كلمة الإمام المهدي (عليه السلام)

كلمة الإمام المهدي (عليه السلام)

تأليف: آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدّس سرّه)

محتويات الكتاب

صلاة..................8
سبب التأليف..................11
إهداء..................15
مقدمة..................17
الحضارة والتكتلات..................22
قضية المصلح المنتظر..................23
معطيات الفكرة..................26
ظاهرتان: اليأس، والتشكيك..................28
دور إبراهيم الخليل (عليه السلام)..................28
دور موسى (عليه السلام)..................29
دور عيسى (عليه السلام)..................30
دور رسول الإسلام (صلَى الله عليه وآله)..................31
أ- ظاهرة اليأس..................37
ب- ظاهر التشكيك..................39
ج- ظواهر جديدة أخر..................39
ملاحظة ومناقشة الظواهر..................41
الأقسام الأربعة لظاهرة اليأس..................42
مناقشة التشكيك..................46
سلاح الإمام المهدي (عليه السلام)..................49
والأسلحة المتطورة..................53
وطاقاته الروحية..................54
والطاقات البنّاءة..................55
توقيت الله تعالى لظهوره..................55
البشر في كل الاتجاهات..................58
الإنسان في التجارب المرة..................61
الاعتراف بالعجز..................63
في حين الظهور..................67
الولاية التكوينية للإمام (عليه السلام)..................68
نشر العدل العام..................69
ظاهرة التشكيك في حياته..................69
تفنيد التشكيك علمياً..................69
تفنيد التشكيك دينياً..................73
فائدة الإمام الغائب..................80
الولاية التنفيذية..................80
النبي والنبوة..................81
الرسالة والرسول..................82
الإمامة والإمام..................84
فوارق الأجهزة الإلهية مع الأجهزة البشرية..................91
التشكيك في إيجابية فكرة الإمام المهدي (عليه السلام)..................102
ظاهرة انتهاء فكرة الإمام المهدي (عليه السلام)..................106
وعن فلسفة الغيبة..................108
المعجزة... وأبعادها..................111
التعامل مع الكلمات..................116
موجز تواريخ نوّاب الإمام المهدي (عليه السلام)..................122
1- عثمان العَمْري..................122
2- محمد العمري..................123
3- الحسين بن روح..................125
4- علي السمري..................126
وكلاء آخرون للإمام المهدي (عليه السلام)..................129
1- الوشاء - حاجز بن يزيد..................130
2- البلالي - محمد بن علي بن بلال..................131
3- ابن مهزيار - محمد بن إبراهيم بن مهزيار..................134
4- ابن مهزيار - إبراهيم بن مهزيار..................134
5- أحمد بن إسحاق..................134
6- محمد بن طالح الدهقان..................135
7- الأسدي - محمد بن جعفر..................136
8 - القاسم بن العلاء..................137
9- الحسن بن قاسم بن العلاء..................139
10- محمد بن شاذان..................139
11- العطار..................140
12- العاصمي..................140
13- البزوقري الحسين بن علي بن سفيان..................141
14- إبراهيم بن محمد الهمداني..................142
15- أحمد بن اليسع القمي..................143
16- أيوب بن نوح..................144
17- الجعفري - أبو هاشم داود بن القاسم..................144
18- الرازي - أحمد بن إسحاق..................145
19- أبو جعفر محمد بن أحمد..................146
20- إبراهيم بن محمد..................148
21- الحسن بن محبوب..................148
22- عمرو الأهوازي..................148
23- أبو محمد الوجناتي..................148
منزلة الإمام المهدي (عليه السلام) في القرآن..................150
أسئلة وأجوبتها..................157
حضارة الإمام المهدي (عليه السلام)..................161
2- الرسائل..................165
رسالة إلى المفيد (رحمه الله)..................167
رسالة ثانية إلى المفيد..................183
مسائل الأسدي..................187
مسائل الحميري رقم (1)..................191
مسائل الحميري رقم (2)..................196
مسائل الحميري رقم (3)..................203
مسائل الحميري رقم (4)..................210
الحقيقة والمفوضة..................229
الغيب لله..................232
ارتداد الشلمغاني..................239
الغيبة الكبرى وتكذيب المشاهد..................252
الغيبة والقيادة المرجعية..................253
جعفر التواب..................272
خلف العسكري..................278
إلى ابن أبي روح..................289
رسالة إلى العمري وابنه..................291
إلى الدينوري..................294
3- الأدعية..................299
دعاء التوحيد..................301
دعاء العلوي المصري..................312
صلوات الجمعة..................330
دعاء السمات..................339
تعليق على دعاء السمات..................344
لقضاء الحوائج..................345
اللهم أنجز..................350
دعاء الحكمة..................352
دعاء الفرج..................356
الصلاة والدعاء للمهدي (عليه السلام)..................358

دعاء يوم المبعث..................361
المنن السابغة..................363
صلاة ودعاء..................365

دعاء رجب..................367
دعاء يا من أظهر الجميل..................369
دعاء عام..................370
دعاء الاهتمامات العامة..................371
قنوت..................373
قنوت..................376
دعاء القائم..................377
تسبيح صاحب الزمان..................379
دعاء الصابوني..................380
النجاة من الشدة..................381
للخلاص من الشدائد..................382
للشفاء من العلل..................383
دعاء صاحب الزمان (عليه السلام)..................384
حجابه..................385
استخارة صاحب الزمان (عليه السلام)..................387
حرزه..................388

حرز آخر له (عليه السلام)..................389
دعاء الميثاق..................390
دعاء الزيارة..................396
دعاء المعرفة..................397
دعاء الندبة..................403
4- ملحق الأدعية..................417
دعاء الزيارة..................421
دعاء آخر بعد الزيارة..................430

دعاء بعد صلاة الفجر..................432
دعاء الانصراف..................433
5- الزيارات..................437
زيارة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)..................439
زيارة الشهداء..................442
زيارة المنتظر..................509
نسخة أخرى للزيارة..................516
زيارة المعصومين..................521
زيارة الندبة..................523
زيارة الناحية..................528
6- ملحق الزيارات..................545
زيارة صاحب الأمر (عليه السلام)..................548
زيارة ثانية لصاحب الأمر (عليه السلام)..................554
زيارة ثالثة لصاحب الأمر (عليه السلام)..................556
زيارة رابعة لصاحب الأمر (عليه السلام)..................559
زيارة خامسة للإمام المهدي (عليه السلام)..................562
استئذان السرداب المقدس..................565
زيارة سادسة للإمام المهدي (عليه السلام)..................567
7- المنوعات..................571
مع إبراهيم بن مهزيار..................573
من يختار الأنبياء والأوصياء..................582
رموز كبرى..................595
قائم الزمان..................601
جعل أنبيائه بشراً..................603
الأئمة يسألون..................608
نعي عثمان العمري..................610
وثيقة محمد بن عثمان..................618
وثيقة الحسين بن روح..................619
أنا بقية الله..................620
أنا خاتم الأوصياء..................621
يزري بحده..................622
من أخر الصلاة..................623
من أكل من مالنا..................624
أمان من الموت..................625
لو أذن الله لنا..................626
دعاء بالولد..................628
آجرك الله..................629
أنا القائم..................630
من يحاجني في الله..................632
بعد ثلاثين سنة..................634
الرفعة لله (عزَّ وجلَّ)..................636
لا تخرج..................637
اقبض الحوانيت..................638
وثيقة حاجز..................639
طالبهم..................640
علامة الظهور..................641
خبر أوليائنا..................643
يا معشر الخلائق..................646
معاشر نقبائي..................648
لا يدخلك الشك..................649
طلب دعاء ومسائل..................652
دعاء بالعافية..................656
إلى الحسن بن الفضل اليماني..................657
الشرطة للجارية..................659
عهداً من رسول الله (صلَى الله عليه وآله)..................661
يا جدّاه..................662
عليك بالأسدي..................663
8 - الموجزات..................665
الأجوبة الموجزة من الناحية المقدسة..................667
1- ستلد ابناً..................667
2- نعى إلى نفسي..................667
3- ولادة الصدوق (رحمه الله) بدعائه (عليه السلام)..................667
4- مات الولد..................668
5- ثوبان للكفن..................668
6- يبقى..................669
7- تحول قرمطياً..................669
8 - حصانة الوكلاء..................670
9- مقام أبيك..................671
10- جواب الثلاثة..................671
11- إلى أحمد بن الحسن..................672
12- إماماً لك..................673
13- كفن لآخر..................673
14- أصلح الله ذات بينهما..................673
15- إنك تحتاج إليها..................674
16- لك فيها عشرون درهماً..................674
17- وهو أربعمائة درهماً..................675
18 - كذب الوقاتون..................675
19- عن قوّامهم..................677

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين (محمد) المصطفى وعلى عترته الطاهرين.
سيما خاتمهم وقائمهم أمل الشعوب ورجاء المستضعفين آخر أهداف الأنبياء والمرسلين وبشارة الرسالات السماوية كلها المنتظر الموعود الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه.

(٨)

سبب التأليف:
ولسبب تأليف هذا الكتاب - أو بالأحرى تقديم تأليفه على سائر مجلدات هذه الموسوعة - قصة طريفة نترك الإمام الشهيد (قدّس سرّه) يتحدث بها هو بنفسه لبعض زملائه، قال (قدّس سرّه) وهو يتكلم عن ذلك:
(عندما كنت في سجون البعثيين في العراق، وتحت التعذيب الوحشي القاسي توسلت ذات مرة بمولاي وسيدي صاحب الزمان الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أن يتولى نجاتي من هذه المظالم، وعاهدت الإمام (عليه السلام) لقاء ذلك أن أقوم بتأليف كتاب يجمع ما روي عنه (عليه السلام) من زيارات،

(١١)

وأدعية، ورسائل، وسائر كلماته الشريفة..
وراحت الأيام والليالي، ومضت الشهور تلو الشهور على إقامتي في السجون المختلفة في بغداد، وبعقوبة حتى خلّصي الله تعالى (بدعاء صاحب الأمر (عليه السلام)) وفرّج عنى وخرجت من سجون البعثيين ولله الحمد..
وبعد فترة من الزمن جاءني أحد أقربائي ليقول لي:
رأيت في عالم الرؤيا نورانياً مهيباً قال لي: قل للسيد حسن الشيرازي حان الوقت لأن يفي بعهده لصاحب الأمر (عليه السلام) في تأليف الكتاب وكان الشخص ذاك ﻻ يدري عن عهدي، لأني لم أكن قد حدّثت به بعد.
فعزمت على ذلك وصرت أجمع المصادر المحتاج إليها لمثل تأليف هذا الكتاب.
ثم جاءني بعد مدة شخص آخر وقال لي مثل ما قال الأول - من غير ترابط بينهما ولا صحبة ولا سابقة إطلاقاً.
(رأيت في الحلم - في عالم الرؤيا - أن صاحب الأمر (عليه السلام) يطالبك بعهدك معه عن الكتاب...).
واشتد عزمي وبدأت في تأليف هذا الكتاب (كلمة الإمام المهدي (عليه السلام)).
قال الإمام الشهيد (قدّس سرّه):
وبعد ما أنجزت القسم المهم من الكتاب رأيت ما يلي في عالم الرؤيا:
رأيت شخصاً مهيباً، طويل القامة، جميل المحيا، له هيبة الأنبياء، وجلال الصديقين، ووقار الخاشعين، لابساً حلة بيضاء قد توجّه إليّ، - فظننته

(١٢)

صاحب الأمر الإمام المهدي (عليه السلام) - وقمت إجلالاً له، وتقدمت أنا إليه، فلما اقتربنا أخذت بيده لأقبلها، فبدرني هو وقبّل يدي.
فلما قبل يدي علمت أنه ليس الإمام المهدي (عليه السلام).
فسألته عن نفسه وقلت له: من أنت؟
فقال: أنا من قبل وليّ الله.
وأحسست في عالم الرؤيا أن الرجل رسول من قبل الإمام المهدي (عليه السلام) جاء إلي شاكراً لتأليف هذا الكتاب.
قال الإمام الشهيد (قدّس سرّه): ولأول مرة أرى رؤيا مثل هذه عن واحد من تأليفاتي.. وأسأل الله تعالى أن يقرنه برضاه، ويرضى عني مولاي وسيدي صاحب الأمر الإمام المهدي المنتظر صلوات الله عليه، الذي هو طريقي إلى مرضاة الله تعالى.
قال الراوي للقصة: كان الإمام الشهيد (قدّس سرّه) يحدثنا بهذه القصة ونحن بجوار قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالمدينة المنورة، في طريقنا إلى الحج في العام الماضي..
ونحن إذ نقوم بإحياء هذا التراث القيم وإنجاز هذه الأمنيّة للإمام الشهيد الشيرازي (قدس الله سره) لطبع (كلمة الإمام المهدي (عليه السلام)) ونشرها على الأفق الثقافي في العالم.
نأمل ونسأل الله تعالى الأمور التالية:
أولاً: أن يعجل في فرج صاحب هذه الكلمة الإمام المهدي (عليه السلام) ليطهر

(١٣)

الأرض من كل ظلم، وينشر في الناس راية العدل الكامل والشامل.
ثانياً: أن ينتقم لهذا الدم الزاكي، ولسائر الدماء الزكية التي أراقتها هذه الزمرة الظالمة الحاكمة في العراق اليوم، وينقذ الإسلام والمسلمين من شرورهم ومفاسدهم ومذابحهم...
ثالثاً: أن يوفقنا الله تعالى لتكميل باقي كتب هذه الموسوعة الضخمة (موسوعة الكلمة) لتخرج إلى النور ويستفيد منها العالم بأسره في كل زمان وكل مكان.
والله هو الولي لذلك كله وهو حسبنا

الناشرون

(١٤)

إهداء

إلى أمي التي أعطتني كل شيء ولم أعطها شيئاً.. أقدم ثواب كتابة هذا الكتاب في ذكرى وفاتها الأولى.

ابنك حسن

(١٥)

الحمد لله رب العالمين والصلاة على خاتم أنبيائه والسلام على خاتم خلفائه، وعلى عباد الله الصالحين.
الناس - عادة - يؤمنون بالمألوف بلا محاكمة، ﻻ لأنهم استوعبوه، وإنما لمجرد أنهم وجدوه واقعاً إلى جانبهم، أو لمجرد أنهم وجدوا المجتمع يردده من حولهم.
فالجميع يعترفون بالشمس، لأنهم وجدوها منذ فتحوا أعينهم للنور، ولو لم تكن الشمس في مرمى أنظارهم ووصفت لهم بحجمها الضخم وحركتها الدقيقة السريعة ولهيبها القوي العالي دون أن يأكل من جرمها شيئاً مدى مليارات السنين، لما اعترفوا بها.. ولكنهم حيث وجدوها، اعترفوا بها، وحاولوا أن يفلسفوا غوامضها - في كل جيل حسب الأفكار الحاكمة عليه - ليجعلوها مطواعة لمرتكزاتهم.
ومن هذا النوع اعترافهم بالأرض والنجوم والأجواء وسائر الظواهر الكونية.
وعملية تكوّن الإنسان، وتسلسله معترف بها من قبل جميع الناس، لأنهم

(١٩)

تكوّنوا بها ويجدون الآخرين يتكوّنون بها، أما لو كان الإنسان بدواً من الأرض، وكان يقال له: أن نوعاً من الحيوان يتكوّن بتلاقح الدورة المنويّة من الذكر بالبويضة من الأنثى، وكانت توصف له عملية الإنجاب حتى الولادة لكان يعتبرها خبطاً في الخيال، كما يصعب عليه الاعتراف بأن عيسى (عليه السلام) خلق من غير أب... ﻻ لشيء إلا لمجرد أنه لم يألف إلا طريقة واحدة في خلقة الإنسان.
ومن هذا النوع اعترافهم بطريقة خلقة المبيضات، وطرائق خلقة الزواحف والهوام والبراغش وسائر الحيوانات والنباتات الترابية والمائية.
فاعترافهم بالظواهر الكونية وطرائق الخلقة في مسلسلات المخلوقات ليس ناتجاً من استيعابها وتصديقها، وإنما هو وليد ضغط الأمر الواقع على الذهنية العامة للتسليم له.
والناس جميعاً - قبل القرن العشرين كانوا يعترفون بمعطيات (هيئة بطليموس) من تراكب السماوات السبع والعرش والكرسي وتراكب الأرضين السبع كطبقات البصل - حسب تعبيراتهم - ومن كون الأرض مركز الكون، ومن حركة جميع السماوات والكواكب والنجوم... إلى آخر معطيات فلسفة أرسطو وطب جالينوس وسائر العلوم التي كانت سائدة في تلك الأجيال. وما كان يتردد أحد في شيء منها إلا ويتهم بالخيانة العظمى - متمثلة في الكفر والزندقة والإلحاد - ثم يعدم قتلاً بالسيف أو جلداً بالسوط أو حرقاً بالنار.

(٢٠)

ومن هذا النوع كان اعترافهم بالروحانيات والعلوم الغريبة.
وهم - جميعاً - في هذا القرن يعترفون بجميع معطيات العلوم الحديثة من الفسيولوجيا والبيولوجيا والتكنولوجيا، وانتهاءً بالنسبية العامة والديالكتيك، ولا يتردد أحد في شيء منها إلا ويتهم بالخيانة العظمى - متمثلة في السخافة والجمود والرجعية - ثم يعدم طرداً عن المجالات الحيوية.
ومن هذا النوع إنكارهم للروحانيات والعلوم الغريبة.
ﻻ لأن أولئك اعترفوا بمعطيات علومهم عن استيعاب وتصديق، ولا لأن هؤلاء يعترفون بمعطيات علومهم عن استيعاب وتصديق... وإنما لأن كل واحد من أولئك عندما تفتق فيه الوعي وجد المجتمع من حوله يردد أشياءً فرددها معه، كما يكرر عاداته وتقاليده معه، شأن الطفل الذي يدخل مدرسة، فيردد مع زملائه أناشيدهم ويرفع صوته أو يخفضه معهم، ربما دون أن يفهم حرفاً منها.
ولذلك حارب الناس جميع الأنبياء والمصلحين والمجددين وأوائل المكتشفين، ﻻ لشيء إلا لأنهم طرحوا أفكاراً لم يكن يرددها المجتمع، فمن استطاع منهم أن ينجو من الإعدام، ويواصل الكفاح حتى يقنع المجتمع بأفكاره أصبح عظيماً تنحني أمامه رؤوس من بادروا إلى حربه بلا هوادة... ﻻ لأن المجتمع لم يكن يرددها ثم استطاع أن يلقنها للمجتمع.
وبهذه الببغاوية نعاهم القرآن معزياً رسول الله، قائلاً: (ذلك مبلغهم من

(٢١)

العلم) وأعذرهم الرسول متجاوباً مع القرآن، قائلاً: (اللهم اهد قومي فإنهم ﻻ يعلمون).
الحضارة والتكتلات:
والناس - في القرن العشرين - تمزقوا بفعل عاملين:
1- عامل الحضارة المادية، التي تصاعدت بقوة لتصنيع أكثر مظاهر الحياة حتى بهر وهجها الألباب، فافتتن بها قطاع كبير من الناس، ظانين أنها القمّة النهائية للحياة، فجرفتهم إلى الإلحاد بكل ما وراء المادة.
2- عامل التكتلات الدينية التي تصاعدت بقوة - في تنظيمات رجال الدين وفي تجمعات سياسية - حتى كادت تغطي ثلثي المجتمع، فتجاوب معها قطاع كبير من البشر، قائلين بأن الحضارة المادية ﻻ تعبر إلا عن وجه واحد من وجهي الحياة.
هكذا تمزق الناس بفعل هذين العاملين، فمن كان قريباً من قواعد الحضارة المادية تمسك بمعطياتها واعتبر الدين مرحلة تجاوزها الإنسان، ومن كان قريباً من قواعد التكتلات الدينية تمسك بمعطياتها، واعتبر المادية وسيلة لتجاوز الحياة. أما الأكثرية الساحقة من الناس، فأخذوا بمعطيات الحضارة المادية، لتنعيم الحياة وتسهيلها، متسترين بغطاء رقيق من الإيمان بمجمل الأديان، من الاعتراف بوجود الله، وصحة كتبه وصدق رسله في التبشير بالحياة الآخرة، وأما التفاصيل والفروع فلا يجدون ما يلزمهم بها، وربما ﻻ يجدون من يقنعهم، وقد ﻻ يجدون وازعاً داخلياً يدفعهم إلى الاهتمام

(٢٢)

بها، وإهمال مباهج الحياة ومشاكلها، فيفضلون الاكتفاء من الدين بتزويد ما يردده المجتمع، وأكثر المجتمعات ﻻ يردد من الدين إلا معطياته المتجاوبة مع المفاهيم المألوفة في الذهنيّة العامة.
وإذا عرفنا أن الذهنية العامة تؤمن بالمألوف بلا محاكمة، وترفض غير المألوف بلا مناقشة، عرفنا لماذا يكون إيمان الناس - غالباً - غطاءً رقيقاً يتسترون به.
من هنا نعرف السبب تهرب الناس - عادة - من الخوض في الحوار حول القضايا الفكرية من الأديان، وفي اتهامها بأنها قضايا ميتافيزيقيّة، أو بأنها قضايا إيمانيّة مجردة ﻻ جدوى منها، وفي محاولة إنكار مردودها، مهما كان مردودها في حياتهم الفردية والاجتماعية.
ومن هذه القضايا:
1- قضية الروح وتطوراتها.
2- قضية الروحانيات غير المحسوسة كالملائكة والجن والشيطان.
3- قضية المعجزات وكيفية صدورها.
4- قضية حكومة الإنسان في سائر المخلوقات.
5- قضية المصلح المنتظر، التي تعبر عن معادلة الخير والشر.
وهذه قضايا طرحتها الأديان، ولها نتائجها الإيجابية الكبيرة.
قضية المصلح المنتظر (عليه السلام):
ولسنا في هذه المحاولة، إلا أمام القضية الأخيرة، وهي قضية المصلح

(٢٣)

المنتظر (عليه السلام)، التي تعبر عن إحدى المعادلات الثابتة، لأنها تتعلق بإحدى الغرائز المتأصلة في البر.
فالبشر - بمقتضى تركيبته الخاصة - ﻻ يستقيم على طريقة، بغض النظر عن هوية الطريقة، فلا يبقى على الحق، ولا يدوم على الباطل، ولا يواصل الخير، ولا يستمر على الشر، ويكره الديمومة على شيء، مهما كانت حقيقة ذلك الشيء، وإنما يفضل التأرجح بين الأضداد، فالشجرة تدأب في منهجها ابتداءً من انطلاقها من النواة حتى نهايتها بلا تمزق بين المناهج، والجبل يواصل برنامجه منذ نشوئه حتى انتهاء عمره الطبيعي بلا تبعثر بين البرامج، والنجمة تنفّذ خطّتها من ميلادها حتى وفاتها بدون أدنى انزلاق، والنحلة تؤدي كل واجباتها حتى تسقط ضحية في مسيرة الواجب بلا تردد، ولكنه الإنسان، الذي ﻻ يستطيع توظيب حياته في خط (.. فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين).
ولعل غريزة التأرجح بين الأضداد - أو غريزة التطور - وكّلت بالإنسان لتقليبه في المعادلات المختلفة، حتى تكشف كل مخابئه. وتنمي كل ما في أعماقه من نوايا وركائز، فتحقق بذلك هدفاً من أهداف الحياة. وهو تجربة الإنسان (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً لنفتنهم فيه). [سورة الجن: الآية 15 - 16].
فاستجابة لهذه الغريزة نجد الإنسان دائم الاندفاع بين أقطاب الإغراء الكثيرة المتنوعة، فهو يجب الشيء ويتدفق نحوه بلهفة حتى إذا تشبع منه

(٢٤)

أعرض عنه واتجه نحو ضده بشدة.
- مثلاً: إنه يجب السفر، فيواصله حتى يجوب الأقطار التي كان يفكر فيها، ثم يخلد إلى مدينة فلا يخرج منها مدى سنوات، ثم يبدأ من جديد رحلات واسعة.
- مثلاً: قد ترى إنساناً محافظاً ﻻ تذكر له هفوات، ثم تجده ينفلت بعشوائية، وبعد حين يعاود سيرته الأولى.
- مثلاً: قد يظهر جيل محارب يتتبع الخلافات البسيطة، فيتمسك بها لإشعال الفتن والحروب، يعقبه جيل مسالم يتنازل عن أغلى ما لديه هروباً من المواجهة المسلحة.
- مثلاً: قد يقبل الناس على الأدب أو المسرح أو الرسم، حتى يقدّمونه على الخبز والماء، ثم يعرضون عنه حتى يفلس تجّاره.
وهكذا الدين، قد يظهر نبيّ أو إمام يحرك فطرة الناس في اتجاه الدين فيتهافتون على جوامعه ومجامعه باندفاع مخيف، ثم تتوتر الفطرة فيهم فيتجاهلون كل شيء منه بحيث يتحير دعاته. ويتساقطون تحت تيار الإلحاد، ولا يأخذ التيار مداه، حتى يبدأ بالانحسار، ويتوب الناس إلى رشدهم في اتجاه الدين من جديد، وكأنّه يطرح عليهم لأول مرة، ولم يطرح عليهم لأول مرة، وإنما هي دورة البشر الذي ﻻ يطيق السير على خط واحد.
ولهذا كلما ظهر نبي أو إمام، واستطاع أن يعلي كلمة الدين - عرف أن

(٢٥)

ثورته تستهلك بعده، وأن خلفائه يعانون الثورة المعاكسة - فيبشرهم بأن الردة لن تكون القاضية، وأن المطاف الأخير سيكون لدينه. وأن الله سيظهر من يجدده، ويقود الناس إلى الصراط المستقيم.
فما من نبي إلا وبشر بمصلح عالي الصوت، شديد الوطء، يحرك التيار، وأمر الناس بالصبر عبر الخريف، وانتظار ذلك المصلح، والالتفات حوله إذا أدركوه.
لقد بشر نوح بإبراهيم، وبشر إبراهيم بموسى، وبشر موسى بعيسى، وبشر عيسى بمحمد، وبشر محمد بظهور المهدي ونزول المسيح، عليهم الصلاة والسلام.
فما ظهر دين إلا وطرح فكرة المصلح المنتظر، والديانات الحية اليوم كلها تهيئ لمصلح منتظر وإن اختلفت الأسماء، فاليهودية تبشر بالمسيح، والمسيحية تبشر بأحمد، والإسلام يبشر بالمهدي.
معطيات الفكرة:
وإذا أغمضنا النظر عن الأسماء نجد أن فكرة المصلح المنتظر تعني:
1- واقعية الأديان في استيعاب المستقبل، وفي استيعاب دورة البشر في الاتجاه نحو الدين والانحراف عنه، وفي الأخبار عن هذه الدورة.
2- تطمين المبشرين بأن لهم المطاف الأخير، حتى ﻻ ييأسوا مهما ارتفعت درجة معاناتهم، ومهما استبدت الثورة المعاكسة بالأجواء.

(٢٦)

3- تيئيس العاملين ضد الدين وضد المبشرين به، من نجاحهم في العمل ضد الدين، فإذا استطاعوا أن يهرجوا يوماً أو أياماً، فلا يعني ذلك أنهم أضحوا سادة الموقف، فالدين هو الخط الصحي العام، والانفلات فوضى لن تدوم.
4- تهيئة المؤمنين بالدين لاستقبال المصلح المنتظر، حتى يظلوا متأهبين له، وتأهبهم له يساوي إبقائهم موفوري القوى، وهذا يخدمهم قبل أن يخدم المصلح المنتظر، لأنهم ﻻ يؤخذون على حين غرة من قبل أعدائهم، ولا يجمدهم الخمول، فهم - دائماً - تحت الإنذار، يراقبون الأجواء بلهفة وحذر.
5- تمهيد الأرضية الصالحة للمصلح المنتظر، حتى إذا انتفض ﻻ يجد نفسه غريباً يبني ابتداءً من الحجر الأساس، وإنما يجد نفسه يرفع البناء على أساس من سبقه. وهكذا كان، فلم يبعث نبي إلا وجد من ينتظره(1)، ويسعى إليه من أقاصي الدنيا بهيام عميق. وهذه الظاهرة مما أوفدت أخوة الأنبياء، فكل واحد منهم كان مبشراً به من قبل السابقين عليه، فيصدق السابقين عليه ويبشر اللاحقين به، ويقوم بدور الحلقة الواحدة في المسلسل البعيد الطرفين. وليس الإمام المهدي المنتظر إلا حلقة في هذا المسلسل من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يلاحظ قوله تعالى: (وكانوا يستفتحون على الذين كفروا) - إلى آخره - وغيره ويلاحظ تفاسير القرآن عند الحديث عن ذلك.

(٢٧)

المبشرين بهم والمبشرين بغيرهم.
ظاهرتان: اليأس والتشكيك:
وهنالك ظاهرتان تكتنفان المؤمنين الذين يعيشون في الفترة بين الأنبياء والأئمة:
الأولى: ظاهرة اليأس كلما طالت الفترة، ولم يظهر المصلح الموعود به، وربما كانت الفترة تسع عدة قرون وتستهلك بضعة أجيال، فكان الناس يشككون في الأحاديث المبشّرة به، وخاصة في الفترات السابقة التي لم يكونوا يمتلكون وسيلة لنقل الحديث سوى ذاكرة الرواة.
الثانية: ظاهرة التشكيك في مقدرة المصلح الموعود به على تغيير الأجواء، لأنهم كانوا يرون التقدم المادي للبشر، وكانوا يظنون أن النبي اللاحق سوف يستخدم الوسائل التي اتبعها النبي السابق، فكانوا يجدون تلك الوسائل غير مجدية، فيعتريهم الشك في قدرته على إنقاذ الناس من براثن السلطان الغاشمة المزودة بالأسلحة الجديدة.
دور إبراهيم الخليل (عليه السلام):
فمثلاً: في عهد إبراهيم الخليل (عليه السلام) لم يكن للملوك جيش نظامي، ففي أيام المسلم حتى خدم الملك مزودون بالسلاح ويؤدّون دور الحرس، والشرطة، وفي أيام الحرب يدعى الناس إلى النفير، فينفرون بأسلحتهم، ولذلك جند إبراهيم الخليل (عليه السلام) جيشاً من المؤمنين به، وقاتل في الشام،

(٢٨)

وانتصر.
دور موسى (عليه السلام):
فلما ظهر الفراعنة في مصر تطور الأمر من ناحيتين: الأولى: أن الفراعنة حاولوا تأسيس إمبراطورية واسعة - في ظل دعوى الربوبية - فأسسوا جيشاً نظامياً، ووجهوا فصائله إلى الأقطار المجاورة، من أجل إخضاعها لحكم الفراعنة. الثانية: ظهر في أيامهم السحر، وتقدم بسرعة مذهلة، فكان الملك الفرعوني يحكم بسلطتين: سلطة جيش نظامي جرّار، وسلطة سحرة أشداء. والمؤمنون الذين كانوا ينتظرون ظهور موسى بن عمران، كانوا يظنون أن موسى بن عمران - حينما يظهر - يستخدم الأساليب والوسائل التي استخدمها إبراهيم الخليل (عليه السلام) فكانوا يشكّون في انتصاره على الفراعنة، وما كانوا يعلمون أن موسى بن عمران (عليه السلام) يظهر بتسع آيات بينات يتضاءل أمامها السحر والسحرة، وبقوة عصاه التي تلقف ما يأفكون، وبقوة البحر الذي يبتلع فرعون وجنوده. ما كانوا يعلمون ذلك، فكان من الطبيعي أن يشكّوا في انتصار موسى بن عمران على الفراعنة. فلما جاء موسى بن عمران بتلك الوسائل عرف الناس أن أنبياء الله قد يأتون بمثلها. وقضى موسى بن عمران على أسطورة السحر الذي ﻻ يقهر، والجيش

(٢٩)

الذي ﻻ ينهزم، والملك الذي ﻻ تطاله قوة حتى يقول: أنا ربكم الأعلى.
دور عيسى (عليه السلام):
ومثلاً: تطور الأمر بعد موسى بن عمران، فظهر في الناس فراعنة من نوع جديد، ﻻ يقهرون أجسام الناس بالسحر والجنود، وإنما يقهرون عقول الناس بالعلم، وليس بأي علم، وإنما بعلم إنساني يحتاج إليه جميع الناس، ظهروا بعلم الطب، وبالإخبار عن الغيبيات، وتقدموا فيهما، حتى كان أحدهم يحيي الميت إذا عرض عليه قبل أن يبرد جسمه، ويفحص المريض بمجرد إلقاء نظرة على وجهه، ويخبر عما أكله المريض أو فعله. فكان المؤمنون الذين ينتظرون عيسى ابن مريم (عليه السلام) يظنون أنه سيظهر بمثل وسائل إبراهيم الخليل، أو بمثل وسائل موسى بن عمران، فكان من الطبيعي أن يشكّوا في مقدرة عيسى ابن مريم على دحر قادة الإلحاد، المتسلحين بالعلم النافع، وما علموا أن الله سينصر رسله في كل زمان بالوسائل المناسبة، فظهر عيسى ابن مريم (عليه السلام) بالعلم المتفوق، فقال: أنا أبرئ الأكمه والأبرص وسائر المصابين بالأمراض المستعصية، ﻻ بالدواء، وإنما بمجرد مسحة يد، وأحيي، ﻻ الميت الجديد الذي لم يبرد جسمه بعد فقط، وإنما أحيي كل الأموات حتى الميت الرميم وإني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وهنا ما ﻻ يدّعيه طبيب وإني أخبركم ﻻ بما أكله

(٣٠)

المريض أو فعله فأصيب فحسب، وإنما أخبركم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم. فهزم فراعنة العلم بسلاحهم.
دور رسول الإسلام (صلّى الله عليه وآله)
ومثلاً: تغيّر الأمر بعد عيسى ابن مريم، وخاصة في جزيرة العرب، حيث البشائر تمتد نحوها قاعدة للنبي الذي يظهر بالسيف، فبرزت في الجزيرة ظاهرتان:
الأولى: ظاهرة البلاغة الفائقة، التي تجعل من الكلمات اليومية البخسة، والعواطف الرخيصة، عالماً حياً زاخراً بالحكمة والصور والألوان... إننا اليوم ﻻ نستطيع أن نستوعب عظمة المعلقات السبع، ونحن مبهورون بوهج القرآن وما انبثق عنه من كلام النبي وآله (عليهم السلام)، ولكن تجربة عابرة للمقارنة بين المعلقات السبع وبين أي كلام سبقه تكفي للدلالة على ما كان لها من بريق مخيف.
الثانية: ظاهرة الفوضى المسلحة، التي تجعل أي إنسان مهما تعالى، مهدداً بالتصفية الجسدية من قبل أي إنسان آخر مهما تدانى. وفي كل اللحظات، وفي جميع الحالات... وهذه الظاهرة تجعل كل من يفكر في الحق والعدل والإنصاف وسائر المثل والقيم الرفيعة، يعتبر هروبه من مثل هذه الجزيرة الساخنة أكبر انتصاراته في الحياة ﻻ خوفاً على حياته أن تهدر بلا مبرر فقط، وإنما خوفاً أن يورّط في معركة تافهة تجرده من كل معنوياته

(٣١)

وقيمه بلا بدل. فكيف بنبي يكون رمز السماء على الأرض، ويريد أن يقود النصف المتقدم من البشر في مسيرة الفضيلة والكمال إلى الإنسانية العليا؟ والمؤمنون الذين يقتاتون انتظاره، ويعرفون الوسائل التي استخدمها كل من إبراهيم الخليل وموسى بن عمران وعيسى ابن مريم (عليهم السلام)، كانوا يظنون أن النبي الجديد يظهر بما يشابه تلك الوسائل، فكانوا يرون أنها متفرقة أو مجتمعة ﻻ تجدي شيئاً في مجتمع البلاغة والفوضى، فيشكّون في انتصار النبي الجديد.
فأظهر الله نبيه الكريم وبقرآن يعلو ولا يعلى عليه، فلم تنزل سورة (فاتحة الكتاب) حتى عمد أساطين البلاغة إلى نزع المعلقات السبع من جدران الكعبة ليلاً، حتى ﻻ يعابوا بها، وبسيف، لم يشارك في الاعتداء، وإنما قضى على الاعتداء، فلم يضرب به أحداً إلا دخل النار وعابه الناس. فاستأصل أوبئة الفوضى وأبرأ الجزيرة من جنونها، ولم يبلغ عدد ضحاياه سبعمائة شخص، في جميع حروبه وغزواته وسراياه، فاستطاع ذلك السيف ذاته وبتلك الدماء ذاتها، أن يكتب على لوحة الجزيرة لافتة تشخص أبصار كل من حمل السلاح إلى الأبد: (إنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) [سورة المائدة: الآية 32]، (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزائه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً

(٣٢)

عظيماً) [سورة النساء: الآية 93].
فكان قرآنه مطمحاً لكل قرآن، وكان سيفه تجربة لإلغاء السيف، فكان انتصاره الذي فاق كل الاحتمالات والتوقعات وبزّ كل التنبؤات، فإذا بشعب الجزيرة الفوضوي، يمتد برسالته فيكل اتجاه، لينشر الإيمان والحضارة والخير، وليؤسس دولة ذات سيادة عالمية، لم تظهر بمواصفاتها دولة ﻻ من قبلها ولا من بعدها حتى الآن.
وهكذا انتصر داوود بشكل وانتصر سليمان بشكل، وانتصر يوسف بشكل. وهكذا غيرهم.. وغيرهم من سائر رسل الله وأنبيائه الكرام.
هذا فيمن نعرف من رسل الله وأوضاع مجتمعاتهم والوسائل التي انتصروا بها، وهكذا فيمن لم نعرف من رسول الله وأوضاع مجتمعاتهم والوسائل التي انتصروا بها، ولكن مجمل ما نعرفه عنهم أنهم انتصروا جميعاً، وانتصارهم يكفي للدلالة على أنهم كانوا أقوى من مجمعاتهم، وأنهم جميعاً فاجئوا مجتمعاتهم بأساليب ووسائل لم تكن في الحسبان، وسواء أسميناها معجزات أو أسميناها كفاءات(2)، فجوهر القضية واحد، وهو أنهم تفوقوا على كل القدرات الحاكمة في عهودهم. فلتتقدم المجتمعات ولتتطور،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) إنما ذكرنا لفظ الكفاءات أيضاً تمشياً مع من يفرون من الألفاظ لنستوقفهم كي يتذكروا ويتدبروا وإلا فالمعجزة كفاءة خاصة جعلها الله تعالى في أفراد معينين من البشر.

(٣٣)

ولتحشد ما استطاعت تحشيده من طاقات وأساليب، فإن الله سيزود رسله وأوصيائهم بما هو أقوى وأعلى، وسيجعل (كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا) [سورة التوبة: الآية 9] (كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي إن الله قوي عزيز) [سورة مجادلة: الآية 21](3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) يبقى في مجال التحليل الروحي البحث، بحث لم أعرف من سبق إليه، ولعلي أول من يطرحه، ولا أطرحه لاتخاذ موقف معين، وإنما ليكون إشارة الضوء على هذا الطريق الذي قد يعود بحصائل ترفد كثيراً من الغوامض، وتساهم في الإجابة على العديد من المعضلات الروحية. وتمهيداً لهذا البحث الذي سوف أطرحه في صيغة سؤال نقول:
يمكن أن نسمى مجتمع إبراهيم الخليل بـ (مجتمع الإيمان والتسليم) فالناس كانوا - بعد الطوفان مؤمنين ومسالمين، ولكنهم أخطئوا في توجيه الإيمان إلى الأصنام ونمرود، ونمرود ذاته وجد أن الإيمان هو الطابع العام فاستغله لمصلحته الشخصية وصنع الجنة والنار، وحمورابي وجد أن التسليم ظاهرة عامة فاستغله لوضع قانونه، وإبراهيم الخليل في حد ذاته كان إيمانياً، والجانب الإيماني أبرز ظاهرة طبعت حياته، فشيد الكعبة، وكرس المجتمع في اتجاه العبادة، وشرع الحج.
ويمكن أن نسمي مجتمع موسى بن عمران بـ (مجتمع السحر والعسكر) فاتجه الناس إلى استلهام القوى المنظرة والخفية، فعبدوا رمز القوة، فرعون، وخنعوا بجنوده، وقدسوا سحرته، فكانوا مع القوة ولكنهم أخطئوا في تحديد القوة التي يصح اتّباعها، وموسى بن عمران (عليه السلام) كان رمز القوة في أعلى درجاتها، فهو رسول الله الذي خلق السماوات والأرض، وقد انتزع فرعون من عرشه وغلوائه، وأطبق البحر عليه وعلى جنوده، وأتى بتسع آيات ←

(٣٤)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ بينات أذهلت جميع المتعاملين مع القوى الخفية حتى (قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون). [سورة الأعراف: الآية 121 - 122].
ويمكن أن نسمي مجتمع عيسى ابن مريم بـ (مجتمع الطب والمغيبات) فاتجه الناس إلى الأطباء والمخبرين عن المغيبات، حتى منحوهم السيادة والقيادة، واتبعوهم في كل ما يقولون وما يتنبئون. وتكريم الأطباء مقبول، فالطب علم إنساني مستحب، واحترام المخبرين عن المغيبات معقول - إذا كان معتمداً على أسس مشروعة - ولكن المغالاة في حقهم حتى اتّباعهم في الإلحاد، وتقديم كلمتهم على كلمة الأنبياء مرفوض، وعيسى ابن مريم (عليه السلام) تجلت معجزاته في تحديات فسيولوجية، جسدية، يمكن تنظيرها بالطب من صياغة طين بهيئة الوطواط والنفخ فيه لينطلق طيراً في الهواء، وشفاء المصابين بالأمراض المستعصية بمسحة يد، وإحياء الأموات - الذين ابيضت عظامهم في ظلام اللحود - بكلمة، وفي الإخبار عن المغيبات حتى ما يكتنزه الناس في بيوتهم.
ويمكن أن نسمي مجتمع الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بـ (مجتمع البلاغة والسيف) فاتجه الناس إلى عبادة البلاغة والسيف، فلم يكن يستحوذ على مشاعرهم إلا رجل البلاغة، ولم يكن يهيمن على حياتهم إلا رجل السيف، والبلاغة في التعبير فضيلة، والسيف لفتح الطريق أمام الحق لابد منه، والانحراف في ذلك أن يكون رجل البلاغة أو السيف حاكماً غير مسؤول. والرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بلغ في البلاغة درجة التحدي العام المطلق (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين) [سورة البقرة: الآية 23 - 24]. وبلغ في مقدرته على حمل السيف، أن أعاد الجزيرة إلى صوابها دون أن يقتل سبعمائة رجل، وكانت قبله دولاب دم، ومفرمة بشرية. ←

(٣٥)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ وإذا استعرضنا مجتمعات الأنبياء نجد التجانس بينها وبينهم، بفارق واحد، وهو أنها كانت على باطل، وأنهم كانوا على حق.
إذن فالتجانس بين الأنبياء ومجتمعاتهم موجود وواضح: والسؤال هو:
هل المجتمعات هي الأصل، والأنبياء كانوا امتداداتها؟ أو أن الأنبياء هم الأصل والمجتمعات كانت امتداداتهم؟ مع العلم أن ما يؤيده الاختبار الخارجي والقرآن والكريم والسنة المطهرة هو الثاني دون الأول.
وبتعبير أوضح:
هل المجتمع هو الذي يتقلب في أطواره المختلفة، فتقوده محركاته الذاتية في كل بضعة قرون إلى طور معين، نتيجة لتفاعلاته الداخلية المعقدة، كما يغير النهر مجراه بعوامله الخاصة، وكما تغير الأرض مظاهرها الجغرافية وفق معادلاتها الباطنية، فتجعل من قاعات بحار قمم جبال، وتجعل قمم جبال قاعات بحار. أو أن الأنبياء - وأصحاب الولاية منهم بصورة خاصة - طاقات كونية كبيرة، فهم المحركات الأساسية للمجتمعات، فحينما يتجه أي واحد منهم إلى الوجود البشري، تسبقه موجاته وخصائصه إلى المسرح البشري - وهذه ما تسمى في لغة العصر الحديث بـ (الارهاصات) - فتلقفها المشاعر المرهفة في الناس، وإن كانت محطات الاستقبال الشعورية، تلونها في كل فرد بطابعها الخاص، فتظهر موجاته وخصائصه من خلال كل واحد بشكل، فينال كل فرد زخماً جديداً يرفعه إلى مستوى أعلى من مستواه الذي كان عليه قبل اتجاه نبي زمانه إلى الوجود البشري، ولا ينافي ذلك أن يزداد السعيد سعادة وأن يزداد الشقي شقاوة.
تماماً كالنجوم، فكل نجمة تقترب من الأرض، تسبقها كهربتها الخاصة إلى سطح الأرض، فتكون زخماً جديداً ينشط الكائنات الحية وإن كانت تلك الكهربة - نتيجة للتفاعلات ←

(٣٦)

هاتان الظاهرتان موجودتان، بخصوص الإمام المهدي المنتظر:
أ- ظاهرة اليأس:
الأولى: ظاهرة اليأس منه، فقد طالت فترة غيابه، أكثر مما كان يتوقع، فقد تفانت الأجيال تلو الأجيال وهي تترقب ظهوره سنة بعد سنة، وأسبوعاً بعد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ المختلفة - تصطنع في كل كائن حي بطابعه، فتكون حدة في الشوك وسماً في الأفعى، وروعة في الوردة، ووهجاً في المعادن.
أرأيت الشمس، كيف يبادر شعاعها إلى الأفق؟ ثم كيف يعزز ذلك الشعاع في المواشير؟ وكيف يطبع بطابع الزجاجات المختلفة التي يمر عبرها؟ وكيف يمنح العيون صفاءً ويزيد الفحم عتمة، ويعطي الصخر صلابة، ويعقد في السنبلة حبة، ويخلع على الأشجار وشاحاً أخضر؟
هكذا نجد خصال كل نبي في قومه، والسؤال الذي بدأنا به:
هل النبي أخذ خصاله من قومه، وبلورها في صيغة نبوية؟ أو أن النبي منح خصاله لقومه، فطبعها كل واحد منهم بطابعه الخاص به؟.. ولا شك أن الثاني هو الصحيح الذي دلت عليه الآيات والروايات والواقع الخارجي. وإذا أردنا الانتقال من أوضاع الأنبياء وتفاعلاتهم مع مجتمعاتهم إلى وضع الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) وتفاعلاته مع مجتمعه، نجد أن خصائصه بدأت تظهر على المسرح البشري منذ أوائل القرن العشرين، فأبرز خصائصه (العلم والقوة) علم يستثمر كل طاقات الأرض والفضاء، فيعيش كل فرد حتى يرى ابناً من صلبه دون أن يكتسحه بؤس أو عناء، وقوة تلف الأرض براية واحدة، وتدع الذئب يرعى مع الغنم في قطيع، وقد بدأ العلم والقوة يطبعان المجتمع البشري كله وفي كل المجالات، بشكل سريع يوحي بأن نجمة العلم والقوة قد اقتربت من الأفق، وحان ظهورها للأبصار.

(٣٧)

أسبوع، وربما يوماً بعد يوم، وكم كان الذين وجدوا بعض علائم ظهوره، فوقفوا على أهبة الاستعداد لتلبية ندائه، وما كانوا يرقدون في الليل إلا ويتوسدون أسلحتهم، حتى إذا أهاب بهم المنادي، ﻻ يكون لديهم ما يعوقهم عن الإسراع إليه؟.. وكم كان الذين قرأوا في الأحاديث: أن توقيت ظهوره يصادف يوم الجمعة، فألزموا أنفسهم بالخروج إلى الصحراء صبيحة أيام الجمعة بكامل أسلحتهم، حتى إذا خرج يلتقيهم وكأنهم على موعد؟... وكم كان الذين رأوا في المنام أشياء أو قرأوا أحاديث، فطبقوها على وقت معين، فبادروا إلى تصفية حساباتهم قبل ذلك الوقت، حتى إذا خرج وقتلوا بين يديه ﻻ يكون عليهم شيء من حقوق الناس أو من حقوق الله؟... وكم كان الذين يؤجّلون تصفية حسابات خصومهم إلى حين ظهوره، حتى يكون هو الذي يثأر لهم؟...
ثم يأتي الرجل في هذا اليوم، فيقرأ أو يسمع أن آبائه ماتوا انتظاراً، ومرت مئات السنين ومئات السنين ولم يظهر الإمام المنتظر، فيمتلكه اليأس من ظهوره، أو يحدّث نفسه قائلاً: حتى لون كان الإمام المنتظر باقياً ويظهر في يوم من الأيام، فما الذي يشير إلى أنني سأراه، ولربما ﻻ يظهر إلا بعد مئات السنين أو آلاف السنين، كما لم يظهر حتى اليوم، وقد مر على غيابه أحد عشر قرناً ومئات الملايين من الشيعة في كل جيل ومن كل مكان يعدّون اللحظات في انتظاره.
ثم يستنتج: إذن عليّ أن أجري كل حساباتي على أنه ﻻ يظهر مطلقاً،

(٣٨)

أو أنه ﻻ يظهر في عهدي على الأقل. وقد عبّر الإمام عن هذا اليأس السافر بقوله: (ستطول غيبته حتى يرجع عنه أكثر القائلين به).
ب - ظاهرة التشكيك:
الثانية: ظاهرة التشكيك في مقدرة الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) على السيطرة العالمية، بعد ظهور الأسلحة الحديثة، وانتشار الأسلحة الذرية، والقواعد الجوية، والصواريخ الالكترونية ذات الآماد البعيدة، والقنابل الأتوماتيكية المزوّدة بالعقول الإلكترونية... ولا يعلم إلا الله ما ستنتجه المعامل العسكرية من وسائل التدمير المخيفة إلى وقت ظهوره (عليه السلام)... فكيف ينتصر على كل هذه الأسلحة المبيدة والملايين المتزايدة من الجنود التي تملأ القواعد العسكرية في أنحاء العالم، وخاصة إذا كان يظهر بالسيف - كما في بعض الأحاديث المبشرة به - مع أنه لم يعد للسيف مكان إلا في المتاحف الأثرية؟. ولعلنا نبحث الموضوع فيما يأتي بإذن الله تعالى.
ج - ظواهر جديدة أُخر:
وبالنسبة إلى الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) تضاف إلى هاتين الظاهرتين اللتين كانتا تطبعان كل المؤمنين في الفترة بين الرسل، تضاف إليهما ظواهر جديدة.
الثالثة: ظاهرة التشكيك في حياته حتى الآن، فقد مرّ على ميلاده

(٣٩)

الميمون صلوات الله عليه حتى كتابة هذه الأسطر ألف ومائة وإحدى وأربعون سنة هجرية. ونحن في دورة من عمر البشرية ﻻ تأذن بأن يبلغ أي فرد مائتين من السنين مهما كانت ظروفه الصحية والمناخية ملائمة.
الرابعة: ظاهرة التشكيك في فائدة الإمام الغائب. فشأن الإمام شأن الرسول في أن الله يخوله قيادة المجتمع، فإن لم يستطع قيادته عملياً لأسباب يتحمل مسؤوليتها المجتمع ذاته، فلا أقل من قيادته الفكرية للمجتمع، فإن لم يستطع هذه أيضاً، فبماذا يعود على المجتمع؟... وماذا يهدف الله تعالى من إبقائه حياً، طالما ﻻ يأذن له بالاتصال بأحد من خلقه؟...
الخامسة: ظاهرة التشكيك في إيجابية فكرة الإمام المهدي لسببين:
الأول: تكريس اليأس عن جدوى أي عمل إيجابي قبل ظهوره مادام الله سبحانه وتعالى قدّر أن تملأ الأرض ظلماً وجوراً قبل ظهوره.
الثاني: تكريس اليأس عن جدوى أيّ عمل إيجابي بعد ظهوره مادام الله (عزَّ وجلَّ) قدّر أن يملأ الأرض - به - عدلاً وقسطاً، بغض النظر عن قلة أنصاره وكثرة أعدائه.
وهذان القدران يعلنان تعطيل أدوار الآخرين، وبالتالي يوحيان بتجميد كل الطاقات المؤمنة به. لأن أي عمل إيجابي ﻻ يعني غير تحدي القدر الذي يضحك من كل المتحدين. أو مجاراة القدر الذي ﻻ تنشطه المجاراة.
السادسة: ظاهرة التساؤل عن موعد ظهوره. وهل يظهر في وقت قريب؟

(٤٠)

أو أنه يظهر إلا بعد فترة طويلة من الآن؟ ثم ما هي علائم ظهوره؟ وهل العلائم الواردة في الأحاديث المبشرة به صحيحة أم ﻻ؟ وإذا كانت صحيحة فلماذا لم يظهر مع أن تلك العلائم قد ظهرت - حسب رأي العلامة المجلسي (رحمه الله) قبل ثلاثمائة عام؟...
السابعة: ظاهرة التساؤل عن الأدلة التي تثبت أصل فكرة الإمام المهدي المنتظر من الكتاب والسنة؟..
الثامنة: ظاهرة التساؤل عن أن فكرة الأمام المهدي المنتظر (عليه السلام) هل هي من عناصر الفكر الشيعي فقط؟ أو أن المسلمين - جميعاً - يعترفون بها؟...
الثامنة: ظاهرة تسائل تقول: حتى لو ثبتت فكرة الإمام المنتظر شيعياً أو عند كل طوائف المسلمين، فهل يسوقنا التمرد عليها أو إهمالها، إلى منعطفات دينية أو اجتماعية أو فردية؟...
ملاحظة ومناقشة الظواهر:
بخصوص هذه الظواهر نقدم ملاحظتين:
الملاحظة الأولى: نعترف بأن هذه الظاهر موجودة، ولكن وجود هذه الظاهر ﻻ يغيّر شيئاً من واقع الإمام المنتظر، فاليأس والتشكيكات والتساؤلات المتنوعة تلف كثيراً من الأمور حتى تحجب الرؤية وتربك المفكرين، وخاصة في المجالات السياسية والقيادية، التي تمسك بمصير الناس ومقدراتهم، فتكون مناخاً ملائماً للأوهام والتخيلات، وحلبة واسعة

(٤١)

ترحب بصراعات الآراء والمصالح، ولكنها ﻻ تغيّر شيئاً من وقائع الأمور. ومتى كانت التشكيكات والتساؤلات تزحزح شيئاً عن واقعه؟
الملاحظة الثانية: نحاول أن نناقش هذه الظواهر على أساس سؤال يقول: هل هذه الظواهر صحية أو غير صحية، فالظواهر إذا كانت صحية تعبر عن شيء. وإذا كانت غير صحية تعكس أمراض مجتمعها فلا تعبر عن شيء.
الأقسام الأربعة لظاهرة اليأس:
الظاهرة الأولى: وهي ظاهرة اليأس من وجود الإمام المنتظر، أو من ظهوره مطلقاً، أو من ظهوره في وقت قريب. ولتحقيق مدى صحية هذا اليأس نقسم اليأس إلى أربعة أقسام:
1- اليأس من المستحيل، كاليأس من أن يصير 2+2 = 3 أو = 5 ومثل اليأس من اجتماع الضدين والنقيضين - بحدودهما المذكورة في علم المنطق - وهذا اليأس معقول.
2- اليأس من الذات. مثل يأس الفرد من أن يحمل جبلاً على ذراعيه أو من أن يطير في الهواء بلا وسائل. وهذا اليأس مقبول.
3- اليأس من الغير، مثل يأس فلاح من أن يزوره الملك في كوخه، وهذا اليأس منطقي في كثير من الحالات، وليس صحيحاً على العموم، فكم من المفاجآت تخترق جدران اليأس؟ وكم بزغت الآمال من ظلام يأس مطبق؟

(٤٢)

ولعل اتخاذ الموقف أمام هذا القسم من اليأس - الذي يمكن أن نسميه بـ (اليأس العادي) - من المنعطفات الخطيرة التي تفرز العظماء عن التافهين، فالتافهون عندما يصطدمون بهذا القسم من اليأس يتراجعون، أو ينهزمون إلى الأبد فينتحرون، بينما العظماء يصمدون، أو يواصلون الكفاح، وكثيراً ما ينقشع ضباب اليأس عن عيونهم، وتتضح أمامهم سبل الانتصار.
وهذا القسم من اليأس يعتري كل فرد من البشر مرات عديدة في عمره، ثم ينكشف عنه، كما تنكشف سحب الربيع عن الأفق الحالم.
وهذا ﻻ يعني: أن اليأس غير صحيح على الإطلاق، فلربما تتضافر المعاكسات بشكل كثيف، يتراءى كأنه جدار ﻻ يمكن، فييأس حتى العظماء، وقد يكفهر الجو فييأس حتى رسل الله المتصلون بالسماء، ويستبد بهم اليأس، ولكن الله الذي جعل لكل شيء دورة في الحياة الدنيا يعلم أن ذروة كل شيء منتهاه، وأن قمة اليأس هي مبدأ الفرج، فيقول: (... حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) [سورة يوسف: الآية 110].
وإنما يعني هذا الكلام، أن اليأس من الغير أكثره كاذب، وأقله طبيعي، ولكن يمكن نسفه بالمحاولة، على أن تكون المحاولة في حجم المعوقات.
4- اليأس من الله، وهو أن يعتقد فرد بأن الله قد أغلق أبوابه، أو أنه ﻻ يجد

(٤٣)

لأمره مخرجاً، أو لعقدته حلاً. وذلك أن الإنسان - عادة - يملك انطباعات معينة عن الأشياء المتعايشة معه، وعلى ضوء هذه الانطباعات يرتب لكل شيء - في تصوره - أسباباً ونتائج، فإذا جرب كل الأسباب الواردة في تصوره، ولم تسفر عن النتيجة المتوخاة، ظن أن ﻻ سبب يؤدي إليها على الإطلاق، وأمام هذا الظن يلجأ المؤمن إلى الله، ويحدّث نفسه بأنني جربت كل الأسباب التي كنت أعرفها، ولم يؤد شيء منها إلى النتيجة التي كنت أحاولها، ولكنني كفرد من البشر يكون عملي محدوداً، فلعل هنالك سبباً أو أسباباً يؤدي كل واحد مها إلى تلك النتيجة، وأن الله المحيط بكل شيء يعرفها جيداً، فالأفضل أن أترك الأمر لله يصرفه كما يشاء.
ونتيجة لهذا الإيمان ﻻ يدب إليه اليأس، وإنما يحافظ على الأمل في مشاعره، ولا يتراءى له بصيص من النور إلا ويبدأ التجربة وبما أن تطورات الحياة كثيرة، ربما تترتب الأمور بشكل تقدم إليه تلك النتيجة بلا محاولة. أما غير المؤمن فإذا جرب الأسباب التي يعرفها، ولم تنته إلى النتيجة التي يريدها انكفأ على نفسه في ظلام من اليأس ثقيل.
وهذا اليأس ﻻ يعني الجهل بالله وقدرته غير المتناهية فقط، وإنما يعني الجهل بالحياة وأبعادها البعيدة، وهو الضلال في منطق القرآن: (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون)؟ [سورة الحجر: الآية 56] (ولا تيأسوا من روح الله

(٤٤)

إنه ﻻ ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) [سورة يوسف: الآية 87].
هذا فيما لم يسبق إليه وعد من الله، أما إذا وعدنا الله بشيء، ولم نجد في أفقنا القريب المحدود إشارات تمتد إليه، فيأسنا منه لمجرد ذلك يدل على أن مدانا أضيق من حبل المشنقة.
أوَ ليس العلم المادي المحدود يقدم إلى البشر كل يوم أشياء لو حدّثت بها كتب السماء لم يصدقها، لكن البشر يضطر إلى الاعتراف بها حينما يراها بالعين المجردة، أو على الشاشة الصغيرة، فكيف بالله العظيم، الذي خلق كل شيء فقدّره تقديراً؟...
وبالنسبة إلى الإمام المهدي المنتظر، وعد الله بإظهاره وتمكينه في الأرض، ولن يمنعه من تنفيذ وعده مانع في الأرض ولا في السماء. وقد قرر منذ الأزل توقيت غيابه وظهوره - وفق حكمته البالغة - ورتب لغيابه وظهوره وتمكينه أسباباً كافية، كما قرر حركة النجوم، وتوقيت غيابها وظهورها - بالنسبة إلى إنسان الإنسان، ورتب لتفاعلاتها أسباباً كافية. أما كون توقعاتنا تستعجل ظهوره، وكون تصوراتنا تستبطئ فتره غيابه (عليه السلام)، فهذه أمور ناتجة من الجهل بالحكمة العليا، ولا تأثير لها على حركته مطلقاً، كما أن توقعاتنا وتصوراتنا - مهما كانت - ﻻ تؤثر على حركة النجوم أبداً.

(٤٥)

وإذا كانت توقعاتك وتصوراتك ﻻ تغير حركة قلبك ومعدتك، ولا تقدم ولا تؤخر ميلاد ابنك ووفاة زوجتك، فهل تريد لهذه التوقعات والتصورات، أن تستطيل حتى تغيّر إرادة الله في إدارة كونه، وتبدل حكمة الله في نشاط أوليائه؟
إن علينا - في مثل هذه الأمور - أن نعلم: أن الله إذا وعد شيئاً نفذه في الوقت الذي يشاء، وبالأسلوب الذي يشاء، ولا تعاكسه الظروف والأحوال لأنه هو الذي يخلق الظروف والأحوال ويصرفها كما يشاء.
وإذا علمنا ذلك ﻻ يمتلكنا اليأس من ظهور الإمام المهدي المنتظر، ولا نرى أنه تأخر أكثر مما ينبغي، بل نعرف أنه سيظهر في الوقت المحدد لظهوره، ونتوقع أن يصادف ظهوره أي يوم من أيامنا. وأية ساعة من ساعاتنا.
مناقشة التشكيك:
الظاهرة الثانية: وهي ظاهرة التشكيك في مقدرة الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) على السيطرة العالمية بعد ظهور الأسلحة الحديثة، ويمكن مناقشة هذا التشكيك بما يلي:
1- إن الله وعد بنصرة الإمام المنتظر (عليه السلام) وتمكينه في الأرض، حسب تأويل قوله تعالى: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم

(٤٦)

أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكّن لهم في الأرض...) [سورة القصص: الآية 5 - 6] وحسب تصريح النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) بقوله: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله ذلك اليوم حتى يظهر رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً). ووعد الله، والله ﻻ يخلف الميعاد، ووعد الله أقوى الضمانات لنجاح الإمام المنتظر في رسالته العالمية، ﻻ بالنسبة إلينا نحن الذين نحاول أن نعرف شيئاً من ذلك التحول الكبير فقط، وإنما حتى بالنسبة إلى الإمام المنتظر نفسه، المكلف بنقل العالم كله من مرحلة الفوضى والمناقضات إلى مرحلة الاستقرار والانسجام.
2- يكفي - في هذا المجال - أن نعلم أن الله ينصر أوليائه الكبار. بالمفاجآت الكبيرة التي ترتبك لها قادة الرأي في العالم، بحيث ﻻ يطيقون التفكير وإذا فكروا ﻻ يستطيعون التدبير، لأن المفاجآت تأتي ساحقة شاملة، لو تكتّل العالم كله في الصف الآخر، لما استطاع المقاومة ولا الصمود.
وتاريخ الأنبياء كلهم أفضل شاهد حيّ، على أنهم ما كانوا يواجهون التحديات التقليدية التي يستطيعها البشر، لتحديات تقليدية مثلها، حتى يتم التوازن، فترجح الكفة مرة لصالح الأنبياء، وترجح مرة أخرى لصالح أعدائهم.
- فكما أن نوح (عليه السلام) فاجأ العالم كله بطوفان اجتاح المعمورة كلها، ولفّ

(٤٧)

البشرية والحيوانية والنباتية الفاسدة جمعاء، حتى يسمح بالسلالات المفضلة أن تؤسس الحياة البشرية والحيوانية والنباتية من جديد، حتى صاح بأعلى أصواته: (ﻻ عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) [سورة هود: الآية 43].
- وكما أن إبراهيم الخليل (عليه السلام) فاجأ الرأي العام بجعل النار برداً وسلاماً في العراق، وانتصاره العسكري الساحق في الشام، وبناء الكعبة في الحجاز.
- وكما أن داوود فاجأ الدنيا عندما قرض دولة الظلم، وقتل رأسها وقادتها، جالوت وأعوانه، بأحجاره التي سددها الله فلم تخطئ واحدة منها، وأعلن العدالة الواقعية التي ﻻ تعتمد على الشهود والبينات.
- وكما أن سليمان بن داوود (عليه السلام) فاجأ البشرية كلها، عندما بسط سلطانه على كل الكائنات، فسخر الجن والإنس، وجعل جيشاً من الوحوش، ومظلة من أجنحة الطيور المحلقة، ووضع عرشه على الريح، حتى لم يعد على الأرض إنسان يفكر إلا في تنفيذ أوامره.
- وكما أن يوسف (عليه السلام) قفز قفزته الرائعة من البئر والسجن والعبودية إلى العرش، حتى قال له أخوته الذين أرادوا به كل سوء: (تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنّا لخاطئين) [سورة يوسف: الآية 91]. وحتى قالت زليخا التي اتهمته وزجّت به في السجن: (الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ذلك ليعلم أني لم

(٤٨)

أخنه بالغيب) [سورة يوسف: الآية 51 - 52].
- وكما أن موسى بن عمران (عليه السلام) طوى تاريخ الفراعنة وجيوشهم في البحر، وأربك العالم الذي استحوذ عليه السحر بتسع آيات بينات، وبعضاه التي تلقف ما يأفكون.
- وكما أن عيسى ابن مريم (عليه السلام) فاجأ الأطباء الأفذاذ ومن ورائهم العقل البشري حتى اليوم، بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الرميم...
- وكما أن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) فاجأ المنكرين جميعاً بالقرآن، وفاجأ الجزيرة العربية بقيادته العسكرية التي صاح بها العباس أمام أبي سفيان - في فتح مكة -: ويلكم لقد جاءكم بما ﻻ قبل لكم به.
هكذا الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) يفاجئ بما ﻻ قبل للعالم به، أما تفاصيل تلك المفاجئة، فتهمه أكثر مما تهمنا، والذي كلفه بتلك المهمة العالمية الضخمة، وفّر له الوسائل المناسبة لأدائها، كما وفّر لمن سبقه من أوليائه العظام، الوسائل المناسبة، لأداء مهماتهم.
سلاح الإمام المهدي (عليه السلام):
3- يبدو من مواصفاته المنقولة إلينا، أنه يأتي بنوع جديد من السلاح، تكون لديه الأسلحة المتقدمة رمزية ﻻ جدوى منها، وأنه يأتي بنوع جديد من التكتيك تصبح التكتيكات الحديثة أمامه تقليدية ﻻ فحوى لها.

(٤٩)

ففي الأحاديث المبشرة به إشارات إلى ذلك. بمقدار ما كانت الكلمات القديمة والعقول القديمة تتحمل المضامين غير المعروفة، التي ﻻ تتحملها الكلمات والعقول المتطورة اليوم، وتبدو الإشارات واضحة رغم رمزية التعابير. إذا تأملنا النصوص التالية:
- ورد في وصف سيفه: (أنه يعرف أعداء الله فيقتلهم، ويعرف أنصار الله فيدعهم) ولعل السلاح الذي يميز بين الأفراد، فيقضي على غير المؤمن. ويترك المؤمن، ليس سيفاً، وإنما هو نوع آخر من السلاح غير الموجود حتى اليوم، ولكن ورد التعبير بالسيف، لأنه كان أبرز سلاح يقاتل به في فترة صدور الأحاديث، ولو كان المعصومون (عليهم السلام) يستخدمون غير الاسماء المعروفة، لكان الرواة يمتنعون من نقلها خشية أن تقابل بالسخرية والاستخفاف.
- وورد في وصف سيوف أنصاره: (ولهم سيوف من حديد، ﻻ كسيوفكم، إذا ضرب به أحدهم جبلاً قطّه) وظاهر أن السلاح الذي إذا ضرب به أحدهم جبلاً قطّه ليس سيفاً. وإنما سلاح آخر.
- وورد في كيفية انتصاره: (أنه إذا ظهر توقفت الأسلحة، فلم تتحرك في وجهه) ولعله إشارة إلى أنه يظهر بسلاح تكون الأسلحة الموجودة في ذلك الوقت رمزية أمامه. ولعله إشارة إلى أنه يستخدم نوعاً من السلاح يعطل كل الأسلحة الموجودة، أو يجمد كل الآليات المتحركة.
- وورد في وسائل انتصاره: (يسير أمامه الرعب مسيرة شهر) وفي نص

(٥٠)

آخر: (أنه يحكم بالرعب) و(ينصر بالرعب) وهذا النوع من التعبير يشير إلى أن سلاحه أو تكتيكه شيء جديد مخيف ينهار أمامه القادة، فلا يحسنون غير الاستسلام.
- وورد في وسائل الإعلام التي تعلن عن ظهوره: أنه في الليلة التي يظهر في صبيحتها: (يجعل النور عموداً بين الأرض والسماء. فتشرق الأرض بنور ربها كالنهار) ويعلم جميع الناس أن الكون يتمخض عن ظاهرة كبرى... وفي صبيحة تلك الليلة يهتف جبرئيل في الهواء: (ألا قد ظهر المهدي بمكة، فاتبعوه) فيسمع صوته جميع البشر. ويعلمون أن تلك الظاهرة انطلقت وستأخذ طريقها إلى الانتشار.
أما النصوص التي تقول بأنه يظهر بالسيف فقد يمكن تفسيرها بما يلي:
- إن السيف رمز السلاح، أو رمز القوة، فيكون معنى هذه الأحاديث: أنه يظهر بالسلاح، أو أنه يظهر بالقوة.
- ورد في بعض هذه الأحاديث أنه يحمل السيف، ومعنى حمله السيف أنه يختاره شعاراً، واختيار السيف شعاراً يختلف عن استخدام السيف سلاحاً وحيداً في معاركه، فاختيار النسر شعاراً لدولة، أو اختيار المنجل والمطرقة شعاراً لدولة، أو اختيار النخلة أو سنبلة القمح، ﻻ يعني أنها الوسائل الوحيدة التي تعتمد عليها الدولة وإنما ترمز إلى بعض المنطلقات الفكرية أو الحيوية للدولة.
- لعل المقصود من ظهوره بالسيف. إنه إذا أراد إعدام شخص أمر بضرب

(٥١)

عنقه، انطلاقاً من التعاليم الإسلامية، التي تأمر بإراحة الضحية وعدم تعذيبه بالوسائل المختلفة للإعدام. فيكون السيف، السلاح الذي يخيف المجرمين داخل دولته، ﻻ أنه سلاحه في معاركه وفتوحاته.
- في بعض تلك الأحاديث تصريح بأن السيف الذي يحمله، هو سيف ذو الفقار، وهو السيف الذي استخدمه جدّه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في معارك الإسلام الحاسمة، وورد أنه نزل من السماء، وأصبح فيما بعد من جملة التراث المقدس الذي توارثه الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
فربما يحمله الإمام، ليرمز إلى أنه أتى لتجديد الإسلام، ولم يأت بدين جديد - كما يحلو للبعض أن يتهمه بذلك على أثر شجبه كل الاجتهاد الباطلة.
وربما يحمله ليؤكد انتسابه إلى رسول الله. دحضاً للتهم التي تطاله في نسبه نظراً لقدم عهد أبيه وظهوره في مظهر رجل بسنّ الأربعين، ورداً للتهم التي تقول: بأنه ليس من ذرية رسول الله، نظراً لقتله أعداداً كبيرة من المجرمين زعماً منهم أن ذرية رسول الله يحاولون الابتعاد عن الخوض في الدماء حتى دماء المجرمين.
وربما يحمله تبركاً به، باعتباره السيف الذي فتح الطريق أمام الإسلام.
وربما يحمله كذكرى جده أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي كانت حياته كلها تضحيات مرة في سبيل الحق.
وربما يحمله، في جملة ما يحمله من مواريث الأنبياء، ومنها خاتم

(٥٢)

سليمان، وعصا موسى بن عمران، وتابوت بني إسرائيل، وأشياء أخرى، وذو الفقار أبرز تلك الأشياء، فيشتهر بأنه ظهر بالسيف.
فرفعه السيف شعاراً، أو حمله رمزاً، ﻻ يعني استخدامه سلاحاً وحيداً في معاركه، وإنما تشير جملة من الدلائل والقرائن على أنه يستخدم أسلحة أخرى، شديدة الفتك والتدمير، إلى درجة رهيبة، تخلع قلوب القادة العسكريين، فيستسلمون لتجاربها الأولية، ويستقبلونها بالرايات البيض.
والأسلحة المتطورة:
4- وربما يستخدم الأسلحة المتطورة الموجودة في حين ظهوره، ويحرك الجيوش المتثائبة في المعسكرات، ويكون تكتيكه سلاحه الفعّال، الذي يستولي به على القواعد العسكرية، ويعتمد في تكتيكه على عنصرين المفاجئة والسرعة - كما يظهر من بعض الأحاديث -.
فلا يشترط في الثائر الذي يخترق المغيب إلى كبد السماء، أن يكون قد حشد في مغيبة قوىً أكثر من القوى المتصارعة على الأرض، وإنما يشترط أن يملك الخطة التي بها يسيطر على قوة ضارية من تلك القوى. وكل الثائرين الذين قفزوا من تحت الأرض إلى دفة الحكم لم تكن وسيلتهم سوى خطة ناجحة.
فإذا ظهر الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) وتوافد إليه حواريوه الثلاثمائة والثلاثة عشر، والتف حوله من أنصاره الأشداء حتى زادوا على ألف رجل انطلق من مكة يبسط سلطانه على الحجاز، فأيّدته المعسكرات، وسار بها

(٥٣)

إلى الشام يحتاج سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، ثم انعطف نحو العراق فانفتح له، تتجمع لديه قوة عسكرية ضخمة، يستطيع أن يوجه فصائلها نحو الخليج وإيران والهند وأفغانستان شرقاً، وأن يوجه ما تبقى منها إلى أفريقيا غرباً، واستيلائه السريع على الحجاز وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين والعراق خلال أيام وبدون مقاومة تذكر من جهة، وخططه الجديدة المنتصرة من جهة أخرى ومفاجآته الخاطفة من جهة ثالثة، وانتصاراته المتتابعة التي ﻻ تتعثر بهزيمة من جهة رابعة، ترفع أنصاره فوق السحاب معنوياً ومادياً وتخفض بأعدائه تحت الصفر معنوياً ومادياً وتجعل منه قائداً مظفراً رهيباً تنخلع لاسمه قلوب وتطمئن إليه قلوب.
وطاقاته الروحية:
هذا إذا اكتفى باستخدام طاقاته المادية كقائد، أما إذا ضم إليها طاقاته الروحية كإمام، ووجد الناس - بالفعل - عناصر السماء وراءه، فرأوا الملائكة يقاتلون بين يديه ووجدوا الأموات قد نشروا من قبورهم يحملون أسلحتهم إلى شتى الجبهات للدفاع عنه، ووجدوا الإمام يأمر الصحراء أن تنخسف بأعدائه، فتبتلع الصحراء جيشاً كاملاً برمّته، ويأمر السحاب أن يدمدم على قوم فيمطرهم بالصواعق حتى ﻻ ينجو منهم أحد، ويأمر أسلحة أعدائه أن تكر عليهم فتعود إليهم الأسلحة التي في أيديهم حتى تبيدهم عن بكرة أبيهم.
فإذا استخدم الإمام كل صلاحياته المادية والروحية، فهل يجرؤ ملك أو رئيس أن يشهر نفسه - مهما بلغت قواته - لمقارعة قوى الأرض والسماء

(٥٤)

متكرّسة في شخص؟ وهل يوجد شعب يسمح لرئيسه أن يعرّضه لبطشة ماحقة تدعه بدءاً.
والطاقات البنّاءة:
هذا إذا اكتفى باستخدام صلاحياته الكفاحية فقط، وأما إذا ضمّ إليها طاقاته البنّاءة، ففجّر خيرات البر والبحر، واستمطر خيرات الجو، وجاء بالعلوم الكثيرة التي سيّرها الأنبياء على البشرية المنحرفة، فرفع مستوى العقول، وزكّى المواهب ونوّر الأفكار، وفك عقد الحياة، فمكّن الحضارة السعيدة التي ﻻ تكدرها المشاكل، وأعلن العدالة الشاملة التي ﻻ تلوّثها الجرائم، فمسح المتاعب عن الجباه، وكشف القلق والحيرة عن العيون، فإن شعوب العالم تتهافت عليه لتقديم ولائها إليه، وللانضمام إلى كنفه الوادع السعيد.
توقيت الظهور:
5 - إن توقيت ظهوره توقيت أكثر من دقيق وأكثر من حكيم، ومن نوع ربما لم يتفق في عمر البشرية كلها بهذا الشكل الحاسم، ولهذا يكون توقيت ظهوره وحده نصف خطته، ولهذا التوقيت أهمية فرضت انتظارها مئات السنين.
ذلك أن الناس في تأرجحهم بين الأديان والمذاهب بحثاً عن الأفضل ﻻ يعتمدون على الآخرين بمقدار ما يعتمدون على أنفسهم، ولا يعتمدون

(٥٥)

حتى على الغيب بمقدار ما يعتمدون على أنفسهم - وخاصة من أقنعتهم الديالكتيك بسقوط كل المعادلات، وأوصلتهم القيادات المصلحية والانتهازية إلى حافة اليأس من إخلاص الغير، وإلى التشكيك حتى في الشعارات المخلصة - فإذا قيل لأي فرد: إن الإسلام هو المسلك الوحيد إلى السعادة الفاضلة في الدنيا والآخرة، قد يعترف به لياقة للمجتمع الذي يتظاهر مثله بالإسلام، أو مجاملةً للقائل: أو تقليداً ورثه مع ما ورثه من آبائه من التقاليد وبنى عليها تشريفاته الاجتماعية.
ولكنه ﻻ يؤمن به، إيمانه بالضوء الأحمر الذي يوقف سيارته على مفترق الطريق، أو إيمانه بختم موظف الجمرك الذي يسمح له بتجاوز الحدود، أو إيمانه بالأوراق النقدية التي يتعامل بها على ما يختار من بضائع وخدمات. فهو يؤمن بالإسلام بمقدار ما دخل في القانون والسياسة والاجتماعيات والكماليات، ولا يؤمن به كقانون يفرض نفسه بقوة البوليس، ولا يؤمن به كسياسة تضمن له مستقبلاً لامعاً.
كنتيجة طبيعية لهذه الازدواجية الناتجة من الاسترخاء الإيماني، تزعجه الحدود الإسلامية التي تمنعه من الاقتحام في بعض المغريات، ولا يجد إيجابيات الإسلام، فلا يشعر بالطمأنينة التي تركّز نزاوته وهواجسه على مطامح مشروعة، ولا يلمس السعادة التي يشيعها الإيمان حول المؤمن، ولا يتضح أمامه الخط الأفضل الذي يهدي إليه الإسلام، لأن البناء الناقص

(٥٦)

أطلال ومواد تثقل ولا تنتج.
ولهذا فالمسلم الناقص الإسلام - وأكثر المسلمين اليوم ناقصو الإسلام - يقبل الإسلام على تذمر، وهذا التذمر يأخذ أبعاده من خلال تساؤلات مصدرها معاناة، ومن خلال شبهات قواعدها محاولات للبحث عن أعذار تصونه عن لوم المجتمع إذا تحلل من مظهر الإسلام، ومن خلال انتقادات يوجهها إلى أبيه وأمه وسائر المؤمنين الملتزمين الذين يصمهم بالقشريين والمتزمتين والمتطرفين. وقد يعلن هذا التذمر، إذا التقفته كتلة تشجعه أو بديل يعتمد عليه.
ولكنه على العموم، يجب أن يحافظ على الإسلام، كمظهر من المظاهر الاجتماعية، طالما ﻻ يكلفه عناءً، فإذا اصطدم بشيء من مصالحه، أو رفع إلى أزمة عاصفة، بادر إلى التحلل منه بلا تردد، وكأنه ﻻ عهد له به.
ويبدو أن هذه الظاهرة كانت تمسح المجتمع في عهد الحسين (عليه السلام)، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء، قلّ الديّانون).
وبما أن البدائل التي طرحت مقابل الإسلام كثيرة من داخل الأمة الإسلامية وخارجها، ابتداءً من عهد الفتوحات الإسلامية التي اعتمدت السيف - ﻻ الإيمان - مدخلاً إلى الإسلام، حيث تقمصت الفلسفة اليونانية أزيائها المناسبة للتغلغل والدس في الأمة، ومروراً بعهودنا التي تسترت فيها

(٥٧)

الديالكتيك ببراقعها المتنوعة لأداء ذات الدور، وانتهاءً بعهد - ما قبل الظهور - الذي تأخذ فيه الفسفات البشرية أقنعتها وواجهاتها المشكلة للقيام بمهمة تمزيق الأمة من داخلها، وبالفعل أدت إلى انشقاق الأمة طوائف وفرقاً تنبأ الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بأمهاتها يوم قال: (... وستفترق أمتي بعدي ثلاثاً وسبعين فرقة...)... وأما البدائل التي من خارج الأمة في صيغ أديان وفلسفات سابقاً. وفي صيغ أحزاب ومبادئ حالياً، فإحصاؤها يحتاج إلى قاموس يسع مجلدات.
البشر في كل الاتجاهات:
- وبما أن البشر يعتمد على تجربته الشخصية أكثر مما يعتمد على تجربة غيره، وحتى أكثر مما يعتمد على الغيب - إذا كان مؤمناً به -.
- وبما أن لكل جديد وهجاً يغري، وكيل الوعود جزافاً سهل، والغريق يبحث عن أي يد تمد إليه.
- وبما أن البشر - ﻻ زال - يعتقد بأنه قادر على استيعاب الحياة، وعلى وضع أفضل الخطط التي تسعده عبر الحياة وتستنفد أهدافه فيها، وعلى قيادة نفسه بنفسه في معزل عن السماء.
بذلك كله، اندفع في كل اتجاه من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، يلبي كل نداء، ويتحرك مع أية ريح كما أتقن وصفه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (... وهمج رعاع. أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، ﻻ يلجئون إلى ركن

(٥٨)

وثيق، ولا يستضيئون بنور العلم..). فكانت حصيلته تناقضات عشوائية، الناجح فيها هو الأقوى في النطاح، والفاشل فيها من له أدنى تروٍّ وأناة، وضياع في خطوط متحركة ودوامات تدوخ وتبتلع، وتضحيات هائلة في الأرواح والأعصاب والأفكار، يتبعها تخلف وقنوط.
وهذه الرحلة: رحلة التجربة التي بدأتها الأمة - بعد فترة وجيزة من تكوّنها - عبر الأديان والفلسفات والأحزاب والمبادئ، بحثاً عن الأفضل، بعد انحرافها عن دينها الحق، على إثر عوامل كثيرة أهمها:
- اتجاهها إلى قيادة مفروضة عليها، ومحسوبة عليها، واضطهادها قادتها السماويين.
- وعدم استيعابها دينها الحق، نتيجة لانجراف عديد من الرواة والمحدثين الذين ائتمنوا على سنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في تيار تلك القيادة المفروضة المحسوسة على الأمة.
على أثر ذلك أصيبت الأمة، وأصيب البشرية. أصيبت الأمة بإصابتين:
- أصيبت الأمة في ذاتها كخير أمة أخرجت للناس، يفترض فيها أن تكون أكثر الأمم مناعة وسعادة، فكانت أكثر الأمم تمزقاً وشقاءً، كما تنبأ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) حين قال: (تتداعى عليكم الأمم كتداعي الأكلة على قصعتها...)، (... تأتيكم الفتن كقطع الليل المظلم... تدع الحليم حيران...) (... قالوا: أوَ عن قلة فينا يا رسول الله؟ قال: كلا، ولكن غثاء كغثاء السيل).

(٥٩)

- وأصيبت الأمة في مركزها، كأمة مرشحة لقيادة البشرية جمعاء، فلم تكن أمة قائدة لبقية الأمم، ولم تكن أمة قائدة لأمة أخرى تقودها إلى الخير أو إلى ما يمكن أن يسمى خيراً، وإنما كبقرة حلوب تحلب ولا تسمن، أو كما في بعض الحديث: (.. غرضاً يرمى...).
وأصيبت البشرية بإصابة واحدة:
أصيبت البشرية في قيادتها الروحية، فخسرت القيادة التي تبشرها بحضارة الروح، وتضمها إلى حضارة المادة، ووجد في ظل تفاعل هاتين الحضارتين مجتمعاً إنسانياً غنياً بمعطيات تلبي كل نداءات الإنسان، وتدفع عجلة التطور إلى الأمام بمحركين. فبقيت البشرية - بما فيها الأمة الإسلامية - تعاني صراعاً داخلياً حاداً بين العقل والضمير الأخلاقي من جهة، وبين الغرائز من جهة. والعقل معصوم ﻻ يتلوث بالشذوذ، فهو رسول من رسولي الله إلى الإنسان كما في الحديث: (إن لله على الناس حجتين: رسول باطن هو العقل، وعقل ظاهر هو الرسول). والضمير الأخلاقي حرّ شجاع ﻻ يصمت ولا يتلعثم، فهو محكمة الله في داخل الإنسان، المعبّر عنه في منطق القرآن (بالنفس اللوّامة) [سورة القيامة: الآية 2]. (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) [سورة القيامة: الآية 15].

(٦٠)

إلا أن العقل والضمير ﻻ يكفيان لقيادة الإنسان فالعقل، وإن كان قوي الحجة، واضح الصوت، إلا أنه يشبه رجل الدين الحصيف الجليل، الذي يعترف به الجميع. ولا ينفذون كلمته. لأنه غير مسلح بالإرهاب والإغراء.
والضمير الأخلاقي، وإن كانت محكمته مستمرة طول العمر، وصوته جهوري يعكره سعادة من يخالفه نهاراً ويؤرقه ليلاً، إلا أنها تشبه المحاكم العائلية، التي تصدر أحكاماً خلقية للتنبيه، أو تصدر أحكاماً قضائية مع وقف التنفيذ. والإنسان ﻻ يخضع إلا للقوة المنفّذة.
بينما الغرائز تشبه عصابة مغامرة من الشباب الأقوياء، التي ﻻ تتورع عن شيء في سبيل مآربها، فيجتاح منطق العقل والضمير الأخلاقي، بغرورها العنيف. وربما تسخر العقل من أجل التخطيط لمآربها بالعنف، كما قد تسخر العصابات الشريرة، الخبرات الخيرة لجرائمها تحت التهديد بالقوة.
إذن فالعقل والضمير الأخلاقي ﻻ يكفيان لتوجيه الإنسان وقيادة غرائزه، ولذلك كان العقل والضمير الأخلاقي يستغيثان السماء دائماً، لإمدادهما بالرسل.
الإنسان في التجارب المرة:
والإنسان طالما آمن بنفسه في ظل فكرة الديموقراطية التي تجعل الشعب صنماً يعبد من دون الله. وكالما اقتنع بأنه يستطيع قيادة نفسه بدون مدد من

(٦١)

السماء. وطالما بدأ رحلته التجريبية عبر الأديان والمذاهب والمبادئ والأحزاب وسائر ما قد يطرحه الفكر البشري للتجربة. وكلما استغنى بالقيادات البشرية التي يختارها بخبراته، عن القيادات الإنسانية التي تختارها السماء، فعليه أن يكمل الرحلة حتى نهاية المطاف، وأن يجرب كل ما ينتجه الفكر البشري من طرائق ومناهج، وأن يختبر كل أنواع القيادات الفردية والجماعية، وأن يمتحن قدراته من خلال آلاف التجارب والاختبارات التي يمارسها على مختلف الشعوب في شتى جنبات الأرض.
حتى إذا فشلت تجاربه كافة، وأفلست قياداته جمعاء، فوجد المجاعات تكتسح الجماعات كما تكتسح رياح الخريف أوراق الشجر، ورأى البؤس والشقاء والكآبة في كل الوجوه... عند ذلك يبلغ به اليأس من نفسه مبلغ القنوط، يكفر بكل شيء اسمه فكرة ومبدأ... ويلعن كل شيء اسمه قيادة وقائد... ويحارب كل ما يعبّر عن تأليه الشعب وعصمته... فتنهار الأنظمة والحكومات. وتتخلى الأجهزة الرسمية والهيئات الدولية، وتتفكك الجيوش والتكتلات فيتسابق الأقوياء لنهب الضعفاء ويستأسد الضعفاء للدفاع عن أنفسهم وصيانة حقوقهم، فليجأ كل إلى سلاحه، ولا يطمئن أحد إلى كفاحه، فتعم الفوضى مسلحة بالعلم والآلة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية. فتعود البشرية كلها

(٦٢)

أيد ترفع إلى السماء، وتنقلب الأنفاس دعوات تتسابق إلى الله، وتغدو النظرات توقعات ترقب الأفق البعيد، بانتظار تفجير المعجزة، وإظهار المصلح الموعود، فحينئذ يظهر الإمام المنتظر، ليجد الناس يرددون كلمته قبل أن يقولها هو، ويقضون على من يريدون مقاومته قبل أن يقضي عليهم هو، فيمشي على الحرير بلا عثرات.
الاعتراف بالعجز:
6- إن العقل إذا فقد المدد الخارجي، واستفردته الغرائز، يعجز عن مقاومتها، فلا يستطيع الهيمنة على الفرد، وإذا عجز عن بناء شخصية الفرد، ﻻ يستطيع تكوين جبهة تهيئ المناخ المناسب لمن يريد الانضمام إليها، مقابل جبهة الغرائز التي تهيئ المناخ المناسب لمن يريد الانضمام إليها.
ومهمة الأنبياء - في مجال المجتمع - تتلخص في إمداد العقل، لتكوين جبهة، تهيئ المناخ المناسب لمن يريد الانضمام إليها، حتى يجد كل فرد نفسه أمام طريقين، ومردداً بين خيارين كما يقول القرآن الكريم: (وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة) [سورة البلد: الآية 11]. وأما أولئك الذين وهبهم الله عقولاً وإرادات جبّارة، يستطيعون بها أن يمارسوا الإيمان عقيدة وحياةً في المناخ المضاد، فهم ليسوا من مصاف البشر العادي، وإنما هم من مصاف الأنبياء، واعتبرهم النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) إخوانه في الحديث المعروف الذي قال فيه: (آه، شوقاً إلى

(٦٣)

إخواني...).
فإذا لم يستقبل العقل مدد السماء، وفقد سلطانه لتقنين الغرائز، فإنها ستتمرد عليه تدريجاً، وتستخدمه لأغراضها، والعقل ﻻ يكف عن إطلاق نداءاته، فإنه يستخدم رغم نداءاته وضد أهدافه، فالمجرمون المحترفون - جميعاً - يستخدمون عقولهم في التخطيط لجرائمهم - وسواء أسميناه عقلاً أو فكراً، فالنتيجة واحدة -.
وإذا تنكرت الغرائز للعقل، فإنها تسعى لتقنينه، وتأخذ في النمو بشكل تصاعدي حتى تغطي ظاهرة الحياة الفردية والاجتماعية - كأي نبات تحرر من ضوابطه، وكأي حيوان فقد ضوابطه، وكأي فرد من البشر استطاع التمرد على ضوابطه -.
وعندئذ، تبدأ الغرائز بالخروج من الأطر التي يرسمها لها العقل، وتعمل لتبرير هذا الخروج، وإسباغ الشرعية عليه، بسنّ القوانين التي تصدر لتبريرها أكثر مما تعمل لتحديدها، وما أسهل إسباغ الشرعية على نزوات الغرائز، طالما القوانين تصدر عن مجموعة من نفس البشر الذي أطلق غرائزه، فلا يبقى شيء من المعاصي إلا ويبرره القانون بشكل من الأشكال، وإذا كانت المعاصي كلها شذوذاً، فالمجتمع الذي ينخر فيه الشذوذ ﻻ بد أن ينتهي بالانهيار.
ولنأخذ مثلاً لذلك، غريزة حب السلطة والاستعلاء، هذه غريزة كبحها

(٦٤)

العقل القرآني بإعلان غلق أبواب السماء في وجهه من يمارسها: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين ﻻ يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين) [سورة القصص: الآية 83]. ومعلوم أن هذه الآية ﻻ تلغي هذه الغريزة في المجتمع، ولكن شتان بين أن تمارس علناً، وبين أن تموه في أهداف مشروعة، حذراً من أن يكتشفها المجتمع، فتأتي النتائج عكسية.
ثم جاءت وبرزت هذه الغريزة في أساليب الاعتراف بحب الاستعلاء الثورية والانتخابية، والحزبية، وغيرها. فانطلق أصحاب هذه الغريزة لممارستها بلا قناع، وإذا كانت هذه الغريزة ﻻ تقف عن حدّ، وإذا كان أصحابها كثيرون، وإذا كانت المجالات التي يمكن التزاحم عليها محدودة، فمن الطبيعي أن ينقلب مفهوم (تعاون البقاء) الإنساني النبيل إلى (تنازع البقاء) الوحشي الرخيص.
وبمقتضى مشروعية (تنازع البقاء) يسعى الأفراد من داخل الأسرة الواحدة، إلى تحشيد ما يمكن تحشيده من أفراد وأشياء، لممارسة (تنازع البقاء) على أي شيء يمكن التنافس عليه.
وبمقتضى مشروعية (تنازع البقاء) يبقى الحق دائماً مع الأقوى، لمجرد أنه أقوى، فالناجح في ممارسة حق (تنازع البقاء) المشروع، عظيم تظفر لمفرقه أكاليل الغار، وليس جانياً يعاب أو يلام.

(٦٥)

وهكذا تتكون التكتلات المسلحة بالأسلحة المناسبة لكل مرحلة، ابتداءً من الأشقاء في الأسرة الواحدة، ومروراً بالمدرسة والسوق والشارع، والدوائر الانتخابية، والمجالس الرسمية، والمحافل الدولية، والدول الكبيرة، ثم تشتعل بينها الحروب المشروعة - حسب المبدأ المذكور بأشكالها المختلفة.
وإذا كانت الثروات الطبيعية والعلوم الحديثة، ومبدأ (سباق التسلح) مكنت الدول الكبار من إعداد معدات عسكرية تكفي لإبادة الحياة على وجه الأرض ملايين المرات. وإذا كان تجويع شعوب العالم لأجل التوفير على المعدات العسكرية مشروعاً حسب مبدأ (تنازع البقاء) وطبق القوانين الصادرة من المجالس - ذات الصلاحية - وإذا كان تحريك هذه المعدات لتدمير الحياة على الأرض - أيضاً - مشروعاً اتخذ بشأنه قرار الدول الكبار وفق معادلات معينة وبأسباب معينة، وإذا كانت مطامع الدول الصناعية القوية تدفعها إلى احتلال الدول الغنية بالمنتجات الأولية وفق مبدأ (تنازع البقاء) فمن الطبيعي جداً أن يأتي الوقت الذي يتحرك فيه جنون بعض قادة العالم - على إثر عصرات قوية - فتنطلق فيه جميع المعدات العسكرية للانقضاض على بعضها - اتباعاً لفكرة الضربة القاضية - فتشتعل المدن الكبار، لتتحول خلال دقائق إلى محارق لعشرات الملايين من البشر، وتنتشر في الأجواء سحب ذرية بحثاً عن بقايا البشر، لإصابتها بالعاهدات المخيفة فتنفرط الحكومات وأجهزة الأمن والشرطة، ولا يبقى إنسان قادر

(٦٦)

على الحركة إلا ويكون مذعوراً قلقاً معطل المشاعر، ﻻ يدري أيبكي أقربائه الذين ماتوا قتلاً أو حرقاً؟ أم يواسي الآخرين الذين جرحوا وتشوهوا؟ أم يحمي نفسه من الغارات والمخاوف المتوقعة؟ أم يبحث عن القوت والسلاح والمال والمكان وسائر الأشياء التي قد تمد في حياته؟؟
هكذا يفقد كل إنسان توازنه، وتتفاعل فيه المخاوف والمطامع، عالماً بأن أجهزة الحكومات قد تعطلت فلا يحميه إلا نفسه، ولا يعاقبه إلا ندّه، فيتحرك عشوائياً يقتل وينهب ويغتصب ويدمّر، طاغياً خائفاً، فيسود القطاعات البشرية المتبقية طوفان عارم من القلق والفوضى، ويصبح كل فرد ظالماً أو مظلوماً، أو ظالماً ومظلوماً في آن واحد.
في مثل هذه الأوضاع الموحشة القلقة التي قضت على ثلثي البشر، وبقي الثلث الآخر بين الأنقاض والأشلاء والرماد يعاني الموت بالتقسيط، ينطلق صوت العدالة والسعادة فتمتصه المشاعر قبل الآذان، وتصفق له القلوب قبل الأكف.
والناس إذا أصيبوا يبحثون عن الملجأ مهما كان، فكيف إذا كانت الإصابة رهيبة كتلك والملجأ وديعاً مثل هذا؟
في حين الظهور:
7- إن الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) عندما يظهر بفتح طريقه بقوة السلاح من الحجاز عبر سوريا والأردن إلى فلسطين، وهناك يذهب إلى بيت المقدس لأداء الصلاة، وحينما يتقدم الصفوف ويهم بتكبيرة الإحرام، ينزل

(٦٧)

المسيح (عليه السلام) من السماء الرابعة إلى بيت المقدس، فيتراجع الإمام المهدي (عليه السلام) من المحراب ويقول للمسيح: (تقدم فصلِّ بنا يا روح الله) فيأخذ المسيح (عليه السلام) بعضد الإمام المهدي (عليه السلام) ويعيده إلى المحراب، ويقول له: (بك تقام الصلاة) فيتقدم الإمام المهدي ويقتدي به المسيح، وعندما يرى المسيحيون أن المسيح يصلى خلف المهدي يؤمنون به بلا قتال.
والمسيحيون - اليوم - يشكلون الأكثرية الساحقة في الدول الكبار، فإذا استسلمت له الدول الكبار، فإن بقية الدول تعلن ولاءها له رغباً ورهباً.
ونحن نرى - في أيامنا هذه - أنه ﻻ يظهر ثائر، إلا ويشغل كل الدوائر السياسية في العالم، ويضع كل أفراد شعبه أيديهم على قلوبهم خشية بطشه، رغم أن الثائر ليس إلا رجلاً عسكرياً استخدم تكتيكاً معيناً للسيطرة على عاصمة بلاده، ورغم أن الناس تعودوا أن يستفيقوا على الثورات، وعرفوا حدود الثورات، ووجدوا أن الثائر صبيحة ثورته أكثر الناس فزعاً من المعاكسات، فيبادر إلى غلق الحدود مع جيرانه، والمفاوضة مع السفارات المعتمدة في بلاده، والمعسكرات النائية، وربما يتنازل لها عن كثير من كرامته وكرامة بلاده، للاطمئنان على حياته. فكيف إذا ظهر قائد فتح مجموعة من البلاد وأسقط عدة حكومات، واستسلمت له الدول الكبار خلال أيام؟
الولاية التكوينية للإمام (عليه السلام):
8- في الأحاديث المنقولة بهذا الخصوص دلالات واضحة على أنه

(٦٨)

يستخدم ولايته التكوينية لبسط سلطانه على الأرض، فهو وعد الله الذي ورد في القرآن: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني ﻻ يشركون بشي شيئاً...). فإذا شاء الله أن يمكّنه في الأرض كما مكّن سليمان ويوسف (عليهما السلام)، فإن الأمر لا يحتاج إلى أن نجهد نحن للتعرف على كيفية انتصاره.
نشر العدل العام:
9- بالإضافة إلى أنه يطمئن الناس إلى عدالة قضيته، عن طريق المعجزات التي تحفّ بحركته، وعن طريق إظهاره مواريث الأنبياء، وإذا اطمأن الناس إلى عدالة شخص أسرعوا إلى التجاوب معه. والناس دائماً يلتفون حول من يحسن رفع شعار الحق وإن كان مبطناً بالباطل، فكيف إذا اطمأنوا إلى شخص أنه حق ﻻ يشوبه باطل.
ظاهرة التشكيك في حياته (عليه السلام):
- الظاهرة الثالثة، وهي ظاهرة التشكيك في حياته حتى الآن...
ويمكن مناقشة هذه الظاهرة علمياً ودينياً.
تفنيد التشكيك علميّاً:
1- أما مناقشته علمياً فكما يلي:
الأول: إن التفوّق موجود في جميع الموجودات، ابتداءً بالجمادات

(٦٩)

والنباتات وانتهاءً بالحيوان والإنسان، وذلك على إثر تغيير بسيط في التركيب الكيمياوي أو الفسيولوجي... ففي الأجرام الفضائية توجد نجوم تفوق جميع النجوم في حجمها وكهربتها وعمرها نتيجة لتوفر مواد فيها غير متوفرة في بقية الأجرام الفضائية. وفي النباتات تظهر نباتات متفوقة في الحجم والفاعلية، وهكذا في الحيوان والإنسان. والعاديات تشكل طبقة مألوفة، ثم ترتفع فوقها طبقة المتفوقات، التي تعلو عليها جميعاً قمة المتفوقات، وتكون خارجة على المألوف وخارقة للعادة بفاصل كبير، وإذا كان لكل فصيل من الكائنات متفوق يظهر في زمان، فماذا يمنع أن يكون الإمام المنتظر قمة العمرين، وظهر في هذا الزمان لفارق في تركيبه الجسماني.
ولا نريد أن نملأ الصفحات بذكر النماذج المتفوقة، فإن دراسة لعلوم الطبيعيات تشهد بوجود التفوق في جميع المخلوقات.
الثاني: إن العلم ﻻ يستطيع أن ينفي شيئاً، لأنه ليس إرادة تفرض على الكائنات، وتحدد مسارها، وإنما هو انطباع حاصل من استقراء بعض الكائنات، وليس حاصلاً عن استقصائها جمعاء، لأن البشر وإن استطاع استقصاء جميع المصاديق المعاصرة من فصيل مطروح للدرس، فإنه ﻻ يستطيع استيعاب الزمان حتى يستقصي جميع المصاديق، فيأخذ عنها انطباعاً مطمئناً إلى اعتماده على الاستقصاء، واستقراء بعض المصاديق يولد انطباعاً يصلح لتوسيع (أرشيف المعلومات) ولا يولد قاعدة ثابتة يمكن

(٧٠)

الاعتماد عليها للحكم على ما لم يتم استقراؤه من المصاديق. وقد ثبت في (علم المنطق): (أن الجزئي ﻻ يكون كاسباً ولا مكتسباً) ويعني بالجزئي كل استقراء لم يستوعب الكل ولو بانفلات مصداق واحد.
لذلك يبقى العلم التجريبي في نطاق (النظرية) أو (الانطباع) الذي يصلح لإعطاء فكرة عن الفصائل المدروسة، ولا يصلح قاعدة لمعرفة كل مصاديق هذه الفصائل، فلهذا نجد الكائنات تواصل تطورها وتوالدها، ونجد العلماء يسيرون خلفها لالتقاط مزيد من الصور. لتوسيع أرشيف معلوماتهم، وهم يغيّرون معلوماتهم كلما وجدوا نموذجاً يختلف عن النماذج المعروفة.
- مثلاً كانوا يقولون بوحدة أصل الأنواع، وبأن القرد أصل الإنسان، ثم غيّروا معلوماتهم بهذا الخصوص.
- وغيروا معلوماتهم حتى الآن عدة مرات في تحديد تاريخ الإنسان على الأرض.
- وغيروا معلوماتهم في طريقة تكوّن الأرض، وفي المواد التي يتكون منها النفط. وغيروا معلوماتهم بالنسبة إلى أشياء كثيرة فيما يتصل بالأجرام الكونية، والشهب والزلازل، والمعادن، وعدد العناصر الأولية للكون، والطب وغيرها... حتى أصبح تغيير المعلومات شيئاً سهلاً ومألوفاً ﻻ يفاجئ أحداً ولا يعاب عليه أحد، فما من كشف جديد إلا ويساوي تغيير سلسلة من المعلومات:
والعلماء يرون اليوم أن تركيبة جسم البشر المعروف حالياً ﻻ يتحمل البقاء

(٧١)

طويلاً، وهم يبحثون عما يساعده على البقاء لفترة أطول. وهذا يعني عدم استحالة البقاء الطويل، كما يعني أنهم يتوقعون العثور على وسيلة للبقاء الطويل، فلا مفاجئة إذا عرفوا شخصاً عثر على تلك الوسيلة وجربها في نفسه.
الثالث: لقد توصل علم الطب إلى أن الجسم البشري صالح للبقاء الطويل إذا لم يتعرض لنكسات صحية، ذلك أن الجسم مركب من خلايا عادية وخلايا نبيلة، فالخلايا العادية، وإن كانت تستهلك بسرعة على أثر الفعاليات العضلية، إلا أن الجسم مزود بأجهزة لتوليد كل أنواع الخلايا العادية التي يحتاجها الجسم. والخلايا النبيلة وإن كان عددها معيّناً منذ الولادة، ولا يوجد في الجسم جهاز لتوليد بدل ما يتحلل منها، إلا أنها قوية وصالحة للقاء الطويل إن لم تتعرض لصدمات.
صحيح أن الإنسان قد يولد وهو يحمل في داخله آفات تفتك به من الداخل باستمرار، وصحيح أن البيئة المعاصرة ملوّثة تحرم جسم الإنسان من الظروف الصحية الملائمة، ولكن هذا ﻻ يعني أنه ﻻ يمكن لأي إنسان أن يتخلص منها، فإذا ولد إنسان سليماً من الآفات الداخلية، وتخلص من البيئة الملوثة، فالمفروض أن يعمر طويلاً.

والإمام المنتظر أحيط بظروف صحية من قبل ميلاده، لأن والده الامام الحسن العسكري (عليه السلام) كان يعلم أن عليه أن يؤهله للغيبة الطويلة، وهو خرج من البيئة الملوثة إلى (الجزيرة الخضراء) منذ صباه الباكر، وعلمه الواسع كإمام يسهل عليه إيجاد الظروف الملائمة،

(٧٢)

وتجنب ما يؤثر على طول العمر، فالمفروض أن يعمر طويلاً.
الرابع: إن تجارب التحنيط أثبتت أن الجسم البشري قابل لمقاومة الزمان مدى السنين، بمسحة بسيطة من مواد كيماوية اسمها (المومياء) وخلايا جسم الميت - رغم عدم تجددها - إذا كانت صالحة للبقاء، فهل تكون خلايا جسم الحيّ - مع تجددها - غير صالحة للبقاء، غير أن البشر استطاع أن يعرف وسيلة لحفظ جسم الميت ولم يستطع أن يعرف وسيلة لحفظ جسم الحيّ، ولكن نجاح التحنيط ألقى الضوء الأخضر على طريق البقاء.
الخامس: إن التشكيك في طول عمر الإمام المنتظر ناتج من (استبعاد) أن يعيش إنسان أكثر من ألف عام في الوقت الذي ﻻ يعيش الناس - غالباً - مائة عام، و(الاستبعاد) ليس دليلاً علمياً، فكل علماء الأمس كانوا يقولون: (استبعاد) أو (استحالة) جميع حصائل العلم الحديث اليوم، وكل علماء اليوم يقولون: (استبعاد) أو (استحالة) أشياء ستحقق في الغد. فـ (الاستبعاد) ليس دليلاً يمكن الاعتماد عليه لنفي شيء.
تفنيد التشكيك دينياً:
2- وأما مناقشته دينياً فكما يلي:
الأول: تقول المصادر الدينية بأن العديدين من البشر عاشوا طويلاً، فالنبي نوح كانت فترة رسالته قبل الطوفان تسعمائة وخمسين سنة كما يقول القرآن الكريم: (فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان)(4)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) سورة العنكبوت: الآية 14.

(٧٣)

وحياة نوح وسعت ثلاث مراحل، المرحلة الأولى، تبدأ بميلاده وتنتهي ببعثته رسولاً إلى قومه. المرحلة الثانية، تبدأ ببعثته رسولاً إلى قومه وتنتهي بالطوفان، المرحلة الثالثة تبدأ بالطوفان وتنتهي بوفاته. وفي بعض الحديث أن مجموع حياته بلغت ألفين وخمسمائة سنة(5).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) وهنا يحاول البعض التخلص من دلالات القرآن والتاريخ على أن الإنسان قد يعيش طويلاً، فيقول: (إن العرب في الجاهلية لم يكونوا يعرفون السنين والحساب، ولم يكونوا يفهمون من الظاهر الكونية سوى القمر، فكانوا يحسبون به الأيام، فكان الشهر عندهم سنة، فإذا قالوا خمسين سنة - مثلاً - عنوا خمسين شهراً).
ويمكن الإجابة على هذا القول:
أولاً: إن العرب في الجاهلية لم يكونوا بهذا المستوى.
ثانياً: إن التعبير بالسنة لم يكن مختصاً بالعرب، فكل الناس كانوا يضبطون أعمارهم وأعمالهم بالسنة كما كانوا يضبطونها بالشهر وبالأسبوع وباليوم وبالساعة.
ثالثاً: إن صح هذا القول فعلينا أن نعدل جميع التواريخ، فكلما وردت كلمة (سنة) نبدلها بكلمة (شهر).
رابعاً: علينا بعد ذلك أن نُخطّئ كل التواريخ، لأنها تقول - مثلاً -: فلان عاش سبعين سنة، وتزوج (كذا) من النساء ورزق (كذا) ولداً، وفتح (كذا) بلداً، مما ﻻ يمكن أن يقوم به طفل كل عمره أقل من ست سنوات.
خامساً: إن النصوص الإسلامية التي تحدد أعمار نوح وخضر وإلياس و... نصوص لم تصدر في الجاهلية، وإنما صدرت في الإسلام.
سادساً: إن القرآن بنفسه يتولى تحديد مفهوم السنة في كل الشرائع، فيركز على أن السنة تهني اثني عشر شهراً في كل الديانات، لأن الله قررها هكذا منذ الأزل، فيقول: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم...) [سورة التوبة: الآية 36]. ولا يمكن أن يعلن القرآن هذا القرار بمثل هذا الزخم، ثم يخرج القرآن ذاته على هذا القرار فيستخدم المفهوم الجاهلي للسنة.

(٧٤)

والحضر وإلياس كانا من قبل موسى بن عمران، ولا زالا حيين يرزقان. وعيسى ابن مريم ولد قبل حوالي ألفي سنة وعاش إلى اليوم، ولن يموت قبل أن ينزل من السماء، ويوجّه المسيحيين إلى الدين الحق، كما يقول القرآن: (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً) [سورة النساء: الآية 159](6). والأعور الدجال كان قبل أيام النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ولا زال حياً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) قد يناقش في ذكر عيسى ابن مريم مع بقية العمرين، بأنه يعيش في السماء، فهو خارج عن نطاق هذا البحث، الذي يدرس حدود حياة إنسان الأرض، ولا يحاول دراسة حدود حياة إنسان السماء التي قد تكون حياة روحية أشبه بحياة الملائكة.
وقد نجيب على هذه المناقشة بما يلي:
الأول: صحيح أن الحديث مكرس لمعرفة دود حياة إنسان الأرض، ولكن عيسى ابن مريم إنسان الأرض، وقد عاش فترة من عمره على الأرض، وسيعيش فترة أخرى من عمره على الأرض، وبين هاتين الفترتين يمضي فترة من عمره في السماء وهذا ﻻ يخرجه من نطاق إنسان الأرض.
الثاني: إن أرضنا هذه وكل الأجرام السابحة في الفضاء وكل السماوات داخلة في نطاق الدنيا، فعالم الأرض وعالم السماء عالم واحد، ولعل مقاييس الجسم البشري فيهما واحدة.
الثالث: إن عيسى ابن مريم يعيش الآن في السماء مجسمة الترابي، ولا يعيش بروحه عيشة روحية كالملائكة، وحينما يرجع من السماء إلى الأرض يرجع بجسمه الترابي، وتأكيد القرآن على أن لم يقتل ولم يصلب، للدلالة على أن الله رفعه إليه بجسمه الترابي، وإلا لم تكن مزية لعيسى ابن مريم على غيره، فكل الأموات يرفعون بأرواحهم إلى الله.

(٧٥)

وسيبقي حتى يقتل بيد عيسى ابن مريم عند ظهور الإمام المنتظر، وعوج بن عناق - سبط آدم - عاش ثلاثة آلاف سنة حتى قتله موسى بن عمران. حسب النصوص الواردة في شأنه.
وإذا عاش غير الإمام المنتظر طويلاً فماذا يمنع أن يعيش الإمام المنتظر طويلاً، وهو لم يبلغ حتى الآن من العمر ما بلغه أولئك.
سؤال: إذا كان الإنسان القديم يعيش طويلاً، فلأن معدل الأجسام والأعمار لكل الكائنات الأرضية كان أعلى نتيجة لفتوّة الأرض وقوة حرارتها الباطنية، أما في هذه الفترة من عمر الأرض، التي انخفضت فيها حرارة الأرض الباطنية، وبالتبع انخفضت معدل جميع الكائنات الأرضية فلا يمكن لإنسان أن يعيش أطول من المعدل بكثير.
جواب: أولاً: صحيح أن نسبة الحرارة الباطنية للأرض تنعكس على معدلات الكائنات الأرضية، ولكنها ليست السبب الوحيد لتحديد تلك المعدلات،

(٧٦)

فالتركيبات الكيمياوية هي التي تقرر المعدلات، وحرارة الأرض تساهم في تقرير المعدلات عن طريق انعكاسها على التركيبات الكيمياوية، فإذا أمكن التوفير على تلك التركيبات ارتفعت المعدلات حتى مع انخفاض حرارة الأرض، وإذا حدث التهريب لنسبة معينة من تلك المركبات انخفضت المعدلات حتى مع ارتفاع حرارة الأرض.
ومن هنا تسود الأوساط العلمية فكرة تسميد الكائنات النباتية والحيوانية بالمواد الكيمياوية لتصعيد معدلاتها.
ثانياً: إن أكثر المعمرين الذين ذكرناهم ﻻ يعتبرون من الإنسان القديم، لأنهم لازالوا أحياء حتى اليوم، كالخضر وإلياس والمسيح والدجال.
الثاني: تؤكد النصوص المبشرة بالإمام المنتظر، على أنه هو المهدي بن الحسن العسكري بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأنه هو الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن تملأ ظلماً وجوراً، وقد وردت بشأنه تلويحات سماوية في الكتب المقدسة، وتصريحات نبوية عن جميع الطرق الإسلامية، والنصوص التي تصرح باستمرار حياته حتى يظهر ويظهر الله به دينه على الدين كله مستفيضة إن لم تكن متواترة.
والأحاديث التي وصلتنا عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حول المهدي المنتظر. ونسبه ومواصفاته النفسية والجسدية. تتجاوز ألف حديث (نذكر في هذا الكتاب

(٧٧)

قسماً منها) وردت بجميع الطرق الإسلامية وتتواجد في كافة الصحاح والمجاميع المعتبرة، وبأسانيد فيها مجموعة موثقة لدى جميع المسلمين.
وهل باستطاعة مسلم أن يجد هذا الحشد الكبير من الأحاديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ثم ينكر محتواها؟ مع العلم بأن المسلمين يأخذون بالخبر الواحد. وبالسند الواحد إذا كان موثقاً.
الثالث: إن الناس - عادة - إذا وثقوا بشخص أو بمصدره يقبلون كل ما يصلهم منه ويخطئون أنفسهم إذا لم يستطيعوا هضم بعض ما يصلهم منه، فأنت تضع نفسك في كف قائد طائرة تقلها، وأنت ﻻ تعرف شخصه ولا شيئاً من خبره ثقةً بإدارة شركة طيران ﻻ تعرف شيئاً منها، رغم كل ما تسمع وتقرأ عن أخطاء قادة الطائرات، وربما تسلم قلبك أو دماغك لمبضع جراح، ثقة في المعاهد التي تخرّج الأطباء، رغم كل ما يتناهى إليك من زيف الشهادات ومداهنة المعاهد لطلابها، والجندي يخوض معركة ساخنة فيها الموت، ثقة بقيادته التي قد يعرفها بالطيش والمجون... وهكذا الناس يتعاملون مع المصادر التي استقطبت ثقتهم فيما يفهمون وفيما ﻻ يفهمون من توجيهاتها اتكالاً على ثقتهم بها، ويسفهون أنفسهم فيما يستغربون تطميناً لتلك الثقة أن ﻻ تخدش. فالأحرى بمن آمن بالله ورسله ورسالاته، إيمان العقل والقلب والضمير. أن ﻻ يتردد في قبول ما قد يبدو له لديه مستغرباً أو مستبعداً، خاصة وهو يعلم أن قدرة الله مطلقة، وأن الله ﻻ يعجزه شيء في الأرض ولا في

(٧٨)

السماء.
وإذا سألت أحد المؤمنين بالله: هل يستطيع أن يخلق من هذه الأرض. ومن مثل هذه البيئات المعاصرة، إنساناً يعيش بكامل نشاطه النفسي والجسدي ملايين السنين دون أن يهدّه الزمان؟ فسيكون الجواب حتماً بالإيجاب. وطالما هو يحمل مثل هذا الإيمان بقدرة الله، فكيف يمكن له أن ينكر أو يشكك في حياة إنسان عاش ألفاً واحداً من السنوات، بعد أن ثبت في الأوساط المعبرة عن الله، أن الله خلق هذا الإنسان، ولا يزال يهيئه لإحداث تطور عالمي كبير.
فالإيمان بالله، والعلم بأن رسول الله قد أخبر بالإمام المنتظر، ﻻ يتوافقان مع إنكاره أو التشكيك فيه مهما كانت المبررات. والذي ينكر الإمام المنتظر أحد شخصين: إما غير مؤمن بالله في قرارة نفسه وإن تظاهر بالإيمان، فيأخذ بمعطيات عقله على حساب مقتضيات إيمانه. وإما شاك في أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد أخبر بالإمام المنتظر.
فعلينا أن نحول الشخص الأول على الأدلة التي تقول بأن وجود إنسان ألف عام أو أكثر ممكن علمانياً، وأن نحول الشخص الثاني على المصادر التي يأخذ منها دينه ليجد فيها وجه الإمام المنتظر.

(٧٩)

فائدة الإمام الغائب
الظاهرة الرابعة: وهي ظاهرة التشكيك في فائدة الإمام الغائب، فيمكن مناقشة هذه الظاهرة بما يلي:
الولاية التنفيذية:
1- إن الإمام - بمفهومه اللغوي - مطلق من يُؤتم به، أي يُقتدى به، سواءً كان المقتدي به كثيراً أو قليلاً وسواء أكان الذي يقود عبره حقاً أو باطلاً، فإمام الجماعة إمام لأن من هم خلفه يقتدون به في تنظيم حركات الصلاة، ورئيس الدولة إمام لأن من هم في دولته يتقدون به في تنظيم تصرفاتهم الجسمانية، والنبي إمام لأن من هم في محيط دعوته يقتدون به في تنظيم تصرفاتهم الروحانية فقط، إذا كانت رسالته روحانية بحتة، أو يقتدون به في تنظيم تصرفاتهم الروحانية والجسمانية معاً، إذا كانت رسالته روحانية وجسمانية معاً. وبما أن الإمام - بمفهومه اللغوي - مطلق من يُقتدى به، بغض النظر عن نوعية الخط الذي يقود عبره، عبّر الله تعالى عن الفراعنة، بـ (أئمة) فقال: (... وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار) [سورة القصص: الآية 41] كما عبّر عن الأنبياء من أولاد

(٨٠)

إبراهيم (أئمة) فقال: (... وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) [سورة الأنبياء: الآية 73].
والإمام - بمفهومه الاصطلاحي - كل من يخوله الله قيادة تكوينية، وإذا لم يخوله الله قيادة تكوينية، فليس إماماً، حتى ولو كان نبياً، وحتى ولو كان رسولاً، وهكذا يختلف مفهوم (الإمام) عن مفهوم (النبي) كما يختلفان عن مفهوم (الرسول). وإذا أردنا إيضاح الفارق بين هذه المفاهيم علينا أن نقول:
النبي والنبوة:
أ - (النبي) هو الذي ينبئه الله ويخبره مباشرة بما يشاء، والنبوة رتبة ينالها كل من علم الله تعالى فيه كمالاً روحياً يؤهله للاطلاع على ما وراء المحسوسات بالحواس الخمس، فيمنحه الله سبحانه قدرة على رؤية ما وراء الحجب والمسافات ورؤية الروحانيات كالملائكة والجن والشيطان وقد سجل الله تعالى هذين الأمرين لإبراهيم الخليل (عليه السلام) في القرآن حيث قال: (... وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات) [سورة الأنعام: الآية 75]. كما أن الله يمنحه كرامة عظمى، فلا يتصل به بواسطة رسول من الناس، وإنما يتصل به وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل إليه رسولاً من الملائكة، فيكون متصلاً بالسماء مباشرة، وإن كان قد يأمره الله بالتنسيق مع نبي معاصر له، أو باتباع رسول سبقه، مع بقائه نبيّاً ينبئه الله بصورة مستقلة ومباشرة.

(٨١)

فيشبه - في العرف الدوبلماسي - السفير الذي تأتيه الحقيبة الدوبلماسية مباشرة، ولا يكون كالقنصل الذي يستقبل الأوامر الصادرة إليه من حكومته بواسطة سفير، وقد نصت بعض الأحاديث الشريفة على أن الرسل سفراء الله.
والنبي قد يؤمر برسالة معينة إلى الناس فيكون نبيّاً رسولاً وقد ﻻ يؤمر برسالة إلى الناس، وإنما بمهمات خاصة خارجة عن لطاق الشرائع، فيكون نبياً غير رسول.
الرسالة والرسول:
ب - و(الرسول) هو الذي يؤمر - من قبل الله - بتبليغ رسالة معينة، سواء أكانت تلك الرسالة موجهة إلى أناس معينين أو إلى الناس أجمعين، فبخصوص يونس بن متّى يقول الله تعالى: (... وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون)(7). بينما يقول للنبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله): (... وما أرسلناك إلا كافة للناس)(8) وسواء أكان ذلك الرسول مأموراً من قبل الله مباشرة أو بواسطة رسول من الناس، فمثلاً قال الله تعالى لموسى بن عمران - عنه وعن أخيه هارون -: (... اذهبا إلى فرعون)(9) و(اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري)(10).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) سورة الصافات: الآية 147.
(8) سورة سبأ: الآية 28.
(9) سورة طه: الآية 43.
(10) سورة طه: الآية 42.

(٨٢)

فيما قال عن ثلاثة من رسول عيسى ابن مريم: (... إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث)(11). وفي بعض الحديث، أن هؤلاء الثلاثة لم يكونوا ممن يستقبلون الرسالة مباشرة من قبل الله، وإنما كانوا من المؤمنين برسالة عيسى ابن مريم.
و(الرسالة) شريعة، قد تكون شاملة تعطي فلسفة الكون والحياة والإنسان وتنظيم نشاطات الإنسان بجانبيها الروحي والمادي، وربما تكون محدودة تعطي فلسفة الكون والحياة والإنسان فقط، أو تنظم النشاطات الروحية فحسب. وربما تكون محصورة بتصحيح بعض الأخطاء الطارئة على مسيرة قوم مؤمنين.
و(الرسالية) صلاحية يخولها الله تعالى لمن تتوفر فيه مواصفات تؤهله لحمل رسالة السماء إلى الناس، وهذه المواصفات يلزم أن تبلغ درجة (العصمة) في مستوى رفيع حتى تؤهل صاحبها لاستقبال الرسالة مباشرة من السماء، ويلزم أن تبلغ درجة (العصمة) في مستوى أقل من ذاك حتى تؤهل صاحبها لاستقبال الرسالة من رسول من الناس.
فالرسول إذا تلقى رسالته مباشرة من السماء أصبح رسولاً ونبياً، كما يقول الله بحق إسماعيل (عليه السلام): (وكان رسولاً نبياً)(12)، وإذا تلقى رسالته من رسول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(11) سورة يس: الآية 14.
(12) سورة مريم: الآية 54.

(٨٣)

من الناس، أصبح رسولاً غير نبيّ - في بعض المصطلحات.
الإمامة والإمام:
ج: و(الإمام) هو الذي يؤمر من قبل الله بـ (الولاية التنفيذية) سواء أكان الإمام رسولاً، مثل إبراهيم الخليل الذي خاطبه الله تعالى بقوله: (إني جاعلك للناس إماماً)(13). أو كان نبياً غير رسول، مثل الألوف من الأنبياء الذين لم يصلنا حتى أسماؤهم أو لم يكن نبياً ولا رسولاً بل وصياً لنبي مثل آصف بن برخيا وصي سليمان بن داود، ومثل يوشع بن نون وصي موسى بن عمران.
والأنبياء الأئمة كثيرون سجل القرآن بعضهم مثل إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب الذين قال عنهم: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) [سورة الأنبياء: الآية 73]. والإمامة - مثل الرسالية - صلاحية يخوّلها الله كل من تنسج مواصفاته مع (الولاية التنفيذية).
وقد ظهرت للناس آثار (الرسالية) وصلاحية (الإمامة) من الله حينما خلق الكون وضبطه بكل عوالمه وخلائقه الكثيرة المعقدة بإدارة شاملة محكمة ﻻ تنفلت منها نبضة عصب ولا حبة مطر، ولا هبة نسيم، ولا أدنى من ذلك ولا أكبر، وتظهر هذه الإدارة في حركات المجرات المخيفة، وفي شبكات الريّ المنتشرة في كافة أنحاء ورقة الكرم، وفي المهمات الحساسة التي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(13) سورة البقرة: الآية 124.

(٨٤)

تؤديها الخلية المجهولة في دماغك، وفي التفاعلات الدقيقة التي تنجزها مليارات الأشعة الفاعلة في الكون.
والناس عندما يجدون البروتين الموجب يدور حول البروتين السالب (كذا) دورة في الثانية، يقولون البروتين الموجب يدور حول البروتين السالب، ولكنهم ﻻ يتساءلون: من الذي يدير هذه حول تلك؟ وعندما يرون حبات المطر تتساقط هنا ﻻ هناك، يقولون: السيول تجتاح هذه المنطقة، والمواشي تموت في تلك المنطقة على إثر الجفاف، ولا يتساءلون من الذي أسقط المطر هذه المنطقة وحرم منه تلك. وعندما يسمعون بأن فجوات هوائية تحدث هنا بينما هناك يرتفع ضغط الهواء، أو عندما يعرفون مياهاً جوفية هنا، وأطنان الأورانيوم هناك، وحبات ألماس ترقد هناك، يكتفون بالاطلاع عليها والاستفادة منها فحسب، ولا يحاولون التعرف على الجهاز الإداري الذي يؤدي هذه الأعمال، ولا استيعاب الأسباب التي تنتهي بهذه التركيبات، تماماً كالبدوي السائح الذي يدخل مدينة متحضرة بلا مترجم ولا دليل فيري الشاشة الصغيرة هنا تتابع عرض مشاهدها، وهناك هوائية جبارة جامدة تحت الشمس والمطر، وهنالك آليات متحركة تتراكض في خطوط متشابكة من الفجر إلى الفجر، وإلى جانبها غرفة كبيرة تضج بأصوات آلات حديد تتحرك تلقائياً وتعج بالأسلاك متزاحمة متراكبة وفوق البيوت أجسام كبيرة تسبح في الهواء وتزعق بلا انقطاع، وعلى بعض الجدران آلة

(٨٥)

صماء معلقة يأتي الناس إليها فيرمون النقود في جيبها ويظلون يتكلمون ويضحكون لها وهي ﻻ ترد عليهم. فيذهب إلى نجمة كبيرة مرمية وسط الشارع ليخطفها إلى كوخه فينفضه تيار الكهرباء، ويحاول أن يمرّ الشارع فيصرخ به الرجال، ويريد أن ينام على الرصيف فيقوده رجال الشرطة إلى موقف، ويدخل المطعم ويختار طعاماً يروق له منظره فلا يستطيع تناوله.
وتماماً كالطفل الذي يجد أسلحة أبيه، فيحاول التعرف عليها والاستفادة منها في أغراضه الطفولية فتنفجر بين يديه، فتدمره وتقضي على حياته.
لابد أنك رأيت في حياتك مثل ذلك البدوي ومثل هذا الطفل.
بهذا الشكل يتعامل كبار علماء الطبيعيات مع الكون، فيرون الأشياء وكأنها مبعثرة، وكأن كل شيء يتحرك ارتجالياً وبدافع ذاتي بلا هدف ولا وسيلة ولا خطة، لذلك يجهدون أكثر مما ينبغي، ويهدرون طاقات بشرية ومادية هائلة، ثم يستفيدون أقل مما ينبغي.
ويأتي أدلاء الكون ومصادر الوحي، فيقولون: إن الكون كله وحدة مترابطة مشدودة بالأسباب والمسببات، ومسيرة بإرادة شاملة محكمة، فما من حبّة مطر إلا ويأتي بها ملك ليضعها في موضعها المناسب، وما من نطفة إلا ويفصل ملامحها ويخطط جغرافية حياتها وأعمالها ملك، ولا تتحرك ريح ولا موج ولا نجم ولا سحاب إلا ويحركه ملك وفق خطة حكيمة، ولا تنبض خاطرة في دماغك إلا بوحي ملك أو شيطان.

(٨٦)

صحيح أن الله يصمم جميع الأقدار، وأنه يستطيع أن يدير كل العوالم بلا جهاز إداري، ولكن شاء أن يديرها بجهاز إداري، ففي بعض الحديث: (أبى الله أن يجري الأمور إلا بأسبابها) كما أن الله قادر أن يرزق جميع الناس من فوق رؤوسهم ومن تحت أقدامهم بلا سعي ولا حاجة أحد إلى أحد. ولكنه شاء أن يرزق الناس بمساعيهم، وأن يرزق بعضهم ببعض. (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا) [سورة الزخرف: الآية 32] وكما أن الله قادر أن يلهم كل واحد من الناس شرائع دينه بلا وسائط، كما ألهم الحيوانات وظائفها بلا وسائط فقال: (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً) [سورة النحل: الآية 68] ولكنه شاء أن يعلمهم شرائعهم بواسطة الأنبياء والأوصياء والعلماء. وكما أن الله قادر على أن ينزع خصائص الأرض من الناس ليعيشوا كالملائكة، هوايتهم الهدي وشهوتهم العبادة ولكنه شاء أن يتعرضوا للتجربة، حتى يبلغ كلٌّ مداه فقال: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين) [سورة هود: الآية 118].
وكما أن الله قادر أن يخلق البشر من غير أبوين، وأن يخلق الحيوان

(٨٧)

والنبات من غير أصل، أن يوجد جميع الأنواع ارتجالاً من ﻻ شيء، ولكنه شاء - بحكمته البالغة التي لم يؤهلنا لاستيعابها - أن تكون سنة الخلق في مسلسلات متوالدة، هكذا شاء الله أن يوكل الكائنات إلى جهاز إداري هرمي - وأن ﻻ ينفذ شيء إلا بعلمه الدقيق وإرادته المباشرة - إلا أن هذا الجهاز موكل بتنفيذ إرادة الله في خلقه. فوظف مجموعات من ملائكته في هذا الجهاز موكل بتنفيذ إرادة الله في خلقه. فوظف مجموعات من ملائكته في هذا الجهاز أسماهم في القرآن بـ (المدبرات أمراً) [سورة النازعات: الآية 5].

وجعل على كل قسم ملكاً من أعظم ملائكته فوكل (رضوان) بالجنة، ووكل (مالك) بجهنم، ووكل (جبرائيل) بالرسالات والرسل وعقاب المتمردين عليها، ووكل (إسرافيل) بنفخة الصور، ووكل (ميكائيل) بالأرزاق ووكل ملكاً عظيماً اسمه (الروح) بالأقدار، ووكل (عزرائيل) بالأرواح، ووكل ملكاً بالرياح، وملكاً بالبحار، وملكاً بالشمس، وملكاً بالقمر، وملكاً بالأرض، وملكاً بكل سماء من السماوات، وجعل لكل قسم من هذه الأقسام فروعاً، ووظف على كل فروع ملكاً تتناسب مؤهلاته مع مهمته في تسلسل إداري دقيق(14) ثم جعل فوق الملائكة الموكلين بالأقسام الرئيسية،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(14) لعل القدماء تلقوا معلومات مشابهة لذلك من الأنبياء، وبسبب انحرافهم عن تعاليم الأنبياء، ومع تفاعل غريزة العبادة بالمعلومات الناقصة أو المشوهة اتجهوا إلى تسمية الملائكة الموكلين بالاقسام التكوينية (آلهة) ثم اتجهوا إلى نحت التماثيل لهم لذلك نجد الشبه بين اختصاصات (آلهة) القداس ومهمات الملائكة الموكلين بالأقسام التكوينية.

(٨٨)

رجلاً من البشر يمثل قمة الهرم.
وإذا أردنا التشبيه فمن الممكن أن تشبّه الرجل القمة برئيس مجلس الوزراء، وأن تشبّه الملائكة الموكلين بالأقسام الرئيسية بالوزراء، وأن تشبه الفروع الممتدة من كل قسم بالمديريات المتفرعة من كل وزارة والرجل القمة في جهاز الإدارة التنفيذية يطلق عليه لقب (الإمام) ويقال له: صاحب الولاية كما يقال له: صاحب العهد. اقتباساً من قوله تعالى: (... ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً) [سورة طه: الآية 115].
وإلى جانب هذا الجهاز الإداري الشامل الدقيق الذي يتولى الجانب التكويني للكائنات، يوجد جهاز إداري شامل دقيق آخر، يتولى الجانب التشريعي للكائنات فيما أتاح لها الإرادة المستقلة لإتمام التجربة وهذا الجهاز أيضاً جهاز واسع له أقسام عديدة، وعلى كل قسم ملك من أعظم ملائكة الله، ولكل قسم فروع عليها ملائكة تتناسب إمكاناتهم مع مهامهم، وتتوالى قواعده الهرمية، ويكفي لمعرفة مدى سعة هذا الجهاز أن نعلم:
أولاً: أن كل إنسان عليه ملكان يراقبانه ويسجلان تصرفاته حتى النفخة والنأمة أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، فيوظف به ملكان بالليل من غروب الشمس إلى شروقها، ويوظف به ملكان آخران بالنهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فهؤلاء الأربعة إذا تركوه ﻻ يعودون إليه أبداً، ومعنى هذا أنه يوظف كل يوم أربعة من الملائكة بكل فرد.

(٨٩)

ثانياً: أن في قلب كل إنسان (لمّتان) أي جماعتان: جماعة من الملائكة تأمره بالخير، وجماعة من الشياطين تأمره بالشرّ، وهنا نقطة الاحتكاك الساخنة بين الملائكة والشياطين وموقف الإنسان أشبه بموقف الحكيم، فإذا مال نحو الشياطين ضعفت كتلة الملائكة، وإذا مال نحو الملائكة ضعفت كتلة الشياطين. ومن هنا يجد الإنسان في داخله نازعة الخير ونازعة الشرّ.
ثالثاً: أن الله يوكل ملائكة عظاماً بالأنبياء والأوصياء وخيار عباده الصالحين لتسديدهم وتأييدهم، كما يوكل بأنبيائه وأوصيائهم ملائكة يعلمونهم، ويخبرونهم عما يريدون الاطلاع عليه من غيب - في حدود صلاحياتهم - وبهذا يفسر قوله تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول) [سورة الجن: الآية 26]. وقوله (عزَّ وجلَّ): (... ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) [سورة البقرة: الآية 225].
رابعاً: أن كل نبي أو وصي يستخدم جماعات من البشر لتحمل أعباء التبليغ، وما قد يترتب عليه من احتكاك يؤدي إلى كفاح.
هذا الجهاز الواسع أيضاً ركبه الله تركيباً هرمياً، ووكل بكل قسم من أقسامه ملكاً من أعظم ملائكته، ثم جعل فوق الملائكة الموكلين بالأقسام الرئيسية رجلاً من البشر يمثل قمة الهرم، وهذا الرجل يكون نبياً أو وصي نبي

(٩٠)

منصوص من قبل الله، وتشترط فيه مواصفات تبلغ درجة العصمة، لأن الملائكة معصومون، ولا يمكن أن يقود المعصومين غير معصوم.
وإذا أردنا التشبيه، فمن الممكن أن نشبه الرجل القمة برئيس المجلس التشريعي الأعلى، وأن نشبه الملائكة الموكلين بالأقسام الرئيسية بأعضاء المجلس التشريعي، وأن نشبه الفروع الممتدة من كل قسم بالمديريات المتفرعة من المجلس التشريعي الأعلى، أو بالمجالس، أو باللجان التشريعية الفرعية.
ولا يطلق على الرجل القمة في جهاز الإدارة التشريعية سوى لقب (الرسول).
وما دمنا شبهنا جهاز الإدارة التنفيذي بمجلس الوزراء، وشبهنا جهاز الإدارة التشريعية بالمجلس التشريعي الأعلى، فلا بد أن نقول: إن أي تشبيه في هذا المجال ليس تشبيهاً حقيقياً، وإنما هو تنظير لمجرد تقريب أصل الفكرة إلى الأذهان، خاصة ونحن - في الأساس - لا نملك المعلومات الكافية في هذا المجال، لأن المستوى الثقافي في فترة نزول القرآن وصدور الحديث ما كان يسمح بإعطاء معلومات كافية في مثل هذا المجال ولا يزال كذلك.
فوارق الأجهزة الإلهية مع الأجهزة البشرية:
كما أنه لابد من بيان فوارق هيكليّة بين الأجهزة الإلهية والأجهزة

(٩١)

البشرية:
1- في الأجهزة البشرية يكون رئيس مجلس الوزراء غير رئيس المجلس التشريعي، إلا في حالات استثنائية يعطّل فيها الدستور وتعطل فيها الديموقراطية، وذلك لسببين:
الأول: ألاّ يتعرض رئيس المجلس التشريعي للضغوط، فيشرع بحرية كاملة ما يمليه ضميره حسب رؤيته للمصلحة العامة، ولا يشرع ما تمليه مصلحته أو مصالح الآخرين بخلاف رؤيته للمصلحة العامة.
الثاني: أن يبقى رئيس مجلس الوزراء ووزرائه - دائماً - تحت طائلة الحساب من قبل المجلس التشريعي، فلا تؤثر فيهم الضغوط المختلفة التي يتعرضون لها - باستمرار - من قبل أصحاب المصالح الكبار.
بينما في الأجهزة الإلهية كثيراً ما يكون رجل واحد قمة لجهاز الإدارة التنفيذية وقمة لجهاز الإدارة التشريعية جميعاً، وذلك لسببين:
الأول: المفروض فيه أنه معصوم. فلا تؤثر فيه الضغوط المختلفة التي يتعرض لها. مع العلم بأنه ﻻ يتعرض للضغوط بمقدار ما يتعرض لها رئيس مجلس وزراء. لأن مسلكية رئيس مجلس الوزراء، ﻻ تختلف عن مسلكية مطلق فرد. فيعرف الناس مداخلة ومخارجه، وغالباً ما يكون وصوله إلى مركزه عن طريق التملق واستجداء الثقة، فيكون مطمعاً للآخرين في الوقت الذي تكون فيه مسلكية النبي أو الإمام مترفعة عن كل ما يغري ويرهب.

(٩٢)

فتنحسر عنه أطماع أصحاب المصالح الخاصة.
الثاني: أنه يرى نفسه - دائماً تحت طائلة الحساب من قبل الله سبحانه وتعالى، فلا يسمح لنفسه بالتفكير في محاورة الضغوط مطلقاً.
2- في الأجهزة البشرية، يكون مجلس الوزراء جهازاً تنفيذياً مستقلاً، فبمجرد انتخاب أعضائه من قبل الشعب، يصبح ذا سلطة مستقلة في التشريع، ويصبح مصدر الشرعية - حسب معطيات الأنظمة الديموقراطية، صحيح أن الملك أو رئيس الجمهورية - في بعض النظم - يكون صاحب القرارات الهامّة، أو رئيس الجمهورية - في بعض النظم - يكون صاحب القرارات الهامّة، أو صاحب الأطروحة التي ﻻ ترد، ولكن هذه ديموقراطية - بمفهومها الكامل - بالإضافة إلى أنه يبقى للمجالس التشريعية حدّ أدنى من الصلاحية وصحيح أن قرارات المجالس ﻻ تصبح سارية المفعول. إلا إذا حملت توقيع الملك أو رئيس الجمهورية، ولكنه نوع من الروتين، فلا تتخذ المجالس التشريعية قراراتها إلا ويوقعها الملك أو رئيس الجمهورية وإذا كانت لديهما نوايا مختلفة فإنهما يبذلان تأثيرهما على المجالس التشريعية حتى ﻻ تتخذ المجالس التشريعية مقررات ﻻ يرغبان فيها، أما إذا فشلا واتخذت مقرراتها، فإنهما ﻻ يترددان - عادة - في التوقيع عليها حفاظاً على الحدّ الأدنى من المبادئ التي يتظاهران بها.

(٩٣)

فيما يختلف الأمر بالنسبة إلى الأجهزة الإلهية تماماً، فالجهاز التنفيذي - حتى بعد تعيين أعضائه من بل الله تعالى - ﻻ يصبح ذا سلطة مستقلة في التنفيذ، لأنه برمته ليس قادراً على شيء إلا بإرادة مباشرة من الله سبحانه. كما أن الجهاز التشريعي - حتى بعد تعيين أعضائه من قبل الله (عزَّ وجلَّ) - ﻻ يصبح ذا سلطة مستقلة في التشريع، لأن الله جلّ جلاله، يبقى هو المصدر الوحيد للشرعية، وهو الذي يشرع ما يشاء بحكمته، وأما الجهاز التشريعي فليس - في الواقع - أكثر من جهاز تبليغي، وليست له أية سلطة أو صلاحية في التشريع وإنما عليه أن يبلغ إلى الناس - حرفياً - كل ما يصل إليه من الشريعة من قبل الله تعالى. أسمعت قول الله سبحانه - وهو يخاطب أعم أنبيائه-: (فإنما عليك البلاغ)(15)، (فذكر إنما أنت مذكر)(16) (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشي)(17)، (ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً)- (18)، (ولولا أن ثبتّناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً إذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً)(19)، (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(15) سورة آل عمران: الآية 20.
(16) سورة الغاشية: الآية 21.
(17) سورة طه: الآيات 2 و3.
(18) سورة الإسراء: الآية 39.
(19) سورة الإسراء: الآيات 74 و75.

(٩٤)

منكم من أحد عنه حاجزين)(20).
صحيح أن لبعض الأنبياء الكبار نوعاً محدوداً من الصلاحية، فمثلاً: إبراهيم الخليل رأى أشياء كالختان، وتقليم الأظافر، وإزالة الشعر من الجسد... فمارسها، فأقرها الله في الدين، وعرفت - فيما بعد - بـ (سنن إبراهيم). ومثلاً: كانت فرائض الصلوات، التي أمر الله نبيه بتبليغها ركعتين ركعتين، فرأى النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يضيف ركعة سبحانية إلى صلاة المغرب، وأن يضيف ركعتين سبحانيتين إلى كل من صلاة العشاء، وصلاة الظهر وصلاة العصر، فأقرّ الله ذلك، وعرفت - فيما بعد - بـ (سنة رسول الله).
والواقع أن كل ما ورد من الأحاديث عن سنن المرسلين من أمثال هذين الموردين، لابد أن نوجههما بأحد توجيهين:
الأول: أن هذه الأحاديث ﻻ تعني أن المرسلين كانوا يشرّعون بالمفهوم المتداول للتشريع بمعنى سنّ القانون - وإنما تعني أنهم في بعض الأحيان كانوا يخرجون من إطار المعنى الحرفي للنص إلى روح النص، من باب تنقيح المناط، ثم يطبقون المناط المستخلص على المصاديق التي لم ترد في نص الوحي، وكان اجتهادهم صحيحاً، لأنهم كانوا في المستوى المناسب. بدليل إقرار الله سننهم مع أن الله ﻻ يستحيي من الحق، ومع ملاحظة النصوص

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(20) سورة الحاقة: الآيات 44 - 47.

(٩٥)

السابقة التي تحدد صلاحية الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في التبليغ. وهذا يعني أن سننهم كانت حصيلة اجتهادات صائبة، ﻻ أكثر.
الثاني: أنهم ربما كانوا يتفاعلون مع أشعة الوحي، بمعنى أنهم كانوا يتلقون نوعاً من الوحي الخفيّ - خارجاً عن نطاق المضمون الصريح للوحي - بحيث ربما كان يتراءى أنه شيء منهم، ثم كان الله تعالى يقرّ ذلك، تعبيراً عن تكريم الله إياهم.
وصحيح أيضاً أن في الأحاديث الصحيحة، مجموعة أحاديث تقول: (إن الله أدب نبيّه بتأديبه. ففوض إليه دينه).. وهذه المجموعة من الأحاديث. كانت تاريخياً نقطة الانطلاق لفرقة (المفوّضة) الذين ادعوا بأن الله سبحانه وتعالى اعتزل أمر الشريعة كليّاً. وتركها للنبي يقرر فيها ما يشاء.
ويمكن دراسة هذه المجموعة من الأحاديث من منطلقين:
الأول: منطلق النقض، بأن هذه المجموعة من الأحاديث - حسب تغيير المفوضة لها - تناقض الآيات التي تحدد صلاحية الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في التبليغ، والحديث متى نقض القرآن سقط.
الثاني: منطلق الحلّ، بأن الجزء الأول من هذه الأحاديث يمهد فهم الجزء الثاني منها بشكل آخر، لأن معنى (إن الله أدب نبيّه بتأديبه) أن الله تعالى أعطى لنبيّه مقاييس دينه بشكل تأديبي تركه يتفاعل معها. حتى ﻻ يعبر إلا عنها، ولا يقلع إلا من مواقعها، وعندما بلغ هذا المستوى فوض إليه بيان

(٩٦)

الحلال والحرام ﻻ سن الحلال والحرام. وهو يعلم أن النبي (صلّى الله عليه وآله) كلما تحرك ﻻ تخرج حركته من نطاق هذه المقاييس. كما أنك قد ترّبي ابنك على عملك حتى ترى أنه تفاعل معه بعمق، وعندئذ تسلم إليه مقاليد عملك مطمئناً إلى أنه - مهما تعامل - لن يخرج - ﻻ في الشكل ولا في المضمون - من المقاييس التي ارتضيتها لعملك.
وربما يوحي الحديث الشريف - في وصف رسول الله -: (.. كان خلقه القرآن) بما يشبه معنى تفاعل النبي (صلّى الله عليه وآله) مع المقاييس الإسلامية في صيغة عملية بنفس القوة التي يعبر بها القرآن عنها في صيغة نظرية، وحتى كأنهما وجهان لعملة واحدة، النبي وجهها العملي والقرآن وجهها النظري.
وربما يؤكد التحليل الذي ذكرناه لأحاديث التفويض، قول الله تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)(21) وهذا يعني أن النبي عطف هواه على الوحي، حتى لم يبق له هاجس ولا كلام سوى الوحي، وتفويض الله دينه إليه - في مثل هذه الحالة - ﻻ يعني إلا تفويضه صلاحية التعبير عن دينه في بيان الحلال والحرام ﻻ صلاحية التشريع.
من كل ذلك نستخلص أنه - في مجال الأجهزة الإلهية - ﻻ توجد سلطة مستقلة، فجهاز الإدارة التنفيذية ﻻ تنفذ شيئاً إلا بإرادة الله، وجهاز الإدارة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(21) سورة النجم: الآية 3-4.

(٩٧)

التشريعية ﻻ تعبر إلا عما شرعه الله، والله تعالى وحده، هو صاحب السلطة المطلقة والمستقلة على الجهازين، وعلى كل ما ينفذانه أو يعبران عنه.
3- في الأجهزة البشرية يكون الاعتماد على الانتخاب فيعتمد في رئيس وأعضاء المجلس التشريعي على الانتخاب العام ليشترك في التشريع كل من له صلاحية إعطاء الرأي، إما بنفسه إذا فاز في الانتخاب - ليكون رئيساً أو عضواً في المجلس التشريعي، وإما بواسطة منتخبه إذا لم يفز هو في الانتخاب، كما يعتمد في رئيس المجلس التنفيذي على الانتخاب العام، عن طريق كسب ثقة أكثرية أعضاء المجلس التنفيذي على الانتخاب ولو عن طريق رئيسه الذي نال الثقة من المجلس التشريعي المنتخب... فيبقى الرأي العام معتمداً - ولو بوسائط - ويبقى الشعب صاحب الحق المطلق في اختيار حكامه واتخاذ قراراته.
وأما بالنسبة للأجهزة الإلهية فالاعتماد كله على التعيين فالله هو صاحب الحق الأول والأخير في اختيار قمة وأعضاء الإدارة التنفيذية والإدارة التشريعية، لأنه الوحيد المطلع على ما في أعماق النفوس، وما وراء النوايا فهو الأولى بهذا الحق من غيره أياً كان. كما أنه هو صاحب القرارات كلها، لأنه أعرف من سواه بما يمكن أن تفسر عنه تلك القرارات في الآحاد القريبة والبعيدة، ولعل القرآن أشار إلى أنه ﻻ يمكن الاعتماد على انتخاب البشر،

(٩٨)

طالما هو معرض للخطأ ولو كان الناخب نبيّاً من أولي العزم في مستوى موسى ابن عمران (عليه السلام) فقال: (واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا)(22)، (فلما جاء موسى لميقاتنا وكلمّه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخرّ موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين)(23).
ولعل القرآن - كذلك - أشار إلى أنه ﻻ يمكن الاعتماد على القرار البشري طالما هو معرّض للخطأ، فقال: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) [سورة الأحزاب: الآية 36].
4- في الأجهزة البشرية يعتبر الجهاز التشريعي أهم من الجهاز التنفيذي، ولذلك يلزم أن ينتخب مباشرة من قبل الأمة، وأن يكون على اتصال وثيق ودائم بالشعب، في الوقت الذي ينتخب الجهاز التنفيذي من قبل الجهاز التشريعي، أو يكتفي باكتساب رئيسه ثقة الجهاز التشريعي.
وأما بخصوص الأجهزة الإلهية فالجهاز التنفيذي أهم من الجهاز التشريعي، إذ ﻻ مجال للتشريع - بمفهومه المعروف من وضع القانون - في الأجهزة الإلهية، لأن الله تعالى هو المشرّع الوحيد والمطلق. فتنحصر مهمة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(22) سورة الأعراف: الآية 155.
(23) سورة الأعراف: الآية 143.

(٩٩)

الجهازين في التنفيذ بفارق بسيط، وهو أن الجهاز التنفيذي ينفذ في مجال الكون والجهاز التشريعي ينفذ في مجال الشريعة، وإذا انحصرت مهمة الجهازين في التنفيذ فالظاهر أن مهمة الجهاز التنفيذي أدق وأشمل، من مهمة الجهاز التشريعي الذي ﻻ يعدو - غالباً - بتبليغ الشريعة وحمايتها من المعتدين عليها بمحاولة الدس فيها أو القضاء على حملتها.
كل هذا فيما قد نفهم، ولعل غير ذلك هو الصحيح في الواقع والله العالم.
والملائكة الذين ما كان يروق لهم خلق خليفة في الأرض وقالوا الله: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) [سورة البقرة: الآية 30] وأجابهم الله تعالى منبّهاً إلى إحاطته بنواياهم بقوله: (واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) [سورة البقرة: الآية 33] لعلهم كانوا يكتمون التحفظ من أن يغدو خليفة الأرض وليّاً عليهم، وقد تتابعت البوادر التي أكدت أن تحفظهم كان يعبّر عن واقع، فقد أمروا بالسجود لآدم فور نفخ الروح في جسمه، ثم استوعب الرموز التي لم يكن بمقدورهم استيعابها.
وحيث أن الله تعالى جعل للإمام - أي إمام معصوم - مهمتين: مهمة الولاية التكوينية، ومهمة الولاية التشريعية - كأهم ما جعل الله تعالى للإمام - فالغيبة عن الظهور في المجتمعات ﻻ تعجزه عن القيام بأية من مهمتيه.
فأما بالنسبة إلى مهمته التكوينية فالإمام الغائب يؤديها في غيبته بتوفر

(١٠٠)

ولعلها مهمته الكبرى، فغيبته ﻻ تؤثّر عليها مطلق لأن أداءها ﻻ يتوقف على الظهور بين الناس.
ولعل ما ورد في الأحاديث الشريفة من تشبيه فائدة الإمام الغائب بفائدة الشمس الغائبة خلف السحاب إشارة إلى أن الإمام في غيبة يؤدي ولايته التكوينية، كما أن الشمس الغائبة خلف السحاب تؤدي خدمتها في تربية الكائنات الدائرة في محيط شعاعها رغم السحاب الذي قد يحجب عنها بعضاً من تلك الكائنات.
وأما بخصوص مهمته التشريعية فالإمام المنتظر باعتباره استمراراً للنبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ﻻ تكون مهمته في التبشير بمفاهيم جديدة لم تكن معروفة من قبل حتى يتوقف أداؤها على معايشة الناس. وإنما تتلخص مهمته الكبرى في صيانة المفاهيم التي نزل بها القرآن وبشر بها الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله). وأداء مهمة صيانة الشريعة ﻻ يتوقف على معايشة الناس، لأنه فور ما يجد أياً من المفاهيم الإسلامية معرضاً للتشويه، يستطيع المبادرة إلى إيضاحه وتأصيله بواسطة بعض من يمكنهم الاتصال به.
2- ولعل هناك سبباً آخر لانتقال الإمام المنتظر إلى هذا العالم قبل موعد ظهوره بفترة طويلة، وهو أعداده لمهمّات خاصة لم تطرح حتى اليوم على الذهنية البشرية، ونحن - في هذه الفترة من عمر البشر - لا نستطيع استجلاء تلك المهمات، ولكن قد نستطيع أن نستشف بعض ملامحها من خلال

(١٠١)

الأحاديث المبشّرة بالحضارة المنتظرة (كالحديث الذي يقول بأنه يستنفد خيرات الأرض والسماء، وأنه يأتي ببقية العلم مائة حرف ويطيل أعمار الناس ويكمل عقولهم...).
التشكيك في إيجابية فكرة الإمام المهدي (عليه السلام):
الظاهرة الخامسة: ظاهرة التشكيك في إيجابية فكرة الإمام المهدي لسببين:
الأول: تكريس اليأس عن جدوى أي عمل ايجابي قبل ظهره، مادام الله سبحانه وتعالى قدّر أن تملأ الأرض ظلماً وجوراً قبل ظهوره.
الثاني: تكريس اليأس عن جدوى أي عمل إيجابي قبل ظهوره، مادام الله (عزَّ وجلَّ) قدّر أن تملأ - به - الأرض عدلاً وقسطاً، بغض النظر عن قلة أنصاره وكثرة أعدائه.
وهذان القدران يعلنا تعطيل أدوار الآخرين، وبالتالي يوحيان بتجميد كل الطاقات المؤمنة به، لأن أي عمل إيجابي - قبل ظهوره - ﻻ يعني غير تحدّي القدر الذي يضحك من جميع المتحدين، وأي عمل بعد ظهوره ﻻ يعني سوى مجاراة القدر الذي ﻻ تنشطه المجاراة.
والجواب:
أولاً: إن الله إذا قدّر شيئاً ﻻ يعني أنه يوجده من الفراغ، بل أبت عادة الله أن لا يقدّر شيئاً إلا إذا توفرت أسبابه. فالقدر ﻻ يلغي دور الأسباب، وإنما يعزز

(١٠٢)

دور الأسباب، والاطلاع على وجود قدر معين - عن طريق مصادر الوحي - يدفع إلى محاولة إيجاد أسبابه، لأنه يوحي بأن هذه المجادلة ﻻ تواجه معاكسات، وإنما تتكامل حتى تصل إلى نتيجة إيجابية، ومعرفة نجاح المحاولة تشّجع عليها ولا تثبط عنها أبداً.
ثانياً: إن الاطلاع على أن الأرض ستملأ ظلماً وجوراً قبل ظهور الإمام المنتظر، ﻻ يوحي باليأس عن جدوى أي عمل إيجابي بما يلي:
أ - إننا ﻻ نعلم - بالضبط - متى يظهر الإمام المنتظر، فربما يكون ظهوره بعد هذا التاريخ بعشرات أو مئات السنين - ﻻ سمح الله -.
ب - أقصى ما يمكن أن يقال: أن معرفتنا بأن الأرض ستملأ قبل ظهور الإمام ظلماً وجوراً توحي بأن الأعمال الإصلاحية ﻻ تنتج على المستوى العالمي، بل يبقى الظلم والجور طاغيين على الوضع العام العالمي، وهذا ﻻ ينافي في نجاح المحاولات الإصلاحية على المستويات المحلية.
ج - حتى مع لو علمنا - وبكل تأكيد - أن المحاولات الإصلاحية ﻻ تثمر على الإطلاق، فهذا العلم ﻻ يلغي التكليف، لأن الأعمال الإصلاحية تنعكس على القيمين عليها قبل أن تنعكس أو ﻻ تنعكس على سواهم، فالمفروض عليهم أن يقوموا بها تصعيداً لمستواهم، بالإضافة إلى أن الأعمال الإصلاحية لو لم تنعكس إيجابياً على الناس فإنها تنعكس عليهم سلبياً، فتكون من باب إتمام الحجة، الذي لابد منه لتثبيت المفاهيم، وإفراز العناصر

(١٠٣)

الممّوهة عن بعضها وإعادة كل إلى واقعه، ليحق الحق وليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة.
ثالثاً: إن الاطلاع على أن الله قدّر أن تملأ - به - الأرض عدلاً وقسطاً، ﻻ يعني أنه وحده - وبطريقة معجزة - يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وإنما يعمل ذلك بأنصاره، وإلا لماذا ينتظر أن يتكاملوا (313) رجلاً.
رابعاً: إن الإعلان المسبق عن نجاح أيّ قائد على المستوى العالمي وانتصاره الساحق في معركة التغيير، أقوى ما يرفع معنويات أنصاره فوق المستحيل، ويكرس في نفوسهم أملاً ﻻ يتزعزع، ويسهل عليهم التضحية، لأن انتصاره خير ضمان لخلودهم حتى ولو سقطوا في الدرب قبل انتهاء المسيرة، فلذلك نجد أيّ قائد ينتفض من تحت الأرض يحاول تسكع البراهين المسبّقة لنجاحه وانتصاره حتى يضمن التفاف أنصاره حوله في الأزمات، فكيف يمكن أن يكون الإعلان المسبق عن الانتصار العالمي والنجاح المخيف - بالنسبة إلى الإمام المنتظر - ظاهرة سلبية تكرس اليأس في نفوس أنصاره والمؤمنين بإمامته؟
خامساً: إن تجربة التاريخ تؤكد إيجابية فكرة الإمام المهدي (عليه السلام) بشكل مخيف:
ففي الجانب السلبي نجد السلطات المعاصرة لميلاده، والسلطات التي تلت ميلاده حتى اليوم تعمل بأقصى طاقاتها للقضاء على هذه الفكرة، فقديماً

(١٠٤)

لم تكن التدابير العسكرية التي اتخذتها السلطات قبل ميلاده، وعنده ميلاده وبعد ميلاده للقضاء على شخصه إلا أدلة قاطعة على مدى صدمتهم بهذه الفكرة. وحديثاً ليس الإرهاب الفكري الذي يحاول تطويق هذه الفكرة إلا شاهداً على مدى ما يعانيه أعداء التشيّع من أصل فكرة الإمام المهدي (عليه السلام) بعد أن يئسوا من إمكانية القضاء على شخصه.
وفي الجانب الإيجابي نجد أن جميع أجيال الشيعة كانوا ولا زالوا يشجعون آمالهم ويهدهدون أحلامهم بفكرة الإمام المهدي (عليه السلام)، وأظن أنه لولا فكرة الإمام المهدي (عليه السلام) لما استطاع التشيع أن يخترق ظلمات التاريخ، وإنما كان يختنق بروائح المجازر وغياهب السجون، فليس الزخم الذي يخرج أنقاض التشيع من تحت الكوابيس والمآسي والويلات بفتوة عنفوان أكثر من ذي قبل إلا زخم فكرة الإمام المهدي (عليه السلام).
ولا أدلّ على مدى حيوية هذه الفكرة من أن جميع الحروب والتهريجات التي شنّت وتشنّ عليها ما زادتها إلا نشاطاً وصفاءً في أذهان مئات الملايين.
ولا أدل على مدى حيوية هذه الفكرة من الكثيرين في كل الأجيال الإسلامية وفي أكثر البلاد الإسلامية انتحلوا هذه الفكرة ليحرقوا بها المراحل إلى القمة، وما خاب ظن أحد منهم فلم ينتحلها أحد إلا ونال أكثر مما كان يطمح إليه رغم توفر الأدلة على زيف كل من انتحلها حتى اليوم، وهل توجد أكثر إيجابية من فكرة ينجح بها كل من يدعيها ولو كذباً وزوراً؟

(١٠٥)

وإذا فحصنا التاريخ وجدنا فكرة النبوة أقوى الأفكار قبل النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) الذي ختم النبوة، فقبله كان الكثيرون من طلاب السلطة والشهرة يحاولون الانتماء إلى النبوة بسبب أو نسب، وعن طريق الادعاء - مجرد الادعاء - كانوا ينالون الذي يريدون. وبعد النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) حيث ختم النبوة أصبح المُتمهديون يقومون بدور المتنبين، وهذا يكشف أن المهدوية ورثت قوة النبوة.
إن فكرة لم ينتم إليها أحد بأي سبب أو نسب إلا وحلق فوق الرؤوس ﻻ تكون فكرة سلبية، ولكن المهرجين ضدها في ضلال مبين.
ظاهرة انتهاء فكرة الإمام المهدي (عليه السلام):
الظاهرة السادسة: ظاهرة انتهاء فكرة الإمام المهدي إلى الاتكالية طالما هو يفجر الثورة الكبرى في اللحظة المناسبة. فكأنها توحي إلى الناس جميعاً بأن ﻻ تعملوا أي شيء، فإنني سأعمل كل شيء.
والجواب: أولاً: إن إعطاء كل شيء حجمه، ووضع الأشياء في أطرها ينتهي بالموضوعية ﻻ بالاتكالية، فإذا قلنا بأن الشمس ستشرق في وقت معين، وتضيء الدنيا، فليس معنى ذلك قتل الشمعة التي أقصى تضحيتها أن تنير دائرة محدودة حولها. فما من رسول من أولي العزم إلا وكانت تسبقه البشائر بظهوره ونجاحه في قيادة عملية التغيير إلى الأفضل، وما كانت هذه البشائر

(١٠٦)

توحي بالاتكالية إلى أحد، وإنما كانت تعيد الآمال إلى حجم الطاقات التي تنطلق منها حتى ﻻ يحاول أكثر مما يستطيع فيزهد فيما يستطيع ويعجز عما ﻻ يستطيع ويضيع بين ما ﻻ يرضى به وبين ما لا يقدر عليه.
إن الإعلان عن وجود رئيس الجمهورية - مثلاً - في مكتبه الأعلى، ﻻ يعني إلا إعادة الموظفين إلى دوائرهم المختلفة حسب صلاحياتهم. ﻻ إقالتهم من وظائفهم.
وإن الإعلان عن وجود المصلح الأكبر على الطريق ﻻ يثبط أحد من إصلاح من يستطيع من أهله ومجتمعه وشعبه.
ثانياً: إن كل فرد يدخل حلبة الصراع الاجتماعي الرهيب يشعر بالعجز عن إنجاز ما يطمح إليه قبل أن يدخل الحلبة: وهذا الشعور بالعجز ينسف كثيراً من الآمال التي تضيع طريقها إلى النور. فتكريس هذه الآمال في المصلح المنتظر تشجع الآمال المنهارة على قارعة الطريق أن تنهض وتواصل السير فمهما تقلبت الأجواء فلها المطاف الأخير. فالمقدمة ﻻ تستسلم إذا علمت أن ورائها جيش ساحق، ولكنها تستسلم فور ما تعلم أنها يتيمة ﻻ تعقبها نجدة.
ثالثاً: إن هنالك من ﻻ يخوضون الممارسات العنيفة لأسباب مختلفة، ولكنهم إذا سئلوا عن السبب أجابوا بأن الإمام المهدي (عليه السلام) سيظهر ويصلح العالم، ﻻ لأنهم يرون أن فكرة الإمام المهدي (عليه السلام) تؤدي بهم إلى الموقف الذي

(١٠٧)

يقفونه، ولكنهم ﻻ يريدون إعلان السبب الواقعي، ويريدون وضع حد لمتابعة السؤال، فيظن البعض أن إيمانهم بالإمام المهدي (عليه السلام) هو السبب الواقعي لاتخاذ ذلك الموقف.
كما أن المؤمنين بالله إذا سئلوا عن ترك قضية ولم يريدوا كشف السبب الواقعي أجابوا بالتوكل على الله، فيظن الملحدون أن الإيمان بالله يؤدي إلى الاتكالية وترك الأمور على عواهنها. بينما الذين يعرفون موارد استخدام هذه التعبيرات يدركون أن هذا النوع من الإجابة قد يكون بمثابة رد دوبلماسي لسؤال ﻻ يريد عنه المسؤول جواباً.
وقد يكون لغير ذلك أيضاً.
وعن فلسفة الغيبة؟
لماذا غاب الإمام المهدي دون أسلافه الأئمة الأطهار (عليهم السلام)؟
والجواب: إضافة إلى الإلماع الذي سبق منا:
إلى ذلك يحتاج إلى بيان مقدمة، وهي:
إن وجود الحجة من قبل الله - نبياً كان أو وصياً - أمر ﻻ بد منه لسببين:
1- لما ثبت في علم الكلام من أنه ﻻ بد من وجود الحجة ولولاه لساخت الأرض بأهلها.
2- لأن الحجة يشكل جبهة الحق، التي لابد أن تقاوم جبهة الباطل حتى يبقى على الأرض طريقان طريق الحق وطريق الباطل، يجد كل إنسان نفسه

(١٠٨)

أمام خيارين ﻻ خيار واحد كما يقول القرآن الكريم: (وهديناه النجدين)(24) ولولا الحجة الذي يؤسس جبهة الحق ويقودها لأمكن أن ينحاز الناس إلى الباطل ووجد كل إنسان نفسه - مهما أوتي من صفاء الضمير - مضطراً إلى السير في طريق الباطل إذ ﻻ يجد بديله.
وبعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ارتبك طريق الحق وصارت الخلافة ملكاً عضوضاً كما أخبر الرسول نفسه، فلو كان الأئمة يغيبون لتقلصت جبهة الحق وسدت طريقه ووجدت الأجيال أنفسها أمام طريق الباطل وحدها فكان على الأئمة أن يظلوا في الناس ظاهرين مهما تعرضوا للتقتيل والتنكيل، حتى يشكلوا جبهة الحق ويستمر الصراع في الحياة بين الجبهتين ولو غابوا لما بقي من الشيعة عين ولا أثر. لأن الشيعة الذين يشكلون جبهة الحق الأصيلة. لم يكونوا قد اكتملوا كياناً راسخاً يصمد للزعازع، لم يكونوا قد اكتملوا كياناً فكرياً ولا كياناً اجتماعياً فبقي الأئمة واستمروا ما واجهتهم من ويلات ونكبات.
أما وبعدما انكسرت سطوات العواصف وانتهى يزيد والمنصور والرشيد والمتوكّل من جهة ومن جهة أخرى تماسكت الشيعة كتلة صخرية منتشرة القواعد في أعماق التخوم الإسلامية وفكراً مركزاً كثير المصادر والرواة، بحيث تستطيع الصمود عبر التاريخ حتى ولو غاب إمامهم، لم تكن عندئذ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(24) سورة البلد: الآية 10.

(١٠٩)

ضرورة لبقاء الإمام ظاهراً معرضاً لكل الاحتمالات في جميع الأحوال، فغاب الإمام ليظهر في الوقت المناسب يداً تعلو فلا تطال وكلمة تدوي فلا ترد، وبقيت الشيعة فكرة أصيلة وطائفة صلداء.

(١١٠)

المعجزة وأبعادها
يلاحظ أن الناس كانوا يطالبون الرسل وسائر الأولياء بالمعجزات وربما طالبوهم بمعجزة معينة، فكانوا يستجيبون لهم ويطلقون المعجزات خاصة إذا عرفوا إخلاص الطلب وبراءة الطالب.
1- فلماذا المعجزة؟
2- وما هي المعجزة؟
والجواب عن السؤال الأول: أن الأنبياء يدّعون أنهم على اتصال بالله (عزَّ وجلَّ)، ويكلمهم الله بشكل من الأشكال التي بينها بقوله:
(ما كان للبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً)(25).
وربما يدّعون أكثر من ذلك كالمعراج:
(ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى)(26).
وكالعلوم الغريبة:
(يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء)(27).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(25) سورة الشورى: الآية 51.
(26) سورة النجم: الآية 9.
(27) سورة النمل: الآية 16.

(١١١)

والأوصياء باعتبار أنهم امتداد للأنبياء بشكل أو بآخر، ويدعون الناس إلى اتباعهم على هذا الأساس..
والناس جميعاً يعلمون - بالفطرة - أن الله هو مصدر الكون والحياة..
... عبر هذه كلها كان من الطبيعي أن يطالبهم الناس بإثبات علاقتهم بالله!.
ولا يمكن إثبات علاقة بشر بالله إلا عن طريق المعجزات التي تثبت أن لصاحبها علاقة فوقية.
هذا هو الجواب عن السؤال الأول: لماذا المعجزة؟
وأما الجواب عن السؤال الثاني: ما هي المعجزة؟
إن المعجزة ليست تفجيراً في نظام الكون، ولا استعلاءً على نظام الكون، ولا مفهوماً فوقياً يحجر على العقول.
وإنما هي نوع بسيط من التعامل مع القوى الفوقية، وهي بالنسبة إلى البشر العادي: خرق للمألوف بغير المألوف.
ومن نافلة القول: أن الحياة المعجزية ليست صرعة خرافية تفوح بالشهرة وأرضها من ترابة النجوم، وسمائها تسطع بأقمار المجد الزائف..
وإنما هي حياة واقعية ولكنها أعلى من الحياة العادية بدرجة.
ذلك: أن الكون مؤلف من مجموعات متنوعة من الطاقيات والماديّات.. وهذه مسلطة على بعضها البعض، ويلاحظ أن ما هو ألطف وأضعف ظاهراً مسلط على ما هو أظهر حجماً وأكثف.
ففي الماديات الحديد مسلط على التراب ومشتقاته من نبات وحيوان

(١١٢)

والنار مسلطة على الحديد، والماء مسلط على النار، والهواء مسلط على الماء والنور مسلط على الهواء...
وعلى العموم الطاقيات مسلطة على الماديات.
فالروح مسلطة على الجسد، والجاذبية مسلطة على الأجسام الكثيفة في مدى معين. والنسبية العامة مسلطة على الأجرام الضخمة في آماد بعيدة.
هذا كله في مجال المحسوس المألوف.
وإذا استطعنا الخروج عن مجال المحسوس المألوف - ولو بأذهاننا - تتراءى أمامنا آفاق من الطاقيات التي تتحكم في جميع الماديات والطاقيات المحسوسة.
وتبدو السلطات متدرجة في شكل هرمي قاعدته الواسعة مؤلفة من الماديات..
وفوقها الطاقيات المحسوسة أو المألوفة.
وفوقها الطاقيات غير المحسوسة وغير المألوفة، التي يعبر عنها بالروحانيات - حسب المصطلح - من الجن، والشيطان، والملائكة، وأرواح الناس.. وهي الطاقيات العاقلة المكلفة.
وفوقها الكلمات...
وفوقها الأسماء...
وفوقها.. وقمتها الله - جل جلاله - الذي هو مصدر جميع الماديات،

(١١٣)

والطاقيات وهو محيط بكل شيء. ومهيمن على كل شيء.
إذن: فالله - سبحانه وتعالى - هو الخالق الذي منه تبتدئ الأشياء، وإليه تعود.
ثم الأسماء.. وهي القوى العظمى لأن الله خلقها بلا وسائط وهي من قدرته الخاصة به.
ثم الكلمات.. وهي قوى كبرى، قد خلقها الله - تعالى - بواسطة الأسماء..
ثم الروحانيات.. التي خلقها الله بواسطة الكلمات.
ثم الماديات التي خلقها الله سبحانه بواسطة بعض الروحانيات وهي:
(فالمدبرات أمراً)(28).

* * *

والبشر العادي ﻻ يستطيع تفهم ما هو خارج عن وسطه الذي نشأ وترعرع فيه، فإذا تفوّق على جواذب هذا الوسط يؤهل لتفهم بعض تلك الآفاق الطاقية، وربما للتعامل مع بعض مخلوقاتها - بنسبة تفوقه على مستلزمات وسطه - وقد يؤشر إلى هذا التفوق، وذاك السقوط قوله تعالى:
(واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(28) سورة النازعات: الآية 5.
* يلاحظ أن هذه مصطلحات لا نكاد نعرف مغزاها، فإنها غالباً أعمق من تفكير البشر، وقدرته المعنوية...

(١١٤)

لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه..)(29).
فمن يرتفع عن الوسط العادي الذي تعيشه عامة الناس، ويتعامل مع أدنى طبقة من الطاقيات غير المألوفة يستطيع تحريك جميع الماديات، والطاقيات المتصلة بالماديات بشكل غير مألوف ﻻ تستطيعه سلطات الأرض وثقافة الأرض.
وهذه هي أدنى درجات التفوق التي يتعاطاها الأولياء العاديون وربما المرتاضون أيضاً - في حدود خاصة بنسبة التفوق الروحي -، وهكذا كل من استعلى على شهواته الجسدية ومطامحه الأرضية مدة ﻻ تقل عن أربعين يوماً - غالباً -..
كطي الأرض.. والمشي على الماء.. ومخاطبة الروحانيات.. والاطلاع على ما وراء الحواجز والمسافات..
وربما: الإشراف على الزمان، والإخبار عما انطوى في ضمير الماضي، أو ﻻ يزال جنيناً في أحشاء المستقبل.
ولهذه الدرجة طريقان: الطريق الرحماني الذي يؤدي إلى (الكرامة) والطريق الشيطاني الذي ينتهي إلى (السحر) أو (التسخير).
ومن انحدر من سلالة عالية لم تتلوث بجواذب الأرض ومستلزمات الوسط العادي على الإطلاق..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(29) سورة الأعراف: الآياات 175 - 176.

(١١٥)

(وتقلبك في الساجدين)(30).
(أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها)(31).
فمن كان له مثل هذا التراث المقدس الذي يعصمه عن الانهيار والانزلاق - وهي صفة العصمة - ثم يواصل سيره التصادعي - كما نلاحظ في أربعينات النبي (صلّى الله عليه وآله) في غار حراء، واعتكافات جميع الأولياء.
فإنه يستطيع أن يستوعب طبقات عليا من الطاقيات، وربما يوفق للتعامل معها - حسب مستواه - فيأتي بما يعجز عنه كثير من الناس حتى أصحاب الكرامات كإحياء الرميم، وفلق البحر، ورد الشمس، وشق القمر...
وهذه هي (المعجزة) التي تختص بأصحاب العصمة من الأنبياء والأوصياء والملائكة - على اختلاف درجاتهم - الذين يتعاملون مع الكلمات.
التعامل مع الكلمات:
وقد لوح القرآن الحكيم بشخصيات من الأنبياء والأوصياء كانوا يتعاملون مع الكلمات.
فمثلاً: يحيى النبي (عليه السلام) كان يتعامل مع كلمة واحدة:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(30) سورة الشعراء: الآية 219.
(31) من زيارة وارث التي يزار بها الحسين (عليه السلام).
(إن الله يبشرك بيحيى

(١١٦)

مصدقاً بكلمة من الله)(32).
وآدم (عليه السلام) كان يتعامل مع عدة كلمات:
(فتلقى آدم من ربه كلمات)(33).
بينما كانت مريم الصديقة (عليها السلام) تتعامل مع جميع الكلمات:
(وصدّقت بكلمات ربها)(34).
- مع الاحتفاظ بالفواصل البعيدة بين التصديق بالكلمة، وبين تلقي الكلمة، وبين العلم بالكلمة -.
ومن هنا تكون الدرجات التي - لعل - أعلاها العلم بالكلمة.
ولذلك اختلف التعبير القرآني من مورد إلى مورد.
فقال تعالى في شأن الخضر:
(فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً)(35).
والتنوين في (علماً) ليس تنوين التعظيم، فليس بمعنى (علماً جمعاً) بدليل التنكير في (عبداً) و(رحمة).
وقال سبحانه في خصوص آصف بن برخيا:
(قال الذي عنده علم من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(32) سورة آل عمران: الآية 39.
(33) سورة البقرة: الآية 37.
(34) سورة التحريم: الآية 12.
(35) سورة الكهف: الآية 65.

(١١٧)

الكتاب)(36).
بينما قال - عز من قائل - بالنسبة إلى سيد الأوصياء:
(قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)(37).
ولعل العلم بالكلمة - الذي يساوي إتمام الكلمة - هو الذي يؤدي إلى الولاية الكونية، التي توصّل إليها إبراهيم الخليل بعد أن مرّ بتجارب في نفسه وماله وفي ولده:
(وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً)(38).
مع العلم بالفاصل البعيد بين العلم بالكلمة، وبين الكلمة ذاتها.
(فالكلمة) لها فاعليتها الخاصة وقد ﻻ تكون لها القدرة على التعامل مع بقية الكلمات لأنها من نوعها - حتى لو لم تكن في مستواها.
فيما العالم بالكلمة قد يكون من نوعية أعلى، فيكون في مقدوره التعامل مع مجموعة من الكلمات.
فعيسى ابن مريم (عليهما السلام) لم يكن من سنخ الناس، وإنما كان كلمة من كلمات الله أظهرها الله تعالى في هيكل بشري:
(إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(36) سورة النمل: الآية 40.
(37) سورة الرعد: الآية 43.
(38) سورة البقرة: الآية 124.

(١١٨)

وكلمته ألقاها إلى مريم)(39).
(إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم)(40).
مع ما في الآية الأولى من الحصر بـ (إنما)، وفي الآية الثانية إرجاع ضمير المذكر في (اسمه) إلى (كلمة) باعتبارها طاقة إيجابية، وكذلك تعريف الكلمة لمريم بأن اسمه (المسيح عيسى ابن مريم) كي ﻻ تستغرب أن يكون ابنها كلمة الله.
فكان عيسى ابن مريم (عليهما السلام) كلمة الله، ذات الكلمة، ولذلك كان من أولي العزم، لأن العزم ﻻ يمكن أن ينفصل عن الكلمة.
وكان له نشاط معجزي مذهل منذ أن ألقاه إلى مريم، إلى أن رفعه الله، وكانت له مسلكية شخصية مختلفة عن مسلكية سائر البشر (ومع ذلك) لم يكن نشاطه الرسالي في مستوى نشاط سائر أولي العزم من الأنبياء، من نوح وإبراهيم وموسى ومحمد (عليه وعليهم الصلاة والسلام) حيث كانت رسالاتهم تأسيسية، فيما كانت رسالته تصحيحيّة.
وأما آدم (عليه السلام) فقد كانت مبادئ نفسه عالية جداً،.
يكفي: أنه كان روح الله، أي من القدرة المطلقة مباشرة - على ضيق في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(39) سورة النساء: الآية 171.
(40) سورة آل عمران: الآية 45.

(١١٩)

التعبير - فكان لديه الاستعداد الكافي للتعامل مع جميع الأسماء: (وعلّم آدم الأسماء كلها)(41).
ولكنه كان مثقلاً بجسده الذي جمع الله فيه كل خواص الأرض من (سهلها، وحزنها، وطيبها، وسبخها، وعذبها وأجاجها) كما في الحديث الشريف: فابتلى بخلط مطامح الروح بمطامح الجسد:
(ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً)(42).
ونتيجة لذلك فقد اختلف مستواه من مستوى التعامل مع (الأسماء كلها) إلى مستوى التعامل مع مجموعة معينة من الكلمات:
(فتلقى آدم من ربه كلمات)(43).
(وأما) كبار الرسل، وكبار الملائكة فإنهم يتعاملون مع الأسماء التي هي أعلى طبقات الطاقيات، فيتصرفون بها في جميع الخلائق مما هي دون الأسماء.
وهذه درجة فوق المعجزة، وتختص بأصحاب (العصمة الكبرى) وهم أصحاب الولاية العامة، الذين يأتون بما يعجز عنه أصحاب الكرامات والمعجزات حتى الملائكة والأنبياء والأوصياء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(41) سورة البقرة: الآية 31.
(42) سورة طه: الآية 115.
(43) سورة البقرة: الآية 37.

(١٢٠)

وأصحاب (العصمة الكبرى) رغم قلة عددهم يشكلون درجات بل لكل واحد منهم مستوى وصلاحيات خاصة به:
(تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم فوق بعض درجات)(44).
وسيّدهم وأفضلهم ذلك اليتيم الفقير الذي جاء بما فوق المعجزات، وتحدّى من سوى الله (عزَّ وجلَّ) فعجزوا عن الردّ عليه.
(قل إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين)(45).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(44) البقرة: الآية 253.
(45) سورة يونس: الآية 38.

(١٢١)

(أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين)(46).
(أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين)(47).

موجز تواريخ نواب الإمام المهدي

1- عثمان العمري:
اسمه: عثمان بن سعيد العَمْري - بفتح السين وسكون الميم -.
كنيته: أبو عمرو. إذ رزقه الله ولداً أسماه عمرواً، فقال له الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (ﻻ يجتمع على امرئ بين عثمان وأبي عمرو) فأمر بكسر كنيته فقيل له العمري.
نسبه: أسديّ، وكان يقال له: الأسدي لأنه ينتمي إلى قبيلة بني أسد. قال: أبو نصر؛ هبة الله أحمد بن محمد الكاتب: إنه ابن بنت أبي جعفر العمري، فنسب إلى جدّه فقيل له: العمري. ويقال: أنه ينتسب من قبل أمه إلى عمر الأطرف، فقيل له: العمري.
لقبه:
أ: العسكري. لأنه كان يسكن مع الإمامين العسكريين (عليهما السلام) في المنطقة العسكرية بسامراء التي فرض المتوكل العباسي عليهما الإقامة الجبرية فيها.
ب: السّمّان.
ج: الزيات. لأنه كان يتجّر في السمن والزيت تغطية على عمله مع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(46) سورة يونس: الآية 38.
(47) سورة هود: الآية 13.

(١٢٢)

الأئمة (عليهم السلام)، فإذا حمل الشيعة إليه مالاً أو كتاباً جعله في جراب السمن وأوصله إلى الإمام.
عمله: بدأ حياته بخدمة الإمام علي الهادي (عليه السلام) وله إحدى عشرة سنة، وله إليه عهد معروف. ومن بعد الإمام الهادي بقي وفيّاً فلزم خدمة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وبقي على العهد حتى مضى الإمام العسكري، فعينه الإمام المهدي (عليه السلام) نائباً عنه.
صفته: كان شيخاً جليلاً، ويكفي أنه خدم ثلاثة من الأئمة الطاهرين، وأنهم اختاروه باباً بينهم وبين شيعتهم وأنه أدى الأمانة بدقة وإخلاص وهو ابن إحدى عشرة سنة حتى توفاه الله.
قبره: في الجانب الغربي ببغداد، وله مقام معروف.
2- محمد العمري:
اسمه: محمد بن عثمان العمري.
كنيته: أبو جعفر.
نسبه: أسدي.
لقبه: العسكري، الزيات.
عمله: بدأ عمله منذ صباه في معيشة والده عثمان بن سعيد العمري بخدمة الإمام علي الهادي، ثم الإمام الحسن العسكري، ثم الإمام المهدي.

(١٢٣)

وقد عيّنه الإمام المهدي (عليه السلام) نائباً عنه بعد موت أبيه، وبقي حوالي نصف قرن النائب الوحيد عن الإمام المنتظر في شؤون الشيعة.
وقد نص على نيابته الإمام الهادي والإمام العسكري والإمام المهدي، كما نص عليه أبوه قبل موته.
وقد ظهرت على يديه من قبل الإمام المهدي معاجز كثيرة، كما صدرت بواسطته تواقيع كثيرة.
وكان شيخاً متواضعاً يعيش في بيت صغير، بلا خدم ولا حجاب.
قيل له: هل رأيت صاحب هذا الأمر؟ قال: نعم؛ وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول: (انجز لي ما وعدتني).
وقال: رأيته (صلوات الله عليه) متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: اللهم انتقم بي من أعدائك.
وقال: إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم مع الناس كل سنة، يرى الناس فيعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه.
وروي: أنه حفر لنفسه قبراً، وسواه بالساج، ونقش فيه آيات من القرآن، وأسماء الأئمة على حواشيه. فلما سئل عن ذلك قال: للناس أسباب. وكان في كل يوم ينزل في قبره، ويقرأ جزءاً من القرآن، ثم يصعد. ثم سئل بعد ذلك، فقال: أمرت أن أجمع أمري. فمات بعد شهرين من ذلك، في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثمائة بعد الهجرة، وقال عند موته: أمرت أن أوصي

(١٢٤)

إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى إليه.
قبره: في بغداد وله مقام يعرف بـ (الخلاني).
3- الحسين بن روح:
اسمه: الحسين.
كنيته: أبو القاسم بن روح ابن أبي بحر.
لقبه: النوبختي، نسبته إلى نوبخت من عوامل فارس.
عمله: بدأ عمله مع أبي جعفر محمد بن عثمان العمري - النائب الثاني - وكان وكيلاً عن أبي جعفر ينظر في أملاكه ويلقى بأسراره وجهاء الشيعة. وقد نصّ عليه أبو جعفر قبل وفاته وصدرت على يده تواقيع كثيرة من الناحية المقدسة. فقد روى جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى، قال: أخبرني أبو علي محمد بن همام: أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري جمعنا قبل موته، وكنّا وجوه الشيعة وشيوخها، فقال لنا: (إن حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي، فارجعوا إليه وعوّلوا - في أموركم - عليه).
وفي رواية أخرى: لما اشتدّت حال أبي جعفر رحمه الله، اجتمع جماعة من وجوه الشيعة فدخلوا عليه، فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: (هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، القائم مقامي،

(١٢٥)

والسفير بينكم وبين صاحب الأمر، والوكيل والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم، وعوّلوا عليه في مهماتكم، فبذلك أمرت وقد بلّغت).
وقد كان فاضلاً موثوقاً ﻻ يختلف فيه اثنان من الثقات، حتى كان أبو سهل النوبختي يقول في حقه: (لو كان الحجة تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل).
وقد روى محمد بن إبراهيم بن إسحاق عنه أنه قال: (يا محمد بن إبراهيم؛ لئن أخرّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحبّ إليّ من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي).
وكانت مدّة نيابته إحدى وعشرين سنة.
توفي سنة 326هـ.
قبره: له مقام في بغداد يعرف باسمه في سوق الشورجة.
4- علي السمري:
اسمه: علي بن محمد السَّمَري - بفتح السين والميم معاً - أو السيمري، أو الصيمري، والمشهور المعروف هو الأول.
كنيته: أبو الحسن.
ميلاده: لم يصلنا تاريخ ميلاده، ولا ذكر المؤرخون فجر حياته، وإنما الذي ورد في كتب الرجال أنه كان من أصحاب الإمام أبي محمد الحسن بن

(١٢٦)

علي العسكري (عليه السلام)، ثم تولى السفارة المهدوية بعد الشيخ الجليل الحسين ابن روح بإيعاز من الإمام المهدي (عليه السلام).
ولم نجد نصاً خاصاً بسفارته وإنما الأدلة عليها أمور.
الأول: اتفاق كلمة الشيعة على ذلك خلفاً بعد سلف منذ أيام سفارته وحتى اليوم، فرابع النواب الأربعة هو علي بن محمد السمري بلا خلاف ولا منازع.
الثاني: خروج توقيعات على يده من الناحية المقدسة مما يدل على سفارته.
الثالث: توصية الحسين بن روح به، والحسين بن روح أجل وأرفع من أن يفعل مثل هذا الأمر الخطير المهم بلا أمر عن الإمام المهدي (عليه السلام).
الرابع: خروج التوقيع - الذي حمل وفاته - بانتهاء الدور للغيبة الصغرى وبدور الغيبة الكبرى، على يده مما يدل على سفارته، وكونه كالثلاثة السابقين سفيراً خاصاً للإمام المهدي (عليه السلام).
مدة سفارته: تولى السفارة عن الناحية المقدسة من 326 - عام وفاة الحسين بن روح - إلى 329 عام وفاته في النصف من شعبان(48).
وفاته: قبل ستة أيام من موته خرج من الناحية المقدسة توقيع على يده بانقطاع الغيبة الصغرى، وأن ﻻ يوصي إلى أحد وأنه ميت بينه وبين ستة أيام، فلما أن كان اليوم السادس وكان يجود بنفسه قيل له: من وصيك من بعدك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(48) غيبة الطوسي: ص243.

(١٢٧)

فقال: (لله أمر هو بالغه) ومات رضوان الله عليه.
قبره: له مزار معروف في بغداد هناك موضع قبره.

(١٢٨)

وكلاء آخرون للإمام المهدي
ثبت بالأحاديث الشريفة، والنقل التاريخي وجود وكلاء آخرين - غير السفراء الأربعة - للإمام المهدي (عليه السلام)، منتشرين في مختلف البلاد الإسلامية التي فيها أناس من شيعة الإمام ويحتاجون إلى وجود قنوات بينهم وبين الإمام (عليه السلام).
والفارق بين السفراء الأربعة، وبين الوكلاء الآخرين يمكن تلخيصه في أمرين رئيسيين:
(أحدهما): أن السفير يواجه الإمام شخصياً، ويراه مباشرة، ويسلمه الكتب والحوائج والأموال، وغيرها، ويتسلم منه الأجوبة والتعليمات الخاصة والعامة.. بينما الوكيل ليس كذلك، بل هو على اتصال بالإمام (عليه السلام) بواسطة السفير، فالوكيل همزة وصل بين الشيعة وبين السفير غالباً.
(ثانيهما): أن مسؤولية السفير في الحفاظ على الدين، وعلى الشيعة عامة ﻻ تخص بلداً، أو قطراً معيناً، بينما الوكيل مسؤوليته محدودة بمنطقته، أو بلده.
والمصلحة الأساسية والظاهرة من تعيين وكلاء آخرين يمكن استنباطها في عدة أمور:

(١٢٩)

(الأول): الإسهام في تسهيل مهمات السفراء وأعمالهم، إذ من الصعب جداً للشخص الواحد أن يتصل بشرق البلاد وغربها، ويكون المركز الوحيد للأحكام، والحوائج والرسائل والأمانات وغيرها، خاصة في ظروف التكتم، وملاحقة السلطات الظالمة القائمة للسفراء.
(الثاني): تسهيل الأمر على الناس، وأصحاب الرسل والحوائج، وتوسيع الأمر عليهم حتى ﻻ يتقيد من في إيران، أو الحجاز، أو غيرهما من الاتصال مباشرة بالسفراء القاطنين في بغداد.
(الثالث): المساهمة في إخفاء السفراء الأربعة، وكتمان أسمائهم وخصوصياتهم لكي ﻻ يعرفوا فيؤخذوا برقابهم، ويزج بهم في السجون، أو يقتلون.
ويظهر من نصوص عديدة أن السفراء كانوا مهددين بذلك من سلطات زمانهم.
ونحن نورد هنا أسماء عدد من الوكلاء - من غير استيعاب - فلعل بعضهم لم يسجل التاريخ اسمه، ولعل بعضهم كان في غاية الكتمان، ولعل بعضهم لم يصلنا تاريخه.
1- حاجز بن يزيد الملقب بالوشاء (49).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(49) منتهى المقال: ج1 ص241.

(١٣٠)

روى الكليني بسنده عن محمد بن الحسن الكاتب المحروزي أنه قال: وجهت إلى حاجز الوشاء مائتي دينار وكتبت إلى الغريم (يعني: الإمام المهدي (عليه السلام)) بذلك فخرج الوصول.
وذكر: أنه كان قبلي ألف دينار وإني وجهت إليه مائتي دينار.
فخرج التوقيع: إن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري.
فورد الخبر بوفاة حاجز (رضي الله عنه) بعد يومين أو ثلاثة... الحديث(50).
هذا الحديث يستنبط منه عدة أمور بالنسبة لحاجز.
(الأول) أن حاجزاً من وكلاء الناحية لتوثيقه من قبلها وخروج الوصول بسببه، وعند الناس لبعث الأموال إليه.
(الثاني) تعارف أن يرسل قسم من الناس بعض أموال الناحية المقدسة إلى حاجز.
(الثالث) ثبات حاجز على الوكالة إلى آخر عمره، فلم ينحرف كما انحرف بعض الوكلاء.
2- البلالي: وهو أبو طاهر محمد بن علي بن بلال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(50) غيبة الطوسي: ص257.

(١٣١)

عدّة السيد ابن طاووس - (قدّس سرّه) - في ربيع الشيعة من الوكلاء الموجودين في الغيبة الصغرى والأبواب المعروفين الذين ﻻ يختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي (عليه السلام) فيهم(51).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(51) جامع الرواة: ج2 ص153.
(أقول) يتكرر هنا في هذا الفصل ذكر كتاب (ربيع الشيعة) ونسبته إلى السيد ابن طاووس (قدّس سرّه) لكن في النسبة إشكالاً يظهر مما ذكره المحقق النوري (قدّس سرّه) في المستدرك (ج 3 ص469) كما يلي: عد العلامة المجلسي في أول البحار من كتبه ربيع الشيعة وقال بعد ذلك وكتب السادة الأعلام ابنا طاوس كلها معروفة وتركنا منها كتاب ربيع الشيعة لموافقته لكتاب أعلام الورى في جميع الأبواب والترتيب وهذا مما يقضي منه العجب، وقال العالم الجليل المولى عبد النبي الكاظمي في حاشية كتابه (تكملة الرجال) قد وقفت على أعلام الورى للطبرسي وربيع الشيعة لابن طاوس وتتبعتهما من أولهما إلى آخرهما فوجدتهما واحداً من غير زيادة ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير أبداً إلا الخطبة وهو عجيب من ابن طاوس على جلالته وقدرته وعن هذا العمل ولتعجبي واستغرابي صرت احتمل احتمالات فتارة أقول لعل ربيع الشيعة غيره ونحو هذا حتى رأيت المجلسي (رحمه الله) في البحار ذكر الكتابين ونسبها إليهما ثم قال هما واحد وهو عجيب وقال في حاشية أخرى كنت أنقل عن ربيع الشيعة لابن طاوس وأعلام الورى فرأيتهما من أولهما إلى آخرهما متحدان ﻻ ينقصان شيئاً ولا يتغيران ﻻ عنواناً ولا ترتيباً ولا غير ذالك إلا خطبتهما فأخذ في العجب العجاب وحدست أن ﻻ يكونا كتابين واحتملت أن يكون اشتباهاً من الناس تسمية أحدهما ربيع الشيعة فتتبعت كتب الرجال فلم أجد أحداًٍ ذكر اتحادهما حتى وقفت على البحار فوجدت ذكر كتاب ربيع الشيعة أنه هو بعينه أعلام الورى وتعجب هو من اتحادهما انتهى.
قلت هذا الكتاب غير مذكور في فهرست كتبه في كتاب إجازاته ولا في كشف المحجة وما عثرت على محل أشار إليه وأحال عليه كما هو دأبه غالباً في مؤلفاته بالنسبة إليها وهذان الجليلان مع عثورهما على الاتحاد واستغرابهما لم يذكرا له وجهاً وقد ذاكرت في ذلك مع شيخنا الأستاذ طاب ثراه فقال وأصاب في حدسه أن الظاهر أن السيد عثر على نسخة من الأعلام لم يكن لها خطبة فأعجبه فكتبه بخطه ولم يعرفه وبعد موته وجدوه في كتبه بخطه ولم يكن لهم علم بأعلام الورى فحسبوا أنه من مؤلفاته فجعلوا له خطبة على طريقة السيد في مؤلفاته ونسبوه إليه ولقد أجاد فيما أفاد.

(١٣٢)

وذكره الصدوق (قدّس سرّه) في قائمة الوكلاء في كتابه (كمال الدين وتمام النعمة).
وفي رجال الكشي: أن الإمام المهدي (عليه السلام) عبّر عنه في توقيع رفيع بأنه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه(52).
(لكن) مع ذلك كله قد ورد فيه الذم عن الناحية المقدسة (قال) الشيخ الحر في وسائل الشيعة (ج 20 - ص 325): وعدّه الشيخ في كتاب الغيبة من المذمومين [وسيأتي في آخر حقل الرسائل نقل تفصيل ذلك] وتوقف العلامة بعد نقل التوثيق والذم (ولا يبعد) أن يكون وجه الذم ما تقدم في زرارة ويكون مأموراً بما صدر عنه، أو يكون تغير في آخر أمره، على أن ما نقل عنه من سبب الذم ﻻ ينافي كونه ثقة في الحديث).
ويقصد بما تقدم في زرارة: ما ذكره في ص 196 قال: (وروى أحاديث في ذمه [يعني: زرارة] ينبغي حملها على التقية بل يتعين وكذا ما ورد في حق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(52) رجال الكشي: ص485.

(١٣٣)

أمثاله من أجلاّء الإمامية بعد تحقق المدح، من الأئمة (عليهم السلام).
3- ابن مهزيار: محمد بن إبراهيم بن مهزيار.
عدّه ابن طاووس من الوكلاء والأبواب المعروفين الذين ﻻ يختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي فيهم(53).
وذكره الصدوق (قدّس سرّه) في إكمال الدين في قائمة الوكلاء.
كما ورد التوقيع الرفيع في حقه: (قد أقمناك مقام أبيك فاحمد لله)(54) وكان يسكن أهواز.
4- ابن مهزيار: إبراهيم بن مهزيار، أبو محمد السالف الذكر.
ذكره ابن طاووس (قدّس سرّه) في ربيع الشيعة من الوكلاء للصاحب (عليه السلام)(55).
ويدل عليه التوقيع الرفيع الصادر إلى ابنه: (قد أقمناك مقام أبيك).
فهذا النص يدل على أن الأب أيضاً كان وكيلاً للإمام المهدي (عليه السلام).
5- أحمد بن إسحاق:

بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري، أبو علي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(53) جامع الرواة: ج1 ص44.
(54) غيبة الطوسي: ص171.
(55) جامع الرواة: ج1 ص35 ومستدرك الوسائل: ج3 ص550.

(١٣٤)

القمي، وكان وافداً لقميين روى عن الجواد (الهادي) وكان من خاصة أصحاب العسكري (عليهم السلام)(56).
قال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): (وكان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل ثم قال: منهم أحمد بن إسحاق...)(57).
وقد بشّره الإمام العسكري (عليه السلام) بولادة الإمام المهدي (عليه السلام) فيما ورد إليه من الكتاب الخاص به(58).
وفي ربيع الشيعة للسيد بن طاووس أنه من الوكلاء(59) وقد ذكره الصدوق (قدّس سرّه) في قائمة الوكلاء أيضاً(60).
6- محمد بن صالح:

بن محمد الهمداني الدهقان، من أصحاب العسكري، وكيل الناحية(61).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(56) رجال النجاشي: ص71.
(57) الغيبة: ص258.
(58) إكمال الدين: ص189.
(59) جامع الرواة: ج1 ص42 - 131.
(60) إكمال الدين.
(61) جامع الرواة: ج1 ص42 - 131.

(١٣٥)

ذكره الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) في قائمة الوكلاء(62).
وعدّه رجال الكشي: أن توقيع الإمام المهدي (عليه السلام) لإسحاق بن إسماعيل يدل على وكالته حيث ورد فيه: (فإذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا والذي يقبض من موالينا)(63).
(لكنه) على آخر عمره(64) أصبح منحرفاً وإنما كان ممدوحاً موثوقاً قبل انحرافه، ولعله هو المقصود من قول الإمام المهدي (عليه السلام) في بعض توقيعاته الشريفة (وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان عليه لعنة الله، وخدمته وطول صحبته فأبدله الله بالإيمان كفراً حين فعل ما فعل فعاجله الله بالنقمة ولم يمهله)(65).
7-  الأسدي:

محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي، الرازي كان أحد الأبواب(66).
وذكره الصدوق (قدّس سرّه) في الحديث المروي عنه نفسه أيضاً(67).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(62) إكمال الدين.
(63) عن رجال الكشي: ص485.
(64) جامع الرواة: ج1 ص42 - 131.
(65) جامع الرواة: ج2 ص427 - 83.
(66) جامع الرواة: ج2 ص427 - 83.
(67) إكمال الدين.

(١٣٦)

وله كتاب الرد على أهل الاستطاعة(68).
وقد أسلفنا في ذكر حاجز الوشاء نصب الإمام المهدي (عليه السلام) للأسدي في محل حاجز(69).
وهناك توقيعات متعددة عن الإمام المهدي (عليه السلام) في تعيين الأسدي هذا.
(منها) ما رواه النجاشي في رجاله عن صالح بن أبي صالح قال: سأني بعض الناس في سنة تسعين ومائتين قبض شيء فامتنعت من ذلك، وكتبت - يعني: إلى المهدي (عليه السلام) استطلع الرأي، فأتاني الجواب: (بالري محمد بن جعفر العربي فليدفع إليه فإنه من ثقاتنا)(70).
(ومنها) ما رواه أيضاً في رجاله عن أبي جعفر محمد بن علي بن نوبخت - في ثقة مفصلة وفي آخرها - فورد الجواب - يعني: عن الإمام المهدي (عليه السلام): (الأسدي نعم العدليل فإن تدم فلا تختر عليه)(71).
(ومنها) غير ذلك مما هو مذكور في الكتب المفصلة وسيأتي نقل بعضه منا أيضاً في محله.
8- القاسم بن العلاء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(68) فهرست الشيخ (قدّس سرّه): ص179.
(69) نقلاً عن غيبة الطوسي: ص257.
(70) رجال النجاشي: ص257.
(71) رجال النجاشي: ص257.

(١٣٧)

من أهل أذربايجان.
ذكره الصدوق (قدّس سرّه) في قائمة الوكلاء(72).
وقال ابن طاووس: إنه من وكلاء الناحية، يكنّى بأبي محمد(73).
عمّر مائة وسبع عشرة سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينين، ولقي الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) وكانت توقيعات مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) ﻻ تنقطع عنه على يد أبي جعفر بن عثمان العمري، وبعده على يد أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحهما(74).
ونقل الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في كتاب الغيبة، والراوندي في الخرائج، حديثاً مطولاً يدل على جلالة قدره من أجل أمور عديدة (منها) أن الإمام المهدي (عليه السلام) أرسل إليه قبل موته سبعة ثياب لتكفينه وأخبره أنه يموت بعد أربعين يوماً من وصول ثياب الكفن إليه، فمات في اليوم المذكور، وإذا لاحظنا أن الإمام المهدي (عليه السلام) كان قد بعث إلى عديد من الوكلاء والمتقين بالكفن عند موتهم، لكنه كان غالباً مقتصراً على ثوب واحد أو ثوبين أو ثلاثة فقط، من هذه الملاحظة يظهر التقدير الكبير للقاسم بن العلاء إذ بعث الإمام (عليه السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(72) إكمال الدين.
(73) جامع الرواة: ج2 ص19.
(74) غيبة الشيخ: ص188 وبعدها.

(١٣٨)

إليه سبعة ثياب للكفن (ومنها) أنه أوصى عند موته بحرمان أهله مما أوقفه على الناحية المقدسة إذا لم يكن من المتقين، وجواز الأكل من الموقوفة إذا كان من أهل التقوى، وهذا بنفسه يدل على تفاني القاسم بن العلاء في الله (ومنها) صدور التوقيع من الإمام المهدي (عليه السلام) بتعزية ابنه في موته، وقد جاء فيه هذا النص (قد جعلنا أباك إماماً لك وفعاله لك مثالاً) (ومنها) غير ذلك مما يجده الناقب من خلال الحديث المطول.
9- الحسن بن القاسم بن العلاء:

قد يستفاد من النص الآنف كونه من وكلاء الناحية المقدسة، وذلك من أجل كلمة (جعلنا) وأبعادها، وإن كنت لم أر من ذكره من الوكلاء، وهذا ﻻ يكون دليلاً على العدم إذ ﻻ شك أن فقهاءنا الماضين ومحدثينا السابقين لم يكونوا بصدد الاستيعاب في هذا المجال والله هو العالم.
10- محمد بن شاذان:

بن نعيم النعيمي النيسابوري.
ذكره الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) في قائمة الوكلاء التي ذكر فيها أسماء اثني عشر شخصاً بما فيهم اثنان من السفراء الأربعة وهما عثمان بن سعيد العمري، وابنه محمد بن عثمان.

(١٣٩)

وقد عدّه ابن طاووس من وكلاء الناحية وممن وقف على معجزات صاحب الزمان ورآه (عليه السلام) في ربيع الشيعة(75).
11- العطار:

ذكره الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) في الوكلاء، ولم نجد من ذكره غيره بهذا اللقب، وحيث أن العطار لقب لجماعة (منهم) محمد بن يحيى العطار، وابنه أحمد بن محمد بن يحيى، ويحيى بن المثنى العطّار، والحسن بن زياد العطّار، وعلى بن محمد بن عمر العطّار، ومحمد بن عبد الحميد العطّار، ومحمد بن أحمد بن جعفر القمي العطار، وداود بن يزيد العطّار، وغيرهم.
ﻻ نستطيع الجزم بأن من ذكره الصدوق (قدّس سرّه) أي واحد من هؤلاء، أو من غيرهم؟ إلا أن غاية ما يدل عليه كلام الصدوق (قدّس سرّه) وجود وكيل للناحية المقدسة بلقب (العطار).
12- العاصمي:

ذكره الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) في قائمة الوكلاء، ولم نجد أيضاً ذكره بالوكالة من شخص آخر. وهو لقب لشخصين فيما نعلم (أحدهما) أحمد بن محمد بن أحمد بن طلحة بن عاصم أبو عبد الله، وهو ابن أخي علي بن عاصم المحدّث، ويقال له العاصمي ثقة في الحديث، أصله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(75) جامع الرواة: ج2 ص130.

(١٤٠)

من الكوفة وسكن بغداد وروى عن الشيوخ الكوفيين(76). (وثانيهما) عيسى بن جعفر بن عاصم، وقد دعا له أبو الحسن الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)(77).
ولكن كليهما لم يوسم بالوكالة والسفارة (نعم) يدل كلام الصدوق (قدّس سرّه) على أن شخصاً ملقباً بالعاصمي وكيل للناحية المقدسة ولكنه من هو؟ هل أحد هذين أم غيرهما فالله أعلم.
13- أبو عبد الله البزوقري:

الحسين بن علي بن سفيان بن خالد بن سفيان.
روى الشيخ في الغيبة: عن بعض العلويين قال: كنت بمدينة (قم) فجرى بين إخواننا كلام في أمر رجل أنكر ولده، فأنفذوا إلى الشيخ(78) صانه الله وكنت حاضراً عنده أيده الله فدفع إليه الكتاب فلم يقرأه وأمره أن يذهب إلى أبي عبد الله البزوقري (أعزه الله) ليجيب عن الكتاب، فصار إليه وأنا حاضر. فقال أبو عبد الله: الولد ولده، وواقعها في يوم كذا وكذا، في موضع كذا وكذا، فقال له: فيجعل اسمه محمداً، فرجع الرسول إلى البلد وعرفهم،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(76) جامع الرواة: ج1 ص61.
(77) جامع الرواة: ج1 ص61.
(78) هو السفير الثاني أو الثالث على الظاهر.

(١٤١)

ووضح عندهم القول، وولد الولد وسمي محمداً(79).
ولا يخلو هذا الحديث من دلالة عرفية على أن البزوقري استقى هذه المعلومات عن الإمام المهدي (عليه السلام) مباشرة، أو بواسطة بعض السفراء.
ولذا قال العلامة المجلسي (قدّس سرّه) وهو يعلق على هذا الحديث: (يظهر منه أن البزوقري كان من السفراء، ولم ينقل).
وقال النجاشي في رجاله، والعلامة في الخلاصة: (شيخ ثقة جليل القدر من أصحابنا).
14- إبراهيم بن محمد الهمداني:

وكيل الناحية كان حج أربعين حجة(80).
كان عاصر الرضا، والجواد، والهادي، والعسكري (عليهم السلام)، وله وكالة عن الإمام الجواد، والهادي، والعسكري (عليهم السلام)، وله وكالة عن الإمام الجواد وجاء في بعض رسائل الجواد (عليه السلام) إليه: (وكتبت إلى مواليّ بهمدان كتاباً أمرتهم بطاعتك والمصير إلى أمرك وأن ﻻ وكيل لي سواك)(81).
لم يذكر اسمه في قائمة الوكلاء، إلا أنه ذكر ورود توقيع الإمام المهدي (عليه السلام) مبتدءاً من دون سبق سؤال بتوثيقه(82) وهو إذ ذاك من شيوخ الشيعة وكبارهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(79) كتاب الغيبة للطوسي (قدّس سرّه): ص187.
(80) جامع الرواة: ج1 ص33.
(81) عن رجال الكشي: ص508.
(82) الغيبة: ص258.

(١٤٢)

ومبرزيهم الذين لهم قدم في مدح عدد من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) إياهم.
وهذا التوقيع استفاد البعض منه وكالة الرجل وليس ببعيد والله العالم.
وقال النجاشي: إنه وكيل الناحية(83) (لكن) الكلام في ظهور هذه الكلمة في الوكالة عن الإمام المهدي (عليه السلام) بالخصوص، أو الأعم منها ومن الوكالة عن بعض آبائه (عليهم السلام).
15- أحمد بن اليسع بن عبد الله القمي:

قال في الوسائل: والظاهر أنه ابن حمزة بن اليسع(84).
وعليه بنى جامع الرواة، إذ لم يذكر سوى أحمد بن حمزة.
وقد ورد توقيع ربما يدل على وكالته، بل استظهر البعض وكالته منه.
(والتوقيع هو) ما عدّه أبي محمد الرازي قال: كنت أنا وأحمد بن أبي عبد الله بالعسكر (أي: سامراء) فورد علينا رسول من الرجل (وقد يستظهر كونه كناية عن الإمام المهدي (عليه السلام) فقال لنا: الغائب العليل ثقة، وأيوب بن نوح، وإبراهيم بن محمد الهمداني، وأحمد بن حمزة، وأحمد بن إسحاق ثقاة)(85).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(83) ترجم له في (خلاصة الرجال) ص9، والوسائل ج20 ص122 ومستدرك الوسائل: ج3 ص550.
(84) الوسائل: ج20 ص133.
(85) جامع الرواة: ج1 ص41.

(١٤٣)

ويستظهر ذلك من عبارة الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) أيضاً حيث قال في كتاب الغيبة: (قد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات يرد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل، ثم قال: (ومنعم أحمد بن إسحاق وجماعته يخرج التوقيع في حقهم)(86).

ولعل الشيخ الطوسي يشير بذلك إلى هذا التوقيع الشريف الآنف المتضمن لذكر أحمد بن حمزة أيضاً.
16- أيوب بن نوح

أيوب بن نوح من أصحاب الهادي والعسكري (عليهما السلام)، ومن وكلائهما، عظيم المنزلة، ثقة(87)، وقد شهد له الإمام العسكري بالجنة(88).
إلا أنه لم يذكر في وكلاء الإمام المهدي (عليه السلام). لكنه قد استظهر بعضهم وكالته من التوقيع الرفيع الصادر عن الإمام المهدي (عليه السلام) الذي يرويه أبو محمد الرازي وقد نقلناه آنفاً عند ذكر (أحمد بن اليسع) فراجعه.
17- الجعفري:

أبو هاشم داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر ابن أبي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(86) جامع الرواة: ج1 ص42، ترجم له رجال النجاشي: ص66 وخلاصة الرجال: ص8، والغيبة: ص258.
(87) الوسائل: ج20 ص145.
(88) الغيبة: ص212، ترجم له أيضاً رجال النجاشي: ص74، والفهرست للطوسي: ص40 وخلاصة الرجال: ص7.

(١٤٤)

طالب.
ذكره السيد بن طاووس (قدّس سرّه) في ربيع الشيعة وقال: (إنه من السفراء والأبواب المعروفين الذين ﻻ تختلف الشيعة القائلون بإمامة الحسن بن علي فيهم(89).
كما ذكره في قائمة الوكلاء الشيخ علي الحائري أيضاً في إلزام الناصب(90) ولم أجد غيرهما من يذكر وكالته عن الناحية المقدسة.
نعم قال عنه صاحب الوسائل: (من أهل بغداد، ثقة، جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمة (عليهم السلام)، شهد أبا جعفر، أبا الحسن وأبا محمد (عليهم السلام) وكان شريفاً عندهم، وذكر أنه شاهد الرضا (عليه السلام) أيضاً(91).
وفي الفهرست أنه شاهد الرضا، والجواد، والهادي، والعسكري، وصاحب الأمر (عليهم السلام)، وقد روى عنهم كلهم(92).
وقد ترجم له كل كتب الرجال بتفصيل فراجعها(93).
18- الرازي:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(89) جامع الرواة: ج1 ص307.
(90) إلزام الناصب: ج1 ص427.
(91) وسائل الشيعة: ج20 ص190.
(92) جامع الرواة: ج1 ص307.
(93) رجال النجاشي: ص113 - ومعالم العلماء: ص41 - وخلاصة الرجال: ص34 - ورجال الشيخ الطوسي (قدّس سرّه): ص414.

(١٤٥)

أحمد بن إسحاق، يحتمل كونه من الوكلاء. قال الأردبيلي في جامع الرواة (من أصحاب الهادي (عليه السلام) ثقة [صه](94) في (كش) حكى بعض ثقاة نيسابور أنه خرج لإسحاق بن إسماعيل بن أبي محمد(95) (عليه السلام) توقيع: (يا إسحاق بن إسماعيل إلى أن قال: فليؤد حقوقنا إلى إبراهيم وليحمل ذلك إبراهيم من عنده إلى الرازي رضي الله عنه أو إلى من يحمله الرازي قال ذلك عن أمري ورأيي إن شاء الله. ثم قال: وقد يحتمل الاتحاد)(96). فيكون هذا هو أحمد بن إسحاق الذي ذكرناه برقم -5-.
19- أبو جعفر: محمد بن أحمد.
لم أجد توصيفه بأكثر من ذلك، كما لم أجد ذكره من وكلاء الناحية المقدسة، إلا أن الذي يظهر من الرواية التالية والتوقيع الرفيع كونه من الوكلاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(94) الجهة المقدسة قد تكون كناية عن ناحية صاحب الأمر (عليه السلام).
(95) فيكون المقصود بـ (أبي محمد) الإمام الرضا (عليه السلام)، وإلا لو كان المراد به الإمام الحسن العسكري فهو غير صحيح إذ لا أخ لصاحب الامر (عليه السلام).
(96) جامع الرواة: ج1 ص41.

(١٤٦)

أخرج العلامة المجلسي عن القطب الراوندي في الخرايج قال: روي عن أحمد بن أبي روح قال خرجت إلى بغداد في مال لأبي الحسن الخضر بن محمد لأوصله وأمرني أن أدفعه إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (ثاني النواب الأربعة) فأمرني أن ﻻ أدفعه إلى غيره وأمرني أن أسأل الدعاء للعلة التي هو فيها وأسأله عن الوبر يحل لبسه؟
فدخلت بغداد، وصرت إلى العمري فأبى أن يأخذ المال وقال: صر إلى أبي جعفر محمد بن أحمد وادفع إليه فإنه أمره بأن يأخذه، وقد خرج الذي طلبت.
فجئت إلى أبي جعفر فأوصلته إليه فأخرج إلي رقعة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. سألت الدعاء عن العلة التي تجدها... - إلى آخره -(97).
وقد يكون من البيّن الظاهر: أن من يأخذ أموال الناحية المقدسة، ويحوّل النائب العمري إليه، ويعطي رقعة الناحية لابد أن يكون وكيلاً ﻻ متصلاً ولكن كسائر الوكلاء بواسطة النواب الأربعة.
غير أن الحديث هو في أنه من هو بالتعيين؟ هذا ما يحتاج إلى فحص ودقة أكثر، وقد ترجم جامع الرواة لعدة أشخاص يمكن كون الرجل أحدهم بهذا الاسم وهذه الكنية وفي ذاك الزمان(98).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(97) بحار الأنوار: ج53 ص197.
(98) جامع الرواة: ج2 ص58 - 63.

(١٤٧)

وهناك أسماء أخرى ذكرها بعضهم في قائمة الوكلاء للناحية المقدسة لم نجد مجالاً للتتبع والتحقيق فيهم واحداً واحداً، نذكرهم لعل من يتتبع كثيراً فيجد أدلة وشواهد أخرى على وكالتهم.
وهم كالآتي:
1- إبراهيم بن محمد.
2- والحسن بن محبوب.
3- وعمرو الأهوازي.
4- وأبو محمد الوجناتي.
ذكرهم الشيخ علي الحائري اليزدي في كتاب (إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (عليه السلام)) قال: (وقد كان في زمان السفراء (رضوان الله عليهم) أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة)(99)، وذكر أسماء عديدة منهم هؤلاء الأربعة.
أما إبراهيم بن محمد فهو مشترك بين متعددين ولم نعرف المقصود به أيهم ولعله الهمداني الذي ذكرناه برقم - 14-.
وأما الحسن بن محبوب فهو من أصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام) ومات سنة (224) أي: قبل ولادة صاحب الأمر (عليه السلام) باثنتين وثلاثين سنة، فكيف يمكن عده من وكلائه (عليه السلام)؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(99) إلزام الناصب: ج1 ص427.

(١٤٨)

ولعلّه مصحّف محمد بن علي بن محبوب.
وأما عمر الأهوازي، فلم أجد من ذكر له الوكالة من الناحية المقدسة، غير صاحب إلزام الناصب، (نعم) ذكر جامع الرواة أنه ممن أراه أبو محمد العسكري صاحب الأمر (عليهما السلام)(100)، ولعل صاحب الزام الناصب وجد له مدركاً والله أعلم.
وأما أبو محمد الوجناتي فلم أجده في كتب الرجال - في هذه العجالة - بهذه الكنية ولا ذاك اللقب، وأبو محمد في كتب الرجال كثير يعدون بالعشرات، فلم نعلم أنه أيهم. والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(100) جامع الرواة: ج1 ص618.

(١٤٩)

منزلة الإمام المهدي في القرآن (101)
(ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون). سورة القصص، آية 5 - 6.
هذه الآية من الآيات التي أولت برجعة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، التي تبدأ بظهور الإمام المنتظر وإن كانت في سياق الآيات الواردة في بني إسرائيل.
ودليل هذا التأويل:
1- أن هذه الآية لم ترد في القرآن بصيغة نقل إرادة سابقة، فلم ترد (وقلنا لبني إسرائيل: نريد أن نمنّ...) وإنما أوردت (الإرادة الفعلية) في القرآن، الذي نزل بعد غياب بني إسرائيل عن المسرح الديني، بنسخ شريعتهم مرتين، فقد نسخت شريعتهم، مرة بشريعة المسيح (عليه السلام) ونسخت مرة أخرى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(101) كان الإمام الشهيد الشيرازي المؤلف (قدّس سرّه) أراد في هذا الفصل أن يسجل العشرات من آيات القرآن المفسرة، والمُأوّلة (بالإمام المهدي) عليه الصلاة والسلام، ويعطي كل واحدة منها شيئاً موجزاً من التحليل والتوضيح.. لكنه - كما يبدو - لم يكن بعد قد سجل سوى مورد واحد من القرآن الحكيم حتى أسرعت إليه الأيدي الظالمة تصرع شهيداً في سبيل الإسلام.. رضوان الله عليه.

(١٥٠)

بالإسلام.
فهذه (الإرادة) الإلهية التي ترويها (ونريد) إرادة قائمة لم تكن قد نفذت حين نزول القرآن.
2- أن بني إسرائيل، لم يتمكنوا في الأرض عبر أئمة مطلقاً، وإذا صحّ أن سليمان بن داود حكم الأرض كلها، وافترضناه (إماماً) فذلك إمام واحد، وهذه الإرادة لمجموعة أئمة. لهم حكومة عالمية هم جماعة من الحكام، وليس حاكماً واحداً عبّر الله عنه وعن أعوانه بصيغة الجمع بدليل كلمة (الأئمة) ومن الثابت أن رتبة (الإمامة) وهي الولاية المطلقة، ﻻ تكون إلا لرجل واحد في عهده، فلا تكون لعدّة رجال في وقت واحد، وإنما يتوارثون هذه الرتبة بالتعاقب.
3- ووصف أولئك (الأئمة) بـ (الذين استضعفوا في الأرض) يدل على أنهم قادمون إلى الأرض مرتين، قدموا إليها مرة فاستضعفوا، ويقدمون إليها مرة أخرى فيمكنهم الله في الأرض. إذ ﻻ يمكن أن تكون مجموعة من الناس مستضعفين في الأرض، ثم يمكنهم الله فيها فيحكموها ويكونوا أئمة بالتعاقب مع العلم بأن الإمام ﻻ يستضعف إماماً آخر - لاشتراط العصمة فيهما - حتى نقول بأن كل واحد منهم كان مستضعفاً في حين وحاكماً في حين آخر.
4- أن كل الأفعال التي استخدمت في هذه الآية مستقبلية (نريد... نمنّ..

(١٥١)

نجعلهم.. ونجعلهم.. نمكّن.. نري) فهذه الأفعال الستة المستقبلية ﻻ تزال قيد التنفيذ. فتنحصر محتوى هذه الآية لمجموعة (أئمة) يحكمون الأرض، وإذا عرفنا أن النبي (صلّى الله عليه وآله) حصر الأئمة من بعده في اثنى عشر إماماً عددهم عدد نقباء بني إسرائيل كما في أحاديث متواترة، من جملتها قوله (صلّى الله عليه وآله): (الأئمة بعدي اثني عشر كلهم من قريش).
وإذا عرفنا أن أيّاً من الأئمة الاثني عشر لم يتمكن في الأرض سابقاً، نعرف أن تلك (الإرادة) لم تتحقق بعد، وإنما ستحقق لهم أنفسهم في وقت لاحق.
6- أن استخدام كلمة (الوارثين) يشير إلى أن أولئك الذين بشّرهم الله تعالى - في هذه الآية - بحكومة عالمية يأتون في آخر الزمان، فيرثون الأرض من جميع الذين حكموها قبلهم، ولو كانوا حلقة في سلسلة حكام الأرض لما عبّر القرآن عنهم بـ (الوارثين). كما لم يعبّر عن سليمان وصحبه، ولا عن يوسف وأعوانه بالوارثين. فلا ينطبق هذا التعبير إلا على جماعة يكون لهم المطاف الأخير في حكومة الأرض.
7- أن التمكين في الأرض لم يتحقق لأي إنسان منذ نزول هذه الآية فكيف بتحققه لمجموعة أشخاص. وإذا ظهر في المسلمين حاكم واحد أو مجموعة حكام - وافترضناهم أئمة - فإن أيّاً منهم لم يتمكن في الأرض كلها،

(١٥٢)

 وإنما تمكن في بعض الأرض، وهذه الآية تدل على أن إرادة الله سبقت لتمكين مجموعة من الأئمة في الأرض كلها.
يضاف إلى ذلك أن من نعرفهم من حكام المسلمين لم يكونوا - جميعاً - مستضعفين في حين وحكاماً في حين آخر، وإذا كان رأس كل سلسلة من الخلفاء مستضعفاً في حين، فإن بقية خلفاء أسرته ولدوا في بيوت الخلافة، فلم يستضعفوا في أي حين.
إذن، فهذه الآية بمجموع بنودها ﻻ يمكن أن تنطبق بدقة إلا على (الأئمة الاثني عشر) إذا عادوا إلى الحياة في آخر الزمان وحكموا الأرض في المطاف الأخير من عمر البشر.
وهنا قد ينبض سؤال يقول: إن قول الله تعالى في بقية الآية: (ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) وفرعون وهامان كانا معاصرين لموسى بن عمران فكيف يمكن صرف دلالة الآية عن موسى وبني إسرائيل.
وتتوارد الأجوبة:
1- إن فرعون تطاول على مقام الربوبية بشكل لم يتطاول عليه أحد، فلم يكتف بالكفر بالله وجحوده، ولم يكتف بادّعاء أنه أحد الآلهة - كما فعل نمرود - وإنما ادّعى أنه الربّ الأعلى وعمل برجاً ليطلع إلى إله موسى فيقتله إذا كان موجوداً - بزعمه - فلما عجز عن أن يرفع البرج إلى السماء حلّق في الجو على سفينة فضائية يرفعها العقبان وأطلق سهماً في اتجاه السماء مدّعياً

(١٥٣)

أنه قتل إله السماء... إلى آخر ما هو موجود في كتب السنّة... ثم طالت فترة حكومته أكثر من المتوقع ولم يعجّل الله عليه، حتى نشر جنوده في كثير من البلاد يعيثون فيها الفساد، بقي اسمه رمزاً أكبر للطواغيت، وحيث كان هامان وزيره وعقله المفكر بقي اسمه مقروناً باسمه، ولم تذهب من ذاكرة الناس أشباح جنودهما الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد. فإذا ذكر فرعون وهامان وجنودهما، ذكروا كرموز للطغيان، ﻻ كأشخاص، والظاهر أنهم ذكروا في هذه الآية كرموز فقط.
2- ﻻ يصح أن يكون المقصود (الذين استضعفوا في الأرض) موسى بن عمران وقومه، لأن رأسهم وهو موسى بن عمران لم يتمكن في الأرض، حتى بعد غرق فرعون، بل مات في التيه، خاصة وفي بقية الآية، (ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) وكأن الآية توحي بأن فرعون وهامان وجنودهما يكونون موجودين حين يتمكّن الذين استضعفوا في الأرض، ثم يرون منهم ما كانوا يحذرون - على نحو الترتيب -.
وقد يستأذن سؤال آخر يقول: إن المستضعفين في الأرض عنوان ذمّه القرآن في بعض آياته - فمثلاً - قال: (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم...) سورة النحل: آية 28. فكيف أصبح المستضعفون في هذه الآية عنواناً بلغت الإرادة الإلهية لمنحهم رتبة الإمامة وجعلهم حكاماً عالميين؟

(١٥٤)

ويندفع جواب يقول: يمكن تصنيف المستضعفين الذين أطرهم القرآن ثلاثة أقسام:
1- المستضعفون الضعفاء، كالعجزة والقاصرين الذين ﻻ يجدون في أنفسهم مادة الكفاح ضد المعتدين، ولا يطيقون تأمين أنفسهم ضد الحاجة فوجدهم الطغاة مادة يمكن امتصاص بقية الحياة منها ولو للديكور في الأروقة وعلى الأبواب، وهؤلاء - يمثلون قدسية الحياة ولو في أضعف مظاهرها - أمر الله بالدفاع عنهم إلى جانب الدفاع عن المقدسات، فقال: (... وما لكم ﻻ تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان ﻻ يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً) سورة نساء: الآية 98.
2- المستضعفون الأقوياء الذين يملكون طاقات كفاحية عالية، ومواهب قادرة على تصنيفهم عباقرة وعظماء، ولكنهم أهملوا أنفسهم وقنعوا بالتوافه والحقائر، فاستساغهم الأقوياء قاعدة يشيدون عليها مجد الطغيان ولأنهم (كذلك) رضوا بأن يدفعوا ضريبة الذل على أن يخوضوا الحياة بشجاعة المعترفين بواقع الحياة. ويستعرض القرآن مثلاً من هذا الصنف، من وجد نفسه في بلده تحت سلطة عاتية، فرضي بها على أن يهاجر منه إلى بلد

(١٥٥)

تتجاوب فيه نسائم الحرية والعدالة، ثم يصنفهم القرآن ظالمين ولكن لأنفسهم، ويعتبرهم مجرمين بين يدي ملائكة العذاب التي تتولاهم منذ لحظة الوفات، فيقول: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)؟ سورة النساء: الآية 97.
3- المستضعفون الأفوياء الذين يملكون طاقات كفاحية مخيفة، ومواهب جبّارة، واستنفدوا كل طاقاتهم ومواهبهم، ولكن التيارات القاهرة تناصرت عليهم، فأصبحوا مقهورين، مثل كل الأنبياء، مثل كل العظماء، والقرآن يقف من هؤلاء موقفاً إيجابياً يظهر في ترصيد جميع العواطف والأفكار الخيّرة حولهم، وفي تبشيرهم بالفوز في المطاف الأخير، لأن القوي الذي ﻻ يوفر شيئاً من امكاناته لابد أن يفوز فور ما تهدأ العاصفة ويتضح الأفق، فيقول: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض...) سورة القصص: الآية 5.

(١٥٦)

أسئلة وأجوبتها
1- إن الإمام المهدي (عليه السلام) عندما يظهر ﻻ يغيّر طبائع الناس ولا يصفّي نوازع الشر في النفوس، وإلا لبطلت تجربة الحياة، كما أن الأنبياء والأوصياء قبله لم يفعلوا ذلك. والدليل على ذلك أن يهودية تقتل الإمام المهدي (عليه السلام) وتظهر عينات الشر بعده بكثرة، ثم يكون إجماع العرب والعجم على قتل الحسين في الرجعة وظاهر تلك اليهودية واستمرار الصراع بين الخير والشر من خلال عينات عديدة تكشف بقاء التركيبة النفسية للبشر كما هي الآن.
س: إذن كيف يطهّر الأرض من الذنوب.
ج: قال بعض: ليس في الأحاديث أن الإمام المهدي (عليه السلام) يطهّر الأرض من الذنوب، كل ما هنالك أنه (يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً) فهو يقضي على التجاوزات ﻻ على الانحرافات العقيدية والمسلكية، التي تدور بين الفرد وربه. فلا يبقى ظالم ومظلوم. ولكن قد يبقى الكافر والعاصي في نطاق الأفراد أي ﻻ تبقى راية غير راية الإسلام. أما الفرد الكافر أو الفرد العاصي فلا يلغى من الأرض.
س: إذا كان البشر هذا البشر فكيف يقضي على التجاوزات؟
ج: 1- إنه يطهّر النظام وإذا طهّر النظام أصبح الجوّ صالحاً يربي

(١٥٧)

الصالحين ويقضي على المتجاوزين، وخاصة عندما يسود العالم نظام واحد ﻻ يداهن النظام خوفاً من الأنظمة المجاورة، ويشعر الناس بأنه ﻻ ملجأ لهم غيره فتنتهي التجاوزات والانحرافات العقيدية المعلنة، وتبقى الانحرافات الفردية أي يبقى أفراد غير مؤمنين أو غير ملتزمين.
2- إن الإمام المهدي بمقتضى إحاطته الشخصية بالناس كلهم وبمقتضى حكمه بالواقع ﻻ بالظاهر يطارد المتجاوزين - إلى جانب نظام حكمه - ومع تكرر التجارب وتكاثر الواقع يشعر كل فرد بأنه ﻻ يتجاوز إلا ويلاحقه الإمام نفسه، وأن أي فرد مهما أوتي من ذكاء وقدرةٍ على تحرير تجاوزاته على النظام المؤلف من الناس العاديين، فإنه ﻻ يستطيع تحرير أدنى تجاوز على الإمام الذي هو مصدر السلطات، فكيفّ الناس عن التجاوز، وإذا كانت طينة أحدهم ﻻ تساعد إلا على التجاوز، فسرعان ما يستأصل ليكون عبرة لغيره.
س: كيف يهيمن الإمام شخصياً على من في المغرب والمشرق من مقره بالكوفة وهو ﻻ يعدو كونه وصياً، من أوصياء خاتم النبيين ﻻ نبياً ولا ملكاً. وحتى الأنبياء لم يهيمنوا مثله، فكيف به وهو وصي نبي ﻻ أكثر؟
ج: لابد من الاعتراف بحكومة الطاقة على المادة أي المادة اللطيفة مسيطرة على المادة الكثيفة، فالنسبية العامة تسود المجرات وتحفظ الأبعاد المتناسبة بين الأجرام الفضائية. والجاذبية تشد الأرض وتستعيد شواردها، والروح تحكم في الجسد وتحرك أجهزته وخلاياه. والإدارة تهيمن على

(١٥٨)

الوحدة البشرية: (الفرد) فتنام وتستيقظ وتمشي وتأكل وتصارع، وتحرك يدك وتغمز بعينك بفاعلية الإرادة.
وتبقى الوحدة البشرية مملكة لسلطان الإرادة وتتصرف في الأشياء عن طريق استخدام هذه الوحدة ما دامت هذه الإرادة نواة ضعيفة، فإذا تمت تنميتها وتربيتها تكون قادرة على التصرف في الموجودات مباشرة بدون استخدام تلك الوحدة البشرية.
وتتنافس على تربية الإرادة مدرستان مدرسة سماوية هي مدرسة الرسالات ومدرسة أرضية هي مدرسة الشياطين وتسمى المدرسة الأولى بمدرسة التقوى بينما تسمى المدرسة الثانية بمدرسة السحر. والمتخرجون من المدرسة الأولى تسمى تصرفاتهم الخارجية باسم (المعجزات) إذا صدرت الأنبياء وباسم (الكرامات) إذا صدرت عن الأنبياء، والمتخرجون من المدرسة الثانية تسمى تصرفاتهم الخارجية باسم (الأعمال السحرية).
ويمتاز تلامذة المدرسة الأولى بأن لإرادتهم نوعاً من الخالقية فيوجدون أشياء بمجرد الإرادة كما يفعل أهل الجنة حيث يوجدون ما يشاءون، وكما عبّر القرآن عن المسيح (إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير) وكما ورد في الحديث القدسي: (عبدي أطعني أجعلك مثلى أو مثلي أقول للشيء كن

(١٥٩)

فيكون. وتقول للشيء كن فيكون).
وإذا كان الإمام المهدي يستخدم مثل هذه الصلاحية يكون من الهيّن بسط سلطانه الشخصي على الأرض، كما فعل سليمان بن داوود حيث سخر المخلوقات وأتى بعرش بلقيس من سبأ بلمح البصر، واختار حرسه من الوحوش والسباع.

(١٦٠)

حضارة الإمام المهدي
حضارة كل جيل حصيلة معرفة ذلك الجيل بالحياة، فمعرفة الإنسان بالموجودات تنعكس على تعامله معها، ومجمل تعامله مع الموجودات حضارته.
وقد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يعرف إلا ظواهر الموجودات فحدد تعامله معها بحدود ظواهرها.
لقد عرف ظواهر الأشجار كما هي، فاتخذ ثمارها طعاماً وأخشابها وقوداً وبيوتاً وسفناً.
وعرف ظواهر الحيوانات كما هي، فاتخذ لحومها طعاماً وجلودها وأصوافها متاعاً، وظهورها مراكب.
وعرف ظواهر الأرض كما هي فاتخذ من الصخور مساكن ومن السهول مزارع، ومن البحار أسماكها ولآلئها.
ونزل عمق الموجودات فاستخرج الحديد سلاحاً ولامة حرب، والذهب والفضة نقداً وزينة.
هذه المعرفة حددت حضارة الإنسان في العهود البدائية.
ثم أتت العهود الحديثة على الإنسان، فعرف (التحليل والتركيب) من

(١٦١)

جهة، وعرف، (النسبية العامة) من جهة أخرى. أي عرف تجزئة الشيء الواحد لاستخدام بعض جزئياته، وعرف تركيب الجزئيات المستخلصة من أشياء متعددة، لاستخدامها كشيء، واحد، وإلى جانب ذلك كله عرف قسماً من المعادلات التي تشد الموجودات ببعضها فاكتشف الكهرباء والذرة...
وكانت التكنولوجيا الحديثة. فلم يبق محصوراً في حدود التعامل مع ظواهر الموجودات، وإنما أصبح قادراً على التعامل مع جزئيات الموجودات، كما هو قادر على التعامل مع ظواهرها. فاستطاع أن يستخدم النفط - مثلاً - وقوداً، وأن يستخدم مشتقاته في ألوف الأغراض المختلفة. واستطاع أن يستفيد من الشعاع - مثلاً - للإضاءة، وأن يستفيد من مشتقاته لتحقيق آلاف الأهداف المتفاوتة.
فهذه المعرفة حددت حضارة الإنسان في العهود الحديثة.
ويأتي على الإنسان عهد آخر يعرف فيه جميع الطاقات المتفاعلة في الكون، بما فيها الطاقات الميتافيزيقية كطاقات الجن، والملائكة والشياطين - التي قد ﻻ يؤمن بها الكثيرون في الوقت الحاضر - ويعرف كيفية الاستفادة منها جميعاً، فيستطيع التنقل بين المجرات كما يتنقل اليوم بين أدوار البناية الواحدة ويستطيع اختراق حاجز الزمان والنور كما اخترق اليوم حاجز الصوت، ويستطيع الفرد أن يتعامل مع الموجودات بذات المرونة التي كان يتعامل بها أصحاب المعجزات مع الموجودات. ذلك سيكون عهد المعجزات

(١٦٢)

أو عهد الإمام المهدي (عليه السلام) الذي يفك جميع الرموز، ويعطي للإنسان كل العلم مائة في المائة (مائة حرفاً).
في العهود البدائية كانت تظهر بوادر تكنولوجية فظهر النفط واستخدم عبر أنبوب قائم ﻻ يشتعل أبداً، وظهرت الساعة الآلية وظهرت أشياء أخر لم تكن الذهنية العامة مؤهلة لاستقبالها فرموها بالسحر والجن والشيطان.
ولكن تلك البوادر كانت طلائع عهد هو عهدنا المعاصر.
وفي جميع العهود السابقة ظهرت معجزات لم تكن الذهنية العامة مؤهلة لاستقبالها فرموها بالسحر والجن والشيطان. ولكن تلك البوادر كانت طلائع عهد. هو عهد المعجزات أو عهد الإمام المهدي (عليه السلام)(102).

بيروت
حسن المهدي الشيرازي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(102) هنا انتهى المؤلف الشهيد (قدّس سرّه) من وضع هذه المقدمة ولم ينته بعد ما أراد إثباته فيها، فهذه المقدمة تعاني من عدم إكمال نتيجة رصاصات الغدر من بعث العراق عصر يوم الجمعة 16 جمادى الثانية 1400 هجرية فإنا لله وإنا إليه راجعون. الناشر.

(١٦٣)
(١٦٥)

رسالة إلى المفيد (103)
للأخ السديد والولي الرشيد(104) الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان(105) أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ على العباد(106).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(103) أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، الاحتجاج ص322 - 324 ج2 طبع النجف 1386هـ. ذكر كتاب ورد من الناحية المقدسة حرسها الله ورعاها في أيام بقيت من صفر سنة عشر وأربعمائة على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس الله روحه ونور ضريحه، ذكر موصله أنه يحمله من ناحية متصلة بالحجاز، نسخته:...
(104) في إعطاء المفيد هذه الأوصاف (الأخ السديد والولي الرشيد) والأوصاف التالية في الرسالة، والدعاء له بالدوات المتعددة في غضون الرسالة، ثم في تقديم اسمه على اسم الإمام المهدي، تكريم ما فوقه تكريم. والمعروف أن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) هو الذي أطلق عليه لقب المفيد.
(105) الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام البغدادي، أول من جسد المرجعية الشيعية، بعد انتهاء الغيبة الصغرى وابتداء الثيبة الكبرى فانعكست الصيغة المرجعية على الطبيعة من خلاله، بعد أن بقيت برهة من الزمان فكرة فضفاضة ﻻ تتراهى على أحد.
ولكن المفيد تصدى للقيادة المرجعية - وبتوجيه مباشر من الإمام المهدي (عجل الله فرجه) - واجتمعت ←

(١٦٧)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ فيه مؤهلات جمعت عليه كلمة الشيعة بلا منازع. فكان أولى من تجتمع عليه كلمة الشيعة بعد الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
وهذه الظاهرة تعبر عن مدى عظمة الرجل إذ الرجل إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما يلي:
1- إن المطامح الشيعية - تعلقت من خلال قيادات النبي والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) - تعلقت بنوع فريد من القيادات السماوية، عز نظيرها في الكون كله، ﻻ في التاريخ المنظر وغير المنظر فحسب، ولذلك كانوا أشد الناس على القيادات الأرضية. وفي الغيبة الصغرى بقي النواب الأربعة - بتوجيهات الإمام المهدي (عجل الله فرجه) - يهدهدون تلك المطامح، فيبادرون بعض مراجعيهم بالجواب قبل أن يبدأ بالسؤال، أو يخبرونه بحين موته أو موعد شفائه من مرضه. بالإضافة إلى أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم مجرد وسطاء بين الإمام المهدي وشعته، وربما يرافقون بعض الأشخاص لمقابلة الإمام فكانوا يتجاوبون مع المطامح الشيعية بشكل أو بآخر.
وبوفاة علي بن محمد السمري، وجد الشيعة أن قيادتهم انحصرت في فقهائهم، وفقهائهم ﻻ يتميزون عنهم إلا بقسط من المعلومات، فأصيبوا بفراغ قيادي ضاغط. فإجماعهم على الشيخ المفيد دليل على أنهم وجدوا فيه ←

(١٦٨)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ أكثر من مجرد فقيه.
2- بمجرد إعلان الإمام المهدي (عليه السلام) الغيبة الكبرى والقيادة اللامركزية انقطاع الأبواب إليه من خلال التوقيع الذي صدر إلى إسحاق بن يعقوب على يد محمد بن عثمان العمري عادت أفكار الفقهاء إلى ما لديها من تراث روائي في الفقه والتفسير والعقائد وغيرها وبدأوا عملية الاعتماد على النفس في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها. فتفرق العلم بين أهله وكان يرى رأيه حجة فيما بينه وبين الله، فاجتماعهم على الشيخ المفيد دليل على أنهم وجدوا فيه أكثر من مجرد فقيه.
وقد بدأ الشيخ المفيد يتجاوب مع المطامح القيادية الشيعية بعض الشيء، ويملأ شيئاً من الفراغ القيادي الذي أصيبت به الشيعة على أثر بدء الغيبة الكبرى من خلال ما يلي:
1- مواهبه الشخصية، فقد كان لغوياً جامعاً، وفقيهاً بارعاً، ومتكلماً لم ينهزم في خصام. ونكتفي في هذا المجال بتسجيل بعض ما كتب عنه أو قيل:
كتب الشيخ الطوسي في رجاله ص514: (محمد بن محمد بن النعمان جليل ثقة).
وكتب الشيخ الطوسي في (الفهرست) ص186: (محمد بن محمد بن النعمان المفيد يكنى (أبا عبد الله) المعروف بابن المعلم من جملة متكلمي الإمامية، انتهت إليه رئاسة الإمامية في وقته، وكان مقدماً في العلم، وصناعة الكلام، وكان فقيهاً متقدماً فيه حسن الخاطر، دقيق الفطنة حاضر الجواب). وكتب النجاشي في رجاله ص311: (شيخنا وأستاذنا رضي الله عنه، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه، والكلام، والرواية).
وكتب العلامة الحلي في (خلاصة الرجال) القسم الأول ص147: (محمد بن محمد بن النعمان... من أچل مشايخ الشيعة ورئيسهم وأستاذهم، وكل من تأخر عنه استفاد منه).
وكتب الشيخ عباس القمي في كتاب (الكنى والألقاب) ج3 ص164: (أبو عبد الله محمد بن النعمان... كثير المحاسن، جم المناقب، حديد الخاطر، حاضر الجواب، بلغ الرواية، خبير بالأخبار والرجال والأشعار. وكان أوثق أهل زمانه بالحديث، وأعرفهم بالفقه والكلام).
وكتب بعض علماء العامة عنه: (شيخ مشايخ الإمامية، ورئيس الكلام والفقه والجدل. وكان يناظر أهل كل عقيدة، وكان كثير الصدقات عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم خشن ←

(١٦٩)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ اللباس، وكان شيخاً ربعة نحيفاً أسمر... وكان كثير التقشف والانكباب على العلم، وكان يقال: له على كل إمامي منّة...).
قال عنه الشريف أبو يعلى الجعفري - وكان قد تزوج بنت المفيد -: (ما كان ينام الليل إلا هجعة، ثم يقوم، يصلي أو يطالع أو يدرس أو يتلو).
وكتب عنه ابن النديم: (في عهدنا انتهت رياسة متكلمي الشيعة إليه، مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه، دقيق الفطنة ماضي الخاطر، شاهدته فرأيته بارعاً).
2- مؤلفاته: فلعل الشيخ المفيد أول من ألف بالأسلوب الموسوعي في معارف الشيعة ومجموعة مؤلفاته تعتبر موسوعة شيعية تناول فيها أكثر المواضيع التي يحتاج إليها الفقهاء والرواة والمفسرون. وقد أكثر من التأليف وأحسن.
فقد أثبت النجاشي في ترجمته قائمة بأسماء كتبه، فبلغت (174) كتاباُ. وقال الشيخ الطوسي والعلامة الحلي وغيرهما: له قريب مائتي مصنف كبار وصغار.
3- تلامذته، فقد عهد بنفسه تربية طلابه، وكانت له حوزة واسعة تضم خيرة مثقفي الشيعة في عهده حتى نصب له منبر عديد الدرجات للدرس، ولم يكن يكتفي بتثقيفهم فحسب، وإنما يعتني بتربيتهم على التقوى والصلاح، ويكفي أنه ظهر في تلامذته الشريفان: الرضي، والمرتضى، والشيخ الطوسي...
4- جهاده، فحيث أنه جسد الشيعة علماً، ومثلهم قيادة، تركزت ضده التحديات الطائفية، وقد هاجم المتطرفون السنة أكثر من مرة مسجده، وفتكوا بالشيعة وهم يؤدون فريضة الصلاة، وذات مرة هاجموا منزله وأحرقوا مكتبته التي كانت تضم مخطوطات نفيسة جداً، ولكنه صمد في كل تلك الأزمات واستطاع أن يتغلب - بحكمته - على الموقف دون أن يثير حرباً طائفية. ←

(١٧٠)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ 5- علاقته بالإمام المهدي، فقد كان يتردد على من عاصرهم من النواب الأربعة، وبقي بعدهم على علاقته بالإمام المهدي بالمراسلة - وربما بالمشاهدة - ويذكر العلامة الحلي - في الرجال الكبير - قصة خلاصتها أن الإمام المهدي هو الذي أطلق عليه لقب: (المفيد)، والمعروف أنه هو الذي أمره بالفتوى، وعندما أخطأ في فتوى صحح الإمام فتواه، وعندما اعتزل الفتوى قال له الإمام: (أيها الشيخ المفيد منك الفتوى ومنا التسديد) ويقال: أنه عندما توفي وقف الإمام المهدي (عليه السلام) على قبره وأبنه بهذه الأبيات:

ﻻ صوت الناعي بفقدك أنه * * * يوم على آل الرسول عظيم
إن كنت قد غيبت في جدث الثرى * * * فالعلم والتوحيد فيك مقيم
والحجة المهدي يفرح كلما تليـ * * * ـت عليك من الدروس علوم

وهكذا كان الشيخ المفيد نموذجاً رائعاً للمرجع الديني في ذلك الوقت المبكر، واستطاع أن يوحد كلمة الشيعة بعد أن تمكنت منهم عوامل التمزق والانهيار.
ولعل الأسباب التي وجهت اهتمام الإمام المهدي (عليه السلام) إلى الشيخ المفيد تتلخص في أمرين:
1- قابلياته النفسية، وإخلاصه الكبير وعلمه الغزير، وجهاده المتواصل وسائر المواهب التي توفرت فيه بزخم. فالمؤهلات التي جعلته أفضل أهل زمانه كان من الطبيعي أن يعطف عليه اهتمام الإمام، حتى ولو تكن قضيته المرجعية مطروحة.
2- محاولة الإمام المهدي - من خلاله - توظيف القيادة اللامركزية في إبراز ظاهرة المرجع الأعلى، الذي ﻻ يمنع تنمية القابليات المرجعية ضمن نظام هرمي يحافظ على القمة، في الوقت الذي يشجع حركة التصعيد في المتوهجة من القواعد، حتى ﻻ ينتهي أمر المرجعية إلى إظهار عدد من الفقهاء، تتمزق بينهم الطائفة إلى كتل متنافسة أو متعايشة ﻻ تتمكن منها إرادة شمولية واحدة تستطيع التوجيه العام في أحيان السلم، والتعبئة العامة في ←

(١٧١)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ مواجهة التحديات.
وعندئذ يكون الفارق بين القيادتين: أن القيادة اللامركزية تعني استناد القيادة إلى مواصفات معينة، في أي شخص توفرت، وفي أي مكان وجد. فيما القيادة المركزية ﻻ تكتفي بمجرد المواصفات، وإنما تنتظر تعيين الأسماء بدلالة واضحة ﻻ لبس فيها ولا غموض.
ولد (رحمه الله) ببغداد سنة 338هـ، وتوفي لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة 413 عن عمر يناهز السادسة والسبعين، واشترك في تشييع جثمانه ثمانون ألف نسمة، وأدى الصلاة على جثمانه الشريف المرتضى بميدان (الاشنان) ببغداد حيث ازدحم بالمصلين على سعته ووري جثمانه الثرى في جوار الإمامين الكاظمين (عليهما السلام)، بمدينة الكاظمية، حيث مزاره الآن. ورثاه الإمام المهدي بأبيات من الشعر - مر نقلها - وقد كتبها على ضريحه، ورثاء الشريف المرتضى ومهيار الديلمي بقصيدتين من روائع الشعر فرحمه الله وطيب ثراه.
(106) في مجموعة من آيات القرآن إشارة إلى (العهد) و(الميثاق) والإهابة بالالتزام بهما، والتأنيب على نقض ذلك العهد، كقوله تعالى: (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق) سورة الرعد، آية 20. (ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً) سورة النمل، آية 95. (ألم عهد إليكم يا بني آدم أن ﻻ تعبدوا الشيطان) سورة يس، آية 60. (ومن أوفى بما عاهد عليه الله، فسيؤتيه أجراً عظيماً) سورة الفتح، آية 10. (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) سورة الرعد، آية 25.
ولقد أخذ الله العهد والميثاق من الناس في عالم سابق على هذا العالم، لعله عالم الذر الذي تحدث عنه القرآن بقوله: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بل شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) سورة الأعراف، آية 172.
وصيغة العهد كانت تحتوي على بنود عديدة يمكن تبين بعضها من خلال بعض الروايات ←

(١٧٢)

بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعد سلام الله عليك أيّها الوليّ المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين، فإنّا نحمد إليك الله(107) الذي ﻻ إله إلا هو، ونسأله الصلاة على سيّدنا ومولانا ونبيّنا محمد وآله الظاهرين.
ونعلمك - أدام الله توفيقك لنصرة الحق وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق- أنّه قد أذن لنا(108) في تشريفك بالمكاتبة وتكليفك ما تؤديّه عنّا إلى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ وآيات العهد والميثاق، أولها: الإيمان بالله ونبذ كل ما يعبد من دون الله. وثانيها: الإقرار بنبوة الأنبياء ووصاية أوصيائهم. وسائر أصول الدين وبعض فروعه حتى الجهاد في سبيل الله، وعدم الفرار من الزحف، كما يظهر من قوله (عزَّ وجلَّ): (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) سورة الأحزاب، آية 23. (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل ﻻ يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولاً) سورة الأحزاب، آية 15. بناءً على أن (عهد الله) - كلما ورد في القرآن - هو العهد الذي سبق خلق الأجساد.
وهذا العهد وإن لم يدخل في ذاكرة الجسد، إلا أنه مخزون في ذاكرة الروح، التي قد يصح التعبير عنها بالعقل الباطن، ونتيجة لتفاعل الروح والجسد ينعكس هذا العهد عليهما وقد يعبر عن نفسه فيما يسمى بالضمير.
والذين يجسدون على الأرض هذا العهد - نيابة عن الله - هم الأنبياء والأوصياء كل منهم في دوره وهذا الدور الذي نعيشه دور الإمام المهدي فهو الذي يجسد ذلك العهد.
فقوله: (مستودع العهد المأخوذ على العباد) يعني نفسه.

(107) أحمد إليك الله: أحمد معك الله. هكذا ورد في اللغة. والمعنى: أحمد الله موجهاً حمدي إليك. لأن الإنسان قد يحمد الله بينه وبين الله، وربما يحمد الله بينه وبين الناس تعليماً أو شعاراً كما قد يلبي سراً وربما يجهر بها.
(108) يظهر من هذا النص ما يلي: ←

(١٧٣)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ أ: إن قرارات الإمام المهدي - باعتباره وصياً معصوماً - ليست قراراته الشخصية وإنما هي قرارات السماء، فهو لم يراسل الشيخ المفيد إلا بإذن من مصدر القرار، وليس معنى إذنه نزول الوحي إليه بمراسلة المفيد، لأن (إذن الله) هو الاستمرار في السماح باستخدام الصلاحيات المخولة، بعدم وضع حد لها، بينما (أمر الله) هو التأسيس، عن طريق التكوين في المجال الكوني، وعن طريق الطلب في المجال الشرعي.
وبهذا توحي موارد استخدام كلمة (الإذن) في القرآن:
(فهزموهم بإذن الله) سورة البقرة، آية 251.
(وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب) سورة الرعد، آية 38.
(كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) سورة البقرة، آية 249.
فإذن الله للإمام المهدي أن يطلق له حرية استخدام الصلاحيات التي خولها إياه، ضمن المقاييس المقررة له.
ب: إن هذه الرسالة فاتحة رسائل عديدة تلقاها المفيد من قبل الإمام المهدي (عليه السلام) وإن لم يصل إلينا منها إلا هذه الرسالة وتاليتها. فقوله: (أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا... واعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه) يدل على أن الإمام المهدي (عليه السلام) اختار المفيد للقيام بدور معين مدى تبقى من حياة الثاني.
ج: إن غيبة الإمام المهدي تدرجت في ثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة القيادة بالوسائل حيث غيّر الإمام المهدي القيادة المباشرة إلى القيادة بالوسائط فقلص إطلالاته على جماهير الشيعة واكتفى باستقبال من يختار من علماء الشيعة ومحدثيهم، ولكن بلا موعد مسبق، وبدون مكان محدد من قبل، وذلك خلال السنوات الأخيرة من حياة والده العسكري وبعد وفاته بقليل. ←

(١٧٤)

موالينا قبلك أعزهم الله بطاعته وكفاهم المهمّ برعايته لهم وحراسته.
فقف - أمدّك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه - على ما تذكره(109) واعمل في تأديته إلى من تسكن إليه، بما نرسمه إن شاء الله. نحن وإن كنّا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين(110) - حسب الذي أراناه الله تعالى من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك مادامت دولة الدنيا للفاسقين - فإنّا نحيط علماً بأنبائكم. ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم(111) ومعرفتنا بالذلّ الذي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ الثانية: مرحلة السفراء الأربعة، حيث كان يتصل بالشيعة عبرهم، فيكتب الجواب على رسائلهم بخطه وتوقيعه. وقد يستقبل بعض الشيعة بواسطتهم وذلك خلال ثلاثة أرباع قرن تقريباً.
الثالثة: مرحلة المراسلة، حيث حصر اتصالاته في مراسلة شخص معين هو الشيخ المفيد وهي مرحلة وسطى بين النيابة الخاصة التي تولاها النواب الأربعة، ومرحلة النيابة العامة التي يتولاها الفقهاء المراجع.
وبعدها أصبحت الغيبة الكبرى، حيث ﻻ اتصال بعامة الشيعة وإنما يتصل ببعض خواص الشيعة عبر لقاءات سريعة ومتباعدة وخاصة للغاية، مكتفياً بالقيادة المرجعية.

(109) لعله يعني بـ (ما تذكره) الروايات المتوفرة لديه.
(110) منزل الإمام المهدي وعائلته في (جزيرة خضراء) ولكنها ليست معروفة بين الجزء المنتشرة على صخار البحار، كل ما هنالك أنها ليست خاضعة لسلطة سياسية، لأن الإمام المهدي هو الوحيد الذي يظهر وليست في عنقه بيعة لأحد ولا يعني ذلك أنه ﻻ ينتقل في المدن ولا يلتقي الناس كل ما هنالك أنه ﻻ يعلن عن نفسه. فعندما يظهر يقول بعض الناس: أهذا هو الإمام المهدي؟ لقد كنا نراه ولا نعرفه.
(111) إحاطة الإمام المهدي بأبناء شيعته يمكن أن تكون بإحدى الطرق التالية:
أ: الرؤية الثاقبة الشاملة التي وهبها لرسله وأوصيائهم المعصومين، وتحدث عنها في مقام استعراض المرحلة الأولى من مراحل انفتاح إبراهيم الرسالي قائلاً: (... وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) سورة الأنعام، آية 75. أو كما في الحديث الشريف الذي مضمونه: (إن الأرض لدى الإمام كالدرهم في كف أحدكم، يقلبها كيف يشاء).
ب: الوسائط الملكوتية التي يتعامل معها الإمام المعصوم بمقتضى مقام الولاية ففي الحديث الشريف - ما معناه -: إن الملائكة تعرض أعمال الخلائق على ولي الله كل أسبوع مرتين.
ج: الأجهزة البشرية المؤلفة من كبار الصالحين - الذين يعبر عنهم بأوتاد الأرض - وهم على اتصال شبه مستمر بالإمام المهدي، ويتعامل معهم تعامل الأنبياء والأوصياء مع حواريهم.
وعلى أي حال، الإمام المهدي ﻻ يعدم الوسيلة للاطلاع على أوضاع شيعته، إن لم تكن الوسيلة السماوية فالوسيلة الأرضية، فهو في أدنى الاحتمالات - ﻻ يقل عن أي قائد عادي يتابع أوضاع أتباعه.

(١٧٥)

أصابكم(112) مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ (منه)(113) وراء ظهورهم كأنهم ﻻ يعلمون إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم(114) ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء

(115)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(112) أي نعرف الذل الذي أصابكم، ولعل كلمة (معرفتنا) مبتدأ لخبر محذوف هو (ثابتة) أو ما بمعناه.
(113) أي من السلف، باعتبار أن السلف هو الذي عاهد النبي (صلّى الله عليه وآله) وبايعه، والخلف أقر ما عليه السلف باستمراره في الإسلام كما قبله السلف ما لم يصدر منه اعتراض.
(114) فالإمام المهدي يرعى شيعته ويدافع عنهم بمختلف الأساليب المتاحة له، وبشتى قدراته المادية والمعنوية، كما يجند أي إمام طاقاته لحماية جماعته. ولا شك أن لحماية الإمام المهدي أثراً بالغاً في صرف الأخطار عن شيعته.
(115) اللأواء: الشدة وضيق المعيشة.

(١٧٣)

واصطلمكم(116) الأعداء، فاتقوا الله جلّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم(117) من فتنة قد أنافت(118) عليكم، يهلك فيها من حمّ أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي إمارة لأزوف(119) حركتنا و(مبانيتكم) (مباثبتكم) بأمرنا ونهينا، (والله متم نوره ولو كره الكافرون)(120).
اعتصموا بالتقيّة؛ من شبّ نار الجاهليّة(121) يحشّشها عصب أمويّة يهول بها فرقة مهديّة(122).
أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن الخفيّة(123)، وسلك في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(116) اصطلمكم: استأصلكم.
(117) انتياشكم: انتشالكم.
(118) أناف على الشيء: طال وارتفع عليه.
(119) الأزوف: الاقتراب.
(120) سورة الصف: آية 8.
(121) أي اتقوا من إشعال نار الجاهلية، فإنكم إن أشعلتموها تستغلها عصابات أموية، إن لم تكن أموية النسب فأموية المسلك، وترعب بالنار ذاتها فرقة مهدية هي أنتم، فتكونوا أنتم الذين أشعلتم النار على غيركم ثم ﻻ تخمد إلا وتكونوا أنتم الذين احترقتم بها.
وقال: (اعتصموا بالتقية) بدلاً من الاعتصام بالمسبقات الموروثة التي تتجمع في المذهب والمراد من التقية - هنا - ليس كتمان العقيدة التي يحاربها المجتمع وإنما الهروب من الفتنة التي يشجعها المجتمع. وعبر بـ (نار الجاهلية) عن الحرب الطائفية تشديداً في استنكارها.
(122) حش - وحشاً الحرب: هيجها. و- النار: أوقدها وحركها بالمحش. والمحش: حديدة تحرك بها النار.
والعصب: جمع عصبة، وهي الجماعة من الرجال والخيل والطير.
(123) المواطن الخفية هي العورات أي النقاط الحساسة، لأن الإنسان الذي نازل قوماً قد يرميهم في مظاهرهم فلا يوجعهم فلا يبالون به، أو ﻻ يكلفون أنفسهم عناء الرد عليه، وربما يناضلهم فيستهدف مقاتلتهم فلا يملكون الإعراض عليه، فيكون موقفه هو موقف من يدعوهم إلى الإجهاض عليه.

(١٧٧)

الظعن منها السبل المرضيّة(124).
إذا حلّ جمادى الأولى من سنتكم هذه، فاعتبروا بما يحدث فيها، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليها، ستظهر لكم من السماء آية جليّة، ومن الأرض مثلها بالسويّة، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(124) الظعن منها هو الارتحال عنها.
وقد يكون في طبائع الناس شيء يوزعهم إلى تجار حروب ومصلحين، فهنالك من إذا رأى الحرائق تشتعل يروق له أن يلعب على تناقضاتها، فلا بد أن تمتد ألسنة اللهيب إليه لتخطفه وتزج به الحومة، وإلى جانبه من إذا رأى أزمة تحيط به ﻻ يسمح للأمر الواقع أن يأخذه إلى ما لم يخطط له، وإنما يحاول فرض موقفه على الأزمة - بسحب مبرراتها حتى تنطفئ - أو حسن التخلص منها أن عجز عن الإصلاح.
وقد يلاحظ الفرق بين كلام الإمام المهدي - هذا - وموقفه المبدئي الثابت، فهو هنا يوجه إلى حسن التخلص من الأزمات، بينما هو يهيئ لثورة عالمية شاملة تغطي جميع مظاهر الحياة.
ولكنها ملاحظة ساذجة نتجاوز العوامل المبدئية التي تفرز المواقف والتوجيهات، فقد تكون قضية مقدسة مطروحة على الساحة، تفرض على القيمين عليها الكفاح دونه بلا هوادة، وربما تكون الأنانيات الانفصالية هي التي تنزف مجتمعاً ﻻ خط له ولا هدف فعلى كل قادر أن يعجل لإيقاف النزيف أو النجاة بنفسه من النزف المهدور..

(١٧٨)

ويقلق، ويغلب من بعد على العراق، طوائف عن الإسلام مراق(125) تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق، ثم تنفرج الغمة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار، ثم يسرّ بهلاكه المتقون الأخيار ويتفق لمريدي الحج من الآفاق، ما يؤملونه منه على توفير غلبه (عليه) منهم وإنفاق، ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق، شأن يظهر على نظام واتساق(126) فليعمل كل امرئ منكم بما يقرّب به من محبتنا، ويتجنّب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجأة(127) حين ﻻ ينفعه توبة، ولا ينجّيه من عقابنا ندم على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(125) المارق: النافذ من كل شيء. - ومنه المارق الخارجي لمروقه من الدين الجمع: مارقون ومراق.
(126) في هذه الرسالة وفي الرسالة التالية تنبؤات لم نحاول استباق القراء إليها، وفضلنا تركها مفتوحة ليفسر كل حسب معلوماته ومستواه.
(127) ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) يفاجئ العالم غير المؤمن به والمؤمن به على حد سواء، فالعلائم المروية نظمت بشكل تحتمل تطبيقات مختلفة، ولعل الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) تعمدوا صياغها بهذا الشكل - بأمر الله تعالى - لإبقاء كل الأجيال التي عاصرت فترة الغيبة في حالة تهيؤ وترقب، ففي أي يوم يظهر فيه يكون ظهوره مسبوقاً بعلامات ومفاجئة في الوقت ذاته.
وكما يكون ظهوره مفاجئة، تكون تلبيته لنداءات المتوسلين به مفاجئة، فمن الثابت أنه يجيب بعض المتوسلين به ولا يجيب البعض الآخر، فكل متوسل به ﻻ يعلم هل هو ممن يجيبهم أو ممن ﻻ يحبهم، فإذا أجابه كان مسبوقاً بوعد ومفاجئة في الوقت ذاته.
وهذه ظاهرة طبيعية في حالة الغيبة، حيث ﻻ يستطيع أكثر الناس مقابلته ومشافهته، ليعرفوا ما إذا كان على استعداد لإجابتهم أو لا؟

(١٧٩)

حوبة(128) والله يلهمكم الرشد، ويلطف لكم في التوفيق برحمته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(128) لعل هذا النص يفسر بيوم الظهور (بعض آيات ربك) في قوله سبحانه: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك ﻻ ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً قل انتظروا إنا منتظرون) سورة الأنعام، آية 158.
وكأن القرآن يقول: لماذا ﻻ يعود الكفار والفساق إلى الإيمان والصلاح، مع تكاثر البراهين والدلائل؟ هل ينتظرون أحد الأيام الثلاثة الحاسمة؟ إذا كانوا ينظرون ذلك فعليهم أن يعرفوا أنه إذا جاء أحد تلك الأيام فلا تنفع أوبة الكفار ولا توبة الفساق. فليبادروا إلى الإيمان والصلاح قبلها. وهذه الأيام الثلاثة هي:
1- يوم الموت، حيث يكشف الغطاء عن المحتضر فيرى الملائكة. وقد رمز إليه القرآن بقوله: (... أن تأتيهم الملائكة).
2- يوم القيامة، حيث تظهر كل الحقائق والأسرار التي بشر أو أنذر بها الرسل والرسالات وتفعم الأجواء بأكبر قدر من الآيات الواضحة، حتى كأن الله - بكل ما يرمز إليه - قد أتى. وقد أشار إليه القرآن بقوله: (... أو يأتي ربك).
3- يوم ظهور الإمام المهدي الذي هو التحول الكبير، وقد عبر عنه القرآن بقوله: (... أو يأتي بعض آيات ربك).
فلا يمكن التشكيك في أن الظهور - باعتباره مبدأ الرجعة - أهم المنعطفات في حياة البشر، لأنه تحول من مرحلة التعامل بمقتضى الظاهر إلى مرحلة التعامل بمقتضى الواقع، وانتقال من فترة الانفلات إلى فترة الانضباط، وقفزة من دورة السكون النسبي إلى دورة الانطلاق، أي من دورة التكامل إلى دورة الكمال.
مضافاً إلى أنه حد فاصل بين التجربة الحرة والتجربة المرة.
فالظهور - بطبيعته - آية من آيات الله، على أنه يرافق ويستتبع آيات عظيمة، منها طوارئ جوية وتغييرات جيولوجية في الأرض لم يعرفها البشر من قبل، وخروج الأموات من قبورهم، وانكشاف سرائر الناس... إلى آخر ما تدل علية أحاديث الرجعة.

(١٨٠)

نسخة التوقيع
باليد العليا على(129) صاحبها السلام
هذا كتابنا إليك، أيّها الأخ الوليّ والمخلص في ودنا الصّفيّ. والناصر لنا الوفيّ، حرسك الله بعينه التي ﻻ تنام، فاحتفظ به، ولا تظهر على خطنا الذي سطرناه، ولا بما فيه ضمناه أحداً(130) وأدّ ما فيه إلى من تسكن إليه. وأوص

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(129) الإمام المهدي كان يضع توقيعه المدرج من الألقاب، ولكن الشيخ المفيد حيث استنسخ رسالة الإمام ليطلع عليها الثقات من المؤمنين، كتب مكان التوقيع: (نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام)، وهو يقصد بـ (اليد العليا) يد الإمام (عليه السلام).
(130) لأمر ما كان الإمام المهدي (عليه السلام) يحرص على أن ﻻ يطلع على رسائله إلا من يراسلهم، فالسفراء الأربعة لم يطلعوا على رسائل الإمام المهدي إلا شخصين أو ثلاثة أشخاص فقط من آلاف الناس الذين كانوا يرجعون إليهم خلال ثلاثة أرباع قرن - تقريباً - وفي هاتين الرسالتين نجد التأكيد على الشيخ المفيد أن ﻻ يطلع عليهما أحداً، مع أن الرسالة التالية لم تكن بخط الإمام المهدي نفسه، وإنما بخط ثقة من ثقاته.
ويلاحظ: أن النبي (صلّى الله عليه وآله) لم يكتب بيده شيئاً، وقد برره القرآن بقوله: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب، ولا تخطه بيمينك، إذن لارتاب المبطلون) سورة العنكبوت، آية 48.
والإمام علي (عليه السلام) رغم تفجر نشاطات في مختلف مجالات الحياة، ورغم أنه كان من كتاب الوحي، كتب عدة كتب بخط يده وبإملاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أو بإملاء الملائكة على فاطمة الزهراء (عليها السلام) بعد وفاة رسول الله ولكن تلك الكتب صارت من تراث الإمامة مع عصا موسى وخاتم سليمان ومزامير داوود ودرع رسول الله وسيف ذي الفقار، يتوارثها الأئمة فيما بينهم ويحرصون على عدم تسرب شيء منها إلى غيرهم. ورسائله إلى ولاته إمام لم تكن بخط يده، وإما جمعها الأئمة من بعده بطرقهم الخاصة، والنتيجة أنه لم ينتشر خط يده في الناس.
كما لم يحفظ شيء من خطوط سائر الأئمة (عليهم السلام) رغم أنهم كانوا يراسلون كثيراً من أوليائهم، ويجيبون على رسائل ومسائل تتوارد عليهم من مختلف الأقطار، ورغم أن الرواة كانوا حريصين على ضبط كل لفتة منهم.
وأما الإمام المهدي نجده - من خلال هاتين الرسالتين - صريحاً في تأكيده عدم انتشار رسائله حتى ولو كانت بخط كاتبه.
إن لذلك سبباً ﻻ نعرفه، وإن كان من الممكن القول بأن الإمام المهدي منع عن انتشار رسائله تعميقاً الغيبة.

(١٨١)

جماعتهم بالعمل عليه، إن شاء الله، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين(131).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(131) يلاحظ أيضاً - من خلال هاتين الرسالتين إلى الشيخ المفيد - أن الإمام المهدي يضع لرسائله مقدمة وخاتمة، وربما يكرر بعض العبارات، وهذا النوع من الضبط من ظواهر من يتقنون إحكام السيطرة على الأمور بالشكل الذي يرتأون حتى ﻻ يحدث أي خلل فيما يحاولون، ولعل لذلك لم تظهر الصيغ الحرفية الكاملة لرسائل الإمام المهدي إلى نوابه الأربعة وإنما كانوا يكتفون بنقل الفقرات الضرورية منها إلى المراجعين.
وبهذه الصبغة أحكم الإمام المهدي غيبته فلم تعثر أجهزة الحكومات في الدنيا على أثر له.
وبهذه الصفة يحكم الإمام المهدي سيطرة على الدنيا، ويضبط حتى الأمور الداخلية لجميع الناس، في عهده بعد الظهور.
ولعل الأمر بكتمان هذه الرسالة كان موقتاً بما قبل تلك الأحداث، وأما بعد انقضائها فلم تكن الدواعي ملحة على كتمانها، ولذلك أذاعها المفيد ووصلت إلينا.

(١٨٢)

رسالة ثانية للشيخ المفيد (132)
من عبد الله المرابط في سبيله، إلى ملهم الحقّ ودليله(133).
بسم الله الرحمن الرحيم. سلام الله عليك أيّها الناصر للحقّ، الدّاعي إليه بكلمة الصّدق.
فإنّنا نحمد الله إليك الذي ﻻ إله إلاّ هو إلهنا وإله آبائنا الأوّليين، ونسأله الصلاة على سيّدنا ومولانا محمّد خاتم النبيّين وعلى أهل بيته الطاهرين.
وبعد. فقد كنّا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائه، وحرسك به من كيد أعدائه وشفعنا ذلك(134) الآن من مستقرّ لنا ينصبّ في شمراخ من بهماء(135) صرنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(132) الاحتجاج - أبو منصور: أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص324 - 325:
... وورد عليه (الشيخ المفيد) كتاب آخر، من قبله صلوات الله عليه، يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة، سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، نسخته:...
(133) الإمام يقصد نفسه من (عبد الله المرابط في سبيله) كما يقصد المفيد من (مهلهم الحق ودليله).
(134) أي شفعنا مناجاتك، فدعمناها من الموقع الذي نحن فيه.
(135) شمراخ: هو العذق عليه بسر أو عنب. رأس الجبل. أعالي السحاب. والبهماء: المشكلة المبهمة. الصحراء وإذا فسرنا البهماء بالصحراء وفسرنا الشمراخ برأس الجبل يكون المعنى أن الإمام اختار مسكنه في قمة جبل في صحراء ومن هناك دعم مناجاة المفيد..

(١٨٣)

إليه آنفاً من غماليل(136) ألجأنا إليه السباريت(137) من الأيمان(138) ويوشك أن يكون هبوطنا إلى ضحضح(139) من غير بعد من الدهر، ولا تطاول من الزمان، ويأتيك نبأ منّا بما يتحدّد لنا من حال(140) فتعرف بذلك ما يعتمد (نعتمده) من الزلفة إلينا بالأعمال، والله موفّقك لذلك برحمته.
فلتكن - حرسك الله بعينه التي ﻻ تنام - أن تقابل بذلك فتنة تبسل نفوس قومٍ حرثت باطلاً لاسترهاب المبطلين(141) يبتهج لدمارها المؤمنون، ويحزن لذلك المجرمون.
وآية حركتنا من هذه اللوثة(142) حادثة بالحرم المعظّم، من رجس منافق مذمّم،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(136) الغماليل: الأمور المستورة المتراكبة.
(137) السباريت: المساكين.
(138) وهذا النص قد يدل على أن سابيات بعض الشيعة تنعكس على الإمام فيضطر إلى تغيير بعض أوضاعه السكنية والاجتماعية.
(139) الضحضح: الماء اليسير.
(140) وهذا النص يدل على أن الشيخ المفيد سيبقى على اتصال بالإمام بعد تاريخ هذه الرسالة.
(141) تبسل نفوس قوم: توردها الهلكة، واسترهاب المبطلين: تخويفهم، وربما المعنى أن جانبي الفتنة من أهل الباطل، فتترك دماراً يفرج به المؤمنون ويحزن المجرمون.
(142) اللوثة - بالضم - الاسترخاء والبطء ومنه. (التأثت راحلته): أبطأت في سيرها، وفي الحديث: (إن النفس قد تلتأث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه) المعنى قد تضطرب ولم تنبعث مع صاحبها - مجمع البحرين.
ولعل المقصود من (اللوثة): الغيبة، ومن (حركتنا): الظهور، والحرم المعظم هو المسجد الحرام، فتكون حادثة المسجد الحرام من علامات الظهور.

(١٨٤)

ستحلّ للدم المحرّم، يعمد بكيده أهل الإيمان، ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان، لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي ﻻ يحجب عن ملك الأرض والسماء(143) فلتطمئنّ بذلك من أوليائنا القلوب، وليتّقوا بالكفاية منه وإن راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة - بجميل صنع الله سبحانه - تكون حميدة ما اجتنوا المنهي عنه من الذنوب.
ونحن نعهد إليك أيّها الوليّ المخلص المجاهد فينا الظّالمين أيّدك الله بنصره الذي أيّد به السلف من أوليائنا الصالحين: إنّه من اتّقى ربّه من إخوانك في الدين، وأخرج ممّا عليه إلى مستحقيه، كان آمناً في الفتنة المبطلة، ومحنها المظلمة المضلّة، ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من أمره بصلته، فإنه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته(144).
ولو أنّ أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخّر عنهم اليمين بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا ممّا نكرهه ولا نؤثره منهم(145) والله المستعان، وهو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(143) الحوادث التي وقعت في المسجد الحرام عديدة، فلا نستطيع التأكد من الحادثة التي يعنيها الإمام هنا، فربما عنى بها حادثة يوم أول محرم عام 1400 هو ربما عنى بها غيرها.
(144) هذا النص عهد من الإمام المهدي (عليه السلام) بأن دفع الحقوق الشرعية ضمان للأمن من المحنة في الدنيا والفتنة في الدين، وأن البخل بها يعرض الدنيا والآخرة للبوار.
ولعل سبب تشديد الإمام المهدي في هذه الرسالة، وفي التوقيع الذي رواه أبو الحسن الأسدي، وفي أجوبته على أسئلة الحميري وغيره: أن العنصر الاقتصادي أهم العناصر في استمرار الحركة الدينية - في غيبته - بعد العنصر البشري.
(145) المعنى الظاهر لهذه العبارة: أن عدم اجتماع قلوب الشيعة على الوفاء بالعهد الذي أخذه الله عليهم هو الذي يؤدي إلى تأخير الظهور، ولو اجتمعت قلوب العدد الكافي منهم على التضحية المخلصة في سبيل الله - بما ﻻ يقل عن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً - يظهر الإمام المهدي (عليه السلام)، ولكن عدم توفر مثل هذا العدد حتى الآن - في المستوى المطلوب - هو الذي أدى إلى بقاء الإمام المهدي (عليه السلام) رهن الغيبة.
ويحتمل أن يكون المعنى: أن مشاهدة الإمام على حق المعرفة يتوقف على إخلاص القلب للوفاء بالعهد وطهارته من الذنوب. ويضعف هذا الاحتمال: أن كل من يكون مخلص القلب طاهراً من الذنوب يوفق لمشاهدة الإمام عارفاً به، ولو لم يكن على الأرض إلا إنسان واحد من هذا النوع، ولا يحتاج إلى اجتماع القلوب.

(١٨٥)

حسبنا ونعم الوكيل، وصلواته على سيّدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلّم.
وكتب في غرّة شوّال من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.
نسخة التوقيع
باليد العليا صلوات الله على صاحبها
هذا كتابنا إليك أيّها الوليّ الملهم للحقّ العليّ(146) بإملائنا وخطّ ثقتنا، فأخفه عن كلّ أحد، واطوه واجعل له نسخة تطّلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا، شملهم الله ببركاتنا إن شاء الله.
الحمد لله والصلاة على سيّدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(146) يظهر من هاتين الرسالتين مدى تعظيم الإمام المهدي (عليه السلام) للمخلصين من أوليائه. وقد كان دأب آبائه المهديين، كما قال ضرار لمعاوية ابن أبي سفيان - في وصف الإمام علي (عليه السلام): (... يعظم أهل الدين، ويحب المساكين).
ولعل الإمام المهدي كان يؤدي عملاً تربوياً من خلال مدحه للشيخ المفيد، ليشعره بأنه في هذا المستوى فعليه أن يحرص على أن يرتفع ﻻ أن ينحدر، والتعظيم يصعد النابهين كما يغر التافهين.

(١٨٦)

مسائل الأسدي (147)
.... أما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها؟ فلئن كان كما يقول الناس: (إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان) فما أرغم أنف الشيطان شيء أفضل من الصلاة، فصلّها وارغم الشيطان أنفه.
أمّا ما سألت عنه من أمر الوقف على ناحيتنا، وما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه فيه احتاج أو لم يحتج، افتقر إليه أو استغنى عنه(148).
وأما ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنا ويتصرف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(147) الاحتجاج - أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص298 - 300 عن أبي الحسن محمد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد علي من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه في جواب مسائل إلى صاحب الزمان:
(148) هذا النص ناظر إلى وقت المعاطاة - على ما هو المعروف بين الفقهاء من عدم لزومه - باعتبار أن أكثر الناس يوقفون بالمعاطاة، وهي ﻻ تتم إلا بالتسليم. أو ﻻشتراط القبض فيه وأما الوقف بالصيغة الشرعية فلا يصح العدول عنه.

(١٨٧)

فمن فعل ذلك فهو ملعون، ونحن خصماؤه يوم القيامة، وقد قال النبي (صلّى الله عليه وآله): (المستحل من عترتي ما حرّم الله ملعون على لساني ولسان كل نبي مجاب) فمن ظلمنا حقنا كان في جملة الظالمين لنا، وكانت لعنة الله عليه لقوله (عزَّ وجلَّ): (ألا لعنة الله على الظّالمين)(149).
وأما ما سألت عنه عن أمر المولود الذي نبتت غلفته بعد ما يختن مرة أخرى، فإنه يجب أن يقطع غلفته فإن الأرض تضج إلى الله تعالى من بول الأغلف أربعين صباحاً(150).
وأمّا ما سألت عنه عن أمر المصلى والنار والصورة والسّراج بين يديه، هل يجوز صلاته فإن الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك؟
فإنّه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران: أن يصلي والنار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(149) سورة الأعراف: آية 43.
(150) يمكن تفسير هذا النص وأمثاله باعتبارات كيماوية، ويمكن تفسيرها باعتبارات روحية لما ثبت بالكتاب والسنة: إن للجمادات كافة الأرواح والمشاعر - وإن كانت أرواحها ومشاعرها تختلف عن أرواح ومشاعر الإنسان والحيوان والنبات - وأنها مكلفة بتكاليف معينة من قبل الله تعالى - وإن كانت تكاليفها مختلفة عن تكاليف الإنسان والحيوان والنبات:
(... ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات وأوحى في كل سماء أمرها...) سورة فصلت، آية 11-12.
(ولقد آتينا داوود منا فضلاً يا جبال أوبي معه...) سورة سبأ، آية 10.
(قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم) سورة الأنبياء، آية 69.
(وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن ﻻ تفقهون تسبيحهم) سورة الإسراء، آية 44.

(١٨٨)

(والصورة) والسراج بين يديه، ولا يجوز(151) ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان والنيران.
وأمّا ما سألت عنه عن أمر الضياع التي لناحيتنا، هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج منها، وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية، احتساباً للأجر، وتقرّباً إليكم؟
فلا يحل لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحل ذلك في مالنا؟ من فعل ذلك بغير أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرّم عليه ومن أكل من أموالنا شيئاً فإنما يأكل في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً(152).
وأمّا ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة، ويسلمها من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(151) ﻻ يجوز - هنا - محمول على الكراهة. ولعل الحكمة فيها أن (العرق دساس) كما يقول الحديث الشريف - فالناس يتعصبون لآبائهم وإن لم يكونوا على نهجهم، ويغارون على كل ما أورثوا من عادات وتقاليد وإن لم يؤمنوا بها.
ذلك أن العوائد تطبع النفوس، فتورث كما تورث الصفات، والذكرى تهيج ذبذبة التراث. فلابد من حجها حتى تطمئن النفوس إلى ما استقرت عليه.
(152) ذلك أن الناس تعودوا أن يتصرفوا في أموال الله بلا تحرج متناسين أن الله جعلها للأمة، ثم يقيسون عليها أموال الإمام وكأنها من المباحات العامة، غير مكترثين بأن الله جعلها للإمام حتى تصرف في الخدمات الدينية أو على المتفرغين لها. وهذه الظاهرة هي دفعت عدداً من العلماء إلى السؤال وركز الإمام في أكثر من توقيع على أنه حرمتها أشد من حرمة أموال سائر الناس، لأن من يتطاول على مال غيره ينتهك حق شخص وفي التطاول على مال الإمام ينتهك حق الأمة.

(١٨٩)

قيّم يقوم بها ويعمّرها، ويؤدّي من دخلها خراجها ومؤنتها، يجعل ما بقي من الدّخل لناحيتنا؟
فإن ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيّماً عليها، إنما ﻻ يجوز ذلك لغيره.
وأمّا ما سألت عنه من الثمار من أموالنا يمر به الماء فيتناول منه ويأكل هل يحلّ ذلك؟
فإنّه يحلّ له أكله ويحرّم عليه حمله.

(١٩٠)

مسائل الحميري (153)، (154)
رقم 1
بسم الله الرحمن الرحيم. أطال الله بقاك، وأدام الله عزّك، وتأييدك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(153) الاحتجاج - أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص301 - 303: ومما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه من جوابات المسائل الفقهية أيضاً: ما سأله عنها محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري فيما كتب إليه وهو:
(154) محمد بن عبد الله الحميري من الأفاضل الموثوقين الذين كان يرجع إليه فقهاء الشيعة لمعرفتهم بأنه يراسل الإمام المهدي (عليه السلام) ويتلقى الجواب.
قال العلامة الحلي: في كتاب (خلاصة الرجال) ص75: (محمد بن عبد الله بن جعفر بن الحسين بن جامع بن مالك الحميري، أبو جعفر القمي، كان ثقة ووجهاً كاتب صاحب الأمر (عليه السلام) وسأله مسائل في أبواب الشريعة).
قال النجاشي: (.... وكان له إخوة) جعفر، والحسين، وأحمد (كلهم كان لهم مكاتبة).
والظاهر أنه كتب مسائله وأرفقها بالأدلة التي كانت تحضره ليتثبت مما كان يراه، ثم ترك - في رسالته - فراغات ليكتب الإمام أجوبته في تلك الفراغات، ثم روى الأسئلة والأجوبة معاً وعلم على الجواب بكلمة (التوقيع) أو (الجواب) أو (فأجاب) للتمييز بين كلامه وكلام الإمام.
قال النجاشي: (... وقعت هذه المسائل التي في أصلها والتوقيعات بين السطور).

(١٩١)

 وسعادتك، وسلامتك وأتمّ نعمته عليك، وزاد في إحسانه إليك، وجميل مواهبه لديك، وفضله عندك، وجعلني من السوء فداك، وقدمني قبلك(155) الناس يتنافسون في الدرجات، فمن قبلتموه كان مقبولاً ومن دفعتموه كان وضيعاً، والخامل من وضعتموه، ونعوذ بالله من ذلك وببلدنا أيّدك الله جماعة من الوجوه يتساوون ويتنافسون في المنزلة، وورد أيّدك الله كتابك إلى جماعة منهم في أمر أمرتهم به من معاونة، وأخرج علي بن محمد بن الحسين بن الملك المعروف بملك بادوكة(156) وهو ختن(157) رحمه الله من بينهم فاغتنم بذلك، وسألني أيّدك الله أن أعلمك ما ناله من ذلك، فإن كان من ذهب فاستغفر الله منه، وإن يكن غير ذلك عرفته ما تسكن نفسه إليه إن شاء الله.
التوقيع: (لم نكاتب إلا من كاتبنا).
وقد عودتني أدام الله عزك في تفضلك ما أنت أهل أن تخبرني على العادة، وقبلك أعزك الله فقهاؤنا قالوا: إنّا محتاجون إلى أشياء تسأل لنا عنها.
روى لنا عن العالم(158) (عليه السلام): أنه سئل عن إمام قوم صلى بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة(159) كيف يعمل من خلفه؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(155) أي جعل موتي قبل موتك. وهذا دعاء له بطول العمر.
(156) لم نعثر على ترجمته.
(157) الخَتَن - بفتحتين - قريب الزوجة من أب وأخ.
(158) الشيعة كانوا يرمزون بـ (العالم) عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام).
(159) أي مات في أثناء الصلاة.

(١٩٢)

فقال: (يؤخّر ويتقدم بعضهم، ويتمّ صلاتهم، ويغتسل من مسّه).
التوقيع: (ليس على من نحّاه إلا غسل اليد، وإذا لم يحدث حادثة يقطع الصلاة، تمم صلاته مع القوم)(160).
وروي عن العالم (عليه السلام): أن من مسّ ميتاً بحرارته غسل يده، ومن مسه وقد برد فعليه الغسل،
وهذا الإمام في هذه الحالة ﻻ يكون إلا بحرارة، فالعمل ما هو. ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسّه، فكيف يجب عليه الغسل.
التوقيع: (إذا مسّه على هذه الحال لم يكن عليه إلا غسل يده).
وعن صلاة جعفر: إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود، أو ركوع أو سجود وذكره في حالة أخرى قد صار فيها من هذه الصلاة، هل يعيد ما فاته في ذلك التسبيح في الحالة التي ذكرها أم يتجاوز في صلاته؟
التوقيع: (إذا سها في حالة من ذلك ثم ذكر في حالة أخرى، قضى ما فاته في الحالة التي ذكره).
وعن المرأة يموت زوجها، يجوز أن تخرج في جنازته أم ﻻ؟
التوقيع: (تخرج في جنازته).
وهل يجوز لها في عدتها أن تزور قبر زوجها أم ﻻ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(160) أي إن لم يقم المأموم الذي تولى تنحية إمام الجماعة عن المحراب بحركات ماحية لصورة الصلاة، يتابع مع الجماعة، فيقوم بدور الإمام.

(١٩٣)

التوقيع: (تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها).
وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حق يلزمها، أم ﻻ تبرح من بيتها وهي في عدّتها؟؟
التوقيع: (إذا كان حق خرجت فيه وقضته، وإن كانت حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت بها حتى تقضيها، ولا تبيت إلا في بيتها)(161).
وروي في ثواب القرآن في الفرائض وغيرها: أن العالم (عليه السلام) قال: (عجباً لمن لم يقرأ في صلاته: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) كيف تقبل صلاته)؟
وروي: ما زكت صلاة من لم يقرأ (قل هو الله أحد).
وروي: (أن من قرأ في فرائضه (الهمزة) أعطي من الثواب قدر الدنيا) فهل يجوز أن يقرأ (الهمزة) ويدع هذه السور التي ذكرناها، مع ما قد روي: (أنه ﻻ تقبل صلاة ولا تزكو إلا بهما)؟
التوقيع: (الثواب في السورة على ما قد روي، وإذا ترك سورة مما فيها الثواب وقرأ (قل هو الله أحد) و(إنا أنزلناه) لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ، وثواب السور التي ترك، ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامة ولكن يكون قد ترك الفضل).
وعن وداع شهر رمضان: متى يكون؟ فقد اختلف فيه أصحابنا، فبعضهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(161) فأصل الخروج من البيت لحاجة - ﻻ يوجد من ينظر فيها - يجوز، إنما المهم أن ﻻ تبيت خارج بيتها.

(١٩٤)

يقول: (يقرأ في آخر ليلة منه) وبعضهم يقول: (وهو في آخر يوم منه إذا رأى هلال شوال)؟
التوقيع: (العمل في شهر رمضان في لياليه، والوداع يقع في آخر ليلة منه، فإذا خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين).
وعن قول الله عزوجل: (إنه لقول رسول كريم) أرسول الله (صلى الله عليه وآله) المَعنيّ به؟ (ذي قوة عند ذي العرش مكين) ما هذه القوة؟ (مطاع ثم أمين)(162) ما هذه الطاعة وأين هي؟؟ - ما خرج لهذه المسألة جواب.
فرأيك أدام الله عزك بالتفضل عليّ بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل فأجبني عنها منعماً مع ما تشرحه لي من أمر علي بن محمد بن الحسين بن الملك المتقدم ذكره بما يسكن إليه ويعتد بنعمة الله عنده، وتفضّل عليّ بدعاء جامع لي ولإخواني في الدنيا والآخرة فعلت مثاباً إن شاء الله(163).
التوقيع: (جمع الله لك ولإخوانك خير الدنيا والآخرة).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(162) سورة التكوير، آيات 19- 21.
(163) يبدو أن الإمام المهدي (عليه السلام) كان يتبع الأسلوب النبوي في عدم الإجابة على الأسئلة التي ﻻ ضرورة منها للسائلين أو هي فوق مستوياتهم.

(١٩٥)

مسائل الحميري (164)
رقم 2
(165)... فرأيك أدام الله عزك في تأمل رقعتي والتفضّل بما أسأل من ذلك لأضيفه إلى سائر أياديك عندي ومننك عليّ، واحتجت أدام الله عزك أن يسألني بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهّد الأول إلى الركعة الثانية هل يجب عليه أن يكبر؟ فإن بعض أصحابنا قال: (ﻻ يجب عليه التكبير، ويجزيه أن يقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد)؟
الجواب: (إن فيه حديثين: أما أحدهما: (فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير). وأما الآخر: فإنه روى: (أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك في التشهّد الأول يجري هذا المجرى) وبأيهما أخذت من جهة التسليم كان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(164) الاحتجاج - أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص303: كتاب آخر لمحمد بن عبد الله الحميري أيضاً إليه عليه الصلاة والسلام في مثل ذلك:...
(165) هذه الرسالة - كالرسالة التي تليها - حذفت منها المقدمة استغناءً عنها بالمسائل وأجوبتها.

(١٩٦)

صواباً).
وعن الفص الخماهن(166): هل يجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه؟ الجواب: (فيه كراهية أن يصلي فيه، وفيه أيضاً إطلاق، والعمل على الكراهية)(167).
وعن الرجل اشترى هدياً لرجل غاب عنه، وسأله أن ينحر عنه هدياً بمنى فلما أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل ونحر الهدي، ثم ذكره بعد ذلك، أيجزي عن الرجل أم ﻻ؟
الجواب: (ﻻ بأس بذلك، وقد أجزأ عن صاحبه).
وعندنا حاكة مجوس، يأكلون الميتة، ولا يغتسلون من الجنابة، وينسجون لنا ثياباً، فهل يجوز الصلاة فيهما من قبل أن تغسل؟
الجواب: (ﻻ بأس بالصلاة فيها).
وعن المصلي، يكون في صلاة الليل في ظلمة، فإذا سجد يغلط بالسجادة ويضع جبهته على (مسح أو نطع) فإذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتد بهذه السجدة أم ﻻ يعتد بها؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(166) كلمة معربة تطلق على نوع من الحديد. وفي بعض النسخ (الجوهر) وإذا صح فالمراد غير الجواهر التي يستحب الصلاة فيها.
(167) من عادة الأئمة (عليهم السلام) أنهم كانوا يعملون على تربية المواهب لدى أصحابهم، ولعل التفصيل في الجوابين السابقين لتربية ملكة الاجتهاد لدى الحميري.

(١٩٧)

الجواب: (ما لم يستو جالساً فلا شيء عليه في رفع رأسه لطلب الخِمرة)(168).
وعن المحرم: يرفع الظلال هل يرفع خشب أو العمارية الكنيسة ويرفع الجناحين أم ﻻ؟(169).
الجواب: (ﻻ شيء عليه في ترك رفع الخشب).
وعن المحرم: يستظل من المطر بنطع أو غيره، حذراً على ثيابه وما في محمله أن يبتل، فهل يجوز ذلك؟
الجواب: (إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه، فعليه دم)(170).
وعن الرجل: يحج عن واحد، هل يحتاج أن يذكر الذي حج عنه عند عقد إحرامه أم ﻻ، وهل يجب أن يذبح عمن حجّ وعن نفسه أم يجزيه هدي واحد؟
الجواب: (قد يجزيه هدي واحد، ويذكره وإن لم يفعل(171) فلا بأس).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(168) حصيرة صغيرة كانت تضع ليسجد عليها - كالسجدة المعمولة من التراب - سميت خمرة لأنها تستر الوجه من الأرض.
(169) العمارية رقعة مزينة تخاط في المظلة، وتطلق على قماش المظلة، والكنيسية: نوع من المحمل تشبه هندسته الكنيسة. وفي مجمع البحرين: الكنيسة شيء يغرز في المحمل أو الرحل ويلقى عليه ثوب يستظل به الراكب ويستتر به.
(170) أي عليه أن يكفر بذبح شاة والتصدق بها.
(171) الظاهر أن هذين جوابان عن سؤالين دمجا معاً (ويذكره) أي: المنوب عنه في عقد الإحرام.
والهدي من الأنعام: ما يسوقه الحاج المقرن معه، فالقارن يسوق الهدي عند إحرامه، ويتخيّر بين التلبية والإشعار أو التقليد، ويختص البقر والغنم بتقليدها بنعل قد صلى فيه. وأما إن ساق الإبل فيتخير بين تقليدها، وبين إشعارها بأن يشق الجانب الأيمن من سنامها ويلطخ صفحتها بدمها.
وإذا ساق الهدي قرن بين عمرته وحجه بإحرام واحد، وإذا لم يسق تمتع بالعمرة إلى الحج وضحى يوم العيد بما يشتريه من منى.

(١٩٨)

وهل يجوز للرجل أن يحرم في كساء خزّ أم ﻻ؟
الجواب: (ﻻ بأس بذلك، وقد فعله قوم صالحون).
وهل يجوز للرجل أن يصلي في بطيط(172) ﻻ يغطي الكعبين أم ﻻ يجوز؟
الجواب: (جائز).
وعن الرجل يصلي وفي كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد، هل يجوز ذلك؟
وعن الرجل: يكون معه بعض هؤلاء(173)، ويكون متصلاً بهم، فيحج ويأخذ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(172) البطيط: نوع من الأحذية مفلطح مفتوق عند قبة القدم.
(173) وادي العقيق، ثاني المواقيت التي يحرم منها الحجاج، ويبعد عن مكة المكرمة مائة كيلومتراً تقريباً، وهو ميقات أهل العراق وأهل نجد، وكل من يمر به في طريقه إلى مكة. وأول هذا الميقات - من جهة العراق - موضع يقال له: (المسلخ) ووسطه (غمرة) وآخره (ذات عرق).
والشيعة يحرمون من (المسلخ) والسنة يحرمون من (ذات عرق).
فإذا اقتضت التقية تأخير الإحرام إلى (ذات عرق) وجب على الحاج أن يلبس ثوبي الإحرام ويلبي سراً من (المسلخ) ثم يلبس المخيط تقية وإن لم يمكنه ذلك أحرم بثيابه ولبى فإذا بلغ (ذات عرق) ينزع المخيط ويفدي للبسه في حالة الإحرام. والحاصل: إن الواجب هو الإحرام من المسلخ.

(١٩٩)

ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة(174) أم ﻻ يجوز إلا أن يحرم من المسلخ.
الجواب: (يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب، ويلبي في نفسه، فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهر).
وعن لبس النعل المعطون(175) فإن بعض أصحابنا يذكر أن لبسه كريه؟
الجواب: (جائز، ولا بأس به).
وعن الرجل: من وكلاء الوقف مستحلاً لما في يده، ولا يرع عن أخذ ماله ربما نزلت في قريته وهو فيها. أو أدخل منزله - وقد حضر طعامه - فيدعوني

(٢٠٠)

إليه، فإن لم آكل من طعامه عاداني عليه وقال: فلان ﻻ يستحل أن يأكل من طعامنا فهل يجوز لي أن آكل من طعامه وأتصدق بصدقه؟ وكم مقدار الصدقة؟ وأن أهدي هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر فأحضر فيدعوني إلى أن أنال منها، وأنا أعلم أن الوكيل ﻻ يرع عن أخذ ما في يده، فهل عليّ فيه شيء إن أنا نلت منها؟
الجواب: (إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه واقبل برّه، وإلا فلا).
وعن الرجل ممن يقول بالحق ويرى المتعة، ويقول بالرجعة، إلا أنّ له أهلاً موافقة له في جميع أموره، وقد عاهدها: ألا يتزوج عليها، ولا يتمتع - ولا يتسرّى وقد فعل هذا منذ تسعة عشر سنة. أيضاً لذلك، ويرى أن وقوف من معه من أخ وولد وغلام ووكيل وحاشية مما يقلله في أعينهم، ويحبّ المقام على ما هو عليه محبة لأهله وميلاً إليها، وصيانة لها ولنفسها، ﻻ لتحريم المتعة بل يدين الله بها، فهل عليه في ترك ذلك مأثم أم ﻻ؟
الجواب: (يستحبّ له أن يطيع الله تعالى بالمتعة، ليزول عنه الحلف في المعصية ولو مرة)(176).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(176) وجاء في (غيبة الطوسي) بعد تمام الكتاب ما يلي - مخاطباً الحسين بن روح رضوان الله عليه -: (فإن رأيت - أدام الله عزك - أن تسأل لي عن ذلك وتشرحه لي وتجيب في كل مسألة بما العمل به وتقلدني المنة في ذلك - جعلك الله السبب في كل خير وأجراه على يدك - فعلت مثاباً إن شاء الله تعالى. أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك وسعادتك وسلامتك وكرامتك وأتم نعمته عليك وزاد في إحسانه إليك وجعلني من السوء فداك وقدمني عنك وقبلك والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم كثيراً.

(٢٠١)

مسائل الحميري (177)
رقم 3
سأل عن المحرم: يجوز أن يشد المئزر من خلفه على عقبه بالطول، ويرفع طرفيه إلى حقويه ويجمعهما في خاصرته ويعقدها، ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما إلى خاصرته، ويشد طرفيه إلى وركيه، فيكون مثل السراويل يستر ما هناك، فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك، وهذا أستر؟
فأجاب: جاز أن يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في الميزر حدثاً بمقراظ ولا إبرة يخرجه به عن المئزر، وغرزه غرزاً ولم يعقده، ولم يشد بعضه ببعض، وإذا غطّى سرته وركبتيه كلاهما فإن السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة والركبتين، والأحب إلينا والأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة عند الناس جميعاً إن شاء الله).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(177) الاحتجاج - أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص306 - 309.
وفي كتاب آخر لمحمد بن عبد الله الحميري إلى صاحب الزمان (عليه السلام)، من جوابات مسائله التي سأله عنها في سنة سبع وثلاثمائة:...

(٢٠٣)

وسأل: هل يجوز أن يشد عليه مكان العقد تكة؟
فأجاب: (ﻻ يجوز شد المئزر بشيء سواه من تكة ولا غيرها).
وسأل عن التوجه للصلاة أن يقول على ملّة إبراهيم ودين محمد (صلّى الله عليه وآله)، فإن بعض أصحابنا ذكر: أنه إذا قال: على دين محمد فقد أبدع، لأنا لم نجده في شيء من كتب الصلاة خلا حديثاً في كتاب القاسم بن محمد عن جدّه عن الحسن بن راشد: أن الصادق (عليه السلام) قال للحسن: كيف تتوجه؟
فقال: أقول لبيك وسعديك.
فقال له الصادق (عليه السلام): ليس عن هذا أسألك. كيف تقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً.
قال الحسن: أقول.
فقال الصادق (عليه السلام): إذا قلت ذلك فقل: على ملّة إبراهيم، ودين محمد، ومنهاج علي بن أبي طالب، والائتمام بآل محمد، حنيفاً ومسلماً وما أنا من المشركين.
فأجاب (عجل الله فرجه): (التوجه كلّه ليس بفريضة، والسنّة المؤكدة فيه التي كالإجماع الذي ﻻ خلاف فيه: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفاً مسلماً على ملّة إبراهيم ودين محمد وهدى أمير المؤمنين، وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، ﻻ شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهم اجعلني من المسلمين

(٢٠٤)

أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم اقرأ الحمد.
قال الفقيه(178) الذي ﻻ يشك في علمه: إنّ الدين لمحمد والهداية لعلي أمير المؤمنين أنها له (عليه السلام) وفي عقبه باقية إلى يوم القيامة(179) فمن كان كذلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(178) يمكن أن يكون المراد من (الفقيه) هو الإمام الصادق، باعتبار الرواية عنه في السؤال ويمكن أن يكون المراد من (الفقيه) الإمام الكاظم لأن الشيعة كانوا يعبرون عنه بـ (الفقيه) أو بـ (فقيه أهل البيت). ويمكن أن المراد غيرهما من الأئمة، لأن هذا اللقب كان يطلق على كل منهم في زمانه.
(179) لابد من التوقف على هذه الكلمات بالعودة إلى أصول هذه الكلمات.
فالملة من الإملال، والإملال والإملاء بمعنى واحد. والملة في الأصل ما شرع الله لعباده على ألسنة الأنبياء وقولهم: (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة) سورة صآية 7. أي في ديانة عيسى. لأن الدين يكون إملاءً من الله وحياً أو من وراء حجاب أو بواسطة الملائكة.
والإسلام ملة إبراهيم (... وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم) سورة الحج آية 78. لأن أصول الإسلام نزلت على إبراهيم وحفظت عنه لتتابع الرسل والأنبياء، بعده..
والدين: ما يدان، فيحاسب ويجازي، ويطلق الدين على مجمل الشرائع التي يأتي بها رسول من قبل الله، فيجازي ويحاسب الذين يعاصرونه بمقتضاه في الآخرة. ودين الإسلام لمحمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) لأنهه هو الرسول الذي أتى به.
والهداية: الدلالة: وهي - في كل دين - لأوصياء رسوله. وفي الإسلام للأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).
س: إبراهيم الخليل ومحمد بن عبد الله وأوصيائه كلهم كانوا يهدون إلى الله وإلى صراط ←

(٢٠٥)

فهو من المهتدين. ومن شك فلا دين له، ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى).
وسأله عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه، يجوز أن يردّ يديه على وجهه وصدره للحديث الذي روي: (إن الله عزّ وجلّ أجلّ من أن يرد يدي عبده صفراً بل يملأهما من رحمته) أم ﻻ يجوز؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ مستقيم، فكيف صارت الهداية للأئمة فقط؟
ج: إن الله يهدي (... ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاًّ هدينا ونوحاً هدينا من قبل) سورة الأنعام، آية 84.
(إنك ﻻ تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) سورة القصص، آية 56.
وجميع أولياء الله يهدون (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) سورة السجدة، آية 24.
(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات) سورة الأنبياء، آية 73.
(ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) سورة الأعراف، آية 159.
(وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) سورة الأعراف، آية 181.
... ولكن الاختصاصات تختلف، فاختصاص الرسل تلقي رسالات السماء وتفريغها على القاعدة البشرية العريضة. فدورهم يشبه دور المؤسسين الكبار أو رؤساء البلاد. واختصاص الأنبياء تنبؤاتهم التي تدخل الحياة الخاصة لكل فرد حتى يبقى في ظل شخصية تؤكد له تداخل العالمين المادي والمعنوي، وسيادة عالم الروح على عالم المادة. فدورهم يشبه دور الحزب الحاكم الذي يملأ دائماً الفجوة التي تحدث - عادة - بين الشعب والدولة. واختصاص الأوصياء تفصيل المجمل، وإيضاح الغامض، وبلورة الأفكار، وشرح المواقف، فدورهم يشبه دور المسؤولين عن التوجيه المعنوي.
وهكذا يمكن أن نقول: أن دور إبراهيم كان دور التأسيس بعد انقراض شريعة، نوح، ودور الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) دور التكميل، ودور الأئمة دور الهداية.

(٢٠٦)

فإن بعض أصحابنا(180) ذكر أنه عمل(181) في الصلاة.
فأجاب (عليه السلام): (رد اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جائز في الفرائض، والذي عليه العمل فيه، إذا رجع يده في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء، أن يردّ بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه على تمهل، ويكبّر ويركع، والخبر صحيح وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض، والعمل به(182) فيها أفضل).
وسأل: عن سجدة الشكر بعد الفريضة، فإن بعض أصحابنا ذكر أنها (بدعة) فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة؟ وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟
فأجاب (عليه السلام): (سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها، ولم يقل إن هذه السجدة بدعة إلا من أراد أن يحدث بدعة في دين الله. فأما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع فأن فضل الدّعاء والتّسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعقيب النوافل كفضل الفرائض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(180) يقصد من أصحابنا: علماء الشيعة.
(181) عمل في الصلاة، أي عمل خارج عن الصلاة، والعمل الخارج عنها - إذا دخل فيها - يفسدها.
(182) أي العمل بالخبر المذكور أعلاه في النوافل أفضل فيرد يديه من القنوت على وجهه وصدره، ولا يفعل ذلك في الفرائض وإنما يرد راحتي يديه مع صدره سوية مقابل ركبتيه للركوع.

(٢٠٧)

على النوافل، والسجدة دعاء وتسبيح فالأفضل أن تكون بعد الفرائض فإن جعلت بعد النوافل أيضاً جاز)(183).
وسأل: إن لبعض إخواننا ممن نعرفه ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب، للسلطان فيها حصته وأكرته ربما زرعوا حدودها ويؤذيهم عمال السلطان ويتعرضون في الكل من غلات ضيعته، وليس لها قيمة لخرابها وإنما هي بائرة منذ عشرين سنة، وهو يتحرّج من شرائها لأنه يقال أن هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت عن الوقف قديماً للسلطان، فإن جاز شراؤها من السلطان، وكان ذلك صلاحاً له وعمارة لضيعته، وإنه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة لفضل ماء ضيعته العامرة، وينحسم عنه طمع أولياء السلطان، وإن لم يجز ذلك عمل بما تأمره به إن شاء الله تعالى؟
فأجاب: (الضيعة ﻻ يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره أو رضاءٍ منه)(184).
وسأل: عن رجل استحلّ امرأة خارجة من حجابها، وكان يتحرز من أن يقع ولد فجاءت بابن، فتحرج الرجل أن ﻻ يقبله فقبله وهو شاكّ فيه، وجعل يجري النفقة على أمه وعليه حتى ماتت الأم، وهو ذا يجري عليه غير أنه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(183) لأنها مستحبة، فتقديمها على النافلة أفضل، وتأخيرها ﻻ يضر كما أن تركها ليس حراماً.
(184) لأن ما يغتصبه السلطان يبقى ملكاً لمالكه الشرعي، فشراؤه من السلطان ليس أكثر من عملية صورية لرفع سلطته، وأما شراؤه الحقيقي فلا يتم إلا من مالكه.

(٢٠٨)

شاكّ فيه ليس يخلطه بنفسه، فإن كان ممن يجب أن يخلط بنفسه ويجعله كسائر ولده فعل ذلك وإن جاز أن يجعله له شيئاً من ماله دون حقه فعل؟
فأجاب (عليه السلام): (الاستحلال بالمرأة يقع على وجوه، والجواب يختلف فيها فليذكر الوجه الذي وقع الاستحلال عليه به مشروحاً ليعرف الجواب فيما يسأل عنه من أمر الولد إن شاء الله).
وسأله الدّعاء له فخرج الجواب:
 (جاد الله عليه بما هو جل وتعالى أهله، إيجابنا لحقه، ورعايتنا لأبيه رحمه الله، وقرّبه منّا، وقد رضينا بما علّمناه من جميل نيّته، ووقفنا عليه من مخاطبته، المقر له من الله، التي يرضي الله (عزَّ وجلَّ) ورسوله وأوليائه (عليهم السلام) والرحمة بما بدأنا، نسأل الله بمسألته ما أمله من كل خير عاجل وآجل، وأن يصلح له من أمر دينه ودنياه ما يجب صلاحه، إنه ولي قدير).

(٢٠٩)

مسائل الحميري (185)
رقم 4
بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاك وأدام عزّك وكرامتك وسعادتك وسلامتك، وأتمّ نعمته عليك وزاد في إحسانه إليك، وجميل مواهبه لديك، وفضله عليك، وجزيل قسمه لك، وجعلني من السوء كله فداك، وقدمني قبلك(186).
إن قبلنا(187) مشايخ وعجايز يصومون رجباً منذ ثلاثين سنة وأكثر، ويصلون بشعبان وشهر رمضان. وروى لهم بعض أصحابنا: أن صومه معصية؟
فأجاب (عليه السلام): (قال الفقيه(188): يصوم منه أيّاماً إلى خمسة عشر يوماً (ثم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(185) الاحتجاج - أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص309 - 315. وكتب (الحميري) إليه صلوات الله عليه أيضاً في سنة ثمان وثلاثمائة كتاباً سأله فيه عن مسائل أخر. كتب:...
(186) أي جعل وفاتي قبل وفاتك.
(187) قبلنا: عندنا.
(188) الفقيه في مصطلح الحديث - هو الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ففي عهد الإمام الكاظم

(٢١٠)

كان الإرهاب الرشيدي يلاحق الشيعة، ويكفي دليلاً على مدى إرهاب هارون الرشيد، أن ذرية النبي تنكروا وهربوا إلى أفريقيا وإن الإمام الكاظم بقي سبع سنوات - على المشهور - مسجوناً في الزنزانات الانفرادية تحت الأرض، ثم توفي مسموماً وحمل جثمانه أربعة من الحمالين.
فكان الشيعة يرمزون عن الإمام الكاظم (عليه السلام) بـ (الفقيه) وبـ (العالم) وربما بـ (الرجل). وفي مجمع البحرين: (قد يطلق العالم ويراد به أحد الأئمة من غير تعيين) ولعل أحدهم من غير تعيين هو المعني بـ (العالم) في بعض الأحاديث التالية، لأنها تشير إلى روايات مأثورة عن غير الإمام الكاظم (عليه السلام).
ويلاحظ أن الإمام المهدي (عليه السلام) يستشهد بعض الروايات أو بعض الأئمة - كما نجد في هذا الحديث وأحاديث أخرى - رغم أن قوله حجة كأقوالهم. ولعل سبب ذلك:
1: توجيه العلماء إلى الاعتماد على الروايات المأثورة عن أهل البيت جميعاً وعدم محاولة استقصاء المعارف الإسلامية عن طريق مراسلته فقط، وكأنه يريد إشعارهم بأن أهل البيت جميعاً خطوط متوازية إلى الإسلام وهو واحد نزل من عند الأحد.
2: تكريم آبائهم (عليهم السلام)، شأن كل الأئمة والأنبياء الذين كانوا يروون عن أسلافهم: ﻻ لقصور فيهم وإنما تخليداً لأولئك الأسلاف في سلسلة الأقداس. كما نجد القرآن الكريم وسائر كتب السماء تروي عن الأنبياء السابقين وربما عن غيرهم كلقمان رغم أنها هبطت من عند الله الذي هو مرسل الرسل ومصدر الرسالات، ولكنه أراد أن يلم البشر بالترابط الوثيق بين شجرة النبوة وجذورها الممتدة حتى المظهر الأولي للإنسان، وأن يتواكب مع توجهات السماء إلى الأرض وتجاوب الرسالات مع تطور الإنسان، حتى ﻻ يحسبها أطروحة مرتجلة أو تجربة مجهولة النتائج والأبعاد.
3: إن الإمام المهدي (عليه السلام) حيث لم يكن حاضراً يحاور أنصاره وأعدائه حتى الإقناع والإفحام اختار الاستناد إلى المسلمات العقلية أو الإسلامية أحياناً، وأحياناً الاعتماد على الروايات المأثورة عن آبائه ليكون أبعد عن التفنيد والتشكيك.

(٢١١)

يقطعه) إلا أن يصوم عن الثّلاثة، الأيام الفائتة(189)، للحديث: (إن نعم شهر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(189) لعل المعنى: يصوم عن الأشهر الثلاثة الأيام الفائتة بأن يصومها قضاءً إذا كانت عليه، لأن صوم القضاء مقدم على صوم الندب. وإلا فإن عدداً من الأحاديث تؤكد استحباب صيام الأشهر الثلاثة.
ولعل هذا النهي عن سيدنا ومولانا صاحب الزمان (صلوات الله عليه) إنما هو لأجل أن أبا الخطاب كان قد روى وجوب صوم رجب وشعبان، فنهي الأئمة (عليهم السلام) نهي وجوب، أو نهي انتشار عمل لكي يعرف الاستحباب، قال شيخنا الحر العاملي - قدس الله نفسه الزكية - في الوسائل: (قال الكليني: وجاء في صوم شعبان أن (عليه السلام) سئل عنه فقال: ما صامه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولا أحد من آبائي - أقول - حمله الكليني على إرادة نفي الفرض والوجوب وأنهم ما صاموه على ذلك الوجه بل على الاستحباب (قال) وذلك أن قوماً قالوا: أن صومه فرض مثل صوم شهر رمضان وأن من أفطر يوماً من شعبان وجبت عليه الكفارة) وسائل الشيعة: ج7 ص361 - 362.
وقال في الجواهر: (الثالث عشر والرابع عشر صوم رجب كله أو بعضه ولو يوماً منه أولاً أو آخراً أو وسطاً وكذا شعبان بالضرورة من المذهب أو الدين بل ﻻ يمكن إحصاء ما ورد في فضل صومهما من سُنّة سيد المرسلين وعترته الهادين كما ﻻ يمكن إحصاء ما أعد الله على ذلك على صومهما إلا لرب العالمين بل من شدة ما ورد في شعبان منهما ابتدع أبو الخطاب وأصحابه وجوبه وجعلوا على إفطاره كفارة ولعله لذا ترك كثير من الأئمة صيامه مظهرين للناس بذلك عدم وجوبه في مقابلة بدعة أبي الخطاب جواهر الكلام: ج17 ص108. ←

(٢١٢)

القضاء رجب).
وسأل: عن رجل يكون في محمله والثلج كثير بقامة الرجل، فيتخوّف إن نزل الغوص فيه، وربما يسقط الثلج وهو على تلك الحال ولا يستوي له أن يلبّد شيئاً منه لكثرته وتهافته، هل يجوز [له] أن يصلي في المحمل الفريضة؟ فقد فعلنا ذلك أياماً فهل علينا في ذلك إعادة أم ﻻ؟
فأجاب: (ﻻ بأس [به] عند الضرورة والشّدة).
وسأل: عن الرجل يلحق الإمام وهو راكع فيركع معه ويحتسب تلك الركعة، فإن بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتدّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ وأبو الخطاب هذا كان واحداً من أصحاب أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) واسمه (محمد ابن مقلاص الأسدي) فابتدع في الأحكام وأصبح ملعوناً، ومما كان قد ابتدعه القول بوجوب صوم شهر شعبان. قال في جامع الرواة: (محمد بن مقلاص الأسدي الكوفي أبو الخطاب غال ملعون... قال أبو جعفر بن بابويه [يعني: الشيخ الصدوق (قدّس سرّه)]: اسم أبي الخطاب زيد، قال ابن الغضايري: إنه مولى بني أسد لعنه الله، وأمره شهير وأرى ترك ما يقول أصحابنا حدثنا أبو الخطاب في أيام استقامته جامع الرواة: ج2 ص203.
قال المحدث القمي (قدّس سرّه) في سفينة البحار: (كان أبو الخطاب في عصر جعفر بن محمد (عليهما السلام) فكفر وادعى أيضاً النبوة وزعم أن جعفرَ (عليه السلام) إله (تعالى الله (عزَّ وجلَّ) عن قوله) واستحل المحارم كلها ورخص لأصحابه فيها، وكانوا كلما ثقل عليهم أداء فرض أتوه فقالوا: يا أبا الخطاب خفف عنا فيأمرهم بتركه حتى تركوا جميع الفرائض واستحلوا جميع المحارم وأباح لهم أن يشهد بعضهم لبعض بالزور قال: من عرف الإمام حل له كل شيء كان حرم عليه فبلغ أمره جعفر بن محمد (عليه السلام) فلم يقدر عليه بأكثر من أن لعنه وتبرأ منه وجمع أصحابه فعرفهم ذلك وكتب إلى البلدان بالبراءة منه واللعنة عليه وعظم أمره على أبي عبد الله (عليه السلام) واستفظعه واستهاله انتهى. سفينة البحار: ج1 ص401.

(٢١٣)

بتلك الركعة؟
فأجاب: (إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتدّ بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة الركوع)(190).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(190) الفتوى على أن من أدرك الإمام في حالة الركوع اعتد بتلك الركعة وإن لم يدرك تسبيحه ولا تكبير الركوع، استناداً إلى أحاديث صحيحة معمول بها فيحمل مثل هذا التوقيع على ضروب من الفضيلة أو غيرها إذ لم ينقل القول به عن أحد من الفقهاء قديماً وحديثاً سوى الشيخ في نهاية الأحكام والعلامة في التذكرة مع موافقتهما للمشهور في سائر كتبهما، بل عبارة التذكرة غير ظاهرة في مخالفة المشهور، فلا يبعد تحقق الإجماع عليه، قال في الجواهر: (الأشهر، بل ﻻ أجد فيه خلافاً بين المتأخرين كما اعترف به في الذكرى والرياض فنسباه فيهما إليهم، بل نسبه في السرائر إلى المرتضى ومن عدا الشيخ من الأصحاب، بل في الغنية نفى الخلاف عنه مطلقاً بل الشيخ نفسه حكى عليه الإجماع في الخلاف مكرراً) الخ جواهر الكلام: ج13 ص14.
وقال الأخ الأكبر في (الفقه) - بعد كلام طويل (خلافاً للمحكي عن التذكرة ونهاية الأحكام فاشترطا إدراك المأموم ذكراً قبل رفع الإمام رأسه وكأن مستندهما خبر الحميري المروي في الاحتجاج عن صاحب الزمان (عليه السلام) ثم ذكر الخبر إلى أن قال: وفيه مضافاً إلى ضعف هذا الخبر مسنداً وإعراض المشهور منه) الخ. الفقه: ج15 ص337.
وقال في المستمسك: (لكنه - أي: خبر الحميري - ضعيف ﻻ يصلح لتقييد غيره، مع وهنه بإعراض الأصحاب ولاسيما مع آباء بعض ما سبق عن التقييد) الخ المستمسك: ج7 ص201.
وقال الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه - بعد أن ذكر خبر الحميري -: (وفيه بعد تسليم السندان ظهور صحيحتي الحلبي وسليمان بن خالد في الإطلاق وكون الرفع سبباً للفوات وحداً للإدراك أي إناطة الحكم وجوداً وعدماً بإدراكه راكعاً وعدمه أقوى من ظهور هذه الشرطية المسوقة لنفي اعتبار سماع التكبير في المفهوم فيحتمل أن تكون الشرطية جارية مجرى العادة من عدم حصول الجزم بإدراكه راكعاً في الغالب إلا في مثل الفرض، أو أريد به التمثيل بالفرد الواضح الذي ﻻ يتطرق إليه شبهة عدم اللحوق المانعة عن الاعتداد به - كما ستعرف - الخ. مصباح الفقيه، كتاب الصلاة ص627.
ولعل أفضل الاحتمالات الحمل على الفضيلة الذي ليس نادراً - بل هو كثير غايتها - في أخبار الأوامر والنواهي التكليفية والوضعية، الشرطية وغيرها، وقد احتمله أخيراً الفقيه الهمداني (قدّس سرّه) أيضاً فراجع.
وقال المحقق النراقي (قدّس سرّه) في صلاة الجمعة من المستند: (إن خبر الاحتجاج يفيد بالمفهوم عدم الاعتداد لو لم يدرك تسبيحة واحدة ولكن في إفادتها الوجوب نظر فيمكن أن يراد المرجوحية وقلة الكمال) وقد ختم النراقي كلامه بقوله: (ومراعاة مدلوله أحوط). مستند الشيعة ج1 ص413.

(٢١٤)

وسأل: عن رجل صلى الظّهر ودخل في صلاة العصر فلمّا أن صلّى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنه صلّى الظهر ركعتين، كيف يصنع؟
فأجاب: (إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين وإن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخرتين تتمة لصلاة الظّهر، وصلّى العصر بعد ذلك)(191).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(191) بعض الفتاوى ﻻ يعتمد هذا النص بوجود نصوص معارضة. وعلى العموم هذا الحديث معرض للاجتهاد كبقية الأحاديث. وعملية الاستنباط تتوقف على جميع النصوص الواردة في القضية المطروحة للاجتهاد، والنظر فيها وفق المقاييس المأثورة التي نقحت في علم (أصول الفقه). ←

(٢١٥)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ ولكي يجلو الأمر لا بأس بتوسع في المسألة. قال الحجة اليزدي في (العورة الوثقى): (إذا تذكر في أثناء العصر أنه ترك من الظهر ركعة قطعها وأتم الظهر، ثم أعاد الصلاتين، ويحتمل العدول إلى الظهر بجعل ما بيده رابعة لها إذا لم يدخل في الركوع الثانية ثم إعادة الصلاتين) العروة الوثقى، كتاب الصلاة - ختام فيه مسائل متفرقة - المسألة السابعة. وطرح بعض الفقهاء المعاصرين احتمالاً آخر هو إلغاء ما صلاها بنية الظهر من أجل إبطال التكبير له، وإتمام ما صلاها عصراً بنية الظهر، ثم قال: وهذا الاحتمال أقرب الوجوه..
وما اعتمده هذا التوقيع الرفيع لصاحب الزمان (عليه السلام) لعله هو الأوفق بالقواعد الشرعية، إذ ليس من المؤكد أن مثل هذا التكبير بنية صلاة أخرى يكون مبطلاً لصلاة الظهر، لانصراف إبطال الركن بزيادته - على فرض تسليم أصله - عن مثل المقام الذي هو بنية صلاة أخرى، هذا إذا قلنا بوجود إطلاق في المسألة، وإلا فالإجمال أو الإهمال ﻻ تكون نتيجته أكثر من الجزئية، دون الكلية.
إذن في مسألة التوقيع الشريف فمقتضى القاعدة: أنه إذا لم يأت بالمنافي يجعل الركعتين اللتين صلاهما بنية العصر يجعلهما أخرتي الظهر، ويكمل الصلاة بنية الظهر، ويسجد سجدتي السهو للسلام الزائد، ولذا أفتى بذلك جمع من فقهاء العصر من أمثال أستاذنا الميلاني والحجة الكوهكمره أي (قدّس سرّهما) وأخي الأكبر وآخرون غيرهم أيضاً.
ومن الغريب رد جمع له من أمثال البروجردي، والحكيم - طاب ثراهما - فقد علق الأول على المتن بقوله: (هذا - أي احتمال المصنف - ضعيف وإن وردت به رواية شاذة) ويقصد بها هذا التوقيع لعدم ثبوت شق صحيح له يعتمد عليه في الحكم الشرعي. وقال الثاني: في المستمسك: (وهذا الاحتمال ﻻ وجه له ظاهراً... نعم قد يشهد له التوقيع المروي عن الاحتجاج عن محمد بن عبد الله الحميري عن صاحب الزمان (عليه السلام)... إلى أن قال مع ظهور هجره عند الأصحاب وكونه مرسلا فتأمل) المستمسك: ج7 ص604.
(وأما لو كان) قد أتى بالمنافي فمقتضى القواعد الشرعية بطلان الركعتين اللتين صلاهما بنية الظهر لعدم قابلية الاتصال بينها وبين ما صلاها بنية العصر، يبقى افتتاح الصلاة بنية العصر لمن عليه الظهر، فيعول بالنية، ويكملها ظهراً، فالتوقيع نصفه معمول به عندنا لموافقته للقواعد الشرعية، ونصفه غير معمول به عندنا لعدم تطابقه للقواعد الشرعية، مع كونه غير حجة سنداً لبناء الأحكام الشرعية، ولم يعمل الفقهاء حتى يجبره عملهم وتفصيل المسألة محله الكتب المفصلة في الفقه.

(٢١٦)

وسأل: عن أهل الجنّة (هل) يتوالدون إذا دخلوها أم ﻻ؟
فأجاب: (إن الجنّة ﻻ حمل فيها للنساء ولا ولادة، ولا طمث ولا نفاس ولا شقاء بالطفولية، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين(192)، كما قال سبحانه، فإذا اشتهى المؤمن ولداً خلقه الله بغير حمل ولا ولادة على الصورة التي يريد كما خلق آدم عبرة).
وسأل: عن رجل تزوّج امرأة بشيء معلوم إلى وقت معلوم، وبقي له عليها وقت، فجعلها في حل مما بقي له عليها وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حل من أيّامها بثلاثة أيام، أيجوز أن يتزوّجها رجل [آخر بشيء] معلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة أو يستقبل بها حيضة أخرى؟
فأجاب: (يستقبل حيضة غير تلك الحيضة، لأن أقل تلك العدّة حيضة وطهرة تامّة).
وسأل: عن الأبرص والمجذوم وصاحب الفالج، هل يجوز شهادتهم، فقد روي لنا: أنهم ﻻ يؤمّون الأصحاء.
فقال: (إن كان ما بهم حادثاً جازت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(192) سورة الزخرف: آية 71.

(٢١٧)

شهادتهم، وإن كان ولادة لم تجز)(193).
وسأل: هل يجوز للرجل أن يتزوج ابنة امرأته:
فأجاب: (إن كانت ربيت في حجره فلا يجوز، وإن لم تكن ربيّت في حجره وكانت أمّها من غير عياله(194) روي: أنّه جائز).
وسأل: هل يجوز أن يتزوج بنت ابنة امرأة ثم يتزوج جدّتها بعد ذلك أم ﻻ؟
فأجاب: (قد نهي عن ذلك).
وسأل: عن رجل ادّعى على رجل ألف درهم وأقام به البيّنة العادلة، وادّعى عليه أيضاً خمسمائة درهم في صك آخر، وله بذلك بيّنة عادلة، وادّعى عليه أيضاً ثلاثمائة درهم في صك آخر، ومائتي درهم في صك آخر، وله بذلك بيّنة كله بيّنة عادلة، ويزعم المدعى عليه أن هذه الصكوك كلّها قد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(193) هذه الرواية فقهياً غير معمول بها، لمعارضتها للعمومات الدالة على قبول شهادة غير الفاسق مطلقاً، المعمول بها قديماً وحديثاً، وعدم اعتبار سند هذه الرواية لإثبات الحكم الشرعي، وعدم عمل الفقهاء، بها حتى يجبر السند بالعمل، وعدم شاهد آخر له سوى مرسل الدعائم عن أبي جعفر (عليه السلام) الذي رواه من مستدرك الوسائل بالنسبة للأبرص فقط من هذه الثلاثة، ومطلقاً ﻻ مقيداً بالولادة (إذن) فيجب رد علم هذه الرواية إلى أهلها - صلوات الله عليهم أجمعين - والله أعلم.
(194) أي عقد عليها ولم يدخل بها، فما لم يدخل بها ﻻ تجب عليه نفقتها ولا تكون من عياله مع امتناعها عن الدخول بها لأنها حينئذ ﻻ تكون ابنتها ربيبته، لقوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم...) سورة النساء آية 23.

(٢١٨)

دخلت في الصك الذي بألف درهم، والمدّعي منكر أن يكون كما زعم، فهل يجب الألف درهم مرة واحدة أو يجب عليه كل ما يقيم البيّنة به؟
وليس في الصكاك استثناء إنما هي صكاك على وجهها(195).
فأجاب: (يؤخذ من المدّعي عليه ألف درهم مرة وهي التي ﻻ شبهة فيها، ويرد اليمين في الألف الباقي على المدعي فإن نكل فلا حق له).
وسأل عن طين القبر(196): يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم ﻻ؟
فأجاب: (يوضع مع الميّت في قبره، ويخلط بحنوطه إن شاء الله).
وسأل فقال: روي لنا عن الصادق (عليه السلام): أنّه كتب على إزار ابنه: إسماعيل يشهد أن ﻻ إله إلا الله، فهل يجوز أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟
فأجاب: (يجوز ذلك).
وسأل: هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر، وهل فيه فضل؟
فأجاب: (يجوز ذلك وفيه فضل)(197).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(195) هذا إذا كانت الشهادات والصكوك بحيث يحتمل أن يكون الألف مجموع الديون أما إذا كانت الشهادات والصكوك بحيث تدل على أن الفريق الأول دفع إلى الفريق الثاني مرة ألف ومرة خمسمائة وثالثة ثلاثمائة ورابعة مائتين فعلى الفريق الثاني ألفان ولا ترد اليمين على الفريق الأول.
(196) المراد من طين القبر كلما ورد مطلقاً في الأحاديث هو طين قبر الإمام الحسين (عليه السلام).
(197) وقد ورد في عديد الأحاديث ذلك (منها) ما ورد في كتاب آخر للحميري (رحمه الله) إلى صاحب الأمر (عليه السلام) (وسئل هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر وهل فيه فضل؟
فأجاب (عليه السلام): يسبح به فما من شيء من التسبيح أفضل منه ومن فضله أن الرجل ينسى التسبيح ويريد السبحة فيكتب له التسبيح.
وعن الصادق (عليه السلام) قال: من سبح بسبحة من طين قبر الحسين (عليه السلام) تسبيحة كتب الله له أربعمائة حسنة ومحا عنه أربعمائة سيئة وقضيت له أربعمائة حاجة ورفع له أربعمائة درجة (الحديثان من كتاب: جامع أحاديث الشيعة: ج2 ص332).

(٢١٩)

وسأل: عن الرجل يزور قبور الأئمة (عليهم السلام)، هل يجوز أن يسجد على القبر أم ﻻ؟ وهل يجوز لمن صلى عند بعض قبورهم (عليهم السلام) أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة، أو يقوم عند رأسه أو رجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم ﻻ؟
فأجاب: (أمّا السّجود على القبر، فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة(198) والذي عليه العمل أن يضع خدّه الأيمن على القبر. وأمّا الصلاة فإنها خلفه، ويجعل القبر أمامه ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره، لأن الإمام (عليه السلام) ﻻ يُتقدّم ولا يُساوى)(199).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(198) أي ولا صلاة زيارة، وهذه الصلاة من النوافل الخاصة التي تستحب بعد زيارات المعصومين - حسب الترتيب المأثور - وليست من النوافل العامة.
(199) ثبت في السنة: أن الإمام ﻻ يتقدم ولا يساوي. وهذا الحكم عام يشمل إمام الجماعة مطلقاً سواء أكان معصوماً أو غير معصوم، فلا تجوز الصلاة معه في الخطوط التي بينه وبين الكعبة أو في الخط المساوي له، وإنما في الخطوط التي خلفه فقط.
وثبت - أيضاً - عندنا حسب الاستدلال الفقهي عدم جواز الصلاة في حضرة المعصوم مساوياً له أو مقدماً عليه، سواء كان حياً أو ميتاً، لأن المعصومين جميعاً أحياء عند ربهم.
وقد حاول بعض المغرضين التشويش على هذا الحكم بأنه من عبادة القبور ولم ينتهوا إلى أن عدم التقدم على شخص في الصلاة لو كان ﻻ يعني عبادته فكل مأموم يعبد إمام جماعته. مضافاً إلى أن العبادة التي تعبر عن معنى التربيب ﻻ علاقة لها بالآداب وقد يقال أن عدم الجواز هنا محمول على الكراهة، لمعارضة ظاهرة بما ثبت من جواز الصلاة بل استحبابها المؤكد في مسجد رسول الله، مع أن القسم الجنوبي منه مقدم على الإمام، وهو الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله).

(٢٢٠)

وسأل: يجوز للرجل إذا صلّى الفريضة أو النافلة وبيده السبحة أن يديرها وهو في الصلاة؟
فأجاب: (يجوز ذلك إذ خاف السهو والغلط).
وسأل: هل يجوز أن يدير السبحة بيده اليسار إذا سبّح، أو ﻻ يجوز؟
فأجاب: (يجوز ذلك والحمد لله رب العالمين).
وسأل: روي عن الفقيه في بيع الوقف خبر مأثور: إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم، فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه، فله يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على ذلك أم ﻻ يجوز إلا أن يجتمعوا كلّهم على ذلك؟ وعن الوقف الذي ﻻ يجوز بيعه؟
فأجاب: (إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه، وإن كان على قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين إن شاء الله)(200).
وسأل: هل يجوز للمحرم أن يصير على إبطه المرتك والتوتياء لريح العرق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(200) هذا إذا كان الوقف نوعاً من الهبة، بحيث ﻻ يكون حبس العين الموقوفة مأخوذاً في مضمونه، وإلا فلا يجوز إلا في صور خاصة مستثناة في الفقه الإسلامي، وذلك من أجل أدلة مؤكدة عليه...

(٢٢١)

أم ﻻ يجوز(201)؟
فأجاب: (يجوز ذلك وبالله التوفيق).
وسأل: عن الضرير إذا شهد في حال صحته على شهادة، ثم كفّ بصره ولا يرى خطّه فيعرفه، هل يجوز شهادته أم ﻻ؟ وإن ذكر هذا الضرير الشهادة، هل يجوز أن يشهد على شهادته أم ﻻ يجوز؟
فأجاب: (إذا حفظ الشهادة وحفظ الوقت، جازت شهادته)(202).

وسأل: عن الرجل يوقف ضيعة أو دابة ويشهد على نفسه باسم بعض وكلاء الوقف، ثم يموت هذا الوكيل أو يتغيّر أمره ويتولى غيره، هل يجوز أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(201) المرتك، نوع من الحشيش خفيف الرائحة، والتوتيا حجر يكتحل به، ولا يعتبر من الطيوب فلا يستعمل في الاكتحال حالة الإحرام لحرمته مهما كانت المادة التي تستعمل فيه، ولا مانع من طلي الإبط به لقطع رائحة العرق.
(202) للسؤال جزءان:
الأول: إذا وقع عقد بيع أو وقف أو غيرهما، وكتبت به وثيقة وحضر شاهدان وشحا وثيقة العقد بشهادتهما ثم كف بصر أحدهما، فهل تمضي شهادته الكتبية قائمة إلا ما دام صاحبها قادراً على قراءة خطه لتقريره أو إنكاره، والحاصل هل الخط حجة إذا انفصل عن كاتبه أم ﻻ؟
الثاني: إذا شهد إنسان حادثاً أو عقداً، ثم كف بصره فهل يبقى حاملاً للشهادة أو تعطل قابليته لحمل الشهادة؟
والجواب ناظر إلى الجزء الثاني من السؤال، حيث يركز فقط على قابلية الضرير للشهادة مادامت تتوفر فيه شرائطها من حفظ الشهادة وحفظ الوقت، والعدالة والإيمان وما إلى ذلك. وقد خص الشرطين الأولين بالذكر لأن الإصابة بالعمى ﻻ تفقد المرء إيمانه وعدالته - غالباً- ولكن قد تسلب منه بعض محفوظاته.

(٢٢٢)

يشهد الشّاهد لهذا الذي أقيم مقامه إذا كان أصل الوقف لرجل واحد أم ﻻ يجوز ذلك(203)؟
فأجاب: (ﻻ يجوز ذلك، لأن الشهادة لم تقم للوكيل وإنما قامت للمالك، وقد قال الله: (وأقيموا الشهادة لله).
وسأل: عن الركعتين الأخراوين وقد كثرت فيهما الروايات فبعض يروي: أن قراءة الحمد وحدها أفضل، وبعض يروي: أن التسبيح فيهما أفضل، فالفضل لأيهما لنستعمله؟
فأجاب: (قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، والذي نسخ التسبيح قول العالم (عليه السلام): كل صلاة ﻻ قراءة فيها فهي خداج(204) إلا للعليل، أو يكثر عليه السّهو فيتخوّف بطلان الصلاة عليه)(205).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(203) بأن كان الوقف على شخص الوكيل الأول، ﻻ على أمر عام يمثله الوكيل الأول حتى إذا أصيب تولاه من يخلفه لبقاء ذلك الأمر العام ممثلاً في خليفته.
(204) الخداج: النقصان، يقال: خدجت الناقة، فهي خادج إذا ألقت ولدها قبل تمام الأيام وإن كان تام الخلق. ووصفت الصلاة التي ﻻ يقرأ فيها بفاتحة الكتاب بالمصدر للمبالغة.
وهذا الحديث يدل على نقصان الصلاة بدون فاتحة الكتاب مع أنها تقرأ في الأولين فلا يبقى نقص وإن لم يقرأها في الآخرين، ولعل الاستشهاد به للقراءة في الأخيرتين دون التسبيح لما يشعر به من أهمية أم الكتاب في الصلاة ومع هذا فالمشهور بين الفقهاء أفضلية التسبيح فيهما لأدلة أخرى معارضة لهذا الخبر وأقوائية تلك من وجوه عديدة.
(205) استحباب التسبيح في مادتين:
الأولى: العليل، الذي يشق عليه الوقوف طويلاً لقراءة الفاتحة فيكتفي بالتسبيح.
الثانية: كثير السهو الذي إن قرأ الفاتحة في الأخريين استشبههما بالأوليين. فيسبح التسبيحات الأربعة حتى يتذكر أنه في الأخريين.

(٢٢٣)

وسأل: يتخذ عندنا رب الجوز لوجع الحلق والبحبحة، يؤخذ الجوز الرطب من قبل أن ينعقد ويدق دقّاً ناعماً ويعصر ماؤه ويصفّى ويطبخ على النصف ويترك يوماً وليلة ثم ينصب على النار، ويلقى على كل ستة أرطال منه رطل عسل ويغلى وينزع رغوته، ويسحق من النوشادر والشب اليماني في كل واحد نصف مثقال ويراق بذلك الماء، ويلقى فيه درهم زعفران المسحوق، ويغلى ويؤخذ رغوته ويطبخ حتى يصير مثل العسل ثخيناً، ثم ينزل ويبرد ويشرب منه، فهل يجوز شربه أم ﻻ؟
فأجاب: (إذا كثيرة يسكر أو يغير(206) فقليله وكثيره حرام، وإن كان ﻻ يسكر فهو حلال).
وسأل: عن الرجل يعرض له الحاجة مما ﻻ يدري أن يفعلها أم ﻻ، فيأخذ خاتمين فيكتب في أحدهما (نعم افعل) وفي الآخر (ﻻ تفعل) فيستخير بالله مراراً، ثم يرى فيهما، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج، فهل يجوز ذلك أم ﻻ؟ والعامل به والتارك له أهو مثل الاستخارة أم سوى ذلك؟
فأجاب: (الذي سنّه العالم (عليه السلام) في هذه الاستخارة بالرقاع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(206) أي يسكر سكراً خفيفاً، ويدل على أن المقصود من (يغير) السكر الخفيف قوله: (وإن كان ﻻ يسكر).

(٢٢٤)

والصلاة (عليه السلام)(207).
وسأل: عن صلاة جعفر بن أبي طالب (رحمه الله): في أي أوقاتها أفضل أن تصلى فيه، وهل فيها قنوت؟ وإن كان ففي أي ركعة منها؟
فأجاب: (أفضل أوقاتها صدر النهار في يوم الجمعة، ثم في أي الأيام شئت وأي وقت صليتها من ليل أو نهار فهو جائر، والقنوت فيها مرتان، في الثانية قبل الركوع وفي الرابعة بعد الركوع(208).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(207) والحاصل أنه ليس حراماً إن لم يكن بنية التشريع، ولكنه ليس من الاستخارة، وأما الاستخارة فهي (ذات الرقاع) وإنما يدل على أنها الاستخارة التي بينها (العالم) وهو الإمام موسى بن جعفر.
(208) مسألة كون القنوت الثاني بعد ركوع الرابعة لم يرد في غير هذا الخبر، وهو مناف للعمومات الدالة على أن القنوت قبل الركوع إلا في صلاة الجمعة، ولذا لم يتعرض لذكره كثير من الفقهاء حتى أن صاحب العروة والوثقى على دقته في استيعاب الفروع لم يتعرض له، ولا تعرض له المعلقون - فيما أعلم - غير أستاذنا الميلاني والحجة الكوهكمره أي من دون تأييد أو ميل.
 (لكن) قد يقال بجواز العمل على هذه الرواية، إذ لم يتحقق إجماع أو شهرة على خلافها، وقاعدة التسامح في أدلة السنن تشملها لولا أن المحقق النراقي (قدّس سرّه) ادعى الإجماع على خلافها قال في المستند: (يستحب القنوت فيها في الركعتين الثانية والرابعة قبل الركوع بعد القراءة والتسبيح إجماعاً للعمومات وخصوص روايتي العيون والاحتجاج إلا أن في الأخيرة (والقنوت فيها مرتان في الثانية قبل الركوع وفي الرابعة بعده) ولم أر قائلاً به والعمل على الأول) مستند الشيعة: ج1 ص525). لكنه إجماع منقول، مضافاً إلى عدم ظهوره في عقد السلب، مع علمنا خارجاً بعدم تعرض كثير من الفقهاء له فالعمل على هذه الرواية ﻻ بأس به والله العالم.

(٢٢٥)

وسأل: عن الرجل ينوي إخراج شيء من ماله وأن يدفعه إلى رجل من إخوانه ثم يجد في أقربائه محتاجاً، أيصرف ذلك عمن [فيمن] نواه له أو إلى قرابته؟
فأجاب: (يصرفه إلى أدناهما وأقربهما من مذهبه، فإن ذهب إلى قول العالم (عليه السلام): (ﻻ يقبل الله الصدقة وذو الرحم محتاج) فليقسم بين القرابة وبين الذي نوى حتى يكون قد أخذ بالفضل كلّه).
وسأل: قد اختلفت أصحابنا في مهر المرأة، فقال بعضهم: إذا دخل بها سقط المهر ولا شيء لها، وقال بعضهم: هو لازم في الدنيا والآخرة، فكيف ذلك؟ وما الذي يجب فيه؟
فأجاب: (إن كان عليه بالمهر كتاب فيه [ذكرٍ] دين فهو لازم في الدنيا والآخرة، وإن كان عليه كتاب فيه ذكر الصداق سقط إذا دخل بها، وإن لم يكن عليه كتاب، فإذا دخل بها سقط باقي الصداق)(209).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(209) لعل المصطلح حين صدور هذا التوقيع يختلف عن المصطلح اليوم. فالقرآن لم يصطلح على كلمة (المهر) وإنما ذكر (الصداق) بصيغة الجمع مرة واحدة فقط (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) سورة النساء: الآية 4.
ولعل المقصود أن ما تبنى عليه عقدة النكاح - من أموال نقدية أو عينية، التي تدرج عادة في وثيقة الزواج - فهو دين لازم في الدنيا والآخرة وأما الهدايا والنقود التي تقدم إلى الخطيبة في فترة الخطوبة أو تعارف الأزواج على القيام بها من ولائم وعزائم وما إليها، سواء كتب فيها كتاب أو لم يكتب بها كتاب، فهي تختص بفترة الخطوبة، وينتهي دورها بالدخول.
ولعل اشتقاق الكلمتين - اللتين استخدمهما الإمام في التوقيع - يساعد على فهم الحكم، و(المهر) ما يمهر عليه أي يختم عليه في وثيقة، فيكون ديناً لازماً. و(الصداق) ما يعبر عن صدق الرجل في محبة خطيبته، فيكون نافلة لها دورها المؤقت إذا لم يشترط وكان تبرعاً.

(٢٢٦)

وسأل: روي لنا عن صاحب العسكر (عليه السلام)(210) أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب فوقّع: يجوز، وروي عنه أيضاً، أنه ﻻ يجوز. فأي الخبرين يعمل به.
فأجاب: (إنما حرم في هذه الأوبار والجلود، وأما الأوبار وحدها فحلال)(211).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(210) المتوكل العباسي من الخلفاء العباسيين، عاصر الإمام علي الهادي، فاستدعاه ونجله الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام) من مدينة جدهما الرسول إلى مدينة سامراء وفرض عليهم الاقامة الجبرية في المنطقة العسكرية حتى تنقطع عنهما الشيعة، فلقبا بـ (العسكريين) وقد اشتهر الإمام علي بن محمد بالهادي واشتهر نجله الحسن بالعسكري و(صاحب العسكر) يرمز إلى كل منهما دون تعيين.
(211) مسألة لحم الأرنب من المسائل الخلافية فالسنة على أن لحمه حلال والشيعة على أنه من المسوخ ومن ذوات المخلب وتحيض أنثاه وفيه أدله خاصة ونصوص متعددة بالتحريم أيضاً، فلحمه حرام، وتلحقه أحكام الحيوانات المحرمة.
ولعل تفصيل الإمام في الجواب لعدم اتخاذ موقف جدي مع إعطاء الإشارة للفقهاء إلى أنه من محرمات اللحوم وتبنى عليه أحكامها. علماً بأن المستحصل من مجموع روايات هذا الباب عدم التفريق بين الجلد والوبر، فما حل لحمه تجوز الصلاة فيهما وما ﻻ يحل لحمه ﻻ تجوز الصلاة في شيء منهما.
(ولا يخفى) الحيوان - سواء أكان حلال اللحم أو حرامه - إذا ذبح بالطريقة الشرعية طهر جلده وإلا كان من الميتة، وبما أن الناس ﻻ يعنون بذبح الحيوانات المحرمة اللحوم - غالباً - يكون جلدها نجساً فإذا اتخذ منه كساءً نجس الثوب الذي يليه إذ ﻻ تخلو ملابس الإنسان من رطوبة مسرية من عرقه أو من المياه التي يستعملها.

(٢٢٧)

وسأل: نجد في أصفهان ثياب عتابة [عتابية] على عمل الوشا في قرّ أو إبريسيم هل يجوز الصلاة فيها أم لا؟
فأجاب: (لا يجوز الصلاة إلا في ثوب سداه ولحمته قطن أو كتان).
وسأل: عن المسح على الرجلين وبأيهما يبدأ باليمنى أو يمسح عليهما جميعاً معاً؟
فأجاب (عليه السلام): (يمسح عليهما معاً فإن بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبتدئ إلا باليمنى).
وسألك عن صلاة جعفر في السفر هل يجوز أم لا؟
فأجاب: (يجوز ذلك).
وسأل: عن تسبيح فاطمة (عليها السلام): من سها وجاز التكبير أكثر من أربع وثلاثين هل يرجع إلى أربع وثلاثين أو يستأنف؟ وإذا سبح تمام سبع وستين هل يرجع إلى ستة وستين أو يستأنف؟ وما الذي يجب في ذلك؟
فأجاب: (إذا سها من التكبير حتى يجوز أربعة وثلاثين عاد إلى ثلاثة وثلاثين وبنى عليها، وإذا سها في التسبيح فتجاوز سبعاً وستين تسبيحة عاد إلى ستة وستين وبنى عليها(212) فإذا جاوز التحميد مائة فلا شيء عليه).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(212) تسبيحة الزهراء: أربعة وثلاثون تكبيرة، وثلاثة وثلاثون تحميدة، وثلاثة وثلاثون تهليلة. فإذا تجاوز الأربعة والثلاثين تكبيرة - سهواً - اعتبرها ثلاثة وثلاثين (وبنى عليها) فكسر الرابعة والثلاثين ليضع خاتمتها بإرادته. وإذا حمد أكثر من ثلاثة وثلاثين فكان مجموع التكبيرات والتحميدات أكثر من سبعة وستين عاد إلى ستة وستين أي اعتبر التحميدات اثنتين وثلاثين (وبنى عليها) بأن حمد الثالثة والثلاثين ليضع خاتمتها بإرادته. كل هذا لم يتجاوز التحميد مائة فإذا تجاوزها فقد تجاوز السهو حد التدارك ولا تحسب له تسبيحة الزهراء، ولكن لا شيء عليه لأن أصلها مستحب.

(٢٢٨)

الحقيقة والمفوضة (213)
وجّه قوم من المفوّضة كامل بن إبراهيم المدني، إلى أبي محمد(214) قال: فقلت في نفسي: لئن دخلت عليه أسأله عن الحديث المرويّ عنه: (ﻻ يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي وقال بمقالتي) وكنت جلست إلى باب عليه ستر مسبل، فجاءت الريح فكشفت طرفه، وإذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر، من أبناء أربع سنين، أو مثلها فقال لي: يا كامل بن إبراهيم: فاقشعررت من ذلك،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(213) أ- الشيخ علي اليزدي الحائري، إلزام الناصب، ص341 ج1 ط النجف 1383هـ: نقلاً عن كشف الغمة عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري.
ب - الغيبة - أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي عن جعفر بن محمد بن مالك عن محمد بن جعفر بن عبد الله عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري.
ج - دلائل الإمامة - أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري بسنده عن أبي نعيم.
د - الخرايج - قطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي.
هـ - ينابيع المودة - سليمان بن إبراهيم البلخي القندوزي ص461 عن كامل بن إبراهيم المدني قال:....
(214) أبو محمد هو الإمام الحسن العسكري والد الإمام المهدي (عليه السلام).

(٢٢٩)

فقلت: لبيك يا سيدي.
قال: جئت إلى ولي الله تسأله: ﻻ يدخل الجنة إلا من عرف بمعرفتك وقال بمقالتك؟
قلت: إي والله؟
قال: إذن - والله - يقلّ داخلها(215) والله إنه ليدخلنها قوم يقال لهم: (الحقّية).
قلت: ومن هم؟
قال: هم قوم من حبهم لعلي يحلفون بحقه، ولا يدرون ما حقه وفضله.
إنهم قوم يعرفون ما تجب عليهم معرفته جملةً ﻻ تفصيلاً، من معرفة الله ورسوله والأئمة ونحوها.
ثم قال: وجئت تسأل عن مقالة المفوضة(216) كذبوا، بل قلوبنا أوعية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(215) مما يعتمد دعاة التفرقة المتزمتون في جميع الطوائف والفرق الدينية تكفير وتضليل جميع الناس من عداهم، والتأكيد على أن جميع الناس حصب جهنم سواهم. وهذه النظرة الضيقة تعبر عن انغلاق حاقد، وتنافي الشمولية المطلقة، والرحمة التي وسعت كل شيء. فشرائط الرحمة ﻻ تتجاوز قول الله تعالى: (... قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون) سورة الأعراف، آية 156.
فيكفي في الاستعداد تحمل رحمة الله أن يكون الغرر على درجة من الواقعية تهيئة للإيمان بآيات الله، ولإنفاق بعض ماله في ما أمر الله وللتجنب عما حرم الله، ثم إذا أخطأ المسير فالله أولى به وبالتوبة عليه أو إعادة تجربته يوم القيامة، كما قال سبحانه: (وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم) سورة التوبة آية 106.
(216) المفوضة، فرقة من المسلمين قالوا: إن الله خلق الخلق، ثم ترك للأئمة إدارته، فهم يتصرفون كما يشاءون. وهؤلاء سمعوا بالولاية الكونية ولم يعرفوا أن الله ﻻ يولي أحداً من أوليائه ولاية إلا بقدر قدرته على تنفيذ إرادته تعالى. فأعظم أصحاب الولاية الكونية هو النبي محمد (صلّى الله عليه وآله) الذي قال الله عنه: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين) سورة الحاقة، آية 44 - 47.

(٢٣٠)

لمشيئة الله، فإذا شاء الله شئنا(217) والله يقول: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله)(218).
ثم رجع الستر إلى حالته فلم أستطع كشفه. فنظر إليّ أبو محمد (عليه السلام) مبتسماً فقال: يا كامل ما جلوسك وقد آساك بحاجتك الحجة من بعدي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(217) ذلك أن أولياء الله المعصومين حيث عرفوا مقاييس الكون، واستوعبوا حكمتها، وترفعوا عن العاطفة والأنانية، جسدوا إرادة الله، فلا يحبون إلا ما يحبه الله ولا يكرهون إلا ما يكرهه الله، ولذلك أحال الله أمر العباد عليهم، فقال في شأن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) - قولاً يسري في شأن كل من نصبه الله حجة على خلقه -: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) سورة الحشر، آية 7.
(218) هذا النص: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) ورد في موضعين من القرآن، في سورة الإنسان، آية 30. وفي سورة التكوير، آية 29.

(٢٣١)

الغيب لله (219)
يا محمد بن علي؛ تعالى الله وجلّ عمّا يصفون، سبحانه وبحمده، ليس نحن شركاؤه في علمه ولا في قدرته، بل ﻻ يعلم الغيب غيره، كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه: (قل ﻻ يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله)(220).
وأنا وجميع آبائي من الأوليين: آدم ونوح وإبراهيم وموسى، وغيرهم من النبيين، ومن الآخرين محمد رسول الله، وعليّ بن أبي طالب، وغيرهم من مضى من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين، إلى مبلغ أيّامي ومنتهى عصري، عبيد الله عزّ وجلّ، يقول الله عزّ وجلّ:
(من أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(219) الاحتجاج: أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص280 - 281: عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (رحمه الله) قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، عن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه قال: ومما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه رداً على الغلاة من التوقيع جواباً لكتاب كتب إليه على يدي محمد بن علي بن هلال الكرخي:...
(220) سورة النمل، آية 65.

(٢٣٢)

اليوم تنسى)(221).
يا محمد بن علي قد آذانا جهلاء الشيعةِ وحمقاؤهم، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه.
فأشهد الله الذي ﻻ إله إلا الله هو وكفى به شهيداً، ورسوله محمداً (صلّى الله عليه وآله)، وملائكته وأنبيائه وأوليائه (عليهم السلام) وأشهدك وأشهد كلّ من سمع كتابي هذا: أنّي بريءُ إلى الله وإلى رسوله ممن يقول: إنّا نعلم الغيب، ونشاركه في ملكه، أو يحلّنا محلاًّ سوى المحلّ الذي رضيه الله لنا وخلقنا له، أو يتعدّى بنا عمّا قد فسّرته لك وبينته في صدر كتابي.
وأشهدكم: أن كلّ من نبرأ منه فإن الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياؤه.
وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانةً في عنقك وعنق من سمعه، أن ﻻ يكتمه من أحد من مواليّ وشيعتي، حتى يظهر على هذا التوقيع الكلّ من الموالي، لعلّ الله عزّ وجلّ يتلافاهم فيرجعون إلى دين الله الحقّ، وينتهون عمّا ﻻ يعلمون منتهى أمره، ولا يبلغ منتهاه، فكلّ من فهم كتابي ولا يرجع إلى ما قد أمرته ونهيته، فقد حلّت عليه اللعنة من الله وممّن ذكرت من عباده الصالحين(222).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(221) سورة طه آية 124 - 126.
(222) الغلاة في تاريخ البشر كثيرون، فما من نبي ولا وصي ظهرت على يده معجزات باهرة إلا وغالى فيه جمع من أتباعه في حياته أو بعد وفاته. وقد ابتدأ تاريخ عبادة الأصنام بغلاة اتخذوا أنبيائهم تماثيل توجهوا إليها بشكل من أشكال العبادة. ←

(٢٣٣)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ لأن الناس ﻻ يألفون إلا ما هو في مستواهم، ولا يصدمهم أحد بما هو أرفع إلا وترتبك مقاييسهم ثم يتخبطون في انفعال وارتجال.
والناس ﻻ يألفون سوى المتعاملين مع القوى المتاحة لجميعهم، فإذا ظهر نبي أو وصي يتعامل مع قوى أعلى كثير في محبيه من يغالي فيه وفي أعدائه من يتهمه بالسحر أو بالجنون.
وقد اضطر أصحاب الرسالات التغييرية إلى إثبات ارتباطهم بالسماء بالمعجزات، فآمن بهم الحكماء وألحد فيهم الجهلاء.
والأئمة (عليهم السلام) مارسوا المعجزات لأسباب لعل أهمها إلفات الرأي العام إليهم حتى يتقبل منهم الأحكام التي ما أتيح للرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) بيانها أو بيّنها ولم تحفظ عنه. فابتلوا ببلاء الأنبياء، مضافاً إلى أن تطرف أعدائهم في التنكيل بهم وبمحبيهم أدى إلى تطرف أنصارهم في التوغل في التمجيد بهم إلى غير المقبول وغير المعقول - بعامل رد الفعل - ولكن الأئمة تحملوا انقسام الناس حولهم إلى محب غال وعدو قال قل بينهما النمط الأوسط واثقين من عدالة غربال التاريخ.
وأهم ما يتورط فيه الغلاة تجاه صاحب المعجزة أمران:
1- الغيب، حيث يجدونه ينبئ عما تحجبه الحواجز والمسافات أو يخبر عما ﻻ زال ضميراً في أحشاء المستقبل.
2- القدرة، حيث يرونه يشق القمر أو يفلق البحر أو يحيي الرميم أو يتصرف في سائر الموجودات بدون وسيلة يمكنهم تعاطيها.
وعلى أثر الصدمة بهاتين الظاهرتين يفقدون توازنهم، ويستنتجون أن صاحب المعجزة هو الله أو ﻻ أقل من أنه يشاطر الله علمه وقدرته.

* * *

وفي هذا التوقيع يعالج الإمام المهدي مشكلة الغلاة، ويكشف المؤشرات التي يملكها ←

(٢٣٤)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ كإمام معصوم للرد عليهم بشكل قاطع يرفض أي تفسير أو تبرير، ويركز على الأمرين السابقين:
فأولاً: علم الغيب مختص بالله، ولا يعلم الغيب غيره أحد ممن في السماوات والأرض.
س: كيف ذلك وقد سجل القرآن إعلان عيسى ابن مريم لبني إسرائيل: (... وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) سورة آل عمران، آية 49.
وثبت في السنة أن جميع المعصومين كانوا يخبرون عن الحوادث التي تقع في شتى أقطار الدنيا وفي أعمق أبعاد المستقبل بذات الاطمئنان الذي يتحدثون به عن الحوادث الجارية تحت حواسهم، وقد صدقهم التاريخ إلا في موارد معدودة أسرعوا إلى بيان سبب تخلف الحادث من كلامهم، كموت العريس في ليلة زفافه في الحديث المشهور عن عيسى ابن مريم.
ج: علم الغيب شيء والإطلاع على الغيب شيء آخر، وعلم الغيب خاص بالله تعالى، وقد أعلن أوليائه ذلك، فجرى على لسان النبي قرآناً يقول: (ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب الله فانتظروا إني معكم من المنتظرين) سورة يونس، آية 20.
وسئل الإمام علي (عليه السلام) عما أخبر بها من الملاحم: هل من علم الغيب؟ فقال: (كلا! وإنما هو تعلم من ذي علم).
فالله واسع محيط بالغيب وبالشهود على حد سواء، فيعلم كل شيء أولاً وبالذات، وأما غيره من الأولياء فليست لهم ذوات شمولية حتى يحيطوا بالغيب أو بالشهود فيعلموه بإحاطتهم، وإنما ذواتهم محدودة ﻻ تحيط بالغيب - كما ﻻ تحيط حتى بالشهود -.
ولكن الله قد يمدهم فتمتد ذواتهم عبر الغيب فيطلعون عليه، كما قال سبحانه: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً) ←

(٢٣٥)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ سورة الجن، آية 26 - 27. وقال تعالى: (وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء...) سورة آل عمران، آية 179.
فإخبار الأولياء بالغيب لم يكن علماً بالغيب، وإنما اطلاعاً عليه بإذن الله، كما أن خلق عيسى للوطواط لم يكن بقدرته الذاتية، وإنما بالصلاحية المخوّلة له من قبل الله حسب ما روى القرآن عنه قوله: (إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله) سورة آل عمران، آية 49.
وإذا أردنا التنظير لمجرد التقريب إلى الأذهان - ولا تنظير للخالق بالخلق - نستهدي إلى القول بأن من المفروض أن يكون رئيس الدولة على علم بكل ما يجري في بلاده، عن طريق الأجهزة المتاحة له، وليس من المفروض أن يطلع الموظفون في الدولة على المتغيرات المتوالدة في البلاد، ولكن رئيس الدولة قد يطلع موظفاً أو أكثر على بعض المعلومات لسبب من الأسباب.
ويؤكد هذه الحقيقة ما وقع من (البداء) في إخبار بعض المعصومين بحوادث لم تقع، كإخبار عيسى ابن مريم بموت العريس في ليلة زفافه.
والسبب - لظاهرة البداء - أن المقتضيات الأولية لمجريات الأمور تسجل في لوح يعرف بـ (لوح المحو والإثبات) مع التحفظ تجاه المفاجآت. بينما تسجل النتائج النهائية للمتغيرات - مع مراعاة المفاجآت في لوح آخر يسمى بـ (اللوح المحفوظ) كما يطلق عليه: (أم الكتاب). وقد أشار القرآن إلى هذين اللوحين بقوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) سورة الرعد: الآية 39.
وأرواح المعصومين قد تتصل بـ (لوح المحو والإثبات) فينقلون المثبتات الواردة فيه، وهم ←

(٢٣٦)

وأما ندامة قوم شكّوا في دين الله على ما وصلونا به(223) فقد أقلنا من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ يعلمون أنها معرضة للمفاجآت. وربما تتطلع أرواحهم على (اللوح المحفوظ) فينقلون عنها معلومات يؤكدون أنها حتمية.
وقد عبر الإمام علي (عليه السلام) عن تعرض مثبتات لوح المحو والإثبات للمفاجآت بقوله: (لولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة) فقالوا: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: (قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)).
وقد قال الإمام علي (عليه السلام) هذا ليضع احتمال المفاجآت على كثير من المغيبات التي أخبر عنها بعض المعصومين، وإلا فالإمام علي نفسه من المطلعين على اللوح المحفوظ بمقتضى قوله تعالى: (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) سورة الرعد: الآية 43 والمعني بقوله سبحانه: (ومن عنده علم الكتاب) هو الإمام علي حسب ما ثبتت روايته عن النبي (صلّى الله عليه وآله).
ثانياً: أن جميع الأنبياء والأوصياء، ابتداءً من أول الأنبياء - وهو آدم - وانتهاءً بآخر الأوصياء - وهو الإمام المهدي - كلهم عبيد مخلصون لله (عزَّ وجلَّ)، وليس بينهم أحد ادعى الربوبية، ولا في أي واحد منهم أي مفهوم من مفاهيم الألوهية، كلما هنالك أنهم كانوا أكثر عبادة وإخلاصاً لله من غيرهم، فخولهم الله صلاحيات أظهروا بما المعجزات.
هذا هو الحق الذي ﻻ مراء فيه، ومن ادعى ذلك فهو مبطل مهما كانت المعجزات التي ظهرت على أيديهم عظيمة وباهرة. إذ ﻻ أحد أعرف بأولياء الله منهم أنفسهم، وكلهم كرسوا طاقاتهم وضحوا بأنفسهم في سبيل الدعوة لله ونبذ الأنداد. فمن قال غير ما قالوا فهو ممن تنطبق عليه الآية الكريمة: (ومن أعرض عن ذكري...) سورة طه: الآية 124.

(223) الإمام المهدي تعرض لحملة شديدة من قبل أجهزة الخلافة العباسية وكل أعداء الإسلام والتشيع قبل ميلاده وبعده. لأنهم - جميعاً - رغم عدائهم المستحكم للنبي وآله كانوا ←

(٢٣٧)

استقال فلا حاجة إلى صلة الشاكين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ على يقين من صدقهم فيما يقولون، والأحاديث الواردة عن الرسول وآله حول شخصية الإمام المهدي ومواصفاته متواترة - لفظاً أو معنى - وفيها تركيز على أنه (يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً) فكل الطواغيت والمنحرفين كانوا - ولا زالوا - يحذرون مفاجئته الكبرى، فيعبرون عن فزعهم منه بالتربص به والتشويش عليه.
وقد استغل أعداؤه ظاهرة خفاء حمله وغيبته عن المجتمعات لتشديد النكير على المؤمنين به. خاصة وأن أكثرهم محرومون من زيارته والخواص الذين يحضون بلقائه ﻻ يقولون إلا لخواصهم. وقد أدى هذا الأسلوب من التعامل مع الجماهير إلى وقوع الأكثرية الساحقة حتى من الشيعة فريسة إعلام الأعداء. ولكن الله لم يأذن له إلا بهذا الأسلوب في انتظار الوقت المناسب.
وقد أرسل بعض الشيعة هدايا نفيسة وعينية إلى الإمام بواسطة بعض المتصلين به، ثم شكوا في أمره ولم يلبثوا أن ندموا على إظهار شكهم فيه، فقبل الإمام أعذارهم، ولكنه رفض قبول هداياهم بعد ذلك. واعتبر شكهم فيه شكاً في الدين، لأن الوصاية عمق طبيعي للنبوة والنبوة من أصول الدين. وعلى العموم، القيادة السماوية من الدين والشك فيها شك في الدين وقد صح عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قوله: (من أنكر خروج المهدي فقد أنكرني).

(٢٣٨)

ارتداد الشلمغاني (224)
اعرف أطال الله بقاك؛ وعرّفك الله الخير كلّه، وختم به عملك. من تثق بدينه وتسكن إلى نيّته من إخواننا أدام الله سعادتهم: بأن (محمد بن علي المعروف بالشلمغاني) عجّل الله له النقمة ولا أمهله، قد ارتدّ عن الإسلام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(224) الاحتجاج، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص289 - 296 روى أصحابنا: أن أبا محمد الحسن السريعي كان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد (عليهم السلام) وهو أول من ادعى مقاماً لم يجعله الله فيه من قبل صاحب الزمان وكذب على الله وحججه (عليهم السلام)، ونسب إليهم ما ﻻ يليق بهم وما هم منه براء، ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد، وكذلك كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن (عليهما السلام) فلما توفي ادعى البابية لصاحب الزمان، ففضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والغلو والتناسخ، وكان يدعي أنه رسول نبي أرسله علي بن محمد ويقول بالإباحة للمحارم، وكان أيضاً من جملة الغلاة أحمد بن هلال الكرخي، وقد كان من قبل في عداد أصحاب أبي محمد (عليه السلام) ثم تغير عما كان عليه وأنكر بابية أبي جعفر محمد بن عثمان، فخرج التوقيع بلعنه من قبل صاحب الزمان والبراءة منه، في جملة من لعن وتبرأ منه. وكذا كان أبو طاهر محمد بن علي بن بلال، والحسين بن منصور الحلاج، ومحمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقري، لعنهم الله، فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعاً على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) ونسخته:

(٢٣٩)

وفارقه، وألحد في دين الله، وادّعى ما كفر معه بالخالق جلّ وتعالى، وافترى كذباً وزوراً، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً، كذب العادلون بالله وضلّوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً.
وإنّا برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته منه، ولعنّاه، عليه لعاين الله تترى، في الظاهر منّا والباطن، في السرّ والجهر، وفي كلّ وقت، وعلى كلّ حال، وعلى كلّ من شايعه وبلغه هذا القول منّا فأقام على تولاّه [توليه] بعده.
أعلمهم تولاّك الله؛ أنّنا في التوقّي والمحاذرة منه على مثل ما كنّا عليه ممّن تقدّمه من نظرائه، من: (السريعي، والنّميري، والهلالي، والبلالي) وغيرهم(225)، وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة، وبه نثق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(225) (السريعي) هو أبو محمد الحسن (والنميري) هو محمد بن نصير النميري (والهلالي) هو أحمد بن هلال الكرخي (والبلالي) هو محمد بن علي بن بلال (وغيرهم) في البحث في الكتب - عشرة أشخاص في أيام الغيبة الصغرى ذكر بعضهم الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في كتاب الغيبة، وذكر البعض الآخرون.
1- السريعي:
قال الشيخ (قدّس سرّه) في كتاب الغيبة: أولهم المعروف بالسريعي أخبرنا جماعة، عن أبي محمد التلعكبري، عن أبي علي محمد بن همام قال: كان السريعي يكنى بأبي محمد، قال هارون: أظن أسمه كان الحسن وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد ثم الحسن بن علي ←

(٢٤٠)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ بعده (عليهم السلام)، وهو أول من ادعى مقاماً لم يجعله الله فيه، ولم يكن أهلاً له، وكذب على الله وعلى حججه (عليهم السلام) ونسب إليهم ما لا يليق بهم، وما هم منه براء فلعنه الشيعة، وتبرأت منه وخرج توقيع الإمام بلعنه والبراءة منه.
قال هارون: ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد قال: وكل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولاً على الإمام وأنهم وكلاؤه فيدعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم ثم يترقى الأمر بهم إلى قول الحلاجية كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعاً لعائن الله تترى.
2- النميريّ:
ومنهم محمد بن نصير النميري قال ابن نوح: أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمد قال: كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) فلما توفي أبو محمد ادعى مقام أبي جعفر محمد بن عثمان أنه صاحب إمام الزمان وادعى البابية، وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل، ولعن أبي جعفر محمد بن عثمان له وتبريه منه واحتجاجه عنه وادعى ذلك الأمر بعد السريعي.
قال أبو طالب الأنباري: لما ظهر محمد بن نصير بما ظهر لعنه أبو جعفر رضي الله عنه وتبرأ منه فبلغه ذلك فقصد أبا جعفر ليعطف بقلبه عليه أو يعتذر إليه فلم يأذن له وحجبه ورده خائباً. وقال سعد بن عبد الله: كان محمد بن نصير النميري يدعي أنه رسول نبي وأن علي بن محمد [يعني: الهادي] (عليه السلام) أرسله، وكان يقول بالتناسخ ويغلو في أبي الحسن [الهادي] ويقول فيه بالربوبية، ويقول بالإجابة للمحارم، وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم، ويزعم أن ذلك من التواضع والإخبات والتذلل في المفعول به وأنه من الفاعل إحدى ←

(٢٤١)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ الشهوات والطيبات وأن الله (عزَّ وجلَّ) ﻻ يحرم شيئاً من ذلك.
وكان محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات يقوي أسبابه ويعضده. أخبرني بذلك عن محمد بن نصير أبو زكريا يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان أنه رآه عياناً وغلام له على ظهره قال: فلقيته فعاتبته على ذلك فقال: إن هذا من اللذات وهو من التواضع لله وترك التجبر.
قال سعد: فلما اعتل محمد بن نصير العلة توفي فيها، قيل له وهو مثقل اللسان: لمن هذا الأمر من بعدم؟ فقال بلسان ضعيف ملجلج: أحمد فلم يدر من هو؟ فافترقوا بعده ثلاث فرق: قالت فرقة أنه أحمد ابنه وفرقة قالت: هو أحمد بن محمد بن موسى بن الفرات وفرقة قالت: أنه أحمد بن أبي الحسين بن بشر بن يزيد فتفرقوا فلا يرجعون إلى شيء.
3- الكرخيّ:
ومنهم أحمد بن هلال الكرخي قال أبو علي بن همام: كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمد (عليه السلام) فاجتمعت الشيعة على وكالة أبي جعفر محمد بن عثمان رحمه الله بنص الحسين (عليه السلام) في حياته ولما مضى الحسين (عليه السلام) قالت الشيعة الجماعة له: ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه وقد نص عليه الإمام المفترض الطاعة فقال لهم: لم أسمعه ينص عليه بالوكالة، وليس أنكر أباه يعني عثمان بن سعيد فأما أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه، فقالوا: قد سمعه غير، فقال: أنتم وما سمعتم، ووقف على أبي جعفر فلعنوه وتبرءوا عنه.
ثم ظهر التوقيع علي يد أبي القاسم بن روح رحمه الله بلعنه والبراءة منه في جملة من لعن.
4- محمد بن علي بن بلال:
ومنهم أبو طاهر محمد بن علي بن بلال وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري نضر الله وجهه وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للإمام وامتناعه ←

(٢٤٢)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ من تسليمها وادعائه أنه الوكيل حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه وخرج من صاحب الزمان (عليه السلام) ما هو معروف.
وحكى أبو غالب الزراري قال: حدثني أبو الحسن محمد بن محمد بن يحيى المعاذي قال: كان رجل من أصحابنا قد انضوى إلى أبي طاهر بن بلال بعدما وقعت الفرقة ثم أنه رجع عن ذلك وصار في جملتنا فسألناه عن السبب قال: كنت عند أبي طاهر يوماً وعنده أبو الطيب وابن خزر وجماعة من أصحابه إذ دخل الغلام فقال أبو جعفر العمري على الباب ففزعت الجماعة لذلك وأنكرته للحال التي كانت جرت وقال: يدخل، فدخل أبو جعفر رضي الله عنه فقام له أبو طاهر والجماعة وجلس في صدر المجلس وجلس أبو طاهر كالجالس بين يديه فأمهلهم إلى أنه سكتوا.
ثم قال: يا أبا طاهر نشدتك الله أو نشدتك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان (عليه السلام) بحمل ما عندك من المال إلي؟ فقال: اللهم نعم فنهض أبو جعفر رضي الله عنه منصرفاً ووقعت على القوم سكتة فلما تجلت عنهم قال له أخوه أبو الطيب: من أين رأيت صاحب الزمان؟ فقال أبو طاهر: أدخلني أبو جعفر رضي الله عنه إلى بعض دوره فأشرف علي من علو داره فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه فقال له أبو الطيب: ومن أين علمت أنه صاحب الزمان (عليه السلام) قال: وقع علي من الهيبة له، ودخلني من الرعب منه ما علمت أنه صاحب الزمان (عليه السلام) فكان هذا سبب انقطاعي عنه. (وقد يحتمل كون ذلك صدر عنه تقية وخوفاً من الظالمين الذين كانوا يتربصون بأصحاب الأئمة (عليهم السلام) كل دائرة - كما مضى منا نقل ذلك عن الشيخ الحر في وسائل الشيعة، في مقدمة الكتاب عند الحديث عن وكلاء آخرين غير النواب الأربعة - والله أعلم). ←

(٢٤٣)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ 5- الحلاّج:
ومنهم الحسين بن منصور الحلاج:
أخبرنا الحسين بن إبراهيم، عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قال: لما أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج ويظهر فضيحته ويخزيه، وقع له أن أبا سهل ابن إسماعيل بن علي النوبختي رضي الله عنه ممن تجوز عليه مخرقته، وتتم عليه حيلته، فوجه إليه يستدعيه، وظن أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله، وقدر أن يستجره إليه فيتمخرق ويتصوف بانقياده على غيره، فيستتب له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة، لقدر أبي سهل في أنفس الناس ومحله من العلم والأدب أيضاً عندهم، ويقول له في مراسلته إياه: إني وكيل صاحب الزمان (عليه السلام) وبهذا أولاً كان يستجر (الجهال) ثم يعلو منه إلى غيره - وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك، لتقوى نفسك ولا ترتاب بهذا الأمر.
أبو سهل يسأل الحلاج:
فأرسل إليه أبو سهل رضي الله عنه يقول لك: إني أسألك أمراً يسيراً يخف مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو أني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن ولي منهن عدة أتخطاهن والشيب يبعدني عنهن وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك وإلا انكشف أمري عندهن، فصار القرب بعداً والوصال هجراً، وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته، وتجعل لحيتي سوداء، فإنني طوع يديك وصائر إليك، وقائل بقولك، وداع إلى مذهبك، مع ما لي في ذلك من البصيرة، ولك من المعونة.
فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه ←

(٢٤٤)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ بمذهبه وأمسك عنه ولم يرد إليه جواباً ولم يرسل إليه رسولاً وصيره أبو سهل رضي الله عنه أحدوثة وضحكة ويطنز به عند كل أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة منه.
الحلاج في قم:
وأخبرني جماعة عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أن ابن الحلاج (وهو الحسين بن منصور، المعروف بالحلاج، وإن كان أصل اللقب لأبيه ولذا قيل هنا (ابن الحلاج)) صار إلى قم وكاتب قرابة أبي الحسن (والد الصدوق) يستدعيه ويستدعي أبا الحسن أيضاً ويقول: أنا رسول الإمام ووكيله، قال: فلما وقعت المكاتبة في يد أبي رضي الله عنه خرقها وقال لموصلها إليه: ما أفرغك للجهالات؟ فقال له الرجل - وأظن أنه قال: إنه ابن عمته أو ابن عمه - فإن الرجل قد استدعانا فلم خرقت مكاتبته وضحكوا منه وهزءوا به، ثم نهض إلى دكانه ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه.
إخراج الحلاج من قم
قال: فلما دخل إلى الدار التي كان فيها دكانه نهض له من كان هناك جالساً غير رجل رآه جالساً في الموضع فلم ينهض له ولم يعرفه أبي فلما جلس وأخرج حسابه ودواته كما تكون التجار، أقبل على بعض من كان حاضراً فسأله عنه فأخبره فسمعه الرجل يسأل عنه فأقبل عليه وقال له: تسأل عني وأنا حاضر فقال له أبي: أكبر تك أيها الرجل وأعظمت قدرك أن أسألك فقال له: تخرق رقعتي وأنا أشاهدك تخرقها فقال له أبي: فأنت الرجل إذاً. ثم قال: يا غلام برجله وبقفاه فأخرج من الدار العدو لله ولرسوله، ثم قال له: أتدعي المعجزات؟ عليك لعنة الله... فما رأيناه بعدها بقم.
من خرافات الحلاج: ←

(٢٤٥)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ قال المحقق النوري في مستدركه - نقلاً عن بعض المجاميع المخطوطة للشهيد الأول (قدّس سرّه): (أبو معتب الحسين بن منصور الحلاج الصوفي كان جماعة يستشفون ببوله (وقيل) إنه ادعى الربوبية، ووجد له كتاب فيه: إذا صام الإنسان ثلاثة أيام بلياليها ولم يفطر، وأخذ وريقات هندباء فأفطر عليها أغناء عن صوم رمضان (ومن) صلى في ليلة ركعتين من أول الليل إلى الغداة أغنته عن الصلاة بعد ذلك. (ومن) تصدق بجميع ما يملك في يوم واحد أغناه عن الحج (وإذا) أتى قبور الشهداء بمقابر قريش [يعني: الكاظمية] فأقام فيها عشرة أيام يصلي ويدعو ويصوم ولا يفطر إلا على قليل من خبز الشعير والملح أغناه ذلك عن العبادة) (مستدرك الوسائل ج3 ص372).
6- الشلمغاني:
ومنهم ابن أبي العزاقر أخبرني الحسين بن إبراهيم، عن أحمد بن علي بن نوح عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه قال حدثتني الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنهما قالت: كان أبو جعفر ابن أبي العزاقر وجيهاً عند بني بسطام، وذاك أن الشيخ أبا القاسم رضي الله عنه وأرضاه كان قد جعل له عند الناس منزلة وجاهاً فكان عند ارتداده يحكي كل كذب وبلاء وكفر لبني بسطام ويسنده عن الشيخ أبي القاسم فيقبلونه منه ويأخذونه عنه، حتى انكشفت ذلك لأبي القاسم فأنكره وأعظمه ونهى بني بسطام عن كلامه وأمرهم بلعنه والبراءة منه فلم ينتهوا وأقاموا على توليه.
تمويه الشلمغاني على العامة:
وذاك أنه كان يقول لهم: إنني أذعت السر وقد أخذ علي الكتمان فعوقبت بالإبعاد بعد الاختصاص لأن الأمر عظيم ﻻ يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن، فيؤكد ←

(٢٤٦)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ في نفوسهم عظم الأمر وجلالته.
فبلغ ذلك أبا القاسم رضي الله عنه فكتب إلى بني بسطام بلعنه والبراءة منه وممن تابعه على قوله، وأقام على توليه، فلما وصل إليهم أظهروه عليه فبكى بكاءً عظيماً ثم قال: إن لهذا القول باطناً عظيماً وهو أن اللعنة الإبعاد، فمعنى قوله: لعنه الله أي باعده الله عن العذاب والنار، والآن قد عرفت منزلتي ومرغ خديه على التراب وقال: عليكم بالكتمان لهذا الأمر.
قالت الكبيرة رضي الله عنها: وقد كنت أخبرت الشيخ أبا القاسم أن أم أبي جعفر بن بسطام قالت لي يوماً وقد دخلنا إليها فاستقبلتني وأعظمتني وزادت في إعظامي حتى انكبت علي رجلي تقبلها فأنكرت ذلك وقلت لها: مهلاً يا ستي [يعني: يا سيدتي] فإن هذا أمر عظيم، وانكببت على يدها فبكت.
قوله بالحلول:
ثم قالت: كيف ﻻ أفعل بك هذا وأنت مولاتي فاطمة؟ فقلت لها: وكيف ذاك يا ستي فقالت لي: إن الشيخ يعني أبا جعفر محمد بن علي [الشلمغاني] خرج إلينا بالستر قالت: فقلت لها: وما الستر؟ قالت قد أخذ علينا كتمانه وأفزع إن أنا أذعته عوقبت، قالت: وأعطيتها موثقاً أني ﻻ أكشفه لأحد واعتقدت في نفسي الاستثناء بالشيخ رضي الله عنه يعني أبا القاسم الحسين بن روح.
قالت: إن الشيخ أبا جعفر قال لنا: إن روح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) انتقلت إلى أبيك يعني أبا جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنه، وروح أمير المؤمنين علي (عليه السلام) انتقلت إلى بدن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، وروح مولاتنا فاطمة (عليها السلام) انتقلت إليك فكيف ﻻ أعظمك يا ستنا. فقلت لها: مهلاً ﻻ تفعلي فإن هذا كذب يا ستنا. فقالت لي: سر عظيم وقد أخذ علينا أن ﻻ نكشف هذا لأحد فالله الله في ﻻ يحل بي العذاب ويا ستي لولا حملتني على كشفه ما كشفته لك ولا لأحد ←

(٢٤٧)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ غيرك.
قالت الكبيرة أم كلثوم رضي الله عنها: فلما انصرفت من عندها دخلت إلى الشيخ أبي القاسم ابن روح رضي الله عنه فأخبرته بالقصة وكان يثق بي ويركن إلى قولي فقال لي: يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة بعد ما جرى منها، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك، ولا رسول إن أنفذته إليك، ولا تلقاها بعد قولها فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم: بأن الله تعالى اتحد به، وجل فيه، كما تقول النصارى في المسيح (عليه السلام) ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله.
قالت: فهجرت بني بسطام: وتركت المضي إليهم ولم أقبل لهم عذراً ولا لقيت أمهم بعدها، وشاع في بني نوبخت الحديث فلم يبق أحد إلا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه وممن يتولاه ورضي بقوله أو كلمه فضلاً عن موالاته.
ثم ظهر التوقيع من صاحب الزمان (عليه السلام) بلعن أبي جعفر محمد بن علي والبراءة منه وممن تابعه وشايعه ورضي بقوله، وأقام على توليه بعد المعرفة بهذا التوقيع.
سبب قتل الشلمغاني:
وله حكايات قبيحة وأمور فظيعة ينزه كتابنا عن ذكرها، ذكرها ابن نوح وغيره، وكان سبب قتله أنه لما أظهر لعنه أبو القاسم بن روح واشتهر أمره وتبرأ منه وأمر جميع الشيعة بذلك، لم يمكنه التلبيس، فقال في مجلس حافل فيه رؤساء الشيعة وكل يحكي عن الشيخ أبي القاسم لعنه والبراءة منه: اجمعوا بيني وبينه حتى آخذ يده ويأخذ يدي فإن لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه وإلا فجميع ما قاله في حق ورقي ذلك إلى الراضي لأنه كان ذلك في دار ابن مقلة فأمر بالقبض عليه وقتله فقتل واستراحت الشيعة منه (غيبة الطوسي (قدّس سرّه): ص244 وما بعدها). ←

(٢٤٨)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ (أقول) وكانت له فتاوى فاسدة، ومذاهب باطلة ذكر بعضها الشيخ (قدّس سرّه) في الغيبة، وذكر آخر منها غيره أيضاً ﻻ ضرورة لاستيعابها هنا.
7- محمد بن أحمد بن عثمان:
أبو بكر المعروف بالبغدادي، ابن أخي محمد بن عثمان العمري - النائب الثاني لصاحب الأمر (عليه السلام) - وحفيد عثمان بن سعيد العمري - النائب الأول -.
وأمره في قلة العلم والمروة أشهر من أن يذكر (غيبة الطوسي (قدّس سرّه): ص256).
وكان معروفاً لدى عمه أبي جعفر العمري بالانحراف، ولم يكن معروفاً لدى البعض الآخر من أصحابه.
ومن هنا كان جماعة من الأصحاب الموالين في مجلس العمري (رضي الله عنه) وهم يتذاكرون شيئاً من روايات الأئمة (عليهم السلام)، فأقبل عليهم أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان أبن أخيه، فلما بصر به أبو جعفر رضي الله عنه قال للجماعة مشيراً إليه: أمسكوه فإن هذا الجاني ليس من أصحابكم.
أدعى السفارة، وكان له أصحاب منهم (أبو دلف محمد بن المظفر الكاتب) وكان في ابتداء أمره مخمساً - [جاء في هامش (الغيبة) - 256: المخمسة من الغلاة يقولون: أن الخمسة سلمان وأبا ذر والمقداد وعمار وعمرو بن أمية العمري هم الموكلون بمصالح العالم من قبل الرب. (ولكن) في الملل والنحل - للشهرستاني - ج2 ص13 هكذا: (هم فرقة من الغلاة يقولون بألوهية أصحاب الكساء الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلى الله عليه وعليهم أجمعين) بأنهم نور واحد، والروح حالة فيهم بالسوية ﻻ فضل لواحد على الآخر)] - مشهوراً بذلك، لأنه كان تربية الكرخيين وتلميذهم وصنيعتهم، وكان الكرخيون مخمسة ﻻ يشك في ذلك أحد من الشيعة، وقد كان أبو دلف يقول ذلك ويعترف به ويقول: نقلني ←

(٢٤٩)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ سيدنا الشيخ الصالح قدس الله روحه ونور ضريحه عن مذهب أبي جعفر الكرخي إلى المذهب الصحيح - يعني أبا بكر البغدادي - [الغيبة: ص255] وسنذكر أبا دلف مستقلاً.
قال الراوي: فلما دخل [أي أبا بكر البغدادي] قام إليه أبو دلف الكاتب وعدل عن الطائفة وأوصى إليه. لم نشك أنه على مذهبه فلعناه وبرئنا منه لأن عندنا أن كل من أدعى الأمر بعد السحري فهو كافر منمس ضال مضل (الغيبة: ص255).
وكان أبو دلف هذا يدافع عن أبي بكر البغدادي ويفضله على أبي القاسم بن روح وعلى غيره.
فلما قيل له في وجه ذلك قال: لأن أبا جعفر محمد بن عثمان قدم اسمه على اسمه في وصيته، فقلت له: فالمنصور أفضل من مولانا أبي الحسن موسى (عليه السلام).
قال: وكيف؟
قلت: لأن الصادق (عليه السلام) قد أسماه على اسمه في الوصية.
فقال لي: أنت تعصب على سيدنا ومولانا وتعاديه؟.
فقلت: والخلق كلهم تعادي أبا بكر البغدادي وتتعصب عليه غيرك وحدك وكدنا نتفاءل ونأخذ بالأزياق.
8 و9 - الباقطاني وإسحاق الأحمر:
أخرج العلامة المجلسي في البحار (الطبعة القديمة: ج13 ص79) عن أبي جعفر الطبرسي بإسناد مرفوع عن أحمد الدينوري أنه حمل معه ستة عشر ألف دينار لصاحب الأمر (عليه السلام) وجاء إلى بغداد وبحث عمن أشير إليه بالنيابة، فقيل له: إن هاهنا رجلاً يعرف بالباقطاني، يدعي النيابة، وآخر معروف بإسحاق الأحمر يدعي النيابة، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدعي النيابة.
قال فبدأت بالباقطاني وصرت إليه فوجدته شيخاً مهيباً له مروءة ظاهرة وفرس عربي... إلى ←

(٢٥٠)

وإيّاه نستعين، وهو حسبنا في كلّ أمورنا ونعم الوكيل..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ أن قال فلما لم يأت بحجة فصرت إلى إسحاق الأحمر.. فلم يأت بحجة [تدل على أنه نائب صاحب الأمر (عليه السلام)].
قال! وصرت إلى أبي جعفر العمري... الخ (قد نقلنا تفصيل هذا الحديث في المقدمة فلا نكرره).
ويظهر من هذا النقل أن الباقطاني والأحمر كانا قد ادعيا النيابة في أوائل الغيبة الصغرى حيث لم تكن الشيعة بعد تعرف النواب الحقيقيين.
كما يظهر منه - أي من تفصيله الذي مر في (المقدمة) - أنهما كانا يزيدان على أنفسهما بالفخفخة، ليموها على السذج والبسطاء الأمر، لكي يعيشا من هذا السبيل.
10- أبو دلف الكاتب:
واسمه محمد بن المظفر، كان قد آمن بأبي بكر البغدادي - كما مر - ثم عند موته أوصى أبو بكر البغدادي إليه بالنيابة، وأصبح أبو دلف يدعي السفارة عن صاحب الأمر بعد وفاة (السمري) - آخر النواب الأربعة - رغم صدور التوقيع الرفيع بوقوع الغيبة الكبرى، وانقطاع السفارة الخاصة.
وكان أبو دلف هذا معروفاً بالإلحاد.
فقد أخرج الأردبيلي في رجاله قال:
(أبو دلف المجنون، روى الشيخ الطوسي عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان عن أبي الحسن عن بلال المهلبي قال: سمعت أبا القاسم جعفر بن محمد بن قولويه يقول: أما أبو دلف الكاتب - لا حاطه الله - فكنا نعرفه ملحداً ثم أظهر الغلو، ثم صار مفوضاً وما عرفناه قط إذا حضر في مشهد إلا استخف به ولا عرفته الشيعة إلا مديدة يسيرة والجماعة تبرأ منه وممن يتنمس به... الخ) (جامع الرواة ج2 ص469).
وقد مضى بعض ما يرتبط به في الحديث عن أبي بكر البغدادي.

(٢٥١)

الغيبة الكبرى وتكذيب المشاهدة (226)
بسم الله الرحمن الرحيم. يا عليّ بن محمدٍ السمّري؛ أعظم الله أجر إخوانك فيكَ، فأنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيام، فأجمع أمرك ولا توص إلى أحدٍ، فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً.
وسيأتي إلى شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السّفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر(227) ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(226) سفينة البحار: الشيخ عباس القمي، ج2 ص249: الشيخ الأجل علي بن محمد السمري رضي الله أبو الحسن، قام بأمر النيابة، بعد الحسين بن روح رضي الله عنه، ومضى في النصف من شعبان سنة 329هـ.
وفي الاحتجاج للطبرسي ج2 ص297:
فلما حان سفر أبي السمري من الدنيا، وقرب أجله قيل له إلى من توصي؟ فأخرج إليهم توقيعاً نسخته:
(227) كان لابد من تكذيب مدعي المشاهدة في الغيبة الكبرى، حتى ﻻ يأتي كل يوم إلى الشيعة من يدعي المشاهدة لتمرير مأرب أو تزوير حقيقة. وهذا هو الأصل، وغيره استثناء، فلا ينافيه صدق من ادعى المشاهدة ممن ﻻ ترقى إليه الشبهات كالصدوق والمقدس الأردبيلي وبحر العلوم كما أن الرؤيا ليست بحجة ولا تنافيه كثرة الرؤيا الصادقة (ولعل) المقصود ادعاء المشاهدة كالنواب الأربعة: المشاهدة الدائمة والاتصال المستمر.
مضافاً إلى أن النظام - شرعاً وقانوناُ - ﻻ يمكن أن يستند إلا إلى أدلة معترف بها لدى الرأي العام، ﻻ إلى دعاوى فردية قابلة للتشكيك وإن تطابقت مع الواقع في كثير من الأحيان، كالجفر والتنجيم والتحضير والتنويم المغناطيسي، ومن هذا النوع دعوى المشاهدة في الغيبة الكبرى.

(٢٥٢)

الغيبة والقيادة المرجعية (228)
...(229) أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك، ووقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا. فاعلم: أنه ليس بين الله (عزَّ وجلَّ) وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني، وسبيله سبيل ابن نوح.
وأما سبيل عمي جعفر وولده(230) فسبيل أخوة يوسف (عليه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(228) الاحتجاج: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2ص 281 - 284: عن محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري رحمه الله أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عجل الله فرجه):.....
(229) ربما كانت هذه الرسالة الجوابية مفتتحة بمقدمة حذفت في النقل، فعادة الأئمة (عليه السلام) افتتاح رسائلهم ببسم الله والحمد وربما الصلاة على النبي وآله.
(230) جعفر هو شقيق الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وقد ادعى الإمامة بعد أخيه العسكري، فخرج التوقيع بتكذيبه فلقب بالكذاب، ثم تاب فخرج بحقه هذا النص في هذا التوقيع فلقب بالتواب، وأما ولد جعفر فكانوا مع أبيهم في دعوته وتوبته، فكانوا معه في زلته وعودته. والجدير بالذكر أنه كان لجعفر من صلبه مائة وعشرون ولداً ما عدا الإناث.

(٢٥٣)

وأما الفقاع(231) فشربه حرام ولا بأس بالشلحاب [شلماب].
وأما أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا. فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع، وما آتانا الله خير مما آتاكم(232).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(231) الفقاع: شراب يتخذ من الشعير أو من الأثمار، سمي به لما يعلوه من الزبد ويسمى (بيرة). وهو محرم أسكر أو لم يسكر. والشلحاب أو الشلماب هو ماء الشلجم كما قيل يطبخ ويعصر وهو ليس بمسكر وليس بحرام.
(232) غريزة التملك من الغرائز التي ورثها الإنسان من الأرض.
وهذه الغريزة تدفعه إلى أن يحوز أكبر قدر ممكن من الأرض وما فيها وما عليها وتشعره بأن كل ما حازه فهو ملك له.
وجاءت الإشعارات المتتابعة في القرآن الكريم والسنة تقول له: أيها الإنسان! أنت لست سيداً قائماً بذاته وإنما أنت عبد من عباد الله لا تملك لنفسك نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً. وكل ما تمثله من أعضاء وخلايا وطاقات ومشاعر فهي ليست لك ولا استحصلت عليها بكد يمينك، وإنما هي من ممتلكات الله، وقد وظفك بإدارتها وفق برنامج معين. والأرض وما تمثل ليست كتلة ضائعة انفلتت من محيط ما لكها حتى تحاول استملاكها بالحيازة:
(قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله أفلا تذكرون) سورة المؤمنون، آية 84.
(قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم ﻻ يؤمنون) سورة الأنعام، آية 12. ←

(٢٥٤)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ وبقي الإنسان يظن أنه سيد مستقل، وأن ما استولى عليه فهو ملك له. وإذا تنازل عن شيء من اعتباراته أو مما استولى عليه فقد أعطي ما هو حر التصرف فيه، فله المنّ والفضل بما أعطى.

* * *

فلما هاجر الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) واستولى على السلطة في المدينة المنورة وجعل الناس يدخلون في دين الله قناعة أو طمعاً، بدأت غريزة التملك تتفاعل فيهم، وأخذوا يمنون على رسول الله تخليهم عن عبادة الأصنام، رغم أن إيمان بعضهم كان إيماناً مصلحياً - ولعل المصلحين هم الذين كانوا يمنون على رسول الله إسلامهم - فأنزل الله فيهم: (يمنون عليك أن أسلموا قل ﻻ تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين) سورة الحجرات، آية 17.
وغريزة التملك تحركت بشكل صارخ مع فرض الضرائب في الإسلام، فبدأ بعض الذين أظهروا الإسلام يتكلمون وكأن الإسلام لم ينزل من السماء إلا لنهب أموالهم، رغم تأكيد القرآن على أن الزكاة لأصناف منهم ﻻ للرسول وآله، وأن الخمس لله قبل أن يكون لغيره. ثم شن الرسول والأئمة (عليهم السلام) حملة توعية واسعة النطاق لإقناع المسلمين بأن الضرائب في الإسلام من جملة الفرائض السماوية التي لابد من الالتزام بها كدين، ولكنها لم تستوعب الذهنية العامة، فبقي الكثيرون ولا زالوا يتهربون أو يتأففون من دفعها.

* * *

والإمام المهدي يواصل - من خلال هذا التوقيع - حملة التوعية تلك، ويركز على ثلاث حقائق:
الأولى: أن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) لم يكونوا بحاجة شخصية إلى الأخماس والزكوات، لأنهم - على خلاف القادة الزمنيين والروحيين - كانوا يعملون ويسترزقون من ريع أعمالهم، حتى أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يعمل منذ العاشرة من عمره الشريف حتى استشهد في ←

(٢٥٥)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ محراب العبادة، ولم تقطعه مهام الخلافة الإسلامية عن العمل اليدوي. وهكذا كان أكثر الأئمة الطاهرين الذين ربوا الجيل الإسلامي المثالي على الأعمال اليدوية، وعدم الاسترزاق من بيت مال المسلمين. مضافاً إلى التقشف المتناهي الذي كان يعتصر كل نفقاتهم من جميع الجهات.
والإمام المهدي لم تكن له نفقات شخصية تذكر وخاصة بعد غيبته في بطون الأودية وقمم الجبال. فهم - وهو بصورة خاصة - في غني عن الضرائب الإسلامية، وقد لمح الإمام المهدي إلى هذه الحقيقة بقوله: (وما أتانا الله خير مما آتاكم).
الثانية: أن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) لم يمارسوا الضغوط لجباية الضرائب - خاصة بعد ابتعادهم عن السلطة - كل ما في الأمر أنهم أمروا بدفعها تبليغاً لأحكام الشريعة.
على أن الإمام المهدي - بصورة أخص - لم يكن في أي يوم من أيام حياته في وضع يساعد على جباية الأموال.
مضافاً إلى أن انقطاعه عن ممارسة المهام السياسية والاجتماعية بالغيبة الكبرى، ساعد على انصرافه حتى عن التشجيع على دفع الضرائب المالية.
وقد صرح بهذه الحقيقة قائلاً: (فمن شاء فليصل، ومن شاء فليقطع).
الثالثة: مترتبة على الحقيقتين السابقتين وهي أن الأئمة طالما ﻻ يحتاجون إلى الضرائب المالية، وطالما ﻻ يمارسون الضغوط لاستيفائها، فلا يبقى دافع إلى قبولها إلا لتطهير الناس مما عليهم من أموال إن لم يقبلوها دخلت في النطف فخبثتها، وفي المعاملات والعبادات فأفسدتها.
وقد أعلن الإمام المهدي هذه الحقيقة بقوة ووضوح في قوله: (وأما أموالكم فلا نقبلها إلا ←

(٢٥٦)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ لتطهروا).

* * *

وبما أن أكثر الناس حتى اليوم ﻻ يدفعون الضرائب الإسلامية، أو يدفعون بعضاً منها تحت طائلة الوعيد بعذاب الله، أو بتأثيرات شخصية، ربما أصبح من المناسب أن ننوه إلى بعض فوائدها بصورة مقتضبة، رغم أنها ليست وثيقة الصلة بموضوع التوقيع، ونلخصها كما يلي:
1: الفوائد العبادية.
أ: تنمية علاقة الفرد بالله، ومنع حيلولة المال بين الفرد وربه، لأن دفع الضرائب الإسلامية - في حد ذاته - عمل عبادي. والزكاة - التي تشمل سائر الفرائض المالية إذا لم تقابل بالخمس أو بغيره كما هو الحال في أكثر الآيات والروايات التي شفعت الصلاة بالزكاة - من أهم العبادات.
فليس من باب الصدقة اقتران الصلاة بالزكاة في ست وعشرين آية من القرآن.
وليس من باب الصدقة حشر الزكاة في جملة من العقائد والفرائض الأساسية - كشرط للهداية وعمارة المساجد - في قوله تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) سورة التوبة، آية 18.
ب: توظيف المال في سبيل تسرية المعنى العبادي إلى مختلف نشاطات الفرد، لأن المال طاقة من الطاقات التي وضعها الله تحت تصرف الإنسان لامتحانه بها، فإذا تصرف فيه وفق إرادة الله كان كسبه عبادة واستثماره عبادة واستهلاكه عبادة، وإذا تصرف فيه خلاف إرادة الله كان كسبه حراماً واستثماره حراماُ واستهلاكه حراماً. والالتزام بتحريك المال وفق إرادة الله يطلق المفهوم العبادي من رحاب المسجد إلى الحقل والسوق والمعمل. ومتى تعوّد الفرد على العبادة في نشاطه الاقتصادي سهل عليه التسربل بالعبادة في سائر نشاطاته. ←

(٢٥٧)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ ج: تصعيد الشعور بدور الدنيا من الفكرة إلى الممارسة، لأن الدنيا حلقة في سلسلة العوالم التمهيدية التي يمر بها الإنسان لاستكمال دورته التكاملية، أو كما في الحديث: (الدنيا مزرعة الآخرة) ولا يمكن توجيه الدنيا إلى هدفها إلا باستخدامها في سبيل الآخرة، ﻻ في سبيل تورط أكثر في الدنيا ذاتها، ولا يقبل الإنسان على الاستزادة من شيء إلا ويزداد جشعاً إليه، فإذا أقبل على المعنى زاده جشعاً وإذا أقبل على المادة زادته جشعاً، أوَ ليس في الحديث: (منهومان ﻻ يشبعان: طالب علم وطالب مال)؟
والمال مظهر للدنيا، فإذا استعلى على المعنى استبدت بالإنسان وإذا تذلل للمعنى خضعت للإنسان، وأخذت حجمها في خدمة الآخرة.
د: تجنيب الحرام، لأن الكلمات المستخدمة في النصوص القرآنية والروائية تدل على أن الخمس والزكاة يتعلقان بالأعيان، فمقدارهما خارج عن ملك الفرد، فإذا بقي في أموال الناس دخل في النطف فخبثها وفي العبادات والمعاملات فأفسدها، إن لم يكن في ظاهر الشريعة ففي واقع الأمر.
2- الفوائد النفسية:
أ: تنقية الأجواء من عبادة المال، لأن الناس بمقتضى تركيبتهم الخاصة يحتاجون إلى أشياء معينة، فإذا توفرت انصرفت اهتماماتهم عنها، وإذا ندرت تمحورت اهتماماتهم حولها. كالماء، ﻻ يلفت انتباه أحد مادام ينساب في كل مكان، ولا يشح إلا ويتقاتل الناس عليه. كالهواء، ﻻ يتشاحن عليه الناس مادام مشاعاً، فإذا تم احتكاره - كما يحدث في الزنزانات التي لها نافذة واحدة ضيقة - انقلب أعز ما يتشاحن الناس عليه. هكذا المال ﻻ يستقطب ما دامت السيولة، فإذا عز التداول قل من يعبد سواه، فيتعبد الفقراء حاجة إليه، والأغنياء استغراقاً فيه. ←

(٢٥٨)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ والضرائب الإسلامية تفرض على المال - في جميع الحالات - نوعاً من السيولة تنزله عن مقام الربوبية.
ب: تسييد القيم على المال وإخضاعها لإرادته، لأن الحياة مركبة من قوى معنوية ومظاهر مادية، فهو عنصر صالح يساعد على عملية الحياة مادام ملتزماً بإرادة القوى المعنوية، وإذا تمرد عليها أصبح عنصراً نشازاً يفسد ويدمر.
والمال ﻻ يخضع للقوى المعنوية إلا من خلال التزام صاحبه بتوظيفه في تنشيط حركة الحياة كسباً واستثماراً واستهلاكاً - فإذا تمرد صاحبه على فرائضه أصبح - هو الآخر - عنصراً نشازاً يفسد ويدمر.
ج: تعميق الشعور بدور المال، لأن المال من جملة المواد التي يستخدمها الإنسان في مصالحه، تماماً كالطعام والشراب والهواء... فهي ضرورات لاستمرار عافيته، مادام يستفيد منها بمقدار حاجته، فإذا استزاد منها انقلبت مضرات تسلب منه عافيته. هكذا المال ضرورة حياتية مادام بمقدار تأمين حاجات الفرد، فإذا زاد أرهق صاحبه، وسلب منه نشاطه في بقية حالات الحياة.
د: توسيع نفسية الفرد الغني، لأن نفس الإنسان قابلة للامتداد بلا حدود - بخلاف جسمه الذي ﻻ يتحمل الامتداد إلا ضمن حدود ضيقة جداً - ويتم تقليص أو توسيع نفسية الفرد باهتماماته وممارساته، فمن كانت اهتماماته أو ممارساته منكفئة على ذاته تتقوقع نفسيته في حدود شخصه، ومن تنطلق اهتماماته وممارساته في آفاق المجتمع تتسع نفسيته ←

(٢٥٩)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ بمقدار من يحتضن من أفراد، ولذلك يوجد فرد يمثل نفسه إلى جانب فرد يمثل مليون شخص أو ملايين الأشخاص.
والضرائب الإسلامية - الواجبة منها والمستحبة - تحاول إخراج الفرد الغني من قوقعته الشخصية، إلى الدائرة الاجتماعية.
3: الفوائد الاجتماعية:
أ: تحليل عقد الحقد والكراهية المتجاوبة بين الطبقة الفقيرة والطبقة الغنية، فالأولى ترى أن الثانية تمتص ثروات المجتمع - بوسائلها المختلفة - بينما هي تعاني من أجل اليسير منها. والثانية ترى أنها بالكد والجهد استطاعت أن تجمع ما لديها، وأن الأولى تريد الاستئثار بما لم تجهد في سبيله، فتتبادل الحقد والكراهية.
وتأتي الضرائب الإسلامية، لتشرك الطبقة الفقيرة مع الطبقة الغنية - ولو بقسط معين ولكنه يكفي لإنقاذ الأولى من المعاناة - بدون أي جهد، ولتشعر الثانية بأن الله الذي وهب لها ما لديها هو الذي يطالبها بهذا الحق وسيعوضها بخير منه في الآخرة، وربما في الدنيا - أيضاً -.
ب: تعميم فكرة وحدة المجتمع، لأن كل فرد يرى نفسه وحدة متكاملة، وينطلق من هذا الموقع لتقييم كل شيء وكل فرد، فكل ماله فهو فضيل وكل ما عليه فهو سيئ، ويزداد تمسك الفرد باستقلالية نتيجة الصدمات التي يتلقاها في سبيل فرض استقلاليته على الآخرين.
والضرائب الإسلامية، تفرض على الغني الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، كما تفرض على الفقير الشعور بالأخوة الاجتماعية، وتجمع الجانبين تحت شعور مشترك بأن استقلالية الفرد ﻻ تنافي وحدة المجتمع، التي تجعل كل فرد مسؤولاً عن المجتمع بمقدار مسؤوليته عن نفسه، فلابد له من الاهتمام بالغير كالاهتمام بالنفس. ←

(٢٦٠)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ 4: الفوائد السياسية:
أ: تخفيف حدة التوتر بين الطبقات التي تتراوح بين طبقة مدقعة، وطبقة ﻻ تحصي أموالها إلا بالعقول الآلية. هذا التوتر المخيف الذي أدى في كل مراحل التاريخ إلى صراع مرير، وقسم العالم أخيراً إلى كتلتين متنافستين على تقرير مصير العالم.
فالضرائب الإسلامية تؤمن الحاجات الضرورية للطبقة الفقيرة، وتحد من تصاعد ثروة الطبقة الغنية بأرقام فلكية، فتحاول التقريب بينهما مع الاحتفاظ بالوازع الداخلي لتأمين الحد الأقصى من الإنتاج.
ب: تأمين المصالح العامة، لأن الأفراد يتكلفون بالمصالح الخاصة وليس باستطاعتهم القيام بالمصالح العامة، لأن الأفراد يتكلفون بالمصالح الخاصة وليس باستطاعتهم القيام بالمصالح العامة، لأن تقديرها يحتاج إلى سلطة ذات سيادة، وتنفيذها تحتاج إلى ثروات ﻻ ينالها الفرد مهما بلغ، فلابد أن تكفل بها الدولة. ولا تؤمن ميزانية الدول - في الغالب - إلا من الموارد العامة - كالمعدن العدو هو الذي ﻻ ينضب - ومن الضرائب. وطالما أن الموارد العامة تختلف من أرض إلى أرض، فالوارد الثابت الذي يمكن أن يكون سنة تستند إليه حكومات العالم هو الضرائب.
وجميع حكومات الدنيا تجبي الضرائب، ولكنها تتراوح بين إفراط وتفريط، فيما الضرائب الإسلامية تأخذ بالحد المعقول بين المصالح العامة وجهود التجار.
ج: تأمين الحد الأدنى من العدالة في توزيع الثروة. لأن المال ﻻ يلمس حركة السوق إلا ويتوتر في مجمعات متبعثرة كقزع الخريف، فطبيعته كالرمال السائبة تمتصها الزوابع من مناطق النفوذ لتوزعها شحنة هنا وأكمة هناك، فتنحر عن جانب حتى المحل وتتكدس في جانب كالثلوج في القطبين.
والضرائب الإسلامية تعالج الفقر والتضخم فيوقت واحد، لكي ﻻ تبقى حاجات معطلة حتى الموت ولا بنوك متخمة حتى الانفجار. ويؤدي إلى إيجاد - ما يسمى - بمجتمع البورجوازية الصغيرة.

(٢٦١)

وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله وكذب الوقّاتون(233).
وأما قول من زعم أن الحسين لم يقتل، فكفر وتكذيب وضلال(234).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(233) إن موعد ظهور الإمام المهدي من القضايا التي أراد الله إخفاءها عن الرأي العام كموعد القيامة، وكموعد وفاة كل فرد، وإن كان أولياء الله المعصومون يعرفونها إلا أنهم أخفوها عن الرأي العام. عسى أن يتهيأ لها الناس في كل وقت وحال، ولا يتناساها من هو بعيد عنها.
فكل من يحدد موعد ظهور الإمام المهدي فهو كذاب وإن صادف الواقع، لأنه ﻻ يصدر عن مصدر الوحي، وما عداه معرض للخطأ، أو للبداء - في أفضل الحالات - مضافاً إلى أنه حديث فيما لم يأذن الله به.
(234) كفر، لأن الكفر هو الستر، وإنكار قتل الحسين (عليه السلام) ستر لحقيقة ثابتة. وتكذيب لكل الصادقين الذين أخبروا بشهادته قبلها أو بعدها، وضلال يساوي التصدي للوقائع المحسوسة، وهو المدخل الطبيعي إلى السفسطة التي تخبط المحسوسات والمعقولات كافة.
ويلاحظ التشديد في لهجة الإمام المهدي وهو يشجب إنكار قتل الإمام الحسين (عليه السلام) أكثر مما يتوقع منه لرفض فكرة ظاهرة البطلان. ولكننا لو تتبعنا اتجاهات القرنين الثاني والثالث بعد الهجرة نجد مثل هذا التشديد في محله.
ففي تلك الفترة - التي كانت تودع العهد الأموي وتستقبل العهد العباسي - انتشرت فكرة تقول: بأن الأئمة ملائكة. وقد غذت هذه الفكرة أربعة تيارات: ←

(٢٦٢)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ الأول: تيار المتطرفين الشيعة، الذين غالوا في أهل البيت كرد فعل طبيعي على تطرف السلطتين الأموية والعباسية ضد أهل البيت وشيعتهم.
الثاني: تيار فلاسفة السلاطين الذين وجدوا في مقاتل أهل البيت على أيدي الأمويين والعباسيين إدانة تهيج بهم من الأعماق.
الثالث: تيار الدخلاء الذين رأوا تعاظم المد الإسلامي، فحاولوا ركوب الموج والدس فيه من منطلقاته الأساسية، تشويهاً لوهج الإسلام وطمسه في المتاهات.
الرابع: تيار أصحاب العقول السطحية الذين ﻻ يستوعبون البشر إلا من خلال نماذجه العادية المتكررة. فبينما هم مأخوذون بعظمة أهل البيت فاجأتهم مآسيهم - بتلك الفظاعة التي هزت أعداءهم وأنصارهم على حد سواء - فحاولوا الهروب من وطأة الفزع ولو عن طريق إنكار أصل المأساة.
ورغم اختلاف الدواعي إلى ظهور هذه الفكرة وبراءة بعضها، بقيت الفكرة ذات خطورة قصوى تتبلور في سلبيات عديدة لعل من أهمها:
الأولى: مصادرة أغنى ثروات الإسلام، وهي الثروة العاطفية التي تفتح الطريق إلى القلوب قبل أن يتمكن الفكر من العقول.
الثانية: تعطيل دور أهل البيت كـ (أسوة) وإعفاء الناس من الاقتداء بهم، باعتبارهم ملائكة يتحملون ما ﻻ يتحمله البشر.
الثالثة: تجريح أنسابهم، وإثارة الضباب حول المنتمين إليهم، ومن ثم خطف الأدوار منهم باعتبارهم الامتداد الطبيعي لأهل البيت وعليهم أن يتعمقوا بأهل البيت في كل اتجاه.
الرابعة: تحويل أهل البيت الذين هم من أقوى قادة الفكر في الحياة إلى أشباح ضبابية يسهل التشكيك في كل شيء من سيرهم وأصحابهم ورواة أحاديثهم.
من هنا كان تشديد الأئمة - الذين عاصروا انتشار هذه الفكرة - على شجبها وتأنيب المتعاملين بهذه، دفاعاً عن الحق، وصيانة للكفر الإسلامي من التذبذب، كما لاحظنا في لهجة الإمام المهدي من خلال هذه الكلمات: (كفر وتكذيب وضلال).

(٢٦٣)

وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله(235).
وأما محمد بن عثمان العمري(236) فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(235) إن مفهوم القيادة لدى كل فئة منتزع من عقيدتها الفلسفية، وهذا المفهوم - في الإسلام - منتزع من عقيدة التوحيد، التي تؤمن بأن الله وحده هو مصدر الكون والإنسان. ومصدر السلطة الحقيقي هو القائد الحقيقي، وبما أن الله هو المصدر الحقيقي لكل السلطات الكونية والشرعية فمن الطبيعي أن تتجه إليه المفاهيم القيادية عفوياً، فهو القائد الذي ﻻ يمكن أن يطال. ومن ثم تكون القيادة للرسول - كل رسول في زمانه - بتخويل من الله. ومن بعد خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) انتقلت القيادة العامة إلى أوصيائه الذين نص عليهم بأسمائهم ومواصفاتهم.
وكانت القيادة مركزية في عهود جميع الرسل، فكل رسول - في زمانه - هو القائد الوحيد الذي ﻻ ينازع، وبقيت القيادة مركزية في عهود الأئمة الاثني عشر، وكان الإمام المهدي هو القائد الوحيد قبل أن يغيب فلما حانت غيبته الكبرى أصدر هذا التوقيع المذكور أعلاه، فأرجع فيه الناس إلى الفقهاء المراجع، وكان إعلاناً منه عن (ﻻ مركزية القيادة) انسجاماً مع متغيرات مرحلة الغيبة الكبرى التي تتاح فيها للقوى المختلفة أن تتصارع فيها بلا حجة ظاهرة، تماماً كمرحلة الجاهلية.
فكل فقيه توفرت فيه شرائط معينة يجوز اتباعه (تقليده) في أمور الدين، باعتباره (نائباً عاماً) عن الإمام المهدي، ويعتمد فتواه، باعتباره (حكم الله في حقه وحق مقلديه).
(236) محمد بن عثمان العمري، هو الثاني من (النواب الأربعة) الذي اعتمدهم الإمام المهدي في غيبته الصغرى.

(٢٦٤)

ثقتي وكتابه كتابي.
وأما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي، فسيصلح الله قلبه، ويزيل عنه شكّه.
وأما ما وصلتنا به، فلا قبول عندنا إلاّ لما طاب وطهر، وثمن المغنّية حرام.
وأما محمد بن شاذان بن نعيم، فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت.
وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع(237) فإنه ملعون وأصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم، فاني منهم بريء، وآبائي (عليهم السلام) منهم براء.
وأما المتلبسون بأموالنا، فمن استحلّ منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران(238).
وأما الخمس فقط أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(237) أبو الخطاب الأجدع، من الذين ادعوا النيابة عن الإمام المهدي في الغيبة كذباً، فخرج (التوقيع) لتعريتهم.
(238) قد يفسر (المتلبسون بأموالنا) بالمانعين من الخمس. ولكن قد يفهم من فصل موضوع الخمس بـ (أما): إن المقصود من (أموالنا) هي الأموال الخاصة التي تركها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حين وفاته، ولم يأخذها الإمام المهدي معه إلى مغيبه أو الأعم منها ومن النذورات والوقوف والهدايا التي كثرت في تلك الفترة، فيكون (المتلبسون) بها هم الذين استولوا عليها من أعوان الخليفة العباسي أو جعفر التواب وأنصاره.

(٢٦٥)

لتطيب ولادتهم ولا تخبث(239).
وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله (عزَّ وجلَّ) قال:
(يا أيها الذين آمنوا ﻻ تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)(240).
إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه.
وإني أخرج - حين أخرج - ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي(241).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(239) حمل الفقهاء هذا النص على المناكح من الغنائم كما حملوا الأحاديث الدالة على إباحة الخمس على المناكح والمساكن والمتاجر. ولكن يمكن أن يقال: مبدئياً الخمس للإمام عونه على دينه، يرمم به الثغرات ويلملم به الفرط من ذرية رسول الله (صلّى الله عليه وآله). ويكون الخمس للإمام باعتباره المسؤول الأعلى عن الشؤون الدينية وولي ذرية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلو لم يدفع أو تصرف فيه غيره دخل في النطف فخبثها، وفي المعاملات فأفسدها.
وفي غيبة الإمام المهدي حيث عجز الناس عن إيصال الخمس إليه أباحه لشيعته ولو ضمن مقاييس، منها التصرف فيه بتوجيه الفقهاء المراجع باعتبارهم متخصصين في مصالح الشيعة.
تماماً كما لو أباح غني ثروته لأقربائه بوضعها تحت تصرف كبارهم لصرفها في مصالح صغارهم، حتى ﻻ يعرض للضياع، فيكون من قبيل إباحة الحق ﻻ إباحة العين.
(240) سورة المائدة، آية 101.
(241) لابد من الاعتراف بأننا ﻻ نعرف السبب الحقيقي للغيبة، ربما لأن العقل البشري في هذه المرحلة - غير مؤهل لاستيعابه، وإعلانه يؤدي إلى مضاعفات سلبية، كما أنه غير مؤهل لهضم أكثر الوقائع اليومية، ولذلك يحوص السياسيون في العالم كله على كتمان أكثر التطورات الحساسة عن الشعوب، إلا بعد أن تفقد وطئتها فتذكر كقصص قديمة في ←

(٢٦٦)

وأما وجه الانتفاع في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب(242) وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ المذكرات.
ولقد مرت بالبشر - فيما نعرف - فترتان احتجبت فيهما عنه مصادر الوحي، الأولى فترة الجاهلية بين عيسى ابن مريم والنبي الأكرم (عليهما السلام)، والثانية فترة الغيبة الكبرى. وفي الفترة الأولى كان عدد من أنبياء الله موجودين كالخضر وإلياس وبعض أوصياء عيسى ابن مريم، ولكن عمدة ولايتهم انحصرت في الجانب التكويني، وفي فترة الغيبة الكبرى، يوجد الإمام المهدي إلى جانب الخضر وإلياس، ولكن معظم ولايته - أيضاً - منحصرة في الجانب التكويني.
ربما لأن العناصر البشرية التي ترسل إلى الحياة الدنيا في هاتين الفترتين دون الحد الأدنى لمعاشرة المعصومين.
وربما لأن الزمان فاسد. والزمان شيء كالمكان بفارق أن فاعلية الزمان أكثر، وإن كان أكثر الناس ﻻ يفهمون الزمان.
وربما لأن الله أراد لوليه المدخر لتطهير الأرض أن يبقى خارجاً على أنظمة الطواغيت. وهذا ما صرح به الإمام المهدي، ولعله من جملة الأسباب للغيبة الكبرى، ولكنه ليس السبب الأساس فالغيبة أهم من ذلك، بل هي أهم من (فترة الرسل) التي سبقت الإسلام، لأنها أطول وأعمق، ولعلها أشمل إذ ربما كان - في تلك الفترة - في بعض قارات الدنيا أنبياء محليون. بينما ﻻ يوجد في فترة الغيبة نبي ولا وصي غير الإمام المهدي وهو غائب ﻻ يظهر حتى يأذن الله له.

(242) هذا النص يرمز إلى الولاية الكونية، وإذا أردنا التوسع في هذا المجال نستطيع القول: أن الأنبياء والأوصياء مصنفون إلى ثلاثة أصناف: ←

(٢٦٧)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ الأول: أصحاب الولاية الشرعية، ولعله كان منهم يونس وشعيب ولوط وذا الكفل واليسع وأمثالهم من النبيين الذين خولهم الله صلاحية الوساطة الشرعية بين الله وعباده. فقد كانوا مرسلين إلى أقوامهم يبشرون بشرائع الله، شأن الفقهاء في الإسلام الذين تقتصر مهمتهم على بيان الأحكام الشرعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بفارق أن الأنبياء يتلقون معارفهم من الله وحياً أو من وراء حجاب أو بواسطة ملك من الملائكة، والفقهاء يتلقون معارفهم من الله بواسطة النبي وأوصيائه.
الثاني: أصحاب الولاية الكونية، كالخضر وإلياس ويوشع بن نون وآصف بن برخيا، ونظرائهم الذين خولهم الله صلاحية الوساطة الكونية بين الله وخلقه ولعله اقتصرت مهمتهم على تنظيم الروابط الكونية تلقياً من الله وتفريغاً على الخلق.
ولقد كان إبراهيم الخليل رسولاً يتمتع بالولاية الشرعية قبل أن يمتحنه الله في نفسه وماله وأهله، فلما نجح في الامتحانات الثلاثة خوله الولاية الكونية، وسجله قرآنا للأجيال التي تليه: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال ﻻ ينال عهدي الظالمين) سورة البقرة، آية 124.
وكان موسى صاحب الخضر رسولاً يمتاز بالشريعة - باعتباره من الرسل - ولكنه لم يؤهل للولاية الكونية فلما وجد الخضر وقد آتاه الله الولاية الكونية أراد أن يتتلمذ عليه حتى يؤهله لها، غير أن الخضر لم يجد في صاحبه موسى قابلية الولايتين في أذهان الأجيال، وربما نرى ملامح هذه القصة متكاملة في سورة الكهف ابتداءً من قوله تعالى: (وإذ قال موسى لفتاه ﻻ أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً) آية 60 حتى نهاية آية 82.
الثالث: أصحاب الولايتين الشرعية والكونية كإبراهيم الخليل والنبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وربما كان ←

(٢٦٨)

السماء(243) فأغلقوا أبواب السؤال عما ﻻ يعنيكم، ولا تتكلفوا علم قد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ في الرسل من يتمتع بالولايتين ولكن ﻻ أذكر دليلاً على ذلك.
وأما الأئمة الاثني عشر فإنهم من أصحاب الولاية الكونية إلى جانب الولاية الشرعية التي انتقلت إليهم من الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) - وصاية ﻻ تأسيساً - والأدلة العقلية والنقلية على ذلك كثيرة يمكن تتبعها في مظانها.

* * *

والولي الكوني هو الذي ترمز إليه الأحاديث الواردة بمضامين تتفرغ في معنى واحد: (لو خليت قلبت)، (لو انقطعت الحجة لساخت الأرض بأهلها)، (أول من خلق الله الحجة وآخر من يموت الحجة) مشيرة أن الواسطة الكونية لم تنقطع ولن تنقطع مادامت الحياة على الأرض.

* * *

ويلاحظ أن أصحاب الولاية الشرعية كانوا مضطرين إلى معايشة الناس لأداء رسالاتهم، وأما أصحاب الولاية الكونية فقط فيفضلون العكوف عليها عن المجتمعات، كالخضر وإلياس ويوشع وآصف.
وعلى الإمام المهدي - باعتباره صاحب الولاية الكونية - أن ينهض بكل شؤونها، ولا تفترض عليه معايشة المجتمع وإن كان صاحب الولاية الشرعية، ولكن بما أنها استمرارية وليست تأسيسية خولها الفقهاء المراجع، واكتفى بالإشراف على سير الشريعة ولو من وراء الغيبة فيرشد ويحذر بأساليبه المعروفة في أوساط الفقهاء والمحدثين.

* * *

وقد عبر الإمام المهدي عن ولايته الكونية من خلال هذا النص - رغم اقتضابه - فهو يمارس ولايته الكونية وإن لم يعرفه الناس باسمه وشخصه، كما أن الشمس تدأب في تربية منظومتها حتى وإن حجتها قطع السحاب عن مناطق من الأرض أو من سائر كرات المنظومة.

(243) هذا النص: (النجوم أمان لأهل السماء) ورد - بمناسبات عديدة - في مجموعة من ←

(٢٦٩)

كفيتم(244) وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ الأحاديث، وكأنه من المسلمات الكونية لدى مصادر الوحي. ولكن العلم الحديث لم يبلغ - بعد - مستوى هذا النوع من الحقائق الكونية.
ونحن ﻻ ننتظر العلم إذا أعلن الوحي حقيقة كونية، لأن ثقتنا بالأنبياء أعمق منها بالعلماء ومتى سبق العلم الوحي أو جاراه؟
نستطيع أن نستخلص من مجموع ما يحضرنا من الأدلة ما يلي:
إن الخامات الأولية للكون عبارة عن موجات ضوئية متناهية القصر والسرعة، وهي تدأب في سيرها ملايين السنين الضوئية ثم تفقد تدريجاً فاعليتها فتتوتر وتنخثر، ومن ثم تتطور إلى ذرات متناهية الصغر وحادة الفاعلية يمكن تسميتها بـ (الذرات الكونية) وهذه الذرات المختلفة - باختلاف الموجات التي تطورات إليها - تفرز إلى ساخنة وباردة فالساخنة تلتقي مثيلاتها لتشكل النجوم، والباردة تلتقي مثيلاتها لتشكل الكواكب وفاعليات النجوم عديدة وما يرتبط بهذا الموضوع اثنتان:
الأولى: مغناطيستها، فالنجوم باعتبارها كتلاً ضخمة تمتاز بجاذبية هائلة تعادل دافعية الكواكب، فيمسك كل نجم بمجموعة من الكواكب في أبعاد متناسبة مع أحجامها، وهذه المغناطيسية تساهم في تنظيم المجرات ومن ثم في تثبيت النسبية العامة.
الثانية: حراريتها، فالنجوم باعتبارها كتلاً ملتهبة، تبعث إلى الكواكب طاقات حرارية تصونها من الانجماد وتؤهلها للحياة.
وهكذا تكون النجوم أماناً للخلائق التي تعيش على الكواكب من الانقراض.
وبما أن أصحاب الولاية الكونية، يؤدون دور الوساطة الكونية صح تشبههم بالنجوم في أنهم يقومون بدورهم للإبقاء على حياة الخلائق.

(244) فمعرفة علة الغيبة ليست من الفرائض التي أمر الله بها، حتى يعاقب من لم يتكلف معرفتها. فمن كان في المستوى المناسب فليعرفها، ومن لم يكن في المستوى المناسب ﻻ يفترض عليه تكلفها.

(٢٧٠)

فرجكم(245) والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب(246) وعلى من اتبع الهدى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(245) هذه الجملة تحتمل تفسيرين:
الأول: إن في مجرد الدعاء بتعجيل الفرج، فرجاً للداعين.
الثاني: إن في فرج الإمام المهدي فرجاً لأوليائه.
(246) من وجوه الشيعة، ومن المختصين بالناحية المقدسة.

(٢٧١)

جعفر التواب (247)
بسم الله الرحمن الرحيم أتاني كتابك - أبقاك الله - والكتاب الذي أنفذت في درجة(248) وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه، وتكرر الخطأ فيه، ولو تدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه(249).
والحمد لله رب العالمين حمداً ﻻ شريك له(250) على إحسانه إلينا وفضله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(247) الاحتجاج، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ج2ص 279 - 280: عن سعد بن عبد الله الاشعري، عن الشيخ الصدوق، أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري (رحمه الله): أنه جاء بعض أصحابنا يعلمه أن جعفر بن علي كتب إليه كتاباً يعرفه نفسه، ويعلمه أنه القيم بعد أخيه، وإن عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه، وغير ذلك من العلوم كلها.
قال أحمد بن إسحاق: فلما قرأت الكتاب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) وصيرت كتاب جعفر في درجة، فخرج إلى الجواب في ذلك:...
(248) درج الشيء في الشيء: أدخله فيه، وضمنه إياه.
(249) وهذا النص يدل على مدى اهتمام الإمام عجل الله فرجه بأوضاع شيعته، حتى يهيب بأحدهم أن ﻻ تكون في رسالته أخطاء.
(250) إذ ﻻ شريك له في العطاء حتى يشاركه في الحمد.

(٢٧٢)

علينا(251).
أبى الله (عزَّ وجلَّ) للحق إلا إتماماً، وللباطل إلا زهوقاً، وهو شاهد عليّ بما أذكره، ولي عليكم بما أقول له(252) إذا اجتمعنا لليوم الذي لا ريب فيه، ويسألنا عمّا نحن فيه مختلفون.
وإنه لم يجعل لصاحب الكتاب(253) على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعاً إمامة مفترضة، ولا طاعة ولا ذمة،(254) وسأبين لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله.
يا هذا يرحمك الله؛ إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثاً، ولا أهملهم سدى، بل خلقهم بقدرته، وجعل لهم أسماعاً وأبصاراً وقلوباً وألباباً، ثم بعث إليهم النبيين (عليهم السلام) مبشرين ومنذرين، يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته، ويعرّفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم، وأنزل عليهم كتاباً وبعث إليهم ملائكة، وباين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(251) على إحسانه متعلق بـ (الحمد لله) أي الحمد لله على إحسانه وفضله.
(252) فالله شاهد علي بما أذكره ويحاسبني إن تجاوزت الحق، وشاهد عليكم بما أقوله إن لم تأخذوا به.
(253) وهو جعفر التواب.
(254) الذمة: الحرمة. وقيل: ما يجب أن يحفظ ويحمي. وقيل: الذمة: التذمم ممن ﻻ عهد له، وهو أن يلزم الإنسان نفسه حقاً يجري مجرى المعاهدة من غير معاهدة. والمعنى أنه ليس له أي حق وفضل عليكم.

(٢٧٣)

وما أتاهم الله من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة، والآيات الغالبة.
فمنهم: من جعل النار عليه برداً وسلاماً واتخذه خليلاً.
ومنهم: من كلمه تكليماً وجعل عصاه ثعباناً مبيناً.
ومنهم: من أحيى الموتى بإذن الله وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله.
ومنهم: من علّمه منطق الطير، وأوتي من كل شيء(255).
ثم بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين وتمم به نعمته، وختم به أنبيائه، وأرسله إلى الناس كافة، وأظهر من صدقه ما أظهر، وبيّن من آياته وعلاماته ما بيّن، ثم قبضه (صلّى الله عليه وآله) حميداً فقيداً سعيداً، وجعل الأمر من بعده على أخيه وابن عمه ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم إلى الأوصياء من ولده واحداً بعد واحد، أحيى بهم دينه، وأتم بهم نوره،(256) وجعل بينهم وبين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(255) يقصد بالأول إبراهيم الخليل. وبالثاني موسى بن عمران. وبالثالث عيسى ابن مريم. وبالرابع سليمان بن داوود.
(256) يحاول الإمام المهدي (عليه السلام) من خلال هذه المقدمة إيضاح إحدى الحقائق الكبرى التي قل من يحاول تفهمها واستيعابها، وهي أن اختيار الله تعالى لأنبيائه وأوصيائهم لم تكن عملية ارتجالية أو عفوية تعتمد على مجرد طيبة قلب وطهارة مسلك، فإن الله ﻻ يختار للقيادة التشريعية - التي هي أهم من القيادة التكوينية - أفراداً لأنهم طيبون فحسب، وإنما يختار لها أصلح خلقه من جميع الجهات الخلقية والنفسية.
وتتم عملية الاختيار هذه بمقاييس السماء التي ﻻ تخطئ ولا تحابي. كما ﻻ تخطئ ولا تحابي في سائر العمليات الكونية.
وقد أوضح النبي (صلّى الله عليه وآله) هذه الحقيقة في قولته الشهيرة للإمام علي (عليه السلام): (يا علي! إن الله اطلع على الأرض اطلاعة فاختارني منها...).
وهذا يعني أن الله يختار خير أهل كل زمان لرسالته إليهم، واختار خير الخلق - على الإطلاق - لرسالته الكبرى إليهم. حتى لو لم تكن الرسالات لكان الأنبياء ثم أوصيائهم أعلى القمم البشرية، ولكان الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أعلى القمم البشرية على الإطلاق.
فقضية الإمامة ليست قضية منصب يمكن أن يفوز به من هو أشد سعياً إليه، وإنما هي قضية تفوق في المواهب والمؤهلات التي يتم تقييمها بمعادلات السماء بعيداً عن أجواء المساعي والتزاحمات التي يمكن أن تؤثر على حركة المناصب في الأرض.

(٢٧٤)

أخوتهم وبني عمهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقاً (فرقاناً) بيّناً، تعرف به الحجة من المحجوج، والإمام من المأموم بأن: عصمهم من الذنوب، وبرّأهم من العيوب، وطهّرهم من الدنس، ونزّههم من اللبس، وجعلهم خزّان علمه، ومستودع حكمته، وموضع سره، وأيدهم بالدلائل(257). ولولا ذلك لكان الناس على سواء، ولادّعى أمر الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(257) ومن خلال هذا النص يبين مظاهر ذلك التفوق الذي أدى إلى اختيارهم، ويلخصها في ستة في:
الأول: أنهم معصومون من الذنوب ﻻ يرتكبون مخالفة دينية طيلة حياتهم مهما تقلبت بهم الظروف وعصفت بهم الأزمات.
الثاني: أنهم يتمتعون بالكمال الجسماني، فلا يشكون من نقص ولا عاهة.
الثالث: أنهم يمتازون بشموخ الآباء وطهارة الأمهات، فهم منزهون من شرك الآباء وعهر الأمهات.
الرابع: أنهم ﻻ يخطئون في شيء، فلا يصدر منهم خطأ، ولا يتورطون في خطأ.
الخامس: أنهم أعلم الناس وأحكم الناس على الإطلاق.
السادس: أنهم مؤيدون بالمعجزات التي تثبت أنهم يتعاملون مع القوى الماورائية التي ﻻ تتوصل إليها علوم البشر إلا بواسطتهم. وقد أثبت التاريخ أنهم جميعاً - كانوا في هذا المستوى.

(٢٧٥)

عز وجل كل أحد، (واحد).
ولَمَا عُرف الحق من الباطل، ولا العلم من الجهل، (العالم من الجاهل).
وقد ادّعى هذا المبطل المدعي على الله الكذب بما ادّعاه، فلا أدري بأية حالة هي له، رجا أن يتم دعواه؟ بفقه في دين الله؟؛ فوالله ما يعرف حلالاً من حرام ولا محكماً من متشابه، ولا يعرف حد الصلاة ووقتها. أم بورع؟؛ فالله شهيد على تركه الصلاة (الفريضة) أربعين يوماً، يزعم ذلك لطلب الشعوذة، ولعل خبره تأدّى إليكم، وهاتيك ظروف مسكرة منصوبة، وآثار عصيانه لله (عزَّ وجلَّ) مشهورة وقائمة. أم بآية؟؛ فليأت بها. أم بحجة؟؛ فليقمها. أم بدلالة؟؛ فليذكرها.
قال الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه: (بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله

(٢٧٦)

العزيز الحكيم ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين ومن أضلّ ممن يدعو من دون الله من ﻻ يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين)(258).
فالتمس - تولى الله توفيقك - من هذا الظالم ما ذكرت لك(259) وامتحنه واسأله: عن آية من كتاب الله يفسرها، أو صلاة يبيّن حدودها وما يجب فيها، لتعلم حاله ومقداره، ويظهر لك عواره(260) ونقصانه والله حسيبه.
حفظ الله الحق على أهله، وأقره في مستقره(261) وقد أبى الله (عزَّ وجلَّ) أن تكون الإمامة في أخوين إلا الحسن والحسين(262) وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحق، واضمحلّ الباطل.
وانحسر عنكم، وإلى الله أرغب في الكفاية، وجميل الصنع والولاية، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على محمد وآل محمد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(258) سورة الأحقاف، الآيات 1-7.
(259) أي اطلب منه أن يأتيك بآية أو بحجة أو بدلالة على إمامته.
(260) العوار: العيب.
(261) أي في محله الواقعي، ومحله في هذه المناسبة هو الإمام المهدي.
(262) فلا تكون في الحسن العسكري وفي أخيه جعفر.

(٢٧٧)

خلف العسكري (263)
بسم الله الرحمن الرحيم. عافانا الله وإياكم من الفتن، ووهب لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب.
إنه أنهي إليّ ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم(264) فغمّنا ذلك لكم ﻻ لنا، وساءنا فيكم لا فينا، لأن الله معنا فلا فاقة بنا على غيره، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنّا، ونحن صنايع ربنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(263) الاحتجاج: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص277 - 279: عن الشيخ الموثوق أبي عمرو العمري (رحمه الله) قال: تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في (الخلف) فذكر ابن أبي غانم: أن أبا محمد (عليه السلام) مضى ولا خلف له، ثم أنهم كتبوا في ذلك كتاباً وأنفذوه إلى (الناحية) وأعلموا بما تشاجروا فيه.
فورد جواب كتابهم بخطه (صلى الله عليه وعلى آبائه):...
(264) لقد اعتبر الإمام المهدي - في هذا النص - الارتياب في أحد الأئمة (عليهم السلام) ارتياباً في الدين، لأن الإمامة هي القيادة، والقيادة من صميم الذين، سواءً كانت قيادة الأنباء أو الأوصياء، فكما أن الشك في نبوة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) يعود إلى الشك في الدين، كذلك الشك في أي من أوصيائه يعود إلى الشك في الدين، لأن قيادته مستمرة فيهم.
مضافاً إلى أن التشكيك في أي شيء مما أمر الله به تشكيك في الدين، والله تعالى أمر باتّباع النبي وأوصيائه، فالتشكيك فيهم أو في أحدهم تشكيك في ما أمر الله به.

(٢٧٨)

والخلق بعد صنايعنا(265).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(265) إن الله سبحانه وتعالى أراد التسلسل في الخلق، وجرت بذلك سنته - حسب تعبير القرآن - فخلق (كلمات) وجعلها الطبقة الأولى من مخلوقاته. ومن بعضها خلق النور والظلمة، وجعلهما الطبقة الثانية من مخولوقاته. ومن موجات النور والظلمة خلق العناصر الأولية الستة والتسعين - وجعلها الطبقة الثالثة من مخلوقاته. ومن العناصر الأولية خلق الأجسام - اللطيفة والكثيفة - فجعلها الطبقة الرابعة من مخلوقاته.
ولو أراد الله أن يخلق الأجسام ارتجالاً من العدم لاستطاع، ولكنه أراد التسلسل في الخلق، مما أراد تسلسل البشر بالإنجاب. وهذه الإرادة ﻻ تنافي إطلاق قدرته، لأن القدرة لم تتقيد بشيء خارج عنها، وإنما هي التي أرادت ذلك.
ويستظهر من بعض الآيات والروايات: أن أرواح الأنبياء والأوصياء هي كلمات الله تلك، التي ابتدأ بها الخلق.
فقد قال الله عن عيسى ابن مريم (عليه السلام): (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم) سورة النساء، آية 171.
و(إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم) سورة آل عمران، آية 45.
وفي الحديث عن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله): (أول ما خلق الله نوري) و(أنا أول ما خلق الله، وأول من تنشق عنه الأرض).
فإذا ثبت أن أرواح الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) كلمات الله، ثبت أنهم الطبقة الأولى من المخلوقات، وأن الله خلق بقيت المخلوقات منهم.
وهذا الموضوع ثابت في الحديث، وقد استقصى العلامة المجلسي قسماً وفيراً منه في (كتاب السماء والعالم) من موسوعته التي أسماها بـ (بحار الأنوار).
وهذا القول يشبه قولنا: إن الله خلق الإنسان والحيوان والنبات من التراب والماء والهواء والشمس.
وإذا ثبت أن الله خلق أرواح الأنبياء والأوصياء مباشرة، ثم خلق منها بقية خلقه، صح أنهم صنائع الله وأن الخلق صنائعهم. فهم أقرب إلى الله - في تسلسل الخلقة - من سائر الناس، فيحتاج إليهم الناس ولا يحتاجون إلى الناس. لاستغنائهم بالله عمن سواه.
وقد أثبت التسلسل الرسالي أنهم أقرب إلى الله، فالله أرشدهم مباشرة وأرشدهم من سواهم بهم.

(٢٧٩)

يا هؤلاء؛ ما لكم في الريب تترددون، وفي الحيرة تتسكّعون؟ أو ما سمعتم الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)(266)؟ أو ما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم؟ على الماضين والباقين منهم السلام. أو ما رأيتم كيف جعل لكم الله معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها؟ من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن ظهر الماضي (عليه السلام)(267)؟ كلما غاب علم بدأ علم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلما قبضه الله ظننتم: أن الله أبطل دينه(268) وقطع السبب ببيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(266) سورة النساء، آية 59.
(267) يقصد بالماضي أباه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
(268) أي ظننتم أن سلسلة أوصياء رسول الله قد انقطعت، وهذا يساوي بطلان الدين لأن سلسلة الرسل قد اختتمت بخاتم النبيين فلم تبق بعده إلا سلسلة أوصيائه الذين يؤدون دوره من بعده، فلو انتهت بوفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لتعرض دين الله للبطلان، لأن حجة الله في الأرض عاصمة الدين تنفي عنه تحريف المبطلين وبدع الظالمين فانقطاع الحجة يؤدي إلى تعرض الدين للزوال.

(٢٨٠)

وبين خلقه(269) كلاّ ما كان ذلك ولا يكون، حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون.
وأن الماضي (عليه السلام) مضى سعيداً فقيداً على منهاج آبائه (عليهم السلام) (حذو النعل بالنعل) وفينا وصيته وعلمه، ومنه خلفه ومن يسدّ مسدّه، ولا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم، ولا يدعيه دوننا إلا كافر(270) جاحد، ولو أن أمر الله ﻻ يغلب،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(269) لأن ولي الله - كل ولي في عهده - صاحب الولاية الكونية، فهو السبب المتصل بين الله وبين للزوال.
(270) الكفر: الستر. فكل من ستر حقيقة فهو كافر لغة فإن ستر حقيقة دينية أصبح كافراً ديناً. وللكفر درجات تبدأ بإنكار أدنى الحقائق الدينية، وتنتهي بإنكار أعظم الحقائق، وهو الله (عزَّ وجلَّ)، فليس كل كافر جاحداً بالله سبحانه بالضرورة، وإنما الكافر يعم الجاحد بالله والملحد في إحدى آياته، والإمامة من أهم آيات الله، فمن حجبها أو انتحلها دون أهلها فقد كفر بهذا المعنى.
وقد فرق الإمام المهدي (عجل الله فرجه) بين من يتصدى لموضع الإمام أي لقيادة الأمة فاعتبره ظالماً آثماً: (ولا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم) وبين من يتصدى لصفة الإمام أي للسببية التكوينية والتشريعية بين الله وعباده، فاعتبره كافراً جاحداً: (ولا يدعيه دوننا إلا كافر جاحد). لأن الأول يعترض مسيرة الأمة شأن جميع الحكام بغير حق، بينما الثاني يعترض عقيدة الأمة شأن منتحلي الرسالات، وهذا شر من الأول. لأن مسيرة الأمة قابلة للتصحيح مادامت عقيدتها سليمة، فإذا فسدت عقيدتها استعصت على العلاج.

(٢٨١)

وسرّه ﻻ يظهر ولا يعلن، لظهر لكم من حقنا ما تبهر منه عقولكم(271) ويزيل شكوككم، ولكن ما شاء الله كان، ولكل أجل كتاب، فاتقوا الله وسلموا لنا، وردوا الأمر إلينا، فعلينا الإصدار كما كان منّا الإيراد، ولا تحاولوا كشف ما غطّي عنكم، ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى اليسار، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنّة الواضحة.
فقد نصحت لكم، والله شاهد عليّ وعليكم، ولولا ما عندنا من محبة صاحبكم ورحمتكم، والإشفاق عليكم، لكنّا عن مخاطبتكم في شغل، مما قد امتحنّا به منازعة الظالم العتلّ الضالّ، المتتابع في غيّه المضادّ لربّه، المدّعي ما ليس له، الجاحد حق من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب(272)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(271) لأن في غيبة الإمام المهدي سراً يجب أن يبقى طي الكتمان، ويجب - بمقتضاه - على الإمام المهدي أن يغيب عن الأضواء، ولولا ذلك لكان يعلن عن نفسه ويتابع خط المعجزات التي تبهر العقول، شأن جميع الأنبياء والأوصياء من قبله الذين فرضوا على الكفر الإنساني علاقتهم المباشرة بالسماء عن طريق المعجزات، ولكن الإمام المهدي ﻻ يمارس المعاجز - حالياً - لأن الله كتب عليه الغيبة، فاستغل غيبته المصلحيون، فنازعوه القيادة أو ادعوا دونه الإمامة.
(272) الظاهر أنه يقصد عمه جعفر بن الإمام علي الهادي (عليه السلام) شقيق الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام).
فجعفر بن علي ادعى الإمامة بعد أخيه الحسن العسكري، فامتحنه علماء الشيعة ورواتهم، فلما لم يجدوا فيه مواصفات الإمام المعصوم أطلقوا عليه لقب (الكذاب) ولم يشفع له أنه عم ←

(٢٨٢)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ الإمام المهدي، لأن دين الله ﻻ يؤخذ بالأنساب، وقد قال الله تعالى في شأن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله): (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين) سورة الحاقة آية، 47. إذ ﻻ محاباة في الدين كما ﻻ ممالئة في الحق.
ثم أن جعفر بن علي تاب، فخرج التوقيع من الناحية المقدسة بقبول توبته، وأن: (سبيله سبيل إخوة يوسف) فأطلق عليه لقب (التواب).
وحوله كلام كثير يمكن استشفافه من خلال هذا التوقيع والتوقيع الذي يليه، ولكني ﻻ أود البحث عنه كرامة لنسبه المقدس، خاصة بعد أن قبلت توبته، ولكني - إجلاءً للواقع وإظهاراً للحقيقة - أثبت هنا حديثين، يكفيان لإيضاح وموقف جعفر بن علي الذي أدى إلى صدور توقيعين ضده. وفيما يلي نصهما:
الأول:
أ: ينابيع المودة، سليمان بن إبراهيم البلخي ص461 عن أبي الأديان.
ب: كمال الدين وتمام النعمة، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الصدوق عن أبي الأديان قال: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد (عليهم السلام)، وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً، وقال: (امض بها إلى المدائن فإنك ستغيب أربعة عشر يوماً، وتدخل على سر من رأى يوم الخامس عشر، وتسمع الواعية في داري، وتجدني على المغسل) قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: (من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي) ثم ذكر (عليه السلام) علامتين أخريين (إحداهما) من يصلي عليه (والثانية) من يخبر بما في الهميان. (وخرجت بالكتب إلى المدائن، وأخذت جواباتها، ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي (عليه السلام)، وإذا أنا بالواعية في داره وإذا به على المغسل، وإذا أنا بجعفر الكذاب بن علي: أخيه بباب الدار، ←

(٢٨٣)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ والشيعة من حوله يعزونه، ويهنونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة. لأني أعرفه يشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور، فتقدمت فعزيت وهنيت. فلم يسألني عن شيء ثم خرج عقيد (خادم الإمام العسكري) فقال: يا سيدي قد كفن أخوك فقم فصل عليه فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قبيل (قتيل - نسخة بحار الأنوار) المعتصم المعروف بسلمه، فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي (صلوات الله عليه) على نعشه مكفناً فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه فلما هم بالتكبير خرج صبي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين بوجهه سمرة بشعرة قطط بأسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي وقال: (تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي). فتأخر جعفر وقد أربد وجهه واصفر، وتقدم الصبي فصلى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليه السلام). ثم قال: (يا بصري هات جوابات الكتب التي معك) فدفعتها إليه فقلت في نفسي: هذه بينتان، بقي الهميان، ثم خرجت إلى جعفر بن علي، فقال له حاجز الوشا: يا سيدي مَن الصبي؟ ليقيم الحجة عليه. فقال: والله ما رأيته قط ولا أعرفه. فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي (عليه السلام) فعرفوا موته فقالوا: فمن نعزي؟ فأشاروا إلى جعفر بن علي. فسلموا عليه وعزوه وهنوه، وقالوا: معنا كتب ومال فتقول ممن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه، ويقول: تريدون منا أن نعلم الغيب؟ قال: فخرج الخادم فقال: (معكم كتب فلان وفلان وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطلية) فدفعوا إليه الكتب والمال، وقالوا: الذي وجه بك لأجل ذلك هو الإمام. فدخل جعفر بن علي على (المعتمد) وكشف ذلك له فوجه له ذلك (المعتمد) يخدمه فقبضوا على صيقل الجارية فطالبوها بالصبي، وأنكرته، وادعت حبلاً به [حملاً بها] لتغطي على حال الصبي. فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، ونعتهم موت عبيد الله بن خاقان فجأة، وخرج صاحب الزنج بالبصرة ←

(٢٨٤)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم والحمد لله رب العالمين.
الثاني:
أ: الخرايج، قطب الدين أبو الحسن سعيد بن هبة الله الراوندي بسنده.
ب: كمال الدين وتمام النعمة، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الصدوق، عن أبي العباس أحمد بن الحسن بن عبد الله بن محمد بن مهران الأزدي، الأمي العروض رضي الله عنه بمرو، عن الحسين بن زيد بن عبد الله البغدادي عن أبي الحسن علي بن سنان الموصلي قال: حدثنا أبي لما قبض سيدنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهما وقدم من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم والعادة، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن (عليه السلام)، فلما أن وصلوا إلى سر من رأى سألوا عن سيدنا الحسن (عليه السلام) فقيل لهم: إنه قد فقد. قالوا: ومن وارثه؟ قالوا: أخوه جعفر بن علي. فسألوا عليه فقيل لهم: أنه خرج متنزهاً، وركب زورقاً في دجلة يشرب ومعه المغنون. قال: فتشاور القوم. قالوا: هذه ليس من صفة الإمام! وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتى نرد هذه الأموال على أصحابها. فقال أبو العباس محمد بن جعفر الحميري القمي: قفوا بنا حتى ينصرف هذا الرجل، ونختبر أمره بالصحة، فلما انصرف دخلوا إليه فسلموا عليه، وقالوا: يا سيدنا نحن من قم ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها، وكنا نحمل إلى سيدنا أبي محمد الحسن بن علي الأموال: فقال: أين هي؟ قالوا: معنا! قال: احملوها إلي! قالوا: إلا أن لهذه الأموال خبراً طريفاً: فقال: وما هو؟ قالوا: إن هذه الأموال تجمع. ويكون فيها من عامة الشيعة الدينار والديناران، ثم يجعلونها في كيس ويختمون عليه، وكنا إذا أوردنا بالمال على سيدنا أبي محمد (عليه السلام) يقول: جملة المال كذا وكذا ديناراً من عند فلان كذا، ومن عند فلان كذا! حتى يأتي على أسماء الناس كلهم، ←

(٢٨٥)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ ويقول ما على نقش الخواتيم. فقال جعفر: كذبتم! تقولون على أخي ما لا يفعله؟ هذا علم الغيب ولا يعلمه إلا الله. فلما سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلى بعض، فقال لهم: احملوا هذا المال إلي. قالوا: إنا قوم مستأجرون وكلاء، وإنا ﻻ نسلم المال إلا بالعلامات التي كنا نعرفها من سيدنا الحسن بن علي (عليه السلام)، فإن كنت الإمام فبرهن لنا، وإلا رددنا الأموال إلى أصحابها، يرون فيها رأيهم. فدخل جعفر على الخليفة وكان بسر من رأى، فاستدعى عليهم فلما أحضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلى جعفر! قالوا: أصلح الله أمير المؤمنين! إنا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب هذه الأموال، وهذه وداعة الجماعة، وأمرونا أن ﻻ نسلمها إلا بعلامة ودلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمد الحسن بن علي (عليهم السلام)، فقال الخليفة: فما كانت العلامة التي كانت مع أبي محمد؟ قال القوم: كان يصف لنا الدنانير وأصحابها، والأموال وكم هي؟ فإذا فعل ذلك سلمناها إليه، وقد وفدنا إليه مراراً فكانت هذه علامتنا معه، دلالتنا، وقد مات، فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه! وإلا رددناها على أصحابها. فقال جعفر: يا أمير المؤمنين: إن هؤلاء قوم كذابون على أخي، وهذا علم الغيب. فقال الخليفة: القوم رسل، وما على الرسول إلا البلاغ المبين. قال: فبهت جعفر ولم يرد جواباً. فقال القوم: يتطول أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى من يبدرقنا حتى نخرج من هذه البلدة. قال: فأمرهم بنقيب فأخرجهم منها. فلما أن خرجوا من البلد، خرج إليهم غلام أحسن الناس وجهاً، كأنه خادم، فصاح: يا فلان! يا فلان بن فلان! أجيبوا مولاكم! فقالوا: أنت مولانا؟ قال: معاذ الله: أنا عبد مولاكم! فسيروا إليه. قال: فسرنا إليه معه حتى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي (عليه السلام)، فإذا ولده سيدنا القائم (عليه السلام) قاعد على سرير، كأنه فلقة قمر، عليه ثياب خضر، فسلمنا عليه فرد علينا السلام. ثم قال: (جملة المال كذا وكذا ديناراً! حمل فلان كذا! وحمل فلان كذا!) ولم يزل يصف حتى ←

(٢٨٦)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفي ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعليها لي أسوة حسنة(273) وسيتردّى الجاهل رداء عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.

 

→ وصف الجميع، ثم وصف ثيابنا، ورحالنا، وما كان معنا من الدواب، فخررنا سجداً لله (عزَّ وجلَّ) شكراً لما عرفنا، وقبلنا الأرض بين يديه، وسألناه عما أردنا، فأجاب، فحملنا إليه الأموال، وأمرنا القائم (عليه السلام) أن ﻻ نحمل إلى سر من رأى بعدها شيئاً من المال، وأنه ينصب لنا ببغداد رجلاً تحمل إليه الأموال، وتخرج من عنده التوقيعات. قالوا: فانصرفنا من عنده، ودفع إلى أبي العباس محمد بن جعفر القمي الحميري شيئاً من الحنوط والكفن. فقال له: (أعظم الله أجرك في نفسك)! قال: فما بلغ أبو العباس عقبة همدان حتى توفي رحمه الله، وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلى بغداد، إلى النواب المنصوبين بها وتخرج من عندهم التوقيعات.
(قال الصدوق مصنف كمال الدين): هذا الخبر يدل على أن الخليفة كان يعرف هذا الأمر كيف هو؟ وأين هو؟ وأين موضعه؟، ولهذا كف عن القوم عما معهم من الأموال، ودفع جعفر الكذاب عن مطالبتهم، ولم يأمرهم بتسليمها إليه. إلا أنه كان يجب أن يخفي هذا الأمر ولا ينشره، لئلاّ يهتدي إليه الناس ويعرفونه. وقد كان جعفر الكذاب حمل عشرين ألف ديناراً إلى الخليفة لما توفي الحسن بن علي (عليه السلام)، وقال: يا أمير المؤمنين أتجعل لي مرتبة أخي الحسن ومنزلته؟ فقال الخليفة: اعلم إن منزلة أخيك لم تكن بنا، إنما كانت بالله (عزَّ وجلَّ)، ونحن كنا جهدنا في حط منزلته والوضع منها، وكان الله (عزَّ وجلَّ) يأبى إلا أن يزيده كل يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة، وحسن السمت، والعلم، والعبادة، فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن بمنزلته، ولم يكن فيك ما كان في أخيك لم نغن عنك شيئاً..

(273) فقد اغتصب حق الزهراء (عليها السلام) وصبرت، واغتصب حق الإمام المهدي حيث استولى جعفر على إرثه من أبيه فصبر، وكان باستطاعته القيام بردود فعل مختلفة أهونها أمر الشيعة بمحاربته، ولكنه لم يفعل، مكتفياً ببيان الحقيقة حتى ﻻ يضل الباحثون عن الحق.

(٢٨٧)

عصمنا الله وإياكم من المهالك والأسواء، والآفات والعاهات كلها، برحمته فإنه وليّ ذلك، والقادر على ما يشاء، وكان لنا ولكم وليّاً وحافظاً، والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على النبي محمّدٍ وآله وسلّم تسليماً.

(٢٨٨)

إلى ابن أبي روح (274)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(274) بحار الأنوار للعلامة المجلسي (قدّس سرّه): ج51 ص295- 296، عن كتاب الخرائج قال: روي عن أحمد بن أبي روح قال: وجهت إلى امرأة من أهل دينور، فأتيتها فقالت: يا بني أبي روح أنت أوثق من في ناحيتنا ديناً وورعاً، وأني أريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤديها وتقوم بها: فقلت: أفعل إن شاء الله تعالى فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحله، ولا تنظر فيه حتى تؤديه إلى من يخبرك بما فيه [تقصد إمام الزمان صاحب الأمر (عليه السلام)] وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير، وفيه ثلاث جعات تساوي عشرة دنانير، ولي إلى صاحب الزمان (عليه السلام) حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها.
فقلت: وما الحاجة؟ قالت: عشرة دنانير استقرضتها أمي في عرس لا أدري ممن استقرضتها، ولا أدري إلى من أدفعها، فإن أخبرك بها فادفعها إلى من يأمرك بها.
قال: فقلت في نفسي: وكيف أقول لجعفر بن علي؟ فقلت هذه المحنة بيني وبين جعفر بن علي، فحملت المال وخرجت حتى دخلت بغداد، فأتيت حاجز بن يزيد الوشاء، فسلمت عليه وجلست.
قال: ألك حاجة؟ قلت: هذا مال دفع إلي لا أدفعه إليك حتى تخبرني كم هو؟ ومن دفعه إلي، فإن أخبرتني دفعته إليك.
قال: يا أحمد بن أبي روح توجه به إلى سر من رأى، فقلت: لا إله إلا الله لهذا أجل شيء أردته، فخرجي ووافيت سر من رأى فقلت: ابدأ بجعفر، ثم تنكرت فقلت ابدأ بهم، فإن كانت المحنة من عندهم وإلا مضيت إلى جعفر.
فدنوت من دار أبي محمد (عليه السلام)، فخرج إلي خادم فقال: أنت أحمد بن أبي روح؟ قلت: نعم، قال: هذه الرقعة أقرأها، فإذا فيها مكتوب:..

(٢٨٩)

بسم الله الرحمن الرحيم يا بن أبي روح أودعتك عاتكة بنت الديراني كيساً فيه ألف درهم بزعمك، وهو خلاف ما تظن، وقد أتيت فيه الأمانة ولم تفتح الكيس، ولم تدري ما فيه وفيه ألف درهم وخمسون ديناراً، ومعك قرط زعمت المرأة أنه يساوي عشرة دنانير. صدقت مع الفصين الذين فيه، وفيه ثلاث حبات لؤلؤ شراؤها عشرة دنانير، وتساوي أكثر فادفع ذلك إلى خادمتنا فلانة، فإنا قد وهبناه لها.
وصر إلى بغداد، وادفع المال إلى الحاجز وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك.
وأما عشرة الدنانير التي زعمت أن أمها استقرضتها في عرسها وهي لا تدري من صاحبها بل هي تعلم لمن هي؟ لكلثوم بنت أحمد، وهي ناصبية، فتحرجت أن تعطيها، وأحبت أن تقسمها في أخواتها فاستأذنتنا في ذلك. فلتفرقها في ضعفاء أخواتها.
ولا تعودن يا بن أبي روح إلى القول بجعفر، والمحنة له.
وارجع إلى منزلك فإن عمك قد مات، وقد رزقك الله أهله وماله(275).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(275) ثم جاء النص بعد ذلك كما يلي:
(قال) فرجعت إلى بغداد، وناولت الكيس حاجزاً، فوزنه فإذا فيه ألف درهم وخمسون دينار فناولني ثلاثين ديناراً، وقال أمرت بدفعها إليك لنفقتك، فأخذتها وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه، وقد جاءني من يخبرني أن عمي قد مات، وأهلي يأمروني بالانصراف إليهم فرجعت فإذا هو قد مات، وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم.

(٢٩٠)

رسالة إلى العمري وابنه (276)، (277)
وفقكما الله لطاعته وثبتكما على دينه وأسعدكما بمرضاته.
انتهى إلينا ما ذكرتما أن (الميثمي)(278) أخبركما عن المختار ومناظرته من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(276) : أ- الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (قدّس سرّه) في كمال الدين وتمام النعمة ج2 ص198
ب- معاني الأخبار ص286.
ج- بحار الأنوار للعلامة المجلسي (قدّس سرّه) عنها، ج35 ص78، وفي ج53 ص190 أيضاً...
توقيع منه (عليه السلام) كان خرج إلى العمري وابنه رضي الله عنهما، رواه سعد بن عبد الله قال الشيخ أبو جعفر رضي الله عنه: وجدته مثبتاً بخط سعد بن عبد الله رضي الله عنه:
(277) العمري وابنه هما اثنان من النواب الأربعة، عثمان بن سعيد العمري وكيل الهادي والعسكري (عليهما السلام) وأول نائب للحجة في الغيبة الصغرى، وابنه محمد بن عثمان العمري النائب الثاني للحجة صلوات الله عليه.
(278) الميثمي لعله (محمد بن الحسن بن زياد الميثمي) الذي قالوا عنه ثقة عين، ومن أصحاب الرضا (عليه السلام)، أو (أحمد بن الحسن الميثمي) الذي قال النجاشي عنه كان واقفاً وقد روى عن الرضا (عليه السلام) وهو على كل حال ثقة صحيح الحديث معتمد عليه- إلى آخره- وتوقف آخرون في نسبته الوقف إليه، ولعله (علي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن يحيى التمار) من وجوه المتكلمين من أصحابنا، ولعله غيرهم.
يطلب تفاصيل هذه المعلومات وغيرها في جامع الرواة: ج2 ص452، وفي ص92 أيضاً وج1 ص558، وفي ص46 أيضاً، وفي الوسائل: ج20 ض390. وفي مستدرك الوسائل: ج3ص553.
(وأما المختار) فهو علم لجماعة لم أثبت- في هذه العجالة- أحدهم بالخصوص.
وقد ذكر عدة أسماء منها صاحب جامع الرواة في ج1ص221- 222.

(٢٩١)

لقي واحتجاجه بأن لا خلف غير جعفر بن علي(279)، وتصديقه إياه.
وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه وإن أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء، ومن الضلالة بعد الهدى، ومن موبقات الأعمال، ومرديات الفتن فإنه (عزَّ وجلَّ) يقول:
 (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمن وهم لا يفتنون)(280).
كيف يتساقطون في الفتنة، ويترددون في الحيرة ويأخذون يميناً وشمالاً؟
فارقوا دينهم أم ارتابوا؟ أم عاندوا الحق أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة؟ أو علموا بذلك فتناسوا؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(279) يعني: جعفر التواب عم مولانا وسيدنا صاحب الأمر (عليه السلام).
(280) سورة العنكبوت آية 1- 2.

(٢٩٢)

أما تعلمون أن الأرض لا تخلو من حجة إما ظاهراً وإما مغموراً(281)؟
أوَ لم يعلموا انتظام أئمتهم بعد نبيهم (صلى الله عليه وآله) واحداً بعد واحد إلى أن أفضى الأمر بأمر الله (عزَّ وجلَّ) إلى الماضي- يعني: الحسن بن علي صلوات الله عليه فقام مقام آبائه (عليهم السلام) يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
كان نوراً ساطعاً وقمراً زاهراً، اختار الله (عزَّ وجلَّ) له ما عنده، فمضى على منهاج آبائه (عليهم السلام) حذو النعل بالنعل على عهد عهده ووصية أوصى بها إلى وصي(282) ستره الله (عزَّ وجلَّ) بأمره إلى غاية، وأخفى مكانه بمشيئته، للقضاء السابق والقدر النافذ، وفينا موضعه، ولنا فضله ولو قد أذن الله (عزَّ وجلَّ) فيما قد منعه وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حيلة، وأبين دلالة، وأوضح علامة. ولأبان عن نفسه، وقام بحجته.
ولكن أقدار الله (عزَّ وجلَّ) لا تغالب، وإرادته لا ترد، وتوفيقه لا يسبق فليدعوا عنهم اتباع الهوى، وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه، ولا يبحثوا عما ستر عنهم فيأثموا، ولا يكشفوا ستر الله (عزَّ وجلَّ) فيندموا.
وليعلموا: أن الحق معنا وفينا لا يقول ذلك سوانا إلا كذاب مفتر ولا يدعيه غيرنا إلا ضال غوي، فليقتصروا منا على هذه الجملة دون التفسير ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(281) أي: غائباً مستوراً عن الأبصار.
(282) يعني: صاحب الأمر صلوات الله عليه.

(٢٩٣)

إلى الدينوري (283)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(283) نقل العلامة المجلسي (قدّس سرّه) عن كتاب النجوم، في بحار الأنوار (51- ص300) قال: روينا بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري بإسناده يرفعه إلى أحمد الدينوري السراج المكي بأبي العباس الملقب بآستاره، قال: انصرفت من أردبيل إلى دينور أريد أن أحج وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) بسنة أو سنتين، وكان الناس في حيرة فاستبشر أهل الدينور بموافاتي واجتمع الشيعة عندي فقالوا: اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي (جمع: المولى، يعني الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، والمقصود به الخمس على الظاهر، أو النذور ونحوها).
ونحتاج أن نحملها معك وتسلمها بحيث يجب تسليمها.
قال: فقلت: يا قوم هذه حيرة ولا نعرف الباب في هذا الوقت.
قال: فقالوا إنما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك فاعمل على أن لا تخرجه من يدك إلا بحجة.
قال: فحمل إلى ذلك المال في صرر باسم رجل رجل، فحملت ذلك المال وخرجت فلما وافيت (قرميسين) [وهو اسم بلد] كان أحمد بن الحسن بن الحسن مقيماً بها، فصرت إليه مسلماً، فلما لقيني استبشرني ثم أعطاني ألف دينار في كيس، وتخوت ثياب ألوان معكمة لا أعرف ما فيها ثم قال لي: احمل هذه معك ولا تخرجه من يدك إلا بحجة.
قال: فقبضت المال والتخوت بما فيها من الثياب، فلما وردت بغداد لم يكن لي همة غير البحث عمن أشير إليه بالنيابة. ←

(٢٩٤)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ فقيل لي: إن هاهنا رجلاً يعرف (بالباقطاني) يدعى بالنيابة، وآخر يعرف بـ (إسحاق الأحمر) يدعى بالنيابة، وآخر يعرف بـ (أبي جعفر العمري) يدعي بالنيابة.
قال: فبدأت بالباقطاني وصرت إليه فوجدته شيخاً مهيباً له مروءة ظاهرة، وفرس عربي، وغلمان كثير، ويجتمع الناس عنده يتناظرون.
قال: فدخلت إليه وسلمت عليه فرحب وقرب وسر وبر قال: فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس. قال: فسألني عن ديني فعرفته إني رجل من أهل دينور وافيت ومعي شيء من المال أحتاج أن أسلمه. فقال لي: احمله، قال فقلت: أريد حجة، قال: تعود إلي في غد، قال: فعدت إليه في غد فلم يأتي بحجة، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأت بحجة.
قال: فصرت إلى إسحاق الأحمر، فوجدته شاباً نظيفاً منزله أكبر من منزل الباقطاني، وفرسه ولباسه ومروءته أسرى، وغلمانه أكثر من غلمانه، ويجتمع عنده من الناس أكثر مما يجتمع عند الباقطاني.
قال: فدخلت وسلمت فرحب وقرب.
قال: فصبرت إلى أن خف الناس قال: فسألني عن حاجتي فقلت له: كما قلت للباقطاني وعدت إليه بعد ثلاثة أيام فلم يأتي بحجة.
قال: فصرت إلى أبي جعفر العمري، فوجدته شيخاً متواضعاً عليه مبطنة بيضاء قاعد على لبد في بيت صغير، ليس له غلمان ولا من المروءة والفرس ما وجدت لغيره.
قال: فسلمت فرد الجواب، وأدناني، وبسط مني، ثم سألني عن حال فعرفته أني وافيت من الجبل، وحملت مالاً.
قال: فقال: إن أحببت أن يصل هذا الشيء إلى من يجب أن يصل إليه تخرج إلى سر من رأى وتسال دار ابن الرضا (عليه السلام) وعن فلان بن فلان الوكيل - وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها - فإنك تجد هناك ما تريد.
قال: فخرجت من عنده ومضيت نحو سر من رأى، وصرت إلى دار ابن الرضا، وسألت عن الوكيل، فذكر البواب أنه يشتغل في الدار وأنه يخرج آنفاً.
فقعدت على الباب انتظر خروجه فخرج بعد ساعة فقمت وسلمت عليه وأخذ بيدي إلى بيت كان له وسألني عن حالي وما وردت له، فعرفته أني حملت شياً من المال من ناحية الجبل، وأحتاج أن أسلمه بحجة...
قال: فقال: نعم، ثم قدم إلي طعاماً وقال لي: تغد بهذا واسترح، فإنك تعبت، فإن بيننا وبين الصلاة الأولى [يعني: صلاة الظهر] ساعة، فإني أحمل إليك ما تريد.
قال: فأكلت، ونمت، فلما كان وقت الصلاة نهضت وصليت وذهبت إلى المشرعة فاغتسلت ونظفت. انصرفت إلى بيت الرجل، وسكنت إلى أن مضى من الليل ربعه، فجاءني بعد أن مضى من الليل ربعه ومعه درج فيه:

(٢٩٥)

بسم الله الرحمن الرحيم. وافى أحمد بن محمد الدينوري وحمل ستة عشر ألف دينار في كذا وكذا صرة، فيها صرة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً، إلى أن عدد الصرر كلها، وصرة فلان بن فلان الذراع ستة عشرة ديناراً.
ثم ذكر: قد حمل من قرميسين من أحمد بن الحسن المادرائي أخي الصواف كيس فيه ألف دينار وكذا تختاً من الثياب منها ثوب فلان، وثوب لونه كذا، حتى نسب الثياب إلى آخرها بأنسابها وألوانها(284).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(284) ثم جاء النص بعد التوقيع الرفيع كما يلي: قال أحمد بن محمد الدينور: فوسوس إلي الشيطان فقلت إن سيدي أعلم بهذا مني، فما زلت أقرأ ذكره صرة صرة وذكر صاحبها حتى أتيت عليها عند آخرها. ←

(٢٩٦)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ قال: فحمدت الله وشكرته على ما من به علي من إزالة الشك من قلبي، فأمر بتسليم جميع ما حملت إلى حيث يأمرني أبو جعفر العمري، قال: فلما بصر بي أبو جعفر قال: لم لم تخرج فقلت يا سيدي من سر من رأى انصرفت.
قال: فأنا أحدث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة إلى أبي جعفر العمري من مولانا صاحب الأمر (صلوات الله عليه) ومعه درج مثل الدرج الذي كان معي فيه ذكر المال والثياب وأمرت أن يسلم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي، فليس أبو جعفر العمري ثيابه وقال لي: احمل ما معك إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي.
قال: فحملت المال والثياب إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان، وسلمتها إليه وخرجت إلى الحج فلما رجعت إلى (دينور) اجتمع عندي الناس فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا (صلوات الله عليه) إلي وقرأته على القوم، فلما سمع بذكر الصرة باسم الذراع سقط مغشياً عليه وما زلنا نعلله حتى أفاق، فلما أفاق سجد شكراً لله (عزَّ وجلَّ)، وقال: الحمد لله الذي من علينا بالهداية، الآن علمت أن الأرض لا تخلو من حجة، هذه الصرة دفعها والله إلي هذا الذراع، لم يقف على ذلك إلى الله (عزَّ وجلَّ).
قال: فخرجت ولقيت بعد ذلك أبا الحسن المادرائي وعرفته الخبر وقرأت عليه الدرج فقال: يا سبحان الله ما شككت في شيء فلا تشك في أن الله (عزَّ وجلَّ) لا يخلي أرضه من حجته.

(٢٩٧)
(٢٩٩)

دعاء التوحيد (285)
اللهم أني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به(286)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(285) الشيخ عباس القمي، مفاتيح الجنان ص130 ط طهران 1391هـ نقلاً عن الكفعمي: إنه صدر من الناحية المقدسة على يد الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد (رضي الله عنه) هذا التوقيع الشريف: اقرأ في كل يوم من أيام رجب:...
(286) في الإسلام يجوز (الإجمال) في الدعاء والقسم، وحتى في تفاصيل العقائد. أما في مجال الدعاء فقد ورد (الإجمال) من أمثال: (اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمك، وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك)... (وأن تدخلني في كل خير أدخلت فيه محمداً وآل محمد، وأن تخرجني من كل سوء أخرجت منه محمد وآل محمد). والإجمال لا يفيد فائدة، ولكن قد لا يكون بد منه للجهل بالتفصيل، أو لعدم وجود مجال مناسب له. وأما في مجال القسم فقد ورد (الإجمال)- أيضاً- من أمثال: (اللهم أني أسألك بكلماتك ومعاقد عرشك وسكان سماواتك وأنبيائك ورسلك أن تستجيب لي...) (اللهم أني أسألك باسمك العظيم الأعظم الأعز الأجل الأكرم الذي إذا دعيت به على مغالق أبواب السماء للفتح بالرحمة انفتحت... وبكلمتك التي خلقت بها السماوات والأرض... وأسألك اللهم بمجدك الذي كلمت به عبدك ورسولك موسى بن عمران...).
وأما في مجال العقائد فقد ورد - ما معناه- أنه إذا عرضت عليك أمور لا تعلم فيها ما هو الحق، فيكفي أن تقول: اللهم أني أؤمن بكل ما آمن به رسول الله. أو أن تقول: الله أني أشهد بكل ما أنزلت على أنبيائك. ومن (الإجمال) في الدعاء قول الأمام المهدي: (اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك...).

(٣٠١)

ولاة أمرك المأمونون على سرك(287) المستبشرون بأمرك الواصفون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(287) سر يسر سروراً: أعجبه. والإعجاب بالشيء هو الانشراح به. فإن كان خفيفاً يبقى في الباطن، سمي: سروراً، وإن كان شديداً يطفح على الظاهر، سمي: فرحاً. فكل ما يؤدي إلى السرور فهو سر، ولذلك قيل- في معنى السر-: إنه: خالص الشيء. أطيب الشيء وأفضله. الأرض الطيبة الكريمة. الأصل...
وبما أن أكثر الناس سطحيون يتناولون الأمور ببساطة، ولا يعنون بالتعمق فيها واستيعابها، تبقى لبابها بعيدة عنهم، فإذا كشفت لأحد لبس أمر. يقال: إنك أسررت أليه، لأنك أعجبته. حيث أعفيته عن بذل الجهد في سبيل الوصول إلى لب ذلك الأمر. فالسر: كل ما يعجب وإن لم يكن فيه غموض، ولكنك تعجب كلما تكشف لغيرك اللباب، وتحرق دونه المراحل. أما السر- مفهومه السائد، وهو أن يكون شيء غامضاً محجوباً بالطبع فلا يوجد، لأن كل ما في الكون واضح مفتوح في محله، كلما هنالك أن أكثر العقول لا تواصل البحث عن كثير من الأشياء والأمور، أو تبذل الجهد المناسب لمعرفة بعض الأشياء، ولكنها قاصرة عن إدراكها فكما أن المعادن الجوفية كانت- منذ ملايين السنين- في باطن الأرض وكان الناس منصرفين عنها، فلما توجهوا إليها وبحثوا عنها توصلوا إليها، هكذا الأشياء والأمور كلها مشاعة متروكة لجميع الخلق، وباستطاعة كل من يحاول أن يتوصل إلى ما له الاستعداد لاستيعابه، فالفارق الوحيد هو بين من يحاول ومن لا يحاول، وبين من له قابلية مناسبة ومن ←

(٣٠٢)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ ليست له قابلية مناسبة. أي أن الفارق من جانبنا ليس من جانب الأشياء والأمور التي نعتبرها أسراراً. ولذلك قد يكون شيء سراً بالنسبة إلى زيد لأنه لم يبحث عنه، بينما هو ليس سراً بالنسبة إلى عمرو الذي بحث عنه. كما قد يكون شيء سراً بالنسبة إليك لأنك لا تتسع له، فيما هو ليس سراً بالنسبة إلى أستاذك لأنه يتسع له.
فمثلا أبو ذر الغفاري أسبق إسلاماً من سلمان الفارسي ولكن ظرفيته كانت أقل من ظرفيه سلمان، فلم يعط له النبي (صلَى الله عليه وآله) بمقدار ما أعطى لسلمان، وحق فيهما القول المأثور: (لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله) أي لقتله العلم. ويصح أن نتجاوز إلى القول: ولو علم سلمان ما في قلب النبي (صلَى الله عليه وآله) لقتله العلم. وإذا أردنا الاستعانة بالأمثلة المادية نستطيع القول: إن البحر مفتوح لا حصار عليه، ولكنك قد تستقبله بإناء يتسع لرطل من الماء فتكون حصتك رطلاً منه، وربما تستقبله بإناء يسع ألف رطل من الماء فتكون حصتك ألف رطل، وإذا تكاسلت عن تجشم الذهاب إلى البحر والاغتراف منه لا تنال منه شيئاً. وفي جميع الحالات لا شح في البحر، وإنما أنت وظرفك هما الوحيدان اللذان يقرران أن لك حصة أو لا؟ ويحددان كمية حصتك على الفريضة الأولى. وفي الحالة الأولى- أيضاً- إذا كان ظرفك يسع رطلاً واحداً من الماء وأفرغت فيه رطلاً من الماء فإنه يستوعبه بارتياح، وإذا كبست فيه رطلين فقد يستوعبهما بضغط، وإذا حاولت أن تضغط فيه ألف رطل من الماء فسرعان ما ينفجر. وهكذا كل إنسان له ظرفيه فكرية أو نفسية، فإذا حاول معرفة الأشياء والأمور، فأنه يعرف بمقدار ظرفيته، وإذا حاول المزيد تعرض للهلاك، وإذا لم يحاول شيئاً بقي فارغاً، كأكثر ←

(٣٠٣)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ الناس الذين يعطلون مواهبهم. وفي كل الحالات يبقى الكون مفتوحاً، ويبقى الكسل أو العجز من جانب الإنسان. وهذان الأمران: الكسل والعجز هما اللذان أوجدا مفهوماً فوقياً أسمه: (السر) بينما الواقع أنه لا توجد لا في الماديات ولا في الماورائيات أشياء أو أمور محجوبة ممروكة بماركة (أسرار).
إلا إذا كان (السر) تعبيراً عن (الغيب) الذي يقابل (الشهور) وهو- أي الغيب- ما لا يدرك بالحواس الخمس، كما يستشعر ذلك من قول الإمام علي الهادي (عليه السلام)- في زيارة الجامعة الكبيرة-: (... وارتضاكم لغيبه، واختاركم لسره...) في إشارة واضحة إلى آيتين من القرآن. فالجملة الأولى: (ارتضاكم لغيبه) إشارة إلى قوله تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً...) سورة جن آية 27 والجملة الثانية: (واختاركم لسره) إشارة إلى قوله سبحانه: (وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء)- سورة آل عمران آية 179- حيث وضع الإمام الهادي (عليه السلام) كلمة (اختاركم) موضع كلمة (يجتبي) ووضع كلمة (لسره) موضع كلمة (على الغيب). وأولياء الله (عليهم السلام) يمتازون بأمرين:
1: مواهب متنوعة قابلة للامتداد والاستيعاب بشكل غريب لا تتصوره العقول العادية.
2: مساع متواصلة لا تعترف بالكلل والملل.
وكلما انطلقت طاقات هائلة بالسرعة القصوى، وبدون أي تردد أو توقف، فإنها تحرز مكاسب ضخمة تعتبر- بالنسبة إلى غير أصحابها- أسراراً. وحيث أن أولياء الله يتجهون في سعيهم إلى اللامتناهي: إلى الله، ترتفع مطامحهم كلما تقدموا إذ تتضح لديهم آفاق جديدة تشجعهم على الاستزادة والسرعة فلا يضعون نقطة ←

(٣٠٤)

لقدرتك المعلنون لعظمتك. أسألك بما نطق فيهم من مشيئتك(288) فجعلتهم معادن لكلماتك(289)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ الختام لمساعيهم مهما بلغوا، ولا ينالون مكسباً إلا ويستخدمونه في مسيرتهم نحو الكمال لمنحهم زخماً جديداً يساهم في قوة دفعهم نحو الأعلى- على ما في هذه الألفاظ من ضيق في التعبير البشري الذي لا يناسب مقام أولياء الله-. ونحن القاصرين الذين لا نملك مثل تلك المواهب، والكسلين اللذين لا نبذل مثل تلك المساعي الحثيثة، والجامدين الذين لا نستحصل مكسباً إلا ونفرح باستهلاكه، فلا نطوره إلى طاقة دفع جديدة، لا يبقى أمامنا ألا أن نعتبر كثيراً من معارف الأولياء (أسراراً) كما لا يبقى أمامنا ألا أن نستعين بـ (الإجمال) فننشد الله بما يدعوه به ولاة أمره. ومعنى (المأمونون على سرك) أن لأولئك الولاة الظريفة الكافية، لتلك المعارف، فلا يستخدمونها لأغراض أنانية أو غير مشروعة، ولا تتسرب منهم إلى من لا يتحملونها.

(288) يحتمل معنيان:
1: أن مشيئة الله نبضت فيهم فأصبحوا أولياء، فيكون التعبير بـ (نطقت) عن تعلق المشيئة بلاغياً، لأن النطق هو الإفصاح بوضوح، وتلك المشيئة كانت واضحة محددة، حتى كأنها نطقت فيهم.
2: أن مشيئة الله تجسدت فيهم، حتى كأن كلامهم هو نطق مشيئة الله، فيكون المعنى: أنهم يعبرون عن الله، كقوله تعالى: (وما ينطق بالهوى إن هو إلا وحي يوحى) سورة النجم آية 3- 4
(289) عدن عدناً بالمكان: أقام فيه: البلد توطنه. المعدن: المكان الذي جبل بأحد الأجسام البسيطة والحديد والزئبق. يقال: (فلان معدن الخير والكرام) إذا جبل عليهما وقول الإمام المهدي: (معادن لكلماتك) يحتمل معنيين:
1: المعنى الأول، وهو أنهم موطن كلمات الله.
2: المعنى الثاني، وهو أنهم مجبولون بكلمات الله.

(٣٠٥)

وأركاناً(290) لتوحيدك وآياتك ومقاماتك(291) التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك(292) لا فرق بينك وبينها(293) إلا أنهم عبادك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(290) الركن جمعه أركان: ما يعتمد عليه. والمعنى- هنا- أن توحيد الله وآياته ومقاماته يعتمد على ولاة أمره، لأنهم يعطون للناس أدلة التوحيد ودلالات آيات الله ومقاماته.
(291) المقام جمعه مقامات: موضع القديمين. المنزلة: السيادة. المجلس.. وقيل في تفسير قوله سبحانه: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) سورة الرحمان، آية 46. المراد بالمقام موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب. ولعل هذا المعنى هو المراد بـ (مقاماتك) هنا، أي المواقف التي تتجلى فيها آيات الله.
(292) وأولئك الولاة دائبون في توجيه الآخرين إلى الله، فلا تعطيل لفاعليتها، فكل من كان في ذاته تجاوب مع الله فقد عرف الله بهم. وفاعليتهم ليست محصورة بمكان معين وإنما يوجهون إلى الله في كل مكان.
(293) فرق يفرق ويفرق فرقاً وفرقاً بينهما: فصل. وفرق البحر: فلقه. وفرق الشيء بدده ووزعه. وفارقه: باينه وانفصل عنه. و(تفرقت بهم الطرق) أي ذهب كل منهم في طريق. انفرق عنهم: انفصل. والفرق: الطريق في شعر الرأس. والفرق: الجماعات المفصولة عن بعضها. وولاة أمر الله متصلون بالله، وليسوا منفصلين عن الله، فلا فرق بينهم وبين الله إلا في شيء واحد، وهو أنه واجب الوجود، وأنهم ممكن الوجود.
وقد نفصل القول بأن مواد اللقاء والفراق ثلاثة.
الأولى: المعرفة، فعلم الله بالأشياء والأمور وعلمهم بهما كلاهما صواب، إذ لا خطأ.
الثانية: العمل، فعمل الله هو هذا الكون المتناسق تحت نظام موحد، وعملهم متناسق مع الكون تحت ذلك النظام، لأن نظام الكون منبعث من إرادة الله. وإرادتهم منشعبة من إرادة الله.
الثالثة: الذات، وفي الذات يختلفون عن الله، لأن الله واجب الوجود وهم ممكن الوجود. فقول الإمام المهدي: (لا فرق بينك وبينها) أي لا فصل بتنك وبينها. وقوله: (إلا عبادك وخلقك...) تفصيل للفارق الذاتي بينهم وبين الله.

(٣٠٦)

وخلقك فتقها ورتقها بيدك(294) بدؤها منك وعودها إليك أعضاد وأشهد ومناة وأذواد وحفظة ورواد(295) فبهم ملأت سماءك وأرضك(296)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(294) يلاحظ في قوله عجل الله فرجه: (إلا أنهم عبادك وخلقك، فتقها ورقها بيدك...) استخدم ضمير الجمع المذكر السالم تارة، وضمير المفرد المؤنث أحياناً ولعله حيث عبر عنهم بـ (ولاة أمرك) استخدم ضمير الجماعة، ولما أراد أن يعبر عنهم بـ (عبادك) استخدم ضمير الجمع المذكر، فيكون الضمير أكثر انسجاماً مع المضمر إليه.
(295) أعضاء. جمع عضد وعضد، وعضد كل شيء ما شد حواليه من البناء وغيره. ويقال (فلان عضدي) أي ناصري ومعتمدي. والأشهاد: جمع شاهد. ومناة: جمع المنا: كيل أو وزن يساوي رطلين. فالمعنى: أثقال أو موازين. أذود، من الذود، وهو الدفاع. رواد، جمع الرائد، وهو الرسول الذي يرسله القوم لينظر لهم مكاناً ينزلون فيه.
(296) لعل المراد بمثل هذه العبارة: أن الأولياء هم الأنوار الأولية التي خلقها الله تعالى ثم تشعبت منها شعب مختلفة وتفاعلت فخلق الله منها بقية المخلوقات العلوية والسفلية.

(٣٠٧)

حتى ظهر أن لا إله إلا أنت فبذلك أسألك وبمواقع العز من رحمتك(297) وبمقاماتك وعلاماتك أن تصلي على محمد وآله وأن تزيدني إيماناً وتثبيتاً يا باطناً في ظهوره وظاهراً في بطونه ومكنونه(298) يا مفرقاً بين النور والديجور يا موصوفاً بغير كنه ومعروفاً بغير شبه حاد كل محدود وشاهد كل مشهود وموجد كل موجود ومحصي كل معدود وفاقد كل مفقود(299) ليس دونك من معبود أهل الكبرياء والجود يا من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(297) إن رحمة الله تقع مواقع شيء، فربما تقع مواقع الذل الدنيوي بهدف العز الأخروي كما تقع على المقبل الأسير والبائس الفقير، مثل أيوب ويحيى وإسماعيل الصادق الوعد، وأكثر الأنبياء الذين أوذوا في الله. وقد تقع مواقع العز كما وقعت على سليمان فآتاه الملك والحكمة، ووقعت على يوسف فجعله الله ملكاً. والقسم هنا بالنوع الثاني من مواقع الرحمة.
(298) إن الله تعالى ظاهر بنفسه للعقل، ولكن العقل البشري يدرك (إجمالاً) وجود الله ولا يدرك الحقيقة الإلهية لأن العقل مخلوق ممكن والله سبحانه خالق واجب فلا سنخية بينهما، فهو ظاهر ظهوراً مجملاً ففي ظهوره بطون، كما أن غيابه عن العقل ليس غياباً كاملاً لأنه ظاهر الوجود وبين الدلالات. ويمكن القول بأن الله ظاهر الوجود باطن الذات، فهو ظاهر من جهة وباطن من جهة والجهتان متداخلتان بحيث لا يمكن فصلهما أو تمييزهما، فليس ظهوره كاملاً حتى يحيط به العقل وليس بطونه شاملاً حتى ينصرف عنه العقل وهذا ما يميز الله عن مخلوقاته التي لها ظهور مطلق أو بطون مطبق.
(299) كل إنسان محدود العلاقة بما حوله من الناس والأشياء، فإذا فقد شيء من تلك الأشياء افتقده، بينما علاقة الله شمولية تسع كل ما في الكون لأنه خالق كل شيء، فلا يفقد شيء إلا والله فاقده.

(٣٠٨)

لا يكيف بكيف ولا يؤين بأين(300) يا محتجباً عن كل عين يا ديموم يا قيوم وعالم كل معلوم صل على محمد وآله وعلى عبادك المنتجبين وبشرك المحتجبين(301) وملائكتك المقربين والبهم الصافين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(300) الإنسان - باعتباره مركباً - مكيف مجالات وخواص أجزائه وفعل المؤثرات التي تختلف عليه. تختلف كيفياته باختلاف أجزائه والمؤثرات الطارئة عليه. وكما الإنسان كمل سائر المركبات. وأما البسائط- إن ثبت وجودها- فهي أيضاً- تتكيف بأوضاعها، ومراحل وجودها واستمرارها، ولا أقل من انعكاس المركبات عليها من حيثيات القرب والبعد والابتداء والإنهاء وما شابهها. وأما الله (عزَّ وجلَّ) فلا تختلف الكيفيات من داخله، لأنه ليس مركباً، ولا تنعكس عليه الكيفيات من المركبات، لأنه ليس من نوعها، ولا يزاملها في شيء من الصفات والأوضاع حتى يكون ذلك الجامع المشترك سبب انعكاس المركبات عليه. كما أن لجميع الماديات والماورائيات ظرف معين، فكل شيء إما موجود في مكان معين أو في زمان معين أو في الفكر أو في اللاشعور، بينما الله سبحانه خالق المكان والزمان وسائر الاعتبارات الأينية، فلا ظرف له ولا وعاء يحتويه.
(301) هذا النص دليل على وجود نوع من البشر لا يدرك بالحواس الخمس، إن لم يكن في المكون القريب منا في الكون البعيد عنا، وتسلسل الصلوات يدل على أن ذلك النوع من البشر دون الرسل وفوق الملائكة. وطالما وردت الصلوات على عموم ذلك النوع بدون قيد أو استثناء فهو نوع مفضل على نوع الإنسان، لأن الإنسان ليس أفضل أنواع المخلوقات، كلما ثبت أنه أفضل من كثير من المخلوقات العاقلة، ولكن القرآن يسجل دلالة واضحة على وجود أنواع مفضلة على نوع الإنسان حيث يقول: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) سورة الإسراء، آية 70. فهو مفضل على أنواع كثيرة من المخلوقات العاقلة وليس على جميعها.
ويحتمل أن يكون المراد من (البشر المحتجبين) أولئك الأفراد الذين غابوا عن المجتمعات كإدريس وعيس والخضر وإلياس ونظرائهم ويضعف هذا الاحتمال أنهم من الأنبياء، فلا يصح تصنيفهم إلى جانب الأنبياء (عليهم السلام).

(٣٠٩)

الحافين(302) وبارك لنا في شهرنا هذا المرجب المكرم(303) وما بعده من الأشهر الحرم وأسبغ علينا فيه النعم وأجزل لنا فيه القسم وأبرز لنا فيه القسم(304) الذي وضعه على النهار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(302) البهم جمع أبهم وهو الأصمت الذي لا يعرف. والصافين: الذين يصفون أقدامهم وأجنحتهم فلا يحركونها. والحافين: الذين يحيطون بالشيء. والمراد هنا الملائكة الصامتون الذين لا يحركون أجنحتهم وهم يطوفون حول العرش. وإنما يكونون صامتين صافين في حالة الطواف خشوعاً لله. وقد ذكرهم الله في قوله: (وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين) سورة الزمر، آية 75.
(303) رجب: وهو الشهر السابع من السنة القمرية، كان يعظم في الجاهلية، وجعله الإسلام أول الأشهر الحرم، وندب فيه إلى العمرة المفردة. والمرجب: المهيب. المعظم.
(304) القسم، جمع قسمة: النصيب. والقسم: اليمين بالله تعالى أو غيره. وبر في قوله: صدق. وبرت اليمين صدقت. وبر الله قسمه وأبره أي صدقه. وفي الحديث: (... ولو أقسم على الله لأبر قسمه) أي استجاب له.

(٣١٠)

فأضاء وعلى الليل فأظلم(305) واغفر لنا ما تعلم منا وما لا نعلم(306) واعصمنا من الذنوب خير العصم واكفنا كوافي قدرك وامنن علينا بحسن نظرك ولا تكلنا إلى غيرك ولا تمنعنا من خيرك وبارك لنا فيما كتبت لنا من أعمارنا وأصلح لنا خبيئة أسرارنا وأعطنا منك الأمان واستعملنا بحسن الأيمان وبلغنا شهر الصيام وما بعده من الأيام والأعوام يا ذا الجلال والإكرام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(305) فكما أن النور شيء مخلوق، وليس عدم النور، ويبدو من بعض النصوص الإسلامية أن الظلمة أسبق خلقه من النور وأن أنواعها أكثر. مثل قوله تعالى: (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) سورة الأنعام، آية1.
(306) المحرمات نشوة جوهر الإنسان، كما أن المخالفات الطبية نشوة جسده، غير أن الإنسان إذ ارتكب الحرام عن سابق علم وتصميم نشوة جوهر، ولكنه لا يعتبر مجرماً يعرض للعقاب، وإن ارتكب الحرام لا عن سابق علم وإصرار، نشوة جوهر ولكنه لا يعتبر مجرماً فلا يتعرض للعقاب وفي كلتا الحالتين يحتاج إلى الغفران، وهو الستر.

(٣١١)

دعاء العلوي المصري (307)
رب من ذا الذي دعاك فلم تجبه، ومن ذا الذي سألك فلم تعطه، ومن ذا الذي ناجاك فخيبته، أو تقرب إليك فأبعدته، وربي هذا فرعون ذو الأوتاد، مع عناده وكفره وعتوه، وادعائه الربوبية لنفسه، وعلمك بأنه لا يتوب، ولا يرجع ولا يؤدب، ولا يؤمن ولا يخشع، استجبت له دعاءه، وأعطيته سؤله، كرماً منك وجوداً، وقلة مقدار لما سألك عندك، مع عظمه عنده، أخذاً بحجتك عليه وتأكيداً لها، حين فجر وكفر، واستطال على قومه وتجبر، وبكفره عليهم افتخر، وبظلمه لنفسه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(307) مهج الدعوات، علي بن موسى بن محمد الطاووس، ط طهران، انتشارات سنائي ص280-293 رواه عن الحسين بن علي بن هند، عن أبي علي أحمد بن محمد الحسين بن إسحاق بن جعفر بن محمد العلوي العريضي، عن محمد بن علي العلوي الحسيني... ورواه أيضاً عن الحسن، علي بن حماد المصري، عن أبي عبد الله الحسين بن محمد العلوي، عن محمد بن علي العلوي الحسيني، أن صاحب الزمان علمه إياه، وكان مظلوماً ففرج الله عنه، وقتل عدوه، قال محمد بن علي الحسيني، قال (عليه السلام) إذا كان ليلة الجمعة، فقم فاغتسل، وصلي صلاتك، فإذا فرغت من سجدة الشكر فقل – وأنت بارك على ركبتيك-:...

(٣١٢)

تكبر، وبحلمك عنه استكبر، فكتب وحكم على نفسه، جرأة منه: أن جزاء مثله أن يغرق في البحر، فجزيته بما حكم به على نفسه. إلهي وأنا عبدك وابن أمتك، معترف لك بالعبودية، مقر بأنك أنت الله خالقي، لا إله لي غيرك، ولا رب لي سواك، موقن بأنك أنت الله ربي، وإليك مردي وإيابي، عالم بأنك على كل شيء قدير، تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد، لا معقب لحكمك، ولا راد لقضائك، وإنك الأول والآخر، والظاهر والباطن، لم تكن من شيء، ولم تبن عن شيء، كنت قبل كل شيء، وأنت الكائن بعد كل شيء، والمكون لكل شيء، خلقت كل شيء بتقدير، وأنت السميع البصير. وأشهد أنك كذلك، كنت وتكون، وأنت حي قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، ولا توصف بالأوهام، ولا تدرك بالحواس، ولا تقاس بالمقياس، ولا تشبه بالناس، وأن الخلق كلهم عبيدك وإمائك، أنت الرب ونحن المربوبون، وأنت الخالق ونحن المخلوقون، وأنت الرزاق ونحن المرزوقون، فلك الحمد يا إلهي إذ خلقتني بشراً سوياً، فلك الحمد حمداً إن عد لم يحص، وإن وضع لم يتسع له شيء، حمداً يفوق على جميع حمد الحامدين، ويعلو على حمد كل شيء، ويفخم ويعظم على ذلك كله، وكلما حمد الله شيء، والحمد لله كما يحب الله أن يحمد، والحمد

(٣١٣)

لله عدد ما خلق، وزنة ما خلق، وزنة أجل ما خلق، وبوزن أخف ما خلق، وبعدد أصغر ما خلق، والحمد لله حتى يرضى ربنا وبعد الرضا، وأسأله أن يصلي على محمد وآل محمد، وأن يغفر لي ذنبي، وأن يحمد لي أمري، ويتوب علي إنه هو التواب الرحيم.
إلهي وإني أنا أدعوك وأسألك باسمك الذي دعاك به صفوتك أبونا آدم (عليه السلام)، وهو مسيء ظالم، حين أصاب الخطيئة، فغفرت له خطيئته، وتبت عليه، واستجبت له دعوته، وكنت منه قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تغفر لي خطيئتي، وترضى عني، فإن لم ترض عني فاعف عني، فإني مسيء ظالم خاطئ عاص، وقد يعفو السيد عن عبده وليس براض عنه، وأن تُرضي عني خلقك، وتميط عني حقك.
إلهي وأسألك باسمك الذي دعاك به إدريس (عليه السلام)، فجعلته صديقاً نبياً، ورفعته مكاناً علياً، واستجبت دعاءه، وكنت منه قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل مآبي إلى جنتك ومحلي في رحمتك، وتسكنني فيها بعفوك، وتزوجني من حورها بقدرتك يا قدير.
إلهي وأسألك باسمك الذي دعاك به نوح إذ نادى إني مغلوب فانتصر، ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر، وفجرنا الأرض عيوناً، فالتقى الماء على أمر قد قدر، ونجيته على ذات الألواح ودسر، فاستجبت دعائه وكنت منه قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تنجيني

(٣١٤)

من ظلم من يريد ظلمي، وتكف عني بأس من يريد هضمي، وتكفيني سر كل سلطان جائر، وعدو قاهر، ومستخف قادر، وجبار عنيد، وكل شيطان مريد، وأنسي شديد، وكيد كل مكيد، يا حليم يا ودود.
إلهي وأسألك باسمك الذي دعاك به عبدك ونبيك صالح (عليه السلام)، فنجيته من الخسف، وأعليته على عدوه، واستجبت دعاءه، وكنت منه قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تخلصني من شر ما يريدني به، وسعى بي حسادي، وتكفينهم بكفايتك، وتتولاني بولايتك، وتهدي قلبي بهداك، وتؤيدني بتقواك، وتبصرني (وتنصرني) بما فيه رضاك، وتغنيني بغناك يا حليم.
إلهي وأسألك باسمك الذي دعاك به عبدك ونبيك وخليلك إبراهيم (عليه السلام)، حين أراد نمرود إلقاءه في النار، فجعلت له النار برداً وسلاماً، واستجبت له دعاءه، وكنت منه قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تبرد عني حر نارك، وتطفئ عني لهبها، وتكفيني حرها، وتجعل ثائرة أعدائي في شعارهم ودثارهم، وترد كيدهم في نحورهم وتبارك لي فيما أعطيتنيه، كما باركت عليه وعلى آله، إنك أنت الوهاب الحميد المجيد.
إلهي وأسألك بالاسم الذي دعاك إسماعيل (عليه السلام)، فجعلته نبياً ورسولاً، وجعلت له من حرمك منسكاً ومسكناً، ومأوى، واستجبت له دعاءه

(٣١٥)

(ونجيته من الذبح، وقربته رحمة منك) وكنت منه قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تفسح لي في قبري، وتحط وزري، وتشد لي أزري، وتغفر لي ذنبي، وترزقني التوبة، بحط السيئات، وتضاعف الحسنات، وكشف البليات، وربح التجارات، ودفع معرة السعايات، إنك مجيب الدعوات، ومنزل البركات، وقاضي الحاجات، ومعطي الخيرات، وجبار السماوات.
إلهي وأسألك بما سألك به ابن خليلك، إسماعيل (عليه السلام)، الذي نجيته من الذبح، وفديته بذبح عظيم، وقلبت له المشقص، حتى ناجاك موقناً بذبحه، راضياً بأمر والده، فاستجبت له دعاءه، وكنت منه قريباً يا قريب أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تنجيني من كل سوء وبلية، وتصرف عني كل ظلمة وخيمة، وتكفيني ما أهمني من أمور دنياي وآخرتي، وما أحاذره وأخشاه ومن شر خلقك أجمعين، بحق آل ياسين.
إلهي وأسألك باسمك الذي دعاك به لوط (عليه السلام)، فنجيته وأهله من الكرب العظيم، واستجبت له دعاءه، وكنت منه قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تأذن لي بجمع ما شتت من شملي، وتقر عيني بولدي، وأهلي ومالي، وتصلح لي أموري، وتبارك لي في جميع أحوالي، وتبلغني في نفسي آمالي، وأن تجيرني من النار، وتكفيني شر

(٣١٦)

الأشرار، بالمصطفين الأخيار، والأئمة الأبرار ونور الأنوار، محمد وآله الطيبين الطاهرين الأخيار، الأئمة المهديين، والصفوة المنتجبين، صلوات الله عليهم أجمعين، وترزقني مجالستهم، وتمن علي بمرافقتهم، وتوفق لي صحبتهم، مع أنبيائك المرسلين، وملائكتك المقربين، وعبادك الصالحين، وأهل طاعتك أجمعين، وحملت عرشك والكروبيين.
إلهي وأسألك باسمك الذي سألك به يعقوب (عليه السلام)، وقد كف بصره وشتت شمله (جمعه) وفقد قرة عينيه ابنه، فاستجبت له دعاءه، وجمعت شمله، وأقررت عينه، وكشفت ضره، وكنت منه قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تأذن لي بجمع ما تبدد من أمري، وتقر عيني بولدي وأهلي ومالي، وتصلح شأني كله، وتبارك لي في جميع أحوالي، وتبلغني في نفسي وآمالي، وتصلح لي أفعالي وتمن علي يا كريم، يا ذا المعالي، وبرحمتك يا أرحم الراحمين.
إلهي وأسألك باسمك الذي دعاك به عبدك ونبيك يوسف (عليه السلام)، فاستجبت له، ونجيته من غيابت الجب، وكشفت ضره، وكفيته كيد أخوته، وجعلته بعد العبودية ملكاً، واستجبت دعاءه، وكنت منه قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تدفع عني كيد كل كائد وشر كل حاسد، إنك على كل شيء قدير.
إلهي وأسألك باسمك الذي دعاك به عبدك ونبيك موسى بن عمران (عليه السلام)،

(٣١٧)

إذ قلت تباركت وتعاليت: (وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجياً) وضربت له طريقاً في البحر يبساً، ونجيته ومن معه من بني إسرائيل، وأغرقت فرعون وهامان وجنودهما، واستجبت له دعاءه، وكنت منه قريباً يا قريب، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تعيذني من شر خلقك، وتقربني من عفوك، وتنشر علي من فضلك، ما تغنيني به عن جميع خلقك، ويكون لي بلاغاً أنال به مغفرتك ورضوانك، يا وليي وولي المؤمنين.
إلهي وأسألك بالاسم الذي دعاك به عبدك ونبيك داوود (عليه السلام) فاستجبت له دعاءه وسخرت له الجبال، يسبحن معه بالعشي والإبكار، والطير محشورة كل له أواب، وشددت ملكه وأتيته الحكمة وفصل الخطاب، وألنت له الحديد، وعلمته صنعة لبوس لهم، وغفرت ذنبه وكنت منه قريباً يا قريب، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تسخر لي جميع أموري، وتسهل لي تقديري، وترزقني مغفرتك وعبادتك، وتدفع عني ظلم الظالمين، وكيد الكائدين، ومكر الماكرين، وسطوات الفراعنة الجبارين الحاسدين، يا أمان الخائفين، وجار المستجيرين، وثقة الواثقين، وذريعة المؤمنين، ورجاء المتوكلين، ومعتمد الصالحين، يا أرحم الراحمين.
إلهي وأسألك بالاسم الذي دعاك به عبدك ونبيك سليمان بن

(٣١٨)

داوود (عليهما السلام)، إذ قال: ربي اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي، إنك أنت الوهاب فاستجبت له دعاءه، وأطعت له الخلق، وحملته على الريح، وعلمته منطق الطير، وسخرت له الشياطين، من كل بناء وغواص، وآخرين مقرنين في الأصفاد، هذا عطاؤك لا عطاء غيرك، وكنت منه قريباً يا قريب، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تهدي لي قلبي وتجمع لي لبي، وتكفيني همي، وتؤمن خوفي، وتفك أسري، وتشد أزري، وتمهلني، وتنفسني، وتستجيب دعائي، وتسمع ندائي، ولا تجعل في النار مأواي، ولا الدنيا أكبر همي، وأن توسع علي رزقي، وتحسن خلقي، وتعتق رقبتي من النار، فإنك سيدي ومولاي، ومؤملي.
إلهي وأسألك اللهم باسمك الذي دعاك به أيوب (عليه السلام) لما حل به البلاء بعد الصحة، ونزل السقم منه منزل العافية، والضيق بعد السعة والقدرة، فكشفت ضره، ورددت عليه أهله، ومثلهم معهم، حين ناداك داعياً لك، راغباً إليك، راجياً لفضلك، شاكياً إليك: رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، فاستجبت له دعاءه، وكشفت ضره، وكنت منه قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تكشف ضري، وتعافيني في نفسي وأهلي ومالي ووالدي، وإخواني فيك، عافية باقية شافية كافية وافرة هادية نامية مستغنية عن الأطباء والأدوية، وتجعلها شعاري ودثاري، وتمتعني بسمعي وبصري، وتجعلهما الوارثين مني،

(٣١٩)

إنك على كل شيء قدير.
إلهي وأسألك باسمك الذي دعاك يونس بن متى (عليه السلام) في بطن الحوت، حين ناداك في ظلمات ثلاث: أن لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، فاستجبت له دعاءه، وأنبت عليه شجرة من يقطين، وأرسلته إلى مائة ألف أو يزيدون، وكنت منه قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تستجيب دعائي وتداركني بعفوك، فقد غرقت في بحر الظلم لنفسي، وركبتني مظالم كثيرة لخلقك علي، صل على محمد وآل محمد، واسترني منهم، واعتقني من النار، واجعلني من عتقائك وطلقائك من النار، في مقامي هذا، بمنك يا منان.
إلهي وأسألك باسمك الذي دعاك به عبدك ونبيك عيسى ابن مريم (عليهما السلام)، إذ أيدته بروح القدس، وأنطقته في المهد، فأحيى به الموتى وأبرأ به الأكمه والأبرص بإذنك، وخلق من الطين كهيئة الطير، فصار طائراً بإذنك، وكنت منه قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تفرغني لما خلقت له، ولا تشغلني بما تكلفته لي، وتجعلني من عبادك وزهادك في الدنيا، وممن خلقته للعافية، وهنَّأته بها، مع كرامتك يا كريم، يا علي يا عظيم.

إلهي وأسألك باسمك الذي دعاك به آصف بن برخيا، على عرش ملكة سبأ، فكان أقل من لحظة الطرف حتى كان مصوراً بين يديه، فلما

(٣٢٠)

رأته قيل: أهكذا عرشك؟ قالت: كأنه هو، فاستجبت دعاءه، وكنت منه قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد، وتكفر عن سيئاتي، وتقبل مني حسناتي، وتقبل توبتي، وتتوب علي، وتغني فقري، وتجبر كسري، وتحيي فؤادي بذكرك، وتحييني في عافية، وتميتني في عافية.

إلهي وأسألك اللهم باسمك الذي دعاك به عبدك ونبيك زكريا (عليه السلام)، حين سألك داعياً لك، راغباً إليك، راجياً لفضلك، فقام بالمحراب ينادي نداءً خفياً، فقال: رب هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب، واجعله رب رضياً، فوهبت له يحيى، واستجبت له دعاءه وكنت منه قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تبقي لي أولادي، وأن تمتعني بهم، وتجعلني وإياهم مؤمنين لك، راغبين في ثوابك، حياة طيبة، وتميتنا ميتة طيبة، إنك فعال لما تريد.
إلهي وأسألك بالاسم الذي سألتك به امرأة فرعون، إذ قالت: رب ابني لي بيتاً عندك في الجنة، ونجني من فرعون وعمله، ونجني من القوم الظالمين، فاستجبت لها دعاءها، وكنت منها قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تقر عيني بالنظر إلى جنتك، ووجهك الكريم، وأوليائك، وتفرحني بمحمد وآله، وتؤنسني به وبآله، وبمصاحبتهم. ومرافقتهم، وتمكن لي فيها، وتنجيني من النار، وما أعد لأهلها، من

(٣٢١)

السلاسل والأغلال، والشدائد والأنكال، وأنواع العذاب، بعفوك يا كريم.
إلهي وأسألك باسمك الذي دعتك به عبدتك وصديقتك مريم البتول، وأم المسيح الرسول (عليهما السلام)، إذ قلت: (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين)، فاستجبت لها دعاءها، وكنت منها قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تحصني بحصنك الحصين، وتحجبني بحجابك المنيع، وتحرزني بحرزك الوثيق، وتكفيني بكفايتك الكافية، من شر كل طاغ، وظلم كل باغ، ومكر كل ماكر، وغر كل غادر، وسحر كل ساحر، وجور كل سلطان جائر، بمنعك يا منيع.
إلهي وأسألك بالاسم الذي دعاك به عبدك ونبيك وصفيك وخيرتك من خلقك، وأمينك على وحيك، وبعيثك إلى بريتك، ورسولك إلى خلقك، محمد خاصتك وخالصتك ((صلّى الله عليه وآله وسلّم))، فاستجبت دعاءه، وأيدته بجنود لم يروها، وجعلت كلمتك العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، وكنت منه قريباً يا قريب، أن تصلي على محمد وآل محمد، صلاة زاكية، طيبة نامية باقية مباركة، كما صليت على أبيهم إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك عليهم كما باركت عليهم، وسلم عليهم كما سلمت عليهم، وزدهم فوق ذلك كله زيادة من عندك، واخلطني بهم،

(٣٢٢)

واجعلني منهم، واحشرني معهم، وفي زمرتهم، حتى تسقيني من حوضهم، وتدخلني في جملتهم، وتجمعني وإياهم، وتقرعيني بهم، وتعطيني سؤلي، وتبلغني آمالي في ديني ودنياي وآخرتي، ومحياي ومماتي، وتبلغهم سلامي، وترد علي منهم السلام، وعليهم السلام ورحمة الله وبركاته.
إلهي أنت الذي تنادي في أنصاف كل ليلة: هل من سائل فأعطيه؟ أم هل من داع فأجيبه؟ أم هل من مستغفر فأغفر له؟ أم هل من راج فابلغه رجاه؟ أم هل من مؤمل فابلغه أمله؟ ها أنا سائلك بفنائك ومسكينك ببابك، وضعيفك ببابك، وفقيرك ببابك، ومؤملك بفنائك، أسألك نائلك، وأرجو رحمتك، وأؤمل عفوك، والتمس غفرانك، فصلي على محمد وآل محمد. وأعطني سؤلي، وبلغني أملي، واجبر فقري، وارحم عصياني، واعفي عن ذنوبي، وفك رقبتي من المظالم لعبادك ركبتني، وقو ضعفي وأعز مسكنتي، وثبت وطأتي، واغفر جرمي، وأنعم بالي، وأكثر من الحلال مالي، وخر لي في جميع أموري وأفعالي، ورضني بها، وارحمني ووالدي وما ولدا، من المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع الدعوات، وألهمني من برهما ما أستحق به ثوابك والجنة، وتقبل حسناتهما، واغفر سيئاتهما، وأجزهما ما فعلا بي ثوابك والجنة.

(٣٢٣)

إلهي! وقد علمت يقيناً أنك لا تأمر بالظلم ولا ترضاه، ولا تميل إليه ولا تهواه، ولا تحبه ولا تغشاه، وتعلم ما فيه هؤلاء القوم من ظلم عبادك، وبغيهم علينا، وتعديهم بغير حق ولا معروف، بل ظلماً وعدواناً، وزوراً وبهتاناً، فإن كنت جعلت لهم مدة لابد من بلوغها، أو كتبت لهم آجالاً ينالونها، فقد قلت- وقولك الحق ووعدك الصدق-: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) فأنا أسألك بكل ما سألك به أنبياؤك ورسلك، وأسألك بما سألك به عبادك الصالحون، وملائكتك المقربون، أن تمحو من أم الكتاب ذلك، وتكتب لهم الاضمحلال والمحق، حتى تقرب آجالهم، وتقضي مدتهم، وتذهب أيامهم، وتبتر أعمالهم، وتهلك فجارهم، وتسلط بعضهم على بعض، حتى لا تبقي منهم أحداً، ولا تنجي منهم أحداً، وتفرق جموعهم، وتكل سلاحهم، وتبدد شملهم، وتقطع آجالهم، وتقصر أعمارهم، وتزلزل أقدامهم، وتطهر بلادك منهم، وتظهر عبادك عليهم، فقد غيّروا سنتك، ونقضوا عهدك، وهتكوا حريمك، وأتوا على ما نهيتهم عنه، وعتو عتواً كبيراً كبيراً، وضلوا ضلالاً بعيداً، فصل على محمد وآل محمد، وأذن لجمعهم بالشتات، ولحيهم بالممات، ولأزواجهم بالنهبات، وخلص عبادك من ظلمهم، واقبض أيديهم عن هضمهم، وطهر أرضك منهم، وأذن بحصد نباتهم، واستئصال شأفتهم، وشتات شملهم، وهدم بنيانهم، يا ذا

(٣٢٤)

الجلال والإكرام.
وأسألك يا إلهي وإله كل شيء، وربي ورب كل شيء، وأدعوك بما دعاك به عبداك ورسولاك ونبياك وصفياك موسى وهارون (عليهما السلام)، حين قالا - داعين لك راجين لفضلك-: (ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) فمننت وأنعمت عليهما بالإجابة لهما، إلى أن قرعت سمعهما بأمرك، فقلت- اللهم رب-: (قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون) أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تطمس على أموال هؤلاء الظلمة، وأن تشدد على قلوبهم، وأن تخسف بهم برك، وأن تغرقهم في بحرك، فإن السماوات والأرض وما فيهما لك، وأري الخلق قدرتك فيهم، وبطشتك عليهم، فافعل ذلك بهم، وعجل لهم ذلك، يا خير من سئل، وخير من دعي، وخير من تذلل له الوجود، ورفعت إليه الأيدي، ودعي بالألسن، وشخصت إليه الأبصار، وأمت إليه القلوب، ونقلت إليهم الأقدام، وتحوكم إليه في الأعمال.
إلهي! وأنا عبدك، أسألك من أسمائك بأبهاها، وكل أسمائك بهي، بل أسألك بأسمائك كلها، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تركسهم على أم رؤوسهم، في زينتهم، وترديهم في مهوى حفرتهم، وارمهم

(٣٢٥)

بحجرك، وذكهم بمشاقصهم، وأكببهم على مناخرهم، واخنقهم بوترهم، واردد كيدهم في نحورهم، وأوبقهم بندامتهم، حتى يستخذلوا، ويتضاءلوا، بعد نخوتهم، وينقمعوا بعد استطالتهم، أذلاء مأسورين في ربق حبائلهم التي كانوا يؤملون أن يرونا فيها، وترينا قدرتك فيهم، وسلطانك عليهم، وتأخذهم أخذ القرى وهي ظالمة، إن أخذك الأليم الشديد، وتأخذهم - يا رب - أخذ عزيز مقتدر، فإنك عزيز مقتدر شديد العقاب، شديد المحال.
اللهم صلي على محمد وآل محمد، وعجل إيرادهم عذابك، الذي أعددته للظالمين من أمثالهم، والطاغين من نظرائهم، وارفع حلمك عنهم وأحلل عليهم غضبك، الذي لا يقوم له شيء وأمر في تعجيل ذلك عليهم، بأمرك الذي لا يرد ولا يؤخر، فإنك شاهد كل نجوى، وعالم كل فحوى، ولا تخفى عليك من أعمالهم خافية، وأنت علام الغيوب، عالم بما في الضمائر والقلوب.
وأسألك اللهم وأناديك بما ناداك به - سيدي - وسألك به نوح، إذ قلت - تباركت وتعاليت -: (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون) أجل - اللهم يا رب - أنت نعم المجيب، ونعم المدعو، ونعم المسؤول، ونعم المعطي، أنت الذي لا يخيب سائلك، ولا تمل دعاء من أمّلك، ولا تتبرم بكثرة

(٣٢٦)

حوائجهم إليك، ولا بقضائها لهم، فإن قضاء حوائج جميع خلق إليك في أسرع لحظ من لمح الطرف، وأخف عليك وأهون عندك من جناح بعوضة، وحاجتي - يا سيدي ومولاي، ومعتمدي ورجائي - أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تغفر لي ذنبي، فقد جئتك ثقيل الظهر، بعظيم ما بارزتك به من سيئاتي، وركبني من مظالم عبادك، ما لا يكفني ولا يخلصني منها غيرك، ولا يقدر عليه ولا يملكه سواك، فامح - يا سيدي - كثرة سيئاتي بيسير عبراتي، بل بقساوة قلبي، وجمود عيني، بل برحمتك التي وسعت كل شيء، فلتسعني رحمتك، يا رحمن يا رحيم، يا أرحم الراحمين، لا تمتحني في هذه الدنيا بشيء من المحن، ولا تسلط عليّ من لا يرحمني، ولا تهلكني بذنوبي، وعجل خلاصي من كل مكروه، وارفع عني كل ظلم، ولا تهتك ستري، ولا تفضحني يوم جمعك الخلائق للحساب، يا جزيل العطاء والثواب.
أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تحييني حياة السعداء، وتميتي ميتة الشهداء، وتقبلني قبول الأوداء، وتحفظني في هذه الدنيا الدنية، من شر سلاطينها، وفجارها، وشرارها، ومحبيها، والمعاملين لها وما فيها، وقني شر طغاتها، وحسادها، وباغي الشرك فيها، حتى تكفيني مكر المكرة، وتفقأ عني أعين الكفرة، وتفحم عني ألسن الفجرة، وتقبض لي على أيدي الظلمة، وتوهن عني كيدهم، وتميتهم بغيظهم، وتشغلهم بأسماعهم، وأبصارهم،

(٣٢٧)

وأفئدتهم، وتجعلني من ذلك كله في أمنك وأمانك، وحرزك وسلطانك، وحجابك وكنفك، وعياذك وجارك، ومن جار السوء، وجليس السوء، إنك على كل شيء قدير. إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين.
اللهم بك أعوذ، وبك ألوذ، ولك أعبد، وإياك أرجو، وبك أستعين، وبك أستكفي، وبك أستغيث، وبك أستنقذ، ومنك أسأل، أن تصلي على محمد وآل محمد، ولا تردني إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وتجارة لن تبور، وأن تفعل بي ما أنت أهله، ولا تفعل بي ما أنا أهله، فإنك أهل التقوى، وأهل المغفرة، وأهل الفضل والرحمة.
إلهي وقد أطلت دعائي، وأكثرت خطابي، وضيق حداني على ذلك كله، وحملني عليه علماً مني بأنه يجزيك منه قدراً الملح بالعجين، بل يكفيك عزم إرادة، وأن يقول العبد - بنية صادقة، ولسان صادق -: (يا رب)، فتكون عند ظن عبدك بك، وقد ناجاك بعزم الإرادة قلبي، فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تقرن دعائي بالإجابة منك، وتبلغني ما أملته فيك، منةً منك وطولاً، وقوةً وحولاً، لا تقيمني من مقامي هذا إلا بقضاء جميع ما سألتك، فإنه عليك يسير، وخطره عندي جليل كثير، وأنت عليه قدير، يا سميع يا بصير.
إلهي! وهذا مقام العائذ بك من النار، والهارب منك إليك، من ذنوب

(٣٢٨)

تهجمته، وعيوب فضحته، فصل على محمد وآل محمد، وانظر إلي نظرة رحيمة أفوز بها إلى جنتك، وأعطف علي عطفة، أنجو بها من عقابك، فإن الجنة والنار لك، وبيدك، ومفاتيحهما ومغاليقهما إليك، وأنت على ذلك قادر، وهو عليك هين يسير، فافعل بي ما سألتك يا قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى، ونعم النصير والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

(٣٢٩)

صلوات الجمعة (308)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين وحجة رب العالمين المنتجب في الميثاق(309)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(308) الشيخ عباس القمي، مفاتيح الجنان ص51-53 طبع طهران1391هـ، عن الكفعمي في المصباح: أن هذه الصلوات مروية عن صاحب الأمر (عليه السلام)، وقد خرج إلى أبي الحسن الضراب الأصفهاني في مكة:...
(309) كلمة (المنتجب) ذات دلالات ثلاث: الأولى: دلالة المادة - التي هي النجب - وهي ذات طبيعة لازمة ذاتية من نوع الحلم والصبر والحسد. ويمكن تسميتها بـ (إيجابية ملتزمة).
الثانية: دلالة الصيغة - التي هي صيغة المفعول - وهي ذات طبيعة لازمة غيرية أي لا تتحقق إلا بطرفين لأنها تعني المطاوعة التي تكشف خلفية متعدية، فالمفعول لا يتحقق إلا على أثر صدور فعل من فاعل. ويمكن تسميتها بـ (سلبية ملتزمة).
الثالثة: دلالة الباب - الذي هو باب الافتعال - وهو ذو طبيعة متعدية غيرية مع الإيحاء والصعوبة. ويمكن تسميتها بـ (إيجابية نثرية).
وقلنا: أنه ذو طبيعة متعدية رغم أنه في البعض المواد لا يردف بمفعول به كالاقتتال - حيث يقال: اقتتل زيد وعمرو - لأن الباب يعبر عن الفعل ورد فعل أي عن فعلين متعديين صادرين عن طرفين كل منهما فاعل ومفعول به في وقت واحد فيكتفي بذكر الفاعلين، وإذا أردف ←

(٣٣٠)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ بمفعول به، فلمجرد الدلالة على أن الطرف الآخر هو البادئ، لا لدلالة على وحدة الفعل، أي للتمييز بين طرف الفعل وطرف رد الفعل. وهذه الدلالات الثلاث - في كلمة (المنتجب) - تعبر عن لزوم توفر ثلاث شروط - في الشخص (المنتجب) - وهي :
الأول: القابلية الذاتية للنجب. التي - بدونها - تهدر عملية الإنتجاب.
الثانية: المطاوعة لعملية الإنتجاب وعدم رفضها. وعملية الإنتجاب - في حقيقتها - تشبه الاعتراف بالنجب. أو إعطائه صفة الرسمية.
الثالثة: التجاوب الفعلي مع تلك العملية أي أداء رد الفعل.

* * *

ويلاحظ إن الألفاظ التي استخدمت في التعبير عن عملية انتخاب الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) لمقام الرسالة الخاتمة أربعة:
1: الإنتجاب، الوارد في هذه الصلوات وأمثالها (المنتجب في الميثاق).
2: الاختيار، الوارد في الحديث المشهور بين جميع المحدثين، ونصه - حسب رواية السيوطي في شرحه على ألفية ابن مالك -: (يا علي! إن الله اطلع على الأرض اطلاعة فاختارني منها...).
3: الأنباء، الوارد في تتمة هذا الحديث وأمثاله: (... فجعلني نبياً...)
4: الإرسال: الوارد في كثبر من الأحاديث والآيات مثل قوله تعالى: (إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً) سورة فتح آية 8، (وما أرسلناك إلا كافة للناس) سورة سبأ آية 28 وربما نستطيع الدخول في أجواء هذه الألفاظ واستنباط المراحل التي مر بها الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) من خلال هذه الألفاظ، ونمهد لذلك بما يلي:
إن عملية تكريس أي شخص في أي منصب لا يتم إلا عبر مراحل أهمها: ←

(٣٣١)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ الأولى- اكتشاف شخصيته وتكميل الشروط اللازمة فيه.
الثانية- تعريضه للامتحان ومفاضلته مع أقرانه.
الثالثة- تعيينه المبدئي، أي ترشيحه ودراسة التيارات المتناقضة حوله.
الرابعة- إصدار قرار بتعيينه.
ويبدو - من خلال الأحاديث الواردة في هذا المجال - أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) مر بمراحل مشابهة:
فالأولى- مرحلة اكتشاف شخصيته وتنميتها وبلورتها بالشكل المناسب وقد عبر عنها بمرحلة (الانتجاب). وقد تمت في عالم الظلال. أي قبل خلق السماوات والأرض.
والثانية- مرحلة الامتحان والمفاضلة التي أخبر عنها الرسول (صلّى الله عليه وآله) بقوله: (إن الله اطلع على الأرض اطلاعة فاختارني منها... (وقد عبر عنها بمرحلة (الاختيار). وقد تمت بعد خلق السماوات والأرض، ولكن قبل إفراز الأقدار أي في الاطلاعة الأولى.
والثالثة- مرحلة فتح قناة الوحي إليه (صلّى الله عليه وآله) ويعبر عنها بمرحلة (النبوة). وقد ابتدأت قبل خلق آدم (عليه السلام) كما قال (صلّى الله عليه وآله): (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين).
الرابعة- مرحلة المسؤولية القيادية، ويعبر عنها بمرحلة (الرسالة) وقد ابتدأت يوم البعثة في غار حراء.
وإذا تجاوزنا دلالات الألفاظ نجد في مجموعة من الأحاديث، تفصيلاً مسهباً عن (العهد) و(الميثاق) وخلاصته: أن الله استعرض الخلق في بعض العوالم السابقة على عالم الدنيا، وعهد إليهم عهداً وأخذ منهم ميثاقاً، وقد كان (العهد) و(الميثاق) حول أصول الدين وبعض فروعه، وقد أشار القرآن في أكثر من آية إليهما، فقال: (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به) سورة المائدة، آية 7. (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) سورة البقرة، آية 27. (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) سورة الرعد، آية25.
فيكون معنى قول الإمام المهدي (عليه السلام) هنا: (المنتجب في الميثاق) أن الاعتراف بنبوة النبوة الأكرم (صلّى الله عليه وآله) كان من جملة بنود (العهد) الذي أخذ الله عليه الميثاق من عباده قبل أن ينقله إلى عالم الدنيا.

(٣٣٢)

المصطفى في الظلال(310) المطهر من كل آفة البريء من كل عيب المؤمل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(310) الظلال جمع ظله: كالتلال جمع تله. والظلة: الفيء. و(عالم الظلال) عالم سبق عالم الدنيا. وفي الحديث: (إن الله خلق الخلق، فخلق ما أحب مما أحب، وكان ما أحب أن خلقه من طينة من الجنة. وخلق ما أبغض مما أبغض، وكان ما أبغض أن خلقه في طينة من النار. ثم بعثهم في الظلال...). وفي كلام للإمام علي (عليه السلام): (... كنا تحت ظل غمامة، اضمحل في الجو متلقفها ومجتمعها). وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (إن الله آخى بين الأرواح في الأظلة، قبل أن يخلق الأجسام بألفي عام...). وفي حديث آخر: (... قلت: وما الظلال؟ قال: ألم تر إلى أن ظلك في الشمس شيء وليس بشيء).
والمراد من (الظلال): الأرواح المجردة من الأجساد، فيكون المقصود من (عالم الظلال) عالم المجردات، أي المخلوقات اللطيفة أو (الطاقة) والتي سبقت خلق المخلوقات الكثيفة. وفي حديث إثبات الصانع: (... أزلياً صمدياً لا ظل يمسكه، وهو يمسك الأشياء بأظلها) أي ليس الله مركباً من جسم وروح، حتى يحفظه روحه، وإنما هو يحفظ الأشياء بأرواحها. وفي عدد من آيات القرآن إشارة إلى ذلك، كقوله تعالى: (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال) أي يسجدون هم وأرواحهم.
وعلى هذا فيكون معنى قول الإمام المهدي (عليه السلام): (المصطفى في الظلال) أن اختيار النبي (صلّى الله عليه وآله) لمقام النبوة الخاتمية ثم في عالم الأرواح. وهو تعبير مشابه لقول النبي (صلّى الله عليه وآله): (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين).

(٣٣٣)

للنجاة المرتجى للشفاعة المفوض إليه دين الله(311).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(311) فوض تفويضاً إليه الأمر صيره إليه وجعله الحاكم فيه. والمفوض من فوضت إليه إدارة أعمال بلد كالمفوض السامي أو دائرة كمفوض الشرطة، أو من انتدبته دولته أو جماعته ليمثلها في مؤتمر أو نحوه... (المنجد). فوض إليه أمره: رده إليه... (مجمع البحرين) والأمور على نوعين، أمر واحد لا يتجزأ - عرفاً - مثل: (آمن بالله) وأمره واحد هدفاً ولكنه مركب من أمور عديدة، مثل: (أقم الصلاة) والنوع الأول غير القابل للتفويض، لأن المأمور إما يطيع أو لا يطيع، والنوع الثاني قابل للتفويض لأن للتطبيق أنحاء مختلفة يخير المأمور بينها. فلكل عمل من النوع الثاني جانبان، جانب محدود وجانب مطلق، فأنت عندما تكلف شخصاً بإيصال رسالة إلى شخص ثالث فإن له جانباً محدوداً بثلاثة حدود: رسالة معينة، منك بالذات، إلى شخص ثالث بالذات، فإذا التزم الرسول بهذه الحدود الثلاثة يأتي الجانب المطلق، الذي لا يفرق بين إيصالها ليلاً أو نهاراً، وسراً أو جهراً، واقفاً كان الرسول أو قاعداً...
وهذان الجانبان موجدان في عمل محدد بالأصل كإيصال رسالة من شخص إلى شخص، ويتسع الجانبان كلما اتسع العمل. ←

(٣٣٤)

اللهم شرف بنيانه وعظم برهانه وأفلج حجته وارفع درجته وأضئ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ والله سبحانه عندما أرسل رسالته على النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) - وهي رسالة واسعة تشتمل على تبليغ دين وتركيز دولة وبناء أمة - وضع له مقاييس ثابتة ثم أطلق له حرية التحرك في نطاق تلك المقاييس. وهذا أمر طبيعي.
فرئيس جمهورية عندما يكلف شخصاً بتشكيل وزارة، فإنه يضع لعمله حدوداً مدونة في كتب القانون، ويطلق له صلاحية التحرك في اتّباع ما يراه مناسباً خارج القانون أي في التفاصيل. ويزداد الأمر اتساعاً كلما كانت وجهات النظر متقاربة، كما لو كان المكلف بتشكيل الوزارة أكثر تلامذة رئيس الجمهورية انسجاماً معه.
فإذا تم التوافق في الرأي بين الآمر والمأمور.
وكانت الصلاحية في التفاصيل.
يصبح الأمر أكثر من طبيعي.
ونجد هذين الأمرين - بوضوح - في أحاديث التفويض، ففي بعض الحديث: (إن الله أدب نبيه بتأديبه، ففوض إليه دينه...). وفي حديث آخر: (قد فوض الله إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) أمر دينه، ولم يفوض إليه تعدي حدوده).
ومهما تكن حقيقة التفويض، وكيفما كان مفهومنا من أحاديث التفويض، فالذي لا شك فيه أن النبي (صلّى الله عليه وآله) خرج من هذا التفويض أكثر وهجاً من اليوم تحمله، فقد خرج التقرير النهائي عن مسلكية النبي (صلّى الله عليه وآله) في أداء الرسالة قرآناً: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) سورة النجم، آية 3 - 4.
فهذا التفويض كان نوعاً من الصلاحية تكريماً للنبي الأعظم دون سواه من الأنبياء (عليهم السلام)، ولكن النبي (صلّى الله عليه وآله) بقي ملتزماً بحرفية الوحي تعظيماً لله.

(٣٣٥)

نوره وبيض وجهه وأعطه الفضل والفضيلة والمنزلة والوسيلة(312) والدرجة الرفيعة وابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأولون والآخرون وصل على أمير المؤمنين ووارث المرسلين وقائد الغر المحجلين وسيد الوصيين وحجة رب العالمين.
وصل على الحسن بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين(313).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(312) إشارة إلى قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) سورة المائدة، آية 35.
(أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) سورة الإسراء، آية 57.
وفي الحديث عن النبي (صلّى الله عليه وآله): (سلوا الله لي الوسيلة).
وروي: (إنها أعلى درجة في الجنة...).
وقد تكون في معناها اللغوي أي مطلق ما يتقرب به، وما يتقرب به إلى الله كثير ودرجات القرب كثير، فحتى النبي (صلّى الله عليه وآله) رغم قربه يطمح إلى قرب أخص فيبحث عما يتقرب به أكثر فأكثر، وما دام الله لا يتناهى فالقرب إليه لا يتناهى، فطموح المتقربين إليه لا يتناهى من جانب الله، وأما من جانب الناس فيتناهى بانتهائهم، لأن الممكن متناه مهما بلغ.
(313) المقام المحمود، قيل: هو المقام الذي يحمده في جميع الخلائق كتعجيل الحساب والإزاحة من طول الوقوف. وقيل: هو الشفاعة.
ويظهر من سياق التعبيرات: أن المقام المحمود اسم لمقام معين هو أفضل مقامات عالم القيامة. ومن الطبيعي أن من يتبوأ ذلك المقام يكون سيد الموقف، فيغبطه به الأولون والآخرون.

(٣٣٦)

وصل على الحسين بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
وصل على علي بن الحسين إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
وصل على محمد بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
وصل على جعفر بن محمد إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
وصل على موسى بن جعفر إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
وصل على علي بن موسى إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
وصل على محمد بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
وصل على علي بن محمد إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
وصل على الحسن بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.

(٣٣٧)

وصل على الخلف الهادي المهدي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين(314).
اللهم صل على محمد وأهل بيته الأئمة الهادين العلماء الصادقين الأبرار المتقين دعائم دينك وأركان توحيدك وتراجمة وحيك وحججك على خلقك وخلفائك في أرضك الذين اخترتهم لنفسك واصطفيتهم على عبادك وارتضيتهم لدينك وخصصتهم بمعرفتك وجللتهم بكرامتك. وغشيتهم برحمتك وربيتهم بنعمتك وغذيتهم بحكمتك وألبستهم نورك ورفعتهم في ملكوتك وحففتهم بملائكتك وشرفتهم بنبيك صلواتك عليه وآله. اللهم صل على محمد وعليهم صلاة زاكية نامية كثيرة دائمة طيبة لا يحيط بها إلا أنت ولا يسعها إلا علمك ولا يحصيها أحد غيرك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(314) في هذا التكرار تأكيد على أن كل منهم له هذه الصفات.

(٣٣٨)

دُعاء السَّمات
[الشيخ عباس القمي: مفاتيح الجنان، ص 70 – 73] [نقل الشيخ العمري (احد النواب الأربعة) هذا الدعاء الشريف عن العالم صلوات الله وسلامه عليه وعجل الله فرجه، ولذا أُدرج هنا، وَرُوي أيضاً عن الإمام الباقر (عليه السلام)].
أَللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الأَعْظَمِ الأَعَزِّ الأَجَلِّ الأَكْرَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ عَلَى مَغَالِقِ أَبْوَابِ السَّمَاءِ لِلْفَتْحِ بِالرَّحْمَةِ انْفَتَحَتْ وَإِذَا دُعِيتَ بِهِ عَلَى مَضَائِقِ أَبْوَابِ الأَرْضِ لِلْفَرَجِ انْفَرَجَتْ وَإِذَا دُعِيتَ بِهِ عَلَى العُسْرِ لِلْيُسْرِ تَيَسَّرَتْ وَإِذَا دُعِيتَ بِهِ عَلَى الأَمْوَاتِ لِلنُّشُورِ انْتَشَرَتْ وَإِذَا دُعِيتَ بِهِ عَلَى كَشْفِ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ انْكَشَفَتْ وَبِجَلاَلِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ أَكْرَمِ الْوُجُوهِ وَأَعَزِّ الْوُجُوهِ الَّذِي عَنَتْ لَهُ الْوُجُوهُ وَخَضَعَتْ لَهُ الرِّقَابُ وَخَشَعَتْ لَهُ الأَصْوَاتُ وَوَجِلَتْ لَهُ الْقُلُوبُ مِنْ مَخَافَتِكَ وَبِقُوَّتِكَ الَّتِي بِهَا تُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإذْنِكَ وَتُمْسِكُ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَبِمَشِيَّتِكَ الَّتِي دَانَ لَهَا الْعَالَمُونَ وَبِكَلِمَتِكَ الَّتِي خَلَقْتَ بِهَا السَّموَاتِ وَالأَرْضَ وَبِحِكْمَتِكَ الَّتِي صَنَعْتَ بِهَا الْعَجَائِبَ وَخَلَقْتَ بِهَا الظُّلْمَةَ وَجَعَلْتَها لَيْلاً وَجَعَلْتَ اللَّيْلَ سَكَناً وَخَلَقْتَ بِهَا النُّورَ وَجَعَلْتَهُ نَهَاراً

(٣٣٩)

وَجَعَلْتَ النَّهَارَ نُشُوراً مُبْصِراً وَخَلَقْتَ بِهَا الشَّمْسَ وَجَعَلْتَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَخَلَقْتَ بِهَا الْقَمَرَ وَجَعَلْتَ الْقَمَرَ نُوراً وَخَلَقْتَ بِهَا الْكَوَاكِبَ وَجَعَلْتَهَا نُجُوماً وَبُرُوجاً وَمَصَابِيحَ وَزينَةً وَرُجُوماً وَجَعَلْتَ لَهَا مَشَارِقَ وَمَغَارِبَ وَجَعَلْتَ لَهَا مَطَالِعَ وَمَجَارِيَ وَجَعَلْتَ لَهَا فَلَكاً وَمَسَابِحَ وَقَدَّرْتَهَا فِي السَّمَاءِ مَنَازِلَ فَأَحْسَنْتَ تَقْدِيرَهَا وَصَوَّرْتَهَا فَأَحْسَنْتَ تَصْوِيرَهَا وَأَحْصَيْتَهَا بِأَسْمَائِكَ إِحْصَاءً وَدَبَّرْتَهَا بِحِكْمَتِكَ تَدْبِيراً وَأَحْسَنْتَ تَدْبِيرَهَا وَسَخَّرْتَهَا بِسُلْطَانِ اللَّيْلِ وَسُلْطَانِ النَّهَارِ وَالسَّاعَاتِ وَعَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابِ وَجَعَلْتَ رُؤْيَتَهَا لِجَمِيعِ النَّاسِ مَرْأَىً وَاحِداً وَأَسْأَلُكَ أللّهُمَّ بِمَجْدِكَ الَّذِي كَلَّمْتَ بِهِ عَبْدَكَ وَرَسُولَكَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) فِي الْمُقَدَّسِينَ فَوْقَ إِحْسَاسِ الْكَرُّوبِينَ فَوْقَ غَمَائِمِ النُّورِ فَوْقَ تَابُوتِ الشَّهَادَةِ فِي عَمُودِ النَّارِ وَفِي طُورِ سَيْنَاءَ وَفِي جَبَلِ حُورِيثَ فِي الْوَادِي الْمُقَدَّسِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ مِنَ الشَّجَرَةِ وَفِي أَرْضِ مِصْرَ بِتِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَيَوْمَ فَرَقْتَ لِبَنِي إِسْرآئِيلَ الْبَحْرَ وَفِي الْمُنْبَجِسَاتِ الَّتِي صَنَعْتَ بِهَا الْعَجَائِبَ فِي بَحْرِ سُوفٍ وَعَقَدْتَ مَاءَ الْبَحْرِ فِي قَلْبِ الْغَمْرِ كَالْحِجَارَةِ وَجَاوَزْتَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ وَتَمَّتْ كَلِمَتُكَ الْحُسْنَى عَلَيْهِمْ بِمَا صَبَرُوا وَأَوْرَثْتَهُمْ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْتَ فِيهَا لِلْعَالَمِينَ وَأَغْرَقْتَ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ وَمَرَاكِبَهُ فِي الْيَّمِّ وَبِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الأَعْظَمِ الأَعَزِّ الأَجَلِّ الأَكْرَمِ وَبِمَجْدِكَ الَّذِي تَجَلَّيْتَ بِهِ لِمُوسَى كَلِيمِكَ (عَلَيْهِ

(٣٤٠)

السَّلامُ) فِي طُورِ سَيْنَاءَ وَلإِبْرَاهِيمَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) خَلِيلِكَ مِنْ قَبْلُ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ وَلإِسْحَاقَ صَفِيِّكَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) فِي بِئْرِ شِيعَ وَلِيَعْقُوبَ نَبِيِّكَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) فِي بَيْتِ إِيلٍ وَأَوْفَيْتَ لإِبْرَاهِيمَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) بِمِيثَاقِكَ وَلإِسْحَاقَ بِحَلْفِكَ وَلِيَعْقُوبَ بِشَهَادَتِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِوَعْدِكَ وَلِلدَّاعِينَ بِأَسْمَائِكَ فَأَجَبْتَ وَبِمَجْدِكَ الَّذِي ظَهَرَ لِمُوسَى بْنِ عُمْرَانَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) عَلَى قُبَّةِ الرُّمَّانِ وَبِآياتِكَ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ بِمَجْدِ الْعِزَّةِ وَالْغَلَبَةِ بِآيَاتٍ عَزِيزَةٍ وَبِسُلْطَانِ الْقُوَّةِ وَبِعِزَّةِ الْقُدْرَةِ وَبِشَأْنِ الْكَلِمَةِ التَّامَّةِ وَبِكَلِمَاتِكَ الَّتِي تَفَضَّلْتَ بِهَا عَلَى أَهْلِ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ وَأَهْلِ الدُّنْيَا وَأَهْلِ الآخِرَةِ وَبِرَحْمَتِكَ الَّتِي مَنَنْتَ بِهَا عَلَى جَمِيعِ خَلْقِكَ وَبِاسْتِطَاعَتِكَ الَّتِي أَقَمْتَ بِهَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَبِنُورِكَ الَّذِي قَدْ خَرَّ مِنْ فَزَعِهِ طُورُ سَيْنَاءَ وَبِعِلْمِكَ وَجَلاَلِكَ وَكِبْرِيَائِكَ وَعِزَّتِكَ وَجَبَرُوتِكَ الَّتِي لَمْ تَسْتَقِلَّهَا الأَرْضُ وَانْخَفَضَتْ لَهَا السَّموَاتُ وَإنْزَجَرَ لَهَا الْعُمْقُ الأَكْبَرُ وَرَكَدَتْ لَهَا الْبِحَارُ وَالأَنْهَارُ وَخَضَعَتْ لَهَا الْجِبَالُ وَسَكَنَتْ لَهَا الأَرْضُ بِمَنَاكِبِهَا وَاسْتَسْلَمَتْ لَهَا الْخَلاَئِقُ كُلُّهَا وَخَفَقَتْ لَهَا الرِّيَاحُ فِي جَرَيَانِهَا وَخَمَدَتْ لَهَا النِّيْرَانُ فِي أَوْطَانِهَا وَبِسُلْطَانِكَ الَّذِي عُرِفَتْ لَكَ بِهِ الْغَلَبَةُ دَهْرَ الدُّهُورِ وَحُمِدْتَ بِهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرَضِينَ وَبِكَلِمَتِكَ كَلِمَةِ الصِّدْقِ الَّتِي سَبَقَتْ لأَبِينَا آدَمَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) وَذُرِّيَّتِهِ بِالرَّحْمَةِ وَأَسْأَلُكَ بِكَلِمَتِكَ الَّتِي غَلَبَتْ كُلَّ شَيْءٍ وَبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي تَجَلَّيْتَ بِهِ لِلْجَبَلِ فَجَعَلْتَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً وَبِمَجْدِكَ الَّذِي ظَهَرَ

(٣٤١)

عَلَى طُورِ سَيْنَاءَ فَكَلَّمْتَ بِهِ عَبْدَكَ وَرَسُولَكَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ وَبِطَلْعَتِكَ فِي سَاعِيرَ وَظُهُورِكَ فِي جَبَلِ فَارَانَ بِرَبَواتِ الْمُقَدَّسِينَ وَجُنُودِ الْمَلاَئِكَةِ الصَّافِّينَ وَخُشُوعِ الْمَلاَئِكَةِ الْمُسَبِّحِينَ وَبِبَرَكاتِكَ الَّتِي بَارَكْتَ فِيهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِكَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) في أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَبارَكْتَ لإِسْحَاقَ صَفِيِّكَ فِي أُمَّةِ عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ وَبَارَكْتَ لِيَعْقُوبَ إِسْرَائِيلِكَ فِي أُمَّةِ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ وَبَارَكْتَ لِحَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي عِتْرَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأُمَّتِهِ أَللّهُمَّ وَكَمَا غِبْنَا عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ نَشْهَدْهُ وَآمَنَّا بِهِ وَلَمْ نَرَهُ صِدْقاً وَعَدْلاً أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تُبَارِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَتَرَحَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَأَفْضَلِ مَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ فَعَّالٌ لِمَا تُرِيدُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
أَللّهُمَّ بِحَقِّ هذَا الدُّعَاءِ وَبِحَقِّ هذِهِ

(٣٤٢)

الأَسْمَاءِ الَّتِي لاَ يَعْلَمُ تَفْسِيرَها وَلاَ يَعْلَمُ بَاطِنَهَا غَيْرُكَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَافْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ وَلاَ تَفْعَلْ بِي مَا أَنَا أَهْلُهُ وَاغْفِرْ لِي مِنْ ذُنُوبِي مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا وَمَا تَأَخَّرَ وَوَسِّعْ عَلَيَّ مِنْ حَلاَلِ رِزْقِكَ وَاكْفِنِي مَؤُونَةَ إِنْسَانِ سَوْءٍ وَجَارِ سَوْءٍ وَقَرِينِ سَوْءٍ وَسُلْطَانِ سَوْءٍ إِنَّكَ عَلَى مَا تَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَا اَللهُ يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ يَا بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ أَللّهُمَّ بِحَقِّ هذَا الدُّعَاءِ وَبِحَقِّ هذِهِ الأَسْمَاءِ الَّتِي لاَ يَعْلَمُ تَفْسِيرَهَا وَلاَ تَأْوِيلَهَا وَلاَ بَاطِنَهَا وَلاَ ظَاهِرَهَا غَيْرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَرْزُقَنِي خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَافْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ وَلاَ تَفْعَلْ بِي مَا أَنَا أَهْلُهُ وَاْنتَقِمْ لِي مِنْ فُلانِ بْنِ فُلان وَاغْفِرْ لِي مِنْ ذُنُوبِي مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا وَمَا تَأَخَّرَ وَلِوَالِدَيَّ وَلِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَوَسِّعْ عَلَيَّ مِنْ حَلاَلِ رِزْقِكَ وَاكْفِنِي مَؤُونَةَ إِنْسَانِ سَوْءٍ وَجَارِ سَوْءٍ وَسُلْطَانِ سَوْءٍ وَقَرِينِ سَوْءٍ وَيَوْمِ سَوْءٍ وَسَاعَةِ سَوْءٍ وَانْتَقِمْ لِي مِمَّنْ يَكِيدُنِي وَمِمَّنْ يَبْغِي عَلَيَّ وَيُرِيدُ بِي وَبِأَهْلِي وَأَوْلاَدِي وَإِخْوَانِي وَجِيرَانِي وَقَرَابَاتِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ظُلْماً إِنَّكَ عَلَى مَا تَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أَللّهُمَّ بِحَقِّ هذَا الدُّعَاءِ تَفَضَّلْ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِالْغِنَى وَالثَّرْوَةِ وَعَلَى مَرْضَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِالشِّفَاءِ وَالصِّحَةِ وَعَلَى أَحْيَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِاللُّطْفِ وَالْكَرَامَةِ وَعَلَى أَمْوَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَعَلَى مُسَافِرِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِالرَّدِّ إِلَى أَوْطَانِهِمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعِتْرَتِهِ الطَّاهِرِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.
أَللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحُرْمَةِ هذَا الدُّعَاءِ وَبِمَا فَاتَ مِنْهُ مِنَ الأَسْمَاءِ وَبِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ التَّفْسِيرِ وَالتَّدْبِيرِ الَّذِي لاَ يُحِيطُ بِهِ إِلاَّ أَنْتَ أَنْ تَفْعَلَ بِي

(٣٤٣)

كَذا وَكَذا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) التعليق على دعاء السمات
في الحقيقة ليس لله تعالى اسم بمفهوم الاسم، وهو الوجود اللَّفظي للمسمى، لأن الله واحد أحد، وليست له وجودات متعددة كما لمخلوقاته.
ذلك أن لكل شيء وجودات أربع، وإذا مثَّلنا بـ (زيد) تكون وجوداته الأربع كما يلي:
1 – وجوده الخارجي، وهو ذاته الموجود خارج الذهن المركّب من الجسم والروح وسائر المشاعر.
2 – وجوده اللفظي، وهو اسمه المركّب من (ز.ي.د).
3 – وجوده الذهني، وهو صورته المنعكسة في أذهان معارفه.
4 – وجوده الرسمي، وهو صورته المنطبقة على ورق.
وبما أن الله تعالى واحد أحد، لا تكون له هذه الوجودات، وإنما هو ذاته الواقعي فحسب – وأسماء الله، مخلوقاته المباشرة – وهي أقوى مخلوقاته، لأنها مخلوقاته المباشرة -.
والاسم الوحيد الذي يرمز إلى مقام الذات هو (الله) وحده، وأما سائر الأسماء – كالرَّحمان والرّحيم – فهي ترمز إلى مقام التَّجلي، الذي وجد موسى بن عمران أحد مظاهره في جبل الطور: (فلمّا تجلّى ربُّه للجبل جعله دكّاً وخرَّ موسى صعِقاً) سورة الأعراف: آية 143.
وأسماء الله كثيرة ورد في الأحاديث أنها ألف أو ألف وواحد، ولكن الألف – في اللغة العربية – يستعمل للإشارة إلى الكثير، فقد تكون ألفاً بالضبط، وقد تكون مليارات – لا ندري – ولكن بما أن قدرة الله مطلقة، وإطلاق القدرة يقتضي الكثير الكثير، يمكن القول بأن أسماءه أكثر من أن يحصيها العادّون.
وأما كلمات الله، فهي مخلوقاته الثانوية.
وفي الحقيقة ليست لله تعالى كلمة بمفهوم الكلمة، وهي الموجة الصوتية المتغيرة بقاطع

الفم، لأن الله ليس بجسم حتى يكون له فم عضوي يقطع الصوت كما للناس.
وإنما كلمات الله طاقات بالغة الفاعلية – وهي أقوى مخلوقاته بعد الأسماء – وتأتي في تسلسل الخلقة والأهمية حسب التسلسل الوارد في الدُّعاء: (اللهم إني أسئلك بكلماتك، ومعاقد عرشك، وسكان سماواتك، وأنبيائك ورسلك، أن تستجيب لي...).
والكلمة لا ترمز إلى مقام الذات ولا إلى مقام التجلي، وإنما ترمز إلى مقام الفعل فالحسنى كلمة والعذاب كلمة، ومحو الباطل يتم بكلمة وتحقيق الحق يتم بكلمة...

(٣٤٤)

لقضاء الحوائج (315)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(315) مهج الدعوات، علي بن موسى بن محمد الطاووس طبع طهران، انتشارات سنائي ص294 - 295 قال:
فصل، ورأيت في كتاب (كنوز النجاح) تأليف الفقيه أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي رضي الله عنه، عن مولانا الحجة صلوات عليه ما هذا لفظه: روى أحمد بن الدربي، عن خزامة، عن أبي عبد الله الحسين بن محمد البزوفري، قال: خرج عن الناحية المقدسة: (من كان له إلى الله حاجة، فليغتسل ليلة الجمعة بعد نصف الليل، ويأتي مصلاه، ويصلي ركعتين، يقرأ في الركعة الأولى الحمد، فإذا بلغ إياك نعبد وإياك نستعين يكررها مائة مرة ويتمم في المائة إلى آخرها، ويقرأ سورة التوحيد مرة واحدة ثم يركع ويسجد، ويسبح فيها سبعة سبعة، ويصلي الركعة الثانية على هيئته، ويدعو بهذا الدعاء، فإن الله يقضي حاجته البتة، كائناً ما كان، إلا في قطيعة رحم. والدعاء:...
وفي تتمة الحديث فيستكفي شر من يخاف شره إن شاء الله، ثم يسجد ويسأل حاجته، ويتضرع إلى الله تعالى. فإنه ما من مؤمن ولا مؤمنة صلى هذه الصلاة ودعا بهذا الدعاء خالصاً، إلا فتحت له أبواب السماء للإجابة، ويجاب في وقته وليلته كائناً ما كان، وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس).

(٣٤٥)

اللهم إن أطعتك فالمحمدة(316) لك، وإن عصيتك فالحجة لك، منك الروح(317) ومنك الفرج، سبحان من أنعم وشكر، سبحان من قدر وغفر، اللهم إن كنت قد عصيتك فإني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو الإيمان بك، لم أتخذ لك ولداً، ولم أدع لك شريكاً، مناً منك به علي، لا مناً مني به عليك(318)، وقد عصيتك يا إلهي على غير وجه المكابرة، ولا الخروج عن عبوديتك، ولا الجحود لربوبيتك، ولكن أطعت هواي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(316) المحمدة: ما يحمد المرء به أو عليه، والمحمدة لله، لأن التوفيق منه.
(317) الروح - بفتح الراء - الراحة، ويطلق على كل ما يرتاح إليه.
(318) الإنسان وجد بإرادة الله، واعترافه بالله يساعده على النمو والنجاة من سلبيات الكون، فله المن على الإنسان بتوفيقه للإيمان كما له المن عليه بإيجاده. ذلك أن اعتراف الإنسان برئاسة إنسان آخر كمال للثاني دون الأول، وأما اعتراف الإنسان بالله فكمال للأول، لأن الله هو هو لا يزيده إيمان الخلق به ولا ينقصه كفرهم به.
وقد ظن بعض المسلمين البدائيين أن الإسلام يشبه الخضوع لرئيس أو زعيم، فقاس القيم الإيمانية على الاعتبارات السلطوية، فرد الله هذه المعادلة الخاطئة بإعادة كل قيمة إلى نصابها: (يمنون عليك إن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين) سورة الحجرات، آية 17. فالمنطق الصحيح أن يقول المؤمن مع أصحاب الجنة: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق...) سورة الأعراف، آية 43.

(٣٤٦)

وأزلني الشيطان(319) فلك الحجة علي والبيان، فإن تعذبني فبذنوبي غير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(319) المعصية - في جميع الحالات - فسوق وخروج على النظام الصحيح. وكل معصية - في حد ذاتها - حجم معين، غير أن هذا الحجم قابل للتضاؤل والتضخم حسب الدوافع التي تكمن ورائها وهذه الدوافع تتراوح بين دركات نذكر منها ما يلي:
الأولى: معصية المكره، كالتي يزنى بها بالرغم منها، وهذه لا تصنف معصية، لا تصدق إلا بشيء من الممارسة الإرادية، وإنما تصنف مصيبة قد يبتلي بها الفرد لبعض الأسباب التي تؤدي إلى إصابة الإنسان بالمصائب.
الثانية: معصية المجبور، كمن يشرب الخمر تحت التهديد بالسلاح. فهو يصاب بأسرها الوضعي (أي بفعلها الكوني في مجال الروح) تماماً كما يصاب بفعلها الكيماوي في مجال الجسد. فشكره، لأن الآثار الكونية - سواء منها الروحية والجسدية - تتبع المؤثرات، ولا تتبع المبررات. أقصى ما هنالك أن الله لا يعاقبه عليها، لقول النبي (صلّى الله عليه وآله): (رفع عن أمتي تسع... وما أجبروا عليه).
وهذه تصنف معصية، لأن فيها قدر من الممارسة الإرادية يكفي لإسباغ صفة المعصية عليها، وإن كانت أخف درجات المعصية إذا كانت المعادلة ترجح إلى جانب الخطر، مثلاً لا يجوز تحمل القتل مقابل الامتناع عن شرب الخمر، ويجب تحمل الضرب مقابل الامتناع عن القتل. ففي الحالة الأولى لو شرب الخمر قد لا يعاقب في الآخرة ويعاقب في الدنيا من خلال آثاره الروحية والجسدية. فتكون محنة ابتلاه الله بها نتيجة لسيئة اقترفها - في ماضي حياته - بمحض اختياره، قد لا يذكرها شعورياً وإنما انطبع بها لا شعورياً، ولكنها صدرت منه قطعاً فأدت إلى هذه النتيجة، إذ لا يصدر فعل في الكون إلا وليد دوافعه، كما لا يكون شيء في ←

(٣٤٧)

ظالم، وإن تغفر لي وترحمني فإنك جواد كريم، يا كريم يا كريم... [حتى ينقطع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ الكون إلا نتيجة أسبابه. فكما لا ينفجر نبع إلا إذا اختزنت قطرات المطر في طبقة أعلى منها، كذلك لا يتحقق عمل إلا إذا طفحت النفوس ببواعثها (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل نبرأها) سورة الحديد، آية 22.
الثالثة: معصية المحتاج، كمن يسرق لسد رمقه. وهذه معصية فوق مستوى معصية المجبور، لأن فيها قدراً أكبر من الممارسة الإرادية. ولا يعاقب عليها في الآخرة ولا يقتص منه في الدنيا، ولكن المعصية تأخذ أبعادها وتترك آثارها لا في شخص العاصي فقط، وإنما في المجتمع فتترك الحقد في المقصود منه، وتفتح أمام الآخرين باب السرقة، ولو كعلاج أخير.
الرابعة: معصية المغرور الذي جرفته المغريات وغرته مهلة الله، كمن يفعل المحرمات التذاذاً بها. وهذه فوق مستوى السابقتين، لأنه أقدم عليها بمحض إرادته، فيعاقب عليها في الدنيا والآخرة. وهي معصية أكثر أهل المعاصي الذين يعصون عن سابق تصميم وإصرار.
الخامسة: معصية المستهتر، الذي يقترف تكبراً واستعلاء، كمن يعصى ليعلن أنه صاحب شخصية لا يحدها الدين ولا تخضع للموجهين. وهذه فوق مستوى الثلاث السابقات، ويكون عقابه في الدنيا والآخرة أشد، لأنه أضاف إلى عنصر المعصية عنصراً آخر هو عنصر الاستهتار.
السادسة: معصية المعاندين، كمن يأتي الفاحشة لمجرد أن الله نهى عنها وهذه في حد الكفر بالله، وعقابه الخلود في النار، لأنه أضاف إلى عنصر المعصية عنصر العناد، والعناد يخلد في النار كما في دعاء كميل: (... وقضيت به من إخلاد معانديك...).
والإمام المهدي يلقن الداعين أن يعتذروا إلى الله بأن معاصيهم معاصي المغرورين، حتى لا يفكروا في معاصي المستهترين أو المعاندين.

(٣٤٨)

النفس].
[ثم تقول]: يا آمناً من كل شيء، وكل شيء منك خائف حذر(320) أسألك بأمنك من كل شيء، وخوف كل شيء منك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تعطيني أماناً لنفسي وأهلي وولدي، وسائر ما أنعمت به علي، حتى لا أخاف أحداً ولا أحذر من شيء أبداً(321)، إنك على كل شيء قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، يا كافي إبراهيم نمرود، يا كافي موسى فرعون، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تكفيني شر فلان بن فلان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(320) لأن الله هو القدرة المطلقة التي لا تجد أمامها شيئاً يحد منها، وكل شيء يجد نفسه ضئيلاً أمامها، فيترقب المفاجئات والتحويلات، فيخاف الخروج على الله لأنه لا يقاوم، ويحذر التورط في مخالفته لأنه لا يجد مهرباً منه، فلا يطمئن شيء إلا إلى الانقياد له والانسياق في إرادته.
(321) وطالما القدرة المطلقة مختصة بالله، فإذ ضمن شخصاً حماه من غيره، أو أعطاه من القدرة ما يدفع عنه كل شر وسوء، فرفع نسبة المغناطيس فيه ليتضاءل أمامه الآخرون.

(٣٤٩)

اللهم أنجز (322)
اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم انتقم لي من أعدائي(323).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(322) الأمالي، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الصدوق عن محمد بن عثمان بن سعيد العمري - ثاني النواب الأربعة - إنه رآه في بيت الله وهو يقول:...
(323) يلاحظ أن هذه الجملة تتكرر في أدعية الإمام المهدي، كما يوصف في جملة من الأحاديث المبشرة به بأن الله ينتقم به من أعدائه.
س: من أين وجدت عقدة الانتقام في نفوس الشيعة؟
ج: التاريخ يكشف أن جميع أئمة أهل البيت وأكثر قادة الشيعة وكثير من أفراد الشيعة قتلوا، وأن التشيع كان ولا يزل محارباً لسببين: الأول: إنه يمثل عنفوان الحق، والحق مر لأنه لا يحابي ولا يساوم. والثاني: أنه يجسد قمة الإسلام في أصالة الفكر وشمول الثقافة. وكل قمة محسودة.
فأمّن التشيع الثروة العاطفية للإسلام، كما أمّن القرآن والسنة الثروة الفكرية للإسلام. ولذلك وجدت عقدة الانتقام لدى الشيعة.
س: ولماذا التركيز على الانتقام في كل البشائر والدعوات التي تتعلق بالإمام المهدي؟
ج: من جملة تضحيات أهل البيت في سبيل الإسلام، أنهم لم يندفعوا نحو الانتقام ولم يدفعوا شيعتهم إلى الانتقام، ليبقى الإسلام غنياً بالعاطفة كما هو غني بالفكر، لأن هذا البشر الهائج المائع لا يأخذ كله بالفكر، فلا بد من أخذ بعضه بالفكر وأخذ بعضه بالعاطفة، فإذا ←

(٣٥٠)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ جاءت دولة الحق وتكاملت عقول الناس على يد الإمام المهدي بحيث أصبحت الرقابة الفكرية كافية لشد الجماهير بمصالحها الحقيقية التي تتمثل في الالتزام بالقيم. استغنى الإسلام عن العاطفة بالفكر، وحكم الإمام المهدي السكين في المفصل.
فأئمة أهل البيت كانوا يركزون على أن الإمام المهدي ينتقم من أعداء الله، لينفسوا عقدة الانتقام المستفحلة في نفوس الشيعة.
ولا بد هنا من التوقف عند نقطتين:
الأولى: يزعم بعض المغرورين أن أئمة أهل البيت لم يندفعوا نحو الانتقام ولم يدفعوا شيعتهم إلى الانتقام، لأنهم لم يكونوا قادرين عليه.
ولكن الذي يدرس أئمة أهل البيت يعرف أنهم كانوا قادرين على الانتقام ورفضوه بمحض إرادتهم.
مضافاً إلى إنه لم يتركوا في تراثهم أي توجيه إلى الانتقام، رغم إنهم بنظراتهم الثاقبة كانوا يستطلعون مستقبلاً مشرقاً للشيعة كما قالت السيدة زينب الكبرى للإمام زين العابدين في اليوم الحادي عشر من المحرم لما مروا بأسارى آل الرسول على مصارع قتلاهم، وكاد الإمام زين العابدين يجود بنفسه لما رأى جثث الحسين وأصحابه على التراب: (ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وأخوتي. فوالله إن هذا العهد من الله إلى جدك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض وهم معروفون في أهل السماوات، إنهم يجمعون هذه الأعضاء المقطعة والجسوم المضرجة فيوارونها، وينصبون بهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء، لا يدرس أثره، ولا يمحى رسمه على كرور الليالي والأيام. وليجهدن أئمة الكفر وأشياع الضلال في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا علواً) كامل الزيارات ص261.
وأمثال هذا المعنى يتردد في أحاديث أهل البيت، وكان باستطاعتهم أن يضمنوا أحاديثهم أي ←

(٣٥١)

دعاء الحكمة (324)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ توجيه انتقامي يعمل به الشيعة عندما تستتب لهم الأمور، ولكنهم لم يفعلوا، ولذلك قامت دول عديدة للشيعة في آسيا وأفريقيا فلم ينزلوا المجازر بخصومهم عندما انتصروا، وتحملوا المجازر كلما هزموا، فكانوا - عبر التاريخ - كما قالت السيدة فاطمة الصغرى بنت الحسين لأهل الكوفة:

ملكنا فكان العفو منا سجية * * * فلما ملكتم سال بالدم أبطح
فحسبكموا هذا التفاوت بيننا * * * وكل إناء بالذي فيه ينضح

الثانية: إن التأكيد على أن الإمام المهدي ينتقم من أعداء الله قد يوحي إلى بعض الناس: أنه سيقتل عشرات الملايين أو مئات الملايين من الناس عندما يظهر، خاصة وأنه لا يظهر إلا بعد أن تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً، فيصبح كل أناس ظالماً أو مظلوماً، أو ظالماً ومظلوماً في آن واحد. وتطهير الأرض - في مثل هذه الحالة - لا يتم إلا بإبادة الملايين.
ولكن الذي يدرس حياة الإمام المهدي بعد الظهور يفاجأ بخلاف ذلك، فالخط القتالي للإمام المهدي يبدأ بالحجاز ويمر بدمشق وفلسطين وينتهي بالكوفة في جنوب العراق. ثم تستسلم له حكومات الدنيا، ومن الواضح عسكرياً أن هذا الخط القصير لا يتحمل الكثير من الضحايا. مضافاً إلى أن الانتقام من أعداء الله ليس بالقتل فقط، وإنما بإزاحتهم عن السلطات في العالم، وإبطال مبادئهم، ولعل الثاني هو الانتقام العميق الصحيح في حضارة الإمام المهدي.

(٣٥٢)

بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد نبي رحمتك وكلمة نورك(325) وأن تملأ قلبي نور اليقين، وصدري نور الإيمان، وفكري نور الثبات، وعزمي نور العلم، وقوتي نور العمل، ولساني نور الصدق، وديني نور البصائر من عندك، وبصري نور الضياء، وسمعي نور وعي الحكمة، ومودتي نور الموالاة لمحمد وآله (عليهم السلام)(326) حتى ألقاك وقد وفيت بعهدك وميثاقك فلتسعني رحمتك يا ولي يا حميد.
اللهم صل على حجتك في أرضك، وخليفتك في بلادك، والداعي إلى سبيلك، والقائم بقسطك، والثائر بأمرك، ولي المؤمنين، وبوار الكافرين، ومجلي الظلمة، ومنير الحق، والساطع بالحكمة والصدق،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(324) الاحتجاج أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص317 - 318: عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري قال: خرج التوقيع من الناحية المقدسة - حرسها الله - بعد المسائل.
(325) تدل أحاديث بدء الخلقة على أن الله أوجد كلمة، ثم قسمها قسمين... وتسللت الخلقة - بالشكل المأثور عن أهل البيت (عليهم السلام) - فالكلمة التي خلق الله منها النور، هي روح النبي، أو الحقيقة النبوية - حسب تعبير المتكلمين - فالنبي (صلّى الله عليه وآله) هو كلمة النور.
(326) الثابت - بمقتضى أحاديث الخلقة - إن أول ما خلق الله من الكلمة هو النور، وباستمرار تموجات النور وامتداداته حدث تشعب فيه، فصار كل شعبة منه شيئاً مختلفاً عن بقية شعبة، وكل شعبة: منها إذا تفاعلت مع الإنسان تطور إلى شيء، فشعبة منها تطور إلى اليقين وأخرى إلى الإيمان، وثالثة إلى الثبات ورابعة إلى العلم... وهكذا. ولعل الإمام أخذ كل تفاعلات الخلقة بنظر الاعتبار، ثم علمنا أن نسأل الله ذلك...

(٣٥٣)

وكلمتك التامة في أرضك، المرتقب الخائف(327) والولي الناصح، سفينة النجاة، وعلم الهدى، ونور أبصار الورى، وخير من تقمص وارتدى، ومجلي العمى، الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملأت ظلماً وجوراً، إنك على كل شيء قدير.
اللهم صل على وليك وابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم، وأوجبت حقهم وأذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيراً.
اللهم انصر وانتصر به أولياءك وأولياءه، وشيعته وأنصاره واجعلنا منهم.
اللهم أعذه من كل باغ وطاغ، ومن شر جميع خلقك، واحفظه من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(327) جميع الأنبياء والأوصياء، وربما جميع الأولياء إذا سألوا الله شيئاً أجابهم، كما أنهم يملكون من أسماء الله الحسنى والقدرات الروحية ما أحيوا بها الموتى ومشوا على الماء وأبرءوا الأكمه والأبرص، وفعلوا الأعاجيب، ولكنهم لم يكونوا يستخدمون تلك القدرات في كل صغيرة وكبيرة من حياتهم، وإنما كانوا يعيشون بشراً بالوسائل والأساليب التي يتبعها البشر، فكانوا يفلحون ويصنعون ويبيعون ويشترون كما كانوا يأكلون ويلبسون مثل سائر الناس وإذا قابلهم عدو دافعوا عن أنفسهم بالطرق المألوفة.
فكانوا يخافون من أعدائهم كما يخاف غيرهم من عدوه، بفارق أنهم ما كانوا يتنازلون لأعدائهم عن شيء، ويغيرون مسيرتهم نتيجة الخوف، فشأن الإمام المهدي (عليه السلام) في فترة الغيبة شأن موسى بن عمران فترة ما قبل الرسالة وكما خرج موسى بن عمران - يومئذ - من مصر خائفاً يترقب أن يلحقه الطلب هكذا غاب الإمام المهدي خائفاً يترقب أن يعرفه الأعداء فيجهزوا عليه.

(٣٥٤)

بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، واحرسه، وامنعه من أن يوصل إليه بسوء واحفظ فيه رسولك وآل رسولك، وأظهر به العدل وأيده بالنصر، وانصر ناصريه واخذل خاذليه، واقصم به جبابرة الكفرة، واقتل به الكفار والمنافقين وجميع الملحدين، حيث كانوا في مشارق الأرض ومغاربها، برها وبحرها، واملأ به الأرض عدلاً، وأظهر به دين نبيك، واجعلني اللهم من أنصاره وأعوانه، وأتباعه وشيعته، وأرني في آل محمد ما يأملون، وفي عدوهم ما يحذرون إله الحق آمين يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين.

(٣٥٥)

دعاء الفرج (328)
إلهي عظم البلاء وبرح الخفاء(329)وانكشف الغطاء(330) وانقطع الرجاء، وضاقت الأرض(331) ومنعت السماء(332) وأنت المستعان وإليك المشتكى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(328) أ: الشيخ عباس القمي، مفاتيح الجنان ص112 طبع طهران 1391 هجري: نقلاً عن الكفعمي: أن صاحب الأمر (عليه السلام) علم هذا الدعاء لمحبوس فأفرج عنه.
وقد نقل المؤلف في نفس المصدر ص46 نصاً مشابهاً، ولكن اكتفينا بإثبات هذا النص.
ب: الجنة المأوى - الحاج ميرزا حسين النوري عن فضل بن الحسن الطبرسي في كتاب (كنوز النجاح) قال: دعاء علمه صاحب الزمان (عليه السلام) أبا الحسن محمد بن أحمد ابن أبي الليث في بلدة بغداد في مقابر قريش وكان أبو الحسن قد هرب إلى مقابر قريش والتجأ إليه من خوف القتل فنجى منه ببركة هذا الدعاء. قال أبو الحسن: أنه (عليه السلام) علمني أن أقول:.....
ج: الشيخ محمد بن المشهدي (قدّس سرّه) في (المزار الكبير) ص194.
د: الشهيد الأول محمد بن مكي في (مزار الشهيد) ص64.
ه: العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار (ج 102 - ص119) عن الشيخ المفيد (قدّس سرّه).
(329) برح يبرح براحاً: زال. يقال: برح الخفاء: زال فوضح الأمر.
(330) انكشف الغطاء: رفع الغطاء فظهرت النوايا والسرائر، وتعزى المنافقون والمزيفون.
(331) مقتبسة من قوله تعالى: (... وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) سورة التوبة، آية 25.
(332) فعندما يتعرى المجرمون ويتجاهرون بالجرائم، تكثر الذنوب، فتمنع السماء خيراتها.

(٣٥٦)

وعليك المعول في الشدة والرخاء.
اللهم صل على محمد وآل محمد أولي الأمر الذين فرضت علينا طاعتهم(333) وعرفتنا بذلك منزلتهم ففرج عنا بحقهم فرجاً عاجلاً قريباً كلمح البصر أو هو أقرب.
يا محمد يا علي، يا علي يا محمد، أكفياني فإنكما كافيان وانصراني فإنكما ناصران، يا مولانا يا صاحب الزمان الغوث الغوث الغوث، أدركني أدركني أدركني، الساعة الساعة الساعة، العجل العجل العجل، يا أرحم الراحمين بحق محمد وآله الطاهرين(334).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(333) مستوحاة من قوله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) سورة النساء، آية 59. و(أولي الأمر) في هذه الآية، الذين قرن الله طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله. هم الأوصياء المعصومون (عليهم السلام)، لأن الطاعة المطلقة لا تكون إلا لله ولأوليائه المعصومين، وأما غير المعصومين فطاعتهم مقيدة بما إذا لم يخرجوا على إرادة الله، فكما قيد (عزَّ وجلَّ) طاعة الوالدين بذلك فقال: (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) سورة العنكبوت، آية 8. كذلك طاعة غير معصوم مقيدة بعدم مخالفة الله.
(334) مما لا شك فيه أن الأكرم (صلّى الله عليه وآله) والإمام علي وسائر الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) عباد مكرمون، يشفعون عند الله لأوليائهم فيشفعون وقد قال سبحانه: (يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) سورة المائدة، آية 35. وقال: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة...) سورة الإسراء، آية 57.

(٣٥٧)

الصلاة والدعاء للمهدي (335)
اللهم وصل على وليك المحيي سنتك القائم بأمرك الداعي إليك الدليل عليك، حجتك على خلقك وخليفتك في أرضك وشاهدك على عبادك. اللهم أعز نصره ومد في عمره وزين الأرض بطول بقائه.اللهم أكفه بغي الحاسدين وأعذه من شر الكائنين وأزجر عنه إرادة الظالمين وخلصه من أيدي الجبارين.
اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(335) الصلوات من هنا على الإمام المهدي (عليه السلام) نفسه. وقد ينبض سؤال يقول:
كيف يعلم الإمام المهدي (عليه السلام) شيعته الصلوات عليه يضمنها فضائله؟ ويمكن الجواب بما يلي:
1: الصلوات دعاء، وطلب الدعاء من الغير ممدوح، وورد كثيراً من النبي وآله (عليهم السلام).
2: إن النبي وآله (عليهم السلام) باعتبارهم أشخاصاً يختلفون عنهم باعتبارهم قادة روحيين، وعلى الناس أن يعرفوهم ويضعوهم حيث وضعهم الله، فلابد أن يعرفوا أنفسهم إن لم يجدوا من يعرفهم.

(٣٥٨)

وعدوه وجميع أهل الدنيا(336) ما تقر به عينه وتسر به نفسه وبلغه أفضل ما أمله في الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير.
اللهم جدد به ما امتحى (محي) من دينك وأحي به ما بدل من كتابك وأظهر به ما غيّر من حكمك حتى يعود دينك به وعلى يديه غضاً جديداً خالصاً مخلصاً لا شك فيه ولا شبهة معه ولا باطل عنده ولا بدعة لديه.
اللهم نور بنوره كل ظلمة وهدّ بركنه كل بدعة واهدم بعزه كل ضلالة واقصم به كل جبار واخمد بسيفه كل نار واهلك بعدله جور كل جائر وأجر حكمه على كل حكم وأذل بسلطانه كل سلطان.
اللهم أذل كل من ناواه وأهلك كل من عاداه وامكر بمن كاده واستأصل من جحده حقه واستهان بأمره وسعى في إطفاء نوره وأراد إخماد ذكره.
اللهم صل على محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن الرضا والحسين المصفى وجميع الأوصياء مصابيح الدجى وأعلام الهدى ومنار التقى والعروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم وصل على وليك(337) وولاة عهدك والأئمة من ولده ومد في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(336) أي اجعل كل شيء كما يريد.
(337) يمكن أن يكون المراد من (وليك) نفس الإمام المهدي (عليه السلام) فيكون المراد من (ولاة عهدك) ولاته على البلاد بعد الظهور، لأنهم في الواقع ولاة عهد الله، ويكون المراد من (الأئمة من ولده) أولاده الذين هم أئمة بالمعنى اللغوي، ولكنه خلاف مصطلح الحديث.
ويمكن أن يكون المراد من (وليك) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيكون قوله:
(ومد في أعمارهم وزد في آجالهم) باعتبار عهد الرجعة وهو خلاف المألوف.
ولعل في النسخ المتوفرة لدينا بعض الحذف أو التعبير.

(٣٥٩)

أعمارهم وزد في آجالهم(338) وبلغهم أقصى آمالهم ديناً ودنياً وآخرة إنك على كل شيء قدير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(338) الأجل: المدة، فتكون الأعمار والآجال من المترادفات.

(٣٦٠)

دعاء يوم المبعث (339)
الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل(340)وكبره تكبيراً. يا عدتي في مدتي يا صاحبي قي شدتي يا وليي في نعمتي يا غياثي في رغبتي يا نجاحي في حاجتي يا حافظي في غيبتي يا كافي في وحدتي يا أنسي في وحشي أنت الساتر عورتي(341) فلك الحمد، وأنت المقيل عثرتي(342) فلك الحمد. وأنت المنعش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(339) مفاتيح الجنان - الشيخ عباس القمي ص150 في أعمال يوم السابع والعشرين من شهر رجب وهو يوم مبعث الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) نقلاً عن الحسين بن روح وهو السفير الثالث من سفراء الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ويعرف من بعض ما سبق أنه لا يرسل إلا عن الإمام المهدي..
(340) الذل: الصغار والهوان. والله تعالى لا يتجه إلى أوليائه من موقع الضعف، وإنما من موقع الرحمة، لأنه لا يحتاج إليهم، وهم لا يزيدون في كبريائه شيئاً، وهم يتجهون إليه من موقع الذل، وهو يتقبلهم رحمة بهم.
(341) العورة: كل ما يستحيى به فيحاول الإنسان ستره أنفة وحياء.
(342) فالله يقبل التوبة من عباده ويعفو عن كثير على قدرة وغيره لا يقبل العذر - غالباً - إلا عن عجز.

(٣٦١)

صرعتي (343) فلك الحمد صل على محمد وآل محمد واستر عورتي وآمن روعتي وأقل عثرتي واصفح عن جرمي وتجاوز عن سيئاتي في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون(344).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(343) فلا يتماسك الإنسان ولا ينبعث عن صرعة وانحلال إلا بالذخائر الجوفية التي يحفظها الله في أعماق الجسم والروح. للإفادة منها في حالات الضرورة القصوى.
(344) هذه الجمل مقتبسة من الآية الكريمة: (.... أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) سورة الأحقاف، آية 16.

(٣٦٢)

المنن السابغة (345)
اللهم يا ذا المنن السابغة والآلاء الوازعة والرحمة الواسعة والقدرة الجامعة والنعم الجسيمة والمواهب العظيمة والأيادي الجميلة والعطايا الجزيلة يا من لا ينعت بتمثيل ولا يمثل بنظير ولا يغلب بظهير يا من خلق فرزق وألهم فانطق وابتدع فشرع وعلا فارتفع وقدر فأحسن وصور فأتقن واحتج فأبلغ وأنعم فأسبغ وأعطى فأجزل ومنح فأفضل يا من سما في العز ففات نواظر الأبصار ودنا في اللطف فجاز هواجس الأفكار يا من توحد بالملك فلا ند له في ملكوت سلطانه وتفرد بالآلاء والكبرياء فلا ضد له في جبروت شأنه يا من حارت في كبرياء هيبته دقائق لطائف الأوهام وانحسرت دون إدراك عظمته خطائف أبصار الأنام يا من عنت الوجوه لهيبته وخضعت الرقاب لعظمته ووجلت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(345) مفاتيح الجنان - الشيخ عباس القمي ص129 قال الشيخ يستحب أن يقرأ في كل يوم من رجب هذا الدعاء: وقد ذكر في ص407 من مفاتيح الجنان في أعمال مسجد صعصعة: أن جماعة رأوا الإمام المهدي في مسجد صعصعة في شهر رجب أنه صلى ركعتين ودعا:...

(٣٦٣)

القلوب من خيفته أسألك بهذه المدحة التي لا تنبغي إلا لك وبما وأيت به على نفسك لداعيك من المؤمنين وبما ضمنت الإجابة فيه على نفسك للداعيين يا أسمع السامعين وأبصر الناظرين وأسرع الحاسبين يا ذا القوة المتين صل على محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته واقسم لي في شهرنا هذا خير ما قسمت واحتم لي في قضائك خير ما حتمت واختم لي بالسعادة فيمن ختمت وأحيني ما أحييتنني موفوراً وأمتني مسروراً ومغفوراً وتول أنت نجاتي من مساءلة البرزخ وأدرأ عني منكراً ونكيراً وأرعيني مبشراً وبشيراً واجعل لي إلى رضوانك وجنانك مصيراً وعيشاً قريراً وملكاً كبيراً وصل على محمد وآله كثيراً.

(٣٦٤)

صلاة ودعاء (346)
إن الصلاة يوم سبع وعشرين من رجب اثنتا عشر ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وما تيسر من السور ويجلس (ويسلم) ويقول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(346) رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس، إقبال الأعمال، طبع طهران 1390 هجري ص675:....
ذكر شيخنا المفيد في الرسالة الفرية صلاة يوم المبعث، وقال: إنها تصلى صدر النهار، وقال الشيخ سلمان بن الحسن في كتاب (البادية) - عند ذكر صلاة يوم المبعث -: إنها تصلى قبل الزوال. فأحببت أن يكون عند العامل بذلك المعرفة بهذه الحال، وسيأتي في رواية ابن يعقوب الكليني: أنه يصليها أي وقت شاء - يعني من يوم المبعث - ونحن نذكر منها عدة روايات، وإن اتفقت في عدد الركعات، فإنها تختلف في بعض المرادات.
فمن ذلك ما رواه محمد بن علي الطرازي (رحمه الله) في كتابه فقال: صلاة يوم سبعة وعشرين من رجب - وهو اليوم الذي بعث فيه سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) (وقال) أبو العباس: أحمد بن علي بن نوح - رضي الله عنه - قال: حدثني أبو أحمد المحسن بن عبد الحكم الشجري، وكتبته من أصل كتابه قال: نسخت من كتابي أبي نصر: جعفر بن محمد بن الحسن بن الهيثم، وذكر أنه خرج من جهة أبي القاسم: الحسين بن روح - قدس الله روحه:...
وذكر في ص647 ومن الدعوات كل يوم من رجب ما رويناه - أيضاً - عن جدي: أبي جعفر الطوسي - قدس الله جل جلاله روحه - فقال: قال ابن العباس: وخرج إلى أهلي على يد الشيخ أبي القاسم - رضي الله عنه في مقامي عندهم - هذا الدعاء في أيام رجب....

(٣٦٥)

بين كل ركعتين:
الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً يا عدتي في مدتي ويا صاحبي في شدتي ويا وليي في نعمتي يا غياثي في رغبتي يا مجيبي في حاجتي يا حافظي في غيبتي يا كالئي في وحدتي يا أنسي في وحشتي أنت الساتر عورتي فلك الحمد وأنت المقيل عثرتي فلك الحمد وأنت المنفس صرعتي فلك الحمد صل على محمد وآل محمد واستر عورتي وأمن روعتي وأقلني عثرتي وأفصح عن جرمي وتجاوز عن سيئاتي في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.
فإذا فرغت من الصلاة والدعاء قرأت الحمد وقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون والمعوذتين وإنا أنزلناه في ليلة القدر وآية الكرسي سبعاً سبعاً. ثم تقول: اللهم الله الله ربي لا أشرك به شيئاً سبع مرات ثم ادع بما أحببت.

(٣٦٦)

دعاء رجب (347)
اللهم إني أسألك بالمولودين(348) في رجب محمد بن علي الثاني(349) وابنه علي بن محمد المنتجب وأتقرب بهما إليك خير القرب يا من إليه المعروف طلب وفيما لديه رغب، أسألك سؤال متقرب مذنب قد أوبقته ذنوبه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(347) أ- الشيخ عباس القمي، مفاتيح الجنان ص231 - 132 - طبع طهران 1391 نقلاً عن الكفعمي، روى: أنه صدر من الناحية المقدسة على يد الشيخ أبي القاسم (الحسين بن روح النونجتي).
 ب- علي بن موسى بن جعفر بن طاووس. إقبال الأعمال، طبع طهران 1390 هجري، ص647: ومن الدعوات كل يوم من رجب ما رويناه - أيضاً - عن جدي: أبي جعفر الطوسي، عن ابن عياش: وخرج إلى أهلي على يد الشيخ أبي القاسم - رضي الله عنه - هذا الدعاء في أيام رجب:...
(348) المواليد في رجب كثيرون، سيدهم وأعظمهم هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فلعل تخصيص الإمامين الجواد والهادي (عليهما السلام) بالذكر هنا لتوجيه الأضواء إليهما، وأما الإمام علي (عليه السلام) فقد استقطب الأضواء بشكل يغنيه عن مثل هذا التوجيه.
(349) المراد من (محمد بن علي) الثاني هو الإمام محمد الجواد (عليه السلام) باعتباره ثاني من سمي بمحمد من الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، والأول هو محمد الباقر (عليه السلام) والمقصود من ابنه الإمام علي بن محمد الهادي العسكري (عليه السلام).

(٣٦٧)

وأوثقته عيوبه فطال على الخطايا دؤبه ومن الرزايا خطوبه يسألك التوبة وحسن الأربة والنزوع عن الحوبة ومن النار فكاك رقبته والعفو عما في ربقته فأنت مولاي أعظم أمله وثقته. اللهم وأسألك بمسائلك الشريفة ووسائلك المنيفة(350) أن تتغمدني في هذا الشهر برحمة منك واسعة ونعمة وازعه(351) ونفس بما رزقتها قانعة إلى نزول الحافرة(352) ومحل الآخرة وما هي إليه صائرة(353).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(350) المنيفة: العالية المشرفة، لأن وسائل الناس قد تكون قاصرة عن أهدافها، ولكن وسائل الله عالية وفوقية مشرفة على أهدافها.
(351) أوزعه بكذا: أغراه به، وعلى هذا يكون المعنى: نعمة مغرية مرغوب فيها، لأن بعض النعم مرغوب عنها رغم أنها نعمة في أهدافها ونتائجها، مثل كثير من البلايا والمصائب التي تسمى بالنعم الخفية فيكون السؤال هنا عن النعم الظاهرة التي تتجاوب مع رغبات الداعي.
(352) الحافرة: الأرض المحفورة أي القبر، وقد جاء وزن الفاعل لمعنى المفعول كعيشه راضية أي مرضية.
(353) أي جميع المراحل المستقبلية التي يمر بها الإنسان كالقبر والبرزخ والقيامة، أو ينتهي إليها كالجنة أو النار.

(٣٦٨)

يا من أظهر الجميل (354)
يا من أظهر الجميل وستر القبيح؛ يا من لم يأخذ بالجريرة ولم يهتك الستر؛ يا عظيم المن؛ يا كريم الصفح؛ يا حسن التجاوز؛ يا واسع المغفرة: يا باسط اليدين بالرحمة؛ يا منتهى كل نجوى؛ ويا غاية كل شكوى: يا عون كل مستعين؛ يا مبتدءاً بالنعم قبل استحقاقها.
يا رباه؛ يا غاية رغبتاه؛ أسألك بحق هذه الأسماء، وبحق محمد وآله الطاهرين (عليهم السلام) إلا ما كشفت كربي، ونفست همي، وفرجت غمي، وأصلحت حالي.
يا محمد يا علي؛ يا علي يا محمد؛ أكفياني فإنكما كافياني، وانصراني فإنكما ناصراي(355).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(354) العلامة المجلسي (قدّس سرّه) نقلاً عن كتاب النجوم، في بحار الأنوار (ج 51 - ص304 - 305) قال: بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه، قال حدثنا أبو جعفر محمد بن هارون بن موسى التلعكبري قال: حدثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب قال... فقال (يعني الإمام المهدي (عليه السلام)): يا أبا الحسين بن أبي البغل أين أنت من دعاء الفرج؟ فقلت: وما هو يا سيدي؟ فقال: تصلي ركعتين وتقول:...
(355) حذفنا آداب هذا الدعاء هنا، وهي مثبتة في كتب الأدعية.

(٣٦٩)

دعاء عام (356)
إلهي بحق من ناجاك، وبحق من دعاك في البر والبحر [صل على محمد وآله] تفضل على فقراء المؤمنين والمؤمنات بالشفاء بالغنى(357) والثروة وعلى مرضى المؤمنين والمؤمنات بالشفاء والصحة، وعلى أحياء المؤمنين والمؤمنات باللطف والكرم، وعلى أموات المؤمنين والمؤمنات بالمغفرة والرحمة، وعلى غرباء المؤمنين والمؤمنات بالرد إلى أوطانهم سالمين غانمين(358) بمحمد وآله أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(356) أ: مهج الدعوات، علي بن موسى بن محمد الطاووس ص295 - 296 قال:...
ب: مصباح الكفعمي قال: (اعلم أن للمهدي (عليه السلام) دعائين آخرين خفيفين على اللسان ثقيلين في الميزان يليق وصفهما في هذا المكان. الأول: نقلته من كتاب مهج الدعوات والثاني من كتاب الأدعية المستجابات).
ثم نقل حرز الإمام الذي أوله: (يا مالك الرقاب) ثم نقل هذا الدعاء:...
وجدت في مجموع الأدعية المستجابات عن النبي والأئمة (عليهم السلام) دعاء الإمام العالم الحجة (عليه السلام)ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(357) الغنى الكفاية واليسار. والغناء - بالفتح والمد - ما يغتنى به.
(358) المشاكل التي يعاني منها الأحياء أربعة: الفقر والمرض والجفوة والغربة: والمشكلة التي يعاني منها الأموات واحدة، وهي العذاب، فدعا الإمام المهدي (عليه السلام) لحلها.
وهذا الدعاء وما يليه يعكسان اهتمامات الإمام المهدي عجل الله فرجه.

(٣٧٠)

دعاء الاهتمامات العامة (359)
اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية وصدق النية وعرفان الحرمة(360) وأكرمنا بالهدى والاستقامة وسدد ألسنتا بالصواب والحكمة وأملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة وطهر بطوننا من الحرام والشبهة واكفف أيدينا عن الظلم والسرقة واغضض أبصارنا عن الفجور والخيانة وأسدد أسماعنا عن اللغو والغيبة(361) وتفضل على علمائنا بالزهد والنصيحة وعلى المتعلمين بالجهد والرغبة وعلى المستمعين بالاتباع والموعظة وعلى مرضى المسلمين بالشفاء والراحة وعلى موتاهم بالرأفة والرحمة وعلى مشايخنا بالوقار والسكينة وعلى الشباب بالإنابة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(359) (أ): الشيخ عباس القمي، مفاتيح الجنان ص112 - 113 ط طهران 1391 نقلاً عن الكفعمي: إن هذا الدعاء من الإمام المهدي (عليه السلام):...
(ب): منتخب الأثر: لطف الله الصافي ص524 عن مصباح الكفعمي أيضاً.
(360) الحرمة جمعه حرم وحرمات: ما وجب القيام به من حقوق الله وحرم التفريط به وما لا يحل انتهاكه وحرمة الرجل: حرمه وأهله.
(361) إلى هنا يوجه الإمام المهدي (عليه السلام) إلى ما ينبغي الاهتمام به من قبل جميع الناس، ثم يصنف الناس ويركز اهتمام كل صنف إلى أهم ما يحتاج إليه.

(٣٧١)

والتوبة وعلى النساء بالحياء والعفة [والعصمة] وعلى الأغنياء بالتواضع والسعة وعلى الفقراء بالصبر والقناعة وعلى الغزاة بالنصر والغلبة وعلى الأُسَراء بالخلاص والراحة وعلى الأمراء بالعدل والشفقة وعلى الرعية بالإنصاف(362) وحسن السيرة وبارك للحجاج والزوار(363) في الزاد والنفقة واقض ما أوجبت عليهم من الحج والعمرة بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(362) فالفرد - في توجهاته إلى السلطة - يحتاج إلى الإنصاف في تناول الأمور وعدم الإفراط في مطالبيه التي تعجز عنها السلطة، وعدم التفريط بحقوقه حتى لا يشجع السلطة على الاستهتار بها. تماماً كحاجة السلطة إلى العدل والشفقة.
(363) الزوار أعم من زوار المدينة المنورة وسائر المشاهد المشرفة، واكتفي في بقية الدعاء (واقض ما أوجب عليهم من الحج والعمرة) ولم يضف للزوار بالقبول، لأن الزيارة ليست واجبة، وهي تقبل بخلوص النية، وليست لها حدود معينة كالحج والعمرة.

(٣٧٢)

قنوت (364)
اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير. يا ماجد يا جواد، يا ذا الجلال والإكرام، يا بطاش يا ذا البطش الشديد، يا فعالاً لما يريد، يا ذا القوة المتين، يا رءوف يا رحيم، يا حي حين لا حي أسألك باسمك المخزون المكنون الحي القيوم، الذي استأثرت به في علم الغيب عندك لم يطلع عليه أحد من خلقك، وأسألك باسمك الذي تصور به خلقك في الأرحام، كيف تشاء وبه تسوق إليهم أرزاقهم في أطباق الظلمات من بين العروق والعظام، وأسألك باسمك الذي ألفت به بين قلوب أوليائك، وألفت بين الثلج والنار لا هذا يذيب هذا ولا هذا يطفئ هذا، وأسألك باسمك الذي كونت به طعم المياه، وأسألك باسمك الذي أجريت به المياه في عروق النبات، بين أطباق الثرى، وسقت الماء إلى عروق الأشجار، بين الصخرة الصماء، وأسألك باسمك الذي كونت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(364) مهج الدعوات، علي بن موسى بن محمد الطاووس، طبع طهران انتشارات سنائي ص68 - 69.

(٣٧٣)

به طعم الثمار وألوانها وأسألك باسمك الذي به تبدئ وتعيد، وأسألك باسمك الفرد الواحد المتفرد بالوحدانية، المتوحد بالصمدانية، وأسألك باسمك الذي فجرت به الماء من الصخرة الصماء، وسقته من حيث شئت، وأسألك باسمك الذي خلقت به خلقك، ورزقتهم كيف شئت؟ وكيف شاءوا؟ يا من لا تغيره الأيام والليالي، وأدعك بما دعاك إبراهيم خليلك حين ناداك فأنجيته وجعلت النار عليه برداً وسلاماً، وأدعوك بما دعاك به موسى كليمك حين ناداك ففلقت له البحر فأنجيته وبني إسرائيل، وأغرقت فرعون وقومه في اليم، وأدعوك بما دعاك به عيسى روحك حين ناداك فنجيته من أعدائه وإليك رفعته، وأدعوك بما دعاك حبيبك وصفيك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله فاستجبت له، ومن الأحزاب نجيته، وعلى أعدائك نصرته، وأسألك باسمك الذي إذا دعيت به أجبت، يا من له الخلق والأمر، يا من أحاط بكل شيء علماً، يا من أحصى كل شيء عدداً، يا من لا تغيره الأيام والليالي، ولا تتشابه عليه الأصوات، ولا تخفى عليه اللغات، ولا يبرمه إلحاح الملحين، أسألك أن تصل على محمد وآل محمد، خيرتك من خلقك، فصل عليهم بأفضل صلواتك، وصل على جميع النبيين والمرسلين، الذين بلغوا عنك الهدى وعقدوا لك المواثيق بالطاعة، وصل على عبادك الصالحين، يا من

(٣٧٤)

لا يخلف الميعاد أنجز لي ما وعدتني واجمع لي أصحابي وصبرهم وانصرني على أعدائك وأعداء رسولك ولا تخيب دعوتي، فإني عبدك وابن عبدك، ابن أمتك أسير بين يديك، سيدي أنت الذي مننت علي بهذا المقام، وتفضلت به علي، دون كثير من خلقك، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تنجز لي ما وعدتني إنك أنت صادق، ولا تخلف الميعاد، وأنت على كل شيء قدير.

(٣٧٥)

قنوت (365)
اللهم صلي على محمد وآل محمد، وأكرم أوليائك بإنجاز وعدك، وبلغهم درك ما يأملونه من نصرك، واكفف عنهم بأس من نصب الخلاف عليك، وتمرد بمنعك على ركوب مخالفتك، واستعان برفدك على فل حدك، وقصد لكيدك بأيدك، ووسعته حلماً لتأخذه على جهرة، وتستأصله على غرة، فإنك اللهم قلت- وقولك الحق-: (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفضل الآيات لقوم يتفكرون). وقلت: (فلما آسفونا انتقمنا منهم) وأن الغاية عندنا قد تناهت، وإنّا لغضبك غاضبون، وإنّا على نصر الحق متعاصبون، وإلى ورود أمرك مشتاقون، ولإنجاز وعدك مرتقبون، ولحلول وعيدك بأعدائك متوقعون. اللهم فأذن بذلك، وافتح طرقاته، وسهل خروجه، ووطئ مسالكه، واشرع شرائعه، وأيد جنوده وأعوانه، وبادر بأسك القوم الظالمين، وابسط سيف نقمتك على أعدائك المعاندين، وخذ بالثأر إنك جواد مكار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(365) مهج الدعوات، علي بن موسى بن محمد الطاووس، طبع طهران، انتشارات سنائي ص67 - 68.

(٣٧٦)

دعاء القائم (366)
 لا إله إلا الله حقاً حقاً، لا إله إلا الله إيماناً وصدقاً، لا إله إلا الله تعبداً ورقاً، اللهم معين كل مؤمن وحيد، ومذل كل جبار عنيد، أنت كهفي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(366) بحار الأنوار: ج52 ص391 - عن دلائل الأئمة - محمد بن جرير بن رسم الطبري عن محمد بن هارون بن موسى عن أبيه عن محمد بن همام عن جعفر بن محمد الحميري عن أحمد بن جعفر عن علي بن محمد يرفعه إلى أمير المؤمنين في صفة القائم قال: كأني به وقد عبر من وادي السلام إلى مسجد السهلة على فرس محجل له شمراخ يزهو ويدعو ويقول في دعائه:...
(وادي السلام) هو مقبرة الكبيرة في النجف الأشرف، التي تجتمع بها أرواح المؤمنين، ولعل الإمام المهدي (عليه السلام) يزور - في طريقه إلى الكوفة - فبر جده أمير المؤمنين (عليه السلام) أولاً ثم يذهب إلى مقر قيادته الكبرى مسجد الكوفة مروراً بمسجد السهلة [وفي بعض النسخ مسيل السهلة ولعل المراد به، يعرف اليوم بالخندق القريب من مسجد السهلة].
(محجل) جاء في حاشية بحار الأنوار: ج94 ص365 -: (التحجيل بياض في قوائم للفرس كلها. ويكون في رجلين ويد، وفي رجلين فقط، وفي رجل ويد فقط، ولا يكون في اليدين خاصة إلا مع الرجلين، ولا في يد واحدة دون الأخرى إلا مع الرجلين (والشمراخ) غرة الفرس إذا دقت وسالت وجللت الخيشوم ولم تبلغ الجحفلة).

(٣٧٧)

حين تعييني المذاهب وتضيق علي الأرض بما رحبت. اللهم خلقتني وكنت عن خلقي غنياً ولولا نصرك إياي لكنت من المغلوبين، يا مبعثر الرحمة من مواضعها ومخرج البركات من معادنها ويا من خص نفسه بشموخ الرفعة فأولياؤه بعزه يعتزون يا من وضعت له الملوك نير المذلة على أعناقهم فهم من سطوته خائفون. أسألك باسمك الذي قصرت عنه خلقك فكلٌّ لك مذعنون.
أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تنجز لي أمري، وتعجل لي الفرج، وتكفيني وتعافيني وتقضي حوائجي الساعة الساعة الليلة الليلة إنك على كل شيء قدير.

(٣٧٨)

تسبيح صاحب الزمان (367)
سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا خلقه، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله زنه عرشه، والحمد لله مثل ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(367) العلامة المجلسي في بحار الأنوار: ج94 ص207 نقله عن الدعوات للرواندي آخر تسابيح النبي والأئمة (عليه وعليهم الصلاة والسلام) وقال أنه يقرأ من اليوم الثامن عشر كل شهر إلى آخر الشهر ويمكن أن يكون المقصود بذلك: أنه يكرر هذا التسبيح في هذه الأيام الاثني عشر أو الثلاثة عشر.

(٣٧٩)

دعاء الصابوني (368)
اللهم إنك عرفتني نفسك وعرفتني رسولك وعرفتني ملائكتك وعرفتني ولاة أمرك. اللهم لا آخذ إلا ما أعطيت ولا أقي إلا ما وقيت اللهم لا تغيبني عن منازل أوليائك ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، اللهم أهدني لولاية من افترضت طاعته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(368) مهج الدعوات علي بن موسى بن محمد الطاووس (قدّس سرّه) ص414 -: بإسنادنا إلى محمد بن أحمد بن إبراهيم الجعفي المعروف بالصابوني - في جملة حديث بإسناده - وذكر فيه غيبة المهدي صلوات الله عليه (قلت) كيف تصنع شيعتك؟ (قال) عليكم بالدعاء وانتظار الفرج وأنه سيبدو لكم علم فإذا بدا لكم فاحمدوا الله وتمسكوا بما بدا لكم (قلت) فما ندعو به؟ (قال): تقول:...

(٣٨٠)

النجاة من الشدة (369)
بسم الله الرحمن الرحيم أسألك مدداً روحانياً تقوى به قواي الكلية والجزئية، حتى أقهر بمبادئي نفسي كل نفس قاهرة، فتنقبض لي إشارة دقائقها انقباضاً، تسقط به قويّها حتى لا يبقى في الكون ذو روح إلا ونار قهري قد أحرقت ظهوره، يا شديد يا شديد، يا ذا البطش الشديد، يا قاهر يا قهار، أسألك بما أودعته عزرائيل من أسمائك القهرية فانفعلت له النفوس بالقهر، وأذلل به كل منيع بقوتك يا ذا القوة المتين(370)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(369) الكلم الطيب - السيد علي خان أمير نظام أحمد الحسيني الشيرازي قال رأيت بخط بعض أصحابنا عن إسماعيل بن حسين بن علي بن سليمان الجابري الأنصاري عن الحاج علي مكي عن صاحب الأمر أنه أعطاه هذا الدعاء للنجاة من الشدائد:...
(370) يقرأ سحراً ثلاثاً إن أمكن وفي الصبح وفي المساء فإذا اشتد الأمر على من يقرأه يقول بعد قراءته ثلاثين مرة (يا رحمان يا رحيم يا أرحم الراحمين أسألك اللطف بما جرت به المقادير).

(٣٨١)

للخلاص من الشدائد (371)
بسم الله الرحمن الرحيم أنت الله الذي لا إله إلا أنت مبدأ الخلق ومعيدهم أنت الله الذي لا إله إلا أنت مدبر الأمور وباعث من في القبور. وأنت الله الذي لا إله إلا أنت القابض الباسط وأنت الله الذي لا إله إلا أنت وارث الأرض ومن عليها أسألك باسمك الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت وأسألك بحق محمد وأهل بيته وبحقهم الذي أوجبته على نفسك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تقضي لي حاجتي الساعة الساعة يا سيداه يا مولاه يا غياثاه أسألك بكل اسم سميته به نفسك واستأثرت به في علم الغيب عندك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تعجل خلاصنا من هذه الشدة يا مقلب القلوب والأبصار يا سميع الدعاء إنك على كل شيء قدير برحمتك يا أرحم الراحمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(371) الكلم الطيب - للسيد علي خان صدر الدين بن أمير نظام أحمد الحسيني الشيرازي قال: هذا دعاء عظيم عن صاحب الأمر لمن ضاع له شيء أو كانت له حاجة فليكثر الداعي من قراءته عند طلب مهماته وهو:...

(٣٨٢)

للشفاء من العلل (372)
بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله دواء، والحمد لله شفاء، ولا إله إلا الله كفاء، هو الشافي شفاء، هو الكافي كفاء، أذهب البأس برب الناس شفاء، لا يغادره سقم، وصلى الله على محمد وآله النجباء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(372) (أ): البلد الأمين - إبراهيم بن علي بن الحسن الكفعمي عن المهدي (عليه السلام): من كتب هذا الدعاء في إناء جديد بتربة الحسين (عليه السلام) وغسله وشربه شفي من علته:..
(ب): جنة المأوى - الحاج ميرزا حسين النوري قال: رأيت بخط السيد زين الدين علي بن الحسين: أن هذا الدعاء تعلمه رجل كان به علة فشكاها إلى القائم عجل الله فرجه فأمره بكتابته وغسله وشربه ففعل ذلك فبرئ في الحال.

(٣٨٣)

دعاء صاحب الزمان (373)
يا نور النور يا مدبر الأمور يا باعث من في القبور صل على محمد وآل محمد واجعل لي ولشيعتي من الضيق فرجاً ومن الهم مخرجاً وأوسع لنا المنهج وأطلق لنا من عندك ما يفرج وافعل بنا ما أنت أهله يا كريم(374).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(373) الجنة الواقية، إبراهيم بن علي بن الحسن الكفعمي في الفصل السادس والعشرين قال: دعاؤه (يعني صاحب الأمر):...
(374) قال الكفعمي: وروي أنه من اختار هذا الدعاء حشر مع صاحب الأمر. وقال العلامة المجلسي (قدّس سرّه) وروى الشهيد رحمه الله نقلاً عن كتاب الاستدراك لبعض قدماء الأصحاب عن الشيخ عبد الله الدورسي عن جده عن أبيه [الظاهر يعني: أبي جده] عن محمد بن بابويه عن أحمد بن ثابت الدواليبي عن محمد بن علي بن عبد الصمد، عن علي بن عاصم عن أبي جعفر الثاني [يعني: محمد بن علي الجواد (عليه السلام)] وسرد قصة مفصلة إلى أن قال: داء المهدي (عليه السلام):

(٣٨٤)

حجابه (375)
اللهم أحجبني عن عيون أعدائي، واجمع بيني وبين أوليائي، وأنجز لي ما وعدتني، واحفظني في غيبي، إلى أن تؤذن لي في ظهوري، وأحي بي ما درس من فروضك وسننك، وعجل فرجي، وسهل مخرجي، واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً، وافتح لي فتحاً مبيناً، واهدني صراطاً مستقيماً، وقني جميع ما أحذره من الظالمين، واحجبني عن أعين الباغين الناصبين العداوة لأهل بيت نبيك، ولا يصل إلي أحد منهم بسوء، فإذا أذنت في ظهوري فأيدني بجنودك، واجعل من يتبعني لنصرة دينك مؤيدين، وفي سبيلك مجاهدين، وعلى من أرادني وأرادهم بسوء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(375) مهج الدعوات، علي بن موسى بن محمد الطاووس، طبع طهران انتشارات سنائي، ص302 قال: حجاب مولانا صاحب الزمان (عليه السلام):...
قال السيد بن طاووس (قدّس سرّه) بعد نقل هذا الحجاب وما سبقه إلى نقله قبل ذلك من حجب سائر المعصومين عليهم الصلاة والسلام قال: (وهذه الحجب مما ألهمنا أيضاً تلاوتها يوم أحاطت المياه والغرق وأصعبت السلام بكثرة المياه وزادت على إحاطتها بهدم مواقع دخل بها ماء الزيادات وأمكن المقام بإجابة الدعوات ورفع تلك المحذورات وسلامتنا من الدخول في تلك الحادثات والحمد لله).

(٣٨٥)

منصورين، ووفقني لإقامة حدودك، وانصرني على من تعدى محدودك، وانصر الحق وأزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً، وأورد علي من شيعتي وأنصاري من تقر بهم العين، ويشد بهم الأرز، واجعلهم في حرزك وأمنك، برحمتك يا أرحم الراحمين.

(٣٨٦)

استخارة صاحب الزمان (376)
اللهم إني أستخيرك لعلمك بعاقبة الأمور وأستشيرك لحسن ظني بك في المأمول والمحذور اللهم إن كان الأمر الفلاني مما قد نيطت بالبركة أعجازُهُ وبواديه وحفت بالكرامة أيامه ولياليه فخيّر إلي اللهم فيه خيرة ترد شموسه ذلولاً وتتعض أيامه سروراً اللهم إما أمرٌ فائتمر وإما نهيٌ فأنتهي. اللهم إني أستخيرك برحمتك خيرة في عافية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(376) حاشية مفاتيح الجنان - الشيخ عباس القمي ص505.

(٣٨٧)

حرزه (عليه السلام) (377)
بسم الله الرحمن الرحيم يا مالك الرقاب، ويا هازم الأحزاب، يا مفتح الأبواب، يا مسبب الأسباب، سبب لنا سبباً لا نستطيع له طلباً، بحق لا إله إلا هو الله، محمد رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(377) (أ): مهج الدعوات، علي بن موسى بن محمد الطاووس، طبع طهران انتشارات سنائي ص45.
(ب): مفاتيح الجنان - الشيخ عباس القمي، حاشية ص439.

(٣٨٨)

حرز آخر له (عليه السلام) (378)
بسم الله الرحمن الرحيم يا حي يا قيوم، برحمتك استغثت فأغثني، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً، وأصلح لي شأني كله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(378) مهج الدعوات، علي بن موسى بن محمد الطاووس، طبع طهران انتشارات سنائي ص5.

(٣٨٩)

دعاء الميثاق (379)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(379) (أ): محمد بن حسن الطوسي (قدّس سرّه) في كتاب الغيبة ص177.
ب: السيد ابن طاووس (قدّس سرّه) في جمال الأسبوع ص494.
ج: العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار: ج52 ص17 وقال:
د: في كتاب دلائل الإمامة للطبري مثله.
والنص لجمال الأسبوع:
جماعة بإسنادهم إلى جدي أبي جعفر الطوسي عن الحسن بن عبد الله عن محمد بن أحمد بن داوود والتلعكبري عن أحمد بن علي الرازي فيما رواه في كتاب الشفاء والجلاء عن الأسدي عن الحسين بن محمد بن العامر عن يعقوب بن يوسف الضراب الغساني في منصرفه من إصفهان قال حجبت في سنة إحدى وثمانين ومائتين وكنت مع القوم مخالفين من أهل بلادنا فلما أن قدمنا مكه تقدم بعضهم فأكرى لنا داراً في زقاق بين سوق الليل وهي دار خديجة (عليها السلام) وتسمى دار الرضا (عليه السلام) وفيها عجوز سمراء فسألتها لما وقفت على أنها دار الرضا (عليه السلام) ما تكونين من أصحاب هذا الدار؟ ولم سميت دار الرضا؟ فقالت أنا من مواليهم وهذه دار الرضا بن موسى (عليه السلام) أسكنيها الحسن بن علي (عليهما السلام) فإني كنت في خدمته فلما سمعت ذلك منها آنست بها وأسررت الأمر عن رفاقي المخالفين فكنت إذا انصرفت من الطواف في بالليل أنام معهم في رواق الدار ونغلق الباب ونلقي خلف الباب حجراً كبيراً نديره خلف الباب. ←

(٣٩٠)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ فرأيت غير ليلية ضوء السراج في الرواق الذي كنا فيه شبيهاً بضوء المشعل ورأيت الباب قد أنفتح ولا أرى أحداً فتحه من أهل الدار ورأيت رجلاً ربعة أسمر إلى الصفرة ما هو قليل الحم في وجهه سجادة عليها قميصان وإزار رقيق قد تقنع به في رجليه نعل طاق فصعد إلى غرفة في الدار حيث كانت العجوز تسكن وكانت تقول لنا أن في الغرفة ابنته لا تدع أحداً يصعد إليها فكنت أرى الضوء الذي رأيته يضيء في الرواق على الدرجة عند صعود الرجل إلى الغرفة التي يصعدها ثم أراه في الغرفة من غير أن أرى السراج بعينه وكان الذي معي يرون مثل ما أرى فتوهموا أن يكون هذا الرجل يختلف إلى ابنة العجوز وأن يقولوا قد تمتع بها فقالوا هؤلاء العلوية يرون المتعة وهذا حرام لا يحل فيما زعموا وكنا نراه يدخل ويخرج ويجيء إلى الباب وإذا الحجر على حاله الذي تركناه وكنا نغلق هذا الباب خوفاً على متاعنا وكنا لا نرى أحداً يفتح ولا يغلقه والرجل يدخل ويخرج والحجر خلف الباب إلا وقت ننحيه إذ خرجنا.
فلما رأيت هذه الأسباب ضرب على قلبي ووقعت في نفسي هيبة فتلطف العجوز وأحببت أن أقف على خبر الرجل فقلت لها: يا فلانة إني أحب أن أسألك وأفاوضك من غير حضور من معي فلا أقدر عليه فأنا أحب إذ رأيت في الدار وحدي أن تنزلي إلي لأسألك عن أمر فقالت لي مسرعة: وأنا أريد أن أسر إليك شيئاً فلم يتهيأ لي ذلك من أجل أصحابك فقلتما أردت أن تقولي فقالت يقول لك ولم تذكر أحداً لا تحاشن أصحابك وشركاءك ولا تلاحهم فإنهم أعداؤك ودارهم فقلت لها من يقول؟ فقالت: أنا أقول فلم أجسر لما دخل قلبي من الهيبة أن أراجعها، فقلت: أي أصحابي تعنين وظننت إنها تعني رفقائي الذين كانوا حجاجاً معي فقالت: شركاؤك الذين في بلدك وفي الدار معك وكان جرى بيني وبين الذين معي في الدار عتب في الدين فسعوا بي حتى هربت استترت بذلك السبب فوقفت ←

(٣٩١)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ على أنها عنت أولئك فقلت لها: ما تكونين أنتِ من الرضا؟ فقالت: أنا كنت خادمة للحسن بن علي صلوات الله عليه.
فلما استيقنت ذلك قلت: لأسألنها عن الغائب فقلت: بالله عليك أرأيته بعينك فقالت: يا أخي لم أره بعيني فإني خرجت وأختي حبلاً وبشرني الحسن بن علي (عليه السلام) بأنني سوف أراه في آخر عمري وقال لي: تكونين له كما كنت لي وأنا اليوم منذ كذا بمصر وإنما قدمت الآن بكتابة ونفقت وجه بها إلي على يد رجل من أهل خراسان لا يفصح بالعربية وهي ثلاثون دينار وأمرني أن أحج سنتي هذه فخرجت رغبة مني في أن أراه فوقع في قلبي أن الرجل الذي كنت أراه يدخل ويخرج هو فأخذت عشرة دراهم صحاحاً فيها سكة رضوية من ضرب الرضا (عليه السلام) قد كنت خبأتها لألقيها في مقام إبراهيم (عليه السلام) وكنت نذرت ونويت ذلك فدفعها إليها وقلت في نفسي: ادفعها إلى قوم من ولد فاطمة (عليها السلام) أفضل من أن ألقيها في المقام وأعظم ثواباً فقلت لها: ادفعي هذه الدراهم إلى من يستحقها من ولد فاطمة (عليها السلام) وكان في نيتي أن الذي رأيته هو الرجل وأنها تدفعها إليه فأخذت الدراهم وصعدت وبقيت ساعة ثم نزلت فقالت: يقول لك: ليس لنا فيها اجعلها في الموضع الذي نويت ولكن هذه الرضوية خذ منا بدلها وألقيها في الموضع الذي نويت ففعلت وقلت في نفسي: الذي أمرت به من الرجل ثم كانت معي نسخة توقيع خرج إلى القاسم بن العلاء بأذربيجان فقلت لها: تعرضين هذه النسخة على إنسان قد رأى توقيعات الغائب فقالت: ناولني فإني أعرفه فأريتها النسخة وظننت أن المرأة تحسن أن تقرأها فقالت: لا يمكنني أن أقرأها في هذا المكان فصعدت الغرفة ثم أنزلته فقالت: صحيح وفي التوقيع: أبشركم ببشرى ما بشرت به غيرك ثم قالت: إذا صليت على نبيك كيف تصلي عليه؟ فقلت أقول اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل ←

(٣٩٢)

بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين وحجة رب العالمين المنتخب في الميثاق المصطفى في الظلال المطهر من كل آفة البريء من كل عيب المؤمل للنجاة المرتجى للشفاعة المفوض إليه دين الله اللهم شرف بنيانه وعظم برهانه وأفلح حجته وارفع درجته وأضئ نوره وبيض وجهه وأعطه الفضل والفضيلة والدرجة والوسيلة الرفيعة وأبعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأولون والآخرون.
وصل على أمير المؤمنين ووارث المرسلين وقائد الغر المحجلين وسيد الوصيين وحجة رب العالمين.
وصل على الحسن بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ إبراهيم إنك حميد مجيد. فقالت: لا إذا صليت فصل عليهم كلهم وسمهم فقلت: نعم فلما كان من الغد نزلت ومعها دفتر صغير فقالت: يقول لك إذا صليت على النبي صلى الله عليه وآله فصل عليه وعلى أوصيائه على هذه النسخة فأخذتها وكنت أعمل بها ورأيت عدة ليال قد نزل من الغرفة وضوء السراج قائم وكنت أفتح الباب وأخرج على أثر الضوء وأنا أراه أعني الضوء ولا أرى أحداً حتى يدخل المسجد وأرى جماعة من الرجال من بلدان شتى يأتون باب هذه الدار فبعضهم يدفعون إلى العجوز رقاً معهم ورأيت العجوز قد دفعت إليهم كذلك الرقاق فيكلموها وتكلمهم ولا أفهم عنهم ورأيت منهم في منصرفنا جماعة في طرق إلى أن قدمت بغداد وهذه هي النسخة للدعاء:...

(٣٩٣)

العالمين.
وصل على الحسين بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
وصل على علي بن الحسين إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
وصل على محمد بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
وصل على جعفر بن محمد إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
وصل على موسى بن جعفر إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
وصل على علي بن موسى إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
وصل على محمد بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
وصل على علي بن محمد إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
وصل على الحسن بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب

(٣٩٤)

العالمين.
وصل على الخلف الصالح الهادي المهدي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين.
اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته الأئمة الهادين ووارث العلماء الصادقين الأبرار المتقين دعائم دينك وأركان توحيدك وتراجمة وحيك، وحججك على خلقك وخلفائك في أرضك الذين اخترتهم لنفسك واصطفيتهم على عبادك وارتضيتهم لدينك وخصصتهم بمعرفتك وجللتهم بكرامتك وغشيتهم برحمتك وربيتهم بنعمتك وغذيتهم بحكمتك وألبستهم [من] نورك ورفعتهم في ملكوتك وحففتهم بملائكتك وشرفتهم بنبيك صلواتك عليه وآله. اللهم صل على محمد وعليهم صلاة كثيرة دائمة طيبة لا يحيط بها إلا أنت ولا يسعها إلا علمك ولا يحصيها أحد غيرك.

(٣٩٥)

دعاء الزيارة (380)
اللهم إني أسألك باسمك الذي خلقته من كلك فاستقر فيك فلا يخرج منك إلى شيء أبداً يا كينون أيا مكنون أيا متعال أيا مقدس أيا متراحم أيا مترئف أيا متحنن أسألك كما خلقته غضاً أن تصلي على نبيك رحمتك وكلمة نورك ووالد هداة رحمتك واملأ قلبي نور اليقين وصدري نور الإيمان وفكري نور الثبات وعزمي نور التوفيق وذكائي نور العلم وقوتي نور العمل ولساني نور الصدق وديني نور البصائر من عندك وبصري نور الضياء وسمعي نور وعي الحكمة ومودتي نور المولاة لمحمد وآله (عليهم السلام) ويقيني قوة البراءة من أعداء محمد وأعداء آل محمد حتى ألقاك وقد وفيت بعهدك وميثاقك فيسعني يا ولي يا حميد بمرآك وسمعك يا حجة الله دعائي فوفني منجزات إجابتي أعتصم بك معك معك معك سمعي ورضاي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(380) العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار: ج94 ص39 نقل بسند مطول - سنذكره في حقل الزيارات تحت عنوان (نسخة أخرى للزيارة) - عن خط الشيخ محمد بن علي الجبعي بسنده إلى الحميري زيارة واردة عن الناحية المقدسة وبعدها هذا الدعاء:...

(٣٩٦)

دعاء المعرفة (381)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(381) أ: محمد بن الحسن الطوسي (قدّس سرّه) في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) ج2 ص190.
ب: السيد ابن طاووس (قدّس سرّه) في جمال الأسبوع عن جده الطوسي قده ص541.
عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب قال: حدثنا أبو علي بن الهمام بهذا الدعاء، وذكر أن الشيخ العمري [الظاهر أنه عثمان بن سعيد] قدس الله روحه أملاه عليه وأمره به وهو الدعاء في غيبة القائم (عليه السلام):..
(ويلاحظ) أنه من المستعبد جداً عن مثل الشيخ العمري (قدّس سرّه) وكيل الهادي والعسكري (عليهما السلام) والنائب الأول لصاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أن يخترع مثل هذا الدعاء المطول من عند نفسه.
فأكثر الظن أنه أمر به عن الناحية المقدسة (على ساكنها الصلاة والسلام).
وقد كرر العلامة المجلسي قده في البحار ذكره بطوله مرتين، مرة في (ج95 ص327 - 330) ومرة في (ج53 ص87 - 190) وذكره من باب ما خرج من توقيعاته - كما فعله المجلسي وغيره (عليه السلام) - يؤيد كونه لصاحب الأمر (عليه السلام).
(وأبو علي) هذا هو الذي دعا له الإمام أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) قال الأردبيلي في جامع الرواة (ج2 ص212): (محمد بن همام البغدادي يكنى أبا علي... جليل القدر ثقة، شيخ أصحابنا ومتقدمهم له منزلة عظيمة كثير الحديث، قال: كتب أبي إلى أبي محمد العسكري (عليه السلام) يعرفه أته ما صح له حمل يولد، ويعرفه أن له حملاً ويسأله أن يدعو له في تصحيحه وسلامته وأن يجعله ذكراً نجيباً من مواليهم، فوقع (عليه السلام) على رأسه الرقعة بخط يده: (قد فعل ذلك).
قال هارون بن موسى: (أراني أبو علي بن همام الرقعة والخط وكان محققاً).

(٣٩٧)

اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني. اللهم لا تمتني ميتة الجاهلية ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني.
اللهم فكما هديتني بولاية من فرضت طاعته علي من ولاة أمرك بعد رسولك صلواتك عليه وآله حتى واليت ولاة أمرك أمير المؤمنين والحسن والحسين وعلياً ومحمداً وجعفرَ وموسى وعلياً ومحمداً وعلياً والحسن والحجة القائم المهدي صلواتك عليهم أجمعين. اللهم فثبتني على دينك واستعملني بطاعتك وليّن قلبي لولي أمرك وعافني مما امتحنت به خلقك وثبتني على طاعة ولي أمرك الذي سترته عن خلقك فبإذنك غاب عن بريتك وأمرك ينتظر وأنت العالم غير معلم بالوقت الذي فيه صلاح أمر وليك في الإذن له بإظهاره أمره وكشف سره وصبرني على ذلك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت لا تأخير ما عجلت ولا أكشف عما سترته ولا أبحث عما كتمته ولا أنازع في تدبيرك ولا أقول لم وكيف وما بال ولي أمر الله لا يظهر وقد امتلأت الأرض من الجور؟ وأفوض أمري كله لله.

(٣٩٨)

اللهم إني أسألك أن تريني ولي أمرك ظاهراً نافذاً لأمرك مع علمي بأن لك السلطان والقدرة والبرهان والحجة والمشيئة والإرادة والحول والقوة فافعل ذلك بي وبجميع المؤمنين حتى ننظر إلى وليك ظاهر المقالة واضح الدلالة هادياً من الضلالة شافياً من الجهالة أبرز يا رب مشاهده وثبت قواعده واجعلنا ممن تقر عيننا برؤيته وأقمنا وتوفنا على ملته واحشرنا في زمرته.
اللهم أعذه من شر جميع ما خلقت وبرأت وذرأت وأنشأت وصورت واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به واحفظ فيه رسولك ووصي رسولك اللهم ومد في عمري وزد في أجله وأعنه على ما أوليته واسترعيته وزد في كرامتك له فإنه الهادي المهدي القائم المهتدي الطاهر التقي النقي الزكي الرضي المرضي الصابر المجتهد الشكور. اللهم ولا تسلبنا اليقين لطول الأمد في غيبته وانقطاع خبره عنا ولا تنسنا ذكره وانتظاره والإيمان به وقوة اليقين في ظهوره والدعاء له والصلاة عليه حتى لا يقنطنا طول غيبته من ظهوره وقيامه ويكون يقيننا في ذلك كيقيننا في قيام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما جاء به من وحيك وتنزيلك، قوّ قلوبنا على الإيمان به حتى تسلك بنا على يده منهاج الهدى والمحجة العظمى والطريقة الوسطى وقونا على طاعته وثبتنا على

(٣٩٩)

مشايعته واجعلنا في حزبه وأعوانه وأنصاره والراغبين بفعله ولا تسلبنا ذلك في حياتنا ولا عند وفاتنا حتى توفانا ونحن على ذلك غير شاكين ولا ناكثين ولا مرتابين ولا مكذبين. اللهم عجل فرجه وأيده بالنصر وانصر ناصريه واخذل خاذليه ودمدم على من نصب له وكذب به وأظهر به الحق وأمت به الجور واستنقذ به عبادك المؤمنين من الذل وانعش به البلاد واقتل به الجبابرة الكفرة واقصم به رؤوس الضلالة وذلل به الجبارين والكافرين وأبر به المنافقين والناكثين وجميع المخالفين والملحدين في مشارق الأرض ومغاربها وبحرها وبرها وسهلها وجبلها حتى لا تدع منهم دياراً ولا تبقي لهم آثاراً وتطهر منهم بلادك واشف منهم صدور عبادك وجدد به ما امتحى من دينك وأصلح به ما بدل من حكمك وغير من سننك حتى يعود دينك به وعلى يده غضاً جديداً صحيحاً لا عوج فيه ولا بدعة معه حتى تطفي بعدله نيران الكافرين فإنه عبدك الذي استخلصته لنفسك وارتضيته لنصرة دينك واصطفيته بعلمك وعصمته من الذنوب وبرأته من العيوب وأطلعته على الغيوب وأنعمت عليه وطهرته من الرجس ونقيته من الدنس.
اللهم فصل عليه وعلى آبائه الأئمة الطاهرين وعلى شيعتهم المنتجبين وبلغهم من آمالهم أفضل ما يأملون واجعل ذلك منا خالصاً من كل شك وشبهة ورياء وسمعه حتى لا نريد به غيرك ولا نطلب به إلا وجهك.
اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا وغيبته ولينا وشدة الزمان علينا

(٤٠٠)

ووقوع الفتن [بنا] وتظاهر الأعداء وكثرة عدونا وقلة عددنا اللهم فأفرج ذلك بفتح منك تعجله وبصبر منك تيسره وإمام عدل تظهره إله الحق رب العالمين. اللهم إنا نسألك أن تأذن لوليك في إظهار عدلك في عبادك وقتل لي أعدائك في بلادك حتى لا تدع للجور دعامة إلا قصمتها ولا بنية إلا أفنيتها ولا قوة إلا أوهنتها ولا ركناً إلا هددته ولا حداً إلا فللته ولا سلاحاً إلا كللته ولا راية إلا نكستها ولا شجاعاً إلا قتلته ولا جيشاً إلا خذلته أرمهم يا رب بحجرك الدامغ واضربهم بسيفك القاطع وببأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين وعذب أعداءك وأعداء دينك وأعداء رسولك بيد وليك وأيدي عبادك المؤمنين.
اللهم اكف وليك وحجتك في أرض هول عدوه وكد من كاده وامكر لمن مكر به دائرة السوء على من أراد به سوءاً واقطع عن مادتهم وأرعب به قلوبهم وزلزل له أقدامهم وخذهم جهرة وبغتة، شدد عليهم عقابك وأخزهم في عبادك والعنهم في بلادك وأسكنهم أسفل نارك وأحط بهم أشد عذابك وأصلهم ناراً واحش قبور موتاهم ناراً وأصلهم حر نارك فإنهم أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وأذلوا عبادك اللهم وأحي بوليك القرآن وأرنا نوره سرمداً لا ظلمة فيه وأحي القلوب الميتة واشف به الصدور الوغرة واجمع به الأهواء المختلفة على الحق وأقم الحدود المعطلة والأحكام المهملة حتى لا يبقى حق إلا ظهر

(٤٠١)

ولا عدل إلا زهر واجعلنا يا رب من أعوانه ومن يقوى بسلطانه والمؤتمرين لأمره والراضين بفعله والمسلمين لأحكامه وممن لا حاجة به إلى التقية من خلقك أنت يا رب الذي تكشف السوء وتجيب المضطر إذا دعاك وتنجي من الكرب العظيم فاكشف الضر عن وليك واجعله خليفة في أرضك كما ضمنت له اللهم ولا تجعلنا من خصماء آل محمد ولا تجعلنا من أعداء آل محمد ولا تجعلنا من أهل الحنق والغيظ على آل محمد فإني أعوذ بك من ذلك فأعذني وأستجير بك فأجرني اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني بهم فائزاًً عندك في الدنيا والآخرة ومن المقربين.

(٤٠٢)

دعاء الندبة (382)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(382) أ: السيد علي بن طاووس (قدّس سرّه) في (مصباح الزائر) ص230.
ب: الشيخ محمد بن المشهدي (قدّس سرّه) في المزار الكبير - كما سماه المجلسي (قدّس سرّه) ص190.
ج: كتاب (المزار القديم) نقل عنه كتاب (وظائف الشيعة) شرح دعاء الندبة ص2. كلهم رووا عن الشيخ أبي الفرج محمد بن يعقوب بن إسحاق بن أبي قرة القناني الكاتب (قدّس سرّه) وهو يرويه عن كتاب محمد بن الحسين بن سيقان البزوقري رضي الله عنه.
1- ابن طاووس:
أما السيد علي بن طاووس (قدّس سرّه) فهو معروف مشهور بالعلم والتقوى وأعرف من أن نذكره بالتعريف، إلا أن الإمامة لا تخلوا من فائدة.
 فهو من أولاد الإمام الحسن المجتبى بن علي بن أبي طالب (عليهم الصلاة والسلام) بخمس عشرة واسطة.
أمه: بنت العالم الزاهد المعروف الشيخ ورّام بن أبي فراس (قدّس سرّه) وينتهي نسبها إلى مالك الأشتر (رضوان الله عليه).
وأم أبيه: بنت شيخ الطائفة الطوسي (قدّس سرّه).
وهو، وأخوه - أحمد - وابن أخيه عبد الكريم بن أحمد، من كبار الفقهاء، والعلماء، والأتقياء، والإبدال (رضوان الله عليهم).
وكان من علماء الحلة في مفتتح القرن السابع الهجري..
وكان نقيب الطالبين في العراق مدة ثلاث سنوات.
2- الشيخ محمد بن المشهدي: ←

(٤٠٣)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ من كبار العلماء الأتقياء... من كربلاء المقدسة ولذا لقب بالحائري.
عاش في القرن السادس الهجري.
كان معاصراً للسيد أبي المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلي (قدّس سرّه) ويلقب وكنى بناصح الدين أبي البركات.
(وأما كتابه) المزار الكبير فقد اعتمد عليه العلماء الأخيار.
قال العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار: ج1 ص35:
(كتاب كبير في الزيارات، تأليف محمد بن المشهدي - كما يظهر من تأليفات ابن طاووس - واعتمد عليه ومدحه).
وقال في فصل آخر:
(والمزار الكبير يعلم من كيفية إسناده أنه كتاب معتبر، وقد أخذ منه السيدان ابنا طاووس (يعني: علي بن طاووس، وأخاه عبد الكريم) كثيراً من الاختبارات والزيارات).
وقال الشيخ منتجب الدين في (الفهرست):
(أبو البركات محمد بن إسماعيل المشهدي فقيه محدث ثقة قرأ على الإمام محيي الدين الحسيني بن المظفر الحمداني...) [مستدرك الوسائل: ج3 ص368].
قال المحقق النوري (قدس الله روحه):
(كما يظهر من كتابه الاعتماد على كل ما أودعته فيه، وأن ما فيه من الزيارات كلها مأثورة وإن لم يستند بعضها إليهم (عليهم السلام) في محلة - بعد الخطبة -: فإني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات للمشاهد وما ورد في الترغيب في المساجد المباركات، والأدعية المختارات، وما يدعى به عقيب الصلوات وما يناجى به القديم تعالى من لذيذ الدعوات في ←

(٤٠٤)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ الخلوات وما يلجأ إليه من الأدعية عند المهمات، مما اتصلت به من ثقاة الرواة إلى السادات...) [مستدرك الوسائل: ج3 ص368].
المزار القديم:
وأما المزار القديم فقد ذكر في المستدرك ما يلي ننقله بنصه:
(... إنا عثرنا على مزار قديم يظهر من بعض أسانيده أنه في طبقته [أي: المؤلف له في طبقة الشيخ محمد بن المشهدي معاصراً للسيد ابن زهرة في القرن السادس الهجري] وطبقة الشيخ الطبرسي صاحب الاحتجاج والنسخة عتيقة يظن أنها كتبت في عصر مؤلف وفيه فوائد حسنة جميلة (ويظهر) منه غاية اعتباره واعتبار مؤلفه، وأظنه القطب الرواندي).
أ: لملائمة الطبقة.
ب: وعد الأصحاب من كتبه كتاب المزار.
ج: وقد نقل فيه جملة من الأخبار المختصة سنداً ومتناً بمزار محمد بن المشهدي كما يظهر من مزار البحار، عبر عنه في موضع هكذا (أبو عبد الله محمد بن جعفر الحائري رضي الله عنه قال حدثني... إلى آخره) [مستدرك الوسائل: ج3 ص368].
ابن أبي قرة:
وأما ابن أبي قرة الفاني الكاتب (رحمه الله) فقد قال في الوسائل عنه:
(كان ثقة، وسمع كثيراً، وكتب كثيراً، قاله النجاشي والعلامة) [وسائل الشيعة: ج20 ص337].
وقد ترجم له كل من:
جامع الرواة (ج2 ص161) والنجاشي (ص283) وخلاصة العلامة (ص80) وكتاب وظائف الشيعة (ص4). ←

(٤٠٥)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد ونبيه وآله وسلم تسليماً اللهم لك الحمد على ما جرى فيه قضاؤك في أوليائك الذين استخلصتهم لنفسك ودينك إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء به فقبلتهم وقربتهم وقدمت لهم الذكر العلي والثناء الجلي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ وله كتب منها (كتاب عمل يوم الجمعة) و(كتاب عمل الشهور) و(كتاب معجم رجال أبي الفضل) و(كتاب التهجد) [وظائف الشيعة ص4].
البزوقري
وأما البزوقري أبو جعفر محمد بن علي بن سفيان بن خالد بن سفيان، من أهل قرية تسمى (بزوقر - كغضنفر) قرب الحلة (واسط سابقاً).
هو وأبوه - أبو عبد الله الحسين بن علي البزوقري وابن عم أبيه أحمد بن جعفر بن سفيان من أعلام الإمامية، وكلهم من مشايخ الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، وهو من مشايخ التلعكبري هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد [مستدرك الوسائل/ ج3 ص521].
والشيخ المفيد (قدّس سرّه) ترحم عليه [وظائف الشيعة: ص4].
قال العلامة المجلسي (قدّس سرّه) بعد نقل السند المذكور:
(دعاء الندبة، وذكر - يعني: ابن طاووس (قدّس سرّه) أنه الدعاء لصاحب الزمان صلوات الله عليه ويستحب أن يدعى به في الأعياد الأربعة وهو:
(والأعياد الأربعة) يعني: الجمعة، وعيد الأضحى، وعيد الفطر، وعيد الغدير.

(٤٠٦)

وأهبطت عليهم ملائكتك وكرمتهم بوحيك ورفدتهم بعلمك وجعلتهم الذريعة [الذرائع] إليك والوسيلة إلى رضوانك فبعض أسكنته جنتك إلى أن أخرجته منها وبعض حملته في فلكك ونجيته [مع] من آمن معه من الهلكة برحمتك وبعض اتخذته لنفسك خليلاً وسألك لسان صدق في الآخرين فأجبته وجعلت ذلك علياً وبعض كلمته من شجرة تكليماً وجعلت له من أخيه ردءاً ووزيراً وبعض أولدته من غير أب وآتيته البينات وأيدته بروح القدس وكل [وكلاً] شرعت له شريعة ونهجت له منهاجاً وتخيرت له أوصياء [به] مستحفظاً بعد مستحفظ من مدة إلى مدة إقامة لدينك وحجة على عبادك ولئلا يزول الحق عن مقره ويغلب الباطل على أهله ولا [ولئلاّ] يقول أحد: لولا أرسلت إلينا رسولاً منذراً وأقمت لنا علماً هادياً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى إلى أن انتهيت بالأمر إلى حبيبك ونجيبك محمد صلى الله عليه وآله فكان كما انتجبته سيد من خلقته وصفوة من اصطفيته وأفضل من اجتبيته وأكرم من اعتمدته قدمته على أنبيائك وبعثته إلى الثقلين من عبادك وأوطأته مشارقك ومغاربك وسخرت له البراق وعرجت بروحه [به] إلى سمائك وأودعته علم ما كان وما يكون إلى انقضاء خلقك ثم نصرتة بالرعب وحففته بجبرائيل وميكائيل والمسومين من ملائكتك ووعدته أن تظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون وذلك بعد أن بوأته مبوأ صدق

(٤٠٧)

من أهله وجعلت له ولهم أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً وقلت: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) ثم جعلت أجر محمد صلواتك عليه وآله مودتهم في كتابك فقلت: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)، وقلت: (ما سألتكم من أجر فهو لكم)، وقلت: (ما أسألكم عليه أجراً إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً) فكانوا هم السبيل إليك والمسلك إلى رضوانك فلما انقضت أيامه أقام وليه علي بن أبي طالب صلواتك عليهما وآلهما هادياً إذ كان هو المنذر ولكل قوم هاد فقال والملأ أمامه: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. وقال: من كنت أنا نبيه فعلي أميره. وقال: أنا وعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى. وأحله محل هارون ممن موسى فقال له: أنت مني بمنزلة هارون بن موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وزوجه ابنته سيدة نساء العالمين وأحل له من مسجده ما حل له وسد الأبواب إلا بابه ثم أودعه علمه وحكمته فقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة والحكمة فليأتها من بابها. ثم قال: أنت أخي ووصي ووارثي لحمك من لحمي ودمك من دمي وسلمك سلمي وحربك حربي والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي وأنت غداً على الحوض خليفتي وأنت

(٤٠٨)

تقضي ديني وتنجز عداتي وشيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي في الجنة وهم جيراني ولولا أنت يا علي لم يعرف المؤمنون بعدي وكان بعده هدى من الضلال ونوراً من العمى وحبل الله المتين وصراطه المستقيم لا يسبق بقرابة في رحم ولا بسابقة في دين ولا في منقبة من مناقبه يحذو حذو الرسول صلى الله عليهما وآلهما ويقاتل على التأويل ولا تأخذه في الله لومة لائم قد وتر فيه صناديد العرب وقتل أبطالهم وناوش [ناهش] ذؤبانهم فأودع قلوبهم أحقاداً بدرية وخيبرية وحنينية وغيرهن فأضبت [- فأضبن- فأصبت] على عداوته وأكبت على منابذته حتى قتل الناكثين والقاسطين والمارقين ولما قضى نحبه وقتله [أشقى الأشقياء من الأولين والآخرين] أشقى الآخرين يتبع أشقى الأولين ولم يتمثل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في الهادين بعد الهادين والأمة مصرة على مقته مجتمعة على قطيعة رحمه وإقصاء ولده إلا القليل ممن وفي لرعاية الحق فيه فقتل من قتل وسبي من سبي وأقصي من أقصي وجرى القضاء لهم بما يرجى له حسن المثوبة إذ كانت الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين سبحانه ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً ولن يخلف الله وعده هو العزيز الحكيم.
فعلى الأطايب من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون وإياهم فليندب النادبون ولمثلهم فلتذرف [فلتذر] الدموع وليصرخ الصارخون ويضج

(٤٠٩)

الضاجون ويعج العاجون أين الحسن أين الحسين أين أبناء الحسين صالح بعد صالح وصادق بعد صادق أين السبيل بعد السبيل أين الخيرة بعد الخيرة أين الشموس الطالعة أين الأقمار المنيرة أين الأنجم الزاهرة أين أعلام الدين وقواعد العلم أين بقية الله التي لا تخلو من العترة الهادية أين المعد لقطع دابر الظلمة أين المنتظر لإقامة الأمت والعوج أين المرتجى لإزالة الجور والعدوان أين المدخر لتجديد الفرائض والسنن أين المتخير [المتخذ] لإعادة الملة والشريعة أين المؤمل لإحياء الكتاب وحدوده أين محيى معالم الدين وأهله أين قاصم شوكة المعتدين أيم هادم أبنية الشرك والنفاق أين مبيد أهل الفسق والعصيان والطغيان أين حاصد فروع الغي والشقاق [النفاق] أين طامس آثار الزيغ والأهواء أين قاطع حبائل الكذب والافتراء أين مبيد العتاة والمردة أين مستأصل أهل العناد والتضليل والإلحاد أين معز الأولياء ومذل الأعداء أين جامع الكلمة [الكلم] على التقوى أين باب الله الذي منه يؤتى أين وجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء أين السبب المتصل بين الأرض والسماء أين صاحب يوم الفتح وناشر راية الهدى أين مؤلف شمل الصلاح والرضا أين الطالب [المطالب] بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء أين الطالب بدم المقتول بكربلاء أين المنصور على من اعتدى عليه وافترى أين المضطر الذي يجاب إذا

(٤١٠)

دعا أين صدر الخلائق ذو البر والتقوى أين ابن النبي المصطفى وابن علي المرتضى وابن خديجة الغراء وابن فاطمة الكبرى بأبي أنت وأمي ونفسي لك الوقاء والحمى يا بن السعادة المقربين يا بن النجباء الأكرمين يا بن الهداة المهديين [المهتدين] يا بن الخيرة المهذبين يا بن الغضارفة الأنجبين يا بن الأطايب المطهرين [المستطهرين] يا بن الغظارمة المنتجبين يا بن القمامة الأكرمين [الأكبرين] يا بن البدور النيرة يا بن السُرُج المضيئة يا بن الشهب الثاقبة يا بن الأنجم الزاهرة يا بن السبل الواضحة يا بن الأعلام اللائحة يا بن العلوم الكاملة يا بن السنن المشهورة يا بن المعالم المأثورة يا بن المعجزات الموجودة يا بن الدلائل المشهودة [المشهورة] يا بن الصراط المستقيم يا بن النبأ العظيم يا بن من هو في أم الكتاب لدى الله علي حكيم يا بن الآيات والبينات يا بن الدلائل الظاهرات يا بن البراهين الواضحات الباهرات يا بن الحجج البالغات يا بن النعم السابغات يا بن طه والمحكمات يا بن ياسين والذاريات يا بن الطور والعاديات يا بن من دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى دنواً واقتراباً من العلي الأعلى ليت شعري أين استقرت بك النوى بل أي أرض تقلك أو ثرى أبرضوى أو غيرها أم ذي طوى عزيز علي أن أرى الخلق ولا ترى ولا أسمع لك حسيساً ولا نجوى عزيز علي أن تحيط بك دوني البلوى ولا ينالك مني ضجيج ولا شكوى بنفسي

(٤١١)

أنت من مغيب لم يخل منا بنفسي أنت من نازح ما نزح [ينزح] عنا بنفسي أنت أمنية شائق يتمنى من مؤمن ومؤمنة ذكرا فحنّا بنفسي أنت من عقيد عز لا يساما بنفسي أنت من أسيل مجد لا يجارى [لا يحاذى] بنفسي أنت من تلاد نعم لا تضاهى بنفسي أنت من نصيف شرف لا يساوى إلى متى أحار [أجار] فيك يا مولاي وإلى متى وأي خطاب أصف فيك وأي نجوى عزيز علي أن أجاب دونك [أو] أناغي عزيز علي أن أبكيك ويخذلك الورى عزيز علي أن يجري عليك دونهم ما جرى هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء هل من جزوع فأساعد جزعه إذا خلى هل قذيت عين فساعدتها عيني على القذى هل إليك يا بن أحمد سبيل فتلقى هل يتصل يومنا منك بعدة [بغده] فنحظى متى نرد مناهلك الروية فنروى متى ننتفع من عذب مائك فقد طال الصدى متى نغاديك ونراوحك فنقر عينا متى ترانا ونراك وقد نشرت لواء النصر ترى أترانا نحف بك وأنت تأم الملأ وقد ملأت الأرض عدلاً وأذقت أعداءك هواناً وعقاباً وأبرت العتاة وجحدة الحق وقطعت دابر المتكبرين واجتثثت أصول الظالمين ونحن نقول الحمد لله رب العالمين.
اللهم أنت كشاف الكرب والبلوى وإليك أستعدي فعندك العدوى وأنت رب الآخرة والدنيا فأغث يا غياث المستغيثين عبيدك المبتلى وأره سيده يا شديد القوى وأزل عنه به الأسى والجوى وبرد غليله

(٤١٢)

يا من على العرش استوى ومن إليه الرجعى والمنتهى اللهم ونحن عبيدك التائقون [الشائقون] إلى وليك المذكر بك وبنبيك خلقته لنا عصمة وملاذاً وأقمته لنا قوامناً ومعاذاً وجعلته للمؤمنين منا إماماً فبلغه منا تحية وسلاماً وزدنا بذلك يا رب إكراماً واجعل مستقره لنا مستقراً ومقاماً واتمم نعمتك بتقديمك إياه إمامنا حتى توردنا جنانك [جناتك] ومرافقة الشهداء من خلصائك اللهم صل على محمد وآل محمد وصل على محمد جده ورسولك السيد الأكبر وعلى [علي] أبيه السيد الأصغر وجدته الصديقة الكبرى فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وعلى من اصطفيت من أبنائه البررة وعليه أفضل وأكمل وأتم وأدوم وأكثر وأوفر ما صليت على أحد من أصفيائك وخيرتك من خلقك وصل عليه صلاة لا غاية لعددها ولا نهاية لمددها ولا نفاد لأمدها اللهم وأقم به الحق وأدحض به الباطل وأدل به أولياءك وأذلل به أعداءك وصل اللهم بيننا وبينه وصلةً تؤدي إلى مرافقة سلفه واجعلنا ممن يأخذ بحجزتهم ويمكث في ظلهم وأعنا على تأدية حقوقه إليه والاجتهاد في طاعته واجتناب معصيته وأممن علينا برضاه وهب لنا رأفته ورحمته ودعاءه وخيره ما ننال به سعة من رحمتك وفوزاً عندك واجعل صلاتنا به مقبولة وذنوبنا به مغفورة ودعاءنا به مستجاباً واجعل أرزاقنا به مبسوطة وهمومنا به مكفية وحوائجنا به مقضية وأقبل إلينا بوجهك

(٤١٣)

الكريم وأقبل تقربنا إليك وانظر إلينا نظرة رحيمة نستكمل به الكرامة عندك ثم لا تصرفها عنا بجودك واسقنا من حوض جده صلى الله عليه وآله بكأسه وبيده رياً روياً هنيئاً سائغاً لا ظمأ بعده يا أرحم الراحمين(383).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(383) قال السيد (رحمه الله): ثم صل صلاة الزيارة - وقد تقدم وصفها - ثم تدعو بما أحببت فإنك تجاب إن شاء الله تعالى.
مصباح الزائر ص230 - 234.
المزار الكبير ص190 - 194.

(٤١٤)

ملحق الأدعية (384)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(384) وهناك أدعية مذكورة في (بحار الأنوار) وغيره لم نجد نصاً خاصاً بدورها عن مولانا الحجة صلوات الله عليه إلا قد تتوفر إشارات ربما تدل على صدورها منه (عليه السلام).
(منها) أن بعضها ورد ضمن زيارات رواه كبار العلماء من أمثال الشيخ المفيد والسيد ابن طاووس والشهيد الأول - قدست أسرارهم أن يكونوا هم اخترعوا هذه الأدعية دون أن ينصوا على ذلك، مع ملاحظة ما ورد من نهى المعصومين (عليهم السلام) عن اختراع الأدعية.
(ومنها) أنها تشبه - في مضامينها وألفاظها - سائر الأدعية المروية عن المعصومين (عليهم السلام)، فيؤيد بذلك كونها صادرة عن المعصوم (عليه السلام).
(ومنها) عدم رواياتها عمن عاصروا واحداً من آباء صاحب الأمر (عليه السلام) مما ينفي لكونها لآبائه (عليه السلام).
(ومنها) غير ذلك مما قد يجده الباحث المنقب.
لذلك كله أوردنا هذه الأدعية أيضاً، منفصلة عن الأدعية المنصوص على روايتها عن صاحب الأمر (عليه السلام).
وللإلفات إلى هذا الأمر سجلنا هذه الكلمات والله أعلم (وللمحقق) النوري (قدّس سرّه) بالنسبة لأدعية والزيارات (مصباح الزائر) كلام طويل نقتطف منه ما يلي قال في المستدرك: ج3 - ص470:..
إن السيد (قدّس سرّه) صرح في كتاب مصباح الزائر بأن كلما فيه مما رواه أو رآه قال بعد ذكر الزيارة المختصة بأبي عبد الله (عليه السلام) في أول رجب وزيارة الشهداء بأسمائهم بعدها ما لفظه قد تقدم عدد الشهداء في زيارة عاشوراء برواية تخالف ما سطرناه في هذا المكان وتختلف في أسمائهم أيضاً وفي الزيارة والنقصان وينبغي أن تعرف أيدك الله جل جلاله بتقواه أننا تبعنا في ذلك ما رأيناه أو رويناه ونقلنا في كل موضع كما وجدناه وقال في آخر الكتاب: هذا آخر ما وقع اختيارنا عليه وانصرفت الهمة إليه وقد وصل على الوجه الذي استحسناه واعتمدنا فيه ←

(٤١٧)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ على ما رويناه أو نظرنا انتهى.
فكيف ينسب إليه مع ذلك أنه أنشأ بنفسه تلك الدعوات الكثيرة، (وأيضاً) إن السيد ذكر في جملة من تلك المواضع والمواقف غير الدعاء آداباً مخصوصة ووظائف معينة ولولا أنها واردة مأثورة لكان ذكرها والأمر بالعمل بها غير مشروع فإنها بدعة محرمة وتشريع غير جائز ونسبته إلى مثل السيد الجليل قبيح في الغاية.
(مع) أن السيد ومن قبله ومن بعده وأن لم يصرحوا عند إيراد تلك الأعمال بكونها مأثورة مروية عن الحجج (عليهم السلام) ولذا لم يذكرها العلامة المجلسي في كتاب تحفة لبنائه فيه على إيراد ما وقف على كونه مروياً إلا أن هنا قرائن وشواهد تدل على إنها مأثورة (منها) قول الشيخ الجليل محمد بن المشهدي في أول مزاره ما لفظه: فإني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات والمشاهد وما ورد في الترغيب في المساجد المباركات والأدعية المختارات وما يدعى به عقيب الصلوات وما يناجى به القديم تعالى من لذيذ الدعوات في الخلوات وما يلجأ إليه من الأدعية عند المهمات مما اتصلت به من ثقات الرواة إلى السادات (عليهم السلام) الخ.
(ومنها) في المزار القديم فإنه أورد أولاً أعمالاً مرتبة وأدعية طويلة للمواقف الشريفة من المسجد غبر الشائعة الدائرة وبعد الفراغ منها قال أعمال الكوفة برواية أخرى ثم ساق الأعمال على ما هو موجود في تلك الكتب فيظهر منه أن كليهما مرويان مأثوران، ومنها ما أشرنا إليه سابقاً أن هذه الأعمال بهذا الترتيب والآداب كيف يجوز نسبة جعلها على مثل الشيخ المفيد في عصر زينه الله تعالى بوجوده أعلام الدين في بلد مملوء من الرواة والمحدثين ثم يتلقاها الأصحاب مثل الشهيد بالقبول ويوردونها في زبرهم كسائر المنقول وهذا واضح بحمد الله تعالى لمن عد من ذوي النهى والعقول. ←

(٤١٨)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ وهنا أيضاً شواهد أخرى تدل على أنها مأثورة عن الحجج (عليهم السلام) بعضها يتعلق بجمعها وأخرى ببعضها، (منها) أنه قال السيد في المصباح في شرح زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) في أول يوم من رجب بعد ذكر ثوابه ما لفظه شرح زيارته في ذلك اليوم ويزور بها إليه نصف من شعبان أيضاً: إذا أردت ذلك فاغتسل ثم قال في فضل زيارته ليلة النصف من شعبان ما لفظه: وأما الزيارة في هذه الليلة فقد روى أنه يزار فيها بالزيارة التي قدمناها في أول رجب فتأخذ من هناك، (ومنها) قوله في زيارة النصف من رجب بعد ذكر فضلها: فأما كيفية زيارته (عليه السلام) في هذا الوقت فينبغي أن يزار بالزيارة الجامعة في أيام رجب أو بما تقدم من الزيارات المنقولة لسائر الشهور فإني لم أقف على زيارة مختصة بهذا الوقت المذكور انتهى، وقال في الإقبال بعد ذكر فضل زيارته (عليه السلام) في النصف من رجب.
أقول: وأما ما يزار به الحسين صلوات الله عليه في هذا التأليف من رجب المشار إليه فإني لم أقف على لفظ متعين له إلى الآن فيزار بالزيارة المختصة بشهر رجب والظاهر أنه لم يكن عنده مزار المفيد (قدّس سرّه) كما ستعرف.
(ومنها) قوله (قدّس سرّه) في زيارة لليلة القدر شرح الزيارة وهي مختصة بهذه الليلة ويزار بها في العيدين إذا أردت ذلك الخ.
وقال محمد بن المشهدي في مزاره زيارة الحسين بن علي (عليهما السلام) أيضاً مختصرة يزار بها في ليلة القدر وفي العيدين وبالإسناد عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) إذا أردت وساق الزيارة كما ساقها السيد والشيخ المفيد. وقال السيد في الإقبال ومنها زيارة الحسين (عليه السلام) في ليلة القدر عيد الفطر وقد ذكرنا في الجزء الثاني من كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر بعض فضلها وما اخترناه من الرواية ألفاظ الزيارة المختصة فإن لم يكن كتابنا عنده ←

(٤١٩)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ موجوداً في مثل هذا الميقات فليزر الحسين عليه أفضل الصلوات بغير تلك الزيارة من الزيارات المرويات. وقال في ذكر أعمال يوم الأضحى وأما لفظ ما نذكره في هذا اليوم في زيارته (عليه السلام) فقد كنا ذكرنا في كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر زيارتين تختص بهذا الميقات وليس هذا الكتب مما نقصد به ذكر الزيارات فإن وجد تلك الزيارتين وإلا فزر الحسين (عليه السلام) ليلة الأضحى ويوم الأضحى بما ذكرناه في هذا الكتاب من الزيارة ليوم عرفة. وقال في الإقبال أيضاً: فيما نذكره من لفظ الزيارة المختصة بالحسين (عليه السلام) يوم عرفة: اعلم أنه سيأتي في بعض ما نذكره من الدعوات يوم عرفة زيارة النبي والأئمة (عليهم أفضل الصلوات) وإنما نذكره في هذا الفصل زيارة تختص بهذا اليوم غير داخلة في دعواته، ذكر هذه الزيارة وساق ما ساقه في مصباحه وقبله الشيخ المفيد في مزاره والشيخ المشهدي في مزاره باختلاف يسير وقال فيه أيضاً فصل فيما اذكره من لفظ زيارة الحسين (عليه السلام) في نصف شعبان.

أقول: إن هذه الزيارة مما يزار بها الحسين (عليها السلام) في أول رجب أيضاً وإنما أخرنا ذكرها في هذه الليلة لأنها أعظم فذكرناها في الأشرف من المكان وساق ما ساقه في المصباح في زيارة أول رجب (ومنها) ما تقدم ذكره من عبارة خطبة مزار المشهدي من التصريح بأن كل ما فيه من الدعوات والزيارات مما رواها عن الثقات متصلة إلى الأئمة الهداة (عليهم السلام)، (ومنها) أن الشيخ الكفعمي (قدّس سرّه) ذكر في كتابه البلد الأمين في أعمال شهر ربيع الأول بعض ما ورد في ثواب زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) في كل شهر ثم قال قلت فلهذين الحديثين أوردنا في كتابنا هذا للحسين (عليه السلام) في أول كل شهر زيارة مفردة إلا أن يكون في الشهر زيارة موظفة فنكتفي بذكرها انتهى. ←

(٤٢٠)

دعاء الزيارة (385)
اللهم أنت كاشف الكرب والبلوى، وإليك نشكو فقد نبينا، وغيبة إمامنا وابن بنت نبينا، واملأ به الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، اللهم صل على محمد وأهل بيته، وأرنا سيدنا وصاحبنا وإمامنا ومولاي صاحب الزمان، وملجأ أهل عصرنا، ومنجى أهل دهرنا ظاهر المقالة، واضح الدلالة، هادياً من الضلالة، منقذاً من الجهالة، وأظهر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ وذكر في الأيام المتقدمة الزيارات المعروفة المختصة بها التي صرح بأنها موظفة وكان عنده عدة مزارات من الأقدمين لم تصل إلينا ولعل المنصف إذا تأمل في هذا القرائن تطمئن نفسه بكونها مأثورة تستبعد أن يكون مثل الشيخ المفيد أو قبله يخترع زيارة بكيفية مخصوصة ويصرح باختصاصها بيوم مخصوص من دون ورود أثر ثم يتلقاها العلماء مصرحين باختصاصها به هذا مما لا يناسب نسبة إلى أصاغر أهل العلم فضلاً عن أعلامها.
ويدل على ذلك كله أيضاً: أن السيد ألف المصباح في أول تكاليف قال (قدّس سرّه) في كتاب الإجازات: فصل مما ألفته في بداية التكاليف من غير ذكر الأسرار والتكشيف كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر ثلاث مجلدات انتهى.
وإنشاؤه في هذا السن هذه الأدعية يعد من خوارق العادة ومنه يظهر وجه عدم مشابهته كاللهوف لسائر مؤلفاته من ذكر الأسانيد وبيان الأسرار.

(385) السيد علي بن طاووس (قدّس سرّه) في مصباح الزائر ص219 ذكر بعد زيارة الإمام المهدي (عليه السلام) [الزيارة التي جعلناها أولى الزيارات الست في حقل ملحق الزيارات] قال: ثم ترفع يديك وتقول:...

(٤٢١)

معالمه، وثبت قواعده [وأعز نصره، وأطل عمره، وابسط جاهه، وأحي أمره، وأظهر نوره، وقرب بعده، وأنجز وعده، وأوفي عهده، وزين الأرض بطول بقائه، ودوام ملكه، وعلو ارتقائه وارتفاعه، وأنر مشاهده، وثبت قواعده، وعظم برهانه وأمد سلطانه، وأعلي مكانه، وقو أركانه، وأرنا وجهه، وأوضح بهجته، وأرفع درجته، وأظهر كلمته، وأعز دعوته، وأعطه سؤله، وبلغه يا رب مأموله، وشرف مقامه](386)، وعظم إكرامه، وأعز به المؤمنين، وأحي به سنن المرسلين، وأذل به المنافقين، وأهلك به الجبارين، واكفه بغي الحاسدين، وأعذه من شر الكائدين، وازجر عنه إرادة الظالمين، وأيده بجنود من الملائكة مسومين، وسلطه على أعداء دينك أجمعين، واقصم به كل جبار عنيد، وأخمد بسيفه كل نار وقيد، وأنفذ حكمه في كل مكان، وأقم بسلطانه كل سلطان، وأقمع به عبدة الأوثان، وشرف به أهل القرآن والإيمان وأظهره على كل الأديان، وأكبت من عاداه، وأذل من ناواه، واستأصل من جحد حقه، وأنكر صدقه، واستهان بأمره، وأراد إخماد ذكره، وسعى في إطفاء نوره.
اللهم نور بنوره كل ظلمة، واكشف به كل غمة، وقدم أمامه الرعب وثبت به القلب، وأقم به نصرة الحرب، واجعله القائم المؤمل، والوصي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(386) ما بين العلامتين زيادة في نسخة مخطوطة نقل منها في البحار: ج102 ص87 - 88.

(٤٢٢)

المفضل، والإمام المنتظر، والعدل المختبر، واملأ به الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملأت جوراً وظلماً، وأعنه على ما وليته واستخلفته واسترعيته، حتى يجري حكمه على كل حكم، ويهدي بحقه كل ضلالة.
واحرسه اللهم بعينك التي لا تنام، واكنفه بركنك الذي لا يرام، وأعزه بعزك الذي لا يضام، واجعلني يا إلهي من عدده ومدده، وأنصاره وأعوانه وأركانه، وأشياعه وأتباعه، وأذقني طعم فرحته وألبسني ثوب بهجته، وأحضرني معه لبيعته، وتأكيد عقده، بين الركن والمقام، عند بيتك الحرام، واجتناب معصيته، فإن توفيتني اللهم قبل ذلك، فاجعلني يا رب فيمن يكر في رجعته، ويملك في دولته، ويتمكن في أيامه، ويستظل تحت أعلامه، ويحشر في زمرته، وتقر عينه برؤيته، بفضلك وإحسانك وكرمك وامتنانك، إنك ذو الفضل العظيم والمن القديم والإحسان الكريم(387).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(387) قال ابن طاووس (قدّس سرّه) بعد ذكر هذا الدعاء:
ثم صل في مكانك أثني عشر ركعة وأقرأ فيها ما شئت [يعني: أية سورة شئتها بعد الفاتحة] وأهدها له (عليه السلام).
فإذا سلمت في كل ركعتين فسبح تسبيح الزهراء (عليها السلام) وقل:
(وهل) تسبيح الزهراء (عليها السلام) والدعاء الذي بعده يتكرران ست مرات؟ أم مرة واحدة بعد تمام الاثني عشر ركعة؟ أم يتكرر التسبيح دون الدعاء الذي بعده؟
احتمالات، ولعل أقربها وأوسطها، وإن كان لا مانع عن الظهور في الأول - لو تم - كما قد يؤيده قول السيد ابن طاووس (قدّس سرّه) بعد ذلك (فإذا فرغت من الصلاة الخ) أما الأخير فبعيد والله العالم.

(٤٢٣)

اللهم أنت السلام ومنك السلام، وإليك يعود السلام، حينا ربنا منك بالسلام، اللهم إن هذه الركعات هدية مني إلى وليك وابن وليك، وابن أوليائك، الإمام ابن الأئمة، الخلف الصالح الحجة صاحب الزمان، فصل على محمد وآل محمد، وبلغه إياه وأعطني أفضل أملي، ورجائي فيك وفي رسولك، صلواتك عليه وعلى آله أجمعين(388).
اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني، اللهم لا تمتني ميتة جاهلية ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني. اللهم فكما هديتني بولاية من فرضت علي طاعته من ولاة أمرك بعد رسولك صلواتك عليه وآله، حتى واليت ولاة أمرك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(388) قال السيد ابن طاووس (رحمة الله عليه):
فإذا فرغت من الصلاة فادع بهذا وهو دعاء مشهور يدعى به في غيبته القائم (عليه السلام) وهو:..
(ولا يخفى) أنه مر في حقل الأدعية ذكر هذا الدعاء باختلاف في بعضه.

(٤٢٤)

والحسين وعلياً ومحمداً وجعفرَ وموسى وعلياً ومحمداً وعلياً والحين والحجة القائم المهدي صلواتك عليهم أجمعين.
اللهم فثبتني على دينك، واستعملني بطاعتك، ولين قلبي لولي أمرك، وعافني مما امتحنت به خلقك، وثبتني على طاعة ولي أمرك، الذي سترته عن خلقك، وبأذنك غاب عن بريتك وأمرك ينتظر، وأنت العالم غير المعلم بالوقت الذي فيه صلاح أمر وليك في الإذن له بإظهار أمره، وكشف سره فصبرني على ذلك حتى لا أحب تعجيل ما أخرته، ولا تأخير ما عجلت، ولا كشف ما سترته ولا البحث عما كتمته، ولا أنازعك في تدبيرك ولا أقول لم وكيف، ولا ما بال ولي الأمر لا يظهر، وقد امتلأت الأرض من الجور، وأفوض أموري كلها إليك.
اللهم إني أسألك أن تريني ولي أمرك ظاهراً، نافذ الأمر، مع علمي بأن لك السلطان والقدر والبرهان، والحجة والمشيئة، والحول والقوة، فافعل بي ذلك وبجميع المؤمنين، حتى ننظر إلى ولي أمرك صلواتك عليه وآله ظاهر المقالة، واضح الدلالة، هادياً من الضلالة، شافياً من الجهالة، أبرز يا رب مشاهده وثبت قواعده، واجعلنا ممن تقر عينه برؤيته، وأقمنا بخدمته، وتوفنا على ملته، واحشرنا في زمرته.
اللهم أعذه من شر جميع ما خلقت وذرأت وبرأت وأنشأت وصورت، واحفظه من بين يديه ومن خلقه وعن يمينه وعن شماله،

(٤٢٥)

بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به، واحفظ فيه رسولك ووصي رسولك عليه وآله السلام، ومد عمره وزد في أجله، وأعنه على ما وليته واسترعيته، وزد في كرامتك له، فإنه الهادي المهدي، والقائم المهتدي، والطاهر التقي، الزكي النقي، الرضي المرضي، الصابر الشكور المجتهد.
اللهم ولا تسلبنا اليقين لطول الأمد في غيبته، وانقطاع خبره عنا ولا تنسنا ذكره وانتظاره والإيمان به، وقوة اليقين في ظهوره، والدعاء له، والصلاة عليه حتى لا تقنطنا غيبته من قيامه، ويكون يقيننا في ذلك كيقيننا في قيام رسولك صلواتك عليه وآله، وما جاء به من وحيك وتنزيلك، فقوّ قلوبنا على الإيمان به حتى تسلك بنا على يديه منهاج الهدى، والمحجة العظمى، والطريقة الوسطى، وقونا على طاعته، وثبتنا على متابعته، واجعلنا في حزبه وأعوانه وأنصاره والراضين بفعله، ولا تسلبنا ذلك في حياتنا، ولا عند وفاتنا، حتى تتوفانا ونحن على ذلك لا شاكين ولا ناكثين ولا مرتابين ولا مكذبين.
اللهم عجل فرجه وأيده بالنصر، وانصر ناصريه، واخذل خاذليه ودمدم على من نصب له وكذب به، وأظهر به الحق، وأمت به الجور، واستنقذ به عبادك المؤمنين من الذل، وأنعش به البلاد، واقتل به الجبارة والكفرة، واقسم به رؤوس الضلالة، وذلل به الجبارين

(٤٢٦)

والكافرين، وأبر به المنافقين والناكثين وجميع المخالفين والملحدين، في مشارق الأرض ومغاربها وبرها وسهلها وجبلها، حتى لا تدع منهم دياراً، ولا تبقي لهم آثاراً، طهر منهم بلادك، واشف منهم صدور عبادك، وجدد به ما امتحى من دينك وأصلح به ما بدل من حكمك، وغيّر من سنتك، حتى يعود دينك به وعلى يديه غضاً جديداً صحيحاً لا عوج فيه، ولا بدعة معه، حتى تطفئ بعدله نيران الكافرين، فإنه عبدك الذي استخلصته لنفسك، وارتضيته لنصر دينك، واصطفيته بعلمك، وعصمته من الذنوب، وبرأته من العيوب (وأطلعته على الغيوب) وأنعمت عليه، وطهرته من الرجس، ونقيته من الدنس.
اللهم فصل عليه وعلى آبائه الأئمة الطاهرين وعلى شيعته المنتجبين، وبلغهم من أيامهم ما يأملون، واجعل ذلك منا خالصاً من كل شك وشبهة ورياء وسمعة، حتى لا نريد به غيرك، ولا نطلب به إلا وجهك.
اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا، وغيبة إمامنا، وشدة الزمان علينا ووقوع الفتن بنا، وتظاهر الأعداء، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، اللهم فأفرج ذلك عنا بفتح منك تعجله، ونصر منك تعزه، وإمام عدل تظهره، إله الحق آمين.
اللهم إنا نسألك أن تأذن لوليك في إظهار عدلك في عبادك، وقتل أعدائك في بلادك، حتى لا تدع للجور يا رب دعامة إلا قصمتها، ولا

(٤٢٧)

بقية إلا أفنيتها، ولا قوة إلا أوهنتها، ولا ركناً إلا هدمته، ولا حداً إلا فللته، ولا سلاحاً إلا أذللته، ولا راية إلا نكستها، ولا شجاعاً إلا قتلته، ولا جيشاً إلا خذلته، وارمهم يا رب بحجرك الدامغ، واضربهم بسيفك القاطع، وبأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، وعذب أعداءك وأعداء وليك وأعداء رسولك صلواتك عليه وآله بيد وليك وأيدي عبادك المؤمنين.
اللهم اكف وليك وحجتك في أرضك هول عدوه، وكيد من أراده، وامكر بمن مكر به، واجعل دائرة السوء على من أراد به سوءاً، واقطع عنه مادتهم، وأرعب له قلوبهم، وزلزل أقدامهم، وخذهم جهرة وبغتة، وشدد عليهم عذابك، وأخزهم في عبادك، والعنهم في بلادك، وأسكنهم أسفل نارك وأحط بهم أشد عذابك وأصلهم ناراً، واحش قبور موتاهم ناراً، وأصلهم حر نارك، فإنهم أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، وأضلوا عبادك، وأخربوا بلادك.
اللهم وأحي بوليك القرآن، وأرنا نوره سرمداً لا ليل فيه، وأحي به القلوب الميتة، واشف به الصدور الوغرة، واجمع به الأهواء المختلفة على الحق وأقم به الحدود المعطلة، والأحكام المهملة، حتى لا يبقى حق إلا ظهر، ولا عدل إلا زهر، واجعلنا يا رب من أعوانه، ومقوية سلطانه، والمؤتمرين لأمره، والراضين بفعله، والمسلمين لأحكامه، وممن لا حاجة

(٤٢٨)

به إلى التقية من خلقك.
وأنت يا رب الذي تكشف الضر، وتجيب المضطر إذا دعاك، وتنجي من الكرب العظيم، فاكشف الضر عن وليك واجعله خليفة في أرضك، كما ضمنت له.
اللهم لا تجعلني من خصماء آل محمد (عليهم السلام)، ولا تجعلني من أعداء آل محمد (عليهم السلام)، ولا تجعلني من أهل الحنق والغيظ على محمد وآل محمد (عليهم السلام)، فإني أعوذ بك من ذلك فأعذني، واستجير بك فأجرني، اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني بهم عندك فائزاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين، آمنين يا رب العالمين.

(٤٢٩)

دعاء آخر بعد الزيارة (389)
اللهم صل على محمد وأهل بيته، الهادين المهديين، العلماء الصادقين، الأوصياء المرضين، دعائم دينك، وأركان توحيدك، وتراجمة وحيك، وحججك على خلقك، وخلفائك في أرضك، فهم الذين اخترتهم لنفسك، واصطفيتهم على عبادك، وارتضيتهم لدينك، وخصصتهم بمعرفتك، وجللتهم بكرامتك، وغذيتهم بحكمتك، وغشيتهم برحمتك، وزينتهم بنعمتك، وألبستهم من نورك ورفعتهم في ملكوتك، وحففتهم بملائكتك وشرفتهم بنبيك.
اللهم صل على محمد وعليهم صلاة زكية نامية، كثيرة طيبة دائمة، لا يحيط بها إلا أنت، ولا يسعها إلا علمك، ولا يحصيها أحد غيرك، اللهم صل على وليك المحيي لسنتك، القائم بأمرك، الداعي إليك، الدليل عليك، وحجتك على خلقك، وخليفتك في أرضك، وشاهدك على عبادك.
اللهم أعز نصره، وامدد في عمره، وزين الأرض بطول بقائه، اللهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(389) السيد علي بن طاووس (قدّس سرّه) في (مصباح الزائر) ص226 ذكر هذا الدعاء بعد الزيارة الثالثة للإمام المهدي (عليه السلام) في السرداب المقدس، قال: ثم صل صلاة الزيارة، فإذا فرغت منها فقل:...

(٤٣٠)

اكفه بغي الحاسدين، وأعذه من شر الكائدين، وازجر عنه إرادة الظالمين، وخلصه من أيدي الجبارين، اللهم أعطه في نفسه وذريته، وشيعته ورعيته، وخاصته وعامته، ومن جميع أهل الدنيا ما تقر به عينه، وتسر به نفسه، وبلغه أفضل أمله في الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير(390).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(390) قال: ثم أدع الله بما أحببت.

(٤٣١)

دعاء بعد صلاة الفجر (391)
اللهم بلغ مولاي صاحب الزمان - صلوات الله عليه- عن جميع المؤمنين والمؤمنات، في مشارق الأرض ومغاربها، وبرها وبحرها وسهلها وجبلها، حيهم وميتهم، وعن والدي وولدي، وعني من الصلوات، والتحيات زنة عرش الله، ومداد كلماته ومنتهى رضاه، وعدد ما أحصاه كتابه، وأحاط به علمه به، اللهم أُجدّد له في هذه اليوم وفي كل يوم، عهداً وعقداً وبيعة له في رقبتي. اللهم فكما شرفتني بهذا التشريف، وفضلتني بهذه الفضيلة، وخصصتني بهذه النعمة فصل على مولاي وسيدي صاحب الزمان، واجعلني من أنصاره وأشياعه والذابين عنه، واجعلني من المستشهدين بين يديه، طائعاً غير مكره، في الصف الذي نعت أهله في كتابك، فقلت: (صفاً كأنهم بنيان مرصوص) على طاعتك وطاعة رسولك وآله (عليهم السلام)، اللهم هذه بيعه له في عنقي إلى يوم القيامة(392).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(391) السيد علي بن طاووس (قدّس سرّه) في (مصباح الزائر) ص234 قال: ذكر ما يزار به مولانا صاحب الزمان (صلوات الله عليه) كل يوم بعد صلاة الفجر:...
(392) قال العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في (بحار الأنوار) ج102 ص111.
(وجدت في بعض الكتب القديمة بعد ذلك: ويصفق بيده اليمنى على اليسرى).
(أقول) لعل هذا التصفيق بمعنى تمثيل البيعة، فبدل أن يصفق بيده على يد الإمام المهدي (عليه السلام) يصفق بإحدى يديه على الأخرى، أو لعله بمعنى الالتزام بالبيعة من باب (بارك الله في صفقة يمينك) و(إذا صفق تم البيع) ونحو ذلك. والله العالم.

(٤٣٢)

دعاء الانصراف (393)
وقل: اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك على خلقك ولسانك المعبر عنك، والناطق بحكمتك، وعينك الناظرة بإذنك، وشاهدك على عبادك، الجحجاح المشاهد، العائذ بك العائد عنك، وأعذه من شر جميع ما خلقت وبرأت وأنشأت وصورت، واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته، بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به، واحفظه في رسولك وآبائه السادة، أئمتك ودعائم دينك.
واجعله في وديعتك التي لا تضيع، وفي جودك الذي لا يخفر، وفي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(393) السيد علي بن طاووس (قدّس سرّه) في (مصباح الزائر) ص236 قال - بعد نقله زيارات وأدعية لصاحب الأمر (عليه السلام) -:
فإذا أردت الانصراف من حرمه الشريف [يعني: مدينة سامراء] فعد إلى السرداب المنيف، وصل فيه ما شئت، ثم قم مستقبلاً والقبلة وقل:...

(٤٣٣)

منعك وعزك الذي لا يقهر، وآمنه بأمانك الوثيق الذي لا يخذل من آمنته به، واجعله في كنفك الذي لا يرام من كان فيه، وانصره بنصرك العزيز، وأيده بجندك الغالب، وقوه بقوتك، وأردفه بملائكتك، ووال من والاه، وعاد من عاداه، وألبسه درعك الحصينة، وحفه بالملائكة حفاً، اللهم أشعب به الصدع، وارتق به الفتق، وأمت به الجور، وأظهر به العدل، وزين بطول بقائه الأرض، وأيده بالنصر، وانصره بالرعب، وقو ناصريه، ودمدم على من نصب عليه، ودمر على من غشه، واقتل به جبابرة الكفر، وعمده ودعائمه، واقصم به رؤوس الضلالة، وشارعة البدع، ومميتة السنة، ومقوية الباطل، وذلل به الجبارين، وأبر به الكافرين، وجميع الملحدين، في مشارق الأرض ومغاربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها، حتى لا تدع منهم دياراً، ولا تبقي لهم آثاراً، اللهم طهر به بلادك، واشف منه (صدور) عبادك، وأعز به المؤمنين، وأحي به سنن المرسلين، ودارس حكم النبيين، وجدّد به ما امتحى من دينك، وبدل من حكمك حتى تعيد به وعلى يديه جديداً غضاً محضاً صحيحاً، لا عوج فيه ولا بدعة معه، وحتى تنير بعدله ظلم الجور، وتطفئ به نيران الكفر، وتوضح به معاقد الحق،

(٤٣٤)

ومجهول العدل، فإنه عبدك الذي استخلصته لنفسك، واصطفيته على غيبك، وعصمته من الذنوب، وبرأته من العيوب، وطهرته من الرجس، وسلمته من الدنس.
اللهم فإنّا نشهد يوم القيامة، ويوم حلول الطامة، أنه لم يذنب ذنباً ولا أتى حوباً، ولم يرتكب معصية، ولم يضيع لك طاعة، ولم يهتك لك حرمة ولم يبدل لك فريضة، ولم يغير لك شريعة، وأنه الهادي المهتدي، الطاهر النقي التقي، الرضي المرضي الزكي، اللهم أعطه في نفسه وأهله وذريته وأمته، وجميع رعيته، ما تقر به عينه، وتسر به نفسك، وتجمع له ملك الممالك قريبها وبعيدها، وعزيزها وذليلها، حتى يجرى حكمه على كل حكم، ويغلب بحقه على كل باطل.
اللهم أسلك بنا على يديه منهاج الهدى، والمحجة العظمى، والطريقة الوسطى التي يرجع إليها الغالي، ويلحق بها التالي، وقونا على طاعته، وثبتنا على متابعته، وامنن علينا بمبايعته، واجعلنا في حزبه القوامين لأمره، الصابرين معه، الطالبين رضاه بمناصحته، حتى تحشرنا يوم القيامة في أنصاره وأعوانه، ومقوية سلطانه، واجعل ذلك خالصاً من كل شك وشبهة، ورياء وسمعة، حتى لا نعتمد به غيرك، ولا نطلب به إلا وجهك، وحتى تحلنا محله، وتجعلنا في الجنة معه، وأعذنا من السأمة والكسل والفترة، واجعلنا ممن تنتصر به لدينك، وتعز به نصر وليك،

(٤٣٥)

ولا تستبدل بنا غيرنا فإن استبدالك بنا غيرنا عليك يسير، وهو علينا كبير.
اللهم نور به كل ظلمة، وهد بركنه كل بدعة، واهدم بعزه كل ضلالة، واقصم به كل جبار، واخمد بسيفه كل نار، وأهلك بعدله جور كل جائر، وأجر حكمه على كل حاكم، وأذل بسلطانه كل سلطان، اللهم أذل كل من ناواه، وأهلك كل من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحد حقه، واستهان بأمره، وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره.
اللهم صل على محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء [وخديجة الكبرى] والحسن الرضي والحسين المصفى وجميع الأوصياء مصابيح الدجى وأعلام الهدى ومنار التقى والعروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم. وصل على وليك وولاة عهدك والأئمة من ولده، ومد في أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلغهم أقصى آمالهم ديناً ودنياً وآخرة، إنك على كل شيء قدير(394).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(394) قال السيد (رحمه الله): ثم ادع الله كثيراً وانصرف مسعوداً إن شاء الله تعالى.

(٤٣٦)

زيارة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) (395)
السلام على الشجرة النبوية والدوحة الهاشمية(396) المضيئة المثمرة بالنبوة الموفقة بالإمامة(397) وعلى ضجيعيك آدم ونوح عليهما السلام(398).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(395) مفاتيح الجنان - الشيخ عباس القمي ص56 - بحار الأنوار: ج102 ص212 ورد عمن رأى صاحب الزمان عجل الله فرجه في اليقظة لا في النوم أنه زار الغمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في يوم الأحد يوم أمير المؤمنين (عليه السلام) لهذه الزيارة.
(396) الشجرة: ما قام على ساق من نبات الأرض. والدوحة: الشجرة العظيمة المتسعة. وقد ورد تشبيه السلالة النبوية بالشجرة، بينما شبهت السلالة الهاشمية بالدوحة، لأن الأرومة النبوية فرع من فروع الأصل الهاشمي. وكأن الإمام المهدي أراد استيعاب كل الذين تبرعموا عن البيت النبوي والأسرة الهاشمية، فسلم على الشجرة النبوية والدوحة الهاشمية ليستقصيهم أصولاً وفروعاً.
وأما الذين انحرفوا فهم ليسوا من هذه الشجرة ولا من تلك الدوحة في التسلسل الروحي كما ورد في قوله تعالى بالنسبة إلى نبي الله نوح (عليه السلام) وابنه: (قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح...) سورة هود (عليه السلام): آية 46. وكما ورد عكس ذلك في الأحاديث الشريفة بالنسبة إلى بعض الأخيار الذين انحدروا من سلالات منحرفة كالسلالة الأموية.
(397) فثمرة الدوحة الهاشمية خاتم النبيين، وجمالها وحسنها بالأمة الطاهرين (عليهم السلام).
(398) فآدم ونوح (عليهما السلام) مدفونان مع الإمام علي (عليه السلام) في مكان واحد، وإن كان الفاصل بينهم من طبقات الأرض كالفاصل الزمني، وكالفاصل الرتبي (عليهم السلام).

(٤٣٩)

السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين.
السلام عليك وعلى الملائكة المحدقين بك والحافين بقبرك(399).
يا مولاي يا أمير المؤمنين هذا يوم الأحد، وهو يومك وباسمك(400).
وأنا ضيفك فيه وجارك فأضفني يا مولاي وأجرني فإنك كريم تحب الضيافة ومأمور بالإجارة(401) فافعل ما رغبت إليك فيه ورجوت منك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(399) لعل هاتين الجملتين ترمزان إلى وجود طائفتين من الملائكة طائفة موكلة بالقبر الشريف وطائفة أخرى مأمورون بأن يكونوا محدقين بنفس الإمام (عليه السلام)، ويكون مثل الطائفة المحدقين بنفس الإمام (عليه السلام) مثل خدم الإنسان نفسه في الدنيا ومثل الطائفة الموكلة بالقبر الشريف مثل الخدم المأمورين بكنس البيت وغسله وفتح الباب على كل من يدقه ونحو ذلك.
(400) روى العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار (ج 102 ص210) عن جمال الأسبوع حديثاً في تفسير تسمية الأيام بأسماء المعصومين (عليهم السلام) عن أبي الحسن الهادي (عليه السلام) يرويه الصقر بن أبي دلف وجاء فيه: (ثم قلت يا سيدي حديث يروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) لا أعرف معناه قال: وما هو؟ قلت قوله (صلّى الله عليه وآله): لا تعادوا الأيام فتعاديكم ما معناها؟ وقال (عليه السلام): نعم الأيام نحن ما قامت السماوات والأرض، فالسبت اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأحد أمير المؤمنين، والاثنين الحسن والحسين، والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا، والخميس ابني الحسن والجمعة ابن ابني وإليه تجمع عصائب الحق، فهذا معنى الأيام فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة...) الحديث.
(401) لعله إشارة إلى قوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) سورة التوبة آية 6 فإذا كان إجارة المشرك المستجير لازماً، فلابد أن إجارة المؤمن الموالي المستجير لازم بطريق أولى.

(٤٤٠)

بمنزلتك وآل بيتك عند الله ومنزلته عندكم وبحق ابن عمك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليهم [عليكم] أجمعين.

(٤٤١)

زيارة الشهداء (402)
بسم الله الرحمن الرحيم، إذا أردت زيارة الشهداء(403) رضوان الله(404)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(402) رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس، إقبال الأعمال، طبع طهران 1390هـ ص573 - 577.
... فيما نذكره من زيارة الشهداء في يوم عاشوراء، رويناه بإسنادنا إلى جدي أبي جعفر: محمد بن الحسن الطوسي (رحمة الله عليه) قال: حدثنا الشيخ أبو عبد لله: محمد بن أحمد بن عياش، قال: حدثني الشيخ الصالح منصور بن عبد المنعم بن النعمان البغدادي (رحمة الله عليه)، قال: خرج من الناحية سنة اثنتين وخمسين ومائتين (ولعله سهو من النساخ وأصله سنة اثنتين وستين ومائتين كما احتمله العلامة المجلسي (قدّس سرّه) وغيره. (وإلا) فالحجة (صلوات الله وسلامه عليه) لم يكن مولوداً في ذاك التاريخ والزيارة تكون للإمام الحسن العسكري (عليه السلام)) على يد الشيخ محمد بن غالب الأصفهاني، حين وفاة أبي (رحمه الله) وكنت حديث السن، وكتبت أستأذن في زيارة مولاي أبي عبد الله (عليه السلام) وزيارة الشهداء (رضوان الله عليهم - فخرج إلي منه:...
(403) المقصود من الشهداء هنا شهداء كربلاء، الذين استشهدوا بين يدي الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام).
(404) في التعبيرات الشرعية ورد الدعاء للآخرين - وخاصة الأموات - بـ (الرحمة) وبـ (الرضوان).

(٤٤٢)

فما هي الرحمة؟ وما هو الرضوان؟ وما هو الفارق بينهما؟ كما ورد الدعاء للأولياء بـ (السلام) وبـ (الصلاة) فما هو السلام؟ وما هو الصلاة؟ الرحمة: من الرحم، وهو الإحاطة بالشيء لتنميته وصيانته بعطف وشفقة، ومنه الرحم لوعاء الجنين، لأنه يحوطه وينميه، ومنه أرحام الرجل لأقربائه، لأنهم يحوطونه بإشفاق وانعطاف، والرحمة من الإنسان تعني الحماية من الأذى، وهي ناتجة من رقة القلب، ومن الله تعني اللطف والإحسان، وهي صفة ذاتية له، وليست وليدة من صفة أخرى.
ورحمة الله تعم جميع مخلوقاته، بدليل أنه أوجدها ويحيطها وينميها بمقدار استعادتها للقبول، أي بمقدار قابليتها، لأن رحمته متاحة - من قبله - بلا حدود، وإنما على الخلائق أن تكون قابلة لتلقي والقبول أفمن كان أوسع ظرفيه وأوفر مؤهلات فهو يستوعب أكثر من كان أضيق ظرفيه، وأوفر مؤهلات فهو يستوعب أقل (ورحمتي وسعة كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون) الأعراف: آية 156.
ولا يحرم من فيض الله إلا من أغلق نفسه عنها، بأن كفر به، فإن الله لا ينميه ولا يحوطه، أي يتركه لنفسه ولسلبياته، فيكون ملعوناً أي مطروداً من محيط اللطف والإحسان، فلا يتكامل.
والرضوان - من الرضا - ولكنه يدل على أكثر من مجرد الرضا، فتوحي بالقبول، وهو الوصول إلى درجة اللياقة، لأن الله سريع الرضا، فلا يرضى بالله عبد إلا ويرضى الله به، ولكن قد يكون العبد في أدنى قاعدته فيحظى بالرضا لا بالقبول، وربما يكون في أعلى قمته، فيحظى بالقبول أيضاً، فكل من كان وضعه يزحزحه عن النار ويدخله الجنة فهو ممن رضي الله عنهم

(٤٤٣)

أي خشي ربه فلم يتورط في اللامبالاة، ومن كان وضعه يضعه فوق مستوى الجنة - بكل ما تعني الجنة - فهو ممن يبلغون رضوان الله وأما الذين يبتغون الجنة فهم دون مستوى الرضوان (ورضوان من الله أكبر) سورة التوبة آية 72.
ولذلك قد يقال يصح الدعاء بالرحمة لكل المؤمنين، ولا يصح الدعاء بالرضوان إلا لمن لم يكن عملهم سعياً وراء الجنة، وإنما بحثاً عن رضوان الله. فأطاعوا الله لا خوفاً من ناره، ولا طمعاً في جنته، وإنما تقرباً إليه فقط.
وبذلك يظهر الفارق الكبير بين الرحمة والرضوان.
والسلام: هو استسلام الأشياء له، بأن لا يناقضه شيء، بأن يصل العبد إلى درجة يضع الله تحت تصرفه الأشياء، كما في الحديث القدسي: (عبدي أطعني أجعلك مِثْلي - أو مَثَلي - أقول للشيء: كن، فيكون. وتقول للشيء: كن، فيكون).
ومستوى السلام أصحاب الولاية الكونية كأصحاب ليلة القدر التي ورد التعبير في القرآن: (ليلة القدر خير من ألف شهر* تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر* سلام هي حتى مطلع الفجر) سورة القد آية 3 - 5. وأما المصائب التي وردت على أولياء الله فلا تعبر عن تناقض الأشياء معهم لأنها من جملة الوسائل التي تساعد على تكالمهم بصورة أسرع من العبادات التقليدية، فاتفق معهم عليها فقبلوا بها طائعين، فلم يفاجئ أحدهم بشيء منها ولسان حالهم يقول: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا) سورة التوبة آية 51.
فلا يصل أحدهم إلى مرحلة السلام إلا بعد تجاوز مرحلة الرضوان: (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبيل السلام....) سورة المائدة آية 16.
والصلاة هي الصلة الدائمة، بأن تكون المشاعر كلها دائمة التوجه إلى الله في جميع الحالات.
وهذه أعلى الدرجات التي لا يهضمها الكثيرون، فلا نعمق الحديث عنها، لاحتياج ذلك إلى مجال واسع كبير.

(٤٤٤)

عليهم - فقف عند رجلي الحسين (عليه السلام)، وهو قبر علي بن الحسين(405) (صلوات الله عليهما) فاستقبل القبلة بوجهك فإن هناك حومة الشهداء(406)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(405) علي بن الحسين - المذكور هنا - هو علي الأكبر. وهو غير علي بن الحسين زين العابدين.
فقد جرت العادة في بعض البلاد. ومنها جزيرة العرب على أن الرجل إذا أحب شخصاً سمى أحد أبنائه باسمه، وإذا كان حبه أعمق من أن يملأ فراغه أحد أبنائه سمى ولدين أو ثلاثة من أولاده باسمه.
والإمام الحسين حيث كان ينعكس فيه الإمام علي ويراه مثله الأعلى سمى ثلاثة من أبنائه باسمه ولقب الأول بالأكبر والثاني بالأوسط والثالث بالأصغر. وقتل الأكبر في كربلاء ودفن عند رجلي أبيه الحسين، وكان الثالث رضيعاً أصابه بسهم في نحره ودفن مع الحسين في قبره أما الثالث فقد كان مريضاً يوم عاشوراء فأسر وتولى الإمامة بعد أبيه الحسين واشتهر بـ (السجاد) وبـ (زين العابدين).
(406) حام حول الشيء دار حوله، وحومة الشيء: معظمه ومركزه. ويقال: حومة الماء وحومة الرمل وحومة القتال للمكان الذي يكثر دورانه حوله. وحومة الشهداء البقعة التي دفنوا فيها.
والمعروف أن الإمام زين العابدين حضر كربلاء - بطريقة معجزة - بعد ثلاثة أيام من فاجعة الطف أي يوم الثاني عشر أو الثالث عشر - على الخلاف - من شهر محرم، واجتمع معه قوم بني أسجد، وتولى دفن أبيه وأصحابه، فدفن الحسين وعلياً الأصغر في قبر، ودفن علياً الكبر في قبر آخر عند رجلي الحسين ثم حفر حفيرة كبيرة عند رجلي علي الأكبر، ودفن فيها بقية الشهداء، باستثناء ثلاثة منهم كانوا في وضع لا يسمح بنقلهم من مصارعهم - كما قيل - فدفنهم في مصارعهم، وهم العباس بن علي، وعون بن عبد الله، وحبيب بن مظاهر الأسدي.
فـ (حومة الشهداء) هو المكان الذي دفنوا فيه، وهو مكان معرف اليوم في الجبهة الشرقية من ضريح الغمام الحسين (عليه السلام).

(٤٤٥)

وأدم وأشر إلي علي بن الحسين (عليه السلام) وقل:
1- السلام عليك يا أول قتيل من نسل خير سليل من سلالة(407)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(407) سلالة إبراهيم الخليل ذريته الطيبة المستمرة التي انحصرت النبوة والإمامة من يومه إلى يوم القيامة. والمقصود من (خير سليل) هو النبض المحمدي الذي سله الله وأفرزه من ذريته إبراهيم الخليل وكان خير سليل لأنه خير من أنجبته حواء على الطلاق.
والمراد من (أول قتيل) علي الأكبر.
فقد ورد في وقائع معركة عاشوراء: أن جبهة الحسين تقلصت في ليلة عاشوراء، إلى نيف وسبعين رجل مع الحسين نفسه، - وقد اختلف في عددهم والذي عليه أكثر الروايات والتواريخ أنهم فوق السبعين ودون لثمانين، والإمام المهدي - في هذه الزيارة - يسلم على تسعة وسبعين شخصاً. ولكن عدداً منهم كانوا صغاراً كعبد الله الرضيع، وعبد الله ابن الحسين المجتبى وبعضهم كانوا دون الحلم، فبرزوا ولكن سرعان ما تناوشتهم السهام فصرعوا. فإذا اقتصرنا على الرجال المقاتلين قد لا يتجاوز عددهم أثنين وسبعين كما في بعض الروايات. ولعل ذلك هو السبب في اختلاف الروايات فمن عدد الشهداء رفع العدد، ومن عدد المقاتلين خفض العدد.
وهم المعروفون بأصحاب الحسين - وقد تنافسوا مع بني هاشم في السبق إلى الشهادة، فرفضوا أن يبرز هاشمي وفيهم عين تطرف، وبادروا إلى الغمام الحسين يستأذنونه في القتال، فلما قتلوا جميعاً تقدم علي الأكبر، واستأذن أباه في القتال قبل أعمامه وبني أعمامه، فكان أول قتيل يوم عاشوراء من أبناء رسول الله. وقد يظهر من بنود هذه الزيارة أن علياً الأكبر أفضل من جميع الذين استشهدوا بين يدي أبي عبد الله الحسين، حتى من أعمامه، لأن الأفضلية - على العموم - تعتمد شموخ النفس. قبل أن تعتمد حجم العمل.
ويمكن استشفاف أفضلية علي الأكبر من معاملة الحسين معه عندما برز للقتال وعندما صرع.

(٤٤٦)

إبراهيم الخليل صلى الله عليك وعلى أبيك إذ قال فيك: (قتل الله قوماً قتلوك يا بني ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا)(408) كأني بك بين يديه ماثلاً وللكافرين(409) قائلاً:

أنا علي بن الحسين بن علي * * * نحن وبيت الله أولى بالنبي
أطعنكم بالرمح حتى ينثني * * * أضربكم بالسيف أحمي عن أبي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(408) ابن الإمام الحسين بهذا الكلام نجله علياً الأكبر، عندما حضر مصرعه فوجده مقطعاً بالسيوف إرباً إرباً.
(409) نلاحظ أن الإمام المهدي يطلق كلمة (الكافرين) على الجيش الأموي، رغم أنهم كانوا يعلنون كلمة التوحيد، لما ثبت من أن من خرج على إمام زمانه فهو كافر وإن صلى وصام. والجيش الأموي خرج من الإسلام يوم خروجه من الكوفة لقتال الإمام الحسين، شأنه شأن جميع من خرجوا على أوصياء الأنبياء عبر التاريخ.
لأن الله ليس ممثلاً على الأرض بجسد يتعامل معه الناس ويحددون مواقفهم منه من خلال. وإنما هو ممثل بأنبيائه ومن ثم بأوصيائهم. فمن خرج على أحد منهم فقد خرج على الله، والخارج على الله كافر، ولذا تسمى هكذا طوائف بـ (الخوارج).

(٤٤٧)

ضرب غلام هاشمي علوي * * * والله لا يحكم فينا ابن الدعي(410)

حتى قضيت نحبك ولقيت ربك(411).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(410) ارتجز علي الأكبر بهذه الأبيات عندما خرج إلى المعركة لقتال الأعداء. وقد ركز على ثلاث نقاط:
الأولى: المنطلق، وهو الشرعية لأن الحسين هو خليفة الرسول الشرعي الوحيد - يوم ذاك - ولكن بني أمية نصبوا يزيداً خليفة لرسول الله بحكم السيف، واستصدروا فتوى من (شريح) قاضي الكوفة - بحكم اثني عشر ألف درهم - بأن الحسين خارجي يحب قتاله لأنه لم يبايع يزيداً. فحاولوا إسباغ الشرعية على الحكم اللاشرعي، والقضاء على الشرعية بفتوى قاضياً مرتش يتصدى لقيادة الأمة باسم الدراهم.
فعلي الأكبر يركز على أن الشرعية إلى جانبنا وليست ضدنا، فنحن أولى بالنبي من غيرنا بالنص وبالمواصفات وبالنسب (نحن - وبيت الله - أولى بالنبي).
الثانية: الخط، وهو الدفاع عن إمام الزمان (أضربكم بالسيف أحمي عن أبي).
الثالثة: الهدف، وهو رفض حكم الطاغوت، لأن كل من حكم في رقاب الناس بغير وجه شرعي فهو طاغوت يجب حكمه والقضاء عليه (والله لا يحكم فينا ندعي).
وأعلن علي الأكبر باستخدام كلمة (ابن الدعي) ما كان الناس يتهامسون به ولا يجرئون على إعلانه، وهو الادعاء في نسب يزيد.
(411) المقاتل: ولما قتل أصحاب الحسين تقدم علي الأكبر فتعلقن به أخواته وعماته وقلن له: ارحم غربتنا، لا طاقة لنا على فراقك. فلم يعبأ بهن، وأستأذن أباه وبرز على فرس للحسين يسمى: (لا حقاً). وارتجز بالأبيات المذكورة أعلاه. ولم يتمالك الحسين أن أرخى عينيه بالدموع وصاح بعمر بن سعد:
ما لك؟ قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وصلت عليك من يذبحك على فراشك.
ثم رفع شيبته نحو السماء: اللهم أشهد على هؤلاء، فقد برز إليهم أشبه الناس برسولك محمد خلقاً وخلقاً ومنطقاً، وكنا إذا اشتقنا لرؤية نبيك نظرنا إليه اللهم فامنعهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقاً، ومزقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا ليقاتلونا.
ثم تلا قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم).

(٤٤٨)

أشهد أنك أولى بالله ورسوله وأنك ابن رسوله وحجته ودينه وابن حجته وأمينه(412) حكم الله لك على قاتلك مرة بن منقذ بن النعمان العبدي(413) لعنه الله وأخزاه ومن شركه في قتلك وكانوا عليك ظهيراً (و) أصلاهم الله جهنم وساءت مصيراً وجعلنا الله من ملاقيك(414) ومرافقيك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(412) فالحسين - باعتباره وصي رسول الله - حجة رسول الله وأمينه على شريعته في أمته.
(413) الإمام المهدي - في هذه الزيارة - يثبت الأسماء الكاملة للشهداء من الجبهة الحسينية، كما يثبت الأسماء الكاملة لقاتليهم ويثبت ما إذا كان فرد واحد مسؤولاً عن قتل أحد الشهداء وتعاون معه آخرون أو اشترك عدد من الأعداء في قتل أحد منهم. يسجل بعض مصائبهم وآلامهم، كوثيقة تاريخية تضاف إلى وثائق كربلاء.
(414) موافتيك (نسخة).
وحمل علي الأكبر على الميمنة، وأعادها على الميسرة، وغاص في الأواسط فلم يقابله جحفل إلا رده، ولا برز إليه شجاع إلا قتله، حتى قتل مائة وعشرين فارساً، وقد اشتد به العطش، فرجع إلى أبيه يستريح ويذكر ما أجهده من العطش، فبكى الحسين وقال: ما أسرع ←

(٤٤٩)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ الملتقى بجدك فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها. ورفع إليه خاتمه ليضعه في فيه. فرجع علي الأكبر إلى المعركة وهو يرتجز:

الحرب قد بانت لها الحقائق * * * وظهرت من بعدها مصادق
والله رب العرش لا نفارق * * * جموعكم أو تغمد البوارق

وجعل يزأر في الميدان ويجندل الأبطال حتى أكمل تمام المائتين، فقال مرة بن منقذ العبدي: علي آثام العرب إن لم أثكل أباه به. فطعنه بالرمح في طهره، وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته، فاعتنق فرسه إلى معسكر الأعداء، وأحاطوا به حتى قطعوه إرباً إرباً.
فلما بلغت روحه التراق نادى رافعاً صوته: عليك مني السلام يا أبا عبد الله، هذا جدي قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً، وهو يقول: العجل العجل، فإن لك كأساً مذخورة حتى تشربها الساعة.
فأتاه الحسين وانكب عليه، واضعاً خده على خده، وهو يقول: على الدنيا بعدك العفا، ما أجرأهم على الرحمن، وعلى انتهاك حرمة الرسول.
علي الأكبر، اسمه علي، ولقبه الأكبر، وكنيته أبو الحسن، أبوه الحسين بن علي، وأمه ليلى بنت ميمونة ابنة أبي سفيان.
ولذلك لما برز إلى المعركة صاح رجل من القوم: يا علي: إن لك رحماً بأمير المؤمنين (يزيد) ونريد أن نرعى الرحم، فإن شئت آمناك. فقال علي الأكبر: إن قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحق أن ترعى.
السيد محمد بن عبد الحسين الجعفري الحائري، في أنيس الشيعة: إنه أكبر أولاد الحسين، وقد بلغ سبعة وعشرين سنة. فإنه ولد في الحادي عشر من شهر شعبان سنة ثلاث وثلاثين ←

(٤٥٠)

ومرافقي جدك وأبيك وعمك وأخيك وأمك المظلومة وأبرأ إلى الله من أعدائك أولي الجحود وأبرأ إلى الله من قاتليك، وأسأل الله مرافقتك في دار الخلود، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
2- السلام على عبد الله بن الحسين الطفل الرضيع المدمي المتشحط دماً المصعد دمه في السماء المذبوح بالسهم في حجر أبيه لعن الله راميه حرمله بن كاهل الأسدي وذويه(415).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ للهجرة وقتل في العاشر من محرم سنة إحدى وستين للهجرة.
وقد كان متزوج من أم ولد، وأباً لأكثر من ولد. ففي كامل الزيارات ص239: أن الإمام الصادق قال لأبي حمزة قل في زيارته: (صلى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيته، وآبائك وأبنائك وأمهاتك الأخيار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً) والأبناء جمع قلة: وأقلة ثلاثة:
ولقد كان جم الفضائل بارع الجمال، حتى قال فيه الشاعر:

لم تر عين نظرت مثله * * * من محتف يمشي ومن ناعل
لا يؤثر الدنيا على دينه * * * ولا يبيع الحق بالباطل
أعني ابن (ليلى) ذا الندى والدي * * * أعني بن بنت الحسب الفاضل

المصباح المنير: إن ما يسقط أول الليل من البلل يقال له: سدى، وما يسقط آخره يقال له: ندى.

(415) عبد الله بن الحسين الرضيع وهو علي الأصغر، وأمه رباب.
وقد روى بن شهر آشوب في المناقب ج2 ص222، والمفيد في الاختصاص ص3، وأبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين ص35. ومصعب الزبيري في نسب قريش ص59 وكثير ←

(٤٥١)

3- السلام على عبد الله بن أمير المؤمنين مبلي البلاء والمنادي بالولاء في عرصة كربلاء المضروب مقبلاً ومدبراً لعن الله هاني بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ من المؤرخين:
أن الحسين لما ودع أهله دعا بولده الرضيع يودعه، فأتته زينب بابنه عبد الله، فأجلسه في حجره يقبله، ويقول: (بعداً لهؤلاء القوم إذا كان جدك المصطفى خصمهم). ثم أتى به نحو القوم يطلب له الماء، فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم، فذبحه، فتلقى الحسين الدم بكفه، ورمى به نحو السماء.
وروى السيد ابن طاووس في اللهوف ص66 عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: (فلم تسقط منه قطرة). اليعقوبي في تاريخه ج2 ص218: أن الحسين لواقف إذ أتى بمولود له ولد الساعة، إذن في إذنه، وجعل يحنكه إذ أتاه سهم وقع في حلق الصبي فذبحه، فنزع الحسين السهم من حلقه، وجعل يلطخه بدمه ويقول: (والله لأنت أكرم على الله من الناقة، ولمحمد أكرم على الله من صالح).
السيد ابن طاووس في اللهوف ص66. وابن نما في مثير الأحزان ص26. الخوارزمي في مقتله ج2 ص22: ثم قال الحسين: (هون علي ما نزل بي أنه بعين الله تعالى. اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل. إلهي إن كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه، وانتقم لنا من الظالمين، واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة لنا في الأجل).
وسمع (عليه السلام) قائلاً يقول: دعه يا حسين فإن له موضعاً في الجنة.
ثم نزل (عليه السلام) عن فرسه، وحفر له بجفن سيفه ودفنه مرملاً بدمه، وصلى عليه.
ويقال: وضعه مع القتلى من أهل بيته.
ولعله غير عبد الله الرضيع المعرف بـ (علي الأصغر).

(٤٥٢)

ثبيت الحضرمي(416).
4- السلام على العباس بن أمير المؤمنين المواسي أخاه بنفسه الآخذ لغده من أمسه الفادي له الواقي الساعي إليه بمائه المقطوعة يداه لعن الله قاتله [قاتليه] يزيد بن الرقاد الجهني وحكيم بن الطفيل الطائي(417).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(416) أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين ص32 - 33: (ولما رأى العباس كثرة القتلى من أهله، قال لأخوته من أمه وأبيه عبد الله وعثمان وجعفر: تقدموا يا بني أمي حتى أراكم نصحتم لله ولرسوله. والتفت إلى عبد الله وكان أكبر من عثمان وجعفر، وقال: تقدم يا أخي حتى أراك قتيلاً وأحتسبك.
الشيخ عباس القمي في منتهى الآمال ج1 ص381: فتقدم عبد الله وارتجز:

أنا ابن ذي النجدة والأفضال * * * ذاك علي الخير ذو الفعال
سيف رسول الله ذو النكال * * * في كل يوم ظاهر الأهوال

فقاتل قتالاً شديداً، فخرج إليه هاني بن ثبيت الحضرمي، فتبادلا ضربتين، فقتله هاني الحضرمي.
وعمره خمسة وعشرون سنة.
(417) العلامة المجلسي في البحار. والطريحي في المنتخب، والقمي في منتهى الآمال، وعبد الرزاق المقرم في مقتل الحسين، وسائر المؤرخين ما خلاصته: (لما قتل أخوة العباس من أمه وأبيه، ذهب إلى أخيه الحسين مستأذناً وهو يقول: أخي! قد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين، وأريد أن آخذ ثأري منهم. فأمره الحسين أن يطلب الماء للأطفال. فذهب العباس إلى القوم ووعظهم وحذرهم غضب الجبار فلم ينفع، فنادى بصوت عال: يا عمر بن سعد! هذا الحسين ابن بنت رسول الله! قد قتلتم أصحابه وأهل بيته، وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى، فاسقوهم من الماء، قد أحرق الظمأ قلوبهم... فأثر كلامه في نفوس القوم حتى ←

(٤٥٣)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ بكى بعضهم، ولكن الشمر صاح بأعلى صوته: يا ابن أبي تراب: لو كان وجه الأرض كله ماءً وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة، إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد.
فضحك العباس ورجع إلى أخيه يخبره، فسمع الأطفال يتصارخون من العطش، فأخذ قربة وركب جواده وأتجه نحو المشرعة، فأحاط به أربعة آلاف ورموه بالنبال فلم ترعه كثرتهم، وأخذ يطردهم فلم يثبتوا له، حتى نزل إلى الفرات فاغترف غرفة ليشرب فتذكر عطش الحسين ومن معه فرمى الماء على الماء وهو يقول:

يا نفس من بعد الحسين هوني * * * وبعده لا كنت أن تكوني
هذا الحسين وارد المنون * * * وتشربين بارد المعين
تالله ما هذا فعال ديني * * * ولا فعال صادق اليقين

ثم ملأ القربة وشد وكلها، وركب جواده وتوجه نحو المخيم، فقطع عليه الطريق، وجعل يضرب حتى أكثر القتل فيهم وكشف عنه الطريق، وهو يقول:

لا أرهب الموت إذا الموت زقاً * * * حتى أوارى في المصاليت لقى
نفسي لنفس المصطفى الطهر وقى * * * إني أنا العباس أغدو بالسقا
ولا أخاف الشر يوم الملتقى

فكمن له يزيد بن الرقاد الجهني من وراء نخلة، وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي فضريه على يمينه فبرأها فقال:

والله إن قطعتموا يميني * * * إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقيني * * * نجل النبي الطاهر الأميني

ولكنه لم يعبأ بيمينه وجعل يقاتل بشماله ويواصل سيره نحو المخيم إذ كمن له نوفل وقيل حكيم بن الطفيل من وراء نخلة فلما مر به ضربه على شماله فقطعها، فلم ييأس من إيصال ←

(٤٥٤)

5- السلام على جعفر بن أمير المؤمنين الصابر بنفسه محتسباً والنائي عن الأوطان مغترباً المستسلم للقتال المستقدم للنزال المكثور(418) بالرجال لعن الله قاتله هاني بن ثبيت الحضرمي(419).
6- السلام على عثمان بن أمير المؤمنين سمي عثمان بن مظعون لعن الله راميه بالسهم خولي بن يزيد الأصبحي الأيادي [الأباني] الدارمي(420).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ الماء إلى المخيم، وجعل يناجي نفسه وربه:

يا نفس لا تخشي من الكفار * * * وابشري برحمة الجبار
مع النبي السيد المختار * * * قد قطعوا ببغيهم يساري
فأصلهم يا رب حر النار

فتكاثر عليه القوم، وأتته السهام كالمطر، فأصاب القربة سهماً وأريق ماؤها، وسهم أصاب صدره، وضربه رجل بالعمود على رأسه ففلق هامته.
وعمره خمس وثلاثون سنة.

(418) المكثور: من تكاثر عليه الناس فقهروه.
(419) جعفر بن علي خرج إلى المعركة بعد أخيه عبد الله، وهو يرتجز:

إني أنا جعفر ذو المعالي * * * ابن علي الخير ذو النوال
حسبي بعمي جعفر والخال * * * أحمي حسيناً ذا الندى المفضال

فرماه خولي الأصبحي بسهم فأصاب عينه أو شقيقته وحمل عليه هاني بن ثبيت الخضرمي فقتله.
(420) عثمان بن علي برز إلى المعركة بعد أخيه جعفر، فارتجز قائلاً:

إني أنا عثمان ذو المفاخر * * * شيخي علي ذو الفعال الطاهر
هذا حسين سيد الأخاير * * * وسيد الصغار والكبائر ←

(٤٥٥)

7- السلام على محمد ابن أمير المؤمنين قتيل الأيادي [الأباني] الدارمي لعنه الله وضاعف عليه العذاب الأليم وصلى الله عليك يا محمد وعلى أهل بيتك الصابرين(421).
8- السلام على أبي بكر بن الحسن الزكي الولي المرمي بالسهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ فقاتل ثم رماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم فأصاب خاصرته فسقط على الأرض، فأسرع إليه رجل من بيت دارم فاحتز رأسه.
وروي أنه لما ولد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سميته باسم أخي عثمان بن مظعون وعثمان بن مظعون من أجلاء صحابة رسول الله.
وكان عمره إحدى وعشرين سنة.
هؤلاء الثلاثة: عبد الله وجعفر وعثمان هم أخوة العباس من أبيه أمير المؤمنين والدته أم البنين.

(421) محمد بن علي، وهو المكنى بأبي بكر.
ابن سهر آشوب، في مناقب آل أبي طالب قال: برز محمد بن علي وهو يرتجز:

شيخي علي ذو الفخار الأطول * * * من هاشم خير الكريم المفضل
هذا حسين ابن النبي المرسل * * * عنه نحامي بالحسام المصقل

تفديه نفسي من أخ مبجل

جعل يقاتل حتى قتله الدارمي، وقيل زجر بن بدر، وقيل عقبة الغنوي.
الشيخ عباس القمي منتهى الآمال ج1 ص382، روى عن المدائي: أنه وجدت جثته في ساقيه، ولم يعرف قاتله.
ابن حزم في جمهرة أنساب العرب ص118، وابن الجوزي في صفوة الصفوة ج1 ص119، والخوارزمي في مقتله ج1 ص382 قالوا: إن أبا بكر بن علي أمه ليلى بنت مسعود قتل مع الحسين.

(٤٥٦)

الردي لعن الله قاتله عبد الله بن عقبة الغنوي(422).
9- السلام على عبد الله بن الحسين بن علي الزكي لعن الله قاتله ورامية حرملة بن كاهل الأسدي(423).
10- السلام على القاسم بن الحسن بن علي المضروب على هامته المسلوب لامته حين نادى الحسين عمه فجلا عليه عمه كالصقر وهو يفحص برجليه التراب والحسين يقول: (بعداً لقومك قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة جدك وأبوك. ثم قال: عز والله على عمك أن تدعوه فلا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(422) أبو بكر بن الحسن بن علي، وهو عبد الله الأكبر، أمه أم ولد يقال لها (رملة) وتكنى: أم أبي بكر، فهو والقاسم بن الحسن من أب وأم.
قاتل حتى قتل. قتله الغنوي، وإليه أشار سليمان بن قته في قوله:

وعند غني قطرة من دمائنا * * * وفي أسد أخرى تعد وتذكر

(423) المقاتل: لما صرع الحسين كان عبد الله بن الحسين بن علي - وله إحدى عشر سنة - في الخيمة، فنظر إلى عمه وقد أحدق به القوم، فأقبل يشتد نحو عمه، وأرادت زينب حسبه، فأفلت منها، وجاء إلى عمه، وأهوى بحر بن كعب بالسيف ليضرب الحسين، فصاح الغلام: يا بن الخبيثة أتضرب عمي؟ فضربه، واتقاها الغلام بيده، فأطنها عن الجلد فإذا هي معلقة، فصاح الغلام: يا عماه! ووقع في حجر الحسين، فضمه إليه وقال: يا بن أخي اصبر على ما نزل بك فإن الله تعالى يلحقك بآبائك الصالحين ورفع يديه قائلاً: اللهم إن متعتهم إلى حين ففريقهم تفريقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا يقاتلونا.
ورمى الغلام حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه وهو في حجر عمه.

(٤٥٧)

يجيبك أو أن يجيبك وأنت قتيل جديل فلا ينفعك هذا والله يوم كثر واتره وقل ناصره)(424). جعلني الله معكما يوم جمعكما وبوأني مبوأكما ولعن الله قاتلك عمر بن سعد بن عروة بن نفيل الأزدي وأصلاه جحيماً وأعد له عذاباً أليماً(425).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(424) إلى هنا كلام الحسين للقاسم.
(425) القاسم بن الحسن بن علي (عليه السلام): وأمه رملة.
المقاتل: ولما قتل أبو بكر بن الحسن خرج القاسم بن الحسن - وهو غلام لم يبلغ الحلم - فلما نظر إليه الحسين اعتنقه وبكى (حتى أغمي عليهما) ثم أذن له فبرز وهو يقول:

إن تنكروني فأنا نجل الحسين * * * سبط النبي المصطفى والمؤتمن
هذا حسين كالأسير المرتهن * * * بين أناس لا سقوا صوب المزن

وجعل يقاتل حتى قتل خمساً وثلاثين رجلاً، إذ انقطع شسع نعله وهو يطرد الكتائب بين يديه.
قال حميد بن (ودوره كان أشبه بدور الصحفيين الذين يرافقون الجيوش لتغطية أنباء المعارك): (ثم خرج القاسم بن الحسن وهو غلام لم يبلغ الحلم، كأن وجهه فلقة قمر طالع، وعليه قميص وإزار، وعلى رأسه عمامه لها ذؤابتان. وفي رجليه نعلاً قد انقطع شسع أحدهما ولا أنسى أنها كانت اليسرى فوقف ليشده، غير مكترث بالجمع ولا مبال بالألوف).
وبيننا هو على ذلك إذ شد عليه عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي، فقال له حميد بن مسلم: وما تريد من هذا الغلام؟ يكفيك هؤلاء الذين تراهم احتوشوه. فقال: والله لأشدن عليه. فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف، فوقع الغلام لوجهه، فقال: يا عماه! فأتاه الحسين كالليث الغضبان، فضرب عمرواً بالسيف، فاتقاه بالساعد فأطنها من المرفق، فصاح صيحة عظيمة

(٤٥٨)

سمعها العسكر، فحملت خيل بن سعد لتستنقذه من الحسين، فاستقبلته بصدورها ووطئته بحوافرها فمات. وانجلت الغبرة، وإذا الحسين قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجليه، والحسين يقول: بعداً لقوماً قتلوك، ومن خصمهم يوم القيامة جدك وأبوك.
ثم قال: يعز - والله - على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك ثم لا ينفعك. يوم - والله - كثر واتره، وقل ناصره.
ثم احتمله، وكان صدر الغلام على صدر الحسين، ورجلاه يخطان في الأرض، حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.
ورفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم أحصهم عدداً، ولا تغادر منهم أحداً، لا غفر لهم أبداً.
ثم التفت إلى أهل بيته وقال: صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهل بيتي، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً.
س: كيف وقف القاسم في المعركة يشد شسع نعله؟
ج: إن هذا النوع من الأسئلة تتردد في الأواسط الجبانة المتمسكة بالحياة، وأما الأبطال فلا يهابون الموت.
ولقد رأى الحسن بن علي أباه في معركة صفين وهو يسعى بين الصفين بالغلال.
وصلى الحسين بمن بقي معه يوم عاشوراء صلاة الظهر بين الجبهتين.
وتحدث أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني ج11 ص144 في قصة جعفر بن علية بن ربيعة بن عبد يغوث من بني الحارث بن كعب، لما جيء به ليقاد منه: بينما هو يمشي إذ انقطع شسع نعله، فوقف يصلحه، فقال له رجل: ألا يشغلك ما أنت فيه عن هذا؟ فقال جعفر:

أشد قبال نعلي أن يراني * * * عدوي لحوادث مستكينا

س: وماذا عن زواج القاسم، وهو غلام لم يبلغ الحلم؟
ج: كان وما يزال من العوائد المنتشرة في بعض الأواسط تسمية صبايا بأسماء صبيان في سن مبكرة جداً - حصانة للجانبين - فلعل الحسين سمى إحدى بناته باسم القاسم، وربما كانت تلك فاطمة الصغرى.

(٤٥٩)

11- السلام على عون بن عبد الله بن جعفر الطيار في الجنان(426)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(426) عون بن عبد الله بن جعفر الطيار.
أبو فرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين قال: أمه زينب بنت علي.
ابن سهر آشوب في مناقب آل أبي طالب قال: برز عون بن عبد الله وهو يرتجز:

إن تنكروني فأنا ابن جعفر * * * شهيد صدق في الجنان أزهر
يطير فيها بجناح أخضر * * * كفى بهذا شرفاً في المحشر

فقاتل حتى قتل ثلاثة فرسان وثمانية عشر راجلاً.
قال الطبري: فاعتورهم الناس من كل جانب فحمل عبد الله قطنه الطائي ثم النبهاني على عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقتلاه.
وقد أشار إليه سليمان بن قته بقوله:

واندبي إن بكيت عون أخاهم * * * ليس فيما ينوبهم بخذول
فلعمري لقد أصيب ذووا القر * * * بى فبكى على المصاب الطويل

وقد زاره السيد المرتضى علم الهدى بقوله:
السلام عليك يا عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. السلام عليك يا بن الناشئ في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمقتدي بأخلاق رسول الله والذاب عن حريم رسول الله صبياً، والذائد عن حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) مباشراً للحتوف مجاهداً قبل أن يقوى معه ويشتد عظمه ويبلغ أشده... إلى آخره.
ولأمر ما دفن حيث مصرعه على بعد أميال من مقام الإمام الحسين في الجانب الشمالي من كربلاء.

(٤٦٠)

حليف الإيمان ومنازل الأقران الناصح للرحمن التالي للمثاني والقرآن، لعن الله قاتله عبد الله بن قطبه(427) النبهاني(428).
12- السلام على محمد بن عبد الله بن جعفر(429) الشاهد مكان أبيه(430)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(427) في بعض النسخ (قطنة) وفي بعضها (قطية).
(428) ورد (النبهاني) هنا وصفاً لعبد الله بن قطبة وفي بعض التواريخ ابن قطنة طائي وأما النبهاني فقد ساعد ابن قطنة على قتل عون بن عبد الله.
(429) محمد بن عبد الله بن جعفر الطيار.
المقاتل: برز محمد بن عبد الله وهو يرتجز:

أشكو إلى الله من العدوان * * * فعال قوم في الردى عميان
قد بدلوا معالم القرآن * * * ومحكم التنزيل والتبيان

وأظهروا الكفر مع الطغيان

فقتل عشرة رجال ثم قتله عامر بن نهشل التميمي.
أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين: محمد أخو عبد الله من أبيه وأما أمه فهي الخوصاء بنت حفص من بكر بن وائل.
وقد ذكره سليمان بن قته يقوله:

وسمي النبي غودر فيهم * * * قد علوه بصارم مصقول
فإذا ما بكيت عيني فجود * * * بدموع تسيل كل مسيل

(430) في بعض السير: أن الإمام الحسين لما اختبر أصحابه ليلة عاشوراء ووجد منهم بوادر الصلابة والصمود مسح على أعينهم حتى كشف عنها الغطاء فرأوا أماكنهم في الجنة.
وهذا النص من الإمام المهدي يدل على أن محمد بن عبد الله رأى - في جملة ما رأى - مكان أبيه. ولعله يقصد من (أبيه) جده جعفر الطيار.

(٤٦١)

والتالي لأخيه وواقيه ببدنه لعن الله قاتله عامر بن نهشل التميمي.
13- السلام على جعفر بن عقيل(431) لعن الله قاتله وراميه بشر بن خوط(432) الهمداني.
14- السلام على عبد الرحمن بن عقيل(433) لعن الله قاتله وراميه عمر(434) بن خالد بن أسد الجهني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(431) جعفر بن عقيل بن أبي طالب.
برز وهو يرتجز:

أنا الغلام الأبطحي الطالبي * * * من معشر في هاشم من غالب
ونحن حقاً سادة الذوائب * * * هذا حسين أطيب الأطايب

فقتل خمسة عشر فارساً ثم قتله بشر بن سوط الهمداني.
(432) تم ضبط (خوط) في بعض النسخ (سوط).
(433) عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب:
برز وهو يرتجز:

أبي عقيل فاعرفوا مكاني * * * من هاشم وهاشم إخواني
كهول صدق سادة الأقران * * * هذا حسين شامخ البنيان

وسيد الشيب مع الشبان

فقتل سبعة عشر فارساً ثم حمل عليه عمر بن خالد الجهمي فقتله.
(434) تم ضبط اسم قاتل عبد الرحمن في بعض المقاتل (عمير).
الشيخ عباس القمي في منتهى الآمال ج1ص378: قتله عثمان بن خالد الجهني.
قال الطبري: أشترك في قتل عبد الرحمن بن عقيل رجلان ثم جرداه من ثيابه وعندما ألقى المختار الثقفي القبض عليهما في الصحراء أمر أن يجردا من ثيابهما ثم تضرب أعناقهما.
ابن حبيب في النسابة في المحبر ص57: كانت خديجة بنت علي (عليه السلام) عند عبد الرحمن بن عقيل.
ابن قتيبة في معارف ص89: عند ذكر أخبار علي (عليه السلام): ولدت له سعيداً.

(٤٦٢)

15- السلام على القتيل بن القتيل عبد الله بن مسلم بن عقيل(435) ولعن الله قاتله عامر بن صعصعة(436).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(435) عبد الله بن مسلم بن عقيل.
عبد الرزاق المقرن في مقتل الحسين ص262: وخرج من بعده: (علي الأكبر).
عبد الله بن مسلم بن عقيل وقيل: هو أول من برز من الهاشميين. برز وهو يقول:

اليوم ألقى مسلماً وهو أبي * * * وفتية بادوا على دين النبي
ليسوا بقوم عرفوا بالكذب * * * لكن خيار وكرم النسب

فقتل ثمانية وتسعين رجلاً بثلاث حملات فرماه يزيد بن الرقاد الجهني فاتقاه بيده فسمرها إلى جبهته ما استطاع أن يزيلها عن جبهته فقال: اللهم إنهم استقلونا واستذلونا فاقتلهم كما قتلونا.
وبينا هو على هذا إذ حمل عليه رجل برمحه فطعنه في قلبه فمات فجاء إليه يزيد بن الرقاد وأخرج سهمه من جبهته وبقي النصل فيها وهو ميت.
أبو الفرج في مقاتل الطالبين. ومصعب الزبيري في نسب قريش ص54: عبد الله بن مسلم، وأمه رقية الكبرى، وهي أم أخويه علي ومحمد.
(436) اختلف المؤرخون في قاتل عبد الله بن مسلم.
في أنساب الأشراف ج5 ص238: رماه يزيد بن الرقاد الجبني بالنون بعد الجيم.
الشيخ عباس القمي في منتهى الآمال ج1 ص376: قتله عمر بن صبيح.
وقال آخرون: قتله أسد بن مالك. وقيل: أسيد بن مالك.
والإمام المهدي ينص - هنا - على أن المسؤول عن قتله هو عامر بن صعصة.
ولعله هو الرجل الذي طعنه أو رماه في قلبه.
وابن الأثير في الكامل - في قصة اقتصاص المختار الثقفي من يزيد بن الرقاد - ذكر تفصيل يدل على إدانة يزيد بدم عبد الله بن مسلم.

(٤٦٣)

16- السلام على عبيد(437) الله بن مسلم بن عقيل ولعن الله قاتله وراميه عمر(438) بن صبيح الصيداوي.
17- السلام على محمد بن أبي سعيد بن عقيل ولعن الله قاتله لقيط

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(437) في بعض النسخ (أبي عبد الله) ولعله الصحيح. فالمؤرخون متفقون على أنه قتل اثنان من أولاد مسلم بن عقيل مع الحسين، ولا خلاف في أن أحدهما اسمه (عبد الله) وهو المذكور آنفاً. وأما الثاني فقد اختلف في اسمه:
فعبد الرزاق المقرم في مقتل الحسين ص263 ذكر محمد بن مسلم بن عقيل. في جملة من قتل في حملة آل أبي طالب.
والذهبي في سير أعلام النبلاء ص217 قال: قتل مع الحسين عبد الله وعبد الرحمن ابنا مسلم بن عقيل ابن أبي طالب. والإمام المهدي - في هذه الزيارة - يسلم على عبيد الله أو أبي عبد الله بن مسلم - على اختلاف النسخ -.
ويمكن الجمع بين هذه الأقوال بأنه من باب تعدد الأسماء الذين كان متعارفاً قديماً.
(438) في بعض النسخ (عمرو).

(٤٦٤)

بن ياسر الجهني(439).
18- السلام على سليمان مولى الحسين بن أمير المؤمنين ولعن الله قاتله سليمان بن عوف الحضرمي(440).
19- السلام على قارب مولى الحسين بن علي(441).
20- السلام على منجح مولى الحسين بن علي(442)
21- السلام على مسلم بن عوسجة الأسدي(443) القائل للحسين وقد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(439) محمد بن أبي سعيد بن عقيل.
بارز وقاتل قتالاً شديداً ثم رماه لقيط بن ياسر فصرعه.
(440) الموالي الذين قتلوا في الحملة الأولى اثني عشر، عشر منهم من موالي الحسين (عليه السلام) واثنان من موالي أمير المؤمنين، لم أعثر فيهم على اسم سليمان وإنما يوجد أسلم بن عمر وكان أبوه تركياً وكان يعمل كاتب عند الإمام الحسين واستشهد في الحملة الأولى.
(441) قارب بن عبد الله الدؤلي مولى الحسين وكانت أمه أمة عند الإمام الحسين واستشهد في الحملة الأولى.
(442) منبج بن سهم مولى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، وقد حضر معركة كربلاء مع عائلة الإمام الحسن واستشهد في الحملة الأولى.
(443) مسلم بن عوسج الأسدي كان من الرجال الأشداء ولما أرسل الحسين مسلم بن عقيل إلى الكوفة، كان مسلم بن عوسجة وكيله في أخذ البيعة من الناس وقبض الأموال وبيع الأسلحة.
الدينوري في الأخبار الطوال: أن مسلم بن عوسجة كان من العباد، وكان له مقام معلوم إلى جانب أسطوانة من أسطوانات مسجد الكوفة للصلاة. والعبادة وكنيته أبو حجل - إذ كان ←

(٤٦٥)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ يعمل في جني العسل - وفيه يقول كميت الأسدي: وإن أبا حجل قتيل محجل.
ولما ارتفعت الشمس صباح يوم عاشوراء تقدم عمر بن سعد نحو معسكر الحسين ورمى بسهم وقال: اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمى. ثم رمى الناس، فلم يبق من أصحاب الحسين أحد إلا أصابه من سهامهم، فقال الحسين لأصحابه: (قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بد منه فإن هذه السهام رسل القوم إليكم). فحمل أصحابه حملة واحدة، واقتتلوا ساعة، فما انجلت الغبرة إلا عن خمسين صريعاً، فأخذ أصحاب الحسين - بعد أن قل عددهم - يبرز الرجل منهم بعد الرجل فأكثروا القتلى في أهل الكوفة فصاح عمرو بن الحجاج الزبيدي بأصحابه: أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوماً مستميتين، لا يبرز إليهم أحد منكم إلا قتلوه على قلتهم، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم. فقال عمر بن سعد: صدقت، الرأي ما رأيت، أرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منهم ولو خرجتم إليهم وحداناً لأتوا عليكم.
ثم حمل عمرو بن الحجاج (وكان قائد ميمنة عمر بن سعد) على ميمنة الحسين فثبتوا له وجثوا على الركب وأشرعوا الرماح فلم تقدم الخيل، فلما ذهبت الخيل لترجع رشقهم أصحاب الحسين بالنبل فصرعوا رجالاً وجرحوا آخرين. ثم أن عبد الله بن حوزة التميمي صاح: يا حسين! يا حسين! فقال الحسين: وما تريد؟
قال التميمي: ابشر بالنار.
فقال الحسين: كلا إني أقدم على رب رحيم وشفيع مطاع.
ثم قال: من هذا؟
قيل: أين حوزة.←

(٤٦٦)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ فقال: اللهم حزه إلى النار.
فنفر الفرس بابن حوزة وبقيت رجله اليسرى معلقة في الركاب، فأسرع مسلم بن عوسجة فضرب رجله اليمنى بالسيف فقطعها، وجعل الفرس يضرب به كل حجر ومدر حتى هلك.
ثم حمل عمرو بن الحجاج الزبيدي حملة ثانية من نحو الفرات، فاقتتلوا ساعة وفيها قاتل مسلم بن عوسجة وهو يرتجز:

إن تسألوا عني فإني ذو لبد * * * من فرع قوم من ذرى بني أسد
فمن بغانا حائد عن الرشد * * * وكافر يدين جبار صمد

فشد عليه مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشكارة البجلي، وثارت لشدة الجلاد غبرة شديدة وما انجلت الغبرة إلا ومسلم صريع وبه رمق، فمشى إليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر فقال له الحسين: (رحمك الله يا مسلم، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).
ودنا منه حبيب وقال: عز علي مصرعك يا مسلم: ابشر بالجنة. فقال بصوت ضعيف: بشرك الله بخير.
قال حبيب: لو لم أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إلي بما أهمك.
فقال مسلم: أوصيك بهذا - وأشار إلى الحسين - أن تموت دونه.
قال: افعل ورب الكعبة.
وفاضت روحه بينهما. فصاحت جارية له: وا مسلماه، يا سيداه، يا بن عوسجتاه.
فتنادى أصحاب ابن الحجاج: قتلنا مسلماً.
فقال شبث بن ربعي (وكان قائد الرجالة في جيش عمر بن سعد): ثكلتكم أمهاتكم، أبقتل مثل مسلم تفرحون؟ لرب موقف له كريم في المسلمين. وقد رأيته يوم (أذربيجان) وقد قتل ستة من المشركين قبل تنام خيول المسلمين.

(٤٦٧)

أذن له في الانصراف(444): (أنحن نخلي عنك؟ وبم نعتذر عند الله من أداء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(444) لقد ظهرت في ثورة الإمام الحسين علامات فارقة تميزها عن جميع الثورات في التاريخ.
لعل من أهمها أن الحسين كان يعمل باستمرار على إبعاد أصحاب الأطماع وضعاف الإيمان عنه على خلاف سائر القادة الذين يحاولون تكثيف الجماهير حولهم بمختلف الأسباب والأساليب. فقبل خروجه من مكة خطب في أصحابه وكانوا - يوم ذاك - كثيرين قائلاً: (خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة... (فأعطى لهم إشارة اليأس عن كل المغريات الدنيوية وأفهمهم أنه ذاهب إلى الشهادة لا إلى الخلافة فتفرق عنه عدد كبير.
وفي الطريق بين الحجاز والعراق التحق به الكثيرون من طلاب الجاه والشهرة فلما وجدهم يتكاثرون حوله من غير أن يكونوا من النوعية المطلوبة، استغل وصول خبر مقتل مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة إليه في قرية (زبالة) فخطب في الناس، وأعلمهم بالانقلاب في الكوفة وأذن لهم بالانصراف، فتفرقوا عنه يميناً وشمالاً.
ثم التحق به - في الطريق إلى كربلاء - خلق كثير من الأعراب وطلاب الدنيا ظانين أنه ذاهب إلى نصر سياسي محتوم، فوصلوا معه إلى كربلاء فجمعهم الحسين للمرة الثالثة مساء يوم التاسع من المحرم، فقال: (إني غداً أقتل وكلكم تقتلون معي ولا يبقى منكم أحد حتى القاسم وعبد الله الرضيع إلا ولدي علياً زين العابدين، لأن الله لم يقطم نسلي منه وهو أبو أئمة ثمانية... وهذا الليل قد غشيكم، فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعكم خيراً، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم، فإن القوم إنما يطلبوني، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري).
فجعلوا يتفرقون عنه خمسة خمسة وعشرة عشرة حتى لم يبقى معه إلا القليل من أبناء الأخوة الذين رفضوا الحياة بعده وعبر كل منهم بما تسنى له عن ضمير حر وإرادة صلبة.
وإلى هذا يشير الإمام المهدي بقوله: (وقد أذن له بالانصراف)..

(٤٦٨)

حقك؟ لا والله حتى أكسر في صدورهم رمحي هذا، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولا أفارقك، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، ولم أفارقك حتى أموت معك، وكنت أول(445) من شرى(446) نفسه، وأول شهيد من شهداء الله). وقضى نحبه(447). ففزت برب الكعبة، شكر الله استقدامك ومواساتك إمامك، إذ مشى إليك وأنت صريع فقال:
يرحمك الله يا مسلم بن عوسجة، وقرأ: (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(445) الجملة هنا حالية فالمعنى: والحال أني أول من شرى نفسه. والأولية كما يمكن أن تكون رتبية كذلك تكون اهتمامية باعتبار المتكلم بأن يكون الأمر مطروح أول اهتماماته وإن لم يكن أولاً بالنسبة إلى الآخرين كما في قوله تعالى: (قل أن كان الرحمن ولد فأنا أول العابدين) سورة الزخرف آية81.
(446) كلمة (شرى) تعني: باع مثل قوله تعالى: (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة) سورة يوسف آية20، أي: باعوه بثمن بخس، وكلمة اشترى تعني ابتاع كقوله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) سورة التوبة آية 111.
(447) أي قول هذا وقضى نحبه. وأي هنا يكون التعبير عنه بضمير الغائب ثم يلتفت إلى الحاضر فيقول له ففزت برب الكعبة - إلى آخر -.

(٤٦٩)

لعن الله المشتركين في قتلك: عبد الله الضبابي(448) وعبد الله بن خشكارة(449) البجلي.
22- السلام على سعيد بن عبد الله الحنفي(450) القائل للحسين (عليه السلام)، وقد أذن له في الانصراف: (لا والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله فيك، والله لو أعلم أني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(448) في بعض النسخ مسلم بن عبد الله الضبابي.
(449) خشكارة معربة من الفارسية وأصلها (خوش كار) أي حسن الفعل.
(450) سعيد بن عبد الله الحنفي، كان من وجوه شيعة الكوفة، وقد عرف بالشجاعة وكثرة العبادة.
ولما بدأ أهل الكوفة بإرسال الوفود والرسائل إلى الحسين (عليه السلام) لاستقدامه، كان سعيد بن عبد الله وهاني بن هاني السبيعي يشكلان آخر وقد حمل إلى الحسين (عليه السلام) رسالة من أهل الكوفة.
وعندما اجتمع عند الحسين ما ملأ خرجين (اثني عشر ألف رسالة أكثرها يحمل تواقيع عديدة) كتب الحسين إليهم كتاباً واحداً، دفعه إلى هاني بن هاني وسعيد بن عبد الله.
وفي يوم عاشوراء عندما قام الحسين إلى الصلاة تقدم أمامه زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي يقيانه السهم والسيوف والرماح، فما أتم الحسين صلاته إلا وسقط سعيد على الأرض، مثخناً بالجراح وهو يقول: اللهم العنهم لعن عاد وثمود، وأبلغ نبيك مني السلام، وأبلغه ما لقيت من آلم الجراح، فإني أردت بذلك ثوابك في نصرة ذرية نبيك (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
والتفت إلى الحسين قائلاً: أوفيت؟ يا بن رسول الله؟ قال: نعم أنت أمامي في الجنة.
وقضى نحبه. فوجد فيه ثلاثة عشر سهماً، غير الضرب والطعن.

(٤٧٠)

أقتل ثم أحيى، ثم أحرق ثم أذرى ويفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، وكيف لا أفعل ذلك؟ وإنما هي موتة أو قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً). فقد لقيت حمامك، وواسيت إمامك، ولقيت من الله الكرامة في دار المقامة، حشرنا الله معكم في المستشهدين، ورزقنا مرافقكم في أعلا عليين(451).
23- السلام على بشر بن عمرو الحضرمي(452) شكر الله لك قولك للحسين (عليه السلام) - وقد أذن لك في الانصراف-: أكلتني إذن السباع حياً إن فارقتك وأسأل عنك الركبان، وأخذلك مع قلة الأعوان،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(451) العليون مقابل السفليون، وقبل الإسلام كان يطلق على الذين ينزلون أعالي البلاد، وكانوا يقولون لأهل الشرف والثروة (أهل عليين) وللمتضعين (سفليون).
وفي المصطلح الإسلامي: عليون اسم لأعلى الجنة. وهو جمع علي.
والمفهوم - من التعبيرات الإسلامية - أن أفضل درجات الجنة أعاليها، كما أسوأ دركات جهنم أسافلها.
(452) بشر بن عمرو الحضرمي. عده أهل المقاتل في جملة من قتل في الحملة الأولى.
السيد ابن طاووس، في اللهوف ص53 في مساء يوم التاسع من المحرم لما أذن الحسين لأصحابه بالانصراف -: وفي هذه الحال قيل لمحمد بن بشير الحضرمي: قد أسر ابنك بثغر الري، فقال: ما أحسب أن يؤسر وأنا أبقى بعده حياً، فقال له الحسين: أنت في حل من بيعتي، فاعمل في فكاك ولدك. قال: لا والله، لا أفعل ذلك، أكلتني السباع حياً إن فارقتك.
فالكلام واحد، وقد يكون اختلاف الاسم من اختلاف النسخ.

(٤٧١)

لا يكون هذا أبداً.
24- السلام على يزيد بن حصين الهمداني المشرقي(453) القاري المجدل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(453) (المشرقي) بطن من همدان، قالوا: كان رجلاً شريفاً بطلاً من أبطال الكوفة وناسكاً من عبادها، له ذكر في الحروب والمغازي.
الكشي في رجاله ص53 طبعة الهند:
فيما ورد عن حوار الأصحاب ليلة عاشوراء - أن حبيب بن مظاهر خرج وهو يضحك فقال له يزيد الحصين الهمداني: ما هذه ساعة ضحك! قال حبيب: وأي موضع أحق بالسرور من هذا؟ ما هو إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور.
قالوا: وكان من خيار الشيعة، وممن بايع مسلماً فلما خذل مسلم بن عقيل خرج من الكوفة فمال إلى الحسين (عليه السلام) وكان معه إلى أن حالوا بين الحسين (عليه السلام) وبين الماء فقال للحسين: ائذن لي يا بن رسول الله في أن آتى عمر بن سعد مقدم هؤلاء فأكلمه من الماء لعله أن يرتدع، فأذن له، فجاء المشرقي إلى عمر بن سعد وكلمه في الماء فامتنع ولم يجبه إلى ذلك فقال له: هذا ماء الفرات تشرب منه الكلاب والدواب وتمنعه عن ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته والعترة الطاهرة يموتون عطاشاً وقد حلت بينهم وبين الماء، وتزعم أنك تعرف الله ورسوله، فأطرق عمر بن سعد ثم قال: يا أخا همدان إني لأعلم ما تقول وأنشأ:

دعاني عبيد الله من دون قومه * * * إلى بدعة فيها خرجت لحين
فو الله ما أدري وإني لواقف * * * أفكر في أمري على خطرين
أأترك ملك الري والري منيتي * * * أم أرجع مطلوباً بقتل حسين
وفي قتله النار التي ليس دونها * * * حجاب وملك الري قرة عيني

ثم قال: يا أخا همدان، ما أجد نفسي تجيبني إلى ترك ملك الري لغيري. فرجع يزيد بن حصين الهمداني المشرقي إلى الحسين وأخبره بمقالة ابن سعد، فلما سمع الحسين (عليه السلام) ذلك أمر أصحابه فاحتفروا حفيرة شبيهة بالخندق وجعلوا جبهة واحدة يكون القتال منها.
ثم أن عسكر ابن سعد برزوا لمقاتلة الحسين (عليه السلام) وأصحابه، وأحدقوا بهم من كل جانب ووضعوا السيوف في أصحاب الحسين ورموهم بالنبال وهم يقاتلوهم إلى أن قتل من أصحاب الحسين (عليه السلام) نيفاً وخمسين في الحملة الأولى، والهمداني كان يقاتل معهم وقد قتل في هذه الحملة رضوان الله عليه.

(٤٧٢)

(بالمشرفي).
25- السلام على عمر بن كعب الأنصاري(454).
26- السلام على نعيم بن العجلان الأنصاري(455).
27- السلام على زهير بن القين البجلي(456) القائل للحسين (عليه السلام) وقد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(454) لم أعثر على حياته ولعله من الذين قتلوا في الحملة الأولى (نعم) أورد في الزيارة الرجبية: (السلام على عمرو بن كعب) وقد اختلفوا في ضبط اسمه (عمر - عمرو - عمران).
(455) نعيم بن عجلان الأنصاري.
إن نعيم وأخواه نعمان بن عجلان ونضر بن عجلان من الشجعان المعروفين ومن الشعراء البارزين وقد حضروا صفين مع الإمام أمير المؤمنين.
وكان نعمان بن عجلان والياً من قبل أمير المؤمنين على البحرين وعمان.
وقد برز نعيم في الحملة الأولى وبقي يقاتل حتى استشهد فيها.
(456) زهير بن القين البجلي. خرج زهير بن القين بعدها قتل ابن عمه سلمان بن مضارب البجلي، فوضع يده على منكب الحسين وقال مستأذناً:

أقدم هديت هادياً مهدياً؟ * * * اليوم ألقى جدك النبيا ←

(٤٧٣)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ وحسناً والمرتضى علياً * * * وذا الجناحين الفتى الكميا

وأسد الله الشهيد الحيا

فقال الحسين: وأنا ألقاها على أثرك.
فخرج وهو يرتجز:

أنا زهير وأنا ابن القين * * * أذودكم بالسيف عن حسين
إن الحسين أحد السبطين * * * أضربكم ولا أرى من شين

فقتل مئة وعشرين رجلاً ثم عطف عليه كثيراً بن عبد الله الشعبي والمهاجر بن آوس التميمي فقتلاه.
فوقف عليه الحسين وقال:
لا يبعدنك الله يا زهير ولعن قاتليك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير.
وزهير بن القين شخصية لامعة ذات مواهب متعدد يكفي أن الحسين - لما عبأ جيشه للقتال - جعل زهير بن القين على الميمنة وحبيب بن مظاهر على الميسرة.
ولما أذن الحسين لأصحابه بالانصراف مساء اليوم التاسع من المحرم قال زهير بن القين:
والله وددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف مرة وأن الله (عزَّ وجلَّ) يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.
وقبل أن يشتبك الجيشان في يوم عاشوراء خرج زهير بن القين - إلى معسكر عمر بن سعد - على فرس ذنوب وهو شاك في السلاح فخطب قائلاً:
يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله، إن حقاً على المسلم، نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن أخوة على دين واحد ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منا أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا أمة وأنتم أمة. إن الله ابتلانا وإياكم بذريته نبيه محمد لينظر ←

(٤٧٤)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ ما نحن وأنتم عاملون. إنا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية يزيد وعبيد الله بن زياد، فإنكم لا تدركون منهما إلا سوء عمر سلطانهما، يسملان أعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل، ويقتلان أماثلكم وقراءكم، أمثال حجر بن عدي وأصحابه، وهاني بن عروة وأشباهه.
فسبوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له وقالوا: لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه أو نبعث به وبأصحابه إلى عبيد الله بن زياد سلماً.
فقال زهير: عباد الله! إن ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمية، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم، فخلوا بين هذا الرجل وبين يزيد، فلعمري أنه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين.
فرماه الشمر بسهم، وقال: اسكت أسكت الله نأمتك، أبرمتنا بكثرة كلامك.
فقال زهير: يا بن البوال على عقبيه! ما إياك أخاطب إنما أنت بهيمة والله ما أضنك تحكم من كتاب الله آيتين، فابشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فقال الشمر: إن الله قاتلك وصاحبك، عن ساعة.
 فقال زهير: أفبالموت تخوفني؟ فوا الله للموت معه أحب لي من الخلد معكم.
ثم أقبل على القوم رافعاًً صوته وقال: عباد الله! لا يغرنكم عن دينكم هذا الجلف الجاني وأشباهه، فوا الله لا تنال شفاعة محمد قوماً هرقوا دماء ذريته وأهل بيته، وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم.
فناداه رجل من أصحابه: إن أبا عبد الله يقول لك: أقبل فلعمري لأن كان مؤمن آل فرعون نصح قومه وأبلغ في الدعاء فلقد نصحت هؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ.
وعندما خرج الحر بن يزيد الرياحي، خرج معه زهير بن القين يحمي ظهره، فكان إذا شد أحدهم واستلم واستنقذه ففعلا ذلك ساعة ولما أراد الحسين إقامة للصلاة في يوم عاشوراء وقف زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي أمامه يقيانه السهام والسيوف والرماح.

(٤٧٥)

أذن له في الانصراف: لا والله لا يكون ذلك أبداً، اترك ابن رسول الله أسير في يد الأعداء وأنجو، لا أراني الله ذلك اليوم.
28- السلام على عمر بن قرظة الأنصاري(457).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(457) عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري الخزرجي.
استأذن الحسين وبرز مرتجزاً:

قد علمت كتيبة الأنصار * * * أني سأحمي حوزة الذمار
ضرب غلام غير نكس شار * * * دون حسين مهجتي وداري

فقاتل قتالاً شديداً حتى أثخن بالجراح، فرجع إلى الحسين قائلاً: يا بن رسول الله أوفيت بعهدي فقال الحسين:
نعم أنت أمامي في الجنة، فابلغ رسول الله عني السلام وأخبره أني في الأثر.
قرظة والد عمرو، من كبار أصحاب أمير المؤمنين، وقد اشترك في سنة 20 هـ مع أبي موسى في فتح الري، وكان مع أمير المؤمنين في صفين، فجعله الإمام على الأنصار.
وعمرو بن قرظة هو الذي أرسله الحسين في اليوم التاسع من المحرم إلى عمر بن سعد وطلب منه الاجتماع. وعندما اجتمع الحسين بعمر بن سعد طلب منه التخلي عن ابن زياد فاعتذر عمر بن سعد بأنه يخشى من ابن زياد أن يهدم داره بالكوفة. فعرض له عمرو بن قرظة في أرجوزته:
(دون حسين مهجتي وداري). وفي يوم عاشوراء كان مرافقاً للحسين لا يفارقه فكلما توجه إلى الحسين سهم أو رمح أسرع عمرو بن قرظة فاتقاه بنفسه فلم يصب الحسين بجراح إلا بعد أن قتل عمرو.

(٤٧٦)

29- السلام على حبيب بن مظاهر الأسدي(458).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(458) حبيب بن مظاهر الأسدي.
لما هم الحسين بالصلاة ظهر يوم عاشوراء التفت إلى أصحابه قائلاً:
سلوهم أن يكفوا عنا.
فقال الحصين بن تميم: إنها لا تقبل.
فقال حبيب بن مظهر: زعمت أنها لا تقبل من آل رسول الله، وتقبل منك يا حمار؟
فحمل عليه الحصين فضرب حبيب وجه فرسه بالسيف فشبت به ووقع عنه فاستنقذه أصحابه وحملوه، وقاتلهم حبيب قتالاً شديداً، وهو يرتجز:

أقسم لو كنا لكم أعداداً * * * أو شطركم ولستم إلا كسادا
يا شر قوم حسباً وآدا

وبقي يقاتل والقوم بين من يكره قتاله وبين من يشجع عليه وهو يقول:

أنا حبيب وأبي مظهره * * * فارس هيجاء وحرب تسعر
أنتم أعد عدة وأكثر * * * ونحن أوفى منكموا وأصبر
ونحن أولى حجة وأظهر * * * حقاً وأتقى منكم وأعذر

فقتل - على كبر سنه - اثنين وستين رجلاً، فحمل عليه بديل بن صريم فضربه بسيفه وطعنه آخر من تميم برمحه فسقط إلى الأرض فذهب ليقوم وإذا الحصين يضربه بالسيف على رأسه فسقط لوجهه ونزل إليه التميمي واحتز رأسه.
فهد مقتله الحسين فقال:
عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي. واسترجع كثيراً.
ولما جيء إليه بجثمان حبيب قال:
لله درك يا حبيب فلقد كنت فاضلاً تختم القرآن بليلة. ←

(٤٧٧)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ ولقد كان حبيب بن مظاهر من جملة خواص أصحاب أمير المؤمنين وكان من حملة علوم أهل البيت (أي يعرف علوم المنايا والبلايا).
الشيخ عباس القمي في منتهى الآمال ج1 ص362: روي أن حبيب بن مظاهر التقى ميثم التمار فقال له: كأني أرى شيخاً أصلعاً جسمياً بطيناً يبيع البطيخ عند دار الرزق: (أي محل بيع الخضار) يلقى عليه القبض فيصلب لحبه أهل بيت نبيه يشق بطنه على المشنقة.
وكان يعرض ذلك إلى مصير ميثم التمار.
فقال له ميثم:
وكأني بشيخ يخرج لنصرة ابن بنت نبيه فيقتل ويعلق قاتله رأسه على عنق فرسه كلما مشى الفرس ضربه بركبتيه.
وكان يعرض بهذا إلى مصير حبيب بن مظاهر.
وكان حبيب ومسلم بن عوسجة وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر وجابر بن عروة الغفاري من جملة صحابة رسول الله الذين قتلوا في كربلاء باستثناء هاني بن عروة الذي قتل في الكوفة مع مسلم بن عقيل.
وكان حبيب من أفضل الزهاد والعباد وقد ذكره كميت الأسدي بقوله:

سوى عصبة فيهم حبيب معفر * * * قضى نحبه والكاهلي مرحل.

ومواقفه في الكوفة إلى جانب مسلم بن عقيل وفي كربلاء إلى جانب الحسين معروفة يكفي أن الحسين - لما عبأ جيشه للقتال - جعله على الميسرة.
ولما حمل الشمر على ميسرة الحسين ثبت له حبيب ومن معه حتى أعادوهم إلى أعقابهم.
الشيخ عباس القمي في منتهى الآمال ص361: لما قتل التميمي حبيب بن مظاهر قال الحصين: إني شاركت في قتل حبيب فناولني رأسه حتى أعلقه على عنق جوادي ليعلم الناس أني شاركت في قتله، فدفع إليه التميمي برأس حبيب فعلقه على عنق فرسه وجال به بين الصفوف ثم أعاده إلى التميمي فعلقه على عنق فرسه ودخل به الكوفة إلى دار الأمارة، فرآه قاسم بن حبيب بن مظاهر - وكان غلام مراهقاً - فجعل يمشي خلف التميمي فالتفت إليه التميمي وقال له: ما تريد يا غلام فقال قاسم: هذا رأس أبي ناولني إياه حتى أدفنه. فقال التميمي: أريد الجائزة من الأمير وهو لا يرضى بذلك. فقال قاسم: ولكن الله لا يجزيك إلا شر جزاء.
وبقي قاسم يراقب التميمي حتى اقتص منه فقتله في حملة مصعب بن الزبير.

(٤٧٨)

30- السلام على الحر بن يزيد الرياحي(459).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(459) الحر بن يزيد الرياحي وهو بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتاب الردف بن مي بن رياح يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وقيل لـ (عتاب): الردف، لأن الملوك تردفه..
بعدما قتل حبيب بن مظاهر الأسدي، خرج الحر بن يزيد الرياحي ومعه زهير بن القين يحني ظهره فقاتلا ساعة، وأن فرس الحر لمضروب على أذنيه وحاجبيه والدماء تسيل منه وهو يتمثل بقول عنترة بن شداد العبسي:

ما زلت أرميهم بثغرة نحره * * * ولبانه حتى تسربل بالدم

ثم فرق الجيش بينهما، فجعل الحر يقاتل وحده ويرتجز:

إني أنا الحر ومأوى الضيف * * * أضرب في أعناقكم بالسيف
عن خير من حل بأرض الخيف * * * أضربكم ولا أرى من حيف

فقال الحصين بن تميم ليزيد بن سفيان: هذا الحر الذي كنت تتمنى قتله. قال يزيد: نعم. وخرج إليه يطلب المبارزة، فما أسرع أن قتله الحر، ثم رمى أيوب بن مشرح الخيواني فرس الحر بسهم فعقره وشب به الفرس، فوثب عنه كأنه ليث، وبيده السيف وجعل يقاتل راجلاً ←

(٤٧٩)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ حتى قتل نيفاً وأربعين وهو يقول:

إن تعقروا بي فأنا ابن الحر * * * أشجع من ذي لبد هزبر

فجعل الناس يهزمون من بين يديه وهو يطاردهم ويقول:

آليت لا أقتل حتى أقتلا * * * ولن أصاب اليوم إلا مقبلا
أضربهم بالسيف ضرباً مقصلا * * * لا ناكلاً منهم ولا معللا

ثم شدت عليه الرجالة فصرعته وحملته أصحاب الحسين ووضعوه أمام الفسطاط الذي يقاتلون دونه - وهكذا يؤتى بكل قتيل إلى ذلك الفسطاط والحسين يقول:
قتلة مثل قتلة النبيين وآل النبيين.
فلما أتي بالحر وكان به رمق التفت إليه الحسين وجعل يمسح الدم عنه ويقول:
أنت الحر كما سمتك أمك، وأنت الحر في الدنيا وفي الآخرة.
ورثاه رجل من أصحاب الحسين وقيل علي بن الحسين وقيل الحسين نفسه بالبيتين التاليين:

لنعم الحر حر بني رياح * * * صبور عند مشتبك الرماح
ونعم الحر إذ فادى حسيناً * * * وجاد بنفسه عند الصباح

ولقد كان الحر من محتد كريم وكانت له سوابقه في الكوفة، ولكن لما حدث الانقلاب في الكوفة ولم يجد مهرباً من التعاون مع ابن زياد دون أن يفقد مكانته الاجتماعية كزعيم قومه غره الشيطان فانقاد لابن زياد، فأرسل إليه ابن زياد ليخرج على رأس ألف فارس لإلقاء القبض على الحسين وهو في طريقه إلى الكوفة فخرج الحر وهو يعلم أنه خارج عن دينه وإمام زمانه فسمع هاتفاً يسمع صوته ولا يرى شخصه: أبشر يا حر بالجنة. فقال الحر في نفسه: ويل للحر يبشر بالجنة وهو يسير إلى الحرب ابن بنت رسول الله. ←

(٤٨٠)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ وما عرف الحر أن مصيره سيكون مع الحسين على ابن زياد.
ومن الجانب الآخر كان الحسين يغادر بطن العقبة إلى شراف (شراف اسم رجل استخرج عيناً على ميلين من واقصة ثم كثرت حولها الآبار ماؤها عذب) وعند السحر أمر الحسين فتيانه أن يسقوا من الماء ويكثروا، وفي نصف النهار سمع رجلاً من أصحابه يكبر فقال الحسين: لم كبرت؟ قال رأيت النخل. فأنكر من معه أن يكون بهذا الموضع نخل وإنما هو أسنة الرماح وآذان الخيل. فقال الحسين: وأنا أراه كذلك. ثم سألهم عن ملجأ يلجئون إليه فقالوا هذا ذو حُسَم (بضم الحاء المهملة وفتح السين، جبل كان النعمان بن المنذر يصطاد به).
فطلع عليهم الحر بن يزيد الرياحي مع ألف فارس بعثه ابن زياد ليحبس الحسين عن الرجوع إلى المدينة أينما يجده أو يقدم به إلى الكوفة.
فوقف الحر وأصحابه أمام الحسين في حر الظهيرة وهم يتهالكون عطشاً فلما رأى الحسين ما بالقوم من عطش أمر أصحابه أن يسقوهم ويرشفوا الخيل فسقوهم وخيولهم عن آخرهم. ثم أخذوا يملأون القصاع والطساس ويدنوها من الفرس فإذا عب فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت وسقي آخر حتى سقوا الخيل كلها.
وكان علي بن الطعان المحاربي مع الحر فجاء آخرهم وقد أضر به العطش فقال له الحسين: أنخ الراوية (الراوية في لغة الحجاز هي الجمل، وفي لغة الكوفة هي القربة) فلم يفهم مراده فقال له الحسين: أنخ الجمل. ولما أراد أن يشرب جعل الماء يسيل من السقاء: فقال له الحسين: أخنث السقاء. فلم يدري ما يصنع فقام الحسين وعطف السقاء حتى ارتوى وسقى فرسه.
ثم أن الحسين استقبلهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن معذرة إلى الله (عزَّ وجلَّ) وإليكم، وإني لم آتكم حتى أتتني كتبكم، وقدمت بها علي ←

(٤٨١)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ رسلكم: أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام، ولعل الله يجمعنا بك على الهدى، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما اطمئن به من عهودكم ومواثيقكم، وإن كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم.
فسكتوا جميعاً.
وأذن الحجاج بن مسروق الجعفي لصلاة الظهر فقال الحسين للحر: أتصلي بأصحابك؟ قال: لا بل نصلي جميعاً بصلاتك. فصلى بهم الحسين.
وبعد أن فرغ من الصلاة أقبل عليهم فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي محمد وقال: أيها الناس إنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل بيت محمد أولى بولاية هذا الأمر، من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين بالجور والعدوان. وإن أبيتم إلا الكراهية لنا والجهل بحقنا، وكان رأيكم الآن على غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم. فقال الحر: ما أدري ما هذه الكتب التي تذكرها. فأمر الحسين عقبة بن سمعان فأخرج خرجين مملوءين كتباً.
قال الحر: إني لست من هؤلاء. وإني أمرت أن لا أفارقك إذ لقيتك حتى أقدمك الكوفة على ابن زياد. فقال الحسين: الموت أدنى إليك من ذلك. وأمر أصحابه بالركوب. وركبت النساء، فحال الحر بينهم وبين الانصراف إلى المدينة. فقال الحسين للحر: ثكلتك أمك ما تريد منا؟
قال الحر: أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذا الحال ما تركت ذكر أمه بالثكل كائناً من كان، والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه. ولكن خذ طريقاً نصفاً بيننا، لا يدخلك الكوفة، ولا يردك إلى المدينة حتى أكتب إلى ابن زياد، فلعل الله، أن ←

(٤٨٢)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ يرزقني العافية، ولا يبتليني بشيء من أمرك. إني أذكرك الله في نفسك، فإني أشهد لأن قاتلت لتقتلن. فقال الحسين:
أفبالموت تخوفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ وسأقول ما قال أخو الأوس لابن عمه وهو يريد نصرت رسول الله وآله:

سأمضي وما بالموت عار على الفتى * * * إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما
وواس الرجال الصالحين بنفسه * * * وفارق مثبوراً وخالف مجرما
فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم * * * كفى بك ذلاًّ أن تعيش وترغما

فلما سمع الحر هذا منه تنحى عنه. فكان الحسين يسير بأصحابه في ناحية والحر ومن معه في ناحية حتى بلغ البيضة (وهي أرض واسعة لبني يربوع بن حنظلة ما بين واقصة إلى عذيب الهجانات) فوقف الحسين في أصحاب الحر وقال - بعد الحمد لله والثناء عليه -:
أيها الناس إن رسول الله قال. (من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً عهده، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عبادة الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله).
ألا وإن هؤلاء قد لزموا الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله.
وأنا أحق ممن غير. وقد أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم، أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن أتممتم علي بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، ولكم في أسوة وإن لم تفعلوا، ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم، فالمغرور من اغتر بكم، فحظكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم. ومن ←

(٤٨٣)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ نكث فإنما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وفي يوم عاشوراء لما سمع الحر خطب الحسين وأصحابه أقبل على عمر بن سعد وقال له: أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال: إي والله قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح فيه الأيدي. قال: ما لكم فيما عرضه عليكم من الخصال؟ فقال: لو كان الأمر إلي لقبلت ولكن أميرك أبى ذلك. فتركه الحر ووقف مع الناس. وكان إلى جنبه قرة بن قيس فقال لقرة: هل سقيت فرسك اليوم؟ قال: لا، قال: فهل تريد أن تسقيه - فظن قرة من ذلك أنه يريد الاعتزال، ويكره أن يشاهده - فتركه قرة فأخذ الحر يدنو من الحسين قليلاً، فقال له مهاجر بن أوس: أتريد أن تحمل؟ فسكت، وأخذته الرعدة، فارتاب مهاجر من هذه الحال، وقال له: لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك فما هذا الذي أراه منك؟ فقال الحر: إني أخيّر نفسي بين الجنة والنار، والله لا أختار على الجنة شيئاً، ولو أحرقت.
ثم ضرب جواده نحو الحسين منكساً رمحه، قالباً ترسه، وقد طأطأ برأسه حياءً من آل الرسول مناجياً ربه:
اللهم إليك أنيب فتب علي، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك.
ثم توجه نحو الحسين قائلاً: يا أبا عبد الله إني تائب فهل من توبة؟
فقال الحسين: نعم، يتوب الله عليك. فسرّه قوله.
فقال للحسين: لما خرجت من الكوفة نوديت: أبشر يا حر بالجنة. فقلت: ويل للحر يبشر بالجنة وهو يسير إلى حرب ابن بنت رسول الله.
فقال له الحسين: لقد أصبت خيراً وأجراً.
وكان مع الحر غلام تركي انتقل معه إلى معسكر الحسين.
ثم استأذن الحسين في أن يكلم القوم، فأذن له، فنادى بأعلى صوته:

(٤٨٤)

31- السلام على عبد الله بن عمير الكلبي(460).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يا أهل الكوفة: لأمكم الهبل والعبر، إذ دعمتموه وأخذتكم بكظمه، وأحطتم به من كل جانب، فمنعتموه التوجه إلى بلاد الله العريضة، حتى يأمن وأهل بيته، وأصبح كالأسير في أيديكم، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، وحلأتموه ونسائه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري، الذي يشربه اليهود والنصارى والمجوس، وتمرغ فيه الخنازير السواد وكلابه: وهاهم قد صرعهم العطش. بئسما خلفتم محمداً في ذريته، لا سقاكم الله يوم الظمأ.
فحملت عليه رجاله ترميه بالنبل، فتقهقر حتى وقف أمام الحسين.

(460) عبد الله بن عمير الكلبي.
بعد الحملة الأولى كان عبد الله بن عمير أول من بارز واستشهد.
فقد برز يسار مولى زياد بن أبيه، وسالم مولى عبيد الله بن زياد، فطلبا البراز، فوثب حبيب وبرير، فلم يأذن لهما الحسين، فقام عبد الله بن عمير واستأذن، فأذن له الحسين وقال: أحسبه للأقران قتالاً. فقالا له: من أنت؟ فانتسب لهما، فقالا: لا نعرفك، ليخرج إلينا زهير أو حبيب أو برير، وكان يسار قريباً منه، فقال له: يا بن الزانية أوَ بك رغبة عن مبارزتي؟ ثم شد عليه بسيفه يضربه، وبينا هو مشتغل به إذ شد عليه سالم، فصاح أصحابه: قد رهقك العبد. فلم يعبأ به، فضربه سالم بالسيف، فاتقاها عبد الله بيده اليسرى فأطار أصابعه، ومال عليه عبد الله فقتله، ثم أقبل الحسين وهو يرتجز:

إن تنكروني فأنا ابن كلب * * * حسبي ببيتي في عليم حسبي
إني امرؤ ذو مره وعصب * * * ولست بالخوار عند النكب

وأخذت زوجته أم وهب بنت عبد لله من النمر بن قاسط عموداً وأقبلت نحوه تقول له:
فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأراد أن يردها إلى الخيمة، فلم تطاوعه، وأخذت تجاذبه ثوبه وتقول: لن أدعك دون أن أموت معك.
فناداها الحسين: جزيتم عن أهل بيت نبيكم خيراً. ارجعي إلى الخيمة، فإنه ليس على النساء قتال. فرجعت.
وعبد لله بن عمير الكلبي من (بني عليم) وكنيته أبو وهب، وكان طويلاً شديد الساعدين، بعيد ما بين المنكبين، شريفاً في قومه، شجاعاً مجرباً.

(٤٨٥)

32- السلام على نافع بن هلال(461) بن نافع البجلي المرادي(462).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(461) نافع بن هلال.
رمى بنبال مسمومة كتب اسمه عليها، وهو يقول:

أرمي بها معلمة أفواقها * * * مسمومة تجري بها أخفافها
ليملأن أرضها رشاقها * * * والنفس لا ينفعها إشفاقها

فقتل اثني عشر رجلاً سوى من جرح، ولما فنيت سهامه جرد وطلب البراز وهو يقول:

أنا ابن هلال الجملي * * * أنا على دين علي

فبرز إليه مزاحم بن حريث وقال: أنا على دين عثمان. فقال نافع: أنت على دين الشيطان، ثم حمل عليه نافع فقتله. فأرسل عمر بن سعد من يعزم على الناس: أن لا يبارز أحد. فاقتحم نافع جموعهم وجعل يضرب بسيفه فيهم. فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال حتى كسروا عضديه وأخذوه أسيراً، فأمسك به الشمر - ومعه أصحابه - يسوقونه، فقال له ابن سعد: ما حملك على ما صنعت بنفسك؟ قال: إن ربي يعلم ما أردت. فقال له رجل - وقد نظر إلى الدماء تسيل على وجهه ولحيته -: أما ترى ما بك؟ فقال: والله لقد قتلت منكم اثني عشر رجلاً سوى ما جرحت، وما ألوم نفسي على الجهد، ولو بقيت لي عضد لما أسرتموني.
وجرد الشمر سيفه، فقال له نافع: والله يا شمر لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا، فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه. ثم قدمه الشمر وضرب عنقه.
(462) اختلفت النسخ في ألقابه، ففي هذه الزيارة وردت ألقابه: البجلي المرادي.
وفي بعض المقاتل الجملي المذحجي.

(٤٨٦)

33- السلام على أنس(463) بن كاهل الأسدي(464).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(463) أنس بن كاهل الأسدي:
كان شيخاً كبيراً، فلما أراد البراز شد وسطه بعمامة، ورفع حاجبيه بعصابة، واستأذن الحسين، ولما نظر إليه الحسين بهذه الهيئة بكى، وقال: شكراً لله لك يا شيخ.
فبرز وهو يقول وينشد:

قد علمت كاهلها ودودان * * * والخندقيون وقيس عيلان
بأن قومي آفة للأقران * * * لدى الوغى وسادة في الفرسان

فقاتل وقتل - على كبره - ثمانية عشر رجلاً ثم قتل.
وأنس بن الحارث صحابي رأى النبي وسمع حديثه، وشهد معه بدراً وحنيناً.
وروى: أنه رأى رسول الله - والحسين في حجره - وهو يقول:
ألا إن ابني هذا يقتل في أرض من أراضي العراق، فمن أدركه فلينصره.
وهو الذي ذكره الكميت في قوله:

سوى عصبة فيها حبيب معفر * * * قضى نحبه والكاهلي مرمل

(464) اختلفت النسخ في ضبط اسمه.
ففي هذه الزيارة ورد اسمه: أنس بن كاهل الأسدي.
الشيخ عباس القمي في منتهى الآمال ج1 ص362: ضبط اسمه: أنس بن الحرث الأسدي الكاهلي.
عبد الرزاق المقرم في مقتل الحسين ص252 ضبط اسمه: أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي.
الشيخ السماوي في (أبصار العين) ص69 هكذا ضبط: (أنس بن الحرث بن بند بن كاهل بن عمرو بن صعب بن خزيمة الأسدي).
وكان قد جاء إلى الحسين (عليه السلام) عند نزوله كربلاء والتقى معه ليلاً فيمن أدركته السعادة.
وكاهل، ودودان بطنان من بني أسد.

(٤٨٧)

34- السلام على قيس بن مسهر الصيداوي(465).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(465) نسبة إلى (صيدا) بطن من بني أسد، قال علماء السير: كان قيس رجلاً شريفاً من بني صيدا شجاعاً مخلصاً في محبة أهل البيت (عليهم السلام).
وكان رسول أهل الكوفة إلى الحسين (عليه السلام)، فقد كتب أهل الكوفة إلى الحسين (عليه السلام) كتباً يطلبون منه القدوم إليهم، وبعثوها مع جماعة أحدهم (قيس بن مسهر الصيداوي) إلى مكة المكرمة حيث كان الحسين (عليه السلام) ودخل مكة في شهر رمضان.
وكان أيضاً رسول الحسين (عليه السلام) إلى أهل الكوفة يحمل إليه رسالته، فلما وصل إلى القادسية قبض عليه حصين بن نمير - وكان على خيل ابن زياد في المنطقة - وبعثه إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة.
فسأله ابن زياد عن كتاب الحسين (عليه السلام)؟
فقال: خرقته.
قال: ولم؟
قال قيس: لئلاّ تعلم ما فيه.
قال: إلى من؟
قال: قوم لا أعرف أسماءهم.
قال ابن زياد: إن لم تخبرني فاصعد المنبر وسب الكذاب بن الكذاب - يعني: الحسين (عليه السلام) -.
فصعد قيس المنبر وقال: أيها الناس إن الحسين بن علي خير من خلق الله، وابن فاطمة بنت رسول الله وأنا رسوله إليكم، وقد فارقته بالحاجز من بطن الرمة فأجيبوه، ثم لعن عبيد الله ابن زياد، وأباه، ولعن يزيد بن معاوية وأباه، وصلى على أمير المؤمنين (عليه السلام).
فأمر ابن زياد بالصعود إليه فوق القصر، ورمى به من أعلاه فتقطع ومات رضوان الله عليه [خلاصة ما ذكره عبد الرزاق المقرم، والشيخ محمد السماوي، والشيخ عباس القمي وغيرهم].

(٤٨٨)

35 و36- السلام على عبد الله وعبد الرحمن ابني عروة بن حراق الغفاريين(466).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(466) قال الشيخ محمد السماوي في كتابه (أبصار العيون) ص125:
عبد الله بن عروة بن حراق الغفاري وأخوه عبد الرحمن بن عروة بن حراق الغفاري كان عبد الله وعبد الرحمن من أشراف الكوفة، ومن شجعانهم وذوي الموالاة منهم وكان جدهما (حراق) من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وممن حارب معه في حروبه الثلاث.
وجاء عبد الله وعبد الرحمن إلى الحسين (عليه السلام) بالطف.
وقال أبو مخنف: لما رأى أصحاب الحسين (عليه السلام) أنه قد كثروا وأنهم لا يقدرون على أن يمنعوا الحسين (عليه السلام) ولا أنفسهم تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه، فجاء عبد الرحمن وعبد الله ابنا عروة الغفارين فقالا: يا أبا عبد الله السلام عليك، حازنا العدو إليك فأحببنا أن نقتل بين يديك نمنعك وندفع عنك. فقال الحسين (عليه السلام): مرحباً بكما ادنوا، فدنوا منه، فجعلا يقاتلان قريباً منه، وأن أحدهما يرتجز ويتم له الآخر فيقولان:

قد علمت بنو غفار * * * وخندف بعد بني نزار
لنضربن معشر الفجار * * * بكل غضب صارم بتار
يا قوم ذودوا عن بني الأطهار * * * بالمشرفي والقنا الخطار

فلم يزالا يقاتلان حتى قتلا، وقيل أن عبد الله قتل في الحملة الأولى، وعبد الرحمن قتل مبارزة وقتل من القوم عشرين فارساً.

(٤٨٩)

37- السلام على جون بن حري مولى أبي ذر الغفاري(467).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(467) جون بن حوى بن قتاده بن الأعور بن ساعدة، بن عون بن كعب بن حوى (من أهل النبوة) مولى أبي ذر الغفاري، اشتراه أمير المؤمنين بمائة وخمسين ديناراً، ووهبه لأبي ذر الغفاري ليخدمه، وكان العبد عند أبي ذر إلى أن أمر عثمان بن عفان بنفي أبي ذر من المدينة المنورة إلى الربذة، ولما خرج أبو ذر من المدينة، خرج العبد معه وكان هناك إلى أن توفي أبو ذر (رضوان الله عليه) - في 32 من الهجرة، ثم رجع العبد إلى المدينة، وانضم إلى بيت علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم بعده ابنه الحسن ثم بعده إلى الحسين (عليه السلام) وصحبه في سفره من المدينة إلى مكة ثم إلى العراق (كربلاء).
فلما نشب القتال وقف أمام الحسين يستأذنه في القتال؟ فقال له الحسين (عليه السلام): يا جون أنت في إذن مني قائماً تبعتنا طلباً للعافية فلا تقتل بطريقتنا، فوقع جون على قدمي أبي عبد الله (عليه السلام) يقبلهما وهو يقول: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم، إن ريحي لنتن وأن حسبي للئيم وأن لوني لأسود فتنفس علي بالجنة ليطيب ريحي، ويشرف حسبي ويبيض لوني، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم، فأذن له الحسين (عليه السلام) فبرز وهو يرتجز ويقول:

كيف ترى الفجار ضرب الأسود * * * بالمشرفي القاطع المهند
أذب عنهم باللسان واليد * * * أرجو به الجنة يوم المورد

فقاتل حتى قتل من القوم خمسة وعشرين رجلاً.
فوقف عليه الحسين (عليه السلام) وقال: اللهم بيض وجهه، وطيب ريحه، واحشره مع الأبرار وعرف بينه وبين محمد وآله (عليهم السلام).
وعن الصدوق (قدّس سرّه) في الخصال عن الباقر عن أبيه (عليهما السلام): إن بني أسد الذين حضروا المعركة ليدفنوا القتلى وجدوا جوناً بعد عشرة أيام تفوح منه رائحة المسك.

(٤٩٠)

38-السلام على شبيب بن عبد الله النهشلي(468).
39- السلام على الحجاج بن زيد السعيدي(469).
40 و41- السلام على قاسط وكردوس ابني زهير التغلبيين(470).
42- السلام على كنانة بن عتيق(471).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(468) قال علماء السير: شبيب بن عبد الله النهشلي كان تابعياً من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وحضر معه حروبه الثلاثة، وبعده انضم مع الحسن بن علي ثم مع الحسين - (عليهم السلام) - وكان من خواص أصحابه فلما خرج الحسين من المدينة إلى مكة خرج معه وكان مصاحباً له إلى أن ورد الحسين (عليه السلام) كربلاء.
فلما كان يوم الطف تقدم إلى القتال فقتل في الحملة الأولى مع من قتل قبل الظهر.
وفي قول: قيل مبارزة والله أعلم.
(469) حجاج بن زيد بن سعد تميمي بصري حامل كتاب أهل البصرة - ومنهم يزيد بن مسعود النهشلي - إلى الحسين (عليه السلام) في كربلاء.
وبقي في كربلاء مع الحسين (عليه السلام)، وكان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفين، وقتل في الحملة الأةلى يوم عاشوراء.
(470) قال الشيخ محمد السماوي في (أبصار العين) ص (137): قاسط أخوة كردوس، وأخوه [الآخر] مقسط كانوا من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن المجاهدين بين يديه في حروبه، صحبوه أولاً، ثم صحبوا الحسن (عليه السلام)، ثم بقوا في الكوفة ولهم ذكر في الحروب ولا سيما صفين.
ولما ورد الحسين (عليه السلام) كربلاء خرجوا إليه فجاءوا وقتلوا بين يديه.
(471) كنانة بن عتيق بن معاوية بن الصامت فارس رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال علماء السير: كان كنانة بن عتيق بطلاً من أبطال الكوفة، وعابداً من عبادها، وقارئاً من قرائها جاء إلى الحسين (عليه السلام) في الطف، وجاهد بين يديه حتى قتل.
واختلفوا في أنه قتل في الحملة الأولى، أو مبارزة.

(٤٩١)

43- السلام على ضرغامة بن مالك(472).
44- السلام على جوين بن مالك التميمي(473).
45- السلام على عمرو بن ضبعة الضبعي(474).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(472) قال الشيخ السماوي (رحمة الله عليه) في كتابه (أبصار العين) ص (137): ضرغامة بن مالك التغلبي كان - كاسمه - ضرغاماً، وكان من الشيعة ممن بايع مسلماً فلما خذل خرج فيمن خرج مع ابن سعد إلى كربلاء، ومال إلى الحسين (عليه السلام)، فقاتل معه وقتل بين يديه مبارزة بعد صلاة الظهر (رضي الله عنه).
وقال أبو مخنف: ثم برز ضرغامة بن مالك وهو يرتجز ويقول:

إليكم من مالك ضرغام * * * ضرب فتى يحمي عن الكرام
يرجو ثواب الله بالتمام * * * سبحانه من مالك علام

ثم حمل على القوم فقاتل قتال الرجل الباسل وصبر على الخطب الهائل حتى قتل ستين فارساً سوى من جرح، ثم قتل رضوان الله عليه.
(473) قال صاحب (أبصار العين) الشيخ السماوي (قدّس سرّه):
كان جوين بن مالك التميمي نازلاً من بني تميم. فخرج فيمن خرج إلى حرب الحسين (عليه السلام)، وكان من الشيعة، فلما رأى جوين بن مالك ردت الشروط على الحسين (عليه السلام) مال معه فيمن مال من عشيرته ورحلوا إلى الحسين (عليه السلام) ليلاً وكان عددهم سبعة. يذكر كل واحد فيهم في محلة.
(474) قال ابن حجر العسقلاني (الشافعي) في الإصابة: هو عمرو بن ضبعة بن قيس بن ثعلبة الضبعي التميمي، له ذكر في المغازي والحروب، وكان فارساً شجاعاً له إدراك. وقال أبو مخنف: حدثني فضيل بن خديج الكندي: أن عمرو بن ضبعة بن قيس كان ممن خرج مع عمر بن سعد إلى حرب الحسين (عليه السلام)، فلما ردوا الشروط على الحسين مال إليه، ثم دخل في أنصار الحسين (عليه السلام) مع من دخل وقاتل بين يديه حتى قتل في الحملة الأولى مع من قتل (رضوان الله عليه).

(٤٩٢)

46- السلام على يزيد بن ثبيط القيسي(475).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(475) قال علماء السير: إن يزيد بن ثبيط القيسي العبدي البصري من عبد قيس، وأبناء عبد الله وعبيد الله له ذكر في الحروب والمغازي.
وقال ابن حجر العسقلاني (الشافعي) في الإصابة: يزيد بن ثبيط العبدي من الشيعة ومن أصحاب أبي الأسود الدؤلي وكان شريفاً في قومه.
وعن أبي مخنف عن أبي مخارق الرأس قال: اجتمع الناس من الشيعة في منزل امرأة من عبد قيس يقال لها (مارية ابنة سعد) أو (منقذ) وكانت تتشيع، وكان دارها مألفاً للشيعة يجتمعون فيها ويتحدثون، وقد بلغ ابن زياد إقبال الحسين (عليه السلام) ومكاتبة أهل العراق له فكتب إلى عامله بالبصرة: أن يضع المناظر ويأخذ بالطريق.
فأجمع [أي: عزم] يزيد ابن ثبيط للخروج إلى الحسين (عليه السلام) وكان له عشرة بنين، فدعاهم إلى الخروج معه، وقال: أيكم يخرج معي متقدماً؟ فانتدب معه اثنان (عبد الله) و(عبيد الله) فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة: إني قد أزمعت على الخروج، وأنا خارج، فمن يخرج معي؟
فقالوا له: إنا نخاف عليك أصحاب ابن زياد.
فقال: إني والله إن لو قد استوت أخفافها بالجود لهان علي طلب من طلبني.
ثم خرج هو وأبناؤه، وصحبه عامر بن مسلم العبدي، ومولاه سالم مولى عامر، وسيف بن مالك العبدي، والأدهم بن أمية العبدي الذين يذكر كل واحد منهم عند ورود ذكره في الزيارة.
وقوي في الطريق حتى انتهى إلى الحسين (عليه السلام) فدخل بالإبطح من مكة، فاستراح في رحله، ثم خرج إلى الحسين (عليه السلام)، وبلغ الحسين مجيئه، فجعل يطلبه حتى جاء إلى رحله، فجلس الحسين (عليه السلام) في رحله ينتظره، وأقبل يزيد لما لم يجد الحسين (عليه السلام) في منزله وسمع أنه ذهب إليه راجعاً على أثره، فلما رأى الحسين (عليه السلام) في رحله قال:
(بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) سورة يونس (عليه السلام) آية 58.
السلام عليك يا بن رسول الله. ثم سلم عليه وجلس إليه وأخبره بالذي جاء له [يعني: نصرة الحسين (عليه السلام)] فدعا له الحسين (عليه السلام) بخير، ثم ظم رحله إلى رحل الحسين (عليه السلام)، وما زال معه حتى قتل بين يديه (في الطف) مبارزة.
وقتل ابناه عبد الله وعبيد الله في الحملة الأولى مع من قتل رضوان الله عليهم.
وسيأتي ذكر هؤلاء كلهم تباعاً.

(٤٩٣)

47 و48- السلام على عبد الله وعبيد الله ابني يزيد بن ثبيط القيسي(476).
49- السلام على عامر بن مسلم(477).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(476) عن ابن شهر آشوب في المناقب والعلامة المجلسي في البحار والشيخ السماوي في أبصار العين أنهم قالوا: (ومن المقتولين في الحملة الأولى يوم الطف عبد الله وعبيد الله ابنا يزيد بن ثبيط القيسي البصري).
وقد ذكر بعض تاريخهما عند ذكر أبيهما.
(477) كان عامر بن مسلم العبدي من الأشراف في البصرة، فخرج إلى الحسين (عليه السلام) وهو في مكة، فالتحق معه، وظل معه حتى قتل في الحملة الأولى يوم عاشوراء (رضوان الله عليه) وقد ذكر بعض تاريخه في ترجمة يزيد بن ثبيط.

(٤٩٤)

50- السلام على قعنب بن عمرو النمري(478).
51- السلام على سالم مولى عامر بن مسلم(479).
52- السلام على سيف بن مالك(480).
53- السلام على زهير بن بشر الخثعمي(481).
54- السلام على يزيد بن مغفل الجعفي(482).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(478) ذكر المؤرخون: أن قعنباً كان رجلاً بصرياً من الشيعة الذين بالبصرة، ولما جاء الحجاج بن بدر التميمي العدوي بكتاب مسعود بن عمرو النهشلي إلى الحسين (عليه السلام)، جاء معه قعنب إلى الحسين وانضم إليه وبقي عنده إلى يوم الطف، فلما شب القتال تقدم بين يدي الحسين (عليه السلام) وجاهد حتى قتل في الحملة الأولى مع من قتل رضوان الله عليه وعليهم.
وقال بعضهم قتل مبارزة.
(479) كان من الثقات التابعين، ومن شيعة البصرة، خرج هو مع مولاه وجمع آخر إلى الحسين (عليه السلام)، والتحقوا به في مكة المكرمة، وبقوا معه حتى استشهدوا يوم عاشوراء بأرض الطف في الحملة الأولى.
(480) سيف بن مالك العبدي البصري، وكان من شيعة البصرة، وخرج فيمن خرج مع يزيد بن ثبيط العبدي، والتحقوا بالحسين (عليه السلام) في مكة وما زالوا معه حتى قتلوا في يوم عاشوراء، فقيل أن سيف هذا قتل مبارزة بعد الظهر، وقيل أنه قتل في الحملة الأولى.
(481) لم أجد ذكره سوى أنه حضر كربلاء وقتل يوم عاشوراء مع الحسين (عليه السلام) في الحملة الأولى.
(482) ذكر المؤرخون:
أن يزيد بن مغفل كان من الشجعان وكان من الشعراء.
وله إدراك مع النبي (صلى الله عليه وآله) وشهد حرب القادسية هو مع أخيه زهير بن مغفل.
وكان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحارب معه في صفين.
ثم بعثه علي (عليه السلام) إلى حرب الخريت بن راشد الناجي من بني ناجية بأرض الأهواز، وكان يزيد الجعفي هذا على ميمنة العسكر.
والتحق بالحسين (عليه السلام) في مكة، وما زال معه حتى عاشوراء.
فلما التحم القتال استأذن يزيد بن مغفل الحسين (عليه السلام) في البراز، فأذن له، فتقدم أمام القوم وهو يرتجز ويقول:

أنا يزيد وأنا ابن مغفل * * * وفي يميني نصل سيف مصقل
أعلو به الهامات وسط القسطل * * * عن الحسين الماجد المفضل

فقاتل قتال الأبطال، وقتل من القوم نيفاً وعشرين رجلاً ثم قتل رضوان الله عليه.

(٤٩٥)

55- السلام على الحجاج ابن مسروق الجعفي(483).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(483) كان الحجاج بن مسروق مؤذن الحسين (عليه السلام) في أوقات الصلوات.
وكان من شيعة الكوفة، صحب أمير المؤمنين (عليه السلام).
ولما خرج الحسين (عليه السلام) إلى مكة، خرج إليه من الكوفة لملاقاته، فصحبه وكان مؤذناً له ولما وقع القتال يوم عاشوراء بأرض الطف، استأذن الحجاج بن مسروق الحسين (عليه السلام) في البراز فأذن له فجعل يرتجز ويقول:

أقدم حسيناً هادياً مهدياً * * * اليوم ألقى جدك النبيا
ثم أباك ذا الندى عليا * * * ذاك الذي نعرفه وصيا
والحسن الخير الرضي وليا * * * وأسد الله الشهيد الحيا
وذا الجناحين الفتى الكميا * * * فاطمة والطاهر الزكيا
ومن مضى من قبله تقيا * * * فالله قد صيرني وليا
في حبكم أقاتل الدعيا * * * وأشهدن الشهيد الحيا
لتبشروا يا عترة النبيا * * * بجنة شرابها مريا
والحوض حوض المرتضى عليا

فناداه الحسين (عليه السلام): نعم وأنا ألقاهما على أثرك.
فجعل يقاتل حتى قتل من القوم ثمانية عشر رجلاً، وفي رواية أخرى خمسة وعشرين رجلاً، سوى من جرح، ثم قتل رضوان الله عليه.

(٤٩٦)

56 و57- السلام على مسعود بن الحجاج وابنه عبد الرحمن بن مسعود(484).
58- السلام على مجمع بن عبد الله العائذي(485).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(484) كان مسعود وابنه عبد الرحمن من الشيعة المعروفين، ولمسعود ذكر في المغازي والحروب، وكانا شجاعين مشهورين.
ولما خرج عمر بن سعد إلى حرب الحسين (عليه السلام)، خرجا معه من الكوفة إلى كربلاء، حتى إذا وجدا فرصة جاءا إلى الحسين والتحقا به يوم السابع من محرم، وبقيا معه حتى يوم عاشوراء.
فلما قامت الحرب قتلا مع من قتل في الحملة الأولى (رضوان الله عليهما).
(485) كان مجمع هذا تابعياً له ذكر في صفين، وكان أبوه عبد الله من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) التحق مع جماعة من أهل الكوفة بالحسين (عليه السلام) وهو في طريقه إلى كربلاء عند (عذيب الهجانات) وكان هناك قد التقى بالحسين (عليه السلام) الحر بن يزيد الرياحي وأصحابه، فمانعه الحر عن الالتحاق بالحسين، لكنه وصل إلى الحسين وأدخله الحسين وأدخل أصحابه كلهم في رحاله.
قالوا: برز أول القتال من يوم عاشوراء هو وعمرو بن خالد وجابر بن الحرث السلماني وسعد مولى عمرو فلما وغلوا عطف عليهم أهل الكوفة، وفصلوهم عن أصحاب الحسين، وحالوا بينهم وبين مخيم الحسين (عليه السلام)، فلما نظر الحسين إلى ذلك ندب إليهم أخاه العباس (عليه السلام)، فحمل العباس على القوم وحده، يضرب فيهم بسيفه حتى كشفهم فاستنقذهم فجاءوا، ثم شد عليهم الأعداء، فشدوا على الأعداء، واقتتلوا حتى قتلوا رضوان الله عليهم. وترحم عليهم الحسين صلوات الله عليه.

(٤٩٧)

59- السلام على عامر بن حسان بن شريح الطائي(486).
60- السلام على حيان بن الحرث السلماني الأزدي(487).
61- السلام على جندب بن حجر الخولاني(488).
62- السلام على عمرو بن خالد الصيداوي(489).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(486) لم أجد له ذكراً إلا أنه قتل مع الحسين بن علي (عليهما السلام) في كربلاء، يوم عاشوراء فيمن قتل معه من أصحابه وأنصاره وأهل بيته رضوان الله عليه وعليهم أجمعين.
(487) لم يذكر في كتب الرجال والتراجم - كما قيل - لكن يظهر من هذه الفقرة من هذه الزيارة أنه قتل مع الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء (رضوان الله عليه).
(488) وضبطه بعضهم: جندب بن حجير، هو من أهل الكوفة، وقيل كان له صحبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) كان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحضر معه صفين، وكان أمير على كندة والأزد.
التحق بالحسين (عليه السلام) في الحاجز من بطن رمة قبل أن يلتقي به الحر بن يزيد الرياحي، فالتزمه إلى كربلاء حيث قتل يوم عاشوراء بين يدي الحسين (عليه السلام).
(489) هو من أهل الكوفة، من بني أسد، التحقق في جمع من أهل الكوفة بالحسين (عليه السلام) فلما بلغهم أنه في الطريق إلى كربلاء، فسلموا عليه فقال لهم الحسين (عليه السلام): أما والله إني لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا وقتلنا أم ظفرنا (قالوا) ولما رآهم الحر بن يزيد الرياحي أقبل إليهم وقال للحسين: إن هؤلاء النفر من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك، وأنا حابسهم أو رادهم، فقال الحسين (عليه السلام) للحر: لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي إنما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني أن لا تتعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من عبيد الله بن يزيد. فقال (عليه السلام): هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي فإن تممت على ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك فكف عنهم الحر. والتزم الحسين (عليه السلام) - قيل هو وابنه معه أيضاً - حتى ورد الحسين (عليه السلام) كربلاء كان يوم عاشوراء، فلما شب القتال تقدم عمرو بن خالد واستأذن في القتال فأذن له، فبرز إليهم وهو يقول ويرتجز:

إليك يا نفس إلى الرحمن * * * فابشري بالروح والريحان
اليوم تجزين على الإحسان * * * قد كان منك غابر الزمان
ما خط في اللوح لدى الأديان * * * لا تحزني فكل حي فان
والصبر أحظى لك بالإيمان

فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

(٤٩٨)

63- السلام على سعيد مولاه(490).
64- السلام على يزيد بن زياد بن المظاهر الكندي(491).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(490) وضبط أيضاً (سعد بن عبد الله) قالوا: كان سعد شريفاً، فاضلاً، فلما سمع بمجيء الحسين (عليه السلام) وأراد مولاه الالتحاق بالحسين صحب مولاه، وكان من الحاجز في بطن الرمة، ملازماً للحسين (عليه السلام) حتى قتل بين يديه يوم عاشوراء.
(491) وكنيته أبو الشعثاء، وكان رجلاً شريفاً شجاعاً ضرغاماً، خرج من الكوفة إلى الحسين (عليه السلام)، فصادفه في الطريق قبل أن يصل الحر بن يزيد الرياحي إليه، فلازمه حتى أتى كربلاء. وكان أبو الشعثاء عند الحسين إذا جاء رسول عبيد الله بن زياد إلى الحر يأمره بأن يجعجع بالحسين وأصحابه، فنظر أبو الشعثاء إلى رسول ابن زياد فعزله فقال: أمالك بن نسم العبدي؟ قال نعم - وكان أحد كندة - فقال له أبو الشعثاء: ثكلتك أمك ماذا جئت فيه؟ فقال ما لك: ما جئت فيه إطاعة إمامي ووفيت بيعتي، فقال له أبو الشعثاء: عصيت ربك، وأطعت إمامك من هلاك نفسك، كسبت العار والنار قال الله (عزَّ وجلَّ): (وجعلناهم أئمةً يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون) القصص آية41 فهو إمامك.
قال الشيخ الصدوق (قدّس سرّه): فلما كان اليوم العاشر. قاتل شجعان أهل الكوفة، وكان رامياً، فرمى مائة سهم لم يسقط منها سوى خمسة أسهم، وكان الحسين (عليه السلام) يدعو له قيقول: اللهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة.
ثم قال للحسين: أوفيت يا بن رسول الله؟
قال (عليه السلام): نعم أنت أمامي في الجنة.
فحمل القوم عليه من كل جانب وقتلوه رضوان الله عليه.

(٤٩٩)

65- السلام على زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي(492).
66- السلام على جبلة بن علي الشيباني(493).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(492) قالوا: كان بطلاً مجرباً شجاعاً مشهوداً محباً لأهل البيت (عليهم السلام) معروفاً، وكان قد أخذ مع مولاه عمرو بن الحمق الخزاعي إلى معاوية في الشام، لكنه أفلت في الطريق في الموصل - بأمر مولاه - وكان يعيش متوارياً حتى هلك معاوية ولحق بالحسين (عليه السلام) في مكة ولازمه حتى كربلاء، وقاتل يوم عاشوراء، وقتل في الحملة الأولى.
وضبطه أيضاً (زاهد) وكان من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذين بايعوه تحت الشجر، وشهد الحديبية وخيبر، وروى عن النبي (صلّى الله عليه وآله).
(493) كان جبلة من أصحاب علي (عليه السلام) وشهد معه صفين، وكان شجاعاً من شجعان الكوفة قام مع مسلم بن عقيل أولاً، فلما خذل وقتل مسلم فر واختفى عند قومه، فلما جاء الحسين إلى كربلاء جاء إليه أيام المهادنة ولما نشب القتال يوم الطف تقدم جبلة بين يدي الحسين (عليه السلام) فقاتل مبارزاً حتى قتل، وقيل قتل في الحملة الأولى.

(٥٠٠)

67- السلام على سالم مولى بني المدينة الكلبي(494).
68- السلام على أسلم بن كثير الأزدي الأعرج(495).
69- السلام على زهير بن سليم الأزدي(496).
70- السلام على قاسم بن حبيب الأزدي(497).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(494) قال أهل السير: كان سالم فارساً شجاعاً خرج مع مسلم بن عقيل أولاً، ولما تخاذل الناس عن مسلم قبض عليه كثير بن شهاب التميمي مع جماعة من الشيعة فأراد تسليمه إلى عبيد الله بن زياد مع أصحابه الذين كانوا معه فأفلت واختفى عند قومه فلما سمع نزول الحسين بن علي إلى كربلاء خرج إليه أيام المهادنة، فانضم إلى أصحابه الذين كانوا مع الحسين من الكلبيين ثم لم يزال مع الحسين (عليه السلام) حتى قاتل فقتل رضوان الله عليه.
(495) كان من أهل الكوفة، قالوا: وأدرك صحبة النبي (صلّى الله عليه وآله) وشهد فتح مصر أيضاً، وكانت رجله قد أصيبت يوم الجمل وجرح ساقه فيه.
فجاء إلى الحسين (عليه السلام) فوافاه في كربلاء، وبقي معه حتى يوم عاشوراء حيث قاتل القوم مقاتلة وقتل رضوان الله عليه.
(496) كان زهير بن سليم بن عمر الأزدي من أهل الكوفة، والتحق بالحسين (عليه السلام) في الليلة العاشرة من محرم عندما رأى عزم بن سعد على قتال الحسين (عليه السلام)، فانضم إلى أصحابه الأزديين الذين كانوا مع الحسين (عليه السلام).
(497) قالوا: كان القاسم بطلاً شجاعاً وفارساً معروفاً من شيعة الكوفة، خرج مع عمر بن سعد إلى كربلاء ومال إلى الحسين (عليه السلام) أيام المهادنة، وكان معه حتى التحم القتال يوم عاشوراء، فقاتل بين يدي الحسين (عليه السلام)، حتى قتل في الحملة مع من قتل من أصحاب الحسين رضوان الله عليه وعليهم أجمعين.

(٥٠١)

71- السلام على عمرو بن جندب الحضرمي(498).
72- السلام على أبي تمامة عمر بن عبد الله الصائدي(499).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(498) قالوا: الحضرمي الأصل الكوفي المسكن، كان من زعماء الشيعة، وحضر مع علي بن أبي طالب الجمل وصفين، وكان من أعوان حجر بن عدي، فلما قبض زياد بن أبيه على حجر وأصحابه وأرسلهم إلى الشام هرب عمرو بن جندب وكان متوارياً حتى هلك زياد فرجع إلى الكوفة وكان بها إلى أن هلك معاوية، وكان عمرو بن جندب ممن بايعوا مسلم بن عقيل، فلما قبض على مسلم ولحق بالحسين (عليه السلام) في طريقه إلى كربلاء وكان معه حتى يوم عاشوراء إذ قاتل بين يدي الحسين (عليه السلام) وقتل في الحملة الأولى.
(499) وضبطه بعضهم (الصيداوي) وهو بطن من همدان.
قالوا: كان تابعياً وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة، ومن أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد شهد معه مشاهدة كلها. وكان ممن اجتمع في دار سليمان بن صرد الخزاعي - بعد هلاك معاوية - وكتب إلى الحسين (عليه السلام) يستقدمه من مكة إلى الكوفة. ولما قتل مسلم بن عقيل، طلبه ابن زياد فاختفى أبو تمامة، والتحق بالحسين (عليه السلام) في طريق كربلاء.
وعن حميد بن مسلم: أن أباه تمامة الصائدي لما رأى الشمس يوم عاشوراء زالت وأن الحرب قائمة على ساق فلم يزل يقتل من أصحاب الحسين الواحد والاثنان فيتبين ذلك منهم لقلتهم ويقتل من أصحاب عمر بن سعد العشرة فلا يتبين فيهم ذلك لكثرتهم فقال أبو تمامة للحسين (عليه السلام): يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ولا والله حتى أقتل دونك إن شاء الله وأجد أن ألقى الله ربي وقد صليت هذه الصلوات التي قد دنا وقتها، فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه إلى السماء ثم قال (عليه السلام): ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين، نعم هذه أول وقتها، ثم قال (عليه السلام): سلوهم أن يكفوا عنا الحرب حتى نصلي، فقال الحصين بن نمير: إنها لا تقبل منكم، فرد عليه حبيب بن مظاهر.. (ثم) أن أبا تمامة الصائدي قال للحسين (عليه السلام) وقد صلى الحسين (عليه السلام) صلاة الخوف لأن القوم كانوا مهاجمين عليهم: يا أبا عبد الله إني قد هممت أن ألحق بأصحابي وكرهت أن أتخلف وأراك وحيداً من أهلك قتيلاً، فقال الحسين (عليه السلام): تقدم فأنا لا حق بك عن ساعة، فتقدم وقاتل حتى أثخن بالجراحات ثم قتل رضوان الله عليه.

(٥٠٢)

73- السلام على حنظلة بن أسعد الشيباني(500).
74- السلام على عبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبي(501).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(500) وهو من همدان، وضبطه بعضهم (الشبامي) وشبام اسم جبل سكنه حنظلة بن أسعد.
قالوا: كان من وجوه الشيعة ذا لسان وفصاحة، وكان قارئاً، وكان شجاعاً التحق بالحسين (عليه السلام) في كربلاء، وكان رسول الحسين (عليه السلام) إلى عمر بن سعد أيام المهادنة.
وبقي يوم عاشوراء حتى قتل معظم أصحاب الحسين (عليه السلام)، ولم يبقى معه بضعة نفر، فجاء أمام الحسين يقيه السيوف والرماح بوجهه ونحره، واستأذن الحسين (عليه السلام) في البراز، وجعل يعظ أهل الكوفة فقال له الحسين (عليه السلام):
(يا بن سعد رحمك الله إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ونهضوا إليك ولأصحابك، فكيف بهم الآن قد قتلوا إخوانك الصالحين).
قال: صدقت يا بن رسول الله أفلا نروح إلى ربنا ونلحق بإخواننا الصالحين (فقال) له الحسين (عليه السلام): اذهب إلى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها إلى ملك لا يبلى. فسلم على الحسين سلام الوداع، وتقدم إلى القوم مصلتاً سيفه يضرب فيهم قدماً حتى احتوشوه وقتلوه في حومة الحرب رضوان الله عليه.
(501) كان أبوه عبد الله من أصحاب الرسول (صلّى الله عليه وآله) وكان عبد الرحمن تابعياً وجيهاً شجاعاً مقداماً.
قال علماء السير: لم بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية وخرج الحسين (عليه السلام) إلى مكة اجتمع جماعة من الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، واتفقوا على أن يكتبوا إلى الحسين (عليه السلام) يسألونه القدوم عليهم ليسلموا الأمر إليه ويطردوا النعمان بن بشير عامل يزيد بن معاوية، فكتبوا إلى الحسين وسرحوا الكتاب إليه إلى مكة مع قيس بن مسهر الصيداوي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرجي - هذا - وعمارة بن عبيد السلولي، فحملوا معهم نحواً من ثلاثة وخمسين صحيفة من الرجل، والاثنين، وأربعة، يدعون فيها كل صحيفة من جماعة، وكان قاصد الثاني عبد الرحمن الأرجي... فدخل مكة هو وأصحابه الذين كانوا معه الأثني عشر ليلة خلت من شهر رمضان وتلاقت الرسل ثمة: ثم أرسل الحسين (عليه السلام) مسلم بن عقيل إلى الكوفة ومعه جماعة، ومنهم عبد الرحمن بن الكدن الأرجي، فوافوا الكوفة، فلما قتل مسلم بن عقيل رجع عبد الرحمن إلى الحسين (عليه السلام) نحو مكة والتحق به في الطريق وكان معه حتى يوم عاشوراء، فلما رأى الحال استأذن في البراز - بعد صلوة الظهر - فأذن له الحسين (عليه السلام) فتقدم أمامه يضرب فيهم بسيفه وأخذ يرتجز ويقول:

صبراً على الأسياف والأسنة * * * صبراً عليها لدخول الجنة
وحور عين ناعمات هنه * * * يا نفس للراحة فاجهدنه
وفي طلاب الخير فارغبنه.

ولم يزل يقاتل حتى قتل من القوم جماعة، ثم قتل رضوان الله عليه.

(٥٠٣)

75- السلام على عمار بن أبي سلامة الهمداني(502).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(502) وبعضهم ضبطه هكذا: عمارة بن أبي سلامة بن عبد الله الدالاني الهمداني.
وقالوا: وبنو دالان بطن من همدان.
وقالوا: كان صحابياً له إدراك، وكان مع أمير المؤمنين (عليه السلام) شهد مشاهده كلها.
 وفي كامل ابن الأثير: أنه من خواص أمير المؤمنين ومن المجاهدين بين يديه في حروبه الثلاث.
التحق بالحسين (عليه السلام)، وقاتل دونه يوم عاشوراء حتى قتل في الحملة الأولى.

(٥٠٤)

76- السلام على عابس بن شبيب الشاكري(503).
77- السلام على شوذب مولى شاكر(504).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(503) وقال بعضهم: الشاكري الهمداني الكوفي، وبنو شاكر بطن من همدان، وهم معروفون بولائهم لأمير المؤمنين (عليه السلام).
قالوا: كان عابس من رجال الشيعة رئيساً شجاعاً عابداً ناسكاً مجتهداً خطيباً.
فلما قدم مسلم بن عقيل إلى الكوفة خطب أمامه عند جمع غفير من الناس، وأظهر تفانيه فيهم. ولما ورد الحسين (عليه السلام) كربلاء التحق به.
ولما كان يوم عاشوراء وقف أمام الحسين قائلاً: السلام عليك يا أبا عبد الله، أما والله ما أمسى على وجه الأرض قريب أو بعيد أعز علي ولا أحب إلي منك... واستأذن الحسين وبرز وقتل من القوم مقتلة عظيمة، فتعطفوا عليه من كل جانب فقتلوه واحتزوا رأسه، وتناوشه الرجال كل منهم يقول أنا قتلته، فقال عمر بن سعد: لا تختصموا هذا لم يقتله إنسان واحد كلكم قتلتموه ففرق بينهم بهذا القول.
(504) شوزب بن عبد الله الهمداني الشاكري الكوفي، كان صحابياً أدرك النبي (صلّى الله عليه وآله) واشترك مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في حروبه الثلاث، وكان عابداً، شجاعاً، من وجوه الشيعة بالكوفة، وحافظاً للحديث، وأخذ أهل الكوفة العلم والحديث عنه.
قال أبو مخنف: صحب شوزب عابساً مولاه من الكوفة إلى مكة حاملاً معه كتاب مسلم بن عقيل إلى الحسين (عليه السلام) بعد بيعة الناس لمسلم وبقي مع عابس يصحب الحسين (عليه السلام) من مكة إلى كربلاء.
ونفى العلامة المامقاني (قدّس سرّه) في رجاله أن يكون شوزب هذا مولى عابس، وقال: أن مقامه أجل من عابس من حيث العلم والتقوى.
ولما التحم القتال حارب شوزب أولاً، ثم دعاه عابس فاستخبره عما في نفسه فأجاب بقوله نعم، فعاد إلى القتال، وقاتل قتال الأبطال حتى قتل من القوم جماعة كثيرة ثم قتل رضوان الله عليه.

(٥٠٥)

78- السلام على شبيب بن الحارث بن سريع(505).
79- السلام على مالك بن عبد بن سريع(506).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(505) وذكر ضبطه بعضهم هكذا: شبيب بن عبد الله مولى الحرث بن سريع الكوفي وقال بعضهم هو سيف بن الحارث بن سريع الذي ستأتي ترجمته.
قال أهل السير: كان صحابياً أدرك النبي (صلّى الله عليه وآله) وسمع حديثه، وشهد مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) مشاهد كلها، وكان من الكوفيين.
كان بطلاً شجاعاً، والتحق بالحسين (عليه السلام) مع سيف بن الحارث ومالك بن عبد الله بن سريع.
وقتل في الحملة الأولى التي قتل فيها العشرات من أصحاب الحسين (عليه السلام) قبل الظهر من يوم عاشوراء، رضوان الله عليه وعليهم أجمعين.
(506) هكذا ضبطه الاسترابادي في رجاله: مالك بن عبد الله بن سريع الهمداني الجابري.
قال الشيخ محمد السماوي: بنو جابر بطن من همدان، كان سيف ومالك الجابريان ابني عم، وأخوين لأم جاءا إلى الحسين (عليه السلام) - في كربلاء أيام المهادنه - ودخلا في عسكر الحسين ومعهما شبيب مولاهما، فانضموا جميعاً إلى الحسين (عليه السلام). (وعن ابن تمام أنه لما رأيا الحسين (عليه السلام) في عاشوراء بتلك الحالة جاءا إليه وهما يبكيان، فقال لهما الحسين (عليه السلام): أي ابني أخي ما يبكيكما (فوالله إني لأرجو أن تكون بعد ساعة قريري العين؟) فقالا: جعلنا الله فداك يا بن رسول الله ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك. نراك قد أحاط بك القوم كالحلقة ولا نقدر أن نمنعك بأكثر من أنفسنا، فقال الحسين (عليه السلام): جزاكم الله يا ابني أخي بوجدكما ومواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين، فاستقدما أمام الحسين وهما يتسابقان إلى القوم ويلتفتان إلى الحسين (عليه السلام) ويقولان: السلام عليك يا أبا عبد الله السلام عليك يا بن رسول الله (ويقول) الحسين: وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته، ثم جعلا يقاتلان جميعاً وأن أحدهما ليحمي ظهر صاحبه لأنه القريب من المخيم وهما يسمعان العويل والبكاء من النساء والأطفال فقاتلا حتى قتلا في مكان واحد رضوان الله عليهما.

(٥٠٦)

80- السلام على الجريح المأسور سوار بن أبي عمير الفهمي الهمداني(507).
81- السلام على المرتث معه عمرو بن عبد الله الجندعي(508).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(507) نقل العلامة الزنجاني في (وسيلة الدارين) أنه قد أتى الحسين (عليه السلام) من الكوفة أيام المهادنة وبقي معه وقاتل دونه حتى صرع وأخذ إلى ابن سعد أسيراً، وأراد ابن سعد قتله فتشفع له بنو عمومته حتى تركه وبقي مريضاً مات على أثره بعد ستة أشهر.
(508) بنو جندع بطن من همدان، وكان عمرو هذا ممن أتى للحسين (عليه السلام) والتحق في كربلاء أيام المهادنة - بين ورود الحسين إلى كربلاء وبين سد المشرعة عليه - وكان ممن بقي مع الحسين (عليه السلام) بعدما قتل أصحابه وأنصاره، فلما أحاط القوم بالمخيم تقدم إلى القتال وقاتل حتى وقع إلى صريعاً مرتثاً بالجراحات، (المرتث) هو الذي حمل من المعركة رتيثاً أي مجروحاً به رمق - قد وقعت ضربة على رأسه بلغت - فاحتمله قومه وبنو عمومته، وبقي عند قومه مريضاً من تلك الضربة طريح الفراش سنة كاملة حتى توفي على رأس السنة رضوان الله عليه.

(٥٠٧)

السلام عليكم يا خير أنصار.
السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار بوأكم الله مبوأ الأبرار، أشهد لقد كشف الله لكم الغطاء ومهد لكم الوطاء وأجزل لكم العطاء وكنتم عن الحق غير بطاء وأنتم لنا فرطاء ونحن لكم خلطاء في دار البقاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(٥٠٨)

زيارة الإمام المنتظر (509)
بسم الله الرحمن الرحيم لا لأمره تعقلون [ولا من أوليائه تقبلون](510) حكمة بالغة فما تغني النذر عن قوم لا يؤمنون.
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا، فقولوا(511) كما قال الله تعالى:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(509) الاحتجاج: أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص315 - 317: عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنه قال: خرج التوقيع من الناحية المقدسة - حرسها الله - بعد المسائل:....
(510) هذه الجملة وردة في نسخة من كتاب الاحتجاج التي نقل الشيخ عباس القمي منها هذا الحديث، ولا توجد في هذه النسخة الموجودة لدينا.
(511) إن توقيفية الأدعية والزيارات كتوقيفية الأوراد والأذكار، من المسلمات الأولية لدى أهلها، تماماً كتوقيفية النصوص السماوية وأسماء الله سبحانه وتعالى مع فارق الاختلاف في الدرجات وفي الأحكام الشرعية من الوجوب والتحريم وغيرها.
وإذا حاولنا بيان السبب لا بد من تمهيد مقدمة، وهي:
أن (علم الجفر) من أهم العلوم، وقد تخصص به علماء فطاحل وألفوا فيه مئات الكتب، وتوصلوا عن طريقه إلى معارف جمة.

(٥٠٩)

وهذا العلم يستند إلى أن كل حرف من الحروف عنصر كوني عامل، فالحروف قوى فاعلة كالعناصر الستة والتسعين، التي هي المواد الأساسية لجميع الماديات، وكما أن العناصر الستة والتسعين تتفاعل فيما بينها، وتحدث - من تركيب كل مجموعة منها - وحدة مادية لها خواصها وآثارها وتفاعلاتها الثانوية مع بقية الوحدات المادية كحبة قمح، أو إنسان، أو لؤلؤة، أو بقرة، أو نجمة. كذلك الحروف تتفاعل فيما بينها، وتحدث - من تركيب كل مجموعة منها - وحدة حرفية اسمها (كلمة) وكل كلمة لها خواصها وآثارها وتفاعلاتها الثانوية مع بقية الكلمات.
وهكذا الأرقام، فكل رقم عنصر كوني عامل، والأرقام قوى فاعلة، وهي تتفاعل فيما بينها، وتحدث - من تركيب كل مجموعة منها - وحدة رقمية لها خواصها وآثارها وتفاعلاتها الثانوية.
وهذا الذبذبات الصوتية، فكل ذبذبة عنصر كوني عامل، والذبذبات قوى فاعلة، وهي تتفاعل فيما بينها، وتحدث - من تركيب كل مجموعة منها - وحدة ذبذبية لها خواصها وآثارها وتفاعلاتها الثانوية.
فإذا تركبت الكلمات مع الأرقام، أو تركبت مع الذبذبات، أو تركبت الأرقام مع الذبذبات، تحدث تفاعلات ثالثية.
وإذا تركبت الكلمات مع الأرقام مع الذبذبات، تحدث تفاعلات رابعية.
وهكذا كلما تعددت نوعية العناصر المركبة كانت تفاعلاتها أكثر تعقيداً.
مثلاً: لو كتبت جملة معينة مرة واحدة كان لها أثر معين، هو أثر تلك الأحرف، وإذا كتبت برقم معين يتفاعل معها كان لها أثر آخر، هو أثر تلك الأحرف مضافاً

(٥١٠)

إلى تفاعلها مع ذلك الرقم. وإذا قرأت تلك الجملة بذلك الرقم، كان لها أثر ثالث، هو أثر تلك الأحرف، مضافاً إلى تفاعلها مع ذلك الرقم، مضافاً إلى تفاعل المجموع مع تلك الذبذبات الصوتية، فإذا أضيف إلى هذه الأنواع الثلاثة عنصر من العناصر نوع رابع من العناصر كعنصر الزمان أو اشتركت معها العناصر الروحية مثلاً بواسطة النية التي هي مساهمة روحية، أدى إلى تفاعل أكثر تعقيداً وفعالية.
وهذه الأنواع كلها من (عالم الأمر) كالروح والعقل والجاذبية وسائر الطاقات وتسمى بـ (الماورائيات) وقد أشار القرآن إلى هذا العالم في العديد من آياته: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون). سورة يس، آية82. (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا) سورة الشورى، آية52.
وهذا العالم متداخل ومتفاعل مع عالم المادة الذي يسمى بـ (عالم الخلق) قد أشار القرآن إلى هذا العالم في آيات عديدة: (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور) سورة الأنعام، آية 1.
وأشار إلى عالم الأمر وعالم الخلق معاً: (ألا له الخلق والأمر وتبارك الله رب العالمين) سورة الأعراف، آية54.
والذين يجهلون عالم الأمر ونظامه يتعاملون مع موجوداته من موقع الجهل فقد يرشدهم العقل الباطن إلى التعامل الصحيح فيسلمون، وربما يسيئون التعامل معها فيصابون روحياً. كما أن الإنسان البدائي الذي يجهل عالم الخلق ونظامه يتعامل مع موجوداته من موقع الجهل، فقد ترشده غرائزه إلى التعامل الصحيح معها، فيسلم، وربما يسيء التعامل معها فيصاب جسدياً.
وكما أن الذي يجهل نظام عالم الخلق عليه أن لا يتعامل مع موجوداته إلا من خلال إرشاد الخبراء به، كالطبيب أو المهندس، كذلك الذي يجهل نظام عالم الأمر عليه أن لا يتعامل مع موجوداته إلا من خلال إرشاد الخبراء به وهم الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام).
وقد كان الإمام المهدي (عليه السلام) واضحاً جداً عندما قال: (لا لأمره تعقلون، ولا من أوليائه تقبلون) أي لستم خبراء بنظام عالم الأمر، ولا تلتزمون بإرشاد الخبراء به، فترتجلون كلمات للتعامل مع الماورائيات دون أن تعرفوا أنها تنفع أو تضر.
ومن هنا اشتهرت التوقيفية في التعامل مع الماورائيات.

(٥١١)

(سلام على إل ياسين)(512).
السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته.
السلام عليك يا باب الله وديان دينه.
السلام عليك يا خليفة الله وناصر خلقه.
السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته.
السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه.
السلام عليك يا بقية الله في أرضه(513).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(512) سورة الصافات: آية 130 لكن الآية بكسر الهمزة على القراءة المشهورة.
(513) قد يستغرب البعض من كلمة (بقية الله) من جهة أن الله سبحانه لا أجزاء له، حتى يكون آخر جزء منه يدعى (بقية)، ولكن الذي يظهر أن المعنى غير ذلك، بل المعنى بقية من الله - على سبيل الإضافة المقدرة بـ (من) الجارة، وبمعنى بقية من قبل الله تعالى، فإن الله (عزَّ وجلَّ) بعث النبي (صلّى الله عليه وآله) وعين خلفاءه بأسمائهم واحداً واحداً، والآخر من الخلفاء إطلاق (بقية) عليه في محلة....
ويرتفع الاستغراب بملاحظة استعمال كلمة الله تعالى في القرآن الحكيم هذه اللفظة وهذا اللقب لنبيه شعيب (عليه السلام) حيث يقول: (بقيت الله خير لكم إن كنتم تعلمون) سورة هود آية 83، وقد ورد في كتب التفسير لمختلف مذاهب المسلمين تأويل هذه الآية الكريمة بالإمام المهدي (عليه السلام).

(٥١٢)

السلام عليك يا ميثاق الله الذي أخذه ووكده.
السلام عليك يا وعد الله الذي ضمنه.
السلام عليك أيها العلم المنصوب، والعلم المصبوب، والغوث والرحمة الواسعة وعداً غير مكذوب.
السلام عليك حين تقعد السلام عليك حين تقوم.
السلام عليك حين تقرأ وتبين.
السلام عليك حين تصلي وتقنت.
السلام عليك حين تركع وتسجد.
السلام عليك حين تكبر وتهلل.
السلام عليك حين تحمد وتستغفر.
السلام عليك حين تمسي وتصبح.
السلام عليك في الليل إذ يغشى والنهار إذا تجلى.
السلام عليك أيها الإمام المأمون.
السلام عليك أيها المقدم المأمول.
السلام عليك بجوامع السلام.

(٥١٣)

أشهدك يا مولاي أني لأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأن محمد عبده ورسوله لا حبيب إلا هو وأهله، وأشهد أن أمير المؤمنين حجته، والحسن حجته، والحسين حجته، وعلي بن الحسين حجته، ومحمد بن علي حجته، وجعفر بن محمد حجته، وموسى بن جعفر حجته، وعلي بن موسى حجته، ومحمد بن علي حجته، وعلي بن محمد حجته، والحسن بن علي حجته، وأشهد أنك حجة الله.
أنتم الأول والآخر، وأن رجعتكم(514) حق لا شك فيها يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت من إيمانها خيراً، وأن الموت حق، وأن ناكراً ونكيراً حق، وأشهد أن النشر والبعث حق، وأن الصراط والمرصاد حق، والميزان والحساب حق، والجنة والنار حق، والوعد والوعيد بهما حق.
يا مولاي شقي من خالفكم وسعد من أطاعتكم.
فاشهد على ما أشهدتك عليه، وأنا ولي لك بريء من عدوك، فالحق ما رضيتموه، والباطل ما سخطتموه، والمعروف ما أمرتم به، والمنكر ما نهيتم عنه، فنفسي مؤمنة بالله وحده لا شريك له، وبرسوله وبأمير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(514) النقاش حول الرجعة غير وارد بالنسبة إلى من يؤمن بالإمام المهدي (عليه السلام)، لأن ظهوره أول الرجعة. وقد بحثنا أصل الرجعة في كتابنا في التفسير عن تفسير قوله تعالى: (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل) سورة غافر، آية11.

(٥١٤)

المؤمنين، وبأئمة المؤمنون وبكم يا مولاي، أولكم وآخركم، ونصرتي معدة لكم، ومودتي خالصة لكم آمين آمين.

(٥١٥)

نسخة أخرى للزيارات (515)
بسم الله الرحمن الرحيم لا لأمر الله تعقلون ولا من أوليائه تقبلون حكمة بالغة فمن تغنى الآيات والنذر من قوم لا يؤمنون والسلام علينا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(515) العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار: ج94 ص36 قال:
ووجدت بخط الشيخ محمد بم علي الجبعي: نقلاً من خط الشيخ الأجل علي بن السكون حدثنا الشيخ الأجل الفقيه سديد الدين أبو محمد عربي ابن مسافر العبادي أدام الله تأييده قراءة عليه قال:
حدثنا الشيخ أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن علي بن طحال المقدادي رحمه الله بمشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه في الطراز الكبير الذي عند رأس الإمام (عليه السلام) في العشر الأواخر من ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وخمسمائة قال حدثنا الشيخ الأجل السيد المفيد أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه بالمشهد المذكور على صاحبه أفضل السلام في الطراز المذكور في العشر الأواخر من ذي العقدة سنة تسع وخمسمائة قال حدثنا السيد السعيد الوالد أبو جعفر محمد بن الحسن عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن الحسن البزاز قال أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن يحيى القمي قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن زنجويه القمي قال حدثنا أبو جعفر بن عبد الله بن جعفر الحميري.
قال أبو علي الحسن بن أشناس، وأخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني أن أبا جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أخبره وأجاز له جميع ما رواه أنه خرج إليه التوقيع من الناحية المقدسة حرسها الله بعد المسائل التي سألها والصلاة والتوجه أوله:...

(٥١٦)

وعلى عباد الله الصالحين. فإذا أردتم التوجه بنا إلى الله تعالى وإلينا فقولوا كما قال الله تعالى:
(سلام على إل ياسين) ذلك هو الفضل المبين والله ذو الفضل العظيم من يهديه صراط مستقيم.
التوجه: قد آتاكم الله يا آل ياسين خلافته وعلم مجاري أمره فيما قضاه ودبره ورتبه وأراده في ملكوته فكشف لكم الغطاء وأنتكم خزنته وشهداؤه وعلماؤه وأمناؤه ساسة العباد وأركان البلاد وقضاة الأحكام وأبواب الإيمان ومن تقديره منايح العطاء بكم إنفاذه محتوماً مقروناً فما شيء منه إلا وأنتم له السبب وإليه السبيل، خياره لوليكم نعمه وانتقامه من عدوكم سخطة فلا نجاة ولا مفزع إلا أنتم في أرضه وسمائه وأنتم يا حجة الله وبقيته كمال نعمته ووارث أنبيائه وخلفائه ما بلغناه من دهرنا وصاحب الرجعة لوعد ربنا التي فيها دولة الحق وفرحنا ونصر الله لنا وعزنا.
السلام عليك أيها العلم المنصوب والعلم المصبوب والغوث والرحمة الواسعة وعدنا غير مكذوب السلام عليك صاحب المرأى والمسمع الذي بعين الله مواثيقه وبيد الله عهوده وبقدرة الله سلطانه أنت الحليم الذي لا تعجله العصبية والكريم الذي لا تبخله الحفيظة والعالم الذي لا تجهله الحمية مجاهدتك في الله ذات مشية الله ومقارعتك في الله ذات

(٥١٧)

انتقام الله وصبرك في الله ذو أناة الله وشكرك الله ذو مزيد الله ورحمته السلام عليك يا محفوظاً بالله نور أمامه وورائه ويمينه وشماله وفوقه وتحته يا محروزاً في قدرة الله، الله نور سمعه وبصره ويا وعد الله الذي ضمنه ويا ميثاق الله الذي أخذه ووكده.
السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته، السلام عليك يا باب الله وديان دينه السلام عليك يا خليفة الله وناصر حقه السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه السلام عليك في آناء ليلك وأطراف نهارك السلام عليك يا بقية الله في أرضه.
السلام عليك حين تقوم السلام عليك حين تقعد السلام عليك حين تقرأ وتبين السلام عليك حين تصلي وتقنت السلام عليك حين تركع وتسجد السلام عليك حين تعوذ وتسبح السلام عليك حين تكبر وتهلل السلام عليك حين تحمد وتستغفر السلام عليك حين تمجد وتمدح السلام عليك حين تمسي وتصبح.
السلام عليك في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والآخرة والأولى السلام عليك يا حجج الله ورعاتنا وهداتنا ودعاتنا وقادتنا وأئمتنا وسادتنا وموالينا السلام عليك أنتم نورنا وأنتم جاهنا أوقات صلاتنا وعصمتنا بكم لدعائنا وصلاتنا وصيامنا واستغفارنا وسائر أعمالنا.
السلام عليك أيها الإمام المأمون السلام عليك أيها الإمام المقدم

(٥١٨)

المأمول السلام عليك بجوامع السلام أشهدك يا مولاي أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده وحده وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله لا حبيب إلا هو وأهله، وأن أمير المؤمنين حجته وأن الحسن حجته وأن الحسين حجته وأن علي بن الحسين حجته وأن محمد بن علي حجته وأن جعفر بن محمد حجته وأن موسى بن جعفر حجته وأن علي بن موسى حجته وأن محمد بن علي حجته وأن علي بن محمد حجته وأن الحسن بن علي حجته وأنت حجته وأن الأنبياء دعاة وهداة رشدكم، أنتم الأول والآخر وخاتمته وأن رجعتكم حق لا شك فيها يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خير وأن الموت حق و[أشهد] أن ناكراً ونكيراً حق وأن النشر والبعث حق وأن الصراط حق والمرصاد حق، والميزان حق والحساب حق، والجنة والنار حق، والجزاء بهما للوعد والوعيد حق وأنكم للشفاعة حق لا تردون ولا تسبقون مشيئة الله وبأمره تعملون ولله الرحمة والكلمة العليا وبيده الحسنى وحجة الله العظمى خلق الجن والإنس لعبادته أراد من عباده عبادته فشقي وسعيد قد شقي من خالفكم وسعد من أطاعكم وأنتم يا مولاي فاشهد بما أشهدتك عليه تخزنه وتحفظه لي عندك، أموت عليه وأنشر عليه وأقف به ولياً لك بريئاً من عدوك، ماقتاً لمن أبغضكم راداً لمن أحبكم فالحق ما رضيتموه والباطل ما سخطتموه والمعروف ما أمرتم

(٥١٩)

به والمنكر ما نهيتم عنه والقضاء المثبت ما استأثرت به مشيئتكم والممحو ما استأثرت به سنتكم فلا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد عبده ورسوله علي أمير المؤمنين حجته الحسن حجته الحسين حجته علي حجته محمد حجته جعفر حجته موسى حجته علي حجته محمد حجته علي حجته الحسن حجته أنت حجته أنتم حججه وبراهينه.
أنا يا مولاي مستبشر بالبيعة التي أخذ الله علي شرطه قتالاً في سبيله اشترى به أنفس المؤمنين فنفسي مؤمنة بالله وحده لا شريك له وبرسوله وبأمير المؤمنين وبكم يا مولاي أولكم وآخركم ونصرتي معدة مودتي خالصة لكم وبراءتي من أعدائكم أهل الحردة والجدال ثابتة لثأركم أنا ولي وحيد والله إله الحق يجعلني كذلك آمين آمين.
من لي إلا أنت فيما دنت واعتصمت بك فيه تحرسني فيما تقربت به إليك يا وقاية الله وستره وبركته أغثني أدنني أعني أدركني صلني بك ولا تقطعني. اللهم إليك بهم توسلي وتقربي اللهم صل على محمد وآله وصلني بهم ولا تقطعني بحجتك واعصمني وسلامك على آل ياسين مولاي أنت الجاه عند الله ربك وربي إنه حميد مجيد(516).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(516) ثم ذكر العلامة المجلسي (قدّس سرّه) بنفس السند المذكور سابقاً دعاءً مطولاً عقيب هذه الزيارة ذكرناها في حقل الأدعية.

(٥٢٠)

زيارة المعصومين (517)
الحمد لله الذي أشهدنا فشهد أولياؤه في رجب وأوجب علينا من حقهم ما قد وجب وصلى الله على محمد المنتخب وعلى أوصيائه الحجب اللهم فكما أشهدتنا مشهدهم فأنجز لنا موعدهم وأوردنا موردهم غير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(517) أ: الشيخ محمد بن الطوسي (قدّس سرّه) في مصباحه ص572.
قال: قال ابن عياش: حدثني خير بن عبد الله عن مولاه - يعني: أبا القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه - قال: زر أي المشاهد كنت بحضرتها في رجب تقول إذا دخلت:...
ب: السيد ابن طاووس (قدّس سرّه) في الإقبال ص111 عن جده الطوسي (قدّس سرّه)....
ج: العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار (ج102 - ص195) قال: الزيارة العاشرة رواها الشيخ في المصباح والسيد في الإقبال والمزار وغيرهما قال الشيخ...
د: الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان ص126:...

(والظاهر) أن الزيارة مروية عن صاحب الأمر عليه الصلاة والسلام لما ذكرنا وعلم من حال النواب الأربعة والحسين بن روح خاصة من عدم اختراعهم لأمثال ذلك من عند أنفسهم، وحيث لم تذكر هذه الزيارة عمن عاصروا بعض آباء صاحب الأمر عليه وعليهم السلام فليست الزيارة لبعض آبائه، فالظاهر أنها زيارة صادرة عن الناحية المحفوفة بالقدس.
(كما) أن الظاهر أنها زيارة للمعصومين (عليهم السلام) فقط. لا مطلق أولياء الله من أولاد المعصومين وغيرهم، لما في ثنايا الزيارة من العبادات المختصة بالمعصومين (عليهم السلام)، فلا يزار بها أبو الفضل العباس، أو علي الأكبر، أو فاطمة المعصومة بقم، أو عبد العظيم الحسن بالري، أو غيرهم (عليهم السلام).

(٥٢١)

محلئين عن ورد في دار المقامة والخلد والسلام عليكم إني قصدتكم واعتمدتكم بمسألتي وحاجتي وهي فكاك رقبة من النار والمقر معكم في دار القرار مع شيعتكم الأبرار والسلام عليكم بما صرتم فنعم عقبى الدار أنا سائلكم وآملكم فيما إليكم التفويض وعليكم التعويض فيكم يجبر المهيض ويشفى المريض وما تزداد الأرحام وما تغيض إني بسركم مؤمن ولقولكم مسلم وعلى الله بكم مقسم في رجعي بحوائجي وقضائها وإمضائها وإنجاحها وإبرامها وبشؤوني لديكم وصلاحها والسلام عليكم سلام مودع ولكم حوائجه مودع يسأل الله إليكم المرجع وسعيه إليكم غير منقطع وأن يرجعن من حضرتكم خير مرجع إلى جناب ممرع وخفض موسع ودعة ومهل إلى حين الأجل وخبر مصير ومحل في النعيم الأزل والعيش المقتبل ودوام الأكل وشرب الرحيق والسلسل وعل ونهل لا سأم منه ولا ملل ورحمة الله وبركاته وتحياته عليكم حتى العود إلى حضرتكم والفوز في كرتكم والحشر في زمرتكم ورحمة الله وبركاته عليكم وصلواته وتحياته وهو حسبنا ونعم الوكيل.

(٥٢٢)

زيارة الندبة (518)
بسم الله الرحمن الرحيم لا لأمر الله تعقلون ولا من أوليائه تقبلون حكمة بالغة فما تعني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين سلام على آل ياسين ذلك هو الفضل المبين والله ذو الفضل العظيم لمن يهديه صراط مستقيم قد آتاكم الله يا آل ياسين خلافته وعلم مجاري أمره فيما قضاه ودبره ورتبه وأراده في ملكوته فكشف لكم الغطاء وأنتم خزنته وشهداؤه وعلماؤه وأمناؤه وساسة العباد وأركان البلاد وقضاة الأحكام وأبواب الإيمان وسلالة النبيين وصفوة المرسلين وعترة خيرة رب العالمين ومن تقديره منايح العطاء بكم إنفاذه محتوماً مقروناً فما شيء منا إلا وأنتم له السبب وإليه السبيل خياره لوليكم نعمة وانتقامه من عدوكم سخطة فلا نجاة ولا مفزع إلا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(518) السيد علي بن طاووس (قدّس سرّه) في (مصباح الزائر) ص223 - 225.
زيارة أخرى له صلوات الله عليه وهي المعروفة بالندبة خرجت من الناحية المحفوفة بالقدس إلى أبي جعفر محمد بن عبد الله الحميري رحمه الله وأمر أن تتلى في السرداب المقدس وهي:...

(٥٢٣)

أنتم ولا مذهب عنكم يا أعين الله الناظرة وحملة معرفته ومساكن توحيده في أرضه وسمائه وأنتم يا مولاي ويا حجة الله ويا بقيته وكمال نعمته ووارث أنبيائه وخلفائه ما بلغناه من دهرنا وصاحب الرجعة لوعد ربنا التي فيها دولة الحق وفرجنا ونصر الله لنا وعزنا.
السلام عليك أيها العلم المنصوب والعلم المصبوب والغوث والرحمة الواسعة وعداً غير مكذوب السلام عليك يا صاحب المرأى والمسمع الذي بعين الله مواثيقه وبيد الله عهوده وبقدرة الله سلطانه أنت الحكيم الذي لا تعجله الغضبة والكريم الذي لا تبخله الحفيظة والعالم الذي لا تجهله الحمية مجاهدتك في الله ذات مشية الله ومقارعتك في الله ذات انتقام الله وصبرك في الله ذو أناة الله وشكرك لله ذو مزيد الله ورحمته السلام عليك يا محفوظاً بالله، الله نور أمامه وورائه ويمينه وشماله وفوقه وتحته السلام عليك يا مخزوناً في قدرة الله نور سمعه وبصره السلام عليك يا وعد الله الذي ضمنه ويا ميثاق الله الذي أخذه ووكده السلام يا داعي الله وديان دينه السلام عليك يا خليفة الله وناصر حقه السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه السلام عليك في آناء الليل والنهار السلام عليك يا بقية الله في أرضه السلام عليك حين تقوم السلام عليك حين تقعد السلام عليك حين تقرأ وتبين السلام عليك حين تصلي وتقنت السلام عليك حين

(٥٢٤)

تركع وتسجد السلام عليك حين تعوذ وتسبح السلام عليك حين تهلل وتكبر السلام عليك حين تحمد وتستغفر السلام عليك حين تمجد وتمدح السلام عليك حين تمسي وتصبح.
السلام عليك في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والآخرة والأولى السلام عليك يا حجج الله ودعاتنا وهداتنا ورعاتنا وقادتنا وأئمتنا وسادتنا وموالينا السلام عليك أنتم نورنا وأنتم جاهنا أوقات صلاتنا وعصمتنا بكم لدعائنا وصلاتنا وصيامنا واستغفارنا وسائر أعمالنا السلام عليك أيها الإمام المأمون السلام عليك أيها الإمام المأمول السلام عليك بجوامع السلام.
اشهد يا مولاي أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله، لا حبيب إلا هو وأهله وأن أمير المؤمنين حجته وأن الحسن حجته وأن الحسين حجته وأن علي بن الحسين حجته وأن محمد بن علي حجته وأن جعفر بن محمد حجته وأن موسى بن جعفر حجته وأن علي بن موسى حجته وأن محمد بن علي حجته وأن علي بن محمد حجته وأن الحسن بن علي حجته وأنت حجته وأن الأنبياء دعاة وهداة رشدكم أنتم الأول والآخر وخاتمته وأن رجعتكم حق لا شك فيها ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خير وأن الموت حق وأن منكراً ونكيراً حق وأن النشر حق والبعث حق وأن

(٥٢٥)

الصراط حق وأن المرصاد حق وأن الميزان حق والحساب حق وأن الجنة والنار حق والجزاء بهما للوعد والوعيد حق وأنكم للشفاعة حق لا تردون ولا تسبقون مشيئة الله بأمره تعملون ولله الرحمة والكلمة العليا وبيده الحسنى وحجة الله النعمى خلق الجن والإنس لعبادته، أراد من عباده عبادته فشقي وسعيد، قد شقي من خالفكم وسعد من أطاعكم. وأنت يا مولاي فاشهد بما أشهدتك عليه تخزنه وتحفظه لي عندك أموت عليه وأنشر عليه وأقف به ولياً لك بريئاً من عدوك ماقتاً لمن أبغضكم واداً لمن أحبكم فالحق ما رضيتموه والباطل ما سخطتموه والمعروف ما أمرتم به والمنكر ما نهيتم عنه والقضاء المثبت ما استأثرت به مشيئتكم والممحو ما استأثرت به سنتكم، فلا إله إلا الله وحده لا شريك له ومحمد عبده ورسوله، علي أمير المؤمنين وحجته، الحسن حجته، الحسين حجته، علي حجته، محمد حجته، جعفر حجته، موسى حجته، علي حجته، محمد حجته، علي حجته، الحسن حجته، أنت حجته، أنتم حججه وبراهينه، أنا يا مولاي مستبشر بالبيعة التي أخذ الله علي شرطه قتالاً في سبيله اشترى به أنفس المؤمنين فنفسي مؤمنة بالله وحده لا شريك له وبرسوله وبأمير المؤمنين وبكم يا مولاي أولكم وآخركم ونصرتي لكم معدة مودتي خالصة لكم وبراءتي من أعدائكم: أهل الحردة والجدال ثابتة لثأركم أنا ولي وحيد والله إله الحق يجعلني

(٥٢٦)

بذلك آمين آمين، من لي إلا أنت فيما دنت واعتصمت بك فيه تحرسني فيما تقربت به إليك يا وقاية الله وستره وبركته أغنني أدنني أدركني صلني بك ولا تقطعني.
اللهم بهم إليك توسلي وتقربي، اللهم صلي على محمد وآل محمد وصلني بهم ولا تقطعني بحجتك اعصمني وسلامك على آل ياسين مولاي أنت الجاه عند الله ربك وربي إنه حميد مجيد، اللهم إني أسألك باسمك خلقته من ذلك واستقر فيك فلا يخرج منك إلى شيء أبداً أيا كينون أيا مكنون أيا متعال أيا مقدس أيا مترحم أيا مترئف أيا متحنن أسألك كما خلقته غضاً أن تصلي على محمد نبي رحمتك وكلمة نورك ووالد هداة رحمتك وأملأ قلبي نور اليقين وصدري نور الإيمان وفكري نور الثبات وعزمي نور التوفيق وذكائي نور العلم وقولي نور العمل ولساني نور الصدق وديني نور البصائر من عندك وبصري نور الضياء وسمعي نور وعي الحكمة ومودتي نور الموالاة لمحمد وآله (عليهم السلام) ونفسي نور قوة البراءة من أعداء محمد وأعداء آل محمد حتى ألقاك وقد وفية بعهدك وميثاقك فلتسعني رحمتك يا ولي يا حميد بمرأى آل محمد ومسمعك يا حجة الله دعائي فوفني منجزات إجابتي أعتصم بك، معك معك معك سمعي ورضاي يا كريم.

(٥٢٧)

زيارة الناحية (519)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(519) روى العلامة المجلسي - قدس الله تربته - في بحار الأنوار (ج101 ص317 - 328) هذه الزيارة عن جماعة فقهائنا الفطاحل:
أ- علم الهدى السيد الشريف المرتضى (قدّس سرّه).
ب- الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان (قدّس سرّه) في مزاره.
ث- الشيخ محمد بن المشهدي صاحب (المزار الكبير) الذي ذكره في سفينة البحار (ج1 ص724) كما يلي:
(ابن المشهدي هو الشيخ الجليل السعيد المتبحر أبو عبد الله محمد بن جعفر بن علي بن جعفر المشهدي الحائري المعروف بـ (محمد بن المشهدي) و(ابن المشهدي) مؤلف المزار المشهور الذي اعتمد عليه أصحابنا الأبرار الملقب بـ (المزار الكبير) في بحار الأنوار - إلى أن قال -: يروى عن جماعة من الأعلام منهم ابن البطريق، والسيد ابن زهرة، وشاذان بن جبرئيل القمي، والشيخ هبة الله بن نما، وأبو عبد الله الحسين بن جمال الدين هبة الله ابن الحسين بن رطبة السوراوي الفقيه الجليل الموصوف في الإجازات بكل الجميل، والأمير ورام ابن أبي فراس، وسديد الدين محمود الحمصي الرازي، ووالده، وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين).
ثم نقل المجلسي (قدّس سرّه) بعد نقل الزيارة، قال مؤلف المزار الكبير:
زيارة أخرى في يوم عاشوراء مما خرج من الناحية إلى أحد الأبواب قال: تقف عليه - أي: قبر الإمام الحسين (عليه السلام) - وتقول:...
ثم قال المجلسي (قدّس سرّه): فظهر أن هذه الزيارة منقولة مروية، ويحتمل أن لا تكون مختصة بيوم عاشوراء كما فعله السيد المرتضى (قدّس سرّه).

(٥٢٨)

السلام على آدم صفوة الله من خليقته. السلام على شيت(520) ولي الله وخيرته والسلام على إدريس القائم لله بحجته السلام على نوح المجاب في دعوته السلام على هود الممدود من الله بمعونته السلام على صالح الذي توجه لله بكرامته السلام على إبراهيم الذي حباه الله بخلته(521) السلام على إسماعيل الذي فداه الله بذبح عظيم من جنته السلام على إسحاق الذي جعل الله النبوة في ذريته السلام على يعقوب الذي رد الله عليه بصره السلام على موسى الذي فلق الله له البحر بقدرته السلام على هارون الذي خصه الله بنبوته السلام على شعيب الذي نصره الله على أمته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(520) شيت ابن آدم (عليه السلام) قال الطريحي (قدّس سرّه) في مجمع البحرين (شيت وصي آدم وهو هبة الله ابن آدم ولد بعد هابيل بخمس سنين، ولم يعقب ولد أبيه غيره، وإليه تنتهي أنسباء الناس، عاش سبعمائة واثني عشر سنة، وقيل ألف سنة وأربعين، وروي: أن شيت أول ولد ولد لآدم (عليه السلام) ويافث ولد بعده، أنزل الله لهما حوريتين من الجنة إحداهما نزلة، والأخرى منزلة، فزوج نزلة شيت، ومنزلة يافث، فولد لشيت غلام، وليافث جارية، فتزاوجا فصار النسل منهما).
(521) أي: جعله الله تعالى خليلاً لنفسه، إذ قال في القرآن الكريم: (واتخذ الله إبراهيم خليلاً) سورة النساء آية125.

(٥٢٩)

السلام على داوود الذي تاب الله عليه من خطيئته(522) السلام على سليمان الذي ذلت له الجن بعزته السلام على أيوب الذي شفاه الله من علته السلام على يونس الذي أنجز الله مضمون عدته السلام على عزير الذي أحياه الله بعد ميتته السلام على زكريا الصابر في محنته السلام على يحيى الذي أزلفه الله بشهادته السلام على عيسى روح الله وكلمته السلام على محمد حبيب الله وصفوته السلام على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المخصوص بأخوته(523) السلام على فاطمة الزهراء ابنته السلام على أبي محمد الحسن وصي أبيه وخليفته السلام على الحسين الذي سمحت نفسه بمهجته السلام على من أطاع الله في سره وعلانيته السلام على من جعل الله الشفاء في تربته السلام على من الإجابة تحت قبته السلام على من الأئمة من ذريته السلام على ابن خاتم الأنبياء السلام على ابن سيد الأوصياء السلام على ابن فاطمة الزهراء السلام على ابن خديجة الكبرى السلام على ابن سدرة المنتهى السلام على ابن جنة المأوى السلام على ابن زمزم والصفا السلام على المرمل بالدماء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(522) إشارة إلى قوله تعالى: (... وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب * فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) سورة ص آية 24 - 25.
(523) قال في البحار: وفي رواية المفيد والمزار الكبير بعد قوله - المخصوص بأخوته - قوله: السلام على صاحب القبة السامية.

(٥٣٠)

السلام على المهتوك الخباء السلام على خامس أصحاب الكساء السلام على غريب الغرباء السلام على شهيد الشهداء السلام على قتيل الأدعياء السلام على ساكن كربلاء السلام على من بكته ملائكة السماء السلام على من ذريته الأذكياء السلام على يعسوب الدين السلام على منازل البراهين السلام على الأئمة السادات السلام على الجيوب المضرجات(524) السلام على الشفاه الذابلات السلام على النفوس المصطلمات(525).
السلام على الأرواح المختلسات السلام على الأجساد العاريات السلام على الجسوم الشاحبات السلام على الدماء السائلات السلام على الأعضاء المقطعات السلام على الرؤوس المشالات السلام على النسوة البارزات السلام على حجة رب العالمين السلام عليك وعلى آبائك الطاهرين السلام عليك وعلى أبنائك المستشهدين السلام عليك وعلى ذريتك الناصرين السلام عليك وعلى الملائكة المضاجعين(526) السلام على القتيل المظلوم السلام على أخيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(524) قال في أقرباء الموارد، الجيب: القلب والصدر، يقال: هو ناصح الجيب أي القلب والصدر، يعني: أمينهما (والمضرجات) أي: الملطخات بالدماء.
(525) في أقرب الموارد: اصطلمه: استأصله، واختلسه: وأخذه في نهزة ومخاتلة (والشاحبات) والمهزولات وذلك من الزهد، أو الجوع والعطش.
(526) أي: المجاورين لتلك الأجسام الطاهرة عند قبورهم.

(٥٣١)

المسموم(527) السلام على علي الكبير السلام على الرضيع الصغير السلام على الأبدان السليبة السلام على العترة القريبة السلام على المجدلين في(528) الفلوات السلام على النازحين عن الأوطان السلام على المدفونين بلا أكفان السلام على الرؤوس المفرقة عن الأبدان السلام على المحتسب الصابر السلام على المظلوم بلا ناصر السلام على ساكن التربة الزاكية السلام على صاحب القبة السامية السلام على من طهره الجليل السلام على من افتخر به جبرئيل السلام على من ناغاه في المهد ميكائيل السلام على من نكثت ذمته السلام على من هتكت حرمته السلام على من أريق بالظلم دمه السلام على المغسل بدم الجراح السلام على المجرع بكاسات الرماح السلام على المضام(529) المستباح السلام على المنحور في الورى السلام على من دفنه أهل القرى السلام على المقطوع الوتين السلام على المحامي بلا معين السلام على الشيب الخضيب السلام على الخد التريب السلام على البدن السليب السلام على الثغر(530) المقروع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(527) الظاهر: إن المراد بذلك الإمام الحسن الذكي (عليه السلام) الذي قتل بالسم الذي دسه معاوية (لعنه الله) إليه.
(528) المطروحين على الأرض.
(529) المضام: المظلوم.
(530) الثغر: الفم، أو الأسنان مادامت في منابتها، وهذا كناية عن ضرب يزيد - الملعون - فم الإمام الحسين (عليه السلام) بعصاه.

(٥٣٢)

بالقضيب السلام على الرأس المرفوع السلام على الأجسام العارية في الفلوات تنهشها الذئاب(531) العاديات وتختلف إليها السباع الضاريات السلام عليك يا مولاي وعلى الملائكة المرفرفين(532) حول قبتك الحافين بتربتك الطائفين بعرصتك الواردين لزيارتك.
السلام عليك فإني قصدت إليك ورجوت الفوز لديك السلام عليك سلام العارف بحرمتك المخلص في ولايتك المتقرب إلى الله بمحبتك البرائي من أعدائك سلام من قلبه بمصابك مقروح ودمه عند ذكرك مسفوح(533) سلام المفجوع المحزون الواله المستكين سلام من لو كان معك في الطفوف لوقاك بنفسه حد السيوف وبذل حشاشته دونك للحتوف وجاهد بين يديك وناصرك على من بغى عليك وفداك بروحه وجسده وماله وولده وروحه لروحك فداءٌ وأهله لأهلك وقاءٌ فلئن أخرتني الدهور وعاقني عن نصرك المقدور ولم أكن لمن حاربك محارباً ولمن نصب لك العداوة مناصباً فلأندبنك صباحاً ومساءً ولأبكين لك بدل الدموع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(531) الذئاب، والسباع كناية عن قتلته الظالمين لعنهم الله.
(532) أي: الباسطين أجنحتهم يحركونها، ولعله كناية عن صعودهم ونزولهم هناك، واستقبالهم للزوار.
(533) أي: سائل جاري، والحشاشة كقلامة بقية الروح في المريض والجريح، والحتوف جمع الحتف، بمعنى الموت.

(٥٣٣)

دماً(534) حسرةً عليك وتأسفاً على ما دهاك وتلهفاً حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتئاب أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر والعدوان وأطعت الله وما عصيته وتمسكت به وبحبله فأرضيته وخشيته وراقبته واستحييته وسننت السنن وأطفأت الفتن ودعوت إلى الرشاد وأوضحت سبل السداد وجاهدت في الله حق الجهاد وكنت لله طائعاً ولجدك محمد صلى الله عليه وآله تابعاً ولقول أبيك سامعاً وإلى وصية أخيك مسارعاً ولعماد الدين رافعاً وللطغيان قامعاً وللطغاة مقارعاً وللأمة ناصحاً وفي غمرات الموت ناصراً وعند البلاء صابراً وللدين كالئاً(535) وعن حوزته مرامياً تحوط الهدى وتنصره وتبسط العدل وتنشره وتنصر الدين وتظهره وتكف العابث وتزجره وتأخذ للدني من الشريف وتساوي في الحكم بين القوي والضعيف كنت ربيع الأيتام وعصمة الأنام وعز الإسلام ومعدن الأحكام وحليف الإنعام سالكاً طرائق جدك وأبيك مشبهاً في الوصية لأخيك وفي الذمم رضي الشيم ظاهر الكرم متهجداً في الظلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(534) قالوا: هذه كناية عن استمرار البكاء، وسيلان الدموع، إذ الدمع ليس سوى الدم الذي ينقلب دمعاً في الغدد الثانية داخل العيون، فإذا كثر البكاء، واستمر جريان الدموع يصيب تلك الغدد عطل عن عملها، فلا تستطيع قلب الدم إلى دمع، فيخرج الدم من العين عند البكاء. صلوات الله عليك من باك.
(535) كالئاً: حافظاً، ومرامياً: مدافعاً.

(٥٣٤)

قويم الطرائق كريم الخلائق عظيم السوابق شريف النسب منيف(536) الحسب رفيع الرتب كثير المناقب محمود الضرائب جزيل المواهب حليم ٌرشيدٌ منيبٌ جوادٌ عليمٌ شديدٌ إمامٌ شهيدٌ أواهٌ منيبٌ حبيبٌ مهيبٌ كنت للرسول صلى الله عليه وآله ولداً وللقرآن سنداً وللأمة عضداً وفي الطاعة مجتهداً حافظاً للعهد والميثاق ناكباً عن سبل الفساق باذلاً للمجهود طويل الركوع والسجود زاهداً في الدنيا زهد الراحل عنها ناظراً إليها بعين المستوحشين منها آمالك عنها مكفوفة وهمتك عن زينتها مصروفة وألحاظك عن بهجته مطروفة ورغبتك في الآخرة معروفة حتى إذا الجور مد باعه وأسفر الظلم قناعه ودعا الغنى أتباعه وأنت في حرم جدك قاطن وللظالمين مباين جليس البيت والمحراب معتزل عن اللذات والشهوات تنكر المنكر بقلبك ولسانك على حسب طاقتك وإمكانك ثم اقتضاك العلم للإنكار ولزمك أن تجاهد الفجار فسرت في أولادك وأهاليك وشيعتك ومواليك وصدعت بالحق والبينة ودعوت إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وأمرت بإقامة الحدود والطاعة للمعبود ونهيت عن الخبائث والطغيان وواجهوك بالظلم والعدوان فجاهدتهم بعد الإيعاذ إليهم وتأكيد الحجة عليهم فنكثوا ذمامك وبيعتك وأسخطوا ربك وجدك وبدءوك بالحرب فثبت للطعن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(536) أي: عالي الحسب والضرائب جمع الضريبة: الطبيعة والسجية.

(٥٣٥)

والضرب وطحنت جنود الفجار واقتحمت قسطل(537) الغبار مجالداً بذي الفقار كأنك علي المختار فلما رأوك ثابت الجأش غير خائفٍ ولا خاشٍ نصبوا لك غوائل مكرهم وقاتلوك بكيدهم وشرهم وأمر اللعين(538) جنوده فمنعوك الماء ووروده وناجزوك القتال وعاجلوك النزال ورشقوك بالسهام والنبال وبسطوا إليك أكف الاصطلام(539) ولم يرعوا لك ذماماً ولا راقبوا فيك آثاماً في قتلهم أوليائك ونهبهم رحالك وأنت مقدم في الهبوات ومحتمل للأذيات قد عجبت من صبرك ملائكة السماوات فأحدقوا بك في كل الجهات وأثخنوك بالجراح وحالوا بينك وبين الرواح ولم يبق لك ناصراٌ وأنت محتسبٌ صابرٌ تذب عن نسوتك وأولادك حتى نكسوك عن جوادك فهويت إلى الأرض جريحاً تطؤك الخيول بحوافرها وتعلوك الطغاة ببواترها قد رشح للموت جبينك واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك تدير طرفاً خفياً إلى رحلك وبيتك وقد شغلت بنفسك عن ولدك وأهاليك وأسرع فرسك شارداً إلى خيامك قاصداً محمحماً(540) باكياً فلما رأين النساء جوادك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(537) غبار الحرب، والجأش: رواع القلب إذا اضطرب عند الفزع، ونفس الإنسان الجأش - أقرب الموارد -.
(538) هو عبيد الله بن زياد الذي كتب إلى عمر بن سعد أن حل بين الماء وبين الحسين.
(539) الاصطلام: الاستئصال والقتل، والهبوات جمع الهبوة بمعنى: الغبرة.
(540) حمحم الفرس: ردد صوته في صدره.

(٥٣٦)

مخزياً(541) ونضرن سرجك عليه ملوياً برزن من الخدور ناشرات الشعور على الخدود لاطمات الوجوه سافرات وبالعويل داعيات وبعد العز مذللات وإلى مصرعك مبادرات والشمر جالس على صدرك مولع سيفه على نحرك قابض على شيبتك بيده ذابح لك بمهنده قد سكنت حواسك وخفيت أنفاسك ورفع على القنا رأسك وسبي أهلك كالعبيد وصفدوا في الحديد فوق أقتاب (542) المطيات تلفح وجوههم حر الهاجرات يساقون في البراري والفلوات أيديهم مغلولة إلى الأعناق يطاف بهم في الأسواق فالويل للعصاة الفساق لقد قتلوا بقتلك الإسلام وعطلوا الصلاة والصيام ونقضوا السنن والأحكام وهدموا قواعد الإيمان وحرفوا آيات القرآن وهمجوا(543) في البغي والعدوان لقد أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله من أجلك موتوراً وعاد كتاب الله (عزَّ وجلَّ) مهجوراً وغودر الحق إذ قهرت مقهوراً وفقد بفقدك التكبير والتهليل والتحريم والتحليل والتنزيل والتأويل وظهر بعدك التغيير والتبديل والإلحاد والتعطيل والأهواء والأضاليل والفتن والأباطيل فقام ناعيك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(541) أي: ذليلاً، وملوياً: مقلوباً.
(542) الخشبات التي تشد فوق سنام الإبل.
(543) الهملجة: سرعة مشي البرذون، وهي كناية عن تعجيل بني أمية وأتباعهم في ظلم أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.
(والموتور) هو الذي قتل منه قتيل فلم يثأر لدمه.

(٥٣٧)

عند قبر جدك الرسول صلى الله عليه وآله فنعاك إليه بالدمع الهطول قائلاً يا رسول الله قتل سبطك وفتاك واستبيح أهلك وحماك وسبيت بعدك ذراريك ووقع المحذور بعترتك وذويك فانزعج الرسول وبكى قلبه المهول(544) وعزاه بك الملائكة والأنبياء وفجعت بك أمك الزهراء واختلفت جنود الملائكة المقربين تعزي أباك أمير المؤمنين وأقيمت لك المآتم في أعلى عليين ولطمت عليك الحور العين وبكت السماء وسكانها والجنان وخزانها والهضاب وأقطارها والبحار وحيتانها ومكة وبنيانها والجنان وولدانها والبيت والمقام والمشعر الحرام والحل والإحرام.
اللهم فبحرمة هذا المكان المنيف صلى على محمد وآل محمد واحشرني في زمرتهم وادخلني الجنة بشفاعتهم اللهم إني أتوسل إليك يا أسرع الحاسبين ويا أكرم الأكرمين ويا أحكم الحاكمين بمحمد خاتم النبيين رسولك إلى العالمين أجمعين وبأخيه وابن عمه الأنزع البطين(545) العالم المكين علي أمير المؤمنين وبفاطمة سيدة نساء العالمين وبالحسن الزكي عصمة المتقين وبأبي عبد الله الحسين أكرم المستشهدين وبأولاده

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(544) المهول: مفعول منصوب، أي: بكى قلب الرسول للأمر المهول وهو قتلك.
(545) الأنزع هو الذي ظهرت نزعتاه بانحسار الشعر عنهما، والبطين: عظيم البطن، قال بعض المحققين أن من سمات الشجعان أن تمتد بطونهم للرائي طولاً من تحت الثديين إلى تحت السرة، ولعل المراد به ذلك.

(٥٣٨)

المقتولين وبعترته المظلومين وبعلي بن الحسين زين العابدين وبمحمد بن علي قبلة الأولين وجعفر بن محمد أصدق الصادقين وموسى بن جعفر مظهر البراهين وعلي بن موسى ناصر الدين ومحمد بن علي قدوة المهتدين وعلي بن مجمد أزهد الزاهدين والحسن بن علي وارث المستخلفين والحجة على الخلق أجمعين أن تصلي على محمد وآل محمد الصادقين الأبرين آل طه ويس فإن تجعلني في القيامة من الآمنين المطئنين الفائزين الفرحين المستبشرين.
اللهم اكتبني في المسلمين وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين وانصرني على الباغين واكفني كيد الحاسدين واصرف عني مكر الماكرين واقبض عني أيدي الظالمين واجمع بيني وبين السادة الميامين في أعلا عليين مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إني أقسم عليك بنبيك المعصوم وبحكمك المحتوم ونهيك المكتوم وبهذا القبر الملموم(546) الموسد في كفنه الإمام المعصوم المقتول المظلوم أن تكتشف ما بي من الغموم وتصرف عني شر القدر المحتوم وتجيرني من النار ذات السموم.
اللهم جللني بنعمتك ورضني بقسمك وتغمدني بجودك وكرمك وباعدني من مكرك ونقمك اللهم اعصمني من الزلل وسددني في القول والعمل وافسح لي في مدة الأجل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(546) أي: المجتمع الذي يلم ويجتمع عنده الزوار.

(٥٣٩)

وأعفني من الأوجاع والعلل وبلغني بموالي وبفضلك أفضل الأمل اللهم صل على محمد وآل محمد واقبل توبتي وارحم عبرتي وأقلني عثرتي ونفس كربتي واغفر لي خطيئتي وأصلح لي في ذريتي اللهم لا تدع لي في هذا المشهد المعظم والمحل المكرم ذنباً إلا غفرته ولا عيباً إلا سترته ولا غماً إلا كشفته ولا رزقاً إلا بسطته ولا جاهاً إلا عمرته ولا فساداً إلا أصلحته ولا أملاً إلا بلغته ولا دعاءً إلا أجبته ولا مضيقاً إلا فرجته ولا شملاً إلا جمعته ولا أمراً إلا أتممته ولا مالاً إلا كثرته ولا خلقاً إلا حسنته ولا إنفاقاً إلا أخلفته ولا حالاً إلا عمرته ولا حسوداً إلا قمعته ولا عدواً إلا أرديته ولا شراً إلا كفيته ولا مرضاً إلا شفيته ولا بعيداً إلا أدنيته ولا شعثاً(547) إلا لممته ولا سؤالاً إلا أعطيته.
اللهم إني أسألك خير العاجلة وثواب الآجلة اللهم أغنني بحلالك عن الحرام وبفضلك عن جميع الأنام اللهم إني أسألك علماً نافعاً وقلباً خاشعاً ويقيناً صادقاً وعملاً زاكياً وصبراً جميلاً وأجراً جزيلاً اللهم ارزقني شكر نعمتك علي وزد في إحسانك وكرمك إلي واجعل قولي في الناس مسموعاً وعملي عندك مرفوعاً وأثري في الخيرات متبوعاً وعدوي مقموعاً اللهم صل على محمد وآل محمد الأخيار في آناء الليل وأطراف النهار واكفني شر الأشرار وطهرني من الذنوب والأوزار وأجرني من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(547) شعث كفرس: الفرقة.

(٥٤٠)

النار وأدخلني دار القرار واغفر لي ولجميع إخواني فيك وإخواتي المؤمنين والمؤمنات برحمتك يا أرحم الراحمين.
ثم توجه إلى القبلة وصل ركعتين وأقرأ في الأولى سورة الأنبياء وفي الثانية الحشر(548) واقنت وقل:
لا إله إلا الله الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن خلافاً لأعدائه وتكذيباً لمن عدل به وإقراراً لربوبيته وخضوعاً لعزته الأول بغير أول والآخر إلى غير آخر الظاهر على كل شيء بقدرته الباطن دون كل شيء بعلمه ولطفه لا تقف العقول على كل كنه عظمته ولا تدرك الأوهام حقيقة ماهيته ولا تتصور الأنفس معاني كيفيته مطلعاً على الضمائر عارفاً بالسرائر يعلم خائنه الأعين وما تخفى الصدور اللهم إني أشهدك على تصديقي رسولك صلى الله عليه وآله وإيماني وعلمي بمنزلته وأني أشهد أنه النبي الذي نطقت الحكمة بفضله وبشرت الأنبياء به ودعت إلى الإقرار بما جاء به وحثت على تصديقه بقوله تعالى: (الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(548) السورتان تقرآن بعد فاتحة الكتاب، فإنه (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب).

(٥٤١)

عليهم)(549).
فصل على محمد رسولك إلى الثقلين وسيد الأنبياء المصطفى وعلى أخيه وابن عمه الذين لم يشركا بك طرفة عين أبداً وعلى فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وعلى سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين صلاة خالدة الدوام عدد قطر الرهام(550) وزنة الجبال والآكام ما أورق السلام واختلف الضياء والظلام على آله الطاهرين الأئمة المهتدين الذائدين عن الدين علي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة القوام بالقسط وسلالة السبط.
اللهم إني أسألك بحق هذا الإمام فرجاً قريباً وصبراً جميلاً ونصراً عزيزاً وغنى عن الخلق وثباتاً في الهدى والتوفيق لما تحب وترضى ورزقاً واسعاً حلالاً طيبا مريئاً داراً سائغاً فاضلاً مفضلاً صباً صباً من غير كد ولا نكد ولا منة من أحد وعافية من كل بلاء وسقم ومرض والشكر على العافية والنعماء وإذا جاء الموت فاقبضنا على أحسن ما يكون لك طاعة على ما أمرتنا محافظين حتى تؤدينا إلى جنات النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم صل على محمد وآل محمد وأوحشني من الدنيا وآنسني بالآخرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(549) سورة الأعراف آية 157.
(550) الرهام جمع رهمة - بكسر الراء فيهما - المطر الضعيف الدائم (الآكام) جمع الأُكُم بضمتين، وهو جمع الإكام ككتاب، وهو جمع أكم كفرس، وهو جمع الأكم كطلبة بمعنى التل.

(٥٤٢)

وأنه لا يوحش من الدنيا إلا خوفك ولا يونس بالآخرة إلا محمد وآله وأعني على نفسي الظالمة العاصية وشهوتي الغالية واختم لي بالعافية. اللهم إن استغفاري إياك وأنا مصرٌ على ما نهيت قلة حيائي وتركي الاستغفار مع علمي بسعة حلمك تضييع لحق الرجاء اللهم إن ذنوبي تؤيسي أن أرجوك وإن علمي بسعة رحمتك يمنعني أن أخشاك فصل على محمد وآل محمد وصدق رجائي لك وكذب خوفي منك وكن لي عند أحسن ظني بك يا أكرم الأكرمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد وأيدني بالعصمة وانطق لساني بالحكمة واجعلني ممن يندم على ما ضيعه في أمسه ولا يغبن حظه في يومه ولا يهتم لرزق غده اللهم إن الغني من استغنى بك وافتقر إليك والفقير من استغنى بخلقك عنك فصل على محمد وآل محمد وأغنني عن خلقك بك واجعلني ممن لا يبسط كفاً إلا إليك اللهم إن الشقي من قنط وأمامه التوبة وورائه الرحمة وإن كنت ضعيف العمل فإني في رحمتك قوي الأمل فهب لي ضعف عملي لقوة أملي اللهم إن كنت تعلم ما في عبادك من هو أقسى قلباً مني وأعظم مني ذنباً فإني أعلم أنه لا مولى أعظم منك طولاً وأوسع رحمة وعفواً فيا من هو أوحد في رحمته اغفر لمن ليس بأوحد في خطيئته اللهم إنك أمرتنا فعصينا ونهيت فما انتهينا وذكرت فتناسينا وبصرت فتعامينا وحذرت

(٥٤٣)

فتعدينا وما كان ذلك جزاء إحسانك إلينا وأنت أعلم بما أعلنا وأخفينا وأخبر بما نأتي وما أتينا فصل على محمد وآل محمد ولا تؤاخذنا بما أخطأنا ونسينا وهب لنا حقوقك لدينا وأتم إحسانك إلينا وأسبل رحمتك علينا اللهم إنا نتوسل إليك بهذا الصديق الإمام ونسألك بالحق الذي جعلته له ولجده رسولك ولأبويه علي وفاطمة أهل بيت الرحمة أدرار الرزق الذي به قوام حياتنا وصلاح أحوال عيالنا فأنت الكريم الذي تعطي من سعة وتمنع من قدرة ونحن نسألك من الرزق ما يكون صلاحاً للدنيا وبلاغاً للآخرة اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار(551).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(551) ثم جاء النص كما يلي:
ثم تركع وتسجد وتتشهد وتسلم، فإذا سبحت فعفر خديك وقل: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) أربعين مرة.
واسأل الله العصمة والنجاة والمغفرة والتوفيق بحسن العمل والقبول لما تتقرب اليه وتبتغي به وجهه.
وقف عند الرأس ثم صل ركعتين على ما تقدم.
ثم انكب على القبر وقبله وقل: (زاد الله في شرفكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
وادع لنفسك ولوالديك ولمن أردت.

(٥٤٤)

ملحق الزيارات (552)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(552) هناك زيارات مذكورة في (البحار) وغيره لم يرد على صدورها عن صاحب الأمر (عليه السلام) ولكن قرائن عديدة ربما تدل على صدورها منه (عليه السلام):
1: إن رواتها من فطاحل العلماء أمثال الشيخ المفيد، والسيد ابن الطاووس، والشهيد السعيد - قدس الله أرواحهم - وغيرهم، ويستبعد جداً أن يخترع أمثال هؤلاء مثل هذه الزيارات المطولة [لمزيد من التحقيق يراجع ما نقلناه عن المحقق النوري (قدس الله سره) في أول الحقل الرابع (ملحق الأدعية)].
2: لم تنسب هذه الزيارات إلى أحد من المعصومين (عليهم السلام) ولو كانت صادرة من أحدهم - غير الحجة (عليه السلام) - اقتضى الأمر أن تنسب إليه.
3: لم تنقل هذه الزيارات عن روات عاشوا في حياة المعصومين (عليهم السلام) قبل الغيبتين الصغرى والكبرى، ولو كانت لغير صاحب الأمر (عليه السلام) - لاتفقت العادة أن يرويها من عاشوا عصور باقي الأئمة (عليهم السلام).
4: عبارات هذه الزيارات مشابهة لزيارات مروية عن المعصومين (عليهم السلام) خصوصاً لما ورد عن صاحب الأمر (عليه السلام).
فلهذه الأمور وغيرها أحببنا إيرادها، وفي نفس الوقت جعلناها في الملحق للإلفات إلى ذلك.

(٥٤٥)

زيارة صاحب الأمر (553)
إلهي إني قد وقفت على باب من بيوت نبيك محمد صلواتك عليه وآله، وقد منعت الناس من الدخول إلى بيوته إلا بإذنه، فقلت: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم)، اللهم وإني أعتقد حرمة نبيك في غيبته، كما أعتقد في حضرته، وأعلم أن رسلك وخلفاءك أحياء عندك يرزقون، فرحين، يرون مكاني ويسمعون كلامي ويردون سلامي علي، وأنك حجبت عن سمعي كلامهم وفتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم فإني أستأذنك يا رب أولاً، وأستأذن رسولك صلواتك عليه وآله ثانياً وأستأذن خليفتك الإمام المفترض علي طاعته في الدخول في ساعتي هذه إلى بيته، وأستأذن ملائكتك الموكلين بهذه البقعة المباركة المطيعة لك السامعة، [ثالثاًًً] السلام عليكم أيتها الملائكة الموكلين بهذا المشهد الشريف المبارك ورحمة الله وبركاته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(553) السيد علي بن طاووس (قدّس سرّه) في كتاب (مصباح الزائر) ص216 قال: إذا فرغت من زيارة العسكريين (عليهما السلام) فامض إلى السرداب المقدس وقف على بابه وقل:..

(٥٤٨)

بإذن الله وإذن رسوله وإذن خلفائه وإذن هذا الإمام وبإذنكم صلوات الله عليكم أجمعين، أدخل هذا البيت متقرباً إلى الله بالله ورسوله محمد وآله الطاهرين فكونوا ملائكة الله أعواني، وكونوا أنصاري حتى أدخل هذا البيت، وأدعو الله بفنون الدعوات، وأعترف لله بالعبودية، ولهذا الإمام وآبائه صلوات الله عليهم بالطاعة(554).
(بسم الله وبالله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله).
سلام الله(555) وبركاته تحياته وصلواته على مولاي صاحب الزمان، صاحب الضياء والنور، والدين المأثور، واللواء المشهور، والكاتب المنشور، وصاحب الدهور والعصور، وخلف الحسن، الإمام المؤتمن، والقائم المعتمد، المنصور المؤيد، والكهف والعضد، وعماد الإسلام، وركن الأنام، ومفتاح الكلام، وولي الأحكام، وشمس الظلام، والبدر التمام، ونضرة الأيام، وصاحب الصمصام، وفلاّق الهام، والبحر القمقام، والسيد الهمام، وحجة الخصام، وباب المقام ليوم القيام والسلام على مفرج الكربات، وخواض الغمرات، ومنفس الحسرات، وبقية الله في أرضه، وصاحب فرضه، وحجته على خلقه، وعيبة عمله،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(554) قال ابن طاووس (قدّس سرّه) ثم تنزل مقدماً رجلك اليمنى وتقول:...
(555) قال: وكبر الله وسبحه وهلله فإذا استقررت فيه فقف مستقبل القبيلة وقل:..

(٥٤٩)

وموضع صدقه، والمنتهى إليه مواريث الأنبياء، ولديه موجود آثار الأوصياء، وحجة الله وابن رسوله، والقيم مقامه، وولي أمر الله، ورحمة الله وبركاته.
اللهم كما انتجبته لعلمك، واصطفيته لحكمك، وخصصته بمعرفتك، وجللته بكرامتك، وغشيته برحمتك، وربيته بنعمتك، وغذيته بحكمتك، واخترته لنفسك، واجتبيته لبأسك، وارتضيته لقدسك، وجعلته هادياً لمن شئت من خلقك، وديان الدين بعدلك، وفصل القضايا بين عبادك، ووعدته أن تجمع به الكلم، وتفرج به عن الأمم، وتنير بعدله الظلم، وتطفئ به نيران الظلم، وتقمع به حر الكفر وآثاره، وتطهر به بلادك، وتشفي به صدور عبادك، وتجمع به الممالك كلها، قريبها وبعيدها، عزيزها وذليلها، وشرقها وغربها، وسهلها وجبلها، صباها ودبورها، شمالها وجنوبها، برها وبحرها، حزونها ووعورها، يملأها قسطاً وعدلاً كما ملأت ظلماً وجوراً، وتمكن له فيها، وتنجز به وعد المؤمنين، حتى لا يشرك بك شيئاً، وحتى لا يبقى حق إلا ظهر، ولا عدل إلا زهر، وحتى لا يستخفي بشيء من الحق، مخافة أحد من الخلق.
اللهم صل عليه صلاة تظهر بها حجته، وتوضح به بهجته، وترفع بها درجته، وتؤيد بها سلطانه، وتعظم بها برهانه، وتشرف بها مكانه، وتعلي بها بنيانه، وتعز بها نصره، وترفع بها قدره، وتسمي بها ذكره،

(٥٥٠)

وتظهر بها كلمته وتكثر بها نصرته، وتعز بها دعوته، وتزيده بها إكراماً، وتجعله للمتقين إماماً، وتبلغه في هذا المكان، مثل هذا الأوان، وفي كل مكان وأوان، منا تحية وسلام، لا يبلى جديده، ولا يفني عديده.
السلام عليك يا بقية الله في أرضه وبلاده، وحجته على عباده، السلام عليك يا خلف السلف، السلام عليك يا صاحب الشرف، السلام عليك يا حجة المعبود، السلام عليك يا كلمة المحمود، السلام عليك يا شمس الشموس، السلام عليك يا مهدي الأرض، ومبين عين الفرض، السلام عليك يا مولاي يا صاحب الزمان والعالي الشأن، السلام عليك يا خاتم الأوصياء، ابن خاتم الأنبياء، السلام عليك يا معز الأولياء ومذل الأعداء، السلام عليك أيها الإمام الوحيد، والقائم الرشيد، السلام عليك أيها الإمام الفريد، السلام عليك أيها الإمام المنتظر، والحق المشتهر، السلام عليك أيها الإمام الولي المجتبى، والحق المنتهى، السلام عليك أيها الإمام المرتجى لإزالة الجور والعدوان، السلام عليك أيها الإمام المبيد، لأهل الفسوق والطغيان، السلام عليك أيها الإمام الهادم بنيان الشرك والنفاق، والحاصد فروع الغي والشقاق، السلام عليك أيها المدخر لتجديد الفرائض والسنن، السلام عليك يا طامس آثار الزيغ والأهواء، وقاطع حبائل الكذب والفتن والإفتراء، السلام

(٥٥١)

عليك أيها المؤمل لإحياء الدولة الشريفة، السلام عليك يا جامع الكلمة على التقوى، السلام عليك يا باب الله، السلام عليك يا ثار الله، السلام عليك يا محيي معالم الدين وأهله، السلام عليك يا قاسم شوكة المعتدين، السلام عليك يا وجه الله الذي لا يهلك ولا يبلى إلى يوم الدين، السلام عليك يا ركن الإيمان، السلام عليك أيها السبب المتصل بين الأرض والسماء السلام عليك يا صاحب الفتح وناشر راية الهدى، السلام عليك يا مؤلف شمل الصلاح والرضا، السلام عليك يا طالب آثار الأنبياء، وأبناء الأنبياء، والثائر بدم المقتول بكربلاء، السلام عليك أيها المنصور على من اعتدى، السلام عليك أيها المضطر المجاب إذا دعا، السلام عليك يا بقية الخلائف، البر التقي الباقي لإزالة الجور والعدوان.
 السلام عليك يا بن النبي المصطفى، السلام عليك يا بن علي المرتضى. السلام عليك يا بن فاطمة الزهراء، السلام عليك يا بن خديجة الكبرى، السلام عليك يا بن السادة المقربين، والقادة المتقين، السلام عليك يا بن النجباء الأكرمين، السلام عليك يا بن الأصفياء المهتدين، السلام عليك يا بن الهداة المهتدين، السلام عليك يا بن خيرة الخير، السلام عليك يا بن سادة البشر، السلام عليك يا بن الغطارفة الأكرمين والأطايب المطهرين، السلام عليك يا بن البررة المنتجبين، والخضارمة الأنجبين،

(٥٥٢)

السلام عليك يا بن الحجج المنيرة، والسراج المضيئة، السلام عليك يا بن الشهب الثاقبة، السلام عليك يا بن قواعد العلم، السلام عليك يا بن معادن الحلم، السلام عليك يا بن الكواكب الزاهرة، والنجوم الباهرة، السلام عليك يا بن الشموس الطالعة، السلام عليك يا بن الأقمار الساطعة، السلام عليك يا بن السبل الواضحة والأعلام اللائحة، السلام عليك يا بن السنن المشهورة، السلام عليك يا بن المعالم المأثورة، السلام عليك يا بن الشواهد المشهودة والمعجزات الموجودة، السلام عليك يا بن الصراط المستقيم، والنبأ العظيم، السلام عليك يا بن الآيات البينات، والدلائل الظاهرات، السلام عليك يا بن البراهين الواضحات، السلام عليك يا بن الحجج البالغات، والنعم السابغات، السلام عليك يا بن طه المحكمات، وياسين الذريات، والطور والعاديات. السلام عليك يا بن من دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، واقترب من العلي الأعلى، ليت شعري أين استقرت بك النوى، أم بأي وادي طوى، عزيز علي أن ترى الخلق ولا ترى، ولا يسمع لك حسيس ولا نجوى، عزيز علي أن تحيط بك الأعداء، بنفسي أنت من مغيب ما غاب عنا، بنفسي أنت من نازح ما نزح عنا، ونحن نقول الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين.

(٥٥٣)

زيارة ثانية لصاحب الأمر (556)
سلام الله الكامل التام، الشامل العام، وصلواته وبركاته الدائمة، على حجة الله ووليه في أرضه وبلاده، وخليفته في خلقه وعباده، وسلالة النبوة، وبقية العترة والصفوة، وصاحب الزمان، ومظهر الإيمان، ومعلن أحكام القرآن، ومطهر الأرض، وناشر العدل في الطول والعرض، والحجة القائم المهدي، والإمام المنتظر المرتضى، الطاهر ابن الأئمة المعصومين، السلام عليك يا وارث علم النبيين، ومستودع حكم الوصيين، السلام عليك يا عصمة الدين، السلام عليك يا معز المؤمنين المستضعفين، السلام عليك يا مذل الكافرين المتكبرين.
السلام عليك يا مولاي صاحب الزمان، يا بن رسول الله، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين، السلام عليك يا بن فاطمة الزهراء، سيدة نساء العالمين، السلام عليك يا بن الأئمة الحجج على الخلق أجمعين، السلام عليك يا مولاي سلام مخلص لك في الولاء، أشهد أنك الإمام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(556) السيد علي بن طاووس (قدّس سرّه): في (مصباح الزائر) ص225 قال: زيارة أخرى لها صلوات الله عليه، تصلي ركعتين، وتقول بعدها:..

(٥٥٤)

المهدي قولاً وفعلاً، وأنك الذي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً، عجل الله فرجك، وسهل مخرجك، وقرب زمانك، وكثر أنصارك وأعوانك، وأنجز لك وعدك، فهو أصدق القائلين (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) يا مولاي حاجتي كذا وكذا فاشفع لي إلى ربك في نجاحها(557).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(557) قال السيد ابن طاووس (قدّس سرّه) بعد نقل هذه الزيارة: وادع بما أحببت وتنصرف ولا تحول وجهك حتى تخرج من الباب.

(٥٥٥)

زيارة ثالثة لصاحب الأمر (558)
السلام عليك يا خليفة الله في أرضه، وخليفة رسوله وآبائه الأئمة المعصومين المهتدين، السلام عليك يا حافظ أسرار رب العالمين، السلام عليك يا وارث علم المرسلين، السلام عليك يا بقية الله في الصفوة المنتجبين، السلام عليك يا بن الأنوار الزاهرة، السلام عليك يا بن الأشباح الباهرة، السلام عليك يا بن الصور النيرة الطاهرة، السلام عليك يا وارث كنز العلوم الإلهية، السلام عليك يا حافظ مكنون الأسرار الربانية، السلام عليك يا من خضعت له الأنوار المجدية، السلام عليك يا باب الله الذي لا يؤتى إلا منه، السلام عليك يا سبيل الله الذي من سلك غيره هلك، السلام عليك يا حجاب الله الأزلي القديم، السلام عليك يا بن شجرة طوبى وسدرة المنتهى، السلام عليك يا نور الله الذي لا يُطفأ، السلام عليك يا حجة الله التي لا تخفى،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(558) السيد علي بن طاووس (قدّس سرّه) في (مصباح الزائر) ص226: زيارة أخرى له (عليه السلام)، وقد تعدى ذكر الاستئذان في أول زيارة (عليه السلام) فأغنى ذلك عن الإعادة في كل زيارة، فإذا دخلت بعد الأذن فقل:..
(ويقصد) بالإذن ما مر آنفاً (اللهم وقفت على باب بيت من بيوت نبيك الخ).

(٥٥٦)

السلام عليك يا لسان الله المعبر عنه، السلام عليك يا وجه الله المتقلب بين أظهر عباده، سلام من عرفك بما تعرفت به إليه، ونعتك ببعض نعوتك التي أنت أهلها وفوقها.
أشهد أنك الحجة على من مضى ومن بقي، وأن حزبك هم الغالبون، وأولياءك هم الفائزون، وأعداءك هم الخاسرون، وأنك حائز كل علم، وفاتق كل رتق، ومحقق كل حق، ومبطل كل باطل، وسابق لا يلحق، رضيت بك يا مولاي إماماً هادياً، وولياً مرشداً، لا أبتغي بك بدلاً، ولا أتخذ من دونك ولياً، وأنك الحق الثابت الذي لا ريب فيه، لا ارتاب ولا أغتاب لأمد الغيبة، ولا أتحير لطول المدة، وأن وعد الله بك حق، ونصرته لدينه بك صدق، طوبى لمن سعد بولايتك، وويل لمن شقي بجحودك وأنت الشافع المطاع الذي لا يدافع، ذخرك الله سبحانه لنصرة الدين، وإعزاز المؤمنين، والانتقام من الجاحدين، الأعمال موقوفة على ولايتك، والقوال معتبرة بإمامتك، من جاء بولايتك واعترف بإمامتك قبلت أعماله، وصدقت أقواله، وتضاعف له الحسنات، وتمحى عنه السيئات، ومن زل عن معرفتك، واستبدل بك غيرك، أكبه الله على منخريه في النار، ولم يقبل له عملاً، ولم يقم له يوم القيامة وزناً.
أشهد يا مولاي أن مقالي ظاهرة كباطنه، وسره كعلانيته، وأنت الشاهد علي بذلك وهو عهدي إليك، وميثاقي المعهود لديك إذ أنت

(٥٥٧)

نظام الدين، وعز الموحدين، ويعسوب المتقين، وبذلك أمرني فيك رب العالمين.
فلو تطاولت الدهور وتمادت الأعصار، لم أزدد بك إلا يقيناً، ولك إلا حباً، وعليك إلا اعتماداً، ولظهورك إلا توقعاً، ومرابطة بنفسي ومالي وجميع ما أنعم به علي ربي، فإن أدركت أيامك الزاهرة، وأعلامك الظاهرة ودولتك القاهرة، فعبد من عبيدك، معترف بحقك، متصرف بين أمرك ونهيك، أرجو بطاعتك الشهادتين بين يديك، وبولايتك السعادة فيما لديك، وإن أدركني الموت قبل ظهورك فأتوسل بك إلى الله سبحانه أن يصلي على محمد وآل محمد، وأن يجعل لي كرة في ظهورك، ورجعة في أيامك، لأبلغ من طاعتك مرادي، وأشفي من أعدائك فؤادي، يا مولاي وقفت في زيارتي إياك موقف الخاطئين، المستغفرين النادمين. أقول: عملت سوءاً وظلمت نفسي، وعلى شفاعتك يا مولاي متكلي ومعولي، وأنت ركني وثقتي، ووسيلتي إلى ربي، وحسبي بك ولياً ومولى وشفيعاً، والحمد لله الذي هداني لولايتك، وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله حمداً يقتضي ثبات النعمة، وشكراً يوجب المزيد من فضله، والسلام عليك يا مولاي وعلى آبائك وإلى الأئمة المهتدين، ورحمة الله وبركاته، وعلي منكم السلام(559).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(559) قال السيد ابن طاووس (قدّس سرّه)، ثم صل صلاة الزيارة وقد تقدم بيانها في الزيارة الأولى فإذا فرغت منها فقل: [وذكر دعاء: (اللهم على محمد وأهل بيته الهادين المهديين العلماء الصادقين... - إلى آخره) التي ذكرناها في ملحق الأدعية].

(٥٥٨)

زيارة رابعة لصاحب الأمر (560)
السلام على الحق الجديد، والعالم الذي علمه لا يبيد، السلام على محيي المؤمنين، ومبيد الكافرين، السلام على مهدي الأمم، السلام على خلف السلف، وصاحب الشرف، السلام على حجة المعبود، وكلمة المحمود، السلام على معز الأولياء، ومذل الأعداء، السلام على وارث الأنبياء، وخاتم الأوصياء، السلام على القائم المنتظر، والعدل المشتهر، السلام على السيف الشاهر، والقمر الزاهر،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(560) أ: السيد علي بن طاووس (قدّس سرّه) في (مصباح الزائر) ص228 قال: زيارة أخرى مستحسنة يزار بها صلوات الله عليه وسلامه وتقول:...
ب: الشيخ محمد بن مكي الشهيد الأول (قدّس سرّه) في كتاب (المزار) المعروف بـ (مزار الشهيد) ص64.
ج: الشيخ محمد بن المشهدي (قدّس سرّه) في كتابه (المزار) الذي أسماه المجلسي (قدّس سرّه) بـ (المزار الكبير) ص194.
د: العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار: ج102 ص119 نقلاً عن الشيخ المفيد (قدّس سرّه).
قالوا: وروى بطريق آخر أن تقول عند النزول السرداب:...

(٥٥٩)

والنور الباهر، السلام على شمس الظلام، وبدر التمام، السلام على ربيع الأنام، ونضرة الأيام، السلام على صاحب الصمصام، وفلاق الهام، السلام على صاحب الدين المأثور، والكتاب المسطور، السلام على بقية الله في بلاده، وحجته على عباده، المنتهى إليه مواريث الأنبياء، ولديه موجود آثار الأصفياء، المؤتمن على السر، والوالي للأمر. السلام على المهدي، الذي وعد الله (عزَّ وجلَّ) به الأمم، أن يجمع به الكلم، ويلم به الشعث، ويملأ به الأرض قسطاً وعدلاً ويمكّن له، وينجز به وعد المؤمنين، أشهد يا مولاي أنك والأئمة من آبائك، أئمتي وموالي، في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، أسألك يا مولي أن تسأل الله تبارك وتعالى في صلاح شأني، وقضاء حوائجي وغفران ذنوبي، والأخذ بيدي في ديني ودنياي وآخرتي لي ولإخواني وأخواتي والمؤمنين والمؤمنات كافة، إنه غفور رحيم(561).
اللهم صل على حجتك في أرضك، وخليفتك في بلادك، الداعي إلى سبيلك، والقائم بقسطك، والفائز بأمرك، ولي المؤمنين، ومبير الكافرين، ومجلي الظلمة، ومنير الحق، والصادع بالحكمة، والموعظة الحسنة والصدق، وكلمتك وعيبتك وعينك في أرضك، المترقب الخائف، الولي الناصح، سفينة النجاة وعلم الهدى، ونور أبصار الورى، وخير من تقمص وارتدى، والوتر الموتور، ومفرج الكرب، ومزيل الهم، وكاشف البلوى، صلوات الله عليه وعلى آبائه الهادين،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(561) ثم تصلي الزيارة اثني عشرة ركعة كل ركعتين بتسليمة فإذا فرغت فقل:...

(٥٦٠)

والقادة الميامين، ما طلعت كواكب الأسحار، وأورقت الأشجار، وأينعت الأثمار، واختلف الليل والنهار، وغردت الأطيار.
اللهم انفعنا بحبه، واحشرنا في زمرته، إله الحق آمين رب العالمين (الصلاة عليه صلى الله عليه): اللهم صل على محمد وأهل بيته، وصل على ولي الحسن ووصيه ووارثه، القائم بأمرك، والغائب في خلقك، والمنتظر إذنك.
اللهم صل عليه وقرب بعده، وأنجز وعده، وأوفي عهده، واكشف عن بؤسه حجاب الغيبة، وأظهر بظهوره صحائف المحنة، وقد أمامه الرعب، وثبت به القلب، وأقم به الحرب، وأيده بجند من ملائكة مسومين، وسلطه على أعداء دينك أجمعين، وألهمه أن لا يدع منهم ركناً إلا هده، ولا هاماً إلا قده، ولا كيداً إلا رده، ولا فاسقاً إلا حده، ولا فرعون إلا أهلكه، ولا ستراً إلا هتكه، ولا علماً إلا نكسه، ولا سلطاناً إلا كبسه، ولا رمحاً إلا قصفه، ولا مطرداً إلا خرقه، ولا جنداً إلا فرقه، ولا منبراً إلا أحرقه، ولا سيفاً إلا كسره، ولا صنماً إلا رضّه، ولا دماً إلا أراقه، ولا جوراً إلا أباده، ولا حصناً إلا هدمه، ولا باباً إلا ردمه، ولا قصراً إلا أخربه، ولا مسكناً إلا فتشه، ولا سهلاً إلا أوطنه، ولا جبلاً إلا صعده، ولا كنزاً إلا أخرجه، برحمتك يا أرحم الراحمين.

(٥٦١)

زيارة خامسة للإمام المهدي (562)
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، ولله الحمد، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وعرفنا أولياءه وأعداءه، ووفقنا لزيارة أئمتنا ولم يجعلنا من المعاندين الناصبين، ولا من الغلاة المفوضين، ولا من المرتابين المقصرين، السلام على ولي الله وابن أوليائه، السلام على المدخر لكرامة أولياء الله وبوار أعدائه، السلام على النور الذي أراد أهل الكفر إطفاءه، فأبى الله إلا أن يتم نوره بكرههم وأيده بالحياة حتى يظهر على يده الحق بكرههم وأيده بالحياة حتى يظهر على يده الحق برغمهم، أشهد أن الله اصطفاك صغيراً وأكمل لك علومه كبيراً، وأنك حي لا تموت حتى تبطل الجبت والطاغوت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(562) أ: السيد علي بن طاووس (قدّس سرّه) في (مصباح الزائر) ص229 قال: زيارة أخرى يزار بها مولانا صاحب الأمر صلوات الله عليه (قال): إذا زرت العسكريين (صلوات الله عليهما) فأت إلى السرداب وقف ماسكاً جانب الباب كالمستأذن، وسم [يعني: قل بسم الله الرحمن الرحيم] وانزل عليك السكينة والوقار، وصل ركعتين في عرصة السرداب وقل:...
ب: الشيخ محمد بن المشهدي (قدّس سرّه) في كتابه (المزار) الذي يسميه العلامة المجلسي (قدّس سرّه) بـ (المزار الكبير) ص216:

(٥٦٢)

اللهم صل عليه وعلى خدامه وأعوانه، على غيبته ونأيه، واستره ستراً عزيزاً، واجعل له معقلاً حريزاً، واشدد اللهم وطأتك على معاندته، واحرس مواليه وزائريه، اللهم كما جعلت قلبي بذكره معموراً، فاجعل سلاحي بنصرته مشهوراً، وإن حال بيني وبين لقائه الموت الذي جعلته على عبادك حتماً، وأقدرت به على خليقتك رغماً، فابعثني عند خروجه، ظاهراً من حفرتي، مؤتزراً كفني، حتى أجاهد بين يديه، في الصف الذي أثنيت على أهله في كتابك، فقلت: (كأنهم بنيان مرصوص).
اللهم طال الانتظار وشمت بنا الفجار، وصعب علينا الانتظار، اللهم أرنا وجه وليك الميمون، في حياتنا وبعد المنون، اللهم إني أدين لك بالرجعة، بين يدي صاحب هذه الرقعة، الغوث الغوث الغوث، يا صاحب الزمان، قطعت في وصلتك الخلان، وهجرت لزيارتك الأوطان، وأخفيت أمري عن أهل البلدان لتكون شفيعاً عند ربك وربي، وإلى آبائك وموالي في حسن التوفيق لي، وإسباغ النعمة علي، وسوق الإحسان إلي.
اللهم صل على محمد وآل محمد، أصحاب الحق، وقادة الخلق، واستجب مني ما دعوتك، وأعطني ما لم أنطق به في دعائي، من صلاح

(٥٦٣)

ديني ودنياي، إنك حميدٌ مجيد، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين(563).
اللهم عبدك الزائر في فناء وليك المزور، الذي فرضت طاعته على العبيد والأحرار، أنقذت به أولياءك من عذاب النار، اللهم اجعلها زيارة مقبولة ذات دعاء مستجاب من مصدق بوليك غير مرتاب، اللهم لا تجعله آخر العهد به ولا بزيارته، ولا تقطع أثري من مشهده، وزيارة أبيه وجده، اللهم اخلف علي نفقتي، وانفعني بما رزقتني، في دنياي وآخرتي لي ولإخواني وأبوي وجميع عترتي، أستودعك الله أيها الإمام الذي تفوز به المؤمنون، ويهلك على يديه الكافرون المكذبون.

يا مولاي يا بن الحسن بن علي جئتك زائراً لك ولأبيك وجدك متيقناً الفوز بكم، معتقداً بإمامتكم، اللهم اكتب هذه الشهادة والزيارة لي عندك في عليين وبلغني بلاغ الصالحين، وأنفعني بحبهم يا رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(563) قال: ثم ادخل الصفة [وهي الآن حجرة صغيرة في نهاية السرداب المقدس] فصل ركعتين وقل:...

(٥٦٤)

استئذان السرداب المقدس (564)
اللهم إن هذه بقعة طهرتها وعقوة شرفتها، ومعالم زكيتها، حيث أظهرت فيها أدلة التوحيد، وأشباح العرش المجيد، الذين اصطفيتهم ملوكاً لحفظ النظام، واخترتهم رؤساء لجميع الأنام وبعثتهم لقيام القسط في ابتداء الوجود إلى يوم القيامة، ثم مننت عليهم باستنابة أنبيائك لحفظ شرائعك وأحكامك، فأكملت باستخلافهم زيارة المنذرين كما أوجبت رياستهم في فطر المكلفين. فسبحانك من إله ما أرأفك، ولا إله إلا أنت من ملك ما أعدلك، حيث طابق صنعك ما فطرت عليه العقول، ووافق حكمك ما قررته في المعقول والمنقول فلك الحمد على تقديرك الحسن الجميل، ولك الشكر على قضائك المعلل بأكمل التعليل، فسبحان من لا يسأل عن فعله ولا ينازع في أمره، وسبحان من كتب على نفسه الرحمة قبل ابتداء خلقه، والحمد لله الذي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(564) العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في (بحار الأنوار) ج102 ص115. قال: وجدت في نسخة قديمة من مؤلفات أصحابنا ما هذا لفظه: استئذان على السرداب المقدس والأئمة (عليهم السلام):...

(٥٦٥)

من علينا بحكام يقومون مقامه لو كان حاضراً في المكان، ولا إله إلا الله الذي شرفنا بأوصياء يحفظون الشرائع في كل الأزمان، والله أكبر الذي أظهرهم لنا بمعجزات يعجز عنها الثقلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الذي أجرانا على عوائده الجميلة في الأمم السالفين.
اللهم فلك الحمد والثناء العلي، كما وجب لوجهك البقاء السرمدي وكما جعلت نبينا خير النبيين، وملوكنا أفضل المخلوقين، واخترتهم على علم على العالمين، وفقنا للسعي إلى أبوابهم العامرة إلى يوم الدين، واجعل أرواحنا تحن إلى مواطن أقدامهم، ونفوسنا تهوى النظر إلى مجالسهم وعرصاتهم، حتى كأننا نخاطبهم في حضور أشخاصهم. فصلى الله عليهم من سادة غائبين، ومن سلالة طاهرين، ومن أئمة معصومين.
اللهم فأذن لنا بدخول هذه العرصات، التي استعبدت بزيارتها أهل الأرضين والسماوات، وأرسل دموعنا بخشوع المهابة، وذلل جوارحنا بذل العبودية، وفرض الطاعة، حتى نقر بما يجب لهم من الأوصاف، ونعترف بأنهم شفعاء الخلائق إذا نصبت الموازين في يوم الأعراف، والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين(565).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(565) ثم قبّل العتبة، وادخل خاشعاً باكياً، فإنه [يعني: البكاء] الأذن، منهم صلوات الله عليهم أجمعين.

(٥٦٦)

زيارة سادسة للإمام المهدي (566)
السلام عليك يا خليفة الله وخليفة آبائه المهديين، السلام عليك يا وصي الأنبياء الماضين، السلام عليك يا حافظ أسرار رب العالمين، السلام عليك يا بقية الله من الصفوة المنتجبين، السلام عليك يا بن الأنوار الزاهرة، السلام عليك يا بن الأعلام الباهرة، السلام عليك يا بن العترة الطاهرة، السلام عليك يا معدن العلوم النبوية، السلام عليك يا باب الله الذي لا يؤتي إلا منه، السلام عليك يا سبيل الله الذي من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(566) أ: الشيخ محمد بن المشهدي في كتاب (المزار) الذي وصفه المجلسي (قدّس سرّه) بـ (المزار الكبير) ص194.
ب: الشيخ محمد بن مكي الشهيد الأول (قدّس سرّه) في كتابه في (المزار) ص62.
ج: العلامة المجلسي في (بحار الأنوار) ج102 ص116 نقلاً عن الشيخ المفيد (قدّس سرّه) قال: فإذا فرغت من زيارة جده وبيه فقف على باب حرمه فقل:...
(ولعل) المقصود بباب حرمه - كما رأينا بعض الفقهاء يعمل ذلك وقد يستفاد من كلام المفيد (قدّس سرّه) بعد تمام الزيارة - هو قبل النزول من درج السرداب المقدس، عند باب الفوقاني - والله اعلم.
(ولا يخفى) أن هذه الزيارة والزيارة الثالثة كأنها زيارة واحدة نقلت بروايتين، لكن حيث كان الاختلاف في العبارات، والزيادة، أو النقيصة فيهما كثيراً لذلك آثرنا ذكرها كما رويت - آنفاً - مرة بعنوان زيارة ثالثة، ومرة - هنا - بعنوان زيارة سادسة.

(٥٦٧)

سلك غيره هلك، السلام عليك يا ناظر شجرة طوبى، وسدرة المنتهى، السلام عليك يا نور الله الذي لا يطفأ، السلام عليك يا حجة الله التي لا تخفى، السلام عليك يا حجة الله على من في الأرض والسماء. السلام عليك سلام من عرفك بما عرفك به الله، ونعتك ببعض نعوتك التي أنت أهلها وفوقها، أشهد أنك الحجة على من مضى ومن بقي، وأن حزبك هم الغالبون، وأولياءك هم الفائزون وأعداءك هم الخاسرون، وأنك خازن كل علم، وفاتق كل رتق، ومحقق كل حق، ومبطل كل باطل، رضيتك يا مولاي إماماً وهادياً وولياً ومرشداً لا أبتغي بك بدلاً، ولا أتخذ من دونك ولياً.
أشهد أنك الحق الثابت الذي لا عيب فيه، وأن وعد الله فيك حق لا أرتاب لطول الغيبة، وبعد الأمد، ولا أتحير مع من جهلك وجهل بك، منتظر متوقع لأيامك، وأنت الشافع الذي لا تنازع والولي الذي لا تدافع، ذخرك الله لنصرة الدين، وإعزاز المؤمنين والانتقام من الجاحدين المارقين. أشهد أن بولايتك تقبل الأعمال، وتزكى الأفعال، وتضاعف الحسنات وتمحى السيئات، فمن جاء بولايتك واعترف بإمامتك قبلت أعماله، وصدقت أقواله وتضاعفت حسناته، ومحيت سيئاته، ومن عدل عن ولايتك، وجهل معرفتك، واستبدل بك غيرك، أكبه الله على منخره في النار، ولم يقبل الله له عملاً، ولم يقم له يوم القيامة وزناً.
أشهد الله وأشهد ملائكته وأشهدك يا مولاي بهذا، ظاهره وباطنه،

(٥٦٨)

وسره كعلانيته، وأنت الشاهد على ذلك، وهو عهدي إليك، وميثاقي لديك، إذ أنت نظام الدين، ويعسوب المتقين، وعز الموحدين، وبذلك أمرني رب العالمين، فلو تطاولت الدهور، وتمادت الأعمار، لم أزدد فيك إلا يقيناً، ولك إلا حباً، وعليك إلا متكلاً ومعتمداً، ولظهورك إلا متوقعاً ومنتظراً، ولجهادي بين يديك مترقباً، فأبذل نفسي ومالي وولدي وأهلي وجميع ما خولني ربي بين يديك، والتصرف بين أمرك ونهيك مولاي.
فإن أدركت أيامك الزاهرة، وأعلامك الباهرة، فها ذا أنا عبدك المتصرف بين أمرك ونهيك، أرجو به الشهادة بين يديك، والفوز لديك، مولاي فإن أدركني الموت قبل ظهورك، فإني أتوسل بك وبآبائك الطاهرين إلى الله تعالى، وأسأله أن يصلي على محمد وآل محمد، وأن يجعل لي كرة في ظهورك، ورجعة في أيامك، لأبلغ من طاعتك مرادي، وأشفي من أعدائك فؤادي، مولاي وقفت في زيارتك موقف الخاطئين، النادمين الخائفين، من عقاب رب العالمين، وقد اتكلت على شفاعتك، ورجوت بموالاتك وشفاعتك محو ذنوبي، وستر عيوبي، ومغفرة زللي، فكن لوليك يا مولاي عند تحقيق أمله، وأسأل الله غفران زلَله، فقد تعلق بحبلك، وتمسك بولايتك، وتبرأ من أعدائك.
اللهم صل على محمد وآله، وأنجز لوليك ما وعدته، اللهم أظهر كلمته، وأعل دعوته، وانصره على عدوه وعدوك يا رب العالمين، اللهم

(٥٦٩)

صل على محمد وآل محمد، وأظهر كلمتك التامة، ومغيبك في أرضك الخائف المترقب، اللهم انصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً قريباً يسيراً.
اللهم وأعز به الدين بعد الخمول، وأطلع به الحق بعد الأفول، وأجل بل الظلمة، واكشف به الغمة، اللهم وآمن به البلاد، واهد به العباد، اللهم املأ به الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، إنك سميع مجيب، السلام عليك يا ولي الله ائذن لوليك في الدخول إلى حرمك، صلوات الله عليك وعلى آبائك الطاهرين، ورحمة الله وبركاته(567).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(567) ثم ائت سرداب الغيب وقف بين البابين، ماسكاً جانب الباب بيدك، ثم تنحنح كالمستأذن وسم وانزل، وعليك السكينة والوقار، وصل ركعتين في عرصة السرداب، وقل: (الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الحمد لله الذي هدانا لهذا) إلى آخر الزيارة الخامسة التي نقلناها آنفاً عن السيد بن طاووس، والشيخ محمد بن المشهدي (قدّس سرّهما) إلى قوله: (وانفعني بحبهم يا رب العالمين).
قالوا: ثم تصلي صلاة الزيارة اثنتي عشر ركعة كل ركعتين بتسليمة ثم تدعو بعدها بالدعاء المروي عنه (عليه السلام): (إلهي عظم البلاء...).
(أقول) حيث أنه سبق أن ذكرنا هذا الدعاء في حقل الأدعية فلا نكرر نقله هنا.

(٥٧٠)

مع إبراهيم بن مهزيار (568)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(568) الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) (في كمال الدين) ج2 ص121 عن ابن المتوكل، عن الحميري، عن إبراهيم بن مهزيار - وذكر قصة طويلة في بحثه عن صاحب الأمر (عليه السلام) - بعد وفاة أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، حتى لقي صاحب الأمر (عليه السلام) ووصفه فيما وصفه - بأنه ناصع اللون، واضح الجبين، أبلج الحاجب، مسنون الخدين، أقنى الأنف، أشم أروع كأنه غصن بان، وكأن صفحه غرته كوكب دري، بخده الأيمن خال، كأنه فتاتة مسك على بياض الفضة، فإذا برأسه وفرة سحماء سبطة، تطالع شحمة أذنه، له سمت ما رأت العيون أقصد منه، ولا أعرف حسناً وسكينة وحياءً.
فلما مثل لي أسرعت إلى تلقيه، فأكببت عليه ألثم كل جارحة منه، فقال لي: مرحباً بك يا أبا إسحاق، لقد كانت الأيام تعدني وشك لقائك، والمعاتب بيني وبينك على تشاحط الدار، وتراخي المزار تتخيل لي صورتك حتى كأن لم نخل طرفة عين عن طيب المحادثة وخيال المشاهدة وأنا أحمد الله ربي ولي الحمد على ما قيض لي من التلاقي، ورفه من كربة التنازع والاستشراف.
ثم سألني: عن إخواني متقدمه ومتأخرهم فقلت: بأبي أنت وأمي ما زلت أفحص عن أمرك بلداً فبلداً منذ استأثر الله بسيدي أبي محمد (عليه السلام) فاستغلق علي ذلك حتى من الله علي بمن أرشدني إليك ودلني عليك، والشكر لله على ما أودعني فيك من كريم اليد والطول.
وهنا ملاحظات يستحب منا الإلفات إليها:
(الأولى) إبراهيم بن مهزيار هذا هو والد علي بن إبراهيم بن مهزيار، الذي ذكرنا له قصة أخرى مع صاحب الأمر (عليه السلام)، وحديثاً بينهما، وكلاهما - الأب والابن - وكيلان للناحية المقدسة، وهما وعائلتهما من العوائل الجليلة عند أهل البيت (عليهم السلام) وعند الشيعة، وفيهم ←

(٥٧٣)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ علماء وأتقياء.
(الثانية) استقرب البعض اتحاد هذه الرواية مع رواية علي بن إبراهيم بن مهزيار، لكنه في غير محله، إذ أن الأب والابن كلاهما وكيلان للناحية المقدسة، فما المانع في أن يكون كل واحد منهما قد تشرف بمكالمة ولقاء صاحب الأمر (عليه السلام)؟
وموافقة بعض الخصوصيات - لكونهما في مكة، ومنها إلى الطائف وغير ذلك - لا تكون قرينة على اتحاد القضية، إذ هناك فوارق كثيرة أخرى بينهما.
(الثالثة) نذكر فيما يلي تفسير بعض الكلمات الواردة:
(ناصع) خالص، (أبلج) عدم مزج الحاجبين، بل الفصل بينهما، (مسنون) أي: غير منتفخ، (أشم أروع) ممدود الأنف امتداداً رائعاً نضراً، (بان) شجر رائع القوام يضرب به المثل في الطول والاستواء، (غرته) أي: وجهه، (فتاتة مسك) قطعة مسك، والمسك طيب أسود اللون يضرب به المثل، (وفرة) كثرة من الشعر، (سحماء) سوداء (سبطة) - بكسر وفتح الباء - مترسلة غير متجعدة، (تطالع شحمة أذنه) أي: متدلية إلى شحمة الأذن، (سمت) هيئة أهل الخير، (أقصد) أحسن، (وحياءً) أي: منه.
(ألثم) أقبل (وشك) قرب (المعاتب) وقت الرضا (تشاحط) تباعد.
(قيض) هيأ (التنازع) الاشتياق.
(استأثر الله) اختار الله لنفسه (والطول) المنة.

(٥٧٤)

إن أبي (صلى الله عليه) عهد إلي أن لا أوطّن من الأرض إلا أخفاها وأقصاها(569) إسراراً لأمري، وتحصيناً لمحلي من مكائد أهل الضلال والمردة من أحداث الأمم الضوال(570) فنبذني إلى عيالة الرمال(571)، وجبت حرائم الأرض(572)، تنظرني الغاية التي عندها يحل الأمر، وينجلي الهلع(573).
وكان (صلوات الله عليه) أنبط(574) لي من خزائن الحكم وكوامن العلوم ما إن أشعّت إليك منه جزاءً أغناك عن الجملة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(569) أبعدها.
(570) جمع (ضالة).
(571) كناية عن الجبال.
(572) جبت: ردت، صرائم: الأراضي القاحلة الخالية من بناء أو زرع أو سكن.
(573) الجزع.
(574) (انبط) وصل حفار البئر إلى الماء.

(٥٧٥)

اعلم يا أبا إسحاق أنه قال (صلوات الله عليه): يا بني إن الله جل ثناؤه لم يكن ليخلي أطباق أرضه، وأهل الجد في طاعته وعبادته، بلا حجة يستعلى بها، وإمام يؤتم به، ويقتدي بسبل سننه ومنهاج قصده، وأرجو يا بني أن تكون أحد من أعده الله لنشر الحق وطي الباطل، وإعلاء الدين وإطفاء الضلال، فعليك يا بني بلزوم خوافي الأرض، وتتبع أقاصيها، فإن لكل ولي من أولياء الله (عزَّ وجلَّ) عدواً مقارعاً، وضداً منازعاً افتراضاً لمجاهدة أهل نفاقه وخلافه، أولي الإلحاد والعناد فلا يوحشنك ذلك(575).
واعلم: أن قلوب أهل الطاعة والإخلاص نُزّع إليك مثل الطير إذا أمّت أوكارها. وهم معشر يطلعون بمخائل الذلة والاستكانة، وهم عند الله بررة أعزاء، يبرزون بأنفس مختلة محتاجة وهم أهل الطاعة والاعتصام، استنبطوا الدين فوازروه على مجاهد الأضداد، حفهم الله باحتمال الضيم ليشملهم باتساع العز في دار القرار، وجبلهم على خلائق الصبر لتكون لهم العاقبة الحسنى وكرامة حسن العقبى(576).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(575) (خوافي) جمع: خافية (مقارعاً) منازعاً.
(576) (نزع) كركع. مشتاقون (أمت) قصدت (أوكار) جمع: وكر؛ مسكن الطائر (مخائل): فطان (الضيم) الظلم.

(٥٧٦)

فاقتبس يا بني نور الصبر على موارد أمورك، تفز بدرك الصنع في مصادرها، واستشعر العزة فيما ينوبك تحظ بما تحمد عليه إن شاء الله.
فكأنك يا بني بتأييد(577) نصر الله قد آن وتيسير الفلح وعلو الكعب قد حان وكأنك بالرايات الصفر والأعلام البيض تخفق على أثناء أعطافك ما بين الحطيم وزمزم، وكأنك بترادف البيعة وتصافي الولاء يتناظم عليك تناظم الدر في مثاني العقود، وتصافق الأكف على جنبات الحجر الأسود، تلوذ بفنائك من ملأ برأهم الله من طهارة الولاء ونفاسة التربة، مقدسة قلوبهم من دنس النفاق مهذبة أفئدتهم من رجس الشقاق لينة عرائكم للدين، خشنة ضرائبهم عق العدوان واضحة بالقبول أوجههم، نظرة بالفضل عيدانهم، يدينون بدين الحق وأهله(578).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(577) تأييد، وتيسير بالتنوين مطوعان عن الإضافة (الكعب) الشرف والمجد.
(578) (أعطافك) أطرافك. (بترادف) توارد (يتناظم) ينتظم (مثاني العقود) العقود المثنية لا تتبدد (جنبات) أطراف (عرائك) جمع عريكة: الطبيعة (ضرائب) جمع ضريبة، حد السيف (نظرة) جميلة (عيدان) جمع: عود الغصن.

(٥٧٧)

فإذا اشتدت أركانهم وتقومت أعمالهم قدّت بمكاثفتهم، طبقات الأمم إذ تبعتك في ظلال شجرة، دوحة بسقت أفنان غصونها على حافات بحيرة الطبرية(579).
فعندها يتلألأ صبح الحق، وينجلي ظلام الباطل، ويقسم الله بك الطغيان ويعيد معالم الإيمان، ويظهر بك أسقام الآفاق، وسلام الرفاق، يود الطفل في المهد لو استطاع إليك نهوضاً، وتواسط الوحش لو تجد نحوك مجازاً(580).
تهتز بك أطراف الدنيا بهجة وتهز بك أغصان العز نضرة، وتستقر بواني العز في قرارها، وتؤوب شوارد الدين إلى أوكارها، يتهاطل عليك سحائب الظفر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(579) (مكاثفة) الاجتماع. (تبعتك): بايعتك (دوحة) الشجرة العظيمة (بسقت) طالت (حافات) أطراف (طبرية) في أقرب الموارد: بلدة بجانب بحيرة الجليل، ولعل المقصود بها البحر الميت، وقد ورد في الأحاديث الشريفة أن صاحب الأمر (عليه الصلاة والسلام) يأتي إلى بيت المقدس فيخرج ألواح التوراة من تحت الأرض، ويرى علماء اليهود اسمه الكريم وصفاته في تلك الألواح، فتؤمن به اليهود إماماً ويعترفون بنبوة نبي الإسلام محمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) ولعل هذه الجملة إشارة إلى ذلك.
(580) (أسقام الآفاق) يعني: أن أهل الآفاق من سائر الملل والأديان كانوا في أسقام وأمراض روحانية (وسلام الرفاق) أن رفقاءك كانوا سالمين عن الأسقام الروحانية لأن عقائدهم كانت صحيحة (تواسط) أي: الوحوش الصعبة الكاسرة، كناية عن الأمن والارتياح في أكناف صاحب الأمر (عليه السلام).

(٥٧٨)

فتخنق كل عدو، وتنصر كل ولي، فلا يبقى على وجه الأرض جبار قاسط، ولا جاحد غامط، ولا شانئ مبغض، ولا معاند كاشح(581) (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا)(582).
ثم قال (عليه السلام): يا أبا إسحاق ليكن مجلسي هذا عندك مكتوماً، إلا عن أهل الصدق والأخوة الصادقة في الدين، إذا بدت لك أمارات الظهور والتمكين فلا تبطئ بإخوانك عنا وبأهل المسارعة إلى منار اليقين(583) وضياء مصابيح الدين تلق رشداً إن شاء الله.
قال إبراهيم بن مهزيار:... فلما أزف(584) ارتحالي وتهيأ اعتزام نفسي غدوت عليه مودعاً ومجدداً للعهد وعرضت عليه مالاً كان معي يزيد على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(581) (بواني العز) أسسه (تؤوب) ترجع (شوارد الدين) كناية عما ترك من أحكام الله تعالى (يتهاطل) ينصب كانصباب المطر (قاسط) أي: ظالم، وهو من أضداد اللغة (غامط) محقر للحق وأهله (كاشح) الذي يعطي للحق كشحه أي: ظهره.
(582) سورة الطلاق: آية3.
(583) يعني: إذا ظهر أمر الله تعالى فكن أنت ممن تأتي إلينا بالمؤمنين، ولعل من هذا يستكشف أن إبراهيم بن مهزيار من أنصار الحجة (عليه السلام) عند الرجعة، ومن قواده (عليه السلام).
(584) اقترب.

(٥٧٩)

خمسين ألف درهم وسألته أن يتفضل بالأمر بقبوله مني فابتسم (عليه السلام) وقال:
يا أبا إسحاق استعن به على منصرفك فإن الشقة قذفة، وفلوات الأرض أمامك جمة، ولا تحزن لإعراضنا عنه فإنا قد أحدثنا لك شكره ونشره، وأربضناه عندنا بالتذكرة وقبول المنة، فتبارك الله لك فيما خولك، وأدام لك ما نولك وكتب لك أحسن ثواب المحسنين، وأكرم آثار الطائعين، فإن الفضل له ومنه(585).
واسأل الله أن يردك إلى أصحابك بأوفر الحظ من سلامة الأوبة، وأكناف الغبطة، بلين المنصرف، ولا أوعث الله لك سبيلاً، ولا حيرك دليلاً، واستودعه نفسك وديعة لا تضيع ولا تزول بمنه ولطفه إن شاء الله(586).
يا أبا إسحاق إن الله قنعنا بعوائد إحسانه، وفوائد امتنانه وصان أنفسنا عن معاونة أوليائه إلا عن الإخلاص في النية وإمحاض النصيحة، والمحافظة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(585) (منصرفك): مسيرك في الرجوع إلى بلدك (الشقة) الطريق. ويقال له الشقة على السالك قطعة (قذفة) تقذف بمن يسلمها (نشره) امتداده وبسطه (أربضناه) هيأناه (نولك) أنعم الله.
(586) (الأوبة) الرجوع إلى الأهل والبلد (أكناف) أطراف (أوعث) أتعب (استودعه نفسك) أجعلك وديعة عند الله تعالى.

(٥٨٠)

على ما هو أتقى وأبقى وأرفع ذكراً(587).
قال [إبراهيم بن مهزيار]: فأقفلت عنه حامداً لله (عزَّ وجلَّ) على ما هداني وأرشدني...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(587) (عوائد) متكررات (عن معاونه أوليائه) أي: لا نحتاج إلى إعانتهم لنا (أتقى) أكثر التقوى (أبقى) أكثر بقاءً (أرفع ذكراً) المقصود بذلك الإيمان الخالص.

(٥٨١)

من يختار الأنبياء والأوصياء (588)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(588) (أ): الاحتجاج أبو منصور: أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ج2 ص267 - 274.
(ب): كمال الدين وتمام النعمة - أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الصدوق عن محمد بن علي بن محمد بن حاتم النوفلي الكرماني عن أبي عباس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي عن أحمد بن طاهر القمي عن محمد بن بحر بن سهيل الشيباني عن أحمد بن مسرور عن سعد بن عبد الله القمي.
(ج): إلزام الناصب - الشيخ علي اليزدي الحائري ج1 ص343 - 347. في رواية طويلة أن سعد بن عبد الله القمي الأشعري دخل في نقاش حاد مع بعض خصومه... قال: فرجعت عن هذا الخصم على حال ينقطع كبدي.
فأخذت طوماراً وأثبت في نيفاً وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيباً على أن أسأل فيها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد (عليه السلام) فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصداً نحو مولانا بسر من رأى فلحقته في المناهل فلما تصافحنا قال: بخير لحاقك بي؟ قلت: الشوق ثم العادة في الأسئلة.
قال: قد تكافينا هذه اللحظة الواحدة فقد برح بي العزم إلى لقاء مولانا أبي محمد وأريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل في التنزيل، فدونكها الصحبة المباركة فإنها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه ولا تفنى غرائبه، وهو إمامنا، فوردنا سر من رأى فانتهينا منها إلى باب سيدنا فاستأذنا فخرج الإذن بالدخول عليه وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري فيه ستون ومائة صرة من الدنانير والدراهم على كل صرة منها ختم صاحبها.
قال سعد: فما شبهت مولانا أبا محمد حين غشينا نور وجهه إلا بدراً قد استوفى من لياليه أربعاً بعد عشر، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، وعلى رأسه ذؤابتان.

(٥٨٢)

فأخرج أحمد بن إسحاق(589)جرابه من طي كسائه، فوضعه بين يديه فنظر العسكري(590) إلى الغلام وقال له:
يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك(591).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(589) قال العلامة الحلي في القسم الأول من كتاب (خلاصة الرجال ص14:) أحمد بن إسحاق الرازي، من أصحاب أبي الحسن الثالث: علي بن محمد الهادي (عليه السلام). أورد الكشي ما يدل على اختصاصه بالجهة المقدسة، وقد ذكرته في الكتاب الكبير).
وأما سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي فهو من أجلاء العلماء.
قال الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة) ص431 في باب أصحاب العسكري: (عاصره (عليه السلام)، ولم أعلم أنه روي عنه).
وقال العلامة الحلي في كتاب (خلاصة الرجال) ص78: (يكنى أبا القاسم، جليل القدر، واسع الأخبار، كثير التصانيف، ثقة، شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجيهها، لقي مولانا أبا محمد العسكري (عليه السلام)).
توفي رحمة الله يوم الأربعاء لسبعة وعشرين من شوال، سنة ثلاثمائة في ولاية رستم.
(590) المراد من العسكري هو مولانا أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) والمراد من الغلام نجله الإمام المهدي (عليه السلام).
(591) غلام يجلس على فخذ أبيه كيف يمكن إرجاع علماء الشيعة إليه في مختلف شؤونهم ←

(٥٨٣)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ ثم يتحملها، ويؤديها بالشكل الرسالي المطلوب؟ والشيعة هم الشيعة الذين تطاول صغارهم على العمالقة والجبابرة، فكيف تصاغر عمالقتهم أمام هذا الغلام بتقديس؟
ثم سجلوا للأبد وفي جملة التراث الديني المقدس كلما استطاعوا أن يلتقطوا من كلماته وحركاته وتوجهاته ومواصفات هندامه حتى أوصاف الأترجة التي كان يتابعها.
والجواب من جانب الشيعة ومن جانب الغلام:
أما من جانب الشيعة فإن كل التضحيات التي أرخصوها مدى تاريخهم بلا هوادة كانت لسبب واحد وهو رفض الباطل مهما استعلى واستبد، والنزوع إلى الحق ولو عبر ظلمات الحياة، فيتهافتون عليه أينما وجدوه في صغير أو كبير، وفي رجل أو امرأة، وفي الحياة أو في الممات، وفوق بساط الريح أو تحت سنابك الخيول. فالمهم لديهم أن يعرفوا أين تتجسد إرادة الله حتى لا يبالوا في سبيله شيء.
وأما من جانب الغلام (عليه السلام):
1: دينياً، قضية العمر محلولة - في رسالات السماء - فالله الذي جعل عيسى في المهد نبياً، وآتى يحيى الحكم صبياً، هو الذي جعل هذا الغلام في الصغر إماماً.
2: عملياً، قضية التجربة التي أجابت على كل التساؤلات فالإمام المهدي (عجل الله فرجه) منذ صباه أثبت أنه الإمام من خلال لقاءاته لقادة الشيعة، بينما فشلت محاولات عمه جعفر التواب في تبؤ مركز الإمام رغم قربه من السلطة.
3: واقعياً، قضية التكامل الإنساني قضية الروح وليست قضية الجسد، وقضايا الجسد من تفاعلات الحياة على هذه الأرض، فتبدأ دورة الكمال الجسماني وتنتهي بالموت، وقضايا الروح من تفاعلات الحية عبر مختلف العوامل التي تشكل مسيرة الإنسان، وقد بدأت دورة الكمال الإنساني منذ خلق الله الأرواح وتنتهي حيث يشاء الله تعالى. ←

(٥٨٤)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ والأرواح تختلف في طي مراحل التكامل، كما أن الأجساد تختلف في طي مراحل التكامل، فبعض الأرواح لم تتعرض للخطأ والتردد أو تعرضت لهما فتصل إلى مرحلة عالية من الكمال تتناسب مع محيط الجنة كما قال سبحانه: (وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً) سورة الإنسان، آية 12. وبعض الرواح تعرضت للخطأ والتردد حتى استنزفت قابلياتها التطويرية والتكميلية، فانحدرت دركاً يتناسب مع جهنم، كما قال تعالى: (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في الحياة الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير حق وبما كنتم تفسقون) سورة الأحقاف، آية 20. تماماً كما أن بعض الأجساد قد لا تتعرض للأمراض والآفات وتجد تغذية صحية تساعدها على النمو والشدة فتصل إلى مرحلة عالية من الكمال تؤهلها للفوز في الحلبات، وبعض الأجساد تتعرض للأمراض والآفات حتى لا يبقى منها إلا لحم موبوء وعظام نخرة لا تصلح إلا للقبور.
مضافاً إلى اختلاف المواد التي خلقت منها الأرواح، فمنها مواد نورانية لا شوائب فيها، فتفتح طريقها إلى الأعلى بسرعة النور، ومنها مواد ظلمانية لا تجد طريقاًَ إلا إلى الأسفل فتتجه نحو مركزها الحقيقي.
ولذلك نجد فصيلة من الأرواح كانت متناسبة مع التراب - قبل وصولها إلى عالم الدنيا - فخلقها الله بشراً من التراب، وفصيلة أخرى من الأرواح كانت متناسبة مع النار - قبل وصولها إلى عالم الدنيا - فخلقها الله جاناً من النار، كما قال (عزَّ وجلَّ): (خلق الإنسان من صلصال كالفخار * وخلق الجان من مارج من نار) سورة الرحمن، آية14 - 15.
كما نجد بعض الأرواح قد ارتفعت إلى مرحلة العصمة قبل وصولها إلى عالم الدنيا، بينما انحدرت بعض الأرواح إلى مرحلة الكفر قبل وصولها إلى عالم الدنيا، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) عن ←

(٥٨٥)

فقال (عجل الله فرجه): يا مولاي أيجوز أن أمد يداً طاهرة إلى هدايا بخسة وأموال رجسة؟
فقال مولاي (عليه السلام): يا بن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز بين الحلال والحرام منها.
فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها.
قال الغلام (عجل الله فرجه): هذه لفلان بن فلان من محلة (كذا) بقم تشتمل على اثنين وسبعين ديناراً فيها من ثمن حجرة باعها صاحبها، وكانت إرثاً له من أخيه خمسة وأربعون ديناراً، ومن عثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً، وفيها من أجرة حوانيت ثلاثة عشر ديناراً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ نفسه: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين) وقال عن نفسه وأهل بيته: (سبحنا فسبحت الملائكة، هللنا فهللت الملائكة...) في الوقت الذي لعن أناساً بأسمائهم وهم لما يزالوا في أصحاب آبائهم.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هاتين الحقيقتين من خلال رفع لافتة الشجرة الطيبة ولافتة الشجرة الملعونة، فقال: (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء* تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) سورة إبراهيم، آيه24 - 25. (وإذا قلنا لك أن ربك أحاط بالناس ما جعلنا الرؤية التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً) سورة الإسراء، آية60.
وعلى هذا الأساس لا يبرر للاستغراب من وصول الإمام المهدي (عجل الله فرجه) إلى مقام الإمامة في عمر مبكر.

(٥٨٦)

فقال مولانا (عليه السلام): صدقت يا بني دل الرجل على الحرام منها.
فقال (عجل الله فرجه): فتش على دينار رازي السكة تاريخه سنة (كذا) قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه، وقراضه(592) آملية وزنها ربع دينار، والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الجملة وزن في شهر (كذا) من سنة (كذا) على حائك من جيرانه من الغزل مناً(593) وربع مَنّ فاتت على ذلك مدة فسرق الغزل سارق فأخبر به الحائك صاحبه فكذبه واسترد منه بدل ذلك منّاً ونصف من غزل أدق مما كان دفعه إليه واتخذ من ذلك ثوباً كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه(594).
فلما فتح أحمد رأس الصرة صادفته رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقداره على حسب ما قال (عجل الله فرجه) واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة ثم أخرج صرة أخرى.
فقال الغلام (عجل الله فرجه): هذه لفلان بن فلان من محلة (كذا) بقم، تشتمل على خمسين ديناراً لا يحل لنا مسها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(592) القراضة: ما يقرض من الثوب والورق، وقراضة الذهب شيء يسير منه.
(593) المن جمعه أمنان: كيل أو ميزان أو رطلان يختلف في البلاد والأزمان. فالمن عند العرب غيره عند الفرس هكذا.
(594) وسبب حرمة ذلك أن الحائك أمين، وإذا حافظ الأمين على ما أتمن عليه بالطرق المألوفة ثم فقد منه فهو غير ضامن، وطالما سرق من الحائك فأخذ مثله منه حرام واقعي، وإن كان ظاهراً محكوماً بالحيلة لصاحبه إذا لم يقم الحائك الحجة شرعاً على أنه سرق منه.

(٥٨٧)

قال: وكيف ذلك؟
قال (عجل الله فرجه): لأنها ثمن حنطة خان صاحبها على أكّاره(595) في المقاسمة(596) وذلك أنه قبض حصته منها بكيل واف وكال ما خص الأكّار بكيل بخس.
فقال مولانا (عليه السلام): صدقت يا بني.
ثم قال (عجل الله فرجه): يا ابن إسحاق احملها بأجمعها لتردها أو توصي بردها على أربابها(597) فلا حاجة لنا في شيء منها، وأتنا بثوب العجوز.
قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي نسيتها، فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إلي مولاي أبو محمد (عليه السلام) فقال:
ما جاء بك يا سعد؟
فقلت: شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا.
قال (عليه السلام): فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟
قلت: على حالها يا مولاي.
قال (عليه السلام): فسل قرة عيني- وأومأ إلى الغلام- عما بدا لك منها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(595) الأكار، جمعه: أكره وأكارون: الحراث.
(596) المقاسمة: أن يتفق صاحب أرض أن يقدم أرضه ووسائل الزراعة، وأن يكون على الحراث الزراعة على أن يكون لكل منهما نصيب معين من الريع.
(597) في قوله (عجل الله فرجه): (توصي بردها على أربابها) إشعار بأنه يموت في طريق العودة كما حدث بالفعل.

(٥٨٨)

قلت فأخبرني عن الفاحشة المبينة(598) التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها حل للزوج أن يخرجها من بيته(599).
قال (عجل الله فرجه): الفاحشة المبينة هي السحق(600) وليست بالزنا، فإن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(598) (الفاحشة المبينة) ورد في ثلاث آيات من القرآن:
الأولى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن، إلا أن يأتين بفاحشة بينة وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) سورة النساء آية19.
الثانية: (يا نساء النبي من يأتي منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً) سورة الأحزاب آية33.
الثالثة: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله..) سورة الطلاق، آية1.
والسؤال عن الفاحشة المبينة التي وردت في الآية الثالثة، وأما التي وردت في الآية الأولى والآية الثانية فالكلام عنها طويل فليراجع المصادر المختصة في التفسير والفقه.
(599) فالمطلقة سكناها وسائر نفقاتها على زوجها، ويستحب لها أن تتزين له حتى يعود إليها قبل انقضاء عدتها، فإذا انقضت ولم يرجع إليها خرجت عن بيته، وكان لها أن تتزوج غيره.
فإذا أتت بفاحشة مبينة - وهي في العدة - حل له إخراجها من بيته.
(600) السحق: اكتفاء المرأة بالمرأة، وحده - على المشهور بين الفقهاء قديماً وحديثاً - الجلد كالزنا مطلقاً سواء كانتا أو إحداهما محصنة أم غير محصنة، وعن الشيخ في النهاية وتبعه القاضي وابن حمزة التفصيل بلا حصان فالرجم وبغيره بالجلد - كالزنا - وفي المسألة روايات في الوسائل والمستدرك وهي مختلفة بإطلاق الجلد، وإطلاق الرجم، والتفصيل بين المحصن وغيره، ويطلب التفصيل في مجالات الاختصاص، إلا أن القول المشهور إن لم يكن أقوى فلا ريب أنه أحوط، لتقدم الاحتياط في جانبه على الاحتياط في أجراء الحدود كما حققناه في بعض مباحثنا.

(٥٨٩)

المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد، وإذا سحقت وجب عليها الرجم، والرجم خزي، ومن قد أمر الله (عزَّ وجلَّ) برجمه فقد أخزاه، ومن أخزاه فقد أبعده، فليس لأحد أن يقربه.
قلت: فأخبرني يا بن رسول الله عن أمر الله تبارك وتعالى لنبيه موسى: (فاخلع نعيلك إنك بالوادي المقدس طوى)(601) فإن فقهاء الفريقين يزعمون: إنها كانت من إيهاب الميتة.
فقال (عجل الله فرجه): من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوته، لأنه ما خلا لأمر فيها من خطيئتين، إما أن تكون صلاة موسى فيهما جائزة أو غير جائزة، فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة، وإن كانت مقدسة مطهرة، فليست بأقدس وأطهر من الصلاة وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى أنه لم يعرف الحلال من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(601) سورة طه، آية12.

(٥٩٠)

الحرام، ولم يعلم ما تجوز به الصلاة وما لم تجز، وهذا كفر(602).
قلت: فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها.
قال (عجل الله فرجه): إن موسى ناجى ربه بالوادي المقدس فقال: (يا رب إني قد أخلعت لك المحبة مني وغسلت قلبي عمن سواك) وكان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(602) نبحث بمناسبة هذا النص عن عدة أمور:
1: إن الصلاة كانت في جميع الرسالات كما هي في الإسلام، وموقعها في سائر الديانات ذات موقعها في الديانة الإسلامية، أي كانت أهم العبادات ومن الواضح أن دور العبادات يأتي بعد دور العقائد - لأن الصلاة تعني التكرس أمام اللهو ولا يمكن أن يخلو توجه السماء من التوجيه إلى السماء.
فالصلاة كانت في الديانة اليهودية، كما كانت في الديانات التي هبطت قبلها أو بعدها، وأن تدرجت صيغتها نحو الكمال مع درج البشرية والديانات، حتى استوفت كمالها مع كمال الديانة في الإسلام.
2: وإذا صح أن جوهر الصلاة هو التكرس أمام الله، في مطلق الصيغ التي شرعه الله - فمناجاة موسى (عليه السلام) على جبل الطور من أفضل صلواته، فلا صلاة أفضل من توجه يعطف توجه السماء، كما أن معراج النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أفضل صلواته.
3: النجاسات المادية - كالمعنوية - تشد إلى الأرض، وتمنع الخلوص إلى الأعلى فدخول موسى (عليه السلام) في المناجاة على جبل الطور بنعلين نجستين لا يعني إلا أحد المعنيين اللذين ذكرهما الإمام المهدي (عجل الله فرجه).
4: أما التعبير بالكفر عن اعتقاد عدم معرفة موسى (عليه السلام) الحلال من الحرام، فلأن تجهيل النبي بشريعته يساوي إنكار نبوته، وإنكار نبوة أيٍّ من الأنبياء من إمارات الكفر إن لم يكن من أنواعه.

(٥٩١)

شديد الحب لأهله، فقال الله تعالى: (اخلع نعليك) أي انزع حب أهلك عن قلبك إن كانت محنتك لي خالصة وقلبك من الميل من سواي مغسولاً(603).
قلت: فأخبرني يا بن رسول الله عن تأويل (كهيعص).
قال (عجل الله فرجه): هذه الحروف من أنباء الغيب، أطلع الله عليها عبده زكريا ثم قصها على محمد (صلى الله عليه وآله) وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه الأسماء الخمسة فأهبط عليه جبرائيل، فعلمه إياها، فكان زكريا إذا ذكر اسم محمد وعلي وفاطمة والحسن سرى عنه همه وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم الحسين (عليه السلام) خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة، فقال ذات يوم: (إلهي، ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين (عليه السلام) تدمع عيني وتثور زفرتي)؟ فأنبأه الله تعالى عن قصته وقال: (كهيعص) فالكاف اسم كربلاء والهاء هلاك العترة، والياء وهو يزيد ظالم الحسين (عليه السلام) والعين عطشه، والصاد صبره. فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع فيها الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(603) هذا لا يعني أن الإنسان لا يكون مخلصاً لله إذا أحب سواه، وإنما يعني أن الإنسان لا يكون مخلصاً لله إذا كان حبه لغيره مستقلاً عن حبه لله، وأما إذا كان حبه لغير الله متشعباً من حبه لله فلا ينافي الإخلاص، فما من نبي إلا يحب جميع أولياء الله، ويتعاطف مع أقربائه والمتعايشين معه، حتى إذ اصطدموا بشيء من أحكام الله ارتفع مقياس حبه لله ليزيحهم عن الطريق.

(٥٩٢)

(إلهي أتفجع خير خلقك بولده؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟ إلهي أتلبس علياً وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما). ثم كان يقول: (إلهي ارزقني ولداً تقر به عيني على الكبر واجعله لي وارثاً ووصياً واجعل محله مني محل الحسين فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم فجّعني به كما تفجع محمد (صلى الله عليه وآله) حبيبك بولده) فرزقه الله بيحيى وفجعه به وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين كذلك.
قلت: فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم:
قال (عجل الله فرجه): مصلح أو مفسد.
قلت: مصلح.
قال (عجل الله فرجه): فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد.
قلت: بلى.
قال: فهي العلة، أوردتها لك ببرهان يثق به عقلك.
قلت: نعم.
قال: أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل الكتب عليهم وأيدهم

(٥٩٣)

بالوحي والعصمة وهم أعلى الأمم وأهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال عملهما إذا همّا بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن.
قلت: لا.
قال: فهذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال عمله ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاً ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين، قال الله (عزَّ وجلَّ): (واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا)(604) إلى قوله: (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم)(605) فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعاً على الأفسد دون الأصلح وهو يضن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور وتكن الضمائر ويتصرف عليه السرائر وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح(606).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(604) سورة الأعراف، آية 155.
(605) سورة البقرة، آية55.
(606) الحديث طويل وقد اخترنا منه هذه البنود حسب مناسبة المقام. وفي المصادر بعض الاختلاف اللفظي، وقد أثبتنا منها ما هو الأقوى والأجزل.

(٥٩٤)

رموز كبرى (607)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(607) الغيبة - أبو جعفر محمد بن الحسين الطوسي عن جماعة عن التلعكبري عن أحمد بن علي الرازي عن علي بن الحسين عن رجل ذكر أنه من أهل قزوين لم يذكر اسمه عن حبيب بن محمد بن يونس بن شاذان الضمائي قال: دخلت إلى علي بن إبراهيم بن مهزيار فسألته عن آل أبي محمد (عليهم السلام) فقال: يا أخي لقد سألت عن أمر عظيم. حججت عشرين حجة كلاًّ أطلب به عيان الإمام (عليه السلام) فلم أجد إلى ذلك سبيلاً، فبينما أنا ليلة نائم في مرقدي إذ رأيت قائلاً يقول: يا علي بن إبراهيم قد أذن لك الله في الحج فلم أعقل ليلتي حتى أصبحت فأنا مفكر في أمري أرقب الموسم ليلي ونهاري فلما كان وقت الموسم أصلحت أمري وخرجت متوجهاً نحو المدينة فما زلت كذلك حتى دخلت يثرب فسألت عن آل أبي محمد (عليه السلام) فلم أجد له أثراً، ولا سمعت له خبراً فأقمت مفكراً في أمري حتى خرجت من المدينة أريد مكة فدخلت الجحفة وأقمت بها يوماً وخرجت منها متوجهاً نحو الغدير - وهو على أربعة أميال من الجحفة - فلما أن دخلت المسجد صليت وغرت واجتهدت في الدعاء وابتهلت إلى الله لهم وخرجت أريد عسفان، فما زلت كذلك حتى دخلت مكة فأقمت بها أياماً أطوف البيت وأعتكف، فبينا أنا ليلة في الطواف إذا أنا بفتى حسن الوجه طيب الرائحة، يتبختر في مشيته، طائف حول البيت، فحس قلبي به فقمت نحوه فحككته، فقال لي: من أين الرجل؟ فقلت من أهل العراق؟ فقال لي: من أي العراق؟ قلت من الأهواز فقال لي: تعرف بها ابن الخطيب؟ فقلت رحمه الله دعي فأجاب، فقال: رحمه الله فما كان أطول ليلته وأكثر تبتله وأغزر دمعته، أفتعرف علي بن إبراهيم المازيار؟ فقلت: أنا علي بن إبراهيم فقال: حياك الله أبا الحسن ما فعلت بالعلامة التي بينك وبين أبي ←

(٥٩٥)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ محمد الحسن بن علي؟ فقلت: معي قال: أخرجها، فأدخلت يدي في جيبي فاستخرجتها فلما أن رآها لم يتمالك أن تغرغرت عيناه وبكى منتحباً حتى بل أطماره ثم قال: أذن لك الآن يا بن المازيار صر إلى رحلك وكن على أهبة من أمرك حتى إذا لبس الليل جلبابه وغمر الناس ظلامه صر إلى شعب بن عامر فإنك ستلقاني هناك.
فصرت إلى منزلي فلما أن أحسست بالوقت أصلحت رحلي وقدمت راحلتي وعكمتها شديداً وصرت في متنه وأقبلت مجداً في السير حتى وردت الشعب فإذا أنا بالفتى قائم ينادي إلى يا أبا الحسن إلي فما زلت أدلف نحوه فلما قربت بدأني بالسلام وقال لي: سر بنا يا أخي، فما زال يحدثني وأحدثه حتى تخرقنا جبال عرفات وسرنا إلى جبال منى وانفجر الفجر الأول ونحن قد توسطنا جبال الطائف، فلما أن كان هناك أمرني بالنزول وقال لي: انزل فصل صلاة الليل، فصليت وأمرني بالوتر فأوترت وكانت فائدة منه ثم أمرني بالسجود والتعقيب ثم فرغ من صلاته وركب وأمرني بالركوب وسار وسرت معه حتى علا ذروة الطائف فقال: هل ترى شيئاً قلت: نعم أرى كثيب رمل عليه بيت شعر يتوقد البيت نوراً فلما أن رأيته طابت نفسي فقال لي: هناك الأمل والرجاء. ثم قال: سر بنا يا أخي فسار وسرت بمسيره إلى أن انحدر من الذروة وسار في أسفله فقال: انزل فها هنا يذل كل صعب ويخضع كل جبار.
ثم قال: خل عن زمام الناقة، فعلى من أخلفها؟ فقال: حرم القائم (عليه السلام) لا يدخله إلا مؤمن ولا يخرج منه إلا مؤمن. فخليت عن زمام راحلتي وسار وسرت معه إلا أن دنا من باب الخباء فسبقني بالدخول وأمرني أن أقف حتى يخرج إلي ثم قال لي: أدخل هناك السلامة فدخلت فإذا أنا به (عليه السلام) جالس قد اتشح ببردة وائتز بأخرى وقد كسر بردته على عاتقه وهو كأقحوانة أرجوان قد تكاثف عليها الندى وأصابها ألم الهوى وإذا هو كغصن بان أو قضيب ريحان سمح سنحي تقي نقي ليس بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللازق بل مربوع القامة مدور الهامة صلت الجبين أزج الحاجبين أقنى الأنف سهل الخدين على خده الأيمن خال كأنه فتات مسك على رضراضة عنبر، فلما أن رأيته بدرته بالسلام فرد علي أحسن ما سلمت عليه وشفهي:

(٥٩٦)

وسألني عن أهل العراق؟
فقلت: سيدي قد ألبسوا جلباب الذلة وهم بين القوم أذلاء.
فقال لي: (يا بن المازيار لتملكونهم كما ملكوكم(608)وهم يومئذ أذلاء).
فقلت: سيدي لقد بعد الوطن وطال المطلب(609).
فقال: (يا بن المازيار أبي أبو محمد(610) عهد إلي أن لا أجاور قوماً غضب الله عليهم ولعنهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم(611) وأمرني أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(608) هذه بشارة من الإمام بأنه يأتي دور يتولى فيه المؤمنون به حكم العراق، وبما أنه لم يحدث ذلك في الماضي فلا بد أن يحدث في المستقبل بإذن الله.
(609) علي بن إبراهيم قال هذا القول للإمام المهدي، وهو يعني بـ (الوطن) وطن الإمام المهدي ويعني بـ (المطلب) ظهوره الذي يضع حداً لجميع الانحرافات، وهو - بهذا الكلام - يظهر تأسفه بطول فترة تغرب الإمام المهدي وانتظار وعد الله.
(610) يعني والده الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فهو الذي أوصاه بالهجرة من المجتمعات الفاسدة التي قتلت آبائه الطاهرين إلى المناخات البريئة والأجواء النقية من الجبال الوعرة والصحاري المقفرة التي لا تلوثها أشباح الظالمين.
(611) يقصد جميع المجتمعات - منذ الغيبة إلى الظهور - فكل هذه المجتمعات تتألف من أقوام غضب الله عليهم ولعنهم، بدليلين: ←

(٥٩٧)

لا أسكن من الجبال إلا وعرها ومن البلاد إلا فقرها والله - مولاكم(612) - أظهر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ الأول: أن الله أبعد حجته عنهم، وتركهم في ظلمات يعمهون، فهم في الماضي كما هم اليوم في كل مكان يعيشون شريعة الغاب، فالأقوياء يتكالبون على دنياهم تكالب الهراش على الجيفة، والضعفاء يتساقطون في الولايات تساقط الفراش في النار، حتى لا يوجد إنسان إلا وهو ظالم أو مظلوم، أو ظالم ومظلوم في آن واحد، على اختلاف درجات الظلم وأنواعه.
الثاني: أنهم لا يريدون حجة الله فيهم إلا مجرد رمز يماري ويداري، ويغازل ويجامل، فيماري المظلوم ويبارك الظالم، ولو ظهر حجة الله بالأمس أو اليوم في أي مجتمع من المجتمعات البشرية، كما هو وكما يريده الله معبراً عن إرادة الله الصارمة، يكون نصيبه الشهادة، إلا إذا تسلح بقواه السماوية التي تعلو ولا يعلى عليها كما ظهر سليمان وذو القرنين.
وهذان الدليلان يثبتان أن هذه المجتمعات برمتها ملعونة مغضوب عليها.
وأما الأفراد الصالحون الذين يتحفزون ولا يملكون التغيير، فهم قلائل متبعثرون، ولا يشكلون شريحة يمكن الاستناد إليها في اجتياح قوى الشر أو الصمود أمامها، بدليل أنهم - في الماضي - لم يستطيعوا الدفاع عن الأنبياء والأوصياء، وهم - اليوم - يعلنون، ولا يشكلون قوى ضاربة، ولا كتلة تملك الاستقلال والخروج بنفسها من طغيان المجتمعات.
إنهم - حتى اليوم - أشبه باللآلئ المتفرقة في قاع البحر، تحجبها التيارات والأمواج عن الشمس، دون أن تمثل قاعدة تستطيع التعبير عن ذاتها.
فمجمل المجتمعات يمثل صف الباطل، لأن أكثر الأقوياء مصلحيون فيقفون في صف الباطل، وينسحبون على الرعاع الذين هم مع الغالب كيفما كان وضد المغلوب مهما كان.

(612) كلمة (مولاكم) عطف بيان على (الله) أي أن الله أعلن (التقية) في قوله (عزَّ وجلَّ): (إلا أن تتقوا منهم تقاة) سورة آل عمران آية28. (فوكلها بي) وجعلني تحت حكم التقية.
و(التقية) هي الابتعاد عن نقاط الاحتكاك في الوقت غير المناسب.
وإذا كان الله قد أمر الإمام المهدي (عجل الله فرجه) بالهجرة من المجتمعات المتوترة إلى الفيافي والجبال - لما سبق في علمه أنه يأتي وقت يظهر فيه بقوة هائلة تنهار أمامها الحكومات، فيصحح مسار المجتمعات ويربط بشر الأرض بالكون الكبير - فلا يعني ذلك أن كل الناس في سعة عن أداء واجباتهم بحجة التقية، لأن التقية حكم شرعي كبقية الأحكام الشرعية مشدود بأسباب وشروط معروفة في الأوساط الفقهية.

(٥٩٨)

التقية فوكلها فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج).
فقلت: يا سيدي متى يكون هذا الأمر؟
فقال: (إذا حيل بينكم وبين الكعبة، واجتمع الشمس والقمر(613) واستدار بهما الكواكب والنجوم(614).
فقلت: متى يا بن رسول الله؟
فقال لي: (في سنة كذا وكذا(615) تخرج دابة الأرض(616) من بين الصفا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(613) لعله يرمز إلى قول الله تعالى: (فإذا برق البصر* وخسف القمر* وجمع الشمس والقمر* يقول الإنسان يومئذ أين المفر) سورة القيامة، آية 7 - 10.
(614) قال العلامة المجلسي في البحار: (لا يبعد أن يكون الشمس والقمر والنجوم كنايات عن الرسول وأمير المؤمنين والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين. ويحتمل أن يكون المراد قرب الأمر بقيام الساعة التي يكون فيها ذلك. ويمكن حمله على ظاهره).
(615) هذا الحديث يثبت أن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وسائر المعصومين يعرفون ساعات الأحداث الفاصلة في الحياة، كمواعيد ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ونزول المسيح من السماء وخروج الدجال، وانقلاب السفياني، وقيام دابة الأرض وأمثالها.
(616) (دابة الأرض) هي التي أخبر عنها الله تعالى في القرآن بقوله: (فإذا وقع عليهم القول أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) سورة النمل آية82. و(دابة الأرض) في هذه الآية ليست من أنواع الحيوان وإنما هي من نوع الإنسان، بل هو رجل من أعظم أولياء الله، وشخصيته معروفة في أوساط المحدثين والمفسرين، والدليل على ذلك أن الله تعالى قال: (...تكلمهم) ثم لخص كلامها بقوله: (إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) وفي هذا الحديث يقول الإمام المهدي عجل الله فرجه: (ومعه عصا موسى وخاتم سليمان...) علماً أن الحيوان لا يفيد من (تراث النبوة) وإنما يستثمره الداعي إلى الله في غسل الأدمغة من الشكوك والشبهات.
والتعبير عنه بـ (دابة الأرض) ليس لتحقيره وإنما لتعظيمه، لأن الدابة (ما دب على الأرض، وهو وحده الوحيد الذي يتحرك بإرادته على الأرض، وإذا استثنياه وأهل بيته نجد الناس على العموم - رمالاً متحركة تهيج وتهدأ بإرادة الرياح التي تعصف بها من الداخل أو من الخارج.

(٥٩٩)

والمروة(617) ومعه عصى موسى وخاتم سليمان تسوق الناس إلى المحشر)(618)،(619).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(617) يستفاد من مجمل الأحاديث الوارد حول قضية (دابة الأرض): أنها لا تخرج من بين الصفا والمروة وربما يعلن شخصيته من بين الصفا والمروة.
(618) يهيئ الناس للمحشر، ولا يسوقهم إلى المحشر مباشرة، لأن الفاصل بينه وبين المحشر فاصل كبير. وإنما يسوق الناس إلى المحشر لأنه يقوم بدور الامتحان الأخير، حيث يقضي على الشيطان وجنوده من الجن والأنس ويتم الحجة على الجميع، ثم يترك الناس يتصرفون دون أي مبرر للانحراف أو العصيان، حتى يحشروا يوم القيامة ولله عليهم الحجة البالغة.
وقد سجل القرآن إشارة إلى دور (دابة الأرض) وهو يروي كلام أهل النار: (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فهل إلى خروج من سبيل) سورة غافر، آية11.
(619) في تتمة الحديث ما يلي:
(قال): (فأقمت عنده أياماً وأذن لي بالخروج بعد أن استقصيت لنفسي وخرجت نحو منزلي. والله لقد سرت من مكة إلى الكوفة ومعي غلام يخدمني فلم أر إلا خيراً وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً).

(٦٠٠)

قائم الزمان (620)
أنا المهدي؛ وأنا قائم الزمان(621) وأنا الذي أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً.
إن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(620) (أ): ينابيع المودة - سليمان بن إبراهيم البلخي القندوزي ص464.
(ب): الغيبة - أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي.
(ج): كمال الدين وتمام النعمة - أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الصدوق عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني علي بن أحمد الخديجي عن الأزدي قال:...
بينما أنا في الطواف قد طفت ستاً وأنا أريد أن أطوف السابع فأنا بحلقة عن يمين الكعبة وشاب حسن الوجه طيب الرائحة هيوب مع هيبة متقرب إلى الناس يتكلم أر أحسن من كلامه ولا أعذب من نطقه وحسن جلوسه فذهبت أكلمه فزبرني الناس فسألت بعضهم: من هذا؟ فقالوا هذا ابن رسول يظهر في كل سنة يوماً لخواصه يحدثهم.
فقلت: يا سيدي مسترشداً أتيتك فأرشدني هداك الله فناولني حصاة فحولت وجهي فقال لي بعض جلسائه: ما الذي دفع إليك؟
فقلت: حصاة وكشفت عنها فإذا أنا بسبيكة ذهب فذهب فإذا أنا به قد لحقني فقال لي: ثبتت عليك الحجة وذهب عليك العمى وظهر لك الحق. أتعرفني؟
فقلت: لا، فقال:...
(621) الزمان يفسر بتفاسير عديدة فقال بعض الفلاسفة القدامى: أنه الحركة. وقال آخرون: أنه حركة الفلك. وقال انشتاين: أنه البعد الرابع للأشياء. وقال آخرون: الزمان لا حقيقة له من صلة إنما هو مجرد اختلاف الأفراد في الحالات ولا زال البشر يتخبط في تفسير الزمان، لأنه يعيش داخل الزمان، والأشياء لا تعرف إلا من فوق.
وعلى أي حال: الزمان واقع موجود نوعاً ما محيط بكل الأشياء المادية وبكل الطاقيات المتصلة بالماديات، وهو يختلف من محيط إلى محيط، ويمسك بكل ما يحيط به كإمساك الجاذبية بكل ما تحتويه، وربما بفعالية أكثر. وأصحاب الولاية الكونية يوصفون بأصحاب الزمان لأن الذي يمسك بالزمان ممسك بكل ما يحيط به.

(٦٠١)

الأرض لا تخلو من حجة ولا يبقى الناس في فترة(622).
وهذه أمانة لا تحدث بها إلا إخوانك من أهل الحق(623).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(622) من الحقائق الثابتة في الدين: أن أول من خلق الله هو الحجة، وآخر من يغادر الحياة هو الحجة، إذ لابد من وسيط كوني.
(623) لعل هذا النوع من الأمر بكتمان الحاجة إلى الحجة ورد لسان الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لأن أكثر الناس يعيشون الفكر المادي ويحولون القضايا الروحية على القسم المطوي من العقل فهم يصدقون إذا قيل لهم: أن الحياة تنقرض على الأرض إذا ابتعدت عن الشمس أو فقدت الأوكسجين حولها، ولا يصدقون إذا حدثهم الأولياء عن دور الملائكة وأصحاب الولاية الكونية، رغم أن تأثير الطاقيات على الماديات أكثر من تفاعلات الماديات فيما بينهما ولكن (ذلك مبلغهم من العلم) سورة النجم آية 30.

(٦٠٢)

جعل أنبياءه بشراً (624)
افهم عني ما أقول لك: اعلم أن الله تعالى لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان(625) ولا يشافههم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(624) الاحتجاج: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص285 - 288: عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (قدّس سرّه) قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال: كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه مع جماعة منهم علي بن عيسى القصري، فقام إليه رجل فقال له: أريد أن أسألك عن شيء.
فقال له: سل عما بدا لك.
فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي (عليه السلام) أهو ولي الله؟
قال: نعم.
قال: أخبرني عن قاتله؟ لعنه الله أهو عدو لله؟
قال: نعم.
قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله تعالى عدوه على وليه؟
فقال أبو القاسم قدس الله روحه:...
(625) فالله لا يخاطب الناس وجهاً لوجه، لأن الله ليس بجسم والجسم الكثيف - وحده - هو الذي يمكن مشاهدته بالرؤية البصرية إذا كان في حيز الضوء، لأن صورته تنعكس في عدسة العين التي تنقلها إلى الدماغ، حيث يتم فحصها وتميزها، وأما الأجسام اللطيفة والطاقات فلا يمكن رؤيتها بالعين، وإنما تعرف بتأثيراتها على الأجسام الكثيفة، فكيف بالله الذي ليس بجسم ولا طاقة؟ فلا يمكن - بأي حال من الأحوال - مشاهدته عن طريق الرؤية البشرية، كل ما هنالك أنه يعرف أصل وجوده من خلال مخلوقاته، وتعرف صفاته وأسمائه بعضها بالعقل أيضاً وبعضها الآخر بواسطة رسله الذين يعرفونها بوحي منه سبحانه:...

(٦٠٣)

بالكلام(626) ولكنه جلت عظمته يبعث إليهم من أجناسهم وأصنافهم بشراً مثلهم، ولو بعث إليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم، ولم يقبلوا منهم(627) فلما جاءوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(626) الفارق بين المشاهدة والمشافهة، أن المشاهدة مستحيلة، والمشافهة ممكنة، فإنه قد يشافه بعض رسله، كما شافه موسى بن عمران في جبل الطور حيث خلق الكلام في شجرة الزيتون فتجاوب معه موسى بن عمران، وكما شافه الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في ليلة المعراج حيث خلق الكلام في حجب النور، فتحاور معه النبي (صلى الله عليه وآله). ومن الممكن أن يخلق الله كلاماً في الفضاء أو في بقعة معينة كالكعبة، بحيث يسمعه كل بلغته ويتناجى معه الناس مباشرة، ولكن الأرواح العادية لا تتحمل مخاطبة الله قبل أن تتكامل، وتبلغ المستوى الذي تبلغه يوم القيامة حيث يسمعون كلام الله، على ما يظهر من بعض الروايات.
(627) إن الناس العاديين لا يكتفون بالتوجيه الذهني المجرد، وإلا لاكتفوا برسول العقل وإنما يحتاجون إلى قائد يسير أمامهم، ويقول لهم: سيروا ورائي، وإلى أسوة يعمل ويقول لهم: اعملوا مثلما أعمل فإذا كان قائدهم وأسوتهم منهم لم يجدوا بداً من اللحاق والتأسي به، أو الاعتراف بتقصيرهم وانحرافهم، وإذا كان قائدهم وأسوتهم من غيرهم - كالملائكة مثلاً - لا يجدون حرجاً من التخلف عنه وإعذار أنفسهم - حتى فيما ليسوا معذورين - بأن هذا ملك لا يشعر بما نشعر ولا يعاني مما نعاني، وليس لنا اللحاق والتأسي به.
فلذلك بعث الله رسله إلى عامة الناس بشراً، وبعث رسله إلى المتفوقين من الناس - وهم الأنبياء - ملائكة. لأن الأنبياء بلغوا مستوى يؤهلهم لتحديد قدراتهم، وتمييز ما يقدرون حقاً عما لا يقدرون حقاً، فهم يكتفون بالتوجيه الذهبي المجرد من القائد والأسوة، ويستطيعون القيام بدور القائد والأسوة.

(٦٠٤)

الأسواق، قالوا لهم: أنتم بشر مثلنا لا نقبل منكم حتى تأتونا بشيء نعجز من أن نأتي بمثله، فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه، فجعل الله (عزَّ وجلَّ) لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها(628).
فمنهم: من جاء بالطوفان بعد الإعذار والإنذار فغرق جميع من طغى وتمرد(629).
ومنهم: من ألقي في النار فكانت عليه برداً وسلاماً(630).
ومنهم: من أخرج من الحجر الصلب الناقة، وأجرى من ضرعها لبناً(631).
ومنهم: من فُلق له البحر وفجر له من العيون وجعل له العصا اليابسة ثعباناً تلقف ما يأفكون(632).
ومنهم: من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله، وأنبأهم بما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(628) إثباتاً لعلاقتهم بالله (عزَّ وجلَّ).
(629) وهو نوح (عليه السلام).
(630) وهو إبراهيم الخليل (عليه السلام).
(631) وهو صالح (عليه السلام).
(632) وهو موسى بن عمران (عليه السلام).

(٦٠٥)

يأكلون وما يدخرون في بيوتهم(633).
ومنهم: من انشق له القمر وكلمته البهائم، مثل البعير والذئب وغير ذلك(634).
فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله، وكان من تقدير الله جل جلاله، ولطفه بعباده وحكمته: أن جعل أنبيائه مع هذه المعجزات في حال غالبين وأخرى مغلوبين وفي حال قاهرين وأخرى مقهورين، ولو جعلهم الله في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله (عزَّ وجلَّ)، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختيار، ولكنه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم، ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين، غير شامخين ولا متجبرين، وليعلم العباد: أن لهم (عليهم السلام) إلهاً هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله، وتكون حجة الله ثابتة على من تجاوز الحد فيهم، وادعى لهم الربوبية، أو عاند وخالف، وعصى وجحد(635). بما أتت به الأنبياء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(633) وهو عيسى ابن مريم (عليه السلام).
(634) وهو الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) ويلاحظ أن الترتيب جاء حسب التسلسل الزمني دون الدرجات الرسالية.
(635) يلاحظ أن الأنبياء والأوصياء الذين كانوا في مستوى التعامل مع الطاقات الماورائية، وبعضهم كان من أصحاب الصلاحيات الكونية، قلما كانوا يستخدمونها إلا لإثبات علاقتهم بالله أي لإثبات رسالاتهم فقط، فكانوا ينظمون حياتهم الشخصية والاجتماعية وحتى عملهم الرسالي بالوسائل العادية تماماً كسائر الأفراد، فلماذا؟
والأسباب لهذه الظاهرة كثيرة لعل أهمها:
الأول: حتى لا يغالي فيهم أصحاب العقول القاصرة، فيؤلهوهم دون الله.
الثاني: أن يواصلوهم سيرهم التكاملي في هذه الحياة، والسير التكاملي لا يتم بدون معاناة. وهذان السببان مذكوران في هذا الحديث.
ويمكن استنتاج سبب ثالث، وهو:
أن الله بعث الأنبياء وأردفهم بالأوصياء لأمرين: الأول أن يبلغوا رسالاته. الثاني أن يكونوا أسوة لمن سواهم، وإذاكانوا يعيشون حياة معجزية كان الناس يعذرون أنفسهم في التخلف عنهم.

(٦٠٦)

والرسل، وليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة(636).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(636) قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق (قدّس سرّه): فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدّس سرّه) في الغد وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر لنا ما ذكر يوم أمس من عند نفسه؟
فابتدأني وقال: يا محمد بن إبراهيم لأن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحب إلي من أول أقول في دين الله برأيي، ومن عند نفسي، بل ذلك عن الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله عليه وسلامه.

(٦٠٧)

الأئمة يسألون (637)
إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام، وقسم الأرزاق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم(638) ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(637) الاحتجاج - أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ج2 ص284 - 285: أبو الحسن علي بن أحمد الدلال القمي قال: اختلف جماعة من الشيعة في أن الله (عزَّ وجلَّ) فوض إلى الأئمة صلوات الله عليهم أن يخلقوا ويرزقوا، فقال قوم: هذا محال لا يجوز على الله تعالى، لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله (عزَّ وجلَّ)، وقال آخرون: بل الله أقدر الأئمة على ذلك وفوض إليهم فخلقوا ورزقوا. وتنازعوا عن ذلك نزاعاً شديداً، فقال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان؟ فتسألوه عن ذلك ليوضح لكم الحق فيه، فإنه الطريق إلى صاحب الأمر. فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلمت وأجابت إلى قوله، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته:...
(638) لعل المراد: أن الله خلق الأجسام، لأنه ليس بجسم - لا كالأجسام الكثيفة ولا كالأجسام الشفيفة - ولا حال في الجسم - كالروح - ولو كان جسماً أو حالاًّ فيه وخلق الجسم لزم الدور وهو محال. والإمام - أي إمام - مركب من جسم هو جسده البشري ومن حال في الجسم هو روحه، فلو خلق الأجسام بجسمه أو بروحه لزم الدور أيضاً، وهو محال.
هذا إذا كان المراد من الخلق هو الإيجاد من العدم - كما يوحي به التعبير بخلق الأجسام - وأما خلق الهيئة فلا يختص بالله، لأن عيسى ابن مريم خلق من الطين كهيئة الطير، وأنت تخلق من الصخرة تمثالاً أو تخلق من قلم صورة حيوان أو إنسان. وإذا كان التعبير بأحسن الخالقين عن الله تعالى حيث يقول جل وعلا: (فتبارك الله أحسن الخالقين) المؤمنين آية14.
فالله في مجال خلق الأجسام أي الخلق من العدم هو الخالق الوحيد، وفي مجال خلق الهيئات والصور أحسن الخالقين. لأنه (عزَّ وجلَّ) أنشأ الصور من لا صورة، وغيره يحتذي صور بعض المخلوقات ولو بتغييره، وفي أحسن الحالات يكرر صورة ألقاها الله في خياله.

(٦٠٨)

وأما الأئمة (عليهم السلام) فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق، ويسألونه فيرزق(639) إيجاباً لمسألتهم، وإعظاماً لحقهم(640).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(639) السؤال قد يكون شفوياً وربما يكون إرادياً بأن يتوجه السائل إلى الله توجه عبودية واستمداد. والأئمة (عليهم السلام) يمارسون السؤال بقسمين، فإذا نطقوا سألوا وإذا صمتوا توجهوا.
(640) هل يقتصر دور الأئمة - وسائر المعصومين من الأنبياء والأوصياء - على السؤال من الله أم أن دورهم أوسع؟
الظاهر من القرآن والسنة أن المعصومين يمارسون المعجزات بصلاحياتهم لا عن طريق السؤال من الله، كما يوحي بذلك قول عيسى ابن مريم: (إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرى الأكمة والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله...) سورة عمران، آية49. ويؤكد قول الله تعالى: (وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني) سورة المائدة، آية110، والإذن هو عدم المنع، وليس إجابة السؤال.
ويشبه هذا التعبير قول آصف بن برخيا لسليمان بن داوود: (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) سورة النمل، آية40. ولم يقل أنا أسأل الله يأتيك به.
فالمعصومون - وخاصة أصحاب الولاية الكونية - لهم صلاحيات يتحركون من خلالها بالقدرات المخولة لهم من الله، ويكفيهم إذن الله أي عدم وجود مانع يحدد صلاحياتهم، ولا يحتاجون إلى السؤال من الله ما داموا يتحركون من خلالها، فإذا أرادوا التحرك خارج نطاق صلاحياتهم كان عليهم أن يسألوا الله، وهو يجيب دعائهم لأنهم يعرفون المقاييس الكونية فلا يألون غير المقبول. تماماً كالموظف الذي يتمتع بصلاحيات معينة من قبل الدولة، وهو يتصرف يدون مراجعة المسؤول الأعلى ما دام تصرفه ضمن صلاحياته، فإذا شاء الخروج عنها احتاج إلى السؤال ويأتيه الموافقة لأنه يعرف مقاييس الدولة ولا يسأل غير المعقول.
كل ما هنالك أن المعصومين قد يقارنون بالله، فهم عبيد طائعون لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، وربما يقاربون بمن سواهم من الناس، فهم أصحاب صلاحيات واسعة بالقول وهم بأمره يعملون، وإذا قارنهم بغيرهم، فهم أصحاب قدرات كونية لا يملكها كثير من مخلوقات الله. كما جاء من جبرئيل (عليه السلام) في قوله تعالى: (ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاعاً ثم أمين) سورة التكوير آية 20و21.
وقد تلخص: بأن للمعصومين من البشر - كالملائكة - جانبان: جانب التأثر وجانب التأثير، فبالنسبة إلى الله هم الكف الضارعة، وبالنسبة إلى غيرهم هم اليد العليا.
وقد ورد السؤال - في هذه الرسالة - من الجانب الأول، فكان من الطبيعي أن يكون الجواب كما هو مثبت أعلاه، وفي بعض الرسائل ورد السؤال عن الجانب الثاني كرسالة إسحاق بن يعقوب فكان من الطبيعي أن يكون الجواب كما سبق في جوابه.

(٦٠٩)

نعي عثمان العمري (641)
إنا لله وإنا إليه راجعون. تسليماً لأمره، ورضاً بقضائه وبفعله(642)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(641) منتهى الآمال: الشيخ عباس القمي: صدر إلى محمد بن عثمان العمري، وبعد وفاة أبيه عثمان بن سعيد العمري من الناحية المقدسة هذا التوقيع:...
(642) لا يجد الإنسان تجاه أمر الله سوى التسليم، كما لا يجد قضاء الله وقوله سوى الرضا، فلا راد لأمره، ولا ناقض لقضائه وفعله، غير أنه قد يعترف بالواقع فيستقبل إرادة الله بالرضا والقبول فيأتيه ما كتب الله له وهو رابط الجأش يستطيع أن يفكر ويقرر لما بعد الحادث، وقد لا يعترف بالواقع فيحاول تحدي إرادة الله، فتصدمه في نفسه وفي مشاعره فيعجز حتى عن القرار لما بعد الحادث.
وكانت سيرة المعصومين وتعاليمهم على الترحيب بقضاء الله، والعمل على تطويق ذيوله، وعلى النهي عن الجزع تجاهها لأنه يؤدي إلى الارتباك بلا جدوى.
وفي القرآن توجيه مكثف إلى عدم الاصطدام بالأقدار، والالتفاف حولها بروح رياضية تهيئ للإفادة من إيجابياتها بقدر الإمكان، ولاستئناف النشاط بعد مرور العاصمة:
(ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير* لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم...) سورة الحديد، آية22 - 23،.
(ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله) سورة التغابن، آية11.
(الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) سورة البقرة، آية156 - 157.

(٦١٠)

عاش أبوك سعيداً ومات حميداً(643) فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(643) في كل التغيرات الدينية تركيز يرسل إرسال المسلمات، على أن المؤمن الملتزم سعيد وأن الكافر والفاسق شقي.
(فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق *...* وأما الذين سعدوا ففي الجنة...) سورة هود آية 106 - 108.
في بعض زيارات الشهداء (السلام عليكم أيها الشهداء السعداء).
مع أن المؤمنين الملتزمين أكثر بلاءً من غيرهم: ففي الحديث: (البلاء موكل بالأنبياء، ثم بالأولياء، ثم الأمثل فالأمثل).
ثم أن الشهداء هم الذين عاصروا ظلمات التاريخ وطغيان الظالمين، ورأوا من الويلات ←

(٦١١)

(عليهم السلام)(644) فلم يزل في أمرهم ساعياً فيما يقربه الله (عزَّ وجلَّ) وإليهم. نضّر الله وجهه، وأقاله عثرته، وأجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء. ورزيت ورزينا، وأوحشك فراقه وأوحشنا(645) فسره الله في منقلبه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ ما أزهدهم في الحياة، حتى ارتضوا التضحية لإنقاذ الآخرين، وأخيراً كللوا جهادهم بالشهادة، فكيف يصح تصنيفهم في السعداء؟
ولعل السبب في ذلك كله: أن السعادة أمر ينبع من الداخل ولا يجلب من الخارج، ويحظى الذين يظنون أن وسائل السعادة هي الرتبة والراتب والسهرة والمنصب، وأن السعادة تخلد إلى القصور المترفة والأعراش المتخمة بين الكواعب والكؤوس، فيشقون في سبيل تحصيلها، ثم يشقون في بحبوحتها، وهم في الحالتين يلهثون خلف حلم السعادة، لأنها عبء يشقي طالبه ويشقي عامله. وإذا كانت السعادة غنوة لا تنبض إلا بين أضلاع كوخ تخفق جوانحه لسبحات الفجر على ثغاء نعجة حلوب بين نكهة السنابل ورقصة الورود للنسيم..
لأن السعادة هي الاغتباط، ولا يغتبط الإنسان إلا إذا ضمن ربحاً أكثر من جهده وأمن الخسر والضرر ولا يضمنه ولا يأمنها غير المؤمن الملتزم، الذي لا يعمل إلا عملاً مثمراً دنيوياً أو أخروياً، أو دنيوياً وأخروياً معاً فلا يضيع جهداً أبداً، ولأنه لا يعبث ولا يهزل يجد في كل خسارة ربحاً أكبر، وفي كل مصيبة ابتلاء يهيئه لقفزة أعلى، فلا ينكب أبداً.
(يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعملون) سورة الصف، آية10 - 11. (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقض من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين...) سورة البقرة، آية 155.
وإلى هذا الواقع يشير الإمام علي (عليه السلام): (إن المتقين أكلوا الدنيا بخير ما أكلت ولبسوها بخير ما لبست ونكحوها بخير ما نكحت).
وبما أن المؤن الملتزم يجد أمان المقاييس الصحيحة للحياة لا يؤخذ بالعادات والتقاليد والاعتبارات الزائفة فيلبس لنفسه لا للباس ويسكن لنفسه لا للسكن ويأكل لنفسه لا للطعام فيستهلك ضروراتها ولا تستهلكه الضرورات فيأخذ من الدنيا ما يسعد به ولا يعطي نفسه للدنيا حتى يشقى بها.
وأما الذي يجهد ساعات ليجني ساعة، ويصاب مرات حتى يصيب مرة، ثم يكون حزيناً على ما فاته، قلقاً على ما ناله، بين التخوف من حسيب والتوجس من رقيب ممزقاً بين العادات التقاليد والاعتبارات الأنانية أو الجائزة، فإنه لا ينعم بما له ولا ينجو مما عليه.
ثم أن النفوس القلقة المضطربة أشبه بالعناصر الجهنمية فلا بد أن تجتذب إليها وتتمحور فيها. وأن النفوس الوادعة المطمئنة أشبه بالعناصر الجنينية فلا بد أن تجتذب إليها وتتمحور فيها، فقد ثبت أن المحاور الكبرى تجذب إليها عناصرها المنفلتة مهما تمادى الزمن وتطاول المدى. يؤكد ذلك قول الله تعالى: (... فأما الذين شقوا ففي النار... وأما الذين سعدوا ففي الجنة...) سورة هود، آية 106 - 108. ولقد عاش عثمان بن سعيد العمري سعيداً بثقة الإمامين العسكري والمنتظر (عليهما السلام) ومن ورائها ثقة الطائفة الشيعية في العالم مطمئناً إلى ما وعد الله الصالحين، حتى مات حميداً لا يذكره معارفه في أيامه عبر التاريخ إلا بالخير والفضل.

(644) أولياء عثمان بن سعيد العمري ومواليه هم النبي والأئمة الطاهرين (عليهم السلام).
(645) هذه العبارات من الإمام المهدي في تأبين عثمان ين سعيد تدل على مكانته المتأصلة في نفس الإمام.

(٦١٣)

وكان من كمال سعادته أن رزقه الله ولداً مثلك، يخلفه من بعده، ويقوم مقامه، ويترحم عليه(646).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(646) إن الله خلق الكثير من كل ما يحتاج إليه الناس أو يطمحون، وخلق ما يحتاجون أكثر من حاجتهم، ولعله لا يتكاثر البشر حتى تضيق الأرض بحاجاتهم الضرورية، وخلق ما يطمحون أقل من مطامحهم، أمد في مطامع الناس حتى يمتدوا عبرها إلى الآخرة، وإلا لكانت الأرض تستنفد مطامحهم كرغباتهم، ولا يبقى من يفكر في الآخرة.
فلو كانت البضائع توزع على الناس بقدر الكفاية لكانت تغطي حاجاتهم وتفيض، ولكن كان يلغي الوازع الفردي، أي السابق الذي يبلور المواهب ويلمع السهم ويؤكد تجربة الحياة فكان لا بد من وضع مقاييس وترك الناس يتسابقون من خلالها.
والمقاييس التي يستطيع الأفراد أن يتسابقوا من خلالها إلى ما يحتاجون أو ما يطمحون ثلاثة أصناف:
الأول: الشرع - وقد يخلفه القانون - الذي يبيح هذا، ويمنع ذاك، بفعل العقيدة أو بفعل الدولة.
الثاني: العمل - سواءً كان فكرياً أو عضلياً - الذي يساعد على بسط نفوذ الفرد على كمية من البضائع أو رقعة من الأرض أو قطاع من البشر، مما يحتاج أو يطمح إليه.
الثالث: الزاد - سواءً كان مواهب أو أقدار، وسواءً كان ركائز يحملها في شخصيته أو تراث ينتقل إليه من غيرها - ذلك الزاد الذي يأتي به من عوالم سابقة.
فالإنسان لم يخلق يوم ولادته، ولا ينتهي يوم وفاته، وإنما هو خلق كان - قبل هذا العالم - في عوالم سابقة، وسيبقى - بعد هذا العالم - في عوالم لاحقة.
والعوالم السابقة، عوالم عمل ما كهذا العالم - باختلاف نوعية العمل - وهكذا عالم البرزخ وعالم القيامة، ولو بالنسبة إلى من لم يكملوا دورة تكاملهم - على الأقل -.

(٦١٤)

فالذي كانت أعمالهم في العوالم السابقة سلبية، تنعكس عليه في العالم سلبياً.
ومن عمل لنفسه في العوالم السابقة فعمله ينعكس عليه في هذا العالم مواهب ومقدرات، ومن عمل لغيره في العوالم السابقة فعمله ينعكس عليه في هذا العالم مذ مات أو تراث يأتيه من الآخرين.
تماماً، كما أن من حمل شعاع أهل البيت إلى غيره في هذا العالم ينعكس هذا العمل عليه شفاعة يوم القيامة، ومن أطبق ظلم الطواغيت على غيره في هذا العالم ينعكس هذا العمل عليه ظلمات يوم القيامة.
وهكذا ينتقل كل فرد حصيلة عمله من عالم إلى عالم، فتكون حصيلة العمل في كل عالم سابق أرضية العمل في العالم اللاحق، فقد يولد فرد وعليه ركام من شقاء العوالم السابقة، بينما فرد آخر وحوله هالة سعادة من العوالم السابقة.
وقد سجل هذا الواقع في الحديث المعروف: (السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه).
ولا بد من التنويه إلى أن الأعمال في العوالم مختلفة تؤدي نتائج متناسبة معها، فهنالك أعمال إيجابية من النوع السفلي فتكون نتائجها سفلية في هذا العالم كالثروة والشهرة والمنصب والنساء والأولاد حسب تلك الأعمال، وإلى جانبها أعمال إيجابية من النوع العلوي، تكون نتائجها علوية في هذا العالم، كالتقوى والعلم والإمامة والنبوة حسب تلك الأعمال، لأن كل عمل يؤدي إلى نتيجة متشابهة كما أن كل شجرة تثمر ثمرة مشابهة، وكما أن كل شتلة تتفتح عن ورد أو شوكة حسب تركيبها، ولذلك ثبت عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين) كما ثبت أنه لعن أناساً قبل أن يولدوا.

(٦١٥)

فكل ما في هذا العالم تستقي جذوره من روافد العوالم السابقة، وكل روافد هذا العالم يسقي جذورها في العوالم اللاحقة أو لم يقل الله تعالى: (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً) سورة الحج، آية58؟ أوَ ليس في الحديث: الشريف: (الدنيا مزرعة الآخرة)؟
فما يسمى (خطأً) في عرف الناس ليس إلا حصيلة الأعمال السابقة إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وهذا هو الذي يعبر عنه في المصطلح الديني بالرزق.
ولعل الشاعر أشار إلى هذه الحقيقة بقوله:

فلأمر ما وسر غامض * * * تسعد النطفة ويشقى الجنين
فوليد تسجد الدنيا له * * * ووليد في زوايا المهملين

والأبناء والآباء موجودون في عالم سابق في طريقهم إلى هذا العالم إلى جانب بقية الموجودات من الثروة والشهرة والمنصب والعلم وغيرها. ويوزع الله الآباء والأبناء كما يوزع بقية الموجودات، أي يأتي بهذا الابن أو ذاك إلى الدنيا عن طريق هذا الأب أو ذاك.
وقد يكون تسلسل الناس في هذا العالم مختلفاً عن تسلسلهم في عالم آخر وقد يشهد لذلك النبي عن ابنته فاطمة بـ (أم أبيها) وقول الإمام علي: (محمد ابني من صلب أبي بكر).
ومن الأعمال في العوالم السابقة ما يؤدي إلى العقم في الدنيا، ومنها ما يؤدي إلى الإعجاب، فإذا كان ذلك العمل صالحاً انقلب في الدنيا ولداً صالحاً وإذا كان فاسداً انقلب ولداً فاسداً.
كما أن الأعمال ما ينقلب إلى الآباء، فإن كان صالحاً انقلب آباءً صالحين وإن كان فاسداً انقلب آباءً فاسدين.
والابن الصالح امتداد طبيعي يكمل عمل الأب، ويعينه على دنياه، والآباء الصالحون مقدمات تمهد لعمل الابن، وتحسن تربيته وإعداده، أو هبته كما في قوله تعالى: (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب). سورة مريم، آية49. ولذلك فسر الرزق بالابن كما في الآية السابقة.
وقد ورد التعبير بالهبة عن الأهل في قوله سبحانه: (وهبنا له أهله ومثلهم معهم) سورة ص، آية 43. وعن الأخ في قوله (عزَّ وجلَّ): (وهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً) سورة مريم، آية 53.
وقد ورد التعبير بالهبة عن الأولاد في ثلاثة عشر موضحاً في القرآن.

(٦١٦)

وأقول: الحمد لله. فإن الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله (عزَّ وجلَّ) فيك وعندك(647). أعانك وقواك، وعضدك ووفقك وكان لك ولياً وحافظاً وراعياً(648).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(647) ما جعله الله فيه من المواهب والطاقات التي حملها معه إلى هذا العالم، وما جعله الله عنده هي المعارف الفوقية التي نال بها شرف سفارة الإمام المهدي. وهذه المعارف الفوقية هي التي يعبر عنها المطلعون (السر) وقد يكون لذلك عندما يترحمون على بعض أصحابها يقولون: (قدس الله سره)..
(648) يلاحظ أن الإمام المهدي يكثر من الدعاء في وسائله. ولعل السبب أنه حيث لا يستطيع الإكثار من الاتصال بأصحابه لتركيزهم وتعميقهم يتوسل بقواه المعنوية للتعريض عنها.

(٦١٧)

وثيقة محمد بن عثمان (649)
... والابن - وقاه الله - لم يزل ثقتنا في حياة الأب - رضي الله عنه وأرضاه، ونضر وجهه - يجري عندنا مجراه، ويسد مسده، وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل، تولاه الله(650).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(649) منتهى الآمال، الشيخ عباس القمي: ولما توفي عثمان بن سعيد العمري صدر توقيع من الناحية المقدسة إلى ابنه محمد بن عثمان جاء فيه:...
(650) هذا دعاء له بأن لا يتركه الله لنفسه أو الشيطان، ومن تولاه الله من الزيغ والخطأ، وهو مرحلة من مراحل العصمة الصغرى.

(٦١٨)

وثيقة الحسين بن روح (651)
... نعرفه - عرفه الله الخير كله ورضوانه، وأسعده بالتوفيق - وقفنا على كتابه، وثقتنا بما هو عليه(652) وأنه عندنا بالمنزلة والمحل الذين يسرانه - زاد الله في إحسانه إليه، إنه ولي قدير - والحمد لله الذي لا شريك له، وصلى الله على رسوله محمد وآله، وسلم تسليماً كثيراً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(651) منتهى الآمال، الشيخ عباس القمي: صدر من الناحية المقدسة إلى الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح جاء فيه:...
(652) أي نثق به كما هو. وهذا تصحيح لخطه وتقرير لمسلكيته، وإعلان لرضا الإمام عنه، وعدم وجود مآخذ في حياته، وهو توثيق يرفض التشكيك.

(٦١٩)

أنا بقية الله (653)
أنا بقية الله في أرضه(654) والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أقرأ بعد عين(655) يا أحمد بن إسحاق(656).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(653) الشيخ علي اليزدي الحائري، إلزام الناصب ج1 ص352 - 353 عن البحار عن أحمد بن إسحاق:...
(654) أصل هذا التعبير ورد على لسان النبي شعيب عن نفسه وأقره القرآن نقلاً عنه: (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين...) سورة هود، آية 86. وتكرر هذا التعبير على لسان عدد من المعصومين (عليهم السلام). وللعرفاء في تفسيره جولات، وليس لنا أن نحقق معناه بالضبط، كلما نستطيع قوله: إن هذا التعبير يرنو إلى أن أرواح المعصومين. خلقت من نور الله بلا وسائط. وليست كسائر الأشياء التي خلقها الله بالوسائط.
(655) كان الناس - قبل أن تتعبد طرق المواصلات - إذ افتقدوا شخصاً تتبعوا آثار أقدامه في الرمال حتى يصلوا إلى المكان الذي انتهى إليه. فيقصدون بـ (العين) ذلك الشخص المفتقد، وبالأثر أثر أقدامه في الرمل. والناس كانوا يطلبون الأثر قبل أن يجدوا الشخص، فإذا وجدوه أهملوا آثاره. ثم أصبح مثلاً يضرب لكل من يتتبع الدلائل للوصول إلى نتيجة.
(656) أحمد بن إسحاق هذا هو ابن عبد الله بن سعد بن مالك الأحوص الأشعري أبو علي القمي كان وافداً لقميين روى عن الجواد والهادي (عليهما السلام) وكان من خاصة أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) (جامع الرواة: ج1 ص41).

(٦٢٠)

أنا خاتم الأوصياء (657)
أنا خاتم الأوصياء وبي يرفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي(658).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(657) الشيخ علي اليزدي الحائري في كتاب (إلزام الناصب) ج1 ص340 قال: في كشف الغمة للأردبيلي (قدّس سرّه) عن أبي بصير الخادم [يعني: خادم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)] قال: دخلت على صاحب الزمان وهو في المهد فقال لي: علي بالصندل الأحمر فأتيته به فقال: أتعرّفني؟ قلت: أنت سيدي وابن سيدي فقال: ليس عن هذا سألت فقلت: فسر لي فقال:
 (الصندل الأحمر): صندل اسم شجرة هندي طيب الرائحة كان يتخذ عوده للاشتمام بمنزلة العطور، ولعله كان في دار الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قطعة حمراء اللون من عود هذا الشجر طلبها الإمام المهدي (عليه السلام).
(658) البلاء كان ولا يزال معقوداً بنواصي أهل البيت (عليهم السلام) وكذلك شيعتهم ولا يرتفع عنهم إلا بمن يمحى من بين الناس الظلم كله فيقلب الأرض - بإذن الله تعالى - جنة من العدل والقسط بعد أن عاش طويلاً في جحيم الظلم والجور، وهو الإمام المهدي (عليه السلام) وعجل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا من أنصاره وأعوانه.

(٦٢١)

يزري بحده (659)

متى ما أقل مولاي أفضل منهما * * * أكن للذي فضلته منتقصا
ألم ترى أن السيف يزري بحده * * * مقالك هذا السيف أجدى من العصا(660)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(659) رياض العلماء - الشيخ عبد الله الأصفهاني (من تلامذة العلامة المجلسي) في قصة طويلة. أن الإمام المهدي (عليه السلام) أنشد هذين البيتين:...
(660) كأن المقصود بذلك تفضيل علي (عليه السلام) على الشيخين.

(٦٢٢)

من أخر الصلاة (661)
ملعونٌ ملعونٌ من أخر العشاء إلى إن تشتبك النجوم(662) ملعونٌ ملعونٌ من أخر الغداة إلى أن تنقضي النجوم(663).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(661) الاحتجاج - أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ج2 ص297: عن محمد بن يعقوب الكليبي، رفعه عن الزهري قال:
طلبت هذا الأمر طلباً شافياً حتى ذهب لي فيه مال صالح، فوقفت إلى العمري، وخدمته ولزمته، فسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان (عليه السلام)، قال: ليس إلى ذلك وصول. فخضعت له فقال لي: بكر بالغداة، فوافيت، فستقبلني ومعه شاب من أحسن الناس وجهاً، وأطيبهم ريحاً، وفي كمه شيء كهيئة التجار، فلما نظرت إليه دنوت من العمري، فأومأ إليه، فعدلت إليه، وسألته فأجابني عن كل ما أردت، ثم مر ليدخل الدار، وكانت من الدور التي لا يكترث بها، فقال العمري: إن أردت أن تسأل فاسأل، فإنك لا تراه بعد ذا. فذهبت لأسأل فلم يستمع، ودخل الدار، وما كلمني بأكثر من أن قال:...
(662) أي أخّر صلاة العشاء حتى تظهر النجوم بشكل كامل. لأن النجوم تظهر أول الليل باهتة، وعندما يحين الغسق تظهر بحدة وتبدو للرأي وكان أشعتها متشابكة.
(663) أي أخّر صلاة الصبح حتى يطفأ ضياء الفجر فيغمر النجوم ويتم انقضاء النجوم بعد طلوع الفجر بحوالي ساعة غالباً في مثل بلادنا.

(٦٢٣)

من أكل من مالنا (664)
بسم الله الرحمن الرحيم، لعنة الله، والملائكة والناس أجمعين، على من أكل من مالنا درهماً حراماً(665).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(664) الاحتجاج - أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2ص300: عن أبي الحسين الأسدي، قال: ورد علي توقيع الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري - قدس الله روحه - ابتداءً لم يتقدمه سؤال عنه، نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم، لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، على من استحل من أموالنا درهماً).
وقال أبو الحسين الأسدي (قدّس سرّه): فوقع في قلبي أن ذلك من استحل من مال الناحية درهماً دون من أكل منه غير مستحل. وقلت في نفسي: إن ذلك في جميع من استحل محرماً، فأي فضل في ذلك للحجة (عليه السلام) على غيره؟
قال: فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله بالحق بشيراً لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما كان في نفسي:...
(665) يمكن المناقشة في مقالة أبي الحسين الأسدي، أولاً: بأن معنى كلمة (استحل) أنه عامله معاملته للحلال بأن تصرف فيه غير متورع، وليس معناه الاستحلال المقابل للاستحرام الذي يعني إنكار ضروري من ضرورات الدين المساوي للخروج من الدين.
ثانياً: محتوى كلام الأسدي: أن الإمام المنتظر كتب نصاً غير دقيق، فلما بدا للأسدي غير الإمام المنتظر نص كتابه بطريقة معجزية، ومن الممكن أن الأسدي لم يكن دقيقاً في نظرته الأولى إلى الكتاب فلما تأمله في النظرة الثانية قرأه قراءة صحيحة، ونسبة عدم الدقة إلى الأسدي أولى من نسبته إلى الإمام المنتظر، خاصة وأن الالتباس وقع في نص مكتوب والكتاب يشهد للكاتب.

(٦٢٤)

أمان من الموت (666)
ألا أبشرك في العطاس وهو أمان من الموت ثلاثة أيام(667).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(666) (أ): الشيخ علي اليزدي الحائري، إلزام الناصب، ص341 ج1 ط النجف 1383 هجري.
(ب): كمال الدين - أبو طالب المظفر بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن جعفر بن مسعود عن أبي النصر محمد بن مسعود عن آدم بن محمد البلخي عن علي بن الحسين الدقاق عن إبراهيم بن أحمد العلوي.
(ج): الغيبة - أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي عن الكليبي.
(د): إثبات الوصية - أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي عن علان.
(هـ): الخرايج - قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الرواندي عن نسيم (خادم أبي محمد العسكري) عن الإمام المهدي (عليه السلام) أنه قال:...
(667) لعل السبب أن العطاس يحدث على أثر انسداد في بعض الشرايين لضغط الدم وإعادته إلى جريانه العادي، فإذا كان الجسم يتمتع بقدرته الكاملة على المقاومة يحدث العطاس وإلا يؤدي الانسداد إلى انفجار في الشرايين المصاب بالانسداد، والجسم الذي يتمتع بكامل قدرته على المقاومة لا تفارقه الروح قبل ثلاثة أيام إلا بعامل خارجي.
ولعل للعطاس دلالة أخرى غير الدلالة الصحية.

(٦٢٥)

لو أذن الله لنا (668)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله. عبد الله أولاً وآخر(669)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(668) الشيخ علي اليزدي الحائري، إلزام الناصب ص304 ج1 ط النجف 1383 هجري: عن نسيم الخادم قال: لما خرج صاحب الزمان من بطن أمه سقط جاثياً على ركبتيه رافعاً سبابتيه نحو السماء فعطس فقال:...
(669) يبدو أن عامة الناس لا يرون تفوقاً معجزياً في أولياء الله إلا ويجنحون إلى الغلو؟ ولذلك يوجد تركيز مؤكد من جميع أولياء الله على أنهم عبيد الله. فقد أُله عيسى ابن مريم، فرد الله عليه بالحوار التالي:
(وإذا قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت له إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد...) سورة المائدة، آية116 - 117.
وجنح بعض آخر إلى الغلو في شأن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) حتى ادعوا أنه لن يموت، فأثبت قرآناً يقول: (وما محمد إلا رسول خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم...) سورة آل عمران، آية 144.
وفرض على المسلمين أن كرروا في جميع صلواتهم: (... وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).
ومال آخرون إلى الغلو في بعض الأئمة فأكدوا - جميعاً - أنهم عباد مكرمون، لا أكثر ولا أقل.
وهذا القول من الإمام المهدي من جملة التأكيدات على بشرية الأئمة، وعلى كونهم عباداً لله تعالى.

(٦٢٦)

غير مستنكف ولا مستكبر(670).
زعمت الظلمة: أن حجة الله داحضة، ولو أذن الله لنا لزال الشك(671).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(670) الاستنكاف: الأنفة من الشيء، وأصله من كنف الدمعة إذا نحاها بإصبعه من خده لئلاّ يبقى أثرها عليه، كأنه يترفع عما يعبر عنه الدمع من الضعف أمام المصائب.
والاستكبار: الاستعظام، بأن يرى نفسه أعظم مما يطرح عليه.
والإمام المهدي اقتبس الكلمتين من الآيتين التاليتين:
الأولى: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون...) سورة النساء، آية 172.
الثانية: (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عباده ويسبحونه وله يسجدون) سورة الأعراف، آية 206.
(671) داحضة: زائلة.
ذلك أن أعداء الأئمة الطاهرين كانوا يتصورن أن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لا عقب له، وكانوا يقولون: إن العسكري يموت وتنتهي سلسلة الأئمة المعصومين زاعمين أن بموته تنقطع حجة الله على الأرض دون أن يعلموا أن له ولداً هو الإمام المهدي، ولكن الله لم يأذن له بالإعلان عن نفسه. حتى يعلم الجميع أن الإمامة مستمرة من خلاله، ولو أذن الله له بالإعلان عن نفسه لزال الشك في انقطاع سلسلة الأئمة (عليهم السلام).
ولعل المقصود بـ (حجة الله داحضة) أن الإمامة منقطعة، ولا ولد للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (ولو أذن الله لنا) بالظهور بين الناس.
أما مسألة تكلم الطفل الصغير فهي ليست غريبة.
أولاً: بقدرة الله تعالى التي أنطلق بقدرته الجمادات كالحصى في يد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ثانياً: بما ثبت من المعاجز بالمئات والمئات في مختلف أدوار تواريخ النبي وأهل بيته (عليه وعليهم الصلاة والسلام).
وثالثاً: بما ورد في القرآن الحكيم من تكلم نبي الله عيسى ابن مريم (عليهما السلام) حين ولادته (فأشارت إليه قالوا: كيف نكلم من كان في المهد صبياً قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً ذلك عيسى ابن مريم..) سورة مريم: الآيات29 - 34. ومن الثابت بالأدلة القاطعة العديدة أن الإمام المهدي (عليه السلام) أكرم على الله تعالى من عيسى ابن مريم (عليهما السلام).

(٦٢٧)

دعاء بالولد (672)
اللهم ارزقه ولداً ذكراً تقر به عينه واجعل هذا الحمل الذي له ولداً ذكراً(673).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(672) نقل العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في البحار بإسناده إلى أبي جعفر الطبري من كتابه عن أبي المفضل عن الكليبي: قال القاسم بن العلا: كتبت إلى صاحب الزمان ثلاثة كتب في حوائج لي وأعلمته أنني رجل قد كبر سني ولا ولد لي فأجابني عن الحوائج ولم يجيبني في الولد شيء، فكتبت إليه في الرابعة كتاباً وسألته أن يدعو إلى الله أن يرزقني ولداً فأجابني وكتبت حوائجي، وكتب:...
(673) ثم جاء النص بعده هكذا: فورد الكتاب وأنا لا أعلم أن لي حملاً، فدخلت إلى جارتي فسألتها عن ذلك فأخبرتني أن علتها قد ارتفعت فولدت غلاماً.

(٦٢٨)

آجرك الله (674)
آجرك الله في صاحبك فقد مات وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة يعمل فيها بما يحب(675).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(674) بحار الأنوار (ج51 - ص299) نقلاً عن الإرشاد عن أبي قولويه عن الكليني، عن علي بن محمد، عن الحسن بن عيسى العريضي قال: لما مضى أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ورد رجل من مصر بمال إلى مكة لصاحب الأمر (عليه السلام) فاختلف عليه، وقال بعض الناس: إن أبا محمد قد مضى من غير خلف، وقال آخرون: الخلف من بعده ولده، فبعث رجلاً يكنى أبو طالب إلى العسكر (يعني: سامراء) يبحث عن الأمر وصحته، ومعه كتاب، فصار الرجل إلى جعفر، وسأله عن برهان. فقال له جعفر: لا يتهيأ لي في هذا الوقت، فصار الرجل إلى الباب، ونفذ الكتاب إلى أصحابنا الموسومين بالسفارة فخرج إليه:...
(675) وجاء بعده النص كما يلي: وأجيب عن كتابه وكان الأمر كما قيل له.

(٦٢٩)

أنا القائم (676)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(676) الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (قدّس سرّه) في كتابه (إكمال الدين وإتمام النعمة): ج2 ص129.
قال: سمعنا شيخاً من أصحاب الحديث يقال له أحمد بن فارس الأديب يقول: سمعت بهمذان حكاية حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني فسألني أن أثبتها له بخطى فلم أجد إلى مخالفته سبيلاً، وقد كتبتها وعهدتها إلى من حكاها وذلك: أن بهمذان ناساً يعرفون ببني راشد وهم كلهم يتشيعون، ومذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألة عن سبب تشيعهم من بني أهل همذان؟
فقال لي شيخاً منهم رأيت فيها صلاحاً وسمتاً: أن سبب ذلك أن جدنا الذي ننسب إليه خرج حاجاً فقال: إنه لما صدر من الحج وساروا منازل في البادية قال: فشطت في النزول والمشي فمشيت طويلاً حتى أعييت وتعبت، وقلت في نفسي: أنام نومة تريحني فإذا جاء أواخر القافلة قمت: قال: فما انتبهت إلا بحر الشمس ولم أر أحداً، فتوحشت ولم أر طريقاً ولا أثراً، فتوكلت على الله (عزَّ وجلَّ) وقلت أسير حيث وجهني ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضرة كأنها قريبة عهد بغيث، وإذا تربتها أطيب تربة، ونظرت في سواء تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنه سيف فقلت: يا ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده ولم أسمع به؟ فقصدت، فلما بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلمت عليهما فردا علي رداً جميلاً، وقالا: اجلس فقد أراد الله بك خيراً.
وقام أحدهما فدخل واحتبس غير بعيد ثم خرج فقال: قم فادخل، فدخلت قصراً لم أر بناءً أحسن من بنائه، ولا أضوأ منه، وتقدم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه ثم قال لي: ادخل، فدخلت فإذا فتى جالس في وسط البيت، وقد علق على رأسه من السقف سيفه طويل تكاد ظبته تمس رأسه، والفتى بدر يلوح في ظلام، فسلمت، فرد السلام بألطف الكلام وأحسنه.
ثم قال لي: أتدري من أنا؟ فقلت: لا والله، فقال:...

(٦٣٠)

أنا القائم من آل محمد (صلَى الله عليه وآله) أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف -وأشار إليه - فأملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً (قال) فسقطت على وجهي وتعفرت (فقال) لا تفعل أرفع رأسك، أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها همذان (قلت) صدقت يا سيدي ومولاي.
(قال) فتحب أن تؤوب إلى أهلك؟ (قلت) نعم يا سيدي وأبشرهم بما أتاح الله (عزَّ وجلَّ) لي(677).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(677) ثم جاء النص كما يلي:
فأومأ إلى الخادم فأخذ بيدي، وناولني صرة وخرج ومشى معي خطوات، فنظرت إلى ظلال وأشجار ومنارة مسجد فقال: أتعرف هذا البلد؟ قلت: إن بقرب بلدنا بلدة تعرف بـ (استاباد) وهي تشبهها قال: فقال: هذه استاباد امض راشداً، فالتفت فلم أره، ودخلت استاباد، وإذا في الصرة أربعون أو خمسون ديناراً، فوردت همذان، وجمعت أهلي وبشرتهم بما أتاح الله لي ويسره (عزَّ وجلَّ)، ولم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير.
قال العلامة المجلسي (قدّس سرّه) بعد إيراد هذا النص:
بيان: قوله (في سواء تلك الأرض) أي: وسطها.
وظبة السيف: بالضم مخففاً: طرفه.
 ولعل (استاباد) هي التي تعرف اليوم بـ (اسداباد).
ثم قال المجلسي: أقول: روى الراوندي مثل تلك القصة عن جماعة سمعوها منه.

(٦٣١)

من يحاجني في الله (678)
من يحاجني في الله فأنا أولى بالله.
أيها الناس: من يحاجني في آدم فأنا أولى بآدم.
أيها الناس: من يحاجني في نوح فأنا أولى بنوح.
أيها الناس: من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى بإبراهيم.
أيها الناس: من يحاجني في موسى فأنا أولى بموسى.
أيها الناس: من يحاجني في عيسى فأنا أولى بعيسى.
أيها الناس: من يحاجني في محمد فأنا أولى بمحمد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(678) نقل العلامة المجلسي رحمة الله عليه عن (تفسير العياشي) مرسلاً عن عبد الأعلى الحلبي قال قال أبو جعفر (عليه السلام) (تفسير علي بن إبراهيم القمي) في بحار الأنوار (ج52 - ص315) قال: أبي عن ابن أبي عمر، عن منصور بن يونس، عن أبي خالد الكالبي قال، قال أبو جعفر (عليه السلام): والله لكأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) وقد أسند ظهره إلى الحجر ثم ينشد الله حقه ثم يقول:...

(٦٣٢)

أيها الناس: من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى بكتاب الله(679).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(679) ثم جاء النص كما يلي: ثم ينتهي (عليه السلام) إلى المقام فيصلي ركعتين وينشد الله حقه أي: يطلب من الله حقه في الظهور، أو في الانتقام من أعداء الله، أو حقه في إرساء دعائم حكم الله في كل أرجاء الأرض.
والظاهر: أن معنى (أولى - أولى) يعني: أقرب إليهم من أي شخص آخر، فأنا أعلم بجميعهم، أعلم بأن جميعهم بشروا بي، وأنا أعلم بكتاب الله من أي شخص آخر.

(٦٣٣)

بعد ثلاثين سنة (680)
هات ما معك.
فناولته الرقعة، فقال من غير أن ينظر إليها: قل له لا خوف عليك في هذه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(680) الشيخ علي بن عيسى الأربلي في كتابه (كشف الغمة في معرفة الأئمة) ج3 ص411 عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال: ولما وصلت بغداد في سنة سبعة وثلاثين للحجة وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت، كان أكبر همي من ينصب الحجر، لأنه مضى في أثناء الكتب قصة أخذه وأنه إنما ينصبه في مكانه الحجر في الزمان - كما في زمن الحجاج وضعه زين العابدين (عليه السلام) في مكانه واستقر - فاعتللت علة صعبة خفت منها على نفسي ولم يتهيأ لي ما قصدته فاستنبت المعروف بـ (ابن هاشم) وأعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدة عمري، وهل تكون الموتة في هذه العلة أم لا؟ وقلت همي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه، إنما أندبك لهذا.
قال: فقال المعروف بابن هاشم: لما حصلت بمكة وعزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه فأقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس.، فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم.
فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه وعلت لذلك الأصوات فأنصرف خارجاً من الباب فنهضت من مكاني أتبعه وأدفع الناس عني يميناً وشمالاَ حتى ظن بي الاختلال في العقل والناس يفرجون لي وعيني لا تفارقه حتى انقطع عن الناس فكنت أسرع الشد خلفه وهو يمشي على تؤدة السير ولا أدركه، فلما حصل بحيث لا أحد يراه غيري وقف والتفت إلي فقال:...

(٦٣٤)

العلة ويكون ما لابد منه بعد ثلاثين سنة.
قال: فوقع علي الدمع حتى لم أطق حراكاً وتركني وانصرف(681).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(681) ثم جاء النص بعد ذلك كما يلي: قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة فلما كان سنة سبع وستين (أي: بعد ثلاثين سنة كما قال الإمام المهدي (عليه السلام) (والمقصود سنة سبعة وستين بعد الثلاثمائة كما هو واضح لكون ابن قولويه وفاته في تلك السنة) اعتل أبو القاسم، وأخذ يأخذ في أمره وتحصيل جهازه إلى قبره، فكتب وصيته، واستعمل الجد في ذلك، فقيل له: ما هذا الخوف؟ وترجو أن يتفضل الله بالسلامة، فما عليك بمخوفة فقال: هذه السنة التي خوفت فيها، فمات في علته.

(٦٣٥)

الرفعة لله (عزَّ وجلَّ) (682)
روى أنه يكون في راية المهدي (عليه السلام):
الرفعة لله (عزَّ وجلَّ)(683).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(682) العلامة المجلسي (رضوان الله عليه) في بحار الأنوار: ج52 - ص324 عن الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) في إكمال الدين ج2 ص369:
(683) وفي بعض النسخ: (البيعة لله).
البيعة بمعنى: البيع، لأن الإنسان يبيع نفسه إلى من يبايعه، والبيعة لله يعني: إنما يجوز بيع الإنسان نفسه إلى الله تعالى فقط، لا إلى غيره..
و(الرفعة لله) أيضاً كذلك، إذ الرفعة الحقيقة إنما هي لله، ولا رفعة بغير الله بإذنه التشريعي، أو التكويني، أو كليهما معاً.

(٦٣٦)

لا تخرج (684)
لا تخرج في هذه السنة.
فأعاد وقال: هو نذر واجب أفيجوز لي القعود عنه؟
فخرج من الجواب: إن كان ولا بد فكن في القافلة الأخيرة(685).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(684) العلامة المجلسي في البحار نقلاً عن شيخ الطائفة الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في كتاب (الغيبة) ج51 ص293 قال: حدثني جماعة عن الحسين بن علي بن بابويه (وهو والد الشيخ الصدوق (قدّس سرّه)) قال: حدثني جماعة من أهل بلدنا المقيمين كانوا ببغداد بالسنة التي خرجت القرامطة على الحاج وهي سنة تناثر الكواكب أن والدي رضي الله عنه كتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه) يستأذن في الخروج إلى الحج فخرج في الجواب:...
(685) ثم جاء في النص ما يلي: وكان في القافلة الأخيرة فسلم بنفسه وقتل من تقدمه في القوافل الأخرى.

(٦٣٧)

اقبض الحوانيت (686)
اقبض الحوانيت من محمد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عليه(687).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(686) بحار الأنوار - للعلامة المجلسي (رضوان الله عليه) نقلاً عن الخرائج (ص294: ج51) عن محمد بن هارون الهمداني قال: كان على خمسمائة دينار وضقت بها ذزعاً ثم قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار وثلاثين ديناراً قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار - ولا والله ما نطقت بذلك ولا قلت - فكتب (عليه السلام) إلى محمد بن جعفر:...
(687) الحوانيت: جمع حانوت، بمعنى الدكان والمحل الذي يتخذ للبيع والشراء.

(٦٣٨)

وثيقة حاجز (688)
ليس فينا شك. ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا ترد ما معك إلى حاجز بن يزيد(689).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(688) روى العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في البحار عن الشيخ المفيد (قدّس سرّه) في الإرشاد عن علي بن محمد بن الحسن بن عبد الحميد قال: شككت في أمر حاجز، فجمعت شيئاً ثم صرت إلى العسكر - يعني: سامراء - فخرج إليه:...
(689) قال السيد ابن طاووس (قدّس سرّه) في ربيع الشيعة: حاجز بن يزيد من وكلاء الناحية، وقد أسلفنا بحثاً مختصراً عنه في المقدمة فلاحظ هناك، ونزيد هنا قول صاحب الرسائل (حاجز، من وكلاء الناحية على ما في إرشاد المفيد وربيع الشيعة) ج20 ص158 وقد ترجم له جامع الرواة ج1 ص171 أيضاً.

(٦٣٩)

طالبهم (690)
طالبهم واستقض عليهم(691).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(690) العلامة المجلسي (رضوان الله عليه) نقل عن الكافي والإرشاد في بحار الأنوار (ج51 - ص297) عن علي بن محمد عن محمد بن صالح قال: لما مات أبي فصار الأمر إلي كان لأبي على الناس سفاتج من مال الغريمة، يعني صاحب الأمر (عليه السلام). قال الشيخ المفيد: هذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديماً بينها، ويكون خطابها عليه للتقية، قال: فكتبت إليه أعلمه فكتب إلي:...
(691) ثم جاء النص كما يلي: فقضاني الناس إلا رجل واحد وكان علية سفتجة بأربعمائة دينار، فجئت إليه أطلبه، فمطلني واستخف بي ابنه وسفه علي، فشكوته إلى أبيه فقال: وكان ماذا؟ فقبضت على لحيته وأخذت برجله وسحبته إلى وسط الدار وركلته ركلاً كثيراً، فخرج ابنه مستغيثاً بأهل بغداد يقول: قمي رافض قد قتل والدي، فاجتمع علي منهم خلق كثير، فركبت دابتي وقلت: أحسنتم يا أهل بغداد تميلون مع الظالم على الغريب المظلوم، أنا رجل من أهل همذان، من أهل السنة، وهذا ينسبني إلى قم، ويرميني بالرفض فيذهب حقي ومالي.
قال: فمالوا عليه وأرادوا أن يدخلوا إلى حانوته حتى سكنتهم، وطلب إلى صاحب السفتجة أن آخذ ما فيها وحلف بالطلاق أنه يوفيني مالي في الحال، فاستوفيت منه.
وقد علق العلامة المجلسي (قدّس سرّه) على هذا الحديث مفسراً كلمة (الغريم) قال: وتكنيته (عليه السلام) به - أي: بالغريم - يحتمل الوجهين - لأنه الغريم من أضداد اللغة جاء بمعنى المديون، وبمعنى الدائن أيضاً -:
أما على الأول - يعني المديون - فيكون على التشبيه لأن من عليه الديون يخفي نفسه من الناس، ويستتر منهم، أو لأن الناس يطلبونه لأخذ العلوم والشرائع منه، وهو يهرب منهم تقية فهو غريم مستتر محق صلوات الله عليه.
وأما على الثانية يعني الدائن - فهو ظاهر، لأن أمواله (عليه السلام) في أيدي الناس وذممهم لكثيرة، وهنا أنسب بالأدب (ج51 ص298).

(٦٤٠)

علامة الظهور (692)
أنا صاحب الحق، ليس هذا أوان ظهوري وقد بقي مدة من الزمن ثم قلت له: يا سيدي متى يظهر أمرك؟
قال: علامة ظهور أمري كثرة الهرج والمرج والفتن، وآتي مكة فأكون في المسجد الحرام.
فيقال: انصبوا لنا إماماً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(692) بحار الأنوار: ج51 - ص320 عن غيبة الطوسي (قدّس سرّه) في قصة طويلة لرجل توفق للقاء صاحب الأمر (عليه السلام) في الإسكندرية - بالعراق إلى أن قال: فقلت له ذات يوم: من أنت أعزك الله؟ ومتى تظهر؟ فقال:...

(٦٤١)

ويكثر الكلام حتى يقدم رجل من الناس فينظر في وجهي ثم يقول: يا معشر الناس هذا المهدي انظروا إليه(693).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(693) ثم جاء في النص ما يلي:
فيأخذون بيدي، وينصبوني بين الركن والمقام فيبايع الناس عند إياسهم عني.

(٦٤٢)

خبر أوليائنا (694)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(694) العلامة المجلسي (رضوان الله عليه) في بحار الأنوار: ج52 ص68 قال: وروى في بعض تأليفات أصحابنا عن الحسين بن حمدان عن أبي محمد عيسى بن مهدي الجوهري قال: خرجت في سنة ثمان وستين ومائتين إلى الحجة وكان قصدي المدينة حيث صح عندنا أن صاحب الزمان قد ظهر. فاعتللت، وقد خرجنا من فيد (قلعة قرب مكة المكرمة) فتعلقت نفسي بشهوة السمك، والثمر فلما وردت المدينة ولقيت بها إخواننا بشروني بظهوره (عليه السلام) بصابر.
فصرت إلى صابر فلما أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافاً، فدخلت القصر ووقفت أرقب الأمر إلى أن صليت العشاءين وأنا أدعو وأتضرع وأسأل فإذا أنا ببدر الخادم يصيح لي: يا عيسى بن مهدي الجوهري ادخل فكبرت وهلهلت وأكثرت من حمد الله (عزَّ وجلَّ) والثناء عليه.
فلما صرت في صحن القصر رأيت مائدة منصوبة، فمر لي الخادم إليها فأجلسني عليها، وقال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علتك وأنت خارج من قيد. فقلت: حسبي بهذا برهاناً، فكيف آكل ولم أرى سيدي ومولاي.
فصاح (عليه السلام): يا عيسى كل من طعامك فإنك تراني.
فجلست على المائدة ففطرت فإذا عليها سمك حار يفور وتمر إلى جانبه أشبه التمور بتمورنا وبجانب التمر لبن فقلت في نفسي: عليل وسمك وتمر ولبن.
فصاح لي: يا عيسى أتشك في أمرنا؟ أفأنت أعلم بما ينفعك ويضرك؟
فبكيت واستغفرت الله تعالى وأكلت من الجميع، وكلما رفعت يدي منه لم يبتني موضعها فيه، فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا، فأكلت منه كثيراً حتى استحييت.
فصاح لي: لا تستحي يا عيسى فإنه من طعام الجنة ولم تصنعه يد مخلوق.
فأكلت، فرأيت نفسي لا تنتهي من أكله.
فقلت: يا مولاي حسبي؟
فصاح لي: أقبل إلي.
فقلت في نفسي: آتي مولاي ولم أغسل يدي.
فصاح لي: يا عيسى هل لما أكلت غمر؟
فشممت يدي فإذا هي أعطر من المسك والكافور.
فدنوت منه (عليه السلام) فبدا لي نور غشي بصري، ورهبت حتى ظننت أن عقلي قد اختلط فقال لي:...

(٦٤٣)

يا عيسى: ما كان لك أن تراني لولا المكذبون القائلون: أين هو، وقد كان؟ وأين ولد؟ ومن الذي رآه؟ وما الذي خرج إليكم منه؟ وبأي شيء نبأكم؟ وأي معجز أتاكم؟
أما والله لقد دفعوا أمير المؤمنين (عليه السلام) - مع ما رووه - وقدموا عليه، وكادوه وقتلوه، وكذلك آبائي (عليهم السلام)، لم يصدقوهم ونسبوهم إلى السحر وخدمة الجن إلى ما تبين.
يا عيسى فخبر أوليائنا ما رأيت، وإياك أن تخبر عدونا فتسلبه.
فقلت: يا مولاي أدع لي بالثبات.

(٦٤٤)

فقال: لو لم يثبتك الله ما رأيتني وامض بنجمك راشداً.
فخرجت أكثر حمداً لله وشكراً.

(٦٤٥)

يا معشر الخلائق (695)
يا معشر الخلائق ألا من أراد أن يظهر إلى آدم وشيت فها أنا ذا آدم وشيت.
ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل.
ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع فها أنا ذا موسى ويوشع.
ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون فها أنا ذا عيسى وشمعون.
ألا ومن أراد أن ينظر إلى محمد وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما) فها أنا ذا محمد (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام).
ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين (عليهم السلام) فها أنا ذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(695) العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار: ج53 ص9، في رواية المفضل بن عمر عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في حديث طويل جاء فيه: وسيدنا القائم مسند ظهره إلى الكعبة ويقول:...

(٦٤٦)

الأئمة (عليهم السلام)(696).
أجيبوا إلى مسألتي فإني أنبئكم بما نبئتم وما لم تنبئوا به(697).
ومن كان يقرأ الكتاب والصحف فليسمع مني(698).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(696) المقصود بذلك كله: أنه خلاصة تعاليم السماء كلها المنزلة على كل الأنبياء والمودعة عند كل الأوصياء، فمن أراد أن ينظر إلى آدم، ونوح، وموسى، وعيسى ومحمد (صلى الله عليهم) وغيرهم من الأنبياء في تعاليمهم وأخلاقهم وسيرتهم وسلوكهم فلينظر إليه فإنه الجامع لجميعها، وكذلك بالنسبة للأئمة المعصومين (عليهم السلام).
أو لعل المقصود بذلك، أنا الذي بشر به الأنبياء والأوصياء كلهم، وقد قال تعالى: (ليظهره على الدين كله) سورة التوبة آية 33، سورة الفتح آية 28، سورة الصف آية 9.
(697) هذا الكلام أشارة إلى أن الإمام المهدي (عليه السلام) يأتي بأحكام جديد أخرى هي مودعة عنده الآن بوصية من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيخبر بها وينشرها بين الناس، وقد تواردت الأحاديث الشريفة بذلك.
(698) ثم جاء قي الحديث بعد ذلك ما يلي: (ثم يبتدئ (يعني: الإمام المهدي (عليه السلام)) بالصحف التي أنزلها الله على آدم وشيت (عليهما السلام) وتقول أمة آدم وشيت هبة الله: هذه والله هي الصحف حقاً ولقد أرانا، لم نكن نعلمه فيها وما كان خفي علينا، وما كان أسقط فيها وبدل وحرف.
ثم يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم (عليهما السلام) والتوراة والإنجيل والزبور، فيقول أهل التوراة والإنجيل والزبور: هذه والله صحف نوح وإبراهيم (عليهما السلام) حقاً، وما أسقط منهما وبدل وحرف منهما، هذه والله التوراة الجامعة والزبور التام والإنجيل الكامل، وإنها أضعاف ما قرأنا منها.
ثم يتلو القرآن كامل غير منقوص الحديث.
وهنا ملاحظتان:
1- إن صحف آدم وشيت وإبراهيم وزبور داوود (عليهم السلام) لا يوجد اليوم منها عين ولا أثر سوى ما نقل عنها الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام (عليهم السلام) اللذين عندهم - بإذن الله تعالى - علم كل شيء.
2- تلاوة القرآن كاملاً (الظاهر) أن المراد به - كما تنص عليه أحاديث شريفة - الكمال والتفسير والتأويل الذين سجلهما أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) عند نزول الوحي على رسوله الله (صلّى الله عليه وآله) وإلا فتنزيل القرآن الحكيم مصون عن التحريف والتبديل كما عليه المحققون من علماء الإسلام.

(٦٤٧)

معاشر نقبائي (699)
يا معاشر نقبائي وأهل خاصتي ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض ائتوني طائعين(700).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(699) العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار: ج53 ص7 - في رواية المفضل بن عمر عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) - في حديث طويل - وجاء فيه: قال الصادق (عليه السلام): يا مفضل يظهر وحده، يأتي البيت وحده، ويلج الكعبة، ويجن عليه الليل وحده، فإذا نامت العيون، وغسق الليل ونزل إليه حبرئيل وميكائيل والملائكة صفوفاً فيقول له جبرئيل: يا سيدي قولك مقبول، وأمرك جائز فيمسح (أي: الإمام المهدي) (عليه السلام) يده على وجهه ويقول: (الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين) سورة الزمر آية74.
ويقف بين الركن والمقام، فيصرخ صرخة فيقول:...
(700) ثم جاء في الحديث بعد ذلك ما يلي: (فترد صيحته (عليه السلام)) عليهم وهم على محاريبهم، وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل، فيجيئون نحوها (أي: نحو الصيحة) ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر حتى يكون كلهم بين يديه (عليه السلام) بين الركن والمقام...) الحديث.

(٦٤٨)

لا يدخلك الشك (701)
قل للمهزيار(702) قد فهمنا ما حكيته عن موالينا بناحيتكم(703) فقل لهم: أما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(701) الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) في كمال الدين ج2 ص164 عن ابن الوليد عن سعد عن علان، عن محمد بن جبرئيل، عن إبراهيم ومحمد ابني الفرج، عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار، أنه ورد العراق شاكاً مرتاداً فخرج إليه:...
(702) المهزيار هذا هو محمد بن إبراهيم بن مهزيار الذي كان وأبوه وكيلين لصاحب الأمر (عليه السلام) - كما أسلفنا ذلك في المقدمة - وتشرف أخوه بلقاء الحجة (عليه السلام) بعد عشرين حجة حجها كما ذكرنا ذلك أيضاً في هذا الكتاب، وبيت المهزيار يشبه بيت زرارة، حيث أن العديد فيهم من العلماء والأوتاد والأخيار وتجد تواريخهم عند ذكر أسماء كل واحد منهم في كتب الرجال والتاريخ (رضوان الله عليهم).
(703) هذه الجملة إشارة من الإمام (عليه السلام) إلى أن ما كان قد حدث في أوائل الغيبة الصغرى بعد وفاة الحسن العسكري (عليه السلام) من الاضطراب والتشويش بين بعض السذج والبسطاء من الشيعة من الجهل بإمامهم وولي أمرهم مولانا صاحب الزمان (عليه السلام)، وكان مولانا المهدي (عليه السلام) لا يفتأ يستمر في توعيتهم بمختلف الأساليب والسبل التي تضمن في نفس الوقت للشيعة الحفظ عن الأعداء والبقاء.

(٦٤٩)

سمعتم الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)(704).
هل أمر إلا بما هو كائن إلى يوم القيامة؟
أوَ لم ترو أن الله (عزَّ وجلَّ) جعل لهم معاقل يأوون إليها؟ وأعلاماً يهتدون بها؟ من لدن آدم إلى أن ظهر الماضي (يعني: أباه الحسن العسكري) صلوات الله عليه، كلما غاب علم بدا علم وإذا أفل نجم طلع نجم، فلما قبضه الله تعالى (عزَّ وجلَّ) إليه ظننتم أن الله قد قطع السبب بينه وبين خلقه؟
كلا ما كان ذلك، ولا يكون حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون(705).
يا محمد بن إبراهيم: لا يدخلك الشك فيما قدمت له(706) فإن الله لا يخلي الأرض من الحجة. أليس قال لك أبوك قبل وفاته: احضر الساعة من يعيّر هذه الدنانير التي عندي فلما أبطأ ذلك عليه وخاف الشيخ(707)على نفسه الوحي(708) قال لك:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(704) سورة النساء آية 59.
(705) إشارة إلى قول الله: (حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون) سورة التوبة آية 48.
(706) كان محمد بن إبراهيم قبل هذا الحديث الشريف بعد لم يعرف إمام زمانه بالضبط، ولذا كان شاكاً مرتاداً ترى من يكون إمام هذا الزمان؟
(707) المقصود بالشيخ أبو إبراهيم بن مهزيار.
(708) الوحي: التعجل، أي: خاف أن يجعل به الموت قبل وصوله بخدمة صاحب الأمر (عليه السلام) وتسليم المال إليه.

(٦٥٠)

عيرها على نفسك وأخرج إليك كيساً كبيراً وعندك بالحضرة ثلاثة أكياس، وصرة فيها دنانير مختلفة النقد فعيرتها وختم الشيخ عليها بخاتمه وقال لك: اختم مع خاتمي، فإن أعش فأنا أحق بها وإن أمت فاتق الله في نفسك أولاً ثم فيّ فخلصني وكن عند ظني بك.
أخرج رحمك الله الدنانير التي استفضلتها من بين النقدين من حسابنا وهي بضعة عشر ديناراً، واسترد من قبلك(709) فإن الزمان أصعب ما كان، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(709) لعل المراد بهذه الجملة: إنك في هذه الأيام لا تقصد لجمع المال لنا، فمن أتاك بمال فرده إليه، وهنا المعنى قد يستنبط من الجملة التي تليها (فإن الزمان أصعب ما كان) لما مر في غضون بعض مباحث هذا الكتاب من أن الظالمين كانوا يتربصون - لفترة - بوكلاء صاحب الأمر (عليه السلام) ليؤذوهم أو يسجنوهم أو يقتلوهم.

(٦٥١)

طلب دعاء ومسائل (710)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(710) أ: الميرزا حسين النوري (قدّس سرّه) في مستدرك وسائل الشيعة: ج1 ص201 نقلاً عن الخرائج.
ب: العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار (ج53 ص197) نقلاً عن القطب الراوندي في الخرائج أيضاً روى عن أحمد بن أبي روح قال: خرجت إلى بنواد في مال لأبي الحسن الخضر بن محمد لأوصله وأمرني أن أدفعه إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري فأمرني أن (لا) أدفعه إلى غيره وأمرني أن أسأل الدعاء للعلة التي هو فيها وأسأل عن الوبر يحل لبسه؟ فدخلت بغداد، وصرت إلى العمري فأبى أن يأخذ المال وقال: صر إلى أبي جعفر محمد بن أحمد وأدفع إليه فإنه أمر بأن يأخذه، وقد خرج الذي طلبت فجئت إلى أبي جعفر فأوصلته إليه فأخرج إلي رقعة فيها:...
ويستحب لنا أن نقف على ملاحظات في هذه المقدمة.
(الأولى) لا يبعد أن يكون (فأمرني أن أدفع إلى غيره) هكذا: وأمرني أن لا أدفعه إلى غيره، ويعني: أمرني صاحب المال أن أسلمه إلى العمري وأمرني أن لا أسلمه إلى غيره، إذ بدون (لا) لا يعرف المعنى.
(الثانية) (وأمرني أن أسأل الدعاء) أي: أسأل من العمري أن يطلب لي من الحجة صلوات الله عليه أن يدعو لي بالشفاء.
(الثالثة) (فإنه أمره أن يأخذه) يعني: العمري أمر محمد بن أحمد أن يأخذ المال.
(الرابعة) يظهر من ذاك كله أن أبا جعفر محمد بن أحمد هو من الوكلاء للناحية المقدسة نظير القاسم بن العلاء وغيره.
(لكن) من هو أبو جعفر محمد بن أحمد؟
هذا ما لم نستطيع أن نجزم به في هذه العجالة، إذ هذا الاسم وهذه الكنية في زمان الغيبة الصغرى، معاصراً للنائب الثاني محمد بن عثمان العمري رضوان الله عليه، تنطبق على عدة أشخاص مذكورين في كتب الرجال، ممن ذكر عدداً منهم:
الأردبيلي في (جامع الرواة): ج2 ص58 - 63، وص371 - 373 أيضاً.
الحر العاملي (قدّس سرّه) في (وسائل الشيعة): ج20 ص312 - 315، وص372 أيضاً.
الميرزا حسين النوري (قدّس سرّه) في (مستدرك وسائل الشيعة) ج3 ص472 - 523 ذكر في هذه الصفحات أسماء عدد ممن يسمى بـ (محمد بن أحمد) يكنى بأبي جعفر، وكذلك ج3 ص839 - 840.

(٦٥٢)

بسم الله الرحمن الرحيم سألت الدعاء عن العلة التي تجدها، وهب الله لك العافية ودفع عنك الآفات، وصرف عنك بعض ما تجده من الحرارة(711) وعافاك وصح جسمك.
وسألت ما يحل أن يصلى فيه من الوبر، والسمور، والسنجاب، والفتك والدلق والحواصل(712)؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(711) قوله (عليه السلام) (بعض) إما دعاء له لبعض الشفاء، إذ قد يرى الإمام علي (عليه السلام) المصلحة في بعض الشفاء ولا في تمامه، كما قد كان (عليه السلام) يسأل الشفاء فلا يجيب على هذا السؤال - كما في بعض التوقيعات الرفيعة - (وإما) دعاء له بكامل الشفاء، ولكن كلمة (بعض) لطرد الحرارة الزائدة عن المقدار اللازم للحياة والصحة، إذ لو ذهبت الحرارة كلها أصبح الإنسان ميتاً. وهذه لطيفة لا يبعد كونها هي المقصودة، ليتم انسجام هذه الجملة مع الجمل قبلها وبعدها.
(712) هذه أسماء حيوانات.
(إما الوبر) - بفتح فسكون - ففي أقرب الموارد: دمية كالسنور أصغر منه كحلاء اللون حسنة العينين لها ذنب قصير جداً إلى الخ.
(السمور) - بفتح فضم مشدد - في أقرب الموارد: حيوان بري يشبه السنور يتخذ من جلده فراء ثمينة للينها وخفتها وإدفائها وحسنها.
(والسنجاب) - بضم وفتح، فسكون - في أقرب الموارد: حيوان على حد اليربوع أكبر من الفأر وشعره في غاية النعومة تتخذ من جلده الفراء.
(الفتك) - بفتحهما - في مجمع البحرين: دويبة برية غير مأكول اللحم يؤخذ منه الفرو ويقال أن فروها أطيب من جميع أنواع الفراء.
(الدلق) - بفتحتين - في مجمع البحريين: على ما قيل دويبة نحو الهرة طويل الظهر يعمل منه الفرو تشبه النمر، فارسي معرب.
(الحواصل) في مجمع البحرين: وهو جمع حوصلة وهو طير كبير له حوصلة عظيمة يتخذ منها الفرو.

(٦٥٣)

فأما السمور والثعالب فحرام عليك وعلى غيرك الصلاة فيه، ويحل لك جلود المأكول من اللحم إذا لم يكن فيه غيره(713) وإن لم يكن لك ما تصلي فيه فالحواصل جائز لك أن تصلي فيه(714).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(713) أي: إذا لم يكن مزيجاً بأجزاء غير مأكول اللحم.
(714) مسألة الصلاة في الحواصل اختلفت فيها الأخبار، وكلمات الفقهاء، فبين مجوز وبين عدمه، وبين مفتى بالجواز، ومفتى بالعدم، متوقف محتاط بالترك. قال الحجة الطباطبائي في العروة الوسطى: (وأما السمور والفاقم والفنك والحواصل فلا يجوز الصلاة في أجزائها على الأقوى) العروة الوثقى: ج1 ص56 والطبعة القديمة ص199. ووافقه عليه معظم المراجع المعاصرين ومن تقدمهم ممن علقوا على العروة الوثقى فسكتوا عن التعليق هنا غير بعض غيروا فتوى المتن إلى الاحتياط، والسيد الحجة الكوهكمره (قدّس سرّه) الذي أفتى بالجواز في الخوارزمية منها وقد سبقه إلى القول بالجواز المبسوط والنهاية والجامع والبحار والمعتمد والمستدرك وظاهر المنتهى (نعم) المشهور قديماً وحديثاً على عدم الجواز، وإن ادعى الشيخ في النهاية والمبسوط الإجماع على الجواز واستظهر العلامة (قدّس سرّه) في المنتهى من هذا الإجماع ذهاب الأكثر إليه (فتأمل) أما نحن مع الاحتياطيين والله العالم.
راجع للتوسع في ذاك: مستند الشيعة: ج1 ص289، والمستمسك ج5 ص325 وغيرهما.

(٦٥٤)

الفرا متاع الغنم ما لم يذبح بأرمينية يذبحه النصارى على الصليب فجائز لك أن تلبسه إذا ذبحه أخ لك (أو مخالف تثق به)(715).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(715) هذه الجملة الأخيرة لا توجد في نسخة البحار، وتوجد في مستدرك الوسائل.

(٦٥٥)

دعاء بالعاقبة (716)
ألبسك الله العافية وجعلك معنا في الدنيا والآخرة(717).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(716) نقله العلامة المجلسي عن الكافي والخرايج والإرشاد، في بحار الأنوار: ج51 ص297) عن علي بن محمد، عن نصر بن مزاحم، عن محمد بن يوسف الشاشي قال: خرج لي ناسور فأريته الأطباء وأنفقت عليه مالاً فلم يصنع الدواء فيه شيئاً، فكتبت رقعة أسأل الدعاء، فوقع لي:...
(717) ثم جاء النص بعد ذلك: فما أتت علي الجمعة حتى عوفيت وصار الموضع مثل راحتي، فوعدت طبيباً من أصحابنا وأريته إياه فقال: ما عرفنا لهذا دواءً وما جاءتك العافية إلا من قبل الله بغير احتساب.

(٦٥٦)

إلى الحسن بن الفضل اليماني (718)
فخرج إلى الرسول: أخطأت إذ لم تعلمه أنا وبما فعلنا ذلك بموالينا وربما سألونا ذلك يتبركون به.
وخرج إلي: أخطأت بردك بدنا، وإذ استغفرت الله فالله يغفر لك، وإذا كان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(718) الميرزا حسين النوري - نور الله مضجعه - في مستدرك الوسائل: ج3 ص791 عن الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) في كمال الدين، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن علان، عن الحسن بن الفضل اليماني، ورواه أيضاً عن الكليني (قدّس سرّه) في الكافي قال: قصدت سر من رأى فخرج إلي (يعني: من طرف صاحب الأمر (عليه السلام)) صرة فيها دنانير وثوبان، فرددتها، فقلت في نفسي: أنا عندهم بهذه المنزلة، فأخذتني العزة ثم ندمت بعد ذلك، وكتبت رقعة اعتذر واستغفر، ودخلت الخلا وأنا أحدث نفسي وأقول: والله لأن ردت الصرة لم أحلها ولم أنفقها حتى أحملها إلى والدي فهو أعلم مني:
هنا ملاحظات:
(الأولى) الحسن بن الفضل هذا، وأبوه الفضل بن يزيد قد عدوهما فيمن رأى صاحب الأمر (عليه السلام) ووقف على بعض معجزاته.
(الثانية) (فأخذتني العزة) قد يستنبط من هذه الجملة أن الحسن بن الفضل كان غنياً، فلعله تصور أنه (عليه السلام) اعتبره فقيراً فأرسل إليه الصرة والثوبين، ولذلك ردهما.
(الثالثة) (ودخلت الخلا) أي: مكان خلوة فيها إلا أنا حتى أتأمل الأمر وما فعلته من القبيح من رد هدايا صاحب الأمر (عليه السلام) (أحملها إلى والدي) لكي يفرح بهذه الهدية ولأني لست محتاجاً حتى أتصرف أنا فيها.

(٦٥٧)

عزيمتك وعقد نيتك أن لا تحدث فيها حدثاً، ولا تنفقها في طريقك فقد صرفناها عنك(719).
وأما الثوبان(720) فلا بد منهما لتحرم فيهما(721).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(719) هذه معجزة أخرى، لأنها جاءت على أثر ما قاله الحسن في نفسه في الخلوة أنه لا يتصرف فيها، وكان الإمام صاحب الأمر عليه الصلاة والسلام يريد أن يقول: ليست الهدية لأبيك بواسطتك، وإنما هي لك، فإن كنت عزمت أن لا تتصرف فيها فلا نبعثها إليك.
(720) ويظهر من ذلك أنه كان في طريقه إلى الحج، وأن الإمام صاحب الأمر (عليه السلام) بعث إليه الثوبين لإحرامه ليكون من خالص الحلال، لما ورد عن آبائه عليهم الصلاة والسلام من أن مهور نسائهم وحج صرورتهم وكفارة موتاهم من طهور أموالهم (عليهم السلام) (سفينة البحار: ج2 ص486).
(721) ثم قال الحسن بن الفضل: وسألت طيباً فيعث (عليه السلام) إلي بطيب في خرقة بيضاء فكانت معي في المحمل، فنفرت ناقتي بعسفان، وسقط محملي وتبدد ما كان معي، فجمعت المتاع وافتقدت الصرة واجتهدت في طلبها حتى قال بعض من معنا ما تطلب؟ فقلت: صرة كانت معي قال: وما كان فيها قلت: نفقتي، قال: رأيت من حملها، فلم أزل أسأل عنها حتى أيست منها، فلما وافيت مكة حللت عيبتي وفتحتها فإذا أول ما بدا علي منها الصرة وإنما كانت خارجاً في المحمل فسقطت حين تبدد المتاع... الحديث.

(٦٥٨)

الشرطة للجارية (722)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(722) أخرج الشيخ الصدوق (قدّس سرّه) في كمال الدين (ج2 ص176) قال الحسين بن إسماعيل الكندي: كنت جعفر بن حمدان فخرجت إليه هذه المسائل:
استحللت بجارية وشرطت عليها أن لا أطلب ولدها ولم ألزمها منزلي، قلما أتى لذلك مدة قالت لي: قد حبلت.
فقلت لها: كيف ولا أعلم أني طلبت منك الولد؟
ثم غبت وانصرفت، وقد أتت بولد ذكر، فلم أنكره ولا قطعت عنها الإجراء والنفقة.
ولي ضيعة قد كنت قبل أن تصير إلي هذه المرأة سبلتها على وصاياي وعلى سائر ولدي على أن الأمر في الزيادة أو النقصان منه إلي أيام حياتي.
وقد أتت هذه بهذا الولد فلم ألحقه في الوقف المتقدم المؤيد، وأوصيت إن حدث لي الموت أن يجري عليه ما دام صغيراً، فإذا كبر أعطي من هذه الصيغة مائتي دينار غير مؤبد ولا يكون له ولا لعقبه بعد إعطائه ذلك في الوقف شيء.
فرأيك - أعزك الله في إرشادي - فيما عملته؟ وفي هذا الولد بما أمتثله.
والدعاء لي بالعافية وخير الدنيا والآخرة.
جوابها:
هنا وفي هذا السؤال ملاحظات:
(الأولى) بحثت شيئاً في بعض كتب الرجال فلم أجد ذكر صاحب الرسالة (جعفر بن حمدان) ولا ذكر الحسين بن إسماعيل الكندي ولذا لم أذكرهما بحياتهما.
(الثانية) (استحللت بجارية) إما بمعنى التحليل فيكون المقصود بـ (الجارية) الأمة، أو بمعنى العقد الدائم أو المنقطع، فالمقصود بـ (الجارية) قد يكون أمة، وقد يكون حرة.
(الثانية) (سبّلتها) أي: وقفتها..

(٦٥٩)

أتاني - أبقاك الله - كتابك الذي أنفذته.
أما الرجل الذي استحل بالجارية، وشرط عليها أن لا يطلب ولدها فسبحان من لا شريك له في قدرته، شرطه على الجارية شرط على الله (عزَّ وجلَّ)؟ هذا ما لا يؤمن أن يكون، وحيث عرض في هذا الشك وليس يعرف الوقت الذي أتاه فيه فليس ذلك بموجب لبراءة في ولده(723).
وأما إعطاء المائتي دينار وإخراجه من الوقف فالمال ماله فعل فيه ما أراد(724).
قال أبو الحسين: حسب الحساب فجاء الولد مستوياً(725).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(723) القاعدة الولد للفراش، ومجرد الشك وعدم العلم لا يجوز به نفي الولد ولا نفي الإرث عنه.
(724) الروايات في هذا الباب مختلفة، وأقوال الفقهاء متعددة، ويرجع بشأن المسألة الكتب المبسوطة في ذلك كالجواهر، والمجلد الآخر من العروة الوثقى للسيد الحجة الطباطبائي اليزدي (قدّس سرّه) والمسالك وغيرها.
(وأما الدعاء) للسائل فكأنه أكتفي بـ (أبقاك الله) من الإمام (عليه السلام) وهو كاف لكون دعاؤهم جامعاً.
(725) أبو الحسين كأنه راوي الحديث - وإن لم يسبق ذكر اسمه - ومعنى ذلك أن الرجل حسب المدة بين مواقعة الجارية وبين ولادة الولد فحصل له العلم بأن الولد منه.

(٦٦٠)

عهداً من رسول الله (726)
اسكت يا فلان، إي والله إن معي عهداً من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
هات يا فلان العيبة أو الزنفيلجة.
فيأتيه بها فيقرئه العهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فيقول: جعلني الله فداك أعطني رأسك أقبله.
فيعطيه رأسه فيقبل بين عينيه ثم يقول: جعلني الله فداك جدد لنا بيعة، فيجدد لهم بيعة(727).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(726) أخرج العلامة المجلسي (قدّس سرّه) عن تفسير العياشي، في بحار الأنوار (ج52 - ص343) عن عبد الأعلى الحلبي، قال قال أبو جعفر (عليه السلام): يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذا الشعاب (وذكر ظهوره (عليه السلام) إلى أن قال) ثم ينطلق - أي المهدي (عليه السلام) - يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه والولاية لعلي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) والبراءة من عدوه، حتى إذا بلغ إلى (الثعلبية) قام إليه الرج... فيقول: يا هذا ما تصنع فو الله إنك لتجفل الناس إجفال النعم أفبعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم بماذا...؟ فيقول له القائم:...
(727) ثم جاء النص بعد ذلك كما يلي: قال أبو جعفر (عليه السلام): لكأني أنظر إليهم مصعدين من نجف الكوفة ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، كأن قلوبهم زبر الحديد، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره يسير الرعب أمامه شهراً وخلفه شهراً، أمد الله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين حتى إذا صعد النجف قال لأصحابه: تعبدوا ليلتكم هذه، فيبيتون بين راكع وساجد يتضرعون إلى الله حتى إذا أصبح قال: خذوا بنا طريق النخيلة... الحديث.

(٦٦١)

يا جداه (728)
يا جداه وصفتني ودللت علي، نسبتني، وسميتني، وكنيتني، فجحدتني الأمة وتمددت وقالت: ما ولد، ولا كان، وأين هو؟ ومتى كان؟ وأين يكون؟ وقد مات ولم يعقب، ولو كان صحيحاً ما أخره الله إلى هذا الوقت المعلوم.
فصبرت متحسباً، وقد أذن الله فيها بإذنه يا جداه(729).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(728) العلامة المجلسي (رحمة الله عليه) في بحار الأنوار (ج53 - ص32) في المفضل بن عمر عن الصادق (عليه السلام) في حديث طويل جاء في وصف مفصل لرجعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ورجعة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وشكاياتهم واحداً واحداً إلى جدهم النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أن قال الصادق (عليه السلام): ثم يقول المهدي (عليه السلام) سمي جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليه قميص رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مضرجاً بدم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم شج جبينه وكسرت رباعيته، والملائكة تحفه حتى يقف بين يدي جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيقول:...
(729) يعني: استمر بي الصبر وأني احتسب هذا الصبر في سبيل الله تعالى أذن الله لي بالظهور والخروج إلى الناس.
ثم جاء في النص بعد ذلك:
فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين) سورة الزمر آية 74. ويقول جاء نصر الله والفتح [مأخوذ من أول سورة النصر] وحق قول الله سبحانه وتعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) سورة براءة آية 34، سورة الصف آية 9. ويقرأ: (إنا فتحنا لك فتحاً مبينا...) سورة الفتح آية 1. الحديث.

(٦٦٢)

عليك بالأسدي (730)
إنه كان له(731) قبلي ألف دينار وإني وجهت إليه بمائتي دينار لأني شككت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(730) العلامة المجلسي (رحمة الله) في بحار الأنوار: ج51 - ص294 نقلاً عن الخرائج قال: روى محمد بن يوسف الشاشي: أنني لما انصرفت من العراق كان عندنا رجل بمرو يقال له (محمد بن حصين الكاتب) وقد جمع مالاً للغريم (أي: للإمام المهدي (عليه السلام)) قال: فسألني عن أمره فأخبرته بما رأيته من الدلائل فقال: عندي مال للغريم فما تأمرني؟ فقلت: وجهه إلى حاجز، فقال لي: فوق حاجز أحد؟ فقلت: نعم الشيخ، فقال: إذا سألني الله عن ذلك أقول إنك أمرتني، قلت: نعم، وخرجت من عنده.
فلقيته بعد سنين فقال: هو ذا أخرج إلى العراق ومعي مال للغريم، وأعلمك أني وجهت بمائتي دينار على يد العابدين يعلى الفارسي، وأحمد بن علي الكلثومي، وكتبت إلى الغريم بذلك، وسألته الدعاء، فخرج الجواب بما وجهت ذكر:...
(731) أي: للإمام المهدي (عليه السلام)، وضمير (إليه) أيضاً راجع إلى الإمام (عليه السلام)، والراوي نقل بعض هذه القطع بالمعنى.

(٦٦٣)

وأن الباقي له عندي فكان كما وصف وقال: إن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري(732).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(732) وجاء النص بعده كما يلي: فقلت: أكان كما كنت إليك؟ قال: نعم، وجهت بمائتي دينار لأني شككت فأزال الله عني ذلك، فورد موت (حاجز) بعد يومين أو ثلاثة فصرت إليه وأخبرت بموت حاجز، فاغتم فقلت: لا تغتم. فإن ذلك في توقيعه (عليه السلام) إليك، وإعلامه أن المال ألف دينار والثانية أمره بمعاملة الأسدي لعلمه بموت حاجز.

(٦٦٤)

الأجوبة الموجزة من الناحية المقدسة
رسائل كثيرة كانت تكتب إلى الناحية المقدسة، فيها حوائج وأسئلة كان يصدر الجواب عليها باختصار، نثبت هنا نماذج منها - من غير استيعاب - مقتصرين على الأجوبة فقط، دون تفاصيل الرسائل والحوائج:
1 - ستلد ابناً
كتب رجل يسأل الدعاء في حمل له فورد عليه الدعاء في الحمل قبل الأربعة الأشهر:
فجاء كما قال (عليه السلام)(733).
2 - نعى إلى نفسي
وكتب أحمد بن إسحاق - وكيل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) - بعد موت الإمام العسكري، إلى الناحية المقدسة يستأذن الإمام المهدي (عليه السلام) في الحج.
فورد الإذن له، وبعث إليه بثوب.
فقال أحمد بن إسحاق: نعى إلي نفسي.
فانصرف من الحج فمات بحلوان(734).
3 - ولادة الصدوق
وبعث الحسين بن علي بن بابويه - والدة الشيخ الصدوق (قدّس سرّهما) - مع أبي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(733) العلامة المجلسي - بحار الأنوار: ج51 - ص306 - عن كتاب النجوم.
(734) العلامة المجلسي - بحار الأنوار: ج51 - ص306 - عن رجال الكشي.

(٦٦٧)

القاسم الحسين بن روح برقعة إلى صاحب الأمر (عليه السلام) يسأله فيه الولد، فكتب (عليه السلام) في الجواب: (قد دعونا الله لك بذلك، وسترزق ولدين ذكرين خيرين).
فولد له أبو جعفر (الصدوق) وأبو عبد الله من أم ولد.
وكان أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله يقول: سمعت أبا جعفر (يعني الشيخ الصدوق (قدّس سرّه)) يقول: أنا ولدت بدعوة صاحب الأمر (عليه السلام) ويفتخر بذلك(735).
4- مات الولد
وعن علي بن محمد قال: حدثني بعض أصحابنا قال: ولد لي ولد فكتبت - أي: إلى الناحية المقدسة - أستأذن في تطهيره يوم السابع فورد:
(لا تفعل).
فمات يوم السابع أو الثامن.
ثم كتبت بموته ثم ورد الجواب:
(ستخلف غيره، وغيره، فسمي الأول أحمد، ومن بعد أحمد جعفرَ).
فجاءا كما قال(736).
5 - ثوبان للكفن
وعن سعد بن عبد الله أن الحسن بن النضر - في قصة طويلة - قال:
... وإذ بيت عليه ستر فنوديت منه:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(735) العلامة المجلسي - بحار الأنوار: ج51 - ص306 - عن فهرست النجاشي.
(736) بحار الأنوار: ج51 - ص308 عن إرشاد المفيد، وغيبة الطوسي (قدّس سرّه).

(٦٦٨)

(يا حسن بن النضر أحمد الله على ما منّ به عليك ولا تشكن فود الشيطان إنك شككت).
وأخرج إلى ثوبين وقيل لي:
(خذهما فتحتاج إليهما).
فأخذتهما وخرجت.
قال سعد: فانصرف الحسن بن النضر، ومات في شهر رمضان (يعني: من نفس تلك السنة) وكفن في الثوبين(737).
6 - يبقى
وعن القاسم بن العلاء قال: ولد لي عدة بنين فكنت أكتب وأسأل الدعاء فلا يكتب إلي لهم بشيء، فلما ولد لي الحسن ابني كتبت أسأل الدعاء فأجبت:
(يبقى والحمد لله)(738).
وظاهر الخبر: أن من سبعة من الأولاد كانوا يموتون.
7 - تحول قرمطياً
وعن الحسن بن الفضل بن زياد اليماني قال: كتب أبي بخطه كتاباً فورد جوابه، ثم كتب بخطي فورد جوابه، ثم كتب بخط رجل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(737) بحار الأنوار: ج51 - ص308 عن الكافي.
(738) بحار الأنوار: ج51 - ص308 عن الكافي.

(٦٦٩)

فنظرنا فكانت العلة: أن الرجل تحول قرمطياً(739).
8 - حصانة الوكلاء
وعن الحسن بن الحسين العلوي قال: كان رجل من ندماء روز حسني وآخر معه فقال له: هو ذا يجبى الأموال (يقصد صاحب الأمر صلوات الله عليه) وله وكلاء وسموا جميع الوكلاء في النواحي وأنهى ذلك إلى عبيد الله بن سليمان الوزير، فهم الوزير بالقبض عليهم.
فقال السلطان: اطلبوا أين هذا الرجل فإن هذا أمر غليظ.
فقال عبيد الله بن سليمان: نقبض على الوكلاء. فقال السلطان: لا، ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفون بالأموال فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه.
قال: فخرج (يعني: من الناحية المقدسة إلى بعض الوكلاء).
(بأن يتقدم إلى جميع الوكلاء: أن لا يأخذوا من أحد شيئاً وأن يمتنعوا عن ذلك ويتجاهلوا الأمر).
فاندس بمحمد بن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به فقال: معي مال أريد أن أوصله فقال له محمد: غلطت أنا لا أعرف من هذا شيئاً، فلم يزل يتلطفه ومحمد يتجاهل عليه، وبثوا الجواسيس وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم إليهم(740).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(739) بحار الأنوار: ج51 - ص308 عن الكافي.
(740) بحار الأنوار: ج51 - ص310 عن الكافي للكليني.

(٦٧٠)

9 - مقام أبيك
وعن محمد بن إبراهيم بن مهزيار قال: اجتمع عند أبي مال كثير - بعد مضي أبي محمد (عليه السلام) - وكان اجتمع عند أبي مال جليل، فحمله وركب في السفينة وخرجت معه مشيعاً له، فوعك وعكاً شديداً، فقال: يا بني ردني فهو الموت، واتق الله في هذا المال وأوصى إلي ومات.
فقلت في نفسي: لم يكن أبي يوصي بشيء غير صحيح أحمل هذا المال إلى العراق وأكتري داراً على الشط، ولا أخبر أحداً، فإن وضح لي شيئاً كوضوحه أيام أبي محمد (عليه السلام) أنفذته وإلا تصدقت به.
فقدمت العراق، واكتريت داراً على الشط وبقيت أياماً فإذا أنا برسول معه رقعة فيها:
(يا محمد معك كذا وكذا في جوفاً كذا وكذا).
حتى قص على الجميع ما معي مما لم أحط به علماً، فسلمت المال إلى الرسول، وبقيت أياماً لا يرفع لي رأس، فاغتممت، فخرج إلي:
(قد أقمناك مقام أبيك فأحمد الله)(741).
10 - جواب الثلاثة
وقال الحسن بن فضل بن زيد اليماني:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(741) بحار الأنوار: ج51 - ص310 عن غيبة الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) (قوله: لا يرفع لي رأس) كناية عن عدم الاعتناء به والتوجه إليه.

(٦٧١)

كتبت في معنيين (أي: في موضوعين) وأردت أن أكتب في الثالث وامتنعت منه مخافة أن يكره ذلك، فورد جواب:
المعنيين والثالث الذي طويته، مفسراً(742).
11 - إلى أحمد بن الحسن
وقال أحمد بن الحسن: وردت الجبل (أي: إيران) وأنا لا أقول بالإمامة، أحبهم جملة إلى أن مات يزيد بن عبد الملك (وفي نسختي الكافي، وإرشاد المفيد: يزيد بن عبد الملك) فأوصى إلي في علته: أن يدفع الشهري السمند. وسيفه، ومنطقته إلى مولاه (يعني: صاحب الأمر (عليه السلام)) فخفت إن لم أدفع الشهري إلى (اذكوتكين) (حاكم الجبل آنذاك) فالتي منه استخفاف، فقومت الدابة والسيف والمنطقة بألف دينار في نفسي، ولم أطلع عليه أحداً، فإذا الكتاب قد ورد علي من العراق:
(يا أحمد بن حسن الألف دينار التي لنا عندك ثمن الفرس والسيف سلمها إلى أبي الحسن الأسدي).
قال: فخررت لله ساجداً شكراً لما منّ علي وعرفت أنه حجة الله حقاً لأنه لم يكن وقف على هذا أحد غيري، فأضفت إلى ذلك المال ثلاثة آلاف دينار أخرى سروراً بما منّ الله علي بهذا الأمر(743).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(742) بحار الأنوار: ج51 - ص311 عن الطوسي (قدّس سرّه).
(743) بحار الأنوار: ج51 - ص303 عن الكافي، وإرشاد المفيد، وكتاب النجوم، باختلافات في التعبيرات.

(٦٧٢)

الشهري السمند: نوع من الفرس.
12 - إماماً لك
وبعد موت القاسم بن العلاء خرج التوقيع إلى ابنه الحسن كتاب تعزية وفي آخره دعاء.
(ألهمك الله طاعته، وجنبك معصيته).
(قد جعلنا أباك إماماً لك، وفعله لك مثلاً)(744).
13 - كفن لآخر
وكتب محمد بن زياد الصيمري يسأل صاحب الزمان (عليه السلام) كفناً يتيمن بما يكون من عنده فورد:
(إنك تحتاج إليه سنة إحدى وثمانين).
فمات رحمه الله في الوقت الذي حده، وبعث إليه بالكفن قبل موته بشهر(745) سنة إحدى وثمانين أي بعد المائتين الهجرية.
14 - أصلح الله ذات بينهما
وعن أبي غالب الرازي قال - في حديث طويل - كانت منازعة بيني وبين زوجتي وأهلها مدة طويلة وكانت في بيت أبيها، لا تأتيني، فضقت لذلك، فكتبت إلى صاحب الأمر (عليه السلام) أسأله الدعاء فورد الجواب:
(وأما الزراري وحال الزوج والزوجة فأصلح الله ذات بينهما).
فجاءت إلي، فاسترضتني، واعتذرت ووافقتني ولم تخالفني حتى فرق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(744) بحار الأنوار: ج51 - ص316 عن غيبة الطوسي وكتاب النجوم.
(745) بحار الأنوار: ج51 - ص317 عن غيبة الطوسي (قدّس سرّه)، ودلائل الإمامة، وكتاب النجوم.

(٦٧٣)

الموت بيننا(746).
15 - إنك تحتاج إليها
وقال أبو غالب: وقد كتبت رقعة أسأل فيها أن يقبل ضيعتي، وألححت في ذلك فكتب إلي:
(اختر من تثق به فاكتب الضيعة باسمه فإنك تحتاج إليها).
فكتبتها باسم أبي القاسم موسى بن الحسن الزجوزجي ابن أخي أبي جعفر، ثقتي به وموضعه من الديانة والنعمة.
فلم تمض الأيام حتى أسروني الأعراب، ونهبوا الضيعة التي كنت أملكها، وذهبت فيها من غلاتي ودوابي وآلتي نحواً من ألف دينار، وأقمت في أسرهم مدة إلى أن اشتريت نفسي بمائة دينار وألف وخمسمائة درهم ولزمني من أجرة الرسل نحو من خمسمائة درهم، فخرجت واحتجت إلى الضيعة فبعتها(747).
16 - لك فيها عشرون درهماً
قال محمد بن شاذان بن نعيم: اجتمع عندي مال للغريم (صلى الله عليه) خمسمائة درهم تنقص عشرين درهم، فأبيت أن أبعثها ناقصة هذا المقدار، فأتممتها من عندي فبعثت بها إلى محمد بن جعفر ولم أكتب مالي فيها، فأنفذ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(746) بحار الأنوار: ج51 - ص322 عن غيبة الطوسي (قدّس سرّه).
(747) بحار الأنوار: ج51 - ص323 عن غيبة الشيخ الطوسي (رضي الله عليه).

(٦٧٤)

إلي محمد بن جعفر القبض وفيه:
(وصلت خمسمائة درهم لك فيها عشرون درهماً)(748).
الغريم: كناية عن مولانا صاحب الزمان (عليه الصلاة والسلام وعجل الله تعالى فرجه).
17 - وهو أربعمائة درهم
قال الشيخ العمري - نائب الناحية المقدسة -: صحبت رجلاً من أهل السواد (يعني: أهل العراق) ومعه مال للغريم (عليه السلام)، فأنفذه فرد عليه وقيل له:
(أخرج حق ابن عمك منه وهو أربعمائة درهم).
فبقي الرجل باهتاً متعجباً ونظر في حساب المال، وكانت في يده ضيعة لولد عمه قد كان رد عليهم بعضها وذوى عنهم بعضاً، فإذا الذي نص لهم من ذلك المال أربعمائة درهم كما قال (عليه السلام). فأخرجه وأنفذ الباقي فقبل(749).
18 - كذب الوقاتون
قال علي بن عاصم الكوفي:
خرج في توقيعات صاحب الزمان (عليه السلام):
(ملعون ملعون من سماني في محفل من الناس)(750).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(748) بحار الأنوار: ج51 - ص325 عن إكمال الدين، وإرشاد المفيد، والخرايج.
(749) بحار الأنوار: ج51 - ص326 عن إكمال الدين، وإرشاد المفيد.
(750) بحار الأنوار: ج53 - ص184 عن إكمال الدين.

(٦٧٥)

وقال الشيخ محمد بن عثمان العمري - نائب الناحية المقدسة - قدس الله روحه: خرج توقيع بخطه (عليه السلام) أعرفه:
(من سماني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله).
وكتبت أسأله عن ظهور الفرج؟ فخرج في التوقيع:
(كذب الوقاتون)(751).
وعن أبي عبد الله الصالحي قال: سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمد (عليه السلام) أن أسأل عن الاسم والمكان فخرج الجواب: (إن دللتم على الاسم أذاعوه، وإن عرفوا المكان دلوا عليه)(752).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(751) بحار الأنوار: ج53 - ص184 عن إكمال الدين.
(752) بحار الأنوار: ج51 - ص33 عن الكافي.
مسألة النهي عن تسمية الإمام المهدي (عليه السلام) باسمه الخاص صلوات الله عليه وعلى آبائه قد ورد في أحاديث عديدة عن أئمة أهل البيت بدءاً بأمير المؤمنين وانتهاءً بالإمام الحسن العسكري والإمام المهدي نفسه عليهم الصلاة والسلام.
وقد جمع منها العلامة المجلسي (قدّس سرّه) في بحار الأنوار بضعة عشرة حديثاً (ج51 ص31 - 34).
وقد اختلفت كلمات الفقهاء (رضوان الله عليهم) في تفسير هذا النهي.
فقد قال الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه): (الذي أذهب إليه النهي عن تسميته) يقصد بذلك التحريم، وقال بعضهم بالكراهة، وفصل بعضهم بين أوائل الغيبة الصغرى فالتحريم وبين الأزمنة المتأخرة فالكراهة.
قال المحقق القمي (قدّس سرّه) في جامع الشتات ما ترجمته:
(أخبار المنع عن تسمية جنابه (عليه السلام) كثيرة، حتى أن الكليني (قدّس سرّه) روى بسند صحيح عن الإمام ←

(٦٧٦)

19 - عن قوّامهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ الصادق (عليه السلام) أنه قال: صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه إلا كافر، وهكذا في أحاديث أخرى ورد التصريح بحرمة ذكر اسمه الشريف.
ولكن ما يستفاد من سائر الأخبار هو: أن ذلك من باب التقية والاتقاء في حقه ومن الأزمنة الأولى من ولادته (عليه السلام) والأزمنة المتقاربة من أيام غيبته (عليه السلام)، وذلك لأن الفراعنة في زمان آل محمد (صلى الله عليه وآله) كانوا دائماً يحاولون إطفاء النور الإلهي.
وحيث أنهم كانوا قد سمعوا أن صاحب الأمر (عليه السلام) سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وقد كان علماء السنة أيضاً رووا هذا الحديث، وكان قد ورد في أخبارهم أيضاً أن اسمه موافق لاسم جده رسول الله (صلى الله عليه آله)... إلى أن قال:...
لهذه الأسباب كان فرعون ذاك الزمان يسعى حثيثاً في طلبه (عليه السلام)، ولأجل ذلك جعلوه (عليه السلام) مختفياً، ونهوا شيعتهم عن ذكر اسمه الشريف وعن مكانه، وقد ورد في بعض الأخبار التصريح بأن علة ترك ذكر الاسم الشريف هو: أنه حيث تحقق عند السلطان أن أبا محمد يعني الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مات ولم يخلف ولداً فإذا ذكر اسمه (عليه السلام) صار في طلبه فاتقوا الله، واحفظوا ألسنتكم عن ذكر اسمه (والحاصل) أن وجه المنع ظاهراً هو هذا، وأما في أمثال زماننا فلا أرى مانعاً عنه ظاهراً (ولو) لم يصرح باسمه واكتفى بالفظ (الحجة) كان أحوط) جامع الشتات: ج2 ص748.
لكن العلامة المجلسي (قدّس سرّه) بعد نقله حديث موسى بن جعفر (عليه السلام) الذي جاء فيه: (ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله (عزَّ وجلَّ) فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً) قال في بحار الأنوار:
(هذه التحديدات مصرحة في نفي قول من خص ذلك بزمان الغيبة الصغرى تعويلاً على بعض العلل المستنبطة والاستبعادات الوهمية) البحار: ج51 ص32.

(٦٧٧)

عن محمد بن صالح الهمداني(753) قال: كتبت إلى صاحب الزمان (عليه السلام): إن أهل بيتي يؤذوني ويقرعونني بالحديث المروي عن آبائك (عليهم السلام) أنهم قالوا: (قوامنا وخدامنا شرار خلق الله) فكتب (عليه السلام):
(ويحكم أما قرأتم قول الله (عزَّ وجلَّ): (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة)(754) ونحن والله القرى التي بارك الله فيها وأنتم القرى الظاهرة(755).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(753) محمد بن صالح بن محمد الهمداني الدهقان قال في جامع الرواة (ج2 ص131):
من أصحاب العسكري (عليه السلام) وكيل الناحية... حكى بعض الثقات بنيشابور أنه خرج لإسحاق بن إسماعيل عن أبي محمد (عليه السلام) توقيع: (يا إسحاق... إلى أن قال فإذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا والذي يقبض من موالينا).
وقد ترجم له الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في رجاله ص436.
والعلامة في خلاصة الرجال ص69.
والكشي في رجاله ص481.
والحر العاملي (قدّس سرّه) في وسائل الشيعة: ج20 ص331.
والحاج ميرزا حسين النوري (قدّس سرّه) ذكره في مستدرك الوسائل: ج3 ص562.
(754) سورة سبأ آية 18.
(755) كمال الدين وتمام النعمة: ج2 ص201 قال: أبي وابن الوليد جميعاً، عن الحميري....

(٦٧٨)