حقيقة الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر عليه السلام
تأليف: المحامي أحمد حسين يعقوب
الأردن/ جرش
فهرس موضوعات الكتاب
المقدمة
الباب الأول: نقض عرى الإسلام وغربته والتهيئة لظهور المهدي المنتظر
الفصل الأول: نقض عرى الأسلام وناقضوها
نجاح لا مثيل له في التاريخ البشري
بيان ما هو كائن وما سيكون
نقض عرى الإسلام كلها والناقضون
أخطر التحذيرات النبوية
الله ورسوله يكشفان العقول والجموع التي ستنقض عرى الإسلام
بطون قريش
المنافقون
الذين في قلوبهم مرض
الذين في قلوبهم زيغ
أصحاب التخشع الكاذب
البيان اليقيني وإقامة الحجة على الجميع
المفاجأت الكبرى
حلقة من مخطط وخطوة على طريق
الفصل الثاني: بطون قريش وأنصارها يستولون عملياً علي مقاليد الدولة الإسلامية
المعايير الجديدة لتعبئة الوظائف العامة
الاستعانة بالمنافقين والفاسقين والمرتزقة
طواقم جديدة من الولاة
وتحقق ما حذر منه النبي وتفكك الإسلام وحلت كافة عراه
الفصل الثالث: مظاهر نقض عرى الإسلام ووسائله
استبعاد النبي
استبعاد آل محمد وأهل البيت والهاشميين ومن والاهم
غربة الإسلام والايمان
أئمة الضلالة وأعوانهم
التناقض الصارخ بين الدين والواقع وبين المظاهر والحقائق
أمثلة حية على هذا الانقلاب
الفصل الرابع: المهمة الكبرى للمهدي المنتظر
الباب الثاني: الاعتقاد بالمهدي المنتظر
الفصل الأول: الاعتقاد بالمهدي المنتظر
شيوع هذا الاعتقاد وانتشاره
حقيقة هذا الاعتقاد
تعدد أشكال ونماذج هذا الاعتقاد
أشكال هذا الاعتقاد
عند اتباع الملل الأخرى (غير السماوية)
عند اليهود والنصارى
عند بعض فلاسفة اليهود والنصارى في العصر الحديث
الفصل الثاني: المهدي المنتظر في الإسلام
الاعتقاد بالمهدي المنتظرعند المسلمين
مصادر ومنابع الاعتقاد بالمهدي المنتظر
الفصل الثالث: المهدي المنتظر في القرآن الكريم
لكي نجد المهدي في القرآن
الآن يمكننا أن نتعرف علي المهدي في القرآن الكريم
أمثلة من القرآن الكريم
لم يتم الإظهار
الآية دالة على ظهور المهدي المنتظر
الفصل الرابع: المهدي المنتظر في البيان النبوي أو السنة المطهرة
التكامل وعمق الارتباط بين القرآن الكريم والسنة النبوية
الانقلاب والتنكر التام للرسول ولبيانه ولأهل بيته الكرام
مرض النبي واتهامه بالهجر وإعلان النوايا بوضوح
منع رواية وكتابة أحاديث رسول الله
الانطلاقة الکبرى في رواية وكتابة الحديث
على صعيد علماء دولة الخلافة
رواية وكتابة الحديث عند أهل البيت وأوليائهم
الفصل الخامس: الآن يمكننا أن نتبين موقع المهدي في السنة النبوية
مدرستا الأمة
إجماع المدرستين واستحالة إجماعهما على كذب
رواة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر
من هم رواة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر
أهل بيت النبوة وآل محمد
من بني هاشم أيضاً
الصحابة الأبرار
خلفاء ومرشحون للخلافة
من زوجات النبي
طائفة من الصحابة الكرام
مثلما روتها طائفة أخرى من الصحابة
الفصل السادس: علماء المسلمين الأعلام الذين أخرجوا أحاديث المهدي
علماء المسلمين الأعلام الذين تخرجوا من مدرسة أهل البيت
علماء المسلمين الأعلام الذين تخرجوا من مدرسة دولة الخلافة
ممن أخرج الأحاديث المتعلقة بالمهدي
عدد الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر
أحاديث المهدي المنتظر بموازين علماء الحديث
صحة أحاديث المهدي المنتظر
تواتر الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر
الفصل السابع: التشكك بأحاديث المهدي بعد التيقين منها
حصول اليقين فيها
أوهام الشك بعد حصول اليقين
الأسباب المعلنة للشك بعد اليقين والرد عليها
أن البخاري ومسلم لم يرويا أي حديث صريح بالمهدي
أن ابن خلدون ضعف بعض الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر
جرأة ابن خلدون وتطاوله ومبلغه من العلم
السبب الثالث
السبب الرابع
السبب الخامس
السبب الحقيقي الذي يدفع المتشككين للتشكيك بالمهدي المنتظر وبالأحاديث الواردة فيه
الباب الثالث: البني الشرعية الأساسية لنظرية المهدي المنتظر في الإسلام
الفصل الأول: حتمية ظهور المهدي المنتظر
عند أهل بيت النبوة وأوليائهم (الشيعة)
عند الخلفاء التاريخيين وأوليائهم (أهل السنة)
إجماع الأمة الإسلامية على حتمية ظهور المهدي
نماذج من الأحاديث النبوية التي رواها علماء أهل السنة والتي تؤكد حتمية ظهور المهدي
تحليل موجز للاحاديث التي رواها علماء أهل السنة الأعلام حول حتمية ظهور المهدي
الفصل الثاني: المهدي المنتظر من آل محمد ومن عترته أهل بيته وبالتحديد من ولده
نماذج من الأحاديث النبوية الدالة على أن المهدي المنتظر من ذرية النبي، ومن نسل فاطمة وصلب علي بن أبي طالب
الفصل الثالث: الخلط وتمييع النصوص ومحاولات صرف هذا الشرف عن أهل البيت
محاولات صرف شرف المهدية عن أهل البيت
الشعبة الأولي من المخطط الادعاء بأنه لا مهدي إلا عيسى ابن مريم
الشعبة الثانية من المخطط الادعاء بأن المهدي رجل من الأمة
الشعبة الثالثة من المخطط الادعاء بأن المهدي من ولد الحسن وليس من ولد الحسين كما يجمع أهل البيت
المهدي ليس من أهل بيت النبوة ولا من ذرية النبي إنما هو من ولد العباس!!
الفصل الرابع: الجذور التاريخية لهذا المخطط الخلط والتمييع ومحاولة صرف هذا الشرف عن أهل بيت النبوة
الفصل الخامس: المهدي المنتظر يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً
نماذج من الأحاديث النبوية التي تؤكد بأن المهدي سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً
الفصل السادس: المهدي المنتظر سيملك العالم كله ويكوّن دولة عالمية
الفصل السابع: عهد الإمام المهدي المنتظر عهد الكفاية والرخاء المطلق
الفصل الثامن: سكان الأرض والسماء يحبون المهدي ويرضون منه
عمي القلوب والخلل المزمن بالذوق البشري العام
أحدث الأمثلة والبراهين على ذلك
محبة الإمام المهدي موالاته
فيض من تأكيدات الرسول
حتمية حب العالم للمهدي وقبولها بخلافته ورضوانه عنها
الفصل التاسع: الله تعالى يظهر بالإمام المهدي دين الإسلام على جميع الأديان
حتمية هذه المعلومة ومنطقيتها معاً
المهدي المنتظر يظهر في آخر الزمان
نماذج من هذه الأحاديث
الباب الرابع: هوية المهدي الذي بشرّ به الرسول وعلامات ظهوره
الفصل الأول: اسم المهدي المنتظر واسم أبيه وجده ورهطه وكنيته عند أهل بيت النبوة ومن والاهم
اسم المهدي واسم أبيه وجده وبطنه وكنيته عند شيعة الخلفاء أهل السنّة
لكي تقف على الحقائق المجردة
الان يمكنك أن تتفهم موقف شيعة الخلفاء من اسم المهدي واسم أبيه واسم رهطه
التمييع ومحاولة تفريغ النصوص من مضامينها
الفصل الثاني: علماء أهل السنة يکتشفون أن المهدي المنتظر من أهل البيت ومن ذرية النبي وأن اسمه محمد!!!
الموضوعية
النتائج المذهلة التي توصل لها علماء شيعة الخلفاء حول اسم المهدي واسم جده ورهطه
المهدي المنتظر خاتم الخلفاء أو الأئمة الشرعيين
إجماع الامة على عدد الأئمة أو الخلفاء
شيعة الخلفاء أمام مشكلة كبرى
محاولة الخروج من المأزق وايجاد حل للمشكلة
هل المهدي في نظر شيعة الخلفاء خليفة
مكانة المهدي المنتظر ومقامه
الفصل الثالث: آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
الأهداف الکبري والمهام العظمى
مهمة الإمام المهدي مختلفة اختلافاً جوهرياً
آيات ومعجزات كافية لتحقيق الغايات وإنجاز المهمات
نماذج من الآيات والمعجزات التي سيظهرها الله على يد المهدي المنتظر
نماذج من احاديث رواها شيعة الخلفاء أو أهل السنة عن بعض معجزات الإمام المهدي
لماذا وُصف بالمهدي؟
الفصل الرابع: غيبة الإمام المهدي المنتظر
أحاديث عن رسول الله
إجماع آل محمد وأهل بيت النبوة
نماذج من أحاديث الأئمة
الغايات المعلنة من الغيبة
نص حديث الإمام الباقر وزوال العجب وغيبات سابقة
أوصاف الإمام المهدي المنتظر
الفصل الخامس: دولة أهل بيت النبوة ومدة حكم الإمام المهدي المنتظر
مدة حكم المهدي المنتظر
أحاديث رواها شيعة أهل بيت النبوة وشيعة الخلفاء معاً
تحليل هذه الأحاديث
والخلاصة في مدة حكم الإمام المهدي
الفصل السادس: العلامات التي تسبق مباشرة ظهور الإمام المهدي
الداء والدواء
انكساف الشمي والقمر قبل خروج المهدي
مناد من السماء ينادي
أحاديث النداء
البلاء الشامل وامتلاء الأرض بالظلم والجور
من مظاهر البلاء والظلم
الفتن
امتلاء الأرض بالظلم والجور والعدوان
الحرب والطاعون
علامات أخري لظهور المهدي المنتظر
الفصل السابع: علامات تتزامن مع ظهور المهدي المنتظر
السفياني، وابن اكلة الأكباد
حملة الرايات السود
أحداث الحجاز وظهور الإمام المهدي
الباب الخامس: أنصار المهدي وأعوانه ونمط حكومته
الفصل الأول: أنصار المهدي وأعوانه
مؤمنون من نوع خاص
نوعيات ونماذج من أعوان المهدي وأنصاره
من صفات أصحاب المهدي وأنصاره
جموع المؤيّدين للإمام المهدي
الفصل الثاني: الملائكة من أعوان المهدي وانصاره أيضاً
رسل وأنبياء وأولياء ووثائق أعوان للمهدي وأنصار له
الواقع السائد في العالم عند ظهور الأمام المهدي
الفصل الثالث: الإمام المهدي يفكك الواقع العالمي ويثبت فساده بنفس الأدوات التي تؤمن بها المجتمعات
الفصل الرابع: العقيدة القتالية للمهدي المنتظر وأنصاره
لكي نفهم هذه العقيدة
الإمام المهدي وجهاً لوجه مع أئمة الضلالة أو الحاكم الظالمين
المشكلة العظمى تتمثل بائمة الضلالة أو الحكام الظالمين
اللغة التي يفهمها أئمة الضلالة
جوهر مشكلة الإمام المهدي مع أئمة الضلالة في الأرض
مواجهة المهدي لأئمة الضلالة قدر محتوم لا مفر منه
طبيعة ومصادر العقيدة القتالية للمهدي وأعوانه
نماذج من أساليب الإمام المهدي وأصحابه في تعاملهم مع الظالمين
ولكن لماذا قريش بالذات؟
تعامل الإمام المهدي مع الظالمين بعهد من رسول الله
الفصل الخامس: معارك الإمام المهدي وحروبه
الطريقة المثلى للوقوف على معارك الإمام المهدي وحروبه
الرسول الأعظم يلخص معارك الإمام المهدي وحروبه
الترتيب الزمني وتسلسل أحداث معارك الإمام المهدي وحروبه
الفصل السادس: تسلسل أحداث ظهور الإمام المهدي ومعاركه وحروبه (السيناريو)
ظهور نظرية الإمام المهدي المنتظر وتغيبها كفكرة
تغييب نظرية الإمام المهدي وإخفائها
كيف غيّبت دولة الخلافة نظرية الإمام المهدي المنتظر وأخفتها؟
نظرية الإمام المهدي تعود للظهور في عهد معاوية!!
الظهور العام والشامل لنظرية الإمام المهدي المنتظر
علماء دولة الخلافة يعثرون على نظرية الإمام المهدي
الفصل السابع: ترتيب أحداث ووقائع ظهور الإمام المهدي المنتظر
المرحلة الأولى (انتشار الاعتقاد بالإمام المهدي وأيمان المسلمين بهذا الاعتقاد)
المرحلة الثانية: (إفلاس كافة العقائد الوضعية وأنماط حكمها واعتراف البشرية بعجز تلك العقائد وعدم أهليتها)
المرحلة الثالثة: (بروز علامات الظهور وتواليها)
المرحلة الرابعة: (وجود فئة مميزة تؤمن بالإمام المهدي وتضع نفسها تحت تصرفه)
الفئة المؤمنة المؤسسة تضع نفسها تحت تصرف الإمام المهدي الذي يتأهب للظهور
المرحلة الخامسة: (ظهور السفياني ومسابقته للزمن)
المرحلة السادسة: (مبايعة الإمام المهدي وظهوره)
آية الخسف أوضح علامات ظهور الإمام المهدي وأدلها عليه
المرحلة السابعة الذهاب إلى العراق، وإنشاء قاعدة للعمليات، واتخاذ الكوفة عاصمة له
لماذا اختار الإمام المهدي العراق قاعدة للعمليات والكوفة عاصمة له
المرحلة الثامنة قاعدة الإمام المهدي وقيادة عملياته العسكرية
القضاء على السفياني وحركته
فتح كافة حصون الضلالة والقضاء على الجبارين وابنائهم وتطهير الشرق من الظلمة وأعداء الله
سعي الإمام المهدي لتجنب المواجهة مع الغرب
المواجهة المسلحة مع الغرب
الملحمة العظمى بين الإمام المهدي وجنده وبين الروم والترك واليهود
ولا تتوقف معارك الإمام المهدي حتي يملك مشارق الأرض ومغاربها
نزول المسيح إلى الأرض
الفصل الثامن: دولة الإمام المهدي هي دولة آل محمد، وستكون آخر الدول
نشوء دول التاريخ السياسي الاسلامي وحرمان آل محمد من تكوين دولة خاصة بهم
الإمام الحسن العسكري يعلل ذلك
مبررات تقدم الجميع على آل محمد وقيام دول الجميع الا دولة آل محمد!!
العلم الإلهي المسبق لحركة الأحداث والوعد الإلهي القاطع بإقامة دولة آل محمد
الإنقلاب والردة على الأعقاب وتكوين حزب العدالة!!
الله يطلع رسوله على كل ما يجري والرسول يعلن ذلك ويكشف أهل الفتن
كشف حقيقة ما يجري
الجهد النبوي المكثف
نتايج الجهد النبوي
الوعد الإلهي بدولة آل محمد
المعالم الأساسية لدولة آل محمد
مقومات الدولة
الأقليم
شعب دولة آل محمد
السلطة
القانون النافذ في دولة آل محمد
الدين الرسمي لدولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد
طبيعة دولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد
دولة دينية ولكن
الإصرار على تحقيق غاية دولة آل محمد
حالة الانسجام العام في دولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد
موت الإمام المهدي وغياب القمر المنير
من الذي يرث هذا الملك العريض الذي بناه الإمام المهدي؟
مراجع الكتاب
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسول الله وخاتم النبيين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، الذين اصطفاهم وميّزهم على علم من عباده المسلمين أما بعد:
فبعد أن طبعت كتابي الحادي عشر (الهاشميون في الشريعة والتاريخ) صممت على الشروع بتأليف كتاب خاص عن (القضاء والافتاء عند أهل بيت النبوة) جمعت وهيأت المصادر والمراجع المتعلقة بهذا الموضوع ورتبتها على طاولتي، ولم يبق على سوى المباشرة فعلا بالكتابة بعد الموضوع ورتبتها على مباشرة فعلا بالكتابة، بعد ذلك اجتمعت مع أخ كريم، وصديق بارز، فسألني عن مشاريعي الجديدة بعد طباعة كتابي الأخير فأخبرته بما عزمت عليه فقال أبو علي: لقد أثبت بالدليل القاطع في كتابيك (المواجهة) و(الهاشميون في الشريعة والتاريخ) أن عدد الأئمة الشرعيين من بعد النبي اثنا عشر إماماً، فما رأيكم لو كان كتابك الثاني عشر عن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة وهو الإمام المهدي المنتظر؟ ثم إنك قد غطيت بالبحث والدراسة الفكر السياسي لأهل بيت النبوة خاصة، والنظام السياسي الاسلامي عامة من خلال مؤلفاتك فلماذا تترك هذه الثغرة لأن نظرية الإمام المهدي المنتظر مقطع بارز بالفكر والنظام السياسي الإسلامي، وأن الإمام المهدي هو المؤسس الفعلي لدولة آل محمد التي ستكون آخر الدول وبالتالي فلا يمكنك تجاهل هذه الحقايق، أو القفز عنها، والاهم أن تناول الإمام المهدي بالبحث والدراسة يشكل إغلاقاً مناسباً لدائرة بحوثك عن الفكر السياسي العالمي عامة، ولفكر أهل بيت النبوة خاصة، وبعد ذلك فلا تثريب عليك لو طرقت أي موضوع شئت فاقتنعت بصواب الاقتراح، تفاءلت خيراً، ولكني أوجست في نفسي خيفه وتهيبت كثيراً، لأن: كافة المعلومات المتعلقة بالأمام المهدي من أنباء الغيب التي لم تقع بعد، ولا مجال فيها للاجتهاد ولا للتحليل، بل آلت إلى الأمة من الأحاديث النبوية الشريفة، ثم إن الحديث النبوي نفسه قد تعرض لمحنة قاسية حيث منعت دولة الخلافة التاريخية كتابة ورواية الأحاديث النبوية منعاً باتاً قرابة مائة عام تحت شعار (حسبنا كتاب الله) وزاد المشكلة تعقيداً أن دولة الخلافة قد عزلت أئمة أهل بيت النبوة، وهم ورثة علمي النبوة والكتاب وفرضت عليهم نوعاً من الإقامة الجبرية، وهكذا حوُصرت أنباء الغيب محاصرة تامة، وبعد المائه عام حدث الانفراج عن مصادر تلك الأنباء، وبدأ المسلمون يروون ويكتبون الأحاديث النبوية علناً!! هذه الظروف تجعل الوصول إلى الحقائق الشرعيه الصادرة عن رسول الله أمراً ليس سهلاً.
ويكمن الخوف والتهيب في منهجية عرض وتقديم نظرية الإمام المهدي المنتظر، فالعشرات من العلماء الأجلاء قد بحثوا هذه النظرية، وعرضوها بأشكال متشابهة، وما ينبغي أن يكتب يجب أن يكون مختلفاً تماماً.
ثم إن شعور النخبة المستنيره من المسلمين ولاشعور الخاصه والعامه من أبناء الجنس البشري قد انفض تماماً من حول العقائد والأنظمة الوضعية، ويئس من قدرتها على إنقاذ البشرية، وقد حمت عندهم وتواترت بينهم، واقتنعوا بأن العالم الأنساني لن ينقذه، ولن يخلصه من مستنقعات واقعه إلا المهدي المنتظر!! فعشقوه عشقاً، وعشقوا حكومته العالمية التي سيخضع لسلطانها كافة سكان الكرة الأرضية، والملتزمة بتطهير الأرض من الظلمة، ونشر العدالة المطلقة في أرجائها، وتحقيق الكفاية التامة والرخاء المطلق لكل بني البشر، وإتمام المصالحة التامة بينهم بعد أن تقتلع جذور الخلاف والاختلاف فيسود الانسجام التام، هولاء بحاجة إلى دعم معنوي من الباحث، وتنسيق خاص لأنباء الغيب المتعلق بمثل هذه الأمور، والأهم كيف يرتقي الواقع العالمي للإمام المهدي وأهدافه وغاياته المعلنة؟ وبتعبير أدق كيف تتسلسل الحادثات وحلقات الوقائع تسلسلاً منطقياً بحيث تؤدي أو تفضي مباشرة إلى دولة آل محمد، أو إلى عهد الإمام المهدي المنتظر؟ وكيف نخلص هذا الكم من الامال من بين مخالب واقع عالمي يبعث على اليأس والقنوط؟ كل هذا يحتاج إلى قدرة هائلة على الاستقراء والاستنباط والمقارنة وتحليل الثوابت من النصوص تحليلاً يبقيك دائماً ضمن دائرتها.
واجتزت حواجز التهيب والخوف، وصممت على الكتابة، وجمعت مجموعة كبيرة من المراجع أهمها وأعظمها على الإطلاق (معجم أحاديث الإمام المهدي) الذي ألفته الهيئة العلمية في مؤسسة المعارف الإسلامية تحت إشراف سماحة الأخ والصديق الشيخ علي الکوراني، وهو يقع على خمسة مجلدات اشتملت على كافة الأحاديث النبوية وأحاديث أئمة أهل بيت النبوة، وشرعت بالكتابة، ولم أجد بحمد الله ومنّته عسراً ولا حرجاً، لأن مولانا الإمام المهدي يُسر ويفرح.
وبعد أن أتممت الكتاب أيقنت أن قوانينا، ومناهجنا وأساليبنا بالتغيير، تعكس حجم قدراتنا وقوانا المحدودة، وأن لله نواميس وأساليب بالتغيير تعكس حجم قدرته التي استطال بها على كل شيء، لا إله إلا هو شديد المحال، الكبير المتعال.
وقد اشتمل فهرس الموضوعات على الأبواب والفصول ويمكنني القول وبغير ادعاء أن الكتاب مختلف تماماً عن الكتب التي سبقته والتي عالجت نفس الموضوع، لقد قدمت نظرية الأمام المهدي المنتظر، بروح العصر ولغته بعد أن أصّلتها وجذرتها دينياً وتاريخاً.
الّلهم اجعل عملي خالصاً لوجهك الكريم، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم وآخر دعواهم ان الحمدلله رب العالمين.
المحامي - أحمد حسين يعقوب
الباب الأول: نقض عرى الإسلام وغربته والتهيئة لظهور المهدي المنتظر
الفصل الأول: نقض عرى الأسلام وناقضوها الأسباب والنتائج
نجاح لا مثيل له في التاريخ البشري
لقد نجح محمد رسول الله نجاحاً لا نظير له في تاريخ البشرية. كلها، فقد نقل العرب من دين إلى دين، وكون لهم دولة شملت كل بلادهم، ووحدهم وحدة حقيقية لاول مرة في التاريخ كله بمدة لا تتجاوز 23 سنة وبكلفة بشرية لم تتجاوز 389 قلتيلاً من طرفي الصراع، ووضع تحت تصرفهم نظاماً سياسياً لو أخذوا به لدخل العالم كله في طاعتهم من غير إكراه، ولتغير مجرى التاريخ العالمي تماماً لما اختلف اثنان قط.
وبكل الحياد والتجرد والموضوعية، فإن نجاح النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هذا نجاح لا يضاهيه نجاح في الدنيا قط، خاصة وأنه والهاشميون من خلفه قد شقوا طريقهم بموضوعية وبحدود قدرة العقل البشري على الاستيعاب، وتخطوا قبل النجاح عوائق عظمى لا طاقة لقدرة في الأرض على مواجهتها وتخطيها. واکتمل كل شيء. بلغ الرسالة على خير ما تُبلغ الرسالات، وأدي الأمانة على خير ما توًدى الأمانات، وانتهت مرحلة الإبداع والتأسس، وخُيّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين النبوة والملك والبقاء، وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله، وأعلن للأمة أنه سيمرض بعد عودته من حجة الوداع وسيموت في مرضه، وحذرها من فتن وعواصف ومحن تتربص بها، وتنتظر موته بفارغ الصبر لتنقض كالصاعقة. فتلغي عملياً كافة الترتيبات الإلهية لعصر ما بعد النبوة وتضع ترتيبات بديلة توًدي لتفريغ الإسلام من مضامينه ومحتواه مع الإبقاء على القشرة أو الاسم ليكون الغطاء الشرعي للملك وضرورات توسعه وتوسيعه.
بيان ما هو كائن وما سيكون
رحمة من النبي بالأمة، ورغبة منه بتبصيرها معالم الطريق، وإقامة للحجة بيّن الرسول للأمة كل ما كان في الأمم السابقة، وما كان أثناء مرحلة بناء الدعوة والدولة، ماذا سيكون بعد موته، وأن ما سيكون يمكن تجنبه تماماً إذا التزمت الأمة بتوجيهات نبيها، لأن النبي لا ينطق عن الهوى، بل يتبع ما يوحى إليه ويتكلم بالعلم الإلهي اليقيني، وبيان ما كان وما سيكون هو جزء من رسالته، وهو فيض الرحمتين الإلهية والنبوية، وأكد لهم النبي أن الفتن ستزحف عليهم بعد موته وهي مشتبهة كوجوه البقر لا تدرون أياً من أي. قال حذيفة: قلت: (يا رسول الله، إنّا كنا في جاهليةٍ وشر، فجاء الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم! قال حذيفة: ما هو؟ قال النبي: فتن كقطع الليل المظلم، سيتبع بعضها بعضاً تأتيكم مشتبهة) [راجع صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب علامات النبوة، ورواه أحمد. راجع الفتح الرباني ج 23، ص 38]، وروى مسلم في صحيحه كتاب الفتن ج 16 ص 18 وأحمد في الفتح الرباني ج 1 ـ ص (274) عن أبي زيد أنه قال: (صلى بنا رسول الله الفجر وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلي، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان، وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا). قال أسامة: أشرف النبي على آطم من اطام المدينة، ثم قال: (هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر). [رواه البخاري في كتاب الحج من صحيحه ج 1 ص 322، ورواه مسلم في صحيحه ج 7 ص 8].
نقض عرى الإسلام كلها والناقضون
لقد حذر رسول الله الموًمنين بانهم إن لم يتبعوا ما أمرهم أصحابه قائلاً: (لينقض الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهنّ نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة). [رواه أحمد وابن حبان والحاكم، راجع كنز العمال ج 1 ص 238]. وعملية نقض العرى لن تتم من تلقاء نفسها بل سيتولاها وينفذها فريق من المسلمين المحسوبين على الأمة، لذلك كشف رسول الله حقيقة هذا الفريق ليحذر الناس من شرورهم قبل وقوعها. قال حذيفة: (والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا، والله ما ترك رسول الله من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا بلغ من معه ثلاثمائة فأكثر، إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته). [رواه أبو داود في عون المعبود حديث 4243 و4222]، ووضع رسول الله النقاط على الحروف، قال حذيفة: قال رسول الله: (إن في أصحابي اثنى عشر منافقاً منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، [رواه الإمام أحمد والإمام مسلم، راجع كنز العمال ج 1 ص 169 ومعالم الفتن ج 1 ص 67]، وقال حذيقة: أشهد أن الاثنى عشر حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد [راجع صحيح مسلم ج 17 ص 125]، وروي عن عمار بن ياسر مثل ذلك. [رواه الإمام أحمد، راجع الفتح الرباني ج 21 ص 202.] إن اثنى عشر مجموعة تخريبية كذبت بآيات الله واستكبرت عنها كما يستفاد ذلك من الآية 40 من سورة الأعراف. واقترب الرسول من نقطة الخطر فأعلن أمام أصحابه قائلاً: (إن هلاك أمتي على يد غلمة من قريش). [رواه البخاري في صحيحه كتاب بدء الخلق، باب علامات النبوة من صحيحه ج 2 ص 280] ثم قال: (يهلك أمتي هذا الحي من قريش) [رواه البخاري أيضاً في كتاب بدء الخلق، باب علامات النبوّة من صحيحه ج 2 ص 280 ومسلم في صحيحه كتاب الفتن ج 18 ص 41]، وعن ابن عباس أنه قال: قال رسول: (ولتحملنكم قريش على سنّة فارس والروم ولتؤمنن عليكم اليهود والنصارى والمجوس). [رواه الطبراني، راجع محمع الزوائد ج 7 ص 236]، وقال الرسول مرة لأصحابه: (رواه الإمام أحمد، وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح الفتح الرباني ج 23 ص 240].
وعندما ذكر رسول الله الغلمة من قريش، والحي من قريش طالب الناس باعتزالهم قائلاً: (لو أن الناس اعتزلوهم). [راجع صحيح البخاري ج 2 ص 280 وصحيح مسلم ج 18 ص 39 ومعالم الفتن ج 1 ص 303].
ثم وقف النبي طويلاً عند بني أمية وحذر الأمة منهم، فبين أن أكثر بطون قريش بعضاً لمحمد ولآل محمد هم بنو أمية، وبنو أمية، وبنو مخزوم... [راجع المستدرك على الصحيحين للحاكم وحلية الأولياء لأبي نعيم، وكنز العمال ج 11 ص 169 حديث 31074] تحديث عن الشجرة الملعونة وعن رؤى نزو الأمويين على منبره نزو القردة وتيقن المسلمون من استياء النبي البالغ من تلك الرؤيا، [رواه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 171، وأقره الذهبي وقال ابن كثير في البداية والنهاية ج 6 ص 243، ورواه الترمذي وابن جرير والحاكم والبيهقي] وتحدث النبي عن اصحاب الخطر من بني أمية، وركز عليهم واحداً واحداً، وحذّر الأمة منهم. ثم وقف النبي وقفة طويلة وخاصة عند الحكم بن العاص والد وجد الخلفاء الامويين، فقال أمام أصحابه: (ويل لأمتي مما في صلب هذا) [رواه ابن عساكر راجع الكنز ج 11 ص 167]، وقال أيضاً: (ويل لأمتي من هذا وولد هذا)، [الكنز ج 11 ص 167 والإصابة لابن حجر ج 2 ص 29]، وقال النبي لأصحابه عن الحکم: (إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء، وبعضكم يومئذ شيعته، [رواه الدار قطني الكنز ج 11 ص 166 وابن عساكر ج 11 ص 360 والطبراني ج 11 ص 667].
وبعد أن كشف الرسول حقيقة هذا الخطر لعنه رسول الله، ولعن ولده. [قال الهيثمي، رواه أحمد والبزار والطبراني راجع الزوائد ج 5 ص 241]. قال عبد الرحمن بن أبي بكر لمروان بن الحكم: (إن رسول الله لعن أباك) [رواه البزار ومجمع الزوائد ج 5 ص 21]، وقال الحسن بن علي لمروان: لقد لعنك الله على لسان رسوله، وانت في صلب أبيك [رواه أبو يعلى مجمع الزوائد ج 5 ص 240، وابن سعد وابن عساكر ج 11 ص 357 وابن كثير في البداية ج 8 ص 280]. وحتى يكون الأمر معلوماً أمام الجميع أمر رسول الله بنفي الحكم بن العاص، فنفاه الرسول من المدينة أن الحكم بن العاص عدو لله ولرسوله، وبقي الحكم منفياً طوال عهد النبي المبارك، وبعد وفاة النبي راجع عثمان أبا بكر لإعادة الحكم فرفض ذلك أبو بكر، وبعد وفاة أبي بكر راجع عثمان عمر فرفض ذلك، ولما آلت الخلافة لعثمان أدخله معززاً، واتخذ ابنه مروان رئيساً لوزرائه، ولما مات الحكم أقام عثمان على قبره فسطاطاً تعبيراً عن حزنه وعميق مصابه بموت الحكم [راجع الإصابة ج 2 ص 29].
استمع المسلمون إلى كافة تحذيرات الرسول مما سيكون!! وتعجبوا كيف يكون ذلك!! وهل يعقل أن تنقض عرى الإسلام كلها!! فأراد الرسول أن يحذر أصحابه أنفسهم، وأن يضعهم إمام مسؤولياتهم فذكرهم أنه سينتظرهم على الحوض وفاجأهم قائلاً: (... وليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يُحال بيني وبينهم. [راجع صحيح بخاري ج 4 ص 141 كتاب الدعوات وصحيح مسلم ج 5 ص 153 كتاب الفضائل والفتح الرباني ج 1 ص 192]، وفي رواية عن عبد الله: (فأقول يا رب أصحابي!! فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك). [صحيح البخاري كتاب الدعوات ج 1 ص 141 وصحيح مسلم كتاب الفضائل ج 15 ص 159، ورواه أحمد والبيهقي، راجع كنز العمال ج 11 ص 418]، وفي رواية عن أبي هريرة: (فيقال إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى). راجع صحيح البخاري ج 4 ص 142 باب الصراط]، وفي رواية عن ابن عباس: (فيقال إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم). [راجع صحيح البخاري تفسير سورة الأنبياء ج 3 ص 160، وصحيح مسلم ج 17 ص 194]، ونادى منادٍ فقال هلم، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله! قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم) [راجع صحيح البخاري ج 4 ص 142 كتاب العدعوات باب الصراط]. هذه التحذيرات التي أطلقها الرسول بمواجهة أصحابه كانت إغلاقاً للدائرة فقد بين كل شيء على الإطلاق، فمن وعي بيانه تيقن أن الوقائع التي جرت بعد وفاته، ما كانت إلا ترجمة حرفية، لكل ما حذر منه، وباختصار شديد قال رسول الله: (وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء). [رواه ابن ماجه راجع الكنز ج 11 ص 370، وقال الألباني له منابع قوي عند الإمام أحمد كتاب السنة ج 1 ص 27].
أخطر التحذيرات النبوية
لغايات إكمال الحلقة، وحتى لا يضل الناس بعد هدى، وتبياناً لما سيكون قال النبي لأصحابه ومنهم أصحاب الخطر: (أكثر ما أتخوف على أمتي من بعدي رجل يتأول القرآن، يضعه على غير مواضعه، ورجل يرى أنه أحق بهذا الأمر من غيره)، [رواه الطبراني في الأوسط، راجع معالم الفتن ج 1 ص 91]، لأن الله تعالى قد خصص فئة معينة لفهم القرآن فهماً يقينياً، وهم أهل البيت والمتأول يقف بما ليس له به علم، ويتولى مهمة مخصصة لغيره، ولأن هذا المتأول محكم بهواه فسيضطر، لترك النصوص الشرعية التي لا تتفق حتماً مع هواه، واتباع ارائه الشخصية، مما يعني إهمال مضامين النصوص الشرعية وإحلال التحليلات والاراء الشخصية محلها تحت شعار أن هذا المتأول مشفق وناصح لله ولرسوله، وانه يرى مالا يرون!!! وبيّن الرسول أن القرآن سيقرأه في زمن الأزمان ثلاثة (مؤمن ومنافق وفاجر). [رواه الحاكم وأقره الذهبي في ذيل المستدرك ج 4 ص 507]، ولكن لا يمسه ولا يفهم المقصود الشرعي منه إلا المطهرون، وليقنع الرسول أصحابه، بأن ما يقوله يقيناً ومن عند الله، فقد ذكرّ أصحابه قائلاً: (لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلاً حتى نشأ فيهم المولدون وأبناء سبايا الأمم التي كانت بنو إسرائيل تسبيها، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا). [رواه الطبراني في الكبير، راجع كنز العمال ج 11 ص 181].
أما الشق الآخر من الخطر المحدق الذي حذر منه رسول الله فهو رجل يرى أنه أحق بهذا الأمر من غيره!! لقد أعلن رسول الله بأمر من ربه حديث الثقلين، وبيًن بأمر من ربه قد ترك هذين الثقلين. خليفتين من بعده، وبين أيضاً بأن القرآن لا يمسه إلا المطهرون والمطهرون الذين أذهب الله عنهم الرجس هم أهل البيت أحد الثقلين، بمعنى أن النقاط موشوعة على الحروف وأن كل شيء مرتب تربيناً إلهياً محكماً، وأخطر ما حذر الرسول من الوقوع فيه بعد موته هو ادعاء عمرو أو زيد من الناس انه أحق بالأمر أي (بقيادة الأمة) ومس القرآن من أهل بيت النبوة وأن (مصلحة المسلمين) تقتضي، تقديم المفضول على الأفضل، وهكذا وبجرة قلم ينقضوا أعظم عروة من عرى الأسلام، وهي نظام الحكم ويلغوا كافه الترتيبات الإلهية المتعلقة بها، وكافة النصوص الشرعية التي تعالجها مستندين إلى الرأي الشخصي، والتأويلات الخاطئة، وهكذا يضلون ويضلون الأمة، ويدخلوها... والعالم معهم في ليل طويل، لا آخر له. وقد حذرهم الرسول إن فعلوا ذلك قائلاً: (إنه سيلي أمركم بعدي رجال يُطفئون السنّة، ويُحدثون البدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها. وعندما سأله ابن مسعود: كيف بي إذا أدركتهم؟ أجابه النبي قائلاً: (يابن أم عبد، لا طاعة لمن عصى الله)، قالها ثلاث مرات. [رواة أحمد، الفتح الرباني ج 29 ص 23 وقال: حديث].
الله ورسوله يكشفان العقول والجموع التي ستنقض عرى الإسلام
إن نقض عرى الإسلام لم يتم الياً أو بصورة عفوية إنما كان وراء عملية النقض، تخطيط محكم، وعقول كبيرة كانت تعرف ما تريد وتسعى، بلا كلل ولا ملل لتحقيق ما تريد، وتقف وراءها جموع إلهها هواها، ولا همّ لها إلا هدم دين الإسلام وتفريغه نهائياً من مضامينه، والإبقاء على قشوره ليستقيم لها الملك الذي جاءت به النبوة. وقد أشرنا إلى قيادات النقض، بالقدر الذي تحتمله عقول العامة، ونشير الآن إلى الجموع التي وقفت خلف تلك القيادات التي تولت كبر عملية نقض عرى الإسلام وهذه الجموع هي:
1 ـ بطون قريش: منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه الرسول أنباء النبوة والكتاب، وطوال مدة ال 15 سنة التي سبقت الهجرة النبوية، وبطون قريش ال 23 تقف وقفة رجل واحد ضد محمد، وضد بني هاشم، وقد استعملت بطون قريش كافة سهام كيدها، وفنون مكرها، وتآمرت على قتل النبي مرات متعددة، لأنها ببساطة تحسد الهاشميين، وتكره ما أنزل الله، ولا تريد أن يكون النبي من بني هاشم، ولما هاجر النبي جيّشت بطون قريش الجيوش، واستعدت العرب على النبي، وحاربته حرباً لا هوادة فيها، وبعد حروب طاحنة، ولما هزمها النبي إضطرت مكرهة أن تدخل، أو أن تتظاهر بالدخول في الإسلام، وبنفس الوقت أخفت تركة صراع طويل، وحسداً متمكناً من النفوس، وحقداً دفيناً ألقي أجرانه في القلوب. ولما رأت بطون قريش أن النبوة قد أسفرت عن مُلْك رأت من مصلحتها أن تعترف بهذه النبوة طمعاً بالأنقضاض على الملك ذات يوم، وعندما تيقنت البطون بأن الرسول قد رتب مرحلة ما بعد النبوة، وأنه قد عين خليفتين من بعده (كتاب الله وعترة النبي أهل بيته)، صممت بطون قريش أن تستولي على الملك من بعد النبي، وأن تحارب الإسلام بأسلحته فروّجت، بإن الإسلام قد جاء بالعدل والمساواة والانصاف، وليس من العدل ولا من الإنصاف أن ينال الهاشميون الملك والنبوة معاً، وأن تحرم بطون قريش من هذين الشرفين معاً، الأفضل أن يختص الهاشميون بالنبوة، وأن تختص بطون قريش بالملك تتداوله فيما بينها، لذلك صممت بطون قريش على فرض هذه الغاشمة بعد وفاة النبي، وهكذا نقضت بطون قريش عملياً العروة الأولى من عرى الإسلام، وهي الحكم. واتحدت ضد آل محمد بعد وفاة النبي تماماً، كما اتحدت ضد النبي، وحاربت آل محمد بكل وسائل الحرب وفنونه، تماماً كما حاربت النبي من قبل، واستعدت عليهم العرب، تماماً كما استعدت العرب على النبي من قبل!! وكانت بطون قريش على استعداد أن تمد يدها للشيطان إن ساعدها على تحقيق ذلك كله. وقد وثقنا ذلك في كتابنا (المواجهة) وسقت 394 دليلاً على ذلك من عيون المراج المعتمدة عند أهل السنة، فليرجع إليه من يشاء.
2 ـ المنافقون: وهم العمود الفقري للجموع التي دعمت نقض عرى الإسلام، وكانت لهم قواعد في المدينة، وما حولها وفي مكة وما حولها، وقد حمل عليهم القرآن حملات متكررة حتى كشفهم وعّراهم على حقيقتهم، ووضع الله ورسوله معياراً لمعرفة المؤمن من المنافق، فمن وإلى علياً بن أبي طالب وأحبه، فهو مؤمن، ومن عاداه وأبغضه فهو منافق. [راجع على سبيل المثال صحيح الترمذي ج 2 ص 299 ومسند أحمد بن حنبل ج 6 ص 292 وصحيح النسائي ج 2 ص 27 وخصائص النسائي وصحيح ابن ماجة ص 2].
وكتابنا (الهاشميون في الشريعة والتاريخ) ص 225 يشتمل على عشرات المراجع والمثير للدهشة أنه لم يرو راو قط أن أحداً من المنافقين على الإطلاق قد عارض أي خليفة، أو امتنع عن بيعة أي خليفة، أو تلكأ عن نصرة أي خليفة من الخلفاء الذين حكموا الأمة عبر التاريخ، والوحيد الذي عارضه المنافقون وامتنعوا عن بيعته هو علي بن أبي طالب، وهكذا فعلوا مع ابنه السبط الإمام الحسن!! أتحدى أي عالم على وجه الأرض أن ينقض هذه الحقيقة!! بل الأعظم من ذلك أنه بعد موت النبي اختفت المخاوف من ظاهرة النفاق، واندمح المنافقون في المجتمع اندماجاً تاماً!! ووقفوا بكل قواهم مع دولة الخلافة، ومارسوا حياتهم بحرية، وأصبح الولاء للدولة هو المعيار لتمييز الحق من الباطل، فمن يوالي دولة الخلافة فهو على الحق، أو مستور الحال بغض النظر عن إيمانه أو نفاقه! ومن يعارضها فهو على الباطل، وشاق لعصا الطاعة، ومفرق للجماعة، ودمه حلال للخليفة!!
3 ـ الذين في قلوبهم مرض: وهم غير الفئة المنافقة، ويمكن أن نسميهم بأصحاب المصالح، أو ضعاف الإيمان، وقد وصفهم القرآن الكريم وصفاً دقيقاً، وقد ساهمت هذه الفئة في نقض عرى الإسلام.
4 ـ الذين في قلوبهم زيغ: وهم فئة رابعة متميزة عن غيرها من الفئات، وهؤلاء يفرون من الوضوح إلى الغموض، ومن الحق إلى الباطل، وهم التاركون للنص الآخذون بالرأي حرصاً على مصلحة الإسلام والمسلمين!!!
5 ـ أصحاب التخشع الكاذب: فئة يتظاهر أفرادها بالورع، والتقي والدين، وهم كاذبون ولهم القدرة على خداع كل الناس، وأبرز مثال على هذه الفئة ابن ذي الثدية، فقد خدع أبا بكر، وخدع عمر رضي الله عنهما، وتصور أنه خاشع تقي فكلف رسول الله أبا بكر ليقتله فلم يفعل تقديراً لخشوعه، ثم كلف الرسول عمر فلم يفعل، لأنه قد اغتر بخشوعه، فأمر الرسول علياً بقتله فلم يجده، وأخبر الرسول. أن هذا المتخشع الكاذب مارق، وأن علياً سيقتله ذات يوم وقتله علي بالنهروان بالفعل، [راجع البداية والنهاية لابن كثير ج 7 ص 299، ومجمع الزوائد ج 6 ص 227]. وقد ساهمت هذه الفئة بنقض عرى الإسلام، وقد كشف الله ورسوله حقيقة هذه الفئة، كما كشف حقيقة غيرها من الفئات التي ستقود. وتتبنى عملياً عملية نقض عرى الإسلام.
البيان اليقيني وإقامة الحجة على الجميع
من خلال الترابط والتكامل بين القرآن وبيان النبي لهذا القرآن، وبمتابعة من الوحي الإلهي الذي لم يتوقف، بيّن الترتيبات الإلهية لمرحلة ما بعد موت النبي، وأثبت بالدليل القاطع، بأن هذه الترتيبات محكمة، وأنها صنع الله، وهي الهدى بعينه، وهي الصراط المستقيم نفسه.
ونجح النبي نجاحاً منقطع النظير في وصف الطريق التي سيسلكها المسلمون بعد وفاته، وكشف مخاطرها ومنعطفاتها، وتحديد الأعداء تحديداً دقيقاً، وبيان طريق النجاة من كل خطر، والمنهج الفرد لهزيمة الشيطان وأوليائه. وهكذا وضع الله ورسوله تحت تصرف طلاب المهدي التصوّر اليقيني، لما هو كائن ولما ينبغي أن يكون، فقامت الحجة على الجميع، فمن يترك الطريق القويم لا يتركها بشبهة، أو بعذر لأنه لا شبهه مع اليقين، إنما يتركها منحرفاً متعمداً مع سبق الإصرار.
المفاجأت الكبرى
بعد أن وضع النبي تحت تصرف المسلمين التصوّر اليقيني لما هو كائن، ولما ينبغي أن يكون، وبعد أن رسم لهم مخططاً للطريق التي سيسلكونها بعد وفاته، مرض كما أخبرهم من قبل، وأعلن أنه سيموت في مرضه، وأنه سيلخص لهم الموقف خطياً، فيؤمنهم ضد الضلالة والانحراف تأميناً شاملاً، وضرب موعدًا لكتابة توجيهاته النهائية، وما جلس النبي مع خلّص أصحابه، وفي الوقت الذي همّ بكتابة توجيهاته النهائية فوجئ النبي وخلص من أصحابه، بجمع كبير من بطون قريش يدخل حجرة النبي دون استئذان، ويجلسون دون دعوى متجاهلين بالكامل وجود النبي، ولم يثن هذا التصرف النبي عما أراد، فقال النبي لخلّص أصحابه: (قربوا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً)، فتجاهل جمع بطون قريش وجود النبي، وتجاهلوا ما قاله، ووجهوا كلامهم للخلّص من أصحابه قائلين: (إن النبي قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله) أن النبي يهجر حسبنا كتاب الله استفهموه! إنه يهجر!!! القرآن وحده يكفينا ولا حاجة لوصية الرسول!!!
احتج الخلّص من أصحاب النبي على هذا التصرف المستغرب، واصطدموا مع جمع البطون، وعلت الأصوات بين أصحاب النبي الخلًص القلة، وبين الكثرة من بطون قريش، وتنازعوا، فأطلّت النسوة من وراء الستر، وقلن: ألا تسمعون رسول الله يقول: قرّبوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده؟ فنهرهن أحد الصحابة قائلاً لهن: (إنكن صويحبات يوسف) هنا تكلم النبي فقال: (إنهن خير منكم) ما أنا فيه خير مما تدعونني إليه، قوموا فلا ينبغي عندي تنازع!! وهكذا صرف النبي النظر عن كتابه توجيهاته الخطية، إذ لو أصر النبي على الكتابة لأصرت بطون قريش في ما بعد على أن الكتابة قد صدرت عن النبي وهو يهجر حاشاه، مع ما يستتبع ذلك من خطر ماحق على دين نفسه، وهكذا نجحت بطوتن قريس ومن لف لفها يإخراج النبي من التأثير على سير الأحداث بلحظات حاسمة، وحرقت الأمة والعالم من الاستفادة من توجيهات النبي النهائية الخطية. وما ذكرناه حقائق رواها البخاري في صحيحه في ست روايات، ورواها مسلم في صحيحه والنووي في شرحه على صحيح مسلم وابن القيم الجوزي في تذكرة الخواص، وأبو حامد الغزالي في سر العالمين، وكشف ما في الدارين، ولا خلاف إطلاقاً بين المسلمين على صحة وحقيقة هذه الوقائع، وهكذا صدمت بطون قريش خاطر النبي الشريف، وقصموا ظهر الإسلام بالفعل. وتلك حادثة فريدة من نوعها في التارنخ السياسي إسلامي، فما من خليفة على الإطلاق إلا وقد مرض قبل موته، واشتد به الوجع أكثر مما اشتد الوجع برسول الله. وما من خليفة على الإطلاق إلا وقد كتب توجيهاته النهائية أثناء مرضه، وقبل موته، ولم يصدف على الاطلاق أن قال أحد لأي خليفة من الخلفاء أنت تهجر، أو أن الوجع قد اشتد بك، وأنه لا حاجة لنا بوصيتك، ولا بتوجيهاتك لأن القرآن عندنا وهو يكفينا ويغنينا عنك!!. بل على العكس فقد كانت وصايا الخلفاء وهم على هذه الحالة تنفذ كأنها وحي إلهي تنزلت به الملائكة علناً، وعلى رؤوس الأشهاد!!! وبعض الخلفاء وهو مشرف على الموت أوحى لقتل كل من لا يلتزم حرفياً بتوجيهاته النهائية التي أصدرها، وهو مريض على فراش الموت، ومع هذا نفذت تلك التوجيهات بدقة متناهية.
حلقة من مخطط وخطوة على طريق
لم تكن مواجهة بطون قريش للنبي في الحجرة المقدسة وقولهم له (أنت تهجر، والقرآن يغنينا عنك، ولا حاجة لنا بوصيتك) وليدة لحظتها إنما كانت الحلقة قبل الإخيرة من مخطط أعدّ له بدقة، ونفّذ خطوة بعد خطوة. كانت بطون قريش ومن لف لفها تُريد أن تبقى من الدين والنبوة فقط، ما هو ضروري لبقاء الملك الذي تمخضت عنه النبوة وما لا يتعارض مع هذا الملك، تريد في النهاية الاستيلاء على هذا الملك بالقوة والقهر والتغلب، وأن تنسف كافة تعاليم الدين وترتيباته التي تتعارض مع أهدافها تلك. لقد أدركت هذه الجبهة خطورة البيان النبوي، وقدرة النبي على إيصال ما يريد إلى قلوب سامعيه، وأدركت إحكام الترتيبات الإلهية لذلك، وأثناء حياة النبي وصحته كانت بطون قريش تشكك بكل ما قاله النبي، وتصد عن كتابه أحاديث النبي. قال عبد الله بن عمرو بن العاص: (كنت اكتب كل شيء سمعته من رسول الله... فنهتني قريش وقالت: الرسول بشر يتكلم في الغضب والرضى... [راجع سنن أبي داود ج 2 ص 126، وسنن الدارمي ج 1 ص 125 ومسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 162 و207 و216 والمستدرك للحاکم ج 1 ص 105 و106 وجامع بيان العلم لابن عبد البر]، وكانت بطون قريش تشيع بأن الرسول يفقد السيطرة على أعصابه، فيسب ويشتم ويلعن من لا يستحق ذلك، [راجع صحيح البخاري، مسلم كتاب الدعوات باب قول النبي من (من آذيته)، وصحيح كتاب البر والصلة، باب من لعنه النبي]، وأن النبي قد سُحر وأنه يُخيل إليه أنه قد فعل الشيء وما فعله.. [راجع صحيح البخاري، بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، وصحيح مسلم باب السحر].. إلي آخره من تلك الأراجيف والأكاذيب التي لا أساس لها من الصحة، واساس لها من الصحة، ولما أدركت البطون الطامعة بالملك فشل إشاعاتها، واستبطأت أجل النبي صممت على قتله، وشرعت في جريمتها في غزوة تبوك، ولكن الله حمى نبيه؛ كل ذلك يجري تحت خيمة الإسلام التي استظلت بها الفئة الطامعة بالملك، فجاء يوم الرزيّة كما يسميه ابن عباس، وهو يوم المواجهة في الحجرة المقدسة ليكشف الأسرار، وليظهر حقيقة توجهات البطون الحاقدة على بني هاشم.
كانت جبهة الصد عن سبيل الله تشكل فريقاً حقيقياً، حزباً منظماً، رتب كل شيء، واقتسم الملك والغنائم، حتى قبل موت النبي، وجاءت المواجهة في الحجرة المقدسة بمثابة استعراض للقوة، ولإقناع أولياء النبي بأنه لا فائدة ترجى من المعارضة، فإما أن يقبلوا بترتيبات البطون وما قبلته من الإسلام، أو يواجهوا الموت، ويتوقعوا عودة الشرك بعد التوحيد، وهذا يفسر اضطرار بعض الصحابة الكرام لمجاراة هذا التيار الساحق. وكانت هذه الجبهة تضم بطون قريش التي قاومت النبي قبل الهجره، وحاربته بعد الهجرة، ثم اضطرت مكرهة للدخول في الإسلام، وتضم المنافقين من أهل المدينة، ومن حولها؛ منافقون من أهل مكة، وممن حولها من الأعراب بالإضافة إلى المرتزقة من الأعراب الذين لا همّ لهم إلا الكسب، الذين ينتظرون من تدور عليه الدوائر ليأكلوه، والقاسم المشترك بين هذه الفئات هي كراهيتهم لآل محمد، وعدم قبولهم بأن يجمع الهاشميون النبوة والملك معاً!!! لأن في ذلك إجحاف بحق البطون!! فهل من العدل ـ برأي البطون ـ أن يجمع الهاشميون النبوة والملك، وأن ينالوا الشرفين، ويحوزوا الفخرين معاًً وتُحرم بقية البطون!! أليس محمد من قريش!! لماذا يرث سلطانه الهاشميون وحدهم!! ومن الذي يضمن للبطون أن الهاشميين لن يجحفوا عندما يؤول المُلك إليهم بعد وفاة النبي!! ثم إن الهاشميين قد وتروا بطون قريش أثناء حروبها مع النبي، فما من بطن من بطون قريش إلا وقتل منه الهاشميون، فهل تقبل بطون قريش رئاسة الذين قتلوا أبناءها، ويتّموا أطفالها ورمّلوا نساءها!! إن من مصلحة الإسلام أن تتوحد بطون قريش خلفه، ولن تتحفف هذه الوحدة إلا أذا استُبعِدَ الهاشميون عن الملك، وسلمت قيادة المسلمين لبطون قريش، ومن والاها من العرب خاصة وأن الجميع يتلفظون بالشهادتين والبواطن لله. أما الاحتجاج بالترتيبات التي أعلنها النبي في غدير خم، فالنبي بشر والناس أعلم بشؤون دنياهم!!! وهكذا صارت الفتنة كوجوه البقر، لا تدري أياً من أي، وأصبح أولياء النبي أقلية يخافون مرة ثانية أن يتخطفهم الناس من حولهم. وقد وثقنا كل ذلك بكتابنا؛ المواجهة.
وهكذا افترق الإسلام عن السلطان (مع أنهما توأمان لا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه، فالإسلام أس والسلطان حارس، وما لا أس له يهدم، وما لا حارس له ضائع). [رواه الديلمي، راجع كنز العمال ج 6 ص 1]. ومع الأيام آلت الخلافة لمن لا مؤهل له، إلا الغلبة وكثرة الأتباع ولمن لا يعرف من الدين إلا اسمه!!!
الفصل الثاني: بطون قريش وأنصارها يستولون عملياً على مقاليد الدولة الإسلامية
قبل فتح مكة كانت الفئة المؤمنة الصادقة أقلية وسط أغلبية ساحقة من المشركين والمنافقين والمرتزقة من الأعراب. وبعد فتح مكة ودخول العرب بالإسلام بقيت الفئة المؤمنة الصادقة أقلية أيضاً وسط أكثرية ساحقة من المنافقين والمرتزقة من الأعراب وحديثي الدخول بالإسلام الذين يجهلون تاريخه ورجاله. وفي الحالتين كان وجود النبي كقيادة إسلامية، والتفاف الفئة المؤمنة الصادقة حوله الضمانة الوحيدة لنقاء الحكم الإسلامي وبقائه. وهنا يكمن سر تركيز النبي المكثف على من يخلفه. لقد أدركت بطون قريش هذه الناحية، ورأت أن استغلالها هي الطريق الوحيد للوصول إلى الملك، وفصل السلطان عن الإسلام، لذلك استغلت هذه البطون سماحه الإسلام وعدالته، وجمعت حولها كافة العناصر التي اشتركت بمقاومة النبي ومحاربته سابقاً، وانصب هدفها على عزل الفئة المؤمنة عن المجتمع تهميشها تماماً ودس الوقيعة بين رموزها، واستعمال الكثرة الساحقة، كطريق فرد للاستيلاء على الدولة الإسلامية. والتفرد بالملك الذي تمخضت عنه النبوة!! وكمرحلة أولى رأت البطون أن تسند رئاسة الدولة لرموز إسلامية مقبولة ومعروفة (الخليفة الرمز) على أن تكون بطانته، وقادة جنده وعمال ولايته وأهل الحل والعقد عنده، وبعد أن تضرب جذور البطون في الأرض تُلغي فكرة الخليفة الرمز وتستولي علنا ورسمياً على كافة مقاليد الدولة الإسلامية، وتفرض على الناس مناهجها التربوية والتعليمية وخلال هذه المدة تمنع رواية الحديث النبوي وكتابته، حتى تطمُسَ كلّ ما يذكر الناس بالحقيقة وبالشرعية السياسية الإلهية. وسواء في عهد الخليفة الرمز، أو عندما استولت البطون على مقاليد الدولة، كانت الفئة المؤمنة مهمشة تماماً. وراجت قناعة بأن أفرادها لا يصلحون للقيادة، وغير موالين لدولة البطون ومتحفزين لشق عصا الطاعة، ومفارقة الجماعة!! ومن مصلحة الإسلام والمسلمين، ومن دواعي استقرار الدولة أن تبقى هذه الفئة تحت الرقابة المباشرة للخليفة الرمز وبطانته، وأن لا يتولى أفرادها أي مصلحة من المصالح العلمية، بمعنى أن الفئة عملياً تحت الإقامة الجبرية، فنادراً أن يأذن الخليفة لأحد من أفرادها بمغادرة العاصمة إلى الأقاليم البعيدة عن إشرافه المباشر. ولأن الخليفة عادل فقد كان يغدق على الشخصيات البارزة من أفراد هذه الفئة المؤمنة الأموال من بيت مال المسلمين تأليفاً لقلوبها، واتقاء لخطرها وطمعاً باستقرار الدولة، حتى صارت تلك الشخصيات من أصحاب الملايين في مجتمع أكثريته الساحقة جائعة ومحتاجة!!.
المعايير الجديدة لتعبئة الوظائف العامة
عندما نجح التحالف الذي قادته بطون قريش، بالاستيلاء على مقاليد الدولة اختفت المعايير التي كانت سائدة في زمن الرسول، فلم يعد منها البلاء في سبيل الله، ولا السابقة في الإسلام، ولا العلم، ولا الإخلاص لله ولرسوله، وحلت محلها معايير جديدة أهمها؛ موالاة دولة البطون، وإرضاء رموزها والأكثرية الساحقة، والقدرة على تنفيذ سياسة الدولة وبرامجها التربوية والتعليمية، ومعاداة أعداء الدولة، من قيمتهم، بحيث لا يتقي لهم شأن ولا ذكر، وإرغام أنوفهم لتبقي دوماً في التراب!
الاستعانة بالمنافقين والفاسقين والمرتزقة
قال ابن حجر في فتح الباري (والذي يظهر من سيرة عمر رضي الله عنه في أُّمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط، بل كان يضم إليه الذي عنده مزيد من المعرفة السياسية، فلأجل ذلك استخلف معاوية والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل منهم في أمر الدين والعلم، [راجع فتح الباري، الأحكام ج 13 ص 198].
قال حذيفة: (أمين سر رسول الله) لعمر بن الخطاب يوماً: (يا عمر إنك تستعين بالرجل الفاجر). [راجع كنز العمال ج 5 ص 77] (والله يا عمر إنك تستعين من يخون وتقول ليس عليك شيء وعاملك يفعل كذا وكذا) [راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 31]، وكان عمر يعلم أن الذين يستعين بهم ويستعملهم فجار أو منافقون أو منفقون أو خونه لله ولرسوله ولكنه كان يبرر استعماله لهم بالقول، (نستعين بقوة المنافق، وإثمه عليه) [رواه ابن أبي شيبة والبيهقي، راجع كنز العمال ج 4 ص 614] وهكذا صارت الاستعانة وتأمير الفاسقين والمنافقين والفجار طمعاً بقوتهم سُنّة ونظرية تتبناها دولة البطون وتنفذها بوفاء، فأينما وجدت القوة، تعني الالتزام بسياسة الدولة العامة، والولاء لها، وكراهية أعدائها، وحرمان أُلئك الأعداء وأوليائهم من كافة الواظائف العامة، والکارثة حقاً أن (أعداء) الدولة ومعارضيها سواء بالعلن أم بالسر هم أولياء النبي وقرابته الأدنون، ومن قام الإسلام كله على أكتافهم!!
طواقم جديدة من الولاة
بعد أقل من شهرين على وفاة الرسول الأعظم تم عزل كافة العمال والولاة والأمراء الذين عينهم الرسول، وقتل بعضهم شر قتلة، كمالك بن نويرة، ونجا أسامة بن زيد الذي عينه الرسول أميراً على جيش من العزل بأعجوبة!! وعينت الدولة طواقم جديدة من الولاة والأمراء بدلاً من الذين عينهم رسول الله، واقتسمت بطون قريش الوظائف العامة، وحصل البطن الأموي على نصيب الأسد، لأن هذا البطن قد ساهم مساهمة فعالة بإقامة دولة البطون. وهذا البطن مشهور بعداوته للنبي وببغضه لآل النبي، وحقده عليهم، فالعرب كلهم بل العالم بأسره يعلم بأن أبا سفيان وأولاده خاصة، والأمويين عامة هم الذين قادوا جبهة الشرك ضد رسول الله طوال فترة ال 15 سنة التي سبقت الهجرة، وأنهم هم الذين جيّشوا الجيوش وألبوا العرب على رسول الله وحاربوه بكل فنون القتال، وعادوه بكل وسائل العداء حتى أحيط بهم عندما فتح الرسول مكة، فاضطروا مكرهين للتلفظ بالشهادتين، وکتموا إحباطهم وحقدهم على آل محمد، لأنهم فئة موتورة، فما من بيت من بيوت البطن الأموي إلا وأصاب الهاشميون منه مقتلاً، وقد بيّن الرسول لأصحابه، بأن الأمويين هم أکثر بطون قريش بغضاً لآل محمد، وأنهم طامعون بملک النبوة لأنه رآهم ينزون علي منبره نزو القردة، وطلب من الناس أن يعتزلوهم وأن يحذروا منهم، وبعد وفاة النبي بفترة وجيزة ولت الدولة يزيد بن أبي سفيان قائداً عاماً لجيش الشام، ولما مات يزيد عينت أخاه معاوية أميراً على الشام خلفاً لاخيه، [راجع البداية والنهاية ج 8 ص 118، وتاريخ الطبري ج 5 ص 69، والاستيعاب ج 3 ص 596 وكنز العمال ج 13 ص 606] وأطلق عمر بن الخطاب يد معاوية في بلاد الشام، وأعطاء الحرية الكاملة ليفعل ما يشاء، وليتصرف على الوجه الذي يراه، بلا رقيب ولا حسيب، فقد قال عمر لمعاوية يوماً: (... لا آمرك ولا أنهاك)، [راجع البداية والنهاية ج 8 ص 125، وتاريخ الطبري ج 6 ص 184]، وكان عمر بؤطد له بين الناس فيقول عن معاوية: (إنه فتى قريش وابن سيدها)، [راجع البداية والنهاية ج 8 ص 125، والاستيعاب ج 8 ص 397]، وكان يقول للناس: (تذكرون كسرى وعندكم معاوية)، [راجع تاريخ الطبري ج 6 ص 184]، وخاطب عمر أصحاب الشورى قائلاً: (إذا اختلفتم دخل عليكم معاوية بن أبي سفيان من الشام)، [راجع الطبقات الكبرى لابن سعد ج 5 ص 535] وكان عمر يعرف أن معاوية يعد أهل الشام للخروج، وأنه سيخرج ذات يوم، فقد صرح عمر في يوم من الايام قائلاً: (يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق). [راجع الدلائل لابن سعد، وكنز العمال ج 12 ص 354]. ومع هذا لم يتعرض له عمر، إنما تركه ليكمل استعداداته وعدته ويخرج في الوقت المناسب!! وكان وراء تأمير عمرو بن العاص، فقد أعلن عمر أمام علية القوم قائلاً: (لا ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميراً). [راجع الإصابة ج 5 ص 3]، واستعان عمر بقوى الوليد بن عقبة، مع أن الوليد فاسق بنص القرآن، وكان يسكر علناً وصلى بالناس وهو سكران. [راجع الإصابة ج 3 ص 363]. واستعان عمر بعبد الله بن أبي سرح، وكان من المقربين إليه، [راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 59، والبداية والنهاية ج 8 ص 214]. وعبد الله ابن أبي سرح هذا هو الذي افترى على الله الكذب، وأباح الرسول دمه حتى لو تعلق بأستار الكعبة، ثم أتمها عمر على بني أمية، ووضع الأساس المتين لحكمهم يوم عهد عملياً بالخلافة لعثمان.
واستعان عمر بقوة أبي الأعور السلمي الذي شهد حنين مشركاً، [راجع الإصابة ج 2 ص 540، وأسد الغابة ج 6 ص 82]. وكان من أشد المبغضين لعلي بن أبي طالب، وقد أمّره عمر، وجعله على مقدمة جيش. [راجع الإصابة ج 2 ص 541].
وأمر عمر يعلى بن منبه على بعض بلاد اليمن، وكان من الحاقدين على علي بن أبي طالب، فقد أعان الزبير بأربعماءة ألف عندما خرج على علي، واشبرى لعائشة أم المؤمنين جملاً يقل له (عسكر)، وجهز سبعين رجلاً من قريش لقتال علي بن أبي طالب. [راجع الاستيعاب ج 3 ص 662 ـ 663].
واستعان عمر ببسر بن أرطأة، وأياس بن صبيح، وهو من أصحاب مسيلمة الكذاب، أسلم وولاه عمر القضاء على البصرة، [راجع الاصابة ج 1 ص 120]. واستعان عمر بطليحة بن خويلد الذي ادعى النبوة بعد النبي، وقد أعجب عمر به ورضى عنه، وكتب إلى أمرائه أن يشاوروه. [راجع البداية والنهاية ج 7 ص 130]. وابن عدي الكلبي الرجل النصراني الذي تلفظ بالشهادتين، وفوراً دعا له عمر برمح فولاه الإمارة، قال عوف بن خارجة، ما رأيت رجلاً لم يصلّ صلاة أمر على جماعة من المسلمين قبله، [راجه الإصابة ج 1 ص 116]. واستعمل عمر أبا زبيد على صدقات قومه وكان نصرانياً، ولأنه قوى استعمله، ولم يستعمل نصرانياً غيره. [راجع الاستيعاب ج 4 ص 80]. واستعان عمر بكعب الأحبار اليهودي الذي أسلم فصار من خلص الخليفة وأصفيائه ومرجعه وموضع أسراره، والمجيب الموثوق على كل تساؤلاته، وتولى كعب عملية القص في المساجد وصار القص سنّة. [راجع الإصابة ج 3 ص 316]، فكان كعب يقص ما يحلو له في مسجد رسول الله، في الوقت الذي منعت فيه دولة الخلافة كتابة ورواية أحاديث رسول الله نفسه!!
ولما مات عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت ولايات الدولة وأعمالها ووظائفها العامة غاصة بأصحاب (القوة) من الفاسقين والمنافقين، وقد استخدمهم الخليفة ليستعين بقوتهم، كما قال ونفاقهم وفسقهم على أنفسهم.
ولما آلت الخلافة إلى عثمان رضي الله عنه، رفع شعار صلة الرحم، بدلاً من القوة، فعمر كان يبحث عن الأقوياء ليستعين بقوتهم، أما عثمان فقد كان يبحث عن الأرحام ليصلها، ومن نافذة الأرحام وبابها الواسع دخل الأمويون كلهم، ودخل معهم أولياؤهم إلى ولايات الدولة وأعمالها ووظائفها، فما من مصر من الأمصار، وما من عمل من الأعمال، إلا وواليه أموي، أو موالٍ لبني أمية. وكان أول الداخلين من هذا الباب الحكم بن العاص، طريد رسول الله وعدوه اللدود، لعنه رسول الله وطرده وحرم عليه دخول المدينة، ولما آلت الخلافة لعثمان أعاده للمدينة معززاً مكرماً، ولما مات بنى على قبره فسطاطاً، ومع الحكم دخل ابنه مروان. قالت عائشة أم المؤمنين لمروان: (أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه). قل الذهبي وابن عبد البر وغيرهما: (مروان أول من شق عصا المسلمين بلا شبهه). [راجع الإصابة ج 1 ص 69]. وكان مروان من أسباب قتل عثمان. [راجع الإصابة ج 6 ص 157]. ومع أن مروان ملعون على لسان نبيه، إلا أنه تولى الخلافة، ولقب بأمير امير المؤمنين وتوارث أبناؤه ملك النبوة. وقد وصف مران بن الحكم وضع دولة الخلافة بآخر أيام عثمان، وصفاً دقيقاً فقال لجموع الثوار الذين احتشدوا حول دار عثمان: (ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب، شاهت الوجوه، كل إنسان آخذ بإذن صاحبه إلا من أريد، جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا، اخرجوا عنا، غب رأيكم، ارجعوا إلى منازلكم، فإنا والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا). [راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 110].
والخلاصة أن دولة الخلافة تحولت إلى ملك أموي خالص، وأن الأمويين قد غلبوا على كل شيء وأن الأكثرية الساحقة مع بني أمية طمعاًًً بما هم غالبون عليه وأنه لم يبق من الإسلام السياسي إلا لقب الخليفة (أمير المؤمنين)، وأن الولايات والأعمال والوظائف العامة بالكامل مع بني أمية من جميع الوجوه، بمعنى أن الدولة بكل مؤسساتها قد أصبحت تحت سيطرة الذين عادوا رسوا الله وحاربوه بالأمس، وأن الفئة المؤمنة مهشمة بالكامل، وأقلية، وليس لها من أمر الدولة شيء. ولو تولى الخلافة بعد عثمان أي رجل في الدنيا غير علي بن أبي طالب لما استطاع أن يصمد بمثل هذه الظروف أكثر من ساعة من الزمان، لأن الملك الأموي، وسلطان المنافقين والفاسقين، قد توطّد وضربت جذوره في الأرض وفي النفوس والمصالح طوال عهود الخلفاء الثلاثة، ووفقاً للمعايير التي عممتها الدولة، فلا فرق بين أي صحابي من السابقين في الإيمان، ومن أهل البلاء وبين أبي سفيان، أو الحكم بن العاص، فهم بدون تفصيلات صحابة، لانهم شاهدوا النبي، وكلهم عدول والتفاضل بينهم في الآخرة، وليس في الدنيا، والأهم من ذلك هو اعتقاد الاكثرية، بأن أبا سفيان والحكم بن العاص أصلح لامارة الناس من أصحاب السابقة، ومن أهل البلاء في سبيل الله، ممن قامت الدولة النبوية على أكتافهم وبسواعدهم، أما أهل بيت النبوة، فقد تم التعتيم رسمياً على كل فضائلهم ولا يجرؤ أحد على ذكرهم بخير، وهم في أحسن الظروف صحابة مثلهم مثلٍ أبي سفيان، ومروان بن الحكم، ومعاوية بل إن هؤلاء وأمثالهم أعظم شاناً عند الأكثرية والأولى بالطاعة من أهل بيت النبوة لأن وسائل إعلام الدولة الرسمية نفخت الثلاثة وأمثالهم وأعطتهم أحجاماً أسطورية ليست لهم في الحق والحقيقة، بينما تجاهلت وسائل إعلام الدولة التاريخية أهل بيت النبوة، وعتمت على صورهم، وسخرت الدولة كافة مواردها لإبراز أهل بيت النبوة بصورة النكرات!!! واستقرت تلك الأوهام التي خلقتها وسائل الإعلام، وإمكانيات دولة الخلافة في قلوب الأكثرية الساحقة من أبناء الأمة لأن تلك الأوهام كانت بمثابة القناعات الرسمية التي تبنتها دولة البطون، وعلى منوالها سارت عهود الخلافة التاريخية.
وباختصار شديد فإن أهل بيت النبوة، وأولياء النبي وهم علماء الإسلام وأساتذته الذين قامت دعوة الإسلام ودولة النبوة على أكتافهم، قد أُخروا بالقوة، وصاروا رعايا ومحكومين، لا تقدم مواقفهم ولا تؤخر مع إجماع أغلبية ساحقة، أما الذين قاوموا النبي والنبوة قبل الهجرة وحاربوا النبي بعد الهجرة، وجهلوا أحكام الدين فقد غلبوا بعد وفاة النبي، وتسلموا بالقوة أو بالعهد والتسلل مقاليد الدولة، فصاروا هم السادة والحكام والأساتذة وأصحاب الكلمة المسموعة، لأن بيدهم النفوذ والجاه والمال والسلطة، ومؤهلهم الوحيد هو القوة. تلك حقيقة لا يماري فيها إلا جاهل، أو متجاهل أو عابد هواه.
وتحقق ما حذر منه النبي وتفكك الإسلام وحلت كافة عراه!!!
بيّّنا بأن رسول الله وقبل أن ينتقل إلى جوار ربه، حذر المسلمين وبأنهم إن لم يلتزموا بما أمرهم به، فإن الإسلام سيتفكك، وستحل عراه عروة بعد عروة، فكلما انقضت عروة تثبت الناس بالتي تليها، وأن أول عرى الإسلام نقضاً الحكم، وآخرها نقضاً الصلاة. [رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، راجع كنز العمال ج 1 ص 238].
وكرر النبي التحذير في مناسبات متعددة، وأطلعهم على ما هو كائن وبالتصوير الحي البطيء، وأحيط الجميع علماً بما حذر منه الرسول، وقامت الحجة على الجميع. ولخص الرسول الموقف للجميع، وأكد هذا التلخيص بكل وسائل التأكيد، وبيّنه وبكل طرق البيان، وحذر المسلمين بأنهم لن ينجوا ولن يهتدوا، ولن يتجنبوا الضلالة من بعده، إلا إذا تمسكوا بالثقلين كتاب الله، وعترة النبي أهل بيته.
ثم بعد ذلك مرض النبي، وكان ما كان، فما أن مرض النبي حتى تنكرت له الأكثرية الساحقة رغبة أو رهبة، وقالوا له وجهاً لوجه: (أنت تهجر!! والقرآن وحده يكفينا، ولسنا بحاجة لوصيتك)!! بل والأعظم من ذلك أن هذه الأكثرية بعد أن استولت على مقاليد الحكم منعت رواية وكتابة احاديث رسول الله منعاً باتاً، ورفعت شعار (حسبنا كتاب الله)!! وصارت رواية أحاديث الرسول من الجرائم الكبرى التي يستحق مرتكبها القتل، فكان حذيفة يقول: (لو كنت على شاطىء نهر، وقد مددت يدي لأغترف فحدثتكم بكل ما أعلم ما وصلت يدي إلى فمي حتى أُقتل). [راجع كنز العمال ج 3 ص 345 نقلاً عن ابن عساكر] وروى البخاري في صحيحه [كناب العلم ج 1 ص 34] عن أبي هريرة أنه قد قال: (حفظت من رسول الله وعائين، فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قُطع هذا البلعوم)!! وقال: (اني لأحدث احاديثاً لو تكلمت بها في زمن عمر أو عند عمر لشجّ رأسي). [راجع البداية لابن كثير ج 8 ص 107] وفي عهد عمر بن الخطاب عزم اُُبي بن كعب أن يتكلم في الذي لم يتكلم به وفاة الرسول فقال: (لأقولن قولاً لا أبالي أَستحييتموني عليه أو قتلتموني). [راجع ابن سعد، الطبقات الکبرى ج 3 ص 501 والحاكم باختصار ج 2 ص 329 وج 3 ص 303]. ووعد أن يكشف الحقائق أمام الناس يوم الجمعة، وترقب الناس ذلك اليوم الذي يكشف فيه الحقائق ما سمعه من رسول الله، ولكن في يوم الأي يكشف فيه أبي بن كعب ما سمعه من رسول الله، ولكن في يوم الأربعاء مات الصحابي العظيم الذي وعد بكشف الحقائق قال قيس بن عباد: رأيت الناس يموجون، فقلت: ما الخبر؟ فقالوا: مات سيد المسلمين أبي بن كعب، فقلت: ستر الله على المسلمين حيث لم يقم لشيخ ذلك المقام). [راجع المسترشد لابن جرير الطبري ص 28 ومعالم الفتن لسعيد أيوب ج 1 ص 257].
والخلاصة أن منع رواية وكتابة أحاديث الرسول قد تحوّل إلى قانون أساسي، نافذ المفعول في كل أرجاء دولة الخلافة، ولكن لا بأس برواية الأحاديث التي تمدح القائمين على الحكم، وتضفي طابع الشرعية والمشروعية على تصرفاتها، فرواية مثل هذه الأحاديث مباحة حتى وإن كانت مختلفة، ورواة هذه الأحاديث من المقربين، حتى وإن كانوا أعداء لله ولرسوله!!
وبمدة وجيزة، حلت عرى الإسلام كلها عروة بعد عروة، ولم يبق غير الصلاة، وحُشر المؤمنون الذين كانوا يصلون على طريقة رسول الله، وضُيق الخناق عليهم على اعتبار (أنهم شواذ) يخالفون جماعة المسلمين وإمامهم، ويتفردون بصلاة تختلف عن صلاة الأمة!! قال حذيفة أمين سر رسول الله: (لقد ابتلينا حتى أن الرجل ليصلي وحده وهو خائف). [راجع صحيح البخاري ج 1 ص 180 كتاب الجهاد والسير]. وقال حذيفة أيضاً: (فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سراً). [راجع صحيح مسلم ج 2 ص 179، ورواه أحمد في الفتح الرباني ج 23 ص 40، وج 2 ص 462 من معالم الفتن]. وروي البخاري أن الزهري قد دخل على أنس بن مالك فوجده يبكي، فقال له ما يبكيك؟ فقال أنس: لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت. [راجع الفتح الرباني ج 1 ص 200]. وقال أنس بن مالك مرة أخرى: (لا أعرف شيئاً اليوم مما كنا عليه على عهد رسول الله!! فقلنا: فأين الصلاة؟ فقال أولم تضعوا بالصلاة ما قد علمتم؟)! [رواه أحمد والترمذي، وحسنه وقال في الفتح الرباني ج 1 ص 199 روى عن أنس من غير وجه].
هذه شهادة حذيفة أمين سر رسول الله وتكتسب شهادته أهمية خاصة لانه أمين سر رسول الله بإجماع المسلمين، ولأنه بقي على عهد رسول الله لم يُبدل ولم يتبدل، ولم يرجع القهقرى على عقبيه، تدعمها شهادة أنس بن مالك الذي وعى عملياً الصلاة بحكم خدمته للنبي، وان أنس إلى جانب السلطة دائماً عايشها وتعايش معها، ولم يثنه عن الولاء لهذه السلطة تبدلها ولا تغيرها، وكان يسمع مسبته من رجالها بصبر بالغ.
فإذا ثبت بأن المخلصين من الصحابة كانوا يصلون سراً، وهم في حالة خوف، من غضب السلطة، أو من غضب الجماهير الموالية لها، وإذا كان أحد الذين خدموا الرسول فترة طويلة، وشاهد رسول الله مئات المرات وهو يصلي عملياً يشهد ويقر ويعترف بأن الصلاة قد ضيعت بالفعل ونقضت من أصولها، ففي هذا دليل قاطع على أن آخر عروة من عرى الإسلام، وهي الصلاة قد حلت تماماً بشهادة شهود عيان عاصروا حكومة الرسول، وحكومة الخلفاء الثلاثة، وحكومة بني أمية ولا خلاف بين اثنين من المسلمين على أن رسول الله قد أخبر الأمة بما هو كائن، مثلما أخبر الأمة بأن عرى الإسلام ستنقض عروة بعد عروة، وأن نقض نظام الحكم هو أول عرى الإسلام نقضاً، وأن نقض الصلاة هو آخر عرى الإسلام نقضاً، ولا خلاف بين اثنين من المسلمين على أن رسول الله صادق فيما أخبر، وأنه لم ينطق عن الهوى ـ على الأقل في هذه الأخبار ـ حتى نتجنب معارضة أولئك الذين يزعمون بأن محمداً بشر يتكلم في الغضب والرضى!! ثم إنه من المحال عقلاً أن يخبر الرسول الأمة بهذه الأخبار الخطيره على مسؤوليته، وباجتهاد منه، وبدون تفويض إلهي!! ومن الناحية الواقعية فقد تحقق ما أخبر به الرسول وحذر منه، فلا أحد من أولياء الخلفاء، ومن شيعة الخلافة التاريخية يمكنه أن يزعم بأن الإسلام كله قد بقي على حاله. أو ينكر بأن عرى الإسلام كلها لم تنقض. لقد بيّن الرسول ما هو كائن وما سيكون إشفاقاً ورحمة بالامة، وقياماً بواجب البيان، ولقد حذر وأنذر إقامه للحجة على المكذبين والمكابرين، وإرشاداً للصادقين ليبقوا دائماً على الصراط المستقيم. وكان الرسول صادقاً في بيانه ورحمته، وتحذيره وإنذاره، وأنه لم يخبر بتلك الأخبار المستقبلية اجتهاداً منه كما كانوا يتصورون، أو تحليلاً شخصياً، إنما كانت تلك الأخبار الموثوقة ثمرة وحي الهي صدقه ما وقع في المستقبل، لأن الله ورسوله لا يقولان إلا الحق والحقيقة.
الفصل الثالث: مظاهر نقض عرى الإسلام ووسائله
1 ـ استبعاد النبي!!
أول وأخطر مظاهر نقض عرى الإسلام هو مواجهة بطون قريش وزعامتها للنبي أثناء مرضه، والحيلولة بين النبي وبين كتابه توجيهاته النهائية وتجاهلهم لوجوده تجاهلاً تاماً، قولهم على مسمعه: إن النبي يهجر!! استفهموه إنه يهجر، ولا حاجة لنا بكتابه، حسبنا كتاب الله!!! [راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 7 ص 9 وج 4 ص 31 وج 1 ص 37، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج 11 ص 95، مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 356 ح 2992، والكامل في التاريخ لابن الأثير ج 2 ص 230 وكتابنا نظرية عداله الصحابة ص 287 وما فوق].
كانت هذه أول عروة وأخطر عروة تنقض من عرى الإسلام، فقد تجاهلت زعامة بطون قريش وجود النبي، وأعلنت وبكل صراحة، أن القرآن يكفي، ولا حاجة لما قاله النبي أو سيقوله!!
وقد مهدت زعامة بطون قريش لهذا الموقف المدمر، فبثت سلسلة من الشائعات التي تنصب كلها على ضرورة عدم الوثوق بكل ما يقوله النبي، لأنه بشر يتكلم في الغضب والرضى، ودوره مقتصر على تلاوة القرآن وتبليغ الناس، ما يوحى إليه من هذا القرآن فقط. وقد وثقنا ذلك في كتابنا (المواجهة) مع رسول الله وآله. وعندما تسلمت هذه الزعامة قيادة الأمة بعد وفاة النبي ترجمت أقوالها وشائعاتها وقناعاتها إلى قوانين ملزمة للرعية بالقوة الجبرية، فمنعت رواية وكتابة الحديث النبوي، وأحرقت المكتوب منه، وصار من المعروف عند العامة والخاصة أن عقوبة من يروى أحاديث النبي المتعلقة بالأمور الأساسية عقوبته قطع البلعوم على حد تعبير أبي هريرة، أو الاستحياء والقتل، كما عبر عنهما أبي بن كعب رضي الله عنه.
وهكذا واعتباراً من اللحظة التي قعد فيها رسول الله على فراش المرض تم استبعاده بالكامل، وجمدت كافة أوامره وتوجيهاته، ولم ينفذ منها شيء، وإن نفذت فقد جاء التنفيذ متأخراً وبالقدر الذي يخدم توجيهات زعامة بطون قريش، وخير مثال على ذلك جيش أسامة، أو بعث أسامة، فالملك ملك النبوة، وزعيم البطون رسمياً هو خليفة النبي، والمتصرف بالملك الذي بناه النبي، والأمة هي أمة النبي. ومع هذا فلا يجوز لأي فرد من أفراد الأمة أن يروى أو يكتب حديثاً عن النبي!!!
لأن رواية وكتابة أحاديث النبي تسبب الخلاف والاختلاف بين الناس، كما ذكر ذلك الخليفة الأول في أول تصريح له حسب رواية الذهبي في تذكرة الحفاظ وبنفس التصريح أمر الخليفة رعاياه قائلاً: (فمن سألكم عن شيء فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله)!!! فعلى العموم، الرسول شخصياً مستبعد (کما في حالة مرضه)، وأحاديثه التي تضمنت توجيهاته مستبعدة من التأثير على الحركة الكلية للمجتمع، إلا إذا كانت هذه تخدم الملك، وتوجهاته الجديدة والقائمين عليه، فعندئذٍ تعمم هذه الأحاديث وتعامل بقداسة، وتروى وتبرز كأدلة قاطعة على شرعية نظام البطون!! يمكن لمن يشاء أن يروى ما يشاء من أشعار الجاهلية، وخرافات الأقدميين ونجاسات الشرك، ويمكن لفئة أن تقص القصص وأساطير بني إسرائيل في مسجد الرسول نفسه، فلا خطر من ذلك على ألفة الأمة ووحدتها وانقيادها لزعامة البطون. ولكن لا يمكن حتى لأبي بن كعب أن يروى حديثاً عن النبي يمس واقع المجتمع أو مستقبله، لأن مثل هذا الحديث يسبب الخلاف، والاختلاف على حد تعبير الخليفة الأول وبهذه الحالة وأمثالها فالقرآن وحده يكفي!!!
2 ـ استبعاد آل محمد وأهل البيت والهاشميين ومن والاهم!!!
ومن مظاهر حل عرى الإسلام ان زعامة بطون قريش التي استولت على السلطة بعد وفاة النبي، قد استبعدت آل محمد الذين يصلي عليهم المسلمون في صلاتهم، كما استبعدت أهل بيت النبوة الذين شهد الله لهم بالطهارة، ثم هم أبناء النبي، ونساؤه، وكنفسه كما هو ثابت بآية المباهلة، وبعد يوم واحد من دفن النبي هددت زعامة البطون علي بن أبي طالب بالقتل، وأحضرت الحطب وشرعت بحرق بيت فاطمة بنت الرسول على من فيه وفيه، فاطمة والحسن والحسين سبط رسول الله، وحرمتهم من إرثهم من النبي ومن تركته وصادرت كافة الإقطاعات التي أعطاها النبي لهم حال حياته، وجردهم من كافة ممتلكاتهم، ولأسباب إنسانية تعهد الخليفة الجديد بتقديم المأکل والمشرب لهم لا يزيد عن ذلك!! وصورت السلطة الجديدة أهل بيت النبوة بصورة الشاقين لعصا الطاعة المفارقين للجماعة، فأذلتهم وعزلتهم عزلاً تاماً، فتجنبهم الناس، ونفروا منهم مع أن آل محمد وأهل بيته قد ورثوا علم النبوة كاملاً وعُزٍل الهاشميون وهم بطن النبي وتجنبهم الناس، واتخذوا منهم موقفاً حذراً على ضوء موقف السلطة، وأدعت بطون قريش أنها الأقرب للنبي لأن محمداً من قريش!!!
ويحذر بالذكر، أن بطون قريش ال 23 وقفت وقفة رجل واحد ضد النبي، فقاومته قبل الهجرة، وحاربته بعد الهجرة، ولم يقف مع النبي عملياً ولم يحمه من شرور بطون قريش إلا البطن الهاشمي، وعندما أشعلت بطون قريش حربها الآثمة ضد النبي، كان الهاشميون أول من قاتل وأول من قتل وبقوا إلى جانب النبي حتى انتقل إلى جوار ربه، هناك مزقت بطون قريش سجلات بني هاشم الحافلة بالأمجاد والشرف وعزلتهم وعاملتهم معاملة العبيد والسوقة.
وأحكمت بطون قريش الحلقة عندما عاملت أولياء آل محمد وأهل بيت النبوة معاملة جائرة بجرم موالاتهم لأهل البيت، وقولهم بأن آل محمد كما قد عرفوا من النبي أولى بسلطانه.
وخوفاً من هذه الدعوى استبعدت بطون قريش آل محمد، وأهل بيته، وبني هاشم، ومن والاهم أو قال بمقالهم أو بمقالتهم أو تتلمذ على أيديهم. ومع أن الخلفاء التاريخيين، وبقوة الدفع النبوي، وبالآلية التي أوجدها النبي، وبالجيش الذي أسسه النبي قد فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، إلا أنه لم يرو راو قط أن أحداً من الخلفاء قد أمّر أحداً من آل محمد أو من أهل بيته، أو أحداً ممن يواليهم، بل على العكس كان الخلفاء يختارون الأمراء والعمال والولاة من الكارهين لآل محمد والحاقدين عليهم، أو ممن كانوا لا يرون لآل محمد أي فضل أو تميز عن الناس. ولم تكتف زعامة قريش بذلك إنما حاولت أن تضرب آل محمد ببعضهم وأن توقع بينهم كما فعلت عندما وعدت العباس ببعض الأمر لتتمكن من الانفراد بعلي بن أبي طالب، وإبطال حجته، وحاولت أن تفتت وحدة البطن الهاشمي، ولكن محاولاتها فشلت في البدايه ونجحت فيما بعد!!
ورصت زعامة البطون، وقادت بنفسها حملة كبرى هدفها طرد وتقتيل وتشريد وإذلال آل محمد، فهددت علياً بالقتل، وشرعت بحرق بيت فاطمه على من فيه وفيه ابناء الرسول الحسن والحسين، وحرمتهم من ميراث النبي وتركته وصادرت ممتلكاتهم، ثم سمت الحسن، ثم قتلت الحسين، وأبادت أهل بيت النبوة، وتجاهلت ومعها الأكثرية الساحقة من المسلمين نداءات النبي التي لم تتوقف، ووصاياه المتلاحقة: (اتقوا الله في أهل بيتي)، وقد عبر الإمام زين العابدين عن هذا الهول بقوله: (لو أن رسول الله قد حرض المسلمين علينا ما زادوا على ما فعلوا..).
وهكذا تم استبعاد أهل بيت النبوة، وحرمانهم، والتنكيل بهم وإذلالهم، ومعاقبة أوليائهم، فقد مر على المسلمين حين من الدهر كان فيه حب آل محمد أو موالاتهم من جرائم الخيانة العظمى التي عقوبتها القتل وهدم الدار، والحرمان من العطاء، والتجريد من كافة الحقوق المدينة، بحيث لا تقبل وشهادة من يحب آل محمد، [راجع كتاب الأحداث للمدائني برواية ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 3 ص 595 تحقيق حسن تميم].
فإذا عرفت أن أهل بيت النبوة هم أحد الثقلين بالنص الشرعي، وأن الهدى لن يدرك إلا بالتمسك بهما: (كتاب الله وعترة النبي أهل بيته) تكتشف بيسر بأن كافة عرى الإسلام قد حلّت بالفعل، وأن الذين حكموا بأسم الإسلام كانوا يصيبون من الإسلام المقاتل، ويجردونه من كل مضامينه، ويهدمون كل أركانه، ولا يبقون منه إلا الشكليات اللازمة للمحافظة على الملك!!!
والمدهش بالفعل، أن أهل بيت النبوة قد استغاثوا فلم يُغثهم أحد، واستنصروا فلم ينصرهم أحد، وشرعت السلطة بحرق بيت فاطمة على من فيه وفيه ابنا الرسول، وحرمت السلطة أهل البيت من ميراث النبي، ومن تركته، وجردتهم من ممتلكاتهم. ومع هذا لم يُنكر على السلطة مُنكر، ولم يأمرها أحد بمعروف، ولم ينهها عن منكر، والمدهش أيضاً أن تجنّد السلطة مائة ألف مقاتل لقتال الحسين ومن معه، وهم لا يزيدون عن مائة رجل ومع هذا لم ينكر عليها منكر، ولم يأمرها أحد بمعروف أو ينهها عن منكر، وبعد أن قتل كل من كان مع الحسين وبقي وحيداً شن جيش الخلافة هجوماً شاملاً على رجل واحد!! ولهم غاية محددة وهي قتله، والتمثيل به، ومع هذا لم ينكر على الخليفة أو جيشه منكر، ولم يُؤمروا بمعروف أو يُنهوا عن منكر!! وهذا ما لم يحدث حتى في مجتمع الفراعنة!!! وهكذا حدث ما أخبر به الرسول، وحذر منه. ولاقى أهل بيته القتل والتشريد والتطريد واقترف هذه الجرائم زعماء القوم الذين سمعوا النبي وهو يخبر بما كان، وما هو كائن، ويحذر، وشاهدوه وهو يبكي على ما يفعل القوم بأهل بيته من بعده، وبعد موت النبي تذكرت زعامة القوم تحذيرات النبي، واستذكرت دموعه الشريفة، ولكن تلك الزعامة ارتكبت جرائمها مع سبق الترصد والإصرار، وهي نفس الجرائم التي حذرها النبي منها.
3 ـ غربة الإسلام والايمان
بعد أن حُلت عرى الإسلام كلها بدءاً من الحكم وانتهاء بالصلاة، أصبح الإسلام الحقيقي الذي جاء به محمد غريباً على المجتمع، إذا لم يبق من الإسلام إلا الشكليات الضرورية لبقاء الملك، والسيطرة على البلاد المفتوحة باسمه، والمسلمون المؤمنون الحقيقيون الذي بنيت دولة النبي على أكتافهم صاروا فئة قليلة معزولة غريبة غربة تامة عن مجتمع دولة الخلافة، لأن هذه الفئة تمسكت بالقرآن ووالت أهل بيت النبوة، كما أُمرت وشكلت مع أهل بيت النبوة الشيعة المؤمنة التي تحمل إرث الأنبياء والتي عاشت معزولة طوال التاريخ البشري، فأفراد هذه الفئة المؤمنة هم الذين وقفوا مع النبي في لحظات شدته، وهم الذين نهلوا علوم النبوة يوماً بيوم، وطبقوها فصلاً فصلاً، حتى صاروا هم أساتذة المجتمع وينابيع الدين النقية، ولما استولت بطون قريش بالقوة والتغلب عل منصب الخلافة واكتشفت أن هذه الجماعة المؤمنة موالية لله ولرسوله ولأهل بيت النبوة، وأن ولاءها الثلاثي هذا لن يتجزأ لأن هذا الولاء بعرفها هو الدين الحقيقي، عندئذ أدركت دولة الخلافة خطورة هذه الفئة فنقمت عليها، وعزلتها تماماً كما عزلت أهل بيت النبوة، واعتبرت أفرادها غرباء متطرفين، واعتبرت تعاليمهم خطراً على وحدة الدولة، ووحدة الأمة، وحذرت دولة الخلافة افراد تلك الفئة بأنهم إن لم يلتزموا بالطاعة، وإعلان الولاء للدولة، ستُسند لهم تهمة مفارقة الجماعة، وشق عصا الطاعة، وتفريق الأمة الواحدة وهي جرائم عقوبتها الموت، وكان واضحاً لأفراد تلك الفئة المؤمنة، بأن العامة ينتظرون إشاره دولة الخلافة لقتل كافة أفراد هذه الفئة، وسبي ذراريهم، ونهب أموالهم، لأن العامة لا مطمع فعلي لها إلا المال ورضى الخليفة الغالب طمعاً بما في يديه، وتلك حقيقة فلن يكون لأي فرد من أفراد هذه الفئة المؤمنة أهمية أعظم من علي بن أبي طالب، أو من فاطمة بنت محمد، أو من سادات بني هاشم، وقد سمع الجميع ما حل بهم، وما آلت إليه أحوالهم من الذل والهوان والعزلة!!
لذلك من الأفضل لأفراد هذه الفئة أن يتجاهلوا تاريخهم الحافل بالأمجاد، وعلاقتهم الحميمة الخاصة بالنبي، وأن يتبالهوا، فيقوموا بدور التلاميذ الذين يسمعون الأستاذه!!!
صحيح أن الأمراء طلقاء لا يفهمون من الدين شيئاً، وأن أفراد الفئة المؤمنة هم العلماء، وكان ينبغي أن يكون أفراد الفئة المؤمنة هم الأمراء، والأساتذة، الذين يفيضون علومهم على الجميع، لكن الخليفة الغالب قد قرر الاستعانة بقوة (الطلقاء) وإثم الطلقاء على أنفسهم كما قال عمر بن الخطاب، فأصبح الطلقاء أمراء ومن حق الأمير أن يطاع وأن يوجه ويقود المأمورين!! وكان بيد دولة الخلافة وأركانها آلية الحكم الخاصة، فمن يعصي الخليفة الغالب الذي يتربع عملياً على ملك الدنيا ونفوذها، يتصرف به على الوجه الذي يريد بلا رقيب ولا حسيب، ويطيع علياً بن أبي طالب المؤمن الذي لا يملك شروي نقير، ومن يعصي معاوية بن أبي سفيان وإلى الشام المتصرف بخيراتها تصرف المالك بملكه، ويطيع عمار بن ياسر، وأبا ذر الغفاري، أو المقداد بن عمرو، الفقراء المغضوب عليهم من دولة الخلافة. صحيح أن معاوية بن أبي سفيان مثلاًً طليق وابن طليق، وأحد أبرز قادة معسكر الشرك الذي قاوم وحارب رسول الله وبكل قواه حتى أُحيط به فاضطر مكرهاً للاستسلام والاسلام، وصحيح أيضاً أن معاوية لا يعرف شيئاً من الإسلام لأنه حديث العهد، ولا قدرة له على تعريف أهل البلاد المفتوحة بالإسلام، وصحيح أيضاً بأن عمار وأبا ذر والمقداد من أعمدة الإسلام ومن رواده المؤسسين وبُناته ومن علمائه، لكن هذا تاريخ، ومثاليات، بعيدة عن إمكانية التطبيق فالواقع المفروض والوحيد الذي يجب أن يُطاع، والمعلم الديني، وان عمار والمقداد وأبا ذر وأمثالهم مأمورين ومتعلمين، ويجب أن يرهفوا أسماعهم لمعاوية العالم الديني، وأن يتعودوا على طاعة معاوية الأمير!! وإن لم يفعلوا ذلك فهم عصاة أو مشاغبون يهددون الأمن ووحدة الامة!! والقانون الاسلامي يطبق على الجميع لا فرق بين عربي وعجمي، ولا سابق بالايمان ولا طليق، تلك هي الآلية القانونية التي أوجدتها دولة الخلافة!!!
وقد يخطر ببال عمار مثلاً، وكما حدث بالفعل حسب رواية ابن الأثير في تاريخه أن يقدم احتجاجاً خطياً إلى الخليفة الرمز يشكو له من أمور لا يمكن تبريرها، حتى وفق آلية الدولة، عندئذٍ يأمر الخليفة بعض أعونه الطلقاء فيضربوا عمار بن ياسر، حتى يكسروا أضلاعه، ويرموه أخوار أسوار قصر الخليفة، لأنه تجرأ على ذكر مثل تلك الأمور، وتجرأ على الشكوى، وقد حدث هذا بالفعل كما روي ابن الأثير وغيره، وقد يخطر ببال أبي ذر أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ويحذر من مظاهر البذخ وسوء العاقبة، فيفسر عمل أبي ذر هذا بأنه (إفساد في الأرض) وإفساد للناس، فقد كتب معاوية إلى الخليفة، بأن أبا ذر في طريقه لإفساد الشام وأهلها، عندئذ يأمر الخليفة بنفيه، وينفي من مكان إلى مكان بالفعل خوفاً على أمة محمد من أن يفسدها صاحبه أبو ذر، ويعيش الرجل مطارداً منفياً، ويموت منفياً وحيداً!!! وقد تتولى دولة الخلافة قتل من لا تقوى على تدجينهم من المؤمنين السابقين، وتسند تهمة القتل إلى الجن، كما فعلت مع سعد بن عبادة سيد الخزرج، فالرسالة الرسمية المصححة والمطلوب من المسلمين المؤمنين الصادقين أن يتناسوا بالكامل كل تاريخهم وعلومهم وعلاقتهم بالنبي، وأن يغضّوا أبصارهم تماماً عما يجري، وان يشهدوا بصمت عملية نقض عرى الإسلام كلها، وأن يراقبوا عملية التغيير (الإسلامية الكبرى) فأن فعلوا ذلك نجوا، ولن يتعرض لهم أحد، ويمكن لكل واحد منهم أن يأخذ عطاءه السهري، ولن يغضب الخليفة منه، وليس من المستبعد أن يرضى الخليفة وأعوانه عليه!!!
هذه الآلية العجيبة عزلت الفئة المؤمنة عملياً، وحيّدتها تحييداً تاماً عن التأثير على حركة الأحداث التي أدت لنقض عرى الإسلام كلها، وبالتالي فقد أصبح الإسلام والايمان وكافة مضامينهما الحقيقية مفاهيم غريبة تماماً، لا تنتمي لحركة الأحداث، ولا تؤثر على الأحداث، وهي عرضة للتبديل والتحوير والتغيير، لأن هذه المضامين وفي أحسن الظروف مجرد اجتهادات، لا تقدم ولا تؤخر، ولا تقيد الخليفة، فرسول الله مثلاً كان يوزع العطاء بين الناس بالسوية، لا يفرق بين عربي وعجمي وأسود وأبيض، لأن حاجات الناس الأساسية متشابهة ومضى الخليفة الأول على هذه السنّة، ولما جاء الخليفة الثاني اكتشف بأنه ليس من العدل أن يأخذ العربي كالعجمي، وأن يأخذ القرشي كغيره من العرب، لذلك اجتهد فأوجد موازين خاصة ومراتب للناس، وألغى فكرة التسوية بالعطاء، وأعطى الناس حسب مراتبهم عنده حتى أنه لم يساو بالعطاء بين زوجات الرسول، فلعائشة أم المؤمنين، ولحفصة ابنته وأم المؤمنين درجة أعظم من أم سلمة مثلاً، فكانت عائشة مثلاً تأخذ اثني عشر ألفاً، وكان المئات من الناس لا يحصلون على معشار هذا المبلغ، ونتيجة هذا الاجتهاد نشات الطبقية فوجدت فئة يملك كل واحد من أفرادها الملايين، بل المليارات، ووجدت الملايين من الناس التي لا تدرك رغيف العيش إلا بشق الأنفس!! واكتشف الخليفة بعد بضع سنين خطورة الآثار المدمرة لاجتهاده، فصرح بأنه إن عاش العام المقبل سيرجع إلى سُنّة صاحبه ويوزع المال بالسوية، كما كان يفعل الرسول وأبوبكر!!!. ولا يخفى على عاقل بأن التسوية بالعطاء هي حكم شرعي صرح به النبي، وطبقه خلال حياته المباركة، ومن الطبيعي أن هذا الحکم امر الهي، لأن الرسول يتبع ويطبّق ما يوحى اليه من ربه!! ومع هذا يتصرف الخليفة بهذا الحكم تصرف المجتهد الخبير الذي يتصور أن اجتهاده يمكن أن يكون أقرب للعدل، مما أمر الله به وطبقه رسوله. ويموت الخليفة العادل والناس على اجتهاده، وجاء اللاحقون فجعلوا اجتهاد الخليفة سنّة نافذة، غير قابلة للتغيير!! لماذا! بحجة أنها قد جرت أمام الصحابة فلم ينكر عليه منكر!! أما سنّة النبي فلم يسأل عنها أحد، ولم يطالب بإعادتها أحد!! وعلي هذا فقس ما تشاء من الأحكام والقواعد والمفاهيم الإسلامية وعرى الإسلام التي حلت كلها.
وهكذا صار الإسلام، والايمان وكافة مضامينهما ومفاهيمهما غريبة تماماً.هذا على مستوى الدين.
أما على مستوى المسلمين المخلصين والمؤمنين الصادقين، فقد صاروا غرباء أيضاً عن المجتمع، فهم كفئة جاءت من مجتمع آخر، وسكنت في المجتمع الجديد، واضطرت مكرهة أن تلتزم بقواعد وتوجهات المجتمع الجديد الذي استضافها، لقد عزلتهم دولة الخلافة عن الأكثرية المسلمة عزلاً تاماً، وشككت بولائهم لأمير المؤمنين ولدولته، وحرّمت عليهم تولي الوظائف العامة لأنهم غرباء، وحرمت عليهم أن يكتبوا أو يرووا أو يحدثوا الناس بما سمعوه أو رأوه من رسول الله، باعتبارهم فئة تهدف إلى شق عصا الطاعة وتفريق الأمة المسلمة الواحدة!!!
فصارت الفئة المسلمة غريبة تماماً عن المجتمع ويدها مشلولة وقدرتها محدودة على تغيير ما يجري في المجتمع.
لقد انقلبت الدنيا رأساً على عقب، فأعداء الله الذين قاوموا الرسول وحاربوه بكل وسائل الحرب، حتى أحيط بهم فاضطروا مكرهين للاستسلام وإعلان الإسلام صاروا قادة المجتمع وأمراؤه وخزنة أمواله وأساتذته، أما أولياء الله الذين وقفوا مع النبي في عسره ويسره، وحاربوا أعداءه وتلقوا وفهموا تعاليم الإسلام، فقد صاروا غرباء، محكومين، واضطروا أن يدخلوا الصفوف الابتدائية، ويتتلمذوا على يد الذين يجهلون الإسلام، والذين حاربوه بالأمس!!! وأن يقفوا في طوابير طويلة ليأخذوا ما تجود به أنفس الأمراء الجدد الذين كانوا أعداء لله بالأمس!!
إنها غربة الإسلام والايمان، وغربة المسلمين المخلصين والمؤمنين الصادقين، تلك الغربة التي أخبر عنها النبي، وحذر منها قبل وقوعها بقوله: (إن الإيمان بدأ غريباً وسيعود کما بدأ، فطوبي للغرباء... (وبدأ الإسلام غريباً ثم يعود غريباً كما بدأ...). [راجع معجم أحاديث المهدي ج 1 ص 71 ـ 77 تجد العشرات من مراجع هذين الحديثين الشريفين كصحيح مسلم، وابن ماجة، والترمذي، ومسند أحمد، وابن أبي شيبة، والبزار وغيرهم].
لقد عاشت الفئة القليلة المؤمنة غربة كغربة الفئة المؤمنة التي عاشت في المجتمعات التي سبقت عصر النبوة المحمدية. فمارست عباداتها سراً، ودعت لأمر الله سراً، وكتمت إيمانها، وانتظرت فرج الله لأن قيادة المجتمع قد كانت لها، وخرجت من يدها بالقوة والتغلب وبالكثرة، حيث جرت الأكثرية خلف مصالحها العاجلة، والفرق أن الفئة المؤمنة التي صارت غريبة بعد موت الرسول، صارت تعرف هدفها، وتعرف الوسيلة لتحقيق هذا الهدف، لذلك تجمعت حول أهل بيت النبوة ووالتهم كما أُمرت، ونهلت منهم علوم الإسلام، وأخذت تدعو إلى الله ودينه سرأ وتنمو يوماً بعد يوم، وهدفها هداية الأكثرية الساحقة إلى الطريق القويم لتتحصن الأمة ضد الانحراف والمنحرفين، وعودة الحق والأمر إلى أهله الشرعيين، وإعادة حكم الله الحقيقي إلى الأرض.
4 ـ أئمة الضلالة وأعوانهم
لغة وشرعاً يطلق مصطلح الإمام على رئيس الأمة وهاديها ومرجعها ـ أي أمة ـ وتعني الإمامة الرئاسة العامة والمرجعية معاً، وهي إما أن تكون إمامة برّ وشرعية، كإمامة أبراهيم والأئمة من بعده، وإمامة محمد والأئمة الشرعيين من ولده تقود إلى الصراط المستقيم، وإما أن تكون إمامة فاجرة وغير شرعية سندها القوة والتغلب، كإمامة فرعون وغيره من أئمة الكفر تقود إلى دار البوار، وقد فصلنا كل ما يتعلق بهذين المصطلحين في كتابنا: (الإمامة والولاية) فارجع إليه إن شئت.
وما يعنينا أن رسول الله عندما لخص الموقف لأمته، وأخبرها بما هو كائن، وما سيكون، وحذرها من مغبة معصية توجيهاته وأوامره وطاعة أعداء الله وأعداء رسوله توقف طويلاً عند أئمة الضلالة، الذين سيأتون من بعده، واعتبرهم ألد الأعداء، وأعظم الأخطار التي تتهدد الأمة الإسلامية من بعده لأنهم هم الذين سيبدأون بحل عرى الإسلام، وأول عروة سيحلونها هي نظام الحكم، ثم يستعينون بالسلطة والنفوذ فيحلون ما تبقى من عرى الإسلام، حتى لا تبقى فيه ولا عروة واحدة دون حل، وأن هؤلاء الأمة لن يُبقوا من الإسلام إلا رسمه، ومن القرآن إلا اسمه، ومن الدين إلا أشكاله ومظاهره الخارجية لغاية محدودة، وهي المحافظة على ملك النبوة الذي توقف عنده النبي، وحذر منه وكرر التحذير، فقال مرة: (لست أخاف على أمتي جوعاً يقتلهم، ولا عدواً يجتاحهم، ولكني أخاف على امتي قبيحهم، وتصدقوا کذبهم... [راجع الطبراني في الکبير ج 22 ص 362 ح 910 وص 373 و934، والفردوس ج 2 ص 317 ح 3437، والجامع الصغير ج 2 ص 49 ح 4680، وكنز العمال ج 6 ص 67 ح 14876، وفيض القدير ج 4 ص 101 ح 4680، والمعجم ج 1 ص 29 ـ 30].
ووصفهم النبي مرة أخرى فقال: (لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبة، ووزراء فجرة، وأمناء خونة، وقراء فسقة... [رواه البزار، والهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 233، والمعجم ج 1 ص 26].
وقد بين النبي الكريم أن أئمة الضلالة سيستغلون كل شيء لصالحهم، فالعطاء الذي فرضته الشريعة للمساعدة على تأمين الحاجات الأساسية لأفراد المسلمين سيحوله أئمة الضلالة إلى رشوة!! بمعنى أن أئمة الضلالة لن يعطوا أي مسلم عطاءه إلا إذا بايعهم، ورضي بجورهم وظلمهم وقبل بوجودهم، لذلك أمر رسول الله المسلمين أن يأخذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا استغل أئمة الضلالة هذا العطاء فجعلوه رشوة للسكوت، فلا ينبغي أن يأخذ المسلمون هذا العطاء، ولكن الرسول قد أخبر الأمة بأنها ستأخذ العطاء، بالرغم من أنه رشوة، لأن الفقر والحاجة يمنع المسلمين من ترك العطاء. [راجع الطبراني في الصغير ج 1 ص 264، وحلية الأولياء ج 5 ص 165 ـ 166، وتاريخ بغداد ج 3 ص 398، ومعجم الأحاديث ج 1 ص 31 ـ 32]. وأخبر الرسول المسلمين بمداهنة القراء، ونفاق العلماء وبعد أن أحكم أئمة الضلالة قبضتهم على الأمة، وسلبوها أمرها من غير مشورة، وبعد أن نقضوا عرى الإسلام كلها عروة عروة سخروا موارد الدولة وإمكانياتها، وأمروا ولاتهم وعمالهم وعلماء السوء أن يكذبوا على رسول الله وأن يختلقوا أحاديث تروى بطريقة فنية توجب على المسلمين طاعة أئمة الضلالة، لأن طاعتهم عبادة بوصفهم خلفاء للنبي، وتحرم على المسلمين معصية أئمة الضلالة، لأن معصية أئمة الضلالة معصية لله، ومعصية الله معصية للرسول، ومن عصى الله والرسول فقد برئت منه الذمة، وأحل دمه حتى في الأشهر الحرم. وأحكم أئمة الضلالة وأعوانهم الطوق عندما حرّموا على أي مسلم أن يخرج عليهم مهما فعلوا. وسخر أئمة الضلالة کافة موارد الدولة وإمكانياتها لتعميم هذه الطاعة العمياء، وأخلوها في مناهجهم التربوية والتعليمية، ورووا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله، ومع الأيام والعادة والتكرار، صارت هذه القناعة التي لا يقبلها عقل جزءاً من الدين نفسه.
قال أبو بكر الباقلاني القاضي المعروف في كتابه (التمهيد) باب ذكر ما يوجب خلع الإمام: (قال الجمهور من أهل الإثبات، وأصحاب الحديث: لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال وضرب الأبشار وتناول النفوس المحرمة وتضييع الحقوق وتعطيل الحدود ولا يجب الخروج عليه، بل يجب وعظه تخويفه، فالأخبار متضافرة عن الرسول وعن الصحابة في وجوب طاعة الأئمة).
وقال النووي في شروحه على صحيح مسلم بيان لزوم طاعة الأمراء ج 12 ص 229 من صحيح مسلم بشرح النووي ما يلي وبالحرف: (قال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: لا ينعزل الإمام بالفسق والظلم وتعطيل الحدود، ولا يخلع، ولا يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعظه وتخويفه، وأما الخروج على الأئمة وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين)!!! أو أئمة مضلين، إن أطاعوهم فتنوهم، وإن عصوهم قتلوهم. [راجع مجمع الزوائد ج 5 ص 329 عن الطبراني، والجامع الصغير ج 2 ص 403 ح 7238 السيوطي عن الطبراني، وكنز العمال ج 6 ص 22 ح 14671 عن الطبراني، وفيض القدير ج 5 ص 264 ح 7238 عن الجامع الصغير، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 35 ـ 36]. لقد حذر الرسول كثيراً من الدجال ولكن أکد للمسلمين أن الأئمة المضلين أخطر من الدجال، [راجع نص الحديث بمسند الإمام أحمد ج 1 ص 98 وج 5 ص 145، وأبو يعلى ج 1 ص 359 عن ابن أبي شيبة، والفردوس ج 3 ص 131 ح 4163، ومجمع الزوائد، ج 5 ص 238 ـ 239، والجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 201، ح 5782، وكنز العمال ج 10 ص 191 ح 29008، وفيض القدير ج 4 ص 407 ح 5782 عن الجامع الصغير، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 33 ـ 34]. ووثق الرسول أثناء تحذيره الصلة بين الأئمة المضلين وبين الدجال، فقال: (إن طعام أمرائي بعدي مثل طعام الدجال، إذا أكله الرجل ينقلب قلبه). [راجع مسند أحمد ج 1 ص 98 وج 5 ص 45، وابن أبي شيبة ج 142 ح 19332]. وقد وصف رسول الله الأئمة المضلين فقال لأحد الصحابة: (أعاذك الله يا كعب بن عمرة من إمارة السفهاء. قال كعب: وما إمارة السفهاء؟ قال الرسول: أمراء يكونون بعدي لا بهدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون على الحوض، ومن لم يصدقهم على كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون على الحوض... [راجع عبد الرزاق ج 11 ص 345 ـ 346 ح 20719، ومسند أحمد ج 3 ص 321 عن عبدالرزاق وص 329 وج 5 ص 11 وج 6 ص 395، والبزار عن حذيفة، والنسائي ج 7 ص 160، والطبراني في الكبير ج 4 ص 67 ح 3127 وح 3628، والطبراني في الأوسط والحاكم ج 1 ص 78 ـ 79، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 23 ـ 25].
ووصفهم النبي مرة أخرى فقال: (ستكون عليكم أئمة يملكون أرزاقكم يحدثونكم فيكذبونكم، ويعملون ويسيئون العمل، لا يرضون منكم حتى تحسنوا إن أئمة الضلالة وأعوانهم في منتهى الدهاء والخبث، كما أخبر الرسول إنهم شياطين حقيقيون، سخروا كافة إمكانات الدولة ومواردها للتحريف والتبديل والخلط. لقد (جيروا) أو ظهروا لهم كما بجير وتظهر قسائم الشيكات كافة الحقوق التي رتبها الله للرسول وللأئمة الشرعيين من بعده، فصار إمام الضلالة يتمتع بنفس حقوق الطاعة والامتيازات التي يتمتع بها الرسول والأئمة الشرعيين الذين اختارهم الله وأعّدهم لقيادة الأمة من بعده!! وانطلى خبث أئمة الضلالة على العوام!! فهل يعقل أن يحذر رسول الله من أئمة الضلالة، وأن يخبر المسلمين بأن أئمة الضلالة سينقضون عرى الإسلام كلها وأنهم سينتهكون كل محرم، ويشردون ويطردون ويقتلون آل محمد وأهل بيت النبوة، وسيذلون المسلمين، ومع هذا يأمر الرسول بمكافأتهم على جرائمهم العظمى، فيعتبر طاعتهم كطاعته عبادة وواجبة، ومعصيتهم كمعصيتهم محرمة توجب العقوبة!!! ثم يحرّم الخروج عليهم مهما فعلوا ويتركهم يتنفعون بظلمهم وفسقهم ومعاصيهم وإذلالهم للأمة والجلوس على رأسها!! فاي مجنون في الدنيا يصدق ذلك!!! وأي عقل يقره، وأي دين يأمر به!!!
ولكن ولأن أئمة الضلالة هم الحكام المالكون للسلطة والجاه والنفوذ والمتصرفون بشؤون الأمة تصرف المالك فقد اختلقوا هم وأعوانهم على الرسول، ووضعوا هذه الاختلاقات في مناهجهم التربوية والتعليمية، وفرضوا هذه المناهج على المسلمين، وأوجبوا عليهم التدين بها بالإكراه، وتناقلتها أجيال المسلمين، وروجت لها وسائل إعلام الدولة، وبحكم العادة والتكرار وبدعم متواصل من أئمة الضلالة وأعوانهم صارت العامة، الأكثرية الساحقة من الأمة، تعتقد بصواب هذا الاعتقاد، وتتعبد به، ولم يجرؤ الخاصة على الاعتراض تلك معالم وشواهد وشواخص تكشف أئمة الضلالة وأعوانهم الذين نقضوا مجتمعين ومنفردين عرى الإسلام كلها، وأوردها الأمة موارد الردى وقدموا الدين بغير صورته الحقيقة، فحالوا بينه وبين الانتشار، وبين الأمم وبين الاستفادة من نوره المبين.
التناقض الصارخ بين الدين والواقع وبين المظاهر والحقائق
1 ـ على صعيد الإمامة أو رئاسة الدولة: لقد أعدّ الله سبحانه وتعالى رسوله محمداً وأهله للنبوة والإمامة أو الرئاسة العامة للمسلمين واختاره لهذه المراتب لأنه الأفهم والأنقى والأقرب إلى الله، والأقدر على القيادة في تلك المرحلة، وتلك مواصفات ومؤهلات لا يعلمها علم اليقين إلا الله، وكلها مؤهلات ضرورية لتكون القدوة المثالية، وليتمكن من قيادة الأمة وفض ما يشجر بينها من مشكلات وفق الحكم الإلهي. ومن المفترض بعد وفاة النبي أن تنتقل الأمامة والرئاسة العامة لمن أعدّه الله ورسوله واختاره لهذه المهمة ليتابع طريق النبوة ويتم ما لم يتحقق من برامجها!! هذا هو التنظير الديني للرئاسة، وهذا هو حكم الدين. أما على صعيد الواقع فالأمر مختلف جداً فأبرز مؤهلات الذبين خلفوا النبي برئاسة الدوله طوال التاريخ السياسي الاسلامي هو التغلب والقهر فأي شخص يغلب على الأمر أو الخلافة يتقلدها ويتنعم هو والذين أوصلوه لهذا المنصب بامتيازات الخلافة، فالمتغلب شخص عادي من جميع الوجوه فلم يدّع أحد من الخلفاء التاريخيين أنه الأفضل أو الأعلم أو الأفهم أو الأتقي أو الأقرب إلى الله ورسوله بل وصرح أول الخلفاء بما يلي: (إني قد وليت عليكم ولست بخيركم)... فالخليفة الأول صادق في ما يقول، ويعترف صراحة وضمناً بأن بين المخاطبين المحكومين من هو خير منه، ومن هو أفضل منه، ومع هذا فقد ولي الخلافة رسمياً وأصبح خليفة النبي والقائم مقامة واقعياً وعلى الأمة أن تسلم بذلك شاءت أم أبت، تبايعه راضية أو كارهة لأنه لا بد للجماعة المؤمنة من رئاسة. وهنا تقع المشكلات الکبرى فالسلطة الفعلية والأمر والنهي بيد الخليفة والقائم مقام النبي واقعياً أما الإمام الشرعي المؤهل والمختار إلهياً فهو مجرد مواطن عادي لا حول بيده ولا قوة، ويمكن للخليفة بإشارة من يده أن يطيح برأس الإمام الشرعي قبل أن يرتد إليه طرفه. بهذه الحالة، فإن الخليفة لا يعرف الحكم الشرعي ولا المقاصد الشرعية، ولا برامج النبوة، ولا معنى كل اية معرفة يقينية، هو يعرف ولكن ظناً وتخميناً، والخليفة ليس محيطاً بالبيان النبوي ولا معداً أصلاً ليكون خليفة وليس لديه علم يقيني لا بالماضي ولا بالحاضر ولا بالمستقبل لأنه أصلاً غير معد لهذه الأمور، لقد جلس مجلساً ليس له وادعى أمراً فوق طاقته، وعلى الخليفة أن يدير أمور الدولة، فإذا رجع الخليفة للإمام الشرعي فإنه مضطر أن يرجع إليه في كل الأمور وفي ذلك حط من مقام الخليفة، واعتراف ضمني بعدم أهليته للحكم، واعتراف بأن الإمام الشرعي هو المؤهل الوحيد في زمانه لتولي الأمور. لكن الخليفة وأعوانه لن يستسلموا ولن يعترفوا بذلك فأول خطواتهم كانت تجاهل الإمام الشرعي تجاهلاً كاملاً والحط من مكانته، والتعتيم الكامل على مؤهلاته. ثم تسيير شؤون الحكم بالرأي لا بالشرع، فهم لا يعرفون الشرع، ولكنهم يعرفون الرأي، لذلك تركوا شرع الله الذي لا يعرفونه ولا يجيدون الحكم وفق أحكامه واجتهدوا أو اخترعوا أحكاماً من ارائهم الشخصية لحل المشكلات التي كانت تواجه الخلفاء، وكان يصدف أن يُطرح سؤال على الخليفة أو تعرض عليه مشكلة والإمام الشرعي موجود فيجيب الإمام الشرعي، ويقدم الحل للمشكلة أمام الخليفة الساكت فيتبنى الخليفة جواب الإمام أو الحكم الشرعي الذي أعلنه الإمام إذا كان هذا الجواب أو الحكم لا يتعارض مع نظام الخليفة أو يمس بوجوده ووجود أعوانه. وكثيراً ما كان العامة ينتقدون آراء الخليفة وأحكامه، وكثيراً ما كان يصدر حكماً أو رأياً اليوم وينقضه غداً ليتبنى رأياً وحكماً آخر، لانه لا يعرف الصواب على وجه اليقين ولا يعرف الأحكام الشرعية لذلك يبقى حبيس آرائه الشخصية واجتهاداته ليجد الحل أي حل لمشكلات الناس التي تعرض عليه.
والخلاصة أنه وحسب أحكام الدين فإن الإمام أو الرئيس من بعد النبي يتمتع بمؤهلات خاصة تجعله ملاذاً للناس بمميزاته وقدراته التي تؤهله للإجابة على كل سؤال مطروح في العالم جواباً شرعياً يقينياً، وتجعله مثلاً أعلى وقدوة للمحكومين ولأبناء الجنس البشري تماماًً كما كان النبي إلا أن الإمام ليس نبياً ولا يوحى إليه إنما هو وارث لعلمي النبوة والكتاب، ومسدد، وموفق إلهياً لأنه المكلف بتنفيذ البرامج الإلهية لهداية العالم كله، ولانه مكلف ببيان وتنفيذ الحكم الشرعي على صعيد الأمة الإسلامية. هذا هو الإمام القائم مقام النبي شرعاً وكما هو في الحق والحقيقة، وقد وجد مثل هذا الرجل المؤهل دائماً، ولكن أئمة الضلالة حالوا بينه ويين ممارسة حقه الشرعي بالإمامة.
أما من الناحية الواقعية فالخليفة المتغلب الذي استولى على منصب الخلافة بالقوة والقهر والغلبة وكثرة الأتباع فليست له صفات ومؤهلات تميزه عن غيره من الناس، فهو رجل عادي من جميع الوجوه، ومؤهله الوحيد يكمن في القوة والتغلب، حتى إذا ما استولى على منصب الخلافة سخر امكانياتها ومواردها لتجميل صورته، واختلاق مميزات خاصة له واقناع الناس بالترغيب والترهيب أنه بالذات الشخص المناسب ليقوم مقام النبي وخلفائه.
والخليفة المتغلب يقر علناً بأنه ليس الأفضل ولا الأعلم ولا الأقرب لله ولرسوله، وأنه مجرد شخص عادي ليست له مميزات خاصة، ويقر أيضاً بأن الأفضل والأعلم والأقرب للرسول موجود بالفعل ويقر أعوانه بكل ذلك تبعاً لإقراره!!! ولكنهم يدعون بأن المسلمين قد قدموا المفضول وهو الخليفة على الأفضل وهو الإمام الشرعي لمصلحة قدروها في ذلک!!! والمقصود بالمسلمين هم الفئة التي جاءت بالخليفة المتغلب ودعمته حتى جعلته خليفة!! أما المسلمون الذين يعارضون هذا الخليفة فلا يعتد برأيهم، ولا يقام له وزن لأنه يفرق الأمة بعد توحدها!!
2 ـ الله سبحانه وتعالى شهد لأهل بيت النبوة بالطهارة، واعتبرهم أحدا الثقلين الأكبر وأهل البيت هم الثقل الأصغر، والهدى لا يدرك إلا بالثقلين معاً، والضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالثقلين معاً، والأمة تشهد أن الهاشميين هم الذين احتضنوا النبي وحموه وحموا دعوته طوال مدة ال 15 سنة التي سبقت الهجرة، وأن بطون قريش مجتمعة قد حاصرت الهاشميين وقاطعتهم ولولا الهاشميين لقتلت بطون قريش رسول الله وبعد الهجرة وعندما جيشت بطون قريش الجيوش وحاربت الرسول كان الهاشميون هم أركان حرب الرسول وهم أول من قاتل ومنهم أول من قُتل وبقي الهاشميون إلى جانب الرسول حتى استسلمت بطون قريش واضطرت مكرهة أن تعلن إسلامها، لهذه الأسباب مجتمعة ومنفردة ولإسباب تتعلق بحكمة الله وفضله جعل الله الصلاة على آل محمد ركناً من أركان الصلوات المفروضة على المسلمين، وفرض مودتهم على الناس، وفرض محبتهم. بعد موت النبي قالت بطون قريش أنها أولى بالنبي من آل محمد ومن أهل بيته ومن بني هاشم!!! وأن هذه البطون هي الوارثة الوحيدة لأموال النبي وسلطانه لأنه من قريش أما آل محمد وأهل بيته وبنو هاشم فليست لهم أية حقوق أو امتيازات خاصة، ولا يجوز لهم أن يتولوا الخلافة لأن محمداً من بني هاشم وقد أخذ الهاشميون النبوة ولا ينبغي لهم يجمعوا مع النبوة الخلافة فينالوا الشرفين، ويذهبوا بالفخرين، ويحرموا بطون قريش كذلك لا يجوز للهاشميين عامة ولا لأهل بيت النبوة وآل محمد خاصة أن يتولوا الوظائف العامة لأنهم سيستغلون هذه الوظائف للوصول إلى منصب الخلافة، وقد وثقنا ذلك في كتابينا: (نظرية عدالة الصحابة) والمواجهة مع رسول الله وآله وفوق ذلك وحتى لا يستغل آل محمد قرابتهم للنبي، وحتى لا يستميلوا القلوب ويؤلفوها من حولهم قرر الخلفاء أن يبقوا آل محمد في حالة عوز وحالة تبعية اقتصادية تامة، فحرموهم من تركة النبي، وصادروا الإقطاعات التي أقطعها لهم النبي حال حياته، وحرموهم من إرث النبي، ومنعوهم سهم ذوي القربي المخصص لهم بآية محكمة، وأعلن الخليفة الأول أنه على استعداد لتقديم المأكل والمشرب لآل محمد لا يزيدون عليه!!! وهكذا كان حصار الخلفاء لآل محمد رسول الله ولأهل بيته حصاراً محكماً وشاملاً لكل نواحي الحياة!!! ولم يكتف الخلفاء بذلك لأنهم اعتبروا وجود آل محمد وأهل بيته خطراً على منصب الخلافة وقنبلة موقوتة لا يدري الخلفاء متى تنفجر لذلك طردوهم وشردوهم وقتلوهم تقتيلاً، وإن جادل القوم بآل محمد وأهل بيته فلن يجادلوا أبداً بأن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء والحسن والحسين هم من آل محمد بل هم رأس وعماد آل محمد، ومع هذا فقد هددوا علياً بالقتل إن لم يبايع ثم قتلوه، وشرعوا بحرق بيت فاطمة بنت محمد على من فيه وفيه الحسن والحسين وذلك في اليوم الثاني لوفاة أبيها رسول الله، وعندما كبر الحسن قتلوه بالسم. وبقي الحسين وحيداً يضم تحت جناحيه آل محمد، ثم أخرجه الخلفاء ومن والاه من آل محمد، وقادوهم إلى حمراء لا ظل فيها ولا ماء، وحالوا بين آل محمد وبين ماء الفرات حتى لا يشربوا منه ويموتوا عطشاً، ثم جهز الخليفة جيشاً قوامه مائة ألف مقاتل أو ثلاثين ألف مقاتل بأقل الروايات وشن هذا الجيش هجوماً ساحقاً على الحسين ومن معه من آل محمد وأحفاده وأبناء عمومته وتمكن الجيش من إبادة كل من حضر من آل محمد، ولم يبق إلا الحسين، وكان بإمكان جيش الخليفة أن يأسر الحسين لأنه رجل واحد، ولكن هذا الجيش شن هجوماً شاملاً على ابن النبي وقتله سر قتلة وقطعه تقطيعاً ونهب رحلة، وساق بنات النبي، وبنات عمومته حفارى أسارى وبعد أن انتهت المعركة بانتصار جيش الخليفة، صلوا الفرائض ولم ينسوا أبداً بأن يصلوا على محمد وآل محمد. هم نظرياً يصلون على محمد ويقتلون ابنه وأحفاده وأولاد عمومته!! وهم يصلون على آل محمد ويقتلونهم!! يصلون عليهم وبعد الانتهاء من الصلاة يستعدون لقتلهم ثم يقتلونهم، وبعد الانتهاء من القتل يصلون عليهم وهم يعتقدون أنه لا تناقض بين صلاتهم على النبي وقتلهم لابنه وأحفاده، ولا تناقض بين صلاتهم على آل النبي وقتلهم لأولئك الآل!! وقد وقع في هذا التناقض حتى الخلفاء الراشدون، فقد أمر الخليفة الأول بحرق بيت فاطمة بنت الرسول على من فيه وفيه الحسن والحسين ابنا رسول الله، وقاد السرية التي تولت مهمة الشروع بحرق بيت فاطمه ولي عهد الأول والذي أصبح الخليفة الثاني وجمع الحطب تحت إشرافه، وأشعلت فيه النيران بأمره، وسمع بأذنه فاطمه بنت الرسول وهي تنادي بأعلي صوتها: (يا أبتي يا رسول الله) ولم يرمش له جفن حتى حقق ما أراد تماماً، بعد ذلك عاد ولي عهد الأول والخليفة الثاني ومعه أركان دولة الخلافة فصلوا على محمد وآل محمد، مع أنهم قبل قد شرعوا بحرق بيت بنت الرسول عليها وعلى ابنيه الصغيرين وهم أحب الناس إليه وصفوة آل محمد!! واعتقد الخليفة وولي عهده وأركان دولته أنه لا تناقض يذكر بين أفعالهم وبين حبهم للنبي وصلاتهم على محمد وعلى آل محمد!!!
وقد تقضي مصلحة الخلفاء أو أوهام فيها مصلحة أن يسبوا ويشتموا ويلعنوا آل محمد، ويلزموا كل فرد من رعاياهم أن يلعن الآل الكرام أو يلعن عميدهم، وأن يقطعوا عطاء من يحبهم، أو يحكما بالموت على من يوالهم كما فعل الخلفاء الأمويون، وخلال هذه المحنة الرهيبة كان الخلفاء الأمويون وأتباعهم يصلون على النبي وآل النبي، وكانوا يعتقدون أنه لا تناقض يذكر بين أفعالهم بآل محمد وصلاتهم على محمد وآله!!!
3 ـ المؤمنون الصادقون الذين والوا رسول الله، وآله، ورافقوا في عسره ويسره وبذلوا له ولدينه النفس والنفيس، وجاهدوا في الله حق جهاده حتى نصرالله نبيّه، وأعز دينه، وقامت دولة النبوة على أكتافهم، هؤلاء المؤمنون الصادقون قد استبعدوا تماماً بعد موت النبي، وحرموا من تولى الوظائف العامة، ومن نشر علوم النبوة، وعزلوا عزلاً تاماً عند الناس وأصبحوا موضع شبهه، وصاروا غرباء بالوطن الذي بنوه حجراً فوق حجر، وأعداء بمقاييس الدولة الجديدة التي بنوا أساسها بالعرق والدم بحجة موالاتهم لآل محمد!!!
أما الذين قاوموا الرسول، وعادوه قبل الهجرة، وتامروا على قتله وحصروا الهاشميين وقاطعوهم، ثم جندوا الجيوش وحاربوا النبي بعد الهجرة، وقادوا جبهة الشرك، ورموا النبي بكل سهم في كناناتهم حتى أحيط بهم فاستسلموا واضطروا مكرهين لاعلان إسلامهم، واخفوا تركة الصراع الهائل والمرير والطويل الذي دار بينهم وبين رسول الله!
بعد موت النبي مباشرة صاروا هم أركان دولة الخلافة وهم الأمراء، هم الأساتذة، وهم أصحاب الأمر والنهي، ومن بيدهم السلطة الفعلية يتصرفون بالجاه والأموال والنفوذ على الوجه الذي يريدون بلا حسيب ولا رقيب، ويمكنون لانفسهم في الأرض تحت سمع وبصر الخليفة الغالب، المغلوب على أمراه، ولكنه لا يريد الاعتراف بالحقيقة، كان كل واحد من قادة جبهة الشرك السابقين يتصرف بولايته تصرف المالك بملكه، ويضع البرامج والمناهج التربوية والتعليمية التي يراها مناسبة، لاحداث التبديل والتغيير، بما يخدمه ويرغم أنوف خصومه وهم أهل بيت النبوة، وقدامى محاربي الإسلام!! ورموزه وأعلامه الذين حرموا من تولى الوظائف العامة، واستبعدوا بالكامل!!
وعندما سئل الخليفة الثاني عن هول ما جرى، وعن سر استخدامه للمنافقين والفجار، وتركه لأولياء الله ورسوله؟ قال: (إننا نستعين بقوتهم وإثمهم على أنفسهم وقد وثقنا ذلك!!! فالمنافقون والفجار هم العناصر الوحيدة التي تملك القوة والقادرة على إدارة ملك الخليفة!!! أما أهل بيت النبوة، والسابقون في الإيمان وقدامى المحاربين الذين هزموا بطون قريش وركعوا العرب كلها فليست لديهم القوة لإدارة هذا الملك!!!
أمثلة حية على هذا الانقلاب
لا خلاف بين اثنين بأن أبا سفيان وأولاده هم الذين قادوا جبهة الشرك وحروبها العدوانية ضد رسول الله وضد رسول الله وضد دينه الإسلام، وأن أباسفيان واولاده قاوموا رسول الله بكل وسائل المقاومة، وحاربوه بكل فنون القتال، ويوم فتح مكة أحيط بهم، فاستسلموا واضطروا لإعلان إسلامهم فصاروا طلقاء، بعد موت النبي مباشرة تولى يزيد بن أبي سفيان قيادة الجيش الزاحف لفتح الشام، ولما مات يزيد خلفه أخوه معاوية، وترك معاوية والياً لبلاد الشام وهي أخطر ولايات دولة الخلافة مدة عشرين سنة يحكم كأنه ملك بلا رقيب ولا حسيب ويوطد لنفسه، ثم أصبح خليفة، لابنه يزيد، وجاء بعده حفيده معاوية الثاني. فكان التوطيد لأعداء الله مكافأة سخية على عداوتهم وحربهم لرسول الله!!!
والحكم بن العاص كان من ألد أعداء رسول الله، لعنه رسول الله. [راجع مجمع الزوائد للهيثمي ج 5 ص 241 وقال رواه أحمد بن حنبل والبزار والطبراني] وكان هذا معروفاً للعامة والخاصة. قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 241 أن عبد الرحمن بن أبي بكر قال لمروان: (إن رسول الله لعن أباك). وقال ابن عساكر [راجع كنز العمال ج 11 ص 358 والحاكم في مستدركه ج 4 ص 481] أن عبد الله بن الزبير قال وهو يطوف بالكعبة، ورب هذا البيت الحرام والبلد الحرام أن الحكم بن العاص وولده ملعونين على لسان محمد 6 وفي الدر المنثور قال: أخرج ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان: (سمعت رسول الله يقول لأبيك وجدك أنكم الشجرة الملعونة في القرآن). لقد نفاه رسول الله لأنه من المرجفين. ومع هذا آلت الخلافة لذرية هذا الملعون يتوارثونها بينهم، مع أن رسول الله قد حذر المسلمين منه ومن ولده، ومن جملة تحذيرات الرسول أنه قد قال: (إن هذا، يعني الحكم، سيخالف كتاب الله وسنة نبيه وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء، وبعضكم يومئذ شيعته)، رواه الدار قطني [راجع كنز العمال ج 11 ص 166 وابن عساكر ج 11 ص 36، والطبراني ج 11 ص 167].
وقد تواترت الأنباء عن رسول الله التي تؤكد بأن أشد العرب بغضاً لرسول الله وآله هم بنو أمية، ووقائع التاريخ تؤكد صحة هذه الأنباء فقد ساد الأمويون أعداء الله، وقاد الهاشميون أولياء الله، ونتيجة الحروب الطاحنة، جرى القتل وتكونت الأحقاد الأموية. وربما لهذا السبب صار الأمويون بطانة الخلفاء الأول ثم أصبحوا خلفاء!! فكراهية آل محمد هي الوسيلة العملية للتقدم والوصول إلى السلطة، وموالاة آل محمد هي معيار وسبب الغربة والعزلة!! إن هذا لأمر عجاب!!
هذا على مستوى الخلافة، أما على مستوى ولايات الأعمال والأقاليم فنأخذ مثلاً عبد الله بن أبي سرح فهو الذي افترى على الله الكذب، وهو عدو الله وعدو رسوله لقد أمر الرسول بقتله ولو تعلق بأستار الكعبة، ويوم فتح مكة أمر الرسول بالبحث عنه وقتله، فلجأ ابن أبي سرح إلي أخيه في الرضاعة عثمان بن عفان، فغيبه عثمان وأخفاه، وفي يوم من الأيام بعد الفتح بفترة جاء به عثمان إلى رسول الله فاستاء منه، فصمت رسول الله طويلاً، ثم قال نعم فلما انصرف عثمان قال النبي لمن حوله: ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه! فقال رجل فهلاّ أومأت إلى يا رسول الله؟ فقال النبي: إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة أعين. [راجع ترجمة ابن أبي سرح في الاستيعاب لابن عبد البر ج 4 ص 378 والأصابة لابن حجر ج 2 ص 309، وأسد الغابة ج 3 ص 173]. وأصبح ابن أبي سرح طليقاً ومن المؤلفة قلوبهم، الذين كان يعطي لهم سهم من الصدقات لأنهم منافقون وضعاف إيمان وحتى يصرفوا وبعد موت الرسول مباشرة صار عبدالله بن أبي سرح من أصفياء الخلفاء كما وثقنا، ومن أهل الحل والعقد، وأسندت إليه إمارة ولاية مصر وهي تاج الولايات الإسلامية، ومرّ حين من الدهر كان فيه ابن أبي سرح الرجل الثالث في الدولة الإسلامية، مع أنه الأظلم بنص القرآن، ومفتر على الله بنص القرآن ومع أنه عدو لله ولرسوله!!
هذا هو فريق القيادة، وهذه هي الكوادر الفنية التي حلت عرى الإسلام وأسست ورسمت معالم عصر ما بعد النبوة، فوضعت مناهجها التربوية والتعليمية، وفرضتها على المسلمين قرابة قرن من الزمان، خلطوا خلاله الأوراق خلطاً عجيباً فبدّلوا وعدلوا ولم يبق من الإسلام إلا كتاب الله وأهل بيت النبوة، لمواجهة برامج تربوية وتعليمية قد استقرت في النفوس، فألغت دور كتاب الله وما وصل إلينا من السنة النبوية وعملت على تجميل أفعال تلك الكوادر، وإضفاء طابع الشرعية والمشروعية على وقائع التاريخ، لقد اختلط الحابل بالنابل فلا تدري أيا من أي!!! (فلم يبق من القرآن إلا رسمه، ولا من الإسلام إلا اسمه، يسمون به وهم أبعد الناس عنه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود).
هذا هو وصف رسول الله لواقع الأمة بعد أن حلت عرى الإسلام كلها [راجع ثواب الأعمال وعقابها ج 4 ص 301، وجامع الأخبار ص 129 فقره 88 والبحار ج 52 ص 190، ومنتخب الأثر للرازي ص 427 ف 6 ب 2 ومعجم الإمام المهدي ج 1 ص 44 ـ 44]، أنت أمام جاهلية حقيقية أكثر شراً من الجاهلية الأولى كما ذكر رسول الله. [راجع معجم الإمام المهدي ج 1 ص 44].
وهكذا حدث كما أخبر به رسول الله، واقترفت تلك الكوادر كافة ما حذر منه! فقال: قال الرسول يوماً لأصحابة: (إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء، رواه مسلم وابن ماجة والطبراني. [راجع كنز العمال ج 2 ص 177]. قال النووي: أي أن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة، ثم انتشر وظهر ثم سيلحقه النقض والاخلال حتى لا يبقى إلا في قلة وآحاد أيضاً. [راجع صحيح مسلم بشرح النووي ج 2 ص 177].
الفصل الرابع: المهمة الكبرى للمهدي المنتظر
بعد انتقال النبي الأعظم إلى جوار ربه، واستيلاء بطون قريش على منصب الخلافة بالقوة والتغلب، وحيازتها الفعلية للملك الذي تمخضت عنه النبوة، حدثت تغييرات هائلة وشاملة وجذرية، طالت كل شيء كان النبي قد مسّه، فنقلته من مكان إلى آخر، وعدلت وبدلت فيه، حتى غيرت حقيقته تماماً ولم يبق منه إلا اسمه أو رسمه الإسلامي.
فقد حلت عرى الإسلام كلها سريعاً عروة بعد عروة، ورفعت مضامينه ومفاهيمه الجوهرية من واقع الحياة تماماً أو حيّدتها!! ولم يبق من الإسلام إلا اسمه والاطار العام أو الشكل اللازم لبقاء الملك، وتوسيع رقعة المملكة أو الأمبراطورية ولكن باسمه، أما الإسلام الحقيقي بجوهره ومضمونه فقد صار غريباً لا يعرفه المجتمع أبداً!! ولا شيء يدل عليه أو يرمز إليه إلا الفئة المؤمنة القليلة والمتكوّنة من آل محمد وأهل بيته وقدامى المحاربين المؤمنين الذين قامت دولة النبوة على أكتافهم، وانتشرت دعوة الإسلام بسيوفهم وألسنتهم، وصحبوا النبي فحسنوا الصحبة ووالوه فأخصلوا بالولاء، واستوعبوا ووعوا علوم الإسلام، فلما مات النبي تمسّكوا بالقرآن وبأهل بيت كما أمروا فنقمت عليهم دولة الخلافة، وصبت جام غضبها عليهم فعزلتهم مع أهل بيت النبوة، وحرّمت عليهم تولي الوظائف العامة وكممت أفواهم، وضيقت عليهم معيشتهم، ونفّرت الناس منهم، فأُذلوا وعزُلوا تماماً وصاروا غرباء کغربة الإسلام والإيمان!! وهم من عناهم النبي بقوله: (فطوبي للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس). [راجع سنن الدارمي ج 2 ص 311 ـ 312 وصحيح مسلم ج 1 ص 130 وصحيح الترمذي ج 5 ص 18] اسم الإسلام ورسمه، والقرآن الكريم بين دفتين، وأهل بيت النبوة، القليلة المؤمنة الغريبة المستضعفة هم جميعاً كل ما تبقى من الإسلام وعمق الشعور بالإحباط وجذّر المصيبة وضاعفها ان دولة الخلافة قد أجبرت أهل بيت النبوة وآل محمد وقدامى المحاربين وكافة أفراد الفئة المؤمنة على الجلوس على مقاعد التلاميذ وقصرت دورهم على الاستماع والموافقة بعد أن سلمت الأمرة والقيادة ومنصب (الاستاذية والتعليم) إلى الطلقاء وحديثي العهد بالاسلام مع أنه لا علم لهم بالدين ويجهلون تاريخ رجالاته!! فقدمت دولة الخلافة المتأخرين بالقوة وأمّرتهم، وأخّرت المتقدمين السابقين بالقوة وأجبرتهم على الاعتراف بأنهم متأخرون بالقوة أيضاً!!!
ولم تكتف بذلك إنما خلطت الأوراق خلطاً عجيباً!! فلم يعد المراقب المنصف يدري بالفعل أياً من أي كما قال الرسول وحذّر!!
وهكذا اقتصرت مهمة الدين على حراسة تاريخ عصر ما بعد النبوة وإثبات شرعية وقائعه وظواهره التي تمخضت عنها الحركة السياسية لمسيرة الخلفاء المتغلبين من بعد النبي!!! وهرولت وراءهم الأكثرية الساحقة من الأمة طمعاً برغيف العيش وبقياً منها على الحياة وتربت هذه الأكثرية تحت قبّة الرأي والتأويل المفضي مباشرة إلى فقه الهوى، ونشأ فقه الهوى بالفعل وصار هو القانون النافذ في المجتمع، وتمكن هذا الفقه من النفوس، وظهر أو أُظهر بصورة الدين الإسلامي وثوبه، وألقى هذا الفقه أجرانه في ديار الإسلام!! فعليك أن تقبل به وبتاريخ ما بعد النبوة معاً، أو ترفض الدين وهذا التاريخ معا!! فهما وجهان لعملة واحدة، وكل جيل كان يسلم راية فقه الهوى للجيل الذي يليه، فأشربت قلوب المسلمين كليات وتفاصيل هذا الفقه بما كسبت أيديهم، وكانت الأجيال كلها تتحرك تحت إشراف وسطوة الخلفاء المنقلبين الذين صنعوا هذا الفقه ورعوه، ومنه استمدوا شرعية وجودهم وسلطتهم!!
ومع أن المسلمين يعترفون بأن عرى الإسلام كلها قد حلت عروة بعد عروة، وأنه لم يبق من الإسلام عروة بدون حل!! وهم يعترفون أيضاً بأن الإسلام قد أخرج من واقع الحياة ومسرحها وصار تاريخاً، وهم يقرون أن الإسلام والإيمان والمسلمين والمؤمنين الصادقين قد صاروا جميعاً غرباء وأن حكم الله قد رفع من الأرض، وأن الأمة الإسلامية لم تُعد أمة وسطاً وأنها لم تعد مؤهلة لتكون الشاهدة على الناس، وكان هذا واضحاً للناس جميعاً من اللحظة التي اصبح فيها الذين عادوا الله ورسوله هم الحكام والمعلمون وأجبر أهل بيت النبوة وأولياء الله ورسوله على أن يكونوا تابعين ومحكومين ومقتصر دورهم على الإصغاء والسكوت أو مواجهة الموت الزؤام!!
مع أن المسلمين يعرفون كل ذلك معرفة تامة، ويقرون بحدوثه ووقوعه إلا أنه ليست لأحد من المسلمين الرغبة لمعرفة: مَن الذي فكك الإسلام، وحلّ عراه، وتسبب بإخراجه من واقع الحياة، وجعله والمتمسكين به في حالة غربة وهو صاحب الدار، ومن الذي مكّن أعداء الله والمتأخرين من أن يصبحوا هم القادة وفرض على أهل بيت النبوة وقدامى المحاربين المؤمنين والفئة المؤمنة التأخر والذل؟!!
مع أن معرفة أولئك الذين تسببوا بكل هذه المصائب أمر ضروري!! وتشخيص لا بد منه لوصف الدواء!!
وإذا رغب المسلمون بمعرفة من الذي فعل بهذه الأمة هذه الأفاعيل وتسبب بدمار الإسلام والمسلمين فإن رغبتهم تصطدم مع فقه الهوى الذي أُشربته قلوبهم، وحسب قواعد هذا الفقه، فإن طاعة ومحبة الذين حلّوا عرى الأسلام وجعلوه غريباً واجبة، ومعصيتهم، أو كراهيتهم، أو الخروج عليهم حرام بالإجماع!!! فمحبتهم واجبة وهم أموات، والاقتداء بهم دين حتى وإن كانوا مخلئين!!
وهكذا تصطدم الرغبة بتشخيص الداء ومعرفة الأعداء بفقه الهوى الذي تمكّن من النفوس واستقر فيها بعد 14 قرناً من المداومة على حفظه على ظهر قلب والإيمان به وتصطدم مع اللاشعور المسكون بالرعب والخوف من سيوف المتغلبين وأعوانهم، والخشية من قطع العطاء، والحرمان من الجاه والنفوذ!! فلاشعور الأمة ما زال تحت سطوة معاوية والخلفاء الأمويين.
لهذا كلما سأل المسلم نفسه التساؤلات التي طرحناها قبل قليل يسيطر على قلبه وسمعه وعقله عالم لاشعوره المملوء بالرعب والعائش بالفعل تحت سلطة معاوية وحكمه، عندئذ يلعن هذا المسلم الشيطان ويعود لنفس الدائرة التي سجن المسلمون فيها أنفسهم طوال التاريخ!!!
فنكون أمام مشكلة حقيقية مستعصية الحل، فلو عاش الناس مليون قرن فلن يخرجوا من هذه الدائرة التي سجنوا أنفسهم فيها، ولن تفارقهم أشباح الرعب التي تتحكم بلا شعورهم!! فنحن أمام عقبة کبرى لا يمكن أن يقتحمها إلا نبي أو ولي مجرب ومدعوم إلهياً، وبما أن محمداً هو رسول الله وخاتم النبيين ولا نبي بعده، فيكون الولي العارف المجرب المطّلع هو القادر على حل مشكلة المسلمين واجتياز هذه العقبة الكؤود، وإخراجهم من الدائرة التي سجنوا أنفسهم فيها.
وقد اختار الله سبحانه وتعالى عبده محمد بن الحسن ليكون هو المهدي المنتظر، لحل المشكلة العالمية من عقالها وتجاوز العقبة، وإخراج الناس من دائرة التقليد الأعمى (انّا وَجَدْنا ءاباءنا على أُمّةٍ) إلى دائرة الإبداع الملتزم! وقد وهب الله تعالى للمهدي المنتظر عمراً طويلاً، وقدرةً هائلة على التنقل والاستيعاب، والتخفي، فهو يعيش بين الناس، ويفهم كليات وتفاصيل ما يجري في العالم وهو ينتظر اكتمال الأسباب وأمر الله له بالظهور والخروج فعندما يخرج المهدي المنتظر تکون أسباب النجاح قد هيئت تماماً، فيقوم المهدي المنتظر تكون أسباب الجاح قد هيئت تماماً، فيقوم المهدي المنتظر بإعادة عن بعضها البعض، ويضع النقاط على الحروف ويسمى الأشياء بأسمائها، ويقدم الإسلام على حقيقته للعالم، فتزول الغشاوات عن العيون، والرين عن القلوب، ويشكل المهدي حكومته العالمية من المؤمنين الصادقين أصحاب القوة والأمانة من رجال العالم ونسائه، وتصبح كل أقاليم العالم (دوله) ولايات لدولته ويصبح كل أبناء الجنس البشري رعايا ومواطنين في دولته تعاملهم بكل المحبة والاحترام لا فرق بين لون ولون أو بين عرق وعرق، أو بين قوم وقوم، وتؤول إلى خزينة دولة المهدي كافة موارد العالم الاقتصادية، فيوزعها بين الناس بالسوية دون أن يميز أحداً عن أحد، لأن الحاجات الأساسية لبني البشر متشابهة، وخلال عهده تُعطي السماء كل بركاتها، وتخرج الأرض كل كنوزها وخيراتها ويقصم المهدي كل جبار في الأرض. ويتحرر الإنسان من الخوف والعوز معاً، وتتفتح أمام أبناء الجنس البشري أبواب ومنافذ العصر الذهبي الدنيوي الذي لا يضاهيه عصر في الدنيا، فلا عدوان ولا بغي ولا ظلم، ولا خوف ولا عوز، ولا مرض ولا قلق...
هذه هي الخطوط العريضة لتوجهات المهدي المنتظر واتجاهاته وهذه هي المهمة الکبرى التي اختار الله عبده المهدي المنتظر ولإنجازها وهذا هو المهدي الذي طالما بشر به النبي، ووعد المؤمنين والجنس البشري بالخلاص على يديه، وهذا هو خاتم الأئمة الذين اختارهم الله لقيادة العالم!
الباب الثاني: الاعتقاد بالمهدي المنتظر
الفصل الأول: الاعتقاد بالمهدي المنتظر
شيوع هذا الاعتقاد وانتشاره
شاع الاعتقاد بحتمية ظهور المنقذ (المهدي) وانتشر في كافة أرجاء المعمورة، وأخذ أشكالاً مختلفة، ولكنها تتعلق بالمآل بذات الفكرة. وسلمت بفكرة ظهوره كافة التيارات الکبرى في كافة المجتمعات البشرية القديمة.
وأجمعت على حتمية هذا الظهور الطلائل المستنيرة من أتباع الديانات السماوية الثلاث، وعلى الأخص الديانة الإسلامية، والطلائع المستنيرة من أتباع الملل الأخرى الشائع بين الناس بأنها غير سماوية.
فعلى الرغم من اختلافهم في المنابت والأصول واختلاف عقائدهم وتوجهاتهم وأديانهم، ومصادر معارفهم، إلا أنهم قد اتفقوا على حتمية ظهور المنقذ، وأن هذا المنقذ مختلف ومميز من جميع الوجوه، وآمنوا بقدرته على الإنقاذ، واعتقدوا بأن عهده هو عهد العدل والكفاية والعزة، تلك هي الفكرة الرئيسة التي لا خلاف عليها، والتي شاعت وانتشرت على مستوى العالم، وطوال التاريخ البشرى. وتوارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل.
ويتعذر على أي باحث منصف، في مجال الفكر السياسي العالمي أن يتجاهل حجم ومدى شيوع هذا الاعتقاد وانتشاره، حيث يجد له موقعاً في كافة العقائد والأديان.
حقيقة هذا الاعتقاد
من العسير على أي باحث موضوعي، بل على أي إنسان سوّي الفطرة أن يتصور ولو للحظة واحدة بأن هذا الإجماع العالمي على الفكرة الرئيسة، قد حدث جزافاً أو أنه وليد وَهْم خرافة أو أسطورة، أو أن هذا الإجماع كان صدفة!! لأن الثابت بأن هذا الاعتقاد بالفكرة الرئيسة له منابع ومصادر دينية وعقلية وتاريخية وواقعية تؤكده وتؤيده، وتجمع عليه وتنفي بالضرورة صلة هذه الفكرة الرئيسة بالوهم أو بالأسطورة أو بالصدفة، ومن الممكن حدوث زيادة أو نقصان أو اختلاط الاجتهاد بالتفاصيل، أما الفكرة الرئيسة المتثلة بظهور المهدي المنقد، فهي فكرة أصيلة وصحيحة ومتواترة، ويعتقد بها أتباع الديانات السماوية الثلاث، كما يعتقد بها غيرهم من أتباع الملل الأخرى الشائع بيننا، بأنها غير سماوية، ويعتقد بها عقلاء وفلاسفة العالم، ويرسلها الجميع إرسال المسلمات، ويعتبرها أتباع كل عقيدة جزءاً لا يتجزء من عقيدتهم، تقرأ معها، وتحسب عليها. تلك هي طبيعة القوة التي يتمتع بها هذا الاعتقاد.
تعدد أشكال ونماذج هذا الاعتقاد
مع أن كافة العقائد والديانات السماوي منها وغير السماوي قد أجمعت على حتمية ظهور المهدي المنقذ، وعلى تميز هذا المنقذ، وقدرته الفائقة على الإنقاذ، وأن عهده الزاهر هو المأمول، إلا أنها اختلفت في التفاصيل، وهذا الاختلاف ناتج عن وضوح فكرة الظهور أو غموضها في أذهان معتنقيها، فبعضهم يرى بأن مهمة المهدي تنحصر في إنقاذ هذا المجتمع أو ذاك، فهو منقذ خاص لجماعة من الناس من حيث المبدأ!! بينما يرى البعض الآخر، بأن مهمة المهدي منصبّة على إنقاذ العالم كله إنقاذاً شاملاً، وإقامة دولة عالمية، تصبح أقاليم العالم كله ولايات لها، وأبناء الجنس البشري، بمختلف ألوانهم وأعراقهم رعايا لها، وأصحاب القوة والأمانة من رجال العالم ونسائة هم قادة تلك الدولة وأمرائها. دولة عالمية تحقق العدل المطلق، والرخاء التام، والاكتفاء الذي لا عوز معه، والسعادة لجميع أبناء الجنس البشري، ولم نر مثل هذه الرؤيا الشمولية إلا في الإسلام، ربما لأنه آخر الأديان، ولأنه المرشح بطبيعته ليكون الدين العالمي الأوحد.
وكما اختلفت العقائد والديانات، بحجم ومدى عملية الإنقاذ، اختلفت أيضاً في تحديد من هو المهدي بالفعل؟ وأين يظهر؟ ومتى يكون زمن ظهوره؟ ويكمن سر هذا الاختلاف في أن هذه التساؤلات من تفاصيل الفكرة الرئيسة، وأن هذه التفاصيل قد خضعت للزيادة والنقصان وللاجتهاد لدى الأغلبية من أتباع الملل الأخرى، وبالتالي تعدد منابع ومراجع المعلومات التي بنيت تلك التفاصيل على أساسها، أو لعدم وثوق بعضها. فقد اكتفت الديانة اليهودية، أو ما وصل إلى علمنا منها على الأقل، بتأكيد الفكرة الرئيسة، والإشارة العامة إلى أصول المهدي، وأنه من نسل إسماعيل، وأنه أحد اثني عشراً عظيماً، وأشارت أيضاً إلى الظروف والمخاطر التي أحاطت بولادة هذا المنقذ العظيم، وصرحت بأن الله تعالى قد غيّب هذا المنقذ ليحفظه، ثم يظهر في اللحظة المناسبة، وبالرغم من إجمال تلك المعلومات، إلا أنها على جانب كبير من الأهمية، كما سنرى. أما الديانة المسيحية فقد أشارت إلى عهد الظهور، وأبرزت من هذا العهد ظهور السيد المسيح، فركزت عليه تركيزاً خاصاً، وأهملت ما سواه.
أما الديانة الإسلامية، وهي أحدث وآخر الديانات السماوية، فقد غطت نظرية ظهور المهدي تغطية كاملة، فعلي الرغم من المحنة التي تعرض لها الحديث النبوي، حيث مُنعت كتابته وروايته مدة طويلة من الزمن، إلا أن ما وصلنا من الأحاديث النبوية قد وصف المهدي وصفاً دقيقاً، وحدد علامات ظهوره تحديداً وضحاً، ووصفت مهمته موضوعياً كما سنرى.
وهذا الاختلاف بين العقائد والأديان على التفاصيل بعد الاتفاق على الفكرة الرئيسة أفرز نماذج وأشكالاً متعددة، للاعتقاد بالمهدي المنتظر، أو المنقذ الأعظم، وسنستعرضها بما أمكن من الأيجاز طمعاً باستكمال دائرة البحث.
أشكال هذا الاعتقاد
1 ـ عند اتباع الملل الأخرى (غير السماوية)
لقد اعتقد الزرادشتيون بفكرة الظهور، واعتقدوا أن المنقذ الذي سيظهر هو بهرام شاه. واعتقد المجوس بعودة أرشيدو، واعتقد البوذيون بعودة بوذا، واعتقد الأسبان بعودة ملكهم روذريق، واعتقد المغول بعودة جنكيزخان، وقد وُجد مثل هذه الاعتقادات عند قدماء المصريين وفي كتب الصينيين القديمة. راجع المهدية في الإسلام سعيد محمد حسن ص 43، 44 وقائم القيامة للدكتور مصطفى غالب ص 270 والمهدي المنتظر في الفكر الإسلامي إصدار مركز الرسالة ص 8، 9.
والملفت للانتباه أن أصحاب تلك المعتقدات الآنفة الذكر قد آمنوا بفكرة ظهور أشخاص كانوا معروفين بعدما اختفوا في ظروف اكتنفها الغموض. لقد اتفق أصحاب تلك الاعتقادات على حالات اختفاء لرجال مشهورين جداً، ثم آمنوا بحتمية عودتهم وظهورهم لغايات الإنقاذ وتحقيق أهداف يتوقف تحقيقها على وجودهم بالذات!!
2 ـ عند اليهود والنصارى
لقد آمن اليهود بهذا الاعتقاد (ظهور المهدي) قال كعب الأحبار: مكتوب في أسفار الانبياء: (المهدي ما في عمله عيب) قال سعيد أيوب الكاتب المصري الشهير في ص 370 ـ 380 من كتابه المسيح الدجال ما نصه: (وأشهد أنى وجدت كذلك في كتب أهل الكتاب، لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جده محمد) صلى الله عليه وآله، فأشارت أخبار سفر الرؤيا ألي إمرأة يخرج منها إثنا عشر رجلاً، وأشار إلى امرأة أخرى وهي تلد الأخير. وجاء في سفر الرؤيا 12 / 3 (والتنين وقف أمام المرأة الأخيرة حتى تلد ليبتلع ولدها متى ولدت) وجاء في سفر الرؤيا 12 / 5 (واختطف الله ولدها) ويقول باركلي في تفسيره (وعندما هجمت عليها ـ أي المرأة ـ المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه أي أن الله قد غيب هذا الطفل). وذكر سفر الرؤيا أن غيبة هذا الغلام ستكون ألفاً ومائتي سنة وهي مدة لها رموزها عند أهل الكتاب، وقال باركلي عن نسل المرأة عموماً: (إن التنين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة)، وجاء في سفر الرؤيا 12 / 13 (فغضب التنين على المرأة وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله).
ولا تنطبق أوصاف المرأة الاولى ونسلها ألا على السيدة الزهراء ونسلها عمداء أهل بيت النبوة الأعلام، فقد طاردتهم السلطة (التنين) طوال التاريخ. أما المرأة الثانية وطفلها فلا تنطبق أوصافهما إلا على المهدي وأمه، فالمهدي هو حفيد الزهراء، وقد ترقب العباسيون ولادته يوماً بيوم حتى يقتلوه، لأنهم قد عرفوا أنه المهدي المنتظر، ولكن الله سبحانه وتعالى نجّا الطفل وغيّبه بالفعل ليحفظه، وليهيء الأسباب لاقامة دولته العالمية، ثم يظهره. ويؤيد ما ذهبنا إليه ما جاء بسفر التكوين 17 / 20: (وأما إسماعيل فقد سمعت قولك فيه، وها أنا أباركه وأنميه، وأكثره جداً جداً، ويلد اثني عشر رئيساً، واجعله امة عظيمة) ومن المسلم به أن رسول الله محمد من نسل إسماعيل، وأن عمداء أهل بيت النبوة الاثنى عشر هم ذرية النبي وعصبته، وأنهم أعلام الأمة وورثة علمي النبوة والكتاب، فإذا لم يكن هؤلاء العمداء هم الرؤساء المعنيون، فمن هم الرؤساء إذن؟ ومن هو الأولى منهم بالنبي، أو الأقرب إليه منهم؟ بل ومن هم ورثته غيرهم؟ قد يقول قائل ربما كان المقصود من الاثنى عشر رئيساً (الخلفاء) الذين تعاقبوا على رئاسة دولة الخلافة التاريخية، وحسب تسلسلهم الزمني!! وهذا غير معقول لأن بعضهم قد هدم الكعبة، واستباح المدينة المنوّرة أموالاً وأعراضاً واعلن كفره جهاراً ونهاراً، وبعضهم قد نفذ خطة لإبادة المؤمنين الصادقين!! فهل يعقل أن يعد الله سيحانه وتعالى برئاسة مثلهم، وأن يباركهم، ويعتبر رئاستهم منّة ونعمة!! وقد يقال أن الاثنى عشر هم الصفوة المنتقاة من الخلفاء التاريخيين!! ولكن ما هو الدليل على ذلك؟ ومن هم المخوّل بانتقائهم؟ ثم إنا لو وزنَّا الخلفاء التاريخيين بموازين الشرع الحنيف لما صمد منهم ربع هذا العدد!! وقد يقال بأن الرئيس هو الملك فعلا!! لقد كان النمرود ملكاً كان إبراهيم مواطناً في مملكته!! فمن هو العظيم والرئيس بالمعايير الشرعية هل هو إبراهيم أم النمرود الطاغية!!! لقد عاصر كل الأنبياء ملوكاً بيدهم الحول والطول فهل كان الملوك هم الرؤساء العظماء، وهل كان الأنبياء عامة!! إن العبرة بالرئاسة هي الأهلية والمرجعية الشرعية فالأنبياء، والاولياء هم الرؤساء الذين اختارهم الله وفقاً لموازين عدله وفضله، والملوك المتجبرون هم الذين فرضوا أنفسهم على العباد بالغلبة والقهر فخرجوا وأخرجوا الناس من دائرة الشرعية والمشروعية الإلهية.
وما يعنينا في هذا المقام هو حتمية الصلة بين الرؤساء الاثنى عشر من نسل إسماعيل الذين وعد الله بهم وبين أئمة أهل بيت النبوة الكرام. ويعنينا أيضاً هو النصوص الواردة بالاسفار بان الله سبحانه وتعالى قد غيب الرئيس الثاني عشر ليحفظه ويوطد له، ثم يظهره، وتنطبق تلك الأوصاف انطباقاً تاماً على العميد الثاني عشر من عمداء بيت النبوة وهو محمد بن الحسن حفيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وهناك إشارة في سفر أرميا 2 / 46 ـ 11 تتحدث عن قائد إسلامي عظيم يقود جند الله، وينتقم من أعداء الله عند نهر الفرات وهو المكان الذي ذبُحت لله فيه (ذبيحة) ولا تنطبق أوصاف هذا... وتتبنى الديانة المسيحية بالطبع نفس الإشارات الواردة في الأسفار عن المهدي المنتظر، وتؤمن بفكرة الظهور، ومع أن ظهور المهدي يتزامن ويتكامل مع نزول السيد المسيح إلا أن اعتقاد المسيحية منصب بالدرجة الأولى والاخيرة على السيد المسيح، ويتجاهل ما سواه!! واعتقد مسيحيو الأحباش بعودة ملكهم ثيودور كمهدي في آخر الزمان.
3 ـ عند بعض فلاسفة اليهود والنصارى في العصر الحديث
قال الفيلسوف الأنکليزي (برتراند راسل) إن العالم بانتظار مصلح يوحد العالم تحت علم واحد وشعار واحد. راجع المهدي للسيد الشهرستاني ص 6 والمهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 9.
وقال أنيشتاين صاحب النظرية النسبية المشهور. (إن اليوم الذي يسود العالم كله الصلح والصفا ويكون الناس متحابين ليس ببعيد). راجع المهدي الموعود ودفع الشبهات للسيد الشهرستاني ص 7، والمهدي في الفكر الإسلامي ص 9.
وقد بشر به الفيلسوف الإنكليزي (برنارد شو) في كتابه الإنسان والسوبرمان، Man & Superman وعلّق عباس محمود العقاد على هذه البشري بالقول: (يلوح لنا أن سوبرمان (شو) ليس بالمستحيل، وأن دعوته إليه لا تخلو من حقيقة ثابتة).راجع برنارد شو لعباس محمود العقاد ص 124 ـ 125 والمهدي في الفكر الإسلامي ص 9.
وأنت تلاحظ أن راسل يبرز حاجة العالم للمصلح، وانتظار العالم لذلك المصلح، بينما يتحدث أينشتاين عن بعض مظاهر عهد ذلك المصلح وبشرى برنارد شو سندها العقل المستند إلى فكرة عالمية موروثة ومتواتره.
الفصل الثاني: المهدي المنتظر في الإسلام
احتل الاعتقاد بالمهدي مكانة بارزة في الإسلام كدين، على صعيدي القرآن والسنّة المطهرة، فقد برزت نظرية الاعتقاد بالمهدي المنتظر بصورتها الكاملة والواضحة والبعيدة عن التوهم والغموض. حيث أكد دين الإسلام حقيقة وصحة هذا الاعتقاد العالمي المتواتر، ثم أبرز كلياته وتفاصيله الدقيقة، وأزال ما لحق بهذا الاعتقاد من نقص وزيادة وتوهُّم واجتهاد، وأبقى على الحقائق النقية القادرة على الوقوف في كل زمان، ووضع تحت تصرف عشّاق الحقائق المجردة نظرية متكاملة واضحة تغطي بالكامل كل ما يتعلق بالاعتقاد بالمهدي المنتظر، فما من سؤال في هذا المجال إلا وتجد له في الإسلام جواباً مستنداً إلى القرآن الكريم أو السنة المطهرة. وقد قدم الإسلام هذه النظرية كجزء لا يتجزأ من النظام السياسي الذي أنزله الله على عبده ومصطفاه محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فالمهدي المنتظر عند شيعة أهل بيت النبوة هو الأمام الثاني عشر من الأئمة أو القادة الشرعيين الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى وأعلنهم النبي كقادة للأمة، ويجمع أهل السنة (شيعة الخلفاء) على صحة وتواتر قول رسول الله بأن الأئمة أو الأمراء أو النقباء أو القادة العظام من بعده اثنا عشر، وأخالهم بالضرورة يعتبرون المهدي المنتظر أحدهم. ثم إن أهل بيت النبوة وهم أحد الثقلين ومن والاهم قد أجمعوا على أن الاعتقاد بالمهدي الموعود المنتظر هو جزء لا يتجزأ من دين الإسلام، ثم أن الخلفاء التاريخيين ومن والاهم قد أجمعوا أيضاً على أن الاعتقاد بالمهدي المنتظر هو جزء من عموم المعتقدات الإسلامية المنبثقة عن القرآن الكريم والسنّة المطهرة والتي أجمعت الأمة على صحتها. فإن المنكر لهذا الاعتقاد هو بحكم المنكر لما هو ثابت من الدين، وقد ألف المتقي الهندي (ت 975 هـ) صاحب كتاب كنز العمال كتاباً عنوانه (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان) أورد فيه فتاوى المذاهب الأربعة في زمانهم وهم ابن حجر الهيثمي الشافعي وأحمد أبي السرور بن الصبا الحنفي، ومحمد بن محمد الخطالي المالكي، ويحيى بن محمد الحنبلي، وقال: (إن هؤلاء هم علماء أهل مكة وفقهاء الإسلام على المذاهب الاربعة، ومن راجع فتاواهم عَلِمَ عِلّمَ اليقين أنهم متفقون على تواتر أحاديث المهدي، وأن منكرها يجب أن ينال جزاءه، وصرحوا بوجوب ضربه وتأديبه وإهانته حتى يرجع إلى الحق رغم أنفه، ـ على حد تعبيرهم ـ وإلا فيهدرون دمه) [البرهان على علامات مهدي آخر الزمان ص 178 ـ 183 والمهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ث 41 ـ 42].
الاعتقاد بالمهدي المنتظر عند المسلمين
شق الاعتقاد بالمهدي المنتظر طريقه بيسر وسهولة إلى قلوب كل المسلمين وعقولهم، واعتبره المسلمون جزءًا من عقيدتهم الإسلامية وحكماً من أحكامها، وواحداً من تعاليمها كالتسبيح أو التهليل أو الصلاة أو الصوم أو الايمان بالغيب.فكافة المسلمين مع اختلاف منابتهم وأصولهم وتوجهاتهم السياسية وثقافاتهم المختلفة يعتقدون بحتمية ظهور المهدي المنتظر في آخر الزمان، وأن هذا المهدي من عترة النبي، وأن عهده من أزهى العهود حيث سيملأ الأرض عدلاً، وسينقذ الامة الاسلامية والعالم كله إنقاذاً شاملاً، وأن الله تعالى سيرد بالمهدي الدين، ويفتتح له العالم كله، وأنه سينشر الرخاء في الأرض. وقد اعترف بهذه الحقيقة حتى المتشككين بهذا الاعتقاد. فابن خلدون مثلاً أحد المتشككين ومع هذا فهو يشهد قائلاً (أعلم أن المشهور بين الکافة من أهل الاسلام على ممر العصور أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الاسلامية ويسمى المهدي [راجع تاريخ ابن خادون ج 1 ص 555 الفصل 52]. وأحمد أمين الأزهري المعروف من المتشككين أيضاً بهذا الاعتقاد ومع هذا فهو يشهد قائلا: (وأما أهل السنة فقد آمنوا بها أيضاً) أي آمنوا بحقيقة المهدي. [راجع كتابه المهدي والمهدية ص 41] وبعد أن أدلى بشهادته ساق قول ابن خلدون الآنف الذكر. فإذا كانت هذه شهادة المتشككين فيعني أن شيوع هذا الاعتقاد وانتشاره بين كافة المسلمين العامة والخاصة من الحقائق الاسلامية المسلم بصحتها على مستوى المسلمين جميعاً، وليس بإمكان عاقل أن يتجاهل عموم وشمول هذا الاعتقاد لكافة أتباع الملة الاسلامية. ولقد أدرك الحكام الذين استولوا على قيادة الأمة طوال التاريخ السياسي الاسلامي، خطورة هذه الفكرة على حكمهم، وقدرتها الفائقة على شق طريقها إلى قلوب المسلمين، ودور هذه الفكرة بنقد الظلم وفضح الظالمين، فسخروا كافة موارد الدولة التي استولوا على قيادتها للتشكيك بالفكرة الاساسية تمهيداً لاقتلاعها من جذورها!! ومع أن الحكام قد نجحوا نجاحاً ساحقاً بحل عرى الإسلام كلها عروة بعد عروة، ومع أنهم قد نجحوا بإخضاع الأمة لمشيئتهم، إلا أنهم قد فشلوا فشلاً ذريعاً باقتلاع الاعتقاد بالمهدي المنتظر من قلوب الناس وعقولهم، بل إن هذا الاعتقاد كان يترسخ ويتجذر طردياً كلما زاد ظلم الحكام وبطشهم، ويزداد المسلمون يقيناً بحتمية ظهور المهدي!!. وتوارثت الأجيال هذا الاعتقاد، وتوارثت صلته الحميمة بالدين الاسلامي.
مصادر ومنابع الاعتقاد بالمهدي المنتظر
لقد استمد المسلمون الاعتقاد بالمهدي المنتظر واستقوه من منبع أو مصدر واحد وهو الإسلام. فالاسلام هو الذي جاء بنظرية المهدي بكل تفاصيلها وكلياتها، وهو الذي كلف أتباعه ومعتنقيه بالاعتقاد بها، والالتزام التام بهذا الاعتقاد كغيره من المعتقدات النابعة من صميم الإسلام.
ويُعنى الإسلام على الصعيد القانوني أو الحقوقي (الآمر والناهي والمحلل والمحرم) كل ما جاء به القرآن الكريم، وبيان النبي لهذا القرآن سواء أمكان البيان بالقول أو بالفعل أو بالتقدير، ويسمى هذا البيان بالسنة المطهرة. وكل واحد من هذين المصدرين مكمل للآخر، ولا غنى لإحدهما عن الآخر، لأن أُولى مهمات النبي أن يبين للناس ما نزل إليهم من ربهم بياناً قائماً على الجزم واليقين.
ولأن الإسلام آخر الأديان السماوية، ولأن محمداً خاتم النبيين فقد أجاب الإسلام على كافة التساؤلات البشرية في ما مضى، وفي ما يأتي، وعطى كافة الاحتياجات الإنسانية على كل الأصعدة اللازمة لنمو الحياة الإنسانية وتطورها ورقيها، فما من شيء، على الإطلاق إلا وجاء به القرآن، وبينه النبي بالقدر الذي يستوعبه كل المكلفين وتصديق ذلك قوله في سورة النحل آية 89 (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء).
وأحكام الإسلام وتعاليمه ما شرعت لمعالجة مشكلات قومية أو إقليمية إنما هي منصية بالأصل على معالجة مشكلات العالم كله بأرضه وسكانه، وكانت الوحدة التاريخية والدينية والسياسة للعالم هي محور عناية واهتمام الإسلام. حيث وضع الإسلام تحت تصرف العالم أيضاً قيادة سياسية وروحية لا مثيل لها. فالإمام القائد في زمانه هو الأفضل وهو الأقرب لله ولرسوله، فإذا أراد العالم أن يهتدي فعليه بموالاة القيادة الإلهية والعمل بالنظام الإلهي فهما ثقلان يتكامل أحدهما مع الآخر ويتمم أحدهما الآخر وهذا هو المقصود الشرعي من حديث الثقلين.
وشاءت حكمة الله أن يكون المهدي هو آخر جيل القيادة الإلهية المسماة، وهو الذي سيتولى توحيد العالم دينياً وسياسياً ويترجم جهد الأنبياء وخاتمهم ويحقق هدفهم بتحقيق وحدة العالم الدينية والسياسية. بحيث تكون كل أقاليم الكرة الأرضية ولايات لدولته وكل سكان المعمورة رعايا لتلك الدولة، وكل أهل القوة والأمانة من رجال العالم ونسائه بطانة له يستعين بهم لتنفيذ النظام الإلهي، فيكون عهده الزاهر عهد الرخاء الذي حلم به النبيون، وعهد العدل الذي جاهد لتحقيقه النبيون، والنموذج الرمز لوحدة الجنس البشري التي بشر بها النبيون ورمز انتصار الحق على الباطل على المستوي العالمي عبر الصراع الطويل بينهما وهنا يكمن سر تركيز الإسلام تركيزاً خاصاً على نظرية المهدي المنتظر، وتكمن عناية النبي الفائقة بإبرازها وتوضيحها والتبشير بها، بل ويكمن سر فخره بالمهدي المنتظر لانه المؤهل إليها لعملية التغيير الکبرى ولانه ابنه وقرة عينه وحفيده.
والخلاصة أن الإسلام بركنية الكتاب والسنة هما المصدر والمنبع الوحيد للاعتقاد بالمهدي المنتظر، وعلى ذلك أجمع المسلمون.
الفصل الثالث: المهدي المنتظر في القرآن الكريم
لكي نجد المهدي في القرآن
قال تعالى وهو أصدق القائلين: (ونزلنا عليكَ الكتب تبياناً لكلّ شيءٍ) (سورة النحل، آية: 89)، ومعنى هذا أنه ما من شيء على الإطلاق إلا وقد بينه الله في هذا القرآن.
لكن عملية استخراج وتحديد بيان كل شيء أو أي شيء في القرآن الكريم عملية فنية من جميع الوجوه، بمعنى أنها تحتاج إلى رجل مؤهل أليهاً، ومختص ومزود بالقدره على معرفة مواضع بيان أي شيء في القرآن الكريم. وهنا يكمن سر التكامل والترابط العضوي الوثيق بين كتاب الله المنزل، ونبي الله المرسل، فالكتاب يحتوي بيان كل شيء، والنبي يعرف حصة كل شيء من هذا البيان معرفة يقينية وبلا زيادة ولا نقصان أي تماماً على الوجه الذي أراد الله.
لذلك كانت مهمة الرسول الأساسية منصبة على بيان ما أنزل الله، قال تعالى مخاطباً نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (وانزلنا اليکَ الذّكرَ لِتُبيّنَ للناسِ ما نُزِّل اليهمْ) وقال تعالى: (وما انزلنا عليكَ الكتبَ الا لتُبينَ لهمُ الذي اختلفوا فيه) (سورة النحل، الآيتان 44 و64). فلا يعرف بيان الكتاب لأي شيء على الوجه اليقيني القاطع إلا النبي، أو الشخص المؤهل إليها القائم مقام النبي بعد وفاته. ولأن الرسول خاتم النبيين، ولأن الإسلام آخر دين، ولانه لا بد من بيان القرآن فقد خصص الله سبحانه وتعالى اثني عشر إماماً، أو خليفة، أو نقيباً أو أميراً وسماهم بأسمائهم، وعهد إليهم ببيان القرآن خلال الفترة الواقعة بين موت النبي وقيام الساعة. فكل واحد من هؤلاء الاثني عشر مخول ومؤهل ليكون المختص الوحيد لبيان القرآن وقيادة العالم في زمانه.
فالقرآن كمعجزة بيانية باقية ببقاء الحياة الدنيا، له أسلوبه البياني الخاص، فكلمة الصلاة يعرفها جميع البشر بأنها تُعني الدعاء، وقد تكررت هذه الكلمة في القرآن الكريم عشرات المرات، دون تفصيل ولا بيان محدد لما ينبغي أن يقال فيها، لقد ترك القرآن كافة هذه الأمور والتفصيلات لبيان النبي، ويعتقد كل المؤمنين أن الله تعالى هو الذي أوحى للنبي وعلمه كافة هذه الأمور.هذا حال الصلاة وهي عماد الدين، ويقال مثل ذلك عن الزكاة والحج والصوم والشهادة، وهي أركان الإسلام، وكل ما يحتج به المسلمون بهذه الامور وأمثالها يسندونه للرسول، وقد توخى القرآن من ذلك في ما توخى أبراز التكامل والترابط العضوي الوثيق، بين ما أنزله الله وما بينّه نبيه، وإبراز الخط العام المتمثل بأن النبي يوحى إليه، وهو يتبع ما يوحى إليه تماماً، وأن طاعة الرسول كطاعة الله، ومعصية الرسول كمعصية لله، وموالاة الرسول كموالاة الله، واتباع أوامر الرسول تماماً كاتباع أوامر الله، ومخالفة أوامر الرسول هي مخالفة لأوامر الله، هي تهدف في ما تهدف لخلق حالة نفسية عند المسلمين تقر بتميز الرسول، أو القائم الشرعي مقامه بعد وفاته كشخص مختص بالبيان، وأن مكانته لا ترقى إليها مكانة، وأن علاقتهم به هي التجسيد العملي لعلاقتهم بالله سبحانه وتعالى، فكل قول دون قوله، وكل مكانة دون مكانته، وكل فهم دون فهمه، يتجاوز قول النبي وفهمه أو أمره ونهية، ومن يعتقد أن (اجتهاده) أو رؤيته للأمور الدنيوية، أو الأخروية هي أقرب للصواب مما بين النبي، فهو منحرف وضال كائناً من كان، صحابياً أم خليفة. ثم إن تسليم مفاتيح بيان ما أُنزل من بعد النبي إلى الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة، فيه إبراز لمكانتهم، وتقديم لقولهم وفهمهم على كل قول وفهم، لإن الواحد منهم لا يقول برأيه، فإذا حدث فإنما يحدث بحدود علمي النبوة، والكتاب، وبنفس الوقت تأكيد نفسي لاستمرار وجود النبي، لأنهم بنوه وأحفاده.
الآن يمكننا أن نتعرف علي المهدي في القرآن الكريم
بعده هذه التوضيحات التي سقناها، فإننا وبحدود علمنا لا ندعي بأن مصطلح (المهدي المنتظر) أو اسم (محمد بن الحسن) قد وردا في القرآن الكريم صراحة ولكن يمكننا أن نتلمس الآيات الكريمة، التي تشير إلى المهدي المنتظر في القرآن الكريم.
ولن نتلمس ذلك في الآثار الواردة عن الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب، لأن القسم الأكبر من المسلمين تربوا تربية ثقافية خاصة أساسها التشكك بكل ما يرد عن طريق أهل بيت النبوة، والقول بأفضلية غيرهم عليهم، أو تقديم غيرهم لحكمة (شرعية). ولكن طمعاً بالشمول والإحاطة نقول أن الجزء الخامس من كتاب: (معجم أحاديث الإمام المهدي) الذي ألفته ونشرته مؤسسة المعارف الإسلامية في قُم والذي أشرفت على إعداده نخبة من العلماء الأعلام، وقد اشتمل هذا الجزء الواقع في 530 صفحة كاملاً على الآيات المفسرة لوجود المهدي، وجاء توضيحاً لذلك ما يلي: (أن المقصود بالايات المفسرة في هذا المجلد الروايات التي وردت في تفسير ايات، أو تأويلها، أو تطبيقها، أو الإستشهاد بها بحيث ترتبط بقضية الإمام المهدي بعنوانه الخاص أو العام).
وقد تضمن هذا المجلد 220 آية من القرآن الكريم منبثة في 79 سورة من سوره، مشفوعة بقرابة 220 رواية مروية عن أئمة أهل البيت تثبت علاقة المهدي المنتظر بهذه الآيات، وارتباطها الوثيق بقضيته وبعصره، وقدرنا أن أذهان العامة وثقافتهم لا تحتمل تلك التأويلات ولا ترقى إليها، لأن العامة قد أشربت ثقافة التاريخ ومناهجه التربوية والتعليمية المناهضة بالضرورة لخط أهل بيت النبوة، لذلك قصرنا اهتمامنا على ما توصلت إليه العامة في هذا الموضوع.
أمثلة من القرآن الكريم
1 ـ قال تعالى: (هوَ الذي ارسلَ رسولهُ بالهدى ودينِ الحقِ ليظهرهُ على الدينِ كلّهِ ولو كرهَ المُشركونَ) (سورة التوبة، الآية: 33).
قال الرازي في التفسير الكبير ج 6 ص 40: (واعلم أن ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجة، وقد يكون بالكثرة والوفور، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء، ومعلوم أنه تعالى بشَّر بذلك ولا بجوز أن يُبشر إلا بأمر مستقبل غير حاصل، وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة).
والمروي عن قتادة كما يقول السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 176 (ليظهرهُ على الدينِ كلّهِ) قال: الأديان الستة: (الذينَ ءامنوا والذينَ هادوا ومالصابئينَ والنصارى والمجوسَ والذينَ أشركوا) (سورة الحج، الآية: 17) فالأديان كلها تدخل في دين الاسلام.. فان الله قضى بما حكم وأنزل أن يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون، وفي المشارق والمغارب) وهذا هو المروي عن أبي هريرة كما نص عليه جملة من المفسرين، [تفسير الطبري ج 14 ص 215، والتفسير الكبير ج 16 ص 40، وتفسير القرطبي ج 8 ص 121، والدار المنثور ج 4 ص 176 راجع المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي ص 22].
وفي الدر المنثور: وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في سننه عن جابر في قوله: (ليظهرهُ على الدينِ كلّهِ) قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقي يهودي ولا نصراني صاحب ملة إلا الإسلام، [راجع الدر المنثور للسيوطي ج 75]. وعن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله يقول: (لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله كلمة الإسلام، إما بعز عزيز، أو بذل ذليل. إما يعزهم فيجعلهم من أهله فيعزوا به وإما يذلهم فيدينون له). [راجع مجمع البيان ج 3 ص 35].
لم يتم الإظهار
حتي الآن لم يظهر الإسلام على الدين كله لا من حيث كثرة الأتباع ولا من حيث الغلبة. صحيح أن الإسلام ظاهر على الدين كله من حيث الحجة، لكن الوعد الإلهي يشمل الإظهار مطلقاً، وهذا ما لم يحدث حتى الآن، وبما أن وعد الله حق، وأنه لا يخلف الميعاد، فلا بد أن ياتي زمن تتولى القيادة الإسلامية المدعومة بالتوفيق الإلهي إظهار الإسلام على الدين كله بحيث يكون الإسلام هو الدين الرسمي للعالم.
الآية دالة على ظهور المهدي المنتظر
قال الطبرسي في مجمع البيان ج 5 ص 35: (ومن هنا ورد في الأثر عن الإمام الباقر بأن الاية مبشرة بظهور المهدي في آخر الزمان، وأنه بتأييد من الله تعالى سيظهر دين جده صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأديان، حتى لا يبقى على وجه الأرض مشرك وهذا هو قول السدي المفسر المعروف).
قال القرطبي في تفسيره ج 8 ص 121، والرازي في التفسير الكبير ج 16 ص 40 قال السدي: ذلك عند خروج المهدي لا يبقى أحد إلا دخل الإسلام) أي أن الله سبحانه وتعالى يظهر الإسلام على الدين كله في عهد المهدي. وأهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب مجمعون على ذلك، ومن المستحيل أن يجمعوا بغير دليل، أو قناعة، لأنهم أحد الثقلين ولأن المهدي المنتظر هو خاتم الأئمة عندهم، وقناعتهم مطلقة بأن الله تعالى: قد فتح بهم (أي بالنبي) ويختم بهم (أي بالمهدي).
2 ـ قال تعالى: (ولو ترى اذ فزعوا فلا فوتَ واخذوا من مكانٍ قريبٍ) (سورة سبأ، الآية: 51) أخرج الطبري عن حذيفة بن اليمان أن المعنى في هذه الاية منصب على الجيش الذي سيخسف به، وقد تواترت الأحاديث بأن جيشاً سيرسل للقضاء على المهدي، وأنه سيخسف بهذا لجيش، وهذا الخسف لم يحصل للآن، وحدوثه مرتهن بظهور المهدي. [راجع تفسير الطبري ج 2 ص 72، وعقد الدرر 84 ب 4 من الفصل الثاني، والحادي للفتاوي للسيوطي ج 2 ص 81، والكشاف للزمخشري ج 3 ص 467 ـ 468].
3 ـ قال تعالى: (وانه لعلمٌ للساعةِ فلا تمترنَّ بها واتبعونِ هذا صراطٌ مستقيمٌ) (سورة الزخرف، الآية: 61).
لقد ذكر البغوي في معالم التنزيل ج 4 ص 444 والزمخشري في الكشاف ج 4 ص 6 والرازي في التفسير الكبير ج 27، والقرطبي في تفسيره ج 16 ص 105 والنسفي بهامش تفسير الخازن ج 4 ص 108 وتفسير الخازن ج 4 ص 109 وابن كثير في تفسيره ج 4 ص 124 وتفسير أبي السعود ج 8 ص 52 بأن هذه الاية بخصوص نزول عيسى بن مريم، وقال مثل ذلك مجاهد تفسير مجاهد ج 2 ص 583 وإلى هذا أشار السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 20، وقال أخرجه ابن حنبل وابن أبي حاتم، والطبراني وابن مردويه وسعيد ين منصور عن ابن عباس.
وقال الكنجي الشافعي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان ص 528: (قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسرين في تفسير قوله عز وجل: (انه لعلم للساعة) هو المهدي يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون قيام الساعة وإماراتها).
وتجد مثل ذلك في الصواعق المحرقة لابن حجر ص 162 ونور الأبصار للشبلنجي الشافعي ص 186، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج 2 ص 126 باب 159.
وقد ذكر القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع ج 3 ص 76 باب 71 الكثير من الآيات التي فسرها أئمة أهل بيت النبوة بالأمام المهدي وظهوره، [راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 21 ـ 25]. ومن يمعن النظر يجد أن في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي حملت وعوداً إلهية دنيوية، وربُط تحققها بتوافر ظروف موضوعية معينة، وفق معايير خاصة لا تعرف إلا بالبيان النبوي، ومن استعراض الحادثات التاريخية واستقراء الشرع الحنيف، وما وصل إلينا من الآثار المروية عن الأئمة الأطهار من أهل بيت النبوة يتبين لنا أن الكثير من الوعود الإلهية الدنيوية مرتبط تحقيقها بعصر ظهور المهدي، وقيادة هذا المهدي. فإذا ظهر الإمام المهدي وآلت قيادة الأمة إليه تبدأ عملية ترجمة الوعود الإلهية من النظر إلى التطبيق من الكلمة إلى الحركة، لأن ظهور المهدي سيكون في آخر الزمان، ومن أشراط قيام الساعة ومن المحال عقلا ان تقوم الساعة ولا ينفذ الله وعوده لأنه أصدق القائلين، ولأنه لا يخلف الميعاد. كل هذه الظروف تجعل من البيان النبوي المفتاح لكل غموض، والطريق الفرد إلى اليقين، في كل متشابه والأساس لكل المعارف الدينية التي صاغت نظرية المهدي المنتظر في الإسلام، والتي بشرت بعصر الظهور. وهذا يستدعي بالضرورة وقفه مطولة عند كل ما صدر عن الرسول حول المهدي المنتظر بالذات وحول عصر ظهوره.
الفصل الرابع: المهدي المنتظر في البيان النبوي أو السنة المطهرة
التكامل وعمق الارتباط بين القرآن الكريم والسنة النبوية
القرآن الكريم وبيان النبي لهذا القرآن (السنة النبوية) وجهان لعملة واحدة أو لشيء واحد، فلا يُعرف أحدهما إلا بالآخر، ولا يفهم أحدهما فهماً يقينياً إلا بالآخر، ولا بالاثنين معاً. لقد اقتضت حكمة الله وطبيعة الإسلام كآخر دين، وطبيعة رسالة النبي، كخاتم للنبيين أن يكون التكامل والترابط بين القرآن والبيان النبوي مطلقاً، فلنبي خلال حياته المباركة هو المالك الشرعي واليقيني لمفتاح بيان القرآن، ومعرفة المقاصد الإلهية من كل نص من نصوصه، وحرف من حروفه يفيض على الناس من هذه المعارف بحجم تطورهم واستيعابهم. وقد أعده الله تعالى وأهّله لهذه المهمة.
وأتم الله نعمته وأكمل دينه يوم أعد وأهل وخصص (طواقم) فنية مهمتها القيادة والبيان من بعد النبي، وهم الأئمة الكرام من أهل بيت النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأعلن الله تعالى في القرآن الكريم بأن القرآن كتاب كريم لا يمسه إلا المطهرون، أي لا يعرف معناه ولا يجيد بيانه إلا المطهرون وهم أهل بيت النبوة وبين النبي معنى هذه الآية وحدد من هم آل بيت النبوة بكل وسائل التوضيح والبيان، وفي اجتماع عام للمسلمين أعلن الرسول أن حجته تلك هي حجة الوداع، وأنه لن يلقى المسلمين بعد هذا العام، وأنه وبمجرد عودته إلى المدينة سيمرض وسيموت في مرضه، وأنه أراد أن يلقى القول معذره للمسلمين، وأنه قد ترك من بعده ثقلين أحدهما كتاب الله وهو الثقل الأكبر وثانيهما أهل بيت النبوة، وهم الثقل الأصغر، وأن الأمة لن تهتدي إلا إذا تمسكت بالثقلين معاً، ولا يمكن أن تتجنب الضلالة إلا بتمسكها بالتين معاً ثم سأل النبي المسلمين المجتمعين في غدير خم قائلاً: ألست وليكم؟ ألست مولاكم؟ فأجاب المسلمون بلسان واحد، بلي يا رسول الله أنت ولينا ومولانا!! فقال الرسول: من كنت وليه فهذا علي بن أبي طالب وليه، ومن كنت مولاه فهذا على مولاه. وفهم المسلمون المغزى، وجلس على وتقدم المسلمون واحداً واحداً وبايعوه بالولاية وقدموا له التهاني، وعرفوا بأن علياً هو أول أئمة أهل بيت النبوة، وان نظام الولاية والقيادة من بعد النبي قد انتظم، فالقائم من الأئمة بعهد بالإمامة لمن يليه وفقاً لترتيب إلهي عهد الله به لنبيه وعهد النبي به لأول الأئمة. وقد وثقنا كل ذلك في كتابينا: (المواجهة مع رسول الله وآله) ونظرية عدالة الصحابة، فارجع إليهما إن شئت للتيقن من إجماع أصحاب الحديث على كل ما ذكرناه.
الانقلاب والتنكر التام للرسول ولبيانه ولأهل بيته الكرام
بطون قريش التي قاومت النبي وعادته طوال ال 15 سنة التي قضاها في مكة قبل الهجرة وحاربته طوال مدة 8 سنوات بعد الهجرة، ثم اضطرت مكرهة للدخول في الإسلام شكلت وأعوانها الأكثرية في المجتمع المسلم. لم ترق هذه الترتبات الإلهية التي أعلنها الرسول لتلك البطون. وبنفس الوقت فإن البطون قد أدركت بأن النبوة قد تمخضت عن ملك عريض، لذلك طمعت البطون بهذا الملك، وخططت لغصبه من أهله وأخذت تتحين الفرص لتنفيذ مخططها. لقد أدركت البطون عمق التكامل والترابط بين الكتاب المنزل وبيان النبي المرسل، وتيقت من استحالة تنفييذ مخططها هذا في حالة بقاء هذا التكامل والترابط بين كتاب الله وبيان النبي لهذا الكتاب. لذلك كله قررت بطون قريش وصممت نهائياً علي أن تفرق بين الله ورسوله، وبين كتاب الله وبيان الله وبيان النبي لهذا الكتاب، لتجمد عملياً كافة النصوص الشرعية التي أعلنها النبي والمتعلقة بمنصب البيان والقيادة من بعد النبي، وأن تتجاهل بالكامل هذه النصوص الصادرة عن الني، وتعتبرها كأنها غير موجودة، أو في أحسن الأحوال مجرد آراء شخصية لمحمد بن عبد الله الهاشمي، مثلما قررت بطون قريش ان تهمل بالكامل أهل بيت النبيوة اللذين اعتبرهم الدين أحد الثقلين، فاعتبرهم بطون قريش مجرد أفراد مسلمين لا ميزة لهم على أحد في مجتمع كل أفراده قد اعتنقوا الإسلام. وبدأت بطون قريش بتنفيذ قرارتها. بعد دقائق من انفضاض الاجتماع التاريخي في غدير خم. وفي كتابنا (المواجهة) أثبتنا أن بطون قريش قد مهدت لقراراتها قبل غدير خم بسنين.
مرض النبي واتهامه بالهجر وإعلان النوايا بوضوح
بعد أيام من عودة النبي إلى المدينة مرض كما أخبر الناس في غدير خم، وكان سكان المدينة على يقين بأن مرض النبي هو مرض الموت، وإنه سيموت في مرضه كما أخبرهم النبي بذلك. وقد جرت العادة عند كل زعماء العالم وحتى رؤساء القبائل وعلية القوم أن يلخص الزعيم أو شيخ القبيلة، أو السيد لأتباعه الموقف من بعد موته، وأن يعلن توجياته وتعليماته النهائية لأتباعه فضرب النبي موعداً للخلص من أصحابه ليكتب توجيهاته النهائية للأمة. علمت بطون قريش بما عزم عليه النبي، فجمعت جمعاً كبيراً، وبالوقت المحدد لكتاب التوجيهات النهائية اقتحم هذا الجمع بيت النبي، ودخلوه دون استئذان، فوجيء الخلص من أصحاب النبي، ولم يكن بوسع النبي أن يتراجع ولا ينبغي له فقال من حوله قربوا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، وما أن أتم النبي كلامه حتى قال جمع البطون بصوت واحد، إن النبي قد غلبه الوجع، ولا حاجة لنا بكتابه، إن النبي يهجر!!! استفهموه إنه يهجر!!! وكرروا هذه الكلمة النابية على مسامعه الشريفة متجاهلين بالكامل وجوده، وحدث نزاع بين الخلص الذين دعاهم النبي وهم قلة وبين الجمع الكبير الذي حشدته بطون قريش وارتفعت الأصوات، وأطلت النسوة من وراء الستر فقلن لجمع بطون قريش: ألا بسمعون رسول الله يقول لكم قربوا يكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده! فنهر عمر بن الخطاب النسوة لأن رأيه كان كرأي بطون قريش وقال لهن: (إنكن صويحبات يوسف...) هنا أتيحت الفرصة للنبي ليتكلم فقال: (أنهن خير منكم، قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع، ما أنا فيه خير مما تدعونني إليه). وأدرك النبي أنه لم يُعد هنالك ما يبرر كتابه توجيهاته النهائية، فلو أصر النبي على كتابه توجيهاته النهائية، لأصر جمع بطون قريش على اتهامه بالهجر مع ما يستتبع ذلك من عواقب مدمرة على الدين نفسه، لذلك صرف النبي النظر عن كتابه هذه التوجيهات، وخرج جمع البطون وخرج الخلص من أصحاب النبي، ونجحٍ جمع البطون بالحيلولة بين النبي وبين كتابه ما أراد، ونجحت بطون قريش عملياً، ولأول مرة بالتفريق بين الله ورسوله، وبين كتاب الله وبيان النبي لهذا الكتاب، ورفعت بطون قريش شعار: (حسبنا كتاب الله) أي يكفينا القرآن، ولسنا بحاجة لبيان النبي أو لوصيته!! وهكذا أعلنت بطون قريش نواياها وبكل سفور، فعرفها النبي، وعرفها الخلص من أصحابه. وخرج الرسول عملياً من التأثير على مسرح الأحداث، وصار الذين آمنوا قلة كما كانوا دائماً، وسط كثرة تدعي الإسلام!! ومن المدهش حقاً أنه ما من خليفة قط إلا وكتب توجيهاته النهائية وهو على فراش الموت، وقد اشتد به الوجع أكثر مما اشتد برسول الله ومع هذا لم يقل أحد من المسلمين قط لاحد من الخلفاء قط (حسبنا كتاب الله، أو أن المرض قد اشتد بك، ولا حاجة لنا بكتابك، بل على العكس كانت توجيهات الخلفاء تنفذ كأنها وحي من الله جاء به الله والملائكة قبلاً).
قد يقول قائل أن هذا غير معقول!! ولا يمكن أن يعامل الرسول بهذه القسوة، ولكن هذا ما حدث بالفعل فأصح الصحاح عند أهل السنة صحيحا البخاري ومسلم، وقد سلما بوقوع ذلك كله وفي كتابينا: (نظرية عدالة الصحابة والمواجهة) سقنا ووثقنا كافة الروايات التي ذكرها البخاري ومسلم في صحيحهما. فارجع إليهما إن كنت في شك من ذلك.
منع رواية وكتابة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قبضت بطون قريش على مقاليد الأمور حتى أن يدفن رسول الله، وكانت أول المراسيم التي أصدرتها دولة الخلافة أن منعت رواية وكتابة أحاديث الرسول ـ لان كتابه ورواية أحاديث الرسول ـ تسبب الخلاف والاختلاف بين الناس!!! هكذا ورد بالمرسوم الأول لدولة الخلافة، وجاء بالمرسوم أيضاً: (فمن سألكم عن شيء فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله)!!! فلم يعد بوسع أهل بيت النبوة، ولا بوسع غيرهم أن يروى حديثاً أو يحتج بحديث إلا إذا كان هذا الحديث، مؤيد لدولة الخالفة أو لسلوكها أو لاتجاهاتها، أو لسياساتها عندئذٍ يصبح هذا الحديث، أو ذاك سنداً شرعياً لوجود دولة الخلافة، أو لسلوكها أو اتجاهها أو سياستها. كذلك لم يعد بوسع مسلم أن يكتب أحاديث الرسول، بل شجعت الدولة على حرق المكتوب من أحاديث الرسول، وبدأ الخليفة الأول بنفسه حيث كان قد كتب خمسمائة حديث أثناء حياة الرسول، قالت أم المؤمنين عائشة فبات الخليفة يتقلب ولما أصبح الصباح أحرق الأحاديث التي كتبها فعلمت أم المؤمنين عائشة ابنته بأنه لن يعدل بكتاب الله شيء، ولما جاء الخليفة الثاني اشتد في هذه الناحية فناشد الناس أن يأتوه بكل ما كتبوا من أحاديث رسول الله، وظن الناس أنه يريد أن يدونها ويكتبها فجاءوه بها فلما وضعت بين يديه أمر بتحريقها، وكان يوصي جيوشه قيل توجهها للقتال بعدم التحديث عن رسول الله!! حتى لا يصدوا الناس عن القرآن الكريم!! وكان يقرع وبشدة الذين يحدثون عن رسول الله!! وكان يحبس بعضهم بتهمة الإكثار من التحديث عن رسول الله، وأحياناً يضرب بعضهم، لأنه لا يريد إلا القرآن، ولأنه مقتنع بأن القرآن وحده يكفي!! وقد سبقت هذا الحملة الرسمية حملة سرية قادتها بطون قريش، حتى والرسول على قيد الحياة، ونها أولياءها من أن يكتبوا أحاديث رسول الله بحجة أنه بشر يتكلم في الغضب والرضى!! والأخطر من ذلك أن سنة الرسول الثابتة في الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية صارت مجرد اجتهادات شخصية، وكان بإمكان الخليفة وبكل أعصاب هادئة أن يخالفها تماماً، فالرسول مجتهد، ولا حرج أن خالف المجتهد مجتهداً مثله!!! فعلى سبيل المثال كان الرسول يقسّم المال بين الناس بالسوية لأن حاجات البشر الأساسية متشابهة وهكذا فعل الخليفة الاول ولما آلت الخلافة إلى الخليفة الثاني رأى أن الأنسب والأصوب عدم المساواة بين الناس في العطاء بل عطاء الناس حسب منازلهم، فاجتهد وعمل جدولاً للمنازل، ووزع العطاء حسب هذا الجدول!! وحسب هذا الجدول لم يساوِ حتى بين زوجات النبي، وقد أدت عدم التسوية في العطاء إلى نشوء الطبقات فملك بعض الناس الملايين من الدنانير الذهبية بينما كان الآلاف من المسلمين لا يجدون رغيف العيش، ولما رأى الخليفة الثاني تلك الآثار المدمرة لعدم التسوية في العطاء قال وبكل بساطة: (لئن استقبلت من عامي ما استدبرت لأعملن بسنة النبي وصاحبه ولأُسَوِّيَنَّ بين الناس بالعطاء)!!!
ولما آلت الخلافة للخليفة الثالث كانت أول مراسيمه الإعلان عن عدم السماح برواية أي حديث لم يسمع به في زمن الخليفتين الأول والثاني. واستمر المنع الشامل على كتابه ورواية أحاديث الرسول. خلال عهود الخلفاء الثلاثة الأُول ترسخت مفاهيم معينة عن الحديث النبوي والسنة النبوية بشكل عام وارتبطت هذه المفاهيم بالسلطة الغالبة التي أرست حجر الأساس العملي للفترة التي تلت موت النبي فإذا استعرضنا الأحاديث التي أذنت السلطة بشيوعها وانتشارها خلال عهود الخلفاء الثلاثة الأول نجدها منصبّة بالدرجة الأولى والأخيرة على تمجيد قريش وإبراز مكانتها كعشيرة النبي، وعلى فضائل الخلفاء الثلاثة ومصاهرتهم للنبي، ومكانتهم عنده، ودورهم البارز في نصرة النبي. والتركيز على أن الرئاسة أو الإمامة أو الخلافة أو القيادة حق خالص للمسلمين، فهم وحدهم أصحاب الاختصاص ببيعة من يريدون، أما الأحاديث والسنن المتعلقة بالاحكام والعبادات والمعاملات، فلا حرج من روايتها إن كانت لا تتعارض مع اجتهادات الخلفاء وعلومهم، واجتهادات وعلماء أولياء الخلفاء. وهكذا خضعت كتابه ورواية الأحاديث لرقابة السلطة الصارمة، فمنع رواية الحديث وكتابته شامل وكامل، ولكن السلطة أذنت بل وشجعت على رواية وكتابة ما يخدم سياستها وتوجهاتها العامة، وما يرغم أنوف معارضيها ويكبتهم، وقربت رواة تلك الأحاديث، فكعب الأحبار الذي أسلم بعد وفاة النبي يصغى إليه، ويتكلم ويُسأل، وتقرب مكانته، وأبو ذر، وعمار بن ياسر يُجبرون على السكوت، ويطاردون في الأرض، ويضربون وينفون من الأرض.
وما يعنينا بأن الأحاديث المتعلقة بالأمامة أو الولاية من بعد النبي، والأحاديث المتعلقة بمكانة أهل بيت النبوة وفضائلهم كانت محظورة ومحصورة حصراً تاماً، وحيل بين الناس وبين معرفتها، وثم تجاهل أهل بيت النبوة سياسياً تجاهلاً تاماً، وتم استبعادهم وأولياؤهم عن كافة مراكز التأثير والخطر فتأخروا وهم المتقدمون، وتقدم عليهم كافة المتأخرين، فمع وجود علي بن أبي طالب يتمنى عمر بن الخطاب لو أن سالم مولى أبي حذيفة حياً ليوليه الخلافة، وسالم هذا مولى لا يعرف له نسب في العرب، فعمر بن الخطاب يعتقد حسب اجتهاده وموازينه أن سالم مولى أبي حذيفة هو أولى بخلافة النبي من علي بن أبي طالب ابن عم النبي، وأول المؤمنين به، وزوج ابنته ووالد سبطيه، وفارس الإسلام والولي الرسمي لكل مؤمن ومؤمنة، وسيد العرب وسيد المسلمين وإمامهم بالنص الشرعي!!
وعندما تمنى عمر لو ان سالم أو خالد، أو أبا عبيدة، أو معاذ بن جبل أحياء لولي أحدهم الخلافة، ويوضح عمر الأسباب فيقول فلو سألني ربي عن ذلك لقلت سمعت نبيك يقول، ويروي حديثاً سمعه عن النبي في كل واحد من أولئك الذين تمنى عمر حياتهم!! والمثير حقاً أن عمر نفسه سمع النبي يقول: (من كنت وليه فهذا علي بن أبي طالب وليه، ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه، وسمع النبي وهو يقول عن علي: (إنه وليكم من بعدي) وسمعه وهو يقول له أنت سيد العرب، وأنت سيد المسلمين إمام المتقين، والأهم من ذلك أن عمر نفسه قد هنأ الإمام على بالولاية في غدير خم...
لكنها سياسة لجم الحديث النبوي وإلزامه على السير بما يتلاءم مع توجهات السلطة وإرغام أنوف معارضيها.
لما آلت الخلافة لعلي بن أبي طالب، وبايعته الأكثرية الساحقة التي بايعت الخلفاء الثلاثة، وجد أن دائرة الحصار والخطر على كتابه أحاديث الرسول محكمة تماماً وانه ليس من اليسير اختراقها وبيان الحقائق الشرعية للناس، لأن مضامين هذه الدائرة قد استقرت بعد أن أصبحت منهاجاً تربوياً رسمياً للناس خلال عهود الخلفاء الثلاثة الأول، فأوجد الإمام طريقة خاصة لاختراق تلك الدائرة وفتح نوافذ فيها، فكان يشهد ويحدث شخصياً بما سمعه من النبي، وكان يغتنم فرصة تجمع الصحابة في اجتماع عام ويناشد قائلا: (نشدت الله امرءاً مسلماً سمع رسول الله في المكان الفلاني قد قال كذا أن يقوم... فيقوم العشرة والعشرون، ليشهدوا على أن الرسول قد قال كذا بالفعل، وكان يصدف أن بعض شانئي أهل بيت النبوة الذين سمعوا رسول الله لا يقومون، وإمعاناً بإقامة الحجة عليهم يسألهم الإمام عن سبب عدم قيامهم مع أنه يعرف أنهم قد سمعوا الرسول وهو يقول... فيدّعون النسيان، ويصدف أن يدعوا الإمام علي بعضهم، ويستجيب الله لدعوة الإمام، ويحمل السامع المنكر علامة تشهد بكذبه كما حدث يوم الرجعة ولقد استطاع الإمام علي خلال مدة حكمة أن يكشف للناس ما جهدت السلطة بإخفائه، طوال السنين التي تلت موت النبي الأعظم خاصة الأحاديث المتعلقة بمنصب القيادة من بعد النبي، وبمكانة أهل بيت النبوة، وفضائلهم. وجاء معاوية فسن ما يمكن أن نسميه بحرب الفضائل، فسخر كافة موارد الدولة وإمكانياتها للحط من مكانة أهل بيت النبوة، وللتشكيك بكل ما نشره علي بن أبي طالب وأولياءه عن منصب القيادة من بعد النبي، وللتنكر لكل الفضائل التي قالها رسول الله عن أهل بيته، ولخلط الأوراق خلطأ عجيباً أمر معاوية كافة ولاته وعماله أن لا يدعوا فضيلة يرويها أحد من المسلمين في علي وأهل بيت النبوة إلا وجاءوا بمثلها لأحد من الصحابة، فسالت سيول الفضائل، وانفتحت الأرض عن عشرات الآلاف من الرواة، فرووا عشرات الألوف من الفضائل ونسبوها للرسول، ثم أمرت الدولة بتدريس هذه المرويات في المدارس والمعاهد والجامعات، وفرضت دراستها على العامة والخاصة، فنشأ جيل يعتقد بصحة هذه المرويات، ثم انتقلت هذه المرويات من جيل إلى جيل واقتصر اهتمام المسلمين عليها، وبقي الحظر والمنع على رواية وكتابة أحاديث الرسول سارياً على ما سواها، وإمعاناً بإرغام أنوف أهل بيت النبوة ومن والاهم أمر معاوية كافة رعاياه أن يلعنوا علياً بن أبي طالب وأهل بيته كما تلعن الشياطين، وأن لا يجيزوا لأحد ممن يحبهم شهادة، وأن يقطعوا عطاءهم ويهدموا دور الذين يوالونهم. [راجع كتاب الأحداث للمدائني، وقول ابن نفطويه في شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 595 تحقيق حسن تميم].
ولما تولى الخليفة الأموي الفاضل عمر بن عبد العزيز الخلافة أدرك خطورة منع كتابه ورواية أحاديث الرسول، وخشي أن يندرس هذا العلم ويموت مات تبقى من أهله، فكتب إلى واليه على المدينة وكلفه بكتابة أحاديث الرسول، ولأن الخليفة على علم بتوجهات المجتمع فقد علل قراره بخشيته من موت العلماء واندراس علم الحديث.
فاحتج علماء عصره، وضج المجتمع الإسلامي الذي تربى على ثقافة معينة!! وتساءل الناس متعجبين؟ كيف يجرؤ عمر بن عبد العزيز على اقتراف ما نهى عنه الخلفاء الثلاثة أبوبكر وعمر وعثمان!!! وأٌهمل أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز عملياً ولم ينفذ، لأن التوجه العام للمجتمع لا يحتمل ذلك، فمن غير الممكن أن يسمح بكتابة ورواية أحاديث صدرت عن رسول الله، تتضمن فضائل علي بن أبي طالب، مثلاً في الوقت الذي أمرت فيه الدولة كافة رعاياها بلعنه!! والتبروء منه!! ولا يحتمل مجتمع دولة الخلافة إبراز فضائل ومكانة أهل بيت النبوة في الوقت الذي تعتبرهم الدولة أعداء الخليفة وأعداء المجتمع!! ولكن على الرغم من أن أمر الخليفة لم ينفذ عملياً إلا أنه كان ثغرة واسعة في جدار سميك وإعداد علمي للمجتمع ليرقى من طور إلى طور!!
وبعد قرابة مائة عام على موت الرسول اقتنع مجتمع دولة الخلافة بضرورة كتابه ورواية أحاديث الرسول، ولم تر دولة الخلافة في ذلك ما يهود وجودها أو يمس استقرارها ن فإيديولو جيتها الواقعية قد رتُبت عملياً والستقرت في أذهان خلال مدة المائة العام التي منعت فيها رسمياً كتابه ورواية أحاديث الرسول، لهذا كله أذنت دولة الخلافة برواية وكتابة أحاديث الرسول، أو على الأقل لم تعترض عل هذا التوجه الجديد!!
الانطلاقة الکبرى في رواية وكتابة الحديث
أ ـ على صعيد علماء دولة الخلافة
على ضوء التوجه العام والواقع الجديدين، انطلق علماء دولة الخلافة ليبحثوا عن كل ما صدر عن نبيهم من قول أو فعل أو تقرير قبل مائة عام!!!
وأوجدوا ضوابط علمية لعمليتي كتابه ورواية سنة الرسول من قول، أو فعل، أو تقرير، وبذلوا جهوداً مضنية للوقوف على كل ما قاله رسول الله بالفعل في كل أمر من الأمور، وفي أي شخص من الأشخاص، أو أية جماعة من الجماعات، حتى أنهم رووا الأحاديث المتعلقة بعلي بن أبي طالب، وأهل بيت النبوة الذين صبت عليهم دولة الخلافة كل غضبها ونقمتها وقوتها!! فرويت الأحاديث التي تتحدث عن مكانة على، وقربه من النبي، وجهاده المميز وسجله الحافل بالأمجاد، ورويت أحاديث تتحدث عن مكانة أهل بيت النبوة، وآل محمد تميزهم عن غيرهم من المسلمين التي تبرز دور آل محمد بالدفاع عن دعوة الاسلام، وإقامة دولة الأولى، ومعاناتهم الکبرى، باحتضان النبي والدفاع عنه، والجهاد بين يديه!! وأبعد من ذلك أن علماء دولة الخلافة قد رووا أحاديثاً عن رسول الله عن عدواة أبي سفيان وبنيه خاصة، والبطن الاموي عامة لله لرسوله وعن قيادتهم لجبهة الشرك طوال فتره ال 15 سنة التي سبقت الهجرة، وأنهم حاربوا الإسلام ونبيّه طوال مدة الثماني سنوات التي تلت الهجرة، وأنهم قد استعدوا العرب واليهود على رسول الله، وأعظم من ذلك، فقد روى العلماء أحاديثاً عن رسول الله، بأن الحكم بن العاص وذريته هم أعداء الله ورسوله، وأن الله قد لعنهم على لسان نبيه، ومع هذا آلت خلافة الرسول لذرية الحكم، في الوقت الذي كانت فيه ذرية النبي وآل النبي يتعرضون للتقتيل والتشريد والتطريد!!! بعد أن فرضت الدولة على العامة والخاصة لعنهم.
وروى علماء دولة الخلافة أحاديث عن رسول الله تبين مكانة فاطمة الزهراء، وابنيها الحسن والحسين، عند رسول الله، وقرابتهم القريبة، ومنزلتهم الرفيعة في قليه الشريف. لقد أذهلت تلك المرويات العامة والخاصة من المسلمين، وربطوها بالمحن والمآسي والآلام التي تجرعها أهل بيت النبوة مجتمعين ومنفردين!!! وبدأت قلوب المسلمين تتعاطف مع أهل البيت، وتتيقن أن خللاً كبيراً قد حدث، وأن لأهل بيت النبوة قضية عادلة لم تلق أبداً آذانا صاغية طوال التاريخ!!
وفجاة قررت جموع دولة الخلافة أن تعتبر علياً بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين، وأن تعترف به وبابنيه الحسن والحسين، كعمداء لآل محمد الذين لا تجوز صلاة المسلم غير الصلاة عليهم!! وأنهم والسيدة الزهراء هم أهل بيت النبوة الذين اذهب الله الرجس وطهرهم تطهيراً، واكتشفت تلك الجموع أنها قد سارت طويلاً بالخط المعاكس للطريق الإلهي، وشعرت تلك الجموع بالندامة لانها خذلت عليا وحسناً وحسيناً، وسمت الحسن، وقتلت الحسين وهما اينا رسول الله ومزقت آل محمد في كربلاء، أو على الأقل لانهم قتلوا أمامها دون أن تنصرهم أو تحرك ساكناً.
وهذا انقلاب حقيقي وثورة فعلية تحدث في نفسية تلك الجموع التي استجابت لمعاوية، وخلفاء بني أمية، ولعنت الإمام على في العشي والإبكار، وتعبدت بكرهه وكراهية أهل بيت النبوة طمعاً بدنيا معاوية وشيعته!!!
(ولم يجد العلماء صعوبة تذكر بكتابة ورواية الأحاديث التي احتضنتها دولة الخلافة، والتي كانت منسجمة مع توجهات تلك الدولة، ومع تاريخها السياسي، لأن تلك الأحاديث كانت مروية ومكتوبة بالفعل، وجاهزه، وكانت تشكل المناهج التربوية والتعليمية لدولة الخلافة، حيث كان تعلمها مفروضاً على الخاصة والعامة، فنقلها العلماء كما هي، مسلمين بصحتها سنداً لكثرة تداولها بين الناس، ولانها جزء لا يتجزأ من وثائق الدولة الرسمية التي عمل بها المجتمع، بل والاعظم من ذلك أنها قد صارت أحد مقاييس الصحة لما يروى من الحديث، فإذا تعارض حديث مع الأحاديث التي تبنتها الدولة، فهذا الحديث موضع شك!!! والمخرج يكمن بتضعيف رواته، أو أحد رواته أو تكذيبهم، أو تكذيب بعضهم، بمعنى أن المناهج التربوية والتعليمية لدولة الخلافة كانت بمثابة رقيب ضمني على ما يروى من أحاديث الرسول، فأي حديث يتفق مع هذه المناهج فهو صحيح وما يعارضها فهو موضع شك، ومع هذا لم تكن هنالك موانع فعلية من رواية أي حديث، هذا بحد ذاته إنجاز، بل وثورة فعلية کبرى أطلّ من ابوابها ونوافذها الرأي الآخر مدعوماً بالسند الشرعي، وهذا ما كان ممنوعاً طوال التاريخ.
والخلاصة أن علماء دولة الخلافة لم يتوقفوا أبدا عن تقييد كل ما ذكر بأنه قد صدر عن الرسول، فكانوا يروونه، ويقيسونه بموازينهم العلمية التي أوجدوها، خصيصاً لهذه الغاية، ويخرجونه للناس ويكتبونه بصحاحهم أو مسانيدهم، أو تواريخهم، أو سيرهم أو مؤلفاتهم؛ إنها انطلاقة عظيمة لأحياء كل ما وأدته دولة الخلافة عبر تاريخها السياسي الطويل!!
ومن الطبيعي أن تعترض هذه الانطلافة الکبرى معوقات کبرى أيضاً فظهر الكذابون الذين تعمدوا الكذب على رسول الله، إما تأييد لتاريخ قد استقر، أو دفاعاً عما تهوى الأنفس، أو نكاية وإرغاما لأنف خصم، وقد يكون الكذب لصالح الرسول كما زعم بعضهم حيث قالوا: (إننا لا نكذب على الرسول إنما نُكذب له) وبرع بعض الرواة بالرواية كماً وكيفاً وخلطوا فهمهم لما سمعوه من الرسول، بأرائهم الشخصية، وسوَّقوا الاثنين معاً فإما ان ترفضهما معا أو تقبلهما معاً!!
ومع هذا فقد تمخضت تلك الانطلاقة الکبرى عن ثروة علمية عظمى، تجد فيها الجزء الاعظم من الحقيقة، التي تطمئن بها القلوب. لكن لا أحد من علماء دولة الخلافة قد أدعى بأن ما أخرجه من الأحاديث هو عين ما صدر عن رسول الله باللفظ والمعني، بلا زيادة ولا نقصان والأحاديث التي وصلتنا عن النبي بهذا الوصف: (لفظاً ومعنى، وبلا زيادة أو نقصان) أندر من النادر!! وهكذا ألحقت دولة الخلافة بالعالم والعلم خسارة فادحة عندما منعت رواية وكتابة أحاديث الرسول، بالوقت الذي أجازت فيه رواية وكتابة حتى الخرافات والأساطير، ولولا جهود العالم لضاع الأثر والعين معاً ولكن الله غالب على امره.
وتمخضت تلك الانطلاقة الکبرى عن تدوين الكم الهائل من الأحاديث في مجموعة كبيرة من كتب الحديث أبرزها عند أهل السنة ستة كتب عُرفت بالصحاح وهي: (صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن ابن ماجة، وسنن الترمذي، وسنن النسائي)، ومنهم من يقدم سنن الدارمي على سنن النسائي، بالإضافة إلى المستدركات على هذه الصحاح، ومجموعة من المسانيد.
ب ـ رواية وكتابة الحديث عند أهل البيت وأوليائهم
أهل البيت بما ورثوه من علمي النبوة والکتاب، وبما خصهم الله به من مكانة، لا ترقى إليها مكانة، وبما أسند أليهم من وظائف وتكاليف شرعية، على يقين تام ومطلق بعمق الارتباط والتكامل والتعاضد بين كتاب الله القرآن الكريم وبين بيان النبي لهذا لكتاب، مثلما هم على يقين تام بأن أحدهما لا يُغني عن الآخر. وهم على علم بتركيز النبي المكثف والخاص على هذه الناحية.
وقد تحدث أئمة أهل البيت عن مجموعة حقوقية شرعية کبرى قد ورثوها عن رسول الله اسمها (الجامعة) أملاها رسول الله وكتبها الإمام علي بن أبي طالب بخط يده، وكلف رسول الله علياً أن يحتفظ بها، وأن يورثها للأئمة من بعده وهي تشتمل على العلم كله، القضاء والفرائض، وما يحتاج إليه الناس حتى أرش الخدش، وما خلق الله من حلال ولا حرام إلا وضوابطه بهذه الجامعة، وأن هذه الجامعة لم تدع لأحد كلاماً. ويبدو أن هذه المجموعة قد أملاها رسول الله خصيصاً للأئمة القادة من أهل البيت ليحكموا بها إذا تولوا حكم الناس، لأن فيها حكم الله.
وتحدث الإمام على عن صحف كثيرة عنده، ووصف تلك الصحف بأنها (قطايع) أي مخصصات رسول الله وأهل بيته. ويروي علماء دولة الخلافة أنه بعد فترة من موت رسول الله جاء علي بن أبي طالب وهو يحمل كتاب الله وتفسيره على ظهره، وأنه قد عرض على قيادة دولة البطون أن يحكم بينهم بما أنزل الله وما أملى رسوله، وأن هذه الدولة رفضت العرض.
ويبدو من كثير من الأحاديث إن لدى أئمة أهل البيت كتابين اخرين قد كتبا بخط الإمام علي وعلى عهد رسول الله، ويسمى أحد هذين الكتابين: (بمصحف فاطمة) وفيه أنباء من الحوادث الكائنة والمتعلقة بالأئمة، أما الكتاب الآخر فيسمى ب (الجفر) وهو يشتمل على أنباء من الحوادث الكائنة عموماً). [راجع بصائر الدرجات ص 144 ـ 148 ـ 156 و160، وأصول الكافي ج 1 ص 241 وص 57 والوافي ج 2 ص 125 ومعالم المدرستين ج 2 ص 300 ـ 312 وكتابنا الخطط السياسية ص 191 ـ 197]. ومن المؤكد أن ذلك قد حدث بالفعل فرسول الله متيقن أنه ميت لا محالة، وموقن من حاجة الأمة إلى بيان كافة الأحكام الشرعية بياناً قائماً على الجزم واليقين، وهو بيانه الشريف، ولأن علياً بن أبي طالب هو المخول شرعاً بالبيان بعد وفاة الرسول، ولأنه من الرسول بمنزلة هارون من موسى باعتراف قادة دولة البطون، ولان الإمام علي أعظم علماء الأمة وأعلمهم بإقرار كافة الخلفاء، ولأنه قارىء كبير في أمة أمية يندر فيها القارىء، ولأنه باب مدينة العلم. فقد أملى عليه رسول الله الحكم الشرعي لكل شيء، وكلف النبي علياً أن يجمع ذلك في كتاب ليكون مرجعاً، للأمة في بيان القرآن بعد وفاة النبي، وكلف النبي علياً أن يحتفظ بهذا الكتاب، وأن يسلمه لأولاده الأئمة ليتوارثوه حسب ترتيب خاص، ويبينونه للأمة بعد وفاة النبي، ويحكمون بموجبه إن سلمت الأمة بحقوقهم، فتكون علوم هذا الكتاب من الأدلة المادية لمرجعيتهم ولحقهم بالقيادة والبيان من بعد النبي. ثم إن سادة أهل بيت النبوة كانوا يقيمون مع النبي في بيت واحد طوال حياة النبي المباركة وكان النبي يزقهم بالعلم زقاً، ويفيض عليهم من عجائب علمه ومن أخبار المستقبل البعيد، وكانت تلك المعارف بكل الموازين ثروة کبرى خصهم الله بها فمن غير المعقول أن لا يحفظوا تلك الثروة ويكتبوها!!! ليحتجوا بها القوم، ولينتفعوا بها، ويورثوها لذارياتهم تأكيداً للطهر والتميز، هم إن العلوم التي أفاضها رسول الله على أهل بيته هي بيان للقرآن ومن الضروري أن يحتفظ بها أهل بيت النبوة ليكون لديهم بيان القرآن، وليحملوا هذا البيان للإنسانية في كل زمن، إن هذا البيان هو علم النبوة، وقد كلف الله نبيه أن يورث الأئمة الإعلام من ذريته علمي النبوة والكتاب.
والخلاصة أنه لما قبض الله نبيه، كان أهل بيت النبوة قد وعوا علمي النبوة والكتاب بالتمام والكمال، ووثقوا من هذين العلمين كل ما يحتاج إلى توثيق، فما من سؤال على الإطلاق! إلا ويعرف عميد أهل البيت في زمانه جوابه، وما من أمر من أمور الدنيا والاخرة إلا ويعرف هذا العميد كلياته وتفاصيله الدقيقة، وحكم الشرع الحنيف فيه، وكل هذه المعارف موثقة ومعروفة عندهم ومعلومة علم اليقين.
أثناء مرض النبي الذي قبض منه، تجاهلت بطون قريش البيان النبوي تجاهلاً كاملاً، واستولت على السلطة، وحجَّمت أهل بيت النبوة بالقوة، وعتمت على كل فضائلهم وتنكرت لمقامهم ومكانتهم تنكراً تاماً، وجردتهم من كافة حقوقهم ثم أصدرت مراسيم منعت فيها رواية وكتابة أحاديث رسول الله، وقررت أن القرآن وحده يكفي، ولا حاجة لبيان النبي، لأن بإمكان أي إنسان أن يفهم القرآن حسب رأي البطون!! ورواية أحاديث النبي وكتابة هذه الأحاديث تسبب الخلاف والاختلاف بين المسلمين، وقيادة البطون ترى أن منع الاختلاف والخلاف يتحقق عندما تمنع رواية وكتابة أحاديث الرسول!!!
وبدأت قيادة البطون بتطبيق مراسيمها بصراحة تامة، فكانت تحرق كل ما وصل إليها من أحاديث الرسول، وكانت تتصيد كل ما هو مكتوب من أحاديث الرسول فتتلفه، وحرمت مراراً وتكراراً تلك الأحاديث مثلما حرمت روايتها تحريما كاملاً، إلا ما كان يخدم توجهاتها وسياستها، وبهذه الظروف خبأ أهل بيت النبوة كنوز العلم الثمينة والنادرة والتي تلقوها من رسول الله مباشرة، خوفاً عليها، وتناقلوها كابراً عن كابر، وأفاضوا منها سراً على أولياهم، وكانت دولة الخلافة تراقبهم مراقبة دقيقة، وتتمني لو تجد تلك الکنوز النادرة لتحرقها تحريقاً، وتتلفها إلى الأبد. ونجح أئمة أهل بيت النبوة بإخفاء تلك الكنوز العلمية، ورغم المنع المفروض على رواية الحديث إلا أنهم نحجوا بتسريب الكثير الكثير من معارفهم إلى المسلمين عامة، وإلى أوليائهم خاصة، بالرغم من رقابة الدولة الصارمة، وأدعية الإمام زين العابدين المعروفة من الأمثلة الحية فالأدعية أحاسيس عميقة صادقة استوحاها الإمام من علمي النبوة والكتاب، ومن خلالها بث شكواه ولوعته وحزنه العظيم، ثم كتبها بخط يده لينقلها إلى الأجيال اللاحقة، ومع أنها أدعية إلا أنه كان خائفاً عليها كما خافت أم موسى على ولدها، فكان ينقلها من مكان إلى مكان، ومن حرز إلى حرز لأن دولة الخلافة الأموية لو عثرت عليها لمزقتها تمزيقاً ولحرقتها تحريقاً. لأن دولة الخلافة أرادت أن تمحو من ذاكرة المسلمين نهائياً ووألي الأبد كل الأحكام الشرعية المتعلقة بمنصب القيادة من بعد النبي والمتعلقة بمكانة أهل النبوة، حتى لا يبقى الشريعة أثر يدين استيلائها على القيادة بالقوة والتغلب وكثرة الاتباع.
وخلال مدة المائة سنة التي حرمت فيها دولة الخلافة كتابه ورواية أحاديث الرسول، عاش الإسلام والفئة المتنورة من المسلمين محنة کبرى، ووطأة عظمى وكان أهل البيت الكرام أكثر الناس أحساساً بالمحنة والوطأة وما زاد الطين بلة أن المجتمع الإسلامي أو العامة وهم الأكثرية تحولت إلى حارس ومدافع عن شرعية تحريم كتابة ورواية أحاديث الرسول.
ولما تحوّل الرأي العام، وأقبل علماء دولة الخلافة على كتابة ورواية أحاديث الرسول، ولم تعترض دولة الخلافة على هذا التحول وذلك الاقبال، تنفس أهل بيت النبوة الصعداء، فراقبوا عن كثب عمليتي رواية وكتابة الحديث، ورسموا لها الطريق الاقوم: (سأل رجل الإمام جعفر الصادق عن مسألة فأجابه، فقال الرجل: أرايت أن كان كذا وكذا ماذا يكون القول)؟.
فقال جعفر: (مه ما أجبتك فيه من شيء فهو من رسول الله لسنا ممن رأيت في شيء، وقوله: (مهما أجبتك بشيء فهو من رسول الله لسنا نقول برأينا) وقال مرة: (لو أنا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا، ولكن حدثنا ببينة من ربنا، بيّنها لنبية، فبيّنها لنا) وكان يقول: (لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين، ولكنها آثار من رسول الله أصل علم نتوارثها كابراً عن كابر، نكتنزها كما يكتنز الناس ذهبهم وفضتهم). [راجع بصائر الدرجات ج 2 ص 29 و301 وكتابنا الخطط السياسية ص 187 ـ 189]. وقول الإمام جعفر هذا دعوة لمن أرادوا البحث عما صدر عن رسول الله ليرجعوا إلى أهل بيت النبوة، فهم وحدهم الذين يملكون مفاتيح البيان النبوي، وهي دعوة من الإمام للمعنيين برواية وكتابة أحاديث الرسول، للفصل التام بين آرائهم الشخصية وما قاله الرسول.
وبدأ أهل البيت يفيضون على الناس مما آتاهم الله من علمي النبوة والكتاب، وبالحدود التي تتقبلها وتتحملها نفسية العامة التي تربت تربية ثقافية مناهضة لأهل بيت النبوة وموالية لدولة الخلافة.
واصطدمت علوم أهل بيت النبوة مع الأحاديث التي تبنتها دولة الخلافة عبر تاريخها السياسي، وسمحت بكتابتها وروايتها، بل واعتبرتها جزءأً من مناهجها التربوية والتعليمية، وبحكم العادة والتكرار آمنت العامة بحتمية صدورها عن رسول الله.
واصطدمت روايات أهل بيت النبوة بسيل من روايات الفضائل التي اشتراها معاوية وأولياؤه من الطامعين بدنياه، ثم عممها بقوة الدولة ونفوذها، وأجبر العامة والخاصة على الاقتناع بها والتسليم بصحتها، وذلك لإرغام أنوف أهل بيت النبوة، وتمييز وإبطال الفضائل الحقيقية التي خصهم الله بها!!
ومع أن دولة الخلافة لم تعترض على إقبال علمائها على كتابة ورواية أحاديث الرسول، ولم تعترض على تحوّل الرأي العام وتأييده لهذا العمل، إلا أنها ضاقت ذرعاً بأهل بيت النبوة وأوليائهم، وشككت بقدرتهم وبما يروونه، وشككت بحيادهم أيضاً. وتأثر علماء الدولة بذلك تأثراً كبيراً، فإذا ثبت لديهم أن هذا الراوي أو ذاك يوالي أهل بيت النبوة أو بتقدمهم على غيرهم، أو يقول برئاستهم للأمة، أو بتقدمهم على الخلفاء الثلاثة الأُول اعتبروه كاذباً أو غير ثقة، وبالتالي لم يأخاذوا بروايته ولما اكتشف بعض علماء الدولة أن الشافعي يوالي أهل بيت النبوة وصفه ابن معين بأنه ثقة!!!
وعلى أي حال فقد انطلق أولياء أهل بيت النبوة يروون الأحاديث عن الرسول وعن الأئمة وفق القواعد والأصول الشكلية التي كان يروى فيها علماء دولة الخلافة. وكان الشيخ الكليني المتوفى سنة 329 ه أول من ألف موسوعة بالحديث، ثم تلاه الشيخ الصدوق المتوفى سنة 381 ه، ثم الشيخ الطوسي المتوفى سنة 460 ه، ثم المجلسي (البحار) ثم الحر العاملي (الوسائل) وقد أحرقت موسوعة الشيخ الطوسي كما أحرق الكثير من كنوز أولياء أهل بيت النبوة، ولكنهم صمدوا ونقلوا ما وصل إليهم من كنوز وعلوم أهل بيت النبوة التي غطت كل ما يحتاجه الناس في دنياهم وآخرتهم. [راجع كتابنا الخطط السياسية ص 192 ـ 209 لتقف على تفاصيل ذلك].
الفصل الخامس: الآن يمكننا أن نتبين موقع المهدي في السنة النبوية
بعد استعراضنا لتاريخ رواية وكتابة الأحاديث النبوية، والظروف التي أحاطت بهذا التاريخ لدى دولة الخلافة وعلمائها من جهة، ولدى أهل بيت النبوة وأولياهم من جهة أخري، بعد وقوفنا على ما رواه الطرفان عن المهدي المنتظر وعلامات ظهوره، عصر هذا الظهور، يتبين لنا بوضوح ساطع أن المهدي المنتظر حقيقة من الحقائق الدينية الرئيسة التي أجمع المسلمون علي صحتها وتواترت أنباء هذه الحقيقة بينهم، تواتراً لا يقل عن تواتر أركان الإسلام، وأساسياته الضرورية، وأن ما رواه الطرفان عن رسول الله في هذا الموضوع هو جزء لا يتجزأ من المعارف والمعلومات الدينية التي جاء بها الإسلام كدين، وأن هذه المعارف والمعلومات جزء لا يتجزأ من عقيدة الإسلام وتعاليمه.
مدرستا الأمة
تخرجت الأمة الإسلامية من مدرستين لا ثالث لهما.
المدرسة الأولى: وهي مدرسة دولة الخلافة التاريخية ومن والاها من علماء المسلمين رغبة أو رهبة وقد أجتمع أساتذة وخريجو هذه المدرسة على أن المهدي المنتظر حقيقة دينية، بشّر بها الرسول وأنه سيظهر ذات يوم، ورووا مئات الأحاديث عن رسول الله التي تحدثت عن المهدي ونسبه، وعن حتمية ظهوره، وعن علامات الظهور، وعن عصر ظهوره، ووفق معايير هذه المدرسة وموازينها، فقد أجمع أساتذتها وخريجوها بأن تلك الأحاديث صحيحة، ومتواترة وأنها قد رواها جمع كبير من الصحابة الكرام والعلماء الذين يمتنع عقلاً اجتماعهم على الكذب، وأن هذه الأخبار قد شاعت بين المسلمين وتناقلتها أجيالهم جيلاً عن جيل، واطمأنت لها القلوب فتحولت إلى جزء لا يتجزأ من العقيدة الدينية والإسلامية.
المدرسة الثانية، وهي مدرسة أهل بيت النبوة: أساتذتها أئمة أهل البيت الإعلام الذين تتلمذوا على يد الرسول شخصياً، وعاشوا وإياه تحت سقف واحد طوال حياته المباركة، وأورثهم علمي النبوة والكتاب، وعهد إليهم بوظيفة بيان ما أنزل الله من بعده كل في عصره، وقد تخرج على أيديهم علماء أفذاذ نبغوا بعلمي النبوة والكتاب، وقد أجمع أئمة أهل بيت النبوة وخريجو مدرستهم على أنهم قد سمعوا رسول الله يبشر بالمهدي المنتظر، ويسميه باسمه محمد بن الحسن وأنه حفيد النبي، وأنهم سمعوا رسول الله يصفه وصفاً دقيقاً، ويؤكد على حتمية ظهوره، مثلما سمعوه وهو يبين علامات هذا الظهور، ويصف عهد المهدي وما فيه من عدل ورخاء وسيادة على العالم كله، وظهور لدين الإسلام على كل الأديان، وأن هذا المهدي هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة، ومن لا يعتقد بذلك فليس من شيعة أهل البيت ولا من مواليهم الخلص. بمعنى أن هذا الاعتقاد جزء من حقيقة موالاة وتولى أهل بيت النبوة. ثم إنه ما من إمام من الأئمة الأخيار إلا وقد بشّر بالمهدي المنتظر، وروى عن جده رسول الله أحاديث تتعلق بذات المهدي وصفاته، وعلامات ظهور ومظاهر العدل، والعزة، والمرخاء في عصر الظهور، ثم إن الأحاديث التي رواها العلماء الموالون لأهل بيت النبوة في صحاحهم وكتب حديثهم تتحدث بالتفصيل عن المهدي، ويعتبرون ظهوره فرجاً وانتظار هذا الفرج قربي إلى الله وديناً.
إجماع المدرستين واستحالة إجماعهما على كذب
لقد رأيت قبل قليل إجماع المدرستين الإسلاميتين الوحيدتين في العالم الإسلامي على حقيقة أن رسول الله بالفعل قد بشر بالمهدي المنتظر، وأكد حتمية ظهوره، بحيث أنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله ذلك اليوم حتى يظهر المهدي المنتظر فيه، ولا خلاف بين اثنين من كون المهدي من أهل بيت النبوة.
فهل يعقل بربك أن يجمع أهل النبوة وأولياؤهم، وعلماء دولة الخلافة والخلفاء وأولياؤهم وهم على طرفي نقيض على أسطورة منسوبة للدين، أو على الكذب على رسول الله، أو التقول عليه!!
يمكن لدولة الخلافة بجبر فريقاً من الأمة على هدم الكعبة نفسها وهي أقدس مقدسات المسلمين، وتجبر الفريق الآخر على السكوت، ويمكنها أن تنهتک أعظم حرمات الإسلام فتقتل ابن النبي، وتقتل وتبيد ذرية النبي، وتسبي بناته وباعصاب هادئة بايدي فريق من الأمة مع ضمان سكوت الفريق الآخر، ويمكنها أن تستبيح مدينة النبي، فتفض بكارات بناتها وتنهب أموالها، وتقتل الأكثرية الساحقة من سكانها وتأخذ البيعة من الناس على أنهم خَوَلٌ وعبيد لخليفة يتصرف بهم تصرف المالك بملكه وأشيائة!! كما حدث ذلك في التاريخ فعلاً، بمعنى أن دولة الخلافة قادرة على فعل كل ما تريده، ولکنها لا تستطيع أن تجبر الأمة لتقتنع قناعة تامة، وتختلق على رسول الله الأنبياء المتعلقة بالمهدي المنتظر، ولنفترض بأنها استطاعت أن تقود رعاياها، وتسخر مواردها في حملة اختلاق کبرى على رسول الله، فهل يمكنها أن تجبر أئمة بيت النبوة على المشاركة بمثل هذه الحملة!! وهل يمكنها أن تجبر الأمة على اقتراف جريمتي الكذب والاختلاق على رسول الله!! وهم نماذج بشرية فذة تعتبر الموت سعادة والحياة مع الضالمين شقاء لا يطاق!!
ثم ما هي مصلحة الخلفاء، أو رعاياهم، أو دولتهم ليجمعوا على حقيقة أن المهدي المنتظر من أهل بيت النبوة!! وهم الخلفاء الذين كانوا يؤمنون أن العبيد الموالي وأعداء الله ورسوله أولى بالخلافة من آل محمد، فهل يعقل أن يعلوا يايديهم الدليل الذي سيدينهم!!
لقد فرضت كثرة ونوعية، وصحة وتواتر، الأحاديث الصادرة عن رسول الله نفسها على الخلفاء، ورعاياهم ودولتهم، فكان زخمها من القوة بحيث لم يعد بالإمكان إنكارها، أو تجاهلها أو تكذيبها، إنها قوة الحقائق الربانية التي يعترف بها المحب والكاره، المؤمن والفاسق.
لهذا كله أجمع أهل بيت النبوة ومن والاهم على أن الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر قد صدرت من رسول الله بالفعل، وأنهم قد سمعوا رسول الله يتحدث بها، وأنه قد كلفهم ببيانها ونقلها للمسلمين، وأنهم ورثوا هذه الحقيقة كجزء لا يتجزأ من علمي النبوة والكتاب.
كذلك فقد أجمع علماء دولة الخلافة بأنه قد ثبت لديهم بالوجه القطعي بأن الأخبار المتعلقة بالمهدي المنتظر قد صدرت عن رسول الله بالفعل، وأنهم قد حصلوا تلك الأخبار بنفس الطرق والوسائل التي حصلوا فيها على أخبار النبي عن الصلاة والصيام والحج وغيرها من أحكام الإسلام، وأنه قد ثبت لديهم صحتها وتواترها، وعلى ذلك تسالم جميع علماء دولة الخلافة ورعاياها عبر تاريخها السياسي الطويل، وما زال ذلك إرثاً مقدساً.
رواة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر
روى الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر أكثر من خمسين صحابياً. شهدت الأكثرية الساحقة منهم بأنهم قد سمعوا رسول الله يدلي بهذه الأحاديث ويتحدث بها أمامهم وعلى مسامعهم.
وتتبع العلماء بدقة متناهية بعض هذه الأحاديث حتى أوصلوها إلى بعض الصحابة فوقفت عندهم، دون أن يصرحوا بأنهم قد سمعوها من رسول الله. ولا يخفى أن أحاديث المهدي كلها من أنباء الغيب، والصحابي لا يوحى إليه، يعلم الغيب إلا من رسول الله، وهذا كله يعني أن الأحاديث الموقوفة عند بعض الصحابة قد صدرت بالفعل من رسول الله. ومن المستحيل عقلاً أن يتفق عدد يربو على الخمسين صحابياً على كذب!! خاصة وأنه لا مصلحة لهم بالكذب، ولم يكرههم أحد على ذلك، ثم إنهم لا يعرفون شخص المهدي المنتظر على وجه اليقين ليكذبوا من أجله أو ليطمعوا بثواب عاجل منه لهذا الكذب.
من هم رواة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر
1 ـ أهل بيت النبوة وآل محمد: فعلي بن أبي طالب والسيدة فاطمة بنت محمد الزهراء والسبط الإمام الحسن، والسبط الثاني الإمام الحسين قد أجمعوا جميعاً بأنهم قد سمعوا رسول الله يحدث بالأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر، وهؤلاء الأربعة هم أبناء النبي، ونساء النبي ونفس النبي كما هو ثابت من آية المباهلة. وهم آل محمد، الذين لا تجوز صلاة مسلم إن لم يصلِ عليهم، وهم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، ولو لم يكن للأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر غير هؤلاء الرواة لكان فيهم الكفاية، ولتحقق بهم اليقين. ثم إن الأئمة الطاهرين الثمانية الذين آلت إليهم الإمامة بعد الإمام الحسين قد رووا هذه الأحاديث، وقدموها لأتباعهم وللأمة كجزء لا يتجزأ من علمي النبوة والكتاب.
2 ـ من بني هاشم أيضاً: كان الهاشميون أكثر الناس التصاقاً بالنبي والتفافاً حوله، وجهاداً معه، ودفاعاً عنه، وبلاء في سبيله وقد وعى الكثير منهم ما صدر عن النبي من قول أو فعل أو تقرير، ونذكر من الرواة الهاشميين الذين رووا أحاديث متعلقة بالمهدي المنتظر:
1 ـ العباس بن عبد المطلب عم النبي.
2 ـ وعبد الله بن العباس.
3 ـ وعبد الله بن جعفر الطيار.
3 ـ الصحابة الأبرار: ومن الذين رووا الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر طائفة من الصحابة الأبرار الذين ثبتوا على الولاء لله ولرسول ولأهل بيت النبوة، واجتازوا المحرم والبلاء بنفوس مطمئنة، وفارقوا الدنيا دون أن يغيروا ويبدلوا أو ينقلبوا على أعقابهم منهم سلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وجابر الأنصاري وحذيفة بن اليمان.
4 ـ خلفاء ومرشحون للخلافة: وممن روى الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر خلفاء، كعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، أو ممن ترشحوا للخلافة كعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص.
6 ـ من زوجات النبي: وروى أحاديث متعلقة بالمهدي المنتظر بعض زوجات النبي كأم سلمة، وعائشة، وأم حبيبة.
7 ـ طائفة من الصحابة الكرام: وروى جانباً من الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر طائفة من أجلاء الصحابة منهم أبو أيوب الأنصاري، وزيد بن أرقم، وأبو سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي، وحذيفة بن أسيد، ومعاذ بن جبل.
8 ـ مثلما روتها طائفة أخرى من الصحابة: كأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص وعمران بن حصين، وأنس بن مالك، وزيد بن ثابت. [راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، مركز الرسالة ص 28، وما فوق: و(إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) أبو الفيض الغماري ص 437، (ومعجم أحاديث الإمام المهدي)، خمسة مجلدات مؤسسة المعارف الإسلامية بإشراف الشيخ علي الكوراني].
الفصل السادس: علماء المسلمين الأعلام الذين أخرجوا أحاديث المهدي
أخرج علماء المسلمين الأعلام الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر ودونوها في صحاحهم ومسانيدهم ومؤلفاتهم، مسلمين بصحتها وتواترها.
1 ـ علماء المسلمين الأعلام الذين تخرجوا من مدرسة أهل البيت
علماء المسلمين الأعلام الذين والوا أهل بيت النبوة، وقالوا بحقهم الشرعي برئاسة الأمة من الناحيتين الروحية والزمنية ونقصد بهم علماء الشيعة: كالكليني، والصدوق، والمجلسي، والعاملي وغيرهم ممن دونوا الأحاديث والموسوعات الدينية، أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر وتعاملوا معها كحقائق إسلامية ثابتة لديهم، واعتبروها معارف دينية وصلت إليهم من رسول الله، مثلما اعتبروها من أصول الدين وأساسياته، لأن الاعتقاد بالمهدي المنتظر واعتباره ثاني عشر الأئمة الشرعيين من المسائل الأصولية والأساسية عندهم.
2 ـ علماء المسلمين الأعلام الذين تخرجوا من مدرسة دولة الخلافة
وأخرج أحاديث المهدي المنتظر العلماء الذين والوا دولة الخلافة التاريخية رغبة أو رهبة، وتخرجوا من مدرستها وهم من الكثرة والشهرة ومؤلفاتهم من التعدد بحيث يستحيل تواطؤهم على الاتفاق بإخراجها، ومع ذلك فقد أجمعوا على إخراج الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر، لأن هذه الأحاديث كانت من الثبوت والشيوع والقوة، بحيث أنها قد فرضت نفسها فرضاً على دولة الخلافة وعلى كافة علمائها، وتعذر تجاهلها أو إنكارها، لأنها شقت طريقها بيسر وسهولة إلى أسماع المسلمين وقلوبهم، ولم يكن بوسع دولة الخلافة، ولا بوسع علمائها أن يتجاهلوا قوة هذا التيار الغلاب، فأذعنوا أمام قوة الحقيقة الدينية، وأخرجوا الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر، ودونوها في صحاحهم ومسانيدهم ومؤلفاتهم، واعتبروها معلومات عن الغيب، وحقائق دينية صادرة بالفعل عن الصادق المجرب الذي لا ينطق عن الهوى.
ممن أخرج الأحاديث المتعلقة بالمهدي
1 ـ أصحاب كتب الحديث المعروفة بالصحاح الستة: البخاري، ذكر المهدي بالوصف لا بالاسم، وأخرج الأحاديث المتعلقة بعلامات الظهور، وبنزول السيد المسيح، وظهور المسيح الدجال، وأخرج الحديث الذي يؤكد بأن إمام الأمة هو الذي سيؤم المسيح ابن مريم عند نزوله، وشراح صحيح البخاري أعلنوا بصراحة بأن الإمام الذي عناه البخاري هو المهدي المنتظر. [راجع فتح الباري ج 6 ص 383 ـ 385، وعمدة القاري ج 16 ص 39 ـ 40 المجلد الثامن، وفيض الباري ج 4 ص 44 ـ 47، وحاشية البدر الساري ج 4 ص 33 ـ 47، والمهدي المنتظر في الفكر الإسلامي 140 ـ 143].
ويبدو أن البخاري قد تحاشى ذكر المهدي بالاسم لأنه عندما وضع صحيحه، كانت فرائص الدولة ترجف رعباً من هذا المهدي، وتبحث عنه بعد أن تأكدت مخابراتها بأنه قد ولد بالفعل.
كذلك ذكر مسلم في صحيحه المهدي بالوصف لا بالاسم، لأن مسلم قد وضع صحيحه بنفس الفترة الزمنية، ومع هذا فقد ذكر ابن حجر الهيثمي، [راجع في الصواعق المحرقة الفصل 11، والمتقي الهندي في كنز العمال ج 14 ص 264، حديث 38662، ومحمد على الصبان في إسعاف الراغبين ص 145، والشيخ حسن العدوي المالكي في مشارق الأنوار]، أن مسلم قد ذكر في صحيحه المهدي بالاسم وبالوصف معاً لكن الاسم قد حذف، وبقي الوصف، وليس أدل على ذلك من أن مسلم قد أخرج حديث الخليفة الذي يحثي المال حثياً، ولا يعده عداً. [راجع صحيح مسلم بشرح النووي ج 18 ص 38، وأخرج حديث خسف البيداء ج 18 ص 4 ـ 7 من صحيح مسلم بشرح النووي وكلاهما من الظواهر الخاصة بالمهدي المنتظر، التي لا تنطبق على غيره، ولم تحدث مع غيره. وأخرج أحاديث المهدي المنتظر ابن ماجة ت 273 ه، وأبو داود ت 275 ه، والترمذي المتوفى 279 ه، وهؤلاء هم أصحاب الصحاح عند أهل السنة].
2 ـ وأخرج أحاديث المهدي كل علماء دولة الخلافة الأعلام الذين تألقوا خلال الفترة الزمنية الواقعة ما بين 100 ه 975 ه، وقد ورد ذكرهم في كتاب المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 26 ـ 29 إصدار مركز الرسالة منهم ابن سعد صاحب الطبقات الکبرى، وابن أبي شيبة ت 235 ه، وأحمد بن حنبل ت 241 ه، وأبوبكر الإسكافي ت 260 ه، وابن قتيبة الدينوري ت 276 ه، واليزارت 292 ه، وأبو يعلى الموصي ت 307 ه والطبري ت 310 ه والعقيلي ت 322، ونعيم بن حماد ت 328، وشيخ الحنابلة البربهاري ت 329 وابن حبان البستي ت 354، والمقدسي ت 355، والطبراني ت 360، وأبو الحسن الأبري ت 363، والدار قطني 385، والخطابي ت 388، والحاكم النيسابوري ت 405، وأبو نعيم الأصبهاني ت 430، وأبو عمرو الداني ت 444، والبيهقي ت 458، والخطيب البغدادي ت 463، وابن عبد البر المالكي ت 463، والديلمي ت 509 ه والبغوي ت 510، والقاضي عياض ت 544، والخوارزمي الحنفي ت 568، وابن عساكر ت 571، وابن الجوزي ت 597، وابن الجزري ت 606 وابن العربي ت 638، ومحمد بن طلحة الشافعي ت 652، والسبط بن الجوزي ت 654 وابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي ت 655، والقرطبي المالكي ت 671، والكنجي الشافعي ت 658، وابن خلكان ت 681، ومحب الدين الطبري ت 694، والعلامة ابن منصور في مادة هدى من لسان العرب وهو متوفى عام 711 ه، وابن تيمية ت 728، والجويني ت 730، والذهبي ت 748، وابن الوردي ت 749، والزرندي الحنفي ت 750، وابن القيم الجوزي 751، وابن كثير ت 774 ه، وابن خلدون المغربي ت 808 هـ. إلخ.
هؤلاء هم العلماء الأفذاذ الذين تألقوا في سماء دولة الخلافة وعرفتهم الخاصة والعامة، وكلهم قد أجمعوا على إخراج الأحاديث النبوية المتعلقة بالمهدي المنتظر.
ويمكنك القول وبكل ارتياح، أنه ما من محدث إسلامي على الإطلاق، إلا وقد أخرج الأحاديث المبشرة بظهور المهدي في آخر الزمان أو أخرج بعضها، أو أخرج أحاديث عن علامات الظهور أو مشاهد من عصر الظهور.
عدد الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر
بالرجوع إلى معجم أحاديث المهدي الذي ألفته مؤسسة المعارف الإسلامية والواقع في خمسة مجلدات والمطبوع في قم الطبعة الأولى نجد أن:
1 ـ مجلد الأول والثاني قد اشتملا على 560 حديثناً من الأحاديث المروية بطرق السنّة والشيعة معاً والمسندة جميعها إلى النبي.
2 ـ المجلد الثالث والرابع قد اشتملا على 876 حديثاً مسندة إلى أئمة أهل البيت، واشترك أهل السنة برواية الكثير منها مع الشيعة الإمامية.
3 ـ أما المجلد الخامس فقد اشتمل على 505 أحاديث وكلها من الأحاديث المفسرة لآيات قرآنية، وقد غطت هذه الأحاديث ما أورده المفسرون من أهل السنة والشيعة.
4 ـ وعلى هذا تكون مجموع الأحاديث المسندة إلى النبي وأئمة أهل البيت 1436 حديثاً، فإذا أضفنا لها محتويات المجلد الخامس المشتمل على الأحاديث المفسّرة يكون مجموع الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر 1941 حديثاً. [راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي إصدار مؤسسة الرسالة ص 149.]
أحاديث المهدي المنتظر بموازين علماء الحديث
1 ـ صحة أحاديث المهدي المنتظر
1 ـ قال الترمذي في سننه ج 4 ص 505 الأحاديث أرقام 2230 و2231 وجـ 4 ص 506 الحديث رقم 2233 عن كل واحد من الأحاديث الثلاثة المذكورة هذا حديث حسن صحيح. وقال في ج 4 ص 506 من سننه عن الحديث رقم 2232: (هذا حديث حسن).
2 ـ قال أبو جعفر العقيلي ت 322: (وفي المهدي أحاديث جياد) الضعفاء الكبير للعقيلي ج 3 ص 253 الحديث رقم 1257 في ترجمة علي بن نفيل الحراني.
3 ـ قال الحاكم النيسابوري ت 405 ه في المستدرك ج 4 ص 429 و465 553 و558 عن كل واحد من الأحاديث الأربعة التي أخرجها: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وفي ج 4 ح 450 و557 و558 قال عن كل واحد من هذه الأحاديث الثلاثة: (هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه) وفي ج 4 ص 429 و442 و457 و464 و502 و520 و554 و557، قال عن كل واحد من الأحاديث الثمانية: (هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه).
4 ـ قال البيهقي ت 458 ه في الأعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد ص 127: (والأحاديث على خروج المهدي أصح إسناداً).
5 ـ وفي كتاب مصابيح السنة للبغوي ص 488، 491 أخرج حديثاً للمهدي في فصل الصحاح وفي ص 492 ـ 493 أخرج خمسة أحاديث للمهدي في فصل الحسان.
6 ـ قال ابن الأثير ت 606 ه في النهاية مادة (هدا) وبه سمي المهدي الذي بشر به رسول الله أنه يجيء في آخر الزمان، [راجع النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ج 5 ص 254]. وهذا لا يصدر إلا على من يقول بالصحة.
7 ـ قال القرطبي في التذكرة ص 704 باب ما جاء في المهدي عن حديث ابن ماجة في المهدي إسناده صحيح.
8 ـ قال ابن تيمية في منهاج السنة: (إن الأحاديث التي يحتج بها الحلي على خروج المهدي أحاديث صحيحة) منهاج السنة ج 4 ص 211.
9 ـ سكت الذهبي على ما صححه الحاكم في مستدركه من أحاديث المهدي وصرح بصحة حديثين، [راجع تلخيص المستدرك ج 4 ص 553 و558 مطبوع بهامش المستدرك].
10 ـ قال الكنجي الشافعي في كتابه: (البيان في أخبار صاحب الزمان عن حديث أخرجه الترمذي في سننة ج 4 ص 505 وصححه هذا حديث صحيح، وقال عن آخر هذا حديث حسن صحيح).
11 ـ اعتراف ابن القيم الجوزي في المنار المنيف ص 130 ـ 135 حديث 326 و327 و329 و331 بحسن بعض أحاديث المهدي وصحة بعضها الآخر.
12 ـ قال ابن كثير عن سند حديث في المهدي، وهذا إسناد قوي صحيح ثم نقل حديثاً عن ابن ماجة وقال: هذا حديث حسن، وقد روى من غير وجه عن النبي). [راجع النهاية في الفتن والملاحم ج 1 ص 55 و56 لابن كثير].
13 ـ قال التفازاني عن خروج المهدي في آخر الزمان: (وقد ورد في هذا الباب أخبار صحاح). [راجع شرح المقاصد للتفتازاني ج 5 ص 312].
14 ـ قال نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 313 ـ 314 عن أحد حديثين واردين في المهدي المنتظر رواه الترمذي وغيره، ورواه أحمد، وأبو يعلى ورجالهما ثقات، وقال عن آخر ج 7 ص 115: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، وفي ج 7 ص 116 قال عن ثالث: ورجاله ثقات وفي ج 7 ص 117 قال عن رابع: رواه البزار ورجاله صحيح، وفي ص 117 أيضاً قال عن خامس: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
15 ـ وفي الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 672 رمز لبعض الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر بعلامة (صح) أي صحيح ولبعضها الآخر بعلامة (ح) أي حسن.
16 ـ نقل القنوجي عن الشوكاني قوله بصحة أحاديث الإمام المهدي وتواترها.
17 ـ قال ناصر الدين الألباني في مقال له بمجلة التمدن الإسلامي دمشق / 22 ذي القعدة 1371: (أما مسألة المهدي المنتظر فليعلم أن في خروجه أحاديث صحيحة قسم كبير منها له أسانيد صحيحة). [راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي إصدار مركز الرسالة ص 34 ـ 38].
2 ـ تواتر الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر
لا خلاف بين اثنين من أئمة أهل البيت أو من أوليائهم بأن الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر قد صدرت عن رسول الله بالفعل، ونقلها عنه جمع كبير من المسلمين يمتنع عقلاً وبكل الموازين اجتماعهم على الكذب، وأن هذه الأحاديث كانت معلومة بين الناس أثناء حياة الرسول وبعد وفاته، وأنها قد تواترت واستقرت في القلوب والأذهان، وما كانت حركة التدوين والرواية إلا كشفاً وتأكيداً لحقائق ثابتة ومستقرة.
كذلك قإن علماء دولة الخلافة قد توصلوا عملياً لهذه النتيجة وصرحوا بتواتر الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر، وصدر هذا التصريح عن غير واحد منهم كالسيوطي، راجع إبراز الوهم المكنون لأبي الفيض ص 436، والهيثمي، راجع الصواعق المحرقة 162 ـ 167 فصل 1 باب 11 والمتقي الهندي، راجع البرهان على علامات مهدي آخر الزمان 178 ـ 183، والبزرنجي، راجع الإشاعة لاشراط الساعة ص 87، وابن حجر العسقلاني، راجع تهذيب التهذيب ج 9 ص 125 / 201 واحتج القرطبي بقول الحافظ الحاكم النيسابوري (والأحاديث عن النبي في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة) التذكرة ج 1 ص 701. راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي / إصدار مركز الرسالة ص 38 ـ 43.
الفصل السابع: التشكك بأحاديث المهدي بعد التيقين منها
رأينا أن أحاديث المهدي المنتظر، قد رواها أهل بيت النبوة عن رسول الله، وقد شهدوا أنهم قد سمعوا رسول الله يحدث بها، ويبشر المؤمنين بالمهدي المنتظر، وعلى ذلك قد أجمعوا، وتناقل أهل بيت النبوة هذا الإجماع جيلاً بعد جيل. فلو لم يرويها من الأمة غيرهم لكانت رواية أهل بيت النبوة كافية، وكانت شهادتهم صادقة، ولكان إجماعهم حجة على المسلمين أجمعين، لأنهم الأبناء والنساء والأنفس المنوَّه عنهم بآية المباهلة، ولأن الله قد شهد لهم بالطهارة، ولان الصلاة عليهم ركن الصلاة المفروضة على العباد، ثم لأنهم أحد الثقلين.
وبعد مائة سنة من منع كتابة ورواية الأحاديث النبوية، والتزام دولة الخلافة ورعاياها بهذا القانون العجيب اكتشفوا خطورة هذا القانون وكم ضيعوا في جنب الله، فانطلقوا يروون ويكتبون أحاديث نبيهم بعد مائة عام من صدورها، وأوجدوا موازين الرواية والدراية وتواصلوا وفق هذه الموازين إلى نتيجة مفادها أن أكثر من خمسين صحابياً قد سمعوا رسول الله يحدث بأحاديث المهدي المنتظر، ويبشر المؤمنين به.
وكان الإخوان الذين سبقونا بالإيمان قد سمعوا رسول الله يحدث بها، ويبشر بالمهدي فنقلوا ما سمعوه لابنائهم، وصدق الناس لأن هذه من أنباء الغيب التي لا مجال للاجتهاد فيها.
وتضافر إجماع أهل بيت النبوة، مع شهادة الخمسين صحابياً مع القناعة العامة التي تولدت عند المسلمين وتوارثوها جيلاً بعد جيل، فصار الاعتقالد بالمهدي المنتظر وعلامات ظهوره، وملامح عهد الظهور عقيدة عند المسلمين تقرأ تماماً مع عقيدتهم الدينية.
وعلى هذا الأساس وبعد التحري والاثبات قام علماء الحديث الأعلام بإخراج أحاديث المهدي المنتظر، وحكموا بصحتها وفق الموازين العامة التي أُوجدها، وقالوا بتواترها، وأخراجها المؤرخون وعلماء التفسير وأصحاب السِّير وأفرد لها رجال الفكر والسياسة بحوثاً خاصة، وتكونت لدى المسلمين مع اختلاف منابتهم وأصولهم ومذاهبهم وتوجهاتهم عقيدة الاعتقاد بالمهدي المنتظر الواحدة. وهكذا تحقق اليقين بكل صوره وتصوراته القطعية.
2 ـ أوهام الشك بعد حصول اليقين
بعد أن حصل اليقين بعقيدة المهدي المنتظر، وبعد أن عرف المسلمون إجماع أهل بيت النبوة على صحة هذا الاعتقاد، وبعد أن أدلى خمسون صحابياً بشهادتهم على أنهم سمعوا الرسول يبشر بالمهدي المنتظر ويحدث بأحاديثه، وبعد أن أخرج العلماء الأعلام هذه الأحاديث وحكموا بصحتها وتواترها كما أسلفنا، وبعد أن صار الاعتقاد بالمهدي المنتظر عقيدة لكل المسلمين، وصار انتظاره فرجاً ومخرجاً وعبادة، بدأت أوهام الشك تتجدد بعد حصول اليقين تراود أذهان البعض، ثم صرحوا بها مع علمهم بكل ما أسلفنا، وأخذوا يشككون بصحة الاعتقاد بالمهدي المنتظر.
الأسباب المعلنة للشك بعد اليقين والرد عليها
الذين أبدوا شكوكهم بفكرة الاعتقاد بالمهدي المنتظر، وبالأحاديث النبوية الواردة فيه، أعلنوا بأن شكوكهم لم تنطلق من فراغ، ولا هي من قبيل التشهي بل تستند إلى أسباب معقولة منها:
1 ـ أن البخاري ومسلم لم يرويا أي حديث صريح بالمهدي المنتظر
الرد على هذا السبب:
أ ـ لم يقل أحد من علماء الحديث أن كل ما لم يروه البخاري ومسلم غير صحيح.
ب ـ صحيحا البخاري ومسلم لم يشتملا على كافة الأحاديث الصحيحة بدليل قول البخاري عن كتابه الصحيح: (أخرجت هذا الكتاب من مائة ألف حديث صحيح، أو من مائتي ألف حديث صحيح، فما أعلن البخاري صحته يزيد عما أخرجه في صحيحه بعشرات الأضعاف).
ج ـ إن البخاري ومسلم قد كتبا صحيحهما بتاريخ ولادة المهدي المنتظر وكان مجرد ذكر المهدي المنتظر يثير الرعب في أوصال أركان الدولة العباسية، فكانت مخابراتها وعيونها تتحرى عن كل المواليد في ذلك التاريخ، فمن غير المعقول بهذه الظروف أن يخاطر الشيخان بذكر لفظ المهدي المنتظر، فلو فعلا ذلك لواجها دولة لا طاقة لهما بمواجهتها والأهم أن الدولة يمكن أن تتلف صحيحيهما.
ومع هذا تطرق الشيخان إلى الأحاديث الواردة بخروج الدجال، وأحاديث نزول عيسى، وإمامة أمير المسلمين لعيسى، فهما يعبران عن وجود الإمام المهدي: (بكلمة أمير) أو الإمام مطلقاً ثم إن شراح صحيح البخاري متفقون على أن البخاري قد يلفظ الإمام: (الإمام المهدي). [راجع عمدة القاري بشرح صحيح البخاري ج 16 ص 39 ـ 40 المجلد الثامن. وفتح الباري ج 6 ص 383 ـ 385، وإرشاد الساري ج 5 ص 419].
ذ ـ أما مسلم فقد ذكر حديث عن خليفة يحثي المال حثياً ولا يعده عداً، وذكر حديث الخسف، وهذه أوصاف وأحديث لا تنطبق إلا على الإمام المهدي وعلامات ظهوره.
ر ـ ثم إن الأحاديث التي أخرجها أصحاب الصحاح الأخرى تتكامل إلى درجة التطابق مع ما ذكره البخاري ومسلم، مما يؤكد تحاشي الشيخين المتعمد لإغفال الإمام المهدي خشية سطوة الدولة التي كانت معبأة بالكامل ضد شبح المهدي، وخوفاً على كتابيهما.
ز ـ لقد تعرف علماء دولة الخلافة على أن كتب الأحاديث المشهورة عندهم هي ستة كتب، وسموها بالصحاح ومنها صحيح البخاري ومسلم، والكتب الأربعة الأخرى التي تحمل صفة الصحاح أخرجت أحاديث المهدي المنتظر بمعنى أن اثنين من أصحاب الصحاح قد أخرجا أحاديث المهدي المنتظر بالوصف دون أن يصرحا باسمه، بينما أخرجٍ أربعه من أصحاب الصحاح أحاديث المهدي المنتظر وصرحوا باسمه ووصفه معاً.
س ـ ثم إن البخاري ومسلم لم يخرجا كل الأحاديث المتفقة مع الشروط التي وضعاها فطالما كرر الحاكم النيسابوري جملة: (هذا الحديث صحيح على شروط الشيخين ولم يخرجاه).
ش ـ لم يرد في القرآن ولا في السنّة، ولا أجمع المسلمون بأن البخاري ومسلم معصومان، وأن قولهما هو القول الفصل، عاش المسلمون قرابة قرنين ونصف بدون البخاري ومسلم وتدبروا أمورهم!!
ص ـ ثم ما هي قيمة قولي البخاري ومسلم أمام إجماع أهل بيت النبوة أعدال الكتاب والمشهور لهم بالطهارة إلهياً، والمفروضه مودتهم على العباد!!
ض ـ ثم إن البخاري ومسلم ليسوا أكثر من عالمين فاضلين من علماء الحديث من جملة مئات علماء الحديث الذين تألقوا في سماء العالم الإسلامي، ولهما شيوخ وأساتذة، كلهم أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر وقالوا بصحتها وتواترها.
ص ـ ثم إنه ليس منطقياً أن نوقف أو أن نتجاهل حركة الأحداث الربانية لأن صحيحي البخاري ومسلم لم يشتملا عليها!!
ظ ـ من المؤكد أن البخاري ومسلم لم يخرجوا في صحيحيهما بأن الشمس تطلع من المشرق، وتغيب من المغرب، فهل نتجاهل هذين الحدثين وننكرهما أو نتنكر لهما بحجة أن البخاري ومسلم لم يتطرقا إلى هذه الناحية! ما لكم كيف تحكمون!!
2 ـ السبب الثاني: أن ابن خلدون ضعف بعض الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر!!
الرد على هذا السبب:
أ ـ ملخص الموضوع وحصر تضعيفات ابن خلدون: تناول ابن خلدون 23، حديثاً من الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر فاخضع هذه الأحاديث للنقد والدراسة فضعّف 19 عشر حديثاً ولم يحكم بالضعف على الأربعة المتبقية مما يعني أنها صحيحة في نظره، فجاء المتشككون، وطاروا بتضعيفات ابن خلدون كل مطار، وأشاعوا أن ابن خلدون لا يعتقد بالمهدي المنتظر، ويضعّف على الإطلاق الأحاديث الواردة فيه مطلقاً. وهكذا تاجر المشككون بشهرة الرجل، وسخّروا هذه الشهرة لخدمة هواهم.
ب ـ شهادة خطية لابن خلدون: قال ابن خلدون في تاريخه ج 1 ص 555 فصل 52 ما نصه حرفياً: (اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على مر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى المهدي) انتهى كلام ابن خلدون.
حـ ـ لم يذكر ابن خلدون من الذين أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر غير سبعة وهم الترمذي، وأبو داود والبزار، وابن ماجة، والحاكم، والطبراني، وأبو يعلى الموصلي، [راجع تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 555.فصل 52]. وهذا يعني أنه ترك 48 عالم حديث ممن أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر أولهم ابن سعد في طبقاته ت 230 ه، وآخرهم نور الدين الهيثمي ت 807 ه، وحتى يكون الحكم سليماً يجب أن يطلع على ما أخرجه علماء الحديث، لأن الأحاديث في كل موضوع يكشف بعضها غموض بعض، ويؤيد بعضها بعضاً.
قال الشيخ أحمد شاكر: إن ابن خلدون قد قفا ما ليس له به علم وأقحم قحماً لم يكون من رجالها... إنه لم يحسن فهم قول المحدثين، ولو اطلع على أقوالهم وفقههم ما قال شيئاً مما قال). مقال في مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ج 1 ص 12 رقم 46 سنة 1400، وجاء في هذا العدد أيضاً عن الشيخ العباد أنه قال: (ابن خلدون مؤرخ وليس من رجال الحديث، فلا يعتدّ به في التصحيح والتضعيف وإنما الاعتماد بذلك على مثل: البيهقي، والعقيلي، والخطابي، والذهبي، وابن القيم وغيرهم من أهل الرواية والدراية الذين قالوا بصحة الكثير من أحاديث المهدي).
خ ـ لقد سكت ابن خلدون عما رواه الحاكم، ولم ينتقده بحرف لوثاقة جميع رجاله عند أهل السنة قاطبة، تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 564 فصل 52. وقال ابن خلدون عن حديث آخر: (هذا صحيح الإسناد) تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 564 وقال عن ثالث وهذا إسناد صحيح، تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 565، وقال عن رابع: (ورجاله رجال الصحيح لا مطعن فيهم ولا مغمز) تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 568 فأنت ترى أن ابن خلدون نفسه يصحح أربعة أحاديث من الأحاديث الواردة في المهدي!!
خ ـ لقد توفي ابن خلدون عام 808 ه، ودونت أحاديث المهدي المنتظر سنة 230 بمعنى أنه بين تدوينها وتناول ابن خلدون لها قرابة 600 عام، فكيف يتمكن من دراستها والحاكم عليها وهو يتناول 7 / 55 ممن أخرجوها.
ذ ـ ثم لنفترض أن ابن خلدون أنكر وضعف ال 23 حديثاً التي تناولها بالدراسة كلها فما معنى هذا العدد مع وجود 1941 حديثاً!! ولنفترض أنه ضعف أو أنكر كافة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر، فما هي القيمة العلمية لإنكاره!! ولماذا اختاره المتشككون قدوة لهم لينقضوا كافة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر؟ ولم يختاروا عالماً من ال 55 عالماً الذين أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر وحكموا بصحتها وتواترها!!
ـ ثم ما هي قيمة معارضة ابن خلدون أمام قول وإجماع أهل بيت النبوة؟!
جرأة ابن خلدون وتطاوله ومبلغه من العلم
قال ابن خلدون في مقدمته بالفصل الذي عقده لعلم النفقة ما يلي وبالحرف: وشذّ أهل بيت النبوة بمذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به بنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح، وعلى قولهم بعصمة الأئمة، ورفع الخلاف عن أقوالهم، وهي كلها أصول واهية وشك بمثل ذلك الخوارج، ولم يحفل الجمهور بمذاهبهم، بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح، فلا نعرف شيئاً من مذاهبهم، ولا نروي كتبهم، ولا أثر لشيء منها في مواطنهم، فهو يعتبر أهل البيت النبوة: مبتدعة، شذاد، ويرى أن الأصول الي سار عليها أهل البيت أصول واهية!! ويكشف عن حقيقة شعوره وما في نفسه، فيعبر عن ألمه وحزنه لأن فقه أهل السنة قد انقرض في مصر، وحل محله فقه أهل البيت!! وتلاشى من سواهم، ثم السنة قد انقرض في مصر، وحل محله فقه أهل البيت!! وتلاشى من سواهم، ثم يرقص الرجل فرحاً ويهلل عندما زالت دولة العبيديين وحل فقه الشافعي محل فقه أهل بيت النبوة.
فماذا تتوقع من رجل هذه حقيقة مشاعره عن أهل بيت النبوة!! ربما كان سر شهرته يكمن في طبيعة هذه المشاعر، وربما كره اعتقاد المسلمين بالمهدي المنتظر وتصديقهم للأحاديث النبوية الواردة فيه، وحاول أن يوهن اعتقاد المسلمين بالمهدي، وأن يكذب الأحاديث الوارد فيه لأن المهدي المنتظر من أهل بيت النبوة!! فأراد بمحاولاته تلك الحصول على مزيد من الشهرة، والتألق!!!
والذي لا أعرفه بالفعل هو هل تلا ابن خلدون آية التطهير وآية المودة في القربى، وآية المباهلة، وآية الصلاة على النبي؟ وهل عرف معاني هذه الآيات واطلع على تفسيرها؟ وهل مرّ عليه حديث الثقلين، وحديث السفينة، وحديث النجوم؟ أكبر الظن ـ وبعض الظن إثم ـ أنه لم يتلُ هذه الآيات، ولم يقف على تفاسيرها، ولم تمر عليه تلك الأحاديث!!
لكن ابن خلدون مؤرخ وذكي ولا بد اطلع بحكم دراساته التاريخية على كليات وتفاصيل الصراع الذي دار بين الشرك والايمان، وعرف أن الذين قادوا جبهة الشرك والعداوة ضد رسول الله حتى أُحيط بهم هم أنفسهم الذين سلمهم ابن خلدون رايات السنة، وأن أهل بيت النبوة الذين قادوا جبهة الإيمان وجاهدوا في الله حق جهاده، هم الذين وصفهم ابن خلدون بالشذاذ والمبتدعة، وأهل الأحوال الواهية!! إن هذا هو جهد البلاء حقاً!!
3 ـ السبب الثالث
والسبب الثالث الذي شكك المتشككين بعقيدة المهدي وبالأحاديث النبوية الواردة فيه، أن أحد علماء الحديث قد روى حديثاً نبوياً يخص عيسى ابن مريم بالمهدية وينفيها عن سواه، ونص الحديث كما يلي: (لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدنيا إلا إدباراً، ولا الناس إلا شحّاً ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم). [راجع سنن ابن ماجة ج 2 ص 340 حديث 4039]. لأن المتشككين حريصون على سنة رسول الله فقد تمسكوا بهذا الحديث الوحيد ليبطلوا به اعتقاد المسلمين بالمهدي المنتظر، وليكذبوا به 1941 حديثاً واردة بالمهدي!!!
الرد على هذا السبب
1 ـ نفس ابن ماجة الذي روى هذا الحديث الوحيد كان قد روى أحاديث عن المهدي المنتظر منها حديث: (المهدي حق وهو من ولد فاطمة) ج 2 ص 1368 حديث 4086 وقد صححه وحكم بتواتره جمع من أهل السنة. فلماذا يهمل المتشككون حديث المهدي حق... ويتمسكون بحديث لا مهدي إلا عيسى!!! ولماذا يتجاهلون بالكامل 1941 حديثاً، أو يكذبون ويركزون كل اهتمامهم على حديث واحد ويصدقونه!!
2 ـ ثم لماذا وضع علم الرجال وفق الدراية، قال ابن القيم في المنار المنيف 129 حديث 324 وص 130 حديث 325 أن الأبري ت 363 قد قال: (محمد بن خالد الجندي هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل، وقال البيهقي تفرد به محمد بن خالد هذا، وقال الحاكم مجهول، وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 9 ص 125 و202: قدح أبو عمرو وأبو الفتح الأزدي بمحمد بن خالد، وقال الذهبي في الاعتدال ج 3 ص 535 ح 479 قال الأزدي منكر الحديث، وقال أبو عبد الله الحاكم مجهول، وحديث: (لا مهدي إلا عيسى خبر منكر أخرجه ابن ماجة. وقال الرطبي في التذكرة: (حديث لا مهدي إلا عيسى يعارض أحاديث هذا الباب، ثم نقل كلمات من طعن بمحمد بن خالد وأنكر عليه حديثه) ثم قال: (والأحاديث عن النبي في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة وهي أصح من هذا الحديث فالحكم لها دونه).
وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة (وصرح النسائي بأنه منكر، وجزم غيره من الحفاظ بأن الأحاديث التي قبله أي الناصة على أن المهدي من ولد فاطمة أصح إسناداً).
ووصف أبو نعيم في حلية الأولياء ج 9 ص 61 هذا الحديث بالغرابة وقال: لم نكتبه إلا من حديث الشافعي.
وقال ابن تيمية والحديث الذي فيه لا مهدي إلا عيسى رواه ابن ماجه وهو حديث ضعيف، رواه عن يونس، عن الشافعي، عن شيخ مجهول من أهل اليمن: (محمد بن خالد) لا تقوم بإسناده حجة. وقال عن حديث محمد بن خالد الجندي: (وهذا تدليس يدل على توهينه، ومن الناس من يقول بأن الشافعي لم يروه). [راجع منهاج السنة ج 4 ص 101 ـ 102].
(ولكثرة ماطُعن به محمد بن خالد حاول بعض أنصار الشافعي أن يدرأ عن الشافعي رواية هذا الحديث وادعى أنه رأى الشافعي في المنام وهو يقول كذب على يونس بن عبد الأعلى ليس هذا من حديثي). [راجع الفتن والملاحم لابن كثير ص 32].
3 ـ ثم إن الناصبة وأركان دولة الخلافة لن يقبلوا أبداً أن يكون المهدي المنتظر من عترة النبي أهل بيته، وقد هالهم أن يخص الله آل محمد بهذا الشرف الجديد، فليس من المستبعد أن يحرك الناصبة، وأركان دولة الخلافة أعوانهم وعيونهم لتنحية هذا الشرف عن آل محمد، أو تشكيك المسلمين بصحة الأخبار التي بدأت تفيض حول المهدي المنتظر، لكن علم الرجال والدراية لهما المقدرة على كشف الكثير من هذه العناصر بموضوعية وبدون مواجهة. وليس في ذلك عجب فقد حسدت بطون قريش النبي نفسه وحاولت وبكل أساليبها الفاشلة أن تصرف النبوة عنه، وأن تشكك بكل ما جاء به وصولاً إلى غايتها المتمثلة بصرف النبوة عن بني هاشم حتى لا ينالوا هذا الشرف من دون البطون.
4 ـ السبب الرابع
يقول المتشككون بعقيدة المهدي المنتظر، وبالأحاديث النبوية الواردة فيه بأن الادعاءات بالمهدية لم تتوفق طوال التاريخ، وقد ثبت بالدليل القاطع عدم صحة هذه الادعاءات وهذا سبب وجيه للشك بعقيدة المهدي، وبالأحاديث النبوية الواردة فيه ككل!!!
الرد على هذا السبب
يعرف المتشككون أن هنالك من ادعى النبوة قبل ظهور النبي الحقيقي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، هناك من ادعى النبوة بعدما أعلن رسول الله محمد أنباء النبوة، وبعد موت النبي محمد ادعى بعضهم النبوة وثبت لنا واقعياً وبالدليل القاطع عدم صحة ادعاءات الذين اعدوا النبوة قبل ظهور النبي وبعد ظهوره، وبعد موته.
فهل ادعاءات المدعين بالنبوة تبطل نبوة محمد!!! أو تبرر الشك فيها!! أو توجب عدم الاعتقاد بنبوة محمد، أو بالأدلة والبراهين الدالة عليها!!!
إن العكس هو الصحيح فطالما أنه قد ثبت لنا بالدليل القاطع عدم صحة ادعاءات المدعين بالنبوة قبل نبوة محمد وبعد ظهوره، وبعد موته فهذا من البراهين التي تثبت صحة نبوة محمد وبطلان نبوات الأدعياء!! ثم إنكم تحملون المعلومات الاسلامية، والأنباء التي أعلنها رسول الله، وفكرة الاعتقاد بالمهدى المنتظر وزر كذب الكاذبين أو ادعاءات المدعين، وهذا هو الظلم بعينه الذي لا نرضاه لا لنا ولا لكم.
5 ـ السبب الخامس
وهنالك من يقول في زماننا أن رئاسة الدولة الاسلامية شأن يخص المسلمين وحدهم: (لأنهم الأعلم بشؤون دنياهم) وهم أصحاب الاختصاص باختيار الرئيس أو الخليفة أو الأمير، ويستشهدون على صحة هذا التصوّر بما فعل الخلفاء الثلاثة الأُول وأولياؤهم بعد موت النبي، حيث أنهم لم يعيروا أي انتباه لتولية رسول الله لعلي بن أبي طالب، ولا للمكانة المميزة التي خص الله بها أهل بيت نبيه، إذا اعتبرها الخلفاء الثلاثة وأولياؤهم من قبيل المديح لا من قبيل الأحكام الشرعية الملزمة!! ثم إن تقديم المهدي المنتظر كرئيس للدولة الإسلامية المرتجاة هو إخلال بمبدأ الشورى، وبما فعله الخلفاء الثلاثة، ومجافاة لروح الديمقراطية السائدة في العالم الآن!! هذه الروح التي استقرت نهائياً!! فالمهدي كما تدل الأحاديث النبوية رجل قد اختار الله تعالى، وأعلن النبي هذا الاختيار!! وهكذا يحرم المسلمون من المشاركة باختيار حاكمهم!!! لقد سمعت هذا السبب من بعض المتشككين بعقيدة المهدي وبالأحاديث الواردة فيه!! ومن المفجع حقاً أن هذا البعض يحتل مراكز قيادية في أحزاب تدعو إلى عودة الإسلام، وإعادة نظام الخلافة التاريخي!! ومن المخجل أيضاً أن هذه القيادات ما زالت تعتقد وتتيقن أن نظام الخلافة التاريخي هو نظام الإسلام، وانه لا يوجد في الإسلام نظام غيره!! فإذا سألتهم ماذا تعني الخلافة؟ اتهموك بالبلاهة وأجابوك على الفور إنها خلافة النبي!! فإذا قلت لهم إذا كان نظام الخلافة التاريخي هو النظام الإسلامي، فما هو النظام الذي كان يطبقه النبي قبل أن ينتقل إلى جوار ربه؟ لماذا تهملون بالكامل عصر النبوة ونظامه، وتتمسكون بكل قواكم بعصر ما بعد النبوة ونظامه؟ أليس عصر النبوة هو الأصل، وعصر ما بعد النبوة هو الفرع؟ فمن يلجأ إلى الفرع ويترك الأصل؟! عندئذ تضيق صدورهم، وتحمرّ وجوههم، وتنفخ أوداجهم، ويصرخون بضيق ظاهر، هكذا فعل الصحابة الكرام!! وهذا ما اتفقوا عليه!! فإن قلت لهم: إن الصحابة الكرام بعيوننا رضي الله عنهم، ولكن أرأيتم إن أمر الرسول بأمر وفعلاً، وأمر الصحابة الكرام بأمر آخر وفعلوا فعلاً فبمن نقتدي، وأي أمر نتبع؟ هل نتبع امر الصحابة ونقتدي بما فعلوا؟ أم نتبع أمر الرسول ونقتدي بما فعل!؟ ما لكم كيف تحكمون!! إن لكم لما تخيرون!!
الرد على هذا السبب
حول قولهم بأن الرئاسة أو الإمامة أو الخلافة شأن خاص بالمسلمين، وأنهم أصحاب الاختصاص باختيار الإمام أو الخليفة أو الأمير ضمن قواعد الشورى.
أ ـ هذا القول ليس صحيحاً لأن الرئاسة الإسلامية ليست شأناً خاصاً بالمسلمين وحدهم بل تخص الله ورسوله والعالم کله ومستقبل البشرية، إنها تخص الشرعيه الإلهية بکل مقوماتها، لأن مهمة الإمام في الإسلام أن يقود المسلمين والعالم وفق إطار الشرعية الإلهية، وأن يحكم بالحكم الإلهي بلا زيادة ولا نقصان، وهذا يستدعي أن يكون الإمام هو الأعلم والأفهم على وجه الجزم واليقين، والمسلمون لا يعرفون من يتصف بهذه الصفة حتى يختاروه. لذلك اختص الله سبحانه وتعالى باختيار الإمام لأنه يعرف على وجه اليقين من هو الأعلم والأفهم والأفضل والأقرب إليه.
ب ـ لا يماري أي واحد من المتشككين بأن الرسول كان نبياً وكان إماماً أو رئيساً المسلمون، فهل اختاره المسلمين، إماماً أو رئيساً لهم، أم الله سبحانه وتعالى هو الذي اختاره وقدمه للناس وقاد عملية بأنه الأعلم والأفهم والأنسب لرئاستهم!!! وهل اختار الناس النبي سليمان رئيساً لهم، وهل اختاروا داود أو طالوت!! لأن مهمة الرئيس الإيماني، أو الإمام ليست الجلوس على كرسي الحكم وإصدار الأوامر والنواهي، إنما هي منصبة على تنفيذ برامج إلهية لانقاذ العالم وترشيد خطاه على طريق الهداية الإلهية، والناس لا يعرفون من هو المؤهل للقيام بهذه المهمة. وهذا هو سر إعلان النبي لإمامة علي بن أبي طالب والإحدى عشر إماماً من أحفاده الطاهرين، لأن الله تعالى أحكم وأرحم من أن يكل الناس لأنفسهم، وأن يتركهم بعد وفاة النبي وفي مرحلة حرجة دون رعاة شرعيين وقادة مؤهلين. وقد ركزنا على هذه الناحية في كل مؤلفاتنا ويمكنك مراجعة كتابنا (المواجهة مع رسول الله وآله) لتقف على تفصيل ذلك وتوثيقه.
ثم إنه لم يصدف طوال تاريخ الخلافة التاريخية أن اختار المسلمون خليفتهم وفق قواعد الشورى، لقد كانت الخلافة لمن غلب طوال التاريخ، فمن يغلب بالقوة أو كثرة الأتباع يصبح خليفة، ويقتصر دور المسلمين على إعطائه البيعة، ومن يمتنع عن البيعة شاقاً للطاعة، ومفارقاً للجماعة حتى لو كان علياً بن أبي طالب أو الحسين ابن النبي، فيستتاب ويخيّر بين البيعة أو القتل، فلا نجاة للمتخلف عن بيعة الغالب، فلو اختبأ هذا المتخلف ببيت فاطمة بنت رسول الله فإن الخليفة الغالب سيحرق بيت فاطمة بنت محمد على من فيه حتى يخرج المتخلف ويعطي البيعة أو يموت حرقاً هو ومن آواه، وقد حدث هذا بالفعل حتى في أزهى عصور الخلافة، ولا يجرؤ عاقل واحد من المتشككين على نفي ذلك.
ولو أن أهل مدينة رسول الله قد امتنعوا عن بيعة الخليفة الغالب ليقينهم بأنه كافر، أو فاسق يجاهر بالعصيان فإن الخليفة الغالب سيرسل لهذا المدينة جيشه ويأمره بالتنكيل بها حتى تبايع، وبناء على أوامر الخليفة الغالب يقتل الجيش عشرة آلاف من أهل المدينة بيوم واحد، وينهب أموالها، ويهتك أعراضها، فتحمل ألف عذارء من غير زوج، ويأخذ البيعة ممن تبقى من سكانها على أنهم عبيد وخول للخليفة يتصرف المالك بأشيائه وعبيده!! وقد حدث هذا بالفعل ومجنون من ينفي ذلك.
ولو احتمى من تخلف عن البيعة بالكعبة، فإن الخليفة الغالب سيرسل جيشه ومعه أوامر بالحصول على بيعة من تخلف، فإن أبى تهدم الكعبة نفسها على رؤوس المتخلفين عن البيعة!! وقد حدث هذا بالفعل، راجع كتابنا (كربلاء الثورة والمأساة) وكتابنا (المواجهة مع رسول الله وآله) تجد التفصيل والتوثيق معاً!!
وكان الغالب يعهد بالخلافة لمن يريد، ويتكرر العهد من الغالبين حتى يظهر متغلب جديد!! فتبدأ دورة العهد وإعطاء المسلمين البيعة للغالب وهم صاغرون!!
فأين هي الشورى، وأين هو الاختيار، وأين هو الاختصاص الذي يدعيه المتشككون.
2 ـ أما قول المتشككين بأن تولية المهدي المنتظر قيادة الأمة بهذه الطريقة التي حملتها الأحاديث المتعلقة بالمهدي لا تتفق مع الطريقة التي تولى فيها الخلفاء الثلاثة الأُول الخلافة، لأن خلافتهم هي مقياس الشرعية والمشروعية على اعتبار أنها قد تمت تحت أسماع الصحابة وأبصارهم!!!
الرد على هذا القول
أ ـ إنكم تحشرون الجمل في سم الخياط، وتتقولون على الله ورسوله وعلى الحقيقة الشرعية بما لم ينزل به الله سلطاناً، فليس صحيحاً أن فعل الخلفاء هو مقياس الشرعية والمشروعية، فهم في أحسن الأوصاف من أتباع صاحب الرسالة، ولم يدّع أحد فيهم بأنه نبي، أو يوحى إليه أو معصوم عن الخطأ، ولم يدع أحد منهم بأنه الأعلم أو الأتقى أو الأفضل أو الأقرب لله ولرسوله. وأول تصريح قد صدر عن الخليفة الأول هو قوله: (إني قد وليت عليكم ولست بخيركم..) وتواترت تصريحات الخليفة الثاني التي جاء فيها: (كل الناس أعلم من عمر، وجهل عمر وعرفت إمرأة، اللَّهم إني أعوذ بك من معضلة ليس فيها أبو الحسن...) وحسب مقاييسكم التاريخية فإن الذي جاء بعدهما أقل منهما فضلاً، وأدنى مرتبة، فكيف تجاهلتم صاحب الرسالة تجاهلاً تاماً وجعلتم من أفعال الخلفاء الثلاثة الأُول هي المقياس الأوحد للشرعية والمشروعية!!!
ب ـ إن مقياس الشرعية والمشروعية الإلهية ليس قول ولا فعل الخلفاء الثلاية، أو غيرهم من الخلفاء التاريخيين، ولكنه قول وفعل صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم ، ومكانة أي فرد من المسلمين كائناً من كان تتحدد بحجم التزامه بأوامر رسول الله، وتقديم خيرة الله على خيرته وأمر الله ورسوله على اجتهاده وما تهوى نفسه.
جـ ـ إن الله تعالى الذي أختار رسوله لقيادة مرحلة التأسيس والرسالة والذي اختار الأنبياء الكرام والأئمة الطاهرين هو نفسه الذي أختار محمد بن الحسن وليكون خاتماً للأئمة، وقائداً لفترة آخر الزمان، والفرق أن محمداً نبي ورسول، والمهدي إمام وليس نبياً ولا رسول. وأن محمداً هو الوالد، والمهدي هو الابن والحفيد وهو الوارث الشرعي لعلمي النبوة والكتاب، وهو المؤهل الوحيد لقيادة المرحلة التي اختاره الله لقيادتها. فإذا أردتم القياس فقيسوا على صاحب الرسالة لا على غيره. ومهمة المهدي قيادة العالم في آخر الزمان وإصلاح البشرية بعد فسادها، وإنقاذها بعد أن أوشكت على الغرق، وهدايتها إلى الطريق القويم، ثم إن المهدي مسلح بايات بيّنات ظاهرات في السماء والأرض.
د ـ إذا كان الله تعالى قد اختار الأنبياء وخاتمهم محمد رسول الله واختار الأئمة وخاتمهم المهدي المنتظر لتحقيق غايات عالمية محددة فإن بطون قريش هي التي اختارت الخلفاء الثلاثة، وكان سبب الاختيار وهدفه منصباً بالدرجة الأولى والأخيرة على إرغام أنوف آل محمد وحرمانهم من الجمع بين النبوة والملك. وهي نفس البطون التي قاومت النبي وعادته واستعدت عليه العرب وحاربته طوال 23 عاماً، حتى أحيط بها فأسلمت أو تظاهرت بالإسلام طمعاً بالملك الذي تمخضت عنه النبوة، فاختيار بطون قريش قبلي من جميع الوجوه، وغايته بدائية ومحدودة من جميع الوجوه، بينما جاء اختيار المهدي إلهياً ولغايات ومقاصد إلهية مختلفة تماماً عن غايات ومقاصد بطون قريش. إنكم تصرون على إدخال الكبير بالصغير، وإيلاج الجمل في سم الخياط، وهذا محال عقلاً!!
هـ ـ ثم إن كل واحد من الخلفاء الثلاثة قد آلت إليه الخلافة بطريقة تختلف تماماً عن طريقة سلفه، فالأول فلتة، والثاني بعهد من الأول، والثالث واحد من ستة اختارهم الثاني، ثم ما هو وجه المقارنة بين المهدي وبين الثلاثة، وأين هي وحدة العلة حتى تتحقق شروط قياسكم!!
و ـ أما قولكم بأن الاختيار قد تم تحت أسماع الصحابة وأبصارهم فأعظم الصحابة على الإطلاق آل محمد الذين تذكرونهم في صلواتكم وأهل بيته الذين شهد الله تعالى بطهرهم، فهل تدلوني مشكورين على خليفة واحد من الخلفاء التاريخيين قد تولى الخلافة برضاهم وبرضاهم وموافقتهم!!
فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا إلا مكابرة مردودة فقد آن الآوان لتتقوا الله في تمحكاتكم، ولترك التقليد الأعمى، وللتبرع بتمثيل دور حراس الشرعية التاريخية ولفك أغلالكم عن عقول المسلمين، ولو سمع الخلفاء الثلاثة اختلافاتكم التي لا علم لهم بها لقرفوا منكم ولشعروا بالخجل لأنكم من شيعتهم.
لهذه الأسباب المعلنة التي سقناها مجتمعة ومنفردة يتشكك المتشككون بصواب فكرة الاعتقاد بالمهدي المنتظر ويشكون بصحة الأحاديث الواردة فيه على الرغم من إجماع أهل بيت النبوة على صحة الاعتقاد، وعلى الرغم من شهادة خمسين صحابياً، ومن إخراج علماء الأمة الأعلام لهذه الأحاديث وإجماعهم على صواب الاعتقاد بالمهدي المنتظر، وعلى الرغم من إجماع الأمة الإسلامية على اختلاف مذاهبها بصواب الاعتقاد بالمهدي، واعتقادها الفعلي فيه.
السبب الحقيقي الذي يدفع المتشككين للتشكيك بالمهدي المنتظر وبالأحاديث الواردة فيه
الأسباب التي يوردها المتشككون للشك بالمهدي المنتظر وبالأحاديث الواردة فيه والتي سقناها وردينا عليها في البحث السابق هي أسباب ظاهرية يلج من خلالها المتشككون إلى دائرة الحوار طمعاً بهز اعتقاد ألأمة، وتشكيكها بالواضحات المسلمات.
أما السبب الحقيقي الذي يدفع المتشككين للتشكيك فهو كراهيتهم المطلقة لولاية آل محمد، ولقيادة أهل بيت النبوة!! وولاؤهم المطلق للواقع التاريخي والخلافة التاريخية. لأن المتشككين قد أشربوا في قلوبهم الثقافة التاريخية التي فرضت أصلاً بسطوة الدولة التاريخية ونفوذها وأحوالها، ثم تحولت إلى برامج تربوية وتعليمية ثابتة يتناقلها المسلمون جيلاً بعد جيل، فاستقرت بحكم العادة والتكرار، وصار الناس يعتقدون بصوابها، ثم تمادى هذا الاعتقاد، فألقى بروعهم أنها جزء لا يتجزأ من الدين، بل هي الجانب السياسي من الدين فتصبروا بها وحرصوا عليها حرصهم على الإسلام الذي اختلط عملياً هذا الاعتقاد فيه.
هذه الثقافة التاريخية التي تحولت إلى قناعة دينية، قائمة أصلاً وأولاً وآخراً على استبعاد أهل بيت النبوة استبعاداً كاملاً عن مركز قيادة الأمة، وتسليم هذه القيادة للبطل الغالب الذي يجبر الأمة على الاستسلام له، والانقياد لطاعته، وهذه الثقافة أيضاً قائمة على التقليل من أهمية أهل بيت النبوة، واعتبارهم في أحسن الظروف مجرد أفراد من مجتمع أكثر أفراده صحابة، وإن وجدت أهمية لأهل البيت فهي مقصورة على المباركة وعلى شهادة الخليفة الغالب، ومن قبيل الدعاية له. فمثلاً عندما يبدأ الخليفة الثاني بآل محمد بالعطاء، فهذا لا يعني أن آل محمد خير منه حتى يقدمهم عليه بالعطاء، ولو أنه عنى ذلك لقدمهم عليه بالخلافة، ولكن تقديمه لهم عليه بالعطاء، يرمز لعدله، وعظمته وليس لمكانة آل محمد، فالرجل من العدل بحيث أنه يقدم آل محمد عليه مع أنه الخليفة وأمير المؤمنين، وعلى هذا قس كل مظاهر تقديم آل محمد.
ثم إن الأمة قد أجمعت طوال تاريخها الطويل على استبعاد أهل بيت النبوة عن القيادة، فعندما يأتي المهدي وهو ابن محمد وعميد أهل بيت النبوة، وتنقاد له الأمة وينقاد له العالم كله، فإن في ذلك نقض لإجماع الأكثرية الساحقة رغبة أو رهبة على استبعاد آل محمد عن قيادة الأمة!! ثم إن في ذلك تعييب على الصحابة الكرام وخاصة الخلفاء الثلاثة الأُول لأنه وفق هذه الثقافة صارت لهم مكانة عملية في قلوب العامة أعظم من مكانة النبيين!! فمن الجائز أن يخطىء الرسول (حاشاه) حسب مقاييس العامة لأنه بشر، ولكن من غير المعقول أن يخطيء الخليفة الأول أو الثاني لأنهما خليفتا رسول رب العالمين!!! وكثيراً ما روى البخاري ومسلم أحاديث تعطي لعمر دور البطولة حتى على رسول الله نفسه!! فتراه يأمر النبي، وينهاه، أو يعتبر ما رضي به النبي (دنَّية) في الدين كما حدث بصلح الحديبية!! وتحولت كل هذه الأمور وأمثالها مع الأيام إلى دين حقيقي يقرأ مع الدين الإسلامي.
فإذا جاء المهدي ـ حسب اعتقاد المتشككين، فإنه سينشر قضية أهل بيت النبوة على مستوى العالم كله، ويفضح فصول الظلم التي لحقت بهم، ومن خلال عدله سيطاع العالم على منهاج أهل بيت النبوة بالحكم، وسيبهر العالم، بما يفعله ويقوله، وفي ذلك إدانة للخلافة التاريخية وإلثقافة التاريخية، وتطال الأدانة المتشككين أنفسهم.
ومن جهة أخري فإن المتشککين وإلأکثرية الساحقة من العامة مسکونة نفسياً بالرعب، وبالخوف من قطع العطاء فهي تتصور أن السيف الأموي ما زال مصلتاً فوق الأعناق، وإن الرعب الأموي ما زال ماثلاً، هذه هي حالة اللاشعور التي يحيونها في الحقيقة والواقع، ويتصرفون على هداها، وتنعکس على کافة أقوالهم وإفعالهم. هذه هي الدوافع وإلأسباب الحقيقية الکامنة وراء تشکيک المتشککين بالاعتقاد بالمهدي المنتظر وبالأحاديث النبوية الواردة فيه، وما الأسباب الظاهرة التي أعلنوها إلا غطاء مكشوفاً للدوافع والأسباب الحقيقية التي وضحناها.
الباب الثالث: البني الشرعية الأساسية لنظرية المهدي المنتظر في الإسلام
الفصل الأول: حتمية ظهور المهدي المنتظر
عند أهل بيت النبوة وأوليائهم (الشيعة)
أجمع أهل بيت النبوة وآل محمد وهم المصدر الموثوق لعلمي النبوة والكتاب على أنهم قد سمعوا ووعوا رسول الله وهو يتحدث ويؤكد وبكل وسائل التأكيد، ويبين وبكل طرق البيان حتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد ركز على هذه الحتمية تركيزاً خاصاً، وأعطاها عناية خاصة، وأجمعوا أيضاً على صحة وتواتر هذه الأحاديث عندهم، وأنها قد آلت إليهم من النبي كابراً عن كابر، وتناقلتها أجيالهم المباركة جيلاً بعد جيل. وأهل بيت النبوة يعتبرون الإمام المهدي العظيم، أو الإمام أو العميد الثاني عشر من عمدائهم، أن عظمائهم أو أئمتهم، وأن ظهوره ترتيب وقدر إلهي محتوم ولا مفر من حدوثه.
وتبعاً لإجماع أهل بيت النبوة وآل محمد أجمع موالوهم الذين يعتقدون بحقهم برئاسة الأمة (شيعتهم) على صحة وتواتر الأحاديث والروايات التي تتحدث عن حتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر والتي رويت لهم عن طريق أئمة أهل بيت النبوة وتناقلوها جيلاً عن جيل كما هي، واعتبروها من الكنوز والنفائس النادرة، التي تسموا بطبيعتها عن التعديل والتبديل والتحريف، فأورثها السلف للخلف كما أخذها، وأبعد من ذلك فإن شيعة أهل بيت النبوة، الذين تخرجوا من مدرسة الأئمة الأطهار ونهلوا منهم العلوم الإسلامية اعتبروا الإمام المهدي ثاني عشر الأئمة الذين أهلهم الله وأعدّهم لقيادة الأمة، وأمر رسوله بأن يعلن أسماءهم مع الأمر الإلهي بتأميرهم وإمامتهم، وأن رسول الله قد بلغ ما أوحى إليه من ربه، فأعلن الأمر الإلهي بإمارتهم، وسماهم بأسمائهم، وتسعة منهم يومذاك لم يولدوا بعد، وحدد زمن إمامة كل واحد منهم، وأمر المسلمين أن يسمعوا لهم ويطيعوا واعتبر القرآن هو الثقل الأكبر، وأئمة أهل بيت النبوة هم الثقل الأصغر، فإن لم يكن الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة هم الثقل الأصغر الذي عناه رسول الله، فمن عساه أن يكون!! ولكن المسلمين لم يسمعوا ولم يطيعوا، لأنهم غُلبوا على أمرهم، فعرفوا الحق بقلوبهم، ولم تَقْوَ ألسنتهم وأيديهم على تغيير النقيض المفروض بالقوة والتغلب.
وما يعنينا أن شيعة أهل بيت النبوة المخلصين الذين تتلمذوا على يد الأئمة الأعلام وقالوا برئاستهم، يعتبرون الأمام المهدي المنتظر هو الإمام الثاني عشر من الأئمة الذين أختارهم الله، وسماهم الرسول بأسمائهم وحدد زمن إمامة كل واحد منهم، وهم موقنون أن الإمام المهدي موجود الآن بالفعل وسيظهر حتماً باللحظة التي أمره بها الله، ووقت ظهوره كالساعة علمه عند الله وحده، وهم يعتبرون هذا الاعتقاد جزءاً لا يتجزأ من عقيدتهم الدينية الإسلامية، والسمة البارزة المميزة لمذهبهم من دون المذاهب، فمن لا يعتقد بذلك فليس منهم.
ب ـ عند الخلفاء التاريخيين وأوليائهم (أهل السنة)
روى العلماء الأعلام من أولياء الخلافة التاريخية أحاديث الرسول التي تتحدث عن حتمية ظهور الإمام المهدي بنفس المنهاج والطريقة التي رووا فيها أحكام الإسلام التي بين أيديهم من صلاة وصيام وحج وزكاة وغيرها من الأمور الدينية، وقد وزنوا تلك الأحاديث بنفس الموازين التي وزنوا بها الأحاديث النبوية المروية عن رسول الله والتي تتعلق بأصول الدين وأحكامه الأساسية، وأكدوا صحة وتواتر الأحاديث المتعلقة بحتمية ظهور المهدي المنتظر عندهم، وقد وثقنا ذلك في الباب السابق، ثم جزموا بأن هذه الأحاديث قد صدرت عن رسول الله بالفعل وأنها جزء لا يتجزء من الهدي النبوي والبيان النبوي، ومن المحال عقلاً أن يتحدث الرسول عن أمور غيبية، وحوادث لم تقع بعلمه أو اجتهاده الشخصي (محمد البشر) ولا بد أن تكون هذه الأحاديث من الوحي الإلهي وقد كرر الله تعالى بلسان النبي القول: (إن أتّبعُ إلَّا ما يوحى إليَّ)، وطالما أنها وحي فهي جزء لا يتجزأ من دين الإسلام ومضامينه مفاهيه ومعارفه، شأنها شأن غيرها من الأمور الدينية من صلاة وصوم وزكاة... هذه هي النتيجة التي توصلت إليها الأكثرية الساحقة من أهل السنة، فهم موقنون بحتمية ظهور المهدي المنتظر، وهم لا يرون ما يوجب الشك بحتمية هذا الظهور لأن هذه المعلومة وصلتهم بنفس الدقة والمعايير والموازين التي وصلت فيها أحكام الدين.
إجماع الأمة الإسلامية على حتمية ظهور المهدي
الأمة الإسلامية بعد وفاة النبي تكونت عملياً من فرقتين: أولهما أهل بيت النبوة والقلة المؤمنة التي والتهم قناعة وتعبداً وهم (الشيعة) الحقيقية، والفرقة الاخرة تتكون من الخلفاء ومن الأكثرية الساحقة التي والتهم طمعاً بما في أيديهم، أو خوفاً من بطشهم أو رغبة أو رهبة ويُعرفون (بأهل السنة) هذه هي الأمة مجتمعة وقد لاحظت من السياق السابق بأن أهل بيت النبوة ومن والاهم وهم الفرقة الأولى موقنين بحتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر ويعدون هذا اليقين جزءاً من الدين.
أما الفرقة الثانية وهم أهل السنّة فقد توصلوا لذات النتيجة، وتيقنوا دينياً من حتمية ظهور المهدي المنتظر.
وهكذا نكون أمام إجماع شامل للأمة بمختلف توجهاتها على حتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر. وحتى الذين لم يرق لهم بأن يكون المهدي من أهل بيت النبوة، قالوا بحتمية ظهور المهدي، واعتبروا عيسى ابن مريم هو المهدي المنتظر، مستندين على خبر ورد من مجهول يمني لم ير رسول الله ولم ير أصحابة. وهذا يعني أن الاعتقاد عند المسلمين بحتمية ظهور المهدي عقيدة دينية، وقناعة عامة وراسخة في القلوب.
نماذج من الأحاديث النبوية التي رواها علماء أهل السنة والتي تؤكد حتمية ظهور المهدي
1 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تنقضي الأيام ولا يذهب الدهر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي)... [راجع مسند أحمد ج 1 ص 376 ـ 377 و430 و488، وسنن أبي داود ج 4 ص 107 ح 4282، والبزار ج 1 ص 281 على ما في هامش الطبراني وصحيح الترمذي ج 4 ص 505 ح 2230، الطبراني الكبير ج 20 ص 164 ـ 165، وحلية الأولياء، وكنز العمال ج 14 ص 263، ومعجم الإمام المهدي ج 1 ص 116، وتجد فيه هذه المراجع والعشرات من مراجع هذا الحديث أيضاً].
2 ـ قال رسول الله: (لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً). [راجع ابن أبي شيبة ج 15 ص 198 ح 19494، وأبو داود ج 4 ص 107 ح 4283، والبزار ج 1 ص 104، وتذكرة الخواص ص 364، وعقد الدرر ص 18، وبيان الشافعي ص 482، ومقدمة ابن خلدون ص 248، وفتن ابن كثير ج 1 ص 37، والجامع الصغير ج 2 ص 438، وكنز العمال ج 14 ص 267، والصواعق المحرقة ص 163، ومعجم أحاديث الإمام المهدي حيث تجد هذه المراجع وعشرات المراجع إلى جانبها].
3 ـ قال رسول الله: (لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيتي...). [راجع ابن حبان ج 7 ص 576 ح 5922، والطبراني في الكبير ج 10 ص 161 وص 163 و164، والطبراني في الصغير ج 2 ص 148، وحلية الأولياء ج 5 ص 75، وعقد الدرر ص 18، والحاوي للسيوطي ج 2 ص 59، والصواعق المحرقة لابن حجر ص 163 نقلاً عن أحمد بن حنبل وأبي داود والترمذي، وراجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 123 وما فوق تجد الكثير من المراجع].
4 ـ قال رسول الله: (المهدي حق وهو من ولد فاطمة). [راجع تاريخ البخاري ج 3 ص 46، وصحيح مسلم على ما في إسعاف الراغبين، وأبو داود ج 4 ص 107 ح 107 ح 4284، وابن ماجة ج 2 ص 1368، والنسائي على ما في إسعاف الراغبين، وجامع الأصول ج 11 ص 49، وعقد الدرر ص 15، ومشكاة المصابيح ج 3 ص 24، والجامع الصغير ج 2 ص 672 والدر المنثور ج 6 ص 449، وصواعق ابن حجر ص 163، وقال: ومن ذلك ما أخرجه أبو داود وابن ماجة، ومسلم، النسائي، البيهقي واخرون، راجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 137 ـ 145 تجد أكثر من ستين مرجعاً].
5 ـ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (فلو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يأتيهم رجل من أهل بيتي، تكون الملائكة بين يديه، ويُظهر الإسلام). [راجع صحيح الترمذي على ما في تحفة الأشراف والديلمي على ما في كنز العمال، وتذكرة القرطبي ص 700، وتحفة الأشراف ج 9 ص 428، وكنز العمال ج 14 ص 269، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ص 156 ـ 157 ج 1].
6 ـ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من أهل بيتي فيضربهم حتى يرجعوا إلى الحق)... [أبو يعلى ج 12 ص 19 ح 6665، مجمع الزوائد ج 7 ص 15، مقدمة ابن خلدون ص 254، والحاوي للسيوطي 2 ص 62 ـ، راجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 261].
7 ـ قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا على لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من عترتك يقال له المهدي يهدي إلى الله عز وجل ويهتدي به العرب). [منتخب الأثر للرازي ص 189، ض 2 ب 5 ج 2، وإثبات الهداة ج 2 ص 574، ودلائل الإمامة ص 250، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 165].
8 ـ قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي...). [راجع ابن أبي شيبة ج 15 ص 198، والكنى والأسماء ج 1 ص 107، والطبراني الكبير ج 10 ص 163، والدار قطني، والحاكم ج 4 ص 442، ومعجم أحاديث المهدي ج 1 ص 168 ـ 169].
تحليل موجز للاحاديث التي رواها علماء أهل السنة الأعلام حول حتمية ظهور المهدي
إن أي إنسان ـ مهما كانت ثقافته ـ يقرأ الأحاديث التي رواها علماء أهل السنة الأعلام حول حتمية ظهور المهدي يكتشف ويحس إحساساً عميقاً بجزم النبي وتأكيده على حتمية ظهور المهدي، ويبدو هذا جلياً بالنماذج التي سقناها من 1 ـ 8 فالنبي يؤكد بمناسبات متعددة وبصيغ مختلفة: (بأن الأيام لن تنقضي ولن يذهب الدهر... وأن الساعة لن تقوم،... وأن الدنيا لن تذهب... حتى يبعث المهدي وهذه الصيغ الثلاث التي تؤكد بعضها، وتفسر بعضها، وتفصح عن أعلى درجات البيان ومراتب التأكيد تصب مجتمعة ومنفردة في خانة حتمية الظهور، وزيادة في التأكيد والبيان، وإقامة للحجة الدامغة، وترسيخاً للمعنى في القلوب يؤكد النبي، بأنه: (لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة... أو من الدهر إلا يوم... أو لم يبق من الدنيا إلا يوم... لبعث الله المهدي في تلک الليلة! ولملك المهدي تلك الليلة ولطوّل الله ذلك اليوم حتى يظهر المهدي ويملك). ارجع للنماذج الثمانية الآنفة وأعد قراءتها...
أهل السنة يعتقدون أن النبي ليس معصوماً في كل شيء، ويقولون أنه يتحدث في الغضب والرضى، فلا ينبغي أن يحمل كل كلامه على محمل الجد وينسبون إلى النبي القول: (أنتم أعلم بشؤون دنياكم)، وينسبون إليه أمورا كثيرة، وقد وثقنا كل ذلك في كتابنا (المواجهة) والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: (طالما أن الأمة بشقّيها مجتمعة قد أجمعت وجزمت، بأن الأحاديث النبوية التي تحدثت عن حتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر قد صدرت حتماً من رسول الله، فهل يعقل أن تكون: (اجتهاداً منه) أو تحليلاً شخصياً منه صلى الله عليه وآله وسلم ، أو أنها وحي إلهي!!!؟ (ويلكم لا تَفتروا على الله كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بعذاب...) (سورة طه، اية 62). كان رسول الله قبل أن يؤتى شرف النبوة يعرف بين قومه بالصادق، والصادق هو الذي لا يكذب، أفحين شرّفه الله بالنبوة، وأمره أن يتبع ما يوحى إليه (يجتهد) في ما لا علم له به، أو يحلل تحليلات شخصية تحتمل الصدق والكذب!!! ثم ما هي حاجته للاجتهادات والتحليلات الشخصية وعنده الوحي!!! ثم كيف يجتهد ويحلل ويضن الصواب في حوادث تقع بعد عشرات القرون!!! أن رسول الله أجل وأرفع وأعظم مما يصفون، وما ردنا على تحديهم الآثم إلا حشراً لهم، وإقامة للحجة العقلية عليهم كأنهم لم يقرأوا كتاب الله (ولو تقول علينا بعض الاقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين) (سورة الحاقة، الآيات: 44 ـ 45 ـ 46) ويبقى المعقول والمنطقي الوحيد المنسجم مع صدق النبي وقربه من الله أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد تلقى معلومة حتمية ظهور المهدي المنتظر بالوحي من الله تعالى، مع الأمر بالتبشير به وإعلان هذه الحقيقة الغيبية القادمة لا محالة.
الفصل الثاني: المهدي المنتظر من آل محمد ومن عترته أهل بيته وبالتحديد من ولده
كون المهدي المنتظر من عتره النبي أهل بيته الطاهرين حقيقة مطلقة من الحقائق الدينية المحدودة جداً التي أجمعت عليها الأمة بشقيها: (أهل بيت النبوة وشيعتهم والخلفاء التاريخيون وشيعتهم أهل السنة) فالكل متفق على أن المهدي المنتظر من صلب علي بن أبي طالب، ومن أحفاد فاطمة بنت النبي، وأنه من ذرية النبي وحفيده، وقد تواترت صحة الأحاديث النبوية عند الجميع، والتي بينت للمسلمين أن الله قد جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة، وجعل ذرية خاتم الأنبياء محمد من صلب على ابن عمه ونسل اينته البتول فاطمة، والمسلمون يرسلون هذه المعلومة إرسال المسلمات، فطالما ردد الرسول أمام قدامى المسلمين والطلقاء معاً هذا ابني الحسن، أو هذا ابني الحسين، أو هذان ابناي ولا خلاف بين اثنين من المسلمين، بما فيهم الخلفاء الثلاثة الأول، معاوية وبنو أمية، بنو العباس وشيعهم بأن علياً وفاطمة والحسن والحسين هم آل محمد، وهم أهل بيته، أو على الأقل هم من الآل والأهل!!
1 ـ وأهل بيت النبوة مجمعون على أن الإمام المهدي المنتظر هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة الذين اختارهم الله تعالى لقيادة الأمة طوال عصر ما بعد النبوة، ولكن ظروفاً قاهرة قد حالت بينهم وبين ممارسة حقهم بقيادة الأمة، فكان كل واحد منهم هو الإمام الشرعي للأمة المختار من الله سبحانه وتعالى والمعلن عن إمامته من رسول الله، ولكن الخليفة المتغلب في زمن كل إمام حال بينه وبين ممارسة حقه الشرعي، بإمامة الأمة وقيادتها ومرجعها، وكل إمام من الأئمة الإحدى عشر قد تبعته الفئة القليلة المؤمنة وسلمت بإمامته، ولكنها كانت فئة مستضعفة، وغير قادرة على مواجهة الأكثرية الساحقة التي وقفت مع الخليفة المتغلب طمعاً بما في يده من المال والجاه والنفوذ والسلطة.
واقتضيت حكمة الله تعالى أن يكون الثاني عشر: (المهدي المنتظر نمط، حياة ومنهج مختلف عن نمط ومنهج الأئمة الإحدى عشر الذين سبقوه).
فكل واحد من الأئمة الأحدى عشر السابقين كان معروفاً، للخاصة والعامة من المسلمين، وكان مشهوراً بينهم، تعرفه العرب ويعرفه العجم، ويعرفه المحل والمحرم معاً، ولا يخفى واقعه وأمله على أحد من الخاصة والعامة، فكل واحد من الخلفاء الثلاثة الأول كان يعلم علم اليقين بأن علياً بن أبي طالب أول الأئمة الشرعيين كان: (يطمع بالخلافة)، ويعتفد أنه أولى بها من الخلفاء الثلاثة الأُول، وكان يشارك الخلفاء الثلاثة بهذا العلم اليقيني، خاصة القوم وعامتهم، قدامى المسلمين وطلقاؤهم وأحداثهم. ولما مات الإمام علي، وآلت الإمامة إلى الإمام الحسن كان الخليفة المتغلب وكافة أفراد رعيته يعلمون علم اليفين بآمال الحسن وواقعه، وهكذا كانت الأحوال مع الحسين، وعلى بن الحسين ومحمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسى الكاظم، وعلى الرضا، وفي عهد الإمام على الرضا قرر الخليفة المتغلب المامون أن يعترف وبالحق الشرعي وأن يتنازل بمحض اختياره للإمام الشرعي المعاصر له وهو الرضا، وتلك حالة فريدة في التاريخ الإسلامي ولم تتكرر، وتعاقب ظهور الأئمة حتى بلغوا إحدى عشر إماماً، وكان الناس في زمن كل واحد منهم يعلمون أن هذا الرجل الإمام من أهل بيت النبوة، وأنه من ذرية النبي، وكانوا يعلمون أنه على الأقل (يدعى) الإمامة، والخلافة الشرعية عن النبي.
وكان الخليفة المعاصر لأي واحد من الأئمة الأحدى عشر يعلم علم اليقين بأن هذا الإمام: (أو مدعي الإمامية) طامع بالخلافة، ومعتقد أنه أولى بها من الخليفة المتغلب، لذلک کان کل خليفة متغلب يتوجس خيفة من الإمام الشرعي المعاصر له، فيضيق عليه، ويحط من قدره، ويتصنع عدم الاکتراث به، وکثيراً ما کانت تملک الوساوس والمخاوف الخليفة المتغلب، ولا يطيق إمام زمانه، فيتآمر مع حاشيته ويقتلون خفية أو بالسم إمام الزمان.
أما الإمام الثاني عشر وهو الإمام المهدي: (محمد بن الحسن) فقد اختلف أمره ونهجه وإسلوبه ونمط حياته، عن الأئمة الأحد عشر السابقين، فقبل ولادته بفترة انتشرت شائعات على نطاق واسع مفادها أن ملک بني العباس سيزول علي يد رجل من آل محمد يقال له المهدي، لذلک کانت کلمة المهدي أشد خطراً وثقلا ًعلى أسماع الدولة العباسية وأرکانها من کلمات الکفر، والإلحاد، والشيطنة فجندت الدولة مخابراتها وأجهزتها السرية للتحري والبحث عن هذا المهدي، هذه الحملة اضطرت الإمام الوالد الحسن العسکري أن يخفي نبأ ولادة ابنه، وأن لا يذکر اسم المولود ألا للخلص من أتباعه، حيث أفضى لهم باسم ابنه، وأنه الإمام من بعده الوارث لعلمي النبوة والکتاب، وانتقل الإمام الحادي عشر إلى جوار ربه وآلت الإمامة إلى الصبي محمد بن الحسن: (المهدي المنتظر) وکان عمره خمس سنين، وعرفت الدولة العباسية وکافة أرکانها بأن الإمام الحادي عشر الحسن العسکري قد مات، وأن عمادة أهل بيت النبوة قد آلت إلي ابنه الصبي: (محمد بن الحسن المهدي المنتظر) بدليل أن أرکان الدولة العباسية ورجالات بني هاشم قد حضروا الإعداد لجنازة الإمام الحادي عشر، ولم يتقدم أحد منهم لإمامة الناس بصلاة الجنازة إنما تقدم الإمام الصبي، وإمّ الجميع دون اعتراض من أحد وسط دهشة الجميع، وتسليمهم بإن هذا الصبي هو عميد وسيد أهل بيت النبوة والقائم مقام أبيه السيد الذي انتقل إلي جوار ربه. بعد انتهاء مراسم العزاء اختفى الإمام الصبي عن الأنظار تماماً، ولم يعد يراه أحد، وکان يعرف أمور أولياء أهل بيت النبوة، ويتصرف بالأموال التي تجبى إليه بواسطة أربعة سفراء أجمع أهل بيت النبوة وشيعتهم المخلصة علي صحة سفارتهم.
وتسمي هذه الغيبة بالغيبة الصغرى، وبعد موت آخر السفراء بدأت الغيبة الکبرى، وجاء في عدة أخبار أنه يحضر المواسم سنوياً فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه، وأنه بوقت يطول أو يقصر سيظهر حتماً لإنجاز المهمة التاريخية التي أناط الله به إنجازها.
2 ـ أما الخلفاء التاريخيون وشيعتهم أهل السنة فيقرون أن الأئمة الأحد عشر هم الذين تعاقبوا علي عمادة أهل بيت النبوة طوال التاريخ، وکل واحد منهم في زمانه کان عميد أهل البيت، وشيخ آل محمد في زمانه، وأنه لم يجرؤ أحد على الادعاء بأنه عميد أهل بيت النبوة، أو شيخ آل محمد في زمن أي واحد من الأحد عشر، وهم يقرون أيضاً ويجمعون علي أن الرسول قد بين بأن الخلفاء أو الأمراء أو النقباء من بعده اثني عشر!! ولکنهم لا يعترفون بأن الرسول قد عني أو قصد بالاثني عشر أئمة أو عمداء أو شيوخ آل محمد بل عني وقصد الخلفاء المتغلبين على الخلافة، والذين مارسوا سلطات الخلافة ومهامها ممارسة فعلية، وهم متفقون على أربعة وهم الخلفاء الأربعة الأُول، أما الثمانية الآخرون فهنالک آراء شخصية واجتهادات لا حصر لها ولا سند لها لا من عقل ولا من دين ولا من منطق، ومن المستبعد جداً على المدى المنظور على الأقل أن تقر شيعة الخلفاء بأن الأثني عشر الذين عناهم رسول الله وقصدهم هم عمداء أهل بيت النبوة، لأنهم لو فعلوا ذلک لانهار التاريخ السياسي الإسلامي بعد وفاة النبي علي صانعيه، ولسحبوا بساط الشرعية عن التاريخ السياسي لدولة الخلافة ولأدانوا أنفسهم دون حاجة لقضاء يعلن الأدانة، والإنسان بطبيعته يفر من الأدانة ولا يتقبلها راضياً!!
ولکن شيعة الخلفاء: (أهل السنة) يقرون أن الاثني عشر أولهم علي وآخرهم محمد بن الحسن المهدي، هم عمداء أهل بيت النبوة أو شيوخ أو وجهاء آل محمد کل واحد منهم في زمانه.
وأبعد من ذلک فهم يقرون بولادة الأمام محمد بن الحسن، وبعضهم يصرح بأنه المهدي المنتظر بالفعل. قال ابن الأثير الجرزي في كتابه الکامل في التاريخ ج 7 ص 274 آخر حوادث سنة 260 وفيها: (توفي محمد العلوي العسکري وهو أحد الأئمة الاثني عشر علي مذهب الإمامية، وهو والد محمد الذي يعتقدونه المهدي).
قال ابن خلكان في وفيات الأعيان ج 4 ص 176 / 562: (أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد المذكور قبله ثاني عشر الأئمة الاثنى عشر على اعتقاد الإمامية المعروف بالحجة، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ثم نقل عن المؤرخ الرحالة ابن الأزرقي أنه قال في تاريخ ميافارقين أن الحجة المذكور ولد بتاريخ.
قال الذهبي في كتابه العبر وفيها: (أي سنة 256 ولد محمد بن الحسن بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني الذي تلقبه الرافضة الخلف الحجة، وتلقبه بالمهدي، والمنتظر وتلقبه بصاحب الزمان وهو خاتم الاثنى عشر. [راجع العبر في خبر من غبر للذهبي) ج 3 ص 21].
وقال الذهبي في تاريخ دول الإسلام ج 5 حوادث ووفيات 251 ـ 260 ص 113 ـ 159 عن الإمام الحسن العسكري: (وهو والد منتظر الرافضة، توفي إلى رضوان الله في سامراء ودفن إلى جانب والده، وأما ابنه محمد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجة)...
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 13 ص 119 الترجمة رقم 60 (المنتظر الشريف محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين الشهيد بن الإمام علي بن أبي طالب الحسيني خاتمه الاثنى عشر سيداً).
قال خير الدين الزركلي في كتابه الأعلام ج 6 ص 80 في ترجمة الإمام المهدي المنتظر: (محمد بن الحسن العسكري الخالص بن علي الهادي أبو القاسم آخر الأئمة الاثنى عشر عند الإمامية ولد في...).
وأشار علماء الأنساب من أهل السنة إلى ولادة المهدي منهم أبو نصير البخاري في سر السلسلة العلوية ص 39 وهو من إعلام القرن الرابع الهجري والعرى النسابة المشهور وهو من أعلام القرن الخامس: (المجدي في أنساب الطالبيين ص 130، والفخر الرازي الشافعي قال في كتابه: (الشجرة المباركة في أنساب الطالبية ص 78 ـ 79)، وأما الحسن العسكري فله ابنان وبنتان أما الابنان فأحدهما صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف... وقال ابن عنبه في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: (الإمام أبو محمد الحسن العسكري، وكان من الزهد والعلم على أمر عظيم وهو والد الإمام محمد المهدي صلوات الله عليه ثاني عشر الأئمة عند الإمامية، وهو القائم المنتظر عندهم) ص 199 من عمدة الطالب. وقال في الفصول الفخرية ص 134 ـ 135 عن الإمام الحسن العسكري وهو الحادي عشر من الأئمة الاثنى عشر وهو والد محمد المهدي ثاني عشرهم، وإلى هذا المعنى أشار الصنعاني في كتابه: (روضة الألباب لمعرفة الأنساب ص 105، والسويدي في كتابه سبائك الذهب. [راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي إصدار مركز الرسالة ص 119 ـ 120].
والخلاصة أن شيعة الخلفاء التاريخيين (أهل السنة) موقنون بأن المهدي المنتظر من آل محمد ومن عترته أهل بيته، وبالتحديد من ذرية النبي ومن نسل فاطمة ابنته، ومن صلب علي بن أبي طالب، وقد تولد هذا اليقين عندهم لصحة وتواتر الأحاديث النبوية الناطقة به، وقد توصلوا بالمنطق إلى أن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة هو الإمام المهدي بالضرورة، وصرح بعضهم بذلك، ولولا خشيتهم من انهيار قناعاتهم التاريخية، ومن أن يسحب بساط الشرعية من تحت أساسات دولة الخلافة التاريخية، وأعلن بعضهم علناً بأن الإمام المهدي المنتظر هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة وهو محمد بن الحسن، ومنهم محي الدين بن العربي المتوفى 638 كما ذكر ذلك في الفتوحات المكية. [راجع اليواقيت والجواهر للشعراني ج 2 ص 143، ومحمد بن طلحة الشافعي في كتابه مطالب السؤول ج 2 ص 79 باب 12، وابن الجوزي الحنبلي في تذكرة الخواص ص 363، والكنجي الشافعي في البيان في أخبار صاحب الزمان ص 521 باب 25، وابن الصباغ المالكي في كتاب الفصول المهمة ص 287 ـ 300، والفضل بن روزبهان في كتابه (إبطال الباطل). [راجع دلائل الصدق للمظفر ج 2 ص 574 ـ 575، ومحمد بن طولون الحنفي مؤرخ دمشق في كتابه الأئمة الاثنى عشر ص 117، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة ج 3 ص 114 آخر الباب 79].
نماذج من الأحاديث النبوية الدالة على أن المهدي المنتظر من ذرية النبي، ومن نسل فاطمة وصلب علي بن أبي طالب
1 ـ قال رسول الله بعد أن تحدث عن الفتن من بعده: (... ثم تكون فتنة كلما قيل انقضت تمادت، حتى لا يبقى بيت إلا دخلته، ولا مسلم إلا حكته حتى يخرج رجل من عترتي). [راجع ابن حماد ص 10، وأحمد بن حنبل ج 2 ص 133، وأبو داود، وحلية الأولياء ج 5 ص 158، وكنز العمال ج 14 ص 269. وراجع بقية المراجع في معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 81 ـ 83].
2 ـ تحدث الرسول عن بلاء يصيب الأمة حتى لا يجد الرجل ملجا يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطاً، كما ملئتم ظلماً وجوراً... [راجع عبد الرزاق ج 11 ص 371، وابن حماد ص 99، والترمذي على في الدر المنثور، والطبراني على الصواعق المحرقة والحاكم ج 4 ص 465، وتذكرة القرطبي ص 700، وتذكرة الحفاظ ج 3 ص 838، والحاوي للسيوطي ج 2 ص 65، والدر المنثور ج 6 ص 58، وانظر بقية المراجع في (معجم أحاديث المهدي ج 1 ص 83 ـ 86].
3 ـ قوله صلى الله عليه وآله وسلم: يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان... [راجع ابن حماد ص 10 ابن أبي شيبة ج 15 ص 196 ح 19485، وأحمد بن حنبل ج 3 ص 80، والبداية والنهاية ج 6 ص 247، ومجمع الزوائد ج 7 ص 314، والدر المنثور ج 6 ص 58، انظر بقية المراجع في معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 97 ـ 98].
4 ـ قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (... ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي)... [راجع أحمد بن حنبل ح 3 ص 36، وابن خزيمة، وابن حبان ج 8 ص 290 ـ 291، والحاكم ج 4 ص 557، ومقدمة ابن خلدون ص 250 فقرة 53 عن الحاكم، وتجد بقية المراجع في معجم (أحاديث الإمام المهدي) ج 1 ص 104 ـ 105].
5 ـ ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي)... [راجع البزار ج 1 ص 281، وابن حنبل ج 1 ص 376، والترمذي ج 4 ص 505 حديث 2231، والبدء والتاريخ ج 2 ص 180، والطبراني في الكبير ج 1 ص 165، راجع بقية المراجع في ج 1 ص 106 ـ 108 من معجم (أحاديث الإمام المهدي)].
6 ـ ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي). [راجع أبو يعلى ج 2 ص 367، وابن حبان ج 8 ص 291، ومجمع الزوائد ج 7 ص 314، والدر المنثور ج 6 ص 57، وكنز العمال ج 14 ص 270 ح 38690، راجع بقية المراجع في معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 108 ـ 109].
7 ـ ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي)... [راجع تذكرة الخواص ص 363، وعقد الدرر ص 32، ومنهاج السنة لابن تيمية ج 4 ص 211، بقية المراجع في معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 113 ـ 114].
8 ـ ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن المهدي من عترتي من أهل بيتي.. [راجع إثبات الهداة ج 3 ص 502، والبحار ج 51 ص 74، ومنتخب الأثر ص 169، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 14].
9 ـ وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي رجل من ولدي وجهه كالقمر الدري)... [راجع أحمد بن حنبل على ما في ينابيع المودة، وابن ماجة على ما في غاية المرام، والطبراني على ما في بيان الشافعي، راجع معجم أحاديث الأمام المهدي ج 1 ص 130 ـ 134 تجد عشرات المراجع لهذا الحديث].
10 ـ ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي حق وهو من ولد فاطمة). [راجع ابن شيبة علي ما في سنن ابن ماجة، وتاريخ البخاري ج 3 ص 346، وصحيح مسلم على ما في إسعاف الراغبين، أبو داود ج 4 ص 107 ح 4284، وابن ماجه ج 2 ص 1368 ب 34 ح 4086، والطبراني في الكبير ج 23 ص 267، وميزان الاعتدال ج 2 ص 87، وراجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 136 ـ 139 تجد أكثر من أربعين مرجعاً]!
11 ـ ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي) فقام سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله: من أي ولدك؟ قال النبي: (من ولدي هذا وضرب بيده على الحسين). [راجع الطبراني في الأوسط، وأربعون أبي نعيم، وعقد الدرر ص 24، وذخائر العقبى للطبراني ص 136 ـ 137، وراجع معجم أحاديث المهدي المنتظر ج 1 ص 142 ـ 143].
12 ـ ومثله قوله لفاطمة: (المهدي من ولدك). [راجع مقاتل الطلبيين ج 1 ص 97، والحاكم، وتهذيب ابن عساكر ج 6 ص 26، ودخائر العقبى ج 12 ص 105، راجع بقية المراجع في المعجم ج 1 ص 143 ـ 144].
13 ـ ومثله قوله لفاطمة: (نبينا خير الأنبياء وهو أبوك وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك حمزة... ومنّا سبطا هذه الامة الحسن والحسين وهما ابناك ومنا المهدي... ومنّا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة). [راجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 145 ـ 147، وعلى سبيل المثال مناقب الخوارزمي ص 6، وبيان الشافعي ص 485، وذخائر العقبى ص 44، عن الطبراني، ومجمع الزوائد ج 9 ص 166].
وهناك العشرات من الأحاديث النبوية التي تدور حول ذات المضمون، ويمكن لمن أراد الوقوف عليها وعلى مراجعها أن يراجع: (معجم أحاديث الإمام المهدي) ج 1 ص 150 وما بعدها.
الفصل الثالث: الخلط وتمييع النصوص ومحاولات صرف هذا الشرف عن أهل البيت
عندما خص الله نبيه محمداً الهاشمي بالنبوة والرسالة جنّ جنون بطون قريش فحسدت الهاشميين شرف النبوة، فوحدت صفوفها تحت راية الشرك وعقدت العزم على صرف شرف النبوة عن بني هاشم. فتصدت للنبي وقاومته بشراسة طوال مدة ال 15 سنة التي قضاها في مكة قبل الهجرة، وتأمرت على قتله مرات متعددة، وحاصرته وبني هاشم وقاطعتهم، وبعد الهجرة جيشت الجيوش واستْعدَتْ العرب، وشنت حروبها العدوانية على النبي طوال ثماني سنوات، ولما أحيط بها، واستنفذت سهامها وتكسرت سيوفها ورماحها في حربها للنبي، استسلمت واضطرت مكرهة لإعلان إسلامها وللاعتراف بالنبوة الهاشمية.
وعندما اختار الله تعالى أهل بيت النبوة ثقلاً آخر، وقيادة، مرجعية للأمة من بعد النبي، وصدع النبي بما أوحى إليه، وأعلن الاختيار الإلهي، جن جنون بطون قريش لانها كرهت أن يجمع الهاشميون المُلك والنبوة، على حد تعبير الخليفة عمر بن الخطاب، فصممت أن تصرف شرف المُلك عن الهاشميين فوحدت صفوفها، ولكن تحت خيمة الإسلام هذه المرة وانتظرت موت النبي بفارغ الصبر لتصرف شرف الملك عن آل محمد ولتستولي بالكثرة والقوة والتغلب على الملك الذي تمخضت عنه النبوة، وعندما قعد النبي على فراش المرض، أحست البطون بأنه ميت، عندئذٍ أظهرت نواياها، وشرعت بتنفيذ مخططها الرامي إلى الاستيلاء على ملك النبوة بالكثرة والتغلب، ونقض الترتيبات الإلهية وصرف شرف الملك عن أهل البيت، فقالت البطون للنبي مواجهة: أنت تهجر، ولا حاجة لنا بكتابك، ولا بوصيتك لأن القرآن يغنينا عنك!! وقد وثقنا ذلك. ومات النبي وهو كسير الخاطر، واستولت البطون على المُلك. ومن ذلك التاريخ وشبح الجريمة يلاحقها، وصار أهل بيت النبوة هاجساً وصارت الخلافة ملكاً لمن غلب، وسخر الغالب إمكانيات دولة الخلافة ومواردها وإعلامها لقلب الحقائق، وإثبات أنه صاحب الحق الشرعي بالخلافة وآل محمد وأهل بيته ينازعونه حقه، ويسعون لتفريق الأمة وشق عصا الطاعة بطلبهم ما ليس لهم!!!!!
كان لا بد من استحضار هذه المقدمة لفهم العقلية الحاكمة التي وضعت المناهج التربوية والتعليمية، والتي منعت رواية وكتابة أحاديث الرسول قرابة مائة عام، وبعد المائة عام أذنت برواية وكتابة الأحاديث النبوية، في مناخ الدولة المعادي لأهل بيت النبوة، وتحت إشراف أو مراقبة أركان دولة الخلافة الذين تدخلوا واشتركوا بهذا العداء.
محاولات صرف شرف المهدية عن أهل البيت
لما اكتشف علماء الحديث الأعلام من أهل السنة هذا الكم الهائل من الأحاديث النبوية التي تتحدث عن حتمية ظهور المهدي المنتظر، وأن هذا المهدي من أهل بيت النبوة، ومن صلب علي بن أبي طالب، ومن ولد فاطمة بنت النبي، فوجئت دولة الخلافة، وفوجىء أركانها تماماً، وقدروا أن المهدي المنتظر الذي تتحدث الأحاديث النبوية عن دعم إلهي، مطلق له سيكشف ذات يوم كل شيء، وسيضع النقاط على الحروف، وسيطلع العالم على هول الظلم الذي لحق بالإسلام، وأهل بيت النبوة، وسيقلب التاريخ كله رأساً على عقب.
لذلك وبواسطة أوليائهم وضعوا خطة ذات أربع شعب لمواجهة سيل الأحاديث الصحيحة والمتواترة المتعلقة بالمهدي المنتظر، بعد أن قطعوا وتيقنوا بأنه من أهل بيت النبوة ومن أحفاد النبي الذين شردوهم وطاردوهم وقتلوهم تقتيلاً، عبر التاريخ وكان قصدهم من هذه الخطة:
1 ـ أن يخلطوا الحق بالباطل وتلك صناعة أتقنوها ومهروا بها.
2 ـ أن يحصنوا الرعية من تأثير هذه الأحاديث أو أن يتحكموا بتأثيرها على الرعية.
3 ـ محاولة يائسة لصرف هذا الشرف الشامخ عن أهل بيت النبوة.
1 ـ الشعبة الأولي من المخطط الادعاء بأنه لا مهدي إلا عيسى ابن مريم
بنفس الوسائل التي تستخرج فيها الأحاديث استخرجوا حديثاً يحصر (المهدي بعيسى ابن مريم)، وقد أخرج هذا الحديث ابن ماجة في سننه ج 2 ص 1340 ح 4039، وابن ماجة نفسه كان قد أخرج حديث: (المهدي حق وهو من ولد فاطمة) ج 2 ص 1368 ح 4086، والحديث الأخير صحيح ومتواتر. وحديث لا مهدي إلا عيسى هو الحديث الوحيد الذي ينفي أن يكون المهدي من أهل البيت أو من غيرهم، ويحصره حصراً بعيسى ابن مريم، وقد عالجنا وأثبتنا فساد هذا الحديث وبطلانه في الباب الثاني من هذا الكتاب.
2 ـ الشعبة الثانية من المخطط الادعاء بأن المهدي رجل من الأمة
وقد أخرجوا حديثاً جاء فيه: (يخرج رجل من أمتي يعمل بسنتي، ينزل الله له البركة من السماء، وتخرج له الأرض بركتها، يملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً)... [راجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 134 ـ 136، وهذا الحديث أيضاً هو الوحيد الذي يجعل المهدي رجلاً من الأمة]!!!
3 ـ الشعبة الثالثة من المخطط الادعاء بأن المهدي المنتظر من ولد الإمام الحسن وليس من ولد الحسين كما يجمع أهل البيت!!
روى أبو داود في سننه ج 4 ص 108 ح 4290 قول علي بن أبي طالب: (إن ابني هذا سيد كما سماه النبي، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يُشبهه في الخُلق ولا يشبهه في الخَلْق يملأ الأرض عدلاً)...
والمدهش أيضاً بأن هذا هو الحديث الوحيد الذي يجعل المهدي من ولد الإمام الحسن!!! وجاء في كتاب: (المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي) إصدار مركز الرسالة ص 62، وما فوق أن هذا الحديث باطل من سبعة وجوه:
1 ـ اختلاف النقل عن أبي داود فقد نقل الجزري الشافعي في كتابه: أَسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب ص 165 ـ 168 كلمة (الحسين) بدلاً من كلمة الحسن.
2 ـ إن سند الحديث منقطع حيث أن السبيعي لم تثبت له رواية واحدة سماعاً عن طريق على، كما صرح بذلك المنذري (مختصر سنن أبي داود للمنذري ج 6 ص 162 ح 4121.
3 ـ إن سنده مجهول: (حيث قال: (حُدثت عن هارون بن المغيرة، ولا يعلم من الذي حدثه).
4 ـ أن الحديث المذكور أخرجه أبو صالح السليلي عن الإمام موسى بن جعفر وفيه اسم الحسين بدلاً من الحسن.
5 ـ إنه معارض بأحاديث كثيرة من طرق أهل السنة تصرح بأن المهدي من ولد الحسين.
6 ـ احتمال التصحيف في الاسم من الحسين إلى الحسن.
7 ـ يحتمل وضع الحديث لأن بعض أنصار محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط الذي قتل 145 في زمن المنصور العباسي كانوا يظنون بأنه المهدي.
8 ـ وعلى فرض أنه حديث فإنه مجرد خبر لا قيمة له أمام الصحيح والمتواتر.
4 ـ المهدي ليس من أهل بيت النبوة ولا من ذرية النبي إنما هو من ولد العباس!!
بدليل: 1 ـ الأحاديث المتعلقة بالرايات السود المقبلة من خراسان، والتي ذكرت بأن فيها خليفة الله المهدي. [راجع مسند أحمد ج 5 ص 277، وسنن ابن ماجة ج 2 ص 1236 ح 4082، وما رواه الترمذي في ج 4 ص 53 ح 2269، وهي أحاديث مجملة وقد ضعفها ابن القيم في المنار المنيف ص 137 ـ 138].
2 ـ وجود أحاديث تخبر بأن المهدي: (من ولد العباس عمي). [أورده السيوطي في الجامع الصغير ج 2 ص 672، وقال حديث ضعيف، وقال المناوي الشافعي في فيض القدير، رواه الدار قطني في الأفراد، وقال ابن الجوزي فيه محمد بن الوليد المقري، قال ابن عدي: يضع الحديث ويصله، ويسرق ويقلب الأسانيد والمتون، وقال ابن أبي معسر هو كذاب، وقال السمهودي، ما بعده وما قبله أصح منه، وأما هذا ففيه محمد بن الوليد وضاع، راجع فيض القدير شرح الجامع الصغير ج 6 ص 278 ح 9242. وضعفه السيوطي في الحاوي ج 2 ص 85 وابن حجر في صواعقه ص 166، والصبان في إسعاف الراغبين ص 151، وأبو الفيض في إبراز الوهم المكنون ص 563].
ومثله حديث ابن عمر الذي رواه ابن الوردي في فريدة العجائب ص 199 وهو مرسل عن مرسل عن ابن عمر وموقوف عليه فلا حجة فيه، فضلاً عن أنه لم يصرح باسمه المهدي.
ومثله حديث أم الفضل سنة 135 لك لولدك منهم السفاح ومنهم المنصور، ومنهم المهدي، وهذا الحديث وارد في تاريخ بغداد ج 1 ص 63، وتاريخ دمشق ج 4 ص 178 لابن عساكر. قال الذهبي في ميزان الاعتدال ج 1 ص 97: أن أحمد بن راشد هو الذي اختلقة بجهل، راجع المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي ص 52 ـ 55.
وما يثير الدهشة أن المهدي العباسي المتوفى سنة 169 ـ كانت دولته دولة للنساء. قال الطبري في تاريخه ج 3 ص 466 أن الخيزران زوجة الخليفة المهدي تدخلت في شؤون الدولة في زمنه وأنها استولت على زمام الأمور في عهد ابنه الهادي. ثم إن المهدي العباسي نفسه لم يدع بأنه المهدي المنتظر الذي عناه الرسول، ولم تتحقق في زمنه أي علامة من العلامات المرادفة لظهور المهدي، ولا ساد العالم ولا انتشر الرخاء في عهده، إنما كانت هنالك طبقة مترفة تشرف على الموت من التخمة، وأكثرية ساحقة معدمة تكاد أن تموت من الجوع، وهذا يتعارض بالكمال مع مضامين الأحاديث النبوية التي وصفت المهدي وصفاً دقيقاً، وتحدثت عن ظهوره، ووصفت عهده الراشد وحال الدين والمسلمين فيه.
الفصل الرابع: الجذور التاريخية لهذا المخطط الخلط والتمييع ومحاولة صرف هذا الشرف عن أهل بيت النبوة
بعد موت النبي مباشرة وعندما اشتد الجدل والصراع على الخلافة بين قيادة بطون قريش ومن والاها من جهة، وبين علي بن أبي طالب الإمام الشرعي وابنة النبي الزهراء وسبطي النبي الحسن والحسين ومن والاهم من جهة أخرى، عرضت قيادة البطون على العباس بن عبد المطلب عم النبي أن تجعل له ولعقبه شيئاً من هذا الأمر: (أي الخلافة) مقابل أن يتخلى عن دعمه لأهل بيت النبوة وأن يقف مع البطون، وقدرت قيادة البطون أن انحياز العباس لجانبها يشكل ضربة فنية ومعنوية قاصمة لأهل بيت النبوة وادعائهم بالحق بقيادة الأمة!! لأنها تكون بهذه الحالة قد ضربت عم النبي بابن عم النبي الآخر وبابنة النبي وسبطيه فتتصدع وحدة البطن الهاشمي وتتهدم كافة حجج أهل البيت، ويشب الصراع بين آل محمد وآل أبي طالب من جهة، وبين آل العباس من جهة أخرى، وتتحول قيادة البطون إلى قاضٍ وخصم معاً، تتفرج على هذا الصراع، واكتشف العباس مضامين وأهداف قيادة بطون قريش من هذا العرض، فرفضه رفضاً قاطعاً وبإباء، ورد عليهم بحزم ورجولة، وقد حاول الخليفة الثاني، والثالث ومعاوية أن يجتذبوا إلى جانبهم عبد الله بن العباس خاصة، والعباسيين عامة، لذات الغرض لينافس عبد الله الحسن والحسين بعد أن أخفقوا بأن يجعلوا العباس ينافس الإمام على، ويبدو أن تلك المحاولات قد نجحت إلى حد ما. صحيح أن العباسيين لم يقفوا ضد علي وضد الحسن والحسين، ولكنهم لم يقفوا معهم أيضاً، لقد قرر العباسيون أن يعملوا لصالحهم الخاص، وقدروا أن عملهم لصالحهم الخاص لن يؤتي أكله ولن يثمر، ما دام سبطا النبي الحسن والحسين أحياء!! لأنه ليس بإمكان أي عباسي أن يدانيهما بالشرف والقربى والمكانة. لقد قرر عبد الله بن العباس أن يعتزل وأن يتخلى عن الإمام علي، والإمام أحوج ما يكون إليه، لقد كانت فعلة عبد الله جرحاً نازفاً في قلب الإمام، تحمل آلامه العميقة في صمت وبلا إعلام. ومع الإمام الحسن قد عهد لعبيد الله بن العباس بقيادة أول جيش يشكله ومع أن معاوية هو القاتل عملياً لطفلي عبيد الله، إلا أن عبيد الله لم يجد حرجاً ولا فضاضة عندما استمال ثلثي الجيش الذي سلمه الإمام الحسن قيادة وانضم إلى معاوية عدو آبائه وأجداده وأحد قادة قدامى المحاربين ضد الله ورسوله!! فكانت فعلة عبيد الله الضربة المعنوية القاتلة التي أصابت من الحسن ومعسكره مقتلاً يصعب علاجه!! فإذا كان عبيد الله ابن عم النبي ينضم لمعسكر معاوية طمعاً بما عنده من دنيا، فما الذي يجبر أَعرابياً لا دين له على البقاء في طاعة الإمام الحسن!! إنها من ضربات قيادة البطون ومن ثمرة ثقافاتها، لأن قيادة البطون وثقافتها المعادية لآل محمد تعرف بالتجربة المقاتل تماماً!!
إنه ليس من المستبعد أن يتولى أعداء أهل بيت النبوة الذين أشربوا الثقافة المعادية لأهل بيت النبوة وضع عدة أحاديث تبين أن المهدي المنتظر الذي بشر به الرسول من ذرية العباس عم النبي، وليس من أهل البيت كما يزعمون!! والعقد نفسه يتمثل باستعداء العباسيين على أهل البيت وعزل أهل بيت النبوة عن الأمة، ومحاولة صرف هذا الشرف عنهم، خاصة وأن كافة الأحاديث النبوية قد رويت وكتبت في عهد بني العباس، وأن رواة هذه الأحاديث الذين جمعوا يخضعون للحكم العباسي، وما هي مصلحة بني العباس بنفي هذا الشرف عنهم، إن مجرد الزعم بأن المهدي من بني العباس يشكل دعماً لنظامهم، وتثبيتاً لأركان ملكهم!! ثم ما هو الفرق بينهم وبين آل أبي طالب!! أليس العباس عم النبي كأبي طالب!!!
وليس من المستبعد أيضاً بأن النبي عندما أخبر الأمة بما كان وما هو كائن، أن يكون قد قال للعباس بأن ذرية العباس ستستولي على الخلافة بالقوة يوماً ما، وأن من جملة ملوكهم أو خلفائهم رجال يلقبون أحدهم بالسفاح والآخر بالمنصور، والثالث بالمهدي. مصطلح المهدي مجرد لقب لُقّب به وعرف به، وهذا اللقب لا يجعل منه المهدي الذي بشر به الرسول فإذا سميت ابنك أو أحد الملوك بالمهدي فهل يصبح بموجب هذه التسمية المهدي الذي بشر به رسول الله؟!
ومن المؤكد أن العباسيين كانت لهم دولة، وكانت لهذه الدولة أجهزتها السرية المكلفة بدعم النظام والمحافظة عليه بالأساليب الخفية، كما تفعل الدول اليوم، ومن الجائز أن تكون الدولة قد استغلت إخبار الرسول للعباس، بما هو كائن فطورت هذا الحديث واختلقت توابعه!! مع أن كافة الأحاديث المتعلقة بمهدي العباسيين ساقطة بكل الموازين التي أوجدها علماء الحديث، ومعارضة لأحاديث المهدي المنتظر الصحيحة والمتواترة عندهم.
وليس من المستبعد أن تكون أحاديث مهدي العباسيين، ومهدي الأمة المجهول، أو نفي فكرة المهدي عن الجميع وقصرها على عيسى ابن مريم من اختلاق الأمويين وأوليائهم لنفس الغايات والأهداف التي أشرنا إليها وتفصيل ذلك:
أن الخلفاء الثلاثة الأُول كانوا قد منعوا كتابه ورواية الأحاديث النبوية، وأحرقوا المكتوب منها، ورفعوا شعار (حسبنا كتاب الله)، ولم يأذنوا برواية إلا ما يتفق مع توجهاتهم وسياساتهم.
وعندما آلت الخلافة إلى علي بن أبي طالب بدأ نشر الحديث بأسلوب المناشدة والاستشهاد بقدامى المحاربين من الصحابة، وأوشكت الأمور أن تتضح، وكاد الحبل أن يفلت من بناة دولة الخلافة وأوليائهم، ولكن في بداية الطريق برز معاوية بن أبي سفيان وإلي الشام، وأحد مؤسسي نظام الخلافة، وأبرز أركان دولة الخلفاء الثلاثة الأُول، وعندما غلب معاوية أمة محمد واستولى بالقوة على منصب الخلافة، قاد بنفسه حملة کبرى لرواية وكتابة أحاديث الرسول المتعلقة (بلافضائل فقط) فأصدر سلسلة من المراسيم الملكية إلى كافة ولاته وأمرائه وعماله أمرهم فيها:
1 ـ بأن يرووا فضائل الخلفاء الثلاثة الأُول وأن يركزّوا تركيزاً خاصاً على فضائل الخليفة الثالث، وبعد ذلك يروون فضائل الصحابة.
2 ـ أن لا يتركوا فضيلة لعلي بن أبي طالب أو أحد من أهل البيت إلا ويضعوا فضيلة لأحد من الصحابة تنقضها وتشابهها. [راجع شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 595. وما فوق نقلاً عن المدائني في كتابة الأحداث: (تحقيق حسن تميم)] وأمر معاوية الولاة والعمال والأمراء بأن يقربوا الرواة ويجزلوا لهم العطايا والإقطاعات. وفجأة انشقت الأرض عن آلاف الرواة الذين رووا عشرات الألوف من أحاديث الفضائل التي لا أصل لها، والتي اختلقت لإرغام أنوف بني هاشم كما يقول ابن نفطويه، ولما تحقق لمعاوية ما أراد، وقدّر أن فضائل أهل بيت النبوة قد ضاعت، أو فقدت قيمتها، وأن مكانتهم الدينية قد تلاشت تماماً أمر معاوية بتدريس هذه المرويات في المدارس والجامعات والمعاهد، وفرض على العامة والخاصة تعلمها وحفظها، ودامت الحال حتى أواخر عهد الأمويين وبعد سقوط الدولة الأموية، ورفع الحظر والمنع عن رواية وكتابة أحاديث الرسول في بداية العهد العباسي نقل علماء الحديث كافة الروايات التي تمخضت عنها حملة معاوية، والتي احتضنتها الدولة الأموية وعممتها، وهي روايات متقنة من حيث الشكل لأنها قد وضعت تحت إشراف دولة ومن الممكن جداً بل ونكاد أن نقطع، بأن (لا مهدي إلا عيسى، والمهدي من ولد العباس، والمهدي رجل من الأمة)، كانت من هندسة معاوية وولاته وروُاته لأنها تتفق مع المراسيم الملكية التي أصدرها في بداية عهده، وتخدم ذات الغاية: (لا تتركوا فضيلة لأبي تراب أو لأحد من أهل بيته إلا وتأتوني بمناقض لها من الصحابة وكون المهدي من صلب على فضيلة بموازين معاوية، وحتى تنقض هذه الفضيلة لا بد من نفي فكرة المهدي، وإلصاقها بشخص آخر، وليكن عيسى ابن مريم ولما أدرك رجال معاوية أن النفي غير ممكن جعلوا المهدي نكرة من أفراد الأمة، ولما أدركوا عدم معقولية الفكرة، جعلوا المهدي من ولد العباس.
وجاء علماء الحديث فنقلوا مرويات معاوية وطاقمه، كما هي ودوّنوها في صحاحهم ومسانيدهم ومؤلفاتهم باعتبارها جزءاً من وثائق الدولة الإسلامية، ولأن رعايا الدولة كلها قد أطلعوا عليها، وتعلموها. هذه هي الجذور التاريخية لأحاديث (لا مهدي إلا عيسى، والمهدي رجل من الأمة، والمهدي رجل من ولد العباس)، وهي محض اختلاق، وأثر من اثار حملة الرواية التي قادتها دولة معاوية وطواقمها.
وهذه الأحاديث (لا مهدي إلا عيسى والمهدي مجرد رجل من الأمة، والمهدي من ولد العباس) تتعارض مع الأحاديث الصحيحة والمتواترة ومع إجماع الأمة ومع إجماع أهل بيت النبوة وأوليائهم وهي ساقطة بكل موازين علم الحديث. والأهم أن وقائع التاريخ تناقضها وتكذبها تماماً).
الفصل الخامس: المهدي المنتظر يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً
من السمات البارزة، والبنى الأساسية التي تستند عليها نظرية المهدي المنتظر في الإسلام هي التأكيدات النبوية القاطعة، بأن المهدي الذي بشر النبي بظهوره ذات يوم سوف يملأ الأرض بالقسط والعدل تماماً، كما ملئت قبل ظهوره بالجور والظلم.
فأهل بيت النبوة مجمعون على أنهم قد سمعوا تلك التأكيدات القاطعة من رسول الله، وأنهم قد تناقلوها جيلاً بعد جيل، وورثوها من النبي مع نفائس علمي النبوة والكتاب، وسماعهم لهذه التأكيدات واستيعابهم لها من الأمور اليقينية التي لا يشكون إطلاقاً بصحتها، وهي متواترة عندهم ويرسلها الكبير والصغير منهم إرسال المسلمات، وتبعاً لإجماع أهل بيت النبوة المشهود لهم إليهاً، بالطهر والتميز والملازمة الدائمة لرسول الله أثناء حياته، وبوراثتهم لعلمي النبوة والكتاب أجمعت شيعتهم على أن هذه التأكيدات قد صدرت من الرسول بالفعل، فهي مع بقية البنى الأساسية من نظرية المهدي المنتظر تشكل جزءاً أساسياً من معتقدهم الإسلامي، وسمة مميزة من مذهبهم الديني.
أما الخلفاء التاريخيون وشيعتهم (أهل السنة) فقد توصلوا إلى ذات النتائج المتعلقة بهذه التأكيدات، فصحت عندهم كافة الأحاديث النبوية التي تؤكد بأن المهدي المنتظر سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، تواترت هذه التأكيدات، وأرسلها علماء أهل السنة الأعلام إرسال المسلمات أيضاً، وجزموا بأن التأكيدات قد صدرت عن رسول الله بالفعل.
مما يعني أن الأمة بشقّيها: (أهل بيت النبوة ومن والاهم والخلفاء التاريخيون ومن والاهم)، مجمعون على أن رسول الله قد بيّن للمسلمين وأكد لهم بأن المهدي المنتظر سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً، وهم جيمعاً قد جزموا بان هذه الأحاديث قد صدرت من رسول الله بالفعل، وهم على يقين بأن هذه المهمة: (ملء الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً) من المبررات والأسباب الأساسية، لظهور المهدي المنتظر، ويعتقد الجميع بذلك، ويؤمنون به، وقد شكل هذا الاعتقاد جزءاً من عقيدة المسلمين الدينية.
فبعد موت النبي بقليل حُلت عرى الإسلام كلها، عروة بعد عروة، ورفع الحكم الإلهي من الأرض، وصار الملك الذي تمخضت عنه النبوة. بحوزة من غلب، وحيل بين المرجع الديني المعتمد من الله ورسوله، وبين ممارسة مهام مرجعيته، وبموت النبي وانتهاء عهده العظيم، وبتحييد المرجع الديني، فَقَد العالم النموذج الأمثل، وحلّ الرأي محل النص، وشاع الاجتهاد مع وجود النص، وإن جرت محاولات لتطبيق النصوص الشرعية، فإنها قد فشلت، لأن تطبيق النصوص الشرعية يحتاج إلى أهلية وإعداد خاص لا يتوفر إلا بالنبي، أو الإمام المؤهل إلهياً من بعده، وهذا مبدأ مسلّم به حتى في القوانين الوضعية، فالجهة المؤهلة لإصدار حكم قطعي مبرم حائز على الحقيقة القانونية هي محكمة التمييز، أو محكمة النقض، وأعضاؤها يشكلون أو من المفترض أن يشكلوا ويكونوا قمة الفهم والوعي القانوني، بحيث لا يعلوا فهمهم فهم، ولا وعيهم وعي، فإذا كانت القوانين التي يضعها البشر قد وصلت إلى هذا المستوى من التقنية القانونية، فلا تتعجب من قولنا بأن النص الشرعي يحتاج تطبيقه إلى نبي، أو إمام مؤهل ومُعد إلهياً فضلاً عن ذلك فإن الإسلام كشريعة لا يؤتي أكله كاملاً إلا إذا طبق كاملاً، وبقيت عراه ـ خاصة نظام الحكم ـ كلها متماسكة، ولم تُحل.
والخلاصة أنه وبعد موت النبي، وحل عُرى الإسلام، والاستيلاء على منصب الخلافة بالقوة والتغلب، وحلول الآراء محل النصوص والعمل بالأجتهادات، مع وجود النصوص الشرعية، رُفع الحكم الإسلامي عملياً من واقع الحياة، ولم يبق من الإسلام إلا الهيكل أو الشكل الخارجي اللازم للمحافظة على المُلك وتوسيعه باسم الإسلام.
بمعني أن حكماً وضعياً له طبيعة دينية قد دخل الساحة الدولية المكتظة بالأحاكم والمنظومات الوضعية، والمستندة إلى الآراء الشخصية القابلة للصواب والخطأ، وأن الساحة الدولية قد خلت تماماً من أي منظومة حقوقية إلهية، ومن أي ترشيد إلهي عملي لحركة العالم السياسية، مما يعني أن المُناخ الملائم لنشوء الظلم ونموه وترعرعه قد نشأ، وأخذ ساعد الظلم يشتد بهذا المُناخ يوماً بعد يوم، حتى ألقي الظلم أجرانه على الأرض فعلاً، فالناس يقدسون اليوم عقيدة وضعية، وتتبناها دوله، وتقدمها على أساس أنها أكسير الحياة، وبعد تطبيقها وبوقت يطول أو يقصر يكتشف الناس فساد هذه العقيدة، وتعترف الدولة بهذا الفساد وتأتي عقائد أخرى، ثم تموت، ولا تثمر إلا الظلم والمعاناة، حتى صار الظلم من أبرز الموجودات على وجه الأرض.
بعد أن يجرب العالم كل شيء، ويلجأ لكل رأي، ويختبر كل عقيدة وضعية، ثم يكتشف أن ما جرب وما لجأ إليه، وما اختبر، لم يثمر إلا الظلم وعندما يحسّ كل واحد من أفراد الجنس البشري بوطأة الظلم وهوله، وعندما تمتلىء الكرة الأرضية، ويكتوي الجميع بنار الظلم، هنالك فقط يعرفون قيمة القسط والعدل، عندئذٍ يظهر الإمام المهدي المنتظر ومعه عقيدة الإسلام من أنقى المصادر، فيقوم بتطبيقها، فتثمر الحكم الإلهي ويثمر الحكم الإلهي العدل والقسط، وعندما يذوق أبناء الجنس البشري طعم العدل الحقيقي يعشقونه، ويعشقون الذي جاء به ويكرهون الظلم الذي كوى قلوبهم، وبفترة وجيزة، تُقتلع جذور الظلم من الكرة الأرضية، ويحل محلها العدل المطلق، والقسط المطلق الذي يتولى المهدي المنتظر وبالإشراف الإلهي نشرهما، حتى يلقيا أجرانهما في الأرض. وهذا هو الجانب الحقوقي من عصر المهدي المنتظر الذهبي.
نماذج من الأحاديث النبوية التي تؤكد بأن المهدي سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً
1 ـ قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تمتلىء الأرض ظلماً وعدواناً، ثم يخرج رجل من عترتي أو أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً). [راجع معجم أحاديث المهدي ج 1 ص 104، ومسند أحمد ج 3 ص 36، وابن حبان ج 8 ص 290 ـ 291، والحاكم ج 4 ص 557]...
2 ـ (لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي... يملاء الأرض عدلاً كما ملئت قبله ظلماً...). [راجع مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 17، وأبو يعلى ج 1 ص 367 ح 1128، وابن حبان ج 8 ص 291، ومجمع الزوائد ج 7 ص 314، والحاوي للسيوطي ج 2 ص 63، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 108 ـ 110].
3 ـ (تملأ الأرض ظلماً وجوراً، ثم يخرج رجل من عترتي... فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً). [الحاكم ج 4 ص 558، وعقد الدرر ص 16، نقلاً عن البيهقي، ومسند أحمد ج 3 ص 28... ومعجم أحاديث المهدي) ج 1 ص 110 ـ 111].
4 ـ (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي... يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً). [تذكرة الخوص ص 363، منهاج السنة لابن تيمية ج 4 ص 261].
5 ـ (لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً). [ابن أبي شيبة ج 15 ص 198، وأبو داود ج 4 ص 107، والبزار ج 1 ص 104... ومعجم أحاديث الأمام المهدي ج 1 ص 119 ـ 122].
6 ـ ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي مني.. يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً). [ابن حماد ص 100، عبد الرزاق ج 11 ص 372، والترمذي على ما في مطالب السؤول، والمنار المنيف، والنسائي على ما في عقد الدرر، والطبراني على ما في بيان الشافعي، والحاكم ج 1 ص 57... وراجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 126 128].
الفصل السادس: المهدي المنتظر سيملك العالم كله ويكوّن دولة عالمية
أهل بيت النبوة مجمعون على أن الإمام المهدي المنتظر سيملك العالم بعد وقت قصير من ظهوره، وستكون له دولة عالمية، تصبح كل أقاليم الكرة الأرضية ولايات لها، ويتحول كل سكان العالم آنذاك إلى رعايا ومواطنين في تلك الدولة، أما عمالها وأمراؤها وقادتها فهم أهل القوة والأمانة من رجال العالم ونسائه. وستكون المنظومة الحقوقية الإلهية هي القانون النافذ في كل أرجاء العالم، ونقصد بالمنظومة الحقوقية الإلهية: (كتاب الله كما أنزل وبيان النبي لهذا الكتاب تماماً كما وعاه أهل بيت النبوة، وتتكون موارد هذه الدولة المالية من إنتاج العالم كله، وموارده وإمكاناته الاقتصادية، ومن خلال إمامته وقيادته الراشدة، ومن خلال تطبيقه للمنظومة الحقوقية الإلهية، ومن خلال توزيعه العادل للموارد العالمية ينشر العدل والرخاء في الكرة الأرضية، ويبدو واضحاً من تتبع روايات أهل بيت النبوة وأخبارهم حول هذا الموضوع، بأن المهدي المنتظر سيملك أولاً بلاد العرب وبلاد فارس، ومن هذه البلاد سينطلق إلى كافة أرجاء المعمورة، حيث ستدخل في طاعته حرباً أو سلماً. ويرسل موالي أهل بيت النبوة كافة هذه المعلومات إرسال المسلمات. ويعتبرونها جزءاً من قناعاتهم الدينية وسماتهم المذهبية.
ومن المؤكد أن أولياء الخلفاء التاريخيين (أهل السنة) قد توصلوا بوسائلهم الخاصة بهم إلى ذات المعلومات، ونفس النتائج، وتكونت عندهم نفس القناعات المتعلقة بعالمية دولة المهدي، فقد صحت عندهم وتواترت الأحاديث النبوية التي بينت بأن المهدي المنتظر (سيملك) على الاطلاق. [راجع على سبيل المثال الأحاديث النبوية التي رواها أحمد بن حنبل في مسنده ج 3 ص 17، وأبو يعلى ج 2 ص 367، والسيوطي في الحاوي ج 2 ص 63، ومثله قول النبي عن المهدي، بأنه (سيملك العرب) خاصة راجع مسند أحمد ج 1 ص 381، والترمذي ج 4 ص 505، والطبراني في الكبير ص 78 ومثله قول النبي: (لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة واحدة (لملك فيها) رجل من أهل بيتي... راجع ابن حبان ج 7 ص 576 ح 5922، والطبراني في الكبير ج 10 ص 161 والطبراني في الصغير ج 2 ص 158... راجع معجم أحاديث الإمام المهدي المنتظر الجزء الأول]...
وقد صحت وتواترت عندهم الأحاديث النبوية التي أكدت تأكيدات قاطعة بأن المهدي المنتظر (سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً) حتى أنهم قد اتفقوا على اللفظ الحرفي للحديث (سيملأ الأرض) و(قسطاً وعدلاً)، و(ظلماً وجوراً)، وتلك من الحالات النادرة في علم الحديث، وقد وثقنا ذلك في البحوث السابقة، ومقتضى الحال، يعني أن أهل السنة على يقين من المهدي المنتظر سيملك الأرض كلها، وإلا فكيف ينشر ويملأ بالعدل والقسط أرضاً لا يملكها!!!
وصحت وتواترت عندهم الأحاديث النبوية التي ذكرت بأن السماء ستعطي كل خيراتها، قطرها وبركاتها، وأن الأرض كل الأرض ستخرج كل نباتها وكنوزها ونفائسها في زمن المهدي، لقد جاءت هذه الأحاديث وأمثالها بصيغة العموم، ولم يرد ما يخصصها، وكل هذا يعني بأن مُلك المهدي المنتظر سيشمل الكرة الأرضية كلها، وموالي الخلفاء، يتفقون مع أهل بيت النبوة ومواليهم بأن المهدي المنتظر سيملك بلاد العرب وبلاد فارس أولاً، ويشكل منها قاعدة قوية ثم ينطلق منها إلى كافة البلاد المعمورة التي ستخضع له في النهاية طوعاً أو كرهاً. ويصبح المهدي المنتظر أول إمام شرعي يمارس السيادة ومهام الحكم على العالم كله. ويطبق الشرع الإلهي على كافة سكانه.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لما عرج به إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى، ومن السدرة إلى حجب النور ناداه جل جلاله... وبك، وبه، وبالأئمة من ولده أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منكم (المهدي المنتظر) أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي، وبه أطهّر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائى، وبه أجعل كلمة الذين كفروا هي السفلى، وكلمتي العليا وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي، وبه أظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي، وإياه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي، وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري، وإعلان ديني، ذلك وليي حقاً، ومهدي عبادي صدقاً). [راجع منتخب الأثر للرازي ص 167 ف 2 ب 1 ح 77، وأمالي الصدوق ص 504 مجلس 92 ح 4، والبحار ج 18 ص 341 ب 2 ح 49 وج 23 ص 128 وج 51 ص 65 ـ 66 ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 214 ـ 215].
الفصل السابع: عهد الإمام المهدي المنتظر عهد الكفاية والرخاء المطلق
أهل بيت النبوة مجمعون على أنهم قد سمعوا ووعوا تأكيدات الرسول المتكررة، بأن عهد الإمام المهدي سيكون من الناحية الاقتصادية، عهد الكفاية والرخاء المطلق لكافة سكان الكرة الأرضية في عهده، وأن عهده من هذه الناحية سيكون أزهى عهد عاشته البشرية إطلاقاً، حيث ستتحقق الكفاية والوفرة للجميع وينعم جميع أبناء الجنس البشري بالرخاء التام في عهده. ولا يختلف في ذلك اثنان من شيعة أهل بيت النبوة.
ويبدو أن شيعة الخلفاء، (أهل السنة) قد توصلوا إلى ذات النتائج، واستقرت في قلوبهم نهائياً ذات القناعات، بعد أن وقفوا على الأحاديث النبوية التي تواترت عندهم، والتي عالجت هذه الناحية معالجات مقنعة.
ويمكنك القول بأن خاصة المسلمين وعامتهم يرسلون هذه المعلومات إرسال المسلمات، لأنه قد تحقق لهم اليقين بصحتها، ومن المستحيل عقلاً أن ينطلق ويتكون هذا اليقين العام من فراغ، إنما كان ثمرة طبيعية للتأكيدات النبوية المتلاحقة والتي شقت طريقها بيسر إلى أسماع المسلمين وقلوبهم بعد أن تخطت كل العوائق التي وضعت سابقاً للحيلولة دون رواية الحديث النبوي وكتابته.
فالنبي يؤكد بأن السماء في عهد المهدي ستنزل قطرها، وأن الأرض ستخرج له بذرها. [راجع الحديث رقم 66 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي].
وفي تأكيد آخر يبين الرسول بأن الله سينزل البركة للمهدي من السماء، ويخرج له من الأرض بركتها. [راجع الحديث رقم 73 وفي الحديث 123]. وأكد الرسول بأنه لما عرج به إلى السماء السابعة، ثم إلى سدرة المنتهى وإلى حجب النور كلمه الله تعالى عن أمور كثيرة من جملتها المهدي المنتظر، وأن الله تعالى قد وعده وأكد له بأنه سيحيي بالمهدي العباد والبلاد، وأنه سيظهر في عهده الكنوز والذخائر، ويمده بالملائكة لتساعده على تنفيذ الأوامر الإلهية وإعلان الدين. ويؤكد الرسول في حديث رابع أن السماء لن تدع من قطرها شيئا إلا صبّته، وأن الأرض لن تدع من نباتها شيئاً إلا أخرجته بإذن الله. [راجع الحديث رقم 141 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي]. وفي حديث خامس يؤكد الرسول حجم العطاء الإلهي في عهد المهدي قائلاً (تقيء الأرض أفلاذ كبدها) أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، ويتابع الرسول تأكيداته موضحاً الصورة فيقول: (فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا). [راجع الحديث رقم 142 ج 1]. وفي حديث سادس يجزم الرسول قائلاً: (تنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط ترسل السماء عليهم مدراراًً، ولا تدع الأرض شيئاً من النبات إلا أخرجته، والمال كدوس، يقوم الرجل فيقول: (يا مهدي أعطني فيقول خذ) الحديث 139، ويؤكد الرسول بأن المهدي سيعطي المال بغير عد) الحديث 143، وفي الحديث 144 يوضح الرسول الصورة فيقول: (ويكون المال كدوساً، يجيء الرجل إليه فيقول يا مهدي أعطني، فيحثي له المهدي في ثوبه ما استطاع أن يحمل)، وفي الحديث 146 يؤكد الرسول بأن المهدي: (يحثي المال حثياً ولا يعده عداً)، وفي الحديث 149 يؤكد الرسول أنه في عهد الإمام المهدي (فيفيض المال فيضاً)، وفي الحديث رقم 151 يقول الرسول: (أن المال سيكثر يفيض حتى يهم رب المال من يقبل الصدقة ومتى يعرضه، فيقول الذي يعرضه عليه (لا إرب لي) وتتكرر الأحاديث النبوية بهذه المضامين، وتتعدد الصيغ، ويبدو أن الرسول الأعظم قياماً بواجب البيان، وتأكيداً لما أراد تأكيده، وحرصاً منه على غرس ما يريد في قلوب السامعين، وتوصيل ما أراد لمن بلغ، قد حدث بهذه الأحاديث في أكثر من مكان وفي أوقات متعددة.
وتحدّث الإمام زين العابدين عن الكفاية والرخاء في عهد الإمام المهدي فقال إن القائم: (يُعطي الناس عطايا مرتين في السنة، ويرزقهم في الشهر رزقتين ويسوي بين الناس، حتى لا ترى محتاجاً إلى الزكاة، ويجيء أصحاب الزكاة بزكاتهم إلى المحتاجين من شيعته فلا يقبلونها، فيصرونها ويدورون في دورهم، فيخرجون إليهم فيقولون لا حاجة لنا في دراهمكم)... ثم قال: ويجتمع إليه أموال أهل الدنيا كلها من بطن الأرض وظهرها فيقال للناس: (تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدم الحرام، وركبتم فيه المحارم، فيعطي عطاء لم يعطه أحد من قبله. [راجع الحديث رقم 867 مجلد 3 من معجم أحاديث الإمام المهدي].
وهذه الصور حقيقية حتى بموازين البحث الاقتصادي، فأقاليم العالم كله خاضعة لدولة واحدة، وهذه الأقاليم متكاملة بالضرورة، وكافة مواردها مستثمرة استثماراً سليماً، وهذه الموارد جميعاً تجبى إلى بيت المال للامام المهدي، حيث يتولى توزيعها بعدالة بين الناس، وفقاً للتسديد والتأييد الإلهي المطلق، فموارد العالم مجتمعة إذا وزعت بعدالة ستتحقق الكفاية والوفرة والرخاء لكل سكان العالم، ولن يبقى في الأرض محتاج واحد، هذا حسب الموازين الاقتصادية، فكيف يكون حجم الكفاية والرخاء عندما تقذف الأرض بكل نفائسها وكنوزها، وتخرج كل نباتها، وعندما ينزل الله من السماء كل قطرها؟ عند ذلك سيفوق حجم الكفاية والرخاء حدي التصور والتصديق.
الفصل الثامن: سكان الأرض والسماء يحبون المهدي ويرضون منه
عمي القلوب والخلل المزمن بالذوق البشري العام
طوال تاريخ البشرية وهي مصابة بعمي القلوب، وبخلل مذهل بالذوق العام. فقد صفَّقت البشرية دائماً للجبارة والطغاة والأغبياء، وأعجب بهم، والتفت حولهم، ووضعت نفسها تحت تصرفهم، وبذلت لهم الغالي والرخيص، وأعطتهم كل ما طلبوه منها، لقد سعت البشرية بكل طاقاتها لترضي الطغاة والجبابرة طوال تاريخها رغبة أو رهبة!!
أما الأنبياء، والرسل، والمصلحون، فقد تجاهلتهم البشرية تماماً، وعاملتهم باحتقار، وسعت في مقاومتهم، وتعاونت للصد عما يدعون إليه، واتهمتهم ظلماً بأشنع التهم، وأقذعها، فنسبتهم إلى الجنون، والسحر والكهانة، والشيطنة والسفاهة، وصورتهم بصور بشعة، وتمادت بعض المجتمعات البشرية، وفاستعدى بعضها بعضاً، وكونت الأحلاف وجيشت الجيوش، وشَنّت على الأنبياء والرسل حروباً عدوانية لا مبرر لها، فقتلتهم ومن والاهم، أو أذاقتهم من أمرهم عسراً!!
كانت المجتمعات البشرية تعتقد أن الأنبياء والرسل والمصلحين يمثلون الشر كله، وأن الجبابرة والطغاة يمثلون الخير كلهم، لأن بأيديهم مفاتيح الأموال والجاه والسلطة، وكانوا يعتقدون أن دعوات الأنبياء تمثّل خطراً على مجتمعاتهم ونظمهم وأنماط حياتهم، لذلك اعتقدوا بأنهم ملزمون للتصدي للأنبياء والرسل ولكل ما جاءوا به، وأنهم ملزمون بموالاة الطغاة والجبابرة والوقوف معهم صفاً واحداً لمواجهة خطر النبوة والرسالة والإصلاح!! إنها ثقافة الطغيان، إنها النتائج اللاشعورية للرعب والخوف وتقديس الغالب وتكريس ثقافته ومناهجه التربوية.
أحدث الأمثلة والبراهين على ذلك
وأحدث الأمثلة والبراهين على صحة ما ذكرناه موقف بطون قريش والعرب عامة من نبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد وقفت بطون قريش وقفة رحل واحد ضد النبي، وقاومته ودعوته طوال مدة ال 15 سنة التي قضاها في مكة قبل الهجرة، وحاصرته وبني هاشم ودعوته وقاطعتهم، وعذبت المستضعفين من أتباعه، وتآمرت على قتله، ولما نجح النبي بهجرته استعْدَت عليه العرب، وجيّشت الجيوش، وشنت عليه حروبها العدوانية، وحاربته حرباً لا هوادة فيها، ومكرت به مكراً يزيل الجبال!! كانت بطون قريش ومن والاها من العرب يعتقدون أن رسول الله هو الشر بعينه، وكانوا يكرهونه إلى درجة العُقد ويكرهون من والاه حقاً بنفس الدرجة. وكانوا يعتقدون أن أبا سفيان، ومعاوية، ويزيد، وأبا جهل، وعتبة وغيرهم من أئمة الكفر هم رموز الخير، وقادة الفلاح، ورموز الإصلاح، وأن الحياة لا تستقيم بغير قيادتهم الملهمة، لذلك والوهم وأطاعوهم ووضعوا تحت تصرفهم الغالي والرخيص ليحاربوا عدوهم محمداً حتى آخر سهم!!! ومضوا بعدواتهم المجنونة للنبي، وبحقدهم عليه، وعلي من والاه، وبعد 23 سنة من المقاومة والعداء والحرب لمحمد كانوا يعتقدون أن الحرب ما زالت في أولها، وأنه لا ينبغي لهم أن يضعوا السلاح حتى يموت محمد ومن والاه أو يموتون، بهذا المناخ دخلت جيوش محمد عاصمتهم، عاصمة الشرك، وأحيط بالمجرمين وبقادة جبهة الشرك فاستسلموا عسكرياً، واضطروا مكرهين أن يعلنوا إسلامهم بقيا منهم على الحياة!! وتبعاً لاستسلام قادة الشرك وإعلان إسلامهم، استسلمت جموع المجتمع، وأعلنت إسلامها وادعى قادة الشرك بأن قلوبهم كانت عمياء، وأن في ذوقهم العام خلل رهيب، واعدي أتباعهم مثل ادعائهم، وصرحوا علناً بأن محمداً رسول الله هو الجدير بالمحبة، وأنهم كانوا خاطئين بعدائهم له، وهم راضون من قيادته كل الرضا، ومن المؤكد أن رسول الله كان يعرف حقيقة ادعاءاتهم ولكن الرسول عفا عنهم، وأعطاهم فرصة جديدة، وقبل منهم الظاهر، ولكنه وعلى سبيل الاحتياط والتحذير لأوليائه من كيدهم سمّاهم بالطلقاء وسمّاهم بالمؤلفة قلوبهم، وخصص الله تعالى لهم جزءاً من الصدقات حتى يعرفهم المؤمنون بهذه الصفة أبداً فيحذرونهم ويتّقون شرور مكائدهم، وبنفس الوقت فرصة أمامهم ليصلحوا أنفسهم ويرجعوا عن غيهم، ولكن المؤمنين تناسوا، فبعد وفاة النبي مباشرة صار الطلقاء والمؤلفة قلوبهم هم أركان الدولة الفعليين!! فجنوا ثمرة حربهم للنبي وعدائهم له، وحققوا بالدهاء ما عجزوا عن تحقيقه بالحرب.
وما يعنينا أنه بعد هزيمة جبهة الشرك صار محمد حبيب الجميع وادعى الجميع بأنهم راضون منه، وقابلون بحكمه، وسعداء بقيادته!! لست أدري هل فاضت مشاعرهم بالمحبة للنبي لأنه نبي وحامل دعوة الإصلاح الحقيقية، أم لأنه غلبهم، وقهرهم، وكانوا من قبل تعودوا على موالاة من يغلب ويقهر!!؟ يقيناً أن المؤمنين الصادقين والعقلاء قد أفاضوا تلك المشاعر بحق وصدق، لكن أنى للظالمين، وأنى للغوغاء أن يقولوا فيصدقوا، أو يوالوا فيخلصوا وهم الذين صنعوا ثقافة الذل وورثوها جيلاً بعد جيل!!
محبة الإمام المهدي موالاته
هذه المعلومة يقينية عند أهل بيت النبوة، وهم يرسولونها إرسال المسلمات، لأنهم سمعوا ووعوا رسول الله وهو يؤكد ذلك مراراً وتكراراً، في أوقات متعددة وأمكنة مختلفة، وتبعاً ليقين أهل بيت النبوة وإجماعهم، تيقن أولياؤهم وأجمعوا على أن الرسول الله قد أخبر المسلمين بأن سكان الأرض والسماء سيحبون المهدي ويرضون عنه.
وقد توصلت شيعة الخلفاء التاريخيين (أهل السنة) بوسائلها الخاصة إلى أن رسول الله بالفعل قد أخبر المسلمين بأن أهل الأرض وأهل السماء سيحبون المهدي المنتظر ويرضون عنه تماماً، وأن هذه المعلومة من علم الغيب لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى، مما يعني بأن الله قد أوحى لرسوله بأن يبين ذلك للمؤمنين ويبشرهم بهذه الحقيقة وبقية الحقائق المتعلقة بالمهدي المنتظر. وقد صحت هذه الأحاديث عندهم، وتواترت بينهم حتى صارت من المسلمات واعتقد بها العامة والخاصة منهم.
فيض من تأكيدات الرسول
قال رسول الله: (المهدي رجل من ولدي، وجهه كالقمر الدري... يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً يرضى بخلافته أهل الأرض والطير في الهواء...). [راجع الحديث 72 ج 1 ص 130 من معجم أحاديث الإمام المهدي، تجد أربعين مرجعاً لهذا الحديث منهم ابن ماجة، والطبراني، والسيوطي، والشافعي، والذهبي والطبراي]. وفي حديث آخر يوضح النبي الصورة بقوله عن المهدي: (تأوي إليه أمته كما تأوي النحلة إلى يعسوبها). [ابن حماد ص 99، تو الحاوي للسيوطي ج 2 ص 77، وملاحم بن طاووس ص 70، ومنتخب الأرص 78، الحديث 130 ج 1 ص 220].
ويؤكد النبي هذا الخبر بصيغة أخرى فيقول عن المهدي المنتظر: (يرضى عنه ساكن الأرض وساكن الأرض وساكن السماء). [راجع الحديث رقم 141 من المعجم].
حتمية حب العالم للمهدي وقبولها بخلافته ورضوانه عنها
كان المهدي في البداية طريداً شريداً يظهر فجأة وحده، وتبدأ الآيات بالظهور تباعاً ويلتف حوله حفنة من المؤمنين، ويتصدى المهدي لطغاة العالم وجبابرته وظالميه وبمدة لا تتجاوز الثمانية أشهر يحسم المواجهة لصالحه، وينقاد له العالم طوعاً أو كرهاً ويصبح المهدي هو الزعيم أو الإمام أو الخليفة العالمي الأوحد، ومن بيده مفاتيح أموال العالم وخزائنه ونفوذه وجاهه وسلطانه، وفوق هذا وذاك فهو مزود بقدرات إلهية خارقة، حيث تسير الملائكة بين يديه، وتتجلى كراماته التي أعطاها الله تعالى له كرامة بعد كرامة، علناً وعلى رؤوس الأشهاد، وتخرج له الأرض كنوزها ونفائسها ونباتاتها بإذن الله، وتجبي إليه موارد العالم كله، ثم يتصرف بهذه الأكداس المكدسة من الأموال على الوجه الشرعي، ويقسم بين الناس بالسوية، كما كان يفعل النبي وعلى، فيغمر سكان الأرض بعطاياه، ولا يبقى في الأرض كلها محتاج واحد، وينشر القسط، وينشر العدل، ويعمم المعارف الحقيقية، ويسع عدله البر والفاجر، ويعمر الأرض، ويدخل البشرية عصرها الذهبي، ويحقق المعجزات خلال فترة حكمه، فما الذي يمنع العالم من أن ينبهر بهذا الإمام وأن يعجب به، وأن يحبه حباً صادقاً وأن يرضى عنه، وعن خلافته!! إن هذه المشاعر نتائج حتمية وثمرات طبيعية لإنجازات وأفعال المهدي الماجدة خاصة وأن البشرية قد جربت كل أنماط الحكم، واكتوت بنيران الظلم عبر تاريخها الطويل، فيكون المهدي البلسم الشافي فمن لا يحبه ومن لا يرضى به في هذه الحالة!!
الفصل التاسع: الله تعالى يظهر بالإمام المهدي دين الإسلام على جميع الأديان
الثابت والمجمع عليه عند أهل بيت النبوة وشيعتهم، بأن رسول الله قد أكد وبكل وسائل التأكيد، بأن الله سبحانه وتعالى سيظهر الإسلام بالمهدي المنتظر على الدين كله، بحيث تختفى كل الأديان وتتلاشى ولا يبقى منها إلا دين الإسلام. [راجع ينابيع المودة ص 423، ومنتخب الأثر للرازي ص 294، والحديث 712 من أحاديث المعجم ج 3]. وهذه المعلومة عند أهل بيت النبوة وأوليائهم من المسلمات التي لا يختلف فيها اثنان، لأن المهدي ستكون له دولة عالمية يشمل حكمها وسلطانها ونظامها كل أقاليم الكرة الأرضية، وستكون المنظومة الحقوقية الإلهية المتكونة من القرآن الكريم والسنة النبوية هي القانون الأوحد والنافذ في هذه الدولة، وسيكون الدين الإسلامي هو الدين الرسمي والفعلي لكافة رعايا ومواطني تلك الدولة. حيث ستتزامن عملية بناء الدولة العالمية مع عملية نشر الإسلام، فتسير العمليتان معاً، حيث سيدعو المهدي الناس جميعاً إلى الإسلام، ويهديهم إلى أمر قد دثر فضلّ عنه الجمهور. [راجع الإرشاد ص 364، وروضة الواعظين ج 2 ص 264، وإعلام الورى ص 431، وكشف الغمة ج 3 ص 254، وإثبات الهداة ص 537 ج 3، والبحار ج 51 ص 30، والحديث 1122 من المعجم]. وإن المهدي سيصنع كما صنع رسول الله، حيث سيهدم أمر الجاهلية كله، ويستأنف الإسلام جديداً. [راجع الحديث 1123 من احاديث المعجم وراجع المصادر المذكورة فيه والحديث 1124].
وأكد الرسول هذا المحتوم بقوله: (... أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ويميت الأحياء ويرد الله الحق إلى أهله، ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيه فابشروا ثم ابشروا... [راجع البحار ج 41 ص 127، والتهذيب ج 4 ص 97، والكافي ج 3 ص 536، والحديث رقم 1126 من احاديث المعجم]. وحيثما حل المهدي وحيثما ارتحل يفتح المدارس والمعاهد لتعليم الناس القرآن على ما أنزل الله، فمع المهدي القرآن المكتوب بخط على، وبإملاء رسول الله، ومع هذا القرآن حاشية بخط على، وإملاء الرسول تتضمن القول الفصل بكل مسألة وردت فيه، فضلاً عن ذلك فإن المهدي بوصفه الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة الذين أختارهم الله لقيادة العالم قد ورث علمي النبوة والكتاب، ولا يخفى عليه من أمرهما شيء فيوجه الحركة العلمية، بحيث تأتي منسجمة مع علمي النبوة والكتاب، ومتفقة معهما، ويعدل الوقائع السابقة لعهده لتكون متفقة مع المفهوم الشرعي، فقد يهدم منابر ويدخل التعديلات الجذرية، حتى على المساجد لتكون كما أرادها الله ورسوله بلا زيادة ولا نقصان.
ويبدو واضحاً أن شيعة الخلفاء (أهل السنة) على شُحّ مواردهم اليقينية من الحديث قد توصلوا إلى ذات النتيجة، فكيف يمكن أن يملا المهدي الأرض عدلاً وقسطاً، ويرضى عنه ساكن الأرض وساكن السماء إن لم يحكم بما أنزل الله!! وما أنزل الله وحكم الله مختصر بكلمة الإسلام، فعند ما يكون الإسلام هو القانون النافذ في الدولة وهو دينها الرسمي، ويتزامن نشره في العالم مع بسط المهدي لسلطانه في الأرض، فيعني ذلك ضمناً أن المهدي سيظهر الإسلام على الدين كله، وقد صرح بذلك أعلام المفسرين من أهل السنة كنا أسلفنا تحت عنوان: (المهدي في القرآن والسنة).
حتمية هذه المعلومة ومنطقيتها معاً
الثابت بأن عيسى ابن مريم سينزل ويظهر في زمن المهدي، وأن المهدي المنتظر سوف يؤم المسيح ابن مريم في الصلاة، وعندما ينزل المسيح ابن مريم تكون للمهدي دولته المستقرة، وحكومته المشكلة، وجيشه القائم ونفوذه وصيته الواسع، مما يعني أن المهدي هو الإمام الشرعي والرئيس الفعلي لأمته ورعاياه، ويفهم بوضوح من الأحاديث والأخبار التي عالجت هذه الناحية، بأن السيد المسيح مكلف بمهام معينة تساعد على تمكين أمر المهدي، وهزيمة أعدائه، وأن الاثنين سيشكلان فريقاً واحداً برئاسة المهدي ينصب هدفه بالدرجة الأولى والأخيرة على إنقاذ الجنس البشري وهدايته إلى الصراط المستقيم، والعمل معاً لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة أعداء الله هي السفلى، وتوحيد العالم كله لتكون له دولة واحدة، ودين واحد هو دين الله، ولتقسيم موارد العالم على سكانه بالسوية، ليتحقق الوفر والكفاية للجميع، ولتعيش البشرية أزهي عصورها في ظلال الحكم الإلهي، فيحق الله الحق ويبطل دعاوي المبطلين.
فعندما يرى أتباع الديانة المسيحية المسيح ابن مريم نفسه منقاداً للمهدي ومتبعاً لدينه، فما هي حججهم، وما هي مبرراتهم لمخالفة المسيح وعدم اعتناقهم للدين الذي اعتنقه!! ثم ماذا يبقى لهم إن كان المسيح نفسه على غير دينهم، وهذا يدعوهم وبالضرورة لاعتناق الإسلام دين الله ودين المهدي والمسيح، وعندما تدخل هذه الكثرة من أتباع المسيح في الإسلام على يد المسيح وبمساعدته، فإن دخولها سيخلق حالة من الانبهار العالمي، والوعي العالمي، والمناخ الملائم لاعتناق العالم لدين الإسلام فتقبل الأكثرية الساحقة على دين الله لتدخلة أفواجاً أفواجاً، ويبدو أن اليهود سيقاومون بكل قواهم، وسيقتل خلق كثير منهم، ولكن من يبقى منهم سيستسلم في النهاية ويعتنق الأسلام. ثم إن الله سبحانه وتعالى سيسلح المهدي والمسيح بفيض وافر ودائم من الآيات الربانية والمعجزات المتتابعة التي تخضع لها الأعناق، بحيث يضطر أكثر الخلق عتواً إلى التصديق والتسليم.
وعندما ينجح المهدي بتوحيد العالم، وتكوين دولته العالمية، ونشر القسط والعدل وتحقيق الكفاية والرخاء المطلق لكل سكان الأرض، فلا يبقي فيها محتاج واحد عندئذ يبهر العالم بالفعل، ويحب هذا الرجل المعجزة حباً عظيماً.
فيتعلق بالمهدي وبدينه تعلقاً شديداً، فيكتشف العالم بأنه قد وجد ضالته المنشودة بالاسلام الذي حقق به المهدي عصر البشرية العظيم.
ألم تر كيف دخلت الملايين في الشيوعية ووالتها بسبب وعود الكفاية والرخاء، وكيف أن هذه الماليين قد أعطت كل مالديها وصبرت صبر أيوب، ولما اكتشفت المايين أن الشيوعية لا تملك ذلك أنفضت من حولها!! وأكثر العقائد البشرية استقطبت أتباعها بشعارات تهواها النفوس، ثم اكتشفت أنها وعود لا يمكن تحقيقها!! ويمكنك أن تتصور حجم الإقبال على دين المهدي وشخصه عندما يحوّل الأحلام إلى حقائق، والمنى إلى وقائع ملموسة بأيام أو شهور!! يقينا ان العالم الذي عضّه الظلم وأذلته الحاجة، وكفر بالوعود الكاذبة سيحب المهدي ودينه إلى درجة العشق والدنف، والهيام.
المهدي المنتظر يظهر في آخر الزمان
كما صحّت وتواترت عند أهل بيت النبوة وشيعتهم وعند الخلفاء والتاريخيين وشيعتهم (أهل السنة) الأحاديث التي تحدثت عن حتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر، صحت وتواترت عندهم الأحاديث النبوية التي تحدثت من أن المهدي المنتظر سيظهر في آخر الزمان أي في المرحلة الأخيرة من الحياة الدنيا، وقبيل قيام الساعة وانتهاء دورة الحياة الدنيا وعلى هذا أجمعت الأمة، وأرسلت هذه المعلومة الدينية إرسال المسلمات.
نماذج من هذه الأحاديث
1 ـ قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي)... [راجع تذكرة الخواص ص 363، وعقد الدرر ص 32 ب 3، ومنهاج السنة لابن تيمية ج 4 ص 211، وقال ان الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم، منهاج الكرامة ص 28 عن ابن الجوزي ص 115، وإثبات الهداة ج 3 ص 606، ومنتخب الأثر ص 182 ف 2 ب 1 ج 1 عن تذكرة الخواص لابن الجوزي الحنبلي، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 113].
2 ـ ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يقوم في آخر الزمان رجل من عترتي)... [راجع الداني ص 94، وعقد الدرر ص 39 ب 3، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 114].
3 ـ ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي يخرج في آخر الزمان)... [غيبة الطوسي ص 111، وإثبات الهداة ج 3 ص 502، والبحار ج 51 ص 73 ـ 74، ومنتخب الأثر ص 168، ومعجم الأحاديث ج 1 ص 114 ـ 115].
4 ـ ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (... يقوم بالدين في آخر الزمان کما قمت به في أول الزمان)... راجع [الطبراني في الكبير ج 3 ص 52 ح 2675، وفي الأوسط على ما في مجمع الزوائد، وصفة المهدي لابي نعيم علي ما في عقد الدرر، وينابيع المودة، وبيان الشافعي ص 478، ودخائر العقبى مختصراً ص 44، وعقد الدرر ص 151، ومجمع الزوائد ج 9 ص 165، وينابيع المودة ص 223، والإزاء ص 136، وکفاية الأثر 62، وكشف الغمة ج 3 ص 592].
5 ـ مثله قوله عن المهدي: (يظهر في آخر الزمان على رأسه غمامة). [راجع مواليد الأمة ووفياتهم ص 201، والصراط المستقيم ج 2 ص 260 ـ، وإثبات الهذاة ج 3 ص 615. ومعجم الأحاديث ج 1 ص 211].
6 ـ ومثله قوله عن المهدي: (يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي المال بغير عدد). [ابن حماد ص 98، ابن أبي شيبة ص 196 ح 19486، وأحمد بن حنبل ج 3 ص 5 و48 ـ 49 ـ 60 و98، وصحيح مسلم ج 4 ص 2234 وص 2235، وأبو يعلى ج 2 ص 421، ابن حبان ج 8 ص 240، والحاكم ج 4 ص 454، والداني ص 98، والفردوس ج 5 ص 510، ومجمع الزوائد ج 7 ص 316، ومقدمة ابن خلدون ص 250، وراجع معجم أحاديث الأمام المهدي ج 1 ص 231 ـ 236 تجد بقية المراجع].
والأحاديث النبوية التي سقناها كنماذج لحتمية ظهور الإمام المهدي تنم وتوحي بما لا يخفى على الانسان العادي، بأن الإمام المهدي سيظهر في المرحلة الأخيرة من الحياة الدنيا، وبعد ظهوره بزمن يطول قليلاً أو يقصر ستنتهي دورة الحياة الدنيا، وتقوم الساعة حيث ستبدأ دورة الحياة الأخري.
الباب الرابع: هوية المهدي الذي بشرّ به الرسول وعلامات ظهوره
الفصل الأول: اسم المهدي المنتظر واسم أبيه وجده ورهطه وكنيته عند أهل بيت النبوة ومن والاهم
أجمع عمداء أهل النبوة، أو شيوخ آل محمد، أو الأئمة الأعلام الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب، والذين اختارهم الله، وأعدّهم وأهّلهم لقيادة الأمة ومرجعيتها طوال عصر ما بعد النبوة، والذين سماهم رسول الله بأسمائهم قبل أن يولد تسعة منهم، بأن المهدي المننتظر هو العميد أو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة وهو:
الإمام محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد النبي الأعظم، وحفيد بنته البتول الزهراء الهاشمي، ويكني بأبي القاسم، وقد نهى الأئمة الكرام عن ذكر اسمه ـ ربما خوفاً عليه ـ فعرف بمجموعة من الاصطلاحات منها الصاحب، والقائم، وصاحب الزمان، وصاحب الدار والحضرة المقدسة، والرجل، والغريم. [راجع في رحاب أئمة أهل بيت النبوة مجلد 2 ـ 3 ـ 5 ص 5 لمحسن الأمين].
وعندما يُجمع الأئمة الأعلام على أمر من الامور ويحدثون به فانهم لا يجمعون ولا يحدثون بناء على رأي أو اجتهاد منهم، إنما يجمعون ويحدثون بناء علي حديث رسول الله، فقد جزم الأئمة الاعلام بأنهم قد سمعوا ووعوا وتيقنوا يقيناً بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبرهم بأن المهدي المنتظر هو محمد بن الحسن المكنى بأبي القاسم، وهو خاتم الأئمة، وتبعاً لاجماع أئمة أهل بيت النبوة الأعلام أجمعت شيعتهم التي والتهم، وتتلمذت على أيديهم، ونهلت علومهم. وتحقق عند الشيعة اليقين القاطع بأن المهدي المنتظر الذي بشر به رسول الله وخاتم النبيين هو محمد بن الحسن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة وهو ابن النبي وحفيده، والبقية الباقية من عترته أهل بيته الطاهرين وآله الأكرمين، وصار هذا اليقين جزءاً أصيلا من العقيدة الدينية الإسلامية عندهم، وسمة من أبرز سمات مذهبهم. وهكذا وصل أئمة أهل بيت النبوة الأعلام، وهم ناصية آل محمد وتاج أهل بيته إلى القول الفصل واليقين المطلق بهذه الناحية، وأوردوا شيعتهم ومواليهم المخلصين نفس المورد، فتحقق اليقين الكامل عند أهل بيت النبوة وشيعتهم، بأن المهدي المنتظر هو خاتم الأئمة الاثنى عشر، وهو محمد بن الحسن... حتى ينتهي برسول الله أباً وجداً بعلي بن أبي طالب أباً وجداً، وبالسيدة البتول الزهراء ابنة النبي أماً وجدة. وهكذا حسم بيت النبوة بما ورثوه من علمي النبوة والكتاب اسم المهدي المنتظر، واسم أبيه وجده ورهطه وكنيته ونعموا هم ومواليهم بسلام اليقين، وراحته.
اسم المهدي واسم أبيه وجده وبطنه وكنيته عند شيعة الخلفاء أهل السنّة
1 ـ لكي تقف على الحقائق المجردة
أسست بطون قريش الخلافة التاريخية على أساس أن الهاشميين: (على الأخص عترة النبي وأهل بيته) قد أخذوا النبوة ولا ينبغي لهم، ولا حق لهم بأخذ الملك أيضاً. بل يتوجب أن يكون الملك لبطون قريش تتداوله في ما بينها، ولا حرج إن آلت الخلافة لأي مسلم يرى رأي هذه البطون، ويخلص لقضيتها ولو كان من الموالي: (لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لوليته واستخلفته)، ثم إن قيادة بطون قريش لم تكن ترى لأهل بيت النبوة وللهاشميين فضلاً أو مكانة خاصة أو تميزاً عن غيرهم، وحتى تنجح بطون قريش بدعاويها استولت على السلطة، أو الخلافة بالقوة والقهر وكثرة الأتباع، وسلمت حكم الولايات والأعمال وقيادات الجيش والمناصب العليا في الدولة لأبناء البطون، وشانئي أهل بيت النبوة والكارهين لولايتهم، وحتى لا يحتج أهل بيت النبوة بالأحاديث النبوية التي ذكرت فضائلهم وأكدت على حقهم الشرعي بقيادة الأمة ومكانتهم التأسيسية المميزة في الأمة، فإن قيادة بطون قريش التي صارت دولة منعت منعاً باتاً كتابه ورواية أحاديث رسول الله، ورفع مؤسسوها وخلفاؤها شعار: (حسبنا كتاب الله)، بمعنى أن القرآن يُغني عن حديث النبي، وعلّلت ذلك بقولها: أن أحاديث النبي تسبب الخلاف والاختلاف بين المسلمين. وبقي منع رواية وكتابة الأحاديث النبوية سارياً قرابة مائة عام). ولما آلت الأمور إلى معاوية جنّد كافة طاقات دولة الخلافة وامكانياتها وقاد بنفسه حملة کبرى يمكن أن نسميها: (حملة الفضائل) كلف أركان دولته بأن يرووا كافة الفضائل التي ذكرها رسول الله عن الخلفاء الثلاثة الأُول، وخاصة الثالث وكافة الفضائل الواردة بحق أي رجل من الصحابة لم يوال آل بيت النبوة، ولم يفعل معاوية ذلك حباً بالخلفاء، ولا بالصحابة ولكن إرغاماً لأنوف آل بيت النبوة وحتى تضيع فضائل أهل بيت النبوة ويميّع الاحكام الشرعية، ويطمس أي دليل بيت النبوة بقيادة الأمة، بدليل مرسومه الملكي الموجه لعماله والذي جاء بفقرة منه: فلا تدعو لأبي تراب (يقصد الإمام على) أو لأحد من أهل بيته (يقصد آل محمد وعترته أهل بيته) فضيلة يرويها أحد من المسلمين إلا وتأتوني بما يناقضها في الصحابة!! [راجع شرح النهج ج 3 ص 595 تحقيق حسن تميم نقلاً عن المدائني]. ولم يكتف معاوية بذلك بل فرض على كل رعيته أن يسبوا علياً بن ابي طالب بالعشي والأبكار وأن يلعنوه، ومن لا يفعل ذلك فقد حل دمه، ولم يكتف ابن هند بذلك بل اعتبر أن موالاة أهل بيت النبوة ومحبتهم من جرائم الخيانة العظمى، وعقوبتها القتل وهدم الدار، وقطع العطاء عن الذرية والتجريد من الحقوق المدنية، فلا تقبل شهادة من يحب علياً، أو أحداً من أهل بيت النبوة، ولما نفذت مراسيم معاوية بحذافيرها، وتمخضت عن مئات الألوف من الفضائل المروية والمختلفة، كما يقول ابن نفطويه، ولما استقرت سنّة اللعن والشتم وكراهية أهل بيت النبوة ومن والاهم حولت دولة معاوية والدولة الأموية عامة هذه السنن وتلك المرويات المختلفة إلى مناهج تربوية وتعليمية تدرس في المدارس والمعاهد والجامعات، وتناقلتها الأجيال كمسلمات، وبقيت هذه المناهج سارية المفعول وسياسة عامة للدولة الأموية طوال ألف شهر، ولما سقطت الدولة الأموية، وأفل النجم الأموي الرهيب، لم تسقط الثقافة الأموية، ثقافة الرعب والإرهاب وقلب الحقائق، بل أثمرت فقه الهوى الذي صار الأساس الواقعي للفقه الذي عرف بالإسلامي فيما بعد، وبعد قرابة مائة عام اقتنع المسلمون بضرورة كتابه الأحاديث النبوية وروايتها لمحت الدولة العباسية وأحست بهذا الاقتناع ولم تر بأساً من عدم اعتراضه، ولا حاجة لاستمرارية منع رواية وكتابة احاديث الرسول، بل رأت فيه الفرصة لدعم الحكم العباسي، فالعباس عم النبي وله فضائل، والعباسيون من بني هاشم، وللهاشميين مواقف في التاريخ. فتفتحت أبواب رواية وكتابة الأحاديث النبوية في هذا المناخ السائد والمناخ الوراثي المسيطر.
الان يمكنك أن تتفهم موقف شيعة الخلفاء من اسم المهدي واسم أبيه واسم رهطه
بعد أن توقفنا بالفقرة السابقة وبعمق عند الأساس الذي قامت عليه دولة الخلافة، وعلى الطريقة التي تكونت منها الثقافة التاريخية المعاوية تماماً لأهل بيت النبوة، والمنكرة لأي حق من حقوقهم، وعلى المحنة التي تعرض لها الحديث النبوي، والغاية من منع رواية وكتابة الأحاديث النبوية، يمكنك أن تتفهم وتفهم موقف شيعة الخلفاء من اسم المهدي واسم أبيه ورهطه. لما رفع الحظر وتفتحت الابواب والمنافذ على رواية وكتابة الأحاديث النبوية وفوجي ء علماء أهل السنة ورعايا دولة الخلافة التاريخية لحجم ونوعية وزخم الأحاديث والاخبار التي تحدثت عن المهدي المنتظر الذي بشر به النبي، وهي من الكثرة ومن الصحة ومن التواتر ومن الشيوع بحيث لا يمكن تجاهلها، وهي فوق هذا وذاك مناقضة لواق وثقافقة دولة الخلافة التاريخية، فاحتارت الدولة العباسية المشرفة بطريقة غير مباشرة على الرواية والكتابة والحاكمة الفعلية للعلماء الذين يروونه ويكتبون هذه الأحاديث والاخبار فيمكن الدولة العباسية، كما كان ممكناً للدولة الأموية من قبل، وكما كان ممكناً إلى خليفة أن يقتل أي عالم أو أي انسان لأي سبب يراه دون بيان الأسباب، فحسبت الثقافة التاريخية المستقرة بالنفوس ليس أمام المسلم الا الالتزام بالطاعة، أو مواجهة الموت، وقد فهم علماء دولة الخلافة مضامين هذه الثقافة وقواعد اللعبة، فلم يحرجوا الدولة، ولم يحرجوا أنفسهم فقاموا بعملهم ضمن الإطار العام لهذه اللعبة الرهيبة.
التمييع ومحاولة تفريغ النصوص من مضامينها
بحثنا هذه الناحية من قبل، ولا بأس من بحثها بمنتهى الاختصار لغايات الربط المحكم للبحث:
1 ـ المهدي رجل مجهول الهوية والاسم ولا يعرف له نسب في العرب، إنما هو مجرد شخص من الأمة، هذه مضامين حديث من الأحاديث التي تدخلت الدولة العباسية بوضعها، أو أحد الأحاديث التي رواها طاقم معاوية، ووجدها العلماء مكتوية وجاهزة، وما يدرينا أن العلماء لم يقووا على مواجهة العامة بحقيقة؛ أن المهدي من ذرية النبي ومن آل على لأن العامة قد أُشربت الثقافة التاريخية وفقه الهوى، فكان لا بد من اعداد العامة لتقبل حقيقة المهدي بالتمهيد بهذا العموم العجيب، وقد ورد حديثان بهذا المضمون أشرنا اليهما بالبحوث السابقة.
2 ـ يبدو أن الحديث الاول قد أثار ردة فعل وتساؤلات مثل: لماذا لا يكون المهدي من ذرية الخليفة الأول، أو الثاني أو الثالث، أو من ذرية معاوية أو الحكم بن العاص، أو من ذرية العباسيين على الأقل، لقد أحدث الحديث الأول بلبلة فرووا حديثاً ينفي أن يكون المهدي من أمة محمد كلها، ويبين بأن المهدي هو المسيح ابن مريم، وهذه أول مرة يُذكر فيها اسم المهدي (المسيح ابن مريم) وما يدرينا أيضاً ان هذا الحديث من الأحاديث التي روتها طواقم رواة معاوية بعد أن تيقنوا من أن المهدي من ذرية النبي وآل علي، فأرادوا أن يصرفوا هذا الشرف والتکليف الإلهي، وأن يطعموه لعيسي ابن مريم کحل وسط، وقد ثبت لعلماء أهل السنة أن هذا الحديث موضوع ومکذوب، بالرغم من جودة صناعته، وإن بعض الرواة لا وجود لهم بالواقع إنما هم من صنع الأوهام.
3 ـ ثم خطر ببال بعض الأذکياء المرتزقة، أو خططت أجهزة الدولة العباسية لتروي بواسطة أجهزتها وعناصرها المتخصصة أحاديث تفيد، بأن المهدي من ذرية العباس بن عبد المطلب عم النبي، ومثل هذه الروايات تجر معتماً للرواة وترضي الدولة، وتوطد حکمها ويستعقلها العامة، فالعباس عم النبي بالفعل، والعباسيون هم الحکام، ومن بيدهم العطاء وإلجاه والنفوذ، وشاعت هذه الأحاديث وروج لها جهاز الدولة، وليس من المستبعد أنها قد أُدخلت بالمناهج التربوية والتعليمية المعتمدة في دولة بني العباس، ونکاد أن نقطع بأن هذه النماذج الثلاثة من مخلفات روايات طواقم معاوية التي حرصت علي صرف کل خير وشرف عن أهل بيت النبوة وإعطائه لأي کان غيرهم، ولما شرع العلماء برواية وتدوين الأحاديث النبوية ومنها أحاديث المهدي وأخباره وجدوا هذه الروايات مکتوبة وجاهزة، وجزءاً من المناهج التربوية التي استقرت بنفوس الرعية طويلاً، فنقلوها کما هي، ومن يقوي علي الجهر بحرمان البيت العباسي الحاکم من هذا الشرف!! بل إن نقلها دليل موضوعية!! وحجة للعالم!! وإثبات وجود!!
الفصل الثاني: علماء أهل السنة يکتشفون أن المهدي المنتظر من أهل البيت ومن ذرية النبي وأن اسمه محمد!!!
الموضوعية
الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة هم ورثة علمي النبوة والکتاب، وهم المرجعية والقيادة الشرعية للأمة، وقد أهلهم الله ورسوله للإجابة علي أي سؤال جواباً يقينياً.
لکن الأکثرية الساحقة جداً من رعايا دولة الخلافة، بما فيهم العلماء کانوا يجهلون ذلک جهلاً تاماً، وتلک نتيجة طبيعية للثقافة التاريخية التي مکنتها دولة الخلافة في النفوس، والتي أشرنا إليها بعمق وإيجاز قبل قليل، ثم بدأ علماء دولة الخلافة يکتشفون المکانة الشرعية لأهل بيت النبوة وإلمؤهلات العلمية للأئمة الأعلام، ولکن علماء أهل السنة لم يکونوا علي يقين من ذلک، ثم إن هناک حالة القسر الاجتماعي والفجوة النفسية التي صنعتها ثقافة التاريخ، والتي تحول دون التيقن من معلومات أهل بيت النبوة!!
لذلک أوجد علماء دولة الخلافة لأنفسهم قواعد ووسائل معينة لرواية أحاديث الرسول، وتمييز صحيحها من باطلها، وقويها من ضعيفها، وجدوا واجتهدوا بطلب أحاديث الرسول، وممن رووا؟ عن الثقاة، (ومستوري الحال)، وعن المجاهيل وعن أولياء الجميع، ولكنهم لم يرووا عن أي رجل متهم بموالاة أهل بيت النبوة، أو التشيع لهم، لأنهم رأوا في ذلك اخلال: (بالأمانة والموضوعية) ووفق قواعد هذه الموضوعية، لا حرج على العلماء لو رووا أحاديث النبي عن معاوية، أو عن الحكم بن العاص، أو رجل من شيعتهم ومن مواليهم، لكن الحرج كل الحرج والإخلال (بالموضوعية العليمة) يتأتي من الرواية عن أي شخص من موالي أهل بيت النبوة!! حتى ولو كان نقياً تقياً صادقاً قدّيساً، لأن الثقة وو الامانة والتشيع لأهل بيت النبوة عندهم لا يجتمعان!!! لقد قال أحدهم عن الشافعي عندما سئل عنه ليس بثقة، والسبب أن الشافعي كان يجهر بحب أهل بيت النبوة!! ولما قيل لذلك العالم أن زيداً من الناس ثقة وهو شيعي اندهش ذلك العالم وعبر عن حقيقة مشاعره بقولة: (شيعي وثقة)!!!!!.
هذه هي طبيعة الموضوعية التي التزمتها غالبية العلماء من شيعة دولة الخلافة، ومع هذا فقد توصلت إلى نتائج مذهلة حقاً!!!
النتائج المذهلة التي توصل لها علماء شيعة الخلفاء حول اسم المهدي واسم جده ورهطه
1 ـ لقد تبين لعلماء أهل السنة بعد رواياتهم المكثفة لأحاديث الرسول، ووفق مناهجهم وقواعدهم الموضوعية أن المهدي المنتظر من عترة النبي أهل بيته. [الحديث 44 و55 و57 و59 و62 و69 و70 و84 و88 و95 و96 من احاديث معجم الإمام المهدي ج 1، وراجع عشرات المراجع المبينة إزاء كل منها وقد حكم علماء أهل السنة بصحة هذه الأحاديث وتواترها].
2 ـ وأبعد من ذلك فقد أكدّ علماء أهل السنة أن المهدي المنتظر من ولد فاطمة. [راجع الحديث 74 و81 من أحاديث الإمام المهدي، وراجع المراجع المذكورة تحتها، والحديث 77 والحديث 99]. وقد حكم علماء أهل السنة بصحة هذه الأحاديث وتواترها أيضاً].
3 ـ وأوضح من ذلك فقد توصل علماء أهل السنة على ان المهدي المنتظر من ولد الحسين بن علي بن ابي طالب. [الحديث 75 و76 والحديث رقم 100 جـ 1 من معجم الأحاديث]. وقد حكم علماء أهل السنة بصحة هذه الأحاديث وتواترها أيضاً.
4 ـ وروى علماء أهل السنة أحاديث عن النبي تضمنت بانه قد قال: (المهدي من ولدي) أي من أحفاده وذريته الطاهرة. [راجع الحديث رقم 64 و72 و75 و86 من أحاديث معجم أحاديث الإمام المهدي، وراجع المراجع المدرجة تحت كل واحد منها]. وقد صحت هذه الأحاديث عند علماء أهل السنة، وتواترت.
5 ـ وتبين لعلماء أهل السنة أيضاً بأن رسول الله قد قال: بأن اسم المهدي كاسم الرسول (محمد). [راجع الحديث 60 و64، (اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي) و75 من أحاديث الإمام المهدي ج 1 ثم ذكروا هذه الأحاديث بصيغة اخرى فقالوا أن رسول الله قد قال: (بأن اسم المهدي يواطىء اسم النبي. [راجع الحديث 68 و90 و97 و98 و99، وقدروا أن المواطأة تعني المشابهة أي ان اسم المهدي يشبة اسم النبي]!!
وقد صحت عندهم هذه الأحاديث وتواترت أيضاً، واقتنع بصحتها العامة والخاصة فيهم.
ومعنى ذلك فان شيعة الخلفاء أو أهل السنة قد تيقنوا بأن المهدي المنتظر من عترة النبي أهل بيته، ومن صلب علي بن أبي طالب، وبالتحديد من صلب الحسين، ومن أحفاد فاطمة بنت النبي، وأن اسمه كاسم الرسول (محمد) وهذا خط الدفاع الثاني وهم لم يتجاوزوه قيد أنملة، فلا يمكنهم الاعتراف بأن المهدي هو محمد بن الحسن ثاني عشر أئمة أهل بيت النبوة وخاتمهم، لأنهم لو فعلوا ذلك لانهار البناء على ساكنيه، ولسحبوا ضمناً بساط الشرعية والمشروعية من تحت أقدام الخلافة التاريخية كلها، ولكانوا شركاء بالجرم!! ولكن ما توصل إليه علماء أهل السنة الأفذاذ في هذا المجال يعتبر انجازاً علمياً بكل الموازيين، وتمرداً مذهلاً على ثقافة التاريخ والحواجز النفسية التي ترسخت في نفوس العامة والخاصة من شيعة الخلفاء وبعض علماء أهل السنة تجاهلوا تلك الثقافة التاريخية وأثرها وصرحوا علناً بأن المهدي المنتظر هو محمد بن الحسن ثاني عشر أئمة أهل بيت النبوة وقد أشرنا إلى مؤلفاتهم في بحوثنا السابقة.
المهدي المنتظر خاتم الخلفاء أو الأئمة الشرعيين
أجمع أئمة أهل بيت النبوة الاعلام على ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد سمى الأئمة الشرعيين من بعده، وحصرهم بأثني عشر خليفة أو اماماً، وأن الرسول الأعظم قد اكد وبكل وسائل التأكيد، بان علياً بن ابي طالب هو اول الخلفاء أو الأئمة الشرعيين، وأن المهدي المنتظر محمد بن الحسن هو خاتم الخلفاء، أو الأئمة الشرعيين المؤهلين الهياً للمرجعية وقيادة الأمة.
وتبعاً لإجماع أئمة أهل بيت النبوة أجمعت شيعتهم التي تتلمذت على أيديهم، ونهلت العلوم منهم مباشرة، وصارت هذه المعلومات من الحقائق الدينية التي يرسلون صحتها ارسال المسلمات.
وقد روى أهل السنة أحاديث عن رسول الله صحت وتواترت عندهم، مفادها أن المهدي هو آخر الأئمة وخاتمهم مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (بنا يختم الدين كما بنا فتح)... [ابن حماد ص 102، والطبراني في الاوسط ج 1 ص 136 ـ 157، والبيهقي علي ما في عقد الدرر، وعقد الدرر ص 25 ب 1 وص 142 ب 7، ومجمع الزوائد ج 7 ص 216، ومقدمة ابن خلدون ص 253 ب 53، والحديث رقم 154 من المعجم].
ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: (الأئمة من بعدي اثني عشر، اولهم انت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها). [مناقب ابن شهر اشوب ج 1 ص 298، وغاية المرام ص 710 ب 142 ح 18، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 492 ـ 493، منتخب الاثر ص 58، والحديث رقم 155 من المعجم].
ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: (يا على اني مزوجك فاطمة ابنتي سيدة نساء العالمين وكائن منكما.. عدتهم عدة أشهر السنة اخرهم يصلي عيسى ابن مريم خلفه). [النعماني ص 57 ب 4 ج 1، ومنتخب الاثر ص 29، والبحار ج 36 ص 272، والحديث رقم 157 من المعجم ج 1].
ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم (يا على الأئمة الراشدون... من ولدك اثني عشر، وانت أولهم وآخرهم اسمه اسمي يخرج فيملأ الأرض عدلا وقسطاً). [الحديث رقم 156 ج 1 من المعجم، والنعماني ص 92 ب 4 ح 27، ومنتخب الاثر ص 60 ـ 61، والبحار ج 6 ص 259].
إجماع الامة على عدد الأئمة أو الخلفاء
1 ـ أهل بيت النبوة ومن والاهم وتخرج من مدرستهم يؤكدون بأن الأئمة أو الخلفاء الشرعيين من بعد النبي اثنا عشر، وأن الله قد اختارهم وأعدهم وأهلهم للقيادة والمرجعية من بعد النبي، وسماهم لرسوله وتسعة منهم لم يولدوا بعد، وأن دور الرسول كان مقتصراً على إعلان ما أوحى اليه من ربه. وكان أول أولئك الأئمة علي بن أبي طالب، وآخرهم محمد بن الحسن المهدي المنتظر وأنه قد حيل بينهم وبين الممارسة الفعلية لحقهم الشرعي بخلافة النبي وقيادة الامة من بعده، لأن الأمة قد اتبعت الغالب وخذلت الأئمة الشرعيين.
2 ـ والخلفاء التاريخيون ومن والاهم وتخرج من مدارسهم يؤكدون جميعاً، بان الرسول بالفعل قد أكد وبيّن، بأن الخلفاء أو الامراء أو الأئمة أو النقباء من بعده اثني عشر، وقد جزموا بصدور هذا عن رسول الله وصحت عندهم هذه الأحاديث وتواترت وأرسلوها إرسال المسلمات.
ولكنهم جميعاً لا يعرفون اسماء هؤلاء الاثني عشر، ويدعّون بأن الرسول لم يسمّ أي واحد منهم!! ولا يعرفون أول الاثني عشر ولا خاتمهم.
شيعة الخلفاء أمام مشكلة كبرى
إذا صدق الخلفاء وشيعتهم أهل بيت النبوة وما قالوه عن الاثني عشر اماماً فمعنى ذلك أن الخلفاء وشيعتهم قد أدانوا أنفسهم، وأقروا اقراراً شرعياً، بانهم قد غصبوا الأمر من أهله، وأخرجوه من معدنه. وفي ذلك قلب كامل للواقع التاريخي كله وسحب لبساط الشرعية من تحت أقدام كافة الخلفاء التاريخيين، ولا يتصور عاقل أن يفعل الخلفاء وشيعتهم ذلك!!! وهل يعقل أن يكون الخلفاء التاريخيين الذين ملكوا الجاه والنفوذ وخزائن الأموال ومن والاهم على باطل، وهم الأكثرية الساحقة جداً من الأمة وأن يكون أهل بيت النبوة وآل محمد والقلة المستضعفة التي والتهم على الحق!!!
محاولة الخروج من المأزق وايجاد حل للمشكلة
لقد تبين للخلفاء التاريخيين وشيعتهم ان عدد الذين تولوا الخلافة أو الإمارة من بعد النبي بالمئات، فكيف يوفقون بين العدد 12 وبين المئات!! لقد انقسموا إلى طوائف، وضعت قائمة بأسماء اثني عشر خليفة، وزعمت كل طائفة أن الأسماء الواردة في قائمتها ربما كانت هي النبي عناها رسول الله!!! والمدهش أن كافة قوائمهم تضمنت اسم معاوية، مع كل تاريخه، ومع كل ما فعله وتضمنت اسم ابنه يزيد الذي هدم الكعبة، وأباح مدينة رسول الله، وهتك أعراضها، وقتل ابن النبي وأباد ذريته، وتضمنت القائمة اسم مروان بن الحکم الذي لعنه رسول الله!! وهم للآن لا يعرفون من هو خاتم الخلفاء الاثني عشر.
هل المهدي في نظر شيعة الخلفاء خليفة
أخرج أحاديثه البخاري ومسلم بالوصف و52 من علماء الحديث عند أهل السنة أخرجوه بالاسم ولکنه عندهم ليس من الاثني عشر الذين عناهم رسول الله، فإذا كان المهدي الذي يعترفون بأنه سيفتح مشارق الأرض ومغاربها، ويُكوّن دولة عالمية، وينشر الإسلام فلي الأرض، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً ليس خليفة من الاثني عشر على الأقل، فمن هو الخليفة إذاً، ومن هو خاتم الخلفاء اذاً، وهل بعد المهدي خلفاء أو خليفة يختمهم!! إنهم أمام خيارين، فإما أن التضحية بالدين أو بالتاريخ، وقد عزموا على أن يثبتوا شرعية الخلافة التاريخية وأفعالها وبكل وسائل الإثبات ولو بالقوة!! لأنهم قد أشربوا ثقافتها، واختلط فقهها مع لحمهم ودمهم، فهي حي بشعورهم ولاشعورهم!! إنها لحالة عجيبة حقاً، فهم يتمسكون برواية رجل يقول أنه قد سمى صحابي يقول أنه قد سمع رسول الله يقول كذا وكذا.
ويهملون رواية أهل بيت النبوة الذين عاشوا مع الرسول تحت سقف واحد طوال حياته المباركة، ورافقوه في حله وترحاله، وورثوا منه علمي النبوة والكتاب، وأكد الرسول بأنهم والقرآن ثقلان، وأن الهدي لا يدرك إلا بهما، وأن الله قد فرض مودتهم على الجميع، وشهد لهم باطهارة، وجعل الصلاة عليهم جزءاً من الصلاة المفروضة على العباد! إن هذا لأمر عجاب!! ما سمعنا بهذا؛ والأنكى أنهم لا يقبلون رواية من يواليهم!!! في نفس الوقت الذي يقبلون فيه رواية أعداء الله ورسوله!!
إنها مشكلة کبرى لا يحلها إلا المهدي المنتظر خاتم الخلفاء الأئمة الشرعيين.
مكانة المهدي المنتظر ومقامه
للمهدي المنتظر مكانة خاصة، ومقام رفيع عند الله سبحانه وتعالى، فهو أحد سادات أهل الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة أنا وحمزة، وعلى، وجعفر والحسن والحسين والمهدي). [راجع تاريخ البخاري على ما في فتن ابن كثير، وفتن ابن كثير ج 4 ص 44 عن ابن ماجه، وراجع سنن ابن ماجه ج 2 ص 1368 ب 4 ح 4087، والطبراني، والحاكم ج 3 ص 211، وتاريخ بغداد ج 9 ص 434، وراجع الحديث رقم 110 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي تجد عشرات المراجع].
ويكفي المهدي شرفاً، ومكانته علواً أن عيسى ابن مريم يصلي خلفه، ويرضى به إماماً له، وقد أكله الرسول الأعظم بأن الجنة: (تشتاق إلى أربعة من أهلي قد أحبهم الله وأمرني بحبهم: علي بن أبي طالب والحسن والحسين والمهدي الذي يصلي خلفه عيسى ابن مريم). [راجع الحديث رقم 113 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي]. وقد بيّن الرسول بأن (المهدي طاووس أهل الجنة). [راجع الحديث رقم 114 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي، وراجع المراجع المدونة تحته منها عقد الدرر ص 148، ومصابيح السنة للبغوي، والحاوي للسيوطي ج 2 ص 83، والفردوس ج 4 ص 222، وينابيع المودة ص 181 ب 56 [. ثم إن المهدي من خيرة الله سبحانه وتعالى. قال الرسول مرة: (إن الله أختار من کل شيء شيئاً... وأختار من الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، وأختار مني ومن علي الحسن والحسين... تاسعهم باطنهم وهو ظاهرهم وهو أفضلهم وهو قائمهم ينفون عنه...) راجع الحديث 122 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي وراجع المراجع المذکورة تحته].
وهذا الحديث القدسي يبين مقام المهدي ومکانته عند الله وعند رسول الله، وجسامة المهام المناطة به. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لما عرج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى، ومن السدرة إلي حجب النور، ناداني ربي جل جلاله قائلاً: وبک وبه وبالأئمة من ولده أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منکم أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتکبيري وتمجيدي، وبه أطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي، وبه أجعل کلمة الذين کفروا بي السفلى، وکلمتي العليا، وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي، وبه أظهر الکنوز وإلذخائر بمشيئتي، وإياه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي، وأمده بملائکتي لتؤيده علي إنفاذ أمري، وإعلان ديني، ذلک وليي حقاً ومهدي عبادي صدقاً). [راجع الحديث رقم 123 ج 1 من المعجم والمراجع المذکورة تحته].
الفصل الثالث: آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
الأهداف الکبري والمهام العظمى
المهام الکبرى، والمهام العظمى المناطة بالإمام المهدي مهمة تنفيذها وتحقيقها تستدعي آيات ومعجزات من نوع مکثف وخاص. فالمهدي المنتظر مکلف بأن يقطف ثمرة جهد کافة الأنبياء والرسل والأوصياء، وأن يحقق ما تطلعوا إلى وتحقيقه، وذلک بأن يهدي سکان الکرة الأرضية من مختلف الأديان ألى دين الله الواحد وهو الإسلام، ومکلف بأن يکوّن دولة عالمية تشمل کافة أقاليم الکرة الأرضية براً وبحراً وجواً، ويحمل جنسيتها کافة أبناء الجنس البشري المتواجدين علي الکرة الأرضية في زمن المهدي، ومکلف أيضاً بأن يجعل المنظومة الإلهية قانوناً نافذاً في کافة أرجاء دولته العالمية، وأن ينشر العدل المطلق، ويحقق الکفاية والرخاء التام لکافة أبناء الجنس البشري، ليتعرف العالم على طبيعة الحکم الإلهي، ونتائج هذا إن طبق، وليحيا أبناء الجنس البشري العصر الذهبي في ظلال هذا الحکم قبل قيام القيامة بقليل. وتلک أهداف ومهام لم يکلف بها نبي ولا رسول ولا وحي قط قبل المهدي المنتظر، کانت مهمة النبي والرسول والوحي علي الإطلاق: (أي نبي أو رسول أو وحي) مقتصرة على بذل العناية، وإقامة الحجة، ولا تنصب بکليتها علي تحقيق غاية، فالنبي أو الرسول أي نبي أو رسول، مطلب بأن يبلّغ رسالات ربه، وأن يبذل العناية الكافية بهداية قومه، وأن يثبت بأنه حقيقة نبي الله ورسوله، فإذا رفضت هذ الامة أو تلك مضامين الرسالة الإلهية، فإن هذا الرسول أو ذاك غير مخوّل بجر الناس إلى الحق جراً، وإلزامهم بالاعتراف بمضامين الرسالة الإلهية قسراً، لأن الفئة العليلة المؤمنة التي آمنت به وصدقت بمضامين الرسالة الإلهية لا تقوى على مواجهة الأكثرية الساحقة الكافرة بتلك المضامين والمواجهة بهذ الحالة لون من ألون الانتحار، لأن نتائج المواجهة محسومة سلفاً وفقاً لموضوعية وقواعد عملية (الابتلاء الإلهي) التي يجب أن تجري في مناخ حيادي، حتى يخضع العمل للثواب أو العقاب!! وأمام عدم قدرة الفئة المؤمنة على المواجهة، ولانه لا بد من عقاب الذين كذبوا رسولهم، وكفروا بمضامين رسالته، فقد ختمت أكثر الرسالة الإلهية بالعذاب النكر الذي صبَّه الله تعالى على الاكثرية الفاسدة التي آمنت بباطل أئمة الضلالة، وكفرت بالحق الذي جاءت به الرسالات الإلهية، فتصبح رسالة كل نبي سطر في تاريخ الهداية الإلهية، ومشعل يتالق نوره وسط عالم ملأه المجرمون بالظلمات.
مهمة الإمام المهدي المنتظر مختلفة اختلافاً جوهرياً
إذا كان النبي، أي مكلف الهياً ببذل عناية بقوم وعلى رقعة محدودة من الأرض، فأن الإمام المهدي مكلف الهياً بتحقيق غابة على مستوى الكرة الأرضية وعلى مستوى العالم كله، وتحقيق غايات الإمام المهدي كاملة، وتنفيذ المهام المنوطة به من المحتومات الإلهية التي لا مفر من تحقيقها، لأن الله تعالى قد حتم ذلك، وكلف الإمام المنتظر بتحقق كافة الغايات الإلهية التي حددها تعالى بنفسه، وأن ينفذ كافة المهام الإلهية التي وضعها الله تعالى بنفسه، ووعد الإمام المهدي بالدعم المطلق، والتأييد المطلق اللازمين لتحقيق الغايات الکبرى والأهداف العظمى، فلا بد أن يدخل سكان الكرة الأرضية في زمن المهدي بالإسلام، ولا بد من أن يكوّن المهدي دولته العالمية الشاملة لكل بقاع الأرض، ولا بد أيضاً من أن تكون المنظومة الحقوقية الإلهية هي القانون النافذ على كل سكان الأرض، ولا بد من نشر العدالة المطلقة، وتحقيق الاكتفاء التام والرخاء المطلق لكل بني البشر، هذه أوامر الله، وتلك مشيئته التي لا راد لها، وهي حتميات لا بد من وقوعها بالكم والكيف الذي أرادة الله.
آيات ومعجزات كافية لتحقيق الغايات وإنجاز المهمات
الأهداف والمهام الکبرى المناطة بالإمام المهدي المنتظر تحقيقها على مستوى الكرة الأرضية، وعلى مستوى بني البشر جميعاً تحتاج إلى آيات ومعجزات كافية، وناطقة بالحق، فاذا كان النبي موسى المكلف بإنقاذ بني اسرائيل من قبضة الفرعون، وهداية الاقليم المصري يحتاج إلى تسع آيات بينات، ومع أنه قد أظهر هذه الآيات التسع الا أن مصر لم يهتدوا، وأثمرت هذه الآيات عن انقاذ بني اسرائيل فقط وهدايتهم إلى حين، ومع أن الآيات والمعجزات الربانية قد تتابعت وأظهرها موسى جميعاً إلا أن بني اسرائيل قد انحرفوا انحرافاً كبيراً، وعبدوا العجل عندما غاب عنهم موسى أياماً معدودات، وحال الأنبياء جميعاً لم تختلف كثيراً عن حال موسى، ومعاناتهم لم تقل عن معاناته، إذا کان هذا الکم والکيف من المعجزات قد أظهرهما الله تعالى وإيد بهما موسى لغايات انقاذ بني إسرائيل من قبضة فرعون وهدايتهم، وهم مجرد عشيرة، فما هو حجم الآيات والمعجزات التي تلزم لتحقيق المحتويات المكلف الإمام المهدي بتحقيقها وهي على مستوى الكرة الأرضية ومستوى الجنس البشري!!! من المؤكد بأن الله سبحانه وتعالى سيزود الإمام المهدي بالآيات والمعجزات اللازمة والكافية لتحقيق الغايات، وانجاز المهمات التي كلفه الله تعالى بتحقيقها وانجازها.
نماذج من الآيات والمعجزات التي سيظهرها الله على يد المهدي المنتظر
قال الإمام جعفر الصادق: (ما من معجزة من معجزات الانبياء والأوصياء إلا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا، لاتمام الحجة على الاعداء). [راجع الحديث رقم 931 من معجم احاديث الإمام المهدي ج 3 ص 380، واثبات الرجعة للفضل بن شاذان واثبات الهداة ج 3 ص 700، ومنتخب الاثر ص 312 ح 3]. والإمام جعفر الصادق لا يحدث مثل هذا الحديث برأيه أو تحليله أو استناجاته، انما يحدثه رواية عن أبيه، وعن جده عن رسول الله، وهذا ثابت عن الأئمة الكرام بأنهم إذا حدثوا فانما يحدثون عن رسول الله، فضلاً عن ذلك، فان هذا الجزم من رجل وامام معروف بالصادق لا يتسع به الرأي ولا الاجتهاد، وعلى أي حال، فان أهل بيت النبوة مجمعون على أنهم قد سمعوا ووعوا رسول الله وهو يؤكد بأن الله سبحانه وتعالى سيزود المهدي بالآيات والمعجزات الكافية لتحقيق الغايات الکبرى، وتنفيذ المهام العظمى التي أناط الله تعالى بالمهدي تحقيقها وتنفيذها وان هذه الأحاديث صحيحة ومتواترة عندهم، وهم يجزمون بأنها قد صدرت من رسول الله بالفعل، وتبعاً لإجماع أئمة أهل بيت النبوة وجزمهم ويقينهم أجمعت وتيقنت بأن رسول الله قد أكد بالفعل، بأن الله سبحانه وتعالى سيظهر على يد المهدي المنتظر الآيات والمعجزات الكافية، لتحقيق الغايات الکبرى التي كلفه الله تعالى بتحقيقها. وهذا الاجماع والجزم واليقين من المسلمات التي لا يختلف فيها اثنان من شيعة أهل بيت النبوة المخلصين.
1 ـ فمع المهدي راية النبي الغالبة الحديث رقم 771، ومعه سلاح النبي الحديث رقم 772، ومعه مواريث النبي الحديث رقم 773، ومعه عصا موسى وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها، وانها لتنطق إذا استنطقت، اعدت للمهدي ليصنع، كما كان موسى يصنع بها، وانها لتروع وتلقف، ومعه حجر موسى لا ينزل المهدي منزلا الا انبعثت عين منه، فمن كان جائعا شبع ومن كان ظماناً روي. [راجع الحديث 775 و777].
2 ـ ينادي مناد من السماء ألا إن الحق في آل محمد الحديث 813، وينادي المنادي: (ان المهدي من آل محمد، فلان بن فلان باسمه واسم ابيه الحديث 815، ويسمع هذا النداء أهل المشرق والمغرب، حتى تسمعه الفتاة في خدرها الحديث 817.
3 ـ ويخرج المهدي المصحف الذي كتبه علي كما انزله الله بخط يده، ويإملاء رسول لله، ويخرج الجامعة التي فيها بيان حكم کل شيء حتى أرش الخدش. [راجع الحديث رقم 1115].
4 ـ وروي أن الملائكة الذين نصروا محمد يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد ولا يصعدوا حتى ينصروا المهدي، الحديث 824.
نماذج من احاديث رواها شيعة الخلفاء أو أهل السنة عن بعض معجزات الإمام المهدي
1 ـ (يخرج الإمام المهدي على رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه). [راجع الحديث رقم 118 ج 1 من المعجم. راجع بيان الشافعي ح 511 ب 15 والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 298، وقال: روته الحفاظ كأبي نعيم، والطبراني، والحاوي للفتاوي للسيوطي ج 2 ص 61، وتاريخ الخميس ج 2 ص 288 عن أبي نعيم].
2 ـ ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج المهدي وعلى راسه مَلَك ينادي ان هذا هو المهدي فاتبعوه. [رواه الطبراني، وأبو نعيم، وبيان الشافعي ص 512 ب 16، راجع الحديث رقم 119 ج 1].
3 ـ يظهر في آخر الزمان على راسه غمامة تظله من الشمس تدور معه حيثما دار ينادي منادٍ بصوت فصيح هذا هو المهدي، الحديث 120.
4 ـ (مع المهدي راية رسول الله المغلبة)... [الحديث رقم 133 ج 1 وابن حماد ص 98، وملاحم ابن طاووس ص 68 ب 140، وعرف السيوطي الحاوي ج 2 ص 75].
5 ـ في راية المهدي مكتوب البيعة لله. [راجع الحديث رقم 134 ج 1].
6 ـ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (فلو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يأتيهم رجل من أهل بيتي تكون الملائكة بين يديه ويظهر الإسلام). [رواة الترمذي على ما في تحفة الاشراف ج 9 ص 428، والديلمي على ما في كنز العمال ج 14 ص ص 269 ح 38684، والفردوس ج 3 ص 372، وتذكرة القرطبي ص 700، راجع الحديث رقم 84 ج 1 من أحاديث المهدي].
وقد صحت هذه الأحاديث وأمثالها عن أهل السنة وتواترت، وجزموا بانها قد صدرت بالفعل من رسول الله.
لماذا وُصف بالمهدي؟
الله سبحانه وتعالى هو الذي وصف الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة بالمهدي، وبناء على هذا الوصف الإلهي بشر رسول الله بهذا الرجل ووصفه بالمهدي أيضاً وبناء علي هذين الوصفين اعتقد المسلمون قاطبة بهذا الوصف فأطلقوة على الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة، أو على ذلك الخليفة الذي سيملك مشارق الأرض ومغاربها، ويكوّن دولة عالمية، وينشر العدل والرخاء والاسلام في الكرة الأرضية. أما لماذا وصف بالمهدي؟ فقد وردت عدة أخبار عن رسول الله وأهل بيته تجيب على هذا السؤال منها:
1 ـ فعن الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب انه قال: (انما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي لأمر خفي يهدي ما في صدور الناس، ويخرج التوراة من مغارة في أنطاكية ويعطي حكم سليمان) [راجع الحديث رقم 748 ج 3 من المعجم].
2 ـ وروى حديث عن رسول الله أنه قد قال لعلي: (يا علي لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من عترتك يقال له المهدي يهدي به العرب، كما هديت أنت الكفار والمشركين من الضلالة، ثم قال: ومكتوب على راحته بايعوه فإن البيعة لله عز وجل. [الحديث رقم 92 ج 1 من المعجم].
وما يعنينا هنا أن الرسول قد قال: يقال له المهدي، يهدي إلى امر الله ويهتدي به العرب.
3 ـ وروى عن الإمام جعفر الصادق أنه سئل: (المهدي والقائم واحد)؟ فقال نعم. فقال السائل: لأي شيء سمي المهدي؟ قال الإمام: لأنه يهدي الى كل امر خفي، الحديث رقم: 1121.
4 ـ وروى عنه أيضاً أنه قد قال: (إذا قام القائم عليه السلام دعا الناس إلى الاسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دُثر فضلَّ عنه الجمهور، وانما سمي القائم مهدياً، لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه)... [راجع الحديث رقم: 1122 والمراجع المذكورة تحته].
وعندما يظهر المهدي سيكون الإسلام أثراً بعد عين، سيكون العالم كله في ضلالة عمياء، يتخبط ولا يعرف طريق الهدى، إنه فريسة الظن والتخمين حائر بأمره، عندئذ يظهر الإمام المهدي فيهدي العالم إلى الصراط المستقيم ويدله عليها، ويضع تحت تصرف العالم الحوافز التي تحفزه لسلوك هذا الطريق، ومع التأكيد الإلهي، والتوفيق ينجح المهدي المنتظر بإنفاذ العالم وهدايته إلى طريق الخير، وينجح بتوحيد أبناء الجنس البشري ويهتدي إلى الطرق التي تشبع كافة حاجاتهم وتجعلهم يعيشون كفاية ورخاء. كل هذه الأسباب مجتمعة ومنفردة تكمن خلف وصف الإمام الثاني عشر بالمهدي.
الفصل الرابع: غيبة الإمام المهدي المنتظر
أجمع شيوخ آل محمد، أو الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة، أو العمداء الذين اعترف العالم كله بعمادتهم لأهل بيت النبوة على ان المهدي المنتظر الذي بشر به رسول الله هو الشيخ أو العميد أو الإمام الثاني عشر من عمداء أهل بيت النبوة، وهو بالتحديد محمد بن الحسن، وقبل أن يولد هذا الإمام انتشرت شائعة في أوساط الدولة العباسية، وبين رعاياها مفاها أن مولوداً من ذرية محمد رسول الله سيولد، وأنه سيكون المهدي المنتظر، وأنه سيستولي على كل أقاليم الأرض: (بما فيه إقليم الدولة العباسية) وسيخضع الخاصة والعامة لحكمه بما فيهم ذرية العباس، وخلفاء الدولة العباسية، فأوجست الدولة العباسية في نفسها خيفة، وحملت هذه الإشاعة على محمل الجد، وكلفت أجهزتها السرية بمراقبة مواليد أهل بيت النبوة، وعلى الاخص مواليد عميدهم آنذاك الحسن بن علي الهادي المعروف بالعسكري، کان إمام العصر آنذاک أو العميد الحسن بن علي العسکري علي علم بالشائعة، وكان يعلم علم اليقين أن ابنه محمد بن الحسن الذي سيولد هو بعينه الإمام الثاني عشر، وهو بعينه الإمام المهدي المنتظر، وكان الإمام العسكري يعلم بخيفة الدولة العباسية وبحركة أجهزتها السرية، وقد حمل هذه الخيفة وحركة الأجهزة السرية العباسية على محمل الجد، فأخفي ولادة ولده إخفاء تاماً الا على الصفوة من أوليائه، فلم يكن أحد يعلم أن للإمام الحسن العسكري ولد، وأن هذا الولد هو وارثه وهو العميد من بعده، ويوم وفاة الإمام الحسن العسكري فوجىء أركان الدولة العباسية الذين حضروا مراسم دفن الإمام بغلام لا يتجاوز عمره الخمس سنوات يقول لعمه الذي تأهب ليصلي بالناس على الإمام صلاة الجنازة، تأخر يا عم أنا أولى بالصلاة على أبي!! كان الغلام والمهدي المنتظر، وهو العميد الثاني عشر، فأُخذ العم من هول المفاجاة وتأخر، وتقدم الإمام الغلام ليصلي بالناس على أبيه صلاة الجنازة وعلمت الدولة العباسية أن هذا الغلام هو العميد والإمام من بعد أبيه، وتساءلت متى ولد!! وقدرت أنه ربما كان المهدي المنتطر فهو من ذرية النبي، وسليل الأئمة العمداء، وبدأت تستفيق من هول الصدمة، وتتعجب كيف أنها لم تعرف بولادته!! وأخذت أجهزتها السرية تخطط لمراقبة الإمام والقضاء عليه، لأنها أيقنت أنه المهدي المنتظر الذي عنته الأحاديث النبوية، وأنه سر الإشاعة التي انتشرت بين الناس!!! بعدما عرف أركان الدولة العباسية والخاصة والعامة من رعاياها أن للامام الحسن العسكري ولد، وأن اسمه محمد وأنه الإمام والعميد من بعد أبيه، وأنه قد أمّ الجميع بصلاة الجنازة على أبيه، وبعد أن ربط الناس إشاعة المهدي الموعود المنتظر بهذا الغلام، وبعد أن صممت أجهزة الدولة العباسية على وضع الخطط والقضاء على هذا الإمام الغلام اختفى بالكامل، وعجزت الدولة العباسية بكل قوتها عن تحديد مكان وجوده، أو اثبات وفاته!! كأن الغلام الإمام قد تبخّر من الأرض!! وزاد من حيرة الدولة العباسية وأجهزتها السرية، أنها قد تيقنت بأن الإمام الغلام كان يمارس مهام الإمامة على أوليائه، فتجبى له الأموال، ويوزعها على مستحقيها وينفقها على مصارفها الشرعية، وأنه كان يصدر الأوامر والتوجيهات لأتباعه بواسطة سفراء، عجزت الدولة العباسية عن معرفتهم أو معرفة أمكنة إقامتهم!! لقد كان الإمام الغلام وسفراؤه شغلها الشاغل، ولكنها لم تصل إلى نتيجة.
فيئست من العثور على الإمام الغلام، ويئست من العثور على سفرائه ومن معرفة وسائل اتصالهم بالإمام، وانتشرت الشائعات واستقر في أذهان العامة والخاصة من رعايا الدولة العباسية أن الإمام الغلام هو المهدي المنتظر بالفعل، وقد روا أنه هو وحده الذي سيخلصهم دون أن يضطروا لتقديم أي تضحية!! بل سيأتيهم الخلاص والإنقاذ تماماً كما تعود المطر أن يأتيهم!!
ومن ذلك التاريخ لم تره رعايا دولة الخلافة، وإذا رأته فانها لا تعرفه، لقد احتارت تلك الرعايا أين ذهب الغلام الإمام، وكيف اختفى، ولم يجزم أحد بموته، بل ولم يدع أحد موته!! وهل يعقل أن يموت شيخ أو عميد أو إمام آل محمد ولا يعرف المسلمون بموته!! كان كل إمام من أئمة أهل البيت أو شيوخهم أو عمدائهم بمثابة البدر المتألق في السماء يعرفه المسلمون قاطبة على الرغم من محاولات الخليفة وأركان دولته للتعتيم عليه، والحط من قدره، والتقليل من مكانته، فكانت رعايا دولة الخلافة تعرف طوال التاريخ، بأن هذا الإمام أو ذاک هو ابن رسول الله، وما من عميد أو شيخ أو إمام من عمداء أو شيوخ أو أئمة أهل بيت النبوة قد مات إلا وعرف كل المسلمين بموته، وبكى عليه الصادقون أو تباكي عليه الخلفاء وأعوانهم!! فهل يعقل أن يموت محمد بن الحسن (المهدي المنتظر) وهو إمام وابن إمام، وهو شيخ آل محمد وعميدهم ولا يعرف الناس عن موته!!! وحتى دولة الخلافة التي كانت تحصي على الناس أنفاسهم لا تدعي بأن هذا الإمام قد مات، لانها لا تملك دليلاً وليس بإمكانها تلفيق دليل من عندها!!
كل هذا يعني بان الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة هو هو محمد بن الحسن (المهدي المنتظر) ما زال حياً يرزق، ولكنه غائب أو مغيب الهياً عن أعين الناس، وهو يعرفهم، ويراهم، وقد يرونه ويعرفونه، ولكنهم يجهلون أنه الإمام المهدي المنتظر أو محمد بن الحسن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة.
أحاديث عن رسول الله
روي المسلمون أحاديث عن رسول الله تبين بأن رسول الله قد قال بأن المهدي المنتظر، ستكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأنام. [راجع الحديث رقم 159 والحديث رقم 160، 161]. وقد بيّن الرسول أن غيبة المهدي ضرورية لأنه يخاف القتل 167، بل وشجع الرسول أولياءه على موالاة الإمام المهدي وهو غائب، الحديث 165، والأهم أن الرسول قد أقسم بربه بأن المهدي سيغيب، لأن هذه الغيبة ضرورية لتمحيص الذين آمنوا ومحق الكافرين وفق قواعد العدالة والابتلاء الإلهي، الحديث 167، وقد صحت هذه الأحاديث عن رواتها، وتواترت، جوانباً من نظرية المهدي المنتظر التي كشف رسول الله عن وجودها على الاسلام. [راجع الأحاديث ذوات الارقام 159 ـ 161 ـ و164 و165 و167 و168 من المجلد الاول من معجم أحاديث الإمام المهدي، وراجع عشرات المراجع المذكورة تحتها].
إجماع آل محمد وأهل بيت النبوة
لا يوجد عاقل واحد في الدنيا ينكر بأن آل محمد، أو عترته أهل بيته كانت طوال التاريخ فئة من المسلمين متميزة عن غيرها من الفئات، وفي كل زمان من الأزمنة التي تلت موت النبي، وانتهت بموت الحسن العسكري الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت كان قد وجد على رأس هذه الفئة: (أعني آل محمد وأهل بيته) رجل هو بمثابة العميد أو الشيخ لآل محمد، وهو بمثابة الإمام الشرعي المؤهل الهياً لقيادة الأمة لو سلمت اليه، وکان العالم كله يعرف هذا الإمام، ويعترف به، ويقر أنه بالفعل شيخ آل محمد، وأنه أقرب الأحياء من أبناء عصره للنبي. وكان العالم كله يعرف بأن عمداء آل محمد أو أئمتهم علماء على الأقل، وأنهم قد ورثوا علوم جدهم رسول الله، أو أنهم على الأقل من علماء المسلمين!!
تلك حقائق لا يماري فيها إلا تافه أو ناصبي لقد أجمع الأئمة أو العمداء الأحد عشر الذين تولوا رئاسة آل محمد بأنهم قد سمعوا رسول الله يؤكد بأن المهدي المنتظر ستكون له غيبة، ثم يقبل كالشهاب الثابت على حد تعبير رسول الله، [الحديث رقم 159 من المعجم]. وقد جزموا بأن هذه التأكيدات قد صدرت من الرسول بالفعل وهم يشهدون على ذلك. فقد أكد الإمام علي أنه سمع الرسول، وأكد الإمام الحسن ذلك، وأكده الإمام الحسين، مثلما أكد زين العابدين، والباقر، والصادق والكاظم، والرضا، والجواد، والهادي والعسكري، وهم مشيخة آل محمد طوال فترة ثلاثة قرون من الزمن! وقد وضَّح شيوخ آل محمد الصورة فبينوا أن الإمام المهدي ستكون له غيبتان، الغيبة الأولى يختفي فيها عن أعين السلطة وأوليائها، وعن عامة أوليائه، ويدير أمر أوليائه من خلال سفراء انتقاهم أبوه، وأقر هو هذا الانتقاء، أما الغيبة الثانية فيختفي فيها المهدي تماماً ولا يعرف مكان وجوده أحد لا من السلطة، ولا من أوليائه.
نماذج من أحاديث الأئمة
قال الإمام على: (أما والله لأقتلن أنا وابناي هذان، وليبعثن الله رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا به، وليغيبن عنهم تمييزاً لأهل الضلالة، [الحديث رقم 614]، ويقال عنه مات أو هلك، بل في أي واد سلك، [الحديث 615]، ومثله قوله: والتاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق، وعندما سئل: هل هو كائن؟ أقسم الإمام على بأنه سيكون، وأنه ستكون للمهدي غيبة وحيرة لا يثبت فيها على دينه الا المخلصون. [وراجع الحديث 618 و691]، قال الإمام زين العابدين: تخفي ولادته عن الناس، وأن لصاحب هذا الأمر غيبتان، [الحديث 759 و760]، وقال الإمام الباقر: لقائم أهل محمد غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى. [راجع الحديث 895 و904 و906 و907 و908 و913 من معجم أحاديث الإمام المهدي ج 3].
الغايات المعلنة من الغيبة
كشفت بعض الأحاديث النبوية وأحاديث الأئمة عن بعض الغايات من الغيبة، مثل الخوف من القتل، وتمحيص المؤمن، ومحق الكافر وفقاً لقواعد الابتلاء الإلهي، [الحديث 164 و167]. هذا على صعيد الأحاديث النبوية، أما على صعيد أحاديث الأئمة فنفهم منها: (ليخرج المهدي وليس لاحد بعنقه بيعة)، [الحديث 700 و759]، ومثله قول الإمام جعفر عندما سئل عن الغيبة فقال: (لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم، وقال لسائله أيضاً: وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله، لأن وجه الحكمة من ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره). [راجع الأحاديث أرقام 906 ـ 913 والمراجع المدونة تحت كل منها].
نص حديث الإمام الباقر وزوال العجب وغيبات سابقة
قال الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حول هذا الموضوع: (يا محمد بن محمد إن في القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم شبهاً من خمسة من الرسل: (يونس بن متى، ويوسف بن يعقوب، وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم فأمّا شبهه من يونس بن متى، فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن).
2 ـ وأما شبهه من يوسف بن يعقوب، فالغيبة عن خاصته وعامته واختفاؤه من أخوته واشكال أمره على أبيه مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته.
3 ـ وأما شبهه من موسى عليه السلام فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده، مما لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله عز وجل في ظهوره ونصره وايَّده على عدوه.
4 ـ وأما شبهه من عيسى فاختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة منهم ما ولد، وقالت طائفة مات، وقالت طائفة قتل وصلب.
5 ـ وأما شبهه من جده المصطفى فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله وأعداء رسوله الجبارين والطواغيت، وأنه ينصر بالسيف والرعب وانه لا ترد له راية...) [راجع الحديث رقم 770 مجلد 3 من أحاديث الإمام المهدي، راجع المراجع المذكورة تحته].
والمعنى أن الإمام المهدي ليس أول من يغيب، وأنه ليس في الغيبة عجب.
أوصاف الإمام المهدي المنتظر
روي الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة، والعلماء الأكابر من شيعتهم أحاديث نبوية تتضمن بعض الصفات الجسدية للإمام المهدي المنتظر.
وجاء في بعضها أن المهدي هو: (الطريد الفريد الوحيد...) [الحديث رقم 595] وفي آخر: (أنه فتى من قريش آدم ضرب من الرجال)... [الحديث 602]، وفي ثالث: (إنه رجل أجلى الجبين، أقنى الأنف ضخم البطن، أزيل الفخذين، أبلج الثنايا، يفخذه اليمنى شامة)... [الحديث 594]، في حديث رابع، وُصف المهدي: (بأنه رجل أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاس المنكبين، بظهره شامتان شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي،.. وأن الله قد أعطاء قوة أربعين رجلاً.. [الحديث رقم 593]، وجاء في [الحديث رقم 592] أن المهدي يشبه رسول الله في الخلق والخلق... وأنه سيظهر شاباً دون الأربعين. [راجع الحديث رقم 691، وجاء في الحديث رقم 900]، أن المهدي سيرجع شاباً، ووصف المهدي في حديث بأنه: (الطريد الفريد الوحيد...) [الحديث رقم 595]، وجاء أيضاً أن المهدي إذا خرج کان في سن الشيوخ ومنظر الشبان، قوياً في بدنه، حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة في الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها. [راجع الحديث 1211، وجاء في الحديث رقم 1147]... أن القائم من ولدي يعمر عمر الخليل عشرين ومائة سنة، ثم يغيب غيبة في الدهر ويظهر في صورة شاب موفق ابن اثنين وثلاثين سنة.
كذلك فقد روى العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء: (أهل السنة) طائفة من الأحاديث النبوية التي تتحدث عن بعض أوصاف المهدي، وقد صحت هذه الأحاديث عندهم، وتواترت وشاعت بين المسلمين مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف) وقد روى هذا الحديث الترمذي والنسائي والحاكم والبيهقي وغيرهم من علماء الحديث الأفذاذ). [راجع الحيث رقم 71 ج 1 من المعجم عشرات المراجع المذكورة تحته].
ومثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي من ولدي، وجهه كالقمر الدري، اللون لون عربي، والجسم جسم اسرائيلي.. [راجع الحديث رقم 72 وعشرات المراجع المذكورة تحته]. وروى علماء أهل السنة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي منا أهل البيت، أشم الأنف أقنى، أجلى)... [راجع الحديث رقم 88، والمراجع المذكورة تحته]: ورووا قوله أيضاً (يخرج المهدي وهو ابن أربعين سنة كأنة رجل من بني إسرائيل). [راجع الحديث رقم 91 ج 1 والمراجع المذكورة تحته]. وقوله: (المهدي رجل أزج أبلج أعين... يستوي على منبر دمشق وهو ابن ثماني عشر سنة). [راجع الحديث رقم 92]. وقوله: (المهدي شاب من أهل البيت)، [الحديث رقم 94]، وقوله: (ليبعثن الله تعالى من عترتي رجلاً أفرق الثنايا، أجلى الجبهة...) [الحديث رقم 149].
هذه الأكثرية الساحقة من الأحاديث النبوية التي رواها أهل بيت النبوة وشيعتهم، وصحت عندهم وتواترت، تليها الأحاديث النبوية التي رواها علماء شيعة الخلفاء ـ أهل السنة ـ وصحت عندهم وتواترت، وشاعت مضامين هذه الأحاديث بين المسلمين قاطبة، فاعتقدوا بها لانهم قد جزموا أن هذه الأوصاف قد صدرت بالفعل عن رسول الله، إذا لا مجال للاجتهاد بمثل هذه الأمور، وقد غطت هذه الأحاديث الثغرة المتعلقة بالأوصاف الجسدية من نظرية المهدي المنتظر الذي بشر به رسول الله.
الفصل الخامس: دولة أهل بيت النبوة ومدة حكم الإمام المهدي المنتظر
أئمة أهل بيت النبوة الأعلام على يقين تام من ربهم ونبيهم، بأن المهدي المنتظر الذي بشر به رسول الله هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة الذين اختارهم الله وأعلنهم رسوله، هو خاتم الأئمة الشرعيين فلا إمام من بعده لأن الأئمة اثني عشر فقط.
وهم على يقين من ربهم ونبيهم بحتمية ظهور المهدي المنتظر، وحتمية انتصاره، وحتمية نجاحه بتكوين دولة أهل بيت النبوة العالمية التي ستحكم العالم كله، ويتجنس بجنسيتها كافة أبناء الجنس البشري المتواجدين فوق الكرة الأرضية في عصرها الذهبي، وأن هذه الدولة ستكون آخر الدول، حيث سيحكم الإمام بعده إلى أحد عشر مهدياً بالتتابع، وكلهم من شيعة أهل البيت المخلصين السائرين على خط أهل البيت القويم، وهم يدعون الناس خلال فترة حكمهم إلى موالاة أهل بيت النبوة ومعرفة حقهم. [راجع الحديث رقم 1149 ج 4 من المعجم والمراجع المدونة تحته]. وشيعة أهل بيت النبوة المخلصين صار لهم نفس اليقين التام بكل ما ذكرناه آنفاً.
مدة حكم المهدي المنتظر
إذا كان المهدي المنتظر سيكوّن دولة عالمية تحكم العالم كله، فما هي الفترة الزمنية التي يستمر فيها حكم الإمام المهدي! أو بتعبير آخر كم سنة سيحكم الإمام المهدي المنتظر بعد ظهوره وتكوينه للدولة العالمية ورئاسته لها؟.
روى عبد الله بن الحارث حديثاً عن الإمام علي يجيب على هذا السؤال اذ قال له الإمام علي: (يا ابن الحارث ذلك شيء ذكره موكول اليه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد إلىَّ أن لا أخبر به إلا الحسن والحسين). [راجع الحديث رقم 673 ج 3].
وروي عن الإمام جعفر الصادق عندما سئل عن ذلك انه قال: (سبع سنين تطول له الأيام حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه)... [راجع الحديث رقم 1150 ج 4 من المعجم).
وروي عن الإمام الباقر قوله: يملك القائم ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً كما بعث أهل الكهف في كهفهم... [راجع الحديث رقم 859].
وروي أهل السنة عن الإمام على قوله: (يلي المهدي أمر الناس ثلاثين أو أربعين سنة). [راجع الحديث 674 وراجع المراجع المذكورة تحته].
وروى عن الأمام جعفر انه قال (يملك القائم عليه السلام تسع عشرة سنة وأشهراً).
وروي ابن حماد حديثاً لم يسنده إلى النبي جاء فيه: (فيلبث عيسى والمؤمنون سنوات في بيت المقدس)...
أحاديث رواها شيعة أهل بيت النبوة وشيعة الخلفاء معاً
وروي العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء حديثاً عن النبي جاء فيه... فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي فيملأ الأرض قسطاً... يرضى عنه ساکن السماء وساکن الأرض... لا تدع السماء من قطرها... ولا تدع الأرض من مائها.. حتى تتمنى الأحياء الأموات يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين... وروى هذا الحديث أيضاً وأخرجه علماء كبار من شيعة أهل البيت. [راجع الحديث رقم 44 ج 1 من المعجم الكثيرة المدونة تحته].
وروى علماء شيعة الخلفاء حديثاً عن الرسول تحدث فيه عن الرخاء والوفرة في عهد الإمام المهدي وعن كثرة المال، وزهد الناس أو تسع سنين، ثم لا خير في العيش بعده). [راجع الحديث رقم 53 وعشرات المراجع المدونة تحته].
وقد تفرد عماء أهل السنة بهذا الحديث. وروى أكابر علماء شيعة أهل البيت عن رسول الله حديثاً يتفق معه بالمضمون جاء فيه: (فيمكث سبع أو ثمانية أو تسعاً) (أي سنة) ولا خير في العيش بعد هذا أو قال: (لا خير في الحياة بعدهن). [راجع الحديث رقم بلا على الصفحة 95 من المجلد الأول من المعجم].
تحليل هذه الأحاديث
1 ـ لا ينبغي أن يتبادر إلى الذهن وجود أي تناقض، ولا حدث أي تناقض في أقوال الأئمة، لأنهم قد نهلوا من مشكاة واحدة، واذا حدثوا فهم لا يقولون برأيهم، وإنما حديثهم حديث رسول الله لأنهم ورثة علمي النبوة والكتاب، وإذا وجد تناقض فهو ناتج من الروايات الخاطئة أو المختلفة عنهم، وليس وارداً أيضاً بأن الأئمة الكرام لا يعرفون بالضبط والدقة الفترة الزمنية لحكم الإمام المهدي فلدى الأئمة القدرة والتأهيل الإلهي للإجابة على كل سؤال، ومن الطبيعي أن مدة حكم الإمام المهدي سؤال، ومن الجائز أن يسأله أي واحد من الناس لاي واحد من الأئمة ومن المحتوم أن الإمام يعرف الجواب اليقيني...
وقد لاحظت أن الإمام علىّ قد ذكر بأن رسول الله عهد اليه بأن لا يخبر أحداً عن مقدار هذه المدة الا الحسن والحسين، لأنهما امامان بالتوالي، وقد لا حظنا أن الإمام الباقر قد حدد هذه ب 309 سنوات، وأن الإمام الصادق قد حددها بسبعين سنة (من سنيكم).
وروي عن الإمام جعفر أن المهدي يملك تسع عشرة سنة وأشهراً.
2 ـ تاريخياً كانت دولة الخلافة وأركانها، وحتى الرعايا ينظرون بتوجس وحذر وريبة لائمة أهل بيت النبوة، ولمن والاهم وخصهم بالولاء والمحبة، ويلوح لي أن الأجهزة السرية لدولة الخلافة طوال التاريخ كانت تتربص بالأئمة الكرام وتحاول أن تحصي عليهم أنفاسهم، فتعرف ما يقولون وما يتحدثون به، ثم تستدعيهم رئاسة دولة الخلافة من حين إلى حين لتحاسبهم حساباً عسيراً على كل ما يصدر عنهم من أحاديث، وكلمة المهدي شبح مرعب للخلفاء، ودولة أهل بيت النبوة هاجس مجرد ذكره يسبب للخلفاء وأركان دولتهم الجنون التام.
ثم إن الكثير من زوار الأئمة كانوا بمثابة الجواسيس أو العيون على الأئمة ليسألوهم ويحصلوا منهم على أجوبة ثم يكتبون تقاريراً بذلك إلى أسيادهم وأولياء نعمتهم، وفي كثير من الأحيان کانت تلک العيون اللعينة تزور وتحرف وتهول عن عمد ما تسمعه من الإمام. وعندما أذِنت دولة الخلافة بکتابة ورواية أحاديث الرسول بعد مائة عام من المنع، كانت مرويات طواقم معاوية قد استقرت تماماً، وعرفت من الجميع، وكانت الرعية تتحاشى أهل بيت النبوة لأن الاختلاط بهم يشكل خطراً، فضلاً عن ذلك فان المناهج التربوية والتعليمية المعتمدة في دولة الخلافة التاريخية أظهرت أهل بيت النبوة بمظهر الناس، ولم تعطهم أية مميزة، فعلى بن أبي طالب صحابي، مثله مثل معاوية في أحسن الظروف، والحسن والحسين مثلهما مثل يزيد بن معاوية!!! فما هو الداعي للرواية عن الحسن أو الحسين وأبو هريرة موجود!!! بل على العكس كانت وسائل إعلام دولة الخلافة تظهر أبا هريرة بصورة العالم المرجع، والصحابي الجليل الموالي لأمير المؤمنين، وتظهر الإمام الحسن أو الحسين بصورة الشاب الذي لا علم له الذي يتربص الدوائر بأمير المؤمنين ويترقب الفرص للخروج عليه!!! هذا هو المناخ الذي كان سائداً.
والخلاصة في مدة حكم الإمام المهدي
أن دولة أهل بيت النبوة لن تزول بموت المهدي المنتظر بل ستستمر، ويحكم من بعده أحد عشر مهدياً، إنه من الجائز جداً أن مدة ال 309 سنوات الواردة في الحديث هي المدة التي ستستمر فيها دولة أهل بيت النبوة!! ومن المؤكد أن الإمام المهدي سيكافح كفاحاً رهيباً حتى يدين العالم كله بالطاعة لدولته، وهنا يبرز تساؤل مهم وهو منذ متى يبدأ حكم المهدي؟ لأن المهدي في البداية سيحكم بقعة محدودة من الكرة الأرضية، ثم يتوسع حتى يسيطر على العالم، فهل نعتبر مدة حكم المهدي مبتدئة من تاريخ حكمه لأول أقليم، أو من التاريخ الذي تتم فيه للمهدي السيطرة على العالم كله؟ هذه بعذ الإشكلات التي لا بد من خلها قبل الجزم بمدة حكم الإمام المهدي.
وأكبر الظن أن مدة حكم الإمام المهدي، سبعاً أو تسعاً أو تسع عشر سنة وأشهراً أو ثلاثين سنة، ولكن من المؤكد إنها ليست أقل من سبع سنين ولا أكثر من 70 سنة.
الفصل السادس: العلامات التي تسبق مباشرة ظهور الإمام المهدي
الداء والدواء
قياماً بواجب البيان، واضفاء طابع الأهمية على المهدي، وعصره الذهبي، شَخَّصَ رسول الله، حالة الأمة والعالم قبل ظهور الإمام المهدي بسلسلة متكاملة من الأحاديث النبوية التي صحت وتواترت عند أئمة أهل بيت النبوة وشيعتهم، وعند الخلفاء وشيعتهم، والتي شاعت بين المسلمين كافة، فاعتقدوا بها لأنهم قد جزموا بانها قد صدرت من رسول الله بالفعل، حيث انها قد أخرجت بنفس الوسائل والأساليب التي أخرجت بها احكام دينهم من صلاة وصوم وزكات....
ومن يمعن النظر بتلك الأحاديث الشريفة، ويتجرد، لا يخالطه أدنى شك بأنها قد صدرت بالفعل عمن لا ينطق عن الهوى، وحالة ثم يتيقن بأن الرسول الأعظم قد نجح نجاحاً منقطع النطير بتشخيص حالة الأمة، وحالة العالم قبل ظهور الإمام المهدي! فکأن العالم بماضيه وحاضره ومستقبله رجل مريض ممدد على فراش المرض، وقد وضعت تحت تصرف الرسل أحدث المعدات التي توصل إليها العقل البشري في کل مجال، والرسول متخصص في كل ناحية، بعد ذلك شخص حالة العالم الممدد أمامه تشخيصاً علمياً دقيقاً، فوصف الداء وصفاً تاماً، وأكد بأن العالم كله مشرف على الهلاك والتلاشي من الحياة، وأن الدواء الوحيد الذي يُشفي العالم وينقذة هو الإمام المهدي المنتظر الذي سيضع حجر الأساس ويبني دولة آل محمد، فالمهدي المنتظر هو الدواء الفرد والوحيد، فليس على وجه الأرض إنسان واحد له القدرة على انقاذ العالم، مما يعانيه آنذاك إلا المهدي المنتظر. والمدهش حقاً أن هذه الصورة العلمية المتكاملة الدقيقة قد رسمها رسول الله بالكلمة، وبالكلمة الطيبة وحدها، وأن هده الصورة قد شقت طريقها إلينا وثبتت بوجه الأعاصير، وحافظت على نقائها وأصالتها على الرغم من أن دولة الخلافة قد منعت رواية وكتابة الأحاديث النبوية طوال فترة المائة عام التي تلت انتقال النبي إلى جوار ربه!! لكنها العناية الإلهية، والتوفيق الإلهي، والإصرار الإلهي على إقامة الحجة، وترشيد حركة الكون وفق نواميس الابتلاء الإلهي. فتبارك الله رب العالمين حقاً وصدقاً.
1 ـ انكساف الشمي والقمر قبل خروج المهدي
1 ـ أكد الرسول الأعظم أن الشمس ستنكسف في شهر رمضان مرتين قبل خروج المهدي. [راجع الحديث رقم 174 ابن حماد ص 61، وملاحم ابن طاووس ص 46 ب 72، وعقد الدرر ص 111 ب 4 ف 3، والحاوي للسيوطي ج 2 ص 82].
2 ـ وبيّن بأن المهدي لا يخرج حتى تطلع مع الشمس آية [الحديث رقم 173، وعبد الرزاق ج 7 ص 373 ح 20775، وإبن حماد ص 91، والبيهقي كما في عقد الدرر ص 106 ب 4 ف 3، والحاوي للسيوطي ج 2 ص 75]....
3 ـ وبين الرسول أنه بين يدي المهدي انكساف لخمس تبقين رمضان والشمس لخمس عشرة منه. [راجع الحديث رقم 780 والمراجع المدونة تحته].
4 ـ وروي عن رسول الله قوله: آيتان قبل قيام القائم عليه السلام لم تكونا منذ هبط آدم إلى الأرض، تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان والقمر في آخره!! [راجع الحديث رقم 71 برواية الأمام الباقر].
5 ـ وروى الإمام الباقر أيضاً فقال: (إن لمهدينا آيتين لم تكونا منذ خلق السموات والأرض ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان، وتنكسف الشمس في النصف منه)... [الحديث رقم 782، وراجع الحديث رقم 1020 و1021 ج 4 من المعجم و172 ج 1]. فإذا ظهرت هذه الآيات التي لا يمكن لأي انسان أن ينكرها فان المهدي المنتظر سيظهر حتماً في أثرها.
2 ـ مناد من السماء ينادي
روى أئمة أهل بيت الأعلام عن رسول الله (أحاديث المنادي من السماء)، وجزموا بأن هذه الأحاديث قد صدرت عن رسول الله بالفعل، وتناقلوها عنه كابراً عن كابر، حتى صارت من المسلمات وأجمعوا على صحتها وتواترت بينهم، وتبعاً لروايات أهل بيت النبوة وأجمعت شيعتهم. وسلّمت بما سلموا به.
كذلك فقد روى: أحاديث المنادي من السماء) العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء، وتوصلوا إلى ذات النتيجة التي توصل لها أئمة أهل بيت النبوة، فجزموا وتيقنوا أن أحاديث النداء قد صدرت بالفعل عن رسول الله، لأن هذه الأحاديث صحت عندهم وتواترت.
وأجمعت الأمة بشقيها: (أئمة أهل بيت النبوة وشيعتهم، والخلفاء التاريخيون وشيعتهم أيضاً (أهل السنة) على أنه عند ظهور المهدي المنتظر سينادي مناد من السماء... وتحول هذا الإجماع إلى قناعة ومعتقد، اعتقد به كافة المسلمين.
أحاديث النداء
1 ـ روى أكابر علماء شيعة أهل البيت، والعلماء الأعلام من شيعة الخلفاء (أهل السنة) على أن رسول الله قد قال: (يخرج المهدي على رأسه غمامة فيها مناد ينادي: هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه). [راجع الحديث رقم 112 ج 1 من المعجم رواه الطبراني على ما في الفصول المهمة ص 298 ف 12، والحاوي السيوطي ج 2 ص 61 على ما في بيان الشافعي ص 511 ب 15، وتاريخ الخميس ج 2 ص 288 وفرائض السمطيين ج 2 ص 316 ب 61 ح 566 ـ 569].
2 ـ ورووا أيضاً أن الرسول قد قال: (يخرح المهدي وعلى رأسه ملك ينادي أن هذا المهدي فاتبعوه). [راجع الحديث رقم 119 و23 مرجعاً مدونة تحته].
3 ـ ورووا أيضاً قول النبي: (يظهر في آخر الزمان... ينادي منادٍ بصوت فصيح هذا المهدي). [راجع الحديث رقم 120 ج 1 والمراجع المدونة تحته].
4 ـ وروى عن الإمام الباقر: (ينادي منادٍ من السماء ألا إن الحق في آل محمد)... [راجع الحديث رقم 812 ج 1 من المعجم]. وروي أيضاً قوله: (يا سيف بن عمرة لا بد من مناد ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب)، [الحديث 813]، وروى أيضاً: (راجع الحديث رقم 815]، وروى أيضا: (توقعوا الصوت يأتيكم من قبل دمشق)...
5 ـ وروي أيضاً: (إنه لا يكون حتى ينادي منادٍ من السماء يسمع أهل المشرق والمغرب، حتى تسمعه الفتاة في خدرها). [راجع الحديث رقم 817]. فالنداء من السماء علامة بارزة من علامات ظهور المهدي المنتظر وهي تكسف كانكساف الشمس والقمر ايات وعلامات ومعجزات بارزة على مستوى البشر كله، ومن غير الممكن أن يقوى عاقل يحترم نفسه على إنكارها أو تجاهلها أو المجادلة فيها. وهي فيض من مظاهر الدعم الإلهي المطلق للمهدي المنتظر حتى يتمكن من تحقيق الغايات الکبرى التي كلفه الله تعالى بتحقيقها وهذه الآيات توطد له في الأرض، وتحفر اسمه في الذاكرة البشرية بحيث يرتبط المهدي مع مفهوم الانقاذ ومفهوم التحرر من الظلم، ومع مفاهيم الرخاء والكفاية والعدل.
البلاء الشامل وامتلاء الأرض بالظلم والجور
بين الرسول الأعظم بأن المهدي المنتظر سيظهر حتماً مقضياً عندما يعم البلاء الشامل الأمة والعالم معها، وعندما تمتلىء الأرض بالظلم والجور والعدوان، عندئذٍ يبعث الله الغمام الهمدي لرفع هذا البلاء الشامل، وليملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما مُلئت جوراً وظلماً، فعموم البلاء والمتلاء الأرض بالظلم مقدمة وسبب وعلامة، وظهور المهدي بوجه من وجوهه نتيجة لهذه المقدمة، وأثر لهذا السبب، وعلامة من علامات الظهور.
من مظاهر البلاء والظلم
1 ـ الفتن: بيّن الرسول الأعظم بأن موجات متلاحقة من الفتن ستعصف بهذه الأمة من بعده، حيث ستجتاح الأمة فتنة، ثم تليها فتنة أخرى أضعاف الفتنة الأولى، ثم تليها فتنة ثالثة لا يبقى معها لله محرّم إلا استحل... [راجع الحديث رقم 45 ج 1]. وأشار مرة ثانية إلى هذه الفتن الثلاثة بحديث آخر هو [الحديث رقم 47 ج 1].
ووضح رسول الله الصورة فقسم الفتن إلى أربعة ففي الأولى يصيبهم البلاء حتى يقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف، وتنكشف الثانية وتطول الثالثة، فكلما قبل بأنها قد انقضت تتمادى، وتتسع، أما الفتنة الرابعة فيصير المسلمون فيها عملياً إلى الكفر... [راجع الحديث رقم 46 ح 1]. وبسّط الرسول الصورة للمسلمين ووضحها قائلاً: بالفتنة الأولى يستحل الدم، والثانية يستحل فيها الدم والمال، والثالثة يستح فيها الدم والمال والفرج، أما الرابعة فيقودها الدجال. [راجع الحديث رقم 48 ج 1].
وركز الإمام محمد الباقر فتنة بالشام يطلب الناس المخرج منها فلا يجدونه. [راجع الحديث رقم 732 ح 3].
وذكر الباقر أيضاً بأنه سيكون هنالک قتل ظاهر بين الكوفة والحيرة [الحديث رقم 732 ح 3].
ويصور الرسول إحساس الناس آنذاك بقوله: (حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ اليه من الظلم). [الحديث رقم 44]. وفي حديث آخر تراه يقول: (ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت حتى لا يبقى بيت الا دخلته ولا مسلم إلا حكته). [الحديث رقم 43]. وفي حديث ثالث يصف رسول الله الحالة... فيقول... وحتى يأتي الرجل القبر فيقول يا ليتني كنت مكانك. [الحديث رقم 50 ج 1]. ووصف الإمام على تلك الحالة بقوله: (تمتليء الأرض ظلماً وجوراً حتى يدخل كل بيت خوف وحرب...). [الحديث رقم 565 ج 3].
المهدي هو الحل، وهو الدواء وبعد أن شَخَّصَ رسول الله، جانب الفتن أكد أن المهدي هو الوحيد الذي سيقضي على هذه الفتن ويعيد الأمور إلى نصابها، ففي كل حديث من الأحاديث التي ذكرناها فتحه رسول الله بالقول: (حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ اليه من الظلم فيبعث الله رجلا من عترتي...). [الحديث رقم 44 ج 1. وفي [الحديث رقم 45] قال: (... ثم بكون فتنة فلا يبقى لله محرم الا استحل، ثم يجتمع الناس على خيرهم رجلاً (يعني المهدي)... [الحديث رقم 45 ج 1].
وفي الحديث رقم 50 ج 1، قال الرسول (... لا يستقيم أمرهم حتى ينادي مناد من السماء عليكم بفلان (يعني المهدي). ومثله قول الرسول أيضاً... (ثم رقم 52 ج 1]، وإلى هذه المعاني أشار الأمام الباقر بقوله: (يا جابر لا يظهر القائم حتى يشمل الناس بالشام فتنة يطلبون المخرج منها فلا يجدونه)... [راجع الحديث رقم 732 ج 3].
والخلاصة أنه عندما تتمادى الفتن وتتسع لتشمل الناس، يصبح المهدي هو المخرج الوحيد من سلسلة الفتن التي لا تنقطع وأن تمادي الفتن علامة بارزة من علامات ظهور المهدي المنتظر.
2 ـ امتلاء الأرض بالظلم والجور والعدوان: الظلم والجور والعدوان والفتن المتلاحقة، والشرور التي تعصف ببني البشر كلها، ثمرات مرة وطبيعية لحكم الظالمين، ولفقههم فقه الهوى الفاسد.
فكل ظالم على الإطلاق يستولي على السلطة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع الراكضين خلفه برغيف العيش، فإذا قبض الظالم على السلطة، بخترع وزمرته فقه هوى خاصاً به، ليسوس وفقه المجتمع العاثر الحظ الذي سقط بين مخالب الظالم وإعوانه، فيفسدون بفقههم هذا کل شيء في المجتمع، ويتبخر القسط والعدل والرحمة، وتصبح أسماء لا مضامين لها، وتمتلىء أرض الأقليم الذي يحكمه الظالم بالظلم والجور والعدوان، ويغلب الناس على أمرهم فيسكتون رغبة، أو رهبة، يتمادى الظلم فيسمي ظلمه عدلاً، وقسوته رحمة، ويقلب كل الحقائق راساً على عقب، أو يحرفها فيمسخها، حتى إذا ما دنت منية الظالم عهد بحکمه وبخلافته لابنه أو اخيه أو قريبه، أو صديقه، وتستمر دورة التغلب والعهد حتى يظهر من عالم الغيب متغلب جديد، فتبدا عهود ظلم جديدة ودورة جديدة من دورات العهد والتعاقب على الحكم. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يتولى فيها الظالمون الحكم ضاربين عرض الحائط بالشرعية الإلهية.
ويبدو أن هذه الطريقة ستنشر عي مستوى الكرة الأرضية لها، بحيث يستولى الظالمون في كل إقليم من أقاليم الأرض، وفي كل مجتمع من المجتمعات البشرية على السلطة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع، ويفرضون على مجتمعاتهم فقه هواهم، حيث سيصبح العالم كله تحت حكم الظالمين، وبحيث يسوس فقههم الفاسد كافة المجتمعات البشرية. ونتيجة لحكم الظالمين ولسيادة فقههم تمتلىء الأرض بالظلم والجور والعدوان، وتكتوي البشرية بهذا الحجيم الشامل؛ هنا فقط يظهر الإمام المهدي المنتظر، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بالحكم الإلهي، بعد أن ملأها الظالمون بالظلم والجور الناتج عن حكمهم وفقههم، فامتلاء الأرض بالظلم والجور والعدوان، وشمول حكم الظالمين للعالم كله، وسيادة فقههم علامة بارزة من علامات ظهور المهدي المنتظر، لأنه المؤهل الوحيد لقطع دابر الفتن، وقصم ظهور الظالمين، ورفع فقههم من الأرض، وهو المؤهل الوحيد ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً. وهذا ما عناه الرسول بسيل الأحاديث التي عالجت هذه الناحية. وهذا أيضاً ما عناه الإمام الباقر بقوله: (لا يخرج المهدي حتى ترقى الظلمة). [راجع الحديث رقم 801 ج 3 من المعجم، وراجع الأحاديث النبوية أرقام 51 و62 و63 و565 من أحاديث المعجم].
3 ـ الحرب والطاعون: لا يكتفي الظالم بإذلال رعيته، وارغامها على أن تفض مشكلاتها وفق قواعد فقه الهوى الذي اخترعه، ولا يكتفي بأن يملأ الأقليم الذي يحکمه بالظلم والجور والعدوان، بل يطمع بأن يوسع رقعة ملكه على حساب ممالك الظالمين المحيطة به، وتعميم فقهه؛ هذه طبيعة ثابتة بظلمة الأرض؛ ونتيجة لهذه المطامع تنشأ وتنشب الحروب بين الظالمين وكلها حروب عدوانية لا ناقة للشعوب بها ولا جمل وغايتها توسيع رقعة الملك، وتعميم الفقه الفاسد، أو درء خطر يتهدد ملك ظالم، وقد يكون الخطر وهمياً، لا وجود له إلا في ذهنية الطالم المريض ويمناخ الحوب والدمار تنتشر الامراض بين الناس وعلى الاخص مرض الطاعون.
وهذا مما عناه رسول الله بسيل الأحاديث التي تحدثت عن الفتن والتي أشرنا اليه قبل قليل. وهذا ما وضحه الإمام الباقر بقوله: (قدام القائم موتان موت أحمر وموت أبيض حيث يذهب من كل سبعة خمسة، الموت الأحمر السيف، والموت الأبيض الطاعون) [الحديث رقم 994 ج 1]. ومثله قوله: (لا يكون هذا الأمر أي لا يظهر المهدي) حتى يذهب ثلث الناس، فقيل له: إذا ذهب ثلث الناس فما يبقي فقال عليه السلام: (أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي) [الحديث رقم 995 ج 3 من المعجم]، وتلك علامة بارزة من علامات ظهور المهدي المنتظر.
علامات أخرى لظهور المهدي المنتظر
وذكر أئمة أهل بيت النبوة علامات أخرى لظهور الإمام المهدي منها:
1 ـ روى عن الإمام الباقر قوله: (إذا رايتم ناراً من قبل المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد)... [الحديث رقم 783].
2 ـ وروى عن الإمام السجاد قوله: (يكون قبل خروجه (أي المهدي) خروج رجل يقال له عون السلمي بارض الجزيرة ويكون ماواه بكريت، وقتله بمسجد دمشق، ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس وهو من ولد عنبسة ابن أبي سفيان. [راجع لاحديث رقم 720 ج 3].
3 ـ وروى عن الإمام الصادق قوله: (يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر في السماء، وحمرة تجلل السماء وخسف ببغداد، وخسف ببلدة البصرة دماء تسفك بها، وخراب دورها، وفناء يقع في أهلها، وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار). [الحديث رقم 1047 ج 4].
4 ـ وروى عن الإمام على قوله: (إذا اختلف الرمحان بالشام لم تنجل إلا عن آية من آيات الله، قيل وما هي يا أمير المؤمنين)؟ قال: رجفة تكون بالشام يهلك فيها أكثر من مائة ألف، يجعلها الله رحمة للؤمنين وعذاباً على الكافرين فإذا كان ذلك، فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب المحذوفة، والرايات الصفر تقبل من الغرب حتى تحل بالشام، وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر، فاذا كان ذلك فانظروا خسف قرية من دمشق يقال لها حرستا، فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، حتى يستولى على منبر دمشق، فإذا كان ذلك فانظروا خروج المهدي). [راجع الحديث رقم 631 ج 3 من المعجم ولامراجع المدونة تحته].
5 ـ وروى عن الإمام قوله: (سنة الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل في أزقة الكوفة) [راجع الحديث 1056]. وقبل ظهور الإمام المهدي بسنة يفسد الثمار والتمر في النخل). [الحديث رقم 1055]، وروى عنه أيضا: أن المهدي لا يخرج الا في وتر من السنين سنة إحدى، أو ثلاثة، أو خمسة، أو سبع أو تسع، [الحديث رقم 1053]، وروى عن الإمام جعفر قوله: (العام الذي فيه الصيحة قبله الآية في رجب، قلت وما هي؟ قال وجه يطلع في القمر ويد بارزة). [الحديث رقم 1058]، وأن المهدي سيظهر يوم السبت الموافق العاشر من محرم يوم عاشوراء، حيث سيكون بين الركن والمقام. [الحديث 1060]. قال ابن حماد في ص 2 912: (ينحسر الفرات عن جبل من ذهب وفضة، فيقتل عليه من كل تسعة سبعة،...
راجع عصر الظهور للشيخ على الكوراني ص 118 وراجع الأحاديث النبوية المتعلة بالكنز وهي تحمل الارقام 294 ـ 296 ج 1].
6 ـ جاء في صحيح مسلم ج 8 ص 180 لا تقوم الساعة حتى تخرج نار بالحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصري، أي يصل نورها إلى مدينة بصري بسوريا [راجع عصر الظهور ص 265].
7 ـ (تنفق الأحاديث في مصادر الشيعة والسنة على أن مقدمة ظهور المهدي في الحجاز حدوث فراغ سياسي فيه وصراع على السلطة بين قبائله) راجع عصر الظهور ص 261، بدايته قتل ملك بسبب قضية أخلاقية، ثم تهتز مؤسسة الحكم في الحجاز فكلما نصبوا ملكاً لا يبقى لأكثر من سنة وينتهي الأمر إلى ظهور المهدي. [راجا عصر الطهور ص 262].
8 ـ ويفهم من بعض الأحاديث النبوية بان ارض العرب قبل ظهور المهدي بقليل أو بعد ظهوره، ستعود مروجاً وأنهاراً، وأكبر الظن بان هذه التغييرات الجيولوجية الجذرية في أرض العرب ستحدث بعد ظهور المهدي ـ وبعد أن تنزل السماء كل قطرها، وتخرج الأرض كل مائها ونبتها كما بيّن الرسول، على ضوء هذا الفيض من العطاء تحدث تلك الانقلابات الجيولوجية.
9 ـ وبيّن رسول الله بأن الله يبعث المهدي بعد يأس وحتى يقول الناس لا مهدي... [راجع الحديث رقم 312 ج 1 من المعجم].
10 ـ وبين رسول الله بان المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية، فاذا قتلت غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض، فأتي الناس المهدي فزفوة كما تزف العروس الى زوجها ليلة عرسها... [الحديث رقم 319، وجاء في الحديث رقم 320 (تستباح المدينة وتقتل النفس الزكية)].
11 ـ وتتكون قناعة خاطئة وعامة عند الناس مفادها أنه ليس للمسلمين حاجة بآل محمد فهم كغيرهم من الناس. [راجع الحديث رقم 614 من المعجم].
الفصل السابع: علامات تتزامن مع ظهور المهدي المنتظر
ظهور العلامات البارزة السابقة التي أشرنا اليها قبل قليل، يفيد قطعاً بأن المهدي المنتظر قد تلقي الأمر الإلهي بالظهور، وأنه يتأهب للظهور بالفعل، وبالتالي يتوجب على أوليائه أن يتوقعوا ظهوره بالعشي وإلإبکار، لأن تلک العلامات بوجه من وجوهها بشائر بظهور الهدي، بشائر بالإنقاذ والهدى.
وهنالك نمط آخر من العلامات، حيث يتزامن ظهور تلك العلامات تماماً مع الوقت الذي يبدأ فيه المهدي المنتظر بالظهور، وأبرز تلك العلامات ظهور، شخصية أموية، حاقدة على آل محمد، تحاول وبكل ما تيسير لها من قوة أن تحول بين المهدي وبين سعيه لإقامة دولة آل محمد، وقد أطلقت الأحاديث على هذه الشخصية لقب (السفياني).
السفياني، وابن اكلة الأكباد
السفياني هذا من ولد أبي سفيان، هو حفيد هند أم معاوية المعروفة باكلة الأكباد ـ لانها حاولت أن تأكل كبد حمزة سيد الشهداء، وأبوه عنبسة. [راجع الحديث رقم 632 ج 3 من المعجم]. ويبدو أن هذا الرجل مقيم في الوادي اليابس أو أن قاعدة انطلاقه بهذا الوادي. [راجع الحديث رقم 631 ج 3]. وتصف بعض الأحاديث السفياني بالقول: (بانه أحمر أشقر أزرق لم يعبد الله قط، ولم ير مكة ولا المدينة). [الحديث رقم 804]، وقد أكدت الأحاديث بان خروج السفياني من المحتوم الذي لا مفر منه.. [راجع الحديث رقم 811]، الذي رواه الإمام جعفر الصادق ونقل الشيخ علي الكوراني وهو من المتبحرين في (نظرية المهدي) بأن حركة السفياني ستستمر 15 شهراً. [راجع عصر الظهور، للشيخ على الكوراني] يقضي من هذه المدة تسعة شهور في العراق. [راجع الحديث رقم 805 ج 3].
ويبدو واضحاً بأن السفياني قد وعى تاريخ أجداده الأمويين وصراعهم الحافل مع النبي وآله، وورث حقدهم الدفين على آل محمد خاصة، والهاشميين عامة، وأنه قد استوعب تجربة جده معاوية وأدرك، بل وتيقن من امكانية تركيع الأمة بالقوة وحكمها بالتغلب والقهر، ويبدو أيضاً بان السفياني رجل ذكي وخبيث، تيقن من حتمية ظهور المهدي، وأن هذا المهدي هاشمي ومن ذرية محمد وأنه سيُكوّن دولة لآل محمد تحكم العالم كله، فأخذ الحقد يغلي في قلبه كالمرجل، وصمم أن يحاول وبكل قواه صرف شرف المهدية عن المهدي الهاشمي، تماماً، كما حاول أجداده أن يصرفوا شرف النبوة عن محمد الهاشمي، وصمم السفياني على بناء ملك خاص بالأمويين تماماً، كما فعل جده معاوية، ويلوح لي بأن المهدي سيجمع حوله كل الكارهين لآل محمد والحاقدين عليهم، وآل الدنيا سفلة المغامرين والمرتزقة؛ ويبدو أن الرجل سينجح وسيجتاح حوران ودرعا، وسيصل إلى دمشق، ويعلو منبرها. [راجع الحديث 631]، ويبدو أنه سيحتل الأردن وسيغزو العراق، ويبلغ السفياني أن المهدي المنتظر قد ظهر في مكة، فيجهز السفياني جيشاً كبيراً لغزو المدينة والقضاء على حركة المهدي وهي في مهدها، ويسمع المسلمون بهذا الجيش الزاحف خاصة أهل الحجاز، ويسير جيش السفياني بالفعل، وخلال هذه المدة يكتب السفياني للقادة الأيرانيين ليدخلوا في طاعته، وتصل رسل السفياني إلى ايران بالفعل.
ويبدو أن السفياني قد كتب لأمراء العالم الاسلامي، ليدخلوا في طاعته وليس من المستبعد أنه قد يرفع شعارات الوحدة الإسلامية، ومصلحة المسلمين، كما فعل جده معاوية، وفي يوم من الأيام يفاجأ السفياني بأن الجيش الذي قد أرسل للقضاء على حركة المهدي المنتظر قد خسفت به الأرض، ولم ينج منه غير اثنين، أحدهما بَشَّرَ أهل الحجاز بالخسف، والآخر أحَاطَ السفياني علماً بنبإِ هلاك الحيش كله، ويدرك المسلمون ساعتها، وبعد انتشار خبر هلاك جيش السفياني، أن المهدي قد ظهر بالفعل. [راجع الحديث رقم 810 ج 3 و809 و997 و803 و758، راجع الأحاديث النبوية ذوات الارقام 324 و325 و326 ـ 329].
وقد أجمعت الأمة على صحة الأحاديث وتواترها وعلى حتمية حدوث الخسف. والخلاصة أن السفياني يتلازم وجوده مع ظهور المهدي حتى قيل أنه لا مهدي بدون سفياني، فظهور السفياني أمر محتوم. راجع [الحديث رقم 712]. وتتحدث الأحاديث النبوية عن ثلاثة سفيانيين، وما يعنينا هو السفياني الذي يرسل جيشاً إلى الحجاز للقضاء على حركة المهدي، فيخسف بذلك ولا ينجو منه إلا اثنان فقط، ويبدو أن (الثلاثة) على خط واحد، ولهم هدف واحد، وبعضهم يخلف بعضاً.
حملة الرايات السود
ومن العلامات البارزة المتزامنة مع ظهور الإمام المهدي الرايات السود، أو أصحاب الرايات السود، وقد روى الأحاديث المتعلقة بالرايات السود الأئمة من أهل بيت النبوة، ثم رواها أكابر علماء شيعتهم، مثلما رواها العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء (أهل السنة)، وقد صحت هذه الأحاديث عند الطرفين، وتواترت عندهم وشاعت بين المسلمين، حتى تحولت إلى قناعة عامة تقراً بالضورة مع نظرية المهدي المنتظر المستقرة أركانها وبناها في النفس الإسلامية.
ويبدو أن أصحاب الرايات السود من إيران، وأن السبب المباشر لخروج أصحاب الرايات السود يكمن بخروج السفياني، فأهل إيران من موالي أهل بيت النبوة المخلصين وشيعتهم الصادقين، والأكثرية الساحقة جداً من الإيرانيين يؤمنون بحتمية ظهور الإمام المهدي، وأنه الإمام محمد بن الحسن العسكري ثاني عشر أئمة أهل بيت النبوة، ومن مدة طويلة، وهم يتوقعون ظهور هذا الإمام، فعندما يخرج السفياني الأموي، ويحاول أن يبني ملكاً أموياً جديداً على غرار ملك معاوية وذرية الحكم بن العاص هذا الملك الذي مس أهل بيت النبوة ومن والاهم بنصب وعذاب، فان الإيرانيين الذين وعوا التاريخ السياسي للخلافة التاريخية لن يقبلوا بتكرار ماُساة الحکم الاموي، بل سيقاتلون حتى آخر رجل منهم للحيلولة دون ذلك، ثم إنه حسب رصد الخاصة من الإيرانيين، فإن آوان ظهور المهدي قد حان، والعلامات کلها قد ظهرت، ولا بد أن يکون ذلک الاُموي الطامع ببناء ملك لبني اُمية، وتوحيد المسلمين تحت الراية الاُموية، لا بد أن يكن هو السفياني اللعين الذي أشارت إليه الأحاديث النبوية، والذي يتزامن ظهوره مع ظهور الإمام المهدي، وتلك هي الفرصة الذهبية التي ترقبها الإيرانيون ليقفوا إلى جانب المهدي المنتظر المنقذ الذي طال انتظاره، وينالوا شرف موالاته ونصرته، أضف إلى ذلك فإن شيعة أهل بيت النبوة المخلصين قد تعلموا من وقائع التاريخ، وآلوا على أنفسهم بان لا تتكرر مأساة خذلان الإمام الحسين، فإذا كان المسلمون قد تركوا الإمام الحسين وحيداً في كربلاء، ولم ينصروه، فإن الشيعة الصادقة لن تترك الإمام المهدي وحيداً بل ستقف معه، وقفة رجل واحد، وستقاتل دونه حتى الموت.
هذه الأسباب مجتمعة ومنفردة هي التي ستقف وراء خروج أصحاب الرايات السود للتصدي لذلك المغامر الأموي، ومن والاه، ولنصرة الإمام المهدي المتظر والمساهمة بإقامة دولة آل محمد، دولة العدل الإلهي التي طال انتظارها.
قال الإمام علي: (إذا خرجت الرايات السود... التي فيها شعيب بن صالح، تمنى الناس المهدي فيطلبون.. فيخرج المهدي من مكة ومعه راية رسول الله...) [الحديث 620].
وجاء في حديث آخر: (إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي)... ويلتقي الجيش الإيراني مع جيش السفياني في منطقة (اصطخر) وتكون بين الجيشين ملحمة عظيمة، تظهر فيه الرايات السود. [راجع الحديث رقم 621]. وقد شجعت الأحاديث المسلمين على الالتحاق والانضمام لحملة الرايات السود القادمين من إيران مثل قو ل الإمام علي لأحد محدثيه (يا عامر إذا سمعت الرايات السود مقبلة، فاكسر ذلك الفقل وذلك القفل وذلك الصندوق حتى تقتل تحتها، فان لم تستطع، فتدحرج حتى تقتل تحتها). [راجع الحديث رقم 624]. ومثل قوله: إذا رأيت أهل خراسان أصبتم أنتم إثمها، وأصبنا نحن برها). ويبدو أن الإمام بهذا الحديث يخاطب احداً أو جماعة من أعداء أهل النبوة. [راجع الحديث 625]. ويبين الإمام بأن القائم العام لحملة الرايات السود رجل من بني هاشم وعلى مقدمة جيشه رجل من بني تميم يدعى شعيب بن صالح. [راجع الحديث رقم 623]، ويقسم الإمام بأن الليل والنهار لا يذهبان حتى تجيء الرايات السود من قبل خراسان، ويربطوا خيولهم بنخلات بيسان والفرات، [الحديث رقم 626، وراجع الحديث رقم 797]. ويبين الإمام جعفر الصادق، بأن الرايات السود تخرج من خراسان وعند ظهور المهدي يبعثون له بالبيعة من العراق. [راجع الحديث رقم 797].
والأحاديث النبوية تتفق تماماً مع الأحاديث التي رواها علماء أهل السنة عن النبي ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنا أهل بيت اختار الله انا الآخرة على الدنياء، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتطريداً وتشريداً حتى ياتي قوم من نحو المشرق اصحاب رايات سود، يسألون الحق فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلوها حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها عدلاً كما ملاوُها ظلماً فمن أدرك ذلك منكم، فليأتهم ولو حبوا عي الثلج فإنه المهدي. [راجع الحديث رقم 245، وراجع المصادر المدونة تحته منها ابن حماد ص 84، وابن ابي شيبة ج 15 ص 235 ح 1973، ابن ماجة ج 2 ص 366 ح 4082، وأبو داود، والحاكم وقرابة أربعين مرجعاً من المراجع المعتمدة عند أهل السنة]. وتحدث الرسول عن بلاء يلقاه أهل بيته من بعده، حتى تأتي رايات من المشرق سوداء من نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله... [راجع الحديث رقم 249]. ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي). [الحديث رقم 246]، ووصف رسول الله حملة الرايات السود بقوله: (تجي ء الرايات السود من قبل المشرق، كان قلوبهم زُبرَ الحديد، فمن سمع بهم فليأتهم ولو حبوا على الثلج). [الحديث رقم 250، والحديث رقم 251 و253]. وبين الرسول مثلما بين أئمة أهل بيت النبوة أن الرايات السود الذين يحرجون لنصرة المهدي هم غير الذين يحملون رايات بني العباس وعلى سبيل المثال قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (تخرج من المشرق رايات سود لبني العباس، ثم يمكثون ما شاء الله، ثم تخرج رايات سود صغار تقاتل رجلاً من ولد أبي سفيان وأصحابه من قبل المشرق، يؤدون الطاعة للمهدي). [الحديث رقم 255]. ومثل قوله: (تخرج راية سوداء لبني العباس، ثم تخرج من خراسان أخرى سوداء قلانسهم سود وثيابهم بيض على مقدمتهم رجل يقال لهم شعيب بن صالح... توطيء للمهدي). [راجع الحديث رقم 256]. ويتحدث الرسول عن قتال ضار يشتعل بين السفياني ورجاله وبين حملة الرايات السود والخلاصة أن خروج حملة الرايات السود يتزامن مع خروج الإمام المهدي، وإنهم قد جاءوا لنصرته ومحاربة أعدائه، وإلتوطيد له. [راجع الحديث 250 وما فوق ج 1].
أحداث الحجاز وظهور الإمام المهدي
بينت الأحاديث النبوية التي رواها أئمة أهل بيت النبوة، والعلماء الأعلام من شيعة الخلفاء (أهل السنة) أنه بالوقت الذي يتأهب فيه المهدي المنتظر للظهور ستحدث أزمة حكم في دولة الحجاز وما حوله، بعد ان يقتل ملك تلك الدولة، وخمس عشرة شخصية من شخصيات تلك الدولة. [راجع الحديث رقم 303 ج 1 والمراجع المدونة تحته]. وعلى أثر هذه الحوادث يدب الخلاف والاختلاف بين القبائل التي تدعم ذلك النظام، وتنقسم إلى شيع وأحزاب، ويختل حبل الأمن، حيث ينهب الحجاج، وتكون ملحمة بمنى، يكثر فيها القتلى، وتسفك الدماء، حتى تسيل الدماء على عقبة الجمرة. [راجع الحديث رقم 304 ج 1 والمراجع المدونة تحته].
والخلاصة أنه لن يبقى لنظام الحجاز من الملك الا الاسم فقط وبعض خلفاء الملك المقتول لن يبقى في الحكم إلا أشهراً وبعضهم اسابيع، آخر أياماً. [راجع أحاديث الإمام الصادق في البحار ج 52 ص 210 و240، وحديث الإمام الباقر في كمال الدين للصدوق ص 665، حديث الإمام الرضا في البحار ج 52 ص 210]. ويبدو أن الإمام المهدي وبتوجيه من الله تعالى سيغتنم فرصة ضعف النظام وانهياره، فيظهر، ويبدو أيضاً أن علية القوم ايضا سيبايعون المهدي دون أن يطلب منهم ذلك، وأن البيعة ستكون في مكة بين الركن والمقام. [راجع الأحاديث النبوية 303 و304 و306 و307 وج 1 من المعجم، وراجع المراجع المدونة تحت كل منها].
وما يعنينا هو التأكيد على أن ظهور الإمام المنتظر سيتزامن مع أحداث نظام حكم الحجاز ومع الفتنة التي تقع بالحجاز، فيظهر المهدي المنتظر وذلك النظام قائم من الناحية الشكلية، ويبايع في مكة التي تخضع اسمياً لسلطة ذلک النظام، الذي سيقف عاجزاً أمام النفلات الأمتور من يده ومبايعة جزء من رعيته للمهدي، وأمام الخطر الناجم عن انباء زحف جيوش السفياني إلى الحجاز واحتلالها للمدينة المنورة.
الباب الخامس: أنصار المهدي وأعوانه ونمط حكومته
الفصل الأول: أنصار المهدي وأعوانه
نظراً لعظمة وضخامة الغايات التي بعث الله الإمام المهدي لتحقيقها ولجسامة المهمات التي أناط به أمر تنفيذها، فقد هيأ الله تعالى به فئة مؤمنة صادقة من نوع خاص، لتحمّل معه أعباء مرحلة تأسيس وبناء دولة الحق ـ دولة آل محمد ـ. وأفراد تلك الفئة التي هيأها تعالى لنصرة المهدي هم خلاصة شيعة رسول الله، وأهل بيته المؤمنة التي عُزلت وصمدت وتمسكت بدينها عبر التاريخ، وحملت لواء الحق والإسلام الحقيقي وسط كثرة أدارت ظهرها للحق وللإسلام وساهمت مساهمة فعالة مع أئمة الضلالة لحل عرى الإسلام كلها عروة بعد عروة وتغريبه غرية كاملة عن الحياة، وعزل وتغريب المتمسكين به. إنها رمز الفئة الظاهرة المؤمنة الظاهرة الصابرة حتى ينزل عيسى ابن مريم. [الحديث رقم 29 ج 1 ومصادره المدونة تحته]، الفئة التي تمسكت بالحق، ولم تعبأ بمن ناوأها. [الحديث: 30 ج 1]. إنها عصابة الحق التي لم تُبال بمن خالفها، [الحديث: 31 ج 1]، ومصادره، انها الفئة التي أعاضت العدو على كثرته وقهرته، [الحديث 32]، ولم تكترث بخذلان الغوغاء لها [الحديث 33 ج 1]، انها الفئة المسلمة التي حفظت جوهر الدين، وجسدت وجوده مع قلتها [حديث رقم 37]، إنها الفئة التي تفقهت في دينها، وقامت على أمر الله، ورفضت فقه الهوى بكل أشكاله وألوانه، أمام مكر تزول منه الجبال، [الحديث رقم 38 ج 1، ومصادره المدونة تحته] إنهم الناجمون بالابتلاء الإلهي، الذين مُحصوا وغُربلوا كغربلة الزوان من القمح. [الحديث رقم 731 ج 3]. إنهم أولياء حقاً، الذين تمسكوا بالثقلّين كتاب الله وبيان النبي لهذا الكتاب وبعترة النبي أهل بيته، لذلك استحقوا شرف الولاية، وحتى تحقق هذه السمة المميزة لهم ينادي مناد بعد الخسف مباشرة: (بأن أولياء الله هم أصحاب المهدي). [راجع الحديث رقم 648 ج 3].
لكل هذه الأسباب أجزل الله ثوابهم، وأعطى الواحد منهم أجر خمسين شهيداً من شهداء الصحابة. [راجع الحديث رقم 25 و26 ج 1]. ولما سئل الرسول عن سر هذه المكافأة والجزالة الإلهية بالعطاء، قال: إنكم لم تحملوا ما حملوا ولم تصبروا صبرهم. [راجع الحديث رقم 26 ج 1].
نوعيات ونماذج من أعوان المهدي وأنصاره
يمد الله تعالى عبده ووليه الإمام المهدي بنوعيات ونماذج من الأنصار والأعوان تتناسب مع نبل الغايات وجسامة المهمات وخطورتها، وهي نماذج ونوعيات بشرية نادرة ومميزة من جميع الوجوه، ومؤهلة للمساهمة بثورة عالمية نوعية تطبع العالم سريعاً بطابعها، وتصنع للبشرية عصراً ذهبياً، ما فرحت بمثله قط ولن تفرح، لأنه سيکون الثمرة الفعلية لکفاح الأنبياء والرسل والأوصياء وعباد الله الصالحين الذين واجهوا أئمة الضلالة وأعوانهم عبر التاريخ البشري ومن هذه النوعيات والنماذج.
1 ـ 315 رجلاً من أهل الشام ـ أهل الشام الذين حكمهم معاوية، وثقفهم بثقافة التاريخ المعادية لعترة النبي أهل بيته، من الشام التي انطلقت منها موجات العداء لأهل بيت النبوة، والحقد الأسود عليهم، فبعد أن يقول الناس لا مهدي، وبعد إياس تسير هذه الفئة المؤمنة من الشام إلى مكة، وتستخرج المهدي من بطن مكة من دار عند الصفا، ثم تبايعه، ويصلي بهم المهدي ركعتين صلاة المسافر، عند مقام إبراهيم، وبعدها يصعد المنبر ليعلن ظهوره وبداية عهده الذهبي. [راجع الحديث رقم 312 ج 1 والمراجع المدونة تحته والحديث 316، والحديث رقم 641 و648، والحديث 659 والحديث رقم 928 والحديث رقم 1091، وقد بيّن الإمام جعفر الصادق أسماء ال 315 أو 312 وإلى أي بلد ينتمي كل واحد منهم راجع الحديث رقم 1099 و1100].
2 ـ وجاء في الحديث رقم 316.. أنه إذا انقطعت التجارات والطرق وكثرت الفتن خرج سبعة رجال علماء من أفق شتى على غير ميعاد يبايع لكل رجل منهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً حتى يجتمعوا بمكة فيقول بعضهم لبعض ما جاء بكم؟ فيقولون جئنا في طلب هذا الرجل (يعني المهدي، ويبحثون عن المهدي ثم يعثرون عليه في النهاية ويبايعونه ويضعون أنفسهم تحت تصرفه).
3 ـ الخضر وإلياس من أصحاب المهدي أيضاً، الخضر في البحر والياس في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين ياجوج وماجوج ويحجان كل سنة ويشربان من ماء زمزم، [راجع الحديث رقم 315 ج1]. ومن المؤكد أنهما سيشهدان بيعة الإمام المهدي بين الركن والمقام سيبايعانه، فمن غير الممكن عقلاً أن تتم البيعة دون علمهما، أو يشهدا البيعة فلا يبايعان، لأن المهدي المنتظر ولي الله مثلهما، وهو حبيبهما وصديقهما.
4 ـ وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي أنه قال: (أصحاب الكهف أعوان المهدي). (راجع الحديث رقم 313، والمراجع المدونة تحته].
5 ـ وروى الإمام على: (... فيجمع الله تعالى له قوماً قزع كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلى أحد، ولا يفرحون بأحد يدخل فيهم على عدة أصحاب بدر، لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون، وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر). [راجع الحديث رقم 641، والمراجع المدونة تحته؛ منها المستدرك للحاكم ج4 ص 554، ومقدمة ابن خلدون ص 252 ـ 253 ف 43...].
ومثله قوله أيضاً: (... وبقي المؤمنون، وقليل ما يكونون، تجاهد معه عصبان جاهدت مع رسول الله يوم بدر لم تقتل ولم تمت). [راجع الحديث رقم 646].
ومثله قوله: (... يجمع الله له (للمهدي) عسكره في ليلة واحدة وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض. ثم ذكر تفصيلهم وأمانهم وبلادهم... ويتقدم المهدي.. ويسيرون جميعاً إلى أن ياتوا بيت المقدس... [الحديث رقم 659].
6 ـ وروى عن الإمام جعفر الصادق قوله: (الأبدال من أهل الشام والنجباء من أهل الكوفة يجمعهم الله لشر يوم لعدونا)... [الراجع الحديث 1092 ج 4]. وروى الإمام على: (إذا قام قائم أهل محمد جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف، فأما الرفقاء فمن أهل الكوفة، وأما الأبدال فمن أهل الشام). [الحديث رقم 642 ج 3]. ومثله قوله: (الأبدال بالشام، والنجباء بمصر والعصائب بالعراق) [الحديث 645]. ومثله قول الإمام الباقر... إذا سمع العائذ بمكة (المهدي) بالخسف خرج مع اثني عشر ألفاً فيهم الأبدال... [راجع الحديث 851].
7 ـ وروي عن الإمام الباقر قوله: (إذا ظهر القائم ودخل الكوفة بعث الله تعالى من ظهر الكوفة سبعين ألف صديق في أصحابه وأنصاره)... [الحديث رقم 867].
8 ـ أهل قم من أنصار الإمام المهدي وأعوانه: قال الإمام جعفر الصادق: أتدري لم سُمَّيَ قم؟ الله ورسوله وأنت أعلم، قال انما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد، ويقومون معه ويستقيمون عليه وينصرونه). [راجع الحديث رقم 1038]. ومثله قول الإمام الصادق: (تربة قم مقدسة، وأهلها منا ونحن منهم لا يريدهم جبار بسوء الا عجلت عقوبته ما لم يخونوا إخوانهم، فاذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء أما إنهم أنصار قائمنا ودعاة حقنا، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: (اللَّهم اعصمهم من كل فتنة ونجّهم من كل هلكة). [راجع الحديث 1040 ج 4]، ومثله قول الباقر أيضاً: (إن الله احتج بالكوفة على سائر البلاد بالمؤمنين من أهلها على غيرهم من أهل البلاد، واحتج ببلدة قم على سائر البلاد بأهلها على جميع أهل المشرق والمغرب من الجن والإنس، ولم يدع الله في قم وأهلها مستضعفاً، بل وفقهم وأيدهم... [الحديث رقم 1041 ج 1].
9 ـ وقد رأيت في المباحث السابقة أن حملة الرايات السود هم من أنصار المهدي وأعوانه وهم كأهل قم من إيران المسلمة.
10 ـ أنصار وأعوان مدخرون: قال الإمام جعفر الصادق: (اركض برجلك فاذا بحر تلك الأرض على حافتيها فرسان قد وضعوا رقابهم على قرابيس سروجهم)... فقال أبو عبد الله: (هؤلاء أصحاب القائم عليه السلام. [راجع الحديث رقم 1101 ج 4].
من صفات أصحاب المهدي وأنصاره
تحت عنوان: (مؤمنون من نوع خاص) عالجنا بالفقرة السابقة الخط العام لأصحاب المهدي وأنصاره، وأبرزنا الصفات الإيمانية الأصيلة إلى اتصفوا بها وأهلتهم لينالوا شرف محبة الإمام المهدي ونصرته وشرف المساهمة بتحقيق الفايات الکبرى التي بعث الله الإمام المهدي لتحقيقها وفي هذه العجالة سنذكر نماذج من الصفات الخاصة التي خلعها الله ورسوله على أصحاب المهدي وأنصاره:
1 ـ من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (... وهم أٌسدٌ بالنهار رهبانٌ بالليل). [الحديث 316 ج 1].
2 ـ وما رواه الإمام علي بقوله: (... لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون...). [الحديث رقم 641 ج 3].
3 ـ ومثله قوله: (... فبأبي وأمي من عدة قليلة أسماؤهم في الأرض مجهولة، قد دان حينئذ ظهورهم)... [الحديث رقم 643].
4 ـ إن أصحاب القائم شباب لا كهول فيهم الا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد، وأقل الزاد الملح). [الحديث رقم 644].
5 ـ (... وبقي المؤمنون، وقليل مايكونون، ثلاثمائة أو يزيدون...) [الحديث رقم 646 ج 3].
6 ـ... ومثله قوله: (... ينادي مناد بأن أولياء الله هم أصحاب المهدي). [الحديث رقم 648].
7 ـ ومثله (طوبى لمن شهد... مع قائم أهل بيتي أُولئك خير الأمة مع أبرار العزة). [الحديث رقم 651].
8 ـ (..قوم شديد كلبهم، قليل سلبهم، يجاهدون في سبيل الله، قوم أذلة عند المستكبرين، في الأرض مجهولون، وفي السماء معروفون..). [الحديث رقم 672 ج 3].
9 ـ ومثله: (... يؤيده الله بملائكته ويعصم أنصاره...). [الحديث رقم 692].
10 ـ ومثله: (... كأني بأصحاب القائم وقد أحاطوا بما بين الخافقين فليس من شيء إلا وهو مطيع لهم، حتى سباع الأرض، وسباع الطير يطلب رضاهم في كل شيء، حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول مر بي اليوم رجل من أصحاب القائم...). [الحديث رقم 818].
11 ـ (... إن الله تعالى يلقى في قلوب شيعتنا الرعب، فاذا قام قائمنا وظهر مهدينا، كان الرجل أجرأ من ليث وأمضى من سنان). [الحديث رقم 1093].
12 ـ (... إنكم مؤمنون ولكن لا تكملون ايمانكم حتى يخرج قائمنا فعندها يجمع الله أحلامكم فتكونوا مؤمنين كاملين...). [الحديث رقم 1093].
13 ـ (ثلاثمائة وثلاثة عشر وكل واحد منهم يرى نفسه في ثلاثمائة). [الحديث رقم 1091].
14 ـ (... يعطي المؤمن قوة أربعين رجلاً...). [الحديث 1099].
جموع المؤيّدين للإمام المهدي
بعد أن يظهر الأمام المهدي نفسه ويبايع في مكة، ويدخل أهلها في طاعته، وبعد أن ينتشر نبأ واقعة الخسف بجيش السفياني، وبعد أن يسمع الناس النداء السماوي، وتتوالى أنباء الآيات والمعجزات التي زود الله بها الإمام المهدي، يتردد اسم المهدي على كل لسان، ويتيقن الخاصة والعامة بأن نجم المهدي قد تألق بالفعل، وأن خطه هو الطريق إلى المستقبل، عندئذٍ يبدأ الناس بالتعرف عليه، والتعاطف معه، والتفكير بطرق التخلص من أئمة الضلالة، ولكن على استحياء، لأن لاشعورهم مسكون بالرعب والخوف من الظالمين، وبالتالي لن تكون لهم القدرة علي المواجهة، لأنهم مهزومون من داخل نفوسهم، ولكنهم يقولون بأنفسهم لو جاءهم المهدي لما قاتلوه، أما المجتمعات التي تخلصت من حكم الظالمين فان أبناءها سيؤيدون المهدي رغبة بما فيه يديه أو رهبة، أو قناعة بسيطة به. فبعد مبايعته في مكة وبسط سلطانه عليها يخرج معه عشرة آلاف مقاتل فيسير بهم وهو يحمل راية رسول الله: (السّحابة) ودرع رسول الله (السابغة) ويتقلد سيف رسول الله ذي الفقار... [راجع الحديث رقم 831]، وفي المدينة يتبعه أناس منها بعد أن يبسط سلطانه عليها، ثم يؤيده حملة الرايات السود دون أن يروه، ويؤيده أناس من مصر ومن الشام، ومن العراق، ومن اليمن، ومن غيرها فيأتون اليه وينضمون لمعسكره أو ينتظرون قدومه، أو يبعثون له بالبيعة، وتصف الأحاديث أنماط هذا التاييد واليك نماذجاً منها.
1 ـ قال الإمام (الباقر): (إن الله يلقى في قلوب شيعتنا الرعب، فإذا قام قائمنا وظهر مهدينا، كان الرجل أجرأ من ليث وأمضى من سنان). [الحديث رقم 821 ج 3].
2 ـ ومثله قول الإمام الصادق: بينما شباب الشيعة على ظهور سطوحهم ينامون، إذا توافوا إلى صاحبهم في ليلة واحدة على غير ميعاد، فيصبحون بمكة). [الحديث رقم 1080].
3 ـ وقول الصادق أيضاً: يكون مع القائم ثلاث عشرة إمرأة، وعندما سئل وما يصنع بهن؟ قال يداوين الجرحي، ويقمن على المرضى... [الحديث 1094].
4 ـ قال الإمام على: إذا قام قائم آل محمد جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب، فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف... [الحديث رقم 642].
الفصل الثاني: الملائكة من أعوان المهدي وانصاره أيضاً
1 ـ لما عُرج برسول الله إلى السماء السابعة، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها إلى حُجب النور ناداه الحق جل جلاله قائلاً يا محمد... وبالقائم منكم أعمر أرضي... وبه أُطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي... وأمده بملائكتي لتؤيده على انفاذ أمري، وإعلان ديني، ذلك وليي حقاً، ومهدي عبادي صدقاً). [راجع الحديث رقم 123 ج 1]. فإمداد الله تعالى للمهدي بالملائكة، قرار قد أتخذ من الأزل ووعد إلهي قد صدر، ان الله لا يخلف الميعاد.
2 ـ وقد أركد الرسول الكريم هذه الحقيقة بقوله: (... لطوال الله ذلك اليوم حتى يأتيهم رجل من أهل بيتي تكون الملائكة بين يديه ويظهر الإسلام). [راجع الحديث رقم 84 وراجع مراجع أهل السنة المدونة تحته].
3 ـ وروي عن الإمام الحسن قوله: (يؤيد الله بملائكته)... [راجع الحديث رقم 692].
4 ـ وروي عن الإمام الباقر قوله: (... ان الملائكة الذين نصروا محمداً في بدر لم يصعدوا لينصروا صاحب الأمر)... [الحديث رقم 824].
5 ـ وروي عن الباقر أيضاً: (كأني بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله والمؤمنون بين يديه وهو يفرق الجنود في البلاد). [راجع الحديث 836 ج 3].
6 ـ وعندما يقف الإمام المهدي بين الركن المقام ليستعد للبيعة، يكون أول من يضرب على يديه جبرئيل وميكائيل ويبايعانه، وعندما يخرج من مكة ومعه أصحابه 313 وعشرة آلاف من الذين اتبعوه في مكة يكون جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله... [الحديث رقم 813 ج 3].
7 ـ وروي عن الإمام جعفر الصادق... (وينشر المهدي راية رسول الله، عمودها من عمود العرش، وسائرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى شيء أبداً إلا هتكه الله... فينحط عليه ثلاثة عشر ألف ملك وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكاً.. قال الراوي قلت: كل هذه الملائكة؟ قال الإمام الصادق: نعم، الذين كانوا مع نوح في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم حين إلى في النار، والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل، والذين كانوا مع عيسى حين رفعه الله وأربعة آلاف ملك مسومين، وألف مردفين وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكاً بدريين، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين، فلم يؤذن لهم في القتال، فهم شعث غير يبكونه عند قبره، ورئيسهم ملك يقال له المنصور... [راجع الحديث رقم 1096 ج 4].
8 ـ وروي عن الإمام الصادق قوله: (إذا خرج القائم نزلت الملائكة بدر وهم خمسة آلاف ثلث على خيول شهب، وثلث على خيول بلق وثلث على خيول حوٍ، قال الراوي: قلت وما الحو؟ قال هي الحمر). [راجع الحديث 1097].
9 ـ وروى أيضاً... (بعد أن يخرج جيش السفياني من الكوفة ويتواجه مع جيش المهدي يقتل رجل... قال الإمام الصادق: (فعند ذلك ينشر المهدي راية رسول الله، فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر)... [راجع الحديث رقم 1114].
10 ـ وروي عن الإمام الرضا قوله: (ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصرة الحسين فلم يؤذن لهم فهم عند قبره... الي أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره وشعارهم (يا لثارات الحسين) [الحديث 1230].
11 ـ وروي عن الإمام الرضا أيضاً قوله: (إذا قام القائم يأمر الله الملائكة بالسلام على المؤمنين والجلوس معهم في مجالسهم، فإذا أراد من واحد حاجة أرسل القائم من بعض الملائكة أن يحمله، فيحمله الملك حتى يأتي القائم، فيقضي حاجته ثم يرده... ومن المؤمنين من يسير في السحاب، ومنهم من يطير مع الملائكة، ومنهم من يمشي مع الملائكة مشياً، ومنهم من يسبق الملائکة ومنهم من يتحاکم الملائکة إليه، والمؤمن أكرم على الله من الملائكة، ومنهم من يصيره القائم قاضياً بين مائة ألف من الملائکة). [راجع الحديث رقم 1231].
إنها طبيعة أعوان المهدي وأنصاره!!!
رسل وأنبياء وأولياء ووثائق أعوان للمهدي وأنصار له
لقد خص الله عبده الإمام المهدي بكرامات خاصة، ما خص بها أحداً من عباده وأيده تأييداً لم يؤيد به أحداً من قبل، وأعطاه من المعجزات ما يفوق حدي التصوّر والتصديق، وتكمن علة ذلک كله في أن الله تعالى لم يكلف رسولاً ولا نبياً قط بما كلف به الإمام المهدي، فقد اقتصرت مهمة كل رسول عملياً على هداية قومه، وكلٌف كل رسول ببذل عناية، ولم يكلف بتحقيق غاية، فإذا بذل الرسول أي رسول عنايته وجهده بهداية قومه، ولم يستجيبوا له، ففي هذه الحالة لا يقوى ذلك الرسول والقلة القليلة إلى اتبعته على المواجهة مع الأكثرية الساحقة التي تتبع إمام الكفر، لأن المواجهة بهذه الحالة انتحار حقيقي، عندئذٍ يتولى الله مواجهة إمام الكفر وأتباعه، فيسلط عليهم بعض جنده ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر، فيحسم الصراع في هذه المنطقة أو تلك، ويتحول إلى واقعة في تاريخ البشر.
أما الإمام المهدي فهو مكلف الهياً بتحقيق غاية لا بد من تحقيقها ولا يكفي منه بذل الجهد والعناية، فيجب وجوباً القضاء على أئمة الضلالة في الأرض كلها ورفع حكمهم الجائر والغائه من الأرض، ويجب وجوباً اقامة دولة العدل الإلهي ـ دولة آل محمد التي يشمل سلطانها كافة بقاع الکرة الأرضية جميعاً، ويجب وجوباً وكثمرة لكل ذلك أن تمتلىء الأرض بالعدل والقسط، وأن تتحقق الكفاية، ويحصل الرخاء التام لكل أبناء الحسن البشري، ولا يقبل من الإمام المهدي أي عذر، فهذه أمور حتمية يتوجب تحقيقها جميعاً، ولكن بالمقابل فان الله تعالى قد وضع تحت تصرف المهدي الدعم والتأييد الكاملين اللازمين للتحقيق هذه الغايات الکبرى، فما من معجزة خص الله بها نبياً أو رسولاً إلا وبإمكان المهدي ان يستعملها وقد وثقنا ذلک، والأهم أن الأرض ملزمة بإخراج کنوزها ومائها ونباتها، وأن السماء ملزمة الهياً بان تنزل قطرها، وأن فرقاً كاملة من الملائكة مجندة وتحت تصرف الإمام المهدي. هذه الإمکانيات الهائلة مسخرة الهياً لخدمة الغايات الکبرى التي كلف المهدي الهياً بتحقيقها.
الواقع السائد في العالم عند ظهور الأمام المهدي
1 ـ القسم الأعظم من سكان الكرة الأرضية يدين بالديانة المسيحية التي جاء بها اليسد المسيح عليه السلام.
2 ـ وقسم كبير من سكان الكرة الأرضية يدين بالديانة الإسلامية التي جاء بها خاتم النبيين رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
3 ـ ويعتنق الديانة اليهودية التي جاء بها كليم الله موسى قسم ضئيل من سكان الكرة الأرضية لكن هذا القسم له نفوذ وفاعلية کبرى، لانه منغلق، ومنظم، مسيطر على رأس المال ونفوذ كاسح، وقد اكتسب خبرة هائلة.
4 ـ وقسم كبير من سكان الكرة الأرضية يدينون بأديان غير سماوية.
5 ـ أئمة الضلالة (الحكام الظالمون) قد أحكموا سيطرتهم على العالم وهم يتدينون شكلياً بإحدي هذه الشرائع الأربع، وعملياً لا يقيمون للدين أي وزن الا بالقدر الذي يساهم بإحكام سيطرتهم، وتوسيع نفوذهم، والدين بالنسبة لهم ليس أكثر من برقع أو روج أو مسحوق يضعونه صباحاً ويغسلونه مساء، أو يرفعونه ودينهم الحقيقي هو شهوة الحكم، وحب التسلط، وتوسيع النفوذ. بمعنى أن علاقة الظالمين بالأديان علاقة مصلحية، تهدف إلى تسخير الدين لخدمة مطامعهم وأهدافهم السياسة، وبمعني آخر فإن الظالمين لا دين لهم في الحق والحقيقة، بل هم عناصر مريضة ومنحرقة ومجرمة أدمنت على حب التسلط، وشهوة الحكم ومنافعه ولكنها ترفع شعار الدين بالضرورة، وتتظاهر بالتدين وتدعي الحرص على الدين الذي تدين به الجموع الخاضعة لحكمها.
الفصل الثالث: الإمام المهدي يفكك الواقع العالمي ويثبت فساده بنفس الأدوات التي تؤمن بها المجتمعات
1 ـ السيد المسيح عيسى بن مريم مؤسس وصاحب الديانة المسيحية يهبط بأمر من ربه، ويعلن وبكل وسائل الإعلان المسموعة والمنظورة بأن الله تعالى قد أهبطة إلى الأرض ليكون عوناً ونصيراً ووزيراً للإمام المهدي، وأن الإمام المهدي على الحق، وأنه مأمور بأن يكون وزيراً للإمام المهدي، وأن الإمام المهدي هو إمام المسيح وإمام الناس جميعاً والدليل على ذلك أن المسيح نفسه يصلي خلف الإمام المهدي. وبهذه الأثناء يتقدم الإمام المهدي ويعلن وبكل وسائل الإعلان المسموعة المرئية، بأن الإنجيل الذي أنزله الله تعالى على عيسى، والنسخة الأصلية منه موجودة في حوزته، وها هي، ثم يرفعها بين يديه ويشاهدها العالم معه، فلا حجة مع أتباع المسيح. فعندما يعلن المسيح ذلک ويعلن الإمام المهدي عن الإنجيل وهو وثيقة مادية، فيعني ذلک أن المهدي والمسيح قد سحبا عملياً البساط من تحت أقدام کل أتباع المسيحية في العالم، فليس أمامهم الا أن يتبعوا المسيح نفسه مؤسس الديانة نفسه، فيبايعوا المهدي كما بايعه المسيح ويعترفوا بإمامته للكرة الأرضية وما عليها أو يعلنوا ارتدادهم عن الديانة المسيحية. [راجع الحديث النبي المتعلق بالإنجيل وهو الحديث رقم 225]. وهكذا حسمت المواجهة مع واقع المسيحية ينفس الأدوات والشعارات التي يرفعها المسيحيون والنصارى في العالم وتحت إشراف المسيح نفسه!.
2 ـ مواجهة الواقع المتعلق بالمسلمين: والنبي على فراش الموت بدأت عرى الإسلام بالحل، وفاته حُلت عروة الحكم، وخلال مدة لم تتجاوز العشرة سنين لم يبق من الإسلام عروة دون حل بعد أن صار المؤمنين الحقيقيون يصلون سراً وهم بحالة خوف كما وثقنا وقد رفع الدين عملياً من واقع الحياة، وحل محله فقه الهوى المتسترٍ بثوب الدين لغايات المحافظة على الملك أو توسيع رقعته، ثم صار الإسلام غريباً تماماً ولم بيق منه إلا الاسم الشكل الخارجي، وصارت الفئة المؤمنة غريبة أيضاً ومعزولة تماماً، ونكل الخلفاء بآل محمد فقتلوهم وطردوهم وشردوهم تماماً كما أخبر النبي، وبعد ذلك فرض الخلفاء فقه الهوى، وألزموا الرعية المسلمة باستيعابه لأنهم جعلوه منهجاً تربوياً وتعليمياً، ومع الأيام استقر فقه الهوى في النفوس وأُشربته الرعية وصارت تعتقد أنه الإسلام نفسه، وقد وثقنا كل ذلک في الباب الأول، وبعد أن رفع الخلفاء وأولياؤهم المنع عن رواية وكتابة الأحاديث النبوية، اكتشفت الأجيال نظرية المهدي المنتظر في الإسلام ووقفت على كلياتها من الأحاديث النبوية، واعتقدت بها، لكن فقه الهوى المتمكن من النفوس، كان أقوى من اعتقادها بالمهدي، ومن اعتقادها بحديث الثقلين، وبمكانة أهل البيت، فاستقرت هذه الاعتقادات في النفوس كحقائق لا يمكن أنكارها، ولكنها غير قابلة للتنفيذ، أو أن المسلمين ليسوا مستعدين لتنفيذها والعمل بها لأنها تنقض الواقع التاريخي، وتتناقض معه، ذلك الواقع الذي تحول إلى دين حقيقي ولكن ليس لدى المسلمين مانع لقد نُفذت تلك الاعتقادات من تَلقاء نفسها أو بقدرة الله خاصة أن المهدي خير وليس شراً، فاذا ظهر المهدي سيحدث صراع بين فقه الهوى التاريخي وبين الاعتقاد بالمهدي، وحديث الثقلين ومكانة أهل البيت وأكبر الظن بأن العامة لن يقفوا وقفة عقائدية بوجه الإمام المهدي بل سيسلموا له كما سلموا لغيره، وسيبايعونه كما بايعوا غيره والخلاصة ومع اعتناق المسيحيين للإسلام ستتأکد العامة ساعتها أن هذا الرجل هو بالفعل خاتم أئمة أهل بيت النبوة وإنه المهدي المنتظر الذي بشر به رسول الله، عندئذٍ ستلتف حوله وستدعه يوجهها ويقودها، وهكذا ينقاد أتباع الديانة الإسلامية للمهدي المنتظر.
3 ـ بالنسبة لليهود، عصا موسى يعرفها الخاصة والعامة من أتباع الديانة اليهودية ويعرفون قدرتها، وهذا العصا موجودة مع الإمام المهدي، وهو على استعداد لإظهارها والإعلان عن وجودها بكل وسائل الإعلان. كذلك فإن تابوت السكينة معروف عند اليهود، والألواح التي نزلت على موسى يعرفها خاصة اليهود وعامتهم وهي موجودة بحوزة الإمام المهدي وهو مستعد لإطلاع وفود اليهود أو كل اليهود عليها. [راجع الحديث رقم 225 ج 1 و226] هذه أدلة مادية قطعية لا يستطيع أتباع الديانة اليهودية أن ينکروها، أو يتنکروا لها، وفي النهاية لا بد من أن يؤمن اليهود بأن المهدي على الحق وانه قد حسم الصراع بنفس الأدوات والوسائل التي قامت عليها الديانة اليهودية، فيضطرون في النهاية للدخول في الإسلام والاعتراف بإمامة المهدي وقيادته، أو مواجهة الموت.
4 ـ بالنسبة للذين لا يعتنقون دينا سماوياً عندما يرون اقبال المسيحيين والمسلمين، واليهود على المهدي واعترافهم بإمامته وقيادته ودخولهم في دينه، وعندما يرون المعجزات، وأبواب الرخاء والكفاية قد تفتحت، فإنهم سيدخلون حتماً في دين الله، وسيعترفون بإمامة المهدي وقيادته.
5 ـ في ما يتعلق بأئمة الضلالة (الحكام الظالمين) فإنهم لا إيمان لهم، ولا يعرفون ولا يفهمون إلا لغة القوة والتغلب والقهر وإن تظاهروا بغير ذلك فهم كاذبون، وبهذه الحالة يتوجب على الإمام المهدي أن يحسم الصراع معهم بنفس الأدوات والوسائل التي أسست حكمهم الظالم وهي القوة، سيقمعهم الإمام المهدي وبغير رحمة، وسيطهر الأرض من رجسهم، وسيسقطهم صنماً بعد صنم، وسيردد كما ردد أبوه رسول الله من قبل: (وَقُل جاءَ الحقُّ وزهقَ الباطلُ إنَّ الباطلَ كانَ زهوقاً).
الفصل الرابع: العقيدة القتالية للمهدي المنتظر وأنصاره
مشكلة الإمام المهدي مع معتنقي الديانات السماوية الثلاث سيحلها الإمام المهدي بالأدوات والوسائل التي يجتج بها أتباع کل ديانة من هذه الديانات الثلاث السابقة كما بيَّنا قبل قليل، فعندما يعلن المسيح نفسه أنه وزير للإمام المهدي، وأنه على دينه، وأن المهدي إمامه وأميره، وعندما يصلي المسيح نفسه خلف الإمام المهدي، وعندما يقدم الإمام المهدي النسخة الأصلية والوحيدة من الانجيل الذي أُنزله الله على عيسى، وعندما يرى المسيحيون الآيات والمعجزات التي تخضع لها الأعناق فعلى الأقل فإن الأكثرية الساحقة منهم ستعتنق الإسلام لأنه دين المهدي والمسيح معاً.
وعندما يرى أتباع الديانة اليهودية عصا موسى تتحرك بيد المهدي على الوجه الذي يريد وبنفس القدرة والكفاءة التي كانت تتحرك فيها مع موسى، عندما يظهر الإمام المهدي النسخه الأصلية والوحيدة للألواح التي أنزلها الله على موسى، وعندما يأتيهم التابوت، فانهم سيكابرون في البداية، ولكن الأكثرية الساحقة في النهاية وأمام البراهين المادية والأدلة القاطعة والمعجزات التي تخضع لها الأعناق سيعتنقون الإسلام دين المهدي ودين موسى وهارون.
وعندما يزول الوهم ويتحرر لا شعور المسلمين من عقدة الرعب والخوف من قطع العطاء، والرهبة من سطوة الخلفاء، ويكتشفون فساد فقه الهوى وثقافة التاريخ سيسيرون خلف الإمام المهدي ليعلمهم دينهم من جديد.
أما الذين لا يعتنقون ديناً سماوياً فسيبهرهم التحول الديني على مستوى العالم وستدهشهم الآيات والمعجزات التي تظهر على يد المهدي، والمنجزات التي يحققها، عندئذ سيقبلون على دين الله وسيدخلون فيه أفواجاً. فلا مشكلة للمهدي معهم جميعاً إنما مشكلة مع أئمة الضلالة الذين ملأوا الأرض ظُلماً وجوراً وعدواناً.
الإمام المهدي وجهاً لوجه مع أئمة الضلالة أو الحكام الظالمين
رأينا أن مشكلة الإمام المهدي ستحل مع أتباع الديانات السماوية الثلاثة وأن الأكثرية الساحقة منهم ستعتنق الإسلام، وأن المسلمين سيفهمون أحكام دينهم الحقيقية، وسيكشفون زيف فقه الهوى، وثقافة التاريخ، وسيعرفون بالفعل قيمة أهل بيت النبوة ومكانتهم عند الله، وربما ندموا على ما فرطوا في جنب الله وكافة المشاكل التي ستعترض الإمام المهدي سيتولى حلها بالتسديد والتوفيق الإلهيين.
المشكلة العظمى تتمثل بأئمة الضلالة أو الحكام الظالمين
بينا في الفصول السابقة أن الإمام المهدي لن يظهر قبل أن يرقى الظَّلمة، أو بمعنى آخر قبل أن يحكم الظالمون العالم كله، ويعمموا فقه الهوى بين الناس، فكل ظالم يجمع الظلمة والمنتفعين من ظلمه وينقض على الأقليم الذي يقيمون فيه، ثم يستولون على السلطة بالقوة والتغلب والقهر، ويحكمون سيطرتهم، ثم تبدأ بعد ذلك عملية التنافس بين أئمة الضلالة لتوسيع رقعة ممالكهم، أو نفوذهم فيشعلون حروباً لا ناقة للشعوب فيها ولا جمل، ونتيجة لحكم الظالمين ولتعميم فقه الهوى، وللتنافس المقيت على توسيع رقعة الملك أو مدى النفوذ تمتلىء الأرض كلها بالظلم والجور والعدوان وهي ثمرات طبيعية لوجود أئمة الضلالة، ولسيادة فقههم لفاسد وأثناء إحكام الظالمين لسيطرتهم ولقبضتهم الحديدية على الشعوب يزرعون في قلوب أبناء الشعوب الأرض وقبائله الرعب والهلع والخوف، فمصير الذي لا يسير بركابهم الموت الزؤام، أو قطع رزقه وحرمانه من حقوقه، وتجويعه حتى الموت البطيء تلك الأساليب الإجرامية التي عممها الظالمون في الأرض طبعت أبناء الجنس البشري بطابع الذل، ووسمتهم بسمة العبودية وأبطلت في نفوسهم عناصر المقاومة، وجعلت الرعب والخوف مقيماً دائماً بلاشعور كل واحد من ضحايا الظلم والظالمين. وتحول كل واحد من رعاياهم إلى آلة بأيديهم أو مطية من مطاياهم أو عبد من عبيدهم.
اللغة التي يفهمها أئمة الضلالة
أئمة الضلالة يتقنون لغة واحدة وهي لغة القوة، والغلبة، والبطش والقهر، والإذلال، والرعب، والخوف، هذه هي مقومات وجودهم، وأساس ملکهم، وضمانة استمراره، وهم لا يعرفون الدين إلا بالقدر الذي يروي شهوة الحکم عندهم، ويخدم هذه الشهوة وهم لايعرفون الرحمة الا كأداة من أدوات ضحكهم على عباد الله. إن أئمة الضلالة وأعوانهم لا دين لهم ولا أخلاق، ولا مبادىء، ولا يقرون بوجود أية حواجز تقف بوجه ظلمهم، أو ما يريدون، لقد حولوا الكرة الأرضية إلى غابة يحكم القوي فيها الضعيف، ويفترس ذو الأنياب من لا ناب له، حولوها إلى مسرح لا شرعية عملية فيه الا الظلم وفقه الهوى. فالقوة أولاً والقوة هي الحياة وناموسها.
جوهر مشكلة الإمام المهدي مع أئمة الضلالة في الأرض
أئمة الضلالة الذين يحكمون العالم عند ظهور الإمام المهدي لن يتركوا الحكم بالرضا، لانهم لا يفهمون الرضا، ولا وجود لهذه الكلمة في قواميسهم ومن جهة أخرى، فغن أئمة الضلالة قد أدمتوا شهوة الحكم، وباعتقادهم ان حياتهم ستنتهي إن هم تخلوا عنه، ويخيل اليهم أن الكرة الأرضية ستخرب إن لم يحكموها، عنه، ومن جهة ثالثة، فان القوة والقوة وحدها هي الحكم الفصل بين أئمة الظلم ومن ينازعهم الحكم. والأخطر من ذلك كله أن أئمة الضلالة قد حولوا الشعوب إلى عبيد أو رقيق وسلبوا منهم روح المقاومة، واسكنوا بلاشعورهم الرعب والخوف والقلق، فصار الأفراد أدوات، مجرد أدوات بيد الانظمة الظالمة، يتبنون تماماً ما يتبناه المجرمون الظالمون، يحاربون إذا حارب الظالمون، ويسالمون إذا سالم الظالمون، يتکلمون إذا أمروا بالکلام وسصمتون إن أمروا بالصمت!!
مواجهة المهدي لأئمة الضلالة قدر محتوم لا مفر منه
رأينا أن الإمام المهدي مکلف إلهياً بتحقيق غايات کبرى لا بد من تحقيقها ومن هذه الغايات تطهير الأرض من أعداء الله، والظالمون هم أشرس وإقذر أعداء الله، ومن مهام المهدي أن يملأ الأرض بالعدل وإلقسط کما ملأها الظالمون المجرمون بالظلم وإلعدوان والجور، وتلک غايات لا يمکن تحقيقها دون القضاء التام على الظالمين، وقصمهم وبمنتهى العنف والقسوة، أئمة الظلالة يرفضون التخلي عن الحکم طوعاً، ويرفضون رفع فقههم الفاسد من واقع الحياة، ويرفضون أن يعطوا الحرية للشعوب لتختار ما تريد، وهم يلوحون بالقوة والقهر باعتبارهما أساس حکمهم وعماد وجودهم، وهم يقبلون بالقوة کحکم فصل بينهم وبين الإمام المهدي، الذي لا يخفي أهدافه، المتمثلة بالقضاء على حکم الظالمين وتأديبهم، ومحاکمتهم علي جرائمهم، وتحرير البشرية من سطوتهم. والمهدي لن يتراجع عن تحقيق أهدافه، لإنه ملزم إلهياً بتحقيقها. وأئمة الظلالة لن يتراجعوا عن مواقفهم المتزمتة، فمعنى ذلک کله حدوث ووقوع المواجهة، ونشوب حرب ضروس تُطعن فيها الکلي، وتقطع فيها الرقاب. حرب حقيقية بين المهدي وجند الله من جهة، وبين أئمة الضلالة في العالم ومن والاهم رغبة أو رهبة من جهة أخرى.
طبيعة ومصادر العقيدة القتالية للمهدي وأعوانه
الإمام المهدي يمثل قمة الوعي البشري، فهو إمام زمانة المؤهل والمعد إعداداً الهياً لسيادة العالم كله، وهو مرجع بذاته، فما من سؤال على مستوى العالم إلا ويعرف جوابه، وما من مشكلة إلا ويعرف الحل الأنسب لها. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن المهدي كإمام وكوارث لعلمي النبوة والكتاب على علم يقيني بتاريخ الظلم والظالمين الأسود في العالم، ومواقف الظالمين المخزية من الرسل والأنبياء والأولياء وعباد الله الصالحين، ومن جهة ثالثة فإن الإمام المهدي بوصفه خاتم أئمة أهل بيت النبوة على علم يقيني بحجم الظلم والتشريد والقتل والتطريد الذي اقترفه الظالمون بحق آبائه وأجداده الأكرمين وبحق مواليهم الصادقين، ثم إن الإمام المهدي نفسه أحد ضحايا الظلم والتطريد والتشريد، ثم إن أي محاكمة عادلة ومنصفة ستدين الظالمين، وستحملهم مسؤولية إجهاض الدعوة الإسلامية وصرفها عن مسيرتها، تلك المسيرة التي لو بقيت في مسارها الصحيح لتغير مجرى التاريخ، ولكان العالم بغنى عن قرون من الهول والاضطهاد والظلم، ثم أن الظالمين هم الذين أذولوا الجنس البشري، وألبسوه أزياء الذل والهوان والعبودية، وصادروا منه كافة الحقوق التي وهبها الله تعالى له، كل هذه الأسباب جعلت من الظالمين العدو الأول لله ولرسوله، ولأهل بيته ولمن والاهم، وقد عهد الله لرسله ولأوليائه بأن لا يركنوا إلى الظالمين، ثم إن الظالمين رجس، وقد أمر المهدي بأن يطهر الأرض من أعداء الله ومن رجسهم، وأن يفرغها تماماً من ظلمهم، وأن يملأها بالعدل كما ملأها الظالمون بالجور والظلم والعدوان. هذه طبيعة ومستندات ومصادر العقيدة القتالية للإمام المهدي وأعوانه، وهي طبيعة خاصة تفرض على الإمام المهدي وأعوانه، أن يضربوا الظالمين وأعوانهم بكل وقسرة وبدون رحمة ولأن قسوة مع الظالمين مهما اشتدت لن تبلغ معشار الجرائم القذرة التي ارتكبوها بحق الله ورسوله والمؤمنين والجنس البشري عامة، فالظالمون مجرمون عتاة، لا يكمن إصلاحهم أو استصلاحهم، لقد مردوا على الظلم، وكفروا بالله ورسوله، وعبدوا مصالحهم وشهواتهم من دون الله، وسخروا كل ما طالته أيديهم لإشباع تلك المصالح والشهوات، إنهم أساتذة بالكفر والفسوق والنفاق فما طالت أيديهم النجسة شيئاً إلا لوثته وأفسدته، فالحل الجذري يكمن بالقضاء عليهم وتهديم أركانها، وتقليع أظافرهم بشكل لا تنمو بعده أبداً.
نماذج من أساليب الإمام المهدي وأصحابه في تعاملهم مع الظالمين
1 ـ قال الإمام علي: (بأبي ابن خيرة الإماء (يعني المهدي) يسومهم خسفاً، ويسقيهم بكأس مصبرّة، ولا يعطيهم إلا السيف، فعند ذلك تتمنى فجرة قريش لو أن لها مفاداة من الدنيا وما فيها ليغفر لها، لا يكف عنهم حتى يرضى الله). [راجع الحديث رقم 656، وراجع المصادر المدونة تحته].
2 ـ ومثل قول الإمام علي... (أما والله لو قام قائمنا لأخرج من هذا الموضع اثني عشر الف درع، واثني عشر الف بيضة لها وجهان، ثم ألبسها اثني عشر الف رجلاً من ولد العجم، ثم ليتأمر بهم، ليقتلن كل من كان على خلاف مات هم عليه، اني لأعلم ذلك وأراه كما أعلم هذا اليوم)، [الحديث رقم 657 ج 3].
3 ـ ومثله حديث الإمام على: (ويبقى المنتظر المهدي من آل محمد فيسير في الدنيا وسيفه على عاتقه)... [الحديث رقم 659 ج 3].
4 ـ ومثله حديث الإمام الحسين: (... يظهر الله قائمنا فينتقم من الظالمين...). [الحديث رقم 704].
5 ـ وقول الإمام الحسين لابنه على: (... يا ولدي يا على والله لا يسكن دمي حتى يبعث الله المهدي فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفا). [الحديث رقم 705].
6 ـ قال الإمام الحسين لمحدثه: (يا بشر ما بقاء قريش إذا قدم القائم المهدي منهم خمسمائة رجل فضرب أعناقهم صبراً، ثم قدم خمسمانة فضرب أعناقهم صبراً، قال بشر: فقلت له: أصلحک الله، أيبلغون ذلك؟ فقال الحسين: أن موالي القوم منهم...). [الحديث رقم 706].
7 ـ ومثله حديث الإمام الحسين: (أما والله لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله مني رجلاً يقتل منكم الفا ومع الألف ألفاً مع الألف ألفاً قال الراوي فقلت: جعلت فداك ان هؤلاء أولاد كذا وكذا لا يبلغون هذا، فقال: ويحك في ذلك الزمان يكن الرجل من صلبه كذا وكذا رجلاً وان مولى القوم من أنفسهم).. [الحديث رقم 707].
ولكن لماذا قريش بالذات؟
بطون قريش ال 23 هي التي وقفت وقفة رجل واحد ضد النبي، وضد بني هاشم وضد من والاهم طوال فترة ال 13 سنة التي سبقت الهجرة وهي التي تآمرت على قتل النبي مرات متعددة، وحصرته وبني هاشم وقاطعتهم ثلاث سنين في شعب أبي طالب، وهي التي استعدت عليه العرب وجيّشت الجيوش وحاربته بعد الهجرة بكل سهم، وبكل وسائل الحرب، ولم تتوقف بطون قريش عن القتال إلا بعد أن أَحاط بها النبي، ودخل عاصمة الشرك، فاستسلمت واضطرت مكرهة لإعلان اسلامها، فسمى رسول الله ابناءها بالطلقا، وعفى عنهم، وبعد العفو اختلط المهاجر من بطون قريش بالطليق، ورتبوا امر الانقلاب على الشرعية الإلهية، ورفعوا شعار أن الهاشميين قد أخذوا النبوة ولا ينبغي لهم أن يأخذوا الملك أيضاً، وبموجب هذا الشعار أخذت بطون قريش الأئمة الذين أختارهم الله لحكم الأمة، ووضعت بدلاً منهم خلفاء موالين للبطون ومن أبنائها، فكانت بطون قريش هي التي وضعت اللبنة الأولى للنظام الوضعي، وهي أول من رفع الحكم الإلهي من الأرض، وهي التي حلت عرى الإسلام بدءاً من الحكم وانتهاء بالصلاة والطلقاء منهم هم أول من اخترع فقه الهوى، فهم معدن الظلم ومنبته الأول، ومنهم انطلق كل شيء، وبطون قريش هي التي شرعت قوانين التطريد والتشريد والتقتيل لآل محمد، وهي التي نفذت بأيديها كل تلك الجرائم، فأحرقت وقتلت، وشردت وهددت، وأذلت آل محمد، وجرأت الناس عليهم، وأخرتهم وهم المتقدمون، وقدمت عليهم كل متأخر، فتخرجت على يد أبنائها كوادر الظالمين وعتاة الطغاة، فهل تعجب بربک ان قتل الإمام المهدي منهم ألفاً وخمسمائة أو ثلاثة آلاف!! من ذريتهم السالكين درب أبائهم وأجدادهم!! إن أبادة تلك النوعية هي الجزاء المناسب لجرائمها![راجع كتابنا المواجهة تجد التوثيق والتفضيل].
8 ـ قال الإمام الباقر: (حديثنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن ممتحن، أو مدينة محصنة، فإذا وقع أمرنا، وجاء مهدينا، كان الرجل من شيعتنا أجرأ من ليث، وأمضى من سنان، يطأ عدونا برجليه، ويضربه بكفيه، وذلك عند نزول رحمة الله وفرجه على العباد). [راجع الحديث رقم 822 ج 3].
9 ـ وروى الإمام الباقر: (اسمه اسمي)، قال الراوي: أيسير بسيرة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقال الباقر: (هيهات هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته، قلت: جعلت فداك لم؟ قال: أن رسول الله سار في أمته بالمن، كان يتألف الناس، والقائم يسير بالقتل، بذلك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً، ويل لمن ناوأه). [الحديث رقم 840 ج 3].
10 ـ وروى الإمام الباقر أيضاً: (لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم أن لا يروه مما يقتل من الناس، أما إنه لا يبدأ إلا من قريش، فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف، حتى يقول كثير من الناس، ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمد لرحم). [الحديث رقم 841 ج 3].
11 ـ روى الإمام الباقر أيضاً: (... لما قتل الحسين ضجت عليه الملائکة إلى الله تعالى بالبكاء والنحيب وقالوا: إلهنا وسيدنا، أتغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك، وخيرتك من خلقك)، فأوحى الله عز وجل اليهم: (قروا ملائكتي فوعزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين ثم كشف الله عن الأئمة من ولد الحسين للملائكة، فسرت الملائكة بذلك، فاذا أحدهم قائم يصلي، فقال عز وجل: بذلك القائم أنتقم منهم). [الحديث رقم 849] فالإمام المهدي إحدى مهماته هي ثأر الحسين.
12 ـ وروى الإمام الصادق... (ويملأ الأرض قسطأ وعدلأ كما ملئت جوراً وظلماً، ويقتل حتى يقول الجاهل لو كان هذا من ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم لرحم). [الحديث رقم 1108].
13 ـ وروى الإمام الصادق أيضا: (... إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف ما يأخذ منها إلا بالسيف، وما يستعجلون بخروج القائم، والله ما لباسه إلا الغليظ، وما طعامه إلا الشعير الجشب، وما هو إلا السيف والموت تحت ظل السيف). [الحديث رقم 1106 ج 4].
تعامل الإمام المهدي مع الظالمين بعهد من رسول الله
روى الإمام الصادق: (يقتل القائم حتى يبلغ السوق، فيقول له رجل من ولد أبيه، إنك لتجفل الناس اجفال النعم فبعهد من رسول الله أو بماذا؟ قال: وليس في الناس رجل أشد منه بأسا، فيقوم إليه رجل من الموالي فيقول له: لتسكنن أو لأضربن عنقك، فعند ذلک يخرج القائم عهداً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم). [راجع الحديث رقم 1109 ج 4].
الفصل الخامس: معارك الإمام المهدي وحروبه
ليس لدينا تاريخاً مدوناً، ومنهجاً يحتوي على المعارك الحربية والحروب التي سيخوضها الإمام المهدي، ولا نعرف على وجه اليقين التسلل الزمني لتلك المعارك والحروب، ويكمن السبب في أن التاريخ يتناول حوادث وقعت، ويخرج عن دائرة اختصاصه الحوادث التي لم تقع، ثم إن المعلومات إلى وردتنا عن معارك المهدي وحروبه، معلومات غيبية لا يعلمها إلا الله ورسوله، ولا مجال للأجتهاد أو التخمين بها، فهي جميعها تسند للرسول أو لأولئک الذين سمعوه وهو يتحدث بها، وقد تبيّن أن الحديث النبوي قد تعرض لمحنة هائلة، حيث منعت سلطات دولة الخلافة التاريخية رواية وكتابة الأحاديث النبوية من اليوم الثالث لوفاة الرسول واستمر هذا المنع قرابة مائة عام وبعد المائة عام اقتنع المسلمون بخطأ وفساد قرار دولة الخلافة القاضي بمنع رواية وكتابة الأحاديث النبوية فأقبل علماء دولة الخلافة على كتابة ورواية أحايث الرسول بعد قرابة مائة عام من صدروها عنه، ولم تر دولة الخلافة آنذاك ضرراً من رواية وكتابة أحاديث النبي، لأن ثقافة التاريخ قد استقرت نهائياً، ولان فقه دولة الخلافة التاريخية قد ألقى أجرانه في الأرض وفي النفوس رغبة أو رهبة، واكتشف علماء دولة الخلافة من الأحاديث النبوية التفاصيل الكلية (لنظرية المهدي المنتظر) فرووا وأخرجوا كل ما سمعوه حول هذا الموضوع بما لا يتعارض مع الثقافة التاريخية، والسنن التي اخترعها الخلفاء بعد وفاة النبي، ومع الخط العام إلتي سارت عليه دولة الخلافة التاريخية، والذي يقوم على تأخير أهل بيت النبوة، والحط من شأنهم، وعدم الاعتراف بمكاتنهم المميزة في الأمة، وعدم تصديق ادعائهم بأنهم ورثة النبي، وأصحاب الحق الشرعي بقيادة الأمة وإظهارهم وأظهار من والاهم بصورة من ينازع الأمر أهله، وبصورة الطامعين بالسلطة، المتربصين بشق عصا الطاعة، وتفريق الأمة والجماعة، ولا نبالغ إذا ما قلنا بأن ثقافة تاريخ دولة الخلافة مكرسة لإثبات تلك المزاعم ولإثبات شرعية حکم أُولئك إلتي استولوا على منصب الخلافة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع!!
هذا المناخ القائم على تحريف الحقائق أدى إلى عزل أهل بيت النبوة، وعزل أوليائهم، وحرمان الأمة والعالم من الاستفادة من أئمة أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب، وعلى سبيل المثال فإن أئمة أهل بيت النبوة كانوا يعرفون معرفة يقينية التفاصيل الكلية والجزئية لنظرية المهدي المنتظر قبل أن يكتشفها علماء شيعة الخلفاء بمائة عام ونيف، ولكن الأئمة كانوا محاصرين من دولة الخلافة، ومراقبين هم وأولياؤهم مراقبة دقيقة من قبل عيون تلك الدولة وجواسيسها الذين كانوا يترصدون كل ما يصدر منه ليجدوا لأنفسهم السبيل لإيذائهم أو قتلهم أو تشريدهم أو تطريدهم!! ولما فتحت أبواب رواية الحديث وكتابته بعد مائة عام من المنع، ألقت الدولة وكل أعوانها بثقلهم كله للتشكيك بكل ما يصدر عن أئمة أهل بيت النبوة، وعن أوليائهم وفي احسن الأحوال صار حديث أمام أهل بيت النبوة كحديث بعض الرواة!!!
ثم إن الأحاديث التي روتها طواقم معاوية وعمالة، والهادفة إلى محق مكانة أهل بيت النبوة، والقضاء على فضائلهم، إظهارهم بصورة أفراد عاديين من الصحابة. هذه الأحاديث القت بظلها القاتم على كل شيء، لأن معاوية لما تم له ما أراد من جمع عشرات الالوف من الأحاديث التي أخترعها رواته وعماله، عمم هذه الأحاديث على الناس، وفرض على الخاصة والعامة تعلمها، ثم تناقلتها الأجيال معتقدة بصحتها وهي باطلة من أساسها، ولما انقضت مدة الألف شهر السوداء، واستولى العباسيون على منصب الخلافة بالقهر والتغلب كما فعل الأمويون من قبلهم، وجد الناس مناهج تربوية وتعليمة جاهزة، وأحاديث موثقة من الناحية الشكلية فنقلوها كما هي دون تعديل ولا تبديل، وإذا وجودا حديثاً يتعارض معها، كان القول الفصل للأحاديث التي روتها طواقم معاوية!!
وبعد مرور مدة طويلة على فتح أبواب رواية الحديث وكتابته، تجمعت ملايين المرويات، واختلط الحابل بالنابل ولم تعد تدري أياً من أي وهذا ما يجعل مهمة الباحث المنصف الطالب للحقائق الشرعية المجردة مهمة شاقة، أصعب من قطع الحجارة.
الطريقة المثلى للوقوف على معارك الإمام المهدي وحروبه
وأفضل الطرق المؤدية للوقوف على معارك الإمام المهدي وحروبه تكمن بسرد الروايات التي تعالج هذه الناحية والتركيز بشكل خاص على روايات أئمة أهل بيت النبوة الأعلام، لانهم ورثة علمي النبوة والكتاب، لأن الله قد شهد بطهارتهم، ولأنهم آل محمد، ولأنهم الثقل الأصغر، وتزداد روايتهم أهمية إذا رواها معهم أو عنهم بعض علماء شيعة الخلفاء، لأن مثل هذه الروايات ستكون حجة على الخصم وشهادة منه بصحتها، وإدانة منه لنفسه وقد قصرنا اهتمامنا ما وسعنا الجهد للتركيز والاهتمام الخاص بهذه الروايات.
الرسول الأعظم يلخص معارك الإمام المهدي وحروبه
لخص رسول الله معارك الإمام المهدي بسلسلة من الأحاديث التي عالجت هذه الناحية نوجزها فيما يلي:
1 ـ قال رسول الله أن المهدي المنتظر (... لا يبدأ بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها الا السيف، حتى يقول كثير من الناس، ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمد رحم). [راجع الحديث رقم 841 ج 3].
وتكمن علة هذه البداية بأن بطون قريش هي صاحبة نظريات تأخير آل محمد، وتجاهل مكانتهم، وعدم الاعتراف بها، وهي صاحبة النظرية الشهيرة (النبوة لبني هاشم والملك لبطون قريش) وقريش هي التي اخترعت فقه الهوى، وأوجدت ثقافة التاريخ، وحولت الفقه والثقافة إلى مناهج تربوية وتعليمية فرضتها بالقوة على الناس وبطون قريش هي الأكثر كراهية في العالم لرئاسة آل محمد، فمن الطبيعي أن يرتب المهدي أموره مع هذه البطون، وأن يحاسبها حساباً عسيراً على ما فرطت في جنب الله، وما تسببت به من هدم الشرعية الإلهية وحرمان البشرية من حكومة آل محمد، ومن عدلهم، ومن علمهم.
ولأن قريش لها تأثير على العرب، فبعض الروايات بينت بأنه لن يخرج مع المهدي في البداية من العرب أحد، لأن العرب هم أكثر الناس تأثراً بثقافة التاريخ وفقه الهوى وكراهية لرئاسة آل محمد، وهنا يكمن السبب في أن المهدي سيبدأ بقريش، وسيصب نقمته عليها، وقد توسعنا في هذه الناحية عندما بحثنا العقيدة القتالية للإمام المهدي وأصابه. بعد أن يصفي الإمام المهدي حساباته مع قريش ومع العرب ينطلق.
2 ـ إن الإمام المهدي سيفتح كافة حصون الضلالة في العالم، فعند ظهور الإمام المهدي سيكون أئمة الضلالة قد أحكموا سيطرتهم على العالم، فيدخل الإمام المهدي بمواجهة معهم ويفتح حصونهم جميعاً. وقد صرح رسول الله بهذه الحقيقة إلى ابنته الزهراء فاطمة قائلاً: (... يا فاطمة والذي بعثني بالحق، وإن منهما (أي الحسن والحسين) مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض... فيبعث الله عز وجل عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به أول الزمان)... [الحديث رقم 79 ج 1].
3 ـ ثم إن الرسول الأعظم قد أكد بشكل قاطع بأن الإمام المهدي سيظهر حتماً على الجبابرة في الأرض حيث قال... (فيجتمع اليه (أي للمهدي) ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً فيهم نسوة، فيظهر على كل جبار وابن جبار...) [الحديث رقم 34 ج 1].
4 ـ وبيّن الرسول الكريم أن هذه الحتمية وعد إلهي، وقرار محتوم حيث أخبره الله تعالى به عندما أسري به إلى السماء السابعة، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها إلى حجب النور حيث كلمه الله تعالى قائلاً: (وبالقائم منكم أعمر أرضي وبه أطهر الأرض من أعدائي، وأورثهما أوليائي...) [الحديث رقم 123 ج 1].
5 ـ وأكد الرسول الأعظم أن الإمام المهدي في معاركه وحروبه ملتزم بالشرعية، ومنفذ لغاياتها وعبر عن هذه الحقيقة بقوله: (وهو رجل من عترتي يقاتل على سنتي، كما قاتلت على الوحي). [راجع الحديث رقم 136 ج 1 وراجع مراجع أهل السنة المدونة تحته], بيّن الرسول الأعظم حقيقة هذه الالتزام بقوله: (يقفوا أثري لا يخطىء). [راجع الحديث رقم 137].
6 ـ وتقريباً للصورة، أخرى رسول الله بين فتوحات ذي القرنين وبين فتوحات المهدي فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (... حتي لا يبقى منهلاً ولا موضعاً من سهل ولا جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه، يظهر الله عز وجل له كنوز الأرض ومعادنها وينصره بالرعب)... [الحديث رقم 158 ج 1].
7 ـ أكد الرسول الأعظم بأن المهدي سيفتح بإذن الله شرق الأرض وغربها، بقوله: (... يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، فيفتح الله له شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس حتى لا يبقى الا دين محمد، ويسير بسيرة سليمان بن داود، ويدعو الشمس والقمر، فيجيبانه، وتطوى له الأرض، ويوحى اليه فيعمل بالوحي بامر الله). [راجع الحديث رقم 895 ج 4].
8 ـ وبيّن الرسول أيضاً: إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل أقليم رجلاً يقول له: (عهد في كفك، فإذا ورد أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه، فانظر في كفك واعمل بما فيها. [الحديث رقم 858 ج 4].
الترتيب الزمني وتسلسل أحداث معارك الإمام المهدي وحروبه
وقفنا قبل قليل التقاطيع الأساسية للصورة العامة والمجملة التي رسمها رسول الله لمعارك الإمام المهدي وحروبه، واستوعبنا تأكيداته القاطعة بأن الإمام المهدي سيفتح كافة حصون الضلالة في العالم، وسيقضي على كل جبار وابن جبار فيه، وستولى نتيجة لهذه المعارك والحروب وثمرة للآيات والمعجزات والدعم على كافة أقاليم الكرة الأرضية، وأنه سيولي على كل إقليم من أقاليم الأرض أحد رجاله. أما تاريخ كل معركة من معارك الإمام المهدي، ومتى تقع، وكيف تتسلسل الأحداث بالدقة التامة، فهذه أمور لا نعرفها على وجه الدقة واليقين ولا أحد في العالم كله يعرفها لا رسول الله، وأئمة أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب، لأن معارك الإمام المهدي وحروبه لم تقع إن كافة الأمور المتعلقة بنظرية الإمام المهدي قضايا غيبية ايمانية مستقبلية أوحاها الله لرسوله، وبيّنها الرسول للمسلمين بحدود قدرة الكلام على البيان، فهي كقضايا الجنة والنار والصراط والحساب أمور ستحدث حتماً، ولكن متى وكيف؟ فإن الإجابة بحدود المعلومات اليقينة التي وصلتنا من رسول الله، ولا نملك أن نزيد في هذه المعلومات أو ننقص منها لأنه لا مجال للاجتهاد في هذه الأمور الغيبية.
والخلاصة أن الترتيب الزمني لمعارك الإمام المهدي وحروبه لا يكمن تحصيله إطلاقاً، ولا يمکن الوقوف عليه، لأن تلك المعارك والحروب لم تقع بعد، صحيح أن الرسول قد بين كل شيء، وأنه قد أورث علمي النبوة والكتاب لأئمة أهل بيت النبوة، وهم مؤهلون وقادرون على الاجابة على كل سؤال، وقد بينا أن دولة الخلافة قد منعت روايات كتابه الأحاديث النبوية من اليوم الثالث لوفاة الرسول، وحتى طوال مائة عام، وبيّنا الظروف التي عاشها أئمة أهل بيت النبوة والمعاناة التي تعرضوا لها، والعزلة التي فرضت عليهم وكل هذا قد أدى إلى حرمان المسلمين من الوقوف على حقيقة كل ما قاله رسوله، لأن أحاديثه قد رويت بعد مائة سنة من صدورها عنه، وحرمان الناس من الانتفاع الكلي من علمي النبوة والكتاب الذين ورثهما أئمة أهل بيت النبوة، وبالتالي تمخض هذا عن وجود أسئلة بدون أجوبة، وأمور مفتوحة بدون تغطية، خاصة وأنه لا يوجد الآن إمام لأهل بيت النبوة، فخاتم الأئمة هو المهدي المنتظر وهو غير ظاهر، بمعنى أن الوقوف على الترتيب الزمني لمعارك المهدي وحروبه ضرب من المستحيلات في أيامنا هذه.
ولا يبقى أمامنا إلا محاولة ترتيب حوادث ومعارك وحروب الإمام المهدي حسب الرقم المتسلسل لوقوعها، بمعنى أن تقع حادثة، فنعرف الحادثة التي تليها بالضبط، ثم نعرف الثالثة والرابعة.. إلخ. وتوضيحاً للصورة نسأل ما هو أول إقليم من أقاليم الأرض قد أخضعه الإمام المهدي لسلطانة؟ وما هو الأقليم الثاني والثالث والرابع فلا نقوى على ربط الأحداث بتسلسل وقوعها، ولا معرفة اقاليم الأرض بتسلسل فتح الإمام المهدي لها، لكن معرفة تسلسل وقوع الحوادث أهون على الباحث من معرفة التسلسل الزمني لوقوعها، فمعرفة التسلسل الزمني لوقوع معارك المهدي وحروبه مستحيل استحالة مطلقة، أما ترتيب الأحداث والمعارك والحرب بتسلسل وقوعها فممكن إن تعاون على تحقيقه عصبة من العلماء الأفذاذ، وبالرغم من كثرة بحوثي في هذا المجال، ومحاولاتي إلتي لم تتوقف للإطلاع على ما كتب فيه، فإني لم أجد أفضل ولا أشمل ولاأعمق ولا أقرب لروح العصر من كتاب سماحة العلامة الشيخ علي الكوراني الموسوم (بعصر الظهور) لقد كان الجهد الذي بذل فيه كبيراً، فجاء الكتاب كثمرة طيبة لذلك الجهد، إن ترتيب الشيخ الكوراني لتسلسل الأحداث وربطها أمر يثير الاعجاب والاحترام، ولا عجب فالشيخ الکوراني هو الذي أشرف على جمع وتبويب موسوعة أحاديث الإمام المهدي، مما أهله وأعدّه لينجز كتابه الرائع (عصر الظهور)، ومما مكنه من أن يكون بحق أعظم المراجع بالأمور المتعلقة بنظرية الإمام المهدي المنتظر.
والخلاصة أنه من غير المعقول ولا المنطقي أن ننقل كل ما ورد في كتاب عصر الظهور لنقف على تسلسل معارك وحروب الإمام المهدي، انما اكتفينا بالإشارة إليه، وأرى أن الأنسب لي أن أضع (سيناريو) لتسلسل الأحداث والمعارك والحروب التي خاضها الإمام المهدي وأصحابة بالحجم وبالمدى التي أشارت اليه الأحاديث النبوية، والأحاديث التي رواها الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة، وأرى أنني غير ملزم بسد الثغرات، لأن هذه الأمور لا مجال للافتراض ولا للاجتهاد بها، وتركها أولى من محاولات سدها.
الفصل السادس: تسلسل أحداث ظهور الإمام المهدي ومعاركه وحروبه (السيناريو)
ظهور نظرية الإمام المهدي المنتظر وتغيبها كفكرة
ظهرت نظرية الإمام المهدي المنتظر على يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد بيّن للمسلمين من أوحي اليه ربه حول الإمام المهدي المنتظر، وأطلعهم على كليات وتفاصيل هذه النظرية تماماً، كما أوحيت اليه، وفهم المسلمون الذين استمعوا اليه، وفهموا منه بأن الإمام المهدي المنتظر هو خاتم أئمة أهل بيت النبوة الذين اختارهم الله تعالى لقيادة الأمة من بعده، وأن ظهور الإمام المهدي من الحتميات الإلهية التي لا بد من وقوعها، ذات يوم، وأكد الرسول هذه الحقيقة بكل وسائل التأكيد، وبيّنها بكل طرق البيان إلى درجة أن الرسول قد قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله ذات اليوم حتى يبعث الله الإمام المهدي فيملأ الأرض عدلاً)، وقد فصلنا ذلك ووثقناه توثيقاً كافياً في الابواب السابقة وأجمعت الأمة على حتمية صدور هذه الأحاديث عن رسول الله. کان المسلمون علي عهد رسول الله يرسلون هذه الحقائق التي سمعوها من رسول الله ارسال المسلمات، ويعتبرونها جزءاً من علوم الغيب التي خص الله بها نبيّه، ويؤمنون بها كما يؤمنن ببقية الامور الغيبية من جنة ونار وعذاب وثواب، مع الاختلاف بعمق هذا الايمان من فرد إلى فرد.
تغييب نظرية الإمام المهدي وإخفائها
بعد فتح مكة، وبعد أن بردت جراحات المواجهة بيّن الرسول وبين بطون قريش وبعد أن استسلمت بطون قريش، واضطرت لاعلان اسلامها، حدث تقارب بين المهاجرين والطلقاء من أبنائها، واستذكر الطرفان قتلى البطون وتفاصيل المواجهة بين ذلك البطون وبين رسول الله وآله، وفهموا حقيقة؛ أن الرسول قد رتب الأمور من بعده ليكون اول خلفائه علي بن أبي طالب، ويتعاقب على الحکم من بعده أحد عشر إماماً أو خليفة وكلهم من ذرية النبي من بني هاشم وأن الرسول قد أعلن كل ذلك على المسلمين، بسلسلة مترابطة من الأحاديث النبوية، وأخبرهم بأن ترتيب الأمور من بعده عملي رباني ولا علاقة له به وما هو إلا عبد مأمور يعلن ما يأمره الله بإعلانه، هذا الترتيبات لم ترق لبطون قريش ولا لأبنائها المهاجرين منهم والطلقاء، واستبعد ابناء البطون أن يكون الله تعالى قد رتب مثل هذه الامور، فهل يعقل برأي البطون أن يکون النبي من بني هاشم، وإن يکون الخلفاء هاشميون!!! إن هذا أمر لا يمكن تصديقة!! فكيف يصرف الله تعالى الشرف كله عن بطون قريش ال 23 ويحصر شرفي النبوة والخلافة ببني هاشم!! وقدّر قادة البطون بان محمداً كبشر هو الذي وضع هذا الترتيب ولا علاقة لله به!! ثم توصلوا إلى نتيجة مفادها بأن حصر النبوة والخلافة ببني هاشم إجحاف على حد تعبير عمر بن الخطاب!! وأن الأفضل والأوفق والأصوب أن يختص الهاشميون بالنبوة لا يشاركهم فيها أحد من البطون، وأن تختص بطون قريش بالخلافة لا يشاركهم فيها أي هاشمي قط، وبناء على هذا أجمعت قريش الا من هدى الله وصممت أن تستولي على منصب الخلافة بالقوة والتغلب وكثرة الاتباع واخذت تعد العدة وتتربص، وتنتظر بفارغ الصبر موت النبي لتنفذ ما اتفقت عليه لما قعد النبي على فراش المرض، وأيقنت البطون بحتمية موته شرعت بالفعل بتنفيذ مخططها الرامي إلى الاستيلاء على منصب الخلافة بالقوة والتغلب، وکثرة الأتباع، وتجاهل كافة الترتيبات التي أعدها النبي لعصر ما بعد النبوة، وأعلن انها ترتيبات الهية!! إلى درجة أن زعامة بطون قريش قد واجهت النبي شخصياً وهو مريض وقالت له: (أنت تهجر، ولا حاجة لنا بوصاياك، لأن القرآن عندنا وهو يكفينا!!!) وقد أكد أئمة أهل بيت النبوة ومن والاهم أن هذه التصريحات الخطيرة قد صدرت بالفعل من زعامة بطون قريش، وأكد العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء (أهل السنة) بأن هذه التصريحات قد صدرت بالفعل من زعامة بطون قريش للنبي وهو على فراش المرض، فقد رواها البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه... إلخ، وقد وثقنا كل ذلك في كتابينا (نظرية عدالة الصحابة) و(المواجهة) وفي الباب الأول من هذا الکتاب.
وما يعنينا إبرازه في هذا المجال هو أن حزب بطون قريش استطاع أن يستولي على منصب الخلافة خلال يومين فقط، وواجه المسلمين بأمر واقع فإما أن يقبلوه، وإما أن يواجه وجاهة الأکثرية (زعامة بطون قريش) تلک الزعامة التي حاربت النبي وقاومته 23 سنة، ومن يقوي على مواجهة بطون قريش بعد النبي!! ولنفترض أن علياً بن أبي طالب والهاشميين قد قرروا آنذاک مواجهة البطونُ، فإن تلک المواجهة ستکون انتحاراً، وستؤدي إلي فتنة قد تقتلع دين الإسلام من جذوره، وترد الناس إلى الشرک قلا يبقى من الإسلام لا اسمه ولا رسمه ولا مضمونه، بل ستقتلع تلک الفتنة لو حدثت کل ما بناه الرسول من جذوره، لذلک فضل أهل بيت النبوة الاحتجاج بشکل لا يشق جماعة المسلمين، ولو تيسرت لأهل بيت النبوة أسباب القوة لتمکنوا من هزيمة الانقلابيين بأقل الخسائر، ولکن سريعاً قبض الانقلابيون على منصب الخلافة والنفوذ والمال وفتحوا أبواب مواجهة بين المسلمين وبين الدولتين الأعظم.
كيف غيّبت دولة الخلافة نظرية الإمام المهدي المنتظر وأخفتها؟
لما قبضت بطون قريش على منصب الخلافة بالقوة والتغلب والقهر وکثرة الأتباع، عزلت أهل بيت النبوة وأولياءهم عزلاً تاماً، وحرمت عليهم تولي الوظائف العامة وبنفس الوقت قربت أعداء أهل بيت النبوة، ومن لا يرون لأهل البيت أي فضل، وسلمتهم الإمارات وقيادات الجيوش والأعمال، وحتى لا تحرج دولة الخلافة نفسها، وحتى لا يحتج أهل بيت النبوة وأولياؤهم بالنصوص الشرعية والأحاديث النبوية، أصدرت دولة الخلافة قراراً أو مرسوماً يمنع منعاً باتاً کتابة ورواية الأحاديث النبوية بأي أمر من الأمور، وکان هذا أول مرسوم أعلنه الخليفة الأول بعد استلامه للسلطة، والأعظم أن دولة الخلافة قامت بحرق المکتوب من أحاديث الرسول، وبررت دولة الخلافة مرسومها هذا بالقول: (بأن کتاب الله يکفي ولا حاجة لحديث رسول الله، لأنه يورث الخلاف والاختلاف على حد تعبير الخليفة الأول فقد خاطب المسلمين قائلا: (فمن سألكم عن شيء فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله. وبقيت قرارات مؤسسي دولة الخلافة سارية المفعول طوال مائة عام، لأنه لم يجرؤ أحد أن يعيب أو ينقض سنة الخلفاء الثلاثة الأُول المؤسسين للخلافة التاريخية لأن تلك الخلافة راشدة، وبالتالي لم يتمكن أحد من رواية وكتابة الأحاديث النبوية التي اشتملت عليها نظرية المهدي المنتظر، لأن هذا المهدي من أهل بيت النبوة، ولان النبي قد أكد بانه خاتم أئمة أهل البيت، فاذا انتشرت الأحاديث النبوية التي تصدع بإمامته فيقول المسلمون ما بال الذين سبقوه من أئمة أهل البيت لم يتولوا الخلافة!! وفي ذلك إحراج للخلفاء، ونسف لثقافتهم، لذلك غيبت كافة الأحاديث النبوية التي تحدثت عن المهدي المنتظر طوال المائة عام التي منعت فيها دولة الخلافة كتابة ورواية الأحاديث النبوية، ولم يكن بوسع أحد من المسلمين أن يتحدث خلال تلك المدة عن المهدي المنتظر أو عن أهل بيت النبوة، أو يروى عنهم أي حديث نبوي إلا سراً، خوفاً من بطش دولة الخلافة، وتجنباً لإسخاط الخلفاء، وحرصاً على العطاء، أو الحصول على حصة مناسبة من النفوذ بتلك الدولة. أما أئمة أهل بيت النبوة، ورثة علمي النبوة والكتاب، فقد كانوا يحدثون بالسر للصفوة القليلة من أوليائهم حتى لا يجعلوا لدولة الخلافة عليهم سبيلاً لأن هدف دولة الخلافة آنذاك كان منصباً على ايجاد السبل لقضاء التام على أهل بيت النبوة حتى لا يكشفوا حقيقة ما جرى فيما بعد، وحتى لا يكتشف الناس طبيعة دولة الخلافة. والأسس التي قامت عليها، وهكذا نجح الخلفاء بتغييب واخفاء المعالم الأساسية لنظرية المهدي المنتظر طوال مائة عام. ويمكنك أن تقف على محنة الحديث النبوي وأساليب زعامة بطون قريش للتشكيك به وتفريغه من مضامينه ومحتواه في كتابنا (المواجهة).
نظرية الإمام المهدي تعود للظهور في عهد معاوية!!
لقد كان معاوية أوضح من الذين سبقوه بمنع رواية وكتابة الأحاديث النبوية فقد قهر المسلمين، ولم يعد هناك ما يخشاه، لقد قدّر معاوية أن الغاية من منع رواية وكتابة الأحاديث النبوية تكمن في رغبة بطون قريش باخفاء المكانة، والفضائل التي خص بها الله ورسوله آل محمد، وإذا كان قرار منعه رواية وكتابة الحديث النبوي قد ظل سارياً طوال هذه المدة، فما الذي يضمن لمعاوية سريانه طول الزمان!! فبوقت يطول أو يقصر سيضطر المسلمون لرواية الأحاديث النبوية وكتابتها، وحينها سيكتشفون مكانة أهل بيت النبوة وفضائلهم التي لا تعد ولا تحصى وسجلهم التاريخي الحافل بالفخر والأمجاد، وسيکتشفون أيضاً أن لمعاوية وأخوته وأبيه وأجداده سجل تاريخي أسود حافل بالعداء لله ولرسوله وللإسلام وهو مختلف بالكامل عن سجلهم الرسمي الذي كتبوه بالرعب والارهاب والقوة وأجبروا الرعية على التسليم بصحة ما جاء فيه!!
وفكر معاوية طويلاً، فرأى أن الرأي كل الرأي بإبقاء قرار منع رواية وكتابة الأحاديث النبوية سارياً كما أراد الخلفاء المؤسسون، ولمواجهة المستقبل واحتمالية رواية وكتابة الحديث فيما بعد، راي معاوية أن يقود بنفسه حملة لرواية فضائل الخلفاء الثالثة الأول وخاصة الثالث الأموي لا حباً بهم _ مع أنهم هم الذين مكنوا له وأوصلوه للخلافة عملياً ـ ولكن كراهية بآل محمد وأهل بيته وللبطن الهاشمي عامة، وتتفرع من حملة فضائل الخلفاء الثلاثة حملة أخرى تتحدث عن فضائل الصحابة كل الصحابة، معتبراً نفسه وأباه وأخوته وأبناء عمومته من أجلاء الصحابة لأنهم شاهدوا رسول الله وجالسوه وسمعوا منه، لا حباً بالصحابة الكرام السابقين إلى الإيمان ولكنه نكاية بآل محمد وأهل بيته، وإرغماً لانوفهم، ومحالة لتجريدهم من كل مميزة أو فضيلة تميزهم عليه وعلى غيره، وسخر معاوية كافة طاقات الدولة وأمكانياتها، وجند كل عمالها لإنجاح هذا الحملة وكان معاوية صريحاً في مراسيمه حيث قال: (فلا تدعو خبراً يرويه أحد من الناس بأبي تراب أو بأهل بيته، الا وتأتوني بمناقض له في الصحابة). [راجع شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 3 ص 595 تحقيق حسن تميم]، وهذا يُعني أن معاوية وعماله وأركان دولته قد قادوا عملية الوضع على رسول الله، وأغرق معاوية وعماله الرواة بالعطايا والصلات، وانشقت الأرض عن الألوف من الرواة فجأة فرووا عشرات الألوف من أحاديث الفضائل التي لم يقلها الرسول ولم ينزل بها الله سلطاناً انما هي محض اختلاق لارغام انوف بني هاشم كما يقول ابن نفطويه. [راجع المرجع السابق، وكتاب الأحاديث للمدائني]، وبعد أن تجمعت له تلك السيول الجارفة من الروايات امر معاوية بكتابتها وإشاعتها، وروايتها بين الناس وفرض على العامة والخاصة حفظها، والعمل بها، ولاح لمعاوية ولأركان دولته بأنهم قد احتاطوا للمستقبل، وهدموا مجد آل محمد وأهل بيته، وجردوهم من مكانتهم وكافة فضائلهم، أو على الأقل ضيعوا فضائل آل محمد وأهل بيته، وسط هذا المحيط المترامي الأطراف من الفضائل. ومن غرائب هذا الحملة أن الرواة قد اكتشفوا بأن فضيلة الطهارة خاصة بأهل بيت النبوة ولا يمكن انتزاعها منههم لانها مثبتة بالقرآن الكريم، فتفتقت عبقريات الرواة عن حديث يخص أعداء الله (بالطهارة والزكاة)!!! وتفصيل ذلك أن رسول الله لعن نفراً معيناً من المسلمين كالحكم بن العاص، ومعاوية نفسه، وأباه وغيرهم وشاع أمر لعن الرسول لهذه النفر بشكل لا يمكن إنكاره أو التنكر له، وعالجت طواقم رواة معاوية هذا الأمر على الصيغة التالية: (بأن الرسول بشر يتكلم في الغضب والرضى وأثناء غضبه كان قد لعن بعض الصحابة (الحكم بن العاص) عدو الله ورسوله، ولما سكن عنه الغضب سأل الله أن يجعل هذا اللعن زكاة وطهوراً لمن بدرت منه بحقهم!! واستجاب الله، فصار عدو الله الحكم بن العاص زاكياً ومطهراً وأولى بالخلافة من الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وابنا النبي لماذا لأنهما مطهرين فقط، اما الحكم بن العاص فهو (زاكي ومطهر) وأما ولي الله بالنص، وإمام المتقين بالنص، وفارس الإسلام، وأعلم الناس بأحكامة فهو (ملعون) حاشاه حسب قوانين معاوية، لذلك من واجب الرعية كلها ان تلعنه على المنابر، وفعلاً لعنه معاوية ولعنته رعية معاوية ومن المدهش بالفعل ان البخاري ومسلم قد رويا حديث (تحويل أعداء الله إلى زكاة ومطهرين، وقد وثقنا ذلك في كتابينا (الخطط السياسية) و(المواجهة).
معاوية يظهر نظرية المهدي المنتظر بعد اخفائها
بمناسبة الحديث عن الفضائل التي قاد معاوية وأركان دولته حملتها اكتشفوا بأن الإمام المهدي المنتظر من أهل بيت النبوية، وأن علياً بن أبي طالب وأهل بيت النبوة يعتبرونه من مفاخرهم وفضائلهم التي لا تُداني، ولا ترقى لها فضيلة من فضائل القوم، فطالما ردد الإمام علي بفخر ظاهر (بنا فتح وبنا يختم) فلا معاوية ولا أركان دولته لهم القدرة على أن يمحوا من الذاكرة ما قاله الرسول عن الإمام المهدي المنتظر، لقد كانت أحاديث الرسول المتعلقة بالمهدي المنتظر من القوة والشيوع بحيث لا يمكن إنكأرها أو التنكر لها، حتى من رجل مثل معاوية وطواقم مثل طواقمه، فكانت حملة الفضائل مناسبة لإظهار نظرية الإمام المهدي بعد اخفائها، ولتأکيد وجود هذه النظرية وقوتها وتأصلها في نفوس المسلمين، واكتشفت طواقم معاوية أن إنكار النظرية مستحيل، وأن تجاهلها اكثر استحالة، وأوامر معاوية واضحة (لا تدعو فضيلة يرويها أحد من المسلمين بأبي تراب أو بأهل بيته إلا وتأتوني بمناقض لها في الصحابة) ولكن كيف ياتوه بمناقض لفضيلة المهدي بالصحابة؟ هل يقولون بأن المهدي من ذرية ابي بكر أو عمر أو عثمان أو معاية أو عمر أو زيد من الصحابة؟ ولكن لماذا من ذريتهم وليس من ذرية الرسول؟ وکيف يمکن اقتلاع قناعة المسلمين وقتذاک بأنهم قد سمعوا الرسول يؤكد بأن المهدي من عترته أهل بيته، لذلك رأت طواقم معاوية بان البديل الوحيد والممكن هو رواية أحاديث تفيذ بان المهدي من أمة محمد!!! وهذه الأحاديث في ما بعد ستشكك بكون المهدي من آل محمد، وستؤدي بعض المهام التي يرمي لها معاوية.
والخلاصة أن معاوية وبدون قصد منه، وعندما قاد حملة الفضائل وسخر لها موارد دولة الخلافة ساهم مساهمة فعالة بإظهار نظرية الإمام المهدي بعد خفائها، وبالتأكيد على وجودها وقوتها، واستقرارها في نفوس المسلمين وأن محولات رواته لتنحية هذا الشرف عن أهل بيت النبوة، وإلحاقة بغيرهم باءت بالفشل الذريع، لأن آل محمد هم من أمته بل هم سنامها وتاج فخارها.
الظهور العام والشامل لنظرية الإمام المهدي المنتظر
بعد أن اقتنع رعايا دولة الخلافة التاريخية بعدم صواب، وعدم منطقية استمرار منع رواية وكتابة أحاديث الرسول، وبعد انتقال منب الخلافة من الأسرة الأموية إلى الأسرة العباسية، وبعد أن استقرت الثقافة التاريخية في النفوس، وألقى فقهها اجرانه في الأرض لم تر دولة الخلافة أي ضرر من كتابة ورواية الأحاديث النبوية، خاصة مع تكون رأي عام ينادي بكتابة ورواية الأحاديث النبوية وكيف يمكن الاستمرار بمنع رواية وكتابة الأحاديث النبوية، بالوقت الذي تشجع فيه الدولة، وتقبل فيه الرعية على ترجمة کتب الأمم السابقة وفلسفاتها وعلومها وأساطيرها!! ثم انه لا محذور من أن يتقول على دولة الخلافة، متقول ويتهمها بأنها قد خرجت على سنة مؤكدة من سنن الخلفاء الثلاثة الأُول، فالرعية كلها مقتنعة بضرورة كتابة ورواية الأحاديث النبوية بشكل لا يتعارض مع نظام دولة الخلافة، أو ثقافتها، أو فقهها النافذ، وهكذا أرخت الدولة الحبل لرعاياها وعلمائها، وتفتحت أبواب ومنافذ رواية الحديث النبوي وكتابتة بعد حظر دام اكثر من مائة عام.
علماء دولة الخلافة يعثرون على نظرية الإمام المهدي
بوقت قصير جداً عثر علماء دولة الخلافة على نظرية الإمام المهدي المنتظر، واكتشفوا انها نظرية اسلامية من جميع الوجوه وان الأحاديث المتعلقة بها قد صدرت بالفعل عن رسول الله، وأن هذه النظرية جزء لا يتجزء من النظام السياسي الإسلامي وأن الرسول قد بشر بالفعل بالمهدي المنتظر، وأكد وبكل وسائل التأكيد على حتمية ظهوره، وأن هذا المهدي من عترة النبي أهل بيته، وأنه خاتم أئمة أهل بيت النبوة وأنه سيبايع حتماً بين الركن والمقام، أو بين زمزم والمقام، وانه سيؤسس دولة آل محمد وسيفتح أقاليم الأرض كلها، وينتقم من الظالمين ويسقط كافة حصونهم، ويُكوّن دولة عالمية، وأنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، وأن سكان العالم في زمانه سيعتنقون جميعهم دين الإسلام، وأن عيسى ابن مريم سينزل من السماء في زمانه سيعتنقون جميعهم دين الإسلام، وأن عيسى ابن مريم سينزل من السماء في زمانه، سيكون وزيراً له، ويصلي خلفه، وتوصلوا الى اسمه واسم أبيه کنيته، وإلى علامات ظهوره، وكل هذه المعلومات قد استقوها من أحاديث نبوية صحت عندهم، وتواترت بينهم، ورووها عن النبي بنفس الطرق والوسائل التي ورووا فيها أحكام الدين الأساسية من صلاة وصوم وزكاة وحج... إلخ، وبعد ان رووا هذه الأحاديث أخرجوها في صحاحهم ومسانيدهم ولشد ما عجبوا عندما اكتشفوا أن أهل بيت النبوة كانوا يعرفون هذه الأحاديث قبلهم بمائة سنة، وأن مضامين هذه الأحاديث صحيحة عند أهل بيت النبوة، ومتواترة بينهم.
وهكذا أجمعت الأمة أئمة أهل بيت النبوة وشيعتهم، والخلفاء وشيعتهم على صحة نظرية الإمام المهدي المنتظر، وجزمت الأمة بأسرها على ان الأحاديث النبوية التي تحدثت عن المقاطع الأساسية لنظرية الإمام المهدي المنتظر قد صدرت بالفعل عن رسول الله، وإنها جزء من أنباء الغيب التي أوحاها الله لرسوله، لأن الرسول لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله إياها، وبالتالي صار الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر جزء من عقيدة المسلم الدينية وظهرت نظرية الإمام المهدي ظهوراً عاماً وشاملاً ونهائياً، فليس بإمكان قوة في الأرض أن تمحو هذا الاعتقاد من نفوس المسلمين، وقد فشلت كافة محولات التشكيك بهذا الاعتقاد، وبقيت نظرية الإمام المهدي صامدة، وشامخة، وقد تعرضنا لمحاولات التشكيک وأثبتنا فسادها وفشلها.
الفصل السابع: ترتيب أحداث ووقائع ظهور الإمام المهدي المنتظر
صحيح أن الإمام المهدي المنتظر سيظهر فجاة كالساعة، ولكن وبالضرورة تسبق ظهوره سلسلة من الوقائع والأحداث التي تُفضي حتماً التي هذا الظهور، وتؤدي اليه مباشرة، فيكون الظهور التام للامام المهدي هو قمة حرکة الوقائع والأحداث المبرمجة الهياً، والمسيّرة تماماً وفق مخطط الهي، بحيث يترجم هذا المخطط ترجمة تصب في خانة نواميس نظرية الابتلاء الإلهي، فتستوعب البشرية المكلفة ما يحدث، وتفهمه، وتتفاعل معه سلباً وايجاباً ليكون هذ التفاعل موضعاً للثواب أو العقاب.
وباستقراء الأحاديث النبوية التي غطت أنباء نظرية المهدي المنتظر يتبين لنا، بأن حرکة الظهور ستمر عبر سلسلة من المراحل، تتمخض عن ولادة عصر الإمام المهدي بكل ما فيه من كفاية ورخاء وعدل وانسجام مطلق.
المرحلة الأولى: انتشار الاعتقاد بالإمام المهدي وأيمان المسلمين بهذا الاعتقاد
وقد تولى الرسول الأعظم بنفسه، نشر هذا الاعتقاد، فهو الذي بشر بالإمام المهدي المنتظر، وأكد وبكل وسائل التأكيد على حتمية ظهوره، وأنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً، وأن عيسى ابن مريم سيصلي خلفه، ويكون أحد أعوانه وانصاره، والرسول نفسه هو الذي تولى بيان كافة الأمور الكلية والتفصيلية المتعلقة بالإمام المهدي، مؤكداً بأنها من أنباء الغيب التي خص الله بها نبيّه، وبالرغم من المحنة التي تعرض لها الحديث النبوي إلا أن هذه الأنباء قد شاعت وانتشرت بين المسلين واعتقدوا بها، وآمنوا بأنها من أنباء الغيب المحتومة الوقوع.
والفئة المتنورة من المسلمين أخذت ترصد حركة الأحداث وتتمنى أن تتاح لها الفرصة لتكون من أنصار الإمام المهدي وأعوانه، وان تساهم بصنع وإخراج عهده الذهبي، بمعني انها لا تكتفي بأن تشهد عصر المهدي، بل تريد أن توطّد له، وأن تنال شرف المشاركة طمعاً بما عند الله، وهروباً من مخاطر السلبية، واستفادة من تجارب التاريخ حيث أنه لا ينبغي على الؤمن ان يقف من الأحداث موقف المتفرج، بل يتوجب عليه ان يؤثر بها سلباً أو ايجاباً، ثم إن المهدي المنتظر إمام شرعي اختاره الله، ومن واجب المؤمنين أن يضعوا أنفسهم تحت تصرفه، وأن يسلموا له قيادتهم، وأن يكونوا حيثما يتوقع منهم الإمام أن يكونوا.
المرحلة الثانية: إفلاس كافة العقائد الوضعية وأنماط حكمها واعتراف البشرية بعجز تلك العقائد وعدم أهليتها
قبل أن يظهر الإمام المهدي، تتاح الفرصة للبشرية لتجرب كافة العقائد الوضعية، وأنماط الحکم المنبثقة عنها، وأن تخضع لسيطرة حكام من مختلف النوعيات، ثم تكتشف البشرية بالتصوير الفني البطيء فشل وافلاس عجز كافة العقائد الوضعية، وکافة أنماط الحکم المنبثقة عنها، وتقر وتعترف ولو في قرارة النفوس، وبعد التجربة والمعاناة، بعدم أهلية العقائد الوضعية، وأنماط الحکم المنبثقة عنها لتحقيق العدل والکفاية والرخاء لبني البشر، ولتتساءل: أليس لله عقيدة؟ أليس لعقيدته نمط حکم!! أليس لله أولياء يمكنهم ان يحكموا البشرية!! وتقيّم البشرية الموقف، وترى أن الأرض قد فاضت بالظلم والجور، وأن كافة الوسائل البشرية للإنقاذ قد استنفذت وفشلت فشلاً ذريعاً، وأن الحياة لا تطاق، ولا شيء ينقذ العالم إلا المهدي، عندئذٍ يتهيأ المناخ النفسي، والجو العام الملائم لظهور الإمام المهدي. وتقديره حق قدره، وإبرازه بصورة المنقذ الفعلي الوحيد في العالم. والتطلع اليه على هذا الأساس.
المرحلة الثالثة: بروز علامات الظهور وتواليها
لم يترك رسول الله المسلمين في حالة غموض، إنما بيّن لهم بياناً كافياً كافة الأمور المتعلقة بالإمام المهدي، ووصفها وصفاً دقيقاً، فاكد على وجود علامات تسبق ظهور الإمام المهدي وتتزامن مع هذا الظهور، وأن هذه العلامات، ستبرز تباعاً ويتوالى ظهورها، حتى إذا اكتمل ظهورها، طلع الإمام المهدي وظهر للعالم كالنجم الثاقب المتألق. وقد وصف رسول الله هذه العلامات وصفاً علمياً دقيقاً، تفهمه العامة والخاصة، وهي من الوضوح بحيث أنها لا تخفى على أحد إن بدات بالظهور، وقد أفردنا في البحوث السابقة فصلاً خاصاً عن علامات الظهور.
ولا تبدأ العلامات إلا بعد أن يتيقن العالم ويقر اقراراً صريحاً أو ضمنياً بإفلاس كافة العقائد الوضعية، وأنماط الحكم المنبثقة عنها وعدم أهليتها لسياسة وإدارة الجنس البشري، وأن تلك العقائد والأنماط هي التي ملأت الأرض بالظلم والجور، وأن مشاكل العالم عصيّة ومستعصية على الحل، وأن المهدي المنتظر هو المؤهل الوحيد والقادر على أن يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، وأن العدل الإلهي والحكم الإلهي وقيادة أولياء الله هي المخرج الوحيد للعالم عندئذٍ تبدأ علامات الظهور بالبروز واحدة تلو الأخرى، وبالصورة التي بسطناها في موضعها وحتى تكتمل.
المرحلة الرابعة: وجود فئة مميزة تؤمن بالإمام المهدي وتضع نفسها تحت تصرفه
عندما تبدأ علامات الظهور بالبروز واحدة بعد الأخرى، عندما تعصف المحن بأبناء الجنس البشري، ويشتد البلاء وعندما يكتشف الناس أن الحل الوحيد والمصلح الوحيد للعالم هو المهدي يخرج من بين المسلمين أفراد هم أكثر الناس أحساساً بالبلاء، ورغبة بالخلاص وايماناً بالإمام المهدي المنتظر وثقة بقدرته الهائلة على التغيير، وفوق هذا وذلك هم في قمة الوعي والإخلاص لله، فيطلبون الإمام المهدي، ويبحثون عنه وكل واحد منهم لا يعرف الآخر، وفي ساعة مباركة تلتقي هذه الفئة التي تجمعت من بلاد شتى على غير موعد بالمهدي المنتظر، في مكان ما حول الكعبة المشرفة، بين الركن والمقام أو بين زمزم والمقام، فيتعارفون ويتعرفون على الإمام المهدي، ويتعلقون به، ويضعون أنفسم تحت تصرفه والأحاديث النبوية المتواترة تؤكد بان عدد أفراد هذه الفئة لا يتجاوز ثلاثتمائة وبضعة عشر رجلاً وهو عدد يطابق لعدد الذين خاضوا مع الرسول غمار معركة بدر، وفي معرض حديثنا عن أصحاب المهدي وأنصاره تعرضنا إلى مواطن افراد هذه الفئة، وعددهم، وصفاتهم ووثقنا كل ذلك فارجع اليه إن شئت.
وهنالك فئة من المؤمنين رصدت الأحداث وراقبت علامات الظهور، وأيقنت أن الإمام المهدي، يتأهب للظهور وأنه بحاجة إلى الأعوان والأنصار، فأعدت للأمر عدته، واستعدت للخروج والبحث عن الإمام المهدي المنتظر، لتعثر عليه وتضع نفسها تحت تصرفه وتنال شرف صحبة ومشاركته في عملية التغيير الکبرى، وأبرز مثال على هذه الفئات حملة الرايات السود القادمون من ايران أو المشرق.
الفئة المؤمنة المؤسسة تضع نفسها تحت تصرف الإمام المهدي الذي يتأهب للظهور
بعد جهد مضن، عناءٍ كبير، وجدت الفئة المؤمنة الإمام المهدي وتعرفت عليه، وتعرف عليها ووضعت نفسها تحت تصرفه، وأقسم أفرادها بأنهم لن يفارقوه حتى الموت، واطمأن المهدي بهم، وأطمأنوا به، وأيقن الإمام المهدي، بأنه قد آن أوان ظهوره، وبدأ بانتظار الامر الإلهي بالظهور.
المرحلة الخامسة: ظهور السفياني ومسابقته للزمن
أكد الرسول الأعظم، وأئمة أهل بيت النبوة الأطهار بأن ظهور السفياني من الأمور المحتومة حتى قيل: لا مهدي بدون سفياني، ولا سفياني بدون مهدي، فظهور السفياني من أبرز وأشهر العلامات الدالة على ظهور الإمام المهدي، بل إن ظهور الإمام المهدي سيتزامن مع عصر السفياني، وقد فصّلنا ذلك وبينّاه في الفصول السابقة. والسفياني كما بيناّ سابقاً رجل من ذرية أبي سفيان حاقد على آل محمد، كاره لدولتهم، وهو خبيث وذكي، فقد رصد الأحداث رصداً دقيقاً، وقدَّر بأن الإمام الهاشمي المهدي سيظهر، وسيحاول أن يبني لآل محمد، فأراد السفياني أن يسبق المهدي، ويبني ملكاً أموياً، ليصرف شرف المهدي عن آل محمد، كما حاول أجداده أن يصرفوا شرف النبوة والخلافة عن بني هاشم فيجمع حوله الناصبة وشانئي أهل البيت، وطلاب الدنيا والمغامرين ويؤسس لنفسه قاعدة بالوادي اليابس، ثم ينطلق منه إلى درعا وحوران ودمشق والعراق والحجاز، ويرفع شعارات براقة كوحدة العرب، ووحدة المسلمين، ويصمم على تكوين إمبراطورية أموية فقط لغايات التصدي لآل محمد، وبناء الملك الأموي الذي سيحول بين آل محمد وبين ما يريدون. يسابق الزمن، ويحاول أن يستبق الأحداث ليواجه الإمام المهدي بملك قائم ومستقر، وبأمر واقع فيجهض حركة المهدي عند ظهورها. ويئدها وهي في مهدها.
المرحلة السادسة: مبايعة الإمام المهدي وظهوره
بينما تكون جيوش السفياني مشتبكة بحروب ومعارك متعددة لبسط نفوذ السفياني على العالمين العربي والاسلامي، وبالوقت الذي تكون فيه منطقة الحجاز في حالة ضعف وتفكك واسترخاء بسبب أزمة حكم تعصف بالنظام السائد فيه.
وفي ليلة مباركة، وبين الركن والمقام، أو بين زمزم والمقام يبايع الإمام المهدي ال 313 رجلاً، ويتلقى الإمام المهدي امراً الهياً بالظهور، فيظهر بالفعل، وتبدأ الآيات والمعجزات والعلامات المتزامنة مع ظهوره بالظهور.
وبمدة محدودة يبسط الإمام المهدي سلطنة على منطقة مكة ويبايعه أهلها، وينضم إلى جيشه عشرة آلاف مقاتل منهم، ثم يولي على مكة أحد أصحابه، ويتوجه إلى المدينة، قال الإمام الباقر: (يبايع القائم بمكة على كتاب الله وسنة رسوله، ويستعمل على مكة، ثم يسير نحو المدينة فيبلغه أن عامله على مكة قد قتل، فيرجع اليهم، فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك).
ثم ينطلق فيدعو الناس بين المسجدين إلى كتاب الله وسنة رسوله والولاية لعلي بن أبي طالب والبراءة من عدوه.. [راجع الحديث رقم 834]، ويبسط الإمام المهدي سلطانه على المدينة المنورة، ويبايعه فيقيم أهلها فيها ما يشاء، ثم يخرج متوجهاً إلى العراق، وعندما يسير المهدي باتجاه العراق يكتب السفياني لأهل المدينة (إن لم تقتلوه) أي وإلي الإمام المهدي لأقتلن مقاتلكم، ولاُسبيَّن ذراريكم)، فيقتلونه فيأتي الخبر المهدي، فيرجع اليهم، ويقتل قريش، حتى لا يبقى منهم إلا أكلة كبش..). [الحديث رقم 835]، ويرتب الإمام المهدي أمور المدينة، ويتابع استعداداته للذهاب إلى الكوفة.
آية الخسف أوضح علامات ظهور الإمام المهدي وأدلها عليه
يسمع المسلمون كلهم بظهور الإمام المهدي، وبمبايعته بين الركن والمقام وبإخضاعه مكة لسلطانه، ومبايعة أهلها له، وأنه قد كوّن جيشاً من أصحابه وممن اتبعه من أهل مكة قوامه عشرة آلاف مقاتل وأن جيش المهدي ينوي دعوة الناس بين المسجدين، ثم الاتجاه إلى المدينة المنوّرة لاخضاعها لسلطانه أيضاً.
ويسمع السفياني ما سمعه الناس، فيجن جنونه، ويجهز جيشاً عظيماً من خيرة رجاله، ويولي قيادة هذا الجيش لأحد أقربائه (سفياني آخر) ويأمره بأن يتوجه إلى مكة وان يفضى بكل العنف والقسوة والشدة على الإمام المهدي وحركته، ويتوجه جيش السفياني إلى الحجاز بالفعل، ويسمع المسلمون كلهم بهذا الجيش، يصل جيش السفياني إلى الحجاز، ويعتقد أنه لم يبق بينه وبين القضاء على الإمام المهدي، يخسف الله الأرض بذلك الجيش فلا ينجو منه إلا اثنان أحدهما يبشر بالخسف، والآخر يخبر السفياني بما حدث، هناك يتيقن المسلمون أن الإمام المهدي قد ظهر بالفعل، وان السفياني هو عدو الله الذي حذر منه رسول الله، فتفيض عواطفهم الدينية نحو الإمام المهدي فالخسف آية ظهور يعلمها الخاصة والعامة، والسفياني آية ظهور أخرى، ونتيجة للخصف يجيش السفياني يتلقى ضربة معنوية قاتلة، ويبدأ بلأقول السريع، وترتفع الروح المعنوية لأنصار الإمام المهدي، ويوقنون بأن الله معه، وأن كل ما أخبرهم به رسول الله من أنباء الغيب حق لا ريب فيه.
المرحلة السابعة: الذهاب إلى العراق، وإنشاء قاعدة للعمليات، واتخاذ الكوفة عاصمة له
بعد أن يخضع للإمام المهدي مكة والمدينة وما بينهما لسلطانه، يتجه إلى العراق وإلى الكوفة بالذات، وقد روى الإمام الباقر: (أن الإمام المهدي يدخل الكوفة، وفيها رايات ثلاث قد اضطربت، فتصفو له، ويدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء)... [الحديث رقم 838].
وروى الإمام الباقر أيضاً: (كأني بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله والمؤمنون بين يديه وهو يفرق الجنود في البلاد، [الحديث رقم 836]. وروى الإمام الباقر أيضاً (بأن الكوفة ستكون عاصمته... ومنها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه، والقوم من بعده، وهي منازل الأنبياء والأوصياء والصالحين)... [الحديث رقم 939].
لماذا اختار الإمام المهدي العراق قاعدة للعمليات والكوفة عاصمة له؟
لأن العراق نقطة تجمع کبرى لشيعة أهل بيت النبوة، ففيه أعوانه وأنصاره ولأن العراق مجاور لبلاد الشرق / فارس وما حولها، تلك البلاد التي تضم نخبة شيعة أهل بيت النبوة، ولأن في إيران آنذاك حكم موالي لأهل بيت النبوة وجند مجندة للمهدي وهم حملة الرايات السود، ولأن الكوفة عاصمة ابيه التي شهدت انتصار الحق وهزائمه، ويريدها الإمام المهدي أن تشهد انتصار الحق الأعظم، وهزيمة الباطل الساحقة، ثم ان الإمام المهدي يتصرف بتوجيه رباني، وبعهد من رسول الله.
المرحلة الثامنة: قاعدة الإمام المهدي وقيادة عملياته العسكرية
يفهم من الأحاديث النبوية، ومن أحاديث أئمة أهل بيت النبوة، بأن الإمام المهدي سيجعل من مدينة الكوفة قاعدة له، ومنطلقاً لاعماله الحربية، مقراً لقيادة عملياته العسكرية، فمنها يسيّر الجيوش، ومنها يصدر أوامره إلى أنصاره في مختلف البلاد.
القضاء على السفياني وحركته
يبدو من الأحاديث بأن السفياني سيخطط للاستيلاء على كافة البلاد العربية والإسلامية وتكوين أمبراطورية أموية تسخر كافة طاقاتها ومواردها لإجهاض حركة الإمام المهدي والقضاء عليه، وتنفيذاً لهذا المخطط يسيِّر السفياني سراياه وجيوشه إلى فلسطين والأردن وسوريا والعراق والجزيرة، ويشتبك عسكرياً مع الأتراك ويكتب إلى الإيرانيين للدخول في طاعته وإلا غزاهم!
وعندما يعلم السفياني بظهور الإمام المهدي ومبايعة أهل مكة وبعزم المهدي على المسير إلى المدينة، ومنها إلى العراق، عندها يجن جنون السفياني ويجهز جيشاً كبيراً من خيرة قواته، ويأمره بالزحف على الحجاز والقضاء على المهدي وحركته، ولكن الله تعالى يخسف الأرض بذلك الجيش لا ينجو منه غير اثنين، ويتلقى السفياني بهذا الخسف ضربة معنوية ساحقة تقصم ظهره عملياً، وتنهي امره، وتبدأ جيوشه الأخرى بالتراجع، وبفقد بعضها الاتصال بقيادته، وتتفكك قواته، وتنهار روحها المعنوية تماماً، بالوقت الذي تكون فيه قوات الإمام المهدي وأنصاره يطاردون بقايا جيوش السفياني ويبدو أن السفياني، قد يسلم قيادة أكثر من جيش من جيوشه إلى أمويين (سفيانيين)، وأن الناس سيطلقون مصطلح السفياني على كل قائد من قادة تلك الجيوش، لكن القادة الأمويين يخضعون في النهاية لقيادة كبيرهم عميد البيت الأموي ووارث أحفاده وهو المعروف بالسفياني وهو المقصود بالأحاديث النبوية، تشير الأحاديث النبوية، وأحاديث أئمة أهل بيت النبوة، بأن الإمام المهدي وأنصاره سيقضون على حركة السفياني، وعلى انصاره، وأن السفياني نفسه سيبابع الإمام المهدي، ثم ينقض البيعة وأن الإمام المهدي سيقتله. [راجع الأحاديث رقم 346 و348 و349 و350 و353 والحديث رقم 658].
فتح كافة حصون الضلالة والقضاء على الجبارين وابنائهم وتطهير الشرق من الظلمة وأعداء الله
وتبين الأحاديث النبوية، وأحاديث أئمة أهل بيت النبوة بأن الإمام المهدي بعد قضائه على السفياني وحركته وأثناء ذلك سيتابع عملياته الحربية ويفتح كافة حصون الضلالة في الشرق خاصة العالم الإسلامي، وسيطهر العالم الإسلامي من أعداء الله ومن أئمة الضلالة، [راجع الأحاديث أرقام 79 و340 و23 و479 ج 1 و238]. وستكون أول ألويته موجهة إلى الترك. ويبدو واضحاً بان الإمام المهدي سينجح بتوحيد العالم الإسلامي، كله، وإخضاعه لسلطانه، وخلال سعي الإمام المهدي لتوحيد العالم الإسلامي يعقد هدنة مع الروم تدوم سنين أو المدة التي يستغرقها الإمام المهدي لتوحيد العالم الاسلامي وإخضاعه لسلطانه. [راجع الحديث رقم 223 و223 ج 1]. ويبذل المهدي جهده لاستمرار هذه الهدنة، ويتغاضى في البداية عن نقض الروم لتلك الهدنة، لأن غاية المهدي كما يبدو ستكون منصبة على توحيد العالم الإسلامي من خلفه قبل الدخول بحرب شاملة مع الروم، ويفهم من الأحاديث والروايات المتعددة بأن الإمام المهدي سينجح بتوحيد الأمة الإسلامية قبل أن يصطدم على نطاق واسع مع الروم، وتظهر تلك الروايات الإمام المهدي بصورة القوة الوحيدة في العالم الإسلامي، فله وجود في العراق والجزيرة، والشام وفلسطين والأردن وإيران، واليمن، ويتصرف في هذه المناطق تصرف السلطان الأوحد. راجع عصر الظهور ص 207 وما فوق وأن التواجد الملحوظ للروم في ما بعد ناتج عن غزو شامل يقوم به الروم للعالم الإسلامي بعد أن تفهموا حجم المخاطر التي ستشكلها دولة الإمام المهدي على أنظمة الحكم السائدة في بلاد الغرب.
سعي الإمام المهدي لتجنب المواجهة مع الغرب
بعد أن يوحد الإمام المهدي العالم الإسلامي، ويقضي على جبابرته، ويفتح كافة حصون الظلام فيه يبدأ الإمام المهدي بالاستعداد لمواجهة الغرب لفتح حصون الضلالة فيه، والقضاء على جباريه وعلى حكم الظلمة فيه، ونشر الإسلام في بلاد الغرب.
ويبدو أن خطة الإمام المهدي ستتركز على عزل ظالمي الغرب عن شعوبهم، وإقناع شعوب الغرب بأنه لا مصلحة لها بالدخول في حرب مع الإمام المهدي، لأن الإمام المهدي مهمته أن ينقذ العالم من قبضة الظاليمن الجبابرة، وأن يطهر الأرض من وجودهم، وأن الله والمهدي والشعوب المظلومة يقفون في معسكر واحد ضد الظلمة.
وعلى هذا وخدمة لهذا التوجه وبتوجيه الهي يقوم الإمام المهدي باستخراج تابوت السكينة من بحيرة طبرية، ويستخرج النسخة الأصلية من الإنجيل والنسخة الأصلية من التوراة، ويعلن الإمام المهدي وبكل وسائل الإعلان عن حيازته لهذه الأدلة المادية القاطعة، والبراهين الساطعة، ويلوح بعصا موسى وبحيازته لها، وبكافة الآيات والمعجزات التي خصه الله تعالى بها، ويفاخر بأن عيسى ابن مريم وزيره وتابعه ومن يصلي خلفه، وسيحاول الإمام المهدي أن يفتح أبواب الحوار بينه وبين العالم الغربي، وأن يتجنب الحرب معه ما وسعه الجهد طمعاً بتجنيب شعوب العالم الغربي ويلات حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. [راجع أحاديث استخراج التابوت، والتوارة والانجيل ذوات الأرقام 203 و226 و225 و227].
وخدمة لهذا التوجه يعقد الإمام المهدي معهم هدناً متعددة، ويغض الطرف عن نقضهم لتلك الهدنة، وتجري مبادلات تجارية بين دولة المهدي والعالم الغربي حيث يختلف التجار المسلمون إلى بلادهم، وتجار الغرب إلى العالم الإسلامي، ويحاول الإمام المهدي أن يفتح أبواب الحوار بين الشرق والغرب وأن يوظف حالة الهدنة لصالح السلام الهادف. [راجع الحديث رقم 224 ج 1].
المواجهة المسلحة مع الغرب
يعقد الإمام المهدي مع الغرب هدنة، [الحديث رقم 221]، فينقضوها، ثم يعقد معهم أربع هدن فينقضونها أيضاً، [الحديث رقم 222]، ويعبر الإمام المهدي عشر سنين، [الحديث رقم 223 و224]، ويفسر قادة الغرب رغبة الإمام المهدي بتجنب المواجهة العسكرية تفسيرا خاطئاً، أو يكتشفون ما يرمي اليه الإمام المهدي، ويدركون خطورة الرجل، وقدرته على التأثير على شعوبهم، وقوة حجته ونجاعة الأدلة المادية التي يحوزها من تابوت وتوراة وإنجيل وعصا موسى، والتأثير الساحق لوجود المسيح ابن مريم معه، لذلك يتناسى أئمة الضلالة في الغرب كافة خلافاتهم، ويوحدون جيوشهم، ويسلمون قيادتهم لأحد ملوكهم ثم يتفقون على شن حرب شاملة على دولة الإمام المهدي، ويستغلون هدنهم مع المهدي لإتمام استعدادتهم العسكرية، ويبدو أن أئمة الضلالة في الغرب يجهزون جيشاً قوامه 960 ألف مقاتل، وثمانمائة سفينة. [راجع الحديث رقم 223 والحديث رقم 232]. ويبدو أيضاً بان الطرفين سيتواجهان في أرض أفريقيا [الحديث رقم 232]، وأن الكفة سترجح لصالح المهدي وجنده، وأن قادة الغرب سينسحبون لإعادة تنظيم قواتهم، ثم يقبلون حيث سترسوا سفن الروم الغازية من صور إلى عكا عندئذٍ تبدأ الملاحم. [راجع الحديث رقم 224]، ويبدو أن نصارى المنطقة سيكتشفون خطورة الإمام المهدي، وستجري بين قياداتهم وقيادة جيوش الغرب اتصالات، وأن النصارى سيقدمون مساعدة للجيوش الغربية الغازية، [الحديث رقم 235].
الملحمة العظمى بين الإمام المهدي وجنده وبين الروم والترك واليهود
يبدو من الأحاديث النبوية أن قادة الغرب سيتحالفون مع الترك ومع اليهود ضد الإمام المهدي، [راجع الحديث رقم 215 و216 و217]. وأن القوات المتحالفة ستحصل على موضع قدم لها في أكثر من موقع وتشتبك مع المسلمين في اكثر من جهة، ربما طمعاً بإجبار الجيش الاسلامي على تشتيت قواه، ويبدو أيضاً بأن القوات المتحالفة، جندت جيشاً عظيماً لم يَرَ الشرق في تاريخه له مثيلاً فقد روي عن النبي قوله... ثم يأتيكم في ثمانين غاية تحت كل غاية اثني عشر ألفاً [الحديث رقم 223 والحديث رقم 226]، ويبدو أن قوات التحالف ستكون مصممة على هزيمة الإمام المهدي وجنوده، لأن الأوامر المعطاة لقيادة تلك القوات بالقيام بحرق المراكب والسفن بعد رسوها في ساحل الشام ليشعر الجيش المتحالف أنه يُقاتل دفاعاً عن نفسه ويضطر إلى الثبات والاستبسال في القتال. [راجع الحديث رقم 236]، وينجح الغزاة ويستولون بالفعل على أكثر بلاد الشام برها، وبحرها ويخربون بيت المقدس ولا يبقى من بلاد الشام بأيدي المسلمين إلا دمشق والمقسق وهو جبل بأرض الشام، ويبدو أن الإمام المهدي يطلب من عماله على بقية الولايات الإسلامية إمداده، وأن هذه الإمدادات ستبدأ بالوصول، فيصل من اليمن 70 ألف مقاتل، ويحاول الإمام المهدي أن يجمع الجزء الأكبر من قواته بالشام بعد أن تيقن من أن القوة الضاربة لقوات التحالف في الشام، ويبدو أن المهدي ستكون قيادته الميدانية في اُنطاكية، وهنالك ستنشب معركة کبرى بين الطرفين يستشهد فيها ثلاثون ألف مسلم منهم سبعون أميراً من أولياء الله، ويتدفق الدم بغزارة من الطرفين حت تخوض الخيل بالدم. [راجع الحديث رقم 235]، ويصب الله غضبه على الروم فيهزمون هزيمة ساحقة، ويبدو أن هذه المعركة وذيولها ستقصم ظهر الروم وحلفائهم لأنهم عندما قرروا غزو البلاد الاسلامية جندوا كافة طاقاتهم، ورجالهم القادرين على حمل السلاح، وتركوا بلادهم مفتوحة.
وقد خسر الروم بهذه الملاحم قرابة ستمائة ألف مقاتل عدا الجرحي والمفقودين، ويبدو أن الإمام المهدي سيعرف حقيقة الوضع العسكري في بلاد الغرب بدليل أنه وبعيد هذه الملاحم بقليل، يجهز ألف وخمسمائة مركب، لتحمل جيشه المؤلف من أربعة أجناد وهم جند المشرق، وجند المغرب، وجند الشام، وجند الحجاز لغايات غزو بلاد الغرب المفتوحة أمامه. ويبدو بأن المحن، واليقين سيصقلا جيش الإمام المهدي حيث تصف الأحاديث ذلک الجيش بأنه متماسك، ومؤمن، ومتعاضد، وكأن أفراده أولاد رجل واحد، وأن الله سيذهب عنهم الشحناء والتباغض من قلوبهم فيسيرون من عكاء إلى رومية، ويسخر الله لهم الريح كما سخرها لسليمان.
وتؤكد الأحاديث النبوية بأن هذا الجيش سيفتح بلاد الغرب حتى يأتون مدينة يقال لها قاطع على البحر الأخضر المحدق بالدنيا ليس خلفه إلا أمر الله. [راجع الحديث رقم 128]، وتركز الأحاديث على فتح القسطنطنية خاصة، [راجع الحديث رقم 414 و408]، ويفتح الصين أيضاً وجبال الديلم [الحديث رقم 663]، ولا يمر بحصن إلا فتحه. [الحديث 661 رقم].
ولا تتوقف معارك الإمام المهدي حتي يملك مشارق الأرض ومغاربها
وتؤكد الأحاديث النبوية أن الإمام المهدي سيحمل سيفه، ولن يرميه حتى يملك العرب، [الحديث رقم 68]، ويملك مشارق الأرض ومغاربها: (يفتح له ما بين المشرق والمغرب) [الحديث رقم 127]، (يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها)، [الحديث رقم 155] ويبلغ المغرب المشرق [الحديث رقم 158]، ولا يبقى على وجه الأرض الا من يقول لا آله الا الله، [الحديث رقم 309]، ويحكم بين أهل المشرق والمغرب، [الحديث رقم 361]، ويشمل مُلك المهدي العالم كله، [الحديث رقم 858]، ويفتح الله له شرق الأرض وغربها، [الحديث رقم 959].
نزول المسيح إلى الأرض
لا خلاف بين اثنين من المسلمين على نزول السيد المسيح، وحتمية صلاته خلف الإمام المهدي، وحتمية تأمر الإمام المهدي عليه، وعلى كونه أحد وأبرز وزراء الإمام المهدي، لكننا لا نعرف على وجه الجزم واليقين بأي مرحلة من المراحل سينزل السيد المسيح، ويصلي خلف الإمام المهدي، ويباشر مهام وزارته في حكومة الإمام المهدي، وغن كنا نرجح ان يكون نزول المسيح، بعد دخر جيوش غزاة الغرب، وخلال فترة استعدادات الإمام لفتح حصون الضلالة في العالم الغربي، لأن عقلية الغرب آنذاك ستكون أكثر استعداداً وقابلية لسماع ما يقوله الإمام المهدي، بعد أن تحطمت القوة العسكرية الضاربة في الغرب، ويعد فشل تحالف أئمة الضلالة فيه.
الفصل الثامن: دولة الإمام المهدي هي دولة آل محمد، وستكون آخر الدول
نشوء دول التاريخ السياسي الاسلامي وحرمان آل محمد من تكوين دولة خاصة بهم
لو استعرضنا تاريخ دولة الخلافة التاريخية، والدول التي تعاقبت على حكم الأمة الإسلامية لتبين لنا بوضوح تام أن كافة الجماعات والأفراد الذين عرفوا رسول الله، أو آمنوا به، أو تظاهروا بهذا الايمان قد استفادوا من الملك العريض الذي بناه رسول الله، فنالوا نصيباً من الجاه، ونصيباً من النفوذ وبعض الأفراد والجماعات، استولوا على ملك النبوة، وكونوا في هذا الملك دولاً خاصة بهم، تحمل أسماءهم، أو اسماء عائلاتهم، وعللوا ذلک بمبررات مختلفة وغير مقنعة، ولكن تلك المبررات جميعاً تستند عملياً على القوة والقهر وكثرة الأتباع وتسخير موارد دولة الخلافة لتثبيت دعائم تلك الدول بعد إخراج تلک الموارد عن مصارفها الشرعية.
والفئة الوحيدة التي لم تستفد من ملك النبوة، ولم تنل نصيباً من جاه ولا نفوذ هذا الملك، ولم تتمكن من تكوين دولة خاصة بها هم عترة النبي أهل بيته أو آل محمد، مع أنهم الأقرب للنبي والأولى به!!! وأعظم من ذلك أن الذين استولوا على هذا الملك النبوي حوَّلوه إلى سوط من عذاب جلدوا به عترة النبي أهل بيته وساموهم فيه سوء العذاب!!!
الإمام الحسن العسكري يعلل ذلك
علل الإمام الحسن العسكري أسباب نقمة مؤسسي وقادة دولة الخلافة التاريخية على آل محمد، وحرمانهم من تكوين دولة خاصة بهم، ويسوق الإمام العسكري الأمويين والعباسيين كمثال متاح على ذلك فيقول وبالحرف: (قد وضع بنو أمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلتين: 1 ـ أحدهما أنهم كانوا يعلمون انه ليس لهم في الخلافة حق، فيخافون من ادعائنا اياها وتستقر في مركزها، 2 ـ وثانيهما أنهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منا، وكانوا لا يشكون أنهم من الجبابرة، الظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، طمعاً منهم في الوصول إلى منع توّلد القائم أو قتله فابى الله ان يكشف أمره لواحد منهم إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون). [راجع الحديث رقم 1262 ج 4 والمراجع المدونة تحته]. وتحليل وتعليل الإمام العسكري من القوة والوضوح والإقناع بحيث أنه لا يحتاج إلى بيان.
مبررات تقدم الجميع على آل محمد وقيام دول الجميع الا دولة آل محمد!!
1 ـ ورث الخليفة الأول ملك النبوة، وكوّن دولة فعلية لنفسه ولرهطه بني تيم بحجة أنه صاحب النبي، ووالد زوجته، وأنه ومن قريش عشيرة النبي ولما قال له الإمام علي، بأنه وأهل البيت أولى برسول الله حياً وميتاً، والرسول مثل شجرة، عترته أهل بيته فروعها وأغصانها، وقريش ظلالها، وأشار الإمام إلي الأحاديث النبوية التي صدعت بخلافته للنبي، وبالترتيب الإلهي لعصر ما بعد النبوة. قال الخليفة الأول بأن الخلافة شأن خاص بالمسلين وأن المسلمين قد اختاروه بالشورى، وأجمعوا عليه، وما ذكره الرسول في غدير خم ومناسبات متعددة حول ولاية الإمام على من بعده ومكانة أهل بيت النبوة وآل محمد، ليست ملزمة، لأنها صادرة من الرسول كبشر وليست وحياً إلهياً!! وأن الخلافة مرهونة بشورى المسلمين وموافقتهم.
فأجابهم الإمام بأن الرسول لا ينطق عن الهوى، وهو يتبع ما يُوحى اليه، ولا يمكنه أن يتقول على الله، أو يعلن أمراً بهذه الخطورة دون الموافقة الإلهية، ثم لنفرض أن الامر شورى بين المسلمين فآل محمد عترته أهل بيته من المسلمين بل هم الناصية، وعنوان الفخار، فكيف تكون الخلافة دون استشارتهم، لقد كانوا غيباً عن هذه الشورى؟!
فقالت بطون قريش التي كانت تقف خلف الخليفة بكل كثرتها وخيلائها وفخرها ونفوذها: يا على قد جادلتنا فأكثرت جدالنا، فإما أن تبايع انت وعترة النبي أهل بيته واما ان تُقتلون!! فالتفت الإمام ولم يجد له معيناً إلا أهل بيته، فضن بهم عن الموت، فسلم لدولة بني تيم وبعد ستة شهور بايع وبايع معه أهل البيت.
2 ـ ونظراً للجهود المضني التي بذلها عمر بن الخطاب بتوحيد بطون قريش وحلفائها، وبإقامة دولة البطون الأولى عهد الخليفة الأول له بالخلافة فكانت مبررات استخلاف الثاني هي نفس مبررات استخلاف الأول وزادت عنها بعهد الأول وهكذا نشأت دولة فعلية لبني عدي وتقدم آل عدي على آل محمد.
3 ـ والخليفة الثاني على فراش الموت عهد بالخلافة عملياً لعثمان بن عفان وهو حليف الأول والثاني ووزيرهما، وصاحب الجهد الأعظم بإقامة دولتهما وهو عميد البيت الأموي وكان مبررات توليته هي نفس مبررات الخليفتين الأول والثاني، والفارق أن الخليفة الثالث هو زوج ابنة النبي التي ماتت ولم تعقب وليس والد زوجة النبي وأن الثاني قد عهد إليه، وهكذا قامت عملياً دولة بني أمية ولكن دون إعلان في البداية، وفي مرحلة من مراحل الخليفة الثالث خاطب وزيره مروان بن الحكم المسلمين بقوله: (شاهت وجوهكم تريدون أن تسلبونا ملكنا)!!
4 ـ لما آلت الخلافة إلى الإمام علي بن ابي طالب بنفس الوسائل والطرق التي أوجدتها بطون قريش، ونفس المبررات التي تولى فيها الخلفاء الثلاثة الحكم وقفت بطون قريش وقفة رجل واحد، ورفضت خلافة الإمام على ثم قتلته، ثم رفضت خلافة ابنه لم تقبل الا بعد هزيمة آل محمد وعودة منصب الخلافة للبطون. لأنها لا تقبل بحكم آل محمد وترفض رفضاً أن تكون لهم دولة!!
ولا مانع لدى بطون قريش من أن تتكون دولة للموالي، وللأنصار، ولأي مسلم لكنها لا تقبل بدولة آل محمد، قال الخليفة الثاني وهو على فراش الموت: (لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لوليته واستخلفته) وسالم هذا من الموالي ولا يعرف له نسب في العرب، فالخليفة الثاني يتمنى حياة الموالي الأموات ليوليهم الخلافة، ويتجاهل وجود آل محمد تجاهلاً تاماً من الناحية العملية، ولا يرى أن فيهم من هو أهل لتولي الخلافة)!!!
5 ـ ومع أن معاوية بن أبي سفيان أبوه وأخوته هم الذين قادوا جبهة الشرك وقاوموا رسول الله وحاربوه طوال مدة 21 عاماً، ولم يسلموا إلا بعد ان أحيط بهم فاضطروا مكرهين للتلفظ بالشهادتين إلا أنه وبعد أن وطد له الخلفاء الثلاثة استولى على منصب الخلافة بالقوة والقهر وأسس دولة خاصة بآل ابي سفيان وهم أعداء الله ورسوله الألداء وحجة معاوية ومبررات خلافته أنه القوي الغالب، وأنه صحابي وأنه مسلم، وأنه من عشيرة النبي، وأن أخته هي إحدى زوجات النبي!!
6 ـ بعد أن سقطت دولة آل أبي سفيان آلت الخلافة إلى ذرية عدو الله وعدو رسوله الحكم بن العاص، الذي لعنه رسول الله ونفاه وحرم عليه أن يسكن معه في المدينة، وحذر المسلمين من شروره ومع هذا كون دولة خاصة بآل الحكم بن العاص بحجة انه أموي، وأنه أولى بمعاوية وأنه من قريش عشيرة النبي!! وصار المسلمون رعايا لهذه الدولة كما كانوا رعايا للدولة التي سبقتها، وبايعوا خلفاءهم تماماً كما بايعوا الذين قبلهم.
7 ـ وجمع العباسيون القوة، وأعدوا وسائل الغلبة، ورفعوا شعارات آل محمد، فاستولوا على منصب الخلافة بالقوة والقهر كونوا دولة خاصة بآل العباس بحجة وبمبررات مفادها أنهم أحفاد العباس عم النبي، لما قال لهم أهل بيت النبوة بأننا أحفاد النبي نفسه، أحفاد عم النبي الشقيق، وأنتم رفعتم شعاراتنا، وتعرفون حقنا وأننا الأولى منكم، وكنتم تتفرجون علينا ونحن نقتل ونسام سوء العذاب!! فيغضب العباسيون ويصبون على آل محمد فيضاً جارفاً من النقم والقتل والعذاب وكأنه ليس بين العباسيين وبين عترة النبي أية قرابة!!
8 ـ وتتفكك الدولة العباسية، ويغلب كل والٍ على ولايته، ويؤسس له ولأسرته دولة خاصة به، بحجة أنه مسلم، وأن الخليفة غير قادر على إدارة شؤون الخلافة، وليس في تلك الولاية من هو أصلح ولا أنسب منه لقيادة الرعية.
9 ـ ثم تطلع عائلة تركية، وتجمع حولها أسباب القوة وتستولي بالغلبة على كافة أقاليم العالم الإسلامي وتخضع جميع المسلمين لسلطانها ويعلن كبير العائلة التركية (العثمانية) بأنه خليفة رسول رب العالمين لأنه يوجد خليفة، ولايوجد من هو أنسب للخلافة منه!!
ولأنه لا بد للمسلمين من خليفة!! ولأنه لا فرق بين عربي وعجمي!! وأن الأتقى هو الأكرم عند الله!! بمعنى أن كبير الأسرة العثمانية هو الأكرم عند الله!! والخلاصة أن العثمانيين قد تجاهلوا وجود أهل بيت النبوة كتجاهل الذين من قبلهم، وتقدموا على أهل البيت كما تقدم الذين من قبلهم، وقبل المسلمون بذلک أو تظاهروا بالقبول كما فعل آباؤهم من قبل. وبعد قرون تسقط دولة آل عثمان، وبسقوطها يسقط نظام الخلافة التاريخية، ولكن ثقافة تلك الخلافة ومناهجها التربوية والتعليمية قد استقرت نهائياً في النفوس، فالملك لمن غلب، والتبريرات الشكليه ما هي إلا ديكور. فرفعت الشرعية الإلهية من واقع الحياة، وحل محلها التغلب والقوة، وتفسحت أشداق المطامع، وابواب ومنافذ التنافس، وصار كل قوي يعتقد بأنه الأحق بالقيادة، فتولى الأمر غير أهله، وأهله ينظرون، وقيل لكل إمام من أئمة بيت النبوة، خاصة ولآل محمد عامة، اما أن تقبلوا ما يرتبه الظلمة الجبارون أو تموتوا!! فآثر أهل بيت النبوة الحياة لا حياً فيها لأن الجبابرة قد أفسدوها بالفعل، ولكن لينقلوا ما جرى للأجيال اللاحقة، وليكشفوا التزييف والتضليل، لعلّ جيل من الأجيال ينصفهم، ويفهم عدالة قضيتهم، ويفهم حجم الجريمة التي ارتكبها المجرمون بحق الله ورسوله وأهل بيته وخلاف قرون العذاب الألم كان أهل بيت النبوة يشكون بثهم وحزنهم إلى الله.
العلم الإلهي المسبق لحركة الأحداث والوعد الإلهي القاطع بإقامة دولة آل محمد
الله سبحانه وتعالى يعلم بحركة الأحداث قبل وقوعها بداية وتفاصيل ونهاية فما من أمة من الأمم إلا ويعلم الله تفاصيل وكليات الحركة المستقبلية لأفرادها فرداً فرداً ولجماعتها جماعة جماعة، ويعلم الخط العام الذي ستسير عليه الأمة كلها من البداية وحتى النهاية، ولأن الله رحيم بعباده، فإنه يتولى بتوجيهاته الإلهية ترشيد الحركتين الخاصة بکل فرد وجماعة، والعامة التي تخص الأمة كلها، لكنه تعالى لا يجبر الجماعة، ولا يجبر الأمة على فعل شيء، لأنه لو وقع الاجبار لما كان للثواب أو العقاب معنى، ولاختلت قواعد الابتلاء الإلهي ونواميسه، والله سبحانه وتعالى يريد لهذه القواعد والنوامس أن تشق طريقها بموضوعية بدون تأثيرات، ليكون الثواب عادلاً والعقاب عادلاً ولتتکون المقومات الموضوعية للحكم الإلهي العادل.
لقد أكمل الله دينه، وأتم نعمته، ورضي الله بالإسلام ديناً للعرب ولكل خلق الله ونجح الرسول بتحويل العرب من دين الشرك إلى دين الإسلام، وبإقامة دولة ايمانية وحدتهم ولأول مرة في التاريخ بكلفة بشرية لا تكاد أن تذكر، وبلغهم الرسول كتاب الله كما أوحي اليه، وبينه لهم كما أمره، ولم يترك الرسول امراً من أمور الدنيا والآخرة فيه خير الا ورغبهم فيه، ولا امراً فيه شر إلا وحذرهم منه، واتسعت رحمة الرسول ورأفته بالجميع، ولأن الرسول بشر فسيموت حتماً، وحتى لا تفسد الأمور بعد موته وحتى لا ينهار ما بناه، وضع الله سبحانه وتعالى ترتيبات الهية لعصر ما بعد النبوة، فاختار الله اثني عشر إماماً ليحکموا الأمة من بعد النبي حتى قيام الساعة، فأهلهم وأعدهم إعداداً إلهياً للقيادة والمرجعية بحيث يکون كل واحد منهم هو الوارث الوحيد لعلمي النبوة والكتاب في زمانه، وهو المرجع الأوحد ليقول الناس في زمانه بحق، أنه الأعلم والأفضل والأنقى والأقرب لله ولرسوله، وأمر الله رسوله أن يعلن للامة أسماء القادة أو الأئمة أو الخلفاء أو النقباء والأمراء الذين اختارهم الله، ولأن الرسول مأمور، ويتبع ما يوحى اليه، فقد سمى للامة قادتها من بعد وفاته، وتسعة منهم لم يولدوا بعد، وأمر الله رسوله بأن يعلن للناس بأن طاعة كل واحد من الاثني عشر هي طاعة لله، ولرسوله، وموالاتهم هي موالاة لله ولرسوله، ومعاداتهم هي معاداة لله لرسوله، والخروج على أي واحد منهم هو خروج على الله ورسوله، وأكد الرسول كل ذلك وبكل وسائل الاعلان والبيان ليحكم الله امره ويقيم حجته أمر الله رسوله بأن ينصب أول أولئك الأئمة ولياً للمؤمنين والرسول حياً، وأن ياخذ له البيعة من المسلمين، كافة، وفي غدير خم أعلن الرسول أن حجته تلك ستكون حجة الوادع، وأنه سيموت بعد عودته إلى المدينة بقليل حيث سيمرض، ويموت في مرضه وأنه لن يلقى المجتمعين بعد عامهم ذلك، وسألهم من وليکم، ومن مولاكم، وهل حقيقة أني وليكم ومولاكم؟ فتعجب المسلمون وأجابوه بصوت واحد أنه الولي، وأنه المولى فقال الرسول: من كنت وليه فهذا علي بن أبي طالب وليه، ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه، ولخص الرسول للمسلمين الموقف بقوله: (تركت فيكم ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي) حديث الثقلين بصيغه المتعددة، ثم عمم علياً بن ابي طالب بعمامة، وأجلسه، وطلب من الجميع أن يبايعوه، وبايعه الجيمع وعلى رأسهم الخلفاء الثلاثة الأول عرف المسلمون أن الخليفة الأول هو علي بن أبي طالب وأن الأحد عشر الأخرين من صلب على ومن ذرية النبي وأن آخرهم وخاتمهم محمد بن الحسن المهدي المنتظر، وتفرق المسلمون وعادوا إلى منازلهم على هذا الأساس.
الإنقلاب والردة على الأعقاب وتكوين حزب العدالة!!
ذهلت بطون قريش من هول ما سمعت، فآل محمد وأهل بيته هم الذين قتلوا أبناء بطون قريش أثناء حربها للنبي، وهم من بني هاشم ثم إن محمداً من بني هاشم، فأي عدل هذا الذي يخص الهاشميين بالنبوة وبالخلافة إلى قيام الساعة، ويحرم بقية البطون من الشرفين معاً!! إنه لمن المستحيل أن يأمر الله بذلك!! أو يرتب ذلك!! إنها مجرد أقوال لمحمد!! ومحمد بشر يتكلم في الغضب والرضي، ولا ينبغي أن تُحمل كل أقواله على محمل الجد!! وحمل أقوال النبي المتعلقة بالخلافة من بعده على محمل الجد سيلحق ضرراً فاحشاً ببطون قريش، ويجحف بحق المسلمين!!! والأصوب والأنسب والأوفق أن تکون النبوة لبني هاشم، لا يشاركهم فيها احد والدولة والخلافة لبطون قريش لا يشارکهم فيها هاشمي قط، ووقف المنافقون وقفه رجل واحد مع بطون قريش لأن المنافقين يكرهون الظلم، ويحبون العدالة!!! ووفقت المرتزقة من الأعراب مع بطون قريش أيضاً، ووقفت كل العناصر التي حاربت النبي حتى أحيط بها فاضطرت مكرهة لإعلان إسلامها مع بطون قريش، ووقف طلاب الدنيا مع بطون قريش، وتكون من الناحية العملية حزب كبير يضم الأكثرية الساحقة من المسلمين، للدفاع عن حقوق البطون، وفي الجانب الآخر يقف النبي وأهل بيته وفئة مؤمنة قليلة العدد لا قدرة لهم على مواجهة هذا التيار الجارف الذي أوجدته عدالة البطون!!!
الله يطلع رسوله على كل ما يجري والرسول يعلن ذلك ويكشف أهل الفتن
حركة بطون قريش صارت علنية، وغير خافية على أحد، ونوايا البطون مكشوفة للجميع، فالأكثرية الساحقة تعارض بشدة دولة آل محمد بتحريض من بطون قريش ولا بد للإسلام أن يقول رأيه بحركة البطون وأشياعهم، فأوحى الله إلى نبيه بكل ما يجري، وينطلق النبي من دائرة اليقين الوحي ليكشف ما تبيته البطون وليعلن أنها فتنة، وأنها إن نجحت ستحل عرى الإسلام كلها، ويسمى الرسول للمسلمين قادة الفتن كل باسمه، ويبكي الرسول أمام المسلمين مخبراً إياهم بما أوحى الله اليه به، من أنهم سينكلون بأهل بيته من بعده، فيطردونهم ويشردونهم ويقتلونهم تقتيلاً، وأنه سيسمون الحسن سبطه وسيقتلون الحسين وأهل بيته في كربلاء شر قتلة، وسيلاحقون أهل بيته ويطاردونه طوال التاريخ، ويتساءل النبي بحزن يدمي قلبه الشريف لم تفعلون ذلك، وهل أستحق هذا منكم؟ وهل هذا هو الأجر الذي تقدمونه لي لقاء هدايتي لكن، وإنقاذكم!!
أهل بيت النبوة والفئة المؤمنة القليلة كانوا موقنين بأن النبي يقول الحق، وينشر ما أوحى اليه من ربه. وأن ما أخبر به النبي واقع لا محالة.
وبطون قريش وقادتها، وحلفاؤها أيقنوا أيضاً بأن محمداً قد كشفهم وأنه قد عرف حقيقة نواياهم، وموقفهم الصارم من عترة النبي أهل بيته والمفاجآت التي يعدونها لهم، ومعارضتهم ورفضهم القاطع لدولة آل محمد وكانوا يتوقعون من النبي لأن هذا رأي الأكثرية أن يقوم بإجراء تعديلات جوهرية على ترتيباته السابقة، وأن ينصف!!! بطون قريش فيعلن حقها بالملك من بعده ويعترف بهذا الحق، كما اعترفت له بطون قريش بالنبوة!!! ولكن النبي لم يجر أية تعديلات على ترتيباته السابقة!! إذاً لم يبق أمام زعامة بطون قريش وحلفائها إلا أن تفرض رأي الاكثرية بالقوة وأن تحول بين دولة آل محمد وبين الظهور، وتقيم بدلاً منها دولاً لبطون قريش متتابعة لأن أكثرية الناس بعد الإسلام يتبعون قريشاً تماماً كما اتبعوا أثناء مقاومتها للنبي وحربها له. والفرق أنهم الآن يتبعونها تحت خيمة الإسلام وكانوا سابقاً يتبعونها تحت خيمة الشرك!! ويكفي محمداً والهاشميين أن بطون قريش جميعاً ومواليها ومن تعاطف معها من العرب، والمنافقين، والمرتزقة من الأعراب يعترفون بنبوته، ويتلقطون بالشهادتين وهم من حيث المبدأ على دينه، فماذا يريد غير ذلك!!! اما أن يتأمر أحفاده على بطون قريش من والاها، وأن يكونوا قادة لها إلى يوم الدين، فالموت أهون على البطون منه وهي لن تقبله حتى ولو اضطرت إلى ترك الدين نفسه!!! وتحددت الخيارات بخيار واحد إما دولة آل محمد وردة البطون ومن والاها عن الإسلام، وأما دولة البطون وبقاء البطون ومن والاها على دين الله بالقدر الذي تراه مناسباً!!! ولقد فهم الرسول في آخر أيامه هذه الحقيقة، وفهمها الإمام علي وأعلنها بأكثر من مناسبة في ما بعد.
وصممت زعامة بطون قريش وقادة النفاق على ذلک وركبوا رؤوسهم، وأخذوا يتربصون، وينظرون بفارغ الصبر موت النبي، ليستولوا بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع على الملك الذي تمخضت عنه النبوة!!! وليُلغوا نهائياً كافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بقيادة الأمة طوال عصر ما بعد النبوة، والتي أعلنها النبي، لأن هذه الترتيبات مجحفة على حدّ تعبير زعامة البطون، ومن المحال أن يأمر بها الله!! إنما هي صادرة عن محمد ومحمد بشر يتكلم في الغضب والرضى!! وبالتالي فإنها غير ملزمة!! لأن المسلمين أعرف بشؤون دنياهم!! وفضلاً عن ذلك فإن القرآن وحده يكفي والقرآن لم يعلن صراحة عما أعلنه النبي!!
كشف حقيقة ما يجري
الله جلت قدرته على علم تام بما تدبره زعامة البطون، وحلفائها، وعلى علم بتحركاتها، وبحجم التغير والضرر الذي ألحقته تلك الحركات. بحالة الانسجام العام الذي كان سائداً قبلها. كانت تحركات البطون علنية وغير خافية على أحد لأنها كانت مستندة إلى دعم الأكثرية التي حاربت رسول الله قبل الإسلام ثم أسلمت، وكانت زعامة البطون تهدف إلى إلزام الرسل بإحداث تغييرات جذرية على الترتيبات التي أعلنها لقياد الأمة طوال عصر ما بعد النبوة!! ولكن هذا الوضوح والمعلومات التي عرفها الجميع عن تحركات زعامة البطون كانت تستند إلى الملاحظة والسمع والمشاهدة، وتحركات الرسول وتوجهاته لا تستند إلى مثل هذه الأمور، ولا تصدر بناء عليها وحدها، لقد كان يعرف عن هذه التحرکات كما كان يعرف غيره وأكثر، ولكنه كان ينتطر القول الفصل واليقيني من الوحي الإلهي، وينظر التوجيهات الإلهية لمواجهة مكر البطون وما تدبره وترمى إليه!! ولم يطل انتظار النبي، فقد جاءه الوحي، واحاطة علماً بكليات وتفاصيل ما تدبره زعامة بطون قريش، ثم أمر نبيه بأن يكشف للجميع ما يجري الإعداد له في الخفاء، وان يبين للجميع بأن نتائجه ستكون مدمرة، حيث سيدفع الجميع الثمن غالياً لهذا المكر، لأنه الأسباب لفتنة إذا وقعت لن تنتهي، بل ستتمادي كلما قيل أنها انتهت. وإن هذه المكر لن يلحق ضرراً بالله وبرسوله، لأن الله غنى عن العالمين، بل سيلحق أشد الأضرار بالماكرين أنفسهم وبذرياتهم وبالناس أجمعين، لأن النتيجة المؤكدة لهذا المكر هي حل عرى الإسلام كلها، لأن الإسلام يتوقف على عروة الحكم، فإذا حُلت عروة الحكم يرفع الإسلام عملياً من الحياة، وستحل بالضرورة كافة عرى الإسلام تبعاً لعروة الحكم، وينحرف الجميع تماماً عن صراط الله المستقيم ويدخلون في ليل من التيه لا آخر له. وحذر رسول الله المسلمين عامة، وبطون قريش ومن لف لفها، وأقام الحجة على الجميع ليهلك من هلك عن بينة، ولتتضاعف عقوية المجرمين إذا اقترفوا جرائمهم، لأنهم يقترفونها بالرغم من التحذير ومع سبق الأصرار الترصد والأعظم من ذلك وكما بيّنا في الباب الأول أن الرسول قد سمى قادة الفتن بأسمائهم، وحذر منهم، وبين لأصحاب الخطر تفاصيل ما سيفعلونه مستقبلاً، وحذرهم من فعله، لقد استبق رسول الله الأحداث قبل وقوعها، ووصف أفعال المسلمين قبل أن تقع تلك الأفعال، لأن الله قد زوده بصورة دقيقة لوقائع المستقبل قبل أن تقع فكان الرسول يصف ويحذر بناء على مخطط وخارطة الهية موضوعة أمامه، لقد حذر رسول الله المسلمين مجتمعين من أن يأتوا تلک الأفعال أو أن يسمحوا بحدوثها، ثم حذر کل واحد منهم علي انفراد، وکانت تحذيرات الرسول شاملة للجميع، وخاصة بأصحاب الخطر.
أمثلة ونماذج من تحذيرات الرسول
1 ـ بيّن الرسول للمسلمين بأن أهل بيته سيلقون بعده القتل والتشريد والتطريد، وطلب من المسلمين أن لا يفعلوا بأهل بيته ذلك، واذا قتلهم أو شردهم أو طردهم أحد فعلى المسلمين أن يقفوا مع أهل بيته.
2 ـ وبيّن النبي للمسلمين أن ابنه الحسين سيكون وحيداً ذات يوم وسيحيط به وبمن معه أعداء الله من كل جهة يريدون قتلهم، فلا تتركوا ابني الحسين وحيداً، بل اُنصروه واُحموه، ولا تمكنوا أحداً من قتله.
3 ـ أشار الرسول ذات يوم إلى بيت زوجته عائشة كما يروي البخاري وقال للمسلمين: (من ها هنا يطلع قرن الشيطان)... وقال لزوجته عائشة ذات يوم أن كلاب الحوأب ستنبحها، وحذرها من ان تفعل ذلك.
4 ـ وسأل الرسول الزبير في جلسة ضمته وعلياً أتحب علياً فقال الزبير: نعم، فقال الرسول: ستقاتله يوماً وانت ظالم له!!
والخلاصة أن الرسول لم يترك فعلاً، ولا واقعة ستقع الا وحذر المسلمين منها، وحثهم على أن لا يفعلوها!! ولم يترك أمراً فيه خير إلا وحثهم على فعله. القلة المؤمنة هي التي صدقته وحملت كل أقواله على محمل الجد، أما الأكثرية الساحقة التي اتبعت بطون قريش فاستبعدت أن تكون كافة هذه المعلومات المشيرة من الله، وقدرت أنها ربما كانت من التحليلات الشخصية لمحمد، والتي لا ينبغي أن تحمل محمل الجد.
لقد اختصروا الدين والدنيا بكلمة واحدة وهي الخلافة، فيجب أن لا يتولاها رجل من آل محمد، ويجب أن تكون لهم وفي سبيل ذلك كانوا على استعداد للتضحية بالدين، وبالنبي نفسه. بدليل أنهم قد أقدموا مع سبق الاصرار والترصد في ما بعد على حل عرى الإسلام كلها وعلى اقتراف كل ما حذرهم الرسول من اقترافه، وعلى رفع الإسلام عملياً من واقع الحياة، ولم يبقوا منه غير القشور والشكليات اللازمة لبقاء، وتوسيع رقعة مملكة الخليفة!!
الجهد النبوي المكثف
باختصار شديد لقد اعلن الرسول ما أوحى اليه، وبلغ كافة التحذيرات الإلهية بكل وسائل الإعلان وطرق التبليغ والبيان، فرسم صورة كلية وتفصيلية لوقائع المستقبل، وعلم الامة وقيادتها وأفرادها فيه وبين لكل واحد من أصحاب التأثير والخطر دوره وأفعاله وطلب منه أن يحذر وأن لا يفعل ما ينوي فعله، ثم بين للجماعات ما تنوي فعله مستقبلاً حذرها من فعله، ثم بين للمسلمين جيمعاً بأن هذه الأفعال ستقع ذات يوم، ومن واجبهم أن يستعدوا له، وان يحولوا بكل الوسائل دون وقوعها فلا ينبغي ان يخرج الحق من أهله، ولا ينبغي ان يقتل اعداء الله أهل بيت النبوة ولا ينبغي أن يشردوا أو يطردوا، وإنه من العار أن يقتل أعداء الله أهل بيت النبوة، ولا ينبغي أن يشردوا أو يطردوا، وإنه من العار أن يقتل ابن النبي بين المسلمين ولا ينصره أحد، ويبکي النبي بکاء ترق له الحجارة الصلداء ويحاول وبکل الوسائل أن يضفي على تحذيراته طابع الجدية، وأن يقنع الناس بأن ما أخبرهم به من أنباء الغيب قد أوحيت إليه من ربه لأنه لا يعلم الغيب، وليس له ولغيره أن يتقول على الله ما لم يوحى به اليه، وبين لهم الرسول بأنهم إن لم يسمعوا منه، فإن عرى الإسلام ستحل كلها، وستعود الجاهلية، ولكن بثوب الإسلام، ولن يبقى من الإسلام الا إسمه ورسمه والأنكى بأن مقاليد الأمور ستؤول إلى أعداء الله الذين حاربوا الله ورسوله بالأمس بكل وسائل الحرب، وهم جبابرة ظلمة لا يرعون في مؤمن إلاّ ولا ذمة، فاذا آلت مقاليد الأمور اليهم، فانهم سيفعلون فعل فرعون، فيقتلون أبناء الذين آمنوا، ويستحيون نساءهم، ويأخذون أموالهم، ويسومونهم سوء العذاب...
إن الجهد المكثف الذي بذله الرسول ليجنب الأمة مخاطر الوقوع بين مخالب أئمة الضلالة، ومخاطر الخروج من دائرة الشرعية الإلهية لم يبذله نبي أو رسول قط. لقد خاض في هذه الناحية معركة حقيقية وبذل فيها من الجهد والعناء، ما لم يبذله في أي معركة من المعارك الحربية التي خاض غمارها.
نتايج الجهد النبوي
1 ـ لقد أقيمت الحجة الكاملة على بطون قريش وزعامته ومن والاها، وهذا يعني بأنهم إن اقترفوا ما حذر منه الرسول سيقترفونه مع العلم وسبق الاصرار، وبدون شبهه وأن حجة الله عليه ستکون كاملة.
2 ـ إن الحقائق ومقومات الحكم على تلك الفترة قد توفرت بالكامل فيمكن لمن يقف عليها كلها ان يعرف بوضوح وبقناعة تامة من هم الذين يتحملون مسؤولية حل عرى الإسلام كلها، ومن هم الذين وطدوا لائمة الضلالة.
3 ـ هذا الجهد العظيم المكثف الذي بذله النبي لم يؤثر اطلاقاً على زعامة بطون قريش، الموتورة، فلو جاءها الله والملائکة قبيلاً ما سمحت لأولي الأمر من أهل بيت النبوة ان يتولوا الخلافة من بعد النبي، لأن هذا يعني تكوين دول لآل محمد، ويعني ان يجمع الهاشميون النبوة والملک معاً، والموت نفسه أخف على زعامة بطون قريش وأبنائها وعلى المنافقين من ذلك!! وبطون قريش لن تسمح على الإطلاق لأي رجل هاشمي أو من ذرية محمد خاصة بأن يتولى الخلافة من بعد النبي مهما كلف الأمر. ثم ان زعامة البطون لن تتراجع بأنها الأولى بالخلافة، لأن الهاشميين أخذوا النبوة ولأن النبي من قريش.
وبهذه الحالة فإن الجهد المكثف الذي بذله الرسول لم يثمر بتغيير تفكير زعامة بطون قريش، أو زحزحتها عن مواقفها، وكانت الزعامة القرشية تتوقع من النبي أن يعدل الترتيبات التي أعلنها، معتقدة أنها ترتيبات خاصة من الرسول كبشر، وليست ترتيبات إلهية، لأن الله اعظم وأعدل من أن يخص الهاشميين بالنبوة والخلافة معاً ويحرم بطون قريش من الشرفين معاً!!!
4 ـ إن زعامة بطون قريش ومن لف لفها ماضون بتنفيذ نواياهم ومصرّون على اقتراف أفعالهم التي حذرهم الرسول منها لأنها ضرورية لتحقيق كامل أهدافهم، (والمسلمون أعلم بشؤون دنياهم) من الرسول نفسه!!!
5 ـ إن بطون قريش ستمد يدها لكل من يتبنى أهدافها، ويرى حقها بالخلافة ويعارض حق آل محمد بقيادة الامة، وقريش لا تسأل عن تاريخ حلفائها، ولا عن ايمانهم، ولا عن مؤهلاتهم، وتكتفي ممن يحالفها بأن يتلفظ بالشهادتين فقط، ولا عبرة لكونه منافقاً أو فاجراً فهي ستعين بقوة المنافق، وبقوة الفاجر، واثمهما على نفسيهما على حد تعبير عمر بن الخطاب كما وثقنا على الباب الأول، والمهم في نظر زعامة البطون هو العدل ـ ولا غير العدل ـ ووفق قواعد هذا العدل فإن الخلافة لبطون قريش، وليست لأئمة أهل بيت النبوة كما أعلن محمد بصفته الشخصية!!! وقد وثقنا كل ذلك في كتابنا: (المواجهة مع رسول الله وآله).
الوعد الإلهي بدولة آل محمد
لما تبين للرسول الأعظم بأن القوم ماضون في برنامجهم، وأنهم سيحولون بالفعل بين أئمة أهل بيت النبوة وبين الخلافة، وفوق ذلك سيصبون نقمتهم على آل محمد ويشردونهم، ويطردونهم، ويقتلونهم تقتيلاً وأن أعداء الله الذين حاربوه بالأمس حتى أحيط بهم، فاضطروا لإعلان إسلامهم هم الذين سيتولون خلافته، وسيحكمون أمته!! وأن كافة عرى الإسلام ستحل، وأنه لن يبقى من الإسلام إلا اسمه ورسمه، ويذوب قلبه حزناً وأسفاً ولا يرى بعدها ضاحكاً أبداً، وعلم الله بحجم الهم والحزن الذي أناخ بكلاله الثقال على قلب النبي الشريف، فيعده بدولة آل محمد، وأنها ستطون آخر الدول، وهي دولة من نوع خاص، حيث ستحكم العالم كله، ويخضع لسلطانها كل سكان الكرة الأرضية، وأن مؤسس تلك الدولة هو حفيد النبي، محمد بن الحسن، وهو المهدي المنتظر، وأوحى الله إلى نبيه بكافة المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع، فسر النبي سروراً بالغاً وبدأ جهداً مكثفاً جديداً لإطلاع المسلمين على ما أوحى إليه، وأطلعهم بالفعل على كل ما أوحى اليه بهذا المجال من أنباء الغيب، فدولة آل محمد ستملأ الأرض كلها عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً، ودولة آل محمد ستنتقم من الظالمين، وتفتح كافة حصون الضلالة، ودولة آل محمد ستحقق الكفاية والرخاء للجميع، وسيرضى عنها الجميع، إنها طراز خاص من الدول بعض وزرائها من الرسل والأنبياء وبعضهم من الصديقين والأولياء، عدلها يتسع لِلبرِّ والفاجر، إنها دولة كل الجنس البشري، لقد فرح النبي وأهل بيته بهذا الوعد الإلهي، وأيقنوا أنه واقع لا محالة لأن الله لا يخلف وعده. أما أعداء الله وبطون قريش فقد صدموا من حجم التعويض الإلهي لأهل بيت النبوة، وحزنوا لأن الله خص أهل بيت النبوة بالمهدي، وحرم بطون قريش من هذا الشرف، فازدادوا حسداً فوق الحسد، وحقداً مع أحقادهم، فاخذوا يخفون هذه المعلومات، ويشككون بما شاع منها وانتشر.
المعالم الأساسية لدولة آل محمد
1 ـ مقومات الدولة
الأقليم: من المؤکد استناداً للأحاديث النبوية ولأحاديث أئمة أهل بيت النبوة ولاحاديث أئمة أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب بأن الإمام المهدي مؤسس دولة آل محمد سيفتح مشارق الأرض ومغاربها ويملك المشارق والمغارب، وهذا يعني أن الكرة الأرضية كلها ستکون إقليماً لدولة آل محمد ويدل على هذا قول النبي: (لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي... يملك الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً) [الحديث رقم 61 من المعجم راجع المراجع المدونة تحته]، فكيف يملأ الإمام المهدي الأرض عدلاً ان لم يكن مالكها وصاحب السلطان عليها!! ويدل على ذلك قول النبي أيضاً: (... ويفتح له ما بين المشرق والمغرب)... [راجع الحديث رقم 127 من معجم أحاديث الإمام المهدي] ويوضح الرسول الصورة فيقول: (الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله عز وجل على يديه مشارق الأرض ومغاربها). [راجع الحديث رقم 155 من المعجم]، وليسوق الأرض مثلاً معروفاً للجميع وهو المعروف (بذي القرنين) فيقول الرسول عنه انه: (وبلغ المغرب والمشرق، وأن الله تبارك وتعالى سيجري سنته في القائم من ولدي، فيبلغه شرق الأرض وغربها حتى لا يبقى منهلاً ولا موضعاً من سهل ولا جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه... [الحديث رقم 158 من المعجم]. وكم كرر الرسول وأكد بأن الإمام المهدي سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، لقد استعمل الرسول مصطلح الأرض على الإطلاق... وفي حديث آخر يقول النبي: (... ويفتح له فتوح فلا يبقى على وجه الأرض الأرضية كلها من المشرق إلى المغرب ومن الشمال إلى الجنوب.
2 ـ شعب دولة آل محمد: إذا كانت الكرة الأرضية هي إقليم دولة آل محمد فإن كافة الأحياء من أبناء الجنس البشري في زمن الإمام المهدي يشكلون شعب دولة آل محمد، ومواطني ورعايا تلك الدولة، فكيف تملک الدولة الأرض كلها، ولا سلطان لها على ساكنيها، فالأرض کلها إقليم للدولة ومن على وجه الأرض من بني البشر هم شعبها، فالأحاديث النبوية تؤكد بأن الإمام المهدي سيطهر الأرض من أعدائه ومن كل ظلم وجور [الحديث 123 و479]، وأنه سيفتح حصون الضلالة، وقلوباً غلفاً [الحديث رقم 79] وأنه سيظهر على كل جبار [الحديث رقم 30]، فكيف يعرف القلوب الغلف ويفتحها، وكيف يعرف أعداء الله من أوليائه، ويطهر الأرض من أعداء الله إن لم تكن له سلطة فعلية على كل مكان في الأرض ولهم به رابطة قانونية أو شرعية، وهذه هي مقومات مصطلح الشعب بالفقه الدستوري.
3 ـ السلطة: الإمام المهدي هو المؤسس والمعلن عن وجود دولة لآل محمد وهو امامها أو رئيسها، أو أميرها أو الخليفة الشرعي الثاني عشر من خلفاء الرسول، وهو صاحب الكلمة العليا والمقام الأول في دولة آل محمد، وهو المرجع الشرعي أو القانوني لكافة سكان الكرة الأرضية لأنه إمام ووارث لعلمي النبوة والكتاب، ولا يخفى عليه شيء من أمر الدنيا والآخرة، لأن كل ما يحتاجه البشر يعرفه الأئمة الشرعيون، والإمام الشرعي مؤهل الهياً ومعد لقيادة العالم كله. والإمام المهدي هو القائد العام الجيش الدولة، وهو القاضي الأعلى، وهو المسؤول عن وزرائها. ويساعد الإمام المهدي مجلس وزراء من نوعية خاصة، ويكفيك أن تعرف بأن المسيح عليه السلام أحد وزرائه، والخضر الشهير والياس من وزرائه أيضاً كما وثقنا وهم من صفوة أولياء الله. ويساعد المهدي أيضاً ولاة أقاليم الكرة الأرضية حيث سيولي الإمام المهدي على كل إقليم الكرة الأرضية أحد الموثقين من أصحابه ليدبر أمور الإقليم ويسوسه تحت إشراف الإمام المهدي. قال الإمام جعفر الصادق: ويكون من شيعتنا في دولة القائم سنام الأرض وحكامها، يُعطى كل رجل منهم قوة أربعين رجلاً). [الحديث رقم 1081 من المعجم] وروى عن الإمام الباقر قوله: (إذا قام القائم بعث في كل إقليم من أقاليم الأرض رجلاً فيقول له عهدك في كفك، فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه، ولا تعرف القضاء فيه، فانظر في كفك واعمل بما فيها...). [راجع الحديث رقم 858] بمعنى أن ولاة الإمام المهدي وعماله على الأقاليم من أولياء الله الصادقين الذين وعوا تاريخ أئمة الضلالة، وأشربوا كراهية الظلم أهله. والخلاصة أن حكومة الإمام المهدي وسلطته تقوم بكافة الوظائف التي تقوم بها الدول في عصرنا هذا وتزيد على ذلك بأنها ملتزمة بتحقيق الكفاية للجميع وفوراً، والرخاء للجميع وفوراً أي بدون وعود، وأنه لا ظلم فيها ولا عوز، على الإطلاق، وأن الجميع بما فيهم الإمام المهدي عبيد لله لا عبيد لدولة ويخضعون لشرع الله لا لشرعها. وأن الجميع منسجمون وسعداء، تماماً.
القانون النافذ في دولة آل محمد: المنظومة الحقوقية الإلهية المكونة من كتاب الله بيان النبي لهذا الكتاب هي القانون النافذ في دولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد، فالإمام المهدي إمام شرعي وهو خاتم الأئمة الشرعيين وهو الوارث لعلمي النبوة والكتاب، وبالتالي فإنه يعرف الحكم الشرعي لكل قضية، والتكييف الشرعي لكل واقعة، وفوق هذا وذاك فإن معه المصحف الذي كتبه الإمام علي بخطه، وأملى تفسيره رسول الله بنفسه وعنده أيضاً الجامعة التي تحوي حكم كل شيء بما فيه إرش الخدش. [راجع الحديث رقم 1115]، وبالتالي فإن الإمام المهدي سيطبق القرآن [الحديث رقم 865] ويبين الحلال والحرام ويقيم الحدود. [راجع الحديث رقم 1139 و1140 من أحاديث المعجم]، وبالتالي فلا مجال للاجتهاد، لأن الاجتهاد يحصل في حالة عدم وجود النص، أو عدم الاهتداء اليه وهذه أمور لا يمكن أن تقع في عهد الإمام المهدي لانه إمام شرعي اختاره الله وليس خليفة قد فرض نفسه على الناس بالقوة والقهر، والخلاصة أن الإمام المهدي سيحكم بكتاب الله الذي لم يعمل به قط بعد وفاة امير المؤمنين علي. [راجع الحديث رقم 1126].
4 ـ الدين الرسمي لدولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد: في دولة الإمام المهدي يصبح الإسلام هو الدين الرسمي والفعلي الوحيد في كافة أرجاء الكرة الأرضية التي ستخضع لسلطان دولة آل محمد، لأن الإمام المهدي سيدعو إلى الإسلام جديداً، ويهدي الناس إلى أمر قد دبر فضل عنه الجمهور كما حدث الإمام جعفر الصادق. [راجع الحديث رقم 1122] وقال الصادق يوماً لجليسه: (يا أبا محمد إذا قام القائم استأنف دعاء جديداً كما دعا رسول الله)... [الحديث 612]، وقال الإمام الصادق ايضاً... أما والله لا تذهب الايام والليالي... حتى... ويرد الحق إلى أهله ويقيم الدين الذي ارتضاه لنفسه فأبشروا ثم أَبشروا... [الحديث 1126]. وقد أكد الرسول الكريم هذه الحقيقة بقوله: (... يبايع له الناس بين الركن والمقام، يرد به الدين ويفتح له فتوح، فلا يبقى على وجه الأرض إلا من يقول: لا إله إلا الله [الحديث رقم 309 من أحاديث معجم الإمام المهدي ج 1]. وقال الإمام الحسين: (ان الإسلام قد يظهره العالم على جميع الأديان عند قيام القائم عليه السلام) فليس عجيباً بعد هذا كله بأن يكون الإسلام هو الدين الرسمي والفعلي الوحيد لدولة آل محمد.
5 ـ طبيعة دولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد
دولة دينية ولكن
طبيعة دولة المهدي أو دولة آل محمد مختلفة بالكامل عن طبيعة الدول التي عرفتها البشرية طوال تاريخها، فلا نعرف دولة على الإطلاق قد حظيت بالدعم الإلهي الدائم والمطلق كما تحظى به دولة الإمام المهدي فالملائكة الكرام فرقة دائمة من فرق جيشها كما أسلفنا، كافة الآيات والمعجزات التي خص الله بها أنبياءه ورسله تحت تصرف الإمام المهدي كما وثقنا، ورسل وأنبياء وأولياء صالحون يعملون مع المهدي ويأتمرون بأمره كما أثبتنا، ويفهم من حديث الباقر بأن القوى الطبيعية ستكون مسخرات للإمام المهدي الحديث رقم 870 ج 3، ثم إن الإمام المهدي ليس نبياً وليس رسولاً انما هو إمام شرعي، اختاره الله سبحانه تعالى وسبقه أحد عشر إماماً، ومع هذا تكلف دولته بتحقيق غايات وإنجاز مهمات لم يكلف نبي ولا رسول ولا إمام من قبل بتحقيقها وانجازها!! انها دولة دينية لأن الدين محور اهتمامها، مبرر وجودها، وقانونها النافذ وإمكانيات الدولة مسخرة لتحقيق الغايات والأهداف الدينية، لكنها ليست على شاكلة الدول التاريخية التي ادعت بأنها دول دينية، ولا على شاكلة دول الأنبياء والرسل التي عرفنا نماذجها انها دولة دينيه من نوع خاص!! وهي نسيج وحدها تماماً، من حيث مداها وشمول ملکها، فدولة الإمام المهدي کما أسلفنا تشمل العالم کله [راجع الحديث رقم 858]، ويشمل ملك الإمام المهدي العالم أيضاً [الحديث رقم 959]، وهذه حالة فريدة لم يتحقق مثلها في دول الملوك الذين ادعو بأن دولهم دينية ولا في الدول التي أسسها الأنبياء والرسل!! ثم إن هناك ظاهرة عديبة وفريدة من نوعها في دولة الإمام المهدي تتمثل بتسخير كامل لمخزونات الأرض والسماء لتحقيق الأهداف التي وعدت دولة الإمام المهدي بتحقيقها، فكم أكد الرسول الأعظم وإلأئمة الکرام بأن الأرض في عهد الإمام المهدي ستخرج کل كنوزها ونفائسها ونباتها، وأن السماء ستنزل كل قطرها ومائها وبركاتها وقد وثقنا ذلك وتلك حالة فريدة من نوعها، انها عرض كامل لبركات الحكم الإلهي الأمثل!!! وتصحيح عملي لمفاهيم البشرية الخاطئة عن الحكم الديني الإلهي الحقيقي.
6 ـ الإصرار على تحقيق غاية دولة آل محمد
وتتجلى طبيعة دولة آل محمد باصرارها العجيب على تحقيق غاياتها ومبررات وجود دولة الإمام المهدي، وهو إصرار لا يعرف الحلول الوسط، ولا يعرف المستحيل فلا بد من القضاء التام على كل الظالمين والجبابرة، ولا بد من محاكمتهم والانتقام منهم وتطهير الأرض من وجودهم لأنه رجس وقذارة وقرف، ولا بد من فتح كافة حصونهم، حصون الضلالة، وهذا امر لا يحتمل التأخير أو التأجيل ولا بد رفع ظلمهم من الأرض، ولا بد من ملء الأرض بالعدل كما ملأها المجرمون بالظلم ولا بد من هدم ما خلفه المجرمون، من مظاهر ظلمهم وانحرافهم [الحديث رقم 861 و1123]، وهدم أمر الجاهلية كله وإبطاله [الحديث رقم 862] ليكون تطهير الأرض كاملاً من الظالمين وآثارهم، وكل ما يدل عليهم، ورفع فقههم الفاسد وإبطال كافة مفاعيله. وهذه في المهمة العاجلة، والمبرر الأول لوجود دولة المهدي أو دولة آل محمد، لأن ظلم الجبارة قد مس الأرض وما عليها مساً أليماً موجعاً ولم ينج من هذا الظلم أحد، وخص هذا الظلم آل محمد وأولياءهم خاصة بألوان معينة من المعاناة والألم، وطريقة تعامل دولة المهدي مع الظالمين، لها طابع خاص مختمر من التجربة التاريخية على اعتبار ان الظالم لا دين له ولا أخلاق، ولا يعرف الإحسان أو المعروف، فقد قال النبي لاعدائه الذين ظهر عليهم يوم فتح مكة: (اذهبوا فأنتقم الطلقاء) وبدلاً من أن يذخروا إحسان النبي ومعروفه بالعفو الشامل عن جرائمهم تنكروا له وتآمروا عليه وبعد موته قتلوا أبناءه وذريته، المهدي استفاد من عبرة التاريخ فعندما يخرج الإمام المهدي لن يخرج معه من العرب أحد [الحديث 1119]، مع هذا فهو لايجبرهم على الخروج، ولم يؤيده من قريش أحد، ومع هذا هو لا يتعرض إليهم ولا يجبرهم على تأييده، بل ولا يسألهم أن يخرجوا معه أو يؤيدوه، ولكن عندما يعلم بأن قريش قتلت وإليه وعامله يقتل منهم 1500 أو ثلاثة آلاف رجل صبراً دون ان يرمش له جفن، ولا يترك من قريش إلا أكلة كبش!! قد يبدو أن هذه العقوبة قاسية لكنها عادلة إذا ما عرفت حجم جرائم بطون قريش، فقد قاومت النبي وحاربته طوال مدة 21 عاماً، ولما أًحيط بها اضطرت مكرهة لإعلان إسلامها، فعفى الرسول عنها وقبل موت الرسول وبعد موته مباشرة استولت بالقوة على ملك الرسول وقادت المسلمين إلى النحراف، وحلت عرى الإسلام ومهدت للظلمة والجبابرة وخرجتهم من مدرستها، وجعلت من عباد الله عبيداً للظالمين بنفس الوقت الذي کانت تلبس فيه الجبة الإسلامية، إنهم مجرموا حرب لم يعرف التاريخ البشري جرائماً بحجم وبشاعة جرائمهم فعقوبة الإمام المهدي مع قسوتها عادلة.
والخلاصة إن اصرار الإمام المهدي على التخلص من الظالم والجبابرة أعوانهم يعكس طبيعة دولة آل محمد الملتزمة التزاماً مطلقاً بتحقيق أهدافها وغاياتها والتي لا تحيد عن تحقيق هذه الأهداف، لأنها دولة هدف وغاية ولا يكفي منها أن تبذل الجهد والعناية، انما يتوجب عليها وجوباً لا عذر معه تحقيق هذه الغايات. لأن الله تعالى وعد الإمام المهدي بالدعم الكامل والمطلق لتحقيق الغايات إنجاز المهمات التي كلفه الله بتحقيقها وإنجازها وإذا أراد الله أمراً فلا راد لإرادته، وقد أراد الله تحقيق كافة الغايات التي كلف عبده الإمام المهدي بتحقيقها، فدولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد مكلف باقتلاع جذور الظلم والظالمين وتطيهر الأرض من وجودهم ومن فقههم، لذلک فإنها لن تقبل بأن يبقى على وجه الأرض خلال عهدها الراشد ظالم أو جبار واحد، أو حصن واحد من حصون الضلالة فهي ملتزمة إمام الله تعالى بالقضاء التام والمبرم على الظلمة والظالمين وتطهير الأرض من ظلمهم ومن آثارهم.
وتجد هذا الإصرار العجيب عند كل غاية وهذف من الغايات والأهداف التى كلف الإمام بتحقيقها فعلى المستوى الاقتصادي فان الإمام المهدي ودولة آل محمد مكلفون بتحقيق الكفاية التامة والرخاء المطلق للجميع، بحيث يكون كل واحد على وجه الأرض من أبناء الجنس البشري في حالة كفاية تامة ورخاء مطلق، بحيث يتجول المكلفون بدفع الزكاة في الأرض شرقا وغرباً وشمالاً وجنوباً فلا يجدوا محتاجاً واحداً يقبل الزكاة لأن الجميع في حالة كفاية والجميع في حالة رخاء، ولا يوجد في الأرض كلها محتاج واحد فالنقود والذهب والفضة لا تُعد عداً انما تهال هيلاً!! وقد تواترت الحاديث النبوية التي اكدت هذه الناحية، وقد وثقناها في الفصول السابق، حتى أن الدرهم والدينار يصبح من سقط التاريخ ولا قيمة له. [راجع الحديث 1133].
وهذه طبيعة ما عرفتها ولا سمحت بها أية دولة من الدول التي ظهرت أو ستظهر على وجه الأرض قبل نشوء دولة آل محمد وظهور الإمام المهدي المنتظر، فالدول عادة تغرق الشعوب بالوعود البراقة خاصة في العصر الحديث، وتدغدغ مشاعر المستضعفين، ثم تسقط الحكومات وتزول الدول نفسها دون تحقيق معشار معشار ما وعدت بتحقيقة، حتى ان الناس قد ملت وعود الدول، وصارت وعودها أحد الرموز والاصطلاحات الدالة على معنى الكذب!!
7 ـ حالة الانسجام العام في دولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد
ومن أبرز طبيعة دولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد ومن مميزاتها الخاصة وجود حالة الانسجام العام والمطلق، واختفاء مظاهر الصراع بكل أشكاله وعلى الأخص الصراع الطبقي، فالكرة الأرضية كلها إقليم لدولة آل محمد، وأبناء الجنس البشري مواطنون في تلک الدولة، يعتنقون ديناً واحداً وهو دين الإسلام فلا نجد على وجه الأرض إلا من يقول لا اله إلا الله. فأبناء الجنس البشري على مختلف منابتهم وأصولهم وأعراقهم وألوانهم يعتنقون نفس الدين، ويخضعون لذات النظام، ويشعرون بأنهم أخوة لا فرق بين لون ولون وعرق وعرق، فهم أسرة کبيرة أبوهم آدم وأمهم حواء، تکاثروا کما تتکاثر الأسرة الواحدة، ثم نزغ الشيطان بين الأخواة فاختلفوا، فأرسل الله الإمام المهدي وأقام دولة آل محمد لغايات إصلاح ذات البين، وإعادة المياه لمجاريها، وساعد الإمام المهدي على تحقيق هذا الإنجاز قضاؤه على أسباب الخلاف والاختلاف فالإمام المهدي إمام شرعي اختاره الله وأعدّه وأهّله للقيادة والمرجعية، فليس في العالم كله من هو أعلم ولا أفضل ولا أتقى، ولا أقرب لرسول الله من الإمام المهدي. هذا كله يخلق ويرسخ ثقة أبناء الجنس البشري في إمامهم وقائدهم الإمام المهدي، ويقطع دابر التنافس على القيادة ويخلق حالة من الاستقرار ويؤدي للقضاء على مبررات النزاع السياسي، خاصة وأن أعضاء حكومة الإمام المهدي فرادي ومجتمعين يجمعون مميزات خاصة بهم لا تتوفر لدى أي طامع بمنصب الوزارة أو الولاية.
كذلك فإن دولة آل محمد تقضي أيضاً على أسباب النزاع الاقتصادية وتغلق أبواب التنافس المرير على المال، فعندما تحقق دولة آل محمد الكفاية المطلقة لكل واحد من أبناء الجنس البشري، والرخاء المطلق للجميع فلا يبقى على وجه الأرض محتاج واحد، أو معوز واحد، ولا يجد أصحاب الأموال رجلاً واحداً يقبل زكاة أموالهم وعندما يجد الناس الذهب والفضة مكومة كالجبال، وكرمال الصحاري، فما هو الداعي لأسباب التنازع الاقتصادي!! وهكذا في كل الأمور حيث تتولى دولة آل محمد القضاء على أسباب الشر واجتثاثها من الأرض لتضمن حالة الانسجام المطلق بين أبناء الجنس البشري، وعدم وجود ما يكدر صفوهم، أو ينغص عيشهم، ثم إن الإمام المهدي وطاقم حكومته، لن يوقظوا نائماً ولن يهرقوا دماً [الحديث رقم 130 ج 1] وسيرحمون مساكين العالم فيشعرون كأن الدولة تلعقهم الزبدة [الحديث رقم 131] وفي الحقيقة فان كافة سكان العالم مساكين ومستضعفين لأنهم خرجوا على الفور وتحرروا من ظلم الظالمين، ومن محاكم تفتيشهم ومن معسكرات اعتقالهم فعهد دولة آل محمد هو فترة نقاهة لمستضعفي العالم، وهو فترة أمن ورخاء في عالم قسى الظالمون على اهله وسلبوهم الأمن والرخاء.
وما يساعد على تحقيق الانسجام العام الجو النفسي الخاص الذي تخلقه الكفاية، ويحققه الرخاء حيث تتفتح مدارك العقل البشري ومواهبه التي أغلقها الجبابرة والظالمون، ويصل الإنسان إلى قمة الوعي البشرية ويكتمل ايمانهم. [راجع الحديث رقم 1093]، وتطهر نواياها بعد القضاء التام على أسباب الخلاف والتنازع بين بني البشر وتطهير الأرض من الظلم والظالمين وانتشار المعرفة، فتکتمل العقول والأحلام [الحديث رقم 866] وتؤكد أحاديث الأئمة الكرام بأن العالم قبل ظهور المهدي سيعرف 2 / 27 جزءاً من المعارف والعلوم فاذا ظهر الإمام المهدي وقامت دولة آل محمد ينشر الله العلم كله بين الناس. [راجع الحديث رقم 1127]، قال الإمام الصادق: (إذا قام قائمنا، وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم). [الحديث رقم 869]، وقال الإمام الصادق ايضاً عن الإمام المهدي:)... فيعطيكم في السنة عطاءين، ويرزقكم في الشهر رزقين، وتؤتون الحكمة في زمانه، حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم). [الحديث رقم 868 ج 4 من معجم أحاديث الإمام المهدي].
وستتأثر كافة المخلوقات بحالة الإنسجام التام السائد في بني البشر فالأحاديث النبوية تتحدت عن سماء تعطي كل قطرها ومائها، وعن أرض تخرج كل كنوزها ونفائسها ونباتها، وعن ملائكة تضع نفسها تحت تصرف دولة آل محمد كما وثقنا ذلك، قال الإمام الرضا إذا قام قائمنا بامر الله الملائكة بالسلام على المؤمنين، والجلوس معهم في مجالسهم، فإذا أراد واحد حاجة أرسل القائم بعض الملائكة أن يحمله، فيحمله الملك حتى يأتي القائم فيقضي حاجته، ثم يرده، ومن المؤمنين من يسير في السحاب ومنهم من يسير مع الملائكة مشياً ومنهم من يسبق الملائكة، من يتحاكم الملائكة اليه، والمؤمن أكرم على الله من الملائكة، ومنهم من يُصَيِّرَهُ القائم قاضياً بين مائة ألف من الملائكة. [راجع الحديث رقم 1231]، قال الإمام جعفر الصادق: (إن المؤمن في زمن الإمام المهدي وهو في المشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق). [الحديث رقم 1130]، وقال أيضاً (ان الله يمد بالأسماع والأبصار حتى لا يكون بين الإمام المهدي وبين شيعته بريد). [الحديث رقم 1131]، وروى ايضاً بانه إذا قام القائم استنزل المؤمن الطير من الهواء فيذبحه ويشويه، ويأكل لحمه، ولا يكسر عظمه، ثم يقول له احي بإذن الله فيحيى، ويطير، وكذا الظباء من الصحاري، ويكون ضوء البلاد ونورها ولا يحتاجون إلى شمس ولا قمر، ولا يكون على وجه الأرض مؤذٍ، ولا شر ولا سم، ولا فساد لأن الدعوة سماويه ليست أرضية، ولا يكون للشيطان فيها وسوسة، ولا شيء من الفساد.
قال الإمام الحسن عن الإمام المهدي:... يدين له عرض البلاد وطولها، ولا يبقى كافر إلا آمن به، ولا طالح إلا صَلُحَ، وتصطلح في ملكه السباع... [الحديث رقم 692] وروى ايضاً بأن الذئب سيرعى مع الغنم وكأنه كلبها..إنها حالة من الانسجام المطلق بين بني البشر، وبين الكائنات المسخرة لهم!!!
موت الإمام المهدي وغياب القمر المنير
بعد أن تحقيق دولة الإمام المهدي ـ دولة آل محمد ـ كافة الغايات والأهداف التي كلف الله عبده الإمام المهدي بتحقيقها وبعد ان ينجز كل المهام المأمور إلهياً بإنجازها وبالأجل المحدد يتوفى الله تعالى الإمام المهدي وينتقل إلى جوار ربه، ويغيب القمر الثاني عشر الذي ملأ الأسماع والأبصار، ورضي منه ساكن الأرض وساكن السماء وبوفاة الإمام المهدي ينتهي الحكم الإلهي تماماً، وتغلق الدائرة، لأن المهدي هو خاتم الأئمة الاثني عشر الذين أهلهم الله وأعدهم لقيادة الأمة الإسلامية من بعد وفاة النبي وحتى قيام الساعة، فلا إمام بعدهم ولا إمام قبلهم، ذلک تقدير العزيز العليم، وبموت الإمام المهدي تنتهي عملياً دولة آل محمد، ولن يبقى بيننا وبين القيامة أو الساعة الا قاب قوسين أو أدنى. لأن دولة محمد هي آخر الدول [الحديث رقم 984 و983 ج 4] وبموت مؤسسها تنتهي وتزول عملياً ولا يبقى إلا آثارها وتاريخها.
من الذي يرث هذا الملك العريض الذي بناه الإمام المهدي؟
بعد أن يغيب القمر الثاني عشر والأخير من أقمار أهل بيت النبوة غيبة لا رجعة بعدها إلى الدنيا تزول دولة آل محمد عملياً، وينتهي دورهم لأن الحياة الدنيا ستنتهي دورتها، وستبدأ دورة الحياة العليا، ولأنه لا بد للناس من حاكم يدبر أمورهم خلال الفترة الواقعة بين موت الإمام المهدي وبين ساعة قيام القيامة فإن الملك العريض الذي يبنيه الإمام المهدي وكافة شؤؤن دولة آل محمد ستؤول لشيعة ـ آل محمد، ويبدو أنه بالتسديد الإلهي وبترتيب خاص من الإمام المهدي لعصر مابعد المهدي سيتعاقب على حكم العالم من بعده أحد عشر مهدياً وليس إماماً لأنه لا إمام شرعي بعد المهدي وهؤلاء المهديون سيقتدون بالإمام المهدي، ويسيرون على خطه، ويدعون الناس إلى موالاة أهل بيت النبوة ومعرفة حقهم). [الحديث رقم 1149 ج 4] مستفيدين من العصر الذهبي الذي عاشته البشرية في زمن الإمام المهدي وفي أحياء وبركات دولة آل محمد، ويبدو أنه وبعد موت الحادي عشر منهم ستفسد الحياة، وتفلس، وتنتهي دورتها لتبدأ دورة الحياة الأخرى الخالدة.
(وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين)
من مراجع الكتاب
1 ـ جامع البيان في تفسير القرآن ـ ابن جرير الطبري ـ دار الريان 1987.
2 ـ التفسير الكبير ـ فخر الدين الرازي ـ دار الكتب العلمية بيروت 1990.
3 ـ تفسير الكشاف ـ الزمخشري ـ بولاق 1281.
4 ـ تفسير القرآن العظيم ـ ابن كثير ـ دار التراث بحلب 1950، المنار القاهرة 1947.
5 ـ صحيح البخاري ـ محمد بن إسماعيل ـ الحلبي القاهرة بتفسير السندي.
6 ـ صحيح مسلم ـ مسلم بن الحجاج ـ إحياء التراث بيروت 1972.
7 ـ الجامع الصحيح ـ أبو عيسى الترمذي ـ الحلبي 1975 القاهرة.
8 ـ سنن أبي داود ـ أبو داود السجستاني ـ دار الفكر بيروت.
9 ـ الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد ـ أحمد البنا ـ دار التراث العربي بيروت.
10 ـ المستدرك ـ أبو عبد الله الحاكم دار الفكر 1978 بيروت.
11 ـ كنز العمال ـ علاء الدين التقي ـ مؤسسة الرسالة بيروت 1979.
12 ـ مجمع الزوائد ـ علي بن أبي بكر الهيثمي ـ مكتبة القدس القاهرة.
13 ـ الخصائص الكبرى ـ جلال الدين السيوطي ـ المكتبة السلفية بالمدينة 1964.
14 ـ فتح الباري ـ ابن حجر ـ الحلبي 1978، الريان القاهرة.
15 ـ الورع ـ أحمد بن حنبل ـ دار الكتب العلمية بيروت 1983.
16 ـ المنار المنيف في الصحيح والضعيف ـ ابن القيم ـ دار المسلم مصر 1983.
17 ـ ميزان الاعتدال ـ أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي ـ دار المعرفة بيروت.
18 ـ منهاج السنة ـ أحمد بن تيمية ـ دار الفكر بيروت 1980.
19 ـ الفتاوى الحديثية ـ ابن حجر الهيثمي ـ الحلبي 1970.
20 ـ الإصابة في تمييز الصحابة ـ ابن حجر العسقلاني ـ دار العلوم الحديثة دار الكتب العلمية.
21 ـ الاستيعاب أبو عمر يوسف بن عبد البر ـ هامش الإصابة، دار العلوم الحديثة.
22 ـ تاريخ الأمم والملوك ـ ابن جرير الطبري ـ دار الفكر بيروت 1979.
23 ـ الطبقات الكبرى ـ محمد بن سعد ـ دار صادر بيروت.
24 ـ مروج الذهب ـ علي بن الحسين بن علي المسعودي ـ دار اكتب العلمية بيروت 1986، مكتبة الرياض 1981.
25 ـ البداية والنهاية ـ الحافظ ابن كثير ـ دار المعارف 1981.
26 ـ الموافقيات ـ الزبير بن بكار برواية ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ـ مكتبة الحياة 1983.
27 ـ شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ دار مكتبة الحياة ـ بيروت 1983.
28 ـ فتوح البلدان ـ أبو جعفر البلاذري ـ القاهرة 1319.
29 ـ أنساب الأشراف ـ أبو جعفر البلاذري ـ القدس 1936.
30 ـ الأخبار الطوال ـ لأبي حنيفة أحمد بن الدنيوري ـ وزارة الثقافة مصر.
31 ـ الأغاني ـ أبي الفرج الأصفهاني ـ مصر 1323 هـ.
32 ـ مقاتل الطالبيين ـ أبي الفرج الأصفهان ـ مؤسسة الأعلمي 1987.
33 ـ العقد الفريد ـ أحمد بن محمد بن عبد ربه ـ لجنة التأليف والنشر مصر 1950.
34 ـ تاريخ دمشق ـ ابن عساكر أبي القاسم علي بن الحسن ـ المجمع العلمي العربي دمشق.
35 ـ الكامل في التاريخ ـ ابن الأثير عز الدين علي بن محمد ـ دار صادر بيروت 1966.
36 ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة ـ ابن الأثير ـ القاهرة 1280 هـ.
37 ـ تاريخ المذاهب الإسلامية ـ محمد أبو زهرة ـ دار الفكر العربي القاهرة.
38 ـ الأئمة الاثنا عشر ـ شمس الدين بن طولون ـ المتوفى 953 ـ منشورات الرضي قم ـ مجلد واحد من القطع المتوسط، في 143 صفحة.
39 ـ إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ أحمد بن محمد بن الصديق أبو الفيض الغماري الحسني الأزهري الشافعي المغربي ـ المتوفى 1380، مطبعة الترقي بدمشق في 347 صفحة.
40 ـ إتحاف السادة المتقين في شرح إحياء العلوم ـ أبو الفيض محمد الزبيري ـ المتوفي 1205.
41 ـ إثبات الوصية ـ علي بن الحسين المسعودي المؤرخ ـ صاحب مروج الذهب المتوفي 346، المطبعة الحيدرية النجف، مجلد واحد من القطع المتوسط 236 صفحة.
42 ـ إثبات الهداة ـ محمد بن الحسن الحر العاملي ـ المتوفى 1104 ـ المطبعة العلمية قم ثلاث مجلدات من القطع المتوسط في 2192 صفحة.
43 ـ الاحتجاج ـ أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ـ من علماء القرن السادس ـ مطبعة سعيد ـ مشهد ـ جزءان في مجلد واحد من القطع المتوسط في 526 صفحة.
44 ـ الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ـ علاء الدين علي بن بلبان الفارسي ـ المتوفى 739 ـ مطبعة دار الكتب العلمية ـ بيروت، تسعة محلدات في ست أجزاء من القطع المتوسط في 3162 صفحة.
45 ـ إحقاق الحق وإزهاق الباطل ـ الشهيد السيد نور الله الحسيني المرعشي التستري المتوفى 1019 ـ مع تعليقات آية الله المرعشي النجفي ـ مطبعة مكتبته في قم ـ عشرون مجلداً من القطع المتوسط، في 12406 صفحة.
46 ـ أخبار المهدي ـ أبو نعيم الأصبهاني ـ أحمد بن عبد الله ـ المتوفي 430 نسخته غير موجودة، وقد أكثر المحدثون النقل عنه حتى ليمكن جمع نسخته من المصادر، وله أيضاً الأربعون حديثاً في المهدي وصفة المهدي، ولعلها كتاب واحد.
47 ـ أخبار الدول وآثار الأول ـ أحمد بن يوسف القرماني الدمشقي المتوفى 1019 ـ عالم الكتب في بيروت ومكتبة المتنبي القاهرة، ومكتبة سعد الدين دمشق ـ مجلد واحد من القطع الكبير في 500 صفحة.
48 ـ اخبار المهدي ـ أبو علاء الهمذاني ـ الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن سهل العطار ـ المتوفى 569 ـ نقلاً عنه بالواسطة ونسخته غير موجودة.
49 ـ الاختصاص ـ الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ـ المتوفى 413 ـ منشورات جماعة مدرسي الحوزة العلمية ـ قم ـ مجلد من القطع المتوسط في 453 صفحة. وربما نقلنا عن طبعة المطبعة الحيدرية ـ النجف أو طبعة مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.
50 ـ الإذاعة لما كان وما بكونه بين يدي الساعة ـ محمد صديق حسن القنوجي البخاري ـ المتوفى 1307 ـ مطبعة دار الكتب العلمية، بيروت ـ جزء من القطع الصغير في 196 صفحة.
51 ـ الأربعون حديثاً في المهدي ـ أبو العلاء الهمداني ـ الحسن بن أحمد بن الحسين بن سهل العطار ـ المتوفى 569 ـ نسخته غير موجودة، نقلاً عنه بالواسطة ولعله هو أخبار المهدي المتقدم.
52 ـ الأربعون حديثاً المستدركة على صحيفة الإمام الرضا ـ مطبوعة في آخر صحيفة الإمام الرضا ـ مدرسة الإمام المهدي 241، قم ـ جزء من القدع المتوسد في 163 صفحة.
53 ـ الأربعون في المهدي ـ أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله المتوفى 430 نقلاً عنه بالواسطة ونسخته غير موجودة.
54 ـ أَرجح المطالب ـ ثناء الله الأمر شري ـ المتوفى 1367 ـ لم نحصل على نسخته، نقلنا عنه بالواسطة وقيل طبع في الهند قبل سنوات.
55 ـ الإرشاد ـ الشيخ المفيد ـ محمد بن محمد بن النعمان ـ المتوفى 413 ـ مكتبة بصيرتي ـ قم، مجلد من القطع المتوسط في 366 صفحة.
56 ـ إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم ـ أبو السعود محمد بن محمد العمادي ـ المتوفى 951 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ تسعة أجزاء في أربع مجلدات من القطع الكبير في 2538 صفحة.
57 ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب ـ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر ـ المتوفى 463 ـ مكتبة نهضة مصر ومطبعتها ـ ثلاث مجلدات في القطع المتوسط في 1437 صفحة.
58 ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة ـ ابن الأثير، علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المتوفى 630 ـ المكتبة الإسلامية ـ مصر ـ خمس مجلدات من القطع المتوسط في 2294 صفحة.
59 ـ الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (المعروف بالموضوعات الكبرى) ـ نور الدين علي بن محمد بن سلطان المشهور بالملا علي القاري ـ المتوفى 1014 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ مجلد واحد من القطع المتوسط في 395 صفحة.
60 ـ إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين ـ محمد بن علي الصبان ـ المتوفى 1206 ـ مطبوع في هامش نور الأبصار للشبلنجي ـ دار الفكر ـ القاهرة، مجلد من القطع الكبير في 473 صفحة.
61 ـ الأسماء والصفات ـ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي النيسابوري ـ المتوفى 458 ـ دار الكتب العلمية بيروت، مجلد واحد من القطع المتوسط في 664 صفحة.
62 ـ أسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب (المعروف بكتاب ابن الجزري) ـ محمد بن محمد بن محمد الجزري الشافعي ـ المتوفى 833 مكتبة الإمام أمير المؤمنين (ع) العامة ـ أصفهان ـ تحقيق الدكتور محمد هادي الأميني ـ مجلد واحد من القطع المتوسط في 160 صفحة، وله طبعة أخرى لم يذكر عليها اسم الناشر، تهذيب الشيخ محمد باقر محمودي في 184 صفحة.
63 ـ الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء ـ علاء الدين مغلطاي بن فليح بن عبد الله البكيري الحكري التركي ـ المتوفى 772 ـ مطبوع في مصر نقلاً عنه بالواسطة.
64 ـ الإشاعة لأشراط الساعة ـ محمد بن رسول الحسيني البرزنجي ـ المتوفى 1103 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت، مجلد من القطع الصغير في 200 صفحة.
65 ـ الإصابة في تمييز الصحابة ـ ابن حجر العسقلاني ـ المتوفى 852 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، أربعة مجلدات من القطع الكبير في 2327 صفحة.
66 ـ الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد ـ أحمد بن الحسن البيهقي ـ المتوفى 458 ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ مجلد من القطع المتوسط في 312 صفحة.
67 ـ إعلام الورى بأعلام الهدى ـ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي ـ المتوفى 548 ـ دار المعرفة ـ بيروت، مجلد من القطع المتوسط في 460 صفحة.
68 ـ أعيان الشيعة ـ السيد محسن الأمين العاملي ـ المتوفى 1370 ـ دار التعارف ـ بيروت ـ عشرة مجلدات من القطع الكبير في 5422 صفحة.
69 ـ إقامة البرهان ـ الغماري ـ نقلاً عنه بالواسطة.
70 ـ أمالي الشيخ الطوسي ـ شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ـ المتوفي 460 ـ المكتبة الأهلية بغداد ـ ومطبعة النعمان ـ النجف الأشرف ـ جزءان في مجلد واحد من القطع المتوسط، في 748 صفحة.
71 ـ أمالي الصدوق ـ الشيخ الصدوق ـ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه العتمي ـ المتوفى 381 ـ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ـ مجلد من القطع المتوسط في 544 صفحة.
72 ـ أمالي المفيد ـ الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ـ المتوفى 413 ـ منشورات جماعة المدرسين ـ قم ـ مجلد من القطع المتوسط في 439 صفحة.
73 ـ الإمامة والتبصرة ـ والد الشيخ الصدوق، علي بن الحسين بن بابوية العتمي ـ المتوفى 329 ـ مدرسة الإمام المهدي ـ قم جزء من القطع المتوسط في 95 صفحة.
74 ـ البداية والنهاية ـ (أبو الفداء الحافظ بن كثير) ـ إسماعيل بن عمر بن كثير المتوفى 774 دار الفكر ـ بيروت ـ أربعة عشر جزءاً في سبعة مجلدات من القطع الكبير في 5056 صفحة.
75 ـ البدء والتاريخ المنسوب إلى أبي زيد أحمد بن سهل البلخي، وهو مطهر بن طاهر المقدسي ـ المتوفى بعد 355 ـ مكتبة الأسدي، طهران ـ ستة أجزاء في ثلاثة مجلدات من القطع المتوسط في 1267 صفحة.
76 ـ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان ـ علاء الدين بن حسام الدين الشهير بالمتقي الهندي الجونپوري ـ المتوفى 975 ـ شركة الرضوان ـ طهران ـ ومطبعة الخيام ـ قم ـ مجلد من القطع المتوسط في 204 صفحة.
77 ـ بشارة الإسلام ـ السيد مصطفى آل السيد حيدر الكاظمي ـ المتوفى 1336 ـ مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران، جزءان في مجلد من القطع المتوسط في 288 صفحة.
78 ـ بشارة المصطفى ـ أبو جعفر محمد بن أبي القاسم محمد بن علي (الطبري) ـ من علماء القرن السادس ـ منشورات المكتبة الحيدرية ـ النجف، الطبعة الثانية، مجلد من القطع المتوسط في 292 صفحة.
79 ـ بصائر الدرجات في فضائل آل محمد ـ محمد بن الحسن بن فروج الصفار العتمي ـ المتوفى 290 ـ منشورات مكتبة آية الله المرعشي النجفي ـ قم، مجلد من القطع المتوسط في 557 صفحة.
80 ـ بصائر الدرجات ـ سعد بن عبد الله العتمي ـ المتوفى 301 ـ لا توجد نسخته نقلنا عنه بالواسطة.
81 ـ البيان في أخبار صاحب الزمان ـ محمد بن يوسف بن محمد القرشي الكنجي الشافعي ـ المتوفى 658 ـ مطبوع مع كفاية الطالب للمؤلف ـ دار إحياء تراث أهل البيت طهران، جزء من القطع المتوسط في ثمانين صفحة.
82 ـ التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول ـ الشيخ منصور على ناصف ـ المتوفى 1371 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، خمسة مجلدات من القطع الكبير في 2086 مع حاشية مؤلفه.
83 ـ تاريخ بغداد ـ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ـ المتوفى 463 ـ دار الكتب العلمية بيروت ـ أربعة عشر مجلداً من القطع المتوسط في 6822 صفحة ـ كما توجد طبعة المكتبة السلفية ـ مكة المكرمة.
84 ـ تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس ـ حسين بن محمد بن الحسن الديار بكري ـ المتوفى 966 ـ مؤسسة شعبان ـ بيروت ـ مجلدات من القطع الكبير في 895 صفحة.
85 ـ تاريخ قم ـ حسن بن محمد بن حسن العتمي ـ ألف كتابة سنة 378 ـ ولا يوجد أصله العربي ونقلنا عن ترجمته القديمة بالفارسية سنة 806 للحسن بن علي بن الحسن بن عبد الملك العتمي ـ منشورات توس ـ تهران ـ مجلد من القطع المتوسط في 348 صفحة.
86 ـ التاريخ الكبير ـ إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري ـ المتوفى 256 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ تسعة مجلدات من القطع المتوسط في 3871 صفحة..
87 ـ التاريخ الكبير (يسمى كتاب المشيخة) ـ يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي الفسوي ـ المتوفى 1277 ـ لم نحصل عل نسخته، نقلنا عنه بالواسطة ولعله كتاب المعرفة والتاريخ..
88 ـ تاريخ مدينة دمشق ـ (المعروف بتاريخ ابن عساكر) ـ علي بن حسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي ـ المتوفى 571 ـ مجمع اللغة العربية ودار الفكر ـ دمشق ـ مجلدات من القطع الكبير.
89 ـ تاريخ مواليد الأئمة ووفياتهم ـ أبو محمد عبد الله بن النصر بن الخشاب البغدادي ـ المتوفى 526 ـ مطبوع ضمن (المجموعة النفيسة) مكتبة آية الله المرعشي النجفي ـ قم ـ وهو جزء من القطع الصغير في 52 صفحة.
90 ـ تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة ـ السيد شرف الدين علي الحسيني الأستر آبادي النجفي من أعلام القرن العاشر ـ مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ـ قم ـ مجلدان من القطع المتوسط في 943.
91 ـ تأويل مختلف الأحاديث ـ عبد الله بن مسلم بن قتيبة ـ المتوفى 276 ـ دار الجيل ـ بيروت، مجلد من القطع المتوسط في 376 صفحة، وتوجد طبعة المطبعة العربية، المكتبة الإسلامية ـ باكستان ـ من القطع الصغير ـ في 259 صفحة.
92 ـ التجريد في الجمع بين الصحاح الستة ـ رزين بن معاوية بن عمار العبدري ـ المتوفى 535 ـ مخطوط لم نحصل على نسخته، نقلنا عنه بالواسطة.
93 ـ تحف العقول عن آل الرسول ـ أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، من أعلام القرن الرابع ـ نشر جامعة المدرسين ـ قم ـ مجلد واحد من القطع المتوسط في 515 صفحة.
94 ـ تحفة الأبرار في مناقب أبي الأئمة الأطهار ـ السيد حسين بن مساعد بن الحسن الحسيني الحائري ـ من علاماء القرن التاسع والعاشر، لم نحصل على نسخته نقلنا عنه بالواسطة.
95 ـ تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ـ محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم الحبار الكفوري ـ المتوفى 1353 ـ المكتبة السلفية بالمدينة المنورة ـ طبع القاهرة، ست مجلدات من القطع الكبير.
96 ـ تحفة الطالب في مناقب علي بن أبي طالب ـ محمد بن علي العاملي الشحوري ـ ذكر صاحب الذريعة انه مخطوط في حيدر آباد ـ الهند ولم نحصل على نسخته نقلنا عنه بالواسطة.
97 ـ تذكرة الحفاظ ـ شمس الدين محمد الذهبي ـ المتوفى 748 ـ دار إحياء التراث العربي ـ أربعة أجزاء في المجلدين من القطع المتوسط في 1509 صفحة.
98 ـ تذكرة الخواص ـ (سبط ابن الجوزي) ـ يوسف بن فرغلي بن عبد الله البغدادي المتوفى 654 ـ مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران، مجلد من القطع المتوسط في 808 صفحة.
99 ـ الترغيب والترهيب من الحديث الشريف ـ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ـ المتوفى 656 ـ دار إحياء البارث العربي بيروت ـ جزءان في مجلد واحد من القطع المتوسط في 2498 صفحة.
100 ـ التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة ـ محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي ـ المتوفى 671 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت جزءان في مجلد واحد من القطع المتوسط في 808 صفحة.
101 ـ تسديد القوس في مختصر مسند الفردوس ـ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ـ المتوفى 852 ـ مطبوع في هامش الفردوس للديلمي، درا الكتاب العربي ـ بيروت ـ خمس مجلدات من القطع المتوسط في 2671 صفحة.
102 ـ التصريح بما تواتر في نزول المسيح ـ محمد أنورشاه الكشميري الهندي ـ المتوفى 1352 ـ مكتبة مطبوعات الإسلامية حلب، ودار القرآن الكريم ـ بيروت ـ مجلد من القطع المتوسط في 373 صفحة.
103 ـ تفسير العياشي ـ محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي ـ من أعلام القرن الثالث ـ المكتبة العلمية الإسلامية طهران ـ مجلدان من القطع المتوسط في 771 صفحة.
104 ـ تفسير ابن أبي حاتم ـ أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر ـ المتوفى 327 ـ مخطوط لم نحصل على نسخته، نقلنا عنه بالواسطة.
105 ـ تفسير أبي القاسم البستي ـ أبو إسماعيل بن علي بن أحمد البستي الزيدي المتوفى 420 ـ نقلنا عنه بالواسطة.
106 ـ تفسير فرات الكوفي ـ فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي ـ من القرن الثالث المطبعة الحيدرية ـ التجف ومكتبة الداوري قم ـ مجلد من القطع املتوسط في 245 صفحة.
107 ـ تفسير القرآن ـ أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري ـ المتوفى 318 ـ غير موجود ونقلنا عنه بالواسطة.
108 ـ تفسير القرآن العظيم ـ أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ـ المتوفى 774 ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ أربع مجلدات من القطع الكبير في 2445 صفحة.
109 ـ التفسير الكبير ـ (فخر الدين الرازي) محمد بن عمر بن حسين الرازي ـ المتوفى 606 ـ المطبعة البهية ـ مصر ـ إثنان وثلاثون جزءاً في ستة عشر مجلداً من القطع الكبير في 8496 صفحة.
110 ـ التفسير الكبير ـ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني المتوفى 410 ـ لا توجد نسخته، نقلنا عنه بالواسطة.
111 ـ تهذيب الآثار ـ محمد بن جرير بن يزيد الطبري ـ المتوفى 310 ـ مطبعة المدني ـ مصر، ستة مجلدات من القطع المتوسط في 2998 صفحة وهو مسانيد: علي 7 وعمر وعبد الله بن عباس.
112 ـ تهذيب الأحكام في شرح المقنعة ـ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ـ المتوفى 460 ـ دار امتب الإسلامية ـ طهران، عشرمجلدات من القطع المتوسط 3969 صفحة.
113 ـ تهذيب تاريخ دمشق الكبير ـ عبد القادر بدران ـ المتوفى 1346 ـ دار المسيرة ـ بيروت، سبعة مجلدات من القطع المتوسط في 3356 صفحة.
114 ـ تهذيب التهذيب ـ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ـ المتوفى 852 ـ دار صادر ـ بيروت ـ 12 مجلد من القطع المتوسط في 5631 صفحة.
115 ـ التيسير بشرح الجامع الصغير ـ عبد الرؤوف المناوي المتوفى 1031 ـ مكتبة الإمام الشافعي الرياش مجلدان من القطع المتوسط في 1048 صفحة.
116 ـ تيسير الوصول إلى جامع الأصول من الحديث الرسول ـ عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الديبع الشيباني ـ المتوفى 944 ـ دار الفكر ـ بيروت، أربع مجلدات من القطع المتوسط في 1695 صفحة.
117 ـ ثاقب المناقب ـ عماد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن حمزة المشهدي الطوسي ـ من أعلام القرن السادس ـ مكتبة آية الله المرعشي النجفي، مخطوط، من القطع المتوسط في 271 صفحة.
118 ـ ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ـ الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ـ المتوفى 381 ـ مكتبة الصدوق ـ طهران، ومكتبة النجفي قم، مجلد من القطع المتوسط في 371 صفحة.
119 ـ الجامع الصفير من أحاديث البشير النذير ـ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ـ المتوفى 911 ـ دار الفكر ـ بيروت، مجلدان من القطع المتوسط في 1435 صفحة.
120 ـ الجامع الأحكام القرآن ـ أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ـ المتوفى 671 ـ دار إحيار التراث ـ بيروت، عشرون جزءاً في عشرة مجلدات من القطع الكبير في 7492 صفحة.
121 ـ جمع الجوامع (الجامع الكبير) ـ جلال الدين عبدالرحمن السيوطي ـ المتوفى 911 ـ مصور عن مخطوطة دار الكتب المصرية، مجلدان من القطع الكبير في 2125 صفحة.
122 ـ جواهر العقدين في فضل المشرقين ـ علي بن أحمد السمهودي المتوفى 911 ـ لم نحصل على نسخته، نقلنا عنه بالواسطة.
123 ـ الحاوي للفتاوي ـ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ـ المتوفى 911 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت، مجلدان من القطع المتوسط في 755 صفحة.
124 ـ حلية الأبرار في فضائل محمد وآله الأطهار ـ السيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل البحراني ـ المتوفى 1107 ـ دار الكتب العلمية ـ قم، مجلدان من القطع المتوسط في 1363 صفحة.
125 ـ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ـ (أبو نعيم الأصفهاني) أحمد بن عبد الله المتوفى 430 ـ دار اكتاب العربي ـ بيروت عشرة أجزاء في خمسة مجلدات من القطع المتوسط في 4001 صفحة.
126 ـ الخرائج والجرائح ـ (قطب الدين الراوندي) أبو الحسن سعيد بن هبة الله ـ المتوفى 573 ـ مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام ـ قم، ثلاثة مجلدات من القطع المتوسط، في 1316 صفحة.
127 ـ فريدة العجائب وفريدة الغرائب ـ سراج الدين أبو حفص عمر بن الوردي ـ المتوفى 749 ـ المكتبة الشعبية ـ بيروت، مجلد من القطع الصغير في 288 صفحة.
128 ـ الخصال ـ أبو جعفر محمد بن علي الحسين بن بابوية العتمي ـ المتوفى 381 ـ جماعة المدرسين ـ قم ـ جزءان في مجلد واحد من القطع المتوسط في 672 صفحة.
129 ـ الخصائص العلوية على سائر البرية والمآثر العلية لسيد الذرية ـ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي النطنزي ـ من علماء القرن الخامس والسادس لم نحصل على نسخته، نقلنا عنه بالواسطة.
130 ـ الخصائص الكبرى ـ جلال الدين السيوطي المتوفى 911 ـ دار الكتب العلمية بيروت، مجلدان من القطع الكبير في 690 صفحة.
131 ـ الخطط المقريزية (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) ـ تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي المقريزي ـ المتوفى 845 ـ دار صادر ـ بيروت، مجلدان من القطع الكبير في 1019 صفحة.
132 ـ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ـ السيد علي خان الشيرازي ـ المتوفى 1130 ـ مؤسسة الوفاء ـ بيروت، مجلد واحد من القطع المتوسط في 596 صفحة.
133 ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور ـ جلال الدين السيوطي ـ المتوفى 911 ـ دار المعرفة بيروت ـ ستة مجلدات من القطع الكبير في 2251 صفحة.
134 ـ دلائل الإمامة ـ أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الكبري ـ القرن الرابع، المطبعة الحيدرية ـ النجف، ومكتبة الرضي ـ قم، مجلد من القطع المتوسط في 326 صفحة.
135 ـ دلائل النبوة ـ (أبو نعيم الأصفهاني) أحمد بن عبد الله المتوفى 430 ـ دار المعرفة ـ بيروت، مجلد واحد من من القطع الصغير، 566 صفحة.
136 ـ دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة ـ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ـ المتوفى 458 ـ دار الكتب العليمة بيروت، سبعة مجلدات من القطع المتوسط في 3444 صفحة.
137 ـ ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ـ محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري ـ المتوفى 694 مكتبة القدسي ـ القاهرة ومكتبة المحمدي ـ قم، مجلد واحد من القطع المتوسط في 271 صفحة.
138 ـ ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث ـ عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي ـ المتوفى 1143 ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ ثلاثة أجزاء في مجلدين من القطع المتوسط في 591 صفحة.
139 ـ ذكر أخبار أصبهان ـ (أبو نعيم الأصفهاني) أحمد بن عبد الله ـ المتوفى 430 ـ طبعة ليدن، ومؤسسة النصر ـ طهران مجلدان من القطع المتوسط في 768 صفحة.
140 ـ ربيع الأبرار ونصوص الأخبار ـ جار الله محمود بن عمر الزمخشري ـ المتوفى 528 ـ مطبعة العاني ـ بغداد ـ أربعة مجلدات من القطع المتوسط في 3074 صفحة.
141 ـ الرد على الزيدية ـ أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس الدوريستي ـ من أعلام القرن الخامس ـ لم نحصل على نشخته ونقلنا عنه بالواسطة.
142 ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ـ أبو الفضل شهاب الدين محمود الألوسي البغدادي ـ المتوفى 1270 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ثلاثون جزءاً في خمسة عشر مجلداً من القطع المتوسط في 3236 صفحة.
143 ـ الروض الانف في تفسير السيرة النبوية لابن هاشم ـ أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن خثعمي ـ المتوفى 581 ـ دار الجيل ـ القاهرة ـ أربعة أجزاء في مجلدين من القطع الكبير في 1209 صفحة.
144 ـ الرياض النضرة في مناقب العشرة ـ أبو جعفر أحمد الشهير بالمحب الطبري ـ المتوفى 694 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت، أربعة أجزاء في مجلدين من القطع المتوسط في 823 صفحة.
145 ـ زاد المسير في علم التفسير ـ أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي ـ المتوفى 597 ـ المكتب الإسلامي ـ بيروت، تسع مجلدات من القطع المتوسط في 4331 صفحة.
146 ـ الزهد ـ أحمد بن محمد بن حنبل ـ المتوفى 241 ـ لم نحصل على نسخته، نقلنا عنه بالواسطة.
147 ـ زهر الفردوس ـ ابن حجر العسقلاني ـ المتوفى 852 ـ لم نحصل على نسخته، نقلنا عنه بالواسطة.
148 ـ السراح المنير ـ علي بن أحمد بن محمد العزيزي الشافعي المتوفى ـ 1070 ـ مطبعة البابي الحلبي ـ مصر، ثلاثة مجلدات من العطع الكبير في 1486 صفحة.
149 ـ سنن أبي داود ـ سليمان بن الأشعث السجستاني ـ المتوفى 275 ـ دار إحياء اسنة النبوية ـ أربعة مجلدات، من القطع المتوسط في 1381 صفحة.
150 ـ سنن الترمذي ـ أبو عيسى محمد بن عيسى بن مسورة ـ المتوفى 297 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، خمسة مجلدات من القطع المتوسط في 3251 صفحة.
151 ـ سنن الدار قطني ـ علي بن عمر الدار قطني المتوفى 385 ـ دار المحاسن ـ القاهرة ـ أربعة أجزاء في مجلدين من القطع المتوسط في 1375 صفحة.
152 ـ سنن الدارمي ـ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي ـ المتوفى 255 ـ دار الفكر ـ بيروت مجلدان من القطع المتوسط في 882 صفحة.
153 ـ السنن الكبرى ـ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ـ المتوفى 458 ـ دار المعرفة ـ بيروت، عشرة مجلدات من القطع الكبير في 4102 صفحة.
154 ـ سنن النسائي ـ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب، علي النسائي ـ المتوفى 303 ـ دار الفكر ـ بيروت ثمانية أجزاء في أربعة مجلدات من القطع المتوسط مع شرح السيوطي في 2247 صفحة.
155 ـ السنن الورادة في الفتن ـ أبو عمرو عثمان بن سعيد المقري الداني ـ المتوفى 444 ـ مصور، عن مخطوطة المكتبة الظاهرية ـ دمشق مجلد من القطع المتوشط في 197 صفحة.
156 ـ سنن الهدى في متابعة المصطفى ـ عبد النبي بن أحمد بن الفردوس الحنفي النعماني ـ المتوفى 990 ـ لم نحصل على نسخته، نقلنا عنه بالواسطة.
157 ـ السياق في ذيل تاريخ نيسابور ـ (الحكم النيسابوري) أبو عبد الله محمد بن عبد الله ـ المتوفى 405 ـ لم نحصل على نسخته، نقلنا عنه بالواسطة.
158 ـ شرح السنة ـ (البغوي) الحسين بن مسعود ـ المتوفى 516 ـ لم نحصل على نسخته نقلنا عنه بالواسطة.
159 ـ شرح معاني الآثار (الطحاوي) أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي ـ المتوفى 321 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت، أربعة مجلدات من القطع الكبير في 1544 صفحة.
160 ـ شرح المقاصد ـ (التفتازاني) مسعود بن عمر بن عبد الله الشافعي المتوفى ـ 793 ـ مطبعة القدسي ـ القاهرة عشرة مجلدات من القطع المتوسط.
161 ـ شرح نهج البلاغة ـ (ابن أبي الحديد) عز الدين أبو حامد بن هبة الله الحسين بن أبي الحديد المدائني ـ المتوفى 655 ـ مطبعة البابي الحلبي ـ القاهرة، عشرون مجلداً من القطع المتوسط في 6588 صفحة.
162 ـ شعب الإيمان ـ (البيهقي) أحمد بن الحسين المتوفى 458 ـ لم نحصل على نسخته، نقلنا عنه بالواسطة.
163 ـ صحيح ابن حبان ـ أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي ـ المتوفى 354 راجع الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان.
164 ـ صحيح البخاري ـ إسماعيل بن إبراهيم الجعفي اليخاري ـ المتوفى 256 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ تسعة أجزاء في ثلاث مجلدات من القطع الكبير في 2114 صفحة.
165 ـ صحيح مسلم ـ أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ـ المتوفى 261 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، خمسة مجلدات من القطع الكبير، في 2931 صفحة.
166 ـ الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم ـ زين الدين أبو محمد علي بن يونس العاملي النباطي ـ المتوفى 877 ـ المكتبة المرتضوية ـ طهران ـ ثلاثة أجزاء في مجلد واحد من القطع المتوسط، في 956 صفحة.
167 ـ صفة الصفوة ـ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي ـ المتوفى 597 ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ أربع مجلدات من القطع المتوسط في 2227 صفحة.
168 ـ صفة المهدي ـ أبو نعيم الأصفهاني، أحمد بن عبد الله ـ المتوفى 430 ـ نقلنا عنه بالواسطة ـ ونسخته غير موجودة والظاهر أنه نفس نعت المهدي.
169 ـ الصواعق المحرقة ـ أحمد بن حجر الهيثمي ـ المتوفى 974، مكتبة القاهرة ـ مجلد من القطع المتوسط ـ في 263 صفحة.
170 ـ الطبقات الكبرى ـ أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري ـ المتوفى 230 ـ دار صادر ودار بيروت ـ بيروت ثمانية مجلدات من القطع المتوسط، في 4041 صفحة.
171 ـ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ـ (السيد ابن طاووس) علي بن موسى ـ المتوفى 664 ـ مطبعة الخيام ـ قم، جزأن في مجلد واحد من القطع المتوسط في 568 صفحة.
172 ـ العرف الوردي في أخبار المهدي ـ جلال الدين السيوطي المتوفى 911 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت وهو رسالة مطبوعة ضمن كتاب الحاوي للفتاوي من ص 57 إلى 87.
173 ـ عقد الدرر في أخبار المنتظر ـ يوسف بن يحيى بن علي المقدسي السلمي الشافعي ـ من علماء القرن السابع ـ مكتبة عالم الفكر ـ القاهرة، مجلد، من القطع المتوسط في 468 صفحة.
174 ـ عقيدة الإسلام في حياة عيسى عليه السلام ـ محمد أنور شاه الكشميري الهندي ـ المتوفى 1352 ـ لم نحصل على نسخته ـ نقلنا عنه بالواسطة.
175 ـ عقيدة أهل السنة والآثر في المهدي المنتظر ـ الشيخ عبد المحسن العباد ـ معاصر بحث في 38 صفحة نشرته مجلة الجامعة الإسلامية ـ المدينة المنورة ـ العدد الثالث ـ السنة الأولى ذوالقعدة 1388.
176 ـ علل الشرائع ـ الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن بابوية العتمي ـ المتوفى 381 ـ المكتبة الحيدرية ـ النجف جزأن في مجلد واحد من القطع المتوسط في 648 صفحة.
177 ـ عون المعبود ـ شرح سنن أبي داود ـ أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي ـ المتوفى 1329 ـ مطبوع من شرح ابن قيم الجوزي ـ دار الفكر ـ بيروت ـ أربعة عشر جزءاً في ثلاثة عشر مجلداً من القطع المتوسط في 6459 صفحة.
178 ـ عيون الأخبار ـ عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفى ـ 276 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ أربعة اجزاء في مجلدين من القطع المتوسط في 1478 صفحة.
179 ـ عيون أخبار الرضا ـ الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ـ المتوفى 381 ـ انتشارات جحصان ـ إبران ـ جزءان في مجلد من القطع المتوسط في 622 صفحة.
180 ـ الغيبة ـ الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ـ المتوفى 460 ـ مكتبة نينوى ـ طهران ـ مجلد من القطع المتوسط في 292 صفح، ونسخة منه مصورة عن نسخة مخطوطة الكتبة المدرسة الفيضية ـ قم في 388 صفحة.
181 ـ الغيبة ـ الشيخ محمد بن إبراهيم النعماني ـ المتوفى 360 ـ مكتبة الصدوق طهران، مجلد من القطع المتوسط، في 335 صفحة.
182 ـ الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير ـ وهما لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي ـ الموفى 911 ـ وقد مزجهما ورتبها بوسف النبهاني ـ المتوفى 1350 ـ درا الكتاب العربي ـ بيروت ـ ثلاثة مجلدات من القطع المتوسط في 1351 صفحة.
183 ـ المستشرقون في الإسلام ـ الدكتور عرفان عبد المجيد.
184 ـ عقيدة الشيعة ـ رونالدسن.
185 ـ المهدية في الإسلام ـ سعد محمد حسن.
186 ـ قائم القيامة ـ مصطفى غالب.
187 ـ المهدي الموعود ودفع الشبهات ـ السيد عبد الرضا الشهرستاني.
188 ـ برناردشو ـ عباس محمود العقاد.
189 ـ المهدي والممهدية ـ أحمد أمين.
190 ـ الكتاب المقدس تحت المجهر ـ عودة مهاوش.
191 ـ المسيح الدجال ـ سعيد أيوب / دار المعارف.
192 ـ مقال للألباني حول الإمام المهدي في مجلة ـ التمدن الإسلامي دمشق ـ السنة الأولى ذي القعدة 1371. ناصر الدين الألباني.
193 ـ المهدي المنتظر فيالفكر الإسلامي ـ إصدرا مركز الرسالة.