومنها: ما في البحار(1009) عن قرب الإسناد بإسناده عن علي بن أسباط، قال: قلت لأبي الحسن: جعلت فداك إن ثعلبة بن ميمون حدثني عن علي بن المغيرة عن زيد القمي، عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال يقوم قائمنا لموافاة الناس سنة قال يقوم القائم بلا سفياني؟ إن أمر القائم (عليه السلام) حتم من الله، وأمر السفياني حتم من الله، ولا يكون قائم إلا بسفياني قلت: جعلت فداك، فيكون في هذه السنة؟ قال: ما شاء الله، قلت: يكون في التي يليها؟ قال (عليه السلام) يفعل الله ما يشاء.
- ومنها: ما في البحار(1010) أيضا عن غيبة الشيخ بإسناده عن محمد بن مسلم، قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن السفياني يملك بعد ظهوره على الكور الخمس حمل امرأة، ثم قال أستغفر الله حمل جمل وهو من الأمر المحتوم، الذي لا بد منه، إلى غير ذلك من الأخبار المصرحة بكون السفياني، وبعض آخر من العلامات من المحتومات، التي لا تتغير ولا تتبدل.
فالحكم بكون جميع العلامات المروية قابلة للتغيير، وتأويل تلك الروايات بما سمعت في كلامه اجتهاد في قبال النص.
الثاني: إن تغيير جميع العلائم يستلزم نقض الغرض، وهو محال على الله عز اسمه لأن الغرض من جعل العلائم ونصب الدلائل أن يعرف الناس بذلك إمامهم الغائب صلوات الله عليه وعجل الله فرجه ولا يتبعوا كل من يدعي ذلك كذبا فإذا تبدل جميع العلامات، ولم يظهر لهم شيء منها لزم نقض الغرض، وهو محال.
والدليل على كون نصب العلائم لمعرفة الإمام القائم مضافا إلى أن ذلك هو الغرض العقلائي من نصب العلامة، وإلا فنصب العلامة أمر لغو.
- منها: قول الصادق (عليه السلام): اسكنوا ما سكنت السماء والأرض.
- وقول الرضا (عليه السلام): إنما عنى أبو عبد الله بقوله ما سكنت السماء من النداء باسم صاحبك وما سكنت الأرض من الخسف بالجيش، إلى غير ذلك مما يوجب ذكره التطويل، والروايات مذكورة في النعماني وكمال الدين والبحار(1011) وغيرها من كتب الأخبار.
الثالث: إن تغيير العلامات المصرحة بحتميتها يوجب إضلال الناس وإغراءهم بالجهل، كما لا يخفى، لأنها كما عرفت إنما جعلت علامة لمعرفة القائم.
فإن قلت: يمكن الجواب عن هذه المناقشة بأن الإضلال إنما يلزم لو كان طريق معرفته منحصرا في ظهور العلائم الآفاقية وليس كذلك بل يمكن معرفته بمشاهدة العلائم النفسية الشخصية، وإظهاره المعجزات الباهرة، والدلالات الظاهرة التي لا تصدر إلا عن الإمام (عليه السلام).
- ويؤيد ذلك ما رواه ثقة الإسلام الكليني في أصول الكافي(1012) بإسناده عن مفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: لصاحب هذا الأمر غيبتان، إحداهما يرجع منها إلى أهله، والأخرى يقال هلك، في أي واد سلك قلت كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: إذا ادعاها مدع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله.
- ورواه الشيخ النعماني(1013) هكذا: إن ادعاها مدع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله.
قلنا: إن المعرفة بنحو ما ذكر لا تتيسر لجميع أهل العالم، مثل أكثر النساء والذين يكونون في البلاد البعيدة، مع أن الظاهر من الروايات الكثيرة أن أمر ظهور مولانا القائم (عليه السلام) من الأمور التي وعد الله إظهاره وإعلانه على جميع أهل الدنيا لخفي الأمر على كثير من الناس، إلا بعد زمان طويل وما ذكرناه واضح لأهل التتبع والتحصيل.
الرابع: إن تغيير العلامات التي صرح بكونها محتومة، أو نفيها، يستلزم أن يكذب الله (عزَّ وجلَّ) نفسه، وملائكته، وأنبياءه وأولياءه كما مضى في الحديث، ولا ريب عند أحد في قبح ذلك.
الخامس: إن ما ذكرنا من لزوم نقض الغرض في تغيير العلامات المحتومة وتبديلها، يلزم في تأويلها أيضا، إذ لا ريب في أن المقصود، وهو معرفة العباد بالإمام، إنما يحصل بنصب علامات ظاهرة يطلع عليها كل أحد، وظهور تلك العلامات على طبق ما أخبروا به، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة فبيان العلامة بنحو يفهم منه أهل اللسان شيئا، ثم إرادة غير ما هو الظاهر، ليس إلا إغراء بالجهل، وإضلالا للناس بل هو مما يحكم بقبحه العقل كما لا خفاء فيه.
نعم يمكن أن يريد المتكلم غير ما هو ظاهر اللفظ، بشرط أن يبين للمخاطبين مراده، أو ينصب لهم قرينة واضحة، لا يتأملون في فهم مراده من تلك القرينة، والدلالة الواضحة لكن بين هذا وبين حمل تمام تلك العلامات المروية حتى ما صرح بحتميتها مع عدم دلالة واضحة، وقرينة ظاهرة، على قابليتها للتأويل، كما بين السماء والأرض!! بل لو انفتح هذا الباب، لكان لأهل الضلال والإضلال أقوى إسناد وأوسع مجال فيؤولون ما ورد عن الأئمة (عليهم السلام) في ذكر العلامات على ما تشتهيه أنفسهم من التأويلات عصمنا الله تعالى وجميع المؤمنين عن جميع الزلات والخطيئات والتسويلات.
السادس: إن حمل المحتوم على ما فيه، نوع تأكيد وصرفه عن معناه الحقيقي السديد كما وقع في كلام هذا العالم الرشيد مما لا شاهد له ولا تأييد، والله على ما نقول شهيد.
كيف: ولو وجد له شاهدا لذكره في هذا المقام فإنه من مزال الأقدام والله تعالى هو العاصم وهو ولي الإنعام وإنما ذكرت هذه الجملة، لئلا يقع من يطلع على كتابنا في تلك الشبهة.
الأمر الثالث: مما يستفاد من الخبر المذكور، أن ظهور مولانا صاحب الزمان من الأمور القابلة للتقدم والتأخر، بسبب بعض الأسباب، وأن من جملة الأسباب المقتضية لتقدمه اهتمام المؤمنين في الدعاء له، وطلب تعجيل فرجه من الخالق القادر المتعال وقد قدمنا بعض ما يدل على ذلك، في حرف الغين المعجمة، من الباب الرابع فمن قصده فليراجع.
وربما يستبعد بعض من لا تحصيل له استباق وقوع الفرج، والظهور بسبب الاهتمام في هذا العمل المشكور، نظرا إلى عدم وقوع ظهوره إلى الآن، مع كثرة دعاء أهل الإيمان في كل مكان وزمان.
وهذا استبعاد ردئ، وكلام شخص غبي، إذ لا بعد في أن يكون لظهوره وقتان في علم الله سبحانه أحدهما أقرب، والآخر أبعد ويكون ظهوره في الزمان الأقرب مشروطا باهتمام المؤمنين وإكثارهم من الدعاء بتعجيل فرجه وتقريب ظهوره وهذا معنى كون ظهوره من الأمور البدائية، التي تقبل التقديم والتأخير ودلالة الروايات المروية عن الأئمة (عليهم السلام) على هذا المرام غير خفية على من كان له تتبع تام وهذا الوقت الأقرب لما يجيء إلى الآن فإنكار تأثير الدعاء مما يذوده البرهان لأنه قد دل على تأثيره صريح القرآن، في كل ما يكون تحققه في بقعة الإمكان وإمكان تقدم ظهور صاحب الزمان، وقربه بدعاء أهل الإيمان، مما دلت عليه الأحاديث المروية، عن أهل الذكر والتبيان.
المكرمة الثالثة والعشرون
أن الدعاء بتعجيل فرج مولانا الغائب عن الأبصار أسوة بالنبي المختار والأئمة الأطهار صلوات الله عليهم ما أظلم الليل وأضاء النهار كما يظهر لك إن شاء الله تعالى مما نذكره في الباب السادس والسابع من الأخبار ونكتفي هنا بذكر حديث واحد لأهل الاعتبار.
- روى الشيخ النعماني في كتاب الغيبة(1014) بإسناده عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كان ليلة الجمعة، أهبط الرب تعالى ملكا إلى سماء الدنيا فإذا طلع الفجر، جلس ذلك الملك على العرش، فوق البيت المعمور، ونصب لمحمد وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) منابر من نور، فيصعدون عليها وتجمع لهم الملائكة، والنبيون والمؤمنون، وتفتح أبواب السماء، فإذا زالت الشمس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رب ميعادك الذي وعدت في كتابك، وهو هذه الآية ﴿وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا﴾(1015) ويقول الملائكة والنبيون مثل ذلك، ثم يخر محمد وعلي والحسن والحسين سجدا، ثم يقولون: يا رب اغضب! فإنه قد هتك حريمك، وقتل أصفياؤك، وأذل عبادك الصالحون فيفعل الله ما يشاء وذلك يوم معلوم.
تنبيه
ذهب جمع من علماء الرجال إلى أن يونس بن ظبيان ضعيف كذاب غال، وتوقف فيه بعض آخر، والأقوى تبعا للعالم المحقق النوري، أنه ثقة جليل، بل من أصحاب الأسرار، كما يظهر من عدة من الأخبار وإن شئت تفصيل القول في ذلك، فارجع إلى ما ذكره المحقق المذكور، في المجلد الثالث من كتابه مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ففيه ما يشفي العليل ويروي الغليل جزاه الله تعالى عن الإسلام وأهله الجزاء الجميل، وهدانا إلى أوضح سبيل.
وههنا إشكال، ربما يسبق إلى بعض الأوهام وهو أنه لا ريب في أن شروط الإجابة موجودة في دعاء النبي والأئمة والملائكة والأنبياء العظام، فإذا كانوا في كل جمعة داعين بتعجيل ظهور المنتقم من أعدائهم، فما السبب في تأخير ذلك! وأي فائدة لدعائهم!
والجواب عنه من وجوه:
الأول: ما ذكرناه في المكرمة السابقة، من أنه لا يستبعد أن يكون لظهوره صلوات الله عليه وقتان عند الله (عزَّ وجلَّ) أحدهما أقرب من الآخر، ويكون وقوعه في الوقت الأقرب موقوفا على اهتمامهم في الدعاء له فترك الدعاء يوجب التأخير عنه كما أن الاهتمام في ذلك يوجب وقوعه فيه.
الثاني: أن يقال: إن الله (عزَّ وجلَّ) قد استجاب دعاءهم لكن لا ريب في أن وقوع ذلك موقوف بحسب الحكم الإلهية على تحقق أمور وانتفاء أمور أخرى وهذه الأمور تجري وتتحقق تدريجا فتأخير الظهور إلى زماننا هذا وما بعده لا يدل على عدم استجابة الدعاء.
الثالث: أنه يمكن أن يقدر بسبب دعائهم (عليهم السلام) وقوع الفرج في زمان قريب، ثم يمنع مانع بسبب أعمال العباد يوجب تأخيره وهذا معنى كونه من الأمور البدائية، ونظيره في الأحاديث غير عزيز لا يخفى على المتتبع.
- مثل ما ورد أن العبد يدعو فيقدر استجابة دعائه في وقت، ثم يعصي فيقول تعالى (للملائكة ما معناه): أخروا قضاء حاجته، لأنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني.
- وفي عدة من الكتب كالنعماني والطوسي(1016) والبحار بأسانيدهم عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن عليا (عليه السلام) كان يقول إلى السبعين بلاء وكان يقول بعد البلاء رخاء وقد مضت السبعون ولم نر رخاء! فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا ثابت إن الله تعالى كان وقت هذا الأمر في السبعين فلما قتل الحسين اشتد غضب الله على أهل الأرض فأخره إلى أربعين ومائة سنة فحدثناكم فأذعتم الحديث وكشفتم قناع الستر فأخره الله ولم يجعل له بعد ذلك وقتا عندنا ﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب﴾.
المكرمة الرابعة والعشرون
أنه يحصل بالدعاء لفرج مولانا صاحب الزمان الوفاء بعهد الله، المأخوذ عن أهل الإيمان. وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في أمور.
الأول: أنه لا ريب بمقتضى الكتاب الكريم، وحكم العقل السليم في وجوب الوفاء بعهد الله تعالى وكفى في ذلك قوله (عزَّ وجلَّ) ﴿أوفوا بعهدي أوف بعهدكم﴾(1017) وقوله تعالى:
﴿أوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا﴾(1018) وقوله تعالى: ﴿أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق﴾(1019) وقوله تعالى: ﴿والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار﴾(1020).
الثاني: أنه قد ورد في عدة من الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) تفسير العهد بولاية الأئمة (عليهم السلام).
- ففي الكافي(1021) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ونحن ذمة الله، ونحن عهد الله، فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله، ومن خفرها فقد خفر ذمة الله وعهده.
- وفي مرآة الأنوار(1022) عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا﴾(1023) أي: إلا من دان الله بولاية علي (عليه السلام) والأئمة من بعده فهو العهد عند الله.
- وفيه عن كنز الفوائد، عنه (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا﴾(1024) قال: العهد ما أخذه النبي (صلى الله عليه وآله) على الناس في مودتنا وطاعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، الخبر إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
والظاهر أن ذكر ذلك بالخصوص لبيان أهم الأفراد وأعظمها لا تخصيص أدلة الوفاء بهذا العهد المخصوص والله العالم.
الثالث: أن الوفاء بالعهد المذكور يحصل بستة أمور:
أحدها: اليقين القلبي بإمامتهم وولايتهم، والتسليم لهم في كل ما ورد عنهم.
وثانيها: المودة القلبية لهم.
وثالثها: بغض أعدائهم ومن تقدم عليهم.
ورابعها: إطاعتهم واتباعهم في جميع ما أمروا به، ونهوا عنه.
وخامسها: إظهار الاعتقاد القلبي المذكور باللسان والأركان بقدر الإمكان.
وسادسها: نصرهم في جميع الأحوال على حسب ما يقتضيه الحال وهذه العناوين الستة تتحقق في الدعاء لمولانا صاحب الزمان، ومسألة تعجيل فرجه وظهوره من القادر المنان وهذا واضح لا يحتاج إلى البيان.
المكرمة الخامسة والعشرون
ما يترتب على بر الوالدين من الفوائد والمكارم الدنيوية والأخروية، لما نبهنا عليه في الباب الثالث من أن الإمام هو الوالد الحقيقي لجميع الأنام، فمن ظلمه فقد عق والده الحقيقي، ومن بره فاز بجميع ما يترتب على البر بالوالد الظاهري ولا ريب في أن الوالد الحقيقي أعظم حقا وأرفع شأنا، وأولى بالإحسان من الوالد الظاهري النسبي للإنسان.
- ويدل على ذلك مضافا إلى دلالة العقل السليم عن شوائب الأوهام ما ورد في حديث طويل مروي عن تفسير الإمام فإنه قال: ولحقنا أعظم عليكم من حق أبوي ولادتكم فإنا منقذوكم إن أطعتمونا من النار إلى دار القرار، الخبر(1025) كما أنه لا ريب في كون الدعاء للوالد خصوصا مع أمره بذلك من أوضح أنواع البر وأعظمها وأنفعها.
وأما ذكر ما يترتب على البر بالوالدين من أنواع الخير والثواب فهو خارج عما وضع له هذا الكتاب فمن أراده فليرجع إلى كتب الأصحاب، مثل الكافي(1026) والبحار وغيرهما من كتب الأخبار.
المكرمة السادسة والعشرون: ما يترتب على رعاية الأمانة
- إن الإمام الأمانة الإلهية كما ورد في زيارة الجامعة(1027): أنتم السبيل الأعظم والصراط الأقوم وشهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء. والرحمة الموصولة، والآية المخزونة والأمانة المحفوظة، الخ.
قال الشيخ أبو الحسن الشريف (ره) في كتاب مرآة الأنوار(1028) ومشكاة الأسرار: وأما الأمانة، فقد ورد تأويلها بهم (عليهم السلام)، وولايتهم وإمامتهم فلكل موضع ما يناسبه.
- ففي بعض الأخبار أن الأئمة الأمانة المستودعة وأن الله استودعهم أولياءه المؤمنين في أرضه.
- وفي بعض الزيارات أشهد... أنكم(1029) الأمانة المحفوظة قال: والظاهر أن المراد وجوب مراعاتهم، وموالاتهم وإطاعتهم، وترك ما لا يرضيهم كما ورد في حديث الثقلين(1030) المشهور بين العامة والخاصة.
- وفي بعض الزيارات(1031): أنتم أمانات النبوة أي من النبي (صلى الله عليه وآله).
- وفي تفسير فرات(1032): عن الباقر (عليه السلام) قال (عليه السلام): نحن الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال. إنتهى ما أردت نقله.
- أقول: وفي رواية أخرى(1033) عن الصادق (عليه السلام) قال (ما معناه): إن الله (عزَّ وجلَّ) عرض أرواح الأئمة على السماوات والأرض والجبال فغشيها نورهم وقال في فضلهم ما قال، الخبر.
ومجمل الكلام أن يقال لا ريب في أن رعاية الأمانات واجبة بحكم العقل والآيات والروايات كما أنه لا ريب في اختلاف أنواع الرعايات بالنسبة إلى أصناف الأمانات فرعاية كل أمانة بحسبها ورعاية هذه الأمانة الإلهية تتحقق بإظهار المحبة والاجتهاد في النصرة والإطاعة وحيث إن هذه العناوين تتحقق بالمداومة والاجتهاد في الدعاء بتعجيل فرجه صلوات الله عليه فلا جرم يحصل به الرعاية لهذه الأمانة وهو المطلوب وإن شئت تفصيل الكلام في تنقيح هذا المرام، فنقول معتصما بالملك العلام ومتوسلا بالأئمة الكرام عليهم الصلاة والسلام:
إن الكلام في هذا المقام يقع في أمور:
الأول: في معنى الأمانة المحفوظة.
والثاني: في بيان وجوب حفظ الأمانة ورعايتها وأدائها إلى أهلها عقلا ونقلا.
والثالث: في بيان كيفية الرعاية لتلك الأمانة الإلهية.
والرابع: في بيان كون الدعاء لمولانا صاحب الزمان، وتعجيل فرجه من مصاديق الرعاية للأمانة الإلهية.
الأمر الأول
في بيان معنى الأمانة المحفوظة والمراد من حفظها.
اعلم أن هذه العبارة تحتمل اثني عشر وجها، يرجع كلها سوى الحادي عشر إلى أن الأئمة عليهم الصلاة والسلام هم الوديعة والأمانة الإلهية التي جعلها الله تعالى في حفظه ورعايته بجميع أنحاء الحفظ والرعاية، التي اقتضتها الحكمة الإلهية.
الأول: المحفوظة في جميع العوالم حتى ظهرت في آخر الزمان يعني أن هذه هي الأمانة التي حفظها الله تعالى في عالم الأنوار، والأرواح والأظلة والأشباح وفي عالم الدنيا، من حين خلق آدم إلى ظهور الخاتم، مع كثرة المعاندين والمبغضين لهذه الأمانة، ولحامليها في كل زمان، بحيث عزموا غير مرة على إعدامها حسدا منهم، من بعد ما تبين لهم الحق وأبى الله تعالى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وحاصل الكلام أنهم الأمانة الإلهية التي أنزلها الله تعالى من غيب قدسه إلى عباده نورا يستضيئون به، المحفوظة بالحفظ الإلهي المنيع، الذي لا يطاول ولا يحاول في كل من مقاماتهم وحالاتهم وانتقالاتهم، بحيث لم يتمكن أحد من معانديهم من إطفاء نورهم وإعدامهم حتى أظهرهم في آخر الزمان.
الثاني المحفوظة يعني حفظها الله (عزَّ وجلَّ) عن أقذار الجاهلية وأنجاسها وأدناس الضلالة وأرجاسها بأن لم يودعها إلا الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهرة فإن اعتقادنا كما عليه الإجماع بل الضرورة أن آباءهم الذين استودعوا تلك الأمانة الإلهية من الخاتم إلى آدم، كانوا بأجمعهم مؤمنين طاهرين، لم يشركوا بالله تعالى طرفة عين وكذلك أمهاتهم اللاتي استودعن تلك الأمانة كما في الزيارة " لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها ".
- وعن الصادق (عليه السلام)(1034) قال: إن الله كان إذ لا كان فخلق الكان والمكان وخلق الأنوار وخلق نور الأنوار الذي نورت منه الأنوار، وأجرى فيه من نوره الذي نورت منه الأنوار. وهو النور الذي خلق منه محمدا وعليا، فلم يزالا نورين أولين إذ لا شيء كون قبلهما، فلم يزالا يجريان طاهرين مطهرين في الأصلاب الطاهرة حتى افترقا في أطهر طاهرين في عبد الله وأبي طالب.
- وفي الاحتجاج(1035) عن الصادق (عليه السلام) في جواب مسائل الزنديق، قال (عليه السلام): وأخرج من آدم نسلا طاهرا طيبا، أخرج منه الأنبياء والرسل، هم صفوة الله وخالص الجوهر، طهروا في الأصلاب وحفظوا في الأرحام، ولم يصبهم سفاح الجاهلية ولا شاب أنسابهم لأن الله تعالى جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة وشرفا منه فمن كان خازن علم الله، وأمين غيبه، ومستودع سره، وحجة على خلقه، وترجمانه، ولسانه لا يكون إلا بهذه الصفة، فالحجة لا يكون إلا من نسلهم، يقوم مقام النبي (صلى الله عليه وآله) في الخلق، الخبر.
ولو أردنا ذكر ما ورد في هذا الباب لطال الكتاب.
قال الشيخ الصدوق رحمة الله تعالى عليه في اعتقاداته(1036): باب الاعتقاد في آباء النبي (صلى الله عليه وآله): اعتقادنا فيهم أنهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبد الله وأن أبا طالب كان مسلما وأمه آمنة بنت وهب كانت مسلمة.
- وقال النبي (صلى الله عليه وآله) خرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم (عليه السلام).
- وقد روي أن عبد المطلب كان حجة، وأبا طالب كان وصيه. إنتهى كلامه رفع مقامه.
الثالث: المحفوظة عن المعاصي والرذائل، فإنهم المعصومون الذين حفظهم الله تعالى، في جميع عمرهم عن جميع المعاصي والسيئات، وهذا عند الإمامية من الضروريات.
الرابع: المحفوظة عن الاتهام، ونسبة الخطاء والنقصان بحيث لم يقدر أحد من أعدائهم على أن ينسب إليهم نقيصة، أو ينكر لم فضيلة، بل اعترفوا بجلالتهم وفضيلتهم مع كثرة حسدهم، وعداوتهم للأئمة (عليهم السلام).
الخامس: المحفوظة التي لا ينالها أحد من الخلق كما في قوله تعالى: ﴿في لوح محفوظ﴾ والمراد على هذا المعنى عدم وقوف أحد من الخلائق على كنه معرفتهم، وحقيقة ذاتهم، وصفاتهم، وذلك لقصور من دونهم عن مرتبتهم ولا يمكن للناقص أن يحيط بحقيقة الكامل. ألا ترى أن الطفل الرضيع لا يقدر على الإحاطة بحقيقة أبيه وصفاته وخصوصياته بسبب قصوره ونقصانه، فكذلك سائر الخلق، لا يقدرون على الإحاطة بحقيقة الأئمة (عليهم السلام) وصفاتهم وخصائصهم، فيكون مطابقا لما في الزيارة الجامعة: " موالي لا أحصي ثناءكم ولا أبلغ من المدح كنهكم ومن الوصف قدركم " (الخ).
- وفي الحديث(1037) النبوي: يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وأنا.
- وفي أصول الكافي(1038) في حديث عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنه لا يقدر على صفة الله، فكما لا يقدر على صفة الله، كذلك لا يقدر على صفتنا، الخبر.
- وفيه(1039) بسند صحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سمعته يقول: إن الله (عزَّ وجلَّ) لا يوصف، وكيف يوصف، وقال في كتابه ﴿وما قدروا الله حق قدره﴾ فلا يوصف بقدره، إلا كان أعظم من ذلك. وإن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يوصف، وكيف يوصف عبد احتجب الله (عزَّ وجلَّ) بسبع! وجعل طاعته في الأرض كطاعته في السماء فقال: ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ ومن أطاع هذا فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني وفوض إليه وإنا لا نوصف، وكيف يوصف قوم رفع الله عنهم الرجس!! وهو الشك، والمؤمن لا يوصف، وإن المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه، فلا يزال الله ينظر إليهما، والذنوب تتحات عن وجوههما، كما يتحات الورق عن الشجر.
أقول: هذا الحديث من الأحاديث المشكلة، والذي ظهر لي بعد التأمل فيه أن المراد بيان استحالة إحاطة الخلائق بصفات الله، واستحالة إحاطة غير النبي بصفاته ومقاماته وحقيقته، واستحالة إحاطة غير الأئمة بصفاتهم، وحقيقتهم وشؤونهم، واستحالة إحاطة غير المؤمن بصفة المؤمن وشأنه وذلك لأن الناقص لا يمكنه الإحاطة بكنه الكامل لقصوره عن إدراك مقامه.
- ولهذا ورد في الحديث(1040) لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، وفي حديث(1041) آخر لكفره.
وبيان هذا المطلب بالنسبة إلى معرفة الذات للباري عز اسمه واضح، وأما بالنسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال (عليه السلام): كيف يوصف عبد احتجب الله (عزَّ وجلَّ) بسبع، الخ. فيمكن أن يكون المراد بالاحتجاب بسبع احتجاب النبي بالحجابات السبعة الإيمانية، الواردة في الروايات المروية في أصول الكافي(1042) يعني: لما كان النبي (صلى الله عليه وآله) كاملا في درجات الإيمان بالله تعالى، بحيث لم يكن أحد أعلى منه في الإيمان، لم يمكن لغيره وصفه، والإحاطة بكنهه وشأنه، لقصوره عن مقامه.
ويمكن أن يكون المراد بالسبع: السماوات السبع، يعني كيف يوصف عبد كان من رفعة شأنه وعلو مقامه أن رفعه الله إلى مقام لم يرفع إليه أحدا من خلقه، وعلى التقديرين فالمفعول به محذوف، وحذف المفعول به كثير جدا، ومنه قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر﴾.
هذا وقد قيل في معنى احتجب الله بسبع وجوه بعيدة، من أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى المجلد الثاني من مرآة العقول.
ثم قال (عليه السلام): وإنا لا نوصف، وكيف يوصف قوم رفع الله عنهم الرجس! وهو الشك.
أقول: هذا بيان لرفعة شأنهم، وقصور غيرهم عن الإحاطة بكنه معرفتهم: وذلك لأن كل مؤمن موقن غير الإمام لا يصل إلى مرتبة علم اليقين، إلا بعد طي ما دون تلك المرتبة من المراتب وتلك المراتب تلازم الشك نعني ما يقابل هذه المرتبة العالية، بخلاف الإمام فإن معرفته في مرتبة عين اليقين، من حين خلقه الله تعالى شأنه.
فمن هذه صفته، لا يحيط القاصر عن درجته بمقامه.
وأيضا إن الأئمة (عليهم السلام) هم مظاهر صفات الله (عزَّ وجلَّ)، فمن هذه صفته لا يشوب وجوده شائبة شك، أو وسوسة، أو خطرات قلب، في حال من الأحوال بخلاف من دونه، فلا يمكن لمن دونه الوصول إلى كنه معرفته، وحقيقة ذاته، وصفته.
وأما المؤمن فهكذا حاله بالنسبة إلى غيره، يعني أن غير المؤمن لم يبلغ درجة الإيمان، حتى يعرف مقام المؤمن، وكذا المؤمنون من كان مقامه دون مقام غيره من المؤمنين، كأبي ذر بالنسبة إلى سلمان مثلا، ومن كان في الدرجة الأولى من الإيمان، بالنسبة إلى من هو في الدرجة الثانية، لا يقدر على الإحاطة بمعرفة إيمان من فوقه، وإدراك مقامه.
وأما قوله (عليه السلام): وإن المؤمن ليلقى أخاه، الخ فهو إشارة إلى علو مقام المؤمن، وارتفاع شأنه، لا علة لسبب قصور غيره عن درك مقامه. كما لا يخفى فتأمل.
السادس: أن يكون المراد بالمحفوظة، التي حفظها المستودعون المستحفظون لهذه الأمانة الجليلة الإلهية في كل زمان، ونعني بهم أجداد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أبينا آدم (عليه السلام)، لأنهم عرفوا الواجب من حقها، فلم يؤدوها إلا إلى أهلها، أي الأرحام الطاهرة المطهرة النقية عن أدناس الشرك، وأرجاس الكفر، رغما لآناف المعاندين كما لا يخفى على من لاحظ تواريخ أحوال آبائه، من أبي عبد الله إلى أبي البشر صلوات الله عليهم أجمعين.
السابع: أن يكون المراد بالمحفوظة، التي حفظها المؤمنون، حيث جعلوها في قلوبهم، وحفظوا معرفتهم وشؤونهم في أفئدتهم، وحفظوا تلك الأمانة عن أذى المعاندين، بصون أسرارهم، وحسن التقية في محافل أغيارهم، فبذلك حفظوهم عن سوء مقاصد أعدائهم، وحفظوها عن الاندراس والانطماس، بذكر جميل ثنائهم عند شيعتهم وأحبائهم، وبذلوا أنفسهم ومهجهم، وأموالهم، وذراريهم لحفظهم، وحفظ ما يتعلق بهم.
- وهؤلاء هم الذين وصفهم الصادق (عليه السلام) (1) بقوله: " الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا، أفضل من ألف عابد "، وسنذكر جملة كافية من أخبار هذا الباب، في الباب الثامن من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
الثامن: أن يكون المراد بالمحفوظة، التي جعلها الله (عزَّ وجلَّ) في حفظه ورعايته فلا يقدر أحد من الخلق أن يخفض قدرهم، أو ينزلهم عن مراتبهم الخاصة، التي رتبهم الله تعالى فيها والشؤون والمقامات التي خصهم الله تعالى بها، فقد جهدت الجبابرة في إطفاء نورهم، وإخماد ذكرهم وأبى الله إلا أن يتم نوره.
والفرق بين هذا المعنى والمعنى الأول والرابع، أن المراد بالأول حفظها عن الانتفاء والانعدام، حين كانت مستودعة عند الأمهات الطاهرات، والآباء العظام، إذ قد عزم الأعداء والكهنة غير مرة على قتلهم، لأجل إعدام تلك الأمانة الإلهية، وبالرابع حفظها عن ألسنة المعاندين، والغاصبين لأن أئمتنا صلوات الله عليهم أجمعين، مع كثرة أعدائهم وغلبتهم في أطراف الأرض، لم يقدر أعداؤهم على أن ينسبوا إليهم سوءا، أو يجعلوا بأكاذيبهم لهم نقيصة.
نعم، قد كان جماعة من الناصبين لعنة الله عليهم أجمعين يسبونهم، ويشتمونهم ويلعنونهم من غير أن ينسبوهم إلى أمر شنيع، وهذا لا ينافي ما ذكرناه كما لا يخفى بل كان أعداؤهم يعترفون بفضلهم وجلالتهم، ويذعنون بعلو قدرهم ونبالتهم، كما اعترف الأول والثاني كرارا بفضل أمير المؤمنين (عليه السلام) وكذا معاوية، وكذا سائر الغاصبين بل كتب علمائهم
١ - رواه الكليني (ره) في أصول الكافي ١ / ٣٣ باب صفة العلم وفضله ح ٩ بسند حسن كالصحيح عن معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل راوية لحديثكم، يبث ذلك في الناس، ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم، ولعل عابدا من شيعتكم ليست له هذه الرواية، أيهما أفضل؟ قال: الراوية لحديثنا، يشد به قلوب شيعتنا، أفضل من ألف عابد.
وفي الكافي: ١ / 33 باب صفة العلم وفضله ح 8 بسند صحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد (انتهى).
ولعل اختلاف مراتب الفضل باعتبار اختلاف العلماء والعباد في مراتبهم ومنازلهم ويؤيده أنه (عليه السلام) بين في هذا الحديث النسبة بين العالم والعابد، وفي الحديث السابق النسبة بين الراوي والعابد فيفهم منهما أن راوي الحديث إذا كان عالما عاملا أفضل منه إذا لم يكن عالما (لمؤلفه).
مملوءة من فضائل الأئمة الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين.
والمراد بهذا المعنى الثامن حفظهم (عليهم السلام) عمن أراد حطهم عن مقامهم، كزيد بن الحسن، وعبد الله الأفطح، ومحمد بن عبد الله، الذي ادعى المهدوية، وجعفر الكذاب، الذي قصد الجلوس في مقر الإمامة، وأضرابهم الذين ادعوا المقام، الذي جعله الله لأئمتنا، تمنوا منزلتهم التي خصهم الله بها فقد أظهر الله تعالى كذب من نازعهم في هذا المقام وأظهر معجزاتهم وعلومهم وعلو شأنهم على الأنام حتى رجع وأرغم أنوف المفترين عند الخاص والعام.
التاسع: أن يكون المحفوظة بمعنى المخصوصة قال في القاموس(1043) احتفظه لنفسه خصها به. إنتهى فالمعنى أن الله (عزَّ وجلَّ) اصطنعهم لنفسه، وخصهم بكرامته وجعلهم في دار الدنيا أمانة عند خلقه.
- ويؤيد هذا الوجه ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): نحن صنائع ربنا، والخلق بعد صنائع لنا.
وفي التوقيع الشريف المروي في الاحتجاج(1044): صنائعنا، بدون اللام وقد مر معناه في الباب الثالث.
- ويؤيده أيضا الحديث القدسي(1045) المروي في بعض الكتب المعتبرة قال الله (عزَّ وجلَّ) مخاطبا لنبيه (صلى الله عليه وآله): خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي.
أقول: الذي يختلج بالبال في معنى هذا الحديث وجوه:
أحدها: أن الغرض الأولي الأصلي كان وجود محمد (صلى الله عليه وآله) فهو المقصود بالأصالة دون سائر المخلوقات، فلو لم يخلقه الله تعالى لم يخلق غيره.
والثاني: أن الله (عزَّ وجلَّ) خلق محمدا وآله (صلى الله عليه وآله)، لظهور قدرته وكمال علمه لأن كمال المصنوع يدل على كمال صانعه فظهور قدرة الله وعلمه بنحو الكمال تحقق بخلقه محمدا والآل. ثم خلق سائر المخلوقات لظهور شؤونهم وكمالاتهم وقدرهم صلوات الله عليهم أجمعين في جميع العوالم.
والثالث: أن الله تعالى خلق محمدا وآله صلوات الله عليهم أجمعين، وجعله واسطة في جميع الفيوضات والإفاضات، كما يدل على ذلك عبارات الزيارة الجامعة مضافا إلى سائر الأخبار المتضافرة، بحيث لا يصل فيض إلى شيء، إلا ببركتهم ووساطتهم، وحيث إن أعلى أنواع الفيض هو الوجود، فقد أوجد الله (عزَّ وجلَّ) جميع من سواهم ببركتهم ولولا ذلك لما أوجد الله تعالى أحدا.
- ويحتمل أن يكون هذا أيضا معنى قول الصادق (عليه السلام)، في الحديث المعروف المروي في أصول الكافي(1046): خلق الله المشيئة بنفسها، ثم خلق الأشياء بالمشيئة، بأن يكون المراد بالمشيئة الحقيقة المحمدية: فإن وجوده (صلى الله عليه وآله) مطلوب بنفسه وبالأصالة، وخلق الله سائر المخلوقات ببركته ووساطته.
واعلم أن هذه المعاني التسعة التي ذكرناها بناء على كون المراد بالأمانة: الأمانة الإلهية، يعني أن الله تعالى جعلهم أمانة عند خلقه، وتعدد المعاني إنما نشأ من تعدد أصناف الحفظ والمحفوظية، وهذا ليس من قبيل استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى واحد لأن الحفظ أمر كلي، تندرج فيه أصناف كثيرة، فمرجع جميع تلك المعاني أنهم (عليهم السلام) أمانة إلهية، حفظهم الله تعالى (عزَّ وجلَّ) بأنواع حفظه.
العاشر: أن يكون المراد بالأمانة الأمانة النبوية، يعني أن النبي (صلى الله عليه وآله) جعلهم أمانة عند أمته إلى يوم القيامة، وحفظها، وأمر بحفظها، وأوجب عليهم حفظها ورعايتها، بما يتمكنون منه أبدا.
- ويشهد لذلك الحديث المتفق عليه بين الفريقين إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي الخ.
وهذه الوجوه العشرة مما ألهمني الله تعالى ببركة العترة الطاهرة، جعلني الله معهم في الدنيا والآخرة.
الحادي عشر: ما ذكره بعض العلماء وهو أن يكون المراد بالأمانة الولاية الكلية، والمرتبة الرفيعة، التي جعلها الله تعالى لهم وخصهم بها كما ورد في عدة من الروايات، وهم حملتها، فيكون التعبير عنهم بالأمانة مجازا بقرينة الحال والمحل.
الثاني عشر: ما احتمله بعض أصحابنا، وهو أن يكونوا هم المراد بالأمانة ويكون معنى المحفوظة، المحفوظة عن التغير والفناء الذي جعله لجميع الأشياء.
أقول: ويؤيد هذا الاحتمال قول الخالق المتعال ﴿كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام﴾: بضميمة الأخبار المصرحة بأنهم وجه الله.
- منها: ما في البرهان(1047) عن الكافي بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: نحن وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم.
- وفيه(1048) منه عن الصادق (عليه السلام) مسندا قال: إن الله خلقنا فأحسن خلقنا، وصورنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ووجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يدل عليه وخزانه في سمائه وأرضه بنا أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء، وينبت عشب الأرض وبعبادتنا عبد الله، ولولا نحن ما عبد الله.
أقول: قوله (عليه السلام) بعبادتنا عبد الله (الخ) يحتمل معنيين:
أحدهما: أن أحدا من الخلق لم يعبد الله (عزَّ وجلَّ) كما ينبغي مثل عبادتهم، لأن معرفتهم بالله تعالى أكمل من معرفة من سواهم، فكذا عبادتهم لأن كمال العبادة فرع كمال المعرفة فلولاهم ما عبد الله. وحاصل هذا المعنى حصر العبادة الكاملة لله تعالى في عبادتهم صلوات الله عليهم.
الثاني: أنهم (عليهم السلام) علموا العباد في جميع العوالم طريق الطاعة، وكيفية العبادة حتى إن الملائكة تعلموا منهم التسبيح والتهليل. كما مر في حديث نبوي (صلى الله عليه وآله) في الباب الثالث، فكان عبادتهم سبب لعبادة غيرهم، فبعبادتهم عبد الله، وبدلالتهم عرف الله.
- ويؤيد هذا المعنى ما رواه الصدوق في كتاب التوحيد(1049) عن الصادق أنه قال لابن أبي يعفور: يا بن أبي يعفور نحن حجة الله في عباده، وشهداؤه على خلقه وأمناؤه على وحيه، وخزانه على علمه، ووجهه الذي يؤتى منه، وعينه في بريته، ولسانه الناطق، وقلبه الواعي، وبابه الذي يدل عليه، نحن العاملون بأمره، والداعون إلى سبيله بنا عرف الله، وبنا عبد الله، نحن الأدلاء على الله، ولولانا ما عبد الله.
تذنيب
ظاهر قوله تعالى: ﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾ بضميمة الأخبار المصرحة بأن محمدا وآله المعصومين (عليهم السلام) المراد بوجه الله، وبعض آخر من الأخبار يدل على فناء جميع الأشياء عند نفخ الصور، حتى الأرواح إلا أرواح محمد وآله المعصومين، صلوات الله عليهم أجمعين وقد ذهب إلى هذا القول بعض علمائنا (ره).
ونسب العلامة المجلسي (ره) في البحار(1050) القول بفناء جميع المخلوقات عند انقضاء العالم إلى جماعة من المتكلمين.
وذهب جماعة إلى بقاء الأرواح مطلقا والأحوط إيكال علم ذلك إلى الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، لأنه من المسائل الأصولية، وليس في المقام دليل قطعي يوجب الجزم بأحد من الطرفين.
- ومما يدل على الأول، ما في الاحتجاج(1051) عن الصادق في جواب مسائل الزنديق حيث سأله أيتلاشى الروح بعد خروجه من قالبه أم هو باق؟ قال (عليه السلام): بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى، فلا حس ولا محسوس، ثم أعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها وذلك بعد أربعمائة سنة نشأت فيها الخلق وذلك بين النفختين الخبر.
- وفي نهج البلاغة(1052) في بعض خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: وإنه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه. كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها، بلا وقت، ولا مكان، ولا حين، ولا زمان، عدمت عند ذلك الآجال والأوقات، وزالت السنون والساعات، فلا شيء إلا الواحد القهار، (الخ).
الأمر الثاني
في بيان وجوب حفظ الأمانة ورعايتها، وأدائها إلى أهلها، عقلا ونقلا.
أما العقل: فلأن ترك حفظ الأمانة والمسامحة في رعايتها ظلم في نظر العقل، وقبح الظلم من البديهيات عند العقلاء كما لا يخفى.
وأما الكتاب الكريم، فقوله تعالى(1053): ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾ وقوله تعالى: ﴿والذين لأماناتهم وعهدهم راعون﴾(1054) وقوله تعالى: ﴿لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم﴾(1055) الآية.
وأما الأخبار فكثيرة مذكورة في مظانها.
الأمر الثالث
في بيان كيفية الرعاية لتلك الأمانة الإلهية فنقول: إن ذلك يحصل بأمور:
منها: المحبة لهم (عليهم السلام) في القلب، والاعتقاد بولايتهم، ووجوب إطاعتهم وهذه الرعاية القلبية التي لا عذر لأحد في تركها في حال من الأحوال.
ومنها: التمسك بملازمتهم ومتابعتهم صلوات الله عليهم في كل ما أمروا به أو نهوا عنه والتأسي بهم وهذا هو الغرض من نصب الإمام (عليه السلام).
ومنها: بذل الوسع فيما يحصل به دفع الأذى عنهم ويكون مقدمة لحفظهم أو حفظ أعراضهم وأسرارهم وأهلهم ومالهم وأولادهم وشيعتهم وكل ما يتعلق بهم، وينتسب إليهم، وهذا هو الذي شرع له التقية، مع ما ورد فيها من الأوامر الأكيدة.
ومنها: بذل الوسع في إيصال المنافع إليهم، بما أوجب الله عليه أو ندب إليه.
ومنها: بيان أحقيتهم وإمامتهم، وفضائلهم، وضلالة مخالفيهم لمن له أهلية ذلك وكتمانه عن من يجب الكتمان عنه.
ومنها: إظهار المحبة القلبية بما يصدر من الجوارح البدنية لسانا ويدا وغيرهما، إلى غير ذلك من أقسام الرعاية والنصرة الداخلة في عموم ما ذكرناه.
الأمر الرابع
في بيان كون الدعاء لمولانا صاحب الزمان ومسألة تعجيل فرجه وظهوره من القادر المنان من مصاديق ذاك العنوان وهو واضح لا يكاد يحتاج إلى البيان، إذ لا يخفى كون هذا الدعاء أسوة بالحجج الأصفياء، ونصرة باللسان وتمسكا بطريقة الأولياء، وفيما ذكرناه ذكرى لمن ألقى السمع وهو شهيد.
المكرمة السابعة والعشرون
زيادة إشراق نور الإمام في قلب الداعي له بتعجيل الفرج ودفع الشدة والحرج: وهذا المرام يتضح بذكر أمور ثلاثة:
الأول: أنه لا ريب في تنقل حالات القلب وتغيرها بسبب ما يرد عليها من الأعمال الصادرة عن الإنسان وهذا أمر واضح بالوجدان مضافا إلى ما يدل عليه من آيات القرآن، والأحاديث المروية عن أهل الذكر والتبيان، قال الله (عزَّ وجلَّ) في وصف أهل الإيمان ﴿الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم﴾ وفي وصف أهل الكفر والطغيان ﴿ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة﴾ والآيات الدالة على المقصود كثيرة.
- وعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: تلاقوا وتذاكروا وتحدثوا فإن الحديث جلاء القلوب إن القلوب ترين كما يرين السيف. والأخبار في هذا الباب لا تحصى والغرض الإشارة.
الأمر الثاني: كلما كان العمل الصالح عند الله تعالى أجل وأعظم كان أثره في إضاءة القلب أشد وأتم ولهذا ترى أنه لا شيء بعد معرفة الله تعالى ومعرفة النبي أعظم أثرا في ذلك، من محبة أمير المؤمنين وأولاده الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، وولايتهم.
- ولهذا قال مولانا أبو جعفر (عليه السلام) لأبي خالد الكابلي، في الحديث المروي في أصول الكافي(1056): والله يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار وهم والله ينورون قلوب المؤمنين ويحجب الله (عزَّ وجلَّ) نورهم عمن يشاء، فتظلم قلوبهم، والله يا أبا خالد: لا يحبنا عبد ولا يتولانا حتى يطهر الله قلبه، ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلم لنا، ويكون سلما لنا فإذا كان سلما لنا سلمه الله من شديد الحساب وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر.
- ومما يشهد لما ذكرناه ما في الخرائج(1057)، عن أبي بصير قال: دخلت المسجد مع أبي جعفر (عليه السلام) والناس يدخلون ويخرجون فقال لي: سل الناس، هل يرونني؟ فكل من لقيته قلت له أرأيت أبا جعفر (عليه السلام) يقول لا وهو واقف حتى دخل أبو هارون المكفوف قال سل هذا فقلت هل رأيت أبا جعفر فقال: أليس هو بقائم ثم قال: وما علمك؟ قال: وكيف لا أعلم وهو نور ساطع.
الأمر الثالث: قد ظهر من جميع ما ذكرناه ونذكره في هذا الكتاب عظمة شأن هذا العمل الشريف أعني الاهتمام والمداومة في الدعاء لمولانا الغائب عن الأبصار عند الخالق الجبار بحسب ما استفدناه من الآيات والأخبار وما يترتب عليه من الفوائد والآثار، فلا ريب بعد ذلك عند أحد فيكون سببا لزيادة إشراق نور الإمام في قلب الداعي، بسبب كمال إيمانه بهذه العبادة الجليلة وإحسانه إلى مولاه بحسب وسعه في الحقيقة. فهو يوجب توجه الإمام إليه وإشراق نوره في قلبه إن شاء الله تعالى.
المكرمة الثامنة والعشرون
أن الاهتمام والمداومة في الدعاء له وبتعجيل فرجه وظهوره يوجب طول العمر، وسائر ما يترتب على صلة الأرحام من الآثار والفوائد العظام إن شاء الله تعالى.
- ويدل على ذلك بالخصوص ما ورد في فضل دعاء منصوص: ففي مكارم الأخلاق(1058) روي أن من دعا بهذا الدعاء عقيب كل فريضة وواظب على ذلك عاش حتى يمل الحياة ويتشرف بلقاء صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه وهو: اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم إن رسولك الصادق المصدق صلواتك عليه وآله قال: إنك قلت: ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته اللهم فصل على محمد وآل محمد، وعجل لأوليائك الفرج والنصر والعافية، ولا تسؤني في نفسي، ولا في فلان. قال وتذكر من شئت. انتهى.
فإن قلت: ما وجه الدلالة على كون هذا الدعاء دعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه؟.
قلت: وجه الدلالة على ذلك ما ذكرناه في الباب الرابع، في حرف الفاء من أن بفرجه وظهوره يكون فرج جميع أولياء الله، وعافيتهم ونصرتهم مضافا إلى أنه ورد في بعض الروايات هكذا وعجل لوليك الفرج (الخ).
إذ لا ريب عند المتتبع في الروايات المروية عن الأئمة (عليهم السلام) والأدعية المأثورة عنهم، أن المقصود من الولي عند الإطلاق في مثل هذا المقام، هو خصوص مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) وإن شئت فارجع إلى دعاء مولانا أبي الحسن الرضا له، صلوات الله عليهما، والدعاء المروي بعد صلاة الليل وزيارة يوم الجمعة وغيرها من الدعوات والزيارات كي يتضح لك صحة ما ادعيناه.
فإن قلت: يحتمل أن يكون المراد بالولي هنا المؤمن، لأن إطلاق الولي عليه أيضا كثير شائع في الروايات؟.
قلت: هذا احتمال بعيد وتوجيه غير سديد لأن ما ذكرناه مؤيد بوجوه:
منها: ما ورد في فضل هذا الدعاء، من كونه موجبا للتشرف بلقاء صاحب الأمر (عليه السلام) إذ لا يخفى على العارف بأساليب الدعوات وخصوصياتها أن ترتب هذا الأثر إنما هو لكونه دعاء في حق صاحب الأمر (عليه السلام).
ومنها: ما يستفاد من بعض الأدعية كدعاء يوم عرفة من الصحيفة المباركة السجادية، وبعض الروايات المأثورة أن من آداب الدعاء تقديم الدعاء في حق صاحب الأمر بعد الثناء على الله تعالى والصلاة على رسوله وآله (عليهم السلام)، على الدعاء لنفسك وهذا الدعاء الشريف قد وقع بهذا الترتيب.
ومنها: أن المعهود من الدعاء بالفرج والنصر والعافية في الدعوات المأثورة قد وقع غالبا لمولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه فمن ملاحظة جميع ما ذكرناه يطمئن المستأنس بكلماتهم (عليهم السلام) بل يقطع بأن المراد بالولي في هذا الدعاء هو خصوص مولانا الغائب عن الأبصار عجل الله تعالى فرجه مضافا إلى أن اهتمامهم بالدعاء للحجة عجل الله تعالى فرجه عقيب صلواتهم يؤيد كونه المراد بالولي في هذا الدعاء أيضا.
هذا كله على رواية الولي، وأما على رواية الأولياء فهو أيضا دعاء بتعجيل فرجه وظهوره إذ به يتحقق الفرج الحقيقي الكلي لجميع أولياء الله تعالى كما قدمنا فتدبر هذا.
وأما قوله: " ما ترددت في شيء أنا فاعله " الخ، فسنذكر شرحه وتوجيهه في الباب الآتي إن شاء الله تعالى مع ذكر سند الدعاء المذكور على النحو المأثور.
ويدل على المقصود أيضا بالعموم، ما ورد في فضل صلة الأرحام، والإحسان إلى القرابات من كونه موجبا لطول العمر، بضميمة ما ورد في الروايات من أفضلية صلة قربى النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، من صلة القرابة النسبية فإذا كان الإحسان إلى القرابات النسبية موجبا لطول العمر، فالإحسان إلى قربى النبي (صلى الله عليه وآله) يوجبه بطريق أولى، وليس في قربى النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) أفضل من مولانا صاحب الزمان فهو من أعظم مصاديق ذاك العنوان.
فههنا مواضع من الكلام.
أحدها: في بيان إيجاب صلة الرحم لطول العمر.
والثاني: كون صلة رحم النبي (صلى الله عليه وآله) آكد وأفضل في هذا الباب.
والثالث: في بيان كون الدعاء صلة وإحسانا.
- أما الأول: فيدل عليه ما في أصول الكافي(1059) بسند صحيح، عن محمد بن عبيد الله قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها الله ثلاثين سنة، ويفعل الله ما يشاء.
- وفيه(1060) بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: صلة الأرحام تزكي الأعمال، وتنمي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسر الحساب وتنسئ في الأجل.
- وفيه(1061) بسند آخر عنه (عليه السلام)، قال: صلة الأرحام تحسن الخلق وتسمح الكف، وتطيب النفس وتزيد في الرزق، وتنسئ في الأجل.
- وبسند آخر(1062) عنه (عليه السلام) قال صلة الأرحام تزكي الأعمال، وتدفع البلوى، وتنمي الأموال، وتنسئ له في عمره وتوسع في رزقه، وتحبب في أهل بيته، الخبر.
- وفيه(1063) بسنده عن الصادق (عليه السلام) قال: صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار.
- وبسند آخر(1064) عنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سره النساء في الأجل، والزيادة في الرزق، فليصل رحمه.
- وبسند آخر(1065) عنه أيضا قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن القوم ليكونون فجرة، ولا يكونون بررة، فيصلون أرحامهم، فتنمى أموالهم، وتطول أعمارهم، فكيف إذا كانوا أبرارا بررة، إلى غير ذلك من الأخبار التي يطول الكتاب بذكرها، والغرض الإشارة.
وأما الكلام في الموضع الثاني وهو ترتب تلك الآثار على صلة أقارب النبي وأمير المؤمنين (عليهما السلام) بنحو أكمل وطريق أولى فيدل عليه:
- ما في الكافي(1066) أيضا بسند صحيح، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)، ﴿الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل﴾ قال: نزلت في رحم آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وقد يكون في قرابتك ثم قال: فلا تكونن ممن يقول للشيء إنه في شيء واحد.
- وفيه(1067) عن الرضا (عليه السلام)، قال: إن رحم آل محمد الأئمة (عليهم السلام) لمعلقة بالعرش، تقول:
اللهم صل من وصلني، واقطع من قطعني، ثم هي جارية بعدها في أرحام المؤمنين، ثم تلا هذه الآية(1068): ﴿واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام﴾.
- وفي تفسير الإمام(1069) مولانا أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
من راعى حق قرابات أبويه أعطي في الجنة ألف درجة، بعد ما بين كل درجتين حضر الفرس الجواد المضمر، مائة ألف سنة، إحدى الدرجات من فضة، والأخرى من ذهب، والأخرى من لؤلؤ، والأخرى من زمرد، والأخرى من مسك، والأخرى من عنبر، والأخرى من كافور. فتلك الدرجات من هذه الأصناف، ومن رعى حق قربى محمد وعلي أوتي من فضائل الدرجات وزيادات المثوبات، على قدر زيادة فضل محمد وعلي على أبوي نفسه.
وقالت فاطمة (عليها السلام) لبعض النساء: أرضي أبوي دينك محمدا وعليا بسخط أبوي نسبك، ولا ترضي أبوي نسبك بسخط أبوي دينك فإن أبوي نسبك إن سخطا أرضاهما محمد وعلي بثواب جزء من مائة ألف ألف جزء من ساعة من طاعاتهما وإن أبوي دينك إن سخطا لم يقدر أبوا نسبك أن يرضياهما، لأن ثواب طاعات أهل الدنيا كلهم لا يفي بسخطهما.
وقال الحسن بن علي: عليك بالإحسان إلى قرابات أبوي دينك محمد وعلي وإن أضعت قرابات أبوي نسبك فإن شكر هؤلاء إلى أبوي دينك محمد وعلي أثمر لك من شكر هؤلاء إلى أبوي نسبك، إن قرابات أبوي دينك إن شكروك عندهما بأقل قليل فنظرهما لك يحط عنك ذنوبك، ولو كانت ملء ما بين الثرى إلى العرش، وإن قرابات أبوي نسبك إن شكروك عندهما وقد ضيعت قرابات أبوي دينك لم يغنيا عنك فتيلا.
وقال علي بن الحسين (عليهما السلام): إن حق قرابات أبوي ديننا محمد وعلي صلوات الله عليهما وأوليائهما أحق من قرابات أبوي نسبنا إن أبوي ديننا يرضيان عنا أبوي نسبنا، وأبوي نسبنا لا يقدران أن يرضيا عنا أبوي ديننا.
وقال محمد بن علي (عليه السلام): من كان أبوا دينه محمد وعلي آثر لديه، وقراباتهما أكرم عليه من أبوي نفسه وقراباتهما قال الله تعالى: فضلت الأفضل وآثرت الأولى بالإيثار. لأجعلنك بدار قراري ومنادمة أوليائي أولى.
وقال جعفر بن محمد (عليه السلام) من ضاق عن قضاء حق قرابة أبوي دينه، وأبوي نسبه، وقدح كل واحد منهما في الآخر، فقدم قرابة أبوي دينه على قرابات أبوي نسبه قال الله (عزَّ وجلَّ) يوم القيامة: كما قدم قرابة أبوي دينه فقدموه إلى جناني فيزاد فيه فوق ما كان أعد له من الدرجات ألف ألف ضعفها.
وقال موسى بن جعفر (عليه السلام) وقد قيل له إن فلانا كان له ألف درهم عرضت عليه بضاعتان يشتريهما، لا يتسع بضاعته لهما فقال أيهما أربح لي؟ فقيل له: هذا يفضل ربحه على هذا بألف ضعف قال (عليه السلام): أليس يلزم في عقله أن يؤثر الأفضل؟ قالوا: بلى. قال (عليه السلام) فهكذا أيثار قرابة أبوي دينك محمد وعلي أفضل ثوابا بأكثر من ذلك لأن فضله على قدر فضل محمد وعلي (عليهما السلام) على أبوي نسبه.
وقيل للرضا (عليه السلام): ألا نخبرك بالخاسر المتخلف؟ قال: من هو؟ قالوا: فلان باع دنانير بدراهم أخذها، فرد ماله من عشرة آلاف دينار إلى عشرة آلاف درهم عنده قال (عليه السلام) بدرة باعها بألف درهم زيف ألم يكن أعظم تخلفا وحسرة؟ قالوا: بلى. قال: ألا أنبئكم بأعظم من هذا تخلفا وحسرة؟ قالوا: بلى قال: أرأيتم لو كان له ألف جبل من ذهب باعها بألف حبة من زيف، ألم يكن أعظم تخلفا وأعظم من هذا حسرة؟ قالوا: بلى قال: أفلا أنبئكم بمن هو أشد من هذا تخلفا وأعظم حسرة؟ قالوا: بلى، قال: من آثر في البر والمعروف قرابة أبوي نسبه على قرابة أبوي دينه محمد وعلي (عليهما السلام) لأن فضل قرابات محمد وعلي أبوي دينه على قرابات أبوي نسبه أفضل من فضل ألف جبل ذهب على ألف حبة زايف.
وقال محمد بن علي الرضا (عليه السلام): من اختار قرابات أبوي دينه محمد وعلي (عليهما السلام) على قرابات أبوي نسبه اختاره الله تعالى على رؤوس الأشهاد يوم التناد وشهره بخلع كراماته وشرفه بها على العباد إلا من ساواه في فضائله أو في فضله.
وقال علي بن محمد (عليه السلام): إن من إعظام جلال الله إيثار قرابة أبوي دينك محمد وعلي على قرابة أبوي نسبك وإن من التهاون بجلال الله إيثار قرابة أبوي نسبك على قرابة أبوي دينك محمد وعلي (عليهما السلام).
وقال الحسن بن علي (عليه السلام): إن رجلا جاع عياله، فخرج يبغي لهم ما يأكلون فكسب درهما فاشترى به خبزا وإداما فمر برجل وامرأة من قرابات محمد وعلي (عليهما السلام) فوجدهما جائعين، فقال هؤلاء أحق من قراباتي فأعطاهما إياهما ولم يدر بماذا يحتج في منزله.
فجعل يمشي رويدا يتفكر فيما يعتل به عندهم ويقول لهم ما فعل بالدرهم إذ لم يجئهم بشيء فبينا هو متحير في طريقه إذا بفيج يطلبه فدل عليه فأوصل إليه كتابا من مصر، وخمسمائة دينار في صرة وقال: هذه بقية حملته إليك، من مال ابن عمك مات بمصر، وخلف مئة ألف دينار على تجار مكة والمدينة، وعقارا كثيرا ومالا بمصر بأضعاف ذلك فأخذ الخمسمائة دينار، ووسع على عياله، ونام ليلته، فرأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليا (عليه السلام) فقال:
كيف ترى إغناءنا لك بما آثرت قرابتنا على قرابتك.
ثم لم يبق بالمدينة ولا بمكة ممن عليه شيء من المائة ألف دينار إلا أتاه محمد وعلي (عليهما السلام) في منامه، وقالا له أما بكرت بالغداة على فلان بحقه من ميراث ابن عمه، وإلا بكرنا عليك بهلاكك واصطلامك، وإزالة نعمك، وإبانتك من حشمك. فأصبحوا كلهم وحملوا إلى الرجل ما عليهم، حتى حصل عنده مائة ألف دينار، وما ترك أحد بمصر ممن له عنده مال، إلا وأتاه محمد وعلي (عليهما السلام) في منامه، وأمراه أمر تهدد بتعجيل مال الرجل، أسرع مما يقدر عليه وأتى محمد وعلي هذا المؤثر لقرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامه فقالا له كيف رأيت صنع الله بك؟ قد أمرنا من بمصر أن يعجل إليك مالك وأمرنا حاكمها أن يبيع عقارك وأملاكك ويستفيج إليك بأثمانها لتشتري بدلها من المدينة. قال: بلى.
فأتى محمد وعلي حاكم مصر في منامه، فأمراه ببيع عقاره والسفجة بثمنه إليه من تلك الأثمان ثلاثمائة ألف دينار فصار أغنى من بالمدينة، ثم أتاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا أبا عبد الله هذا جزاؤك في الدنيا على إيثار قرابتي على قرابتك، ولأعطينك في الآخرة بدل كل حبة من هذا المال في الجنة ألف قصر، أصغرها أكبر من الدنيا، مغز إبرة منها خير من الدنيا وما فيها.
الموضع الثالث: في بيان كون الدعاء صلة وإحسانا
وتقريره: أن الإحسان والصلة يحصل بأمرين:
أحدهما: إيصال المنفعة إلى الغير.
الآخر: دفع المضرة عنه وهذان الأمران يحصلان بالدعاء.
أما الأول: فلأن من جملة المنافع العظيمة الجليلة الاحترام ولا شك في أن الدعاء نوع منه وأيضا فقد تقدم أن الدعاء بتعجيل ظهوره صلوات الله عليه بالشروط المقررة، يكون سببا لتقدمه واستباقه وبه يظهر كل خير ويرفع كل ضير، وأيضا فإن من آثار الدعاء مسرة المدعو له والسرور من المنافع الجليلة.
وأما الثاني: فلأنك قد عرفت تأثير الدعاء في تقدم زمان ظهوره صلوات الله عليه، وبه يندفع عنه وعن شيعته الكرب، والهم والغم والضيق، بل لنفس الدعاء تأثير في اندفاع الهم والغم، إلى غير ذلك مما لا يخفى على العارف السالك.
- ومما يدل على أن الإعانة والاحترام باللسان يكون من مصاديق الصلة والإحسان ما روي في المجلد الحادي عشر من البحار(1070) مسندا عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دخلت عليه، فشكوت إليه الحاجة. قال: فقال يا جابر ما عندنا درهم فلم ألبث إذ دخل عليه الكميت فقال له: جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي حتى أنشدك قصيدة قال: فقال: أنشد فأنشده قصيدة فقال (عليه السلام): يا غلام أخرج من ذاك البيت بدرة، فادفعها إلى الكميت.
قال: فقال له جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أنشدك قصيدة أخرى؟ قال: أنشد فأنشده أخرى فقال (عليه السلام): يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت، قال: فأخرج بدرة، فدفعها إليه.
قال: فقال له جعلت فداك، إن تأذن لي أنشدك ثالثة قال له: أنشد فقال يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة، فادفعها إليه قال: فأخرج بدرة، فدفعها إليه. فقال الكميت، جعلت فداك، والله ما أحبكم لغرض الدنيا، وما أردت بذلك إلا صلة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما أوجب الله علي من الحق قال: فدعا له أبو جعفر (عليه السلام) ثم قال: يا غلام ردها مكانها، قال: فوجدت في نفسي وقلت: قال لي ليس عندي درهم، وأمر للكميت بثلاثين ألف درهم!
قال: فقام الكميت وخرج، قلت له: جعلت فداك قلت ليس عندي درهم، وأمرت للكميت بثلاثين ألف درهم! فقال لي: يا جابر، قم وادخل البيت قال: فقمت، ودخلت البيت، فلم أجد منه شيئا قال: فخرجت إليه فقال لي: يا جابر ما سترنا عنكم أكثر مما أظهرنا لكم. فقام فأخذ بيدي، وأدخلني البيت ثم قال: وضرب برجله الأرض، فإذا شبيه بعنق البعير، قد خرجت من ذهب ثم قال (عليه السلام): يا جابر انظر إلى هذا، ولا تخبر به أحدا، إلا من تثق به من إخوانك، إن الله أقدرنا على ما نريد، ولو شئنا أن نسوق الأرض بأزمتها لسقناها. إنتهى الحديث الشريف.
وجه الدلالة أنه قد جعل المدح باللسان صلة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وقرره الإمام على ذلك وهكذا الدعاء للإمام (عليه السلام) لأنه أيضا إحسان واحترام وسيأتي فيما يأتي ما يدل على المرام والله العاصم وهو ولي الإنعام.
المكرمة التاسعة والعشرون
أن الدعاء بتعجيل فرجه وظهوره تعاون على البر والتقوى وقد أمر الله (عزَّ وجلَّ) به في قوله تعالى: ﴿تعاونوا على البر والتقوى﴾.
المكملة للثلاثين
أنه يوجب نصر الله تعالى للداعي، والغلبة على الأعداء ويدل على ذلك قوله تعالى:
﴿ولينصرن الله من ينصره﴾ وقوله تعالى: ﴿إن تنصروا الله ينصركم﴾.
وتقريب الاستدلال، أنه لا ريب في عدم حاجة الرب تبارك وتعالى شأنه إلى نصرة أحد من المخلوقين، فالمراد بالنصر الذي أمرهم به أن ينصروا أولياءه (عليهم السلام)، وحيث كان الدعاء بتعجيل ظهور صاحب الزمان (عليه السلام) من أقسام النصرة باللسان، صار من مصاديق ذاك العنوان.
والأخبار الشاهدة لكون النصر باللسان، من أقسام النصر المأمور به المندوب إليه كثيرة:
- منها: ما في فوائد المشاهد عن مولانا المظلوم أبي عبد الله الحسين عليه الصلاة والسلام، أنه قال في ليلة العاشوراء: فقد أخبرني جدي أن ولدي الحسين (عليه السلام) يقتل بطف كربلاء غريبا وحيدا عطشانا، فمن نصره فقد نصرني، ونصر ولده القائم (عليه السلام) ومن نصرنا بلسانه، فإنه في حزبنا في يوم القيامة.
- ومنها(1071): قول مولانا الرضا عليه الصلاة والسلام لدعبل: مرحبا بناصرنا بيده ولسانه.
- ومنها ما في وصية مولانا الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) لعبد الله بن جندب: يا بن جندب إن لله تبارك وتعالى سورا من نور محفوفا بالزبرجد والحرير منجدا بالسندس والديباج، يضرب هذا السور بين أوليائنا وبين أعدائنا فإذا غلى الدماغ، وبلغت القلوب الحناجر، ونضجت الأكباد من طول الموقف، أدخل في هذا السور أولياء الله، فكانوا في أمن الله وحرزه، لهم فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين(1072).
وأعداء الله قد ألجمهم العرق، وتقطعهم الفرق وهم ينظرون إلى ما أعد الله لهم، فيقولون:
﴿ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار﴾(1073) فينظر إليهم أولياء الله يضحكون منهم، فذلك قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار﴾(1074) وقوله ﴿فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون﴾ فلا يبقى أحد ممن أعان مؤمنا من أوليائنا بكلمة إلا أدخله الله الجنة بغير حساب والشاهد آخر الحديث، إلى غير ذلك.
المكرمة الحادية والثلاثون
الاهتداء بنور كتاب الله المبين لأن الدعاء له كما ذكرنا يوجب ازدياد إشراق الأنوار الإلهية في القلب، وإذا أشرقت أرض القلب بنور ربها، اهتدى الإنسان بنور كلام الله المجيد، بنحو لا يعتدي به غيره، وفهم منه ما لا يفهمه غيره، وجعل القرآن على داء قلبه فيكون له شفاء ورحمة.
وأيضا لا ريب في أنه كلما كان الإيمان أكمل وأتم، كان انتفاع الإنسان بفوائد القرآن أكثر وأعظم كما أن الشخص إذا كان مزاجه صحيحا ينتفع ويلتذ بالأغذية الطيبة اللذيذة، وإذا فسد مزاجه لم يكن لها تأثير في بدنه، بل يكون ضارا مؤذيا له، حتى يعالج مزاجه، ويصلحه بإزالة مواد الأمراض، فكلما ضعف سوء المزاج، حصل آثار الأغذية الطيبة اللذيذة في البدن شيئا فشيئا حتى إذا ارتفع أسباب المرض بالكلية، ظهر جميع آثار الأغذية الطيبة، ومنافعها في البدن وكذلك القلب، إذا ارتفع عنه الطبع والرين والشك بنور الإيمان، ظهر فيه آثار هداية القرآن، وكلما كمل الإيمان ازداد صاحبه بصيرة وعلما وانتفاعا واهتداء بالقرآن وقد قال الله (عزَّ وجلَّ) في بيان ذلك ﴿قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى﴾(1075) الآية.
وحيث بينا فيما سبق أن الاهتمام في الدعاء لمولانا صاحب الزمان مما يوجب كمال الإيمان فيترتب عليه الاهتداء الكامل بالقرآن والله الموفق وهو ولي الإحسان، ويشهد لما ذكرناه أيضا قوله (عزَّ وجلَّ) ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين﴾.
- فقد روى في كمال الدين(1076) عن الصادق (عليه السلام) في قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿الذين يؤمنون بالغيب﴾(1077) من آمن بقيام القائم (عليه السلام) أنه حق.
- وفيه(1078) في رواية أخرى عنه قال: الغيب هو الحجة الغائب وشاهد ذلك قول الله (عزَّ وجلَّ) ﴿ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين﴾(1079). إنتهى.
ووجه الاستشهاد كون الداعي مصداقا لمن آمن بقيام القائم أنه حق والدليل على ذلك دعاؤه كما لا يخفى.
هذا وقد ذكرنا في كتاب أبواب الجنات في هذا المقام ما يزيل الأسقام.
المكرمة الثانية والثلاثون
أنه يصير معروفا عند أصحاب الأعراف، بنصرتهم فيشفعون له فيدخل الجنة بشفاعتهم:
قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم﴾(1080) الآية والكلام هنا في ثلاثة أمور:
- أحدها معنى الأعراف: روى علي بن إبراهيم القمي (ره) في تفسيره(1081) بسند صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الأعراف كثبان بين الجنة والنار، والرجال: الأئمة صلوات الله عليهم. الخبر.
الثاني: في بيان المراد من هؤلاء الرجال الواقفين على الأعراف، وقد عرفت في رواية علي بن إبراهيم، أنهم الأئمة صلوات الله عليهم.
- ويدل عليه أيضا ما روي في مجمع البيان، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: هم آل محمد، لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه.
- وما في تفسير البرهان(1082) عنه (عليه السلام) قال: نحن أولئك الرجال الأئمة منا يعرفون من يدخل النار ومن يدخل الجنة، كما تعرفون في قبائلكم الرجل منكم فيعرف فيها من صالح أو طالح.
- وفيه(1083) أيضا مسندا عن الباقر والصادق (عليهما السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ) ﴿وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم﴾ قال: هم الأئمة.
- وفيه(1084) بإسناد صحيح عن بريد بن معاوية العجلي (ره) قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام)، عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم﴾ قال (عليه السلام): نزلت في هذه الأمة والرجال هم الأئمة من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، قلت: فما الأعراف؟ قال صراط بين الجنة والنار، فمن شفع له الإمام منا من المؤمنين المذنبين نجى، ومن لم يشفع له هوى. والروايات في ذلك كثيرة ولا تنافي بين هذا الخبر وخبر علي بن إبراهيم القمي، في معنى الأعراف كما لا يخفى.
الثالث: في بيان كون الدعاء لمولانا صاحب الزمان (عليه السلام) موجبا لشفاعة أصحاب الأعراف.
- روى في مجمع البيان(1085) مرفوعا إلى الأصبغ بن نباتة، قال: كنت جالسا عند علي (عليه السلام) فأتاه ابن الكوا فسأله عن هذه الآية فقال (عليه السلام): ويحك يا بن الكوا نحن نوقف يوم القيامة بين الجنة والنار، فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنة، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار.
وجه الدلالة أنك قد عرفت سابقا أن الدعاء لمولانا صاحب الزمان من أقسام النصرة باللسان، وحيث جعل النصرة في هذه الرواية وسيلة لنيل الشفاعة والمعرفة، فيكون الداعي مشمولا لها، كما لا يخفى.
المكرمة الثالثة والثلاثون
ما يترتب على طلب العلم من المثوبات الجليلة، إذا قصد بطلب تعجيل ظهوره انكشاف العلوم الحقة الحقيقية، التي لا تنكشف إلا بظهوره، كما أشرنا في حرف الكاف من الباب الرابع إليه.
المكرمة الرابعة والثلاثون
الأمن من العقوبات الأخروية، وأهوال يوم القيامة ويشهد لذلك آيات عديدة.
منها: قوله (عزَّ وجلَّ)(1086) ﴿إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ بناء على أن يكون المراد باليوم الآخر: زمان دولة القائم (عليه السلام).
- كما روى في أصول الكافي(1087) عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿من كان يريد حرث الآخرة﴾ قال: معرفة أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام) ﴿نزد له في حرثه﴾ قال: نزيده منها قال:
يستوفي نصيبه من دولتهم ﴿ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب﴾ قال (عليه السلام): ليس له في دولة الحق مع القائم (عليه السلام) نصيب. إنتهى.
أو يكون المراد بالعمل الصالح المعرفة بالأئمة (عليهم السلام).
- كما عن تفسير العياشي(1088) عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى ﴿فليعمل عملا صالحا﴾(1089) يعني بالعمل الصالح المعرفة بالأئمة (عليهم السلام).
- وعن الباقر (عليه السلام)(1090) في قوله تعالى: ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾(1091) قال: أي الذين آمنوا بالله وبرسوله وبالأئمة (عليهم السلام) أولي الأمر، وأطاعوا بما أمروهم، فذلك هو الإيمان، والعمل الصالح، الخبر.
ووجه الاستشهاد كون الداعي بتعجيل ظهور صاحب الزمان (عليه السلام) داخلا في كلا هذين العنوانين، كما لا يخفى على من ارتفع عن وجه قلبه حجاب الطبع والرين.
ومنها: قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ بناء على أن يكون المراد بالمحسن من تولى عليا (عليه السلام).
- كما روي في مشكاة الأسرار:
عن تفسير العياشي(1092) وغيره عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى﴾(1093) قال (عليه السلام): العدل هو محمد (صلى الله عليه وآله)، فمن أطاعه فقد عدل، والإحسان علي (عليه السلام) فمن تولاه فقد أحسن والمحسن في الجنة ﴿وإيتاء ذي القربى﴾ فمن قرابتنا أمر الله العباد بمودتنا وإيتائنا، الخبر.
ووجه الاستشهاد أن الدعاء لمولانا القائم (عليه السلام) منبعث عن التولي القلبي لأمير المؤمنين (عليه السلام) بل هو من أوضح أقسام التولي اللساني له، فمن دعا له فقد تولى أمير المؤمنين ومن تولاه فهو محسن، فيدخل في المقصودين بالآية الشريفة إن شاء الله تعالى.
ومنها: قوله تعالى: ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾(1094) لما سيأتي من دخول الداعي للإمام القائم في الشهداء مع النبي وأمير المؤمنين (عليه السلام) فيفوز بجميع ما فازوا به، ومنه ما ذكره الله في تلك الآية الشريفة.
- ومنها: قوله تعالى: ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ بضميمة ما روي في كمال الدين(1095) عن الصادق (عليه السلام) قال طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. انتهى.
ووجه الاستدلال كون الدعاء من علامات الانتظار كما لا يخفى على أهل الاعتبار.
ومنها قوله تعالى: ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾(1096).
- لما روي في أصول الكافي(1097) عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا﴾ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): استقاموا على الأئمة واحدا بعد واحد (الخ) إذ لا ريب في دلالة الدعاء بتعجيل ظهور مولانا الغائب عن الأبصار، على استقامة الداعي عليه وعلى آبائه الأئمة الأطهار.
هذا: ويمكن استفادة تلك المكرمة الشريفة من آيات أخر أيضا تركنا ذكرها خوفا من إطالة هذا المختصر ويستفاد ما ذكرناه من روايات عديدة أيضا:
- منها: ما رواه الشيخ الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي (ره)(1098) في تفسيره بسند صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم﴾(1099) قال: الأعراف كثبان بين الجنة والنار، والرجال الأئمة صلوات الله عليهم، يقفون على الأعراف، مع شيعتهم وقد سبق المؤمنون إلى الجنة بلا حساب، ويقول الأئمة لشيعتهم من أصحاب الذنوب: انظروا إلى إخوانكم في الجنة، قد سبقوا إليها بلا حساب وهو قوله تبارك وتعالى ﴿سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون﴾ ثم يقال لهم: انظروا إلى أعدائكم في النار وهو قوله تعالى: ﴿وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم في النار﴾ فقالوا: ﴿ما أغنى عنكم جمعكم في الدنيا وما كنتم تستكبرون﴾ ثم يقولون لمن في النار من أعدائهم هؤلاء شيعتي وإخواني، الذين كنتم أنتم تحلفون في الدنيا أن لا ينالهم الله برحمة ثم يقول الأئمة لشيعتهم ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.
أقول: قد دل الحديث الذي رويناه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في المكرمة الثانية والثلاثين على شفاعة الأئمة لمن نصرهم وذكرنا أيضا أن الداعي لمولانا صاحب الزمان (عليه السلام) داخل في ذاك العنوان فيدخل بشفاعتهم في الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
المكرمة الخامسة والثلاثون
البشارة والرفق عند الموت ويشهد لذلك الروايات:
- منها: الحديث الشريف المروي في تفسير الإمام (عليه السلام) قال: إن المؤمن الموالي لمحمد وآله الطيبين، المتخذ لعلي بعد محمد إمامه الذي يحتذي مثاله وسيده الذي يصدق أقواله ويصوب أفعاله ويطيعه بطاعة من يندبه من أطايب ذريته لأمور الدين وسياسته إذا حضره من أمر الله ما لا يرد ونزل به من قضائه ما لا يصد وحضره ملك الموت وأعوانه وجد عند رأسه محمدا رسول الله ومن جانب آخر عليا سيد الوصيين وعند رجليه من جانب الحسن سبط سيد النبيين، ومن جانب آخر الحسين سيد الشهداء أجمعين، وحواليه بعدهم خيار خواصهم ومحبيهم، الذين هم سادة هذه الأمة، بعد ساداتهم من آل محمد، ينظر العليل المؤمن إليهم، فيخاطبهم بحيث يحجب الله صوته عن آذان حاضريه، كما يحجب رؤيتنا أهل البيت ورؤية خواصنا من أعينهم ليكون بذلك أعظم ثوابا لشدة المحنة عليهم.
فيقول المؤمن: بأبي أنت وأمي يا رسول الله رب العزة، بأبي أنت وأمي يا وصي رسول الرحمة، بأبي أنتما وأمي يا شبلي محمد (صلى الله عليه وآله) وضرغاميه يا ولديه وسبطيه يا سيدي شباب أهل الجنة المقربين من الرحمة والرضوان مرحبا بكم معاشر خيار أصحاب محمد وعلي، وولديه ما كان أعظم شوقي إليكم وما أشد سروري الآن بلقائكم يا رسول الله هذا ملك الموت قد حضرني، ولا أشك في جلالتي في صدره، لمكانك ومكان أخيك، فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): كذلك هو.
فيقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ملك الموت فيقول: يا ملك الموت استوص بوصية الله في الإحسان إلى مولانا(1100) وخادمنا ومحبنا ومؤثرنا، فيقول له ملك الموت يا رسول الله مره أن ينظر إلى ما أعد الله له في الجنان، فيقول له رسول الله (صلى الله عليه وآله) انظر إلى العلو فينظر إلى ما لا يحيط به الألباب، ولا يأتي عليه العدد والحساب فيقول ملك الموت: كيف لا أرفق بمن ذلك ثوابه وهذا محمد وعترته زواره، يا رسول الله، لولا أن الله جعل الموت عقبة لا يصل إلى تلك الجنان إلا من قطعها لما تناولت روحه، ولكن لخادمك ومحبك هذا أسوة بك، وبسائر أنبياء الله ورسله وأوليائه الذين أذيقوا الموت لحكم الله تعالى.
ثم يقول محمد (صلى الله عليه وآله): يا ملك الموت، هاك أخانا قد سلمناه إليك فاستوص به خيرا.
ثم يرتفع هو ومن معه إلى روض الجنان وقد كشف عن الغطاء والحجاب لعين ذلك المؤمن العليل فيراهم المؤمن هناك بعدما كانوا حول فراشه فيقول يا ملك الموت الوحا الوحا تناول روحي ولا تلبثني ههنا، فلا صبر لي عن محمد وعترته، وألحقني بهم فعند ذلك يتناول ملك الموت روحه فيسلها كما يسل الشعرة من الدقيق وإن كنتم ترون أنه في شدة، فليس هو في شدة، بل هو في رخاء ولذة فإذا أدخل قبره وجد جماعتنا هناك.
وإذا جاءه منكر ونكير قال أحدهما للآخر: هذا محمد وعلي والحسن والحسين وخيار صحابتهم بحضرة صاحبنا، فلنتضع لهما، فيأتيان فيسلمان على محمد (عليه السلام) سلاما مفردا، ثم يسلمان على علي (عليه السلام) سلاما مفردا، ثم يسلمان على الحسنين (عليهما السلام) سلاما يجمعانهما فيه، ثم يسلمان على سائر من معنا من أصحابنا.
ثم يقولان: قد علمنا يا رسول الله زيارتك في خاصتك لخادمك ومولاك ولولا أن الله يريد إظهار فضله لمن بهذه الحضرة من الملائكة، ومن يسمعنا من ملائكة بعدهم، لما سألناه ولكن أمر الله لا بد من امتثاله.
ثم يسألانه فيقولان: من ربك؟ وما دينك ومن نبيك؟ ومن إمامك؟ وما قبلتك؟ ومن إخوانك؟ فيقول: الله ربي، ومحمد نبيي، وعلي وصي محمد (صلى الله عليه وآله) إمامي، والكعبة قبلتي، والمؤمنون الموالون لمحمد وعلي وآلهما، وأوليائهما، المعادون لأعدائهما إخواني وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأن أخاه عليا ولي الله، وأن من نصبهم للإمامة من أطايب عترته، وخيار ذريته خلفاء الأمة، وولاة الحق، والقوامون بالعدل. فيقولان: على هذا حييت، وعلى هذا مت وعلى هذا تبعث إن شاء الله وتكون مع من تتولاه، في دار كرامة الله، ومستقر رحمته، الخبر.
أقول: وجه الاستشهاد بهذه الرواية الشريفة، المشتملة على مطالب لطيفة، أن المؤمن يفوز بتلك الكرامات العظيمة، والمنن الجسيمة، بسبب أمور أربعة: موالاته للنبي والأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، والخدمة لهم، والمحبة إليهم وإيثارهم على من سواهم، كما يرشد إلى ذلك قوله في الإحسان إلى مولانا وخادمنا ومحبنا ومؤثرنا، الخ.
ولا ريب في اجتماع هذه الصفات الأربعة في الداعي لمولانا صاحب الزمان، لأن الدعاء له نوع من الموالاة، والخدمة لهم، ومحبة إليهم، وفيه إيثارهم بالدعاء على من سواهم.
ويدل على المقصود أيضا، جميع ما ورد من البشارات للمؤمن في الأخبار الكثيرة المروية في فروع الكافي(1101) في باب ما يعاين المؤمن والكافر عند موته.
وفي البحار في المجلد الثالث(1102) منه، وفي غيرهما ولنكتف بذكر حديث واحد من الكافي(1103) ففيه غنية للعارف السالك ومن أراد الزيادة فليطلبها هنالك.
- وهو ما رواه عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان(1104) عن عمار بن مروان، قال: حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: منكم والله يقبل، ولكم والله يغفر، إنه ليس بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى السرور وقرة العين إلا أن تبلغ نفسه ههنا وأومى بيده إلى حلقه.
ثم قال (عليه السلام): إنه إذا كان ذلك واحتضر حضره رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وجبرائيل وملك الموت (عليهما السلام)، فيدنو منه علي (عليه السلام) فيقول: يا رسول الله، إن هذا كان يحبنا أهل البيت، فأحبه.
ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا جبرائيل إن هذا كان يحب الله ورسوله وأهل بيت رسوله، فأحبه، ويقول جبرائيل لملك الموت: إن هذا كان يحب الله ورسوله، وأهل بيت رسوله، فأحبه وارفق به، فيدنو منه ملك الموت، فيقول: يا عبد الله أخذت فكاك رقبتك؟ أخذت أمان براءتك تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا؟ قال: فيوقفه الله (عزَّ وجلَّ)، فيقول: نعم فيقول: وما ذاك فيقول: ولاية علي بن أبي طالب.
فيقول: صدقت، أما الذي كنت تحذره فقد آمنك الله منه، وأما الذي كنت ترجوه، فقد أدركته، أبشر بالسلف الصالح: مرافقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة (عليها السلام).
ثم يسل نفسه سلا رفيقا ثم ينزل بكفن من الجنة، وحنوطه من الجنة بمسك أذفر، فيكفن بذلك الكفن ويحنط بذلك الحنوط، ثم يكسى حلة صفراء من حلل الجنة فإذا وضع في قبره فتح له بابا من أبواب الجنة يدخل عليه من روحها وريحانها.
ثم يفسح له عن أمامه مسير شهر، وعن يمينه وعن شماله ثم يقال له: نم نومة العروس على فراشها أبشر بروح وريحان وجنة ونعيم ورب غير غضبان.
ثم يزور آل محمد (صلى الله عليه وآله) في جنان رضوى، فيأكل معهم من طعامهم ويشرب معهم من شرابهم، ويتحدث معهم في مجالسهم، حتى يقوم قائمنا أهل البيت. فإذا قام قائمنا، بعثهم الله تعالى، فأقبلوا معه يلبون زمرا، فعند ذلك يرتاب المبطلون، ويضمحل المحلون - وقليل ما يكونون - هلكت المحاضير، ونجى المقربون، من أجل ذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي:
أنت أخي وميعاد ما بيني وبينك وادي السلام، الخبر.
ووجه الاستشهاد به للمطلوب، ما أشرنا إليه. ويأتي أن الدعاء للقائم (عليه السلام) وتعجيل فرجه، يوجب كمال الإيمان، وثبوته إلى ذلك الآن، فيكون سببا بالواسطة للفوز بهذا الشأن مضافا إلى أن نفس هذا الدعاء تمسك بالعصمة الكبرى، التي هي ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فيكون سببا لنيل هذا المرام، والله الموفق، وهو ولي الإنعام.
- ومما يدل على المطلوب أيضا ما روي في أصول الكافي(1105) بإسناد صحيح عن ابن أبي عمير عن الحكم بن مسكين، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: من أدخل على مؤمن سرورا، خلق الله (عزَّ وجلَّ) من ذلك السرور خلقا، فيلقاه عند موته فيقول له: أبشر يا ولي الله بكرامة من الله ورضوان. ثم لا يزال معه حتى يدخله قبره فيقول له مثل ذلك، فإذا بعث يلقاه فيقول له مثل ذلك، ثم لا يزال معه عند كل هول يبشره، ويقول له مثل ذلك، فيقول له: من أنت رحمك الله؟ فيقول: أنا السرور الذي أدخلته على فلان.
أقول: وجه الدلالة، أنه لا ريب في سرور مولانا صاحب الزمان وآبائه (عليهم السلام) بسبب دعاء أهل الإيمان بتعجيل فرجه وظهوره، صلوات الله عليه، فيترتب عليه هذا الثواب بنحو أتم، ووجه أقوم، فتدبر.
المكرمة السادسة والثلاثون
إجابة دعوة الله تعالى ودعوة رسوله (صلى الله عليه وآله) قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم﴾ الآية(1106).
ولا ريب أن المراد بالحياة فيها: الحياة الأبدية، والعيشة المرضية، التي تحصل باتباع الرسول (صلى الله عليه وآله) وحيث عرفت فيما قدمنا أن جميع ما أمر به الأوصياء المعصومون وفعلوه، هو الذي أمر الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) به وعرفت وستعرف أمرهم واهتمامهم بالدعاء لمولانا صاحب الزمان وتعجيل فرجه وظهور أمره لا يبقى لك تأمل في أن اهتمام العبد في ذاك الأمر الجليل استجابة لدعوة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله). هذا مضافا إلى أن الله عز اسمه قد أمر بهذا الأمر العظيم في مواضع من كتابه الكريم، بعناوين مختلفة في مواضع متعددة:
منها: قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾(1107) ومنها:
الآيات الآمرة بفعل الخير والاستباق إليه، والأسوة بالنبي (صلى الله عليه وآله)، وإظهار المودة إليه.
المكرمة السابعة والثلاثون
كون الداعي لهذا الأمر الجليل مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في درجته يوم القيامة.
- ويدل على ذلك ما في كمال الدين(1108) عنه (عليه السلام) قال: للقائم منا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة.
ثم قال (عليه السلام): إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه.
وتقريب الاستدلال من وجهين:
أحدهما: أن الدعاء بتعجيل ظهور مولانا صاحب الزمان علامة ثبوت الإيمان وناشئ عن ثبات الداعي على دينه وإذا كان شاكا في صدق هذا الأمر (العياذ بالله) لم يكن داعيا متضرعا لتحققه فيدخل في زمرة الثابتين الموعودين بذلك الثواب، بقوله (عليه السلام): فمن ثبت منهم (الخ).
وثانيهما: إن هذا الدعاء يصير سببا لكمال الإيمان، وثبوته للإنسان، بنجاته من فتن آخر الزمان، كما قال مولانا أبو محمد العسكري لأحمد بن إسحاق القمي (ره): والله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته، ووفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه، الخبر. وقد مر بطوله في الباب الرابع فيكون الدعاء له سببا لكون الداعي في درجة أمير المؤمنين (عليه السلام) بواسطة كونه سببا لثبوت الإيمان في زمن غيبة صاحب الزمان (عليه السلام).
هذا ومما يؤيد كون هذا الدعاء سببا لكمال الإيمان، أنه من أفراد النصيحة لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وهو مما يوجب استكمال الإيمان:
- كما رواه الصدوق (ره) في مجالسه(1109) عن مولانا الكاظم (عليه السلام) عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من أسبغ وضوءه وأحسن صلاته وأدى زكاة ماله وخزن لسانه وكف غضبه واستغفر لذنبه وأدى النصيحة لأهل بيت رسوله (صلى الله عليه وآله) فقد استكمل حقائق الإيمان وأبواب الجنة مفتحة له.
المكرمة الثامنة والثلاثون
أن الداعي لمولانا صاحب الزمان بتعجيل فرجه وظهوره، أحب الخلق إلى الله تعالى لأنه نفع عامة المؤمنين، وبه يدخل السرور على الأئمة الطاهرين وأهل بيت خاتم النبيين.
- وقد روى الشيخ الأقدم ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني (ره) في أصول الكافي(1110) بإسناده الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الخلق عيال الله فأحب الخلق إلى الله من نفع عيال الله وأدخل على أهل بيت سرورا.
- وفيه(1111) بإسناد مرسل عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحب الناس إلى الله؟ قال (صلى الله عليه وآله) أنفع الناس للناس.
أقول: أما سرور النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) بالدعاء للخلف المنتظر، فمما لا خفاء فيه، وأما كون هذا الدعاء نفعا لجميع المؤمنين بل جميع أهل العالم فمن وجهين.
أحدهما: ما مر في حرف النون من الباب الرابع من انتفاع جميع أهل العالم بظهوره، صلوات الله عليه، فالدعاء لتعجيل ذلك نفع لهم.
والثاني: ما سيأتي في المكرمة الرابعة والأربعين، أن الله تعالى يدفع العقوبة عن أهل الأرض ببركة الداعين لفرجه وظهوره، إن شاء الله تعالى.
المكرمة التاسعة والثلاثون
كون الداعي له أكرم خلق الله عند النبي (صلى الله عليه وآله): ويدل على ذلك ما مر في المكرمة الحادية والعشرين، أنه من إخوان النبي (صلى الله عليه وآله) لوضوح كون إخوانه أكرم الخلق عليه.
- ويؤيده أيضا ما في البحار(1112) بإسناده عن رفاعة بن موسى ومعاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه يتولى وليه، ويتبرأ من عدوه ويتولى الأئمة الهادية من قبله، أولئك رفقائي، وذوو ودي ومودتي، وأكرم أمتي علي قال رفاعة: وأكرم خلق الله علي ". انتهى.
ووجه التأييد أن الدعاء لفرجه، وظهوره، وإتمام أمره، من جملة أصناف الاقتداء به.
- كما ورد في حديث(1113) ولادته أنه (عليه السلام) دعا لذلك حينئذ، فقال (عليه السلام): اللهم أنجز لي وعدي، وأتمم لي أمري، وثبت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلا وقسطا.
- وفي كمال الدين(1114) عن عبد الله بن جعفر الحميري (ره) قال: سألت محمد بن عثمان العمروي، فقلت له: أرأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال: نعم وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام، وهو يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني.
- وفيه(1115) أيضا عنه قال: سمعت محمد بن عثمان العمروي (ره) يقول رأيته صلوات الله عليه متعلقا بأستار الكعبة في المستجار، وهو يقول: اللهم انتقم لي من أعدائي.
المتممة أربعين: دخول الجنة بضمانة النبي (صلى الله عليه وآله)
- ويدل على ذلك مضافا إلى ما مر في استيجابه الشفاعة ما رواه الصدوق (ره) في الخصال(1116) مسندا عنه (صلى الله عليه وآله) قال: من يضمن لي خمسا، أضمن له الجنة قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال (صلى الله عليه وآله) النصيحة لله (عزَّ وجلَّ)، والنصيحة لرسوله (صلى الله عليه وآله)، والنصيحة لكتاب الله والنصيحة لدين الله والنصيحة لجماعة المسلمين.
أقول: النصيحة طلب الخير، ولا ريب في حصوله بأصنافه الخمسة بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه، لأن بظهوره ينكشف الكرب عن أولياء الله وبه سرور رسول الله (صلى الله عليه وآله) وظهور أحكام كتاب الله، وغلبة دين الله وفرج جماعة المسلمين وفرجهم كما لا يخفى.
الحادية والأربعون
أنه يكون مشمولا بدعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) - ففي الاحتجاج(1117) بعد ذكر الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) رفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم وال من والى خلفائي، وأئمة أمتي من بعدي، وعاد من عاداهم، وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم الخ.
ولا ريب في أن الدعاء لمولانا صاحب الزمان (عليه السلام) موالاة ونصرة له ولجميع الأئمة الكرام عليهم الصلاة والسلام ويأتي ما يدل عليه إن شاء الله تعالى.
المكرمة الثانية والأربعون: غفران الذنوب وتبديل السيئات بالحسنات
- ويدل على ذلك ما رواه الشيخ أحمد بن فهد الحلي (ره) في عدة الداعي(1118) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ما جلس قوم يذكرون الله (عزَّ وجلَّ)، إلا ناداهم ملك من السماء: قوموا فقد بدلت سيئاتكم حسنات وغفرت لكم جميعا.
وجه الدلالة: أن الدعاء لمولانا صاحب الزمان قسم من ذكر الله فكل مجلس دعا المؤمن فيه لمولاه فقد فاز بذكر الله.
- ويدل على ذلك ما روي في الوسائل(1119) والكافي(1120) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكروا الله (عزَّ وجلَّ) ولم يذكرونا إلا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة.
ثم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إن ذكرنا من ذكر الله، وذكر عدونا من ذكر الشيطان.
الثالثة والأربعون
أن المداومة في الدعاء لمولانا (عليه السلام) يكون وسيلة لأن يؤيده الله تعالى في العبادة.
- ويدل عليه ما في عدة الداعي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: قال سبحانه: إذا علمت أن الغالب على عبدي الاشتغال بي، نقلت شهوته في مسألتي ومناجاتي فإذا كان عبدي كذلك، فأراد أن يسهو حلت بينه وبين أن يسهو. أولئك أوليائي حقا أولئك الأبطال حقا.
وتقرير الدلالة أن الدعاء كما دلت عليه الآيات والروايات من أعظم أقسام العبادات، ولا شك أن أجل أنواع الدعاء وأعظمها الدعاء لمن أوجب الله تعالى حقه والدعاء له على كافة البريات، وببركة وجوده يفيض نعمه على قاطبة المخلوقات كما أنه لا ريب في أن المراد من الاشتغال بالله هو الاشتغال بعبادة الله فهو الذي يكون المداومة به سببا لأن يؤيده الله في العبادة، ويجعله من أوليائه فينتج أن المواظبة في الدعاء لمولانا الحجة، ومسألة التعجيل في فرجه وظهوره، وكشف غمه، وتحصيل سروره، يوجب حصول تلك الفائدة العظيمة كما لا يخفى.
فاللازم على كافة أهل الإيمان أن يهتموا ويواظبوا بذلك في كل مكان وزمان. ومما يناسب ما ذكرناه، ويؤيده ما ذكره الأخ الأعز الإيماني الفاضل المؤيد بالتأييد السبحاني:
الآغا ميرزا محمد باقر الأصفهاني(1121)، أدام الله تعالى علاه، وآتاه ما يتمناه، في هذه الأيام فإنه قال: رأيت ليلة من هذه الليالي في المنام أو بين اليقظة والمنام، الإمام الهمام مولى الأنام والبدر التمام، وحجة الله على ما فوق الثرى، وما تحت الثرى مولانا الحسن المجتبى عليه الصلاة والسلام، فقال ما معناه: قولوا على المنابر للناس وأمروهم أن يتوبوا ويدعوا في فرج الحجة (عليه السلام) وتعجيل ظهوره ليس هذا الدعاء كصلاة الميت واجبا كفائيا يسقط بقيام بعض الناس به عن سائرهم بل هو كالصلوات اليومية التي يجب على كل فرد من المكلفين الإتيان بها إلى آخر ما قال: والله المستعان في كل حال.
المكرمة الرابعة والأربعون
دفع العقوبة والعذاب عن أهل الأرض ببركة الداعين لمولانا صاحب الزمان (عليه السلام) وتقريره من وجهين:
أحدهما: ما في عدة الداعي، في ذيل الحديث القدسي السابق " أولئك الذين إذا أردت أن أهلك الأرض عقوبة زويتها عنهم من أجل أولئك الأبطال ".
- والثاني: ما في كمال الدين(1122) بإسناده عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، يا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن ينادي بهم الباري جل جلاله فيقول: عبيدي وإمائي آمنتم بسري، وصدقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب مني أي عبيدي وإمائي حقا منكم أتقبل، وعنكم أعفو ولكم أغفر وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء لولاكم لأنزلت عليهم عذابي، الخبر.
ووجه الاستشهاد لتبيين هذا المراد: ما مر ويأتي أن الاهتمام والإكثار في الدعاء لصاحب الدار والإمام الغائب عن الأبصار، سبب للثبوت على طريقة الأئمة الأطهار ومنهاج المعصومين الأخيار، فيكون وسيلة لتلك المكرمة بهذا الاعتبار.
الخامسة والأربعون: الفوز بثواب إعانة المظلوم ونصره
أما كونه (عليه السلام) مظلوما فلا خفاء فيه.
وأما حسن نصرة المظلوم وإعانته فمما يدل عليه العقل والنقل.
- ففي البحار(1123) وغيره، عن الصادق (عليه السلام) قال: ما من مؤمن ينصر أخاه وهو يقدر على نصرته إلا نصره الله في الدنيا والآخرة.
- وعنه (عليه السلام)(1124) قال: من أغاث أخاه المؤمن اللهفان عند جهده فنفس كربته، وأعانه على نجاح حاجته، كانت له بذلك عند الله اثنتان وسبعون رحمة من الله، يعجل الله له منها واحدة يصلح بها معيشته، ويدخر له إحدى وسبعين لأفزاع يوم القيامة وأهواله، إلى غير ذلك مما يوجب ذكره الإطناب، وفيما ذكرناه كفاية لأولي الألباب.
وأما كون الدعاء له، ومسألة تعجيل فرجه إعانة ونصرة له فقد مر سابقا أن الدعاء لصاحب الزمان (عليه السلام) من أقسام النصرة باللسان، وبيان ذلك أن المراد من النصرة والإعانة هو الإقدام في أمر يكون سببا أو جزء سبب حقيقة أو في نظر الناصر لدفع مضرة، أو جلب منفعة، أو قضاء حاجة، لمن يريد نصرته وهذا العنوان ثابت في دعاء أهل الإيمان لمولانا صاحب الزمان وذلك لأن تأثير الدعاء في كل من الأمور المذكورة ثابت بالروايات الكثيرة المأثورة، المسطورة في باب فضل الدعاء، من كتب العلماء الأخيار كالكافي(1125) والوسائل(1126) والبحار فإذا اجتهد المؤمن في الدعاء، لكشف الغم والحزن عن قلب إمامه، والتعجيل في حصول مرامه بشرائطه المذكورة في مقامه، كان أثر ذلك حاصلا بمقتضى الوعدة الإلهية، لأن الله تعالى لا يخلف الميعاد.
فظهر من ذلك أن الدعاء إعانة ونصرة للإمام، فيما يريده من أقسام المرام مضافا إلى ما ورد من أمره المطاع الأعلى في التوقيع الرفيع(1127) الأسنى أنه قال: وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم، الخ فإنه (عليه السلام) طلب من أحبائه حاجة يقدرون على قضائها، والإقدام فيها، وهي الإكثار من الدعاء له بتعجيل فرجه. فإقدام كل أحد منهم في ذلك إعانة في قضاء حاجته، وإنجاح طلبته. ويشهد لما ذكرنا أيضا من تأثير الدعاء في استباق ذلك، ما رويناه في المكرمة الثانية والعشرين فارجع هنالك، لتتضح لك المسالك وسيأتي في المكرمة التاسعة والأربعين ما يدل على ذلك بنحو التبيين.
- ففي الحديث المذكور الذي روي في الكافي(1128) عن عيسى بن أبي منصور، قال الصادق (عليه السلام) (ابتداء منه لعبد الله بن أبي يعفور في باب حق المؤمن على أخيه): يا بن أبي يعفور قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ست خصال من كن فيه كان بين يدي الله (عزَّ وجلَّ)، وعن يمين الله (عزَّ وجلَّ) فقال ابن أبي يعفور وما هي جعلت فداك؟
قال (عليه السلام): يحب المرء المسلم لأخيه ما يحب لأعز أهله، ويكره المرء المسلم لأخيه ما يكره لأعز أهله، ويناصحه الولاية فبكى ابن أبي يعفور، وقال كيف يناصحه الولاية؟
قال: يا بن أبي يعفور، إذا كان منه بتلك المنزلة بثه همه، ففرح لفرحه إن هو فرح، وحزن لحزنه إن هو حزن، وإن كان عنده ما يفرج عنه فرج عنه، وإلا دعا الله له، الخبر.
فإنه (عليه السلام) جعل الدعاء إعانة وتفريجا لمن لا يقدر على التفريج والإعانة بغير ذلك. وسيأتي تمام الخبر مع شرح ما يحتاج منه إلى الشرح إن شاء الله تعالى.
- ويشهد لما ذكرناه ويؤيده ما ورد في دعاء سيد الساجدين (عليه السلام) للغازين والمرابطين، حيث قال (عليه السلام): اللهم وأيما عبد مسلم خلف غازيا أو مرابطا في داره، أو تعهد خالفيه في غيبته أو أعانه بطائفة من ماله أو أمده بعتاد، أو شحذه على جهاد، أو اتبعه في وجهه دعوة، أو رعى له من ورائه حرمة فأجر له مثل أجره وزنا بوزن، ومثلا بمثل الخ.
فإنه عد الدعاء للمجاهدين والمرابطين من أصناف إعانتهم وطلب للداعين مثل أجرهم فتدبر.
ثم إن من أقسام الإعانة بالدعاء الدعاء لهلاك أعدائه وظالميه إذ لا ريب في تأثير دعاء المؤمن في هلاك الظالمين إذا كان دعاؤه مقرونا بالشروط المأثورة عن الأئمة الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين فإذا لم يقدر المؤمن على قتل أعداء إمامه وظالميه بالآلات الحربية كالسيف والسنان واقتدر على ذلك بمعونة الدعاء باللسان، وجب عليه أن يدخل في أعوانه وأنصاره بهذا العنوان، والله الموفق وهو المستعان ولذلك ورد عنهم الحث على لعن أعدائهم، والدعاء عليهم ولهلاكهم، كما سيمر عليك في الأدعية المأثورة له، صلوات الله عليه في الباب السادس والسابع فانتظر لها وراجع.
المكرمة السادسة والأربعون
أنه يترتب على ذلك فوائد إجلال الكبير والتواضع له، فالكلام يقع في مقامات:
الأول: في بيان تلك الفوائد.
والثاني: في معنى التواضع.
والثالث: في بيان بعض أنواع التواضع وكيفية حصوله في هذا المقام بالدعاء لمولانا خاتم الأئمة الكرام عليه وعلى آبائه آلاف التحية والسلام.
أما المقام الأول: فاعلم أن ما استفدناه فوائد ستة، ولعل المتتبع في الأخبار يقف على غيرها من الفوائد والآثار.
الأولى: أنه إجلال الله.
- ففي الكافي(1129) بسند مرسل كالصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم.
- وفي الوسائل(1130) بسند صحيح عنه (عليه السلام)، قال: إن من إجلال الله (عزَّ وجلَّ) إجلال الشيخ الكبير.
- وفيه(1131) عنه (عليه السلام) قال: من إجلال الله (عزَّ وجلَّ) إجلال المؤمن ذي الشيبة، ومن أكرم مؤمنا فبكرامة الله بدأ ومن استخف بمؤمن ذي شيبة أرسل الله إليه من يستخف به قبل موته.
- وفيه(1132) عن النبي (صلى الله عليه وآله) بسند مرفوع قال: من تعظيم الله إجلال ذي الشيبة المؤمن.
- وفيه(1133) في حديث عامي عنه (صلى الله عليه وآله) قال: بجلوا المشايخ فإن من إجلال الله تبجيل المشايخ.
أقول: لما كان شرف الإسلام أعلى وأجل من كل شرف، كان السابقون إليه أجدر بالتعظيم والتشريف عند الله (عزَّ وجلَّ) ولا ريب في أن إعظام هؤلاء القوم تعظيم وإجلال له (عزَّ وجلَّ)، لأجل سابقتهم إلى الإسلام، وتقدمهم في عبادته وطاعته، فلذلك جعل إجلالهم إجلالا له.
الثانية: الأمن من فزع يوم القيامة:
- لما روي في الوسائل(1134) بسند موثق كالصحيح عن الصادق (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من عرف فضل كبير لسنه فوقره، آمنه الله من فزع يوم القيامة.
- وفيه(1135) بالإسناد السابق عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال: من وقر ذا شيبة في الإسلام آمنه الله من فزع يوم القيامة.
- وفيه(1136) بسند مرفوع عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من عرف فضل شيخ كبير فوقره لسنه آمنه الله من فزع يوم القيامة.
الفائدة الثالثة: التقرب إلى الله (عزَّ وجلَّ) لأنه من التواضع.
- في أصول الكافي(1137) بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: فيما أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إلى داود: يا داود كما أن أقرب الناس من الله المتواضعون، كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون.
الفائدة الرابعة: أنه يحصل بذلك أداء بعض حقوقه.
- ففي دار السلام عن الفقيه(1138) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة من الله (عزَّ وجلَّ): الإجلال له في غيبته، الخبر.
أقول: لعل المراد بالوجوب هنا المعنى اللغوي، يعني الثبوت فمفاده أن تلك الحقوق حقوق جعلها الله تعالى للمؤمن على المؤمن: فإن مراتب الإجلال ودرجاتها في الغيبة أو الحضور كثيرة بعضها واجبة كرد غيبته وبعضها مندوبة، كالدعاء له ومدحه في الغياب، والله الموفق للصواب.
ثم لا يخفى أن هذا الحق إذا ثبت للمؤمن فهو ثابت لإمامهم بطريق أولى ونحو أوفى، لأنه في كل خير أتم وبه أحرى.
الخامسة: أنه يحصل حبه بالدعاء له، يعني أن الداعي يصير بذلك محبوبا لمولاه وفي ذلك جميع ما يتمناه، لأنه إحسان وإظهار للحب، وكلاهما يجلبان المحبة، مضافا إلى ما فيه من التعظيم والتكريم، وهو أيضا مما يزرع المحبة في قلب من يتواضع له بل نفس صفة التواضع يزرع حب صاحبها في قلوب الناس طرا، وهذا محسوس بحسب الآثار ومنصوص في جملة من الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار.
- ففي دار السلام عن سيد الأوصياء الأبرار أنه قال: ثلاث يوجبن المحبة حسن الخلق، وحسن الرفق، والتواضع.
- وفيه: عن مولانا الباقر (عليه السلام)، أنه قال: ثلاثة تورث المحبة: الدين، والتواضع، والبذل.
السادسة: الرفعة والاحترام الموهوب من الملك العلام، فإنه من ثمرات التواضع:
- كما في أصول الكافي(1139) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة، فتصدقوا يرحمكم الله وإن التواضع يزيد صاحبه رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله، وإن العفو يزيد صاحبه عزا فاعفوا يعزكم الله.
- وفيه(1140): بسند صحيح عن الصادق (عليه السلام) قال: إن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تواضع لله رفعاه ومن تكبر وضعاه.
- وفيه(1141) بإسناد صحيح أيضا عنه، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من تواضع رفعه الله، ومن تكبر خفضه الله.
- وفي الفقيه(1142) في وصاياه لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا علي، والله لو أن الوضيع في قعر بئر لبعث الله (عزَّ وجلَّ) إليه ريحا ترفعه فوق الأخيار في دولة الأشرار.
- وفي أصول الكافي(1143) في حديث مرفوع عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال:
فأوحى الله إلى الجبال: إني واضع سفينة نوح عبدي على جبل منكن فتطاولت وشمخت، وتواضع الجودي، وهو جبل عندكم، فضربت السفينة بجؤجئها الجبل، الخبر.
- وروى الشيخ الجليل أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي (ره) في كامل الزيارات(1144) بإسناده عن صفوان الجمال، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله تبارك وتعالى فضل الأرضين والمياه بعضها على بعض، فمنها ما تفاخرت ومنها ما بغت، فما من ماء ولا أرض إلا عوقبت لترك التواضع لله حتى سلط الله على الكعبة المشركين، وأرسل إلى زمزم ماء مالحا حتى أفسد طعمه.
وإن كربلاء وماء الفرات أول أرض وأول ماء قدس الله تبارك وتعالى، وبارك عليه فقال لها: تكلمي ما فضلك الله؟ فقالت: لما تفاخرت الأرضون والمياه بعضها على بعض، قلت: أنا أرض الله المقدسة المباركة، الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك ولا فخر على من دوني، بل شكرا لله. فأكرمها وزادها بتواضعها وشكرها لله بالحسين (عليه السلام) وأصحابه، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله.
- وفي المجلد الرابع عشر من بحار الأنوار(1145) من المكارم قال: لقد جاء النبي (صلى الله عليه وآله) ابن خولة بإناء فيه عسل ولبن، فأبى أن يشربه فقال (صلى الله عليه وآله): شربتان في شربة، إناءان في إناء واحد فأبى أن يشربه، ثم قال (صلى الله عليه وآله) ما أحرمه! ولكني أكره الفخر والحساب بفضول الدنيا غدا، وأحب التواضع فإن من تواضع لله رفعه الله.
- وفيه(1146): من كتاب الزهد بإسناده الصحيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أفطر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشية الخميس في مسجد قبا، فقال (صلى الله عليه وآله): هل من شراب؟ فأتاه أوس بن خولة بعس من لبن مخيض بعسل، فلما وضعه على فيه، نحاه ثم قال: شرابان يكتفى بأحدهما عن صاحبه، لا أشربه، ولا أحرمه، ولكني أتواضع لله فإن من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر خفضه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله ومن بذر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الله أحبه الله.
المقام الثاني: في بيان معنى التواضع
إعلم أن التواضع والتكبر من الكيفيات النفسانية، التي تظهر من كل منهما آثار كثيرة.
والأول: أن يكون الشخص عند نفسه حقيرا بالنسبة إلى الغير.
والثاني: أن يكون عند نفسه عظيما بالنسبة إلى الغير، ويكون غيره في نظره حقيرا بالنسبة إلى نفسه، وبهذا القيد يفرق بينه وبين العجب، فإن المراد منه أن يكون الشخص حسنا في نظره من حيث الجمال، أو الكمال، أو الأعمال، أو النسب أو جميعها، مع قطع النظر عن الغير. والتكبر: أن يرى ذلك بالنسبة إلى الغير، فيكون غيره حقيرا في نظره، وإنما ينشأ الكبر من جهل الشخص بمساوئ نفسه ومحاسن غيره أو الغفلة عنها.
وكما يطلق التكبر على تلك الصفة النفسانية كذلك يطلق على آثارها الناشئة عنها، والأفعال الخارجية المنبعثة منها كالمشي مرحا، وجر الثوب على الأرض، وترك رد السلام، ونحوها وكذلك التواضع قد يطلق على الصفة النفسانية التي هي ضد التكبر، وقد يطلق على آثارها الناشئة عنها كإجلال المشايخ، والجلوس مع المساكين وإجابة دعوتهم والابتداء بالسلام ونحوها.
واعلم أن الكبر من الصفات الذميمة والمهلكات العظيمة، وقد ورد في ذمه الآيات والأخبار الكثيرة.
- فمنها: ما رواه ثقة الإسلام الكليني (ره) في أصول الكافي(1147) بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: أصول الكفر ثلاثة: الحرص والاستكبار والحسد، الخبر.
- ومنها: ما رواه الكليني في أصول الكافي(1148) أيضا بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
قال أبو جعفر (عليه السلام) العز رداء الله، والكبر إزاره، فمن تناول شيئا منه، أكبه الله في جهنم.
- وفيه(1149) بإسناده عن أبي جعفر عليه الصلاة والسلام قال الكبر رداء الله، والمتكبر ينازع الله في ردائه.
- وفيه(1150) بإسناده عن أبي عبد الله، عليه الصلاة والسلام، قال: الكبر رداء الله، فمن نازع الله شيئا من ذلك، أكبه الله في النار.
- وفيه(1151) في الموثق كالصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن في جهنم لواديا للمتكبرين، يقال له سقر شكى إلى الله (عزَّ وجلَّ) شدة حره، وسأله أن يأذن له أن يتنفس، فتنفس فأحرق جهنم.
- وفيه(1152) بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إن المتكبرين يجعلون في صورة الذر، يتوطأهم الناس حتى يفرغ الله من الحساب.
- ولا ينافي هذه الأخبار، ما رواه الكليني في(1153) الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما: أي الباقر أو الصادق (عليهما السلام) قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من الكبر، قال: فاسترجعت فقال (عليه السلام) ما لك تسترجع! قلت: لما سمعت منك فقال (عليه السلام): ليس حيث تذهب، إنما أعني الجحود، وإنما هو الجحود. انتهى.
فإن هذا الحديث يخص بهذا العقارب الكبر الذي يكون سببا للجحود والإباء عن عبادة الله أو إطاعة أنبيائه وأوليائه، والانقياد لهم كتكبر إبليس وأضرابه وأحزابه من الكافرين والغاصبين لمناصب الأئمة الطاهرين، سلام الله عليهم أجمعين.
ووجه عدم التنافي، أن الروايات السابقة دلت على كون المتكبر من أهل النار مطلقا، سواء كان جاحدا أم لا، ولم يذكر فيها عدم دخوله في الجنة.
وهذا الحديث دل على كون عدم دخول الجنة مخصوصا بذلك الصنف من المتكبرين ولم يذكر الإمام (عليه السلام) أن معنى الكبر: الجحود كما لا يخفى.
وبالجملة فاعلم أن التواضع مفتاح كل خير، والتكبر مفتاح كل شر، لأنه يمنع صاحبه عن تحصيل الفضائل، وتبعيد الرذائل ولتفصيل الكلام في ذلك مقام آخر وإن وفقني الله (عزَّ وجلَّ) صنفت في ذلك كتابا مستقلا إن شاء الله تعالى.
المقام الثالث: في الإشارة إلى بعض أقسام التواضع، وبيان كون الدعاء من أقسامه.
إعلم أن التواضع أمر إضافي، تتعدد أقسامه بحسب ما يضاف إليه كالتواضع لله تعالى والتواضع لأنبيائه ولأوليائه والتواضع للمشايخ، والتواضع للوالدين وللمعلم، وللمتعلم، وللمؤمنين، وللشرفاء، وللعلماء، والتواضع في المسكن، وفي المجلس، والمطعم والمشرب، والملبس، والمنكح، والتواضع في المشي وفي الكلام، إلى غير ذلك من الأقسام، ولكل من هذه الأقسام فوائد عظام، يوجب ذكرها الإطناب في الكلام والخروج عما هو المقصود في هذا المقام.
وأما ما ادعيناه من كون الدعاء لخاتم الأئمة الكرام عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام مندرجا في هذه الأقسام، فلأن الدعوات الصادرة عن الإنسان وغيره من الداعين في حق غيرهم، يكون على أقسام.
فمنها: دعاء الشفقة والرحمة، كدعاء الوالد لولده، والأخ لإخوته والملائكة لزوار قبر الحسين ونحوها.
ومنها: دعاء المجازاة كدعاء من أحسن إليه أحد، أو دفع عنه سوء لهذا المحسن، أو الدافع، ودعاء المتعلم لمعلمه ونحوها.
ومنها: الدعاء في حق الغير رجاء لإحسانه، والانتفاع به والفرق بين هذا وسابقه أن السابق دعاء لأجل أمر قد وقع وهذا دعاء لأجل خير متوقع.
ومنها: دعاء التعظيم والتواضع، كدعاء الناس للعظماء والأعيان، والأشراف والأركان فإن دعاء الناس في حقهم غالبا إنما يكون توقيرا وتجليلا وتواضعا لهم بل يعد ترك الدعاء لهم في المحافل على المنابر توهينا بهم وهتكا لهم.
إذا عرفت هذا، فنقول: إن الدعاء لمولانا صاحب الزمان، وطلب تعجيل فرجه من القادر المنان، قد اجتمع فيه العناوين المذكورة بالضرورة، والعيان، عند من نظر بنور حقيقة الإيمان، فيترتب على كل منها فوائد جليلة ومكارم جميلة.
أما العنوان الأول: وهو الدعاء بحسب الشفقة والرحمة فلإجتماع موجبات الرحمة به، والشفقة عليه في وجوده المبارك فلنشر إلى بعضها لمن أراد السلوك في تلك المسالك.
فمنها: الوالدية الحقيقية للمؤمنين.
ومنها: الأخوة الواقعية مع المؤمنين.
ومنها: القربة وقلة الأنصار.
ومنها: الغيبة والعزلة عن الأحبة والديار.
ومنها: المظلومية بسبب غصب حقوقه.
ومنها: المظلومية لكونه موتورا بأبيه، وأجداده، وأرحامه وقراباته.
ومنها: الإيمان.
ومنها: كثرة أعدائه وضعف أحبائه.
ومنها: كثرة كربه وهمه وغمه بسبب ما يرد على أحبته، وشيعته في زمان غيبته.
ومنها: طول زمان ابتلائه.
ومنها: مجهولية قدره في الناس وانحرافهم عن طريقته.
ومنها: تقصير المؤمنين به في متابعته وخدمته، إلى غير ذلك مما يظهر للمتأمل في جهات أحواله، روحي وأرواح الطيبين له الفداء.
فيدرك المؤمن المخلص بالدعاء له الفوائد التي تترتب على ما أشرنا إليه من الجهات بأكمل الغايات وأعلى الدرجات، ففيه ثواب بر الوالد، ورعاية الأخ في الله، وإعانة الغريب والمظلوم، ونصرة المؤمن الواقعي، والتفريج عن المغموم والتنفيس عن المكروب، ورعاية المبتلى، والترحم على العالم المجهول قدره عند الجهال فإن بكل منها يحصل فوائد جمة ومكارم مهمة.
وأما العنوان الثاني: وهو الدعاء في حق الغير جزاء لإحسانه فقد ذكرنا في الباب الثالث والرابع: أن جميع ما نتقلب فيه من النعم والمنافع، إنما هو بتوسطه، وببركة وجوده (عليه السلام) مضافا إلى أنواع إحسانه إلينا من الدعاء في حقنا ودفع أعدائنا وحلمه عنا، وإفاضاته العلمية إلينا، وشفاعته لنا، وسائر أنواع الإحسان مما يعجز عن بيانه اللسان، ويقصر عن تحريره البنان، وقد قال الله (عزَّ وجلَّ) في محكم القرآن، ومنزل التبيان، في سورة الرحمن: ﴿هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾.
فيا من لا يقدر على مجازاة نعم مولاه، المحسن إليه بكل ما يتمناه، أفلا تقدر على جعل ساعة من ساعات ليلك أو نهارك اللذين يمضيان بغير اختيارك مخصوصة بالدعاء لصاحب الزمان الذي أنعم عليك بكل عنوان، وأحسن إليك بصنوف الإحسان التي يعجز عن عدها ووصفها اللسان، بل عمرك الذي تحصل كل ما تحصل به نعمة من النعم التي أنعم الله بها عليك بسببه!! فما أجفاك، ثم ما أجفاك! إن لم يضطرب قلبك لما أسمعناك، ولم يتحرك لسانك بالدعاء في حق مولاك فانتبه من رقدة اللهو وقم وانف عن عين تماديك المنايا، واعلم أن الرائد لا يكذب أهله، وما علينا إلى البلاغ ﴿وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون﴾.
وأما العنوان الثالث: وهو الدعاء للغير رجاء لإحسانه والانتفاع به، فقد قدمنا في الباب الرابع: أن أوفر العطيات، وأجزل النعم، وأكمل المواهب والقسم يحصل للمؤمنين بظهور خاتم الأئمة المعصومين، فينبغي لهم الاهتمام في الدعاء بتعجيل فرجه وظهوره، لينالوا ببركاته ويستضيئوا بشعاع نوره.
وأما العنوان الرابع: وهو الدعاء للغير تعظيما وتجليلا له فنقول: هل تعلم أحدا أجل قدرا، وأرفع شأنا، وأكرم نفسا وأمجد شخصا وأوجه جاها وأطول عمرا وأعلى نسبا وأسنى حسبا وأوضح برهانا وأكثر إحسانا وأفضل علما وأعظم حلما، وأوفر كمالا وأجل جلالا، وأصبح جمالا من مولاك صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه وظهوره.
فإن قال أحد: نعم. قلت: أنت ضال أحمق وإن قال: لا، قلت: ﴿ما لكم لا ترجون لله وقارا﴾ أفما سمعت قول النبي (صلى الله عليه وآله) من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم وغيره من الأحاديث التي أسمعناكها، لتكون حجة بيننا وبين الجاهلين. فإذا كان إجلال مشايخ المسلمين ومعمريهم بتلك المثابة فكيف يمكن لأحد بيان فضل عمل يحصل به إجلال أفضل مشايخ المسلمين، وسيدهم، وإمامهم، وأعلمهم الذي يعجز عن نعته قلم الإنشاء، ويظهره الله لإظهار عدله متى شاء! ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها﴾.
إذا عرفت ما ذكرناه فنقول: إن الدعاء له بتعجيل الظهور، وطلب الفرح والفرج والسرور، توقير وتجليل وتواضع له في الغيبة والحضور.
أما الأول: فلأنه غائب ظاهرا عن الأبصار، ومستور عن العيون والأنظار.
وأما الثاني: فلأنه حاضر في قلوب الأخيار - وشاهد على الخلق في جميع الأمصار، ناظر إليهم كالمصاحب معهم في المنزل والدار، وإن كنت في ريب من ذلك فانظر في كتب الأخبار، ليتضح لك الحق كالشمس في رابعة النهار، وهو صاحب المرأى والمسمع.
- فمن الأخبار الدالة على أن الإمام (عليه السلام) يرى الخلق وأفعالهم، ويعلم ضمائرهم وأحوالهم، ما في بصائر الدرجات(1154) بإسناده عن رميلة، قال: وعكت وعكا شديدا في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام)، فوجدت من نفسي خفة في يوم الجمعة وقلت: لا أعرف شيئا أفضل من أن أفيض على نفسي من الماء، وأصلي خلف أمير المؤمنين (عليه السلام) ففعلت.
ثم جئت إلى المسجد، فلما صعد أمير المؤمنين (عليه السلام) المنبر، عاد علي ذلك الوعك، فلما انصرف أمير المؤمنين (عليه السلام) ودخل القصر، دخلت معه، فقال: يا رميلة رأيتك، وأنت متشبك بعضك في بعض.
فقلت: نعم، وقصصت عليه القصة التي كنت فيها، والذي حملني على الرغبة في الصلاة خلفه.
فقال (عليه السلام): يا رميلة! ليس من مؤمن يمرض إلا مرضنا بمرضه، ولا يحزن إلا حزنا بحزنه، ولا يدعو إلا أمنا لدعائه، ولا يسكت إلا دعونا له فقلت له، يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك، هذا لمن معك في القصر، أرأيت من كان في أطراف الأرض؟ قال (عليه السلام): يا رميلة، ليس يغيب عنا مؤمن في شرق الأرض ولا في غربها.
- وفيه(1155) أيضا بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إن الدنيا تمثل للإمام (عليه السلام) في فلقة الجوز، فما تعرض لشيء منها، وإنه ليتناولها من أطرافها، كما يتناول أحدكم من فوق مائدته ما يشاء، فلا يعزب عنه منها شيء.
- وفيه(1156) أيضا بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الإمام يسمع الصوت في بطن أمه، فإذا بلغ أربعة أشهر كتب على عضده الأيمن: ﴿وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته﴾ فإذا وضعته أمه، سطع له نور ما بين السماء والأرض، فإذا درج رفع له عمود من نور يرى به ما بين المشرق والمغرب.
- وفيه(1157) عن أحمد بن محمد عن علي بن حديد، عن جميل بن دراج، قال: روى غير واحد من أصحابنا، قال: لا تتكلموا في الإمام، فإن الإمام (عليه السلام) يسمع الكلام وهو جنين في بطن أمه، فإذا وضعته كتب الملك بين عينيه ﴿وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته﴾ فإذا قام بالأمر رفع له في كل بلد منار، ينظر به إلى أعمال العباد.
- وفي رواية أخرى عن أبي الحسن، يعني موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: إنما منزلة الإمام في الأرض بمنزلة القمر في السماء، وفي موضعه، هو مطلع على جميع الأشياء كلها.
- وبإسناده(1158) عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) وسألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض، وهو في بيته مرخى عليه ستره، فقال (عليه السلام): يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل للنبي (صلى الله عليه وآله) خمسة أرواح: روح الحياة فبه دب ودرج، وروح القوة فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الإيمان فبه أمر وعدل، وروح القدس فبه حمل النبوة. فإذا قبض النبي (صلى الله عليه وآله) انتقل روح القدس فصار في الإمام (عليه السلام)، وروح القدس لا ينام ولا يغفل، ولا يلهو، ولا يسهو، والأربعة الأرواح تنام، وتلهو، وتغفل، وروح القدس ثابت يرى به ما في شرق الأرض وغربها، وبرها وبحرها.
قلت: جعلت فداك، يتناول الإمام ما ببغداد بيده؟ قال: نعم، وما دون العرش.
- وروى الشيخ الصدوق (ره)، في كتاب فضائل شهر رمضان، بسند صحيح عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: من عادى شيعتنا فقد عاداني، ومن والاهم فقد والاني، لأنهم منا، خلقوا من طينتنا، من أحبهم فهو منا، ومن أبغضهم فليس منا، شيعتنا ينظرون بنور الله، وينقلبون في رحمة الله، ويفوزون بكرامة الله، ما من أحد من شيعتنا يمرض إلا مرضنا لمرضه، ولا يغتم إلا غممنا لغمه، ولا يفرح إلا فرحنا لفرحه، ولا يغيب عنا أحد من شيعتنا أين ما كان في شرق الأرض وغربها.
ومن ترك من شيعتنا دينا فهو علينا، ومن ترك منهم مالا فلورثته، شيعتنا الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويحجون البيت، ويصومون شهر رمضان، ويوالون أهل البيت، ويبرؤون من أعدائنا أولئك أهل الإيمان والتقى، وأهل الورع والتقوى من رد عليهم فقد رد على الله، ومن طعن عليهم فقد طعن على الله، لأنهم عباد الله حقا وأولياؤه صدقا، والله إن أحدهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر فيشفعهم الله فيهم لكرامته على الله (عزَّ وجلَّ).
أقول: الأخبار الدالة على ما ذكرنا كثيرة جدا، مذكورة في كتب الحديث. وتؤيده الأحاديث الدالة على كونهم شهداء على الخلق، وهي مذكورة في أصول الكافي، وغيره.
فإن معنى الشهيد الحاضر المطلع على الواقعة كما لا يخفى.
والحاصل: كما أن الدعاء للأشراف في محضرهم تعظيم وتواضع لهم، كذلك الدعاء لأشرف الأشراف في زماننا مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) في محضره تعظيم وتواضع له، وحيث إن جميع أقطار العالم محضر له صلوات الله عليه، فينبغي للمؤمن أن يعظمه ويبجله بالدعاء له، حيثما كان وأين ما كان.
تذنيب
إعلم أن التواضع للإمام (عليه السلام) قسمان: قلبي وبدني، أما التواضع القلبي: فهو أن يعتقد ويذعن المؤمن بأن الإمام أفضل وأشرف منه، ومن جميع ما سوى الله تعالى، بعد خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) من الملائكة والنبيين وغيرهم، وإن الله (عزَّ وجلَّ) لم يخلق خلقا أفضل من رسول الله وأهل بيته الطاهرين وهذا اعتقادنا حقا عليه أحيى وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله تعالى.
ويدل على ذلك الأخبار الكثيرة المتواترة القطعية، ولو أردت ذكرها لكان كتابا مفصلا، وإن وفقني الله تعالى ألفت في هذا الباب ما يكون تذكرة وتبصرة لأولي الألباب.
وعن السيد الجزائري(1159) رحمه الله تعالى أنه قال: الأخبار الدالة على هذا المطلب كثيرة جدا، والذي اطلعت عليه منها زهاء ألف حديث.
وعن الصدوق في اعتقاداته(1160) قال: ويجب أن يعتقد أن الله (عزَّ وجلَّ) لم يخلق خلقا أفضل من محمد (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) إلى آخر ما قال.
وعن المجلسي في اعتقاداته(1161) قال: ثم لا بد أن تعتقد في النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) أنهم أشرف المخلوقات جميعا، وأنهم أفضل من جميع الأنبياء (عليهم السلام)، وجميع الملائكة. انتهى.
- ومما يدل على ذلك من الأخبار الكثيرة ما رواه ثقة الإسلام الكليني (ره) في أصول الكافي(1162) بإسناده عن أمير المؤمنين، في حديث قال: ﴿إن الله تبارك وتعالى لو شاء لعرف العباد نفسه، ولكن جعلنا أبوابه، وصراطه، وسبيله والوجه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضل علينا غيرنا فإنهم عن الصراط لناكبون﴾. الخبر.
ويدل عليه أيضا الأخبار الناصة بأنهم مثل النبي في كل شيء، إلا النبوة:
- ففي أصول الكافي(1163) بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نحن في الأمر والفهم والحلال والحرام نجري مجرى واحدا فأما رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) فلهما فضلهما. انتهى.
- ويدل عليه(1164) أيضا الروايات الدالة على أن عندهم اثنين وسبعين حرفا من الاسم الأعظم، ولم يكن بهذا المقدار عند أحد من الرسل الكبار، إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتتبع في الأخبار.
وأما التواضع البدني للإمام عليه الصلوات والسلام فهو على قسمين واجب ومندوب.
أما الواجب منه فهو ما يؤدي تركه إلى هتك الإمام، والاستخفاف به (عليه السلام) كترك القيام عند ذكر اسم القائم في المجلس العام، بقصد الاستخفاف نعوذ بالله، مع قيام أهل المجلس لأن الاستخفاف بالإمام يستلزم الاستخفاف بالله (عزَّ وجلَّ).
- وفي الوسائل(1165) عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال فمعنى الكفر كل معصية عصي الله بها بجهة الجهد والإنكار، والاستخفاف والتهاون، في كل ما دق وجل وفاعله كافر. الخبر:
وأما المندوب فهو غيره كالدعاء له والقيام عند ذكر اسمه والصلاة عليه وغير ذلك مما يدخل في عنوان التواضع.
المكرمة السابعة والأربعون
مما يحصل بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) وظهوره، الفوز بثواب طلب ثأر مولانا الحسين الإمام المظلوم الغريب الشهيد (عليه السلام): وهذا أمر لا يقدر على إحصاء ثوابه أحد إلا الله العزيز الحميد جل شأنه، لأن عظمة شأن الثأر بقدر عظمة صاحبه، فكما لا يقدر أحد على الإحاطة بالشؤون الحسينية إلا الله (عزَّ وجلَّ)، كذلك لا يقدر غيره على إحصاء ثواب طلب ثأره، فإنه الذي ورد في زيارته: السلام عليك(1166) يا ثار الله وابن ثاره ولو لم يكن في الدعاء بتعجيل ظهور مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه سوى هذا الثواب، لكفى فضلا وشرفا وشأنا فكيف وفيه من الفضل ما لا يحصى، ومن الثواب ما لا يستقصى!
وأما حصول الفوز بثواب طلب ثأر مولانا الشهيد (عليه السلام) بهذا الدعاء، فتقريره أن طلب ثأره (عليه السلام) وظيفة كل مؤمن ومؤمنة، لأنه والدهم الحقيقي، بمقتضى، ما قدمناه في الباب الثالث، من كون الإمام (عليه السلام) والدا حقيقيا.
ويؤيده تفسير الوالدين في قوله تعالى: ﴿ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا﴾(1167) بالحسنين (عليهما السلام) كما في تفسير القمي(1168) وغيره، ولذا يصح أن ينسب المؤمن ثأره (عليه السلام) إلى نفسه ويجعل كل أحد من المؤمنين نفسه ولي دمه (عليه السلام)، كما في زيارة عاشوراء(1169): وأن يرزقني طلب ثاري مع إمام مهدي ظاهر ناطق منكم " (الخ).
ووجه آخر مضافا إلى هذا الوجه أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر أمته بأمر الله (عزَّ وجلَّ) بالمودة في القربى، وقد تقدم أخبار عديدة دالة على كون المراد بالقربى الأئمة (عليهم السلام)، ولو حملنا القربى على مطلق الأقارب، أو الذرية نظرا إلى ظاهر اللفظ، فلا ريب أن الأئمة (عليهم السلام) أفضل أفرادهم، وأكمل مصاديقهم، ولا ريب أيضا في أن طلب ثارهم وحقوقهم من أظهر مصاديق المودة، وأجل أقسام إظهار المحبة.
إذا تقرر ما ذكرنا، فنقول: إن لطلب الثأر مراتب عديدة ودرجات أربعة:
الأولى: أن يكون ولي الدم ذا قوة واستيلاء واستعلاء، وسلطنة فيأمر بعض عبيده بقتل قاتل المظلوم.
والثانية: أن يقتل هو قاتل المظلوم، وبهذين القسمين يطلب الله (عزَّ وجلَّ) ثأر مولانا الشهيد المظلوم فإنه تعالى ولي دمه في الحقيقة ولذا ورد في زيارات عديدة: السلام عليك يا ثار الله " (الخ).
أما الأول: فلأنه (عزَّ وجلَّ) أمر مولانا القائم (عليه السلام) بطلب ثأر الحسين (عليه السلام) كما في روايات عديدة، ذكرنا بعضها في حرف الثاء المثلثة، من الباب الرابع.
- وفي كامل الزيارات(1170) لابن قولويه بإسناده عن الصادق (عليه السلام)، في قوله تعالى: ﴿ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل﴾ قال: ذلك قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) يخرج فيقتل بدم الحسين بن علي (عليه السلام)، فلو قتل أهل الأرض لم يكن سرفا(1171). وقوله تعالى: ﴿فلا يسرف في القتل﴾ لم يكن له ليصنع شيئا يكون سرفا ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) يقتل والله ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها.
- وفي نور الأنوار للفاضل البروجردي، ما لفظه: ودر خبري وارد است كه چون مردم آنحضرت را به بيرحمى وقتل نفس متهم سازند انجناب بمنبر بالا رود ويك تاي نعلين حضرت گلگون قباى دشت نينوا ويكه تاز عرصه كربلاء سيد الشهدا. عليه آلاف التحية والثناء، وروحي له الفداء بيرون آورد، وفرمايد اگر همه دشمنان را بكشم مقابل خون أين بند نعلين نخواهد بود.
- ودر خبر ديگر است كه ميفرمايد اگر همه أهل عالم را بكشم در عوض أين بند نعلين نميشود. إنتهى.
وأما الثاني فلقوله تعالى: ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها﴾ فلا يزهق روح أحد إلا بإذن الله تعالى، وكما يطلب القادر المنتقم جل شأنه ثأره بهذين القسمين يطلب القائم المنتظر ثأره أي ثأر جده الحسين بهذين القسمين أيضا. باعتبار آخر فإنه يقتل قتلة أجداده (عليهم السلام)، والراضين بفعلهم ويأمر شيعته وأنصاره بقتلهم أيضا.
الثالثة: أن يكون الطالب بالثار ضعيفا لا يقدر على ذلك إلا بالتظلم والاستعداء إلى سلطان مقتدر يأخذ بحقه من ظالمه فهذا أيضا نوع من طلب الثأر، كما هو واضح عند أولي الأبصار.
والرابعة: أن يكون بسبب ضعفه غير قادر على أخذ الثأر، إلا بالاستعانة إلى غيره من ذوي الاقتدار فيتعاونان على ذلك، وبعبارة أخرى: إن الإعانة في تهيؤ أسباب أخذ الثأر قسم من أقسام الطلب والانتصار، وحيث إنا لا نقدر في زماننا هذا على طلب ثأر مولانا الحسين إلا بهذين القسمين، فاللازم علينا بمقتضى وظيفتنا الثابتة المبادرة إلى المطالبة بهذين النحوين وهما يحصلان بمسألة تعجيل ظهور مولانا صاحب الزمان، من القادر المنان، والتظلم والتضرع إليه في هذا الشأن فإنه أقدر من كل سلطان والمنتقم من أهل البغي والعدوان، لأنا علمنا بالمتواتر من الأخبار أن القادر الجبار ادخر مولانا الغائب عن الأبصار لطلب هذا الثار، فاللازم علينا في آناء الليل والنهار التظلم والتضرع إلى الله (عزَّ وجلَّ) في تعجيل ظهوره (عليه السلام) لأخذ الثار والانتقام من الجبابرة الكفار إذ ليس لنا سبيل في زمان غيبته (عليه السلام) إلى غير هذا القسم من طلب الثار فيدخل الدعاء لذلك في القسم الثالث من أقسام الطلب، والانتصار بهذا الاعتبار.
وأما دخوله في القسم الرابع فلما بينا في المكرمة الثانية والعشرين من أن اهتمام أهل الإيمان في الدعاء بتعجيل ظهور صاحب الزمان يكون من أسباب استباق فرجه وظهوره، فالدعاء لذلك إعانة له (عليه السلام) في المبادرة إلى الانتصار وأخذ ثار الأئمة الأطهار من القتلة اللئام الفجار.
- ويرشد إلى ما ذكرنا أيضا ما ورد في التوقيع الشريف إلى الشيخ المفيد(1172) حيث قال:
ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب، في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ومما يؤيد ما ذكرناه أيضا: رؤيا وقعت لبعض الصالحات، المعتمدات من أقاربنا في هذه الأوقات التي اتفقت فيها المحن والبليات باستيلاء الكفار على بلاد الإسلام وغلب الهم والغم على الخاص والعام.
ومحصل ما وقع لتلك المؤمنة الصالحة في المنام مما يتعلق بهذا المقام أنها سمعت قائلا يقول ما معناه: لو كان المؤمن مواظبا في أعقاب صلواته في الدعاء بتعجيل ظهور مولاه كما يواظب في الدعاء لنفسه إذا كان مريضا أو مديونا أو نحو ذلك، بحيث يكون مفارقته (عليه السلام) سببا لهمه، وانكسار قلبه، واضطرار حاله، وتوزع باله، لكان دعاؤه بتلك الحالة موجبا لأحد أمرين: إما بدار مولاه إلى الظهور وإما تبدل حزنه بالسرور بارتفاع المحن والنجاة من البلايا والفتن.
هذا ويمكن أن يقرر اندراج الدعاء بتعجيل ظهور مولانا صاحب الزمان في أنحاء طلب ثأر مولانا الغريب المظلوم أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) بوجه آخر وهو أن يقال: إذا علم المؤمن أن من آثار هذا الدعاء وفوائده كما ذكرنا في المكرمة المتممة للعشرين الرجوع إلى الدنيا في زمان ظهوره (عليه السلام) فدعى لاستباق ذلك ليطلب بنفسه ثأر مولانا الشهيد المظلوم من قتلته، وأولادهم الراضين بفعال آبائهم، اندرج في طالبي الثأر بهذا الوجه والاعتبار.
فإما أن يطول عمره حتى يدرك ذلك الزمان.
وإما أن يرجع بعد موته إلى الدنيا فينتقم من الأعداء وهذا من آثار ذاك الدعاء وهذا التقرير ذكره أخي وصديقي الروحاني المؤيد بالتأييد السبحاني، أثبته ليكون له لسان صدق في الآخرين.
تتميم
قد تبين مما ذكرنا في هذا المقام أن الداعي بتعجيل ظهور مولانا (عليه السلام) يدرك بذلك ثواب طلب ثأر سائر الأئمة الكرام وأتباعهم والشهداء معهم، ولمحبتهم إلى يوم القيامة لأنه (عليه السلام) يأخذ بثارهم، وينتقم من أعدائهم وقد ذكرنا بعض ما يدل على ذلك في حرف الألف من الباب الرابع فإن شئته فراجع.
المكرمة الثامنة والأربعون
مكرمة شريفة، وعناية لطيفة محتوية على مكرمتين جليلتين:
إحداهما: كون الدعاء بتعجيل ظهور مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) وفرجه من مصاديق تحمل الصعب المستصعب، من أحاديث الأئمة الأطهار الهداة الأبرار.
والثانية: كونه سببا لتحمل سائر أحاديثهم الصعبة المستصعبة، وأسرارهم الخشنة المستوعرة وهذا مقام منيع، وشأن رفيع، يتبين بعض مراتبه بما سنذكره لطالبه، وتحقيق الكلام في تقريب هذا المرام موكول إلى رسم فوائد في كل منها مواهب وعوائد.
الأولى: في ذكر بعض ما ورد من أن حديثهم صعب مستصعب.
- ففي أصول الكافي(1173) بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله: إن حديث آل محمد صعب مستصعب لا يؤمن به إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان فما ورد عليكم من حديث آل محمد فلانت له قلوبكم، وعرفتموه، فاقبلوه، وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد (صلى الله عليه وآله) وإنما الهالك أن يحدث أحدكم بشيء منه لا يحتمله فيقول: والله ما كان هذا والله ما كان هذا، والإنكار هو الكفر.
- وفيه(1174) بإسناد مرفوع عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن حديثنا صعب مستصعب لا تحتمله إلا صدور منيرة أو قلوب سليمة أو أخلاق حسنة، إن الله أخذ من شيعتنا الميثاق، كما أخذ على بني آدم ﴿ألست بربكم﴾ فمن وفى لنا وفى الله له بالجنة ومن أبغضنا ولم يؤد إلينا حقنا ففي النار خالدا مخلدا.
- وفيه(1175): عن الصادق عن زين العابدين (عليه السلام) قال: إن علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله إلا نبي مرسل، أو ملك مقرب، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، ورواها الصفار في بصائر الدرجات الخبر.
- وفي بصائر الدرجات(1176) أيضا بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن أو مدينة حصينة، فإذا وقع أمرنا وجاء مهدينا كان الرجل من شيعتنا أجرأ من ليث، وأمضى من سنان يطأ عدونا برجليه، ويضربه بكفيه، وذلك عند نزول رحمة الله وفرجه على العباد.
- وبإسناد آخر(1177) عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سمعته يقول: إن حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ثلاث نبي مرسل، أو ملك مقرب، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
ثم قال: يا أبا حمزة ألا ترى أنه اختار لأمرنا من الملائكة المقربين ومن النبيين المرسلين، ومن المؤمنين الممتحنين.
- وبإسناد آخر(1178) عنه (عليه السلام) قال: إن حديث آل محمد (صلى الله عليه وآله) صعب مستصعب، ثقيل، مقنع، أجرد ذكوان لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، أو مدينة حصينة، فإذا قام قائمنا نطق، وصدقه القرآن.
- وبإسناد آخر(1179) عنه (عليه السلام) قال: حديثنا صعب مستصعب، لا يؤمن به إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، فما عرفت قلوبكم فخذوه، وما أنكرت فردوه إلينا. وبإسناد آخر(1180) عنه مثله.
- وبإسناده عن المفضل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حديثنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
- وبإسناده(1181) عن إسماعيل بن عبد العزيز قال: سمعت أبا عبد الله يقول: حديثنا صعب مستصعب. قال: قلت: فسر لي جعلت فداك قال: ذكوان ذكي أبدا. قلت: أجرد؟ قال:
طري أبدا قلت مقنع؟ قال: مستور.
- وبإسناده(1182) عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: إن حديثنا صعب مستصعب خشن مخشوش، فانبذوا إلى الناس نبذا، فمن عرف فزيدوه، ومن أنكر فأمسكوا لا يحتمله إلا ثلاث ملك مقرب، أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
- وبإسناد آخر(1183) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن حديثنا صعب مستصعب، أجرد ذكوان، وعر، شريف، كريم، فإذا سمعتم منه شيئا ولانت له قلوبكم، فاحتملوه، واحمدوا الله عليه وإن لم تحتملوه ولم تطيقوه، فردوه إلى الإمام العالم من آل محمد (صلى الله عليه وآله) فإنما الشقي الهالك الذي يقول: والله ما كان هذا ثم قال (عليه السلام) يا جابر الإنكار هو الكفر بالله العظيم.
الفائدة الثانية: في بيان معنى الحديث في قولهم (عليهم السلام): حديثنا صعب مستصعب الخ:
يحتمل أن يكون المراد كل ما ورد عنهم، ويوجه كونه صعبا بسبب صعوبة تحمله ويكون المراد بالاحتمال بيانه ونشره في مقام يقتضيه الحال فإن المؤمن الكامل يعرف مواقع البيان، من مواقع الكتمان فيعمل في كل مقام بما يرى صلاحه بنور الإيمان.
لكن الأقرب في النظر القاصر، بل المتعين عند البصير الماهر، أن المراد بحديثهم المذكور في هذه الأخبار، ما ورد في فضائلهم من غرائب الأسرار وعجائب الآثار، ومقامات منيعة لا تدركها الأفكار، وشؤون بديعة يعجز عن بيانها أولو الأبصار وعلى هذا تكون الإضافة للاختصاص، بمعنى أن حديثنا الخاص بنا الوارد في فضلنا ومقاماتنا صعب مستصعب (الخ) لأن نسبة الحديث إليهم تتصور على وجهين:
أحدهما: مطلق ما أخبروا به، وعليه يتخرج المعنى الأول.
والثاني: ما يختص بهم في ذكر شؤونهم ومقاماتهم، وعلومهم وكراماتهم (و) على هذا تكون إضافة الحديث إليهم دالة على العموم، ولا حاجة إلى أن يقال: المراد بعض أحاديثهم بتقدير المضاف، أو يقال بأنه من باب المجاز اللغوي بذكر العام وإرادة الخاص بل المتعين أن يحمل على الحقيقة، وتكون الإضافة للاختصاص. ويمكن أن يكون المراد بالحديث في تلك الروايات الشأن والصفة، كما ورد في بعض الكلمات الصادرة عن بعض الأجلة الثقات أو يكون الحديث مرادفا للذكر أو الأمر، ومرجع الكل واحد، ويدل على ما اخترناه وأيدناه أخبار عديدة، نتبرك بذكر بعضها إن شاء الله تعالى.
- فمنها الأخبار الواردة بأن أمرهم صعب مستصعب، كرواية الصفار في البصائر(1184) عن أبي الربيع الشامي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كنت معه جالسا، فرأيت أن أبا جعفر قد نام، فرفع رأسه، وهو يقول: يا أبا الربيع حديث تمضغه الشيعة بألسنتها لا تدري ما كنهه. قلت: ما هو جعلني الله فداك؟ قال: قول علي بن أبي طالب (عليه السلام): إن أمرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
يا أبا الربيع، ألا ترى أنه يكون ملك ولا يكون مقربا ولا يحتمله إلا مقرب، وقد يكون نبي وليس بمرسل ولا يحتمله إلا مرسل، وقد يكون مؤمن وليس بممتحن ولا يحتمله إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان.
- وفيه(1185) بإسناده عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: خالطوا الناس مما يعرفون، ودعوهم مما ينكرون، ولا تحملوا على أنفسكم وعلينا، إن أمرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
- وبإسناده(1186): عن سدير الصيرفي قال كنت بين يدي أبي عبد الله (عليه السلام) أعرض عليه مسائل قد أعطانيها أصحابنا: إذا خطرت بقلبي مسألة، فقلت: جعلت فداك، مسألة خطرت بقلبي الساعة قال: أليست في المسائل؟ قلت: لا قال: وما هي؟ قلت: قول أمير المؤمنين (عليه السلام):
إن أمرنا صعب مستصعب، لا يعرفه إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
فقال (عليه السلام): نعم إن من الملائكة مقربين وغير مقربين، ومن الأنبياء مرسلين وغير مرسلين، ومن المؤمنين ممتحنين وغير ممتحنين، وإن أمركم هذا عرض على الملائكة، فلم يقر به إلا المقربون، وعرض على الأنبياء فلم يقر به إلا المرسلون، وعرض على المؤمنين فلم يقر به إلا الممتحنون.
- وفيه(1187) بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا من كتب الله في قلبه الإيمان.
- وفيه(1188) بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام): إن أمرنا أهل البيت صعب مستصعب، لا يعرفه ولا يقر به إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن نجيب امتحن الله قلبه للإيمان.
- وفيه(1189) بإسناده عن زياد بن سوقة قال: كنا عند محمد بن عمرو بن الحسن، فذكرنا ما أتي إليهم فبكى حتى ابتلت لحيته من دموعه ثم قال: إن أمر آل محمد أمر جسيم، مقنع لا يستطاع ذكره، ولو قد قام قائمنا لتكلم به، وصدقه القرآن.
أقول: الظاهر أن الأمر في هذه الأحاديث وما ضاهاها مرادف للشأن، فالمراد صعوبة الشؤون التي جعلها الله تعالى لهم وخصهم بها، سواء كان الشأن من الأمور الدنيوية أم الأخروية، أم المعجزات الباهرة، أم الدلائل الظاهرة، أم العلوم الكاملة أم المواهب الشاملة، أم الأسرار الغريبة، أم الخصائص العجيبة، أم الحقوق المالية، أم الصفات الحالية، إلى غير ذلك مما لا يحصيها غير الله أو من علمه الله (عزَّ وجلَّ) أعني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والأئمة المعصومين. ولهذا شواهد عديدة في الأخبار، لا تخفى على المتتبع فيها بعين الاعتبار.
الفائدة الثالثة: في بيان معنى الصعب والمستصعب، وسائر الألفاظ المذكورة في تلك الروايات المأثورة.
أما الصعب: فهو نقيض الذلول فالذلول ما يذل ويلين لكل أحد بخلاف الصعب.
قال في مجمع البحرين(1190) الصعب نقيض الذلول، يقال صعب الشيء بضم الثاني صعوبا، صار صعبا شاقا. انتهى.
ويؤيده ما مر في الباب الرابع في شباهة مولانا صاحب الزمان بذي القرنين، والمراد به هنا المقام الذي لا يليق بغيرهم، ولا يتمكن أحد من الخلق غيرهم أن يناله، ويدركه من الشؤون التي خصهم الله تعالى بحيث لا تناله يد أحد من الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين.
- ويدل على ما ذكرناه، ويشهد له، ما رواه في بصائر الدرجات(1191) عن المفضل قال:
قال أبو جعفر (عليه السلام): إن حديثنا صعب مستصعب، ذكوان، أجرد لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولا عبد امتحن الله قلبه للإيمان. أما الصعب فهو الذي لم يركب بعد، وأما المستصعب فهو الذي يهرب منه إذا رئي، الخبر.
وسنذكره بتمامه مع بيان معناه والجمع بينه وبين الأخبار السابقة في بعض الفوائد اللاحقة إن شاء الله تعالى.
ويشهد لما ذكرناه أيضا من كون المراد بالصعب: المقام الذي خصهم الله تعالى به دون سائر خلقه:
- ما في تفسير(1192) الإمام العسكري (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿ولا تقربا هذه الشجرة﴾(1193).
شجرة العلم علم محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله)، الذين آثرهم الله تعالى (عزَّ وجلَّ) به دون سائر خلقه فقال الله تعالى: ﴿لا تقربا هذه الشجرة﴾ شجرة العلم، فإنها لمحمد وآله خاصة دون غيرهم ولا يتناول منها بأمر الله إلا هم.
ومنها: ما كان تناوله النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، بعد إطعامهم المسكين واليتيم والأسير، حتى لم يحسوا بعد بجوع ولا عطش، ولا تعب ولا نصب، وهي شجرة تميزت من بين أشجار الجنة أن سائر أشجار الجنة كان كل نوع منها يحمل نوعا من الثمار والمأكول وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البر والعنب والتين والعناب وسائر أنواع الثمار، والفواكه، والأطعمة فلذلك اختلف الحاكون لتلك الشجرة، فقال بعضهم: هي برة، وقال آخرون: هي عنبة، وقال آخرون: هي تينة، وقال آخرون: هي عنابة.
قال الله تعالى ﴿ولا تقربا هذه الشجرة﴾ تلتمسان بذلك درجة محمد وآل محمد وفضلهم، بإذن الله (عزَّ وجلَّ) ألهم علم الأولين والآخرين من غير تعلم ومن تناول منها بغير إذن الله، خاب عن مراده وعصى ربه، الخبر.
- ويشهد لذلك أيضا ما في تفسير البرهان(1194) عن ابن بابويه (ره) بإسناده عن الصادق (عليه السلام)، في حديث طويل، قال: فلما أسكن الله (عزَّ وجلَّ) آدم وزوجته الجنة، قال لهما:
﴿كلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة﴾ يعني شجرة الحنطة ﴿فتكونا من الظالمين﴾ فنظرا إلى منزلة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم، فوجداها أشرف منازل الجنة، فقالا: يا ربنا لمن هذه المنزلة؟ فقال جل جلاله: ارفعا رؤوسكما إلى ساق العرش فرفعا رؤوسهما فوجدا أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة صلوات الله عليهم مكتوبة على ساق العرش، بنور من نور الله الجبار جل جلاله.
فقالا: يا ربنا، ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك! وما أحبهم إليك! وما أشرفهم لديك فقال الله جل جلاله: لولاهم ما خلقتكما، هؤلاء خزنة علمي، أمنائي على سري، إياكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد، وتتمنيا منزلتهم عندي، ومحلهم من كرامتي، إلى أن قال الصادق (عليه السلام):
فلما أراد الله (عزَّ وجلَّ) أن يتوب عليهما، جاءهما جبرائيل فقال لهما إنكما ظلمتا أنفسكما بتمني منزلة من فضل عليكما فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله (عزَّ وجلَّ) إلى أرضه، الخبر.
وأما المستصعب: فالمراد به ما يراه السامع ويعده صعبا وإليه الإشارة بقوله (عليه السلام) في حديث البصائر(1195): وأما المستصعب فهو الذي يهرب منه إذا رئي (الخ).
وأما الخشن: فهو ضد اللين لصعوبة احتماله على غير الممتحنين.
وأما المخشوش: فهو الجمل الذي جعل في أنفه خشاش وهو بالكسر، عود يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع لانقياده فكأنه (عليه السلام) شبه حديثهم بذلك، دلالة على الأمر بحفظه وصيانته عمن لا يحتمله، ولا يؤمن به. وإنهم (عليهم السلام) لم يبينوه إلا لمن يكون أهلا لذلك.
فيجب على المؤمن أن لا يذكر أسرارهم وصفاتهم الخاصة بهم إلا لمن يطيق ذلك ويحتمله، و(هذا) معنى جعل الحديث مقيدا بالخشاش، ويدل على ذلك قوله (عليه السلام) في الحديث الذي رويناه: فانبذوا إلى الناس نبذا، فمن عرف فزيدوه، ومن أنكر فأمسكوا، الخ.
وأما الوعر: فهو بسكون العين، ضد السهل فهو تأكيد للصعب المستصعب.
الفائدة الرابعة: في معنى قوله: إن أمركم هذا عرض على الملائكة فلم يقر به إلا الممتحنون، فإنه بظاهره ينافي الأخبار الكثيرة، الدالة على أن جميع الملائكة، والنبيين، يتقربون إلى الله تعالى ويدينون بولايتهم (عليهم السلام) ويقرون بالشؤون التي جعلها الله (عزَّ وجلَّ) لهم.
- منها: ما في بصائر الدرجات(1196) بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما جاورت ملائكة الله تبارك وتعالى في دنوها منه إلا بالذي أنتم عليه، وإن الملائكة ليصفون ما تصفون، ويطلبون ما تطلبون، وإن من الملائكة ملائكة يقولون: إن قولنا في آل محمد (صلى الله عليه وآله) مثل الذي جعلتهم عليه.
- وفيه(1197) أيضا بإسناده عن حماد بن عيسى قال: سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال:
الملائكة أكثر أم بنو آدم؟ فقال (عليه السلام): والذي نفسي بيده لملائكة الله في السماوات أكثر من عدد التراب، وما في السماء موضع قدم، إلا وفيه ملك يقدس له ويسبح، ولا في الأرض شجرة ولا مثل غرزة، إلا وفيها ملك موكل يأتي الله كل يوم يعلمها الله أعلم بها، وما منهم أحد إلا ويتقرب إلى الله في كل يوم بولايتنا أهل البيت، ويستغفر لمحبينا، ويلعن أعداءنا ويسأل الله أن يرسل عليهم من العذاب إرسالا.
- وفيه(1198) بإسناده عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما تكاملت النبوة لنبي في الأظلة حتى عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي ومثلوا له فأقروا بطاعتهم وولايتهم.
- وفيه(1199) بإسناده عن الصادق (عليه السلام) قال: ما نبئ نبي قط إلا بمعرفة حقنا وبفضلنا عمن سوانا.
- وفيه(1200) في رواية أخرى عنه (عليه السلام) قال: ما من نبي نبئ ولا من رسول أرسل، إلا بولايتنا وبفضلنا عمن سوانا.
- وعن أبي جعفر (عليه السلام)(1201) قال: ولايتنا ولاية الله، التي لم يبعث الله نبيا قط إلا بها، إلى غير ذلك.
ويمكن الجمع بينهما بوجوه:
أحدها: أن يكون المراد في هذه الأخبار الإذعان والإقرار بولايتهم وأفضليتهم على نحو الإجمال وفي الأولى الإذعان والإقرار التفصيلي، الناشئ عن معرفة خصائصهم وشؤونهم تفصيلا.
والثاني: أن يكون المراد في تلك الأخبار التصديق القلبي فقط وفي الأول اللساني والقلبي جميعا.
والثالث: أن يكون المراد في الحديث الأول المسابقة في عالم الأرواح إلى الإقرار بما جعل الله لمحمد وآله الأبرار فالسابقون إلى ذلك هم الأنبياء المرسلون والملائكة المقربون، والمؤمنون الممتحنون، وسائر الأنبياء والملائكة والمؤمنين قد اتبعوا في ذلك الأولين ﴿والسابقون السابقون أولئك المقربون﴾.
هذا ما سنح بالبال في هذا المقال ويشهد لكل من تلك الوجوه الثلاثة بعض الأخبار وذكرها ينافي ما أردناه من الاختصار، والله العالم وهو العاصم.
ثم إنه لا يبعد أن يكون المراد بقوله (عليه السلام): إن أمركم هذا - بقرينة بعض الروايات - خصوص ما يتعلق بقيام القائم صلوات الله وسلامه عليه، فإنه من الأسرار التي لا يبقى على الإذعان بها إلا الأندر فالأندر ويشهد لذلك عدة روايات:
- منها: ما في أصول الكافي(1202) بإسناده عن منصور قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا منصور إن هذا الأمر لا يأتيكم إلا بعد إياس، ولا والله حتى تميزوا، ولا والله حتى تمحصوا، ولا والله حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد.
- وفيه(1203) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال، فمن أقر به فزيدوه، ومن أنكره فذروه إنه لا بد من أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة، حتى يسقط فيها من يشق الشعر بشعرتين، حتى لا يبقى إلا نحن وشيعتنا.
- وفي غيبة النعماني(1204) بإسناده عن صفوان بن يحيى، قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام):
والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تمحصوا وتميزوا، وحتى لا يبقى منكم إلا الأندر فالأندر.
- وفيه(1205) عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنه قال: لتمحصن يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وإن صاحب الكحل يدري متى يقع الكحل في عينه، ولا يعلم متى يخرج منها وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها ويمسي على شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها، وفي معناها روايات عديدة.
- ويشهد لذلك أيضا ما في البصائر(1206) وأصول الكافي(1207) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماء عذبا، وماء مالحا أجاجا فامتزج الماءان فأخذ طينا من أديم الأرض، فعركه عركا شديدا، فقال لأصحاب اليمين وهم كالذر يدبون: إلى الجنة بسلام، وقال لأصحاب الشمال: إلى النار ولا أبالي ثم قال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين.
ثم أخذ الميثاق على النبيين فقال ألست بربكم وأن هذا محمد رسولي وأن هذا علي أمير المؤمنين؟ قالوا بلى فثبتت لهم النبوة، وأخذ الميثاق على أولي العزم أنني ربكم، ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياءه من بعده ولاة أمري، وخزان علمي (عليهم السلام) وأن المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي، وأنتقم به من أعدائي وأعبد به طوعا وكرها قالوا:
أقررنا يا رب وشهدنا ولم يجحد آدم به وهو قوله (عزَّ وجلَّ) ﴿ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما﴾ قال: إنما هو فترك الخبر.
الفائدة الخامسة: الظاهر أن المراد بالمؤمن الممتحن: هو الذي لا يزيغ قلبه بسبب تهاجم أسباب الشك والارتياب والمراد بالمدينة الحصينة: من له ملكة حفظ الأسرار، والقبول والتسليم لما يلقى إليه من فضائل الهداة الأطهار، وإن لم يكن داخلا في الممتحنين الأبرار.
الفائدة السادسة: في بيان المراد من الاحتمال المذكور في تلك الأخبار:
- روى الشيخ النعماني (ره)(1208) في الغيبة بإسناده عن عبد الأعلى قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا عبد الأعلى، إن احتمال أمرنا ليس معرفته وقبوله، إن احتمال أمرنا هو صونه وستره عمن ليس من أهله، فاقرئهم السلام ورحمة الله - يعني الشيعة - وقل: قال لكم: رحم الله عبدا استجر مودة الناس إلى نفسه وإلينا بأن يظهر لهم ما يعرفون، ويكف عنهم ما ينكرون.
وفي بعض النسخ: والله ما الناصبة لنا حربا أشد مؤنة من الناطق علينا بما نكرهه، وذكر الحديث بطوله إلى آخره.
- وفيه(1209) بإسناد آخر عنه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، أنه قال ليس هذا الأمر معرفته وولايته فقط حتى تستره عمن ليس من أهله وبحسبكم أن تقولوا ما قلنا وتصمتوا عما صمتنا، فإنكم إذا قلتم ما نقول، وسلمتم لنا فيما سكتنا عنه فقد آمنتم بمثل ما آمنا به قال الله تعالى: ﴿فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا﴾ قال علي بن الحسين، حدثوا الناس بما يعرفون ولا تحملوهم ما لا يطيقون فتغرونهم بنا.
- وفيه(1210) بإسناد آخر عنه قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام): إن احتمال أمرنا ليس هو التصديق به والقبول له فقط إن من احتمال أمرنا ستره وصيانته عن غير أهله فاقرئهم السلام ورحمة الله - يعني الشيعة - وقل لهم: يقول لكم رحم الله عبدا اجتر مودة الناس إلي وإلى نفسه، يحدثهم بما يعرفون، ويستر عنهم ما ينكرون، ثم قال لي: والله ما الناصبة لنا حربا أشد مؤنة علينا من الناطق علينا بما نكرهه.
- وفيه(1211) في رواية أخرى عن الصادق (عليه السلام) قال إنه من كتم الصعب من حديثنا، جعله الله نورا بين عينيه ورزقه العز في الناس ومن أذاع الصغير من حديثنا لم يمت حتى يعضه السلاح، أو يموت متحيرا.
- وفي تحف العقول(1212) عن الصادق (عليه السلام)، في وصاياه لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول المعروف بمؤمن الطاق قال (عليه السلام): يا بن النعمان إن المذيع ليس كقاتلنا بسيفه بل هو أعظم وزرا، بل هو أعظم وزرا، بل هو أعظم وزرا يا بن النعمان! أنه من روى علينا حديثا فهو ممن قتلنا عمدا، ولم يقتلنا خطاء إلى أن قال: يا بن النعمان إن العالم لا يقدر أن يخبرك بكل ما يعلم لأنه سر الله الذي أسره إلى جبرائيل وأسره جبرائيل إلى محمد (صلى الله عليه وآله)، وأسره محمد (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) وأسره علي (عليه السلام) إلى الحسن (عليه السلام) وأسره الحسن (عليه السلام) إلى الحسين (عليه السلام) وأسره الحسين (عليه السلام) إلى علي (عليه السلام) وأسره علي (عليه السلام) إلى محمد (عليه السلام) وأسره محمد (عليه السلام) إلى من أسره فلا تعجلوا فوالله لقد قرب هذا الأمر ثلاث مرات فأذعتموه فأخره الله، والله ما لكم سر إلا وعدوكم أعلم به منكم.
يا بن النعمان، أبق على نفسك فقد عصيتني، لا تذع سري فإن المغيرة بن سعيد كذب على أبي، وأذاع سره، فأذاقه حر الحديد وإن أبا الخطاب كذب علي وأذاع سري، فأذاقه الله حر الحديد ومن كتم أمرنا زينه الله به في الدنيا والآخرة وأعطاه حظه ووقاه حر الحديد، وضيق المحابس.
إن بني إسرائيل قحطوا حتى هلكت المواشي والنسل، فدعا الله موسى بن عمران فقال:
يا موسى إنهم أظهروا الزنا والربا وعمروا الكنائس وأضاعوا الزكاة فقال: إلهي! تحنن برحمتك عليهم، فإنهم لا يعقلون فأوحى الله إليه: إني مرسل قطر السماء ومختبرهم بعد أربعين يوما، فأذاعوا ذلك وأفشوه، فحبس عنهم القطر أربعين سنة. وأنتم قد قرب أمركم فأذعتموه في مجالسكم، إلى أن قال (عليه السلام): يا بن النعمان، لا يكون العبد مؤمنا حتى تكون فيه ثلاث سنن سنة من الله، وسنة من رسوله، وسنة من الإمام.
فأما السنة من الله جل وعز فهو أن يكون كتوما للأسرار: يقول الله جل ذكره ﴿عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا﴾.
وأما التي من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهو أن يداري الناس ويعاملهم بالأخلاق الحنيفية.
وأما التي من الإمام فالصبر في البأساء والضراء حتى يأتيه الله بالفرج. الخبر.
والحاصل من تلك الأخبار وغيرها أن الاحتمال المأمور به، المقصود في كلماتهم (عليهم السلام) يتقوم بثلاثة أمور:
الأول: معرفة أمورهم وفضلهم.
والثاني: قبولها والتسليم لها.
والثالث: صونها عن غير أهلها. ولما كان بعض الملائكة والنبيين بحسب مراتبهم قاصرين عن معرفة بعض خصائص الأئمة وغرائب فضائلهم قال (عليه السلام) لا يحتمله إلا ملك مقرب الخ.
فإن عدم احتمالهم إنما هو من حيث قصورهم عن المعرفة ببعض ما خص الله تعالى به محمدا وآله المعصومين لا من حيث عدم التسليم فإنه كفر بالله العظيم كما مر في الرواية في آخر الفائدة الأولى من الفوائد السابقة بل لهم أسرار وعلوم لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل(1213).
- روى في البصائر(1214) بإسناده عن أبي الصامت قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن من حديثنا ما لا يحتمله ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا عبد مؤمن. قلت: فمن يحتمله؟
قال (عليه السلام): نحن نحتمله.
الفائدة السابعة: في بيان كون الدعاء للقائم (عليه السلام) بحسب ما جعله الله له من الخصائص في زمان غيبته وظهوره، من الأسرار العجيبة، والأمور الصعبة التي لم يتفق لأحد من الأنبياء والمرسلين، والأولياء المقربين والأوصياء المرضيين وهذا أمر لا يحتاج إلى البيان بل هو مشاهد بالوجدان.
وينطق عليه الروايات المروية عن أهل الذكر والتبيان كما قال مولانا أبو محمد العسكري (عليه السلام) لأحمد بن إسحاق، في الحديث الذي ذكرناه في حرف الغين المعجمة: يا أحمد بن إسحاق، هذا أمر من أمر الله وسر من سر الله وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين، تكن غدا في عليين. ولذلك كان الأئمة يسترون أمره، وينهون عن ذكر اسمه في المجالس والمحافل.
بل كان أمره (عليه السلام) من الأمور الصعبة، التي مر في آخر الفائدة الرابعة في الحديث عن الباقر (عليه السلام): إن آدم لم يجحد ولم يقر، إلى غير ذلك مما يفيد القطع. يكون أمر المهدي (عليه السلام) من الأمور الصعبة والأسرار العجيبة التي لا يحتملها إلا ملك مقر أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
ولما كان الدعاء له (عليه السلام) كاشفا عن المعرفة به، والتسليم لأمره صح أن يقال للداعي في حقه: إنه من مصاديق ذلك العنوان.
الفائدة الثامنة في بيان سببية الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) لاقتدار المؤمن على احتمال سائر أحاديثهم، وأمورهم الصعبة المستصعبة وتقريره أنه قد مر سابقا أن المداومة في الدعاء له (عليه السلام) تكون من أسباب كمال الإيمان، وثبوت المؤمن على درجة الإيقان وقد تبين بالأحاديث السابقة، أن احتمال أمورهم وأحاديثهم الصعبة المستصعبة من آثار هذا الشأن فثبت المطلوب ببينة وبرهان.
وتقريره: أن الدعاء الخالص في حق مولانا صاحب الزمان سبب لخلوص الإيمان، وخلوص الإيمان سبب لنيل هذا الشأن فينتج أن الدعاء لصاحب الزمان سبب لنيل هذا الشأن، والله الموفق وهو ولي الإحسان.
المكرمة التاسعة والأربعون
إضاءة نوره لأهل المحشر وفيها فوائد أخر وتقرير ذلك من وجهين:
أحدهما: أن المؤمن يضيء في يوم القيامة، وقد سبق أن الدعاء في حق مولانا صاحب الزمان سبب لثبوت الإيمان وكماله في الإيقان.
والدليل على ما ذكرنا من الآيات قوله تعالى: ﴿يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم﴾ الآية ومن الروايات أخبار كثيرة.
- منها: ما في البحار(1215) عن مولانا الصادق جعفر بن محمد صلوات الله وسلامه عليه قال: إن الناس يقسم بينهم النور يوم القيامة على قدر إيمانهم، ويقسم للمنافق فيكون نوره على إبهام رجله اليسرى، فيعط نوره فيقول: مكانكم حتى أقتبس من نوركم ﴿قيل ارجعوا ورائكم فالتمسوا نورا﴾ يعني حيث قسم النور قال: فيرجعون فيضرب بينهم السور، الخبر.
- ومنها: ما في البحار(1216) أيضا عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن جده (صلى الله عليه وآله) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي تخرج أنت وشيعتك من قبوركم ووجوهكم كالقمر ليلة البدر، وقد فرجت عنكم الشدائد، وذهب عنكم الأحزان تستظلون تحت العرش، يخاف الناس ولا تخافون ويحزن الناس ولا تحزنون، وتوضع لكم مائدة، والناس في المحاسبة.
- الوجه الثاني: ما يستفاد من حديث مروي في أصول الكافي(1217) في باب حق المؤمن على أخيه، بإسناده عن عيسى بن أبي منصور، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) أنا وابن أبي يعفور وعبد الله بن طلحة.
فقال ابتداء منه: يا بن أبي يعفور، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ست خصال من كن فيه كان بين يدي الله (عزَّ وجلَّ)، وعن يمين الله (عزَّ وجلَّ) فقال ابن أبي يعفور: وما هي جعلت فداك؟
قال (عليه السلام): يحب المرء المسلم لأخيه ما يحب لأعز أهله، ويكره المرء المسلم لأخيه ما يكره لأعز أهله، ويناصحه الولاية فبكى ابن أبي يعفور وقال: كيف يناصحه الولاية.
قال (عليه السلام): يا بن أبي يعفور، إذا كان منه بتلك المنزلة بثه همه ففرح لفرحه إن هو فرح، وحزن لحزنه إن هو حزن وإن كان عنده ما يفرج عنه، فرج عنه، وإلا دعا الله له، قال: ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): ثلاث لكم، وثلاث لنا: أن تعرفوا فضلنا، وأن تطأوا عقبنا، وتنظروا عاقبتنا، فمن كان هكذا كان بين يدي الله (عزَّ وجلَّ) فيستضيء بنورهم من هو أسفل منهم.
وأما الذين عن يمين الله فلو أنهم يراهم من دونهم لم يهنئهم العيش مما يرون من فضلهم، فقال ابن أبي يعفور: وما لهم لا يرون وهم عن يمين الله فقال (عليه السلام)، كان يقول: إن لله خلقا عن يمين العرش بين يدي الله، وعن يمين الله، وجوههم أبيض من الثلج، وأضوأ من الشمس الضاحية، يسأل السائل ما هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء الذين تحابوا في جلال الله.
أقول: وجه الاستشهاد أنه (عليه السلام) قال: فمن كان هكذا، يعني كان فيه الخصال الثلاثة المتعلقة إلى الأئمة (عليهم السلام) كان بين يدي الله (عزَّ وجلَّ) فيستضيء بنورهم من هو أسفل منهم، ولا يخفى أن الداعي في حق مولاه صاحب الزمان (عليه السلام) بتعجيل الفرج والظهور، وطلب النصرة والسرور، يكون مصداقا للعناوين الثلاثة، لأن الدعاء في حقه (عليه السلام) علامة المعرفة به وبآبائه (عليهم السلام)، ومتابعة لهم في هذا الأمر الجليل ودليل انتظار لعاقبتهم وظهور دولتهم، إن شاء الله تعالى فتدبر.
ومن غريب الأوهام ما وقع لبعض الأعلام(1218) في هذا المقام لبيان قول الإمام (عليه السلام)، حيث قال: فمن كان هكذا، أي كانت فيه الخصال الستة جميعا. انتهى.
وأنت خبير بظهور المعنى الذي ذكرناه، خصوصا بملاحظة قوله (عليه السلام): وأما الذين عن يمين الله، وقوله قبل ذلك: ثلاث لكم وثلاث لنا، فإن ذلك كله مما يوضح كون هذا الثواب مترتبا على الخصال الثلاثة، والكون عن يمين الله علاوة لمن اتصف بالخصال الست جميعا، فتدبر.
ثم إن المراد بالكون بين يدي الله تعالى وعن يمينه يحتمل أن يكون نهاية القرب المعنوي إلى الله (عزَّ وجلَّ)، كما أن أقرب الناس إلى السلطان يكون بين يديه وعن يمينه، ويحتمل أن يكون المراد بكونه عن يمين الله، عن يمين عرش الله ويؤيده استشهاد الإمام (عليه السلام) بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن لله خلقا عن يمين العرش، الخ، فتأمل جيدا.
المكرمة المتممة للخمسين: قبول شفاعة يوم الدين في سبعين ألفا من المذنبين
- ويدل على ذلك ما في ثالث البحار بالإسناد(1219) عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه، عن جده، عن علي (عليه السلام) قال (عليه السلام): إن للجنة ثمانية أبواب، باب يدخل منه النبيون والصديقون، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا، فلا أزال واقفا على الصراط، أدعو وأقول: رب سلم شيعتي، ومحبي، وأنصاري ومن تولاني في دار الدنيا فإذا النداء من بطنان العرش: قد أجيبت دعوتك، وشفعت في شيعتك، ويشفع كل رجل من شيعتي ومن تولاني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألفا من جيرانه وأقربائه، وباب منه يدخل سائر المسلمين، ممن يشهد أن لا إله إلا الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرة من بغضنا أهل البيت.
أقول: وجه الدلالة أن من تولى أمير المؤمنين ونصره وحارب من حاربه بفعل أو قول تقبل شفاعته في سبعين ألفا، ولا يخفى أن الدعاء في حق صاحب الزمان بتعجيل فرجه من أقسام النصرة القولية لأمير المؤمنين (عليه السلام)، لأن نصرة مولانا الحجة نصرة أبيه صلوات الله عليهما، ولأن صاحب الزمان (عليه السلام) هو المنتقم من أعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) وظالميه، عليهم لعنة الله، فكل ما له دخل في حصول هذا الانتقام داخل في أقسام نصرته (عليه السلام)، ومنه الدعاء بالتقريب الذي قدمناه في كون الدعاء سببا لاستباق فرجه وظهوره.
المكرمة الحادية والخمسون
دعاء أمير المؤمنين في حقه يوم القيامة: لقوله (عليه السلام) وأقول: رب سلم شيعتي ومحبي وأنصاري، الخ، لكونه من أنصاره بحسب ما أسمعناك آنفا.
المكرمة الثانية والخمسون: دخول الجنة بغير حساب
- ويدل على ذلك ما روي في تحف العقول(1220) عن الصادق (عليه السلام) في آخر وصاياه لعبد الله بن جندب، قال: فلا يبقى أحد ممن أعان مؤمنا من أوليائنا بكلمة إلا أدخله الله الجنة بغير حساب.
وجه الاستشهاد ما تقدم مرارا من كون الدعاء من جملة أقسام الإعانة باللسان، فيدخل الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان في أكمل أفراد هذا العنوان.
المكرمة الثالثة والخمسون
السلامة من عطش يوم القيامة: لأنه ممن يسقيه رسول الله (صلى الله عليه وآله).
- ففي حديث الرايات التي تقدم عليه يوم القيامة، قال (عليه السلام) ثم ترد علي راية تلمع وجوههم نورا، فأقول لهم، من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى من أمة محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله) ونحن بقية أهل الحق، حملنا كتاب ربنا، وأحللنا حلاله وحرمنا حرامه، وأحببنا ذرية نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) ونصرناهم من كل ما نصرنا به أنفسنا، وقاتلنا معهم من ناواهم فأقول لهم: أبشروا فأنا نبيكم محمد ولقد كنتم في الدنيا كما قلتم، ثم أسقيهم من حوضي، فيصدرون مرويين مستبشرين، ثم يدخلون الجنة خالدين فيها أبد الآبدين.
أقول: وجه الدلالة ما ذكرناه سابقا، من كون الدعاء من أقسام النصرة والإعانة: وقد دل هذا الحديث على مكرمة أخرى، وهي الخلود في الجنة فلا تغفل.
المكرمة الرابعة والخمسون
الخلود في الجنة كما عرفت آنفا وبوجه آخر، إنه قد عرفت كون هذا الدعاء سببا لكمال الإيمان واستقراره للإنسان ولا ريب في أن الإيمان سبب للخلود في الجنان فهذا الدعاء سبب لذلك بهذا البيان.
المكرمة الخامسة والخمسون
أنه يوجب خمش وجه إبليس وقرح قلبه.
- ويشهد لذلك ما روي في أصول الكافي(1221) في باب إلطاف المؤمن وإكرامه بإسناده عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) أحسن يا إسحاق إلى أوليائي ما استطعت فما أحسن مؤمن إلى مؤمن، ولا أعانه إلا خمش وجه إبليس وقرح قلبه.
أقول: دل هذا الحديث على أن إعانة المؤمن والإحسان إليه سببان لخمش وجه إبليس وقرح قلبه وقد ذكرنا مرارا أن الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان إعانة وإحسان وهو أصل الإيمان ورئيس أهله فتترتب هذه الفائدة على إعانته والإحسان إليه بنحو أكمل.
السادسة والخمسون: أنه يتحف يوم القيامة بتحفة مخصوصة
- روى في أصول الكافي(1222) في الباب المذكور بإسناده عن المفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن المؤمن ليتحف أخاه التحفة قلت: وأي شيء التحفة؟ قال (عليه السلام) من مجلس، ومتكأ، وطعام وكسوة، وسلام فتتطاول الجنة مكافأة له ويوحي الله (عزَّ وجلَّ) إليها إني قد حرمت طعامك على أهل الدنيا إلا على نبي، أو وصي نبي، فإذا كان يوم القيامة أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليها أن كافئي أوليائي بتحفهم فتخرج منها وصفاء ووصائف معهم أطباق مغطاة بمناديل من لؤلؤ فإذا نظروا إلى جهنم وهولها وإلى الجنة وما فيها طارت عقولهم، وامتنعوا أن يأكلوا.
فينادي مناد من تحت العرش إن الله (عزَّ وجلَّ) قد حرم جهنم على من أكل من طعام جنته فيمد القوم أيديهم فيأكلون.
أقول: وجه الدلالة أن المراد من إتحاف المؤمن أخاه من أهل الإيمان، الإحسان إليه، بأي نحو كان مما يقدر عليه الإنسان، ولو كان باللسان. والقرينة على ذلك تمثيل الإمام (عليه السلام) بصنوف من الإكرام وخصوص ذكر السلام، يدل على أن المراد مطلق الإحسان والإنعام، وليس ذكر تلك الأقسام في المقام إلا من باب المثال تقريبا إلى أفهام الخواص والعوام.
إذا تقرر ذلك فنقول: لا ريب في أن الدعاء للمؤمن من أوضح أصناف الإحسان وأعلاها، فيترتب ما ذكر في الحديث من الثواب في يوم الحساب على الدعاء بتعجيل فرج خاتم الأئمة الأطياب في زمن الغياب، بنحو أتم وطريق أقوم، كما لا يخفى على أولي الألباب والله تعالى هو الهادي إلى نهج الصواب.
السابعة والخمسون
أن الله تبارك وتعالى يخدمه من خدم الجنة لأن الدعاء بر وإحسان.
- وقد روى في أصول الكافي(1223) في الباب المذكور بإسناده عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما في أمتي عبد ألطف أخاه في الله بشيء من لطف إلا أخدمه الله من خدم الجنة. انتهى.
والمراد باللطف: البر والإحسان سواء كان باللسان أم بغيره فيشمل الدعاء بالخير والفرج لمولانا صاحب الزمان بوجه أولى، ونحو أوفى كما لا يخفى.
الثامنة والخمسون
أنه يكون في ظل الله الممدود، وتنزل عليه الرحمة ما دام مشتغلا بالدعاء لصاحب الزمان.
- ويدل على ذلك ما روي في أصول الكافي(1224) في الباب المذكور أيضا بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أكرم أخاه المسلم بكلمة يلطفه بها وفرج عنه كربته لم يزل في ظل الله الممدود عليه الرحمة ما كان في ذلك.
أقول: قد ذكرنا سابقا أن الدعاء لذوي الشأن والاحترام يعد من أصناف الإكرام وكذلك التلطف وإظهار المحبة يحصل بذلك وكذا تفريج الكرب وكل ذلك مما لا يريب فيه أحد من أولي الألباب، فإذا دعا المؤمن لمولاه في زمان الغياب وعجزه عن تفريج كربته بسائر الأسباب فاز بما ذكر من الثواب وتقرير ذلك بوجهين:
أحدهما: إنك قد عرفت ثبوت الأخوة بين الإمام وشيعته بالعقل والنقل وقد دل هذا الحديث على ثبوت ذلك الثواب بدعاء المؤمن لأخيه لأن الدعاء كلمة مؤثرة في تفريج الكرب ودفع الشدائد والبليات ومظهرة لمحبة المؤمن أخاه المؤمن في سبيل الله وقد عرفت أيضا تأثير الدعاء في تعجيل ظهور صاحب الزمان بمقتضى ما قدمناه من الروايات.
والثاني: من الوجهين ثبوت ذلك الثواب بالدعاء لمولانا (عليه السلام) بطريق الأولوية القطعية كما لا يخفى على من له أدنى عقل وتدبر من البرية.
التاسعة والخمسون: ثواب نصيحة المؤمن
ولنذكر أولا بعض ما ورد في ذلك، ثم نبين حصول ذلك بالدعاء في تعجيل فرج مولانا صاحب الزمان (عليه السلام).
- روى في أصول الكافي(1225) بإسناد صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب.
- وفيه(1226) أيضا بسند صحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة.
- وفيه(1227) بسند موثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه.
- وفيه(1228) بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: عليكم بالنصح لله في خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه.
إذا سمعت ذلك فنقول: قال بعض الشراح: النصيحة فعل أو كلام يراد بهما الخير للمنصوح. انتهى.
وكذا قال العلامة المجلسي (ره) في مرآة العقول.
ثم قال المجلسي: والمراد بنصيحة المؤمن إرشاده إلى مصالح دينه ودنياه. وتعليمه إذا كان جاهلا، وتنبيهه إذا كان غافلا، والذب عنه وعن أعراضه إذا كان ضعيفا، وتوقيره في صغره وكبره، وترك حسده وغشه، ودفع الضرر عنه، وجلب النفع إليه ولو لم يقبل نصيحته سلك به طريق الرفق حتى يقبلها ولو كانت متعلقة بأمر الدين سلك به طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه المشروع.
قال: ويمكن إدخال النصيحة للرسول والأئمة (عليهم السلام) أيضا فيها، لأنهم أفضل المؤمنين.
قال: في شرح قوله (عليه السلام) في المشهد والمغيب: أي في وقت حضوره بنحو ما مر وفي غيبته بالكتابة والرسالة، وحفظ عرضه، والدفع عن غيبته، وبالجملة رعاية جميع المصالح له، ودفع المفاسد عنه، على أي وجه كان. انتهى كلامه رفع مقامه، وإنما نقلته بطوله لكونه مؤيدا لما نذكره إن شاء الله تعالى.
وقد ظهر من جميع ذلك للعارف السالك أن الدعاء بالخير للمؤمن من المصاديق الظاهرة للنصيحة، سواء كان في المشهد، أم كان في المغيب فبالدعاء يدفع الكرب، ويجلب النفع والدعاء توقير للمدعو له، وإحسان إليه.
إذا عرفت ما ذكرناه فنقول إن مسألة تعجيل الفرج والظهور لمولانا صاحب الزمان صلوات الله وسلامه عليه نصيحة لأفضل المؤمنين ونصيحة لجميع المؤمنين.
أما الأول: فلأن الإمام أفضل المؤمنين، والدعاء في حقه نصيحة له لأنه كلام يراد به الخير له صلوات الله عليه.
وأما الثاني: فلما قدمناه من حصول الفرج والفرح والنصرة والتمكين والتأييد لعامة المؤمنين، ودفع البليات والأمراض، والهموم والغموم عنهم بظهوره (عليه السلام) فمسألة ذلك من الله تعالى نصيحة لهم جميعا وقد ذكرنا ما يدل على ذلك فراجع.
المكملة للستين
أن المجلس الذي يدعى فيه للقائم عجل الله تعالى فرجه يكون محضرا للملائكة، وهكذا كل مجالس الدعاء، وتساعد الملائكة أهل تلك المجالس في هذا الدعاء وسائر أقسامه.
ويدل على ذلك عدة روايات:
- منها: ما في المجلد الأول من البحار(1229) عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: إذا مررتم في رياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر فإن لله سيارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم. انتهى.
أقول: يستفاد من هذا الحديث الشريف، والكلام اللطيف، أمور:
أحدها: كون مجالس الذكر من رياض الجنة وهذا إما من باب تسمية السبب باسم المسبب، لكون الجلوس في تلك المجالس سببا لدخول الجنة.
وإما من باب كون تلك المجالس جنة حقيقية، بأن يكون المراد بالجنة دار القرب، ومنازل الأبرار.
ويؤيده التعليل بقوله (صلى الله عليه وآله): فإن لله تعالى سيارات من الملائكة (الخ).
وبعبارة أخرى: الجنة محل ألطاف الله، ودار كرامته فإذا كان العبد من أهلها فهو في الجنة في الدنيا، وفي القبر، وفي البرزخ وفي القيامة وما بعدها.
- ويؤيد هذا المعنى أيضا ما ورد أن القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران إذ لا يخفى أن القبر الواقع في الأرض غير الجنة الموعودة، الواقعة في السماء كما ورد في الأخبار، ويمكن أن يكون المراد بالجنة: الجنة المعهودة، ويكون التعبير بها عن حلق الذكر، من باب الاستعارة ووجه الشباهة ما ذكرناه، من كونها دار القرب، ومحل الكرامة، والله العالم.
الأمر الثاني: مما يستفاد من الخبر الشريف استحباب اجتماع المؤمنين للذكر والدعاء ويشهد لذلك روايات:
- منها: ما في أصول الكافي(1230) بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما اجتمع ثلاثة من المؤمنين فصاعدا، إلا حضر من الملائكة مثلهم، فإن دعوا بخير أمنوا، وإن استعاذوا من شر دعوا الله ليصرفه عنهم، وإن سألوا حاجة تشفعوا إلى الله وسألوه قضاءها، الخبر.
- وفيه(1231) عنه (عليه السلام) قال: ما اجتمع أربعة رهط قط على أمر واحد فدعوا الله إلا تفرقوا عن إجابة.
- وفيه(1232) أيضا عنه (عليه السلام) قال: كان أبي إذا حزنه أمر جمع النساء والصبيان، ثم دعا وأمنوا.
أقول: والرواية الأولى من هذه الروايات الثلاث أيضا مما يدل على كون مجلس الدعاء محضر الملائكة فلا تغفل.
الأمر الثالث: مما يستفاد من الحديث الشريف استحباب الحضور، والكون في مجلس الذكر والدعاء، وإن لم يشتغل بذلك.
- ويشهد لهذا ما في البحار(1233) نقلا عن كتاب عوالي اللئالي(1234) قال روى عدة من المشايخ بطريق صحيح عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: إن الله (عزَّ وجلَّ) يقول لملائكته عند انصراف أهل مجالس الذكر والعلم إلى منازلهم: اكتبوا ثواب ما شاهدتموه من أعمالهم، فيكتبون لكل واحد ثواب عمله، ويتركون بعض من حضر معهم فلا يكتبونه، فيقول الله (عزَّ وجلَّ): ما لكم لم تكتبوا فلانا، أليس كان معهم وقد شهدهم؟ فيقولون: يا رب إنه لم يشرك معهم، ولا تكلم معهم بكلمة فيقول الجليل جل جلاله أليس كان جليسهم؟ فيقولون: بلى يا رب، فيقول:
اكتبوه معهم، إنهم قوم لا يشقى بهم جليسهم. فيكتبونه معهم فيقول تعالى اكتبوا له ثوابا مثل ثواب أحدهم.
بيان
قال العلامة المجلسي (ره): قوله (عليه السلام): " لا يشقى بهم جليسهم " أي ببركتهم لا يخيب جليسهم عن كرامتهم فيشقى، أو أن صحبتهم مؤثرة في الجليس، فاستحق بسبب ذلك الثواب والسعادة. انتهى.
- وفي البحار(1235) أيضا عن العيون، بإسناده عن الرضا عليه الصلاة والسلام، قال: من جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب. انتهى.
أقول: ونظير ذلك المصاحبة مع زوار قبر مولانا الشهيد أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، والكون معهم والدخول في زمرتهم.
الأمر الرابع: مما يستفاد من الحديث الشريف أن الجلوس في مجالس الذكر يوجب صفاء القلب ولذلك يأنس الملائكة بأهل تلك المجالس وفقنا الله تعالى وجعلنا منهم في الدنيا والآخرة.
تبيين
المراد بحلق الذكر المجالس التي يجتمع فيها أهل الإيمان لقراءة القرآن، أو الدعاء لصاحب الزمان (عليه السلام) أو ذكر أسماء الله تعالى وصفاته، أو ذكر النبي والأئمة (عليهم السلام) فإن ذكرهم ذكر الله، كما ورد في الحديث، أو ذكر مصائبهم، أو سائر ما يتعلق بشؤونهم.
ومن مجالس الذكر أيضا سائر مجالس الدعاء، ومنها أيضا مجالس مباحثة العلم الشرعي، ومدارسته على الوجه الخالص من السمعة والرياء والجدال والمراء. وذكر ما يدل على ما ذكرناه من الأخبار ينافي ما قصدناه من الاختصار فلنكتف بهذا المقدار.
الحادية والستون
أن الداعي لهذا الأمر الجليل ممن يباهي به الإله الجليل ملائكته.
الثانية والستون: أنه ممن تستغفر لهم الملائكة
- ويدل على هذين الأمرين ما روي في أول البحار(1236) مسندا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لداود بن سرحان: يا داود، أبلغ موالي عني السلام، وأني أقول: رحم الله عبدا اجتمع مع آخر فتذاكرا أمرنا، فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلا باهى الله تعالى بهما الملائكة، فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر، فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا، وخير الناس من بعدنا من ذاكر بأمرنا، ودعا إلى ذكرنا.
أقول: وجه الدلالة أن الاشتغال بالدعاء لمولانا صاحب الزمان (عليه السلام) من أجلى أفراد الذكر وأحلاها، وفقنا الله تعالى وسائر المؤمنين.
الثالثة والستون
ما يستفاد من الرواية المذكورة وهو أن الداعي في هذا الأمر يكون خير الناس، لكونه ممن يذاكر بأمرهم (عليهم السلام) فإن المراد من المذاكرة بأمرهم ذكرهم وذكر ما يتعلق بهم، وبشؤونهم، صونا عن انمحاء اسمهم، وانطماس آثارهم إذ لا ريب أن بقاء الدين لا يكون إلا بذلك كما لا يخفى على العارف السالك، وقد ظهر من ذلك كون هذا العمل أفضل من سائر الأعمال المندوبة، خصوصا في زمان الغيبة فتدبر جيدا. ثم لا يخفى أن من أجلى أنواع الذكر لهم وأفضلها أيضا ذكر صفات مولانا الغائب عن الأبصار، وما له من الخصائص والعلائم والآثار، ليكون تبصرة لأولي الاعتبار.
واعلم أن تلك المكارم الثلاثة إنما تحصل للمؤمن بالدعاء في حق مولانا صاحب الزمان (عليه السلام)، إذا كان ذلك في مجامع المؤمنين، فإن في اجتماعهم خصوصيات ليس تحصل إلا به ومن تلك الخصوصيات إحياء أمرهم، وإعلاء كلمتهم ونشر أسمائهم والدعوة إليهم، واتفاق المؤمنين على نصرتهم، والدعاء لهم ولتعجيل فرجهم صلوات الله عليهم أجمعين.
الرابعة والستون
أنه إطاعة لأولي الأمر: وهو أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله (عزَّ وجلَّ) قال الله (عزَّ وجلَّ)(1237) ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ الآية.
فههنا مطالب:
أحدها: أن المراد بأولي الأمر في الآية المباركة الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
والثاني: وجوب إطاعة أولي الأمر.
والثالث: كون ذلك أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله (عزَّ وجلَّ).
والرابع: كون الدعاء بتعجيل الفرج من مصاديق الإطاعة لهم (عليهم السلام).
أما الأول: فيدل عليه أخبار كثيرة من طرق الخاصة والعامة مذكورة في الكافي(1238) وغيبة النعماني، وكمال الدين(1239) وغاية المرام(1240) وتفسير البرهان والبحار، والمناقب وغيرها ونكتفي في هذا المقام بذكر بعضها نقلا عن تفسير البرهان(1241) بحذف الإسناد.
- فعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: لما أنزل الله (عزَّ وجلَّ) على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ قلت يا رسول الله، عرفنا الله ورسوله، فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال: هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين من بعدي، أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي ثم سميي، وكنيي حجة الله في أرضه، وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان.
قال جابر: فقلت له: يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال (عليه السلام): أي والذي بعثني بالنبوة، إنهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب. يا جابر، هذا من مكنون سر الله، ومخزون علمه فاكتمه إلا عن أهله.
- وفيه(1242) عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله (عزَّ وجلَّ) ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ قال (عليه السلام) الأئمة من ولد علي وفاطمة صلوات الله عليهما إلى أن تقوم الساعة.
- وفيه(1243) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ قال: إيانا عنى خاصة، الخبر.
وأما المطلب الثاني: وهو وجوب إطاعة أولي الأمر فيكفي في ذلك قوله (عزَّ وجلَّ) ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ والأخبار في ذلك كثيرة.
وأما المطلب الثالث: وهو أن إطاعة أولي الأمر أفضل ما يتقرب به العباد بعد إطاعة الله وإطاعة رسوله:
- فيدل عليه ما روي في أصول الكافي(1244) في باب فرض طاعة الأئمة بإسناده عن محمد بن الفضيل، قال: سألته عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله (عزَّ وجلَّ) قال (عليه السلام) أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله (عزَّ وجلَّ) طاعة الله، وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر، الخبر.
وأما المطلب الرابع وهو كون الدعاء في حق مولانا (عليه السلام) من مصاديق الإطاعة فيدل عليه جميع ما ورد عنهم (عليهم السلام) من الأمر بالدعاء له، والحث على ذلك، وسيأتي جملة منها في الباب السادس والسابع مضافا إلى قوله (عليه السلام) في التوقيع الذي أشرنا إليه في صدر هذا الباب:
وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم، الخ.
المكرمة الخامسة والستون
أن هذا الدعاء مما يوجب سرور الله تعالى: لأنه إذا دعا المؤمن في حق إمامه فقد سره بذلك وسرور إمامه يوجب سرور الله وسرور رسوله.
- ففي أصول الكافي(1245) بإسناد صحيح عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سر مؤمنا فقد سرني ومن سرني فقد سر الله.
السادسة والستون: أنه يوجب سرور رسول الله
- ويدل على ذلك مضافا إلى ما مر: قول الصادق في رواية مفضل بن عمر: لا يرى أحدكم إذا أدخل على مؤمن سرورا أنه عليه أدخله فقط، بل والله علينا بل والله على رسول الله.
- ويدل عليه أيضا قوله (عليه السلام) في رواية أبي بصير المروية في أصول الكافي(1246): والله لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أسر بقضاء حاجة المؤمن إذا وصلت إليه من صاحب الحاجة.
أقول: وجه الدلالة أن الحاجة ما يطلبه الشخص من الغير لجلب نفع أو دفع ضر، وقد سبق في أول هذا الباب أن مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) قد طلب من كافة أهل الإيمان حاجة يقدرون عليها في كل زمان فقال (عليه السلام): وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج. ثم بين (عليه السلام) كمال رأفته بهم فقال: فإن ذلك فرجكم، دلالة على أن طلب هذه الحاجة إنما هو لكم ومنافعه راجعة إليكم.
والحاصل أن جميع ما يترتب على قضاء حاجة المؤمن من أصناف الثواب يترتب على إكثار الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان بوجه أوفى، ونحو أولى وسنذكرها إن شاء الله تعالى.
السابعة والستون
أنه أحب الأعمال إلى الله تعالى لأنه يوجب سرور أفضل المؤمنين، وإمامهم.
- وقد روى في أصول الكافي(1247) بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما عبد الله بشيء أحب إلى الله من إدخال السرور على المؤمن.
- وفيه(1248) بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه عن علي بن الحسين قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أحب الأعمال إلى الله (عزَّ وجلَّ) إدخال السرور على المؤمنين.
الثامنة والستون
- ما روي في الكتاب المذكور(1249) بإسناد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن فيما ناجى الله (عزَّ وجلَّ) به عبده موسى قال: إن لي عبادا أبيحهم جنتي وأحكمهم فيها قال: يا رب ومن هؤلاء الذين تبيحهم جنتك وتحكمهم فيها؟ قال: من أدخل على مؤمن سرورا، الخبر.
- وفيه(1250) بإسناد صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إلى داود (عليه السلام): إن العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه جنتي فقال داود (عليه السلام): يا رب وما تلك الحسنة؟
قال: يدخل على المؤمن سرورا ولو بتمرة، قال داود: يا رب حق لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك.
التاسعة والستون
أنه يحاسب حسابا يسيرا.
والمكملة للسبعين: الأنيس الشفيق له في البرزخ والقيامة
- ويدل عليهما ما في أصول الكافي(1251) بإسناد صحيح عن سدير الصيرفي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل: إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدمه كلما رأى هولا من أهوال يوم القيامة قال له: لا تفزع ولا تحزن، وأبشر بالسرور والكرامة من الله (عزَّ وجلَّ) حتى يقف بين يدي الله (عزَّ وجلَّ) فيحاسبه حسابا يسيرا ويأمر به إلى الجنة، والمثال أمامه، فيقول له المؤمن رحمك الله نعم الخارج خرجت معي من قبري وما زلت تبشرني بالسرور والكرامة من الله حتى رأيت ذلك فيقول: أنا السرور الذي كنت أدخلته على أخيك المؤمن في الدنيا خلقني الله (عزَّ وجلَّ) منه لأبشرك.
أقول: تقريب الاستدلال ما مر مرارا من أنه لا ريب في سرور مولانا صاحب الزمان وآبائه البررة الكرام بدعاء المؤمن في تعجيل فرجه وظهوره فيترتب عليه ما يترتب على إدخال السرور على المؤمنين بوجه تام. وكذلك سائر ما يوجب سروره عليه ألف تحية وسلام وقد ذكرنا في الخامسة والثلاثين رواية أخرى تدل على هذه المكرمة بوجه أوفى فراجع.
الواحدة والسبعون
أنه أفضل الأعمال لأنه يوجب سرور أفضل أهل الإيمان وإدخال السرور في قلب المؤمن أفضل الأعمال بعد الصلاة.
- ويدل على ذلك ما في عاشر البحار(1252) من كتاب المناقب(1253) قال روي عن الحسين بن علي (عليه السلام) أنه قال صح عندي قول النبي: أفضل الأعمال بعد الصلاة إدخال السرور في قلب المؤمنين بما لا إثم فيه فإني رأيت غلاما يؤاكل كلبا فقلت له في ذلك، فقال: يا بن رسول الله إني مغموم، أطلب سرورا بسروره، لأن صاحبي يهودي أريد أفارقه. فأتى الحسين (عليه السلام) إلى صاحبه بمأتي دينار ثمنا له فقال اليهودي الغلام فداء لخطاك وهذا البستان له ورددت عليك المال.
فقال (عليه السلام): وأنا قد وهبت لك المال قال قبلت المال ووهبته للغلام فقال الحسين (عليه السلام) أعتقت الغلام، ووهبت له جميعا فقالت امرأته: قد أسلمت ووهبت زوجي مهري فقال اليهودي وأنا أيضا أسلمت، وأعطيتها هذه الدار.
الثانية والسبعون
قد استفيدت من هذا الحديث مكرمة أخرى، وهي أن إدخال السرور في قلب المؤمن يوجب زوال الغم عن القلب وحصول السرور بوجه آخر فتدبر فيه، تجده بحيث لا يخفى ويشهد له تقرير الإمام، والسعي في ذلك بنحو مستوفى وهو مع ذلك مقتضى العدل الإلهي ومكافأة حسن صنيع المؤمن إلى أخيه على وجه أوفى.
الثالثة والسبعون
أنه أفضل من الدعاء للإمام في زمان ظهور شوكته واستيلائه (عليه السلام).
- ويدل علي ذلك ما في أصول الكافي(1254) وغيره، عن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيما أفضل العبادة في السر مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل أو العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام منكم الظاهر؟ فقال: يا عمار الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية وكذلك والله عبادتكم في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل وتخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة، أفضل ممن يعبد الله جل ذكره في ظهور الحق مع إمام الحق الظاهر في دولة الحق وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحق.
واعلموا أن من صلى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة مستترا بها من عدوه في وقتها فأتمها كتب الله (عزَّ وجلَّ) له خمسين صلاة فريضة في جماعة، ومن صلى منكم صلاة فريضة وحده مستترا بها من عدوه، في وقتها فأتمها كتب الله له بها خمسا وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن صلى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمها، كتب الله له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله له بها عشرين حسنة ويضاعف الله (عزَّ وجلَّ) حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله ودان بالتقية على دينه وإمامه ونفسه، وأمسك من لسانه، أضعافا مضاعفة إن الله (عزَّ وجلَّ) كريم.
قلت: جعلت فداك قد والله رغبتني في العمل وحثثتني عليه، ولكن أحب أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالا من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحق ونحن على دين واحد؟
فقال (عليه السلام): إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله (عزَّ وجلَّ)، وإلى الصلاة، والصوم، والحج، وإلى كل خير وفقه، وإلى عبادة الله جل ذكره سرا من عدوكم، مع إمامكم المستتر مطيعين له، صابرين معه، منتظرين لدولة الحق خائفين على إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة تنظرون إلى حق إمامكم وحقوقكم في أيدي الظلمة قد منعوكم ذلك واضطروكم إلى حرث الدنيا، وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم، وطاعة إمامكم، والخوف من عدوكم فبذلك ضاعف الله (عزَّ وجلَّ) لكم الأعمال فهنيئا لكم.
قلت: جعلت فداك، فما نرى إذا أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحق ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالا من أصحاب دولة الحق والعدل.
فقال (عليه السلام): سبحان الله أما تحبون أن يظهر الله تبارك وتعالى الحق والعدل في البلاد، ويجمع الله الكلمة ويؤلف الله بين قلوب مختلفة ولا يعصى الله (عزَّ وجلَّ) في أرضه وتقام حدوده في خلقه ويرد الله الحق إلى أهله فيظهر حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق! أما والله يا عمار لا يموت منكم ميت على الحال التي أنتم عليها إلا كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر وأحد فأبشروا.
أقول: إنما أوردنا الحديث بتمامه لاشتماله على فوائد جمة وأمور مهمة، ووجه الدلالة قوله (عليه السلام): وكذلك والله عبادتكم في السر (الخ) لأن الدعاء من أفضل العبادات وأهمها(1255) خصوصا الدعاء في حق صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه وظهوره كما ويظهر لمن نظر في حذافير هذا الكتاب، والله الهادي إلى نهج الصواب.
الرابعة والسبعون: دعاء الملائكة في حقه
- ويدل على ذلك روايات منها ما في أصول الكافي(1256) بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
أسرع الدعاء نجحا للإجابة دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب، يبدأ بالدعاء لأخيه فيقول له ملك موكل به آمين ولك مثلاه.
- وفيه(1257) عن علي بن إبراهيم عن أبيه، قال: رأيت عبد الله بن جندب في الموقف، فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه ما زال مادا يديه إلى السماء ودموعه تسيل على خديه حتى تصل(1258) الأرض فلما صدر الناس قلت له يا أبا محمد، ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك! قال والله ما دعوت إلا لإخواني وذلك أن أبا الحسن موسى (عليه السلام) أخبرني أن من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش ولك مائة ألف ضعف فكرهت أن أدع مائة ألف مضمونة لواحدة، لا أدري تستجاب أم لا.
- وفيه(1259) بإسناد صحيح عن سيد الساجدين علي بن الحسين (عليه السلام) قال: إن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه المؤمن بظهر الغيب أو يذكره بخير قالوا: نعم الأخ أنت لأخيك تدعو له بالخير وهو غائب عنك، وتذكره بخير قد أعطاك الله (عزَّ وجلَّ) مثلي ما سألت له وأثنى عليك مثلي ما أثنيت عليه، الخبر.
- وفي الوسائل(1260) عن محمد بن الحسن الطوسي (ره) في أماليه بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أربعة لا يرد لهم دعوة: الإمام العادل في الرعية والأخ لأخيه بظهر الغيب يوكل الله ملكا يقول ولك مثل ما دعوت لأخيك والوالد لولده، والمظلوم، يقول الله (عزَّ وجلَّ):
وعزتي وجلالي، لأنتقمن لك ولو بعد حين.
أقول: هذا حال الدعاء في غياب أخيه الإيماني فكيف حال الدعاء في غياب مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) الذي معرفته من دعائم الإيمان، نسأل الله التوفيق لذلك في كل حين وأوان.
الخامسة والسبعون
دعاء مولانا سيد الساجدين عليه الصلاة والسلام في حق الداعين في حق مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه: وهو يشتمل على فنون من الفوائد وصنوف من العوائد.
الأول: الدعاء لهم بالصلاة من الله (عزَّ وجلَّ) في كل غدو ورواح.
والثاني: السلام عليهم من الله تعالى.
والثالث: اجتماع أمرهم على التقوى.
والرابع: إصلاح شؤونهم وما يهمهم.
والخامس: قبول توبتهم وغفران ذنوبهم.
والسادس: سكناهم في دار السلام في جوار الأئمة الكرام عليهم الصلاة والسلام.
- ويدل على ذلك كله قوله (عليه السلام) في دعاء العرفة، بعد الدعاء في حق مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه وظهوره والصلاة عليه وعلى آبائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين: " اللهم وصل على أوليائهم المعترفين بمقامهم، المتبعين منهجهم، المقتفين آثارهم، المستمسكين بعروتهم، المتمسكين بولايتهم، المؤتمين بإمامتهم، المسلمين لأمرهم، المجتهدين في طاعتهم، المنتظرين أيامهم، المادين إليهم أعينهم، الصلوات المباركات الزاكيات الناميات الغاديات الرائحات، وسلم عليهم، وعلى أرواحهم، واجمع على التقوى أمرهم وأصلح لهم شأنهم، وتب عليهم إنك أنت التواب الرحيم، وخير الغافرين، واجعلنا معهم في دار السلام، برحمتك يا أرحم الراحمين.
أقول: وجه الدلالة على المطلوب أنه لا شبهة في استجابة دعائه (عليه السلام) وقد دعا (عليه السلام) بست دعوات أشرنا إليها للمؤمنين المتصفين بصفات عشرة، والمؤمن إذا دعا بتعجيل فرج مولاه مع اجتماع الشرائط التي سنذكرها في خاتمة هذا الباب يكون من مصاديق المذكورين في ذلك الدعاء، فيستجاب في حقه تلك الدعوات. فالمهم في هذا المقام بيان ثلاثة أمور لتوضيح المرام:
الأول: شرح الدعوات المذكورة فنقول: يمكن أن يكون المراد بالصلاة من الله تعالى:
الرحمة، كما هو أحد التفاسير الواردة.
ويمكن أن يكون المراد الثناء منه على العبد في الملأ الأعلى كما ورد في حق من يباهي الله تعالى به الملائكة، والمراد بالصلوات المباركات كثرة منافعه الدنيوية وبالزاكيات الخاليات من شوب السخط، وعروض الغضب، وبالناميات ازديادها، وتضاعف آثارها الأخروية.
والمراد باجتماع أمرهم على التقوى أن تكون أفعالهم جميعا موافقة للتقوى، خالية عن شوب الهوى، بأن لا يصدر منهم أمر مخالف لما أمر الله تعالى به، ويحتمل أن يكون المراد ائتلافهم جميعا على كلمة التقوى والأول أظهر، وإصلاح شأنهم، أي إصلاح أمورهم الدنيوية.
الأمر الثاني: شرح الصفات العشرة بحسب ما يستفاد من كلمات العترة الطاهرة فنقول:
الأولى: الإذعان بالشؤون التي خص الله بها الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) إجمالا أو تفصيلا وإلى ذلك أشار (عليه السلام) بقوله: المعترفين بمقامهم.
الثانية: أن يتبعهم في عقائدهم. ويدين بما دانوا به، وهو المراد بقوله (عليه السلام) المتبعين منهجهم.
والثالثة: الاقتداء بهم في آدابهم وأفعالهم الصادرة منهم في كل أمر من الأمور، وإليه أشار (عليه السلام) بقوله: المقتفين آثارهم.
والرابعة: أن يجعل عروته ما جعلوه له عروة، ويحصل ذلك بالعمل على طبق ما أمروا به ونهوا عنه وهو المعبر عنه بقوله (عليه السلام): المستمسكين بعروتهم.
والخامسة: التمسك والتوسل في المهمات بحبل ولايتهم لا غير، وإليه أشار بقوله:
المتمسكين بولايتهم.
والسادسة: أن يجعلهم أئمة خاصة ولا يدخل فيهم من ليس منهم كالزيدية وأشياعهم مثلا.
والسابعة: التسليم لأمرهم.
- روي في أصول الكافي(1261) بإسناد صحيح عن عبد الله الكاهلي (ره) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام)، لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجوا البيت، وصاموا شهر رمضان، ثم قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ألا صنع خلاف الذي صنع، أو وجدوا ذلك في قلوبهم، لكانوا بذلك مشركين ثم تلا هذه الآية ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما﴾(1262) ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) عليكم بالتسليم ".
- وفيه(1263) بإسناد صحيح عنه (عليه السلام) قال: إنما كلف الناس ثلاثة: معرفة الأئمة، والتسليم لهم فيما ورد عليهم، والرد إليهم فيما اختلفوا فيه.
والثامنة: بذل الوسع في طاعتهم وإلى هذ أشار بقوله (عليه السلام) المجتهدين في طاعتهم.
والتاسعة: انتظار ظهور دولتهم كما قال: المنتظرين أيامهم وسنذكر الروايات الواردة في هذا الباب في الباب الثامن من هذا الكتاب.
والعاشرة: أن يجعل إمامه نصب عينيه ويعتقد أنه بحضرة إمامه في جميع أحواله وبمرأى منه ومسمع في تمام أشغاله بحيث لا يخفى منه شيء عليه ولو كشف الغطاء عن عينه نظر إليه وحينئذ يجتهد في رعاية الأدب بالنسبة إليه وهذا معنى قوله المادين إليهم أعينهم، ويدل على ما ذكرنا أخبار كثيرة:
منها ما في الخرائج(1264) عن أبي بصير قال: دخلت المسجد مع أبي جعفر (عليه السلام)، والناس يدخلون ويخرجون، فقال (عليه السلام) لي: سل الناس هل يرونني؟ وكل من لقيته سألته عنه: هل رأيت أبا جعفر (عليه السلام) فيقول: لا وهو واقف حتى دخل أبو هارون المكفوف، فقال (عليه السلام): سل هذا، فقلت: هل رأيت أبا جعفر (عليه السلام)؟ فقال: أليس هو قائما؟ قلت: وما علمك؟ قال: وكيف لا أعلم وهو نور ساطع. قال: وسمعته يقول لرجل من أهل الإفريقية: ما حال راشد؟ قال:
خلفته حيا صالحا يقرئك السلام. قال (عليه السلام) رحمه الله. قال: مات؟ قال: نعم. قال: متى؟ قال (عليه السلام):
بعد خروجك بيومين، قال: والله ما مرض، ولا به كانت علة وإنما يموت من مرض وعلة.
قلت من الرجل؟ قال: رجل كان لنا مواليا وكان لنا محبا.
ثم قال (عليه السلام): لئن تروا أنه ليس لنا معكم أعين ناظرة، أو أسماع سامعة، لبئس ما رأيتم! والله ما يخفى علينا شيء من أعمالكم فاحضرونا جميعا وعودوا أنفسكم الخير وكونوا من أهله تعرفوا به، فإني بهذا آمر ولدي وشيعتي.
أقول: قد ذكرنا بعض ما يدل على المطلوب في المكرمة السادسة والأربعين فراجع(1265).
الأمر الثالث: بيان ترتب تلك الفوائد على الدعاء بتعجيل فرجه (عليه السلام)، فنقول لا ريب في أن الداعي في حق مولانا صاحب الزمان وبتعجيل فرجه يكون مصداقا للعناوين المذكورة إذا كان ملازما للتقوى، وناهيا نفسه عن الهوى، ومهذبها عما يرديها ومبعدا لها عما يغويها وسيأتي أن ترتب الفوائد التي ذكرناها أو نذكرها في هذا الكتاب على نحو الكمال مشروط بالتقوى وتهذيب النفس فإذا صار الداعي كذلك فاز بما ذكرناه هنالك فإن هذا الدعاء موالاة للأئمة الهداة واعتراف بمقامهم واتباع لمنهجهم واقتفاء لآثارهم، واستمساك بعروتهم، وتمسك بولايتهم، وائتمام بهم وتسليم لأمرهم واجتهاد في طاعتهم ودليل على انتظار أيامهم وكل ذلك يظهر للمحب الموافق بأدنى تأمل صادق.
السادسة والسبعون
أنه تمسك بالثقلين وقد أمر بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما روته الخاصة والعامة والروايات الواردة في هذا المقام مذكورة في كتاب غاية المرام(1266).
- منها: أنه سئل أمير المؤمنين عن معنى قول رسول الله: إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، من العترة؟ قال (عليه السلام): أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم قائمهم لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله حوضه.
أقول: وجه الاستشهاد أن التمسك بالعترة يحصل باتباعهم، ولما كان الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان اتباعا لهم باللسان وناشئا عن الاعتقاد بهم والثبوت على أمرهم بالجنان صار الداعي له من مصاديق ذلك العنوان.
السابعة والسبعون
أنه اعتصام بحبل الله (عزَّ وجلَّ) الذي قال في كتابه ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا﴾.
- روى في غاية المرام(1267) عن تفسير الثعلبي بإسناده عن الصادق (عليه السلام) قال: نحن حبل الله الذي قال الله تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾(1268).
الثامنة والسبعون
كمال الإيمان لأنه محبة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) باللسان، وقد ورد في روايات عديدة أن من أحبه باللسان فقد كمل فيه ثلث الإيمان والأحاديث مذكورة في البرهان.
- ويدل عليه مضافا إلى ذلك ما روي في تاسع البحار(1269) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن علي (عليهم السلام)، قال: قال لي أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أحب أن يلقى الله (عزَّ وجلَّ) وهو مقبل عليه، غير معرض عنه فليتول عليا، ومن سره أن يلقى الله وهو عنه راض فليتول ابنك الحسن. ومن أحب أن يلقى الله ولا خوف عليه فليتول ابنك الحسين ومن أحب أن يلقى الله وقد محص عنه ذنوبه، فليتول علي بن الحسين السجاد، ومن أحب أن يلقى الله تعالى قرير العين، فليتول محمد بن علي الباقر (عليه السلام) ومن أحب أن يلقى الله وكتابه بيمينه فليتول جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، ومن أحب أن يلقى الله تعالى طاهرا مطهرا فليتول موسى الكاظم ومن أحب أن يلقى الله ضاحكا مستبشرا، فليتول علي بن موسى الرضا، ومن أحب أن يلقى الله وقد رفعت درجاته، وبدلت سيئاته حسنات، فليتول محمدا الجواد.
ومن أحب أن يلقى الله ويحاسبه حسابا يسيرا فليتول عليا الهادي، ومن أحب أن يلقى الله وهو من الفائزين، فليتول الحسن العسكري، ومن أحب أن يلقى الله وقد كمل إيمانه وحسن إسلامه فليتول الحجة صاحب الزمان المنتظر. فهؤلاء مصابيح الدجى، وأئمة الهدى، وأعلام التقى، من أحبهم وتولاهم كنت ضامنا له على الله تعالى بالجنة.
أقول: وجه الدلالة أن المراد بتولي كل واحد منهم (عليهم السلام) إظهار الولاية أي المحبة بالأعمال البدنية، والأفعال المرضية لأن الولاية القلبية واجبة بالنسبة إلى جميعهم (عليهم السلام) ولإظهار المحبة بالنسبة إلى كل واحد منهم أثر مخصوص، مذكور في ذاك الحديث المنصوص، ولا ريب أن الدعاء في حق مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) بالفرج والظهور إظهار للمحبة الكامنة في الصدور فيترتب عليه هذا الأثر المأثور ووجه ترتبه على تولي مولانا الحجة (عليه السلام) بالخصوص أن الإيمان لا يكمل إلا بمعرفة جميع الأئمة (عليهم السلام) وحيث إن الجزء الأخير علة تامة، فالإيمان لا يتم إلا بتولي خاتم الأئمة وكاشف الغمة عن الأمة، عجل الله تعالى فرجه.
التاسعة والسبعون: درك مثل ثواب عبادة جميع العباد
- والدليل على ذلك ما روي في تفسير البرهان(1270) وغيره مسندا عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) إنما مثلك مثل قل هو الله أحد، فإن من قرأها مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن ومن قرأها مرتين، فكأنما قرأ ثلثي القرآن ومن قرأها ثلاث مرات فكمن قرأ القرآن كله وكذلك أنت، من أحبك بقلبه كان له ثلث ثواب العباد، ومن أحبك بقلبه ولسانه كان له ثلثا ثواب العباد، ومن أحبك بقلبه ولسانه ويده كان له ثواب جميع العباد.
أقول: وجه الاستشهاد أن المراد بالمحبة اللسانية إظهار الحب القلبي باللسان وبمحبة اليد إظهار الحب القلبي باليد، بما يتمشى بها من الأفعال، فمن دعا في حق مولانا صاحب الزمان (عليه السلام)، بالفرج والنصرة حبا لأمير المؤمنين (عليه السلام)، رافعا يديه إلى السماء ابتهالا إلى الله تعالى ورغبة إليه، صدق في حقه أنه محب لأمير المؤمنين (عليه السلام)، مظهر لحبه بلسانه ويديه.
كما أن من أحب شخصا، وعلم أن لهذا الشخص ابنا صالحا، مبتلى محبوسا أو مريضا، وأن هذا الشخص محزون غاية الحزن لابتلاء ذلك الولد، بعثه حبه لهذا الشخص على الدعاء في حق ولده، حبا لوالده.
ثم إن لإظهار المحبة باليد أقساما:
منها: نصرة المحبوب، ودفع الأذى عنه، أو عمن يحبه بالسيف، أو غيره من آلات الحرب.
ومنها: النصرة له، ودفع الأذى بالدعاء، ورفع اليدين إلى السماء.
ومنها: كتابة فضائل المحبوب وغيرها، مما يظهر به الحب القلبي كما لا يخفى.
المكملة للثمانين
أنه تعظيم شعائر الله تعالى. قال الله (عزَّ وجلَّ) ﴿ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾.
قال الطبرسي (ره) في مجمع البيان(1271): ومن يعظم شعائر الله أي معالم دين الله والأعلام التي نصبها لطاعته.
أقول: لما كان وجود الإمام (عليه السلام) من أعظم تلك الأعلام، فلا ريب أن تعظيمه أفضل من جميع الأقسام، ومن جملة أقسام التعظيم الدعاء له، بما يوجب التكريم.
الواحدة والثمانون
ثواب من استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله).
الثانية والثمانون
ثواب من استشهد تحت راية القائم عجل الله تعالى فرجه.
- ويدل عليهما ما روي في مجمع البيان(1272) عن الحارث بن المغيرة، قال: كنا عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال: العارف منكم هذا الأمر المنتظر له المحتسب فيه الخير، كمن جاهد والله مع قائم آل محمد بسيفه، ثم قال بل والله كمن جاهد مع رسول الله بسيفه، ثم قال الثالثة: بل والله كمن استشهد مع رسول الله في فسطاطه.
أقول: وجه الاستشهاد أن المؤمن الداعي بتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) ممن يصدق عليه ذلك العنوان، لأن من الآثار المظهرة للانتظار، الدعاء باللسان وهذا غني عن البرهان.
- ويدل على المقصود أيضا ما روي في تفسير البرهان(1273) عن الحسن بن أبي حمزة عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك قد كبر سني، ودق عظمي، واقترب أجلي، وقد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت قال: فقال لي: يا أبا حمزة إن من آمن بنا، وصدق حديثنا، وانتظرنا كان كمن قتل تحت راية القائم (عليه السلام) بل والله تحت راية رسول الله (صلى الله عليه وآله).
أقول: لا يخفى أن الداعي بصدق النية في حق مولاه بتعجيل الفرج والنصرة مصداق لتلك العناوين المذكورة، فيفوز بالفائدة المزبورة.
الثالثة والثمانون
فيه ثواب الإحسان إلى مولانا صاحب الزمان وذلك من وجوه:
أحدها: أن الدعاء كما بيناه تعظيم وتكريم وهو من صنوف الإحسان وهذا واضح بالوجدان.
الثاني: أن الدعاء له دخل وتأثير في استباق الفرج والظهور، كما سبق في الحديث المأثور، والاهتمام في كل ما له دخل وتأثير في ذلك إحسان إلى إمامنا الخائف المغمور.
الثالث: أنه إطاعة لأمره كما سبق، والإطاعة للمولى إحسان إليه بأي وجه اتفق.
بل نقول: إن الدعاء له إحسان إلى خاتم النبيين، والأئمة المعصومين، وجميع الأنبياء والمرسلين، وقاطبة المؤمنين، لأن بفرجه فرج جميع أولياء الله كما صرح بذلك مولانا الصادق (عليه السلام) في دعائه بعد صلاة الغداة في الحادي والعشرين من شهر رمضان، فطلب ذلك من أوضح أقسام الإحسان.
الرابعة والثمانون
فيه ثواب إكرام العالم، وأداء لحقه في الجملة، لأن الدعاء تحليل وإعظام وهو نوع من الإكرام.
- وقد روي في البحار(1274) عن الصادق (عليه السلام) قال: من أكرم فقيها مسلما لقي الله تعالى يوم القيامة وهو عنه راض.
- وفيه(1275) عن أمير المؤمنين في بيان حق العالم قال: وليحفظ شاهدا وغائبا وليعرف له حقه فإن العالم أعظم أجرا من الصائم القائم المجاهد في سبيل الله.
أقول: لا يخفى أن مولانا صاحب الزمان أكمل مصاديق هذا العنوان بل هو العالم حقيقة.
- كما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الخصال(1276) وغيره أنه قال: الناس يغدون على ثلاثة:
عالم ومتعلم وغثاء، فنحن العلماء، وشيعتنا المتعلمون وسائر الناس غثاء.
أقول: لما كان الدعاء حفظا لشأنه شاهدا وغائبا، لزم على المؤمن الاهتمام بذلك، لأنه غائب عن الأبصار، وحاضر عند أولي الاعتبار.
وقد قلت في هذا المعنى بالفارسية:
أي غايب از نظر نظري سوى ما فكن * آشفته بين زغيبت روى تو مرد وزن
پوشيده نيست حالت أفكار ما زتو * حاضر ميان جمعي وغائب زانجمن
وقد ذكرنا بعض ما يدل على ذلك سابقا فتدبر.
الخامسة والثمانون
فيه ثواب إكرام الكريم.
السادسة والثمانون
الحشر في زمرة الأئمة الطاهرين يوم القيامة لأن الدعاء في حق مولانا صاحب الزمان من أقسام النصرة باللسان.
- وقد ورد في الحديث النبوي(1277) الذي رواه سيد الشهداء لأصحابه ليلة العاشوراء، قال: " فقد أخبرني جدي، أن ولدي الحسين يقتل بطف كربلاء غريبا وحيدا عطشانا، فمن نصره فقد نصرني ونصر ولده القائم، ومن نصرنا بلسانه فإنه في حزبنا يوم القيامة ".
السابعة والثمانون: ارتفاع الدرجات في روضات الجنات
- ويدل على ذلك ما روي في تفسير الإمام(1278) في حديث طويل عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ثم إن أردتم أن يعظم محمد وعلي عند الله منازلكم فأحبوا شيعة محمد وعلي وجدوا في قضاء حوائج المؤمنين فإن الله تعالى إذا أدخلكم معاشر شيعتنا ومحبينا الجنان، نادى مناديه في تلك الجنان يا عبادي قد دخلتم الجنة برحمتي فتقاسموها على قدر حبكم لشيعة محمد وعلي (عليهما السلام) وقضاء حقوق إخوانكم المؤمنين. فأيهم كان أشد للشيعة حبا ولحقوق إخوانهم المؤمنين أشد قضاء كانت درجاته في الجنان أعلى حتى إن فيهم من يكون أرفع من الآخر بمسيرة خمسمائة سنة، ترابيع وقصور وجنان.
أقول: قد ذكرنا أن الدعاء في حق مولانا الحجة صلوات الله عليه قضاء لبعض حقوقه الكثيرة العظيمة مضافا إلى أنه قضاء لحاجته (عليه السلام) حيث إنه أمر المؤمنين بذلك في التوقيع الشريف، بقوله: وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، ومضافا إلى أن الإكثار في ذلك الدعاء ناشئ عن شدة المحبة إليه وإلى شيعته لتوقف تحقق الفرج لهم على تحقق فرجه وظهوره كما قدمناه مرارا فتدبر.
الثامنة والثمانون
الأمن من سوء الحساب في يوم الحساب لأنه صلة لرحم آل محمد (صلى الله عليه وآله) وقد قال الله (عزَّ وجلَّ)(1279) ﴿والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخافون سوء الحساب﴾.
- وروى الشيخ الكليني (ره) في أصول الكافي(1280) بإسناد صحيح عن صفوان الجمال، قال: وقع بين أبي عبد الله (عليه السلام) وبين عبد الله بن الحسن كلام حتى وقعت الضوضاء بينهم واجتمع الناس فافترقا عشيتهما بذلك، وغدوت في حاجة فإذا أنا بأبي عبد الله (عليه السلام) على باب عبد الله بن الحسن وهو يقول: يا جارية قولي لأبي محمد، قال: فخرج فقال: يا أبا عبد الله ما يكربك؟ قال (عليه السلام): إني تلوت آية في كتاب الله (عزَّ وجلَّ) البارحة فأقلقتني فقال وما هي؟
قال (عليه السلام): قول الله (عزَّ وجلَّ) ذكره ﴿الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب﴾ فقال: صدقت لكأني لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله قط فاعتنقا وبكيا.
- وفيه(1281) أيضا بإسناد صحيح عن عمر بن يزيد الثقة (ره) قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ﴿الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل﴾ قال (عليه السلام): نزلت في رحم آل محمد (صلى الله عليه وآله) وقد يكون في قرابتك ثم قال (عليه السلام) فلا تكونن ممن يقول للشيء إنه في شيء واحد.
- وفي تفسير البرهان(1282) بإسناده عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن قال: إن رحم آل محمد (صلى الله عليه وآله) معلقة بالعرش تقول: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني، وهي تجري في كل رحم. ونزلت هذه الآية في محمد وما عاهدهم عليه، الخبر.
- وفيه(1283) عن العياشي عن عمر بن مريم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله(1284) ﴿الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل﴾ قال: من ذلك صلة الرحم وغاية تأويلها صلتك إيانا.
أقول: قد ظهر بهذه الأخبار وغيرها مما يطول بذكره الكتاب أن صلة الإمام توجب الأمن من سوء الحساب، وبقي هنا أمران:
أحدهما: حصول الصلة بالدعاء.
والثاني: بيان المراد من سوء الحساب.
أما الأول: فالدليل عليه أن المراد بالصلة مطلق الإحسان بأي نحو كان، سواء كان باللسان أم بغير ذلك العنوان والدعاء من أفضل أقسام الإحسان باللسان.
- ويشهد لما ذكرناه ما روي في أصول الكافي(1285) بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): صلوا أرحامكم ولو بالتسليم، الخبر.
- وفيه(1286) أيضا بإسناد صحيح عن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن صلة الرحم والبر ليهونان الحساب ويعصمان من الذنوب، فصلوا أرحامكم، وبروا بإخوانكم ولو بحسن السلام ورد الجواب.
وأما سوء الحساب فالمراد منه الاستقصاء.
- لما روي في البرهان(1287) بإسناد صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لرجل: يا فلان ما لك ولأخيك؟ فقال: جعلت فداك، كان لي شيء فاستقصيت عليه في حقي، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿ويخافون سوء الحساب﴾ أتراهم خافوا أن يجور عليهم ويظلمهم! ولكنهم خافوا الاستقصاء.
- وعن الكافي(1288) بإسناد آخر مثله وفيه: لا والله ما خافوا إلا الاستقصاء فسماه الله (عزَّ وجلَّ) سوء الحساب فمن استقصى فقد أساء. وعن العياشي مثله.
وأما معنى الاستقصاء المذكور في تفسير الآية الشريفة:
- ففي البرهان(1289) عن العياشي عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى:
﴿يخافون سوء الحساب﴾ قال: يحسب عليهم السيئات ولا يحسب لهم الحسنات وهو الاستقصاء.
- وعن الطبرسي(1290) أيضا عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سوء الحساب أن يحسب عليهم السيئات، ولا يحسب لهم الحسنات، وهو الاستقصاء.
أقول: يدل هذا الحديث وأمثاله على أن أثر بعض المعاصي المنع من قبول الحسنات كالأحاديث الواردة في عقاب ترك الصلاة ومنع الزكاة وعقوق الوالدين وليس هذا من الظلم في شيء أصلا فتدبر.
التاسعة والثمانون: الفوز بأفضل درجات الشهداء يوم القيامة
- لما روي في منهج الرشاد عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) في حديث قال: من أفضل الشهداء درجة يوم القيامة من نصر الله ورسوله بظهر الغيب ورد عن الله ورسوله.
أقول: وجه الاستشهاد ما أسمعناك مرارا من أن الدعاء بتعجيل فرج القائم (عليه السلام) ونصرته نصرة لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) فتدبر.
المكملة للتسعين: الفوز بالشفاعة الفاطمية
- ويدل على ذلك ما روي في ثالث البحار(1291) من تفسير فرات بن إبراهيم في حديث طويل عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال ثم يقول جبرائيل: يا فاطمة سلي حاجتك فتقولين: يا رب شيعتي، فيقول الله تعالى: قد غفرت لهم، فتقولين يا رب شيعة ولدي فيقول الله قد غفرت لهم، فتقولين يا رب شيعة شيعتي فيقول الله انطلقي، فمن اعتصم بك فهو معك في الجنة. فعند ذلك تود الخلائق أنهم كانوا فاطميين، الخبر.
ولا ريب أن الدعاء في حق مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) من أوضح أقسام الاعتصام بسيدة النسوان، مضافا إلى أنه من علامات التشيع والمحبة، فيكون سببا للفوز بهذه المكرمة إن شاء الله تعالى.
فصل
إعلم أن قضاء حاجة المؤمن من أفضل الأعمال، وأحبها إلى الخالق المتعال وقد ورد لها في الأخبار المأثورة عن الأئمة الأطهار كثير من الفوائد والآثار، ولا خفاء في أنه كلما كان ذلك المؤمن أفضل كان ثواب قضاء حاجته أعظم وأكمل، والمراد بالحاجة ما يطلبه المؤمن من الأمور المشروعة مما يحصل له به دفع ضرر، أو جلب منفعة دينية أو دنيوية.
ولما كان الدعاء بتعجيل فرج مولانا (عليه السلام) من جملة الأمور التي طلبها (عليه السلام) من المؤمنين في التوقيع الشريف المروي عنه(1292) الذي ذكرناه في صدر هذا الباب، بقوله (عليه السلام): وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، جزمنا بترتب فوائد قضاء حاجة المؤمن على امتثال هذا الأمر الأبهج بنحو أبلج، إذ لا فرق بين أن يقول (عليه السلام) لشخص أعطني ماء، أو أصلح الأمر الفلاني، وأن يقول: ادع لي بكذا وكذا، فكلاهما طلب حاجة، وهذا واضح، لكنا نكتفي من تلك المكارم الفاضلة بذكر اثنتي عشرة كاملة، فتكون بضميمة المكارم السابقة، مائة واثنتان تامة:
الأولى: فيه ثواب حج بيت الله الحرام.
- ويدل عليه ما روي في أصول الكافي(1293) بإسناد صحيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من سعى في حاجة أخيه المؤمن فاجتهد فيها فأجرى الله على يديه قضاءها كتب الله (عزَّ وجلَّ) له حجة وعمرة واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامهما وإن اجتهد ولم يجر الله قضاءها على يديه، كتب الله (عزَّ وجلَّ) له حجة وعمرة.
- وفيه(1294) أيضا عنه قال: لقضاء حاجة امرئ مؤمن أحب إلي من عشرين حجة، كل حجة ينفق فيها صاحبها مائة ألف.
أقول: لعل الاختلاف في الثواب بتفاوت درجات الحاجة أو طالبها.
الثانية: فيه ثواب العمرة.
الثالثة: فيه ثواب الاعتكاف شهرين في المسجد الحرام.
الرابعة: فيه ثواب صيام شهرين، ويدل على جميعها الحديث السابق وغيره.
الخامسة: قبول شفاعته يوم القيامة.
- لما رواه ثقة الإسلام في أصول الكافي(1295) بإسناده عن المفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي يا مفضل اسمع ما أقول لك واعلم أنه الحق وافعله، وأخبر به علية إخوانك قال:
جعلت فداك، وما علية إخواني؟ قال الراغبون في قضاء حوائج إخوانهم، قال: ثم قال: ومن قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله (عزَّ وجلَّ) له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أولها الجنة ومن ذلك أن يدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنة، بعد أن لا يكونوا نصابا، الخبر.
السادسة: قضاء مائة ألف حاجة له يوم القيامة، ويدل عليه هذا الحديث المذكور(1296).
السابعة: أنه أفضل من عشر طوافات بالبيت الحرام:
- لما روي في أصول الكافي(1297) بإسناد صحيح عن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من طاف بالبيت أسبوعا كتب الله (عزَّ وجلَّ) له ستة آلاف حسنة ومحى عنه ستة آلاف سيئة، ورفع له ستة آلاف درجة. قال: وزاد فيه إسحاق بن عمار: وقضى له ستة آلاف حاجة، ثم قال (عليه السلام): وقضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف وطواف حتى عد عشرا.
الثامنة: فيه ثواب العتق.
- لما روي في الكتاب المذكور(1298) بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لأن أمشي في حاجة أخ لي مسلم أحب إلي من أن أعتق ألف نسمة، وأحمل في سبيل الله على ألف فرس مسرجة ملجمة.
- وفيه(1299) بإسناده عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مشي الرجل في حاجة أخيه المؤمن يكتب له عشر حسنات، ويمحى عنه عشر سيئات، ويرفع له عشر درجات قال: ولا أعلمه إلا قال: ويعدل عشر رقاب وأفضل من اعتكاف شهر في المسجد الحرام.
أقول: لا يخفى أن ترتب هذا الثواب على المشي في حاجة المؤمن لكونه مقدمة لقضاء حاجته فالثواب في الحقيقة إنما هو له، فيترتب على قضاء حاجته، وإن لم يكن موقوفا على المشي.
وأما اختلاف هذا الحديث مع الحديث السابق، الذي ذكر فيه ثواب الطواف فيمكن أن يقال: إنه محمول على تفاوت مراتب الحاجة، أو مراتب المؤمن، أو تفاوت الحسنات أو السيئات. أو يقال: إن الثواب المذكور في هذا الحديث يترتب على مقدمات قضاء الحاجة، وإن لم تكن موصلة إلى المطلوب، والثواب المذكور في الحديث السابق، يترتب على ذي المقدمة والله تعالى هو العالم.
التاسعة: فيه ثواب أن يحمل في سبيل الله على ألف فرس مسرجة ملجمة وقد مر ما يدل عليه آنفا (ح 1037).
- العاشرة: ما روي في أصول الكافي(1300) أيضا بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: من مشى في حاجة المسلم أظله الله بخمسة وسبعين ألف ملك، ولم يرفع قدما إلا كتب الله له حسنة، وحط عنه بها سيئة، ويرفع له بها درجة فإذا فرغ من حاجته كتب الله (عزَّ وجلَّ) له بها أجر حاج ومعتمر.
- الحادية عشرة: ما رواه الصدوق في حديث(1301) طويل بإسناده عن أبي الدنيا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (عليه السلام) قال: من سعى في حاجة أخيه المؤمن لله (عزَّ وجلَّ) فيها رضا، وله فيها صلاح، فكأنما خدم الله (عزَّ وجلَّ) ألف سنة، لم يقع في معصيته طرفة عين.
- الثانية عشرة: ما رواه الشيخ مهدي الفتوني في " نتائج الأخبار ونوافج الأزهار " عن الشيخ الطوسي، بإسناده عن(1302) ميمون بن مهران، قال: كنت جالسا عند الحسن بن علي (عليه السلام) فأتاه رجل فقال: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن فلانا له علي مال، ويريد أن يحبسني، فقال (عليه السلام): والله ما عندي مال فأقضي عنك.
قال: فكلمه، فلبس (عليه السلام) نعله فقلت: يا بن رسول الله أنسيت اعتكافك؟
فقال (عليه السلام) لي: لم أنسه، ولكني سمعت أبي يحدث عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من سعى في حاجة أخيه المؤمن المسلم، فكأنما عبد الله تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله.
هذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الباب بتوفيق الخالق الوهاب.
وينبغي التنبيه على أمور
الأول: أن الفوائد المذكورة والمكارم المزبورة تحصل بذلك الدعاء بأي نحو كان وبأي لسان لعموم ما دل عليها، أو إطلاقها، وعدم مخصص يخصها.
الثاني: أن أكثر تلك المكارم يحصل بإكثار الدعاء بتعجيل فرج مولانا القائم (عليه السلام) لقوله:
وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج.
الثالث: أن كمال تلك المكارم إنما يكون بتحصيل ملكة التقوى، وتهذيب النفس عما يغويها، وردعها عما يرديها، وبسط الكلام في هذا المقام ينافي ما أردنا من الاختصار، فالأولى الاقتصار بهذا المقدار والإشارة كافية لأولي الأبصار وأهل النظر والاعتبار، ونسأل الله تعالى أن يعجل في فرج مولانا الغائب عن الأبصار ويجعلنا بمنه في زمرة الأنصار.
إلى هنا تم الجزء الأول حسب تجزءتنا في الطبعة الجديدة من كتاب مكيال المكارم وسيتلوه الجزء الثاني إن شاء الله من الباب السادس من كتاب مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (عليه السلام).
وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين. رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه ربنا وأتمم لنا نورنا.
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(1) في الكافي عن أبي عبد الله ما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الدنيا حتى ألزم رقاب هذه الأمة حقنا، الخبر لمؤلفه.
(2) فإن قيل: فرق واضح بين المقامين، لأن العلة الموجبة لبعث النبي حاجة الناس في أمور معاشهم ومعادهم إلى قانون يعملون بمقتضاه في جميع الأمور، فإذا جاء النبي بما يحتاجون إليه وبين لهم القواعد والأحكام وعرفوها عملوا بها فيرتفع الحاجة، ويكفي في بيان تلك القواعد والأحكام وجود العلماء والكتب المعمولة لبيان ما يحتاج إليه الناس في أمر المعاش والمعاد.
قلنا: لا ريب في فساد هذا الإشكال من وجوه:
الأول: أن النبي إنما بين القواعد الكلية، والأحكام التي تعم بها البلية كما هو واضح لمن لاحظ الأحاديث النبوية ولم يرتفع الحاجة بهذا المقدار بالكلية، بل نرى كثيرا من المسائل قد اختفت أحكامها على الأوحدين من العلماء الكاملين فضلا عن غيرهم، فلا بد في كل زمان من وجود إمام معصوم يرجع إليه الناس فيما يحتاجون إليه، ولم يصل إليهم خبر عن النبي (صلى الله عليه وآله)، نعم لا ريب في أن النبي (صلى الله عليه وآله) أودع جميع الأحكام والعلوم عند وصيه، الذي هو الإمام بعده، وكذا أودعه كل إمام عند وصيه، إلى أن انتهت النوبة إلى إمام زماننا عجل الله تعالى فرجه وظهوره، فهم يبينون الأحكام الإلهية التي أخذوها عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ولا ريب أيضا في أن هذا المبين لأحكام النبي لو لم يكن معصوما لما حصل للناس الوثوق بقوله، فينتقض الغرض من البعثة.
الثاني: إنه لا ريب في وقوع الخلاف والتنازع بين الناس بمقتضى جبلتهم وأهويتهم، كما يشاهد بالوجدان ويرى بالعيان، فمقتضى اللطف الإلهي أن ينصب فيهم من يكون عالما بما هو الحق، الواقع في كل زمان ويكون هذا الشخص مرجعا لهم في مرافعاتهم وواقعاتهم، حتى يصل الحق إلى صاحبه، ويتسرى العدل الإلهي فيهم، وهذا الشخص هو الإمام الذي أمر الناس جميعا باتباعه، والرجوع إليه، والاعتماد عليه فيما يحتاجون إليه.
فإن قلت: إن الأئمة في زمن حضورهم لم يكونوا يحكمون إلا على طبق القواعد الظاهرية التي يحكم العلماء في زمن الغيبة بمقتضاها فكيف تدعي أن مقتضى اللطف نصب الإمام ليحكم بما هو الحق الواقعي في علمه المختص به.
قلت: إن المانع من الحكم بمقتضى علمهم الواقعي إنما كان من قبل الناس كما أن المانع من ظهور الإمام من قبلهم أيضا، فإذا كانوا هم السبب في ذلك فلا حجة لهم ولا نقض في قاعدة اللطف المحكمة المسلمة، ويدل على ذلك الروايات الكثيرة المصرحة بأنه لو ثنيت لهم الوسادة وأعطوا الرئاسة، وحصل لهم بسط اليد، حكموا بحكم آل داود والأحكام الواقعية التي أستودعها من الخالق المعبود.
منها ما في أصول الكافي: (2 / 397) عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يا أبا عبيدة إذا قام قائم آل محمد (عليه السلام) حكم بحكم داود وسليمان (عليهما السلام) لا يسأل بينة. وفيه في الصحيح عن أبان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني يحكم بحكومة آل داود، ولا يسأل بينة، يعطي كل نفس حقها. وفيه بسند صحيح إلى عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بما تحكمون إذا حكمتم؟
قال: بحكم الله وحكم داود فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا تلقانا به روح القدس.
وفيه بإسناده عن جعيد الهمداني عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: سألته بأي حكم تحكمون؟ قال حكم آل داود فإن أعيانا شيء تلقانا به روح القدس.
أقول: ويأتي في حروف الحاء المهملة من الباب الرابع ما يدل على المطلوب إن شاء الله.
الثالث: أنا لو فرضنا كون العلماء عالمين بجميع الأحكام فلا يكفي وجودهم عن الإمام، لأنهم ليسوا بمعصومين عن السهو والخطأ في كل مقام فلا بد في كل زمان من وجود شخص معصوم عن الخطأ والنسيان ليكون مرجعا للأنام، ويبين لهم حقائق الأحكام، وليس ذلك إلا الإمام.
فإن قيل: فما الفرق بين عدم الإمام ووجوده غائبا عن أبصار الأنام.
قلنا: أولا: لما كان المانع من ظهوره (عليه السلام) ناشئا عن قبل الأنام لم يكن ذلك منافيا للطف الخالق العلام ولم يكن دليلا على عدم الحاجة إلى وجود الإمام، بل يجب عليهم رفع موانع ظهوره لكي يستضيئوا بكمال نوره وينتفعوا بأنواع علومه.
وثانيا: أنا لا نسلم غيبته في جميع الأزمان عن أبصار جميع أهل الإيمان بل اتفق لكثير من الأعلام التشرف بلقائه (عليه السلام) وقصصهم مضبوطة في كتب علمائنا الكرام وذكرها خارج عن المقصود في هذا المقام وهي بسبب تواترها تفيد العلم القطعي بالمرام.
وثالثا: أن منافع وجوده المبارك غير منحصرة في إفادة العلوم بل جميع ما يصل إلى الخلائق من مبدأ الفيض، إنما هو ببركات وجوده، وسيأتي بعض ما يدل على المقصود في الباب الثالث إن شاء الله تعالى (لمؤلفه).
(3) الكافي: ١ / 143 باب النوادر خبر 4.
(4) الكافي: ١ / ١٧٧ باب أن الحجة لا تقوم لله على خلقه خبر ١.
(5) في نسخة: أسماء الله الذي.
(6) الكافي: ١ / 2 باب فضل الإمام خبر 2.
(7) الكافي: ٦ / 230 باب فضل الإمام خبر 2.
(8) الكافي: ١ / ١٨٠ باب معرفة الإمام خبر ٢.
(9) الكافي: ١ / ١٨٠ باب معرفة الإمام خبر ٣.
(10) الكافي: ١ / 375 باب فيمن دان الله بغير إمام.
(11) ويؤيد ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في باب الغيبة عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إياكم والتنويه، أما والله ليغيبن إمامكم سنينا من دهركم، ولتمحصن حتى يقال مات، قتل، هلك، بأي واد سلك، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه، وليرفض اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يدرى أي من أي، قال فبكيت.
ثم قلت: فكيف نصنع؟ قال: فنظر (عليه السلام) إلى الشمس داخلة في الصفة فقال: يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس؟
قلت: نعم، فقال (عليه السلام): والله لأمرنا أبين من هذه الشمس (لمؤلفه).
(12) الكافي: ١ / ١٨١ باب معرفة الإمام خبر ٤.
(13) الكافي: ١ / 185 باب فرض طاعة الأئمة خبر 1.
(14) الكافي: ٢ / 19 باب دعائم الإسلام خبر 6.
(15) ويؤيده أيضا صحيح محمد بن مسلم الذي ذكرناه سابقا فراجع (لمؤلفه).
(16) الكافي: ١ / ٣٧٧ باب من مات، خبر ٣.
(17) الكافي: ٢ / 413 باب 39 ح 14.
(18) الكافي: ٢ / 212 باب 39 ح 12.
(19) إكمال الدين: 2 / 412 باب 39 ح 8.
(20) غيبة النعماني: 62 فيمن بات ليلة.
(21) الاحتجاج: ٢ / 268 احتجاج الحجة.
(22) إعلم أن الطبرسيين المعروفين في علمائنا الإمامية ثلاثة: أحدهم أحمد بن أبي طالب صاحب كتاب الاحتجاج على أهل اللجاج، والثاني الشيخ الجليل الأمين فضل بن الحسن الطبرسي صاحب مجمع البيان، والثالث ولده الجليل الحسن بن فضل صاحب مكارم الأخلاق. (لمؤلفه).
(23) الكافي: ١ / 277 باب أن الإمامة عهد من الله ح 2.
(24) الكافي: ١ / 525 باب ما جاء في الاثني عشر ح 1.
(25) وفي نسخة ثانية بعد والقائم بحجته: وأشار إلى أبي محمد الحسن، وأشهد أن أبا محمد وصي أبيه والقائم بحجته بعدك.
(26) إكمال الدين: 2 / 361 باب 34 ذيل 5.
(27) الخرائج والجرائح: 98 في فصل أعلام الصادق.
(28) إكمال الدين: 2 / 376 باب 35 ذيل 7.
(29) إكمال الدين: 2 / 381 باب 37 ذيل 5.
(30) إكمال الدين: 2 / 409 باب 38 ذيل 9.
(31) إكمال الدين: ٢ / ٤٣٣ باب ٤٢ ذيل ١٣.
(32) إكمال الدين: ٢ / ٤٣١ باب ٤٢ ذيل ٧.
(33) إكمال الدين: ٢ / ٤٨٥ باب ٤٥ ذيل ٥.
(34) الكافي: ١ / 523 ذيل 23.
(35) إكمال الدين: 2 / 492 باب 45 ذيل 17.
(36) إكمال الدين: 2 / 501 باب 45 ذيل 26.
(37) وفي نسخة ثانية: السمري.
(38) الاحتجاج: 2 / 278 توقيعات الناحية المقدسة.
(39) الاحتجاج: 2 / 284 توقيعات الناحية المقدسة.
(40) إكمال الدين: 1 / 254 باب 23 ذيل 4.
(41) الكافي: ٢ / ١٧٩ باب أن الأرض لا تخلو من حجة ح ١٣.
(42) وهو الحسن بن علي.
(43) الكافي: ٢ / 179 ح 10.
(44) إكمال الدين: 1 / 25 باب 24 ذيل 3.
(45) الشورى: ٢٣.
(46) الكافي: ١ / 144 باب النوادر ح 5.
(47) الكافي: ١ / ٤٠٩ باب أن الأرض كلها للإمام ح ٧.
(48) الكافي: ١ / ٤٠٨ باب أن الأرض كلها للإمام ح ٢.
(49) الكافي: ١ / ٢٠٠ باب نادر في فضل الإمام ح ١.
(50) الكافي: ١ / ٣٨٩ باب خلق أبدان الأئمة وأرواحهم ح ١.
(51) الكافي: ١ / 390 باب خلق أبدان الأئمة ح 4.
(52) إكمال الدين: ٢ / ٣٤٥ باب ٣٣ ح ٣٠.
(53) بحار الأنوار: ١٢ / ٣٧ / ح ٤٥٩.
(54) راجع المفاتيح.
(55) المنتخب من الصحاح الستة: ٤٩.
(56) سورة الأحزاب: ٦.
(57) كفاية الأثر: ١٩٥.
(58) إكمال الدين: ١ / ٢٧٠ - ١٥.
(59) الكافي: ١ / ١٨٧ باب فرض طاعة الأئمة ح ١٠.
(60) الكافي: ١ / ١٨٧ / ح ١٠.
(61) الكافي: ١ / ٢١٣ باب الراسخين في العلم.
(62) الكافي: ١ / ٢١٠ باب أهل الذكر.
(63) الكافي: ١ / 405 باب حق الإمام على الرعية ح 1.
(64) الكافي: ٨ / 35 / ح 550.
(65) الكافي: ٢ / ٥٠٧ باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب ح ٥.
(66) الكافي: ٢ / 172 باب حق المؤمن لأخيه ح 9.
(67) بصائر الدرجات: ١٢ / 167.
(68) الكافي: ١ / 407 باب أن الأرض كلها للإمام ح 3.
(69) الطسق: الوظيفة من الخراج.
(70) الاحتجاج: 2 / 323.
(71) جنة المأوى: 292 / حكاية 47.
(72) بحار الأنوار: ٥٢ / 338 / ح 27 ذيل 83.
(73) سورة الفتح: ٣٨.
(74) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٧٩ باب ٢٧ ذيل ١٨٧.
(75) بحار الأنوار: ٥٢ / 345 باب 27 ذيل 91.
(76) إكمال الدين: 1 / 252 باب 23 ذيل 2.
(77) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣١٤ ب ٢٧ ذيل ٩.
(78) علل الشرائع: ٢ / ٢٦٧ - ٣٨٥ ح ١٠.
(79) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٧٦.
(80) بحار الأنوار: ٥٢ / 338 ب 27 ذيل 80.
(81) الاحتجاج: 1 / 80 ح الغدير.
(82) في نسخة ثانية: المشيد.
(83) تفسير القمي: ٢ / ٤١٦، تأويل الآيات ٢ / ٧٨٥.
(84) سورة الطارق: ١٧.
(85) الكافي: ٧ / ١٧٤ / ح ١.
(86) بحار الأنوار: ٥٢ / 325 ب 27 ذيل 39.
(87) راجع المفاتيح.
(88) تفسير القمي: ٢ / ٤٧٩.
(89) سورة النمل: ٦٢.
(90) بحار الأنوار: ٥٢ / 351 ذيل 5.
(91) الاحتجاج: 2 / 283 توقيعات الحجة المنتظر (عليه السلام).
(92) إكمال الدين: ١ / ٣٣٢ باب ٣١ ذيل ٣.
(93) الاحتجاج: ٢ / ٢٨٤ توقيعات الحجة المنتظر (عليه السلام).
(94) راجع المفاتيح.
(95) الكافي: ١ / ٣٣٤ باب نادر في حال الغيبة ح ٢.
(96) بحار الأنوار: ٥١ / 84.
(97) الاحتجاج: ٢ / ٢٧٨ توقيعات الناحية المقدسة.
(98) الاحتجاج: ٢ / ٢٦٥ ذيل ١٥.
(99) الاحتجاج: ٢ / ٢٨٩ توقيعات الناحية المقدسة.
(100) بحار الأنوار: ٧ / 274 باب 11 ح 48.
(101) تفسير البرهان: ٤ / ٤٥٥، سورة الغاشية: ٢٦.
(102) بحار الأنوار: ٤٨ / 73 ح 100.
(103) سورة التوبة: ٢٥.
(104) بحار الأنوار: ٥٣ / ١٨٩ / ح ١٨.
(105) جمال الأسبوع: ٣٠٨.
(106) بحار الأنوار: ٥١ / 30 باب 2 ذ 7.
(107) غيبة النعماني: 122 في سيرة القائم.
(108) غيبة النعماني: 121 في سيرة القائم.
(109) غيبة النعماني: 122 في سيرة القائم (عليه السلام).
(110) غيبة النعماني: 173 الإسلام بدأ غريبا.
(111) غيبة النعماني: 173 الإسلام بدأ غريبا.
(112) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٥٢ ح ١٠٧.
(113) كتاب التوحيد: ٢٣٣ باب ٣٢ ذيل ١.
(114) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٦٤ باب ٢٧ ذيل ح ١٣٩.
(115) النعماني اسمه محمد بن إبراهيم بن جعفر قال في أمل الآمل شيخ من أصحابنا عظيم القدر شريف المنزلة صحيح العقيدة كثير الحديث قدم بغداد وخرج إلى الشام مات بها قاله العلامة النجاشي إلى أن قال وهذا من تلامذة محمد بن يعقوب الكليني (ره) ومن مؤلفاته تفسير القرآن رأيت قطعة منه ورأيت كتاب الغيبة وهو حسن جامع. انتهى (لمؤلفه).
(116) الكافي: ٢ / 633 باب النوادر ح 23.
(117) الاحتجاج: 1 / 225.
(118) في نسخة: على قراءته.
(119) البرهان: ٢ / ٣٥٤ ذيل ٩.
(120) البرهان: ٢ / ٣٥٤ ح ٩.
(121) بحار الأنوار: ٥١ / ٣٥ باب ٤ ذيل ٤.
(122) البرهان: ١ / ٣٥٤ ح ١٠.
(123) بحار الأنوار: ٥١ / ٢٥، وج ٢ / ٣٥٤ / ح ١٠.
(124) سورة الحجر: ٨٧.
(125) البرهان: ٢ / ٣٥٤ / ح ٨.
(126) سورة الزمر: ٢٣.
(127) غيبة النعماني: ١٧١ ذكر الشيعة عند خروج القائم.
(128) سعد السعود: ٢٣٨.
(129) سعد السعود: ٢٣٨.
(130) روى السيد الجليل السيد هاشم البحراني (ره) في غاية المرام: ٢١٨ باب ٩١ ح ٥ أنه سئل أمير المؤمنين عن معنى قول رسول الله: إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي... - من العترة؟ قال (عليه السلام): أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم قائمهم - الحديث (لمؤلفه). (انظر معاني الأخبار: ٩١).
(131) الأمالي للشيخ الصدوق: ١٨٨.
(132) الخصال للشيخ الصدوق: 647.
(133) إكمال الدين: ١ / ٣٣٨ ب ٣٣ ذيل ٢.
(134) بحار الأنوار: ٥٢ / ٢٣١ باب علامات الظهور ذيل ٩٦.
(135) تفسير العياشي: ٢ / 290 / ح 67.
(136) 8 / الروضة 255 ح 364.
(137) علل الشرائع: ١٦٠ باب ١٢٩ ح ١.
(138) الكافي: ١ / ٥٣٤ ما جاء في اثني عشر ح ١٩.
(139) غاية المرام: ١٩٤ م ١ باب ٢٤ ح ٢٩ والطرائف للسيد ابن طاووس: ١٧٣.
(140) بحار الأنوار: ٥٢ / 308 / ح 82.
(141) بحار الأنوار: ٥٢ / 313 / ح 6.
(142) المحجة: 740.
(143) المحجة: 753.
(144) إكمال الدين: ١ / ٢٨٧ باب ٢٥ ذيل ٤.
(145) إكمال الدين: ١ / ٢٨٦ باب ٢٥ ذيل ١.
(146) إكمال الدين: ١ / ٢٥٧ باب ٢٤ ذيل ٢.
(147) الكافي: ١ / ٤٤٣ باب مولد النبي (صلى الله عليه وآله) ح ١٤.
(148) بحار الأنوار: ٥١ / 35 باب 4 ذيل 4.
(149) العمدة لابن البطريق: ٤٢٩، والمنتخب من الصحاح الستة: ٢١٢.
(150) بحار الأنوار: ٥١ / ٩٥ باب ما ورد من الأخبار ح ١٧.
(151) بحار الأنوار: ٥٤ / 80 ذيل 10.
(152) تبصرة الوالي: 765.
(153) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣.
(154) بحار الأنوار: ٩٥ / ٣٣٣، وجمال الأسبوع: ٥١٣.
(155) في المصدرين: الجحجاح.
(156) بحار الأنوار: ٥٢ / 361 باب 27 ذيل 129.
(157) الكافي: ٨ / ٢٠١ / ح ٢٤٣ وبحار الأنوار: ٥٢ / ٣٧٨ / ح ١٨١.
(158) سورة الأنفال: ٣٩.
(159) بحار الأنوار: ٥٢ / 57 / ح 123.
(160) إكمال الدين: 1 / 318 باب 30 ذيل 5.
(161) الطريد والشريد هما من ألقاب مولانا الحجة (عليه السلام) وكذا الموتور والمراد من الأب في الحديث هو الحسين بن علي (عليه السلام) أو جميع آبائه (عليهم السلام) (محمد الموسوي).
(162) إكمال الدين: 2 / 432 باب 42 ذيل 11.
(163) إكمال الدين: 1 / 327 باب 32 ذيل 7.
(164) في نسخة: فخروجه بالسيف.
(165) بحار الأنوار: ١٠٢ / ١٠٧.
(166) المحجة: ٧٣٢.
(167) سورة الفتح: ٢٨.
(168) سورة التوبة: ٣٣.
(169) تفسير القمي: ٢ / ٢٦٤ / سورة التوبة.
(170) تفسير العياشي: ١ / ١٨٣ ذيل ح ٨١.
(171) سورة آل عمران: ٨٣.
(172) سورة البقرة: ١٤٨.
(173) تفسير البرهان: ١ / ١٦٣ / ح ٧.
(174) تفسير البرهان: ١ / 162 / ح 1.
(175) تفسير البرهان: ١ / ١٦٢ / ح ٦.
(176) تفسير البرهان: ١ / ١٦٤ / ح ١١.
(177) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٢٨ باب ٢٧ ذيل ٤٨.
(178) بحار الأنوار: ٥٣ / ٧ / ح ٦.
(179) سورة الزمر: ٧٤.
(180) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٣٠ باب ٢٧ ذيل ٥١.
(181) إكمال الدين: ٢ / ٢٨٢ باب ٢٧ ذيل ٩.
(182) واعلم أن هذه خصيصة اختصها الله بوجوده الشريف بحيث إذا وضع يده على رأس المؤمن جمع الله عقله وكمل حلمه وقال بعض الأجلة من المعاصرين في معنى الحديث: إن جمع العقل راجع إلى كمال القوة العقلية باجتماع جنود العقل فيه لدرك الأمور الباطنية وتكميل الحلم راجع إلى كمال القوة المدبرة لانتظام الأمور المعاشية (محمد الموسوي).
(183) إكمال الدين: ٢ / ٦٧ باب ٥٨ ذيل ٣٠.
(184) الكافي: ١ / 25 باب العقل ح 21.
(185) قوله (عليه السلام): من يلوى له الحنك، قال في المجمع: لواه إذا أماله من جانب إلى جانب والحنك بفتحتين ما تحت الذقن من الإنسان وغيره أو أعلى داخل الفم والأسفل في طرف مقدم اللحيين (إنتهى) والمراد في الحديث كثرة الكلام في حقه كما ورد في الروايات أن الناس يختلفون في حياته وموته ونسبه وإمامته إلى غير ذلك (محمد الموسوي).
(186) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٥٢ باب ٢٧ ذيل ١٠٦.
(187) غيبة النعماني: ١٢٥.
(188) بحار الأنوار: ٥٢ / 362 باب 27 ذيل 131.
(189) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٦٣ باب ٢٧ ذيل ١٣٢.
(190) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٦٣ ب ٢٧ ذيل ١٣٦.
(191) إكمال الدين: ١ / ٣٢٩ باب ٣٢ ذيل ١١.
(192) بحار الأنوار: ٥٣ / 15 ب 25.
(193) إكمال الدين: ٢ / ٤٤٠ باب ٤٣ ذيل ٨.
(194) من لا يحضره الفقيه: ٢ / 212 - 2184.
(195) من لا يحضره الفقيه: ٢ / ٦٦٨ باب ٥٨ ذيل ١٣.
(196) سورة الحديد: ١٧.
(197) المحجة: ٧٥٢.
(198) المحجة: ٧٥٢.
(199) وأصلها في الكافي: ٧ / 174 / ح 1.
(200) المحجة: 753.
(201) الكافي: ٢ / 279 باب الكبائر ج 9.
(202) إكمال الدين: 2 / 671 باب 58 ذيل 19.
(203) إكمال الدين: ٢ / ٦٧١ باب ٥٨ ذيل ٢٠.
(204) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٨٩ باب ٢٧ ذيل ٢٠٧.
(205) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٥٥ باب ٢٧ ذيل ١١٧.
(206) بحار الأنوار: ٥٢ / 339 باب 27 ذيل 86.
(207) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٣٨ باب ٢٧ ذيل ٧٩.
(208) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٣٨ باب ٢٧ ذيل ٨٠.
(209) بحار الأنوار: ٥١ / 39 ح 19.
(210) لما كان الظهور أعم من الخروج بالسيف ذكر (عليه السلام) بعض وجوه وجوب خروجه بالسيف أو أن ظهوره وهو حفظ النفس والتحرز عن القتل يعني إذا ظهر فلا بد له من الخروج يعني بالسيف ولو لم يخرج لضرب الأعداء عنقه والله تعالى هو العالم (لمؤلفه).
(211) المعجم الكبير للطبراني: 10 / 137 بتفاوت.
(212) كفاية الطالب: ٥٢٠.
(213) الكافي: ١ / ٣٣٨ باب في الغيبة ح ٩.
(214) الكافي: ١ / ٣٣٧ باب في الغيبة ح 5.
(215) بحار الأنوار: ٥٣ / ١٨٧ ح ١٨.
(216) الكافي: ١ / ٣٣٩ باب في الغيبة ح 13.
(217) في نسخة ثانية: أولياءك.
(218) إكمال الدين: 1 / 322 باب 31 ذيل 3.
(219) إكمال الدين: 1 / 326 باب 32 ذيل 6.
(220) إكمال الدين: 1 / 328 باب 23 ذيل 10.
(221) إكمال الدين: ٢ / ٣٤٦ باب ٣٣ ذيل ٣٢.
(222) المحجة: ٧٤٢.
(223) سورة النور: ٥٥.
(224) كفاية الأثر: ٢٩٢.
(225) كفاية الأثر: ٣٠١.
(226) بحار الأنوار: ٥١ / ٨١ باب ما ورد من الإخبار.
(227) بحار الأنوار: ٥١ / ٨٣ ذيل ٣٢، سنن ابن ماجة: ٢ / 1367.
(228) إكمال الدين: ١ / ٢٨١ باب ٢٤ ذيل ٣١.
(229) الكافي: ١ / 483.
(230) الحرف هنا بمعنى الجملة كما وقع التعبير من الأئمة (عليه السلام) بفصول الأذان والإقامة بأنها خمسة وثلاثون حرفا والحروف الأربعة التي قالها (عليه السلام) في رواية الكافي أولها لا إله إلا الله وحده لا شريك له باقيا، وثانيها محمد رسول الله مخلصا، وثالثها نحن أهل البيت، ورابعها شيعتنا منا ونحن من رسول الله، ورسول الله من الله بسبب (محمد الموسوي).
(231) الاحتجاج: ٢ / ٣٢٤ توقيعات الناحية المقدسة.
(232) الكافي: ١ / ٤٠٣ باب ما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بالنصيحة ح ١.
(233) الكافي: ١ / 403 باب ما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بالنصيحة ح 2.
(234) لا يخفى أن دعاء الإمام (عليه السلام) في حق المؤمن من أكمل إفاضاته له وأجمل عناياته عليه لأن سائر الإفاضات من قبله يتوقف على تحصيله وهذه إفاضة تفوزك بسائر الإفاضات وتوفقك لتحصيل السعادات.
(235) بحار الأنوار: ٤٩ / 98.
(236) مشارق الأنوار: ٧٧، وفيه رميلة بدل ذميلة.
(237) في شرح المكرمة السادسة والأربعين (لمؤلفه).
(238) الاحتجاج: ٢ / ٢٧٧.
(239) بصائر الدرجات: ٢٦٠ ذيل 2.
(240) الكافي: ١ / ٢٠٠ باب فضل الإمام ح ١.
(241) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٣٧ باب ٢٧ ذيل ٧٨.
(242) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٤٢ باب ٢٧ ذيل ١٩.
(243) بحار الأنوار: ٤٢ / ٣٦٦ باب ٢٧ ذيل ١٤٧.
(244) بحار الأنوار: ٤٢ / 366 باب 27 ذيل 148.
(245) الخرائج: ٦٧ باب ١٣.
(246) إكمال الدين: ٢ / ٤٤١ باب ٤٣ ذيل ١٢، الخرائج والجرائح: ١ / ٤٥٨.
(247) غاية المرام: ٢٧٤ المقصد الأول باب ٦٦ ح ١، عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ١ / ٣٠، المستدرك للحاكم النيسابوري: ٣ / ١٤٩ بتفاوت.
(248) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ٢٧٤ المقصد الأول باب ٦٦ ح ٢، المستدرك: ٣ / ١٤٩.
(249) كفاية الأثر: ٢٩.
(250) كفاية الأثر: ٣١٠.
(251) غاية المرام: ٢٧٥ المقصد الأول باب ٦٧، علل الشرائع: ١ / 123.
(252) إكمال الدين: 1 / 207 باب 21 ذيل 22.
(253) الأمالي للشيخ الصدوق: 112.
(254) سند الحديث هكذا: ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن أحمد السناني (ره)، قال حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال حدثنا الفضل بن صقر العبدي، قال حدثنا أبو معاوية عن سليمان بن مهران الأعمش عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه محمد بن علي (عليه السلام) عن أبيه علي بن الحسين (عليهما السلام) قال - الخ (لمؤلفه).
(255) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣١٦ / ح ١٢.
(256) إكمال الدين: ١ / ٣٣٠ باب ٣٢ ذيل ١٥.
(257) الكافي: ٨ / 227 / ح 288.
(258) عن غيبة النعماني: 172، غاية المرام: 754.
(259) سورة المعارج: ٤٤.
(260) تفسير القمي: ٢ / ٤٢٤.
(261) سورة طه: ١٢٤.
(262) بحار الأنوار: ٥١ / ٦١ باب آيات المؤولة ذيل ٥٩.
(263) بحار الأنوار: ٥٢ / ٢٨٠.
(264) بحار الأنوار: ٥١ / ٨٠ باب ١ ذيل ٩.
(265) بحار الأنوار: ٥١ / 81 باب ما ورد من الأخبار ذيل 81.
(266) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٨٤ باب ٢٧ ذيل ١٩٤.
(267) الكافي: ١ / 411 باب سيرة الإمام ح 4.
(268) الكافي: ١ / ٤١٠ باب سيرة الإمام ح ٢.
(269) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٥٤ باب ٢٧ ذيل ١١٥.
(270) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٥٨ باب ٢٧ ذيل ١٢٦.
(271) بحار الأنوار: ٥٢ / 173 باب 24.
(272) كامل الزيارة: ٢٢٩ / ح ٢، الكافي: ٤ / ٥٨٢.
(273) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٤٧ باب ٢٧ ذيل ٩٧.
(274) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٥٤ باب ٢٧ ذيل ١١٢.
(275) غيبة النعماني: ١٢١.
(276) بصائر الدرجات: ١٦٢ ذيل 2.
(277) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٥٢ باب ٢٧ ذيل ١٠٦.
(278) غيبة النعماني: ١٢٥.
(279) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٩٠ باب ٢٧ ذيل ٢١٢.
(280) بحار الأنوار: ٥١ / ٨٨ باب ٦.
(281) بحار الأنوار: ٥١ / ٨٨ باب ما ورد في الأخبار، كشف الغمة: ٣ / ٢٧٩، سنن ابن ماجة: ٢ / ١٣٦٧.
(282) غاية المرام: ٦٩٨ / ح ٦٧، مسند أحمد: ٣ / ٢٢.
(283) غاية المرام: ٦٩٨ / ح ٦٨، بحار الأنوار: ٥١ / ١٠٥، كتاب الفتن للمروزي: 221.
(284) غاية المرام: ٦٩٢ المقصد الثاني باب ١٤١ ح ٢، مائة منقبة: ٢٣، ينابيع المودة: 2 / 241.
(285) إكمال الدين: 2 / 338 باب 33 ذيل 12.
(286) الكافي: ١ / ١٩٠ باب أن الأئمة شهداء الله ح ١.
(287) الكافي: ١ / ١٩٠ باب أن الأئمة شهداء الله ح ٢.
(288) الكافي: ١ / ١٩٠.
(289) الكافي: ١ / ١٩١ باب أن الأئمة شهداء الله ح ٥.
(290) بحار الأنوار: ٥١ / 148 / ح 22.
(291) إكمال الدين: 1 / 310 باب 28 ذيل 1.
(292) جمال الأسبوع: ٣٩.
(293) جمال الأسبوع: ٤٢.
(294) إكمال الدين: ٢ / ٣٣٥ باب ٣٣ ذيل ٧.
(295) بحار الأنوار: ٥١ / ١١٢ ذيل ٧.
(296) الكافي: ١ / ٣٤٣ باب في الغيبة ح ٣٠.
(297) المحجة: ٧٢٨.
(298) تفسير القمي: ١ / 604.
(299) سورة الشورى: ٤١.
(300) المحجة: ٧٤٩.
(301) تفسير القمي: ١ / ٤٤١.
(302) سورة الحج: ٣٩.
(303) تفسير البرهان: ٣ / ٩٣ ذيل ٤.
(304) بحار الأنوار: ٥٢ / ٢٣٨.
(305) بحار الأنوار: ٥٢ / 387 باب 28 ذيل 205.
(306) إكمال الدين: 1 / 317 باب 30 ذيل 2.
(307) إكمال الدين: ١ / ٣٢٠ باب ٣١ ذيل ٢.
(308) الغيبة: ١٤٩.
(309) بحار الأنوار: ٤٢ / ١٨٩ / ح ٨.
(310) الاختصاص: ١٦٣ / ح ١٥٧، راجع لمثل هذا الحديث، بحار الأنوار: ٥٣ / 70.
(311) إكمال الدين: 2 / 653 باب 57 ذيل 18.
(312) بحار الأنوار: ٥١ / 115 ذيل 14.
(313) كذا في البحار والمناسب بيعته كما لا يخفى (لمؤلفه).
(314) كذا في البحار والمناسب كفا كما لا يخفى (لمؤلفه).
(315) بحار الأنوار: ١٠٢ / ١٠٧.
(316) إكمال الدين: ٢ / ٦٧٣ باب ٥٨ ذيل ٢٥.
(317) الغيبة: ٢٤١.
(318) تفسير القمي: ٢ / ٦٩٥.
(319) سورة المعارج: ١.
(320) راجع المفاتيح.
(321) تهذيب الأحكام: ٣ / 111.
(322) إكمال الدين: 1 / 280 باب 24 ذيل 28.
(323) إكمال الدين: 318 باب 30 ح 4.
(324) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٦٢ / ح ١٣١.
(325) بحار الأنوار: ٥١ / ١٣٠ / ح ٢٥.
(326) بحار الأنوار: ٥١ / ٨٢ ذيل ٢٤، كشف الغمة: ٣ / ٢٧١، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ٨ / ٦٧٨.
(327) سورة البقرة: ١٥٥، تفسير البرهان: ١ / ١٦٧ / ح ٣.
(328) إكمال الدين: ٢ / ٣٣٥ باب ٣٣ ذيل ٥.
(329) سورة الشورى: ١.
(330) المحجة: 748.
(331) بحار الأنوار: ٥١ / ١٠٥.
(332) غاية المرام: ٧٠، المعجم الأوسط للطبراني: ٥ / ٣١١.
(333) بحار الأنوار: ٥٢ / 157 / ح 20.
(334) إكمال الدين: 2 / 447 باب 43 ذيل 19.
(335) بحار الأنوار: ٥١ / ٧٧.
(336) فلاح السائل: ٢٠٠.
(337) بحار الأنوار: ٨٦ / 81.
(338) إكمال الدين: 1 / 286 باب 25 ذيل 1.
(339) إكمال الدين: 1 / 287 باب 25 ذيل 5.
(340) إكمال الدين: 1 / 286 باب 25 ذيل ح 2.
(341) إكمال الدين: 1 / 304 باب 26 ح 16.
(342) إكمال الدين: 1 / 289 باب 26 ذيل 1.
(343) إكمال الدين: 1 / 303 باب 26 ذيل 14.
(344) إكمال الدين: 1 / 303 / ح 15.
(345) إكمال الدين: 1 / 316 باب 29 ح 2.
(346) إكمال الدين: 2 / 317 باب 30 ذيل 2.
(347) إكمال الدين: 1 / 323 باب 31 ذيل 8.
(348) قال المجلسي (ره) قوله: فستة أيام، لعله إشارة إلى اختلاف أحواله في غيبته، فستة أيام لم يطلع على ولادته إلا خاص الخاص من أهاليه، ثم بعد ستة أشهر اطلع عليه غيرهم من الخواص، ثم بعد ست سنين عند وفاة والده ظهر أمره لكثير من الخلق أو إشارة إلى أنه بعد إمامته لم يطلع على خبره إلى ستة أيام أحد ثم بعد ستة أشهر انتشر أمره، وبعد ست سنين ظهر وانتشر أمر السفراء والأظهر أنه إشارة إلى بعض الأزمان المختلفة التي قدرت لغيبته، وأنه قابل للبداء إلى آخر ما قال (ره) (لمؤلفه).
(349) إكمال الدين: 1 / 330 باب 32 ذيل 14.
(350) إكمال الدين: 2 / 338 باب 33 ذيل 12.
(351) إكمال الدين: 2 / 339 باب 33 ح 17.
(352) إكمال الدين: 2 / 342 باب 33 ح 23.
(353) إكمال الدين: 2 / 359 باب 34 ذيل 1.
(354) إكمال الدين: 2 / 471 باب 35 ذيل 5.
(355) إكمال الدين: 2 / 477 باب 36 ذيل 2.
(356) إكمال الدين: 2 / 308 باب 37 ذيل 2.
(357) إكمال الدين: 2 / 384 باب 38 ذيل 1.
(358) إكمال الدين: 2 / 516 / ح 44.
(359) علل الشرائع: ١ / 234 / ح 8.
(360) الاحتجاج: 2 / 284 توقيعات الناحية المقدسة.
(361) غيبة النعماني: ٧ ما روي في غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام).
(362) بحار الأنوار: ٥١ / ١٤٢ / ح ٢.
(363) علل الشرائع: ١٤٧ باب ١٢٢ ح ٢ مع تفاوت.
(364) إكمال الدين: ٦٤١، بحار الأنوار: ٥٢ / 97 / ح 19.
(365) بحار الأنوار: ٥١ / ١١٣.
(366) الاحتجاج: ٢ / ٣٢٥.
(367) الكافي: ١ / ٥١٤ باب مولد الصاحب (عليه السلام) ح ١.
(368) بحار الأنوار: ٥٣ / 177 توقيع 8.
(369) الغيبة: ٢٦٢ باب الأخبار الواردة في النهي عن التوقيت.
(370) الغيبة: ٢٦٢ باب الأخبار الواردة في النهي عن التوقيت.
(371) المحجة: ٧٥.
(372) الغيبة: ٢٦٢ الباب مذكور في السابق.
(373) الغيبة: ٢٦٢.
(374) الغيبة: ٢٦٣ في الباب المذكور.
(375) غيبة النعماني: ١٥٥.
(376) بحار الأنوار: ٥٢ / ١١١ باب التمحيص ١٩.
(377) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٨٠ باب ٢٧ ذيل ١٨٩.
(378) بحار الأنوار: ٥٢ / ١٥٥ باب ٢٣ ذيل ١٢.
(379) بحار الأنوار: ٥٢ / ١٥٦ باب ٢٣ ذيل ١٥.
(380) بحار الأنوار: ٥٢ / 154 باب 23 ذيل 8.
(381) بحار الأنوار: ٥٢ / ١٥٥ باب ٢٣ ذيل ١١.
(382) بحار الأنوار: ٥٢ / ١٥٤ باب ٢٣ ذيل ٩.
(383) بحار الأنوار: ٥٢ / 151 باب 23 ذيل 2.
(384) إكمال الدين: ٣٣٩ / ح ١٧.
(385) بحار الأنوار: ٥٣ / 1 باب 25.
(386) دلائل الإمامة لابن جرير الطبري: 540.
(387) النجم الثاقب: 214 - 420.
(388) المحجة: ١٥٤ فصل ١٥٠.
(389) بحار الأنوار: ٥٢ / ١٥١ باب ٢٣ ذيل ١.
(390) بحار الأنوار: ٥٢ / 217 باب علامات الظهور ذيل 78.
(391) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٣٣ باب ٢٧ ذيل ٦٣.
(392) إكمال الدين: ١ / ٣٠٣ باب ٢٦ ذيل ١٣.
(393) إكمال الدين: ٢ / ٣٦١ باب ٣٤ ذيل ٤١.
(394) بحار الأنوار: ٥١ / ٥٥ / ح ٤١.
(395) سورة التوبة: ٣٦.
(396) الإرشاد للشيخ المفيد: ٢ / ٣٨١.
(397) بحار الأنوار: ٥٢ / ٢٢٢ باب علامات الظهور ذيل ٨٦.
(398) بحار الأنوار: ٥٢ / 274.
(399) غيبة النعماني: 172 ذكر الشيعة عند خروج القائم.
(400) الاحتجاج: 2 / 284 توقيعات الناحية المقدسة.
(401) راجع المفاتيح.
(402) إكمال الدين: 1 / 334 باب 33 ذيل 5.
(403) بحار الأنوار: ٥١ / ٧٦ ذيل ٣١.
(404) الإقبال: ١ / ٢٠١.
(405) إكمال الدين: ١ / ٢٨٢ باب ٢٤ ذيل ٣٥.
(406) بحار الأنوار: ٣٧ / 46.
(407) بحار الأنوار: ٥٢ / ٢٩٠ باب ٢٧ ذيل ٢١٢.
(408) غاية المرام: ٦٩٢ المقصد الثاني باب ١٤١ ح ٩، كشف الغمة: ٣ / ٢٦٩.
(409) غاية المرام: ٦٩٥ المقصد الثاني باب ١٤١ ح ٢٦، كشف الغمة: ٣ / ٢٧٤.
(410) بحار الأنوار: ٥٢ / 365 باب 27 ذيل 144.
(411) الكافي: ١ / ٢٤٠ باب ذكر الصحيفة والجفر ح ٣.
(412) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٢٠ باب ٢٧ ذيل ٢٦.
(413) سورة الرحمن: ٤١.
(414) هكذا في الأصل، والصواب: بالكفار.
(415) المحجة: ٧٥٢.
(416) تفسير العياشي: ١ / ١٨٣ ذيل ٨٢.
(417) سورة آل عمران: ٨٣.
(418) بحار الأنوار: ٥١ / ٦٠ / ح ٥٨.
(419) سورة التوبة: ٣٣.
(420) تفسير البرهان: ٣ / ٢٨٨ / ح ٣.
(421) سورة السجدة: ٢١.
(422) بحار الأنوار: ٥٢ / 377 باب 27 ذيل 179.
(423) غيبة النعماني: 122.
(424) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٧٦ باب ٢٧ ذيل ١٧٨.
(425) تفسير البرهان: ٢ / ٣٤٣ ذيل ٦ سورة الحجر: ٣٨.
(426) تفسير البرهان: ٢ / ٣٤٣ ذيل ٨ و٢.
(427) بحار الأنوار: ٥٢ / 316 باب 27 ح 12.
(428) بصائر الدرجات: ٢٤ الجزء الأول ذيل ١٧.
(429) إكمال الدين: ٢ / ٦٧٣ باب ٥٨ ذيل ٢٦.
(430) في نسخة: ذكر.
(431) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٣٥ باب ٢٧ ح ٦٩.
(432) الكافي: ٨ / ٢٤٠ ذيل ٣٢٩.
(433) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٩١ / ح ٢١٣.
(434) الكافي: ١ / 407 باب حق الإمام على الرعية ح 7.
(435) بحار الأنوار: ٥٢ / ٢٢٤ / ح ٨٧.
(436) بحار الأنوار: ٥٣ / 34.
(437) الكافي: ١ / 387 باب مواليد الأئمة (عليهم السلام) ح 4.
(438) 153 ما ورد في 684 و555.
(439) جنة المأوى: 265 حكاية 32.
(440) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٢٠ باب ٢٧ ح ٢٥.
(441) بحار الأنوار: ٥٢ / 390 باب 27 ح 212.
(442) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٨٠ باب ٢٧ ح ١٨٩.
(443) سورة الشورى: ٢٣.
(444) الخصال للشيخ الصدوق: ١ / ١٩٦ باب الأربعة ح ١.
(445) غاية المرام: ٦٩٢ باب ١٤١ ح ٥، شرح الأخبار ٣ / 285.
(446) غاية المرام: 700 باب 141 ح 106، الإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 224.
(447) إكمال الدين: 1 / 33 في المقدمة.
(448) بحار الأنوار: ٤٧ / 320 / ح 11.
(449) بحار الأنوار: ٤٧ / 320 / ح 13.
(450) إكمال الدين: 2 / 338 / ح 7.
(451) إكمال الدين: 2 / 525 باب 47 ذيل 1.
(452) في نسخة: العدل.
(453) في نسخة: الصيد.
(454) بحار الأنوار: ٣٩ / ٢٤٣ باب ٨٦ ذيل ٣٢ وج ٥٣ / ١١٠ / ح ٤.
(455) بحار الأنوار: ٥٣ / ١١٠ باب الرجعة ذيل ٥.
(456) بحار الأنوار: ٥٣ / 59 باب الرجعة ح 47.
(457) بحار الأنوار: ٥٣ / ٥٣ باب الرجعة ذيل ٣٠.
(458) سورة النمل: ٨٢.
(459) بحار الأنوار: ٥٣ / 52 / ح 30.
(460) إكمال الدين: ٢ / ٣٣٦ باب ٣٣ ذيل ٨.
(461) سورة الأنعام: ١٥٨.
(462) كذا في كمال الدين، وهذه الكلمة غير موجودة في تفسير البرهان وكيف كان فهي إما مأخوذة من الشطر بمعنى الاتصال، أي الأئمة المتصلة سلسلتهم ببعض (عليهم السلام) أو من الشطير بمعنى الغريب، إشارة إلى غربتهم وقعودهم عن أخذ حقوقهم لقلة أنصارهم وهم في ذلك ينتظرون الإمام المنتظر عجل الله فرجه (لمؤلفه).
(463) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٥٤ / ح ١١٤.
(464) تفسير البرهان: ١ / 564 / ح 7، سورة الأنعام: 158.
(465) الأنوار النعمانية: 2 / 72.
(466) القاموس: 3 / 385.
(467) الأنوار النعمانية: 2 / 110.
(468) مجمع البيان: 6 / 447.
(469) مجمع البيان: 6 / 447.
(470) مجمع البيان: 6 / 447.
(471) مجمع البيان: ٦ / ٤٤٧.
(472) إثبات الهداة: ٧ / ٣٥٧ / ح ١٣٧.
(473) بحار الأنوار: ٥٣ / 9.
(474) إكمال الدين: 2 / 345 باب 33 ذيل 31.
(475) تفسير البرهان: ٣ / ١٤٦ / ح ٤.
(476) سورة النور: ٥٥.
(477) بحار الأنوار: ١١ / ٢٠٤ / ح ٢.
(478) بحار الأنوار: ١٠١ / 320 / ح 8.
(479) الكافي: ١ / ٢٢٣ باب أن الأئمة ورثة العلم ح ٨.
(480) بحار الأنوار: ٥١ / ٥٤ / ح ٣٧.
(481) الوسائل: ١٨ / ٣٠٨ باب ١ ح ٣.
(482) سورة الروم: ١٩.
(483) الوسائل: ١٨ / ٣٠٨ باب ١ ح ٤.
(484) سورة المائدة: ٢٧.
(485) إكمال الدين: ٢ / ٣٢٠.
(486) الكافي: ٨ / ١١٤ ذيل ٩١.
(487) إكمال الدين: ٢ / ٥٢٣ باب ٤٦ ذيل ١.
(488) الكافي: ١ / 514 باب مولد صاحب الأمر عج.
(489) إكمال الدين: ١ / ٣٢٢.
(490) بحار الأنوار: ٥٠ / ١٨٩.
(491) في البحار عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لا تقوم الساعة حتى يقوم القائم منا وذلك حين يأذن الله له ومن تبعه نجى ومن تخلف عنه هلك الله الله عباد الله فأتوه ولو على الثلج فإنه خليفة الله وخليفتي (لمؤلفه). البحار: ٥١ / ٦٥ ح ٢.
(492) كشف الغمة: ٣ / 316.
(493) بحار الأنوار: ٥٣ / ٧.
(494) مجمع البيان: ٦ / ٥١٩.
(495) تفسير القمي: ٢ / 411.
(496) إكمال الدين: ٢ / ٤٢٨ باب ٤٢ ذيل ١.
(497) بحار الأنوار: ٥١ / 68 / ح 9.
(498) إكمال الدين: 1 / 135 باب 2 ذيل 4.
(499) إكمال الدين: 1 / 136 باب 3 ذيل 61.
(500) بحار الأنوار: ١٢ / ١٩.
(501) بحار الأنوار: ٥١ / 20.
(502) إكمال الدين: ١ / ١٤٢ باب ٥ ذيل ١٠.
(503) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٥٥ باب ٢٧ ذيل ١١٨.
(504) غيبة النعماني: ١٢٨.
(505) زيادة يقتضيها السياق.
(506) سورة البقرة: ١٢٧.
(507) تفسير البرهان: ١ / 153 ذيل 1.
(508) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٣٨ باب ١٧ ذيل ٨٠.
(509) كامل الزيارات: ١٨، الخرائج والجرائح: ١ / 476.
(510) سورة الأنبياء: ٦٩.
(511) سورة الحج: ٢٧.
(512) والأصل في الكافي: ٤ / ٢٠٥ / ح ٤، تفسير البرهان: ١ / 153.
(513) بحار الأنوار: ٥٢ / 16 باب 18 ذيل 14.
(514) بحار الأنوار: ٥٢ / 55 باب 18 ذيل 39.
(515) ٥٣ / ٦.
(516) سورة هود: ٧.
(517) الخرائج والجرائح: ١ / 478.
(518) في نسخة ثانية: المسيح.
(519) إكمال الدين: ٢ / ٤٣١ / ح ٧.
(520) بحار الأنوار: ١٠١ / 320 / ح 8.
(521) إكمال الدين: ١ / ٣٢٩ باب ٣٢ ذيل ١٢.
(522) في نسخة ثانية: سنة.
(523) بحار الأنوار: ٥٢ / 280 / ح 7.
(524) إكمال الدين: 1 / 329 / ح 11.
(525) إكمال الدين: ١ / ٣٢٧ باب ٣٢ ذيل ٧.
(526) بحار الأنوار: ٤٧ / 138.
(527) إكمال الدين: 2 / 357 باب 33 ذيل 53.
(528) إكمال الدين: 2 / 390 باب 38 ذيل 4.
(529) كما يدل عليه ما في إكمال الدين: 2 / 391 / ح 6.
(530) النجم الثاقب: 84 / فصل 23.
(531) تفسير القمي: ٢ / ٤٠٤.
(532) إكمال الدين: ٢ / ٤٧٠ باب ٤٣ ذيل ٢٤.
(533) بحار الأنوار: ٥٢ / 9 باب 18 ذيل 5.
(534) سورة الغافر: ٦٠.
(535) سورة البقرة: ١٨٦.
(536) سورة الزمر: ٥٣.
(537) في نسخة ثانية: أبوء لك.
(538) الدعاء في كمال الدين هكذا عبيدك بفنائك مسكينك ببابك فقيرك ببابك أسألك ما لا يقدر عليه سواك (لمؤلفه).
(539) تبصرة الولي: ٧٨١.
(540) وقيل: إن الذي أحياه الله بدعاء إلياس هو اليسع والله تعالى هو العالم (لمؤلفه).
(541) بحار الأنوار: ٥٣ / 90 / ح 95.
(542) تفسير البرهان: ٤ / ٣٣ / ح ٣، بحار الأنوار: ١٣ / ٤٠١ / ح ٩.
(543) بحار الأنوار: ٥٢ / 68 / ح 54.
(544) قيل هو منزل في طريق مكة من طريق الشام وقيل بليدة بنجد من طريق الحاج العراقي نقلهما صاحب مجمع البحرين والله العالم (لمؤلفه).
(545) قيل هو منزل في طريق مكة من طريق الشام وقيل بليدة بنجد من طريق الحاج العراقي نقلهما صاحب مجمع البحرين والله العالم (لمؤلفه).
(546) في الحديث أن اسمه عياش، وفي حديث آخر عياشاً، وقال المجلسي: الظاهر من الأخبار أنه غير الإسكندر، وأنه كان زمن إبراهيم وأنه أول الملوك بعد نوح (لمؤلفه).
(547) بحار الأنوار: ١٢ / ١٩٨ باب ٨ ذيل ٢٩.
(548) بحار الأنوار: ٧٠ رقم 295.
(549) إكمال الدين: 2 / 394 باب 38 ذيل 4.
(550) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٢١ باب ٢٧ ذيل ٢٧.
(551) بصائر الدرجات: ٨ / ٢٧٨ باب ١٥ ح ١. الاختصاص: ١٩٤.
(552) بصائر الدرجات: ٢٧٩ / ح ٣، بحار الأنوار: ١٢ / ١٨٢ / ح ٢١.
(553) بحار الأنوار: ٥٢ / باب ٢٧ ح ٢٨، بصائر الدرجات: ٢٧٩ / ح ٤.
(554) بحار الأنوار: ١٢ / ٣٨٥ باب ١١ ذيل ١٠.
(555) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣١٩ باب ٢٧ ح ٢٠.
(556) بحار الأنوار: ١٢ / 380 باب 11 ذيل 10.
(557) إكمال الدين: 1 / 331 باب 32 ذيل 16.
(558) إكمال الدين: 2 / 340 باب 33 ذيل 18.
(559) بحار الأنوار: ٥١ / ٢٧ باب ١ ذيل ٣٧.
(560) إكمال الدين: ١ / ٢٠٦ باب ٢٧ ذيل ٧.
(561) بحار الأنوار: ٥١ / 114 باب 7 ذيل 12.
(562) بحار الأنوار: ٥١ / ١١٧ / ح ١٧.
(563) بحار الأنوار: ٥٢ / ٢١٥ باب ٢٥ ذيل ١٤٧ و٢٥٨ قطعات.
(564) إلزام الناصب: ١ / ٢٢٩.
(565) بحار الأنوار: ٥٢ / 215 باب 25 ح 72.
(566) بحار الأنوار: ٥٢ / ٢٠٥ باب ٢٥ ح ٣٧.
(567) ٥٢ / ٢٠٥ باب ٢٥ ذيل ٣٦.
(568) مجمع البيان: ١ / ١١٧ ذيل آية (وظللنا عليكم الغمام).
(569) المحجة: ٧٤٨، بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٣٠ / ح ٥٢.
(570) سورة هود: ١١٠.
(571) مجمع البيان: 1 / 198.
(572) الكافي: ٢٨٧ ذيل ٤٣٢.
(573) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٣٢ باب ٢٧.
(574) إكمال الدين: ٢ / ٦٧٣ باب ٥٨ - ٢٧.
(575) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣١٨ باب ٢٧ ذيل ١٩.
(576) بصائر الدرجات: ٥ / 183 / ح 35.
(577) في نسخة: شعبتان.
(578) الكافي: ١ / ٢٣١ باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء.
(579) بحار الأنوار: ١٣ / 60.
(580) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٥١ باب ٢٧ ذيل ١٠٤.
(581) غيبة النعماني: ١٥٧.
(582) بحار الأنوار: ٥٢ / ٢٣٨ باب ٢٥ ذيل ح ١٠٥.
(583) سورة النساء: ٤٧.
(584) سورة القصص: ٨١.
(585) سورة البقرة: ٦٠.
(586) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٥١ باب ٢٧ ذيل ١٠٥.
(587) غيبة النعماني: ١٢٥.
(588) إكمال الدين: ٢ / ٦٧٠ باب ٥٨ ذيل ١٧.
(589) الكافي: ١ / 231 باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء ح 3.
(590) الخرائج والجرائح: ٢ / 690.
(591) إكمال الدين: 2 / 354 باب 33 ذيل 50.
(592) إكمال الدين: 2 / 377 باب 36 ذيل 1.
(593) بحار الأنوار: ١٣ / ٣٦٨ / ح ١٣.
(594) الكافي: ٨ / 240 ذيل 329.
(595) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٩٠ باب ٢٧ ذيل ٢١٢.
(596) الكافي: ٨ / 198 ذيل 237.
(597) الكافي: ٨ / 50 ذيل 14.
(598) الكافي: ٨ / ٢٤٧ ح ٣٤٦.
(599) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٣٧ باب ٢٧ ذيل ٧٧.
(600) بحار الأنوار: ٥٣ / ٤٧ باب الرجعة ذيل ٢٠.
(601) سورة الحجر: ٢، بحار الأنوار: ٥٣ / ٦٤ / ح ٥٥.
(602) سورة الطارق: ١٧، تفسير القمي: 721.
(603) سورة النمل: ٦٢.
(604) جمال الأسبوع: ٣٠٧.
(605) إكمال الدين: ٢ / ٦٧٢ باب ٥٨ ذيل ٢٥.
(606) بحار الأنوار: ٥٢ / 326 ب 27 ح 42.
(607) إكمال الدين: ١٥٦.
(608) سورة ص: ٣٦.
(609) إكمال الدين: 2 / 671 باب 58 ح 19.
(610) إكمال الدين: 1 / 156.
(611) إكمال الدين: 1 / 157 باب 7 ح 17.
(612) بحار الأنوار: ١٤ / ٤٤٧.
(613) بحار الأنوار: ١٢ / ٤٤٧ / ح ٩.
(614) الخرائج والجرائح: ١ / 471.
(615) إكمال الدين: ١ / ٣٢٧ باب ٣٢ ح ٧.
(616) بحار الأنوار: ٥٣ / 7.
(617) بحار الأنوار: ١٠١ / ٣٢٠ / ح ٨.
(618) بحار الأنوار: ١٤ / 187، أقول: الحديث في البحار المطبوع هكذا فلما دخلت إلى أختها - هي الكبرى، ومريم الصغرى - لم تقم إليها امرأة زكريا فأذن الله ليحيى وهو في بطن أمه فنخس في بطنها وأزعجها ونادى أمه تدخل الخ....
(619) إكمال الدين: 427.
(620) إكمال الدين: ٢ / ٤٢٥ باب ٤٢ ح ١.
(621) سورة القصص: ٥.
(622) إكمال الدين: 2 / 428.
(623) إكمال الدين: 2 / 430 / ح 5.
(624) إكمال الدين: 2 / 430 / ح 5.
(625) سورة النساء: ١٥٧.
(626) سورة آل عمران: ٤٩.
(627) الخرائج والجرائح: 92 فصل في أعلام محمد بن علي الباقر (عليه السلام).
(628) الخرائج والجرائح: ٢ / 596.
(629) سورة إبراهيم: 24.
(630) إكمال الدين: 2 / 443 باب 43 ح 17.
(631) إكمال الدين: 1 / 286 باب 25 ح 1.
(632) بحار الأنوار: ٤٦ / 62.
(633) بحار الأنوار: ٨٦ / ٨١، وفي ٦٧ / ٢٨١.
(634) بحار الأنوار: ٦٤ / 223 / ح 1.
(635) مناقب ابن شهرآشوب: 3 / 372.
(636) أقول: لعل النكتة في التعبير عنه (عليه السلام) بالنهار أن سلطان النهار إذا أظهر قهر ظلمة الليل وغلب عليها وكذلك القائم إذا ظهر قهر دولة الباطل وغلب عليها كما أشير إليه وأيضا حين يظهر النهار ويتجلى ينور جميع العالم بنور الشمس وكذلك القائم حين يظهر ويتجلى ينور جميع العالم بحيث يستغني الناس عن ضوء الشمس والقمر كما في الحديث وأيضا إذا تجلى النهار انتفع تمام الخلائق من الإنسان والحيوان وغيرهما بنور الشمس واكتسب كل منها من فيضها على حسب استعداده وكذلك القائم إذا ظهر وتجلى انتفع جميع الخلائق بنوره واستفاض كل منها منه على حسب استعداده وقد أسلفنا ما يدل على ذلك في حرف الفاء (لمؤلفه).
(637) تفسير القمي: ٧٢٧.
(638) سوره الليل: ٢.
(639) بحار الأنوار: ٥٠ / 308 / ح 6.
(640) المحجة: ٧١٩.
(641) بحار الأنوار: ٥١ / ٤٤ باب ٥.
(642) بحار الأنوار: ٤٥ / 7.
(643) بحار الأنوار: ٥٢ / ٢٣٨ باب ٢٥ ح ١٠٥.
(644) بحار الأنوار: ٤٤ / ٢٤٥.
(645) بحار الأنوار: ٤٤ / 367.
(646) بحار الأنوار: ٥٢ / ٢٣٨ ب ٢٥.
(647) الحديث مروي في كتب متعددة وقد رواه السيد البحراني (ره) في كتاب المحجة عن كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني (ره). والنعماني (ره) رواه بأسناد متعددة منها محمد بن يعقوب الكليني (ره) عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام الهمام أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام).
أقول: أما محمد بن يعقوب وعلي بن إبراهيم والحسن بن محبوب فبجلالة قدرهم غنية عن البيان عند جميع العلماء الأعيان، وأما إبراهيم بن هاشم وعمرو بن أبي المقدام وجابر بن يزيد رحمهم الله تعالى فالحق أيضا أنهم من الأجلاء الثقات والرواة الحماة وعليك بالرجوع إلى كتاب مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل تأليف العالم الرباني الجامع بين مرتبتي العلم والعمل الحاج ميرزا حسين النوري ضاعف الله تعالى له النور وأعلى درجته في دار السرور (لمؤلفه).
(648) في نسخة ثانية: درهم.
(649) بحار الأنوار: ٥٢ / 390 باب 27 ح 212.
(650) بصائر الدرجات: ٢٦٢ / الجزء السادس ح ١.
(651) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٣٦ باب ٢٧ ح ٧٣.
(652) بحار الأنوار: ٥٢ / 345 باب 27 ح 91.
(653) سورة آل عمران: ٨٣.
(654) سورة البقرة: ١٩٣.
(655) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٥٢.
(656) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٦٥ باب ٢٧ ح ١٤٤.
(657) الخرائج والجرائح: ١٣٨.
(658) بحار الأنوار: ٥٣ / ٨٦.
(659) بحار الأنوار: ٩٤ / 35
(660) في نسخة ثانية: بابني.
(661) في نسخة: نور.
(662) بحار الأنوار: ٥٢ / 175 باب 24.
(663) الإداوة: بكسر الهمزة المطهرة كما في القاموس (لمؤلفه).
(664) جنة المأوى: 275 رقم الحكاية 40.
(665) إكمال الدين: 2 / 653 باب 57 ح 17.
(666) إكمال الدين: 2 / 654 باب 57 ح 22.
(667) في نسخة ثانية: البيعة.
(668) إكمال الدين: 2 / 654 باب 57 ح 23.
(669) إكمال الدين: ٢ / ٦٧١ باب ٥٨ ح ٢٤.
(670) الشمراخ: بياض في غرة الفرس.
(671) إكمال الدين: ٢ / ٦٧٢ باب ٥٨ ح ٢٣.
(672) في نسخة: عمد.
(673) إكمال الدين: ١ / ٢٦٨ باب ٢٤ ح ١١.
(674) بحار الأنوار: ٥٢ / 367 باب 27 ح 151.
(675) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٦٠ باب ٢٧ ح ١٢٩.
(676) بحار الأنوار: ٥٣ / 176 / ح 8.
(677) سورة آل عمران: ٢٠٠.
(678) تفسير العياشي: ١ / ٣٣٥ / ح ١٣.
(679) بحار الأنوار: ١٠١ / 320 / ح 8.
(680) إثبات الهداة: 7 / 357 / ح 237.
(681) غيبة النعماني: 159.
(682) بحار الأنوار: ٥٣ / 181 / ح 10.
(683) الوسائل: ٣ / ٧٩ باب ١ ح ٧.
(684) الكافي: ١ / ٣٣٣ باب النادر في حال الغيبة ح 2.
(685) تفسير القمي: ٢ / ٧٢١.
(686) سورة الطارق: ١٧.
(687) بحار الأنوار: ٥٣ / ٨٥.
(688) بحار الأنوار: ٥٢ / 364 باب 27 ح 138.
(689) المحجة: 746.
(690) بحار الأنوار: ٥٢ / 337 باب 27 ح 77.
(691) مهج الدعوات: ٧.
(692) بحار الأنوار: ١٥ / ١١ باب ١ ح ١٣.
(693) بحار الأنوار: ١٥ / 10 باب 1 ح 11.
(694) بحار الأنوار: ٨ / ٢٤ باب ٢٠ ح ١٩.
(695) بحار الأنوار: ٥٢ / 282.
(696) إكمال الدين: ١ / ٣٠٢ ب ٢٦ ح ١١.
(697) في نسخة ثانية: هدايتهم.
(698) الكافي: ١ / ١٩٤ باب أن الأئمة (عليهم السلام) نور الله ح ١.
(699) الكافي: ١ / ١٩٤ باب أن الأئمة نور الله ح ٢.
(700) الكافي: ١ / ١٩٥ باب أن الأئمة نور الله ح ٢.
(701) الكافي: ١ / 195 الباب المذكور ح 5.
(702) راجع المفاتيح.
(703) بحار الأنوار: ١٠٢ / ٢٢٧.
(704) بحار الأنوار: ١٠٢ / ٢١٥.
(705) بحار الأنوار: ٨٦ / 62 باب 39 ح 1.
(706) تفسير البرهان: ٣ / ١٣٦ ح ١٦.
(707) غاية المرام: ١٩٤ المقصد الأول باب ٢٤ ح ٢٩، كفاية الأثر: ٧٢.
(708) غاية المرام: 189 المقصد الأول باب 23 ح 10، غيبة النعماني: 94.
(709) مجمع البيان: 2 / 224 ذيل آية (كذلك جعلناكم أمة وسطا).
(710) مكارم الأخلاق: 14.
(711) بحار الأنوار: ١٠ / ٢٢.
(712) يحتمل أن تكون تلك الجنة مسماة باسمين فلذا سميت في الخبر السابق بالفردوس وفي هذا الخبر بجنة عدن والله تعالى هو العالم (لمؤلفه).
(713) سورة البقرة: ١٤٣.
(714) إكمال الدين: 2 / 433 باب 42 ح 13.
(715) لا تنافي بين هذه الرواية ورواية أخرى التي تدل على أنه ولد ليلا لأن ميلاده كان عند طلوع الفجر فيصح أن يحسب من الليل ومن النهار (لمؤلفه).
(716) إكمال الدين: 2 / 431 باب 42 ح 7.
(717) إكمال الدين: 428 باب 42 ح 2.
(718) إكمال الدين: 2 / 434 باب 44 ح 1.
(719) إثبات الهداة: 7 / 356 / ح 136.
(720) الكافي: ١ / ١٩٥ باب أن الأئمة (عليهم السلام) نور الله ح ٤.
(721) الكافي: ١ / ٢٥٣ باب ٢٣ ح ٣.
(722) بحار الأنوار: ٥٢ / 70 باب 18 ح 55.
(723) بحار الأنوار: ٥٢ / 73 باب 18.
(724) جنة المأوى: 309 رقم الحكاية 58.
(725) تفسير القمي: ٢ / 581.
(726) سورة الزمر: 69.
(727) المحجة: 748.
(728) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٣٠ باب ٢٧ ح ٥٢.
(729) بحار الأنوار: ٥١ / ٧١.
(730) الكافي: ١ / ١٩٥ باب أن الأئمة نور الله ح ٥.
(731) تفسير البرهان: ٤ / ٢٨٩ / ح ٣.
(732) سورة الحديد: ١٢.
(733) تفسير البرهان: ٤ / ٥٠٢ / ح ٢.
(734) سورة التكاثر: ٨.
(735) تفسير البرهان: 503 / 4 / ح 7.
(736) تفسير البرهان: 4 / 503 / ح 9.
(737) 4، 503 ح 11.
(738) تفسير البرهان: 4 / 501 - 504.
(739) تفسير البرهان: ٤ / ٥٠٣ / ح ٧.
(740) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ١ / ١٢٧.
(741) تفسير القمي: ٢ / ٦٩٤.
(742) سورة الأعراف: ٤٦.
(743) تفسير القمي: ١ / ٢٧٨.
(744) تفسير القمي: ٢٨٧، سورة يونس: ٢٦.
(745) بحار الأنوار: ٧٠ / ٦٦ ح ١٠.
(746) بحار الأنوار: ٧ / 259 باب 11 ح 4.
(747) الأمالي للشيخ الصدوق: 216.
(748) بحار الأنوار: ٧ / ٢٦١ باب ١١ ح ١٢.
(749) الأمالي للشيخ الطوسي: ٤٤.
(750) بحار الأنوار: ٧ / 272 باب 11 ح 41.
(751) عيون أخبار الرضا: 2 / 128 / ح 8.
(752) تفسير البرهان: ٣ / ١٧٥ / ح ٥.
(753) في تفسير البرهان: ٤ / ٥٤ / ح ١٧ و١٨ و٢٠.
(754) سورة الرعد: ١٨.
(755) بحار الأنوار: ٧ / 266 / ح 27.
(756) الكافي: 75.
(757) بحار الأنوار: ١٥ / ٨٣ باب ١ ح ٢٩.
(758) بحار الأنوار: ٥١ / ٣٤ باب ٢٥.
(759) الكافي: ٥ / 56 باب الأمر بالمعروف ح 1.
(760) سورة الحج: ٤١.
(761) الكافي: ٥ / ٥٨ / ح ١٠.
(762) وجوه مكفهرة: يعني وجوه عابسة كالحة، لمؤلفه.
(763) الكافي: ٥ / 58 / ح 8.
(764) الاحتجاج: ٢ / ٢٨٤ توقيعات الناحية المقدسة.
(765) الكافي: ٢ / 164 باب الاهتمام بأمور المسلمين ح 5.
(766) بحار الأنوار: ٥٢ / ١١٩ باب ٢١ ح ٤٨.
(767) إكمال الدين: ٢ / ٦٥٠ باب ٥٧ ح ٤.
(768) إكمال الدين: ٢ / ٦٥٢ باب ٥٧ ح ١٤.
(769) بحار الأنوار: ٥٢ / 222 باب 25 ح 86.
(770) بحار الأنوار: ٥٢ / ٢٢٣.
(771) سورة البقرة: ١٤٨.
(772) غيبة النعماني: 134 علامات الظهور.
(773) غيبة النعماني: ٧٣ علامات الظهور.
(774) سورة الشعراء: ٥.
(775) غيبة النعماني: 140 علامات الظهور.
(776) غيبة النعماني: ١٤٨ علامات الظهور.
(777) غيبة النعماني: ١٤٨ علامات الظهور.
(778) أقول: يظهر من رواية أخرى أن هذا النداء قبل خروج السفياني والرواية مذكورة في غيبة النعماني، (لمؤلفه).
(779) غيبة النعماني: ١٥٠ علامات الظهور.
(780) بحار الأنوار: ٥٢ / ٢٧٤ باب ٢٥ ح ١٦٧.
(781) إكمال الدين: ٢ / ٦٧١ باب ٥٨ ح ١٨.
(782) بحار الأنوار: ٥٢ / 290 باب 26 ح 30.
(783) غيبة النعماني: ١٤٠ علامات الظهور.
(784) في نسخة ثانية: مكرها.
(785) غيبة النعماني: ١٤٢ علامات الظهور.
(786) بحار الأنوار: ٥١ / ٨١ باب ١ ح ١٦.
(787) بحار الأنوار: ٥٢ / 378 باب 27 ح 183.
(788) غيبة النعماني: 94.
(789) إكمال الدين: ١ / ٢٦٨ باب ٢٤ ح ١١.
(790) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٠٦ باب ٢٦ ح ٧٩.
(791) بحار الأنوار: ٥٢ / 340 باب 27 ح 89.
(792) غيبة النعماني: ١٦٩.
(793) غيبة النعماني: ١٦٩.
(794) إكمال الدين: ٢ / ٦٧١ باب ٥٨ ح ١٩.
(795) بحار الأنوار: ٥٢ / ٦٣١ باب ٢٧ ح ١٢٩.
(796) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٧٤ باب ٢٧ ح ١٦٩.
(797) بحار الأنوار: ٥٣ / 7 باب 25.
(798) بحار الأنوار: ٥٣ / ١٣ حديث المفضل.
(799) وسيأتي خبر آخر في هذا الباب في حرف الهاء في هدم أبنية الكفر والشقاق (لمؤلفه).
(800) بحار الأنوار: ٥٣ / ٣٤ حديث المفضل.
(801) بحار الأنوار: ٥١ / 92 باب ما ورد من الأخبار (باب 10).
(802) الاحتجاج: ٢ / 279، توقيعات الناحية المقدسة.
(803) سورة يونس: ٦٣.
(804) الكافي: ٢ / ٣٥١ باب من آذى المسلمين ح ٢.
(805) الكافي: ٢ / ٣٥٢ باب من آذى المسلمين ح ٨.
(806) الكافي: ٢ / 353 باب من آذى المسلمين ح 10.
(807) الكافي: ٢ / ٤٦ باب سنة الإسلام ح ٣.
(808) الكافي: ٢ / 43 باب درجات الإيمان ح 2.
(809) الكافي: ٢ / ١٢٥ باب الحب في الله والبغض في الله ح ٢.
(810) الكافي: ٢ / 127 باب الحب في الله ح 16.
(811) علل الشرائع: 140 باب 117 ح 3.
(812) لأن السببين الأولين في معرض الزوال غالبا فيزول الحب بالتبع وأما وجود مولانا (عليه السلام) فمنافعه دائمة ولذة المؤمن بوجوده قائمة (لمؤلفه).
(813) غيبة النعماني: 114.
(814) سورة الأحزاب: ٦.
(815) من لا يحضره الفقيه: ٢ / 614، وراجع المفاتيح أيضا.
(816) وقد ذكرناه في حرف الغين في أسباب غيبته وقد مر هناك حديث يناسب المقام (لمؤلفه).
(817) راجع المفاتيح، وإقبال الأعمال: ١ / ٥٠٩.
(818) بحار الأنوار: ٥٣ / 34.
(819) المحجة: فيما نزل في القائم الحجة: 125.
(820) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٣٨ باب ح ٨٠.
(821) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٣٢ باب ٢٧ ح ٥٧.
(822) بحار الأنوار: ٥٢ / ٣٣٢ باب ٢٧ ح ٦٠.
(823) بحار الأنوار: ٥٢ / 333 باب 27 ح 61.
(824) بحار الأنوار: ٤٢ / ٢٠ باب ٨ ح ٥٧ - ٦٠ - ٦١.
(825) بحار الأنوار: ٢ / 44 / ح 14.
(826) إكمال الدين: 2 / 485 باب 45 ح 4.
(827) بحار الأنوار: ٥٢ / 328 باب 27 ح 47.
(828) بحار الأنوار: ٥٢ / ١٣١ باب ٢٧ ح ٣٤.
(829) الكافي: ٢ / 469 باب أن الدعاء يرد البلاء والقضاء ح 1.
(830) الكافي: ٢ / ٤٧٠ باب أن الدعاء يرد القضاء ح ٦.
(831) إكمال الدين: ٢ / ٤٢٥ باب ٤٥ ح ٤.
(832) الاحتجاج: ٢ / ٢٨٤ توقيعات الناحية المقدسة.
(833) بحار الأنوار: ٥٣ / 181 باب 31 ح 10.
(834) إكمال الدين: 512.
(835) إكمال الدين: ٢ / ٤٨٥ باب ٤٥ ح ٤.
(836) الاحتجاج: ٢ / ٢٨٤ توقيعات الناحية المقدسة.
(837) سورة المائدة: ١٠١.
(838) بحار الأنوار: ٥٢ / 92 ملحق 7، الكمال: 485.
(839) الكافي: ١ / ٢١٧ باب نعمة الأئمة ح ١.
(840) الكافي: ١ / ٢٥٧، تفسير القمي: ٢ / ٤٤٠.
(841) غاية المرام: ٢٥٩ / ح ٩، تأويل الآيات: ٢ / 850.
(842) مجمع البيان: 10 / 535.
(843) كفاية الأثر: ٢٧٠.
(844) إكمال الدين: ٢ / ٢٦٨ باب ٣٤ ح ٦.
(845) سورة لقمان: ٢٠.
(846) سورة البقرة: ١٥٢.
(847) سورة إبراهيم: ٧.
(848) سورة البقرة: ١٧٢.
(849) سورة النحل: ١١٤.
(850) سورة مريم: ١٧.
(851) الكافي: ٢ / ٩٤ باب الشكر ح ٢.
(852) الكافي: ٢ / ٩٤ باب الشكر ح ٣.
(853) الكافي: ٢ / 95 باب الشكر ح 8.
(854) الكافي: ٢ / ٩٦ باب الشكر ح ١٥.
(855) الكافي: ٢ / ٩٥ باب الشكر ح ٦.
(856) الكافي: ٢ / 95 باب الشكر ح 10.
(857) سورة سبأ: 15 و16 و17.
(858) الوسائل: ١١ / ٥٣٧ / ح ٥.
(859) الأمالي للشيخ الصدوق: ٢٢٤ وقد جمعنا في كتاب الدرر اللامعة جميع الحقوق بأسلوب فراجع.
(860) الكافي: ٢ / ٤٧٦ باب الأوقات والحالات التي ترجى فيها الإجابة.
(861) جمال الأسبوع: ٤١٤.
(862) في أصول الكافي: ٢ / 497 بسند صحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: مكتوب في التوراة التي لم تغير إن موسى سأل ربه فقال: إلهي إنه يأتي على مجالس أعزك وأجلك أن أذكرك فيها، فقال: يا موسى إن ذكري حسن على كل حال (لمؤلفه).
(863) سورة آل عمران: ١٩٠.
(864) الوسائل: 10 / 467 / ح 3.
(865) الكافي: ٢ / ٦٤٤ باب إخبار الرجل أخاه بحبه ح ٢.
(866) الكافي: ٢ / ٦٤٤ باب إخبار الحب ح ١.
(867) سورة البقرة: ٢٦٠.
(868) الكافي: ٢ / ١٧٥ باب زيارة الإخوان ح ٢.
(869) بحار الأنوار: ٤٤ / 278 / ح 1.
(870) بحار الأنوار: ٧٠ / ٥٩ ح ٣٩ باختلاف يسير.
(871) الكافي: ٢ / 352 / ح 7.
(872) شرح الكافي: 358 في أواخر الهامش في باب من أذى المسلمين واحتقرهم.
(873) مجمع البيان: 8 / 285.
(874) الوسائل: 3 / 81 باب 1 ح 14.
(875) مجمع البيان: ٨ / ٢٨٥ تقدم في ص ٣٢٢.
(876) بحار الأنوار: ٨٢ / 198.
(877) الأمالي للشيخ الصدوق: 37 مجلس 15.
(878) إكمال الدين: ٢ / ٣٨٤ باب ٣٨ ح ١.
(879) الكافي: ٢ / 170 باب حق المؤمن على أخيه ح 4.
(880) بحار الأنوار: ٦٧ / ٦٥ / ح ١٣.
(881) إحتجاج الإمام الحسن العسكري: ٢ / ٢٦٧.
(882) بحار الأنوار: ٧٤ / 226 / ح 20.
(883) الكافي: ٢ / ١٦٩ حق المؤمن على أخيه ح ٢.
(884) بحار الأنوار: ٧٤ / 238 ذيل 40.
(885) سورة الحجر: ٩.
(886) سورة الإسراء: ٨٢.
(887) سورة الأنعام: ١٥٤.
(888) مهج الدعوات: ٣٥٢، بحار الأنوار: ٩١ / ٣٧٨.
(889) تفسير القمي: ١ / ١٣٣.
(890) سورة النساء: ٨٦.
(891) الخرائج والجرائح: ١ / 392.
(892) شرح تجريد الاعتقاد: ٣٣١.
(893) حق اليقين: ٢٨٤ طبعة الحيدري.
(894) سورة البقرة: ٢٥٥.
(895) سورة مريم: ٧٧.
(896) سورة طه: ١٠٩.
(897) سورة الأنبياء: ٢٨.
(898) سورة سبأ: ٢٣.
(899) بحار الأنوار: ٨ / ٣٤ باب ٢١ ح ١.
(900) بحار الأنوار: ٨ / ٣٤ باب ٢١ ح ٢.
(901) بحار الأنوار: ٨ / ٣٤ باب ٢١ ح ٤.
(902) بحار الأنوار: ٨ / 37 باب 21 ح 12.
(903) المحاسن: ١ / ١٨٣ / ح ١٨٥.
(904) الخصال للشيخ الصدوق: ١ / ٢٩٢ باب الخمسة ح ٥٦.
(905) بحار الأنوار: ٨ / ٤١ و٤٢ باب ٢١ ح ٣٢.
(906) سورة الشعراء: ١٠٠.
(907) سورة البقرة: ٢٥٥.
(908) بحار الأنوار: ٨ / ٤٣ باب ٢١ ح ٣٩.
(909) بحار الأنوار: ٨ / ٤١ باب ٢١ ح ٢٨.
(910) سورة النبأ: ٣٨.
(911) بحار الأنوار: ٨ / ٣٦ باب ٢١ ح ١٠.
(912) بحار الأنوار: ٨ / 59 باب 21 ح 80.
(913) بحار الأنوار: ١٠١ / ٢٧ ب ٤ ح ٣٤.
(914) تفسير البرهان: ٣ / ٥٧ / ح ٥.
(915) بحار الأنوار: ٨ / ٤١ باب ٢١ ح ٢٧.
(916) بحار الأنوار: ٨ / 42 ب 21 ح 35.
(917) تفسير القمي: ٤١٧.
(918) الكافي: ٢ / 598 / ح 1.
(919) : ٢٠٢.
(920) بحار الأنوار: ٨ / ٤٢ باب ٢١ ح ٣١.
(921) بحار الأنوار: ٨ / 47 باب 21 ح 48.
(922) بحار الأنوار: ٨ / ٥٩ باب ٢١ ح ٧٦.
(923) بحار الأنوار: ٨ / ٥٢ باب ٢١ ح ٥٩.
(924) بحار الأنوار: ٨ / ٥٦ / ح ٧٠.
(925) بحار الأنوار: ٨ / 39 ب 21 ح 20.
(926) بحار الأنوار: ٨ / ٥٥ باب ٢١ ح ٦٤.
(927) بحار الأنوار: ٨ / 55 باب 21 ح 65.
(928) بحار الأنوار: ٨ / 44 باب 21 ح 44.
(929) بحار الأنوار: ٨ / 41 باب 21 ح 26.
(930) سيأتي في المكرمة الثانية والثلاثين وجه فوز الداعي بشفاعته وشفاعة آبائه بتقريب آخر وحاصله ما ورد في تفسير قوله ﴿وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم﴾ من أن المراد بهم الأئمة وأنهم يعرفون من نصرهم ويشفعون له بضميمة ما يدل على كون الدعاء من أقسام النصرة للإمام وملخص المقدمتين أن الداعي ناصر للإمام والإمام يشفع لناصره ويشفع للداعي (لمؤلفه).
(931) الخصال للشيخ الصدوق: ١ / ١٩٦ باب الأربعة ح ١.
(932) في المنتهى: ١ / ٥٤٤.
(933) بحار الأنوار: ٨ / 49 باب 21 ح 53.
(934) المنتهى: 544.
(935) الأمالي للشيخ الصدوق: ٢٢٨.
(936) سورة المائدة: ٣٥.
(937) مجمع البيان: 3 / 189، سورة المائدة: 189.
(938) تفسير القمي: ١٥٥.
(939) سورة المائدة: ٣٥.
(940) تفسير البرهان: ١ / ٤٦٩ / ح ٢.
(941) مرآة الأنوار: ٣٣١.
(942) مرآة الأنوار: ٣٣١.
(943) بحار الأنوار: ١٠٢ / ١٠٥.
(944) جمال الأسبوع: ٥٥٣.
(945) الصحيفة السجادية: ١٧٢ دعاء ٤٧.
(946) سورة الرعد: ٧.
(947) غيبة النعماني: ١٨٠.
(948) مرآة الأنوار: ٥٨.
(949) سورة النساء: ٥٩.
(950) تفسير البرهان: ٤ / 335 / ح 9.
(951) سورة الجمعة: ١٠.
(952) مجمع البيان: 10 / 440.
(953) الكافي: ٢ / 494 / ح 16.
(954) الكافي: ٢ / 487 باب العموم في الدعاء ح 1.
(955) الكافي: ٢ / 509 / ح 5.
(956) الكافي: ٢ / ٥٠٧ باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب.
(957) سورة الشورى: ٢٦.
(958) مرآة العقول: 2 / 463 باب فضل الدعاء للمؤمنين.
(959) الوسائل: 3 / 635 و830.
(960) الكافي: ٢ / 200 / ح 9.
(961) في نسخة: إنما.
(962) في نسخة: تنثر.
(963) مرآة العقول: 2 / 447 باب الصلاة على محمد وآله.
(964) سورة الشورى: ٢٣.
(965) غاية المرام: ٣٠٩ المقصد الثاني باب ٦ ح ١١.
(966) سورة الشورى: ٢٣.
(967) غاية المرام: 209 المقصد الثاني باب 6 ح 14، قرب الإسناد: 78.
(968) في نسخة: الكبيت.
(969) غاية المرام: ٢٠٦ المقصد الثاني باب ٥ ح ٩، الصراط المستقيم: ٢ / 93.
(970) كان نسخة غاية المرام حسان بن الأرت كما نقلنا ويحتمل أن يكون الصحيح خباب بدل حسان والله العالم (لمؤلفه)، في الصراط المستقيم خباب بن الأرت: ٢ / ٩٤.، وفي مصباح الهداية للسيد علي البهبهاني حسان ص 175.
(971) الأمالي للشيخ الصدوق: 315.
(972) سورة الشورى: ٢٢ - 23.
(973) غاية المرام: ٤٠٦ المقصد الثاني باب ٥ ح ١، عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ١ / ١٦٦، المعجم الكبير للطبراني: ٣ / ٤٧.
(974) غاية المرام: ٢٠٧ المقصد الثاني: باب ٥ ح ١٠، شرح الأخبار: ١ / ١٧٢.
(975) غاية المرام: ٢٠٧ باب ٥ ح ١٢، بحار الأنوار: ٣٦ / 166.
(976) تفسير القمي: ٢ / ٦٠٢.
(977) الكافي: ٢ / 507 باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب ح 2.
(978) الوسائل: 4 / 1146 باب 41 ح 7.
(979) الوسائل: 4 / 1147 باب 41 ح 11.
(980) الوسائل: 4 / 1148 باب 41 ح 13.
(981) بحار الأنوار: ٨٦ / ٦١ باب ٣٨: ٦٩.
(982) بحار الأنوار: ٦٨ / 77 باب 39: 11.
(983) مكارم الأخلاق: 149.
(984) يعني الرجوع إلى الدنيا في زمان ظهوره (عليه السلام) (لمؤلفه).
(985) راجع المفاتيح.
(986) بحار الأنوار: ٨٦ / ٦١ باب ٣٨: ٦٩.
(987) زاد المعاد: ٤٨٣.
(988) الأنوار النعمانية: ١٦٢.
(989) بصائر الدرجات: ٨٤ / ح 4.
(990) بحار الأنوار: ٥٢ / ١٢٣ باب ٢٢ ح ٨.
(991) بحار الأنوار: ٥٢ / ١٣٢ باب ٢٢ ح ٣٦.
(992) بحار الأنوار: ٥٢ / 139 باب 22 ح 25.
(993) الاحتجاج: ٢ / 325 احتجاج الشيخ المفيد.
(994) بحار الأنوار: ٥٢ / ١٣١ باب ٢٢ ح ٣٤.
(995) تفسير العياشي: ٢ / ١٥٤ / ح ٤٩.
(996) سورة الكهف: ٨٢.
(997) سورة الأنعام: ١٦٤.
(998) الكافي: ١ / 148 باب البداء ح 9.
(999) توحيد الصدوق: 334 باب البداء ح 8.
(1000) الكافي: ٢ / 147 باب البداء ح 6.
(1001) الاحتجاج: ١ / ٣٨٤: قوله: سلوني قبل أن تفقدوني.
(1002) قرب الإسناد: ١٥٥.
(1003) بحار الأنوار: ١ / ١١٩ / ح ٥٨، تفسير العياشي: ٢ / 217 / ح 65.
(1004) غيبة النعماني: 162 السفياني من المحتوم.
(1005) غيبة النعماني: ١٦١ السفياني من المحتوم.
(1006) غيبة النعماني: ١٦١ السفياني من المحتوم.
(1007) غيبة النعماني: ١٦١ السفياني من المحتوم.
(1008) إكمال الدين: ٢ / ٦٥٢ باب ٥٧ ح ١٤.
(1009) بحار الأنوار: ٥٢ / 182 باب 25 ح 5
(1010) بحار الأنوار: ٥٢ / ٢١٥ باب علامات الظهور ح ٧١.
(1011) بحار الأنوار: ٥٢ باب 25.
(1012) الكافي: ١ / ٣٤٠ باب في الغيبة ح 20.
(1013) غيبة النعماني: 90 باب للقائم غيبتان طويلة وقصيرة.
(1014) غيبة النعماني: ١٤٧.
(1015) سورة النور: ٥٥.
(1016) الغيبة: ٢٦٣ باب النهي عن التوقيت.
(1017) سورة البقرة: ٤٠.
(1018) سورة الإسراء: ٣٤.
(1019) سورة الرعد: ١٩ - ٢٠.
(1020) سورة الرعد: ٢٥.
(1021) الكافي: ١ / ٢٢١ / ح ٣.
(1022) مرآة الأنوار: ٢٣٤.
(1023) سورة مريم: ٨٧.
(1024) سورة الإسراء: ٣٤.
(1025) ويؤيد ما روي في جامع الأخبار ص ١٦ عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال حق علي بن أبي طالب على المسلمين كحق الوالد على ولده ووجه الاستدلال أنه قد ثبت بالروايات أنه يجري لكل واحد من الأئمة ما يجري لأحدهم يعني إذا ثبت لأحدهم حق علينا ثبت لجميعهم (لمؤلفه).
(1026) الكافي: ٢ / 157.
(1027) بحار الأنوار: ١٠٢ / ١٢٩.
(1028) مرآة الأنوار: ٨٥.
(1029) أشهد... والأمانة المحفوظة. بحار الأنوار: ١٠٢ / 151.
(1030) إكمال الدين: 241 / ح 65.
(1031) مرأة الأنوار: 85.
(1032) تفسير فرات: 147.
(1033) في المعاني: 108 - 110 فراجع.
(1034) الاحتجاج: ٢ / 78 فيما احتج الصادق (عليه السلام) على الزنديق.
(1035) الاحتجاج: ٢ / 78 فيما احتج الصادق (عليه السلام) على الزنديق.
(1036) المطبوع مع باب حادي عشر ص 105.
(1037) مشارق أنوار اليقين: ١١٢ مع تقدم وتأخر في جملاته.
(1038) الكافي: ٢ / ١٨٠ باب المصافحة ح ٦.
(1039) الكافي: ٢ / 182 باب المصافحة ح 16.
(1040) الكافي: ١ / ٤٠١ / ح ٢.
(1041) مشارق أنوار اليقين: ١٩٢.
(1042) الكافي: ٢ / 42 باب درجات الإيمان.
(1043) القاموس: ٢ / ٤٠٩.
(1044) الاحتجاج: ٢ / 278 توقيعات الناحية المقدسة.
(1045) مشارق الأنوار: 179.
(1046) الكافي: ١ / 110 باب الإرادة وصفات الفعل ح 4.
(1047) تفسير البرهان: ٣ / ٢٤٠ ح ٣ ذيل الآية ٨٨ من القصص.
(1048) تفسير البرهان: ٣ / 240 / ح 4 ذيل آية 88 من القصص.
(1049) كتاب التوحيد: 152 باب 12 ح 9.
(1050) بحار الأنوار: ٦ / ٣٣١.
(1051) الاحتجاج: ٢ / 97 باب احتجاج الصادق (عليه السلام) على الزنديق.
(1052) نهج البلاغة: 274 خطبة 186.
(1053) سورة النساء: ٥٨.
(1054) سورة المؤمنون: ٨.
(1055) سورة الأنفال: ٢٧.
(1056) الكافي: ١ / 194 باب أن الأئمة نور الله ح 1.
(1057) الخرائج والجرائح: 92 باب إعلام محمد بن علي الباقر (عليه السلام).
(1058) مكارم الأخلاق: 149.
(1059) الكافي: ٢ / ١٥٠ باب صلة الرحم ح ٣.
(1060) الكافي: ٢ / 150 باب صلة الرحم ح 4.
(1061) الكافي: ٢ / ١٥٢ باب صلة الرحم ح ١٢.
(1062) الكافي: ٢ / ١٥٢ باب صلة الرحم ح ١٣.
(1063) الكافي: ٢ / ١٥٣ باب صلة الرحم ح ١٤.
(1064) الكافي: ٢ / ١٥٣ باب صلة الرحم ح ١٦.
(1065) الكافي: ٢ / ١٥٥ باب صلة الرحم ح ٢١.
(1066) الكافي: ٢ / ١٥٦ باب صلة الرحم ح ٢٨.
(1067) الكافي: ٢ / 156 باب صلة الرحم ح 26.
(1068) سورة النساء: ١.
(1069) تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): 113 في تفسير ﴿وبالوالدين إحسانا﴾.
(1070) بحار الأنوار: ٤٦ / 239 / ح 23.
(1071) بحار الأنوار: ٤٥ / 257 / ح 15.
(1072) سورة الزخرف: ١٧.
(1073) سورة ص: ٦٣.
(1074) سورة المطففين: ٣٤.
(1075) سورة فصلت: ٤٤.
(1076) إكمال الدين: ٢ / ٣٤٠ باب ٣٣ ح ١٩.
(1077) سورة البقرة: ٣.
(1078) إكمال الدين: ٢ / ٣٤٠ باب ٢٣ ح ٢٠.
(1079) سورة يونس: ٢٠.
(1080) سورة الأعراف: ٤٦.
(1081) تفسير القمي: ١ / 216.
(1082) تفسير البرهان: ٢ / 18 / ح 5.
(1083) تفسير البرهان: 18 / 2 / ح 6.
(1084) تفسير البرهان: البرهان: 2 / 18 / ح 5.
(1085) مجمع البيان: 4 / 423.
(1086) سورة البقرة: ٦٢.
(1087) الكافي: ١ / ٤٣٦.
(1088) تفسير العياشي: ٢ / ٣٥٣ / ح ٩٧.
(1089) سورة الكهف: ١١٠.
(1090) مرآة الأنوار: 208.
(1091) سورة البقرة: 82.
(1092) تفسير العياشي: ٢ / ٢٦٨ / ح ٦٣.
(1093) سورة النحل: ٩٠.
(1094) سورة آل عمران: ١٦٩.
(1095) إكمال الدين: 2 / 357 باب 33 ح 54.
(1096) سورة الأحقاف: ١٣.
(1097) الكافي: ١ / ٢٢٠ باب الحث على الاستقامة ح ٢.
(1098) تفسير القمي: ١ / ٢١٦.
(1099) سورة الأعراف: ٤٦.
(1100) في نسخة ثانية: موالينا.
(1101) الكافي: ٣ / ١٢٨.
(1102) بحار الأنوار: ٦ / ١٧٣ باب ٧.
(1103) ذكره في بحار الأنوار: ٦ / 197 باب 7 ح 51.
(1104) المراد بابن سنان هنا هو محمد بن أحمد بن سنان فإنه الراوي عن عمار بن مروان كما صرح به في الرجال الكبير ومنتهى المقال (أقول) الأقوى تبعا لجماعة من المحققين الاعتماد على رواية محمد بن سنان وكونه ثقة كما نطق عليه السيد الأجل علي بن طاوس وغيره ومحمد بن يحيى هو العطار وأحمد بن محمد هو ابن عيسى الأشعري القمي وعمار بن مروان هو مولى بني ثوبان وكلهم ثقات كما نص عليه علماء الرجال (لمؤلفه).
(1105) الكافي: ٢ / 191 باب إدخال السرور على المؤمنين ح 12.
(1106) سورة الأنفال: ٢٤.
(1107) سورة النساء: ٥٩.
(1108) إكمال الدين: 1 / 303 باب 26 ح 14.
(1109) الأمالي للشيخ الصدوق: ٢٠٠ مجلس ٥٤ ح ١.
(1110) الكافي: ٢ / 164 باب الاهتمام بأمور المسلمين ح 6.
(1111) الكافي: ١٦٤ باب الاهتمام بأمور المسلمين ح ٧.
(1112) بحار الأنوار: ٥٢ / ١٢٩ باب ٢٢ ح ٢٥.
(1113) بحار الأنوار: ٥١ / 13 / ح 14.
(1114) إكمال الدين: 2 / 440 باب 43 ح 9.
(1115) إكمال الدين: ٢ / ٤٤٠ باب ٤٣ ح ١٠.
(1116) الخصال للشيخ الصدوق: ١ / ٢٩٤ باب الخمسة ح ٦٠.
(1117) الاحتجاج: ١ / 88 باب النص على الأئمة (عليهم السلام).
(1118) عدة الداعي: ٢٣٨.
(1119) الوسائل: ٤ / ١١٨٠ باب ٣ ح ٣.
(1120) الكافي: ٢ / 496 / ح 2.
(1121) الفقيه الإيماني مؤلف كتاب الفوز الأكبر فيما يتعلق بإمام العصر (عليه السلام).
(1122) إكمال الدين: 1 / 330 باب 32 ح 15.
(1123) بحار الأنوار: ٧٥ / ٢٠ / ح ١٦ وفي الثواب ص ١٦٤.
(1124) بحار الأنوار: ٧٥ / ٢١ / ح ٢٢.
(1125) الكافي: ٢ / 467.
(1126) الوسائل: 4 / 1083 أبواب الدعاء.
(1127) بحار الأنوار: ٥٢ / ٩٢ / ح ٧، الخرائج والجرائح: ١٨٧.
(1128) الكافي: ٢ / 172 باب حق المؤمن على أخيه ح 9.
(1129) الكافي: ٢ / 165 / ح 1.
(1130) الوسائل: 8 / 466 باب 67 ح 1.
(1131) الوسائل: 8 / 467 باب 67 ح 4.
(1132) الوسائل: 8 / 468 باب 67 ح 11.
(1133) الوسائل: 8 / 468 باب 67 ح 13.
(1134) الوسائل: 8 / 467 باب 67 ح 9.
(1135) الوسائل: 8 / 468 باب 67 ح 10.
(1136) الوسائل: 8 / 468 باب 67 ح 11.
(1137) الكافي: ٢ / ١٢٣ باب التواضع ح ١١.
(1138) كتاب من لا يحضره الفقيه: ٤ / ٣٩٨ / ح ٥٨٥.
(1139) الكافي: ٢ / 121 باب التواضع ح 1.
(1140) الكافي: ٢ / ١٢٢ باب التواضع ح ٢.
(1141) الكافي: ج ٢ باب التواضع ح ٣.
(1142) كتاب من لا يحضره الفقيه: ٤ / ٣٦٢.
(1143) الكافي: ٢ / ١٢٤ باب التواضع ح ١٢.
(1144) كامل الزيارات: ٤٥٥.
(1145) بحار الأنوار: ٦٦ / ٣٢٤ / ح ١٠.
(1146) بحار الأنوار: ٦٦ / 324 ح 11.
(1147) الكافي: ٢ / ٢٨٩ باب أصول الكفر ح ١.
(1148) الكافي: ٢ / ٣٠٩ / ح ٣.
(1149) الكافي: ٢ / ٣٠٩ باب الكبر ح ٤.
(1150) الكافي: ٢ / ٣١٠ باب الكبر ح ٥.
(1151) الكافي: ٢ / ٣١٠ باب الكبر ح ١٠.
(1152) الكافي: ٢ / ٣١١ باب الكفر ح ١١.
(1153) الكافي: ٢ / 310 باب الكبر ح 7.
(1154) بصائر الدرجات: ٢٥٩ / 16 ذيل 1.
(1155) بصائر الدرجات: ٨ / ٤٠٨ باب ١٤ ح ٣.
(1156) بصائر الدرجات: ٤٣٤ باب ٨ ح ١.
(1157) بصائر الدرجات: ٤٣٥ باب ٩ ح ١.
(1158) بصائر الدرجات: ٤٥٤ باب 15 ح 13.
(1159) الأنوار النعمانية: ١ / ٣٣.
(1160) المطبوعة مع باب الحادي عشر ص ٩٧.
(1161) الاعتقادات: ٧٨ في الحواشي في الباب الحادي عشر.
(1162) الكافي: ١ / ١٨٤ / ح ٩.
(1163) الكافي: ١ / ٢٧٥ باب أن الأئمة في العلم والشجاعة سواء ح ٣.
(1164) في أصول الكافي ١ / 222 ح 6 عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يمصون الثماد ويدعون النهر العظيم، قيل له:
وما النهر العظيم؟ قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) والعلم الذي أعطاه الله، إن الله (عزَّ وجلَّ) جمع لمحمد (صلى الله عليه وآله) سنن النبيين، من آدم وهلم جرا إلى محمد (صلى الله عليه وآله)، قيل له: وما تلك السنن؟ قال: علم النبيين بأسره وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صير ذلك كله عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له رجل: يا ابن رسول الله، فأمير المؤمنين أعلم أم بعض النبيين؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): اسمعوا ما يقول: إن الله يفتح مسامع من يشاء إني حدثته أن الله جمع لمحمد (صلى الله عليه وآله) علم النبيين وأنه جعل ذلك كله عند أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يسأل أهو أعلم أم بعض النبيين؟
أقول: الثماد: الماء القليل الذي لا مادة له كما قيل (لمؤلفه).
(1165) الوسائل: ١ / ٢٤ باب ٢ ح ١٥.
(1166) بحار الأنوار: ١٠١ / 152.
(1167) سورة الأحقاف: ١٥.
(1168) تفسير القمي: ٦٢١.
(1169) بحار الأنوار: ١٠١ / ٢٩٢.
(1170) كامل الزيارات: ١٣٥.
(1171) في نسخة ثانية: مسرفا.
(1172) الاحتجاج: ٢ / 325.
(1173) الكافي: ١ / 401 في أن حديثهم صعب مستصعب ح 1.
(1174) الكافي: ١ / ٤٠١ الباب المذكور ح ٣.
(1175) الكافي: ١ / ٤٠١ الباب المذكور ح ٢.
(1176) بصائر الدرجات: ٢٤ باب ١١ ح ٧.
(1177) بصائر الدرجات: ٢٥ باب ١١ ح ١٩.
(1178) بصائر الدرجات: ٢١ باب 11 ح 3.
(1179) بصائر الدرجات: ٢١ باب ١١ ح ٤.
(1180) بصائر الدرجات: ٢٢ باب ١١ ح ٧.
(1181) بصائر الدرجات: ٢٢ باب ١١ ح ٨.
(1182) بصائر الدرجات: ٢١ باب ١١ ح ٥.
(1183) بصائر الدرجات: ٢٢ باب 11 ح 9.
(1184) بصائر الدرجات: ٢٦ باب ١٢ ح ١.
(1185) بصائر الدرجات: ٢٦ باب 12 ح 2.
(1186) بصائر الدرجات: ٢٦ تتمة باب ١٢ ح ١.
(1187) بصائر الدرجات: ٢٧ باب ١٢ ح ٢.
(1188) بصائر الدرجات: ٢٧ باب ١٢ ح ٦.
(1189) بصائر الدرجات: ٢٨ باب 12 ح 8.
(1190) بصائر الدرجات: ١١٩ مادة صعب.
(1191) بصائر الدرجات: ٢٤ باب ١١ ح ١٦.
(1192) بصائر الدرجات: ٧٤، البحار: ١١ / ١٨٩ / ح ٤٧.
(1193) سورة البقرة: ٣٥.
(1194) تفسير البرهان: ١ / 82 ذيل 11.
(1195) بصائر الدرجات: ٢٤ باب ١١ ذيل ١٦.
(1196) بصائر الدرجات: ٦٨ باب ٦ الجزء الثاني ح ٨.
(1197) بصائر الدرجات: ٦٨ باب 6 الجزء الثاني ح 8.
(1198) بصائر الدرجات: ٧٣ باب ٨ الجزء الثاني ح ٧.
(1199) بصائر الدرجات: ٧٤ باب ٩ الجزء الثاني ح ٣.
(1200) بصائر الدرجات: ٧٤ باب ٩ الجزء الثاني ح ٢.
(1201) بصائر الدرجات: ٧٥ باب 9 الجزء الثاني ح 8.
(1202) الكافي: ١ / ٣٧٠ باب التمحيص ح ٣.
(1203) الكافي: ٣٧٠ باب التمحيص ح ٥.
(1204) غيبة النعماني: ١١١ في صفة القائم (عليه السلام).
(1205) غيبة النعماني: ١١٠ في صفة القائم (عليه السلام).
(1206) بصائر الدرجات: ٧٠ باب 17 الجزء الثاني ح 2.
(1207) الكافي: 2 / 8 باب آخر منه ح 1.
(1208) غيبة النعماني: 13 في صون سر آل محمد.
(1209) غيبة النعماني: 14 في صون سر آل محمد.
(1210) غيبة النعماني: ١٤ في صون سر آل محمد.
(1211) غيبة النعماني: ١٥ في صون سر آل محمد.
(1212) تحف العقول: ٢٢٨.
(1213) في ح ٩٤٧.
(1214) بصائر الدرجات: ٢٣ باب 11 الجزء الأول ذ 11.
(1215) بحار الأنوار: ٧ / ١٨١ / ح ٢٣.
(1216) بحار الأنوار: ٢٧ / ١٤٢ / ح ١٥١.
(1217) الكافي: ٢ / 172 / ح 9.
(1218) هو العلامة المجلسي رحمة الله عليه في مرآة العقول (لمؤلفه).
(1219) بحار الأنوار: ٨ / 121 باب 23 ح 12.
(1220) تحف العقول: ٢٢٦.
(1221) الكافي: ٢ / ٢٠٧ / ح ٩.
(1222) الكافي: ٢ / 207 / ح 7.
(1223) الكافي: ٢ / ٢٠٦ / ح ٤.
(1224) الكافي: ٢ / 206 / ح 5.
(1225) الكافي: ٢ / ٢٠٨ باب نصيحة المؤمن ح ٢.
(1226) الكافي: ٢ / ٢٠٨ الباب المذكور ح ٣.
(1227) الكافي: ٢ / ٢٠٨ الباب المذكور ح ٥.
(1228) الكافي: ٢ / 208 الباب المذكور ح 6.
(1229) بحار الأنوار: ١ / ٢٠٥ باب ٤ ذ ح ٣٤.
(1230) الكافي: ٢ / 187 / ح 6.
(1231) الكافي: ٢ / ٤٨٧ باب الاجتماع في الدعاء ح ٢.
(1232) الكافي: ٢ / ٤٨٧ باب الاجتماع في الدعاء ح ٣.
(1233) بحار الأنوار: ١ / ٢٠٢ / ح ١٥.
(1234) عوالي اللئالي: ٢ / 426.
(1235) بحار الأنوار: ١ / ٢٠٠ باب ٤ ح ٦.
(1236) بحار الأنوار: ١ / 200 باب 4 ح 8.
(1237) سورة النساء: ٥٩.
(1238) ١ / ١٨٥ باب فرض طاعة الأئمة (عليهم السلام).
(1239) إكمال الدين: ١ / ٢٥٣ باب ٢٣ ح ٣.
(1240) غاية المرام: ٢٦٧ ح ١٠، إكمال الدين: ٢٥٣.
(1241) تفسير البرهان: ١ / ٣٨١ سورة النساء: ٥٩ ذيل ح ١.
(1242) تفسير البرهان: ١ / 383 / ح 10.
(1243) تفسير البرهان: ١ / ٣٨٤ / ح ١٦.
(1244) الكافي: ١ / ١٨٧ / ح ١٢.
(1245) الكافي: ٢ / 188 باب إدخال السرور على المؤمنين ح 1.
(1246) الكافي: ٢ / ١٩٥ باب قضاء حاجة المؤمن ح ١٠.
(1247) الكافي: ٢ / 188 باب إدخال السرور على المؤمنين ح 2.
(1248) الكافي: ٢ / ١٨٩ / ح ٤.
(1249) الكافي: ٢ / ١٨٨ باب إدخال السرور على المؤمنين ح ٣.
(1250) الكافي: ٢ / ١٨٩ / ح ٥.
(1251) الكافي: ٢ / 190 / ح 8.
(1252) بحار الأنوار: ٤٤ / ١٩٤ / ح ٧.
(1253) مناقب آل أبي طالب: ٣ / 229.
(1254) الكافي: ١ / ٣٣٣ باب نادر في حال الغيبة ح 2.
(1255) روى الكليني في أصول الكافي: ٢ / ٤٦٦ باب فضل الدعاء والحث عليه ح ١ بسند صحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله (عزَّ وجلَّ) يقول ﴿إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين﴾ قال (عليه السلام): هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء قلت: إن إبراهيم لأواه حليم، قال (عليه السلام): الأواه هو الدعاء. انتهى (لمؤلفه).
(1256) الكافي: ٢ / 50 باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب ح 4.
(1257) الكافي: ٢ / ٥٠٨ الباب نفسه ح ٦.
(1258) في نسخة ثانية: تبلغ.
(1259) الكافي: ٢ / 508 / ح 7.
(1260) الوسائل: 4 / 1147 باب 41 ذ 8.
(1261) الكافي: ١ / 390 باب التسليم وفضل المسلمين ح 2.
(1262) سورة النساء: ٦٨.
(1263) الكافي: ١ / 390 باب التسليم ح 1.
(1264) الخرائج والجرائح: 92 باب إعلام الإمام محمد الباقر (عليه السلام).
(1265) أورده أيضا بتمامه في باب شباهته (عليه السلام) بعيسى (عليه السلام).
(1266) غاية المرام: 218 باب 19 ح 5، عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 60 / ح 2.
(1267) غاية المرام: ٢٤٢ باب ٢٦ ح ١، عيون المعجزات: ٦٧.
(1268) سورة آل عمران: ١٠٢.
(1269) بحار الأنوار: ٣٦ / 296 باب 41 ذيل 125.
(1270) تفسير البرهان: ٤ / 521 ذيل 19.
(1271) مجمع البيان: ٨ / ٨٣، سورة الحج: ٣٢.
(1272) مجمع البيان: ٩ / ٢٣٨ سورة الحديد.
(1273) تفسير البرهان: ٤ / ٢٩٦ / ح ٩، بحار الأنوار: ٤٧ / 138 / ح 141، و68 / 141 / ح 81.
(1274) بحار الأنوار: ٢ / 44 باب 10 ذيل 13.
(1275) بحار الأنوار: ٢ / ٤٣ باب ١٠ ذيل ١٢.
(1276) الخصال للشيخ الصدوق: 1 / 123 باب 1 ذيل 115.
(1277) كتاب معالي السبطين عن كتاب إرشاد القلوب عن كتاب نور العين فلاحظ.
(1278) تفسير الإمام (عليه السلام): ١٥٥.
(1279) سورة الرعد: ٢١.
(1280) الكافي: 155 باب صلة الرحم ح 23.
(1281) الكافي: ٢ / ١٥٦ باب صلة الرحم ح ٢٨.
(1282) تفسير البرهان: ٢ / ٢٨٨ / ح ٦.
(1283) تفسير البرهان: ٢ / ٢٨٩ ذيل ١٣.
(1284) سورة الرعد: ٢١.
(1285) الكافي: ٢ / ١٥٥ باب صلة الرحم ح ٢٢.
(1286) الكافي: ٢ / 157 باب صلة الرحم ح 31.
(1287) تفسير البرهان: ٢ / ٢٨٩، سورة الرعد: ٢١.
(1288) الكافي: ٥ / ١٠٠ / ح ١.
(1289) تفسير البرهان: ٢ / ٢٨٩ ذيل ١٩، سورة الرعد: ٢١.
(1290) تفسير البرهان: ٢ / 290 / ح 25.
(1291) بحار الأنوار: ٨ / ٥٤ باب ٢١ ذيل ح ٦٢.
(1292) بحار الأنوار: ٥٣ / 181.
(1293) الكافي: ٢ / ١٩٨ باب السعي في حاجة المؤمن ح ٧.
(1294) الكافي: ٢ / ١٩٣ باب قضاء حاجة المؤمن ح ٤.
(1295) الكافي: ٢ / 192 الباب المذكور ح 1.
(1296) الحديث: ١٠٣٥.
(1297) الكافي: ٢ / ١٩٤ باب قضاء حاجة المؤمن ح ٦.
(1298) الكافي: ٢ / ١٩٧ باب السعي في حاجة المؤمن ح ٤.
(1299) الكافي: ٢ / 196 / ح 1.
(1300) الكافي: ٢ / ١٩٧ / ح ٣.
(1301) إكمال الدين: ٢ / ٥٤١ / ح ٣٠.
(1302) كما في بحار الأنوار: ٧٤ / 315 / ح 72.