منتخب الأنوار المضيئة
تأليف: السيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم بن عبد الحميد النيلي النجفي
الفهرس
المقدمة
الفصل الأول: في إثبات إمامته ووجوده
الفصل الثاني: في إثبات ذلك من الكتاب
الفصل الثالث: في إثبات ذلك بالأخبار من جهة الخاصة
الفصل الرابع: في إثبات ذلك من جهة العامة
الفصل الخامس: في ذكر والدته وولادته وما يتعلق بذلك
الفصل السادس: في ذكر غيبته والسبب الموجب لتواريه عن شيعته
الفصل السابع: في ذكر طول تعميره
الفصل الثامن: في رواته (عليه السلام) ووكلائه
الفصل التاسع: في ذكر توقيعاته على يد رسله وأصحابه وعلى يد سفرائه إلى وكلائه
الفصل العاشر: في ذكر من شاهده من شيعته وحظي برؤيته
الفصل الحادي عشر: في ذكر علامات ظهوره
الفصل الثاني عشر: في ذكر ما يكون في أيامه
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على خير خلقه محمد وآله أجمعين وبعد فهذه نبذة في ذكر القائم الحجة (عليه السلام) وذكر إمامته ووجوده وذكر والدته وولادته وغيبته وما يكون في أيامه عند ظهوره انتخبتها من كتاب الأنوار المضيئة في الحكمة الشرعية المستنبطة من الآيات الإلهية من مؤلفات المولى السيد العالم الفاضل الكامل الحبر الفهامة والنحر النسابة العلامة بهاء الملة والدين علي بن عبد الحميد الحسيني النجفي قدس الله روحه الشريفة وجزاه الله عن سلفه أفضل الجزاء وهو يشتمل على اثني عشر فصلا:
الفصل الأول: في إثبات إمامته ووجوده
قال قدس الله سره لا بد من ذكر إثبات إمامته ووجوده وعصمته بالأدلة العقلية وإن كان إثبات إمامة آبائه (عليه السلام) يثبت بها وجوده وإمامته لأن ذلك أصل يترتب على هذا ومقام يرجع هذا البحث إليه ولكن نذكر هنا ما يقطع حجة جاحديه ويعلم أن الحق له ومعه وفيه.
قال قدس الله روحه والأدلة العقلية من وجوه أ لو لم يكن القائم (عليه السلام) موجودا لخلا الزمان عن الإمام لكن التالي باطل فالمقدم مثله.
بيان الملازمة: أن الإمامة منحصرة فيهم (عليه السلام) وآباؤه (عليهم السلام) لا شك في انتقالهم إلى ربهم فلو لم يكن وجوده واجبا لخلا الزمان عن الإمام المعصوم فالملازمة ظاهرة. وأما بطلان التالي فلأنه قد ثبت أن الإمامة لطف واللطف واجب على الله تعالى فخلو الزمان عن الإمام محال فيبطل التالي فيبطل المقدم فيكون موجودا وهو المطلوب.
ب- لو قيل بعدم وجود القائم محمد بن الحسن (عليه السلام) وعدم وجوب إمامته لزم خرق الإجماع لكن التالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية أن الإجماع واقع بين كافة المسلمين أن الناس طرا على قسمين قسم قائل بإمامة الأئمة الاثني عشر (عليه السلام) وقسم غير قائل بذلك أما القائلون بإمامتهم فلا شك عندهم في وجوده وإمامته وهو ظاهر وأما غير القائلين بإمامتهم فالبحث معهم ليس في إمامته ووجوده بل في إمامة أجداده فإن كل من قال بإمامتهم قال بإمامته ووجوده وكل من لم يقل بإمامتهم لم يقل بإمامته ولا بوجوده فلو قال أحد بإمامتهم وأنكر إمامته ووجوده لكان قولا ثالثا خارقا للإجماع فقد بانت الشرطية.
وأما بطلان التالي فظاهر فيبطل المقدم فيكون القول بعدم وجوده وبعدم إمامته محالا وهو المطلوب لا يقال الإمام هو الذي يقوم بأعباء الإمامة وأنتم تقولون إن الحسن العسكري مات وابنه المهدي صغير لا يصح أن يقوم بأعباء الإمامة فلا يكون على تقدير صحة وجوده إماما.
لأنا نقول النبوة أعظم درجة من الإمامة وقد نبى الله عيسى ابن مريم وهو ابن ساعة واحدة أ لا ترى كيف أنكر بنو إسرائيل على مريم فقالوا (يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) ما كنا نظن أنك تفعلين مثل هذا الفعل الفضيع فأشارت إليه فقالت كلموا هذا الطفل قالوا (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) فأجابوها منكرين عليها أ رأيت طفلا يتكلم (قال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا) فتكلم بالحكمة وأثبت لنفسه النبوة. وكذلك القول في يحيى بن زكريا أثبت الله له الحكم في الكتاب وهو صبي فقال وآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وهذا نص في الباب. ولا يدفع الشك في إمامته إمامته وإلا لدفع الشك في نبوة عيسى نبوته. ولعمري إن الناس على قسمين قسم شهدوا بوجوده بعد أبيه الحسن (عليه السلام) وقسم نفوا ذلك فأي الشهادتين أثبت وأولى بالقبول عند أهل العقول والمنقول أ ليست شهادة النفي منفية لا يجب قبولها في الشريعة المحمدية.
ج- إنما دهى مخالفونا في إمامة القائم وإمامة آبائه (عليه السلام) فأنكروها وزين لهم الشيطان منعها فمنعوها لموضع جهلهم بحقيقة الإمام وما خصه الله تعالى به من الكرامة حتى صار أهلا للإمامة فخفي عليهم معرفة حقيقته فوضعوا الحق في غير موضعه وأخرجوه عن مستحقه وغفلوا عن كون الإمام يجب أن يكون في مرتبة النبي (عليه السلام) إذ هو المبلغ عنه (صلى الله عليه واله وسلم) ما أنزل إليه كأنهم لم يطلعوا على ما خاطبه به في الكتاب المبين الر كتاب أنزل إليك لتكون للعالمين نذيرا فجعله نذيرا لكافة المخلوقين من الملائكة المقربين والجن والإنس أجمعين. وإذا كان الإمام في مرتبته كان حجة على هؤلاء بأجمعهم لوجوب تبليغه إياهم ما وجب عليهم من شريعته فبمجرد اختيار بعض الناس لبعض الأشخاص في بعض الأصقاع أو يكون فيه صفة اختاروها أو حالة أرادوها يصير حجة على كافة المخلوقين من الملائكة والجن والإنس أجمعين نعوذ بالله من هذا الإفك العظيم والضلال المبين.
ويعضد ما ادعيناه ويشهد بصحة ما قلناه ما صح لي روايته:
عن الشيخ محمد بن علي بن بابويه يرفعه إلى أبي عبد الله بن صالح الهروي عن الرضا (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والله ما خلق أفضل مني ولا أكرم عليه مني قال علي (عليه السلام) فقلت يا رسول الله أ فأنت أفضل أم جبرئيل فقال (عليه السلام) يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا يا علي المؤمن من آمن بولايتنا أ ليس الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا حملة العرش ومن حوله من الملائكة يخدمون المؤمنين بالاستغفار دائبين الليل والنهار يا علي لو لا نحن لما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض وكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا عز وجل وتسبيحه وتقديسه وتهليله لأن أول ما خلق الله عز وجل أرواحنا فأنطقها بتوحيده وتحميده ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظمت أمورنا فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون وأنه منزه عن صفاتنا فسبحت الملائكة ونزهته عن صفاتنا فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظيم المحال فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العز والقوة قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوة إلا بالله فقالت الملائكة لا حول ولا قوة إلا بالله فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه من فرض الطاعة لنا قلنا الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه فقالت الملائكة الحمد لله فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وحمده وتمجيده ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم (عليه السلام) وأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا وإكراما وكان سجودهم لله عز وجل عبودية ولآدم إكراما وطاعة لكوننا في صلبه فكيف لا يكون أعظم من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون ولما عرج بي جبرئيل إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى ثم قال لي تقدم يا محمد فقلت له يا جبرئيل أتقدم عليك فقال نعم إن الله تعالى فضل أنبياءه على ملائكته أجمعين وفضلك خاصة وتقدمت وصليت بهم ولا فخر فلما انتهينا إلى حجب النور قال لي جبرئيل تقدم يا محمد وتخلف عني فقلت يا جبرئيل في مثل هذا الموضع فقال يا محمد إن انتهاء حدي الذي وضعني الله عز وجل هذا المكان فإن تجاوزت احترقت أجنحتي لتعدي حدود ربي جل جلاله فزج زجة في النور حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله عز وجل من ملكوته فنوديت يا محمد أنت عبدي وأنا ربك فإياي فاعبد وعلي فتوكل فإنك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجتي في بريتي لمن تبعك خلقت جنتي ولمن خالفك خلقت ناري ولأوصيائك أوجبت كرامتي ولشيعتهم أوجبت ثوابي فقلت يا رب ومن أوصيائي فنوديت يا محمد أوصياؤك المكتوبون على ساق العرش فنظرت وأنا بين يدي ربي إلى ساق العرش فرأيت اثني عشر نورا في كل نور سطر عليه اسم كل وصي من أوصيائي أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم مهدي أمتي فقلت يا رب إن هؤلاء أوصيائي بعدي فنوديت يا محمد إن هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريتك وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني ولأعلنن بهم كلمتي ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي ولأملكنه مشارق الأرض ومغاربها ولأسخرن له الرياح ولأذلن له الرقاب الصعاب ولأرقينه في الأسباب ولأنصرنه بجندي ولأمدنه بملائكتي حتى يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي ثم لأديمن ملكه ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة.
فإذا كان ذلك كذلك فأين من ادعى فيه الإمامة غير هؤلاء المعصومين إلى يوم القيامة وهذه الصفات وأنى لهم هذه الحالات وهل أخص بها إلا هم (عليه السلام) دون سائر الأنام ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
الفصل الثاني: في إثبات ذلك من الكتاب
وذلك من وجوه دلت على وجوده وإمامته وثبوت عصمته:
الأول: (ومِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وبِهِ يَعْدِلُونَ) روى صاحب الكشاف في كتابه أن بني إسرائيل لما عبدوا العجل تبرأ سبط منهم ولم يدخل فيما صنعوا وسأل الله أن يفرق بينهم وبين قومهم ففتح الله لهم نقبا في الأرض فساروا فيه وفارقوا قومهم فلما بعث النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وعرج به إلى السماء أقدمه جبرئيل (عليه السلام) عليهم فأسلموا على يده وعلمهم الحدود والأحكام وعرفهم شرائع الإسلام وهم باقون يعبدون الله تعالى على الملة الإسلامية والشريعة المحمدية.
ولا شك في أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال: تحذو أمتي حذو بني إسرائيل النعل بالنعل والقذة بالقذة.
فلا بد أن يكون في هذه الأمة من هو كذلك. ولم ينقل أحد خاف من الظالمين ففتح له نفق في الأرض فسار فيه وفارق الطاغين غير الإمام الحجة (عليه السلام) وهو كما وردت الأخبار في قطر من الأقطار بين ولده وأصحابه وخواصه يعبد الله إلى حين ظهوره والإذن في حضوره فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.
الثاني: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) وعده سبحانه حق وصدق وقد وعد المؤمنين الصالحين الخائفين في كتابه المبين بالاستخلاف على المكلفين ووصفهم بحصول الخوف بعد كونهم مؤمنين وأن يجعلهم بعد ذلك آمنين.
وهذه خاصة لم تحصل لأحد ممن تولى أمور المسلمين وإنما هو صفة للقائم خاتم الأئمة المعصومين ولذا وصفهم بأنهم عن الشرك منزهين وهذا لا يكون إلا للأئمة الطاهرين أ ليس.
قد صح عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال:دبيب الشرك في أمتي كدبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.
والعصمة تمنع من ذلك ولا معصوم سواهم فلا يراد بهذا الوصف إلا هم ثم وصفهم بأنه إذا استخلفهم في أرضه لا يكون فيها من يشرك بعبادته وهذا لا يتأتى إلا مع وجود الإمام الحجة (عليه السلام) إذا ملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما فتكون هو المراد بهذه الأحكام وهو المطلوب.
الثالث: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وعد الله في كتابه المكنون أن يظهر دين الإسلام على أديان الأنام ووعده حق لا بد من حصوله وصدق لا بد من حلوله وهذا أمر لا تحصل في عهد خاتم النبيين ولا أحد ممن تولى أمور المسلمين.
وقد ثبت أن قائم آل محمد يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ولا عدل أعظم من إظهار الشريعة المحمدية والملة الإسلامية فيكون الإمام الحجة (عليه السلام) هو الموعود به في الكتاب وهو نص في الباب.
الرابع: (ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) مما صح لي روايته:
عن محمد بن أحمد الأيادي رحمه الله يرفعه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): المستضعفون في الأرض المذكورون في الكتاب الذين يجعلهم الله أئمة نحن أهل البيت يبعث الله مهديهم فيعزهم ويذل عدوهم.
الخامس: (وفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وما تُوعَدُونَ)
بالطريق المذكور يرفعه إلى ابن عباس: الرزق الموعود في السماء هو خروج المهدي (عليه السلام).
السادس: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها)
بالطريق المذكور يرفعه إلى ابن عباس أيضا قال: يصلح الله الأرض بقائم آل محمد بعد موتها.
يعني بعد جور أهل مملكتها (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ بالحجة من آل محمد لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
السابع: (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً)
بالطريق المذكور: والذين وعد الله بالإتيان بهم جميعا في الكتاب هم أصحاب الإمام القائم (عليه السلام) يجمعهم الله في يوم واحد بعد التشتت والذهاب فإذا قام صلى الله عليه وصلوا في ذلك اليوم إليه.
الثامن: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)
بالطريق المذكور يرفعه إلى الحسن بن زياد الصيقل قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن القائم منا لا يقوم حتى ينادي مناد من السماء تخشع له الرقاب تسمع الفتاة في خدرها ويسمع به أهل المشرق والمغرب.
(فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) تموج أعداؤه عند ذلك كما يموج السمك في قليل الماء حتى يأتيهم النداء (لا تَرْكُضُوا وارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) فإذا حلت بهم الندامة على ما أسلفوا ونظروا ما خلفوا (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) عند الكشف وظهور صاحب الأمر بالسيف لا ينفعهم الإيمان ولا يغني عنهم الإذعان (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) وكيف ينفع إيمان المنافقين عند حلول العذاب المهين. وأنى لهم بالإيمان المنجي من العذاب وسوء الانقلاب عند ظهور اليأس وحلول البأس بل يحل بهم الويل والثبور والحسرة والندامة مع ما يعجل لهم من العذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون وفي الآخرة يصلون الجحيم والعذاب المقيم.
التاسع: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) كنى سبحانه عن الإمام القائم (عليه السلام) في كتابه المبين بالماء المعين لأنه يحيي به النفوس في هذه الدنيا وفي تلك الدار كما يحيي بالماء الحيوان والنبات والثمار. ويعضده:
ما صح لي روايته بالطريق المذكور يرفعه إلى أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: معنى الآية (إِنْ أَصْبَحَ إمامكم غَوْراً) غائبا عنكم (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ) بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والأرض وبحلال الله وحرامه.
العاشر: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ)
بالطريق المذكور يرفعه إلى أبي جعفر (عليه السلام) قال الراوي: سألته عن معنى الخنس الذي ذكره الله في كتابه فقال إمام يختنس في زمانه عند انقطاع من علمه عند الناس سنة ستين ومائتين ثم يبدو كالشهاب الوقاد في ظلمة الليل فإن أدركت ذلك قرت عينك.
الحادي عشر: (وأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وباطِنَةً) كنى سبحانه عن الإمام الحجة (عليه السلام) في الكتاب بالنعمة الباطنة وهو نص في الباب. ويعضده ما جاز لي روايته.
عن السيد هبة الله الراوندي رحمه الله يرفعه إلى الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) فإنه سئل عن نعم الله الظاهرة والباطنة التي أسبغها الله على عباده وذكر ذلك في كتابه فقال: النعمة الظاهرة الإمام الظاهر والباطنة الإمام الغائب يغيب عن أبصار الناس شخصه ويظهر له كنوز الأرض ويقرب عليه كل بعيد.
الثاني عشر: (ولا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) نهى الله عباده المؤمنين أن يكونوا لطول غيبة إمامهم قانطين ولتعميره بهذه المدة المتطاولة مستبعدين فيكونوا كالقوم المتقدمين فينحطوا عن درجة المتقين.
ويعضده ما صح لي روايته:
عن الشيخ محمد بن بابويه رحمه الله يرفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام): أن النهي عن كون المسلمين مثل الذين قست قلوبهم من أهل الكتاب المتقدمين إنما هو في أمر الإمام القائم (عليه السلام) فيجب أن لا يتعجل المؤمن أمرا لم يحصل أوانه ولم يحضر زمانه بل يكون على يقين من حصوله ويجزم بحلوله فيكون حينئذ كامل الإيمان بالله ورسوله والأئمة وصاحب الزمان.
وهذا هو الإيمان المنجي من العذاب إذ بدونه يموت الإنسان ميتة جاهلية فيحصل سوء الانقلاب نعوذ بالله من النار وغضب الجبار وبالله العصمة والتوفيق.
الفصل الثالث: في إثبات ذلك بالأخبار من جهة الخاصة
وقد تواترت الأخبار ورويت الآثار عن الله تعالى والنبي والأئمة الأحد عشر الأطهار بالنص على إمامته وظهوره بعد غيبته فلنذكر بعض ما ورد عن كل واحد واحد منهم على الترتيب على سبيل الاختصار دون الإطناب والإكثار.
أما ما ورد عن الله تعالى فمن ذلك ما جاز لي روايته:
عن الشيخ محمد بن بابويه رحمه الله يرفعه إلى ابن عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): لما عرج بي إلى ربي أتاني النداء يا محمد قلت لبيك لك العظمة لبيك فأوحى إلي يا محمد فلم اختصم الملأ الأعلى قلت إلهي لا أعلم فقال يا محمد هل اتخذت من الآدميين وزيرا وأخا ووصيا قلت إلهي ومن أتخذ تخير أنت لي فأوحى الله إلي يا محمد قد اخترت لك من الآدميين علي بن أبي طالب فقلت إلهي ابن عمي فأوحى إلي يا محمد إن عليا وارثك ووارث العلم من بعدك وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة وصاحب حوضك يسقي من ورد عليه من مؤمني أمتك ثم أوحى الله إلي يا محمد إني أقسمت على نفسي قسما لا يشرب من ذلك الحوض مبغض لك ولأهل بيتك وذريتك الطيبين حقا حقا أقول يا محمد لأدخلن جميع أمتك إلا من أبى الجنة فقلت إلهي هل واحد يأبى الجنة فأوحى الله إلي بلى فقلت وكيف يأبى فأوحى الله إلي يا محمد اخترتك من خلقي واخترت لك وصيا من بعدك وجعلته بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك وألقيت محبته في قلبك وجعلته أبا لولدك فحقه بعدك على أمتك كحقك عليهم في حياتك فمن جحد حقه فقد جحد حقك فمن أبى أن يواليه فقد أبى أن يدخل الجنة فخررت لله عز وجل ساجدا شكرا لما أنعم الله علي فإذا مناد ينادي ارفع يا محمد رأسك سلني أعطك فقلت يا إلهي اجمع أمتي من بعدي على ولاية علي بن أبي طالب ليردوا علي جميعا حوضي يوم القيامة فأوحى الله عز وجل يا محمد إني قد قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم وقضائي ماض فيهم لأهلك به من أشاء وأهدي به من أشاء وقد آتيته علمك من بعدك وجعلته وزيرك خليفتك من بعدك على أهلك وأمتك عزيمة مني لا يدخل الجنة من عاداه وأبغضه وأنكر ولايته بعدك فمن أبغضه فقد أبغضك ومن أبغضك فقد أبغضني ومن عاداه فقد عاداك ومن عاداك فقد عاداني ومن أحبه فقد أحبك ومن أحبك فقد أحبني وقد جعلت لك هذه الفضيلة وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهديا من ذريتك من البكر البتول وآخر رجل منهم يصلي خلفه عيسى ابن مريم يملأ الأرض قسطا كما ملئت جورا وظلما أنجي به من الهلكة وأهدي به من الضلالة وأبرئ به الأعمى وأشفي به المريض.
فقلت إلهي ومتى يكون ذلك فأوحى الله عز وجل إلي يكون ذلك إذا رفع العلم وظهر الجهل وكثر القراء وقل العمل وكثر القتل وقل الفقهاء الهادون وكثر فقهاء الضلالة الخونة وكثر الشعراء واتخذ أمتك قبورهم مساجد وحليت المصاحف وزخرفت المساجد وكثر الجور والفساد وظهر المنكر وأمر أمتك به ونهى عن المعروف وقنع الرجال بالرجال والنساء بالنساء وصارت الأمراء كفرة وأولياؤهم فجرة وأعوانهم ظلمة وذوو الرأي فيهم فسقة وعند ثلاث خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وخراب البصرة على يد رجل من ذريتك يتبعه الزنوج وخروج رجل من ولد الحسين بن علي وظهور الدجال يخرج بالمشرق من سجستان وظهور السفياني فقلت إلهي وما يكون بعدي من الفتن فأوحى الله إلي وأخبرني ببلاء بني أمية وفتنة ولد عمي وما هو كائن إلى يوم القيامة فأوصيت بذلك ابن عمي حين نزلت الأرض وأديت الرسالة ولله الحمد على ذلك كله.
وأما ما ورد عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فمن ذلك ما صح لي روايته.
عن السيد هبة الله الراوندي رحمه الله أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال: لا بد من عشر علامات قبل الساعة السفياني والدجال والدخان والدابة وخروج القائم وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم وخسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر.
وقال يخرج بقزوين رجل اسمه اسم نبي يسرع الناس إلى طاعته المشرك والمؤمن يملأ الجبال خوفا.
وقال طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو معتقده قبل قيامه يتولى وليه ويتبرأ من عدوه ويتولى الأئمة الهادية من قبله أولئك أكرم خلق الله علي.
وقال (عليه السلام) سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم قالوا يا رسول الله نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين ونزل فينا القرآن قال إنكم إن تحملوا ما حملوا لم تصبروا صبرهم.
وقال وقد ذكر المهدي أنه يبايع بين الركن والمقام اسمه محمد وعبد الله والمهدي.
وقال لا تقوم الساعة حتى يخرج نحو من ستين كذابا.
ومن ذلك ما جاز لي روايته.
عن الشيخ محمد بن بابويه رحمه الله يرفعه إلى مقاتل بن سليمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): أنا سيد النبيين ووصيي سيد الوصيين وأوصياؤه سادة الأوصياء إن آدم (عليه السلام) سأل الله أن يجعل له وصيا صالحا فأوحى الله إليه يا آدم أوص إلى شيث فأوصى إلى شيث وهو هبة الله بن آدم وأوصى شيث إلى ابنه شيبان وأوصى شيبان إلى مجلث وأوصى مجلث إلى محوق وأوصى محوق إلى غثمينا وأوصى غثمينا إلى أخنوخ وهو إدريس النبي (عليه السلام) وأوصى إدريس إلى ناخور ودفعه ناخور إلى نوح (عليه السلام) وأوصى نوح إلى سام وأوصى سام إلى عثامر وأوصى عثامر إلى برغيثاث وأوصى برغيثاث إلى يافث وأوصى يافث إلى برة وأوصى برة إلى جفشية وأوصى جفشية إلى عمران ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليل (عليه السلام) وأوصى إبراهيم الخليل إلى ابنه إسماعيل وأوصى إسماعيل إلى إسحاق وأوصى إسحاق إلى يعقوب وأوصى يعقوب إلى يوسف وأوصى يوسف إلى يثريا وأوصى يثريا إلى شعيب وأوصى شعيب إلى موسى بن عمران وأوصى موسى بن عمران إلى يوشع بن نون وأوصى يوشع إلى داود وأوصى داود إلى سليمان وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا وأوصى آصف إلى زكريا ودفعها زكريا إلى عيسى وأوصى عيسى إلى شمعون بن حمون الصفا وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا وأوصى يحيى بن زكريا إلى منذر وأوصى منذر إلى سليمة وأوصى سليمة إلى بردة ثم قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ودفعها إلى بردة وأنا أدفعها إليك يا علي وأنت تدفعها إلى وصيك ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك واحدا بعد واحد حتى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدي ولتكفرن بك الأمة ولتختلفن عليك اختلافا شديدا الثابت عليك كالمقيم معي والشاذ عنك في النار والنار مثوى الكافرين.
فقد ثبت أن كل واحد من النبيين دفع ما عنده من العلم والإيمان والاسم الأعظم وآثار النبوة إلى وصيه وقد انتهى ذلك كله إلى كل واحد واحد من الأئمة واجتمع ذلك جميعه عند القائم (عليه السلام).
وكيف ينكر لهم فضيلة من الفضائل أم كيف يعظم منهم دلالة من دلائل وهم لعمري أصحاب الميثاق وولاة الأمر وهداة الأنام وحجج الخلاق حتى تنقضي الدنيا. وهذا هو بيان عروة الإيمان التي نجا بها من كان قبلنا وبها ننجو إن شاء الله ومن يأتي بعدنا.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقا وخلقا تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ثم يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.
وأما ما ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فمن ذلك ما صح روايته.
عن السيد هبة الله الراوندي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال وهو على المنبر: يخرج من ولدي في آخر الزمان أبيض مشرب حمرة مبدج البطن عريض الفخذين عظيم مشاش المنكبين بظهره شامتان شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) له اسمان اسم يخفي واسم يعلن فأما الذي يخفي فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد وإذا هز رايته أضاء بين المشرق والمغرب ويضع يده على رءوس العباد فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد وأعطاه الله قوة أربعين رجلا ولا يبقى ميت إلا دخل عليه ملك الفرحة في قبره وهم يتزاورون ويتباشرون بقيام القائم.
وقال يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس وهو رجل ربعة وخش الوجه ضخم الهامة بوجهه أثر جدري إذا رأيته حسبته أعور اسمه عثمان أبو عنبسة وهو من ولد أبي سفيان حتى يأتي أرضا ذات قرار ومعين فيستوي على منبرها.
وقال (عليه السلام) إذا اختلف الرمحان في الشام فهو آية من آيات الله قيل ثم مه قال ثم رجفة يكون بالشام يهلك مائة ألف يجعله الله رحمة للمؤمنين وعذابا للكافرين وإذا حان ذلك فانتظروا خسفا بقرية من قرى الشام يقال لها حرسة فإن كان كذلك فانتظروا ابن آكلة الأكباد بالوادي اليابس.
وقال (عليه السلام) أظلتكم فتنة مظلمة عمياء منكسفة لا ينجو منها إلا النومة قيل وما النومة قال الذي لا يعرف الناس ما في نفسه.
وسأله (عليه السلام) عمر عن صفة المهدي فقال هو شاب مربوع حسن الوجه حسن الشعر يسيل شعره على منكبيه ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه بأبي ابن خيرة الإماء.
وقال (عليه السلام) بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض وجراد في حينه وجراد في غير حينه أحمر كألوان الدم فأما الموت الأحمر فالسيف وأما الموت الأبيض فالطاعون.
وأما ما ورد عن الحسن السبط (عليه السلام) فمن ذلك بالطريق المذكور.
أنه قال: لا يكون الأمر الذي تنتظرون حتى يتبرأ بعضكم من بعض ويلعن بعضكم بعضا ويتفل بعضكم في وجوه بعض وحتى يشهد بعضكم على بعض بالكفر قيل ما في ذلك خير قال الخير كله في ذلك عند ذلك يقوم قائمنا.
وأما ما ورد عن الحسين (عليه السلام) فمن ذلك بالطريق المذكور.
أنه قال لأصحابه: ألا وإني لأعلم يوما لنا من هو ما لنا من هؤلاء ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل من بيعتي فقالوا معاذ الله.
وعنه قدام القائم علامات تكون من الله للمؤمنين وهي قوله تعالى (ولَنَبْلُوَنَّكُمْ) ابتلاء المؤمنين قبل خروج القائم (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ) بالخوف من ملوك بني العباس في سلطانهم والْجُوعِ وبغلاء الأسعار (ونَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ) وفساد التجارات وقلة الفضل (والْأَنْفُسِ) وموت ذريع (والثَّمَراتِ) وقلة زكاة ما يزرع (وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) والبشرى عند ذلك لمن صبر بتعجيل خروج القائم.
وأما علي بن الحسين (عليه السلام) بالطريق المذكور:
قيل له صف لنا خروج المهدي وعرفنا دلائله وعلاماته فقال: يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة ويكون مأواه تكريت وقبله بمسجد دمشق ثم يكون خروج شعيب بن صالح بسمرقند ثم يخرج السفياني الملعون بالوادي اليابس وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان فإذا ظهر السفياني أخذ في المهد ثم يخرج بعد ذلك.
وقال (عليه السلام) ما تستعجلون بخروج القائم فو الله ما لباسه إلا الغليظ ولا طعامه إلا الشعير الجشب وما هو إلا السيف والموت تحت ظل السيف لقد كان من قبلكم ممن هو على ما أنتم عليه يؤخذ فيقطع يديه ورجليه ويصلب (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ والضَّرَّاءُ وزُلْزِلُوا).
وقال (عليه السلام) المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر يصبحون بمكة وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً) وهم أصحاب القائم (عليه السلام).
ومما صح لي روايته عن الشيخ محمد بن بابويه يرفعه إلى الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: نحن أئمة المسلمين وحجج الله على العالمين وسادة المؤمنين ونحن أمان أهل الأرض كما أن النجوم أمان أهل السماء ونحن الذين بنا تمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه السماء محفوظة بسببنا وبنا الأرض تمسك أن تميد بأهلها وبنا ينزل الغيث وتنشر الرحمة وتخرج بركات الأرض ولو لا ما في الأرض منا لساخت بأهلها ثم قال ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها ولو لا ذلك لم يعبد الله.
وأما الباقر (عليه السلام) فبالطريق المذكور.
أنه قال: لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله.
وعنه (عليه السلام) لو بقيت الأرض يوما بلا إمام لساخت بأهلها ولعذبهم الله بأشد عذابه إن الله تعالى جعلنا حجة في أرضه وأمانا في الأرض لأهل الأرض لم يزالوا في أمان من أن تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم فإذا أراد الله أن يهلكم ثم لا يمهلهم ولا ينظرهم ذهب بنا من بينهم ثم رفعنا إليه ثم يفعل الله ما شاء وأحب.
وعنه (عليه السلام) من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية ولا يعذر الناس حتى يعرفوا إمامهم.
ومما جاز لي روايته عن السيد هبة الله الراوندي رحمه الله أن الباقر (عليه السلام) قال لجابر الجعفي: الزم الأرض ولا تحرك يدا ولا رجلا حتى ترى علامات أذكرها لك وما أراك تدرك اختلاف بني العباس ومناد ينادي من السماء ويجيئكم الصوت من ناحية الدمشق وخسف قرية من قرى الشام تسمى الجاتية وسيقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة وسيقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة فتلك السنة فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب فأول أرض تخرب الشام ويختلفون على ثلاث رايات راية الأصهب وراية الأشهب وراية السفياني.
وعنه (عليه السلام) بالطريق المذكور أمرنا لو قد كان أبين من الشمس ينادي مناد من السماء فلان ابن فلان هو الإمام باسمه وينادي إبليس لعنه الله في الأرض كما نادى برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ليلة العقبة.
وقال أنى يكون هذا الأمر حتى يكثر القتل بين الحيرة والكوفة.
وأما الصادق (عليه السلام) فمن ذلك بالطريق المذكور.
أنه قال: لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين تسع أو ثلاث أو إحدى أو خمسة.
قال قدم القائم لسنة غيداقية تفسد التمر في النخل فلا تشكوا في ذلك وعام الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل الماء على أزقة الكوفة.
ومما جاز لي روايته.
عن الشيخ محمد بن علي بن بابويه يرفعه إلى أبي حمزة الثمالي قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أ تبقى الأرض بغير إمام قال: لو بقيت بغير إمام ساخت ولو لم يبق في الأرض إلا اثنان لكان أحدهما الإمام الحجة أو لكان الباقي الحجة الشاك الراوي.
وعنه بالطريق المذكور يرفعه إلى العمار قال سمعته يقول: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية كفرا وشركا وضلالة.
وأما الكاظم (عليه السلام) مما جاز لي روايته:
من السيد هبة الله المذكور يرفعه إلى أبي الحسن بن الجهم قال سأل رجل أبا الحسن (عليه السلام) عن الفرج فقال: تريد الإكثار أو أجمل لك قال بل تجمله لي قال إذا تحرك رايات قيس بمصر وروايا كندة بخراسان أو ذكر غير كندة وقال إن القائم ينادى باسمه ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ويقوم يوم عاشوراء فلا يبقى راقد إلا قام ولا قائم إلا قعد ولا قاعد إلا قام على رجليه من ذلك الصوت صوت جبرئيل.
وقال إذا قام القائم أتي المؤمن في قبره فيقال له يا هذا إنه قد ظهر صاحبك إن تشأ أن تلحق به فألحق وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم.
وأما الرضا (عليه السلام) فبالطريق المذكور.
أنه قال لا بد من فتنة صماء
صيلم يسقط فيها كل بطانة وليجة وذلك عند فقدان الشيعة الرابع من ولدي يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض وكم من مؤمن متأسف حران حيران حزين عند فقدان الماء المعين كأني بهم شر ما يكونون وقد نودوا نداء يسمعه من بعيد كما يسمعه من قريب يكون رحمة للمؤمنين وعذابا للكافرين فقال له الحسن بن محبوب وأي نداء هو قال ينادون ثلاثة أصوات من السماء في رجب صوتا بلغة من ظلم ألا لعنة الله على الظالمين والصوت الثاني أبشروا أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين والصوت الثالث يرون بدنا بارزا نحو عين الشمس هذا أمير المؤمنين قد كر في هلاك الظالمين فعند ذلك يأتي الفرج ويود الأموات لو كانوا أحياء ويشف صدور قوم مؤمنين.
وعن البزنطي قال الرضا (عليه السلام): إن من علامات الفرج حدثا يكون بين الحرمين قلت فأي شيء الحدث قال عصيبة يكون بين المسجدين ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشا من العرب.
وقال لا يكون ما تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا وتمحصوا فلا يبقى منكم إلا الأندر.
وعن أبي الصلت الهروي قلت للرضا (عليه السلام) ما علامة القائم فيكم إذا خرج قال: علامته أن يكون شيخ السن شاب المنظر حتى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة ودونها وإن من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيام والليالي حتى يأتيه أجله.
ومما يصح روايته عن الشيخ محمد بن علي بن بابويه يرفعه إلى عبد الله بن صالح الهروي قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول أنشدت مولاي الرضا قصيدتي التي أولها:
منازل آيات خلت من تلاوة * * * ومنزل وحي مقفر العرصات
فلما انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج * * * يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل * * * ويحري على النعماء والنقمات
بكى الرضا (عليه السلام) بكاء شديدا ثم رفع رأسه فقال يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم فقلت لا يا مولاي بل سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد ويملأها عدلا فقال يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني وبعده ابنه علي وبعده علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما وأما متى فسؤال عن الوقت وقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قيل له يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك قال مثله كمثل الساعة (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ * لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً).
وأما الجواد (عليه السلام) فمن ذلك ما جاز لي روايته:
عن السيد هبة الله المذكور أنه قال لعبد العظيم: المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ويطاع في ظهوره هو الثالث من ولدي وإن الله ليصلح أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى حيث ذهب ليقتبس لأهله نارا هو سمي رسول الله وكنيه تطوى له الأرض قيل له ولم سمي القائم قال لأنه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته وسمي المنتظر لأن له غيبة يطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويهلك المستعجلون.
وأما الهادي علي بن محمد (عليه السلام) فبالطريق المذكور:
أنه قال: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج.
وقال هذا صاحب الأمر من يقول الناس لم يولد بعد.
وقال الحجة ابن ابني إليه يجتمع عصابة الحق.
وأما الزكي الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) فبالطريق المذكور:
يرفعه إلى أحمد بن إسحاق وقد أتاه ليسأله عن الخلف بعده فقال مبتدئا: مثله كمثل الخضر ومثله كمثل ذي القرنين إن الخضر شرب من ماء الحياة فهو لا يموت حتى ينفخ في الصور وإنه ليحضر الموسم كل سنة ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين ويستأنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته فله البقاء في الدنيا مع الغيبة عن الأبصار.
ومما جاز لي روايته.
عن الشيخ السعيد أبي عبد الله محمد المفيد رحمه الله يرفعه إلى علي بن محمد بن بلال قال: خرج إلي توقيع من أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده.
تنبيه: اعلم أن حال الإمام الحجة القائم المنتظر (عليه السلام) في وقتنا هذا كحال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قبل ظهور النبوة وذلك لأنه لم يعرف خبر النبي بالحقيقة إلا العلماء الراسخون والفضلاء المحققون وكان الإسلام غريبا فيهم وكان الواحد من الذين آمنوا به إذا سأل الله تعجيل فرج نبيه وإظهار أمره سخر منه أهل الجهل والضلال وقالوا متى يخرج هذا النبي الذي تزعمون أنه نبي السيف وأن دعوته تبلغ المشرق والمغرب وأنه تنقاد له ملوك الأرض كما يقول الجهال لنا في هذا الوقت متى يخرج المهدي الذي تزعمون أنه لا بد من خروجه وظهوره وينكره قوم ويعرفه آخرون.
وقد قال النبي (عليه السلام) بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء.
وقد عاد الإسلام كما قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) غريبا في هذا الزمان وسيقوى بظهور ولي الله وحجته كما قوي برسول الله وصاحب شريعته وتقر بذلك أعين المنتظرين له والقائلين بإمامته كما قرت أعين المنتظرين لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والعارفين به بعد ظهوره وإن الله لمنجز لأوليائه ما وعدهم ويعلي كلمتهم والله متم نوره ولو كره المشركون.
الفصل الرابع: في إثبات ذلك من جهة العامة
وقد ورد ذلك في كثير من كتبهم ونقلوه مشايخهم ورواه أحاديثهم فمن ذلك أن شيخهم الذي لا ينكرون فضله وعلمه ويرجعون إليه في أقواله ويقتدون بأعماله وهو الفقيه العلامة عندهم الذي يسمونه مفتي العراقين محدث الشام صدر الحفاظ فخر الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد النوفلي المعروف بالكنجي الشافعي فإنه صنف كتابا في هذا الباب سماه بالبيان في أخبار صاحب الزمان وقال في خطبته إني قد عريته عن طرق الشيعة تعرية تركيب الحجة إذ كل ما تلقته الشيعة بالقبول وإن كان صحيح النقل فإنما هو خريت منارهم وخدارية ذمارهم فكان الاحتجاج بغيره آكد.
وروى عدة من الأخبار تدل على وجوده وتعيينه استخرجها من كتب المشايخ المتقدمين عليه وأسندها إلى رجالهم ورواه أحاديثهم الذين أوصلوا الروايات إليه فمن ذلك ما رواه متصلا وذكر رجاله في كتابه.
عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال: يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي.
ثم قال الكنجي هذا حديث صحيح أخرجه الحافظ محمد بن عيسى الترمذي في جامعه الصحيح.
ومن ذلك ما ذكر إسناده يرفعه إلى علقمة بن عبد الله قال: بينا نحن عند رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم النبي (صلى الله عليه واله وسلم) اغرورقت عيناه وتغير وجهه فقلت ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه فقال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتي سيلقون من بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق ومعهم رايات سود فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونها حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملئوها جورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج.
ومن ذلك ما يرفعه إلى أعثم الكوفي في كتاب الفتوح عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: ويحا للطالقان فإن لله عز وجل بها كنوزا ليست من ذهب ولا فضة ولكنها رجال مؤمنون عرفوا الله حق معرفته وهم أنصار المهدي آخر الزمان.
ومن ذلك ما رواه متصلا إلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال: فيلتفت المهدي وقد نزل عيسى ابن مريم كأنما يقطر من شعره الماء فيقول المهدي تقدم صل بالناس فيقول عيسى إنما أقيمت الصلاة لك قال فيصلي عيسى خلف رجل من ولدي فإذا صليت قام عيسى حتى جلس في المقام فبايعه فيمكث أربعين سنة أول الآيات في زمانه الدجال ثم نزول عيسى ثم نار تخرج من عدن تسوق الناس إلى المحشر.
ثم قال الكنجي وهذا الحديث أخرجه أبو نعيم في مناقب المهدي (عليه السلام).
ومن ذلك ما رواه متصلا إلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وذكر حديثا طويلا منه: أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ضرب بيده على كتف الحسين (عليه السلام) وقال من هذا مهدي الأمة.
ثم قال الكنجي هذا حديث صحيح أخرجه الدارقطني صاحب الجرح والتعديل. ومن ذلك ما رواه متصلا إلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وذكر حديثا طويلا خاطب به فاطمة (عليه السلام) اقتصرنا على ذكر المطلوب منه.
أنه قال ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما يا فاطمة والذي بعثني بالحق إن منهما مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجا ومرجا وتظاهرت الفتن وتقطعت السبل وأغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيرا ولا صغير يوقر كبيرا فيبعث الله عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوبا غلفا يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ويملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا.
والحديث بطوله. قال الكنجي في آخر الحديث هذا الحديث رواه صاحب حلية الأولياء أيضا في كتابه المترجم بذكر نعت المهدي وأخرجه الطبراني شيخ أهل الصنعة في معجمه الكبير. لا يقال هذا الحديث يخالف ما عليه الشيعة الإمامية لأنهم قائلون إن المهدي من ولد الحسين (عليه السلام) وإنه خاتم الأئمة الاثني عشر وقد ذكر أنه من ولد الحسن هذا خلف. لأنا نقول لا نسلم أن هذا الخبر مخالف لما نحن فيه ولا مناف لما ذهبنا إليه لأن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال منهما يعني الحسن والحسين (عليه السلام) والأمر كما قال لأن الإمام الباقر (عليه السلام) جد المهدي (عليه السلام) أمه بنت عم أبيه الحسن السبط (عليه السلام) وهو أول فاطمي ولد لفاطميين وقد تقدم ذكر ذلك في بابه فهو من الحسن والحسين وكذلك كل من كان من ولده والمهدي من ولده فيكون منهما فقد طابق ما ذهبنا إليه ما قاله النبي (صلى الله عليه واله وسلم).
ومن ذلك ما يرفعه إلى زر عن عبد الله قال قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.
قال الكنجي هذا حديث حسن صحيح قال وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة وقد ذكر هذا الحديث بطرق كثيرة متعددة منها عن أبي هريرة أيضا ومنها عن محمد بن عيسى الترمذي بطريق آخر غير الأول ومنها عن زر عن عبد الله بطريق آخر غير الأول أيضا وذكر فيه أنه أخرجه أبو داود في سننه ومنها يرفعه إلى عاصم الآبري في كتاب مناقب الشافعي ثم ذكر بعد ذلك أن الحافظ أبو نعيم جمع طرق هذا الحديث عن الجم الغفير في مناقب المهدي كلهم عن عاصم بن أبي النجود عن زر عن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) منهم سفيان بن عيينة بطرق شتى ومنهم قطر بن خليفة وطرقه بطرق شتى ومنهم أبو إسحاق سليمان بن فيروز الشيباني بطرق شتى ومنهم الأعمش بطرق شتى ومنهم حفص بن عمرو ومنهم سفيان الثوري بطرق شتى ومنهم شعبة بطرق شتى ومنهم واسط بن الحارث ومنهم يزيد بن معاوية أبو شيبة ومنهم سليمان بن قرم بطرق شتى ومنهم جعفر الأحمر ومنهم سلام أبو المنذر ومنهم أبو شهاب محمد بن إبراهيم الكناني بطرق شتى ومنهم عمرو بن عبيد الطيالسي بطرق شتى ومنهم أبو بكر بن عياش بطرق شتى ومنهم أبو الجحاف داود بن أبي العوف بطرق شتى ومنهم عبد الملك بن أبي غنية ومنهم محمد بن عياش العامري بطرق شتى ومنهم عمرو بن أبي قيس الملائي ومنهم عمار بن زريق ومنهم عبد بن جبير بن حكيم الأسدي ومنهم عمر بن عبد الله بن بشر ومنهم أبو الأحوص ومنهم سعد بن الحسن ابن أخت ثعلب ومنهم معاذ بن هشام ومنهم يوسف بن يونس ومنهم غالب بن عثمان ومنهم حمزة الزيات ومنهم شيبان ومنهم الحكم بن هشام ورواه غير عاصم وهو عمرو بن مرة. وإذا اتفق هؤلاء أئمة رواة الأخبار والأحاديث والآثار عندهم على تعيين الإمام المهدي (عليه السلام) وأنه هو الإمام المعني الذي ذهبنا إليه ووقع اتفاقنا عليه كان إنكاره بعد ذلك محال ودخول في الضلال مع أنه قد ورد في هذا الكتاب وفي غيره من طرق العامة ما يوافق ما نحن عليه في هذا الباب روايات كثيرة وأخبار وقصص وآثار أعرضنا عنها وذكرنا هذا منها إذ الغرض من ذكرها ليس إثبات ذلك من طريقهم إذ الحق ثابت بما بيناه وظاهر مما قررناه بل الغرض مما ذكرنا إلزام المنكرين منهم بما ورد عنهم.
كشف وإيضاح:
وكيف ينكر أمر شهد بصحته المعقول وطابقه على ذلك المنقول أ ليس من الأمر المعلوم الذي تسلمه الخصوم أن الله تعالى جرت عادته أن يبعث في الأمم السالفة رسولا بعد رسول يعرفهم ما أخذ عليه من العهود والمواثيق ويخرجهم من ظلمات الشبهات إلى سعة المجال بعد الضيق. ولا بد له من خاصية تشرفه عليهم حتى يقبلوا ما أتى به إليهم وتلك الخاصية هي العصمة التي اتفق على وجوبها للنبيين كافة المسلمين وقد ثبت في زماننا هذا أن محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) خاتم النبيين فلا بد من شخص بعده يكون في مرتبته يقوم بشريعته ويبلغها إلى من بعده من أمته ويجب أن يكون له تلك الخاصية ليكون له عليهم المزية وإلا لوسعهم القول في مخالفته فلا يتم فائدة إرسال النبي وبعثه فوجب وجود إمام معصوم ليبين للناس شرائع هذا الرسول ويبين لهم ما أخذ عليهم من المواثيق والعهود وما أمروا به ونهوا عنه بالمعقول والمنقول. ولم يثبت العصمة إلا لهم والباقي منهم هو الإمام القائم (عليه السلام) الذي شهد بتعيينه الموافق والمخالف فمن عدل عن طريقه وأنكر وجوده وبقاءه وإمامته فقد ارتطم في الضلال ووقع في المحال ذلك هو الخسران المبين.
الفصل الخامس: في ذكر والدته وولادته وما يتعلق بذلك
فأما ولادته فذلك مما صح روايته عن أحمد بن محمد الأيادي يرفعه إلى الشيخ الصدوق أبي الحسن محمد بن جعفر الأسدي وكان لا يطعن عليه في شيء من الأحوال قال ولد القائم محمد بن الحسن (عليه السلام) النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وكان سنه عند وفاة أبيه (عليه السلام) خمس سنين وهو صاحب السيف من أئمة الهدى (عليه السلام) والقائم بالحق والمنتظر لدين الله وله غيبتان إحداهما أطول من الأخرى أما الأولى فمن وقت ولادته إلى انقطاع السفراء بينه وبين رعيته وخواص شيعته وأما الطولى فهي بعد الأولى إلى أن يأذن الله في ظهوره ويجب وقت خروجه وحضوره فعندها يقوم بالسيف فيقتل المنافقين ويدمر المشركين ويهلك أعداء الدين كله لله ويحصل ما وعده الله تعالى في كتابه المبين (ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ونُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ونُرِيَ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ).
وأما والدته: فمن ذلك ما جاز لي روايته عن الشيخ محمد بن علي بن بابويه رحمه الله يرفعه إلى أبي الحسن محمد بن بحر الشيباني قال وردت كربلاء سنة ست وثمانين ومائتين وزرت قبر غريب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ثم انكفأت إلى مدينة السلام متوجها إلى مقابر قريش على ساكنها السلام في وقت تضرم الهواجر وتوقد السماء فلما وصلت إلى مشهد الكاظم (عليه السلام) واستنشقت روائح تربته المغمورة من الرحمة المحفوفة بحدائق الغفران بكيت عليها بعبرات متقاطرة وزفرات متتابعة وقد حجب الدمع طرفي عن النظر فلما رقأت العبرة وانقطع النحيب فتحت بصري وإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه وتقوس منكباه وثفنت جبهته وراحتاه وهو يقول لآخر معه يا ابن أخ لقد نال عمك شرفا بما حمله السيدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم التي لم يحمل مثلها إلا سلمان وقد أشرفت على استكمال المدة وانقضاء العمر ولست أجد في أهل الولاية من يفضي إليه بسر قلت يا نفس لا يزال العناء والمشقة ينالان منك بإتعابي الخف والحافر في طلب العلم وقد قرعت سمعي من الشيخ لفظة تدل على حال جسيم وأمر عظيم فقلت أيها الشيخ ومن السيدان قال البحران المغيبان في الثرى بسر من رأى قلت فإني أقسم بالموالاة وشرف محل هذين السيدين من الإمامة والوراثة أني خاطب علمهما وطالب آثارهما وباذل من نفسي الإيمان المؤكدة على حفظ أسرارهما قال إن كنت صادقا فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة آثارهم فأخرجت له ما حضرني من ذلك قال صدقت أنا بشر بن سلمان النخاس من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد (عليه السلام) وجارهما بسر من رأى قلت فأكرم أخاك بعض ما شاهدت من آثارهما.
قال كان مولاي أبو الحسن علي بن محمد العسكري فقهني في أمر الرقيق فكنت لا أشتري ولا أبيع إلا بإذنه فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتى كملت معرفتي فيه وحسنت الفرق بين الحلال والحرام فبينا أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأى وقد مضى هوي من الليل إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعا فإذا بكافور الخادم رسول مولاي أبي الحسن (عليه السلام) يدعوني إليه فلبست ثيابي ودخلت عليه وإنه يحدث ابنه أبا محمد وأخته حكيمة من وراء الستر فلما جلست قال يا بشر إنك من ولد الأنصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف من سلف فأنتم ثقاتنا أهل البيت وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق فيها سباق الشيعة في الموالاة بها بسر أطلعك عليه وأنفذك في تتبعه وكتب كتابا تلطفا بخط رومي ولغة رومية وطبع عليه خاتمه وأعطاني ششتقة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا فقال خذها وتوجه بها إلى بغداد واحظر معبرات الفرات ضحوة يوم كذا وكذا فإذا وصلت سترى إلى جانبك زواريق السبايا وسيبرزن.
منها ويستحدق بهن طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس وشراذم من فتيان العراق فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا لابسة حريرتين صفيقتين تمتنع من السفور ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها ويشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها النخاس فتصرخ صرخة رومية فاعلم أنها تقول وا هتك ستراه فيقول بعض المبتاعين علي بثلاث مائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة فتقول بالعربية لو برزت في زي سليمان بن داود على سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك فيقول النخاس فما الحيلة لا بد من بيعك فتقول الجارية وما العجلة ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إلى أمانته ووفائه. فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس وقل له إن معي كتابا مطلقا لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي وصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه فناولها لتتأمل فيه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك قال بشر بن سليمان النخاس فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا وقالت لعمر بن يزيد النخاس بعني من صاحب هذا الكتاب وحلفت بالمحرجة العظيمة إنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها فما زلت أشاحه في ثمنها حتى استقر الأمر على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي من الدنانير في الششتقة فاستوفى مني وتسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد فما أجدها حتى أخرجت كتابة مولانا (عليه السلام) من جيبها وجعلت تلثمه وتضعه على خدها وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها فقلت متعجبا منها تلثمين كتابا ولا تعرفين صاحبه فقالت أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء أعرني سمعك وفرغ لي قلبك أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم وأمي من ولد الحواريين تنسب إلى شمعون أنبئك العجب أن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه وأنا بنت ثلاثة عشر سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين والقسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل وجمع من أمراء الأجناد وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف رجل وأبرز من بهو ملكه عرشا مسوغا من أصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة فلما صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكفا ونشرت أسفار الإنجيل تساقطت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض وتقوضت الأعمدة وانهارت إلى القرار وخر الصاعد مغشيا عليه فتغيرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم وقال كبيرهم لجدي أيها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني فتطير جدي تطيرا شديدا وقال للأساقفة أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا هذه الصلبان وأحضروا أخا هذا المدبر المنكوس جده لأزوج منه هذه الصبية فيندفع نحوسه عنكم بسعوده. فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الأول وتفرق الناس وقام جدي قيصر مغتما فدخل قصره وأرخيت الستور فرأيت في تلك الليلة كان المسيح وشمعون وعدة من الحواريين اجتمعوا في قصر جدي ونصبوا فيه منبرا يباري السماء علوا وارتفاعا في الموضع الذي كان فيه جدي نصب عرشه فدخل عليهم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) مع فتية وعدة من بنيه فقام إليه المسيح واعتنقه فقال له يا روح الله إني جئتك خاطبا من وصيك شمعون فتاته.
مليكة لابني هذا وأومأ بيده إلى أبي محمد ابن صاحب هذا الكتاب فنظر المسيح إلى شمعون (عليه السلام) فقال قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال قد فعلت فصعدوا ذلك المنبر فخطب محمد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وزوجني. فلما استيقظت من منامي أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدي مخافة القتل فكنت أسر ما في نفسي ولا أبديها لهم وضرب صدري بمحبة أبي محمد (عليه السلام) حتى امتنعت من الطعام والشراب وضعفت نفسي ودق شخصي ومرضت مرضا شديدا فما بقي في مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدي وسأله عن دوائي فلما برح به اليأس قال يا قرة عيني هل يخطر ببالك شهوة فأوردكها في هذه الدنيا فقلت يا جدي أرى أبواب الفرج مغلقة فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من أسارى المسلمين وفككت عنهم الأغلال وتصدقت عليهم ومنيتهم الخلاص رجوت أن يهب المسيح وأمه العافية والشفاء فلما فعل ذلك تجلدت في إظهار صحة بدني وتناولت يسيرا من الطعام فسر بذلك جدي وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم. فرأيت أيضا بعد أربع ليال كأن سيدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف من وصائف الجنان فقالت لي مريم هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمد فأتعلق بها وأبكي وأشكو إليه امتناع أبي محمد من زيارتي فقالت سيدة النساء (عليه السلام) إن ابني أبا محمد لن يزورك وأنت مشركة بالله على دين مذهب النصارى وهذه أختي مريم تبرأ إلى الله تعالى من دينك فإن ملت إلى رضا الله عز وجل ورضا المسيح ابن مريم (عليه السلام) ومريم (عليه السلام) عنك وزيارة أبي محمد إياك فقولي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقلت فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء (عليه السلام) إلى صدرها وطيبت نفسي وقالت الآن توقعي زيارة أبي محمد فإني منفذته إليك فانتبهت وأنا أقول وا شوقاه إلى لقاء أبي محمد فلما كان في الليلة القابلة جاءني أبو محمد (عليه السلام) في منامي فرأيت كأني أقول له لم جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك فقال ما كان تأخري عنك إلا لشركك فإذا قد أسلمت فإني زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية. قال بشر فقلت لها وكيف وقعت في الأسارى فقالت أخبرني أبو محمد ليلة من الليالي أن جدك سيسرب جيوشا إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا ثم يتبعهم فعليك باللحاق لهم متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصائف في طريق كذا ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان من أمري ما كان وشاهدت وما شعر بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك وذلك باطلاعي إياك عليه ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت نرجس فقال هذا اسم الجواري. قال بشر فقلت العجب إنك رومية ولسانك لسان العرب قالت بلغ من ولوع جدي وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمان له في الاختلاف إلي فكانت تقصدني صباحا ومساء وتفيدني العربية حتى استمر عليها لساني واستقام. قال بشر فلما انكفأت بها إلى سر من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري (عليه السلام) فقال لها كيف أراك الله عز وجل عز الإسلام وذل النصرانية وشرف آل محمد نبيه (عليه السلام) فقالت كيف أصف لك ما أنت أعلم به مني قال فإني أحب أن أكرمك فأيما أحب إليك عشرة آلاف درهم أم بشرى لك فيها شرف الأبد قالت بل البشرى قال (عليه السلام) أبشري بولد يملك الدنيا شرقا وغربا ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما قالت ممن قال ممن خطبك رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ليلة كذا في شهر كذا من سنة كذا بالرومية قالت من المسيح (عليه السلام) ووصيه قال فممن المسيح ووصيه قالت من ابنك أبي محمد قال فهل تعرفينه قالت وهل خلوت ليلة من زيارته منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيدة النساء أمه فقال أبو الحسن (عليه السلام).
يا كافور ادع لي أختي حكيمة فلما دخلت عليه قال (عليه السلام) لها ها هية فاعتنقتها طويلا وسرت به كثيرا فقال لها مولانا يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك وعلميها الفرائض والسنن فإنها زوجة أبي محمد وأم القائم صلوات الله عليه وعلى آبائه أجمعين وأما خبر ولادته.
بالطريق المذكور يرفعه إلى موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) قالت: بعث إلي أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) فقال يا عمة اجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان وإن الله عز وجل سيظهر في هذه الليلة الحجة وهو حجته في أرضه قالت فقلت ومن أمه قال نرجس فقلت والله جعلني الله فداك ما أرى بهذا أثرا قال هو كما أقول لك فجئت فلما سلمت وجلست جاءت تنزع خفي وقالت يا سيدتي كيف أمسيت قلت بل أنت سيدتي وسيدة أهلي قالت فأنكرت قولي وقالت ما هذا يا عمة فقلت يا بنية إن الله سيهب لك في هذه الليلة غلاما سيدا في الدنيا والآخرة قالت فخجلت واستحيت فلما فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت فلما كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ثم جلست معقبة ثم اضطجعت ثم انتبهت فزعة وهي راقدة ثم قامت فصلت ونامت قالت حكيمة فخرجت أتفقد الفجر فإذا أنا بالفجر الأول كذنب السرحان وهي نائمة قالت حكيمة فدخلتني الشكوك فصاح أبو محمد فقال لا تعجلي يا عمة فإن الأمر قد قرب قالت فجلست فقرأت حم السجدة ويس فبينا أنا كذلك إذا انتبهت فزعة فوثبت إليها فقلت باسم الله عليك تحسين شيئا قالت نعم يا عمة فقلت لها اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك قالت حكيمة فأخذتني فترة وأخذتها فترة فانتبهت بحس سيدي فكشفت عنه الثوب فإذا به (عليه السلام) ساجدا يتلقى الأرض بمساجده فضممته (عليه السلام) إلي فإذا به منظف فصاح أبو محمد هلمي إلي ابني فجئت به إليه فوضع يده تحت أليتيه وظهره ووضع قدمه في صدره ثم أولج لسانه في فيه وأمر يده على عينيه وسمعه ومفاصله ثم قال تكلم يا بني فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ثم صلى على أمير المؤمنين وعلى الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين إلى أن وقف على أبيه (عليه السلام) ثم أحجم فقال أبو محمد (عليه السلام) يا عمة اذهبي به إلى أمه ليسلم عليها ثم ائتني به فذهبت به إلى أمه فسلم عليها ورددته إليه فوضعه (عليه السلام) في المجلس وقال يا عمة إذا كان يوم السابع فأتينا قالت حكيمة رضي الله عنها فلما أصبحت جئت لأسلم على أبي محمد (عليه السلام) وكشفت الستر لأتفقد سيدي (عليه السلام) فلم أره فقلت له جعلت فداك ما فعل سيدي فقال استودعناه الذي استودعته أم موسى قالت حكيمة فلما كان يوم السابع جئت فسلمت وجلست فقال هلمي إلى ابني فجئت بسيدي (عليه السلام) وهو في الخرقة ففعل به كفعلته الأولى ثم قال تكلم يا بني فقال (عليه السلام) أشهد أن لا إله إلا الله والصلاة على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمة بسم الله الرحمن الرحيم (ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ونُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ونُرِيَ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) قال موسى ثم سألت عقيد الخادم عن هذا فقال صدقت حكيمة رضي الله عنها.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى محمد بن عبد الله الظهري قال أتيت حكيمة أسألها عن الحجة وما اختلف الناس فيه من الحيرة التي هم فيها فقالت لي اجلس ثم حكت لي الحكاية المذكورة بعينها وزادت عليها أنه قالت: فتناوله الحسن (عليه السلام) مني والطير ترفرف على رأسه فناوله لسانه فشرب منه ثم قال امضي به إلى أمه لترضعه ورديه إلي قالت فناولته أمه فأرضعته ورددته إلى أبي محمد (عليه السلام) والطير ترفرف على رأسه فصاح بطائر منها فقال احفظه ورده إلينا في كل أربعين يوما فتناوله وطار به في جو السماء ومعه سائر الطير فسمعت أبا محمد (عليه السلام) يقول استودعك الله الذي أودعته أم موسى موسى (عليه السلام) فبكت نرجس فقال اسكتي فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك وسيعاد إلينا كما رد موسى إلى أم موسى كما ذكر الله تعالى في كتابه فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها ولا تَحْزَنَ قالت حكيمة قلت وما هذا الطائر قال هذا روح القدس الموكل بالأئمة (عليه السلام) يوفقهم ويسددهم ويربيهم بالعلم قالت حكيمة ولما كان بعد أربعين يوما رد الغلام ووجه إلى ابن أخي (عليه السلام) ودخلت فإذا أنا بصبي يتحرك ويمشي بين يدي فقلت سيدي هذا ابن سنتين فتبسم (عليه السلام) ثم قال إن أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشئون بخلاف ما ينشأ غيرهم فإن الصبي منا إذا أتي عليه شهر كان كمن أتي عليه سنة وإن الصبي منا ليتكلم في بطن أمه ويقرأ القرآن ويعبد ربه عز وجل عند الرضاع وتطيعه الملائكة وتنزل عليه صباحا ومساء قالت حكيمة فلم أزل أرى ذلك الصبي في كل أربعين يوما إلى أن رأيته رجلا قبل مضي أبي محمد (عليه السلام) بأيام قلائل فلم أعرفه فقلت لابن أخي (عليه السلام) من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه فقال هذا ابن نرجس وهذا خليفتي من بعدي وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي قالت حكيمة فمضى أبو محمد (عليه السلام) بأيام قلائل وافترق الناس كما ترى والله إني لأراه صباحا ومساء وإنه لينبئني عن كل ما تسألوني عنه فأخبركم وو الله إني لا أريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني به وإنه ليرد علي الأمر فيخرج إلي منه جوابه من ساعته من غير مسألتي وقد أخبرني البارحة بمجيئك إلي وأمرني أن أخبرك بالحق.
قال محمد بن عبد الله فو الله لقد أخبرتني بأشياء لم يطلع عليها أحد إلا الله تعالى فعلمت أن ذلك صدق وعدل من الله عز وجل وقد أطلعهم على ما لم يطلع عليه أحدا من خلقه.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى أبي جعفر العمري رضي الله عنه قال: لما ولد السيد (عليه السلام) قال أبو محمد (عليه السلام) ابعثوا إلى أبي عمرو فبعث إليه فصار إليه فقال اشتر لنا عشرة آلاف رطل خبزا وعشرة آلاف رطل لحما وفرقه قال أحسبه قال على بني هاشم وعق عنه بكذا وكذا شاة.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى محمد بن معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ابنه (صلى الله عليه واله وسلم) ونحن في منزله وكنا أربعين رجلا فقال هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا قالوا فخرجنا من عنده فما مضت أيام قلائل حتى مات أبو محمد (عليه السلام).
الفصل السادس: في ذكر غيبته والسبب الموجب لتواريه عن شيعته
اعلم أنه قد استطال الغيبة طوائف من أهل المحال وزين الشيطان لأهل الضلال استبعاد طول غيبة الإمام المهدي (عليه السلام). وليس ذلك بعجب أ ليس عبدة العجل حين غاب موسى (عليه السلام) في مناجاة ربه عشرة أيام استطالوا الغيبة ورجعوا على الأعقاب وخرجوا عن طاعة أخيه هارون (عليه السلام) وكان سبب كفرهم وخروجهم عن السعادة الأبدية وانسلاخهم عن الحضرة المقدسة الربانية هو استطالة الغيبة. ولم يكن بد من أن يقع مثل ذلك في هذه الأيام.
لقول النبي (عليه السلام): تحذو أمتي حذو بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.
وكيف يستبعد ما جرت به السنة الإلهية وأجراه الله تعالى في أنبيائه وغيبتهم عن أعدائه وإظهارهم بعد الغيبة لأوليائه أ ما علموا أن الله تعالى أخفى شخص إبراهيم (عليه السلام) وولادته في زمن نمرود يقتل أولاد رعيته في طلبه فلما علم الله حصول المصلحة في إظهاره وأظهره الله تعالى كما هو المشهور في قصته ثم أنجاه من النار بقدرته.
وكذلك موسى (عليه السلام) وحكايته مشهورة وفي القرآن المجيد مذكورة وكذا يوسف (عليه السلام) مع قرب موضعه من أبيه وظهوره بعد خفائه.
وكذا إدريس (عليه السلام) فإنه أول من غاب من أيدي الكفرة الملحدين ودعا على قومه إلا تمطر عليهم السماء فمكثوا عشرين سنة حتى هلكوا جوعا وسغبا ثم ظهر عليهم وقد أخذ منهم الجهد مأخذه فتابوا وأقلعوا فدعا الله لهم فأمطرت السماء عليهم فخصبوا.
وكذا صالح (عليه السلام) فإنه غاب عن قومه مدة متطاولة فافترقوا على ثلاثة فرق جاحدون وشاكون ومتيقنون ثم خرج عليهم وقد تغيرت أوصافه فعرض نفسه على الجاحدين فأنكروه وطردوه ثم على الشاكين فأبوه ولم يجيبوه ثم على المتيقنين فطلبوا منه ما يدل عليه فذكرهم وعرفهم فرجعوا إليه وهذا شأن قائمنا (عليه السلام) في قيامه ودنو أيامه.
وأقرب الأحوال شبها بأحواله في تقلبه وتصرفه وانتقاله أحوال موسى (عليه السلام) فإن يوسف (عليه السلام) عهد إلى أمته عند موته أن الفتنة تحيط بهم وتشملهم وتستولي عليهم القبط وأن بطون نسائهم تشق وتذبح الأطفال حتى يدفع الله عنهم بالقائم من ولد لاوي بن يعقوب وذكر غيبته لهم ثم وقعت الغيبة والشدة الشديدة على بني إسرائيل وهم ينتظرون قيام القائم فمكثوا كذلك أربعمائة سنة حتى آن وقت ولادة موسى (عليه السلام) فاشتد الأمر عليهم وجرى الأمر بولادة موسى (عليه السلام) وإلقائه في اليم وتربيته في دار فرعون إلى أن نشأ وتزعزع كما هو في الكتاب العزيز وكان لبني إسرائيل رجل عالم يستريحون إلى حديثه ويفرجون عن أنفسهم الكرب باجتماعهم إليه فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم موسى (عليه السلام) وكان في ذلك الوقت حديث السن وهو مع فرعون فعدل عن الموكب وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خز فلما رآه ذلك العالم عرفه فقام إليه وأكب عليه يقبل يديه ورجليه وقال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرانيك فلما رأى شيعته ذلك علموا أنه هو فأكبوا على الأرض شكرا لله عز وجل فلم يزدهم على أن قالوا ارجعوا إلى أن يعجل الله فرجكم ثم غاب عنهم مدة حتى خرج إلى مدين ومكث مدة طويلة هناك فكانت تلك الغيبة الثانية وكانوا يخرجون إلى الصحاري ويسألون الله تعالى الفرج فمكثوا نيفا وخمسين سنة وقد اشتد عليهم الأمر فإذا هم بموسى قد أقبل راكب حمار حتى وقف عليهم وقد أعطاه الله الرسالة وكلمه وقربه نجيا وذلك في ليلة واحدة وكذلك يفعل الله تعالى بالإمام القائم (عليه السلام) يصلح أمره في ليلة واحدة.
وكذا أسباط بني إسرائيل كانوا اثني عشر سبطا أولهم يوشع وصي موسى (عليه السلام) أئمة واحد بعد واحد مستترين عن عموم الناس ظاهرين لخواص شيعتهم حتى وصل الأمر إلى الثاني عشر منهم فاختفى عنهم مدة طويلة ثم ظهر لبني إسرائيل وبشرهم بداود وقتله لجالوت وأنه يكلمه الحجر فيقول له احملني تقتل بي جالوت وكذلك إمامنا (عليه السلام) إذا حان وقت خروجه له علم ينشر وسيف ينصلت وينطقان ويقولان قم يا ولي الله فاقتل أعداء الله.
وكذا سليمان بن داود (عليه السلام) فإنه غاب عن قومه مدة متطاولة وكان يأوي إلى امرأة قد تزوجها لا تعرف أنه سليمان وكان يخرج فيعمل في البحر مع الصيادين فخرج يوما على عادته فأخذ سمكة بأجرة عمله فشق بطنها فإذا الخاتم فلبسه فعكف عليه الطير والوحش والجن والإنس وكذا إمامنا (صلى الله عليه واله وسلم) الخاتم معه إذا لبسه اجتمع الكل إليه.
وآصف وصي سليمان كان في بني إسرائيل وغاب عنهم مدة طويلة لما كان يلقاه من المحن من جبابرة زمانه ثم ظهر لهم ثم غاب عنهم فقالوا أين الملتقى فقال على السراط.
وكذا دانيال كان في يد بختنصر يعذبه بأنواع العذاب ثم غيبه في جب مكث فيه تسعين سنة يأتيه الله برزقه على يد ملك من ملائكته ثم رأى بختنصر في النوم والملائكة تهبط على الجب أفواجا فخاف من فارطه فأخرجه وأظهره لأصحابه وجعله ناظرا في أمور مملكته وجمع إليه من نفى من شيعته فلما مات وصى إلى عزير فغيبه الله مائة سنة ثم أظهره الله بعد ذلك فمكث في قومه إلى أن مات ثم استترت الحجج إلى أن أظهر زكريا وابنه يحيى وبشرا بعيسى (عليه السلام) ثم إن عيسى ظهر بعد أن أخفته مريم (فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا) وكان له غيبات يسيح فيها في الأرض ولا يعرف قومه خبره إلى أن يظهر عليهم وأوصى إلى شمعون فلما مضى شمعون اشتدت عليهم البلوى فمكثوا مائتين وخمسين سنة بغير حجة ظاهرة وفي هذه الفترة كانت غيبة سلمان الفارسي رضي الله عنه.
وكذا نبينا (صلى الله عليه واله وسلم) غاب عن قومه في الغار ثم ظهر بعد الاستتار ولم يزل كل واحد من الأنبياء (عليه السلام) وأوصيائهم إما غائب مستور أو ظاهر مؤيد منصور وكذا الإمام (عليه السلام) لا بد بعد استتاره وغيبته من أن يأذن الله في ظهوره ونصرته فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.
وكيف يعرض الشك في غيبة الإمام الحجة (عليه السلام) وقد اتفق على وقوعها الأئمة المعصومون ونقلها عنهم متواترا الرجال الثقات الأبرار الصالحون ودون ذلك في الصحف وأثبت في الكتب قبل حصولها ووقوعها بما ينيف عن مائتي سنة فوقع الحال كما ذكروه مطابقا لما قرروه. وقد أشبهت غيبة الإمام غيبة من تقدمه من آبائه النبيين الكرام وإذا أذن الله تعالى وصلح هذا العالم لخروجه خرج ولا حرج. لا يقال الذي ثبت في القرآن هو غيبة الأنبياء (عليه السلام) وظهورهم بعد الغيبة وأنتم لا تدعون في إمامكم النبوة فلا تكون حاله حال الأنبياء في الغيبة. لأنا نقول أنتم لا تشكون أن الأئمة قائمون مقام النبيين في إقامة الحجج والبراهين والإعذار والإنذار عن رب العالمين إلى كافة المخلوقين فلا فرق بينهم إلا في رتبة الإرسال وما عدا ذلك فهم فيه سواء فيدخل فيهم هذا الحال وظهور الأنبياء وغيبتهم إنما هو لمصلحة رآها الله تعالى لبريته فحصل لهم ذلك ليتم به أداء شريعته والأئمة كذلك فيجري ذلك في زمانهم كما جرى في زمان أنبيائهم وقد شهد القرآن بمساواة النبي في سائر الأحوال عدا مرتبة الإرسال وإن شككتم في ذلك فاقرءوا آية الابتهال (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وأَبْناءَكُمْ ونِساءَنا ونِساءَكُمْ وأَنْفُسَنا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) أليس قد جعل الله نفس النبي (عليه السلام) كنفس علي وابنه في ذلك المقام وكذا الخبر عن قول النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لعلي (عليه السلام):
أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.
فجعل له جميع مراتبه إلا النبوة ولا فرق بين النبي والإمام في غير ما أخرجه الاستثناء.
وأما السبب فلا يجب علينا ذكره لأن المعصوم لا يسأل عن أفعاله لأنها إنما تحمل على الوجوب والاستحباب ولا يجب أن يعلل بالأسباب ولكنا نذكره لنفي الشك والارتياب فنقول ظهوره (عليه السلام) سبب لإقامة الحدود وتنفيذ الأحكام واختفاؤه سبب لتعطيل كثير من حدود شريعة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وإذا كان كذلك علمنا أن الله تعالى والإمام (عليه السلام) ليس سببا للغيبة وإلا لزم عليهما ترك الواجب وهو محال فتعين أن يكون السبب عدم الناصر وامتناع صلوحية الحاضر فإذا حصل المساعد على تنفيذ أموره وصلحت هذه الأمة لحضوره ظهر بأمر ربه فيملأ الدنيا عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا.
فلو قال الخصم فهلا ظهر إلى أعدائه ولو أدي ذلك إلى قتله كما فعل جده الحسين (عليه السلام) سلمنا أن الخوف على نفسه وعدم الناصر يمنع من الظهور فلا يظهر لأعدائه فما المانع من ظهوره لأوليائه وتعليمهم الأحكام وإقامة الحدود فيهم كما أمر بها المشرع (عليه السلام).
قلنا الجواب: على وجوه:
الأول: أنا قد بينا أن المعصوم لا يجب تعليل أفعاله لأنها إنما تحمل على الصحة وإلا لما كان معصوما.
الثاني:أن الحسين (عليه السلام) لما اجتمعت له شرط الخميس وهم سبعون رجلا كما يريد هو ويعلم منهم وجب عليه القيام والقائم (عليه السلام) لم يحصل له ذلك فلا يجب عليه القيام.
الثالث: أنا لا نمنع من ظهوره لأوليائه لكن ليس الكل صالحا لظهوره عليهم ووصوله لهم بل البعض قد حصل له ذلك وسيأتي ذكر وكلائه ورواته إن شاء الله تعالى.
ثم إن اللطف موجود حاصل للجميع لأن من يقول بإمامته لا يأمن أن يظهر فيعاقبه على المعصية ويثيبه على الطاعة فهم مع جزمهم بوجوده وإمكان حضوره لا يزالون قريبين إلى الطاعة بعيدين عن المعصية فاللطف حاصل لهم.
فإن قلت: لو كان المهدي منصوبا من قبل الله تعالى لكانت غيبته وحذره وتمكين الظالمين من قهره ومفارقته عن رعيته مناقضة لغرض الله تعالى لكن مناقضة غرضه محال فكونه من قبله تعالى محال.
قلت: إن الله تعالى علم أن في خلقه من يوحده ويأتمر بأمره وأن لهم أعداء يعيبونهم ويقصدونهم فلو أنه عز وجل قصر الأيدي عنهم جبرا وقهرا لبطلت الحكمة وثبت الإجبار رأسا وبطل الثواب والعقاب والعبادات وأسند هذا الباب لكنه سبحانه جعل الدفع عن أوليائه بضرب من الضروب لا تبطل معه العبادات ولا ينقطع به المثوبات والعقوبات ولا يقع الإلجاء إليه ليكون الحجة له سبحانه لا عليه فكان غيبة الإمام (عليه السلام) عن أعدائه ومبغضيه ضربا من تلك الضروب وليست هذه الغيبة مستجدة في أيام المهدي (عليه السلام) ولكنها [تعجير] هجير الأنبياء والمرسلين من لدن آدم أبي النبيين أ لا ترى كيف وعد الله سائر ملائكته بظهور آدم بعد غيبته وذكر ذلك في كتابه المبين (وإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) روي أن وعده لهم بذلك قبل أن يخلق آدم بسبعمائة سنة وكان آدم غائبا عند وقوع هذا الكلام.
ولا يصح للخصم إنكار غيبة آدم (عليه السلام) وحصول هذه الأعوام أ ليس قد قال للملائكة إنه سيأتي في الأرض بخليفة فالغيبة حاصلة قبل ذلك ولو بساعة واحدة والساعة الواحدة لا تخلو عن حكمة وما حصل في الساعة من الحكمة حصل في الساعتين ضعفين وعلى هذا كلما زاد الوقت في الغيبة زادت الحكمة فإذا زالت المحنة ظهر فائدة الحكمة وتحقق ظهوره (عليه السلام) ووجب عليه القيام.
ولما كان خبر الغيبة خبرا مشهورا وأمرها أمرا مأثورا نقله المخالف والمؤالف عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) التبس على أكثر الناس حالها ولم يعرف من المراد بها إلا الخواص لا جرم اشتبه الأمر فيها فزعم بعض الشيعة أن المراد محمد بن الحنفية وبعضهم أن المراد جعفر الصادق وبعضهم موسى الكاظم وقد تقدم ذكر هذه الفرق وبطلان مقالتهم.
ويكفي في بطلان ما هم عليه موت من نسبوها إليه إلا من عصم الله من المؤمنين ووفقهم للتمسك بالحق المبين من أهل المعرفة والعلم الذين تطابق ما ذهبوا إليه من المنقول على ما انتهضت به أدلة المعقول فرسموا البنيان على أسه وأقروه في موضعه فتلقوا أمر الغيبة من إمام بعد إمام إلى محمد بن الحسن (عليه السلام) فضبطوا وقته وزمانه وميلاده وعرفوا دلائله وأعلامه وشاهده بعضهم وعلم أحكامه فهم على يقين من أمره في حين غيبته ومشهده.
وإذا حقق اللبيب أمره وجده غير مشكوك في إمامته وظهوره بعد غيبته لأن المنكر لإمامته لا يخلو إما أن يكون قائلا بإمامة أجداده الأحد عشر أو لا فإن كان الأول لزمه القول به لثبوت الغيبة عنده وموت كل من ادعيت له ولم يبق ممن ادعي له الغيبة إلا هو فتعين لها حتما وإن كان الثاني فالبحث معه ليس في إمامته بل في إمامة آبائه وإذا ثبتت إمامة آبائه كما قلنا لزم القول بإمامته كما قررنا. لا يقال إنه غائب عن أبصار الناس هذه المدة المتطاولة فلو ظهر لما عرف أنه هو وأنتم تدعون أن الإمام حجة على رعيته ومع غيبته تبطل حجته.
لأنا نقول أما أولا فإنه لا بد أن يظهر مع ظهوره معجز يدل على أنه هو المشار إليه لدلالة ذلك المعجز عليه.
وأما ثانيا فممنوع وسند المنع أن حال إمامنا (عليه السلام) في غيبته كحال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في سفره وحضره وذلك أنه (عليه السلام) لما كان بمكة لم يكن بالمدينة وبالعكس ولما سافر لم يكن بالحضر وبالعكس وكان (عليه السلام) في جميع هذه الأحوال حاضرا في مكان غائبا عن غيره من الأماكن ولم تسقط حجته عن أهل الأماكن التي غاب عنها وبان منها وكذا الإمام (عليه السلام) لم تسقط حجته وإن كان غائبا.
وحيث كان الإقرار بغيبة الإمام (عليه السلام) هو كمال الإسلام وتمام النعمة على الأنام لم يكن فيما استبعده الناس من شرائط الدين وشرائعه بأعظم من الإقرار بغيبة الإمام (عليه السلام) وذلك لأنه سبحانه وتعالى مدح المؤمنين على إيمانهم بالغيب قبل مدحه لهم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإيمان بسائر ما أنزل الله في الكتاب.
ومما صح لي روايته:
عن الشيخ محمد بن علي بن بابويه يرفعه إلى يحيى بن أبي القاسم قال سألت الصادق (عليه السلام) عن أول سورة البقرة (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) من هم المتقون وما المراد بالغيب قال: المتقون شيعة علي والغيب هو الحجة الغائب (عليه السلام).
ولو قيل المراد بالغيب أحوال يوم القيامة قلنا لا يصح ذلك لأن كثيرا من اليهود والنصارى وغيرهم يؤمنون بغيب النشور والحساب وليسوا داخلين تحت هذا الخطاب لأن الله تعالى قد مدحهم وهو سبحانه وتعالى لا يمدح الكافرين والفاسقين والمنافقين.
ويعضد ما قلناه ويؤيد ما ادعيناه أنه لا خلاف في أن الإمام القائم مع تسليم القول بوجوده وإمامته وظهوره بعد غيبته آية من آيات الله وقد أطلق سبحانه وتعالى لفظ الغيب على الآية في جواب أهل الغواية وقالوا لو لا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله وكذا أطلق لفظ الآية على عيسى (عليه السلام) (وجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وأُمَّهُ آيَةً وآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ ومَعِينٍ) فصح أن يكون المراد بالآية الحجة (عليه السلام) والإشارة بها إليه. وليس لمنكر أن ينفي اعتقاد وجوده بسبب غيبته ألسنا مأمورون باعتقاد وجود الكرام الكاتبين الحافظين وهم غائبون عن العيان وقد ذكرهم الله تعالى في كتابه المبين (وإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) وكذا كلفنا اجتناب أوامر الشيطان ومخالفته ونحن لم نشاهده وهو غائب عنا ولم نره وكذا ونحن مكلفون باعتقاد مساءلة الملائكة في القبر ولم نرهم الآن وكذا ما أخبر به النبي (صلى الله عليه واله وسلم) حين عرج به إلى السماء ولم نر ذلك وكذا كثير من هذه الأمور نحن مكلفون بحقيقتها واعتقاد وجودها وإن كانت غائبة عنا ولم نرها فلو لم نؤمن بها خرجنا عن الإسلام.
وكذلك الإمام القائم (عليه السلام) لا يلزم من غيبته القدح في وجوده أو نفي القول بإمامته وكذا لا يقدح في إمامته غلبة أهل العناد واستيلاء الكفرة في البلاد وتعطيل الحدود والأحكام واندراس كثير من شرائع الإسلام لأن ذلك جرى في زمن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) حتى كان محصورا بالشعب غائبا عن أكثر الناس ولا يقدح ذلك في نبوته وكذلك الإمام (عليه السلام) لا يقدح ذلك في إمامته بسبب غيبته بل هو بأمر الله تعالى يأمره بالخروج في وقت تقتضيه المصلحة ويأمره ترك الخروج إذا اقتضته المصلحة فهو مدبر يأمره أ ليس الأئمة عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون عباد أكرمهم باريهم لا يقعدون عن أمره ولا يخرجون عن نهيه.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى الإمام محمد بن علي الجواد عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: للغائب منا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول أمد غيبته فهو معي في درجتي يوم القيامة ثم قال إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى الحسين (عليه السلام) قال: منا اثنا عشر مهديا أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم التاسع من ولدي وهو القائم بالحق يحيي الله به الأرض بعد موتها ويظهر به دين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت على الدين فيها آخرون فيؤذون ويقال لهم متى هذا الوعد إن كنتم صادقين أين إمامكم الذي تزعمون أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).
وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام) بالطريق المذكور قال: من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله عز وجل أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر وأحد.
وعن الباقر (عليه السلام) بالطريق المذكور عن جابر قال: قال يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم فطوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري عز وجل عبادي آمنتم بسري وصدقتم بغيبي فأبشروا بحسن الثواب مني أنتم عبادي وإمائي حقا منكم أتقبل وعنكم أعفو وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنكم البلاء ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي قال جابر فقلت يا ابن رسول الله فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان قال حفظ اللسان ولزوم البيت.
وعن الصادق (عليه السلام) بالطريق المذكور أنه قال: من مات منتظرا لهذا الأمر كان كمن كان مع القائم (عليه السلام) في فسطاطه لا بل كان بمنزلة الضارب بين يدي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بالسيف.
وعنه أنه قال: لا يأتيكم هذا الأمر إلا بعد يأس لا والله حتى تميزوا لا والله حتى تمحصوا لا والله حتى يشقى من شقي ويسعد من سعد.
وعنه (عليه السلام) قال عبد الله بن سنان قال الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام): ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى فلا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق قلت فكيف دعاء الغريق قال يقول يا الله يا رحمان يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلت يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك فقال إن الله عز وجل يقلب القلوب والأبصار ولكن قل كما أقول لك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى يونس بن عبد الرحمن قال دخلت على موسى بن جعفر (عليه السلام) فقلت يا ابن رسول الله أنت القائم بالحق فقال: أنا القائم بالحق ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلا كما ملئت جورا هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون ثم قال (عليه السلام) طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبته الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا أولئك منا ونحن منهم قد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة فطوبى لهم ثم طوبى لهم هم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى سدير عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن للقائم منا غيبة يطول أمدها فقلت له ولم ذلك يا ابن رسول الله قال لأن الله عز وجل أبى إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء (صلى الله عليه واله وسلم) في غيباتهم وإنه لا بد له يا سدير من استيفاء مدة غيباتهم أ ليس في كتابه العزيز (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) لتسنن بسنن من كان قبلكم.
وعن عبد الله بن الفضل الهاشمي يرفعه بالطريق المذكور إلى الصادق (عليه السلام) قال سمعته يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها يرتاب فيها كل مبطل فقلت له ولم جعلت فداك قال لأمر لم يؤذن لنا في كشفه قلت فما وجه الحكمة في غيبته قال وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله عز وجل أن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلى وقت افتراقهما يا ابن الفضل إن هذا الأمر أمر من الله وسر من أسرار الله وغيب من غيب الله ومتى علمنا أنه جل وعز حكيم صدقنا أن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف.
ومما صح لي روايته:
عن الشيخ السعيد أبي عبد الله محمد المفيد رحمه الله يرفعه إلى المفضل بن عمر قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين تطول إحداهما حتى يقول بعضهم مات وبعضهم ذهب حتى لا يبقى امرؤ من أصحابه إلا نفر يسير لا يطلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره.
ولا شك أن غيبته (عليه السلام) موضع فتنة ومحل خبرة وقد سبق ذلك في حكم الله تعالى واقتضته المصلحة في امتحان العباد أ ليس قد ذكر في كتابه أن الفتنة تحصل للمؤمنين من عباده (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ) فيحصل الثواب للصابرين والعقاب للناكثين الملحدين في الدين. ويعضد ذلك.
ما روي بالطريق المذكور أن أمير المؤمنين لما بعث أبا موسى الأشعري قال له احكم بكتاب الله ولا تجاوزه فلما أدبر قال كأني به وقد خدع فقيل يا أمير المؤمنين فلم توجهه وأنت تعلم أنه مخدوع فقال لو عمل الله بعلمه في خلقه ما احتج عليهم بالرسل (ولَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ ونَخْزى).
وحيث وقع الابتلاء في الأمم السالفة فلا بد من وقوعه في هذه الخالفة ولعمري لو لم يحصل غيبته لما صحت إمامته لكن التالي باطل فالمقدم مثله. بيان الملازمة أن الكتب السماوية والأخبار النبوية شاهدة بغيبته معلنة باختفائه واستتاره من أعدائه فلو لم يغب لخالف ذلك ومخالف ذلك ليس إمام يقتدى به فظهرت الملازمة وأما بطلان التالي فظاهر مما تقدم من ثبوت الإمامة فيبطل المقدم فتجب الغيبة وهو المطلوب.
الفصل السابع: في ذكر طول تعميره
وليس تعميره (عليه السلام) أمرا لم يحصل لغيره من الأنام حتى ينكره الأفهام أو يعترض فيه الشك والأوهام بل قد حصل للأنبياء والأولياء ولكثير من الأمم والأشقياء وقد ورد بذلك أخبار الأمم الماضين وتضمنت ذلك التواريخ والكتب من جملتها كتاب المعمرين فمن ذلك ما صح لي روايته.
عن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه يرفعه إلى هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) قال: عاش نوح ألفي سنة وخمسمائة سنة منها ثمانمائة وستة وخمسون سنة قبل أن يبعث وألف سنة إلا خمسين سنة وهو في قومه يدعوهم وسبعمائة عام بعد ما نزل من السفينة ونضب الماء ومصر الأمصار وأسكن ولده في البلدان ثم إن ملك الموت جاء وهو في الشمس فقال السلام عليك فرد عليه السلام فقال ما جاء بك يا ملك الموت فقال جئتك لأقبض روحك فقال له تدعني حتى أدخل من الشمس إلى الظل فقال نعم قال فتحول نوح (عليه السلام) ثم قال يا ملك الموت كأني ما مر بي من الدنيا مثل تحولي من الشمس إلى الظل فامض لما أمرت به قال فقبض روحه (عليه السلام).
وبالطريق المذكور قال: كانت أقل أعمار قوم نوح ثلاثمائة سنة.
ومن ذلك بالطريق المذكور:
يرفعه إلى محمد بن يوسف التميمي عن الصادق عن أبيه عن جده عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال: عاش آدم أبو البشر تسعمائة سنة وثلاثين سنة وعاش إبراهيم مائة وخمسا وسبعين سنة وعاش إسماعيل مائة وعشرين سنة وعاش نوح (عليه السلام) ألفي سنة وأربعمائة سنة وخمسين سنة وإسحاق مائة وثمانين ويعقوب مائة وخمسة وأربعين ويوسف مائة وعشرين وكذا موسى وهارون مائة وثلاثة وثلاثين وداود مائة سنة ملك منها أربعين وسليمان سبعمائة واثنتي عشرة سنة.
ومن المعمرين الدجال بالطريق المذكور قال ابن سمرة خطبنا أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي وصلى عليه ثم قال سلوني يا أيها الناس قبل أن تفقدوني ثلاثا فقام صعصعة بن صوحان فقال يا أمير المؤمنين متى يخرج الدجال فقال له (عليه السلام) اقعد فقد سمع الله كلامك وعلم ما أردت والله والله ما المسئول عنه بأعلم من السائل ولكن لذلك علامات وهيئات يتبع بعضها بعضا كحذو النعل فإن شئت أنبأتك بها قال نعم يا أمير المؤمنين فقال علي (عليه السلام) احفظ فإن علامة ذلك إذا أمات الناس الصلاة وأضاعوا الأمانة واستحلوا الكذب وأكلوا الربا وأخذوا الرشى وشيدوا البناء وقطعوا الأرحام واتبعوا الأهواء واستخفوا بالدماء وكان الحلم ضعفا والظلم فخرا وكانت الأمراء فجرة والوزراء ظلمة والعرفاء خونة والقراء فسقة وظهرت شهادة الزور واستعلن الفجور وقول البهتان والإثم والطغيان وحليت المصاحف وزخرفت المساجد وطولت المنابر وأكرم الأشرار وازدحمت الصفوف واختلفت القلوب ونقضت العهود واقترب الموعود وشارك النساء أزواجهن في التجارة حرصا على الدنيا وعلت أصوات الفساق واستمع منهم وكان زعيم القوم أرذلهم واتقي الفاجر مخافة شره وصدق الكاذب واؤتمن الخائن واتخذت القيان والمعازف ولعن آخر هذه الأمة أولها وركب ذوات الفروج السروج وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال وأشهد الشاهد من غير أن يستشهد وشهد الآخر قضاء لذمام بغير حق عرفه وتفقه لغير الدين وآثروا عمل الدنيا على الآخرة ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب وقلوبهم أنتن من الجيفة وأمر من الصبر فعند ذلك الوحا الوحا ثم العجل العجل خير المساكن حينئذ بيت المقدس ليأتين على الناس زمان يتمنى أحدهم أنه من سكانه فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال يا أمير المؤمنين من الدجال فقال إن الدجال الصائد بن الصيد فالشقي من صدقه والسعيد من كذبه يخرج من بلد يقال له أصبهان من قرية تعرف باليهودية عينه اليمنى ممسوحة والأخرى في جبهته كأنها كوكب الصبح فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم بين عينيه مكتوب كافر يقرأه كل كاتب وأمي يخوض البحار وتسير معه الشمس بين يديه جبل من دخان وخلفه جبل أبيض يرى الناس أنه طعام يخرج حين يخرج من قحط شديد تحته حمار أقمر خطوة حماره ميل تطوى له الأرض منهلا منهلا لا يمر بماء إلا غار إلى يوم القيامة ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن والإنس والشياطين يقول إلي أوليائي أنا الذي خلق فسوى وقدر فهدى أنا ربكم الأعلى وكذب عدو الله إنه أعور يطعم الطعام ويمشي في الأسواق وإن ربكم ليس بأعور ولا يطعم الطعام ولا يمشي في الأسواق ألا إن أكثر أتباعه يومئذ أولاد زنا وأصحاب الطيالسة الخضر يقتله الله عز وجل بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق لثلاث ساعات من يوم الجمعة على يدي من يصلي المسيح عيسى ابن مريم خلفه ألا إن بعد ذلك الطامة الكبرى قلنا وما ذاك يا أمير المؤمنين قال خروج دابة من الأرض من عند الصفا معها خاتم سليمان وعصا موسى تضع الخاتم على وجه كل مؤمن فيطبع فيه هذا مؤمن حقا ويضعه على وجه كل كافر فيكتب فيه هذا كافر حقا حتى أن المؤمن ينادي الويل لك يا كافر وأن الكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن وددت أني اليوم مثلك فأفوز فوزا عظيما ثم ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله عز وجل وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة فلا توبة تقبل ولا عمل يرفع ولا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ثم قال (عليه السلام) لا تسألوني عما بعد ذلك فإنه عهد إلي حبيبي ألا أخبر به غير عترتي قال ابن سمرة فقلت لصعصعة ما عنى أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا القول قال يا ابن سمرة إن الذي يصلي خلفه عيسى هو الثاني عشر من العترة التاسع من ولد الحسين (عليه السلام) وهو الشمس الطالعة من مغربها يظهر عند الركن والمقام فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.
وهذا الدجال وظهوره ووجوده وتعميره اتفق عليه كافة المسلمين العامة والخاصة فيا عجبا ممن يصدق بقاء هذا الكافر الفاجر الذي يملأ الأرض ظلما وجورا ويمنع بقاء مثل الإمام القائم (عليه السلام) المعصوم ابن المعصومين الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا ويستبعد طول تعمير مثل هذا الإمام ولا يستبعد طول تعمير مثل هذا الفاجر أكفر الكفار ويسلمون الأخبار الواردة الشاهدة بوجود هذا اللعين ويدفعون الأخبار الواردة عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) والأئمة المعصومين الشاهدة بوجود الإمام المهدي (عليه السلام) إمام المتقين وهل دفعهم الروايات الواردة بوجوده وطول تعميره (عليه السلام) إلا مثل دفع البراهمة والمشركين وجود النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وإنكارهم صحة الإسلام فإنهم يقولون للمسلم ما صح عندنا شيء عن معجزات الرسول ولا يثبت عندنا صحة ما يقول وكذلك هؤلاء يقولون ما نعرف شيئا من فضائل الأئمة المعصومين (عليه السلام) ولا نعرف صحة الأخبار الواردة بتعمير الإمام القائم (عليه السلام) فلو صح ما يقول هؤلاء لنا لصح لزوم قول الكفرة والمشركين.
وأعجب منه أنهم يعترفون بوجود إبليس رئيس الضالين وتعميره من قبل آدم (عليه السلام) إلى يوم القيام وهو الضال رئيس الضالين ويمنعون بقاء مثل هذا الإمام الهادي من الهداة الأئمة المعصومين وكيف يصح لهم إنكار تعمير مثل هذا الإمام مع اعترافهم بتعمير كثير ممن سلف من الأنبياء قبل ملة الإسلام مع أنهم يقولون بصحة قول النبي (عليه السلام).
يحذو أمتي حذو من تقدمهم حذو النعل بالنعل.
وقد شهد بذلك أيضا الكتاب المبين (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) وهم يتبعون آثارهم ويفعلون أفعالهم إلى يوم الدين فهل إنكارهم للتعمير في حقه إلا عناد مبين.
أما نطق القرآن المجيد أيضا بتعمير أهل الكهف وغيبتهم في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا وإذا جرى ذلك في حق الأشقياء مثل الدجال وفي حق الأنبياء مثل نوح وآدم وسليمان وغيرهم وفي الأولياء مثل الخضر وأصحاب الكهف فما المانع منه في مثل الأئمة المعصومين الذي يترتب على بقائهم بقاء الدين إذ هم لطف في حق المكلفين ولكن طبع الله على قلوبهم فأصمهم وأعمى أبصارهم. ومن العجائب أن مخالفينا يروون في كتبهم وينقلون في أحاديثهم عن مشايخهم أن عيسى (عليه السلام) مر في بعض سياحاته بكربلاء ومعه الحواريون فجلس هناك وبكى بكاء كثيرا وأبكى من كان معه وقال هذا موضع يقتل فيه سبط نبي أمه كأمي سيد شباب أهل الجنة وإن هذه التربة التي يلحد فيها ريحها أطيب من ريح المسك وإن هذه الظباء ترعى فيها وتسرح وتروح إليها وهي تلعن على قاتليه وتستغفر لناصريه ثم ضرب بيده إلى بعر تلك الظباء فشمه وقال اللهم أبقه حتى يشمه أبوه فيكون له عزاء وسلوة وإن تلك البعرات بقيت إلى زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) وإنه مر بها فنزل هناك فبكى وأبكى وأخذ البعرات فشمها وأخبر من كان معه بمقالة عيسى.
وهذا الخبر عندنا أيضا مشهور وفي كتبنا مسطور فهم مصدقون جازمون بأن بعر الظباء يبقى نحوا من خمسمائة سنين وأزيد وما سف عنها ولم تغيره الشموس والأمطار والرياح والأعصار وينكرون بقاء القائم (عليه السلام) إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
وبالطريق المذكور حديث حبابة الوالبية:
قالت: رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) في شرطة الخميس ومعه درة يضرب بها بياعي الجري والمارماهي والزمير والطافي ويقول لهم يا بياعي مسوخ بني إسرائيل وجند بني مروان قالت فقام إليه فرات بن أحنف فقال يا أمير المؤمنين وما مسوخ بني إسرائيل فقال أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمسخوا فلم أر ناطقا أحسن نطقا منه ثم اتبعته فلم أزل أقفو أثره حتى قعد في رحبة المسجد فقلت له يا أمير المؤمنين ما دلالة الإمامة رحمك الله قالت ايتيني بتلك الحصاة وأشار بيده إلى حصاة فأتيته بها فطبع بخاتمه فيها ثم قال يا حبابة إذا ادعى مدع الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنه إمام مفترض الطاعة والإمام لا يعزب عنه شيء يريده قالت ثم انصرفت حتى قبض أمير المؤمنين (عليه السلام) فجئت إلى الحسن (عليه السلام) وهو في مجلس أمير المؤمنين والناس يسألونه فقال لي يا حبابة هات ما معك فأعطيته الحصاة فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين (عليه السلام) قالت ثم أتيت الحسين (عليه السلام) وهو في مسجد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) فقرب ورحب ثم قال أ تريدين دلالة الإمامة فقلت نعم فقال هات ما معك فناولته الحصاة فطبع فيها قالت ثم أتيت علي بن الحسين (عليه السلام) وقد بلغ بي الكبر إلى أن أعييت وأنا أعد يومئذ مائة وثلاثة وعشرين سنة فرأيته راكعا ساجدا مشغولا بالعبادة فيئست من الدلالة فأومأ إلي بالسبابة فعاد إلي شبابي قالت فقلت يا سيدي كم مضى من الدنيا وكم بقي فقال أما ما مضى فنعم وأما ما بقي فلا قالت ثم قال هات ما معك فأعطيته الحصاة فطبع ثم أتيت أبا جعفر (عليه السلام) فطبع فيها ثم أتيت أبا عبد الله فطبع فيها ثم أتيت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) فطبع فيها ثم أتيت الرضا (عليه السلام) فطبع فيها وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عن أبيه جعفر عن أبيه محمد بن علي (عليه السلام): أن حبابة الوالبية دعا لها علي بن الحسين (عليه السلام) فرد الله عليها شبابها فأشار إليها بإصبعه فحاضت لوقتها ولها يومئذ مائة وثلاثة وعشرون سنة.
وإذا أثرت نفس الإمام زين العابدين (عليه السلام) في رد شباب حبابة بعد الهرم والهزال حتى رجعت بعد الميل إلى الاعتدال فكيف ينكر المنكر تأثير نفس القائم (عليه السلام) في دفع الهرم عن بدنه الكريم ليدوم تعميره عن التغير سليم وهل نفوسهم (صلى الله عليه واله وسلم) إلا كنفس واحدة في إبداء المعجزات وإظهار البينات وهل ينكر من ذلك إلا عاند وأوجب له الإنكار دخول النار.
ومن ذلك حديث أبي الدنيا المعمر المغربي بالطريق المذكور يرفعه إلى محمد بن أبي الفتح الزكي قال: لقينا بمكة رجلا من أهل المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممن حضر الموسم في تلك السنة وهي سنة تسع وثلاثمائة قال فرأينا رجلا أسود الرأس واللحية كأنه شن بال وحوله جماعة من أولاده وأولاد أولاده ومشايخ من أهل بلده ذكروا أنهم من أقصى بلاد المغرب بقرب باهرة العليا وشهد المشايخ أنا سمعنا آباءنا يحكون من آبائهم أنهم عهدوا هذا الشيخ المسمى بأبي الدنيا واسمه علي بن عثمان بن خطاب بن مرة بن يزيد. قال ففاتحناه وساءلناه عن حاله وقصة سبب طول تعميره فوجدناه ثابت العقل يفهم ما يقال له ويجيب عنه بلب وعقل فذكر أنه كان والده قد نظر في كتب الأوائل فوجد فيها ذكر نهر الحياة وأنه يجري في بلاد الظلمات وأنه من شرب منه عمر فحمله الحرص على طول الحياة على دخول الظلمات فتحمل وتزود حسب ما قدر أنه يكتفي به وأخرجني معه وأخرج معنا خادمين وعدة جمال لبون عليها روايا وزاد وأنا يومئذ ابن ثلاثة عشر سنة فسار بنا إلى أن وافينا طرف الظلمات ثم دخلنا فيها فسرنا نحو ستة أيام بليالها وكنا نميز بين الليل والنهار بأن النهار أضوأ قليلا وأقل ظلمة من الليل فنزلنا بين جبال وأودية وذكوات وقد كان والدي يطوف في البقعة في طلب النهر لأنه وجد في الكتب التي قرأها أن مجرى النهر في ذلك الموضع فأقمنا في تلك البقعة أياما حتى فني الماء الذي كان معنا وأسقيناه جمالنا ولو لا اللبن الذي نحلبه من الجمال لهلكنا وكان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر ويأمرنا أن نوقد نارا ليهتدي بها إذا أراد الرجوع إلينا. فمكثنا على ذلك أياما ووالدي يطلب النهر فلا يجده فبعد اليأس عزم على الانصراف خوف التلف وألح من كان معنا عليه حذرا على أنفسهم فقمت يوما من الرحل لحاجتي فتباعدت من الرحل مقدار رمية سهم فعثرت بنهر ماء أبيض اللون عذب الطعم طيب الرائحة لذيذ لا بالصغير من الأنهار ولا بالكبير يجري جريا لينا فدنوت منه وغرقت منه بيدي غرفتين أو ثلاثة فشربتها ثم بادرت مسرعا إلى الرحل وبشرت الخدم بأني قد وجدت الماء فحملوا ما كان معنا من القرب والأدوات لنملأها وذهلت لفرحتي بوجود الماء والخوف من التلف عن أن ذلك مطلوب أبي وكان أبي في ذلك الوقت غائبا عن الرحل مشغولا بالطلب فقمنا وسرنا إلى النهر فلم نجده فاجتهدنا وطفنا واستقصينا في الطلب فلم نره فكذبوني الخدم وقالوا لم تجد شيئا فانصرفنا إلى الرحل وأقبل والدي وأخبرته بالقصة فقال قم معي فقمت معه واجتهدنا في الطلب فلم نقع له على أثر فقال يا بني الذي أخرجني إلى هذا المكان وتحمل الأذى والخطر كان ذلك النهر الذي رأيته ولم أرزقه وقد رزقته أنت وسوف تعمر حتى تمل الحياة. ورحلنا منصرفين حتى رجعنا إلى بلدنا وعاش والدي بعد ذلك سنيات ثم توفي فلما بلغ سني ثلاثين سنة اتصل بنا وفاة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ووفاة الخليفتين بعده وخرجت حاجا فلحقت آخر أيام عثمان مال قلبي من بين جماعة أصحاب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) إلى علي بن أبي طالب فأقمت معه أخدمه وشهدت معه وقائعه وأصابني هذه الشجة من دابته في أيام صفين وما زلت معه مقيما على خدمته إلى أن مضى لسبيله فألح علي أولاده وحرمه أن أقيم عندهم فلم أقم وانصرفت إلى بلدي ثم رجعت إلى بلادي وخرجت أيام بني مروان حاجا ثم رجعت إلى أهلي وانصرفت مع أهل بلدي إلى هذه الغاية ما خرجت في سفر إلا ما كان إلى الملوك في بلاد المغرب يبلغهم خبري وطول عمري فيشخصوني إلى حضرتهم ليروني ويسألوني عن سبب طول عمري وعما شاهدت.
وكنت أتمنى وأشتهي أن أحج مرة أخرى فحملني هؤلاء حفدتي وأسباطي الذين ترونهم حولي وأقدموني للحج. وذكر أنه قد سقطت أسنانه مرتين أو ثلاثا وعادت فسألناه أن يحدثنا بما سمعه فذكر عدة أحاديث رويت عنه وكتبها المصريون والشاميون والعراقيون ومن سائر الأمصار ممن حضر الموسم وبلغه خبره ومن أعاجيب هذا الشيخ أن عنفقته إذا جاع فكلما اشتد جوعه أخذت في البياض حتى تعود كالقطنة البيضاء فإذا أكل وشبع أخذت في السواد حتى تعود إلى حالها الأولى وهو يذكر أنه يعمر إلى أن يدرك الإمام القائم (عليه السلام).
وإذا كان رجل من بعض الأمة قدر الله تعالى أنه شرب شربة من نهر فعمر هذا الزمان الطويل فما المانع من تعمير رجل جعله الله حجة على العالمين وواسطة بينه وبين عباده المخلوقين وله كما كان لآبائه المعصومين التصرف في عالم الكون والفساد وتغيير ما شاء من أحوال العباد والبلاد فما المانع أن يسخر الله مثل هذه الأنهار أو يجعل له خاصة يختص به فيحصل له بذلك الدوام والاستمرار إذ في تعميره نظام أمر المسلمين وبقاء الدنيا والدين.
ومن ذلك حديث القلاقل روى الجد السعيد عبد الحميد يرفعه إلى الرئيس أبي الحسن الكاتب البصري وكان من الأسداء الأدباء قال: في سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة أسنت البر سنين عدة وبعثت السماء درها وخص الحيا أكناف البصرة وتسامع العرب بذلك فوردوها من الأقطار البعيدة والبلاد الشاسعة على اختلاف لغاتهم وتباين فطرهم فخرجت مع جماعة من الكتاب ووجوه التجار نتصفح أحوالهم ولغاتهم ونلتمس فائدة ربما وجدناها عند أحدهم فارتفع لنا بيت عال فقصدناه فوجدنا في كسره شيخا جالسا قد سقط حاجباه على عينيه كبرا وحوله جماعة من عبيده وأصحابه وسلمنا عليه فرد التحية وأحسن التلقية فقال له رجل منا هذا السيد وأشار إلي هو الناظر في معاملة الدرب وهو من الفصحاء وأولاد العرب وكذلك الجماعة ما منهم إلا من ينسب إلى قبيلة ويختص بسداد وفصاحة وقد خرج وخرجنا معه حتى وردتم ملتمس الفائدة المستطرفة من أحدكم وحين شاهدنا رجونا ما نبغيه عندك لعلو سنك. فقال الشيخ والله يا بني أخي حياكم الله إن الدنيا شغلتنا عما تبتغونه مني فإن أردتم الفائدة فاطلبوها عند أبي وها بيته وأشار إلى خباء كبير بإزائه. فقلنا النظر إلى مثل والد هذا الشيخ الهم فائدة نتعجل فقصدنا ذلك البيت فوجدنا في كسره شيخا متضجعا وحوله من الخدم والأمر أوفى مما شاهدناه أولا ورأينا عليه من آثار السن ما يجوز له أن يكون والد ذلك الشيخ فدنونا منه وسلمنا عليه فأحسن الرد وأكرم الجواب فقلنا له مثل ما قلنا لابنه وما كان من جوابه وإنه دلنا عليك فخرجنا بالقصد إليك فقال يا بني أخي حياكم الله إن الذي شغل ابني عما التمستموه منه هو الذي شغلني عما هذه سبيله ولكن الفائدة تجدونها عند والدي وها هو بيته وأشار إلى بيت منيف بنحوه منه فقلنا فيما بيننا حسبنا من الفوائد مشاهدة والد هذا الشيخ الفاني فإن كانت منه فائدة فهي ربح لم يحتسب. وقصدنا ذلك الخباء فوجدنا حوله عددا كثيرا من الإماء والعبيد فحين رأونا تسرعوا إلينا وبدءوا بالسلام علينا وقالوا ما تبغون حياكم الله فقلنا نبغي السلام على سيدكم وطلب الفائدة من عنده ببركتكم فقالوا الفوائد كلها عند سيدنا ودخل منهم من يستأذن ثم خرج بالإذن لنا فدخلنا فإذا سرير في صدر البيت وعليه مخاد من جانبيه ووسادة في أوله وعلى الوسادة رأس شيخ قد بلي وطار شعره والإزار على المخاد التي من جانبي السرير ليستره ولا يثقل منه عليه فجهرنا بالسلام فأحسن الرد وقال قائلنا مثل ما قال لولده وأعلمناه أنه أرشدنا إلى أبيه فحججنا بما احتج به وأن أباه أرشدنا إليك وبشرنا بالفائدة منك. ففتح الشيخ عينين قد غارتا في أم رأسه وقال للخدم أجلسوني فلم تزل أيديهم تتهاداه بلطف إلى أن أجلس وستر بالإزر التي طرحت على المخاد.
ثم قال لنا يا بني أخي لأحدثنكم بخبر تحفظونه عني وتفيدون منه ما يكون فيه ثواب لي كان والدي لا يعيش له ولد ويحب أن يكون له عاقبة فولدت له على كبر ففرح بي وابتهج بمولدي ثم قضى ولي سبع سنين فكفلني عمي بعده وكان مثله في الحذر علي.
فدخل بي يوما على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال له يا رسول الله إن هذا ابن أخي وقد مضى أبوه لسبيله وأنا كفيل بتربيته وإنني أنفس به على الموت فعلمني عوذة أعوذه بها ليسلم ببركتها فقال (صلى الله عليه واله وسلم) أين أنت عن ذات القلاقل فقال يا رسول الله وما ذات القلاقل قال أن تعوذه فتقرأ عليه سورة الجحد وهي (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) إلى آخرها وسورة الإخلاص (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ) إلى آخرها وسورة الفلق (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) إلى آخرها وسورة الناس (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ) إلى آخرها وأنا إلى اليوم أتعوذ بها كل غداة فما أصبت بولد ولا أصيب لي مال ولا مرضت ولا افتقرت وقد انتهى بي السن إلى ما ترون فحافظوا عليها واستكثروا من التعوذ بها فسمعنا ذلك منه ثم انصرفنا من عنده.
وإذا كان شخص من بعض أمة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) دله على التعوذ بهذه السور فعمر العمر الطويل وبلغ ببركتها ما بلغ كما قيل فما ظنك بولد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) الذي قد انتهى إليه هذا القرآن وحكمه وفهمه وفوائده وعلمه إليه وهو القائم بإيضاحه وبيانه أ ليس هو ولي المسلمين والإسلام وصاحب زمانه فما المانع أن يكون قد أعطاه الله تعالى من الخاصة وجعل له من المزية طول التعمير والبقاء على مر الدهور والأعوام ليقوم بما وجب في القرآن على المكلفين من شرائع الإسلام وملة جده الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وهل ينكر ذلك إلا من طبع على قلبه فكان من أصحاب الشيطان وحزبه أولئك الذين طبع الله على قلوبهم فأصمهم وأعمى أبصارهم.
ومن المعمرين عبيد بن سويد الجرهمي عاش ثلاثمائة وخمسين سنة فأدرك النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وحسن إسلامه وعمر بعد ما قبض النبي (صلى الله عليه واله وسلم) حتى أدرك معاوية أيام تغلبه وملكه فقال له معاوية أخبرني يا عبيد عما رأيت وسمعت وأدركت وكيف رأيت الدهر فقال أما الدهر فرأيت ليلا يشبه ليلا ونهارا يشبه نهارا ومولودا يولد وميتا يموت ولم أدرك أهل زمان إلا وهم يذمون زمانهم وأدركت من قد عاش ألف سنة فحدثني عمن عاش ألفي سنة.
ومنهم الربيع بن الضبع الفزاري لما وفد الناس على عبد الملك بن مروان كان فيمن وفد عليه الربيع بن الضبع وكان معه ابنه من ابنه وهب بن عبد الله بن الربيع شيخا فانيا قد سقط حاجباه على عينيه قد عصبهما بعصابة فلما رآه الآذن وكانوا يأذنون للناس على أسنانهم قال ادخل أيها الشيخ فدخل يدب على العصا يقيم بها صلبه ولحيته على ركبتيه فلما رآه عبد الملك رق عليه وقال اجلس أيها الشيخ فقال يا أمير المؤمنين أ يجلس الشيخ وحده على الباب قال فأنت إذا من ولد الربيع بن الضبع الفزاري قال نعم أنا وهب بن عبد الله بن الربيع فقال للآذن ارجع فأدخل الربيع فخرج الآذن فلم يعرفه حتى نادى أين الربيع فقال الربيع ها أنا ذا فقام يتطرق في مشيته فلما دخل على عبد الملك سلم فقال عبد الملك لجلسائه وأبيكم لأنه لأثبت الرجلين يا ربيع أخبرني عما أدركت من العمر والمدى ورأيت من الخطوب الماضية قال أنا الذي أقول:
ها أنا ذا آمل الخلود وقد * * * أدرك أيام مولدي حجرا
أنا إمرؤ القيس وسمعت به * * * هيهات هيهات طال إذ عمرا
فقال عبد الملك قد رويت هذا من شعرك وأنا صبي قال وأنا القائل:
إذا عاش الفتى مائتين عاما * * * فقد ذهب اللذاذة والفتاء
فقال عبد الملك قد رويت هذا أيضا وأنا غلام يا ربيع لقد طلبك جد غير عاثر ففصل لي عمرك فقال عشت مائتي سنة في الفترة بين عيسى ومحمد (صلى الله عليه واله وسلم) وعشرين ومائة سنة في الجاهلية وستين في الإسلام.
وإذا كان شخص من آحاد الناس عاش هذا العمر المديد فهل ينكر تعمير الإمام القائم (عليه السلام) إلا غير رشيد.
ومنهم سطيح الكاهن عاش ثلاثمائة سنة وخبره مشهور لا ينكره المخالف والمؤالف.
ومنهم شداد بن عاد صاحب المدينة إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد عمر تسعمائة سنة وردت بذلك الأخبار وشهد به أصحاب التواريخ ورواه الآثار. وحكاية مدينته وبنائها العجيب مشهور وكثير من شراح الكتاب العزيز ينكرون تعمير الإمام (عليه السلام) قد أثبتوا حكايته في تفاسيرهم وصدقوا تعميره هذه المدة في أساطيرهم وإذا قيل المهدي حي موجود أنكروه وإذا سمعوا بتعميره استبعدوه هل هذا إلا عناد مبين إنه لا يفلح الظالمون.
ومنهم أوس بن ربيعة الأسلمي عاش مائة وأربعة عشر سنة.
ومنهم نصر بن دهمان بن سليم بن أشجع بن رثب بن غطفان عاش مائة وتسعين سنة.
ومنهم لقمان العادي عاش ثلاثة آلاف سنة وخمسمائة سنة وكان أحد وفاد عاد الذين بعثهم قومهم إلى الحرم ليستسقوا لهم وأعطي عمر سبعة أنسر وكان يأخذ الفرخ فيجعله في الجبل الذي هو في أصله فيعيش النسر فيها ما عاش فإذا مات أخذ آخر فرباه حتى كان آخرها لبد وكان أطولها عمرا فقيل فيه طال على الأبد لبده وقد قيل فيه أشعار كثيرة وأعطي من القوة والسمع والبصر على قدر ذلك.
وله أحاديث كثيرة إذا سمعها الذين هم بمعزل عن هذه المقالة أصغوا إليها واستزادوا منها وتمثلوا بها وصدقوها ووافقوا عليها وإذا قيل لهم إن القائم حي موجود جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا وصموا أسماعهم وعبسوا وجوههم وقطبوا في وجوه القائلين واستضعفوا عقول المؤمنين وهل هذا إلا عناد خارج عن السداد.
ومنهم باني الأهرام والبرابي بمصر وهو والد العزيز الذي اشترى يوسف (عليه السلام) واسمه الوليد بن الريان بن دومع وعاش العزيز سبعمائة سنة وعمر والده الريان ألف وسبعمائة سنة ودومع ثلاثة آلاف سنة وخبره مشهور في كتب التواريخ مذكور تركناه في هذا الباب تفاديا من إطالة الكتاب.
ومنهم قس بن ساعدة الأيادي عاش ستمائة سنة ومنهم سربانك ملك الهند من طريق العامة بالطريق المذكور يرفعه إلى إسحاق بن إبراهيم الطوسي قال رأيت سربانك ملك الهند في بلدة تسمى فنوج ووصف عظم ملكه وشدة سلطانه وسعة مملكته تركنا ذكره خوف الإطالة قال فسألته كم أتى عليك من السنين فقال تسعمائة وخمس وعشرون سنة وهو مسلم زعم أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أنفذ إليه عشرة من أصحابه منهم حذيفة بن اليمان وعمرو بن العاص وأسامة بن زيد وأبو موسى الأشعري وصهيب الرومي وسفينة مولاه وغيرهم فدعوه إلى الإسلام فأجاب وأسلم. فقلت له كيف تصلي وأنت بهذا الضعف فقال أ ليس قد رخص الله تعالى في القيام على لسان رسوله (عليه السلام) (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وقُعُوداً وعَلى جُنُوبِهِمْ) وإذا جوزوا أن يهب الله تعالى لشخص من ملوك الهند الملك العظيم والعمر الطويل المديد فما وجه إنكارهم مثل هذا في حق الإمام القائم (عليه السلام).
والعجب أن مخالفينا يروون أخبار المعمرين ويجوزون وقوع مثل هذه الأمور في نوع الآدميين وينكرون بقاء رجل هو خاتم عقد قلادة الأوصياء المعصومين الذي يملأ الله به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما هل هذا إلا عناد مبين ومجادلة لإطفاء نور الأئمة الطاهرين (ويَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).
وأعجب من هذا أنك إذا قلت لهم أ لستم تقولون إن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال:
تحذو أمتي حذو الأمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.
فيقولون بلى ثم يقال لهم أ ليس قد وقع مثل هذا التعمير في الأمم المتقدمة وقد نطق به القرآن ورواه مشايخكم وسطرتموه في كتبكم فيقولون نعم فإذا قيل لهم فما وجه إنكار طول تعمير الإمام القائم (عليه السلام) تبلبلوا في الخطاب وتلجلجوا في الجواب ولا يدرون أين المفر ولا كيف الذهاب (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ).
ولعمري لسنا مكلفين في ثبوت تعمير الإمام (عليه السلام) على ذكر المعمرين بل الدلالة القاطعة على وجوده وطول تعميره هو ما تقدم ذكره من البراهين العقلية والأدلة الصحيحة المتواترة النقلية التي بمثلها ثبت قواعد الإسلام وعليها الاعتماد في الإصدار والإيراد وبها يتم النظام لكن في ذكر ذلك فوائد.
الأولى: أن السامع إذا طرق سمعه أنه قد وقع فيما تقدم في هذا النوع تعمير جماعة من الآدميين لا يستعظم تعمير خاتم الوصيين.
الثانية:أن القائل بهذا المذهب يزداد بصيرة في دينه ويقينا إلى يقينه بوقوع مثل هذه الأحوال في عدة أشخاص من الرجال فيرى أن الإمام القائم (عليه السلام) أولى بهذا الحال.
الثالثة: أن الشاك في هذا المذهب يدعوه الاطلاع على هذه الأخبار إلى البحث في ذلك وينتفي عنه تهويل هذا الأمر ويمتنع عقله عن النفار وترك البحث فنظرة التحقيق فربما أخرجه بحثه وتفحصه عن هذا الأمر من ضيق الظلمة إلى فضاء النور وسواء الطريق فيكون من الفائزين القائلين بالحق على يقين.
الرابعة: أن الحق كل ما زاد البحث فيه أضاء نوره وسطع والباطل كل ما زاد البحث فيه أظلم وانقطع فكان في ذكر هذه الأخبار جلاء لبصائر أهل الاستبصار وعمى لأهل الضلال والشنار.
الفصل الثامن: في رواته (عليه السلام) ووكلائه
وقد توكل له (عليه السلام) عدة أقوام من عدة بلاد ورووا عنه الروايات وأوصلوا إليه المطالعات. فمما صح لي روايته عن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه يرفعه إلى محمد بن أبي عبد الله الكوفي أنه ذكر عدة من انتهى إليه ممن وقف على معجزات صاحب الزمان (صلى الله عليه واله وسلم) من الوكلاء والرواة فمن بغداد العمري وابنه وحاجز والبلالي والعطار ومن الكوفة العاصمي ومن الأهواز محمد بن إبراهيم بن مهزيار ومن أهل قم أحمد بن إسحاق ومن همدان محمد بن صالح ومن الري الشامي والأسدي يعني نفسه ومن آذربيجان القاسم بن العلاء ومن نيشابور محمد بن شاذان ومنهم أبو القاسم الحسين بن روح.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى محمد بن الحسن الصيوفي الصرمي المقيم بأرض بلخ قال: أردت الحج وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضة فجعلت ما معي من ذهب سبائك وما معي من فضة نقرا وكان قد وقع ذلك المال إلي لأسلمه من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه. قال فلما نزلت سرخس ضربت خيمتي على موضع فيه رمل ثم جعلت أميز تلك السبائك والنقر مرة أخرى اهتماما مني بحفظها فقدت منها سبيكة وزنها وزن مائة مثقال وثلاثة مثاقيل فسبكتها بوزنها من مالي سبيكة وجعلتها بين تلك السبائك فلما وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم بن روح وسلمت إليه ما كان معي من السبائك والنقرة فمد يده إلى السبيكة التي سبكتها من مالي فرمى بها إلي وقال ليست هذه السبيكة لنا وسبيكتنا ضيعتها بسرخس حيث ضربت الخيمة في الرمل فارجع إلى مكانك وانزل حيث نزلت واطلب السبيكة هناك فإنك ستجدها وستعود إلى هاهنا فلا تراني. قال فرجعت إلى سرخس ونزلت حيث كنت نزلت فوجدت السبيكة تحت الرمل وقد نبت عليها الحشيش فأخذت السبيكة وانصرفت إلى بلدي فلما كان بعد ذلك حججت ومعي السبيكة ودخلت مدينة السلام وقد كان الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح قد مضى ولقيت أبا الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه فسلمت السبيكة إليه.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي علي البغدادي قال: رأيت بمدينة السلام امرأة تسأل عن وكيل مولانا (عليه السلام) أين هو فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم الحسين بن روح وأشار إليها فدخلت عليه وأنا عنده فقالت أيها الشيخ أي شيء معي فقال ما معك ألقيه في دجلة ثم ائتيني حتى أخبرك قال فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فألقته في الدجلة ورجعت فدخلت عليه فقال أبو القاسم لمملوكة له أخرجي إلي بالحقة فأخرجت إليه حقة فقال للمرأة هذه الحقة كانت معك ورميتها في الدجلة أخبرك بما فيها أم تخبريني فقالت بل أخبرني أنت فقال في هذه الحقة زوج سوار ذهبا وحلقة كبيرة فيها جوهرة وحلقتان صغيرتان فيهما جوهرة وخاتمان أحدهما فيروزج والآخر عقيق وكان الأمر كما ذكر لم يغادر منه شيئا ثم فتح الحقة فعرض عليها ما فيها ونظرت المرأة إليه وقالت هذا الذي حملته بعينه ورميته في دجلة فغشي علي وعلى المرأة فرحا بما شاهدنا من صدق الدلالة. وبالطريق المذكور يرفعه إلى أبي جعفر محمد بن علي الأسود قال سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه بعد موت محمد بن عثمان العمري أن أسأل أبا القاسم الروحي رحمه الله أن يسأل مولانا صاحب الأمر أن يدعو الله عز وجل أن يرزقه ولدا ذكرا فسألته فأنهى ذلك ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعا لعلي بن الحسين وأنه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به وبعده أولاد وكان هذا محمد الصدوق أحد مشايخ هذه الطائفة وإليه تسند أكثر أخبارهم ورواياتهم وعنه رويت أنا أكثر هذه الأخبار التي أوردتها في هذا الكتاب وهو ممن يرجع إليه أكثر الأصحاب. قال محمد الصدوق فكان أبو جعفر محمد بن علي الأسود رضي الله عنه كثيرا ما يقول إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد وأرغب في كتبة العلم وحفظه ليس بعجب أن يكون لك مثل هذه الرغبة في العلم وأنت بدعاء الإمام ولدت. وبالطريق المذكور يرفعه إلى محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال كنت عند الشيخ أبي القاسم بن روح رضي الله عنه مع جماعة فيهم علي بن عيسى القصري فقام إليه رجل فقال له إني أريد أن أسألك عن شيء قال سل عما بدا لك فقال الرجل أخبرني عن الحسين بن علي (عليه السلام) أ هو ولي الله قال نعم قال أخبرني عن قاتله أ هو عدو الله قال نعم قال الرجل فهل يجوز أن يسلط الله عز وجل عدوه على وليه فقال أبو القاسم رحمه الله افهم عني ما أقول لك اعلم أن الله عز وجل لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان ولا يشافههم بالكلام ولكنه جل جلاله يبعث إليهم رسلا من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم ولو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم فلما جاءوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق قالوا لهم أنتم بشر مثلنا ولا نقبل منكم حتى تأتونا بشيء نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه فجعل الله عز وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار فغرق جميع من طغا وتمرد ومنهم من ألقي في النار فكانت بردا وسلاما ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى من ضرعها لبنا ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون وجعل له العصا اليابسة ثعبانا تلقف ما يأفكون ومنهم من أبرئ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله وأنبأهم بما يأكلون ويدخرون في بيوتهم ومنهم من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله عز وجل ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه عليهم السلام مع هذه القدرة والمعجزات في حالة غالبين وفي أخرى مغلوبين وفي حال قاهرين وفي حال مقهورين ولو جعلهم في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عز وجل ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار لكنه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ويكونون في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين وليعلم العباد أن لهم (عليه السلام) إلها هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله وتكون حجة الله على من يجاوز الحد فيهم وادعى لهم الربوبية أو عاند أو خالف وعصى وجحد بما جاءت به الأنبياء والرسل ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة. قال محمد بن إبراهيم فعدت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح من الغد وأنا أقول في نفسي أ تراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه فابتدأني وقال يا محمد بن إبراهيم لو أن العاقل خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق في عداد الهالكين أحب إليه أن يكون من المفترين القائلين في دين الله برأيه ليس ذلك من عند نفسي بل ذلك عن الأصل ومسموع من الحجة (صلى الله عليه واله وسلم) ومنهم محمد بن إبراهيم بن مهزيار مما صح لي روايته عن الشيخ السعيد محمد بن محمد بن النعمان المفيد رحمه الله يرفعه إلى محمد بن إبراهيم المذكور قال شككت عند مضي أبي محمد الحسن (عليه السلام) واجتمع عند أبي مال فحملته وركبت معه مشيعا له فوعك وعكا شديدا فقال يا بني ردني فهو الموت وقال اتق الله في هذا المال وأوصى إلي ومات بعد ثلاثة أيام فقلت في نفسي لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح أحمل هذا المال إلى العراق وأكتري دارا على الشط ولا أخبر أحدا بشيء فإن وضح لي كوضوحه في أيام أبي محمد أنفذ به وإلا أنفقته في بلادي وشهواتي فقدمت العراق واكتريت دارا على الشط وبقيت أياما أتوقع فإذا أنا برقعة مع رسول فيها يا محمد معك كذا وكذا حتى قص على جميع ما كان معي وذكر في جملته شيئا لم أحط به علما فسلمته إلى الرسول وبقيت أياما لا يرفع بي رأسي فاغتممت فخرج إلي قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله. وبالطريق المذكور يرفعه إلى محمد بن شاذان النيسابوري قال اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقص عشرين درهما فلم أحب أن أنقدها ناقصة فوزنت من عندي عشرين درهما فبعثت بها الأسدي ولم أكتب مالي فيها فورد الجواب وصلت خمسمائة درهم لك فيها عشرون درهما.
ومنهم أبو جعفر العمري السمان فما جاز لي روايته عن السيد هبة الله الراوندي رحمه الله يرفعه إلى علي بن محمد بن مقيل قال لما حضرت أبا جعفر العمري السمان الوفاة كنت جالسا عند رأسه أسائله وأحدثه وأبو القاسم بن روح عند رجليه فالتفت إلي وقال قد أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم بن روح فأجلسته في مكاني وقعدت عند رجليه.
وله (صلى الله عليه واله وسلم) وكلاء آخرون لم نذكرهم لئلا يطول بذكرهم الكتاب وهم مذكورون في الكتب المطولة المرسومة في هذا الباب وبالله التوفيق.
الفصل التاسع: في ذكر توقيعاته على يد رسله وأصحابه وعلى يد سفرائه إلى وكلائه
فمن ذلك ما جاز لي روايته:
عن أحمد بن محمد الأيادي رحمه الله يرفعه إلى علي بن إبراهيم الرازي قال: تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في الخلف فذكر ابن أبي غانم أن أبا محمد (عليه السلام) مضى ولا خلف له ثم إنهم كتبوا في ذلك كتابا إلى الناحية وأعلموه ما تشاجروا فيه فورد جواب كتابهم بخطه (صلى الله عليه واله وسلم) بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياكم من الضلال والفتن ووهب لنا ولكم روح اليقين وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب إنه أنهي إلينا ارتياب جماعة منكم في الدين وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أموركم فغمنا ذلك لكم لا لنا وساءنا فيكم لا فينا لأن الله معنا فلا حاجة بنا إلى غيره والحق معنا فلم يوحشنا من قعد عنا ونحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائعنا يا هؤلاء ما لكم في الريب تترددون في الحيرة تنعكثون أ ولم يكفكم ما ذكر الله في كتابه حيث أمر بطاعة ولاة أمره (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أ وما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم على الماضي والباقي منهم السلام أ وما رأيتم كيف جعل الله فيكم معاقل تأوون إليها وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم إلى أن ظهر الماضي (عليه السلام) كلما غاب علم بدا علم وكلما أفل نجم طلع نجم فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله تبارك وتعالى أبطل دينه وقطع السبب بينه وبين خلقه كلا ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون وإن الماضي (عليه السلام) مضى سعيدا فقيدا على منهاج آبائه حذو النعل بالنعل وفينا وصيته وعلمه ومنه خلفه ومن يسد مسده لا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم ولا يدعيه دوننا إلا جاحد كافر ولو لا أن أمر الله لا يغلب وسره لا يظهر ولا يعكس لظهر لكم من حقنا ما تتنز منه عقولكم ويزيل شكوككم لكنه ما شاء الله كان ولكل أجل كتاب فاتقوا الله وسلموا لنا وردوا الأمر إلينا فعلينا الإصدار كما كان منا الإيراد ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم ولا تميلوا عن اليمين إلى الشمال واجعلوا وصولكم إلينا بالمودة وعلى السنة الواضحة فقد نصحت لكم والله شاهد علي وعليكم ولكنا عن مخاطبتكم في شغل فيما امتحنا به من منازعة الظالم العتل الضال المتتابع في غيه المضاد لربه الداعي ما ليس له الجاحد حق من افترض الله طاعته الظالم الغاصب وفي ابنة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لي أسوة حسنة وسيرد الجاهل رداءة عمله وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار عافانا الله وإياكم من المهالك والأسواء والآفات والعاهات كلها برحمته فإنه ولي ذلك والقادر على ما يشاء وكان لنا ولكم وليا وحافظا والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما.
ومما صح لي روايته عن الشيخ السعيد أبي عبد الله محمد المفيد عليه الرحمة يرفعه إلى علي بن محمد قال: أوصل رجل من أهل السواد مالا فرد عليه وقيل له أخرج حق ولد عمك منه وهو أربعمائة درهم وكان الرجل في يده ضيعة لولد عمه فيها شركة وقد حبسها عنهم فنظر فإذا الذي لولد عمه أربعمائة درهم من ذلك المال فردها عليهم وأنفذ المال فقبل. وبالطريق المذكور يرفعه إلى الحسن بن الفضل قال وردت العراق وعلمت على أني لا أخرج إلا عن بينة من أمري ونجاح من حوائجي ولو احتجت أن أقيم فيها حتى أتصدق قال وفي خلال ذلك تضيق صدري بالمقام وأخاف أن يفوتني الحج قال فجئت يوما إلى محمد بن أحمد وهو السفير يومئذ أتقاضاه فقال لي صر إلى مسجد كذا وكذا فإنه يلقاك رجل قال فصرت إليه فدخل على رجل فلما نظر إلي ضحك وقال لي لا تغتم فإنك ستحج في هذه السنة وتنصرف إلى أهلك وولدك سالما قال فاطمأنت وسكن قلبي وقلت هذا مصداق ذلك ثم وردت العسكر فخرجت إلي صرة فيها دنانير وثوب فاغتممت وقلت في نفسي حدي عند القوم هذا واستعملت الجهل فرددتها ثم ندمت بعد ذلك ندامة شديدة فقلت في نفسي كفرت بردي على مولاي وكتبت رقعة أعتذر من فعلي وأبوء بالذنب والإثم وأستغفر من زللي وأنفذتها وقمت أتطهر للصلاة وأنا إذ ذاك أفكر في نفسي وأقول إن ردت علي الدنانير لم أحل شدها ولم أحدث فيها شيئا حتى أحملها إلى أبي فإنه أعلم مني فخرج إلي الرسول الذي حمل الصرة وقال لي أسأت إذ لم يعلم الرجل أنا ربما فعلنا ذلك بموالينا ابتداء وربما سألونا ذلك يتبركون به وخرج إلي أخطأت في ردك برنا فإذا استغفرت الله فالله تعالى يغفر لك وإذا كانت عزيمتك وعقد نيتك فيما حملناه إليك ألا تحدث فيه حدثا إذا رددناه عليك ولا تنتفع به في طريقك صرفناه عنك وأما الثوب فخذه لتحرم فيه.
ومما جاز لي روايته:
عن الشيخ الصدوق محمد بن بابويه رحمه الله يرفعه إلى علي بن همام قال: سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح (عليه السلام) وأما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف (عليه السلام) وأما الفقاع فشربه حرام ولا بأس بالشلماب وأما أموالكم فما نقبلها إلا لنطهركم فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع فما آتاني الله خير مما آتاكم وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله وكذب الوقاتون وأما قول من زعم أن الحسين (عليه السلام) لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله وأما محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل فإنه ثقتي وكتابه كتابي وأما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله له قلبه ويزيل عنه شكه وأما ما وصلنا به فلا قبول عندنا إلا ما طاب وطهر وثمن المغنية حرام وأما محمد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع فملعون وأصحابه ملعونون لا تجالس أهل مقالتهم فإني منهم بريء وآبائي (عليه السلام) منهم برآء وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث وأما ندامة قوم قد شكوا في دين الله على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال ولا حاجة لنا في صلة الشاكين وأما علم ما وقع من الغيبة فلا تحفوا في السؤال عنها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غشيها عن الأبصار السحاب وإني أمان في غيبتي لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء فاغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن في ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى محمد بن إبراهيم: أنه ورد العراق شاكا مرتادا فخرج إليه قل للمهزياري قد فهمنا ما حكيته عن موالينا بناحيتكم فقل لهم إن الله تعالى ذكر في كتابه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أمركم بطاعة ولاة أمره فهل الأمر إلا بما هو كائن إلى يوم القيامة أ ولم تروا أن الله عز وجل جعل لكم معاقل تأوون إليها وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن ظهر الماضي (عليه السلام) كلما غاب علم بدا علم وإذا أفل نجم طلع نجم فلما قبضه الله عز وجل إليه ظننتم أن الله قد قطع السبب بينه وبين خلقه كلا ما كان ذلك منه ولا يكون حتى تقوم الساعة فيظهر أمر الله وهم كارهون يا محمد بن إبراهيم لا يدخلك الشك فيما قدمت له فإن الله عز وجل لا يخلي الأرض من حجة أ ليس قد قال لك أبوك قبل وفاته أحضر هذه الساعة من يعير هذه الدنانير التي عندي فلما أبطأ ذلك عليه خاف الشيخ على نفسه الوحا قال لك عيرها على نفسك وأخرج إليك كيسا كبيرا وعندك بالحضرة ثلاثة أكياس وصرة فيها دنانير مختلفة النقد فعيرتها وختم الشيخ عليها بخاتمه وقال لك أختم مع خاتمي فإن أعش فأنا أحق بها وإن مت فاتق الله في نفسك أولا ثم في وخلصني وكن عند ظني بك أخرج رحمك الله الدنانير التي استفضلتها من بين النقدين من حسابنا وهي بضعة عشرة دينارا فاسترد من قبلك فإن الزمان أصعب ما كان حسبنا الله ونعم الوكيل.
قال محمد بن إبراهيم فقدمت العسكر وقصدت الباب زائرا فلقيتني امرأة فقالت أنت محمد بن إبراهيم فقلت نعم فقالت انصرف فإنك لا تصل في هذا الوقت وارجع الليلة فإن الباب مفتوح لك فادخل الدار واقصد البيت الذي فيه السراج ففعلت وقصدت التي وصفته فبينا أنا بين القبرين أنتحب وأبكي إذ سمعت صوتا وهو يقول يا محمد اتق الله وتب من كل ما أنت عليه فقد قلدت أمرا عظيما وبالطريق المذكور يرفعه إلى نصر بن صباح قال أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلى حاجز وكتب رقعة وغير فيها اسمه ونسبه فخرج إليه الوصول باسمه ونسبه والدعاء له.
وعن محمد بن هارون قال: كانت للغريم (عليه السلام) علي خمسمائة دينار وأنا في ليلة ببغداد لها ريح وظلمة ففزعت فزعا شديدا وفكرت فيما علي وفي وقلت في نفسي لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة وثلاثين دينارا قد جعلتها للغريم بخمسمائة دينار قال فجاءني من يتسلم مني الحوانيت وقد كتب إلي بذلك من غير أن ينطق لساني أو أخبر به أحدا.
وعن أبي القاسم بن أبي حليس قال: أوصلت إلى حاجز عشرة الدنانير فنسيها حاجز أن يوصلها فبعث إليه ابعث بدراهم ابن أبي حليس ابتداء وكتب علي بن أحمد الصيمري يسأل كفنا فورد أنه يحتاج إليه سنة ثمانين أو إحدى وثمانين فمات رحمه الله في الوقت الذي حده وبعث إليه بالكفن قبل موته بشهر.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى أبي العباس أحمد بن الخضر بن صالح الخجندي: أنه خرج إليه من صاحب الزمان (عليه السلام) توقيع بعد أن كان قد ألح في الفحص والطلب وسار في البلاد وكتب على يد الشيخ أبي القاسم بن روح إلى الصاحب (عليه السلام) يشكو إليه تعلق قلبه وإشغاله بالفحص وطلب الحق وسأل الجواب بما تسكن إليه نفسه وينكشف له بما يعمل عليه فخرج إليه توقيع من بحث فقد طلب ومن طلب فقد دل ومن دل فقد أشاط ومن أشاط فقد أغرى ومن أغرى فقد أشرك قال فكففت عن الطلب وسكنت نفسي وعدت إلى منزلي مسرورا والحمد لله.
وعن عبد الله بن جعفر الحميري قال: خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري في التعزية بأبيه أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء رزئت رزئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا فسره الله في منقلبه وكان من كمال سعادته أن رزقه الله عز وجل ولدا مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه بأمره ويترحم عليه وأقول الحمد لله فإن الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله عز وجل فيك وعندك أعانك الله وقواك وعضدك ووفقك وكان لك وليا وراعيا وحافظا وكافيا ومعينا.
وعن سعد بن عبد الله رضي الله عنه قال: خرج توقيع من مولانا صاحب الزمان إلى العمري وأبيه رضي الله عنهما وفقكما الله لطاعته وثبتكما على دينه وأسعدكما بمرضاته انتهى إلينا ما ذكرتما أن الميثمي أخبركما عن المختار ومناظرته من لقي واحتجاجه بأن لا خلف غير جعفر بن علي وتصديقه إياه وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه وأنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء ومن الضلالة بعد الهدى ومن موبقات الأعمال ومرديات الفتن (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ) كيف يتساقطون في الفتنة ويترددون في الحيرة ويأخذون يمينا وشمالا فارقوا دينهم أم ارتابوا أم عاندوا الحق أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة أو علموا ذلك فتناسوا أ ما علموا أن الأرض لا تخلو من حجة إما ظاهرا وإما مغمورا أ ولم يروا انتظام أئمتهم بعد نبيهم (صلى الله عليه واله وسلم) واحدا بعد واحد إلى أن أفضى الأمر بأمر الله جل وعز إلى الماضي يعني الحسن بن علي (عليه السلام) فقام مقام آبائه (عليه السلام) يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم كان نورا وشهابا لامعا وقمرا زاهرا ثم اختار الله جل وعز له ما عنده فمضى على منهاج آبائه (عليه السلام) حذو النعل بالنعل على عهد عهده ووصية أوصى بها إلى وصي ستره الله بأمره إلى غاية وأخفى مكانه بمشيئته للقضاء السابق والقدر النافذ وفينا موضعه ولنا فضله ولو أذن الله عز وجل فيما قد منعه عنه وأزال عنه ما قد جرى به حكمه لأراهم الحق ظاهرا بأحسن حلية وأبين دلالة وأوضح علامة ولأبان عن نفسه وقام بحجته ولكن أقدار الله عز وجل لا تغالب وإرادته لا ترد وتوفيقه لا يسبق فليدعوا عنهم أتباع الهوى وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه ولا يبحثوا عما ستره الله عنهم فيأثموا ولا يكشفوا ستر الله عز وجل فيندموا وليعلموا أن الحق معنا وفينا لا يقول ذلك سوانا إلا كذاب مفتر ولا يدعيه غيرنا إلا ضال غوي فليقتصروا منا على هذه الجملة دون التفسير ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم أجور إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلب وامتلاء الأرض جورا وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ألا من ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده فلما كان اليوم السادس غدونا وهو يجود بنفسه فقيل له من وصيك فقال لله أمر هو بالغه ومضى رضي الله عنه وكان هذا آخر كلام سمع منه وكان وفاة الشيخ علي السمري المذكور في النصف من شعبان سنة 328-.
ومما صح لي روايته عن السيد هبة الله الراوندي رحمه الله يرفعه إلى الشيخ المفيد عن أبي عبد الله الصفواني قال: رأيت القاسم بن علاء وقد أتى عليه مائة سنة وسبع عشرة سنة منها ثمانون سنة صحيح العينين لقي العسكريين وحجب بعد الثمانين وردت عينيه قبل وفاته بسبعة أيام وذلك أني كنت بمدينة الران من أراضي آذربيجان فكان لا ينقطع توقيعات صاحب الأمر (عليه السلام) على يد أبي جعفر محمد بن عثمان العمري وبعده على يد أبي القاسم بن روح فانقطعت عنه المكاتبات نحوا من شهرين وقلق لذلك فبينا نحن عنده نأكل إذ دخل عليه البواب مستبشرا فقال له فيج العراق ورد لا يسمى بغيره فاستبشر القاسم وحول وجهه إلى القبلة فسجد ودخل كهل قصير يرى أثر الفيوج عليه وعليه جبة مصرية وفي رجله نعل محاملي وعلى كتفه مخلاة فقام إليه القاسم فعانقه ووضع المخلاة عن عنقه ودعا بطست وماء فغسل يده وأجلسه إلى جانبه فأكلنا وغسلنا أيدينا فقام الرجل وأخرج كتابا أفضل من نصف المدرج فناوله القاسم فأخذه وقبله ودفعه إلى كاتب له يقال له ابن أبي سلمة فأخذه وفضه وقرأه حتى أحس القاسم ببكائه فقال خبر خرج في شيء مما يكره قال لا قال فما هو قال ينعى الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوما وأنه يمرض يوم السابع بعد وصول الكتاب وأن الله يرد عليه عينيه بعد ذلك وقد حمل إليه سبعة أثواب فقال القاسم في سلامة من ديني فقال في سلامة من دينك فضحك رحمه الله وقال وما أؤمل بعد هذا العمر حياة. فقام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة أثواب إزر وحبرة يمانية حمراء وعمامة وثوبين ومنديلا فأخذه القاسم وكان عنده قميص خلعه عليه علي النقي (عليه السلام) وكان للقاسم صديق في أمور الدنيا شديد النصب يقال له عبد الرحمن بن محمد الشبزي وافي الدار فقال القاسم اقرءوا الكتاب عليه فإني أحب هدايته قالوا هذا لا يحتمله خلق من الشيعة فكيف عبد الرحمن فأخرج القاسم إليه الكتاب وقال اقرءوا فقرءوه على عبد الرحمن إلى موضع النعي فقال للقاسم يا أبا محمد اتق الله فإنك رجل فاضل في دينك أ ليس قد ذكر الله في كتابه (وما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) لا علم لأحد بمنيته ولا ما يلقى في صبيحته وقد اختص سبحانه بعلم الغيب دون خلقه (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً فقال القاسم إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) استثنى المرتضى من النبيين ومولاي هو المرتضى من الرسول.
ثم قال أعلم أنك تقول هذا ولكن ورخ هذا اليوم فإن عشت بعد هذا اليوم أو مت قبله فاعلم أني لست على شيء وإن أنا مت في ذلك اليوم فانظر لنفسك فورخ عبد الرحمن اليوم وافترقا وحم القاسم يوم السابع واشتدت العلة به إلى مدة ونحن مجتمعون يوما عنده إذ مسح عينه بكمه فخرج عن عينيه شبيه بماء اللحم ثم مد نظره إلى ابنه فقال يا حسن إلي ويا فلان إلي فنظرنا إلى الحدقتين صحيحتين وشاع الخبر في الناس فأتى الناس من العامة ينظرون إليه فركب قاضي القضاة يومئذ ببغداد فدخل عليه فقال له يا أبا محمد ما هذا الذي بيدي وأراه خاتم فضة فيروزج فقربه إليه فقال خاتم فضة فيروزج وعليه ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها وقد كان قال لابنه الحسن اللهم ألهم الحسن طاعتك وجنبه معصيتك قال له ذلك ثلاثا ثم كتب وصيته بيده وكانت الضياع التي في يده لصاحب الأمر كان أبوه وقفها عليه وكان فيما أوصى إلى ابنه إن أهلت للوكالة فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرجيدة وسائرها ملك لمولانا (عليه السلام).
فلما كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات أبو القاسم فوافاه عبد الرحمن ثم خر يعدو في الأسواق حافيا حاسرا وهو يصيح يا سيداه فاستعظم الناس ذلك منه فقال لهم اسكتوا فقد رأيت ما لم تروه وتشيع ورجع عما كان عليه فلما كان بعد مدة ورد كتاب من صاحب الأمر (عليه السلام) على الحسن ألهمك طاعته وجنبك معصيته وهو الدعاء الذي دعا به أبوك.
وبالطريق المذكور يرفعه أحمد بن أبي روح قال: أرسلت إلي امرأة من أهل دينور فأتيتها فقالت يا ابن روح أنت أوثق من في ناحيتنا دينا وورعا وإني أريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤديها وتقوم بها فقلت أفعل إن شاء الله فقالت هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحله ولا تنظر فيه حتى تؤديه إلى من يخبرك بما فيه وهذا قرطي يسوى عشرة دنانير وفيها ثلاث حبات لؤلؤ تسوى عشرة دنانير ولي إلى صاحب الزمان حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها فقلت ما الحاجة فقالت عشرة دنانير استقرضتها أمي في عرسي لا أدري ممن استقرضتها ولا أدري إلى من أدفعها فإن أخبرك بها فادفعها إلى من يأمرك بها قال وكنت أقول بجعفر بن علي فقلت هذه المحنة بيني وبين جعفر فحملت المال وخرجت فدخلت بغداد فأتيت حاجز بن يزيد الوشاء فسلمت عليه وجلست فقال ألك حاجة قلت هذا مال دفع إلي لأدفعه إليك تخبرني كم هو ومن دفعه إلي فإن أخبرتني دفعته إليك قال لم أومر بأخذه وهذه رقعة جاءتني في أمرك فإذا فيها لا تقبل من أحمد بن روح وتوجهه إلينا إلى سر من رأى فقلت لا إله إلا الله هذا أحلى شيء أردته فخرجت فوافيت سر من رأى فقلت أبدأ بجعفر فتفكرت وقلت أبدأ بهم فإن كانت المحنة من عندهم وإلا مضيت إلى جعفر فدنوت من دار أبي محمد فخرج إلى خادم فقال أنت أحمد بن أبي روح قلت نعم قال هذه الرقعة اقرأها فقرأتها فإذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم يا ابن أبي روح أودعتك عاتكة بنت الديراني كيسا فيه ألف درهم بزعمك وهو خلاف ما تظن وقد أديت فيه الأمانة ولم تفتح الكيس ولم تدر ما فيه وفيه ألف درهم وخمسون دينارا صحاح ومعك قرط زعمت المرأة أنها تسوى عشرة دنانير صدقت مع الفصين اللذين فيه وفيه ثلاث حبات لؤلؤ شرتها بعشرة دنانير وهي تسوى أكثر فادفعها إلى خادمتنا فلانة فإنا قد وهبناها لها وصر إلى بغداد وادفع المال إلى حاجز وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك وأما عشرة الدنانير التي زعمت أن أمها اقترضتها في عرسها ولا تدري من صاحبتها بلى هي تعلم أنها لكلثم بنت أحمد وهي ناصبية فتحرجت أن تعطيها وأحبت أن تقسمها في أخواتها فاستأذنتنا في ذلك فلتفرقها في ضعفاء أخواتها ولا تعودن يا ابن أبي روح إلى القول بجعفر والمحنة له وارجع إلى منزلك فإن عمك قد مات وقد ورثك الله أهله وماله فرجعت إلى بغداد وناولت الكيس حاجزا فوزنه فإذا فيه ألف درهم وخمسون دينار فناولني ثلاثين دينارا وقال أمرنا بدفعه إليك لنفقتك فأخذتها وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه فإذا أنا برسول قد جاءني من منزلي يخبرني بأن عمي قد مات وأهلي يأمروني بالانصراف إليهم فرجعت فإذا هو قد مات وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم.
وعن أحمد بن أبي روح قال: خرجت إلى بغداد في مال لأبي الحسن الخضر بن محمد لأوصله فأمرني أن أدفعه إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمروي وإن أمرني أن أدفعه إلى غيره وأمرني أن أسأله الدعاء للعلة التي هو فيها وأسأله عن الوبر يحل لبسه فدخلت بغداد وصرت إلى العمروي فأبى أن يأخذ المال وقال صر إلى أبي جعفر محمد بن أحمد وادفع إليه فإنه أمره بأخذه وقد خرج الذي طلبت فجئت إلى أبي جعفر فأوصلته إليه فأخرج إلي رقعة فإذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم سألت الدعاء من العلة التي تجدها وهب الله لك العافية ودفع عنك الآفات وصرف عنك بعض ما تجده من الحرارة وعافاك وصح لك جسمك وسألت ما يحل لك أن تصلي فيه من الوبر والسمور والسنجاب والفنك والدلق والحواصل فأما السمور والثعالب فحرام عليك وعلى غيرك الصلاة فيه ويحل لك جلود المأكول من اللحم إذا لم يكن لك غيره وإن لم يكن لك بد فصل فيه والحواصل جائز لك أن تصلي فيه والفراء متاع الغنم ما لم يذبح بأرمنية تذبحه النصارى على الصليب فجائز لك أن تلبسه إذا ذبحه أخ لك أو مخالف تثق به.
لا يقال لا نسلم أن هؤلاء السفراء والرسل والنواب والأصحاب والوكلاء كانوا كما يقولون ولئن سلمنا ذلك فلا نسلم أنهم فعلوا ما يذكرون ولئن سلمنا ذلك فلا نسلم أنهم كما تزعمون أ ليس قد ورد الخبر عن أئمتكم أنهم قالوا خداما وقوامنا شر خلق الله وإذا كانوا شر خلق الله فلا اعتبار بهم. لأنا نقول إن سبيل هؤلاء وثبوتهم وثبوت ما ورد عنهم أنهم فعلوه وما سمع منهم أنهم قالوا سبيل كافة الأحكام التي وردت بها شريعة الرسول (عليه السلام) فإن جاز الطعن في ثبوت هؤلاء الرجال وما ورد عنهم من الأقوال والأفعال فليجز الطعن في كافة الأحكام لكنه بالإجماع محال فالطعن في هذا محال. وأما ما ذكرتم من الخبر فليس لصحته أثر لثبوت نقيضه وهو ما صح لي روايته.
عن الثقة أحمد بن محمد الأيادي رحمه الله يرفعه إلى محمد بن صالح الهمداني أحد الوكلاء المذكورين قال: كتبت إلى صاحب الزمان (عليه السلام) إن أهل بيتي يؤذوني ويقرعوني بالحديث الذي روى عن آبائك (عليه السلام) أنهم قالوا خدامنا وقوامنا شر خلق الله فكتب (عليه السلام) ويحهم أ ما علموا أن الله عز وجل ذكرنا وذكركم في كتابه (وجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً) شبهنا وإياكم بالقرى فنحن والله القرى التي بارك فيها وأنتم القرى الظاهرة.
وإذا كان كذلك فلا يرد الإيراد وهو المطلوب.
الفصل العاشر: في ذكر من شاهده من شيعته وحظي برؤيته
ولقد رآه من أوليائه عدة أقوام وفازوا برؤيته (عليه السلام) إذ لا شرف أعظم من رؤية الله على الأنام وخاتم أوصيائه الكرام.
فمن ذلك ما جاز لي روايته:
عن أحمد بن محمد الأيادي رحمه الله يرفعه إلى كامل بن إبراهيم المدائني قال: دخلت على أبي محمد الحسن (عليه السلام) أسأله عن المفوضة والمقصرة في حديث اختصرناه قال وقلت في نفسي هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي وقال بمقالتي وجلست إلى باب مرخى عليه ستر فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بصبي كأنه فلقة قمر من أبناء الأربع سنين أو مثلها فقال لي يا كامل بن إبراهيم فاقشعررت من ذلك وألهمت أن قلت لبيك سيدي فقال جئت إلى ولي الله وحجة زمانه تسأله هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك أو قال بمقالتك قلت إي والله فقال إذا والله يقل داخلوها والله إنه ليدخلها قوم يقال لهم الحقية قلت يا سيدي ومن هم الحقية قال قوم من حبهم لعلي بن أبي طالب يحلفون بحق علي وما يدرون ما حقه وفضله ثم سكت عني ساعة ثم قال وجئت تسأل عن مقالة المفوضة لعنهم الله كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشية الله فإذا شاء الله شئنا وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه (وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) ثم رجع الستر على حاله فلم أطق كشفه فنظر إلي أبو محمد (عليه السلام) وهو يقول يا كامل بن محمد ما جلوسك وقد نبأك بحاجتك حجتك من بعدي قال فقمت فخرجت ولم أعاينه بعد ذلك.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى رشيق المادراي قال: بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر وأمرنا أن يركب كل واحد منا فرسا ونجنب آخر ونخرج مخففين لا يكون معنا قليل ولا كثير إلا على السرج مصلى وقال لنا الحقوا بسر من رأى فوصف لنا محلة ودارا فإذا أتيتموها ستجدوا على الباب خادما أسود فاكبسوا الدار ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه فوافينا سر من رأى ووجدنا الأمر كما ذكره وفي الدهليز خادم أسود وبيده تكة ينسجها فسألناه عن الدار من فيها فقال صاحبها فو الله ما التفت إلينا وقل أكتراثه بنا فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا دارا سرية ومقابل باب الدار سترا ما نظرت قط إلى أنبل منه كأن الأيدي قد رفعت عنه في ذلك الوقت ولم يكن في الدار أحد فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كان فيه بحر ماء وفي أقصى البيت حصير قد علمنا أنه على الماء فوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطى البيت فغرق في الماء فما زال يضطرب حتى مددت يدي فخلصته وأخرجته مغشيا عليه ساعة ثم عاد صاحبي الثاني إلى مثل ذلك الفعل فناله مثل ذلك وبقيت مبهوتا وقلت لصاحب البيت يا سيدي المعذرة إلى الله وإليك فو الله ما علمت كيف الخبر وإلى من أجيء وأنا تائب إلى الله فما التفت إلى شيء مما قلناه ولا انفتل عما كان فيه فهالنا ذلك وانصرفنا عنه وقد كان المعتضد ينتظرنا وقد تقدم إلى الحجاب إذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان فوافيناه في بعض الليل وأدخلنا إليه فسألنا عن الخبر فحكينا له ما رأينا فقال ويحكم لقيكم أحد قبلي قلنا لا قال جرى منكم ذلك إلى أحد قلنا لا قال أنا نفي من جدي أن بلغني هذا الخبر لأضربن أعناقكم فلم يجسر أحد منا أن يحدث بشيء من ذلك إلا بعد موته.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى الزهراني قال: طلبت هذا الأمر يعني رؤية القائم (عليه السلام) طلبا شاقا حتى ذهب لي فيه مال صالح فوقعت إلى العمري وخدمته ولزمته وسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان (عليه السلام) فقال لي ليس إلى ذلك سبيل فخضعت فقال بكر بالغداة فوافيت فاستقبلني ومعه شاب من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة بهيئة التجار وفي كمه شيء كهيئة الفجار فلما نظرت إليه دنوت من العمري فأومأ إليه فدنوت منه فسألته فأجابني عن كل ما أردت ثم مر ليدخل الدار وكانت من الدور التي لا يكترث بها فقال العمري إن أردت أن تسأل فسل فإنك لا تراه بعد هذا فذهبت لأسأل فلم يسمع ودخل الدار وما كلمني بأكثر من أن قال.
ملعون ملعون من أخر العشاء إلى أن تشتبك النجوم ملعون ملعون من أخر الغداة إلى أن تنقضي النجوم.
ودخل الدار. وبالطريق المذكور يرفعه إلى إسماعيل بن علي قال دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وهو في المرضة التي توفي فيها فبينا أنا عنده إذ قال لخادمه عقيد وكان الخادم أسود نوبيا قد خدم من قبله علي بن محمد وهو ربي الحسن (عليه السلام) فقال له يا عقيد أغل لي ماء بمصطكى فأغلى له ثم جاءت به صقيل الجارية أم الخلف (عليه السلام) فلما صار القدح في يديه وهم بشربه جعلت يداه ترتدع حتى ضرب القدح ثناياه فتركه من يده وقال لعقيد ادخل البيت فإنك ترى صبيا ساجدا فأتني به قال أبو سهل قال عقيد فدخلت البيت أتحرى فإذا أنا بصبي ساجد رافعا سبابته نحو السماء فسلمت عليه فأوجز في صلاته فقلت إن سيدي يأمرك بالخروج إليه فجاءت صقيل فأخذت بيده فأخرجته إلى أبيه الحسن (عليه السلام) قال أبو سهل فلما مثل بين يديه سلم عليه فإذا هو دري اللون في شعر رأسه قطط مفلج الأسنان فلما رآه الحسن (عليه السلام) بكى وقال يا سيد أهل زمانه اسقني الماء فإني ذاهب إلى ربي وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكى بيده ثم حرك شفتيه ثم سقاه فلما شربه قال هيئوني للصلاة وكانت صلاة الغداة يوم الجمعة فطرح في حجره منديل فوضأه الصبي واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه فقال له أبشر يا بني فأنت صاحب الزمان وأنت المهدي وأنت حجة الله في أرضه وأنت ولدي ووصيي ووارثي وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ولدك رسول الله وبشر بك وأنت خاتم الأئمة المعصومين وسماك وكناك بذلك عهد إلي أبي عن آبائك الطاهرين وصلى الله على أهل البيت إنه حميد مجيد ومات الحسن (عليه السلام) من وقته عليهم السلام أجمعين.
ومما صح لي روايته.
عن محمد الصدوق بن بابويه رحمه الله يرفعه إلى أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري فقال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده فقال لي مبتدئا يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام) ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة الله على خلقه يدفع الله به البلاء عن أهل الأرض وينزل به الغيث ويخرج به بركات الأرض قال فقلت له يا ابن رسول الله فمن الخليفة والإمام بعدك فنهض (عليه السلام) مسرعا فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين فقال يا أحمد بن إسحاق لو لا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا إنه سمي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وكنيه الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأمة كمثل ذي القرنين والخضر وإنه ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله عز وجل على القول بإمامته ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه قال أحمد بن إسحاق فقلت له يا مولاي هل من علامة يطمئن بها قلبي فنطق الغلام بلسان عربي فصيح فقال أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق فخرجت مسرورا فلما كان من الغد رجعت إليه فقلت يا ابن رسول الله قد عظم سروري بما مننت به علي فما السنة الجارية من الخضر وذي القرنين فقال طول الغيبة يا أحمد فقلت يا ابن رسول الله وإن غيبته لتطول قال إي وربي يرجع عن هذا الأمر كثير من القائلين به فلا يبقى إلا من أخذ الله عهدهم بموالاتنا وكتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من الله جلت عظمته وسر من سر الله وغيبة من غيب الله فخذ ما آتيتك فاكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غدا في عليين.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى يعقوب بن منقوش قال: دخلت على مولانا أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وهو جالس على دكان في الدار وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل فقلت من صاحب هذا الأمر فقال ارفع الستر فرفعته فخرج إليه غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك واضح الجبين أبيض الوجه دري المقلتين شثن الكف معطوف الركبتين في خده الأيمن خال وفي رأسه ذؤابة فجلس على فخذ أبي محمد (عليه السلام) فقال لي هذا صاحبكم ثم وثب (عليه السلام) فقال له يا بني ادخل البيت إلى الوقت المعلوم فدخل البيت وأنا أنظر إليه ثم قال يا يعقوب انظر من في البيت فدخلت فما رأيت أحدا.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى سعد بن عبد الله القمي قال: كنت امرأ لهجا بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها كلفا باستظهار ما يصح من حقائقها مغرما بحفظ مشتبهها ومستغلقها شحيحا على ما أظفر به من معاضلها ومشكلاتها متعصبا لمذهب الإمامية راغبا عن الأمن والسلامة في إيثار التنازع والتخاصم والتعادي والتشاتم عيابا لفرق ذي الخلاف كشافا عن مثالب أئمتهم هتاكا لحجب قادتهم إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة وأطولهم مخاصمة وأكثرهم جدالا وأشنعهم سؤالا وأثبتهم على الباطل قدما فقال ذات يوم وأنا أناظره تبا لك يا سعد ولأصحابك إنكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما وتجحدون من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ولايتهما هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سوابقه أ ما علمتم أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ما أخرجه من نفسه إلى الغار إلا علما منه أن الخلافة له من بعده وأنه هو المقلد لأمر التأويل والملقى إليه أزمة التنزيل وعليه المعول في شعب الصدع ولم الشعث وسد الخلل وإقامة الحدود وتسريب الجيوش لبلاد الكفر فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة إلى مكان يستخفي فيه ولما رأينا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) متوجها إلى الأحجاب ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من غيره استبان لنا أن قصد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) بأبي بكر إلى الغار للعلة التي شرحناها ولذا أبات عليا على فراشه لما لم يكترث له ولم يحفل به ولاستثقاله إياه وعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.
قال سعد فأوردت عليه أجوبة شتى فما زال يقصد كل واحد منها بالنقض والرد علي ثم قال يا سعد دونكها أخرى بمثلها يحطم آناف الروافض أ لستم تزعمون أن الصديق المبرأ من دنس الشكوك والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام كانا يسران النفاق واستدللتم بليلة العقبة أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أو كرها قال سعد فاحتلت لدفع هذه المسألة عني خوفا عن الإلزام وحذرا من أني إن أقررت لهما بطوعهما احتج بأن بدء النفاق ونشأه في القلب لا يكون إلا عند هبوب روائح القهر والغلبة وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على ما ليس ينقاد إليه قلبه وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) وإن قلت وأسلما كرها كان يقصدني بالطعن إذ لم تكن سيوف منتضاة كانت تريهما البأس. قال سعد فصدرت عنه مزورا وقد انتفخت أحشائي من الغضب وتقطع كبدي من الكرب وكنت قد اتخذت طومارا وأثبت فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا على أن أسأل عنها خبير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد (عليه السلام) فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصدا نحو مولانا بسر من رأى فلحقته في بعض المناهل فلما تصافحنا قال للخير لحاقك بي قلت الشوق ثم العادة في الأسئلة قال تكافينا على هذه الخطة الواحدة فقد برز القوم إلى لقاء مولانا أبي محمد (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل في التنزيل فدونكها الصحبة المباركة فإنها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه ولا تفنى غرائبه وهو إمامنا.
فوردنا سر من رأى فانتهينا منها إلى باب سيدنا فاستأذنا فخرج علينا الإذن بالدخول عليه وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري فيه ستون ومائة صرة من الدنانير والدراهم على كل صرة ختم صاحبها. قال سعد فشبهت مولانا حين غشينا نور وجهه ببدر قد استوفى من لياليه أربعا بعد عشر وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر على رأسه فرق بين وفرتين كأنه ألف بين واوين وبين يدي مولانا (عليه السلام) دواة وبيده بياض يكتب فيه فلما فرغ من الكتاب بعد أن سلمنا عليه وألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس فأخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه.
فنظر (عليه السلام) إلى الغلام وقال يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك قال يا مولاي أ يجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها فقال مولانا يا ابن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز ما بين الأحل والأحرم فأول صرة وقعت عليها يدا أحمد بن إسحاق فأخرجها قال الغلام هذه لفلان ابن فلان من محلة كذا بقم يشتمل على اثنين وستين دينارا فيها من ثمن حجيرة باعها وكانت إرثا عن أبيه خمسة وأربعون دينارا ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير فقال مولانا (عليه السلام) صدقت يا بني دل الرجل على الحرام منها فقال (عليه السلام) فتش عن دينار رازي السكة تاريخه سنة كذا قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه وقراضته آملية وزنها ربع دينار والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الجملة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منا وربعا فأتت على ذلك مدة فتهيأ لذلك الغزل سارقا فأخبر الحائك صاحبه فكذبه واسترد منه منا ونصفا غزلا أدق مما كان دفعه إليه واتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه فلما فتح رأس الصرة وجد رقعة في وسط الدينار باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة ثم أخرج صرة أخرى فقال الغلام وهذه لفلان ابن فلان من محلة كذا بقم تشتمل على خمسين دينارا لا يحل لنا مسها قال وكيف ذلك قال لأنها من ثمن حنطة حاف صاحبه على أكاره في المقاسمة وذلك لأنه قبض حصته منها بكيل واف وكان ما حص الأكار منها بكيل بخس فقال صدقت يا بني ثم قال يا ابن إسحاق احملها بأجمعها لتردها أو توصي بردها على أربابها فلا حاجة لنا في شيء منها وائتنا بثوب العجوز قال أحمد وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيتها فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إلى مولانا أبو محمد (عليه السلام) فقال ما جاء بك يا سعد فقلت شوقني أحمد بن إسحاق لقاء مولانا قال فالمسائل التي أردت أن تسأله عنها قلت على حالها يا مولاي قال فسل قرة عيني عنها وأومأ إلى الغلام فقال سل عما بدا لك فقلت يا مولاي وابن مولانا إنا روينا عنكم أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى أرسل إلى عائشة يوم الجمل أنك قد أرهجت على الإسلام وأهله بفتنتك وأوردت بنيك حياض الهلكة بجهلك فإن كففت عني غربك وإلا طلقتك ونساء رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قد طلقهن وفاته قال ما الطلاق قلت تخلية السبيل قال فإذا كان وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قد خلى سبيلهن فلم لا يحل لهن الأزواج قلت لأن الله تعالى حرم الأزواج عليهن قال كيف وقد خلى سبيلهن الموت قلت فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) حكمه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال إن الله عز وجل عظم شأن نساء النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فخصصن بشرف الأمهات فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق على نسائي ما دمن لله على الطاعة فأيتهن عصت الله عز وجل بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين قلت فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها يحل للزوج أن يخرجها من بيته قال الفاحشة المبينة هي السحق دون الزنى فإن المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد وإذا سحقت وجب عليها الرجم والرجم خزي ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه ومن أخزاه فقد أبعده ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه قلت فأخبرني يا ابن رسول الله عن أمر الله تبارك وتعالى لنبيه موسى (عليه السلام) بخلع نعليه (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) فإن فقهاء الفريقين.
زعموا أنها كانت من إهاب الميتة قال (عليه السلام) من قال ذلك فقد افترى على موسى (عليه السلام) واستجهله في نبوته لأنه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين إما كانت صلاة موسى فيها جائزة أو غير جائزة فإن كانت صلاة موسى جائزة جاز لموسى أن يكون لابسها في تلك البقعة إن لم تكن مقدسة وإن كانت مقدسة مطهرة فليست بأطهر وأقدس من الصلاة وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب أن موسى (عليه السلام) لم يعرف الحلال من الحرام ولا علم ما جاز فيه الصلاة وما لم يجز وهذا كفر قلت فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما قال إن موسى (عليه السلام) نادى ربه عز وجل بالوادي المقدس فقال يا رب إني أخلصت لك المحبة مني وغسلت قلبي عمن سواك وكان شديد الحب لأهله فقال له الله عز وجل اخلع نعليك حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة فليكن قلبك من الميل إلى سوائي مغسولا.
قلت يا ابن رسول الله أخبرني عن كهيعص الحروف في أول سورة مريم قال هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع الله عليها عبده زكريا وذلك أن زكريا سأل ربه عز وجل أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط جبرئيل (عليه السلام) فعلمه إياها فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين سرى عنه غمه وانجلى كربه فإذا ذكر اسم الحسين (عليه السلام) خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة فقال ذات يوم إلهي ما لي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين (عليه السلام) تدمع عيني وتثور زفرتي فأنبأه الله عز وجل عن قصته فالكاف اسم كربلاء والهاء هلاك العترة والياء يزيد وهو ظالم الحسين (عليه السلام) والعين عطشه والصاد صبره فلما سمع بذلك زكريا (عليه السلام) لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته إلهي أ تفجع خير خلقك بولده إلهي أ تنزل بلوى هذه الرزية بفنائه إلهي أ تلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة إلهي أ تحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما ثم كان يقول إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر وتجعله وارثا رضيا واجعل محله مني محل الحسين فإذا رزقتنيه فأفتني بحبه ثم أفجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده فرزقه الله يحيى وفجعه به وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين (عليه السلام) كذلك وله قصة طويلة قلت فأخبرني يا مولاي عن الكلمة التي يمنع القوم عن اختيار إمام لأنفسهم قال مصلح أم مفسد قلت مصلح قال فهل يجوز أن يقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد قلت بلى قال فهي العلة أزيدها لك ببرهان ينقاد لك في عقلك أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله عز وجل وأنزل الكتب عليهم وأيدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الأمم وأهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى (عليه السلام) فهل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا هما بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن قلت لا قال فهذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من وجوه قومه وأعيان عسكره لميقات ربه جل وعز سبعين رجلا واخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا ممن لم يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين وقد شهد بذلك القرآن المبين قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة فلما وجدنا اختيار من اصطفاه الله للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن الاختيار لا يجوز إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور وتكن الضمائر وتتصرف عليه السرائر وأن لا يخطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح ثم قال مولانا (عليه السلام) يا سعد وحين ادعى خصمك أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إنما أخرج مع نفسه مختار هذه الأمة إلى الغار إلا علما منه أن الخلافة له من بعده وأنه هو المقلد أمور التأويل والملقى إليه أزمة الأمة وعليه المعول في لم الشعث وسد الخلل وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه وإنما أبات عليا (عليه السلام) على فراشه لما لم يكن يكترث له ولم يحفل به لاستثقاله إياه وعلما منه أنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها فهلا نقضت عليه دعواه بقولك أ ليس قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الخلافة بعدي ثلاثون سنة فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم فكان لا يجد بدا من قوله لك بلى فكنت تقول.
له حينئذ أ ليس كما علم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أن الخلافة بعده لأبي بكر علم أنها لعمر ومن بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعلي فكان لا يجد بدا من قوله لك نعم ثم تقول له فكان الواجب على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أن يخرجهم جميعا على الترتيب إلى الغار ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم وتخصيصه أبا بكر بإخراجه مع نفسه دونهم ولما قال أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أو كرها لم تقل له أسلما طمعا وذلك أنهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدونه في التوراة وفي سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصة محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ومن عواقب أمره فكانت اليهود تذكر أن محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) يتسلط على العرب كما كان بختنصر مسلطا على بني إسرائيل ولا بد له من الظفر بالعرب كما ظفر بختنصر ببني إسرائيل غير أنه كاذب في دعواه أنه نبي فأتيا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فساعداه على قول لا إله إلا الله الشهادة بالوحدانية وتابعاه على أن ينال كل واحد منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت أموره واستتبت أحواله فلما آيسا من ذلك تلثما وصعدا العقبة مع عدة من أمثالهما على أن يقتلوه فدفع الله كيدهم وردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا كما أتى طلحة والزبير عليا (عليه السلام) فبايعاه وطمع كل واحد منهما أن ينال ولاية بلد من جهته فلما آيسا نكثا بيعته وخرجا عليه فصرع الله كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين قال سعد ثم قام مولانا (عليه السلام) مع الغلام للصلاة فانصرفت عنهما وطلبت ابن أبي إسحاق فاستقبلني باكيا فقلت ما أبكاك وما أبطأك قال قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره قلت لا عليك فأخبره فدخل عليه مسرعا فانصرف من عنده متبسما وهو يصلي على محمد وأهل بيته فقلت ما الخبر قال وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولاي (عليه السلام) يصلي عليه قال سعد فحمدنا الله عز وجل على ذلك وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى مجلس مولانا أبي محمد (عليه السلام) أياما فلا نرى الغلام بين يديه فلما كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا فانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما وقال يا ابن رسول الله قد دنت الرحلة واشتدت المحنة فنحن نسأل الله أن يصلي على المصطفى جدك وعلى المرتضى أبيك وعلى سيدة النساء أمك وعلى سيدي شباب أهل الجنة عمك وأبيك وعلى الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك وأن يصلي عليك وعلى ولدك ونرغب إليه أن يعلي كعبك ويكبت عدوك ولا جعل الله هذا آخر العهد من لقائك قال فلما أن قال هذه الكلمة استعبر مولانا (عليه السلام) حتى استهلت دموعه وتقاطرت عبراته ثم قال يا ابن إسحاق لا تكلف في دعائك شططا فإنك ملاق الله في صدرك هذا فخر أحمد بن إسحاق مغشيا عليه فلما أفاق قال سألتك بالله وبحرمة جدك إلا ما شرفتني بخرقة أجعلها كفنا فأدخل مولانا (عليه السلام) يده تحت البساط فأخرج له ثلاثة عشر درهما فقال خذها ولا تنفق على نفسك غيرها فإنك لن تعدم ما سألت إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
قال سعد فلما صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا (عليه السلام) من حلوان على ثلاثة فراسخ حم أحمد بن إسحاق وثارت به علة صعبة آيس من حياته فيها فلما وردنا حلوان نزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق رجلا من أهل بلده كان قاطنا بها ثم قال تفرقوا عني هذه الليلة وأنزلوني وحدي فانصرفنا عنه ورجع كل واحد منا إلى مرقده قال سعد فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمد (عليه السلام) وهو يقول أحسن الله بالخير عزاكم وجبر بالمحبور رزيتكم قد فرغنا من غسل صاحبكم وتكفينه فقوموا لدفنه فإنه من أكرمكم محلا عند سيدكم ثم غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتى قضى حقه وفرغنا من أمره رحمة الله عليه.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى أبي الأديان قال: كنت أخدم الحسن بن علي (عليه السلام) وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت إليه في علته التي توفي فيها فكتب معي كتبا وقال امض بها إلى المدائن فإنك ستغيب خمسة عشر يوما وتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل قال أبو الأديان فقلت يا سيدي وإذا كان ذلك فمن قال من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي قلت زدني قال من يصلي علي فهو القائم بعدي قلت زدني قال من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي ثم منعتني هيبته أن أسأله عما في الهميان وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جوابها ودخلت سر من رأى في يوم خامس عشر كما قال (عليه السلام) فإذا بالواعية في داره وإذا به على المغتسل وإذا أنا بجعفر أخيه على الباب والشيعة حوله يعزونه ويهنونه فقلت في نفسي إن يك هذا الإمام فقد بطلت الإمامة لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور فقدمت فعزيت وهنأت فلم يسألني عن شيء ثم خرج عقيد فقال يا سيدي قد كفن أخوك فقم فصل عليه فدخل جعفر بن علي والشيعة من خلفه يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي (عليه السلام) على نعشه مكفنا فتقدم جعفر بن علي ليصلي فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة بشعره قطط بأسنانه تفليج فجبذ رداء جعفر وقال تنح يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي منك فتأخر جعفر وقد اربد وجهه واصفر وتقدم الصبي فصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه ثم قال يا بصري هات جوابات الكتب التي معك فدفعتها إليه وقلت في نفسي بقي الهميان.
ثم خرجنا إلى جعفر وهو يزفر فقال له حاجز الوشاء يا سيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه فقال والله ما رأيته قط ولا أعرفه فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي (عليه السلام) فعرفوا موته فقالوا فمن نعزي فأشار الناس إلى جعفر بن علي فسلموا وعزوه وهنوه وقالوا معنا كتب ومال فتقول ممن الكتب وكم المال فقام ينفض أثوابه ويقول يريدون منا أن نعلم الغيب فخرج الخادم فقال معكم كتب فلان وفلان وفلان وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطلية فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا الذي وجه بك لأخذ ذلك هو الإمام فدخل جعفر على المعتمد وكشف له ذلك فوجه المعتمد خدمه فقبضوا على صقيل الجارية وطالبوها بالصبي فأنكرت وادعت حملا بها لتغطي حال الصبي فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم بالطريق المذكور يرفعه إلى أبي الحسن بن وجينا قال حدثني أبي عن جده أنه كان في دار الحسن بن علي فكبستنا الخيل وفيهم جعفر بن علي الكذاب فاشتغلوا بالنهب والغارة وكانت همتي في مولاي القائم وإذا به (عليه السلام) قد أقبل خارجا عليهم من الباب وأنا أنظر إليه وهو (عليه السلام) ابن ست سنين فلم يره أحد منهم حتى غاب. ومما صح لي روايته.
عن السيد هبة الله الراوندي رحمه الله تعالى يرفعه إلى نصر الخادم قال: دخلت على صاحب الزمان وهو في المهد فقال لي علي بالصندوق الأحمر فأتيت به فقال أ تعرفني فقلت نعم أنت سيدي وابن سيدي قال ليس عن هذا سألتك فقلت فسر لي فقال أنا خاتم الأوصياء وبي دفع الله البلاء عن أهل بيتي وشيعتي.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى نسيم خادم أبي محمد (عليه السلام) قال: دخلت على صاحب الزمان بعد مولده بعشر ليال فعطست عنده فقال لي يرحمك الله قال ففرحت بذلك فقال أ لا أبشرك في العطاس هو أمان من الموت إلى ثلاثة أيام.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى ابن أبي سورة وكان أبوه من مشايخ الزيدية بالكوفة قال: خرجت إلى قبر الحسين (عليه السلام) أعرف عنده فلما كان وقت العشاء الآخرة صليت وقمت فابتدأت أقرأ من الحمد فإذا شاب حسن الوجه عليه جبة سيفية ابتدأ أيضا قبلي وختم قبلي فلما كان الغداة خرجنا جميعا من باب الحائر فلما صرنا على شاطئ الفرات قال لي الشاب أنت تريد الكوفة فامض فمضيت من طريق الفرات وأخذ الشاب طريق البر. قال أبو سورة فأسفت على فراقه فاتبعته فقال لي تعال فجئنا جميعا إلى أصل حصن المسناة فنمنا جميعا ثم انتبهنا فإذا نحن على مقابر مسجد السهلة فقال هو ذا منزلي ثم قال أنت مضيق ولك عيال فامض إلى أبي طاهر الرازي فسيخرج إليك من داره وفي يده دم الأضحية فقل له شاب من صفته كذا وكذا يقول لك أعط هذا الرجل صرة الدنانير التي عند رجل السرير مدفونة قلت فمن أنت قال محمد بن الحسن وفي رواية ثم مشينا حتى انتهينا إلى النواويس في السحر وجلس وحضر بيده فإذا الماء قد خرج فتوضأ وصلى ثلاثة عشر ركعة فلما دخلت الكوفة مضيت إلى الرازي فدققت الباب فقال من أنت فقلت أبو سورة فسمعته يقول ما لي ولأبي سورة ثم خرج إلي وعلى يده دم الأضحية فقصصت عليه فصافحني وقبل وجهي ووضع بيدي ومسح بها وجهه وأدخلني الدار وأخرج الصرة من عند رجل السرير فدفعها إلي فاستبصر أبو سورة وبرأ من الزيدية. وبالطريق المذكور يرفعه إلى الحسن المسترق الضرير قال كنت يوما في مجلس الحسين بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة فتذاكرنا أمر الناحية قال كنت أزري عليها إلى أن حضرت مجلس عمي الحسين يوما فأخذت أتكلم في ذلك فقال يا بني قد كنت أقول بمقالتك هذه إلى أن ندبت إلى ولاية قم حين استعصت على السلطان يحاربه أهلها فسلم إلي جيش وخرجت نحوها فلما بلغنا إلى ناحية طرز خرجت إلى الصيد ففاتتني طريدة فاتبعتها وأوغلت في أثرها حتى بلغت إلى نهر فسرت فيه وكلما أسير يتسع النهر فبينا أنا كذلك إذ طلع علي فارس تحته شهباء وهو متعمم بعمامة خز خضراء لا أرى منه سوى عينيه وفي رجله خفان أحمران فقال لي يا حسين ولا هو أمرني ولا كناني فقلت ماذا تريد قال إن لم تزر على الناحية فلم تمنع أصحابي خمس مالك وكنت الرجل الوفور الذي لا يخاف شيئا فارتعدت منه وتهيبته وقلت أفعل يا سيدي ما ذا تأمر به فقال إذا مضيت إلى الموضع الذي أنت متوجه إليه فدخلته عفوا وكسبت ما كسبت فيه تحمل خمسه إلى مستحقه فقلت السمع والطاعة فقال امض راشدا ولوى عنان دابته وانصرف فلم أدر أي طريق سلك فطلبته يمينا وشمالا فخفي علي أمره فازددت رعبا وانكفأت راجعا إلى عسكري وتناسيت الحديث فلما بلغت قم وعندي ابني أريد محاربة القوم خرج إلي أهلها وقالوا كنا نحارب من يجيئنا لخلافهم لنا فأما فقد وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك ادخل البلدة فدبرها كما ترى. فأقمت فيها زمانا وكسبت زيادة على ما كنت أقدر ثم وشى القواد بي إلى السلطان وحسدت على طول مقامي وكثرة ما اكتسبت فعزلت ورجعت إلى بغداد فابتدأت بدار السلطان فسلمت عليه وأقبلت إلى منزلي وجاءني فيمن جاءني محمد بن عثمان العمري فتخطى الناس حتى اتكأ على تكأتي فاغتضبت من ذلك ولم يزل قاعدا ما يبرح والناس داخلون وخارجون وأنا أزداد غيظا فلما تصرم المجلس دنا إلي وقال بيني وبينك سر فاسمعه فقلت قل فقال صاحب الشهباء والنهر يقول قد وفينا بما وعدنا فذكرت الحديث وارتعدت من ذلك وقلت السمع والطاعة فقمت وأخذت بيده ففتحت الخزائن فلم يزل يخمسها إلى أن خمس شيئا نسيته مما كنت قد جمعته وانصرف ولم أشك بعد ذلك وتحققت الأمر فأنا منذ أن سمعت هذا من عمي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من الشك. وبالطريق المذكور يرفعه إلى محمد بن مسلم بن الفضل قال أتيت أبا سعيد غانم بن سعيد الهندي بالكوفة فجلست فلما طالت مجالستي إياه سألته عن حاله وقد كان وقع إلي شيء من خبره قال كنت ببلد الهند بمدينة يقال لها قشمير الداخلة ونحن أربعون رجلا نقعد حول كرسي الملك نقرأ التوراة.
والإنجيل والزبور يفزع إلينا في العلم فتذاكرنا يوما محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) وقلنا نجده في كتبنا فاتفقنا على الخروج في طلبه والبحث عنه فخرجت ومعي مال فقطع علي الترك فشلحوني فوقعت إلى كابل وخرجت من كابل إلى بلخ والأمير بها ابن أبي شمون فأتيته وعرفته ما خرجت له فجمع الفقهاء والعلماء ليناظرني فسألتهم عن محمد (صلى الله عليه واله وسلم) فقالوا هو نبينا محمد بن عبد الله وقد مات فقلت ومن كان خليفته فقالوا أبو بكر فقلت انسبوني فنسبوه إلى قريش فقلت ليس هذا بنبي إن النبي الذي نجده في كتبنا خليفته ابن عمه وزوج ابنته وأبو ولده فقالوا للأمير إن هذا قد خرج من الشرك إلى الكفر ومن كان كذلك تضرب عنقه فقلت إني متمسك بدين لا أدعه إلا ببيان فدعا الأمير الحسين بن إشكيب وقال يا حسين خذ هذا الرجل واخل به والطف له.
فقال فخلا بي الحسين بن إشكيب فسألته عن محمد فقال كما قالوا لكنه قال خليفته ابن عمه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وهو زوج ابنته فاطمة وأبو ولده الحسن والحسين فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله وصرت إلى الأمير فأسلمت ومضى بي الحسين ففهمني فقلت له إنا نجد في كتبنا أنه لا يمضي خليفة إلا عن خليفة فمن خليفة علي فقال الحسن ثم الحسين ثم سمى الأئمة واحدا واحدا حتى بلغ الحسن العسكري ثم قال تحتاج أن تطلب خليفة الحسن وتسأل عنه فخرجت في الطلب.
قال محمد بن محمد ووافى معنى بغداد فذكر لنا أنه كان معه رفيق قد صحبه على هذا الأمر فكره بعض أخلاقه ففارقه قال أنا يوما وقد مشيت في الصراة وأنا متفكر فيما خرجت له إذ أتاني آت وقال أجب مولاك فلم يزل يخترق في المحال حتى أدخلني دارا وبستانا فإذا مولاي (عليه السلام) قاعد فلما نظر إلي كلمني بالهندية وسلم علي وأخبرني باسمي وسألني عن الأربعين رجلا بأسمائهم عن رجل رجل ثم قال لي تريد الحج مع أهل قم في هذه السنة فلا تحج في هذه السنة وانصرف إلى خراسان وحج من قابل ورمى إلي بصرة وقال اجعل هذه في نفقتك ولا تدخل بغداد دار أحد ولا تخبر بشيء مما رأيت.
قال محمد فانصرفنا من العقبة ولم يقض لنا الحج وخرج غانم إلى خراسان وانصرف من قابل وحج وبعث إلينا بألطاف ولم يدخل قم وانصرف إلى خراسان ومات بها رحمه الله.
وقد ذكر الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه في كتابه المسمى بكمال الدين وإتمام النعمة أسماء من رآه (صلى الله عليه واله وسلم) وانتهت معجزاته إليه من الوكلاء ببغداد العمري وابنه وحاجز والبلالي والعطار ومن الكوفة العاصمي ومن الأهواز محمد بن إبراهيم بن مهزيار ومن قم أحمد بن إسحاق ومن همدان محمد بن صالح ومن الري البسامي والأسدي ومن آذربيجان القاسم بن العلا ومن نيشابور محمد بن شاذان ومن غير الوكلاء من بغداد أبو القاسم بن أبي حليس وأبو عبد الله الكندي وأبو عبد الله الجنيدي وهارون القزاز والنيلي وأبو القاسم بن رميس وأبو عبد الله بن فروخ ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن (عليه السلام) وأحمد ومحمد ابنا الحسن وإسحاق الكاتب من بني نوبخت وصاحب الفراء وصاحب الصرة المختومة ومن همدان محمد بن كشمرد وجعفر بن حمدان ومحمد بن هارون بن عمران ومن الدينور حسن بن هارون وأحمد وأخوه أبو الحسن ومن أصبهان ابن بادساكنة ومن الصيمرة زيدان ومن قم الحسن بن نضر ومحمد بن محمد وعلي بن محمد بن إسحاق وأبوه والحسن بن يعقوب ومن الري القاسم بن موسى وابنه وأبو محمد بن هارون وصاحب الحصاة وعلي بن محمد ومحمد بن محمد الكليني وأبو جعفر الرفاء ومن قزوين مرداس وعلي بن أحمد ومن قاقين رجلان ومن شهرزور ابن الخال ومن فارس المجروح ومن مرو صاحب الألف دينار وصاحب المال والرقعة البيضاء وأبو ثابت ومن نيشابور محمد بن شعيب بن صالح ومن اليمن الفضل بن يزيد والحسن ابنه والجعفري وابن الأعجمي والشمشاطي ومن مصر صاحب المولودين وصاحب المال بمكة وأبو رجا ومن نصيبين أبو محمد بن الوجناء ومن الأهواز الحصيني والأخبار كثيرة في هذا الباب اكتفينا بهذا القدر منها خوفا من طول الكتاب والله الموفق للصواب.
لا يقال لا نسلم ما ذكرتم من مشاهدة هؤلاء الأقوام وليس سلمنا أ ليس هذه أخبار آحاد لا يجب المصير إليها ولا الاعتماد عليها وهل هذه إلا بمنزلة الحكايات والخرافات لا يثبت هذا الأمر بمثلها إنما يثبت بالدلائل الواضحات والبراهين القاطعات.
لأنا نقول عن ذلك من وجوه الأول أن أبا محمد الحسن بن علي (عليه السلام) خلف جماعة من ثقاته ممن يؤخذ عنهم الأحكام ويعمل بقولهم في الحلال والحرام وإليهم ترفع كتب الشيعة وعلى أيديهم تخرج الأجوبة وكانوا بموضع من الستر والعدالة بتعديله إياهم في حال حياته وهو المعصوم الذي يجب حمل أفعاله على الصحة فلما مضى (عليه السلام) أجمعوا جميعا على أنه قد خلف ولدا وهو الإمام من بعده وأنهم رأوه وشاهدوه وعرفوه كما ذكرنا وأظهر لهم المعجزات كما قررنا وأمروا الناس أن لا يسألوا عن اسمه وأن يسروا عن أعدائه وطلبه السلطان أشد الطلب ووكل بالدور والحبالي من جواري الحسن (عليه السلام).
ثم كانت كتب الخلف تخرج إلى الشيعة بالأمر والنهي على يدي هؤلاء الرجال الثقات إلى مدة عشرين سنة إلى أن حان وقت الغيبة الثانية الطويلة التي قد سبق النص عليها من النبي والأئمة (عليه السلام) قبل وجود هذا الإمام.
وليس ذلك أخبار آحاد بل أخبار جماعة لا يحتمل تواطيهم على الكذب بلغوا حد التواتر الثاني أنا لسنا نستنتج من إثبات رؤيته إثبات غيبته وتعميره وصحة إمامته إذ الرؤية ليست بشرط في ثبوت ذلك له إنما يستنتج ذلك من البراهين العقلية والأدلة الصحيحة النقلية.
أليس أمر الدين كله إنما يعلم بالاستدلال أ لسنا عرفنا الله تعالى بالأدلة ولم نشاهده ولا أخبرنا عنه من مشاهده وعرفنا النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وكونه موجودا في زمان حياته في العالم بالدليل ولم نشاهده وإنما عرفنا نبوته وصدقه وعصمته بالاستدلال فكذلك عرفنا أنه استخلف عليا (عليه السلام) بالاستدلال ولم نره وكذلك عرفنا أن الحسن السبط إمام مفروض الطاعة وعلمنا بالأخبار المتواترة عن النبي خاتم النبيين وعن الأئمة المعصومين أن الإمامة بعد الحسن في أخيه الحسين وفي ولده من بعده لا يمضي إمام حتى يستخلف إماما من بعده حتى انتهت الإمامة إلى الحسن بن علي وثبت وفاته فثبت أنه قد خلف من بعده إماما وليس ذلك متوقفا على رؤيته ومشاهدته فالإمامة والرؤية لا يتوقف أحدهما إلى الآخر بل كل واحد ثابت على حدته.
الثالث: أنا قد بينا أن الإمام يجب أن يكون معصوما والعصمة قد انحصرت فيهم إذ لم تدعى لغيرهم فلا معصوم سواهم فلا إمام إلا هم. وقد ثبت عندنا بالتواتر نصبهم على عددهم وإمامتهم وصفة القائم منهم على ما نقلناه فوجب الإذعان بذلك.
ونحن نجد خصماءنا يبنون دينهم وشريعتهم على أخبار جماعة قد نالت منهم الألسن كأنس بن مالك وأبي هريرة ونحوهما بل من أئمتهم الذين اختاروا نصبهم لدينهم باختيار بعض وإجبار بعض على قبول ذلك ومع ذلك لا يزالون يسددون حال أئمتهم بتأويل ما وقع منهم من الخلل والزلل ولذا لم يعتبروا العصمة في إمامهم بل كان اهتداؤه واقتداؤه بباقي الصحابة أكثر من اقتداء رعاع الرعاية به (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ومع ذلك يتعاملون عن عيبهم ويرموننا به لوما وعداوة مع أن أئمتنا الذين ندين الله بحبهم وقولهم أقطاب ألباب أنجاب قد نقل هؤلاء الخصوم مناقبهم وكراماتهم وحلهم للمعضلات التي كانت تعرض لعلمائهم وقضاتهم في أعصارهم حتى أن أكثر ما عندنا من ذلك نقلناه من كتبهم وآثارهم حجة عليهم وإلزاما لهم حتى أنه لم ينقل من مخالف في حقهم غلط في قول ولا شطط في حكم ولا زلة في عمل فأينا أبلج بالحجة وأحق بالاتباع وأولى بالعيب.
وليس للخصم أن يقول إنهم لم يدعوا الإمامة ولكنكم ادعيتم فيهم ذلك كما سمعناه من بعض جهلائهم.
فإن القائل بذلك مصادم لبديهة عقله إن كان ممن يعقل إذ لا يرتاب عاقل في أن أئمتنا (عليه السلام) كانوا في أعصارهم ممتازين عن مخالطة علماء الخصوم وقضاتهم وملوكهم منقطعين إلى الله في أمر دينهم وعبادتهم مانعين أنفسهم عن طلب دنياهم وجوائزهم مشفقين على شيعتهم ومن يدين الله بقولهم مظهرين لخواص شيعتهم دعوى الإمامة كما نقله الفريقان عنهم ولذا كان العباسيون مع كونهم أرحاما لهم لا يزالون يتجسسون عليهم ويقابلونهم بالقطيعة وأنواع الإيذاء حتى أماتوا جماعة منهم (عليه السلام) بالسم والغيلة واستأصلوا شيعتهم قتلا ونهبا وتشريدا في أقطار الأرض وما ذلك إلا لما علموه من دعوى الإمامة منهم وموافقة شيعتهم وتصديقهم لهم فقابلوهم بالإيذاء والقتل لما داخلهم من وهم أخذ الملك منهم حين تحققوا ادعاءهم للإمامة ولم يجعلوا السبب في فعل ذلك بهم أنهم قوم يدعون العلم وليسوا من أهله أو يدعون الإمامة وليسوا من أهلها وما أشبه ذلك بمقابلة كفار العرب ومنافقيهم لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بالقتال والطعان لما عجزوا من معارضة معاجزه باللسان. فانظر من تختار لدينك بعين الإنصاف أيها المكلف المأمور وإياك الوقوف عند شبه أهل الغرور فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. واعلم أن هذا الدليل الثالث مما أجرى الله سبحانه صدقه على لساني فأثبته وحذفت ما ذكره جامع الكتاب إذ ليس مقنعا فضلا عن كونه قاطعا فإن فيه هدما لبنيان المضلين وشفاء لصدور قوم مؤمنين وبالجملة فإنما ذكرنا أخبار مشاهدته ليعلم المخالف أنه (عليه السلام) ظهر للمخلصين من شيعته وهو لطف من الله تعالى حق بريته في شهوده وغيبته.
الفصل الحادي عشر: في ذكر علامات ظهوره
وقد ورد عن آبائه (عليه السلام) ذكر علامات تتقدم على ظهوره وتدل على ظهوره. فمن ذلك ما صح لي روايته.
عن الشيخ السعيد أبي عبد الله محمد المفيد رحمه الله يرفعه إلى جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الزم الأرض ولا تحرك يدا ولا رجلا حين ترى علامات أذكرها لك وما أراك تدرك ذلك اختلاف بني العباس ومناد ينادي من السماء وخسف في قرية من قرى الشام تسمى بالجابية ونزول الترك الجزيرة ونزول الروم الرملة واختلاف كثير عند ذلك في كل أرض حتى يخرب الشام ويكون سبب خرابه اجتماع ثلاث رايات فيه راية الأصهب وراية الأبقع وراية السفياني.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في قوله تعالى (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) لا بد من نزول الآية سيفعل الله ذلك لهم قلت ومن هم قال بنو أمية وشيعتهم قلت وما الآية قال ركود الشمس ما بين الزوال إلى وقت العصر وخروج صدر ووجه في عين الشمس يعرف بحسبه ونسبه وذلك في زمان السفياني وعندها يكون بواره وبوار قومه.
ومما جاز لي روايته:
عن أحمد بن محمد الأيادي يرفعه إلى يزيد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا يزيد اتق جمع الأصهب قال وما الأصهب قال الأبقع قلت وما الأبقع قال الأبرص واتق السفياني واتق الشديدين من ولد فلان وفلان يأتيان مكة فيقسمان بها الأموال يتشبهان بالقائم واتق الشذاذ من آل محمد.
ومما أجيز لي روايته.
عن الشيخ الصدوق محمد بن بابويه رحمه الله يرفعه إلى أبي عمر عن الباقر (عليه السلام) قال: إذا قام القائم قال (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) خفتكم على نفسي وجئتكم لما أذن لي ربي وأصلح بي أمري.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى محمد بن مسلم الثقفي قال: دخلت على أبي جعفر محمد الباقر (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد (عليه السلام) فقال لي مبتدئا يا محمد بن مسلم إن في القائم من آل محمد (صلى الله عليه واله وسلم) شبها من الخمسة الرسل يونس بن متى ويوسف بن يعقوب وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه واله وسلم) أما شبهه من يونس فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن وأما شبهه من يوسف فالغيبة من خاصته وعامته واختفاؤه من إخوته وإشكال أمره على أبيه يعقوب مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته وأما شبهه من موسى فدوام خوفه وطول غيبته وخفاء ولادته وتعب شيعته من بعده وما لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله عز وجل في ظهوره ونصره وأيده على عدوه وأما شبهه من عيسى فاختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة منهم ما ولد وطائفة قالت مات وقالت طائفة قتل وصلب وأما شبهه من جده المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله عز وجل وأعداء رسوله (صلى الله عليه واله وسلم) والجبارين والطواغيت وأنه ينصر بالسيف وبالرعب وأنه لا ترد له راية وإن من علامات خروجه خروج السفياني من الشام وخروج اليماني من اليمن وصيحة من السماء في شهر رمضان ومناد ينادي من السماء باسمه واسم أبيه.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: قلت لمحمد بن علي بن موسى (عليه السلام) أرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما فقال (عليه السلام) يا أبا القاسم ما منا إلا وهو قائم بأمر الله جل وعز وهاد إلى دين الله جل وعز ولكن القائم منا الذي يطهر الله عز وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها عدلا وقسطا هو الذي يخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته وهو سمي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وكنيه وهو الذي يطوى له الأرض ويذل له كل صعب ويجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عز وجل فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عز وجل. قال عبد العظيم فقلت يا سيدي وكيف يعلم أن الله قد رضي قال يلقي في قلبه الرحمة فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خمس قبل قيام القائم اليماني والسفياني والمنادي ينادي من السماء وخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى محمد بن عبد الله بن أبي منصور البجلي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اسم السفياني فقال وما تصنع باسمه إذا ملك كور الشام الخمس دمشق وحمص وفلسطين والأردن وقنسرين فتوقعوا عند ذلك الفرج قلت يملك تسعة أشهر قال لا ولكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوما.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى عبد الله بن عجلان قال: ذكرنا خروج القائم (عليه السلام) عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت كيف لنا أن نعلم ذلك فقال يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب طاعة معروفة اسمعوا وأطيعوا وروي أنه يكون في راية المهدي (عليه السلام) البيعة لله عز وجل.
ومن ذلك يرفعه إلى ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: آيتان بين يدي هذا الأمر كسوف القمر لخمس وكسوف الشمس لخمس عشرة لم يكن مثل ذلك منذ هبط آدم (عليه السلام) إلى الأرض وعند ذلك يسقط حساب المنجمين.
وعن سليمان بن خالد يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: قدام القائم موتان موت أحمر وموت بيض حتى يذهب من كل سبعة خمسة الموت الأحمر السيف والموت الأبيض الطاعون.
وعن أبي بصير ومحمد بن مسلم قالا سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس فقلنا إذا ذهب ثلثا الناس فما يبقى؟
فقال (عليه السلام) أ ما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى المفضل بن عمر قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن سورة العصر فقال والْعَصْرِ عصر خروج القائم (عليه السلام) (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) والخسر خسران أعدائه (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) والمؤمنون الصالحون أصحاب القائم (عليه السلام) من الخسران مبرءون (وتَواصَوْا بِالْحَقِّ) وتواصوا بالقول بالإمامة (وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) وصبروا في أيام الفترة.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى المفضل بن عمر قال قال أبو عبد الله (عليه السلام): لقد ذكر الله تعالى المفتقدين من أصحاب القائم (عليه السلام) في كتابه (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً) إنهم يفتقدون من فرشهم ليلا فيصبحون بمكة بعضهم يسير في السحاب نهارا يعرف اسمه واسم أبيه وحليته ونسبه قال فقلت جعلت فداك أيهم أعظم إيمانا قال الذين يسيرون في السحاب نهارا.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى سدير السيرفي قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) فرأيناه جالسا على التراب وعليه مسح خيبري مطرق بلا جيب مقصر الكمين وهو يبكي بكاء الوالهة الثكلى ذات الكبد الحرى قد نال الحزن من وجنتيه وشاع التغير في عارضيه وبل الدمع محجريه وهو يقول سيدي غيبتك نفت رقادي وضيقت علي مهادي وابتزت مني راحة فؤادي سيدي غيبتك وصلت مصابي بفجائع الأبد وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد ما أحس بدمعة ترقأ من عيني وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا الأمثل بعيني عن غوابر أعظمها وأقطعها وبواقي أشدها وأنكرها ونوائب مخلوطة بغضبك ونوازل معجونة بسخطك قال سدير فاستطارت عقولنا ولها وتصدعت قلوبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل وظننا أنه سمت لمكروهة قارعة أو حلت به من الدهر بائقة فقلنا لا أبكى الله يا ابن خير الورى عينك من أي حادثة تسترق دمعتك وتستمطر عبرتك وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم قال فزفر الصادق (عليه السلام) زفرة انتفخ منها جوفه واشتد عنها خوفه وقال ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله تقدس اسمه به محمدا والأئمة من بعده صلى الله عليه وعليهم أجمعين وتأملت منه مولد قائمنا وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم وخلع ربقة الإسلام من أرقابهم التي أوجبها الله تعالى عليهم وذكرها في كتابه (وكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) يعني الولاية فأخذتني الرقة واستولت على الأحزان فقلنا يا ابن رسول الله كرمنا وفضلنا بإشراكك إيانا في بعض ما أنت تعلمه من علم ذلك قال إن الله عز وجل أدار في القائم منا ثلاثة أدارها في ثلاثة من الرسل (عليه السلام) قدر مولده بقدر موسى (عليه السلام) وقدر غيبته بقدر غيبة عيسى (عليه السلام) وقدر إبطائه بقدر إبطاء نوح (عليه السلام) وجعل له من بعد ذلك عمر العبد الصالح الخضر (عليه السلام) دليلا على عمره فقلنا له اكشف لنا يا ابن رسول الله وجوه هذه المعاني قال أما مولد موسى (عليه السلام) فإن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يده أحضر الكهنة فدلوه على نسبه وأنه يكون من بني إسرائيل فلم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل حتى قتل في طلبه نيفا وعشرين ألف مولود وتعذر عليه الوصول إلى قتل موسى (عليه السلام) لحفظ الله عز وجل إياه كذلك بنو أمية وبنو العباس لما وقفوا على أن زوال ملكهم وملك الأمراء والجبابرة منهم على يد القائم منا ناصبونا العداوة ووضعوا سيوفهم في قتل أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وإبادة نسله طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائم (عليه السلام) ولكن الله عز وجل لا يكشف أمره لواحد من الظلمة (ويَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ولو كره المشركون) وأما غيبة عيسى (عليه السلام) فإن اليهود والنصارى اتفقت على أنه قتل فكذبهم الله جل ذكره بما ذكر في كتابه (وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ ولكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) كذلك غيبة القائم (عليه السلام) فإن الأمة مستنكرة لطولها فمن قائل يهذي بأنه.
لم يولد وقائل يقول إنه ولد ومات وقائل يكفر بقوله إن حادي عشرنا كان عقيما وقائل يمرق بقوله إنه يتعدى إلى ثلاثة عشر فصاعدا وقائل يعصي الله عز وجل بقوله إن روح القائم ينطق في هيكل غيره وأما إبطاء نوح فإنه لما استنزلت العقوبة على قومه من السماء بعث الله عز وجل الروح الأمين جبرئيل (عليه السلام) معه سبع نويات فقال يا نبي الله إن الله تبارك وتعالى يقول لك إن هؤلاء خلائقي وعبادي ولست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجة فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإني مثيبك عليه واغرس هذا النوى فإن لك في نباتها وبلوغها وأطرافها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين فلما نبتت الأشجار وتأزرت وتسوقت وأغصنت وأثمرت وزها الثمر عليها بعد زمان طويل استنجز من الله عز وجل العدة فأمره الله عز وجل أن يغرس من نوى تلك الأشجار ويعاود الصبر والاجتهاد ويؤكد الحجة على قومه فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت فارتد منهم ثلاثمائة رجل وقالوا لو كان ما يدعيه نوح حقا لما وقع في وعد ربه خلف ثم إن الله عز وجل لم يزل يوعده ويأمره عند كل مرة أن يغرسها تارة بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرات فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتد منهم طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلا فأوحى الله عز وجل عند ذلك إليه وقال يا نوح الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرح الحق عن محضه وصفا الأمر والإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة فلو أني أهلكت الكفار وأبقيت من ارتد من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك واعتصموا بحبل نبوتك بأني أستخلفهم في الأرض وأمكن لهم دينهم وأبدل خوفهم بالأمن لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشرك من قلوبهم وكيف يكون الاستخلاف والتمكن وبدل الخوف بالأمن مني لهم ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا لخبث طينتهم وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وسنوخ الضلالة فلو أنهم تنسموا من الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداءهم لنشقوا روائح صفائه لاستحكمت مرائر نفاقهم وتأبدت حبال ضلالة قلوبهم ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة وحاربوهم على طلب الرئاسة والتفرد بالأمر والنهي وكيف يكون التمكين في الدين وانتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب كلا فاصنع (الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا ووَحْيِنا) قال الصادق (عليه السلام) وكذلك القائم (عليه السلام) فإنه يمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه ويصفى الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم (عليه السلام) قال المفضل يا ابن رسول الله فإن النواصب يزعمون أن آية التمكين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي (عليه السلام) فقال لا هدى الله قلوب النواصب متى كان الذي ارتضى الله ورسوله متمكنا بانتشار الأمن في الأمة وذهاب الخوف من قلوبها وارتفاع الشك من صدروها في عهد واحد من هؤلاء وفي عهد علي (عليه السلام) مع ارتداد.
المسلمين والفتن التي كانت تثور في قلوبهم والحروب التي كانت تنشب بين الكفار وبينهم ثم قال الصادق (عليه السلام) وأما العبد الصالح أعني الخضر فإن الله عز وجل ما طول عمره لنبوة قدرها له ولا لكتاب ينزله عليه ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها ولا لطاعة يفرضها له بلى إن الله عز وجل لما كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم (عليه السلام) في أيام غيبته بما يقدر وعلم ما يكون من إنكار عباده لمقدار ذلك العمر في الطول طول عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك إلا لعلة الاستدلال به على عمر القائم (عليه السلام) وليقطع بذلك حجة المعاندين لئلا يكون للناس على الله حجة قال المفضل قلت يا ابن رسول الله فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين (عليه السلام) دون ولد الحسن (عليه السلام) وهما جميعا ولدا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة فقال (عليه السلام) إن موسى وهارون كانا نبيين مرسلين أخوين فجعل الله النبوة في صلب هارون دون صلب موسى ولم يكن لأحد أن يقول لم فعل الله ذلك وإن الإمامة خلافة الله عز وجل في أرضه وليس لأحد أن يقول لم جعل الله في صلب الحسين دون صلب الحسن (عليه السلام) لأن الله تبارك وتعالى هو الحكيم في أفعاله (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْئَلُونَ) وقد تقدم في الفصول المتقدمة أيضا عدة روايات تنبئ عن علامات تدل على ظهوره وتسفر عن أسباب حضوره يحصل بها مقصودنا في هذا الباب فلينقطع بذلك لئلا يطول الكتاب.
الفصل الثاني عشر: في ذكر ما يكون في أيامه
وقد ورد في ذلك عدة روايات وضعنا منها في هذا الباب ما صحت لنا روايته كما هو شأننا في جميع هذا الكتاب. فمن ذلك ما صح لي روايته.
عن أحمد بن محمد الأيادي يرفعه إلى أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: لو خرج القائم (عليه السلام) لقد أنكره كثير من الناس يرجع إليهم شابا فلا يثبت عليه إلا كل مؤمن أخذ الله ميثاقه في الذر الأول.
وعنه (عليه السلام) ما ينكرون أن يمد الله لصاحب الأمر في العمر كما مد لنوح (عليه السلام) فإن لصاحب الزمان شبه من موسى ورجوعه من غيبته بشرخ الشباب.
وكيف يسوغ لعاقل أن ينكر هذا وقد وقع ذلك فيما تقدم.
بالطريق المذكور يرفعه إلى أبي جعفر (عليه السلام): أن يوسف (عليه السلام) لما ملك مصر أصاب العزيز وامرأته فقر وضر فقامت له في بعض الطرق توقف عليها وقال من أنت فأخبرته فقال ما ذهب بجسمك وغير صوتك قالت الضر والجوع وذل المعصية فأمر لها بخمسين ألف درهم وقال لها توسعوا وأنفقوا فإذا نفدت فأتوني فما لبث إلا أياما يسيرة حتى مات زوجها فجاءت فأخبرته فتزوجها فلما باشرها وجدها بكرا.
فهذه زليخا امرأة يوسف (عليه السلام) رد الله عليها شبابها وعاد عليها حسن الحال ورجعت بعد الميل إلى الاعتدال فكيف يمتنع بقاء الشباب لرجل جعله الله تعالى لطفا في حق بريته وجعل طول تعميره سببا لحفظ خليقته.
وقد ورد من طريق العامة عن أبي عبيدة المعمر بن المثنى البصري التميمي قال كان في غطفان حكماء شهرتهم لها العرب كان منهم نصر بن دهمان وكان من سادة غطفان وقادتها فخرف حتى تلف وجاءه الكبر وعاش تسعين ومائة ثم اعتدل بعد ذلك شابا واسود شعره فلا يعرف في العرب أعجوبة مثله. وإذا جاز أن يرد الله على من ليس بحجة شبابه وقوته بعد مائة وتسعين سنة حتى يعتدل ويرجع إلى صورته أيام شبابه وقوته فما المانع أن يعمر الله المهدي (عليه السلام) ويبقى عليه شبابه وهو حجته على خلقه واسطة بينه وبين عباده فيخرج إليهم شابا قوي الذراعين معتدل المنكبين ليقضي الله أمرا كان مفعولا كما مد في عمر نوح والخضر وإلياس وأصحاب الكهف وأبقى عليه شبابهم وقوتهم فليسعد من سعد باتباعه ويشقى من شقي بجحداته.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كأني بالقائم بين ذوي طوى قائما على رجليه خائفا يترقب على سنة موسى حتى يأتي المقام فيدعو.
وعن أبي جعفر (عليه السلام) بالطريق المذكور يرفعه إلى أبي بكر الحضرمي قال كأني بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره والمؤمنون بين يديه وهو يفرق الجنود في البلاد.
وعنه (عليه السلام) إذا دخل القائم الكوفة لم يبق مؤمن وإلا وهو بها وتحر إليها.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى مفضل بن عمر أنه قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قائمنا (عليه السلام) إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها واستغنى العباد عن ضوء الشمس وصار الليل والنهار واحدا وذهبت الظلمة ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ولد ذكر ولا يولد فيهم أنثى ويبني في ظهر الكوفة مسجدا له ألف باب ويتصل بيوت الكوفة بنهر كربلاء وبالحيرة حتى يخرج الرجل يوم الجمعة على بغلة سفواء يريد الجمعة فلا يدركها.
وبالطريق المذكور عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه ذكر مسجد السهلة فقال: هو منزل قائمنا إذا قدم بأهله.
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال يدخل المهدي الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت بينها فتصفو له فيدخل حتى يأتي المنبر فيخطب ولا يدري الناس ما يقول من البكاء وهو قول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كأني بالحسني والحسيني قد قاداها فيسلمها إلى الحسيني فيبايعونه فإذا دخلت الجمعة الثانية قال الناس يا ابن رسول الله إن الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والمسجد لا يسعنا فيقول أنا مرتاد لكم فيخرج إلى الغري فيخط مسجدا له ألف باب يسع الناس عليه أصيص ويبعث فيحفر من خلف قبر الحسين نهرا يجري إلى الغري حتى يرمي في النجف ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء في السبيل فكأني بالعجوز على رأسها مكتل فيه شيء تطحنه بلا كراء.
ومن ذلك قال يهزم المهدي السفياني وجيشه ويقتلهم أجمعين ويذبح السفياني تحت شجرة أغصانها مدلاة في بحيرة طبرية مما يلي الشام والحديث مختصر.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى بشير النبال عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: يا بشير هل تدري ما أول ما يبدأ به القائم (عليه السلام) قلت لا قال يخرج طريين فيحرقهما ثم يذريهما بالريح ويكسر المسجد ثم قال إن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال عريش كعريش أخي موسى وذكر أن مقدم مسجد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كان طينا وجانباه جريد نخل.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى محمد بن عجلان قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقعة قرقيسيا فقال: إن القائم (عليه السلام) إذا قام فنبشهما فكاتبت العرب في شرق الأرض وغربها فيجتمعون بقرقيسيا على نضرتهما فيقول اليمن فينا الأمير ويقول المضر منا الأمير فيوقع الله بأسهم بينهم ويقع الصبر عليهم ويرتفع النصر فيقتل بعضهم بعضا حتى لا يبقى منهم إلا الحقالة ويغتدي عليهم صاحب الأمر وجنده فلا يبقي منهم أحدا.
وعنه (عليه السلام) أن لله في كل حين مأدبة وله بقرقيسيا مأدبة يقتل فيها سبعون ألف جبار عليهم سيوف محلاة.
وعنه (عليه السلام) بالطريق المذكور يرفعه إلى إسحاق بن عمار قال إذا قدم القائم 514421- وهم أن يكسر الحائط الذي على القبر بعث الله ريحا شديدة وصواعق ورعودا حتى يقول الناس إنما ذا لذا فيتفرق أصحابه عنه حتى لا يبقى معه أحد منهم فيأخذ المعول بيده فيكون أول من يضرب بالمعول ثم يرجع إليه أصحابه إذا رأوه يضربه بالمعول فيكون ذلك اليوم فضل بعضهم على بعض بقدر سبقهم إليه فيهدمون الحائط ثم يخرجهما غضين طريين فيلعنهما ويتبرأ منهما ويصلبهما ثم ينزلهما فيحرقهما ثم يذريهما في الريح.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: إذا ظهر القائم على نجف الكوفة خرج إليه قراء أهل الكوفة قد علقوا المصاحف في أعناقهم وأطراف رماحهم شعارهم يا 642121- يا 247- فيقولون لا حاجة لنا فيك يا ابن فاطمة قد جربناكم فما وجدنا عندكم خيرا ارجعوا من حيث جئتم فيقتلهم حتى لا يبقى منهم مخبر.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى صادق عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دولتنا آخر الدول ولا يبقى أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا كيلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء والعاقبة للمتقين.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا قام القائم ودخل الكوفة فأمر بهدم المساجد الأربعة حتى يبلغ أساسها ويصيرها عريشا كعريش موسى (عليه السلام) ويكون المساجد كلها جماء لا شرف لها كما كانت على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ويوسع الطريق الأعظم فيصير ستين ذراعا ويهدم كل مسجد على الطريق ويسد كل كوة إلى الطريق وكل جناح وكنيف وميزاب إلى الطريق ويأمر الله الفلك في زمانه فيبطئ في دوره حتى يكون اليوم من أيامه كعشرة أيام من أيامكم والشهر كعشرة أشهر والسنة كعشرة سنين من سنيكم ثم لا يلبث إلا قليلا حتى يخرج عليه مارقة الموالي برميلة الدسكرة عشرة آلاف شعارهم يا 51457- فيدعو رجلا من الموالي فيقلده سيفه ثم يخرج إليهم فيقتلهم حتى لا يبقى منهم أحد ثم يتوجه إلى كابل شاه وهي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره فيفتحها ثم يتوجه إلى الكوفة فينزلها ويكون داره والحديث مختصر.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى عبد الكريم بن عمرو الخثعمي قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) كم يملك القائم قال: سبع سنين يكون سبعين سنة من سنيكم هذه.
وعن الباقر (عليه السلام) بالطريق المذكور يرفعه إلى جابر قال إن لله تعالى كنزا بالطالقان ليس بذهب ولا فضة اثني عشر ألفا بخراسان شعارهم أحمد أحمد يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء عليه عصابة حمراء كأني أنظر إليه عابر الفرات فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبوا على الثلج.
وعنه (عليه السلام) كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) وأصحابه في نجف الكوفة كأن على رءوسهم الطير فنيت أزوادهم وخلقت ثيابهم متنكبين قسيهم قد أثر السجود بجباههم ليوث بالنهار رهبان بالليل كأن قلوبهم زبر الحديد يعطى الرجل منهم قوة أربعين رجلا ويعطيهم صاحبهم التوسم لا يقتل أحد منهم إلا كافرا أو منافقا فقد وصفهم الله بالتوسم في كتابه (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) وما جاز لي روايته عن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه رحمه الله يرفعه إلى المفضل بن عمر قال الصادق (عليه السلام) إن الله خلق أربعة عشر نورا قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا فقيل له يا ابن رسول الله ومن الأربعة عشر قال محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال ويطهر الأرض من كل جور وظلم.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى الريان بن الصلت قال قلت للرضا (عليه السلام) أنت صاحب هذا الأمر قال: أنا صاحب هذا الأمر ولكني لست بالذي أملؤها عدلا كما ملئت جورا وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشباب قويا في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها يكون معه عصا موسى وخاتم سليمان ذاك الرابع من ولدي يغيبه الله عز وجل في ستره ما شاء ثم يظهره فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى أبي إبراهيم المذكور قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده إذ دخل موسى بن جعفر (عليه السلام) فقمت أنا وقبلت رأسه وجلست فقال أبو عبد الله (عليه السلام) يا أبا إبراهيم أما إنه صاحبك من بعدي أما ليهلكن فيه أقوام ويسعد آخرون ولعن الله قاتله وضاعف على روحه العذاب أما ليخرجن الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه سمي جده ووارث علمه وأحكامه وفضائله معدن الإمامة ورأس الحكمة يقتله جبار بني فلان بعد عجائب تمر به حسدا له إن الله بالغ أمره ولو كره المشركون يخرج الله من صلبه تكملة اثني عشر إماما مهديا اختصهم الله بكرامته وأحلهم دار قدسه المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يذب عنه فدخل رجل من موالي بني أمية فانقطع الكلام وعدت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) خمسة عشر مرة أريد إتمام الكلام فما قدرت عليه وهو جالس فقال لي يا أبا إبراهيم فهو المفرج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد وبلاء طويل وجزع وخوف فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان حسبك يا أبا إبراهيم قال أبو إبراهيم فما رجعت بشيء أسر إلي من هذا ولا أفرح لقلبي منه.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) على ظهر النجف فإذا استوى على ظهر النجف ركب فرسا أدهم أبلق بين عينيه شمراخ ثم ينتفض به فرسه فلا يبقى أهل بلده إلا وهم يظنون أنه معهم في بلادهم فإذا نشر راية رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) انحط إليه ثلاثة عشر ألف ملك وثلاثة عشر ملكا كلهم ينتظرون القائم (عليه السلام) وهم الذين كانوا مع نوح (عليه السلام) في السفينة والذين كانوا مع إبراهيم (عليه السلام) حين ألقي في النار وكانوا مع عيسى (عليه السلام) حين رفع وأربعة آلاف مسومون ومردفون وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكا يوم بدر وأربعة آلاف ملك الذين هبطوا يريدون القتال مع الحسين (عليه السلام) فلم يؤذن لهم فصعدوا في الاستيمار وهبطوا وقد قتل الحسين (عليه السلام) فهم شعث غبر يبكون عند قبر الحسين (عليه السلام) إلى يوم القيامة وما بين قبر الحسين (عليه السلام) إلى السماء مختلف الملائكة.
وعنه (عليه السلام) بالطريق المذكور كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل البدر وهم أصحاب الألوية وهم حكام الله في أرضه على خلقه حتى يستخرج من قبائه كتابا مختوما بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فيجفلون عنه إجفال النعم فلا يبقى منهم إلا الوزير وأحد عشر نفسا كما بقوا مع موسى بن عمران (عليه السلام) فيجولون في الأرض فلا يجدون عنه مذهبا فيرجعون إليه والله إني لأعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى أبي الجارود زياد بن المنذر قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) إذا خرج القائم (عليه السلام) من مكة ينادي مناديه لا يحمل أحد طعاما ولا شرابا وحمل معه حجر موسى (عليه السلام) وهو وقر بعير فلا ينزل منزلا إلا انفجرت منه عيون فمن كان جائعا شبع ومن كان ظمآن روي ويروى دوابهم حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة.
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) بالطريق المذكور أنه قال إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تعالى كل منخفض من الأرض وخفض له كل مرتفع منها حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته فأيكم إذا كانت في راحته شعرة لا يبصرها.
ومما صح لي روايته.
عن السيد هبة الله الراوندي يرفعه إلى مفضل عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: تدري ما كان قميص يوسف (عليه السلام) قلت لا قال إن إبراهيم لما أوقدت له النار أتاه جبرئيل (عليه السلام) بثوب من ثياب الجنة فألبسه إياه فلم يضره معه حر ولا برد فلما حضر إبراهيم الموت جعلها في تميمة وعلقها على إسحاق وعلق إسحاق على يعقوب فلما ولد يوسف علقه عليه وكان في عضده حتى كان من أمره ما كان فلما أخرجه يوسف من التميمة بمصر وجد يعقوب ريحه (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) فهو ذلك القميص الذي أنزل من الجنة قلت جعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص قال إلى أهله وهو مع قائمنا إذا خرج يجد المؤمنون ريحه إن شاء الله شرقا وغربا ثم قال كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى آل محمد (عليه السلام).
وبالطريق المذكور إلى أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا قام قائمنا وضع يده على رءوس العباد فجمع الله به عقولهم وأكمل به أحلامهم.
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) بالطريق المذكور يرفعه إلى أبي الربيع الشامي قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إن قائمنا إذا قام مد الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد يكلمهم ويسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه.
وعنه (عليه السلام) بالطريق المذكور يرفعه إلى أبان قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) العلم سبعة وعشرون جزءا فجميع ما جاءت به الرسل جزءان لم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين فإذا قام القائم أخرج الخمس والعشرين حرفا فبثها في الناس وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفا.
ومما جاز لي روايته أيضا.
عن أحمد بن محمد الأيادي يرفعه إلى علي بن عقبة عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن الرجعة أ حق هي قال: نعم فقيل له من أول من يخرج قال الحسين (عليه السلام) يخرج على أثر القائم (عليه السلام) قلت ومعه الناس كلهم قال لا بل كما ذكر الله في كتابه (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) قوم بعد قوم.
وعنه (عليه السلام) يقبل الحسين (عليه السلام) في أصحابه الذين قتلوا معه ومعه سبعون نبيا كما بعثوا مع موسى بن عمران فيدفع إليه القائم الخاتم فيكون الحسين (عليه السلام) هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه وإبلاغه حفرته.
وعنه (عليه السلام) أن منا بعد القائم اثني عشر مهديا من ولد الحسين (عليه السلام).
وبالطريق المذكور يرفعه إلى جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول والله ليملكن منا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة ويزداد تسعا قلت متى يكون ذلك قال بعد القائم قال قلت وكم يقوم القائم في عالمه قال تسع عشرة سنة ثم يخرج المنتصر إلى الدنيا وهو الحسين (عليه السلام) فيطلب بدمه ودماء أصحابه فيقتل ويسبي حتى يخرج السفاح وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وبالطريق المذكور يرفعه إلى أسد بن إسماعيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: حين سئل عن اليوم الذي ذكر الله تعالى مقداره في القرآن (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) وهي كرة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يكون ملكه في كرته خمسين ألف سنة.
وليس لمنكر أن يقول هذا غير صواب لأنا نقول أليس في الكتاب (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً) وعد محمدا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أن يظهره على جميع الأديان وشهد بذلك بنفسه على نفسه ولا بد من حصول ما شهد به القرآن ومن المعلوم أن هذا لم يحصل في حال حياته فوجب عوده بعد مماته ليحصل له ما شهد به الكتاب أ ليس هذا نص في الباب ويملك أمير المؤمنين (عليه السلام) في كرته أربعا وأربعين سنة.
وعن علي (عليه السلام): لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ولأخرجت الأرض نباتها ولذهبت الشحناء من قلوب العباد وأصلحت السباع والبهائم حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلا على النبات وعلى رأسها مكتلها لا يهيجها سبع ولا تخافه.
وبالطريق المذكور يرفعه إلى إسحاق بن عمار قال سألته يعني زين العابدين (عليه السلام) عن إنظار الله تعالى إبليس وقتا معلوما ذكره في كتابه قال (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) قال: الوقت المعلوم يوم قيام القائم فإذا بعثه الله كان في مسجد الكوفة وجاء إبليس حتى يجثو على ركبتيه فيقول يا ويلاه من هذا اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه فذلك يوم الوقت المعلوم منتهى أجله.
فإن قيل إن إبليس لا يرى كما أخبر عنه سبحانه وتعالى في كتابه المبين (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) مع ما ثبت أن الجن والشياطين أجسام شفافة قادرون على التشكل بشكل لا تراه أعين الناظرين فكيف يصح أن يكون من المقتولين.
قلنا: قد ثبت أن الله على كل شيء قدير فجاز إذا انتهت مدته وحان وقته أن يمنعه الله تعالى من تلك القوة التي يتشكل بها ويصيره على شكل يصح أن يقع عليه القتل به والآية لم تدل على نفي رؤيته أبد الآبدين. على أنه قد ورد مثل ذلك من طريق العامة والخاصة. أما الأول فقد ذكر صاحب الكشاف في كتابه عند تفسيره لسورة النجم ما صورته أن العزى كانت لغطفان وهي شجرة وأصلها تأنيث الأعز وبعث إليها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) خالد بن الوليد فقطعها فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها واضعة يدها على رأسها فجعل يضربها بالسيف حتى قتلها وهو يقول:
يا عز كفرانك لا سبحانك * * * إني رأيت الله قد أهانك
ورجع فأخبر النبي (صلى الله عليه واله وسلم).
فقال (صلى الله عليه واله وسلم) تلك العزى ولن تعبد أبدا.
وإذا جاز هذا لشخص من آحاد هذه الأمة فلم لا يجوز لسيدها.
وأما ثانيا فمما صح لي روايته:
عن السيد هبة الله الراوندي رحمه الله يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال لأم سلمة يوما إذا جاء أخي فمريه أن يملأ هذه الشكوة من الماء ويلحقني بها بين الجبلين ومعه سيفه فلما جاء علي (عليه السلام) قالت له قال أخوك املأ هذه الشكوة من الماء وألحقه بها بين الجبلين قالت فملأها وانطلق حتى إذا دخل بين الجبلين استقبله طريقان فلم يدر في أيهما يأخذ فرأى راعيا على الجبل فقال يا راعي هل مر بك رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال الراعي ما لله من رسول فأخذ علي جندلة فصرخ الراعي فإذا الجبل قد امتلأ بالخيل والرجال فما زالوا يرمونه بالجندل واكتنفه طائران أبيضان فما برح يمضي ويمضونه حتى لحق برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال يا علي ما لي أراك منبهرا فقال يا رسول الله كان كذا وكذا فقال رسول الله وهل تدري من الراعي ومن الطائران قال لا قال أما الراعي فإبليس وأما الطائران فجبرئيل وميكائيل ثم قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يا علي خذ سيفي هذا وادخل بين هذين الجبلين ولا تلق أحدا إلا قتلته ولا تتهيب فأخذ سيف رسول الله ودخل بين الجبلين فرأى رجلا عيناه كالبرق الخاطف وأسنانه كالمنجل يمشي في شعره فشد عليه فضربه ضربة فلم تبلغ شيئا ثم ضربه أخرى فقطعه باثنتين ثم أتى رسول الله فقال قتلته فقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) الله أكبر ثلاثا هذا يغوث ولا يدخل في صنم يعبد من دون الله حتى تقوم الساعة.
ومن ذلك ما اتفقت عليه هذه العصابة الناجية ووصل إلينا عن الرجال الثقات أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بعث عليا (عليه السلام) إلى واد الجن حين خرجوا ليوقعوا بالمسلمين عند مرورهم بهم فنزل جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وأخبره بذلك وأمره أن يرسل أمير المؤمنين (عليه السلام) لقتالهم ودفعهم فأرسله ومعه جماعة من المسلمين فأوقفهم على شفير الوادي ونزل إليهم ورآهم المسلمون وقد أحدقوا به وهم على أشكال الزط فجعل يضرب فيهم بسيفه يمينا وشمالا حتى قتل أكثرهم وانهزم الباقون فأتوا النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فأسلموا على يديه. وإذا كان ذلك جائزا بإجماع المسلمين فليس بمستنكر أن يمنع وقوعه من خاتم الوصيين لا سيما إذا ترتب إليه صدق القرآن ويكون الدين كله لله.
والحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي من بعده محمد سيد ولد عدنان وأهل بيته الطاهرين أولي الفضل والإحسان مدى الأيام والليالي والأحيان