كشف الحق أو الأربعون
تأليف: العالم الجليل محمّد صادق الخاتون آبادي (رحمه الله)
ترجمة وتحقيق: السيد ياسين الموسوي
تقديم: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
فهرست الموضوعات
مقدمة المركز
مقدمة المحقق
سطور من أحوال الخاتون آبادي
عملنا في الكتاب
مقدمة المؤلف
المنهج الأوّل: في أحوال الإمام الثاني عشر (عليه السلام)
ح 1: في بيان ولادته، ووالدته (عليه السلام)
ح 2: إخبار الإمام العسكري (عليه السلام) عن ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)
ح 3: سطع له (عليه السلام) نور في أثناء ولادته
ح 4: كلامه (عليه السلام) حين ولادته
ح 5: أحواله حين ولادته
ح 6: الإمام العسكري (عليه السلام) يعقّ عنه
ح 7: التقاء إبراهيم النيشابوري به في حياة أبيه
ح 8: عرض الإمام العسكري (عليه السلام) ولده (عليه السلام) على أحمد بن إسحاق
ح 9: الإمام الكاظم (عليه السلام) يبشر بالإمام المهدي (عليه السلام)
ح 10: علة قتل خلفاء الجور أئمّة الحق (عليهم السلام)
ح 11: التقاء الأودي به (عليه السلام)
ح 12: إغاثته (عليه السلام) رجلاً صالحاً انقطع عن قافلته
ح 13: ظهور جميع معاجز الأنبياء (عليهم السلام) على يديه (عليه السلام)
ح 14: تفسير العترة في حديث الثقلين
ح 15: ثواب الثابتين على ولايته في عصر الغيبة وذكر بعض من رآه في الغيبة
والله يهدي من يشاء
ح 16: النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) يخبر عن الإمام المهدي (عليه السلام)
ح 17: خلفاء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) الاثني عشر (عليهم السلام) برواية عمار بن ياسر عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)
ح 18: اشتقاق أسمائهم (عليهم السلام) من أسماء الله (عزَّ وجلَّ)
ح 19: حديث جندل بن جنادة اليهودي والمفضل بن عمر
ح 20: ثواب من أقرّ بإمامة الأئمة (عليهم السلام)
ح 21: يجب العمل بالتقية إلى يوم خروج القائم (عليه السلام)
ح 22: عقيدة السيد عبد العظيم الحسني رضي الله عنه
ح 23: حديث الشيخ محمّد بن عبد الجبار عن ولادة الحجة (عليه السلام)
ح 24: حديث دعبل الخزاعي مع الإمام الرضا (عليه السلام)
ح 25: ثواب المؤمنين في الغيبة
ح 26: الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) برواية الإمام الصادق (عليه السلام)
ح 27: كل إمام منهم (عليهم السلام) قائم بأمر الله (جلَّ جلاله)
ح 28: من العلامات الحتمية قبل ظهوره (عليه السلام)
ح 29: الاستعاذة من فتن آخر الزمان
ح 30: خروج الخراساني والسفياني واليماني
ح 31: علامات ظهور صاحب الأمر (عليه السلام)
ح 32: أنصار المهدي (عليه السلام)
ح 33: متى يظهر القائم (عليه السلام)؟
ح 34: علامات الظهور في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)
ح 36: السلطان العادل هو الإمام منهم (عليهم السلام)
ح 36: بوفاة المهدي انتهاء الدنيا
ح 37: أحوال المهدي (عليه السلام) بعد أن يظهر
ح 38: إذا ظهر المهدي (عليه السلام) يحمل معه حجر موسى بن عمران (عليه السلام)
ح 39: إذا ظهر المهدي (عليه السلام) يعطى لكل واحد من أصحابه قوة أربعين رجلاً
ح 40: ظهور الخيرات في دولته
ح 41: إذا قام القائم أشرقت الأرض بنوره
المنهج الثاني: في إثبات الرجعة
مصادر التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة المركز:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
الاعتقاد بالمهدي المنتظر (عليه السلام) من الأمور المجمع عليها بين المسلمين، بل من الضروريّات التي لا يشوبها شك.(1)
وقد جاءت الأخبار الصحيحة المتواترة عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنّ الله تعالى سيبعث في آخر الزمان رجلاً من أهل البيت (عليهم السلام) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وجاء أنّ ظهوره من المحتوم الذي لا يتخلّف، حتّى لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد، لطوّل الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتّى يظهر.
وكيف وأنّى يتخلّف وعد الله (عزَّ وجلَّ) في إظهار دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون؟ وكيف لا يحقّق - تعالى - وعده للمستضعفين المؤمنين باستخلافهم في الأرض وبتمكين دينهم الذي ارتضى لهم، وإبدالهم من بعد خوفهم أمناً، ليعبدونه - تعالى - لا يشركون به شيئاً.
وقد أجمع المسلمون على أنّ المهديّ المنتظر (عليه السلام) من أهل البيت (عليهم السلام)، وأنّه من ولد فاطمة (عليها السلام). وأجمع الإماميّة - ومعهم عدد كبير من علماء السنّة - أنّه من ولد الإمام الحسين (عليه السلام)، وأجمعوا - ومعهم عدد من علماء السنة - أنّه (عليه السلام) من ولد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فأثبتوا اسمه ونعته وهويته الكاملة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) روي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: من أنكر خروج المهديّ فقد كفر بما أنزل على محمّد. انظر عقد الدرر: 230؛ عرف المهدي 2: 83؛ الفتاوى الحديثيّة: 27؛ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 175/ ف 12.
هكذا فقد اعتقد الإمامية - ومعهم بعض علماء السنّة - أنّ المهديّ المنتظر قد ولد فعلاً، وأنّه حيّ يرزق، لكنّه غائب مستور، وماذا تنكر هذه الأمّة أن يستر الله (عزَّ وجلَّ) حجّته في وقت من الأوقات؟ وماذا تنكر أن يفعل الله تعالى بحجّته كما فعل بيوسف (عليه السلام)، أن يسير في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه، حتّى يأذن الله (عزَّ وجلَّ) له أن يعرّفهم بنفسه كما أذن ليوسف (قالُوا أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي).(2)
أو لم يخلّف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في أمتّه الثقلين: كتاب الله وعترته، وأخبر بأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض؟ أو لم يخبر (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنّه سيكون بعده اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، وأنّ عدد خلفائه عدد نقباء موسى (عليه السلام)؟ وإذا كان الله تعالى لم يترك جوارح الإنسان حتّى أقام لها القلب إماماً لتردّ عليه ما شكّت فيه، فيقرّ به اليقين ويبطل الشكّ، فكيف يترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم.(3) وحقّاً (لا تَعْمَى الأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).(4)
ولا ريب أنّ للعقيدة الشيعيّة في المهدي المنتظر (عليه السلام) - وهي عقيدة قائمة على الأدلّة القويمة العقليّة والنقليّة - رجحاناً كبيراً على عقيدة من يرى أنّ المهدي المنتظر لم يولد بعد، يقرّ بذلك كلّ من ألقى السمع وهو شهيد إلى قول الصادق المصدّق (صلّى الله عليه وآله وسلم): من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتةً جاهليّة.(5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) يوسف: 9؛ والاستدلال منتزع من الكافي 1: 337.
(3) انظر محاججة مؤمن الطاق مع عمرو بن عبيد؛ كمال الدين 1: 207 - 209/ ح 23.
(4) الحجّ: 46.
(5) حديث مشهور تناقله علماء الطرفين في مجاميعهم الحديثية بتعابير تتّفق في مضمونها - انظر - على سبيل المثال - مسند أحمد 3: 446 و4: 96؛ المعجم الكبير للطبراني 12: 337، و19: 335 و338، و20: 86؛ طبقات ابن سعد 5: 144؛ مصنّف ابن أبي شيبة 8: 598/ ح 42. وانظر تفاسير الطرفين، في تفسير آية (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أناسٍ بِإِمامِهِمْ) أي بإمام زمانهم. انظر الفردوس للديلمي 5: 528/ ح 8982.
ناهيك عن أنّ من معطيات الاعتقاد بالإمام الحيّ أنّها تمنح المذهب غناءً وحيويّة لا تخفى على من له تأمّل وبصيرة.(6)
ولا ريب أنّ إحساس الفرد المؤمن أنّ إمامه معه يعاني كما يعاني، وينتظر الفرج كما ينتظر، سيمنحه ثباتاً وصلابة مضاعفة، ويستدعي منه الجهد الدائب في تزكية نفسه وتهيئتها ودعوتها إلى الصبر والمصابرة والمرابطة، ليكون في عداد المنتظرين الحقيقيين لظهور مهديّ آل محمد عليه وعليهم السلام، خاصّة وأنّه يعلم أنّ اليمن بلقاء الإمام لن يتأخرّ عن شيعته لو أنّ قلوبهم اجتمعت على الوفاء بالعهد، وأنّه لا يحبسهم عن إمامهم إلّا ما يتّصل به ممّا يكرهه ولا يؤثره منهم.(7)
ولا يماري أحد في فضل الإمام المستور الغائب - غيبة العنوان لا غيبة المعنون - في تثبيت شيعته وقواعده الشعبية المؤمنة حراستها، كما لا يماري في فائدة الشمس وضرورتها وإن سترها السحاب. كيف، ولولا مراعاته ودعائه (عليه السلام) لاصطلمها الأعداء ونزل بها اللأواء، لا يشكل أحد من الشيعة أنّ إمامه أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء.(8)
وقد وردت روايات متكاثرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تنصبّ في مجال ربط الشيعة بإمامهم المنتظر (عليه السلام)، وجاء في بعضها أنه (عليه السلام) يحضر الموسم فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه،(9) وأنّه (عليه السلام) يدخل عليهم ويطأ بسطهم،(10) كما وردت روايات جمّة في فضل الانتظار، وفي فضل إكثار الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ فيه فرج الشيعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) انظر كلام المستشرق الفرنسي الفيلسوف هنري كاربون في مناقشاته مع العلاّمة الطباطبائي في كتاب (الشمس الساطعة).
(7) انظر: الاحتجاج للطبرسي 2: 325؛ بحار الأنوار 53: 177.
(8) قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض. انظر علل الشرايع 1: 123؛ كمال الدين 1: 205/ ح 17 - 19.
(9) وسائل الشيعة 11: 135؛ بحار الأنوار 52: 152.
(10) الكافي للكليني 1: 337/ ح 4.
وقد عني مركز الدراسات التخصّصيّة في الإمام المهديّ (عجَّل الله فرجه) بالاهتمام بكلّ ما يرتبط بهذا الإمام الهمام (عليه السلام)، سواءً بطباعة ونشر الكتب المختصّة به (عليه السلام)، أو إقامة الندوات العلميّة التخصصيّة في الإمام (عجَّل الله فرجه) ونشرها في كتيبات أو من خلال شبكة الانترنيت ومن جملة نشاطات هذا المركز نشر سلسلة التراث المهدويّ، ويتضمّن تحقيق ونشر الكتب التراثية المؤلّفة في الإمام المهديّ (عجَّل الله فرجه)، من أجل إغناء الثقافة المهدويّة، ورفداً للمكتبة الإسلاميّة الشيعيّة.
والكتاب الذي بين يديك - عزيزي القارئ - هو واحد من هذه السلسلة التراثية قام بترجمته وتحقيقه سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة السيد ياسين الموسوي دامت بركاته والمركز إذ يتقدم بالشكر الجزيل لسماحته لقيامه بتحقيق هذا السفر القيم والمصدر الهام من مصادر المعرفة المهدوية ورافداً مهماً من روافد عقيدة الانتظار يسره أن يقدم للمكتبة الإسلامية الإنتاج السادس من سلسلة التراث المهدوي.
السيد محمد القبانچي
مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام)
النجف الأشرف
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقّق:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمَّد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم ومنكري فضائلهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
سجَّل المهتمون في القضايا المهدوية كتاب: كشف الحقّ (أربعون الخاتون آبادي) على رأس المصادر الأساسية في دراساتهم الاختصاصيَّة منذ تأليف الكتاب وليومنا الحاضر، وقد يكون السبب الذي عمَّق هذه الأهمية تفرّده بقدم الروايات التي نقلها من مصادرها الصحيحة والمعتبرة والتي عاث بوجودها المفسدون فأتلفوا نسخها، أو أخفوها؛ وتقع على رأس القائمة كتب الشيخ الأقدم الفضل بن شاذان، والطرابلسي وغيرهما.
وكانت بعض نسخ تلك الكتب موجودة إلى عصر العلامة المجلسي حيث نقل منها معاصره السيِّد الميردامادي في كتابه كفاية المهتدي، ولخص بعضها العلامة الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة، والنسخة المخطوطة بخط يده موجودة في مكتبة مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) في إيران.
وقد تحدَّثنا في مقدمة كتاب مختصر كفاية المهتدي عن أهمية كتب الفضل بن شاذان، ولا أحب التكرار في هذا المقام.
ولكننا عند تتبعنا بتتبع كتاب (أربعون الخاتون آبادي) لفتتْ انتباهنا حالة التشابه الكبيرة باتحاد الروايات المنقولة في الكتابين، مع تطابق عبارات الترجمة إلى حدٍّ كبير قد توحي للمتتبع أنَّ الثاني قد نقل من الأوَّل بأسلوب
الاختصار، ولكننا لم نجد في طيَّات الأربعين ولا إشارة واحدة لذلك، ولعله نتيجة التسامح العادي الذي كان مقبولاً في تلك العصور.
ومهما يكن الحال فسوف لا ينقص من فضل كتاب الأربعون وأهميِّته شيئاً، فهو الكتاب الذي ساهم إلى حدٍّ كبير بحفظ أحاديث الفضل المهمة، بالإضافة إلى احتوائه على زيادات البرهنة والاستدلال، وجمعه متفرقات الروايات من المصادر المهمة الشيعية والسنية، وتخصيصه تحت عنوان (المنهج الثاني) منهجاً ثانياً في موضوع الرجعة، وهو المنهج الثاني؛ وكل واحدٍ من هذه الأمور يكشف جانباً إبداعياً من عبقرية التأليف والمؤلف.
سطور من أحوال الخاتون آبادي:
هو السيِّد المير محمَّد صادق بن السيِّد محمَّد رضا الحسيني الخاتون آبادي.
قال في حقِّه الشيخ عبَّاس القمي في منتهى الآمال في أحوال أولاد الإمام السجَّاد (عليه السلام) ما تعريبه:
السيِّد المير محمَّد صادق: عالمٌ، فاضلٌ، كاملٌ، ورعٌ، تقيٌّ، نقيٌّ، جامعٌ للمعقول والمنقول، وكان مدرساً في أغلب العلوم، وكان أكثر علماء البلاد من تلامذته، وكان إمام مسجد عبَّاس الجامع في أصفهان مدَّة اثنتين وثلاثين سنةً.
وكان أزهد أهل زمانه، وصام أربعين سنة، وكان يكتفي في عيشه على أدنى الأشياء.
ولم يدخل طول عمره في مجلس الحكَّام والسلاطين إلّا في ليلة واحدةٍ حينما أراد أن يتباحث مع ميرزا علي محمَّد الباب في منزل معتمد الدولة منوچهر خان فحضر السيِّد مع فحول علماء أصفهان.
وبعد انتصار هذا المرحوم، ودحر الميرزا علي محمَّد ألَّف كتاب الأربعون هذا مع رسالة الرجعة ليستفيد الخواصُّ وعوام الناس لئلا يسقط
العميان في حفر الضلالة والغواية، وليعرفوا وليَّ العصر وحجة وقته أرواحنا فداه، ولا يصغوا إلى الدعاوى الباطلة.
وقد أخذ الفقه والأصول من المحقق القمِّي، والشيخ محمَّد تقي صاحب حاشية المعالم؛ والكلام من المولى علي النوري، والملا محراب، والآخوند الملا إسماعيل الخواجوئي.
وكانت ولادته في سنة 1207؛ ووفاته في ليلة الرابع عشر من شهر رجب 1272.
عملنا في الكتاب:
1 - ترجمنا الكتاب إلى اللغة العربية عن النسخة الفارسية المنشورة عن مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام) - بنياد بعثت، في خريف (پاييز) 1361 هجري شمسي، بتصحيح السيد داود الميرصابري.
وقد حاولنا أن نحتفظ بالمعنى واللفظ المقابل للغة أصل الكتاب.
2 - أرجعنا الروايات والنقولات العربية إلى مصادرها، ولذلك لم نحتفظ بترجمة أصل الكتاب لأننا اعتبرنا تلك الترجمة كانت بالمعنى وليست ترجمة حرفية بعد أن رأينا وضوح ذلك بالتتبع والاستقراء.
نعم! فإننا قد أشرنا في الهامش إلى ذلك في الموارد التي احتملنا فيها أنها نسخة بدل.
3 - حاولنا أن نحقق روايات الفضل بما هو موجود في كفاية المهتدي، والمصادر الأخرى التي نقلتها، وعلّمنا هذه الروايات باللون الأسود لتتميز عن غيرها نظراً لأهميتها التي أشرنا إليها سابقاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
السيد ياسين الموسوي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة المؤلّف:
الحمد لله الذي جعل بيده مقاليد الثواب والعقاب، وإليه مرجع الأمور في المبدأ والمآب، وصيَّرنا من المنتظرين لفرج آل محمدٍ صلّى الله عليهم أجمعين، والصلاة والسلام على مَنْ اختاره الله مِنْ بريته، وعلى الأصفياء مِنْ أولاده الأنجبين الذين نطق بفضلهم الكتاب؛ صلاةً دائمةً إلى يوم الحساب، خصوصاً ابن عمِّه أمير المؤمنين مبيِّن الخطاب.
أمَّا بعد: فيقول تراب أقدام أرباب الحق؛ ابن محمد رضا، محمد صادق الحسيني الخاتون آبادي حشرهما مع أجدادهما الأطيبين:
من غير الخفي على طلاب مناهج الحق واليقين، وسالكي طريق المعرفة بالتحقيق أنَّ من جملة المسائل الضرورية في مذهب الإمامية الإثني عشرية: معرفة أحوال الإمام الثاني عشر، خاتم الأوصياء الطاهرين من حين ولادته إلى وقت ظهوره، والأمور التي تتعلق برجعته (عليه السلام) ورجعة خامس آل العباء سيِّد الشهداء، ورجعة خاتم الأوصياء محمد المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك باقي أئمّة الهدى سلام الله عليهم أجمعين.
وانَّ فهم ذلك هو من أهم الأمور، وأوجب المهمّات على كل إنسان من العوام والخواص.
كما أنَّ الإطلاع على الأحاديث المتعلقة برجعة الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين مثمرٌ للفيوضات الربّانية، ومنتجٌ لبدائع الخلقة للحضرة السبحانية.
فيجب على كل إنسان أن يبذل جدَّه، وجُهْدَه بمقدار ما تسعه الطاقة البشريّة لتحصيلها، ولا يهبط همته بفهمها.
فانقدح في ذهني القاصر أن أؤلف بتوفيق الله سبحانه رسالةً مختصرةً في هذا الباب، وأجمع في الأثناء أربعين حديثاً من الأحاديث المعتبرة المأثورة عن الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين بحيث يمكن أن يستفيد منها كل شريف ودنيٍ، وينتفع من فوائدها؛ وأن تحتوي على سبب غيبته ببيان واضحٍ، يتناسب وفهم الطالبين.
وكان ذلك من بركات عهد، وأوان، وثمرات الأمن والأمان، لأيام الدولة العظمى الخوالي السعيدة، وسلطنة سلطان سلاطين العالم، وباسط مهاد الأمن والأمان، مظهر الجود الربّاني، وارث الملك السليماني، ملجأ سلاطين كامكار، ملاذ الخوانين، مجمع القدرة والاقتدار على الجور والظلم، ممهد أساس العدل والتمكين، مشيِّد بناء الشرع الرفيع (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)(11) السلطان بن السلطان، والخاقان بن الخاقان، سمي خاتم الأنبياء، السلطان محمد شاه قاجار خلَّد الله مُلكه، ومدَّ الله ظِلال جلاله على رؤوس الأنام، ومتَّع الله المؤمنين ببقائه إلى ظهور دولة خاتم الأوصياء صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين؛ وقد وصل إلى نظره الشريف، آملاً أن يحظ بقبول طبعه الأقدس، وأن يعود ثوابه لهذا العهد ذي الآثار المباركة.
وسميتُه بـ كشف الحق.
وقد دعا هذا الحقير إلى تحرير هذه الرسالة المختصرة وتسجيل فضائل وخصائص ومعجزات وأحوال خاتم الأوصياء وصاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه) وغرائب زمان الغيبة وأحوال و علائم ظهوره وكيفية رجعته ورجعة خاتم الأنبياء محمد المصطفى، وخامس آل العباء سيد الشهداء، وباقي أئمّة الهدى سلام الله عليهم أجمعين، ليكون له ذخيرةً يوم المعاد،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) الأنعام: 83.
وراجياً من الله تعالى أن يصل الشيعة بقراءة، وسماع هذه الرسالة إلى معرفة أحواله (عليه السلام)، ويقفوا على علوِّ مرتبة هذا الإمام، وسموِّ درجته حتى لا يكونوا من مصداق هذا الحديث الذي هو من الأحاديث المتواترة، والذي يقول: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليةً).
وفي الحقيقة: أنَّه بحكم من أدرك زمان الإسلام ولم يسلم، وسوف يكون بعداد الكفار.
ولأن هناك بعض الناس مِنَ الخاصّة مَنْ حشر نفسه في مقام التحقيق في أحوال الغيبة، والرجعة، والإمامة وليست له معرفة برجعة نبيّ آخر الزمان محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وسائر أئمّة الهدى بالخصوص الإمام الحسين (عليهم السلام).
وأنَّ أكثر الناس لا يدرون، بل قد لم يسمعوا بها، مع أنَّ هذه المسألة من جملة العقائد الدينية، ومن ضروريات مذهب الشيعة الاثني عشرية.
وقد تذكر في أفواه بعض الجهّال الذي يعتبر نفسه من العلماء بعض الأقوال في أحواله (عليه السلام) والتي توجب تشويش العقائد؛ فما أصنع، فعيون العالم عمياء؟! فخدعوا بعضهم، فحرفوهم عن الاعتقادات الحقّة، وابتلوا بالعقائد الفاسدة.
فقام هذا الحقير بتنضيد سمط تحرير هذه الرسالة، وسعى بالقدر المقدور في هداية المتشوشين، والمنحرفين في العقائد؛ وأن لا أكون مهملاً في نشر أحاديث أهل البيت.
والله الموفِّق والمعين
في أحوال الإمام الثاني عشر صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه) من يوم ولادته وغيبته الصغرى وغيبته الكبرى وظهوره وعلامات ظهوره، وأحواله (عليه السلام) في عصر الظهور، وأحوال باقي الخلائق في عصر الظهور.
وسوف تجيء كل هذه الأحوال في ضمن أربعين حديثاً لأجل أن ندرج في منطوق الحديث الذي رواه مجموعة من علماء الشيعة والسنة بطرقٍ مختلفة، وأسانيد متفرقة من المؤالف والمخالف في مَنْ وصَفَ، وسجَّل، وحفظ أربعين حديثاً.
ومن جملة ذلك ما رواه السيّد العظيم الشأن الحسن بن الحمزة العلوي الطبري عليه الرحمة الملقَّب بالمرعشي في كتاب الغيبة بسندٍ صحيحٍ عن الإمام العسكري (عليه السلام) انَّه قال:
(مَنْ حَفَظَ أربعينَ حَدِيثاً في أمر دينهم بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً).
وفي بعض الروايات: (فيما ينفعهم في أمر دينهم).
وفي بعضها الآخر: (أربعين حديثاً ينتفعون بها)، من دون تقييد بأمر الدين.
وروي في بعضها في تتمة الحديث: (مَنْ روى على أمَّتي أربعين حديثاً كُنْتُ شَفِيعاً له يوم القيامة).
وقال الشيخ سعيد بن إبراهيم بن علي الأردبيلي - وهو من فضلاء المخالفين -:
سمعتُ من كثيرٍ من مشايخ الحديث: أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: (مَنْ حَفَظَ أربعين حديثاً فيما ينتفعون بها كنتُ شفيعاً له يوم القيامة).
يعني: الأحاديث الواردة في حقِّ أهل البيت (عليهم السلام).
وقال الشافعي، وأحمد - وهما من أئمّة النواصب الأربعة -:
إنَّ مقصود الرسول هو: أنّ من حفظ أربعين حديثاً من أحاديث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) في مناقب الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين يبعثه الله يوم القيامة ويحشره من الفقهاء والعلماء.
وقال أحمد بن حنبل بعد ذلك: رأيت رسول الله في المنام أنَّه قال: يا أحمد! لا تشك في هذا القول.
فإذا كان أحمد بن حنبل قائلاً - أحياناً - إنَّ مَنْ حَفَظَ أربعين حديثاً في مناقب الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين يبعث من الفقهاء، والعلماء؛ فإنَّ أولياء، ومحبِّي، وشيعة أهل البيت ليس عندهم شك أبداً.
وأوضح حُجَّة عند البرايا * * * إذا كان الشهود هم الخصوم
الحديث الأوّل: في بيان ولادته، ووالدته (عليه السلام)
قال أبو محمد بن شاذان عليه الرحمة:
حدَّثنا محمد بن عبد الجبار قال: (قلت لسيدي الحسن بن علي (عليهما السلام): يا بن رسول الله! جعلني الله فداك؛ أحبُّ أن اعلم أنَّ الإمام، وحجة الله على عباده مَنْ بعدك؟
قال (عليه السلام): إنَّ الإمام مِنْ بَعْدِي ابني؛ سمِيُّ رسول الله، وكنيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلم)؛ الذي هو خاتم حجج الله، وآخر خلفائه.
فقلت: ممَّنْ يتولد هو يا بن رسول الله؟
قال: من ابنة قيصر ملك الروم؛ ألا انَّه سيولد، فيغيب عن الناس غيبةً طويلةً، ثمَّ يظهر، ويقتل الدَّجال؛ فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً؛ فلا يحلّ لِأحَدٍ أن يسمِّيه، أو يكنِّيه قبل خروجه صلوات الله عليه). وروى الشيخان الجليلان؛ الشيخ محمد بن بابويه القمي، والشيخ الطوسي رحمة الله عليهما في كتابيهما الغيبة(12) بسندٍ معتبر عن بشر بن سليمان النخاس الذي كان من ولد أبي أيوب الأنصاري ومن خاصَّة شيعة الإمام علي النقي (عليه السلام)، وجاره في سرَّ من رأى؛ قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) الظاهر أنّ مقصوده من الغيبة للشيخ الصدوق انَّه كتاب كمال الدين.
(... بينما أنا ذات ليلةٍ في منزلي بسرَّ من رأى، وقد مضى هويٍّ من الليل إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعاً فإذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن عليِّ بن محمد (عليهما السلام) يدعوني إليه، فلبست ثيابي، ودخلت عليه، فرأيته يحدِّث ابنه أبا محمّد وأخته حكيمة من وراء الستر؛ فلمّا جلست قال: يا بشر! انك من ولد الأنصار، وهذه ولاية لم تدل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت، واني مزكيكم ومشرفكم بفضيلة تسبق بها شاؤ الشيعة في الموالاة بها؛ بسر أطلعك عليه، وأنفذك في ابتياع أمّة، فكتب كتابة ملصقاً بخط رومي، ولغة رومية، وطبع عليه بخاتمه، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا، فقال: خذها، وتوجه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وبرزن الجواري منها فستحدق بهن طوائف المبتاعين من وكلاء قواّد بني العباس وشراذم من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلك فاشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرتين صفيقتين، تمتنع من السفور ولمس المعترض، والانقياد لمن يحاول لمسها ويشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها النخّاس فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنها تقول: واهتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين علّي بثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول بالعربية: لو برزت في زيّ سليمان وعلى مثل سرير ملكه ما بدت فيك رغبة فاشفق على مالك، فيقول النخّاس: فما الحيلة ولا بدّ من بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي (إليه و) إلى أمانته وديانته، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له: إنّ معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخّط روميّ ووصف فيه كرمه ونبله وسخاءه فناولها لتتأمل من أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ورضيته، فأنا وكيله في ابتياعها منك. قال بشر بن سليمان النخّاس: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديداً، وقالت لعمر بن يزيد النخّاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت
بالمحرّجة المغلّظة إنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحّه في ثمنها حتى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عليه السلام) من الدنانير في الشستقة الصفراء، فاستوفاه منّي وتسلّمتُ منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفتُ بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاها (عليه السلام) من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدّها وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها، فقلت: تعجباً منها: أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟ قالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء أعرني سمعك وفرغ لي قلبك أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون، أنبئك العجب العجيب إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين ومن القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل ومن ذوي الأخطار سبعمائة رجل وجمع من أمراء الأجناد وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهو ملكه عرشاً مسوغاً من أصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكفاً ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، وتقوّضت الأعمدة فانهارت إلى القرار، وخرَّ الصاعد من العرش مغشيّاً عليه، فتغيَّرت ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدِّي: أيُّها الملك! أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدَّالة على زوال الدين المسيحي، والمذهب الملكاني.
فتطيَّر جدِّي من ذلك تطيِّراً شديداً، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه لأزوِّج منه هذه الصبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.
فلمَّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأوّل؛ وتفرَّق الناس، وقام جدِّي مغتمّاً، ودخل قصره وأرخيت الستور.
فأريت في تلك الليلة كأن المسيح وشمعون، وعدَّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدِّي، ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علوّاً، وارتفاعاً في الموضع الذي كان جدِّي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) مع فتية، وعدَّة من بنيه، فيقوم إليه المسيح فيعتنقه، فيقول: يا روح الله! إنِّي جئتك خاطباً من وصيِّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا؛ وأومأ بيده إلى أبي محمّد صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلى شمعون، فقال له: قد أتاك الشرف، فصل رحمك برحم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
قال: قد فعلت.
فصعد ذلك المنبر، وخطب محمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وزوَّجني، وشهد المسيح (عليه السلام)، وشهد بنو محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، والحواريون.
فلمَّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقصَّ هذه الرؤيا على أبي وجدِّي مخافة القتل، فكنت أسرَّها في نفسي، و لا أبديها لهم.
وضرب صدري بمحبة أبي محمَّد حتَّى امتنعت من الطعام والشراب، وضعفت نفسي، ودقَّ شخصي، ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلّا أحضره جدِّي، وسأله عن دوائي؛ فلمَّا برَّح به اليأس قال: يا قرَّة عيني؛ فهل تخطر ببالك شهوة فأزوِّدكها في هذه الدنيا؟
فقلت: يا جدِّي أرى أبواب الفرج عليَّ مغلقةً، فلو كشفت العذاب عمَّن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككتَ عنهم الأغلال، وتصدَّقت عليهم، ومننتهم بالخلاص؛ لرجوتُ أن يهب المسيحُ، وأمُّه لي عافيةً، وشفاءً.
فلمَّا فعل ذلك جدِّي تجلَّدتُ في إظهار الصحة في بدني، وتناولتُ يسيراً من الطعام، فسرَّ بذلك جدِّي، وأقبل على إكرام الأسارى، وإعزازهم.
فرأيت أيضاً بعد أربع ليالٍ كأنَّ سيِّدة النساء قد زارتني، ومعها مريم بنت عمران، وألف وصيفة من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيِّدة
النِّساء أمُّ زوجك أبي محمَّد (عليه السلام)، فأتعلَّق بها، وأبكي، وأشكو إليها امتناع أبي محمَّد من زيارتي.
فقالت لي سيِّدة النِّساء (عليها السلام): إنَّ ابني أبا محمَّد لا يزورك وأنت مشركة بالله وعلى مذهب النصارى، وهذه أختي مريم تبرأ إلى الله تعالى من دينك، فإن ملت إلى رضا الله (عزَّ وجلَّ)، ورضا المسيح، ومريم عنك، وزيارة أبي محمَّد إيِّاكِ، فتقولي: (أشهد أن لا اله إلّا الله، وأشهد أنَّ أبي محمَّداً رسول الله).
فلمَّا تكلَّمتُ بهذه الكلمة ضمَّتني سيَّدة النساء إلى صدرها، فطيبت لي نفسي، وقالت: الآن توَّقعي زيارة أبي محمَّد إيِّاكِ، فإنِّي منفذته إليك.
فانتبهتُ، وأنا أقول: وا شوقاه! إلى لقاء أبي محمَّد.
فلمَّا كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمَّد (عليه السلام) في منامي، فرأيته كأنِّي أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبِّك.
قال: ما كان تأخيري عنك إلّا لشركك، وإذ قد أسلمت فإنِّي زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع عنِّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.
قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الأسر؟
فقالت: أخبرني أبو محمَّد ليلةً من الليالي أنَّ جدِّي سيسرب جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا، ثمَّ يتبعهم، فعليكِ باللحاق بهم متنكرة في زيِّ الخدم مع عدَّة من الوصائف من طريق كذا؛ ففعلتُ، فوقعت علينا طلائع المسلمين حتَّى كان من أمري ما رأيت، وما شاهدت، وما شعر أحدٌ بي بأنِّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك، وذلك باطلاعي إيِّاك عليه، وقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته، وقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.
فقلت: العجب إنَّك رومية ولسانك عربيّ؟
قالت: بلغ من ولوع جدِّي، حمله إيِّاي على تعلِّم الآداب أن أوعز إلى
امرأة ترجمان له في الاختلاف إليَّ، فكانت تقصدني صباحاً مساءً، وتفيدني العربية حتَّى استمرَّ عليها لساني واستقام.
قال بشر: فلمَّا انكفأتُ بها إلى سرَّ من رأى دخلتُ على مولانا أبي الحسن العسكريِّ (عليه السلام) فقال لها: كيف أراك الله عزَّ الإسلام، وذلَّ النصرانيَّة، وشرف أهل بيت محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟
قالت: كيف أصف لك يا بن رسول الله ما أنت أعلم به منِّي؟!
قال: فإنِّي أريد أن أكرمك؛ فأيَّما أحبُّ إليك: عشرة آلاف درهم، أم بشرى لك فيها شرف الأبد؟
قالت: بل البشرى.
قال (عليه السلام): فابشري بولدٍ يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً.
قالت: ممَّن؟
قال (عليه السلام): ممَّن خطبك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) له من ليلة كذا، من شهر كذا، من سنة كذا بالرومية.
قالت: مِن المسيح، ووصيِّه.
قال: فممَّن زوَّجك المسيح، ووصيُّه؟
قالت: من ابنك أبي محمَّد.
قال: فهل تعرفينه؟
قالت: وهل خلوت ليلةً من زيارته إيِّاي منذ الليلة التِّي أسلمت فيها على يد سيِّدة النِّساء أمّه.
فقال أبو الحسن (عليه السلام): يا كافور! ادع لي أختي حكيمة.
فلمَّا دخلت عليه قال (عليه السلام) لها: ها هية.
فاعتنقتها طويلاً، وسرَّت بها كثيراً؛ فقال لها مولانا: يا بنت رسول الله! أخرجيها إلى منزلك، وعلمِّيها الفرائض والسنن، فإنَّها زوجة أبي محمَّد، وأمّ القائم (عليه السلام)).(13)
وروى المشايخ العظام أولو الاحترام: محمَّد بن يعقوب الكليني، ومحمَّد بن بابويه القمي، والشيخ أبو جعفر الطوسي، والسيِّد المرتضى، وغيرهم من المحدِّثين بأسانيد معتبرة عن السيِّدة حكيمة رضي الله عنها:
(... زارني ابن أخي، فأقبل يحدق النظر إليها، فقلت له: يا سيدي! لعلك هويتها، فأرسلها إليك؟
فقال لها: لا؛ يا عمَّة، ولكني أتعجَّب منها.
فقلت: وما أعجبك منها؟
فقال (عليه السلام): سيخرج منها ولد كريم على الله (عزَّ وجلَّ) الذي يملأ الله به الأرض عدلاً، وقسطاً؛ كما ملئت جوراً، وظلماً.
فقلت: فأرسلها إليك يا سيدي؟
فقال: استأذن في ذلك أبي (عليه السلام).
قالت: فلبستُ ثيابي، وأتيت منزل أبي الحسن (عليه السلام) فسلَّمتُ، وجلستُ؛ فبدأني (عليه السلام)، وقال: يا حكيمة؛ ابعثي نرجس إلى ابني أبي محمَّد.
قالت: فقلت: يا سيدي؛ على هذا قصدتك على أن استأذنك في ذلك.
فقال لي: يا مباركة؛ إنَّ الله تبارك وتعالى أحبَّ أن يشركك في الأجر، ويجعل لك في الخير نصيباً.
قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعتُ إلى منزلي، وزيَّنتُها، ووهبتها لأبي محمَّد (عليه السلام)، وجمعتُ بينه وبينها في منزلي، فأقام عندي أياماً ثمَّ مضى إلى والده (عليه السلام)، ووجَّهت بها معه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) كمال الدين/ الصدوق: ص 418 - 423/ باب 41/ حديث 1.
ورواه الشيخ الطوسي في الغيبة: ص 208 - 214.
وله مصادر كثيرة ذكرناها في كتابنا: (مولد الإمام القائم المهدي (عجَّل الله فرجه)).
قالت حكيمة: فمضى أبو الحسن (عليه السلام)، وجلس أبو محمَّد (عليه السلام) مكان والده، وكنت أزوره كما كنت أزور والده، فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفِّي، فقالت: يا مولاتي ناوليني خفَّك.
فقلت: بل أنت سيِّدتي، ومولاتي؛ والله لا أدفع إليك خفِّي لتخلعيه، ولا لتخدميني؛ بل أنا أخدمك على بصري.
فسمع أبو محمَّد (عليه السلام) ذلك، فقال: جزاك الله يا عمَّة خيراً.
فجلستُ عنده إلى وقت غروب الشمس، فصحتُ بالجارية، وقلتُ: ناوليني ثيابي لأنصرف، فقال (عليه السلام): لا، يا عمَّة بيتي الليلة عندنا، فإنَّه سيولد الليلة المولود الكريم على الله (عزَّ وجلَّ) الذي يحيي الله (عزَّ وجلَّ) به الأرض بعد موتها.
فقلت: ممَّنْ يا سيدي؛ ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحمل؟!
فقال: من نرجس، لا من غيرها.
قالت: فوثبتُ إليها، فقلَّبتُها ظهراً لبطن، فلم أر بها أثر حمل؛ فعدتُ إليه (عليه السلام) فأخبرتُه بما فعلتُ، فتبسَّم، ثمَّ قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحمل لأنَّ مثَلَها مثل أمّ موسى (عليه السلام) لم يظهر بها الحمل، ولم يعلم بها أحدٌ إلى وقت ولادتها؛ لأنَّ فرعون كان يشقُّ بطون الحبالى في طلب موسى (عليه السلام)، وهذا نظير موسى (عليه السلام).
وفي رواية أخرى إنَّه (عليه السلام) قال: (إنَّا معاشر الأوصياء ليس نحمل في البطون، وإنَّما نحمل في الجنوب، ولا نخرج من الأرحام وإنما نخرج من الفخذ الأيمن من أمهاتنا لأنَّنا نور الله الذي لا تناله الدناسات).
قالت حكيمة: فعدت إليها وأخبرتُها بما قال، وسألتُها عن حالها؛ فقالت: يا مولاتي، ما أرى بي شيئاً من هذا.
قالت حكيمة: فلمَّا أن صلَّيت المغرب والعشاء الآخرة أتيت بالمائدة، فأفطرت أنا وسوسن، وبايَّتُها في بيت واحد، فغفوتُ غفوةً ثمَّ استيقظتُ، فلم
أزل مفكرةً فيما وعدني أبو محمَّد (عليه السلام) من أمر وليِّ الله (عليه السلام)، فقمتُ قبل الوقت الذي كنت أقوم في كل ليلة للصلاة، فصلَّيتُ صلاة الليل حتَّى بلغتّ إلى الوتر، فوَثَبَتْ سوسن فَزِعَةً، وخَرَجَتْ، وأَسْبَغَتْ الوضوء، ثمَّ عادت، فصلَّتْ صلاة الليل، وبَلَغَتْ إلى الوتر، فوقع في قلبي أنَّ الفجر قد قرب؛ فقمتُ لأنظر، فإذا بالفجر الأوّل قد طلع، فتداخل قلبي الشكُّ من وعد أبي محمَّد (عليه السلام)، فناداني من حجرته: لا تشكِّي، وكأنَّك بالأمر الساعة قد رأيته إن شاء الله تعالى.(14)
قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يَدَيَ لا تقلب جنباً إلى جنب؛ حتَّى إذا كان آخر الليل وقت طلوع الفجر، وثَبَتْ فَزِعَةً، فضممتُها إلى صدري، وسمَّيتُ عليها، فصاح أبو محمَّد (عليه السلام)، وقال: اقرئي عليها (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ).
فأقبلتُ أقرأ عليها، وقلت لها: ما حالك؟
قالت: ظهر (بي) الأمر الذي أخبرك به مولاي.
فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ، وسلَّم عليَّ.
قالت حكيمة: ففزعتُ، فصاح بي أبو محمَّد (عليه السلام): لا تعجبي من أمر الله (عزَّ وجلَّ)، إنَّ الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً، ويجعلنا حجَّةً في أرضه كباراً، فلم يستتم الكلام حتَّى غيِّبَتْ عنِّي نرجسٌ، فلم أرها كأنَّه ضُرِبَ بيني وبينها حجابٌ، فعدوتُ نحو أبي محمَّد (عليه السلام) وأنا صارخة، فقال لي: ارجعي يا عمَّة، فإنَّك ستجدينها في مكانها.
قالت: فرجعتُ فلم ألبث أن كُشِفَ الغطاء الذي كان بيني وبينها، وإذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) جاء هذا المقطع في رواية الشيخ الطوسي في غيبته.
أنا بها وعليها من أثر النور ما غشى بصري، وإذا أنا بالصبي (عليه السلام) ساجداً لوجهه جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبَّابتيه، وهو يقول: (أشهد أن لا اله إلّا الله (وحده لا شريك له)، وأنَّ جدِّي محمَّداً رسول الله، وأنَّ أبي أمير المؤمنين، ثمَّ عدَّ إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه).
ثمَّ قال: اللهمَّ أنجز لي ما وعدتني، وأتمم لي أمري، وثبِّت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً. فصاح بي أبو محمَّد (عليه السلام)، فقال: يا عمَّة، تناوليه، وهاتيه.
فتناولته (فإذا به مختوناً طاهراً مطهراً، كتب على ذراعه: (جاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الباطِلُ إِنَّ الباطِلَ كانَ زَهُوقاً))،(15) وأتيت به نحوه؛ فلمَّا مثلتُ بين يدي أبيه وهو على يدي سلَّم على أبيه، فتناوله الحسن (عليه السلام) منِّي، فتناوله وأخرج لسانه، فمسحه على عينيه ففتحها، ثمَّ أدخله في فيه فحنَّكه، ثمَّ أدخله في أذنيه، وأجلسه في راحته اليسرى، فاستوى وليُّ الله جالساً، فمسح يده على رأسه، وقال له: يا بنيَّ انطق بقدرة الله.
فاستعاذ وليُّ الله (عليه السلام) من الشيطان الرجيم، واستفتح: بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) يبدو أن المؤلف قد أضاف هذا المقطع إلى هذه الرواية من الروايات الأخرى التي وردت فيه؛ من جملتها: ما رواه الشيخ الصدوق في: كمال الدين/ ص 425/ باب 42/ حديث (1) عن السيدة حكيمة في مولده (عليه السلام)، إلى أن قال (عليه السلام): فإذا أنا به نظيف متنظف.
وفي: ص434 و435/ باب 44/ حديث 1، بإسناده عن أبي هارون قال: (رأيت صاحب الزمان (عليه السلام) ووجهه يضيء كأنَّه القمر ليلة البدر، ورأيت على سرَّته شعراً يجري كالخط، وكشفت الثوب عنه فوجدته مختوناً، فسألت أبا محمَّد (عليه السلام) عن ذلك، فقال: هكذا ولد، وهكذا ولدنا، ولكنَّا سنمِّر الموسى عليه لإصابة السنَّة).
وروى الشيخ الطوسي في: الغيبة/ ص 239/ فقرة 207، عن السيدة حكيمة في خبر ولادته (عليه السلام) أنها قالت (عليها السلام): (فكشفت عن سيدي، فإذا هو ساجد متلقياً الأرض بمساجده، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب: (جاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الباطِلُ إِنَّ الباطِلَ كانَ زَهُوقاً)، فضممته إليَّ، فوجدته مفروغاً منه، فلففته في ثوب، وحملته إلى أبي محمَّد (عليه السلام)).
* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ).(16)
وصلَّى على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وعلى أمير المؤمنين، والأئمّة (عليهم السلام) واحداً واحداً حتَّى انتهى إلى أبيه.(17)
والطير ترفرف على رأسه، فصاح بطيرٍ منها، فقال له: احمله، وأحفظه، وردَّه إلينا في كلِّ أربعين يوماً.
فتناوله الطير، وطار به في جوِّ السماء، وأتبعه سائر الطير، فسمعت أبا محمَّد (عليه السلام) يقول: استودعك الله الذي أودعته أمُّ موسى، موسى.
فبكت نرجس، فقال لها: اسكتي؛ فإنَّ الرِّضاع محرَّم عليه إلّا من ثدييك، وسيعاد إليك كما ردَّ موسى إلى أمِّه، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (فَرَدَدْناهُ إِلى أمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ).
قالت حكيمة: فقلت: وما هذا الطير؟
قال: هذا روح القدس الموَّكل بالأئمّة (عليهم السلام)، يوَّفقهم، ويسددَّهم، ويربيهم بالعلم.
قالت حكيمة: فلمَّا كان بعد أربعين يوماً رُدَّ الغلام، ووجَّه إليَّ ابن أخي (عليه السلام)، فدعاني؛ فدخلتُ عليه، فإذا أنا بالصبي متحرِّك يمشي بين يديه، فقلت: يا سيدي هذا ابن سنتين؟!
فتبسَّم (عليه السلام) ثمَّ قال: إنَّ أولاد الأنبياء، والأوصياء إذا كانوا أئمّةً ينشؤون بخلاف ما ينشأ غيرهم، وإنَّ الصبيَّ منَّا إذا كان أتى عليه شهرٌ كان كمن أتى عليه سنةٌ، وإنَّ الصبيَّ منَّا ليتكلَّم في بطن أمِّه، ويقرأ القرآن، ويعبد ربَّه (عزَّ وجلَّ)، وعند الرضاع تطيعه الملائكة، وتنزل عليه صباحاً ومساءاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16) وجاءت في المتن جملة إعتراضية من المؤلف رأينا وضعها في الهامش أنسب، وتعريبها: وهذه الآية نازلة وفق الأحاديث المعتبرة بحقِّه (عليه السلام)، وبشأن آبائه (عليهم السلام).
(17) قد نقل المؤلف هذا المقطع من رواية الشيخ الطوسي التي رواها عن السيدة حكيمة (عليها السلام) في خبر مولده (عليه السلام)؛ راجع: الغيبة/ ص 236/ الفقرة 204.
قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبي في كل أربعين يوماً إلى أن رأيته رجلاً قبل مضيِّ أبي محمَّد (عليه السلام) بأيَّام قلائل فلم أعرفه، فقلت لابن أخي (عليه السلام): مَنْ هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟
فقال لي: هذا ابن نرجس، وهذا خليفتي من بعدي، وعن قليلٍ تفقدوني، فاسمعي له وأطيعي.
قالت حكيمة: فمضى أبو محمَّد (عليه السلام) بعد ذلك بأيَّامٍ قلائلٍ، وافترق الناس كما ترى، وواللهِ إنِّي لأراه صباحاً ومساءاً، وإنَّه لينبئني عمَّا تسألون عنه فأخبركم، وواللهِ إنَّي لأريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني به).(18)
وقد روي في كتب الشيعة المعتبرة أكثر من ألف حديث في ولادة الإمام المهدي، وغيبته (عليه السلام)، وأنَّه الإمام الثاني عشر، وأنَّه ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)؛ وكانت أكثر تلك الأحاديث مقرونةً بالمعجزة لأنَّها كانت قد أخبرت بتعاقب الأئمّة (عليهم السلام) إلى الإمام الثاني عشر (عليه السلام)، كما أنَّها كانت قد أخبرت عن خفاء ولادته (عليه السلام)، وأنَّ له غيبتين ثانيتهما أطول من الأولى، وأنَّه (عليه السلام) سوف يولد سرَّاً؛ كما أنَّها كانت قد أخبرت عن جميع خصوصياته، وأنَّ كل الأمور سوف تتحقق.
مع أنَّ هذه الكتب التِّي اشتملت على هذه الأخبار قديمة؛ وهذا بنفسه يفيد العلم، بغض النظر عن تواتر هذه الأخبار من جهات أخرى.
هذا بالإضافة إلى إطلاع جمع كثير على ولادته (عليه السلام)، ورؤية جمع غفير من ثقات الأصحاب جنابه (عليه السلام)، وكان ذلك من يوم مولده الشريف وحتَّى الغيبة الكبرى.
وهذه كلُّها مذكورة في الكتب المعتبرة عند العامة والخاصَّة، وسوف تذكر فيما بعد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(18) راجع: كمال الدين/ الصدوق: ص 326 - 329؛ وجاء في آخره: (وقد أخبرني البارحة بمجيئك إليَّ، وأمرني أن أخبرك بالحقِّ).
وقد ثبِتت ولادته (عليه السلام) مع أكثر الخصوصيات الموجودة في كتب الشيعة، في كتب المخالفين مثل الفصول المهمَّة، ومطالب السَّئوول، وشواهد النبوَّة.
فإذنْ فكما أنَّ ولادة آبائه (عليهم السلام) معلومة، فكذلك فإنَّ ولادته معلومة أيضاً.
وعليه فسوف لا يفيد المخالفين استبعادهم لولادته (عليه السلام) بسبب طول غيبته (عليه السلام)، وخفاء ولادته (عليه السلام)، وطول عمره (عليه السلام)؛ بعد ثبوتها بالأدلة القطعية؛ وأما نفيهم للولادة لمجرَّد الاستبعاد فإنَّه محض سفاهة.
ثمَّ ما وجه الاستبعاد مع أنَّ خلفاء الجور كانوا قد سمعوا أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين كانوا قد أخبروا: أنَّ الإمام الثاني عشر سوف يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وإنَّه سوف يزيل خلفاء الجور والسلاطين الظلمة، وأنَّ الشيعة سوف يتعلقون بانتظار وجوده وظهوره، وإنَّ أولئك الظلمة سوف يسعون لإطفاء هذا النور؛ ولذلك فقد حبسوا الإمام عليّ النقيِّ، والإمام الحسن العسكري صلوات الله عليهم أجمعين في سرَّ من رأى، وكانوا يتتبعونه ويبحثون عن حمله، وولادته (عليه السلام) لأجل إزهاقه؛ فأظهر الحقُّ تعالى كامل قدرته، فستر حمل أمِّه، وأخفى ولادته (عليه السلام) عن الظَلَمَة، وخلفاء الجور، وأبعده بحفظه، وحمايته عن شرِّ الظالمين.
ومع ذلك؛ فإنَّه وكما جعل ولادته (عليه السلام) سرّاً خفيَّاً، ولكنَّه كان أظهرها بالآثار والأخبار للشيعة والموالين والمخالفين فكانت واضحةً كالشمس في رابعة النهار لتتمَّ الحجة على جميع العالمين.
وقد اطلع جمع كثير من المعروفين بأسمائهم على ولادته المباركة، من قبيل السيِّدة حكيمة، والقابلة التي كانت جارتهم في سرَّ من رأى.
وكذلك فقد التقى به (عليه السلام) جماعات كثيرة من حين ولادته إلى وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
وقد ظهرت المعجزات الكثيرة التي تجاوزت حدِّ العدِّ والإحصاء عند ولادة أمّه السيِّدة نرجس (عليها السلام) ولدها الإمام (عليه السلام).
وكان تأريخ مولده الشريف (عليه السلام) على ما هو المشهور عند الخاصَّة والعامَّة: في سنة مائتين وخمسة وخمسين للهجرة.
وكانت وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) - على المشهور - في سنة مائتين وستّين للهجرة.
فكان له (عليه السلام) حين وفاة أبيه (عليه السلام) - على القول المشهور - خمس سنين.
ومع ذلك فقد ظهرت منه (عليه السلام) المعجزات وغرائب الأحوال.
الحديث الثاني: (إخبار الإمام العسكري (عليه السلام) عن ولادة المهدي (عليه السلام)):
قال أبو محمَّد بن شاذان (رحمه الله):
حدَّثنا محمَّد بن حمزة بن الحسن بن عبد الله بن العبَّاس بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال: سمعت أبا محمَّد (عليه السلام) يقول:
(قد ولد وليُّ الله، وحجَّتُه على عباده، وخليفتي من بعدي، مختوناً، ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين عند طلوع الفجر، وكان أوَّل مَنْ غسَّله رضوان خازن الجنان مع جمع من الملائكة المقرَّبين بماء الكوثر، والسلسبيل، ثمَّ غَسَّلتْه عمَّتي حكيمة بنت محمَّد بن علي الرضا (عليهما السلام). قال: أمُّه مليكة التي يقال لها بعض الأيام سوسن، وفي بعضها ريحانة، وكان صقيل، ونرجس أيضاً من أسمائها).
الحديث الثالث: (سطع له نور في أثناء ولادته):
وقال ابن بابويه (رحمه الله): حدَّثنا محمَّد بن إبراهيم بن إسحاق الطَّالقاني قال: حدَّثنا الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السلام، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمَّد
بن خليلان، قال: حدَّثنا أبي عن أبيه عن غياث بن أسيد، قال: سمعتُ محمَّد بن عثمان العَمْرِي قدَّس الله روحه يقول:
لمَّا ولد الخلف المهدي صلوات الله عليه سطع نورٌ من فوق رأسه إلى (أعنان)(19) السماء، ثمَّ سقط لوجهه ساجداً لربِّه (عزَّ وجلَّ)، ثمَّ رفع رأسه وهو يقول: (اشهد الله أنَّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولي العلم قائماً بالقسط لا إله إلّا هو العزيز الحكيم).
قال: وكان مولده يوم الجمعة.
الحديث الرابع: (كلامه (عليه السلام) حين ولادته):
قال الشيخ الصدوق أبو جعفر بن علي بن الحسين قدس سره:
حدَّثنا محمَّد بن ماجيلويه، وأحمد بن محمَّد بن يحيى العطَّار قالا: حدَّثنا محمَّد بن يحيى، قال: حدَّثنا الحسن(20) بن علي النيشابوري، عن إبراهيم بن محمَّد بن عبد الله بن موسى بن جعفر بن محمَّد (عليهم السلام)، عن السيَّاري قال: حدَّثني نسيم، ومارية قالتا:
(لمَّا سقط صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) من بطن أمِّه، سقط جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبَّابتيه إلى السماء، ثمّ عطس، فقال: الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّد وآله؛ زعمت الظلمة أنَّ حجَّة الله داحضة، لو أذِنَ لي في الكلام لزال الشكُ).
قال إبراهيم بن محمَّد بن عبد الله:
وحدَّثتني نسيم خادمة أبي محمَّد (عليه السلام) قالت: قال لي صاحب الزَّمان (عليه السلام)، وقد دخلت بعد مولده بليلة، فعطستُ عنده، فقال لي: يرحمك الله.
قالت نسيم: ففرحتُ بذلك، فقال لي (عليه السلام): ألا أبَشِّرك في العطاس؟
فقلت: بلى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(19) هذه الزيادة في نسخة المصدر المطبوعة، ولا توجد في نسخة الكتاب.
(20) في المصدر: الحسين، بدل الحسن.
فقال: هو أمان من الموت ثلاثة أيام).
وروى أبو علي الخيزراني عن جارية للإمام العسكري (عليه السلام):
(لمَّا ولد القائم (عليه السلام)(21) رأيت(22) له نوراً ساطعاً قد ظهر منه، وبلغ أفق السماء، ورأيتُ طيوراً بيضاء تهبط من السماء، وتمسح أجنحتها على رأسه، ووجهه، ثمَّ تطير.
فأخبرنا أبا محمَّد بذلك، فضحك، ثمَّ قال: تلك ملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج).(23)
وفي تتمة هذا الحديث برواية أخرى(24) رواها ابن بابويه عن طريف الخادم أنَّه قال:
(دخلت على صاحب الزَّمان (عجَّل الله فرجه)(25) فقال: عليَّ بالصندل الأحمر.
فأتيته به؛ ثمَّ قال: أتعرفني؟
قلت: نعم.
فقال: مَنْ أنا؟
فقلت: أنت سيِّدي، وابن سيِّدي.
فقال: ليس عن هذا سألتك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) في المصدر: لما ولد السيِّد، بدل القائم.
(22) في المصدر: رأت، بدل رأيت.
(23) كمال الدين/ الصدوق: ص 431/ باب 42، حديث 7.
(24) ذكر الشيخ الصدوق في المصدر هذه الرواية بشكل مستقل عن الرواية الأولى، وليست متممة لها؛ فبعدما ذكر الرواية الأولى التي عنونها مؤلف كتابنا هذا تحت رقم الحديث الرابع، وأنهاها بكلمة: من الموت ثلاثة أيام؛ أتبع هذه الرواية بالرواية التالية حيث قال: وبهذا الإسناد، عن إبراهيم بن محمَّد العلوي قال: حدَّثني طريف أبو نصر (نصير خ. ل)... الخ.
(25) في أصل هذا الكتاب كانت في ترجمة العبارة زيادة مؤداها: دخلت في حجرة كان صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في مهد في تلك الحجرة... الخ؛ والظاهر أنَّ الزيادة وقعت بسبب الترجمة، وليست من أصل الرواية، والله تعالى العالم.
قال طريف: فقلت: جعلني الله فداك فبيِّن لي.
قال: أنا خاتم الأوصياء، وبي يدفع الله (عزَّ وجلَّ) البلاء عن أهلي وشيعتي).(26)
الحديث الخامس: (أحواله (عليه السلام) حين ولادته):
قال الشيخ الجليل محمَّد بن الحسن الطوسي نوَّر الله مرقده:
وفي رواية أخرى عن جماعة من الشيوخ:
أنَّ حكيمة حدَّثت بهذا الحديث (أي حديث ولادة الصاحب (عليه السلام))، وذكرت: (إنَّه كانت ليلة النصف من شعبان، وأنَّ أمّه نرجس؛ وساقت الحديث إلى قولها: فإذا أنا بحسِّ سيِّدي، وبصوت أبي محمَّد (عليه السلام) وهو يقول: يا عمَّتي! هاتي ابني إليَّ.
فكشفت عن سيِّدي، فإذا هو ساجد متلقِّياً الأرض بمساجده، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب (جاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الباطِلُ إِنَّ الباطِلَ كانَ زَهُوقاً)، فضممته إليَّ، فوجدته مفروغاً منه، فلففته في ثوب، وحملته إلى أبي محمَّد (عليه السلام)).
وذكروا الحديث إلى قوله: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله، وأنَّ علياً أمير المؤمنين حقَّاً، ثمَّ لم يزل يعدّ السادة الأوصياء إلى أن بلغ إلى نفسه، ودعا لأوليائه بالفرج على يديه، ثمَّ أحجم.
وقالت: (ثمَّ رفع بيني، وبين أبي محمَّد (عليه السلام) كالحجاب، ولم أر سيِّدي، فقلت لأبي محمَّد (عليه السلام): يا سيِّدي! أين مولاي؟!
فقال: أخذه مَنْ هو أحقّ منكِ، ومنَّا.
ثمَّ ذكروا الحديث بتمامه، وزادوا فيه:
فلمَّا كان بعد أربعين يوماً دخلتُ على أبي محمَّد (عليه السلام)، فإذا مولانا الصاحب (عليه السلام) يمشي في الدار، فلم أر وجهاً أحسن من وجهه، ولا لغةً أفصح من لغته.
فقال أبو محمَّد (عليه السلام): هذا المولود الكريم على الله (عزَّ وجلَّ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(26) كمال الدين: ص 431/ باب 43/ حديث 12.
فقلت: سيَّدي، أرى من أمره ما أرى وله أربعون يوماً؟!
فتبسَّم، وقال: يا عمَّتي، أما علمت إنَّا معاشر الأئمّة ننشؤ في اليوم ما ينشؤ غيرنا في السنة.
فقمت وقبَّلتُ رأسه، وانصرفت، ثمَّ عدت، وتفقدته، فلم أره، فقلت لأبي محمَّد (عليه السلام): ما فعل مولانا؟
فقال: يا عمَّة، استودعناه الذي استودعته أمُّ موسى (عليه السلام)).(27)
وقد ورد في روية أخرى: أنَّ الإمام العسكري ينقل... (أسكتي فإنَّ الرضاع يحرم عليه إلّا من ثدييك، ويعاد إليك كما ردَّ موسى (عليه السلام) إلى أمِّه، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (فَرَدَدْناهُ إِلى أمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ).(28)
الحديث السادس: (الإمام العسكري (عليه السلام) يعق عنه):
قال الشيخ الصدوق أبو جعفر بن بابويه (رحمه الله):
حدَّثنا محمَّد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدَّثنا محمَّد بن يحيى العطار قال: حدَّثني إسحاق بن روح البصري، عن أبي جعفر العَمْرِي قال:
(لمَّا ولد السيِّد (عليه السلام)، قال أبو محمَّد صلوات الله عليه: ابعثوا إليَّ بأبي عمرو.
فبعث إليه؛ فقال له: اشتر عشرة آلاف رطل خبزاً، وعشرة آلاف رطل لحماً، وفرِّقه؛ (أحسبه قال: على بني هاشم) وعقَّ عنه بكذا، وكذا شاة).(29)
الحديث السابع: (التقاء إبراهيم النيشابوري به (عليه السلام) في حياة أبيه):
قال الفضل بن شاذان:
حدَّثنا إبراهيم بن محمَّد بن فارس النيشابوري، قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) الغيبة/ الطوسي: ص 239 و240/ تحت فقرة 207.
(28) القصص: 13.
(29) كمال الدين: ص 430/ باب 42/ حديث 6.
(لمَّا همَّ الوالي عمرو بن عوف بقتلي - وهو رجل شديد النَّصب، وكان مولعاً بقتل الشيعة - فأخْبِرْت بذلك، وغلب عليَّ خوف عظيم؛ فودَّعتُ أهلي، وأحبَّائي، وتوجَّهتُ إلى دار أبي محمَّد (عليه السلام) لأودعه، وكنت أردتُ الهرب.
فلَّما دخلتُ عليه رأيت غلاماً جالساً في جنبه، وكان وجهه مضيئاً كالقمر ليلة البدر، فتحيَّرتُ من نوره، وضيائه، وكاد أن أنسى ما كنت فيه من الخوف، والهرب، فقال: يا إبراهيم! لا تهرب؛ فإنَّ الله تبارك وتعالى سيكفيك شرَّه.
فازداد تحيُّري، فقلت لأبي محمَّد (عليه السلام): يا سيِّدي؛ جعلني الله فداك، من هو، وقد أخبرني عمَّا في ضميري؟
فقال: هو ابني، وخليفتي من بعدي، وهو الذي يغيب غيبةً طويلةً، ويظهر بعد امتلاء الأرض جوراً، وظلماً، فيملأها قسطاً وعدلاً.
فسألته عن اسمه؛ قال: هو سميّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وكنيّه، ولا يحلّ لأحد أن يسمّيه باسمه، أو يكنيه بكنيته إلى أن يظهر الله دولته، وسلطنته؛ فاكتم يا إبراهيم ما رأيت وسمعت منَّا اليوم إلّا عن أهله.
فصلَّيت عليهما وآبائهما، وخرجتُ مستظهراً بفضل الله تعالى، واثقاً بما سمعتُه من الصاحب (عليه السلام).
فبشَّرني علي بن فارس: بأنَّ المعتمد قد أرسل أبا أحمد أخاه، وأمره بقتل عمرو بن عوف.
فأخذه أبو أحمد في ذلك اليوم، وقطَّعه عضواً عضواً، والحمد لله ربِّ العالمين).
الحديث الثامن: (عرض الإمام العسكري ولده (عليه السلام) على أحمد بن إسحاق):
قال الصدوق عليه الرحمة:
حدَّثنا علي بن عبد الله الوراق، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال:
(دخلتُ على أبي محمَّد الحسن بن علي (عليهما السلام) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده؛ فقال لي مبتدءاً: يا أحمد بن إسحاق! إنَّ الله تبارك وتعالى لَمْ يخل الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام)، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجَّة لله على خلقه؛ به يدفع البلاء من أهل الأرض، وبه ينزِّل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض.
قال: فقلت له: يا بن رسول الله؛ فمن الخليفة، والإمام بعدك؟
فنهض (عليه السلام) مسرعاً، فدخل البيت، ثمَّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين؛ فقال: يا أحمد بن إسحاق! لولا كرامتك على الله (عزَّ وجلَّ)، وعلى حججه ما عرضتُ عليك ابني هذا، إنَّه سميُّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وكنيُّه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
يا أحمد بن إسحاق! مثله في هذه الأمة كمثل الخضر (عليه السلام)، ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبنَّ غيبةً لا ينجو من الهلكة فيها إلّا مَنْ ثبَّته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته، ووفَّقه للدعاء بتعجيل فرجه.
قال أحمد بن إسحاق: قلت: يا مولاي، هل من علامة يطمئن إليها قلبي؟
فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربيٍّ فصيح، فقال: أنا بقيَّة الله في أرضه، المنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين، يا أحمد بن إسحاق.
فخرجت فرحاً مسروراً، فلمَّا كان الغد عدُّت إليه، فقلت: يا ابن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت عليَّ، فما السنَّة الجارية فيه من الخضر، وذي القرنين؟
فقال: طول الغيبة، يا أحمد.
فقلت له: يا ابن رسول الله، وإنَّ غيبته لتطول؟
قال: إي وربِّي حتَّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، فلا يبقى إلّا مَنْ أخذ الله عهده بولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه.
يا أحمد بن إسحاق! هذا أمر من أمر الله جلَّت عظمته، وسرٌّ من سرِّ الله،
وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا (غداً)(30) في عليين).(31)
اللهمَّ ارزقنا جوار أصفيائك الطاهرين.
الحديث التاسع: (الإمام الكاظم (عليه السلام) يبشر بالمهدي (عليه السلام)):
قال ابن بابويه في كتاب كمال الدين:
حدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن صالح بن السندي، عن يونس بن عبد الرحمن، قال:
دخلت على موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فقلت له: يا بن رسول الله، أنت القائم بالحق؟
قال: أنا القائم بالحق؛ لكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله (عزَّ وجلَّ)، ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتدّ فيها قوم، ويثبت فيها آخرون.
ثمَّ قال (عليه السلام): طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا أولئك منَّا، ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمّةً، ورضينا بهم شيعةً؛ فطوبى لهم، والله إنَّهم معنا في درجتنا يوم القيامة).(32)
والسلام على من اتبع الهدى.
الحديث العاشر: (علة قتل خلفاء الجور أئمة الحق (عليهم السلام)):
قال أبو محمَّد بن شاذان عليه الرحمة:
حدَّثنا أبو عبد الله بن الحسين بن سعد الكاتب رضي الله عنه قال أبو محمَّد (عليه السلام):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) هذه الزيادة في المصدر.
(31) كمال الدين: ص 384 و385/ باب 38/ حديث 1.
(32) كمال الدين: ص 361/ باب 34/ حديث 4.
قد وضع بنو أميَّة، وبنو العبَّاس سيوفهم علينا لعلَّتين:
إحداهما: إنَّهم كانوا يعلمون ليس لهم في الخلافة حقّ، فيخافون من ادِّعائنا إيَّاها، وتستقرّ في مركزها.
وثانيتهما: إنَّهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أنَّ زوال ملك الجبابرة، والظلمة على يد القائم منَّا، وكانوا لا يشكُّون أنَّهم من الجبابرة، والظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وإبادة(33) نسله طمعاً منهم في الوصول إلى القائم (عليه السلام)، أو قتله؛ فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم إلّا أن يتمّ نوره ولو كره المشركون.
ويؤيد هذا الحديث ما نقله الشيخ الطوسي، والشيخ الطبرسي، والشيخ الراوندي، وجمع كثير غيرهم عن رشيق المادرائي.
وقد ذكر سابقاً في مولده الشريف أنَّه كانت ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) في سنة مائتين وخمس وخمسين للهجرة، وكانت وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) - على المشهور - في سنة مائتين وستين، فيكون قد قضى من عمره الشريف خمس سنوات؛ وعليه فإنَّه صار إماماً وله من العمر خمس سنوات، ومع ذلك فقد ظهرت منه المعجزات، وغرائب الأحوال (عليه السلام).
وكانت له غيبتان أحداهما الصغرى، والأخرى الكبرى.
وكان يرفع له (عليه السلام) في غيبته الصغرى جمع من سفرائه، ونوَّابه رقاعاً، ومسائل الناس، ويأتون بالأجوبة بخطه الشريف.
كما كان (عليه السلام) يقبض الخمس، والنذور التي يبعثها شيعته، ويأمر بإيصالها إلى السادات، وفقراء الشيعة، وكان يعيّن لجماعة كثيرة عطايا سنوية يتقاضونها كل سنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(33) وفي نسخة أخرى: إبارة؛ بدل إبادة.
عن رشيق المادرائي(34) قال:
بعث إلينا المعتضد(35) ونحن ثلاثة نفر فأمرنا أن يركب كلّ واحد منّا فرساً ونجنب آخر، ونخرج مخفيّن لا يكون معنا قليل ولا كثير إلّا على السرج مصلّى، وقال لنا: الحقوا بسامرّة، ووصف لنا محلّة وداراً، وقال: إذا أتيتموها تجدون على الباب خادماً أسود فاكبسوا الدار، ومن رأيتم فيها، فأتوني برأسه.
فوافينا سامرّة، فوجدنا الأمر كما وصفه، وفي الدهليز خادم أسود، وفي يده تكّة ينسجها؛ فسألناه عن الدار، ومَنْ فيها، فقال: صاحبها. فو الله ما التفت إلينا، وقَلَّ اكتراثه بنا.
فكبسنا الدار كما أمِرنْا، فوجدنا داراً سِرِيَّة،(36) ومقابل الدار ستر ما نظرتُ قطّ إلى أنبل منه، كأنّ الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت، ولم يكن في الدار أحد.
فرفعنا الستر، فإذا بيت كبير كأنّ بحراً فيه ماء، وفي أقصى البيت حصير قد علمنا انّه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة، قائم يصلّي، فلم يلتفت إلينا، ولا إلى شيء من أسبابنا.
فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطّى البيت، فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه فخلّصته، وأخرجته، وغشي عليه، وبقي ساعة. وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل، فناله مثل ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(34) هكذا في: منتخب الانوار المضيئة/ للنيلي: ص 140؛ وفي: كشف الاستار/ للنوري: ص 212؛ الغيبة/ للطوسي: ص 248 - 250: (رشيق صاحب المادرائي)؛ وفي: الخرائج/ الراوندي: ج 1/ ص 460/ ح 5: (رشيق حاجب المادرائي).
(35) إذا كان المقصود من الخبر ان المعتضد قد بعث اليهم في زمن خلافته فيقتضي ان يكون في الخبر تصحيف للمعتمد، لانه قد بويع للمعتضد بالخلافة في يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 279 بينما توفي الامام العسكري (عليه السلام) في سنة 260 هـ إلّا اللهم ان يقال ان المعتضد بعث اليهم في خلافة عمّه المعتمد، وهو ممكن بشكل عام.
(36) سريّة: مُرَفهّة.
وبقيت مبهوتاً، فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلى الله، وإليك، فو الله ما علمت كيف الخبر، ولا إلى من أجيء، وأنا تائب إلى الله.
فما التفت إلى شيء مما قلنا، وما إنفتل عمّا كان فيه. فها لنا ذلك، وانصرفنا عنه، وقد كان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدّم إلى الحُجّاب: إذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان.
فوافيناه في بعض الليل، فأدخلنا عليه، فسألنا عن الخبر، فحكينا له ما رأينا، فقال: ويحكم، لقيكم أحدٌ قبيل، ورجى منكم إلى أحد سبب، أو قول؟
قلنا: لا.
فقال: أنا نفيّ من جدي، وحلف بأشدّ إيمان له إنّه رجل أن بلغه هذا الخبر ليضربنّ أعناقنا.
فما جسرنا أن نحدّث به إلّا بعد موته.(37)
الحمد لله الذي يصون حجته من شرّ الأعداء، والسلام على من اتبع الهدى.
كما ظهرت معاجز كثيرة من سفرائه ولَّدت عند الناس يقيناً أنَّهم منصوبون من قبله (عليه السلام)؛ من قبيل أنَّهم كانوا يخبرون بمقدار المال، واسم الشخص الذي أرسله، ويخبرون عن ما وقع لهم في الطريق؛ وينبئون عن الموت والمرض وسائر الأحوال التي سوف تقع في المستقبل، وبالفعل فإنَّه سوف يحدث كما قالوا.
وقد التقى به (عليه السلام) جماعة كثيرة من غير السفراء في الغيبة الصغرى.
وكانت مدَّة هذه الغيبة أربعاً وسبعين سنة تقريباً؟
وكان له سفراء كثيرون، أمَّا السفراء المعروفون الذين كانت الشيعة تعرفهم، وترجع إليهم بشكل دائمي فكانوا أربعةً:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(37) راجع: الغيبة/ الطوسي: ص 248 - 250/ تحت فقرة 218؛ وفي: الخرائج/ الراوندي: ج 1/ ص 460/ ح 5؛ وفي: كشف القمة/ الأربلي: ج 2/ ص 499؛ وفي: منتخب الأنوار المضيئة/ النيلي: ص 140؛ وفي: فرج المهموم/ السيد بن طاووس: ص 248.
أوَّلهم: عثمان بن سعيد الأسدي.
وكان من أصحاب الإمام علي النقي، والإمام الحسن العسكري (عليهما السلام)، وكانا (عليهما السلام) قد وثَّقاه، وقالوا للشيعة أنَّ كلَّ ما يقوله حقٌّ، وأنَّه يقول عنهم (عليهم السلام).
وقد أقاموا أبا جعفر محمَّد بن عثمان مقامه بعد وفاته بنصِّ الإمام الحسن العسكري، وبنصِّ الإمام علي النقي، وقد كتب الإمام صاحب الزَّمان رسالةً بعد وفاة عثمان جاء فيها:
(إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون؛ تسليماً لأمره، ورضاً بقضائه، عاش أبوك سعيداً، ومات حميداً، ف(رحمه الله)، وألحقه بأوليائه، ومواليه (عليهم السلام)، فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقرِّبه إلى الله (عزَّ وجلَّ)، وإليهم؛ نضَّر الله وجهه، وأقاله عثرته).
وفي فصلٍ آخر:(38)
(أجزل الله لك الثَّواب، وأحسن لك العزاء؛ رزئت ورزئنا، وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسرَّه الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفه مِنْ بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحَّم عليه، وأقول الحمد لله، فإنَّ الأنفس طيِّبة بمكانك، وما جعله الله (عزَّ وجلَّ) فيك وعندك، أعانك الله، وقوّاك، وعضدك، ووفَّقك، وكان لك ولياً، وحافظاً، وراعياً، وكافياً، ومعيناً).(39)
وقد خرجت للشيعة عدَّة تواقيع رفيعة من الناحية المقدَّسة اشتملت على سفارته (عليه السلام)؛ وقد أجمعت الشيعة على نيابته، وعدالته، وكانت الشيعة ترجع إليه، وتظهر منه المعجزات، وصنَّف كتباً في الفقه ممَّا سمعه من الإمام الصاحب (عليه السلام)، ومن الإمام الحسن (عليه السلام)، برواية ابنته أمّ جعفر، وآخرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(38) يبدو أنَّ المؤلف (رحمه الله) قد حذف هذه العبارة من الترجمة، فأوصل النصّ دون أن تتخلله هذه العبارة.
(39) كمال الدين: ص510/ باب 45/ حديث 41؛ وفي: الغيبة/ الطوسي: ص 361/ تحت فقرة 323.
انتقل إلى رحمة الله تعالى في سنة ثلاثمائة وخمس.
وحينما قربت وفاته أمر الإمام الصاحب (عليه السلام) أن يقوم أبو القاسم الحسين بن روح مقامه.
وكان لجعفر بن أحمد بن متيل خصوصية كبيرة عند محمَّد بن عثمان، وكان يوكل إليه أكثر أمور الإمام (عليه السلام)، حتَّى أنَّ أكثر الناس كانوا يظّنون أنَّه النائب بعده.
وروى جماعات كثيرة من الشيعة أنَّه: عندما قربت وفاة محمَّد بن عثمان جمع وجوه الشيعة، وقال لهم:
إن حدث عليَّ حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أمِرْتُ(40) أن أجعله في موضعي بعدي، فارجعوا إليه، وعوِّلوا في أموركم عليه.(41)
فرجعت إليه جميع الشيعة، وكان يشغل منصب السفارة أكثر من إحدى وعشرين سنةً ترجع الشيعة إليه.
وكان يستعمل التقيَّة بالمقدار الذي جعل أكثر السنة يعتقدون أنَّه منهم، ويحبُّونه حبَّاً شديداً.
ارتحل إلى رياض الجنَّة في شهر شعبان سنة ثلاثمائة وستٍ وعشرين، وأقام مقامه الشيخ الجليل علي بن محمَّد السَّمري بأمر الحجَّة، فتعلَّقت به النيابة المباركة، وقام بأمر النيابة ثلاث سنين.
وانتقل إلى رحمة الله تعالى في النصف من شعبان سنة ثلاثمائة وتسعة وعشرين، وهي سنة تناثر النجوم التي ارتحل فيها أكثر علماء ومحدِّثي الشيعة إلى عالم البقاء.
وبوفاته ابتدأت الغيبة الكبرى، وانقطعت آثار الإمامة ظاهراً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(40) في الترجمة زيادة: من قبل الصاحب (عليه السلام).
(41) الغيبة/ الطوسي: ص 371/ تحت فقرة 341.
وكان ارتحال ثقة الإسلام محمَّد بن يعقوب الكليني، ورئيس المحدِّثين علي بن بابويه رضي الله عنهما إلى عالم البقاء في هذه السنة.
وروى محمد بن علي بن الحسين بن بابويه هذا الخبر بهذا النَّحو؛ كما رواه الشيخ الطوسي، وآخرون: عن الحسن بن أحمد المكتَّب قال:
كنت بمدينة السلام في السنة التي توّفى فيها الشيخ علي بن محمَّد السمريُّ قدَّس الله روحه، فحضرته قبل وفاته بأيَّام، فأخرج إلى النَّاس توقيعاً نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا عليَّ بن محمَّد السَّمري!
أعظم الله أجر إخوانك فيك؛ فإنَّك ميِّت ما بينك وبين ستة أيَّام.
فاجمع أمرك، ولا توص لأحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة،(42) فلا ظهور إلّا بعد إذن الله (عزَّ وجلَّ)، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة، ألا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني، والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّة إلّا بالله العليِّ العظيم).
قال:(43)
فنسخنا هذا التوقيع، وخرجنا من عنده؛ فلمَّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيِّك من بعدك؟
فقال: لله أمرٌ هو بالغه.(44)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(42) الغيبة/ الطوسي: ص 317/ تحت فقرة 341.
(43) في الترجمة زيادة: الحسن؛ وهو اسم الراوي، وهو تصرف مسموح به من باب الترجمة بالمعنى.
(44) في الترجمة زيادة: يعني الغيبة الكبرى.
ومضى رضي الله عنه، فهذا آخر كلامٍ سُمِعَ منه.(45)
يقول المؤلف: الذي يظهر من أحاديث عدَّة أنَّ الغيبة الكبرى تطول جداً، وانَّ الإمام المهدي سوف يخرج بعد طول انتظار كبير.
وقد روى العَّامة في كتبهم أحاديث خروج الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بطرق متواترة؛ كما في جامع الأصول حيث روى عن صحيح البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي: عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: والذي نفسي بيده؛ ليوشكنَّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، فيكسر الصَّليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتَّى لا يقبله أحدٌ.
ثمَّ قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): كيف أنتم إذا نزل ابن مريم (فيكم) وإمامكم منكم.(46)
وعن مسند أبي داود، والترمذي ما روياه عن ابن مسعود عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: لو لم يبق من الدنيا إلّا يومٌ واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(45) راجع كمال الدين/ الصدوق: باب 45/ حديث 44/ ص 516؛ الغيبة/ الطوسي: ص 395/ تحت الفقرة: 365؛ الخرائج والجرائح/ للقطب الراوندي: ج 3/ ص 1128؛ الصراط المستقيم/ البياضي: ج 2/ ص 236؛ كشف الغمة/ الأربلي: ج 2/ ص 530 وغيرها.
(46) صحيح البخاري: ج 4/ ص 143، ج 3/ ص 40/ ص 107؛ صحيح مسلم: ج 1/ ص 93؛ سنن الترمذي: ج 3/ ص 34؛ السنن الكبرى/ البيهقي: ج 6/ ص 101، ج 9/ ص 180؛ شرح مسلم/ للنووي: ج 2/ ص 189؛ فتح البخاري/ لعسقلاني: ج 6/ ص 355 و365، ج 13/ ص 72؛ الديباح/ السيوطي: ج 1/ ص 177؛ التحفة/ للاحوذي: ج 6/ ص 405؛ عون المعبود/ العظيم آبادي: ج 11/ ص 308 و309 و314؛ المسند/ أبو داود الطيالسي/ ص 303؛ المصنف/ عبد الرزاق الصنعاني: ج 11/ ص 399؛ الصحيح/ لابن حبان: ج 15/ ص 230؛ كنز العمال/ الهندي: ج 14/ ص 332؛ تفسير ابن كثير: ج 1/ ص 591؛ الدر المنثور/ السيوطي: ج 2/ ص 242؛ العلل/ الدارقطني: ج 9/ ص 189 و190؛ تاريخ مدينة دمشق/ لابن عساكر: ج 47/ ص 490 و491؛ كتاب الفتن/ نعيم بن حماد المروزي: ص 350 - 352؛ ينابيع المودة/ القندوزي: ج 3/ ص 259 - 268.
الله رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.(47)
وفي رواية أخرى قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): لا تذهب الدنيا حتَّى يملك العرب رجلٌ من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.(48)
ورووا عن أبي هريرة، عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم): لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لطول الله تلك الليلة حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.(49)
وعن سنن أبي داود؛ روى عن أم سلمة: أنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: المهديُّ من عترتي من ولد فاطمة.(50)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(47) السنن/ أبو داود الطيالسي: ج 2/ ص 309 عن عبد الله بن مسعود؛ وفي: المعجم الكبير/ للطبراني: ج 10/ ص 168/ ح 10230 عن عبد الله بن مسعود، وفي: تحفة الأشراف/ للنووي: ج 7/ ص 23/ ح 9208 عن أبي داود، والترمذي عن عبد الله بن مسعود؛ الفصول المهمة/ لابن الصباغ المالكي: ص 291؛ البيان/ الشافعي: ص 482؛ عقد الدرر/ ص 27.
(48) جامع الصحيح/ الترمذي: ج4/ ص245/ تحت رقم 2230.
(49) المعجم الكبير/ الطبراني: ج 10/ ص 166/ حديث 10224؛ وفي: الجامع الصحيح/ الترمذي: ج 4/ ص 245/ ح 2231 عن عبد الله عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: (يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي).
قال عاصم: وأخبرنا أبو صالح، عن أبي هريرة قال: (لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي...).
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وراجع: البدء والتاريخ/ للمقدسي: ج 2/ ص 180؛ الملاحم/ لابن المنادي: ص 41؛ أخبار أصبهان/ لأبي نعيم: ج 1/ ص 329؛ عقد الدرر: ص 28؛ مطالب السؤول/ لابن طلحة الشافعي: ج 2/ ص 81؛ كنز العمال/ المتقي الهندي: ج 14/ ص 271/ حديث 38692؛ الإذاعة لأشراط الساعة: ص 125؛ تحفة الأحوذي: ج 6/ ص 486؛ وفي: صحيح ابن حبان: ج 7/ ص 576/ ح 5922: (لو لم يبق من الدنيا إلّا ليلة لملك فيه رجل من أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)).
(50) السنن/ لأبي داود: ج 2/ ص 310/ حديث 4284؛ وفي: السنن/ لابن ماجة: ج 2/ ص1368/ حديث 4086 عن أم سلمة: (المهدي من ولد فاطمة)؛ وفي: المستدرك/ للحاكم النيسابوري: ج 4/ ص 557؛ وفي: تحفة الأحوذي: ج 6/ ص 403؛ وفي: المعجم الكبير/ للطبراني: ج 23/ ص 267/ بإسناده عن أم سلمة قالت: (ذكر المهدي عند النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال(صلّى الله عليه وآله وسلم): من ولد فاطمة رضي الله عنها.
وروى الحافظ أبو نعيم وهو من محدِّثي العامَّة المشهورين أربعين حديثاً من صحاحهم.
كما روى أبو نعيم عن حذيفة، وأبي أمامة الباهلي: كأنَّ وجهه كوكب دريّ، في خدِّه الأيمن خال أسود.(51)
وروى عبد الرحمن بن عوف أنَّه (عليه السلام): أفرق الثنايا.(52)
وقال عبد الله بن عمر: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): يخرج المهديُّ وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهديّ فاتبعوه. (ويصلِّي خلفه عيسى (عليه السلام)).(53)
وكتب الشافعي - وهو من علماء العامَّة - كتاباً في باب ظهور المهديّ (عليه السلام)، ونقل علاماته، وصفاته، وهو يحتوي على خمس وعشرين باباً، وقال: إنِّي رويتها جميعها من غير طرق الشيعة.
وروي في كتاب شرح السنَّة للحسين بن مسعود البغوي - وهو من كتب العامَّة المعتبرة والمشهورة - خمسة أحاديث في أوصافه من صحاحهم.
وروي في المصابيح - وهو معروف الحال بين العامَّة - خمسة أحاديث في خروج المهديّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(51) راجع: المعجم الكبير/ للطبراني: ج 8/ ص 102؛ مجمع الزوائد/ الهيثمي: ج 7/ ص 319؛ كنز العمال/ المتقي الهندي: ج 14/ ص 268؛ لسان الميزان/ العسقلاني: ج 4/ ص 383؛ الاصابة/ لابن حجر: ج 6/ ص 71؛ كشف الغمة/ الاربلي: ج 3/ ص 269 و289؛ ينابيع المودة/ القندوزي الحنفي: ج 3/ ص 296 و384.
(52) راجع عنه: كشف الغمة/ الاربلي: ج 3/ ص 269.
(53) كشف الغمة/ الاربلي: ج 3/ ص 270.
ونقل بعض علماء الشيعة مائة وستة وخمسين حديثاً في هذا الباب من الكتب المعتبرة عند العامَّة.
وروى أبو داود، والترمذي عن أبي سعيد الخدري أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: (المهدي منِّي أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويملك سبع سنين).
وقال أبو سعيد: خشينا أن يكون بعد نبيِّنا حدثٌ فسألنا نبيَّ الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال: (إنَّّ في أمَّتي المهديّ يخرج يعيش خمساً، أو سبعاً، أو تسعاً - زيدٌ الشاك.
قال: قلنا: وما ذاك؟
قال: سنين.
قال: فيجيء إليه الرجل، فيقول: يا مهديّ أعطني.
قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله).(54)
وعن سنن الترمذي: روى أبو إسحاق من طريق أبي إسحاق قال: قال علي رضي الله عنه ونظر إلى ابنه الحسين، فقال: إنَّ ابني هذا سيِّد كما سمَّاه النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وسيخرج من صلبه رجل يسمّى باسم نبيكم (صلّى الله عليه وآله وسلم) يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق. (وسيملأ الأرض عدلاً).(55)
الحديث الحادي عشر: (التقاء الأوديّ به (عليه السلام)):
قال عماد الدين أبو جعفر بن بابويه (رحمه الله) في كتاب كمال الدين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(54) السنن/ لأبي داود: ح 4285؛ السنن/ الترمذي: ج 4/ ص 246/ حديث 223؛ السنن/ لابن ماجة: حديث 4083؛ تحفة الأحوذي في شرح الترمذي/ للحافظ المباركفوري: ج 6/ ص 403.
(55) العمدة/ لابن بطريق: ص 234/ ح 912؛ الطرائف/ لابن طاووس: ج 1/ ص 177 حديث 279؛ السنن/ لابن داوود: ج 2/ ص 311/ حديث 4290؛ تحفة الأحوذي بشرح الترمذي: ج 6/ ص 403؛ عون المعبود: ج 11/ ص 250؛ الدر المنثور/ السيوطي: ج 6/ ص 58.
حدَّثنا محمَّد بن إبراهيم بن إسحاق الطَّالقاني رضي الله عنه قال: حدَّثنا أبو القاسم عليُّ بن أحمد الخديجيّ الكوفيّ، قال: حدَّثنا الأوديّ،(56) قال: بينا أنا في الطواف، وقد طفت ستَّاً، وأنا أريد أطوف السَّابع، فإذا (أنا)(57) بحلقة عن يمين الكعبة، وشابّ حسن الوجه، طيِّب الرائحة، هيوب، وهو مع هيبته متقرِّب إلى النَّاس يتكلم، فلم أر أحسن من كلامه، ولا أعذب من منطقه، وحسن جلوسه. فذهبت أكلِّمه، فزبرني النَّاس فسألت بعضهم: مَنْ هذا؟
فقالوا: هذا ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؛ يظهر (للنَّاس)(58) في كلِّ سنة يوماً لخواصِّه يحدِّثهم.(59)
فقلت: يا سيِّدي! أتيتك مسترشداً،(60) فأرشدني هداك الله (عزَّ وجلَّ).
فناولني حصاةً، فحوَّلت وجهي، فقال لي بعض جلسائه: ما الذي دفع إليك؟
فقلت: حصاة؛ فكشفت عنها، فإذا أنا بسبيكة ذهب، فذهبت، فإذا أنا به (عليه السلام) قد لحقني، فقال لي: ثبتت عليك الحجَّة، وظهر لك الحقُّ، وذهب عنك العمى؛ أتعرفني؟
قلت: لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(56) هكذا في الترجمة، ولكن في المصدر المطبوع: الأزديّ، وهو كذلك في الخرائج: ج2/ ص 784/ حديث 110؛ وفيه: عن عليِّ بن إبراهيم الفدكي عن الأزديِّ.
وفي الغيبة/ الطوسي: ص253/ تحت رقم 223/ عليّ بن إبراهيم الفدكي قال: قال الأوديُّ.
والأزدي هو الصحيح، وهو: أحمد بن الحسين بن عبد الملك، أبو جعفر الأزديّ (الأوديّ خ. ل) كوفيّ، ثقة. قاله النجاشي في رجاله، والشيخ في فهرسته.
(57) هذه الزيادة في المصدر، وفي غيبة الطوسي.
(58) لا توجد هذه الزيادة في المصدر المطبوع، وهي موجودة في المتن، كما هي موجودةٌ في غيبة الطوسي.
(59) في غيبة الطوسي زيادة: ويحدِّثونه.
(60) في المصدر: مسترشداً أتيتك؛ وفي غيبة الطوسي: مسترشداً أتاك.
فقال (عليه السلام): أنا المهدي، وأنا قائم الزَّمان، أنا الذي أملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، إنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة، ولا يبقى النَّاس في فترة، وهذه أمانة لا تحدِّث بها إلّا إخوانك من أهل الحقِّ.(61)
اللهمَّ اجعلنا من أنصاره، وأشياعه، وأتباعه.
الحديث الثاني عشر: (إغاثته (عليه السلام) رجلاً صالحاً انقطع عن قافلته):
قال الحسن بن حمزة العلويّ الطَّبريّ قدَّس الله سرَّه في كتابه الموسوم بالغيبة:
حدَّثنا رجلٌ صالح من أصحابنا قال:
خرجتُ سنة من السِّنين حاجَّاً إلى بيت الله الحرام، وكانت سنة شديدة الحرّ، كثيرة السّموم فانقطعت عن القافلة، وضللت الطَّريق، فغلب عليَّ العطش حتَّى سقطتُ، وأشرفت على الموت، فسمعتُ صهيلاً، ففتحتُ عيني، فإذا أنا بشاب حسن الوجه، حسن الرائحة، راكباً على دابَّة شهباء، فسقاني ماءاً أبرد من الثَّلج، وأحلى من العسل، ونجَّاني من الهلاك.
فقال: يا سيِّدي! مَنْ أنت؟
قال: أنا حجَّة الله على عباده، وبقيَّة الله في أرضه، أنا الذي أملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
أنا ابن الحسن بن عليّ بن محمَّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمَّد ابن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام).
ثمَّ قال: اخفض عينك؛ ثمّ قال: افتحهما.
ففتحتهما، فرأيت نفسي في قدَّام القافلة، ثمَّ غاب من نظري صلوات الله عليه.
صلوات الله عليه، وعلى آبائه، وعلى جميع الأنبياء، والأوصياء، والسلام على من اتَّبعهم الشيعة الاخلاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(61) كمال الدين/ الصدوق: ص444/ باب 43/ حديث 18؛ وفي: الغيبة/ الطوسي: ص253/ تحت رقم 223.
الحديث الثالث عشر: (ظهور جميع معاجز الأنبياء (عليهم السلام) على يديه (عليه السلام)):
حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن أبي نصر رضي الله عنه،(62) قال: حدَّثنا حمَّاد بن عيسى، قال: حدَّثنا عبد الله بن أبي يعفور، قال أبو عبد الله جعفر بن محمَّد (عليه السلام): ما من معجزة من معجزات الأنبياء، والأوصياء إلّا يظهر الله تبارك وتعالى مثلها على يد قائمنا لإتمام الحجَّة على الأعداء.
تأييد تنبيهي:
روى ابن بابويه عليه الرحمة أنَّ سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمِّي قال: صادف يوماً أن تحدَّثت مع أحد المخالفين،وجرت المناظرة بيننا في الإمامة إلى أن وصل البحث أن قال المخالف: هل دخل أبو بكر، وعمر الإسلام طوعاً، ورغبةً؛ أم بالجبر، والإكراه؟
ففكرت فإذا قلت كان عن جبر، كان يقصدني بالطعن، وإذا قلت طوعاً يقول: المؤمن لا يصير كافراً بعد إيمانه؛ فداريته واحتججت بشغل لي، وقدَّمت له جواباً في حينه، ثمَّ ذهبت إلى أحمد بن إسحاق لأتحقق من ذلك؛ فقيل أنَّه ذهب إلى سامراء لزيارة إمامه،فرجعت إلى البيت وكان عندي فرساً فركبته،فتبعته، ولحقت به في أول منزل، فسألني: ما وراءك؟
فقلت: اذهب لزيارة الإمام لأسأله عن عدَّة مسائل أشكلت عليَّ.
قال: على البركة، وأنت لي خير رفيق.
فبعدما وصلنا إلى سامراء أخذنا حجرتين في خان المسافرين، وذهبنا إلى الحمام فغسلنا غسل التوبة والزيارة، وحمل أحمد على عاتقه جراباً وضعه في كساء؛ وكنَّا نسبِّح، ونهلل، ونصلِّي (على محمَّد وآله) في الطريق حتَّى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(62) هكذا في المتن، وفي هامش الأصل الفارسي ما تعريبه بعد كلام: والظاهر أنَّ صاحب كتاب كشف الحقّ نقل هذا الحديث من كتاب الغيبة للحسن بن حمزة العلويّ.
وصلنا باب مولانا، فدخلنا، فرأينا الإمام جالساً جنب صفَّة، وقد وقف على جانبه الأيمن غلام كأنَّه البدر الطالع.
فسلَّمنا، فردَّ علينا بالمحبَّة والإكرام؛ فوضع أحمد الجراب على الأرض، وكان بيد الإمام (عليه السلام) قرطاس ينظر فيه، ويكتب تحت كلِّ سؤال جواباً.
فقال لذلك الغلام: في هذا الجراب هدايا مواليك، فانظر إليها.
فقال: لا يكون ذلك لأنَّ الحلال قد مزج بالحرام.
فقال له الإمام: إنَّك ملهم، فميِّز الحلال من الحرام.
ففتح أحمد الجراب، وأخرج كيساً، فقال ذلك الغلام الذي كان سيِّد ذلك الزمان لأحمد: هذا من فلان بن فلان، وفيه ثلاثة دنانير ذهب أحدها من فلان بن فلان وفيه عيب، والآخر من فلان سرقه من فلان؛ وعلى هذا المنوال فقد ميَّز باقي الأشياء التي كانت في ذلك الكيس حلالها من حرامها.
وهكذا كان أحمد بن إسحاق يخرج كيساً كيساً، فيخبره (عليه السلام) بعيب كل واحد منها؛ حتَّى قال له أخيراً: رُد هذه إلى أصحابها، ثمَّ قال بعد ذلك: أين ثوب فلان العجوز الذي غزلته، وحاكته بيدها؟
فأخرجه أحمد، وقبل ذلك الثوب.
فالتفت الإمام إليَّ، وقال: اسأل مسائلك لولدي حتَّى يجيبك صائباً.
فلمَّا أردت أن أقولها، ابتدأني قبل أن أنطق بكلمة، وقال: لماذا لم تقل لذلك المخالف أنَّ إسلام أولئك الاثنين لم يكن عن طوع، ولا عن إكراه، بل كان إسلامهما عن طمعٍ، فإنَّهما كانا قد سمعا من الكهنة، ومن أهل الكتاب أنَّ محمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) سوف يملك الشرق، والغرب، وأنَّ نبوَّته باقيَّةً إلى يوم القيامة، وسوف يكون صاحب ملك عظيم؛ فطمع كل واحد منهما في أن يملك، ويحكم، فأظهرا الإسلام.
وعندما رأوا أنَّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لم، ولن يعطهما ولايةً اجتمعا مع أصحابهما فكمنوا
له (صلّى الله عليه وآله وسلم) في ليلة العقبة ليطرحوه من على البعير الذي يركبه؛ فهبط جبرائيل، وأخبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بأسمائهم واحداً واحدا. فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): أخرجوا فقد أخْبِرْتُ.
ورآهم حذيفة جميعهم، وعرفهم.
كما أنَّ طلحة والزبير بايعا أمير المؤمنين طمعاً منهما في أن يتأمرا، ولم تكن بيعتهما عن كره.
وعندما فرغ من جواب المسائل التفت إلى أحمد وقال: إنَّك سوف تموت في هذه السنة.
فطلب أحمد كفناً، فقال أبو محمَّد (عليه السلام): سيصلك حينما تحتاج إليه.
فعندما وصل أحمد إلى حلوان حمَّ، وجاءه في الليلة التِّي توّفي فيها شخصان من قبل أبي محمَّد (عليه السلام) وجاءا بالكفن والحنوط، وصلَّيا عليه، وعادا.
وبعد نقل هذه الكلمات القليلة، فإنَّ هذه الحكاية كانت طويلة، قمنا باختصارها.(63)
وكذلك أبو محمَّد الدِّعجلي أعطاه أحد الشيعة مالاً لِيُحَجَّ به عن صاحب الأمر (عليه السلام)، وكان ذلك عادة الشيعة، وكان أبو محمَّد هذا شيخاً من صلحاء الشيعة، وكان له ولدان: أحدهما عابد وصالح، والآخر فاسق فاجر.
فأعطى أبو محمَّد شيئاً من ذلك المال إلى الفاسق أيضاً.
حكى:(64) إنَّه كان واقفاً بالموقف، فرأى إلى جانبه شابَّاً حسن الوجه، أسمر اللون، بذؤابتين، مقبلاً على شأنه في الدّعاء، والابتهال، والتَّضرع، وحسن العمل؛ فلَّما قرب نفر النَّاس التفت إليَّ، وقال: يا شيخ! أما تستحي؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(63) الرواية مفصَّلة وطويلة رواها الشيخ الصدوق في: كمال الدين/ ص 454 - 465/ باب 43/ حديث 22. وفيها اختلافات كثيرة مع ما نقله المؤلف إمَّا ناتجة عن تصرِّف في الترجمة، أو رواية أخرى.
(64) يبدو أنَّ المؤلف قد نقل الرواية بالمعنى، ولذلك قمنا بنقل الرواية من هنا عن المصدر.
قلت: من أيّ شيء يا سيِّدي؟!
قال: يُدْفَع إليك حجَّة عمَّن تعلم، فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر، ويوشك أن تذهب عينك هذه - وأومأ إلى عيني.
وأنا من ذلك إلى الآن على وَجَلٍ، ومخافة.
وسَمَعَ منه أبو عبد الله محمَّد بن محمَّد بن النّعمان ذلك، قال:
فما مضى عليه أربعون يوماً بعد مورده حتَّى خرج في عينه التِّي أومأ إليها قرحة، فذهبت.(65)
وروي أيضاً عن أحمد بن أبي روح أنَّه قال:
وجَّهت إليَّ امرأة من أهل الدَّينور، فأتيتها، فقالت: يا بن أبي روح، أنت أوثق مَنْ في ناحيتنا ديناً، وورعاً، وإنِّي أريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤدِّيها، وتقوم بها.
فقلت: أفعل إن شاء الله تعالى.
فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحلَّه، ولا تنظر فيه حتَّى تؤدِّيه إلى من يخبرك بما فيه، وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير، وفيه ثلاث حبَّات تساوي عشرة دنانير، ولي إلى صاحب الزَّمان حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها.
قلت: وما الحاجة؟
قالت: عشرة دنانير استقرضتها أمِّي في عرسي لا أدري ممَّن استقرضتها، ولا أدري إلى من أدفعها؛ فإن أخبرك بها، فادفعها إلى من يأمرك بها.
قال: (فقلت في نفسي): وكيف أقول لجعفر بن عليّ، فقلت: هذه المحنة بيني وبين جعفر بن عليّ.
فحملت المال، وخرجت حتَّى دخلت بغداد فأتيت حاجز بن يزيد الوشَّاء، فسلَّمت عليه، وجلست.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(65) الخرائج والجرائح/ الراوندي: ج 1/ ص 481.
قال: ألك حاجة؟
قلت: هذا مال دُفِع إليَّ لا أدفعه إليك حتَّى تخبرني كم هو، ومَنْ دفعه إليَّ؛ فإن أخبرتني دفعته إليك.
قال: يا أحمد بن أبي روح! توجَّه به إلى سرَّ من رأى.
فقلت: لا إله إلّا الله لَهذا أجلّ شيء أردته.
فخرجت، ووافيت سُرَّ مَنْ رأى، فقلت: أبدأ بجعفر؛ ثمَّ تفكرت، فقلت: أبدأ بهم، فإن كانت المحنة من عندهم، وإلّا مضيت إلى جعفر.
فدنوت من دار أبي محمَّد، فخرج إليَّ خادم، فقال: أنت أحمد بن أبي روح؟
قلت: نعم.
قال: هذه الرقعة، فاقرأها.
فإذا فيها مكتوب:
بسم الله الرحمن الرحيم
يا ابن أبي روح أودعتك عاتكة بنت الدَّيراني كيساً فيه ألف درهم. بزعمك، وهو خلاف ما تظنّ، وقد أدَّيت فيه الأمانة، ولم تفتح الكيس، ولم تدر ما فيه؛ وفيه ألف درهم وخمسون ديناراً، ومعك قرط زعمت المرأة أنَّه يساوي عشرة دنانير.
صدقت، مع الفصَّين اللذين فيه؛ وفيه ثلاث حبَّات لؤلؤ، شراؤها عشرة دنانير، وتساوي أكثر، فادفع ذلك إلى خادمتنا فلانة فإنَّا قد وهبناه لها.
وصر إلى بغداد، وادفع المال إلى حاجز، وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك.
وأمَّا عشرة الدَّنانير التِّي زعمت أنَّ أمَّها استقرضتها في عرسها وهي لا تدري مَنْ صاحبها، بل هي تعلم لِمَنْ؛ هي لكلثوم بنت أحمد، وهي ناصبيَّة، فتحرَّجت أن تعطيها، وأحبَّت أن تقسمها في أخواتها، فاستأذنتنا في ذلك، فلتفرِّقها في ضعفاء أخواتها.
ولا تعودنَّ يا بن أبي روح إلى القول بجعفر، والمحنة له؛ وارجع إلى منزلك فإنَّ عمَّك قد مات، وقد رزقك الله أهله، وماله.
فرجعت إلى بغداد، وناولت الكيس حاجزاً، فوزنه فإذا فيه ألف درهم وخمسون ديناراً، فناولني ثلاثين ديناراً، وقال: أمرت بدفعها إليك لنفقتك، فأخذتها، وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه، وقد جاءني مَنْ يخبرني أنَّ عمِّي قد مات، وأهلي يأمرونني بالانصراف إليهم، فرجعت، فإذا هو قد مات، وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم.
وروي أيضاً:
عن أبي عقيل عيسى بن نصر، قال: كتب عليُّ بن زياد الصَّيمري يلتمس كفناً؛ فكتب إليه إنَّك تحتاج إليه في سنة ثمانين.
فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته.(66)
وفي الأخبار الصحيحة مذكور، وفي الكتب مسطور: إنَّه قد خرجت من عند الإمام صاحب الزَّمان عليه صلوات الملك المنَّان توقيعات في الغيبة الصغرى، وكان هناك مجموعة معيَّنة لإظهار تلك التوقيعات، وبأمره (عليه السلام) تعّد تلك التوقيعات عظيمة البركات إلى كثير من شيعة إمام الإنس والجنّ، ويحذِّر الخلق عن النواهي، ويحثَّهم على الأوامر، وتعرف جميع مصالح العباد من توقيعات كعبة أرباب السداد، وكان كل واحد من توقيعاته (عليه السلام) معجزة. وهي كثيرة لا يسع هذا المختصر مجموعها، فنسطِّر قليلاً منها.
روى الشيخ المفيد(67) عن محمَّد بن أحمد الصَّفواني (رحمه الله)(68) قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(66) راجع: الغيبة/ الطوسي: ص283 و284/ تحت رقم 243.
(67) يبدو أنَّ المؤلف قد نقل الرواية بالمعنى، كما هو المحتمل في نقله للروايات الأخرى، ولذلك توجد اختلافات مع النص المنقول في المصادر العربية، فاكتفينا بنقل رواية الشيخ الطوسي لما احتملناه: أن المؤلف قد ترجمها لأنها أقرب من نصوص المرويات الأخرى، ومع ذلك فنحن نشير في الهامش إلى الزيادات المهمة التي ذكرها المؤلف لما قد يحتمل أنها نسخة بدل.
(68) في نقل المؤلف (رحمه الله): أبي عبد الله الصفواني.
رأيت القاسم بن العلاء(69) وقد عمَّر مائة سنة وسبع عشرة سنة صحيح العينين: لقي مولانا أبا الحسن، وأبا محمَّد العسكرييّن (عليهما السلام).
وحُجب(70) بعد الثَّمانين، وردَّت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيَّام؛ وذلك:
إنِّي كنت مقيماً عنده بمدينة الران من أرض آذربيجان،(71) وكان لا تنقطع توقيعات مولانا صاحب الزَّمان (عليه السلام) على يد أبي جعفر محمَّد بن عثمان العَمْرِي، وبعده على يد أبي القاسم الحسين بن روح قدَّس الله روحهما، فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين، فقلق (رحمه الله) لذلك.
فبينما نحن عنده نأكل إذ دخل البوّاب مستبشراً، فقال: فَيْج(72) العراق لا يسمَّى بغيره، فاستبشر القاسم، وحوَّل وجهه إلى القبلة، فسجد.
ودخل كهل قصيرٌ يُرى أثر الفيوج عليه، وعليه جبَّة مصريَّة، وفي رجله نعل محاملي، وعلى كتفه مخلاة.
فقام القاسم فعانقه، ووضع المخلاة عن عنقه، ودعا بطشت وماء، فغسَّل يده، وأجلسه إلى جنبه، فأكلنا، وغسَّلنا أيدينا، فقام الرجل، فأخرج كتاباً أفضل من النِّصف المدرج، فناوله القاسم، فأخذه، وقبَّله، ودفعه إلى كاتب له يقال له: ابن أبي سلمة؛ فأخذه أبو عبد الله، ففضَّه، وقرأه حتَّى أحسَّ القاسم بنكاية؛ فقال: يا أبا عبد الله، خير؟
فقال: خير.
فقال: ويحك! خرج فيَّ شيء؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(69) في المتن زيادة:صاحبت القاسم بن العلاء صحبة سعيدة، واستفدت من مواعظه ونصائحه.
(70) في البحار: حُجب؛ أي حُجب عن الرؤية للعمى.
(71) في المتن زيادة: وقد حججت معه سنة من قبل أن تتغيَّر عينه الظاهرية بسبب علَّة العمى، وقد لازمته أكثر الأوقات بعد رجوعنا في إحدى مدن أذربيجان.
(72) الفيج بالفتح معرَّب بيك (مثلثة الباء) بالفارسيَّة بمعنى المبعوث.
فقال أبو عبد الله: ما تكره، فلا.
قال القاسم: فما هو؟
قال: نعي الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوماً، وقد حمل إليه سبعة أثواب.
فقال القاسم: في سلامة من ديني؟
فقال: في سلامة من دينك.
فضحك (رحمه الله)، فقال: ما أؤمل بعد هذا العمر؟!
فقام الرَّجل الوارد، فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر، وحبرة يمانيَّة حمراء، وعمامة، وثوبين، ومنديلاً؛ فأخذه القاسم.
وكان عنده قميص خلعه عليه مولانا الرِّضا أبو الحسن (عليه السلام)، وكان له صديق يقال له: عبد الرَّحمن بن محمَّد البدري (الشيزي خ. ل) وكان شديد النَّصب، وكان بينه وبين القاسم نضَّر الله وجهه موَّدة في أمور الدَّنيا شديدة، وكان القاسم يودُّه، وقد كان عبد الرَّحمن وافى إلى الدَّار لإصلاح بين أبي جعفر الهمداني، وبين ختنه ابن القاسم.
فقال القاسم لشيخين من مشايخنا المقيمين معه، أحدهما أبو حامد عمران بن المفلس، والآخر أبو عليّ بن جحدر: أن اقرءا هذا الكتاب عبد الرَّحمن بن محمَّد فإنِّي أحبّ هدايته، وأرجو أن يهديه الله بقراءة هذا الكتاب.
فقالا له: الله الله الله! فإنَّ هذا الكتاب لا يحتمل ما فيه خلق من الشيعة، فكيف عبد الرَّحمن بن محمَّد؟!
فقال: أنا أعلم إنِّي مفشٍ لسرٍّ لا يجوز لي إعلانه، لكن من محبَّتي لعبد الرَّحمن بن محمَّد، وشهوتي أن يهديه الله (عزَّ وجلَّ) لهذا الأمر هو ذا، اقرءا الكتاب.
فلمَّا مرَّ في ذلك اليَّوم - وكان يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من
رجب - دخل عبد الرَّحمن بن محمَّد، وسلَّم عليه، فأخرج القاسم الكتاب، فقال له: اقرأ هذا الكتاب، وانظر لنفسك.
فقرأ عبد الرَّحمن الكتاب، فلمَّا بلغ إلى موضع النَّعي رمى الكتاب عن يده، وقال للقاسم: يا أبا محمَّد! اتَّق الله، فإنَّك رجلٌ فاضلٌ في دينك، متمكنٌّ من عقلك، والله (عزَّ وجلَّ) يقول: (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)،(73) وقال: (عالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً).(74)
فضحك القاسم، وقال له: أتمّ الآية: (إِلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ)،(75) ومولاي (عليه السلام) هو الرِّضا (المرتضى خ. ل) من الرَّسول؛ وقال: قد علمت إنَّك تقول هذا، ولكن أرِّخ اليوم، فإن أنا عشت بعد هذا اليوم المؤرخ في هذا الكتاب فاعلم أنِّي لست على شيء، وإن أنا متُّ فانظر لنفسك.
فأرَّخ عبد الرَّحمن اليوم، وافترقوا.
وحمَّ القاسم يوم السَّابع من ورود الكتاب، واشتدَّت به في ذلك اليوم العلَّة، واستند في فراشه إلى الحائط، وكان ابنه الحسن بن القاسم مدمناً على شرب الخمر، وكان متزوجاً إلى أبي عبد الله بن حمدون الهمدانيّ، وكان جالساً ورداؤه مستور على وجهه في ناحية من الدار، وأبو حامد في ناحية، وأبو عليّ بن جحدر وأنا وجماعة من أهل البلد نبكي، إذ اتَّكأ القاسم على يديه إلى خلف، وجعل يقول: يا محمَّد، يا عليّ، يا حسن، يا حسين، يا مواليّّ كونوا شفعائي إلى الله (عزَّ وجلَّ).
وقالها الثَّانية، وقالها الثَّالثة، فلمَّا بلغ في الثَّالثة: يا موسى، يا عليّ؛ تفرقعت أجفان عينيه كما يفرقع الصبيان شقائق النّعمان، وانتفخت حدقته،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجعل يمسح بكمِّه عينيه، وخرج من عينيه شبيه بماء اللَّحم، مدَّ طرفه إلى ابنه، فقال: يا حسن! إليَّ، يا أبا حامد إليَّ، يا أبا عليّ إليَّ.
فاجتمعنا حوله، ونظرنا إلى الحدقتين صحيحتين؛ فقال له أبو حامد: تراني.
وجعل يده على كلِّ واحد منَّا؛ وشاع الخبر في النَّاس، والعامَّة، وأتاه النَّاس من العوامِّ ينظرون إليه.
وركب القاضي إليه، وهو أبو السائب عتبة بن عبيد الله المسعودي، وهو قاضي القضاة ببغداد، فدخل عليه، فقال له: يا أبا محمَّد ما هذا الذي بيدي وأراه خاتماً فصُّه فيروزج، فقربَّه منه، فقال: عليه ثلاثة أسطر، فتناوله القاسم (رحمه الله)، فلم يمكنه قراءته، وخرج النَّاس متعجبين يتحدَّثون بخبره.
والتفت القاسم إلى ابنه الحسن، فقال له: إنَّ الله منزِّلك، ومرتِّبك مرتبة فاقبلها بشكر.
فقال له الحسن: يا أبه قد قبلتها.
قال القاسم: على ماذا؟
قال: على ما تأمرني به يا أبه.
قال: على أن ترجع عمَّا أنت عليه من شرب الخمر.
قال الحسن: يا أبه، وحقِّ من أنت في ذكره لأرجعنَّ عن شرب الخمر، ومع الخمر أشياء لا تعرفها.
فرفع القاسم يده إلى السَّماء، وقال: اللهمَّ إلهم الحسن طاعتك، وجنِّبه معصيتك. ثلاث مرَّات.
ثمَّ دعا بدرج، فكتب وصيَّته بيده (رحمه الله)، وكانت الضياع التِّي في يده لمولانا وقف وقَّفه أبوه.
وكان فيما أوصى الحسن أن قال: يا بنيَّ! إن أهِّلتَ لهذا الأمر - يعني
الوكالة لمولانا - فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرجيذة، وسائرها ملك لمولاي؛ وإن لم تؤهل له فاطلب خيرك من حيث يتقبَّل الله.
وقبل الحسن وصيَّته على ذلك.
فلمَّا كان في يوم الأربعين، وقد طلع الفجر مات القاسم (رحمه الله)، فوافاه عبد الرَّحمن يعدو في الأسواق حافياً حاسراً وهو يصيح: وا سيِّداه!
فاستعظم النَّاس ذلك منه، وجعل النَّاس يقولون: ما الذي تفعل بنفسك؟!!
فقال: اسكتوا، فقد رأيت ما لم تروه.
وتشيَّع، ورجع عمَّا كان عليه، ووقَّف الكثير من ضياعه.
وتولَّى أبو عليّ بن جحدر غسل القاسم؛ وأبو حامد يصبُّ عليه الماء، وكفِّن في ثمانية أثواب، على بدنه قميص مولانا أبي الحسن، وما يليه السَّبعة الأثواب التِّي جاءته من العراق.
فلمَّا كان بعد مدَّة يسيرة ورد كتاب تعزية على الحسن من مولانا (عليه السلام) في آخره: ألهمك الله طاعته، وجنَّبك معصيته؛ وهو الدُّعاء الذي كان دعا به أبوه، وكان آخره: قد جعلنا أباك إماماً لك، وفعاله لك مثالاً.(76)
الحديث الرابع عشر: (تفسير العترة في حديث الثقلين): (77)
حدَّثنا محمَّد بن أبي عمير رضي الله عنه، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله، عن أبيه محمَّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ (عليهم السلام) قال:
سُئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (إنِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي)؛ مَنْ العترة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(76) الغيبة/ الطوسي: ص310 - 315.
(77) هكذا في اصل الكتاب المطبوع، والظاهر ان المؤلف ره ينقله من كتاب الفضل بن شاذان كما هو واضح من السند.
فقال: أنا، والحسن، والحسين، والأئمّة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديّهم، لا يفارقون كتاب الله (عزَّ وجلَّ)، ولا يفارقهم حتَّى يردوا على رسول الله حوضه.
يعني: حوض الكوثر.
وقد روى ابن بابويه (رحمه الله) في كتاب كمال الدين حديث (إنِّي تارك فيكم الثقلين) بأسانيد كثيرة.
كما عدَّ من الحديث الصحيح، ومن الأحاديث المتواترة في الكتب الأخرى. والسلام.
الحديث الخامس عشر: (ثواب الثابتين على ولايته (عليه السلام) في عصر الغيبة، وذكر من رآه في الغيبة):
قال الشيخ عماد الدين أبو جعفر بن بابويه (رحمه الله) في كتاب كمال الدِّين:
حدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن بسطام بن مرَّة، عن عمرو بن ثابت قال: قال عليُّ بن الحسين سيِّد العابدين: مَنْ ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله (عزَّ وجلَّ) أجر ألف شهيد، مثل شهداء بدر، وأحد.(78)
وروى محمَّد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) عن بعض جلاوزة الخليفة العبَّاسي،(79) قال: شاهدت سيماء آنفاً بسرَّ مَنْ رأى وقد كسر باب الدَّار، فخرج عليه وبيده طبرزين، فقال له: ما تصنع بداري؟
فقال سيماء: إنَّ جعفراً زعم أنَّ أباك مضى ولا ولد له، فإن كانت دارك فقد انصرفت عنك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(78) كمال الدين/ الصدوق: ص323/ باب31/ حديث 7.
(79) في المصدر: عليّ بن محمَّد، عن عليِّ بن قيس، عن بعض جلاوزة السّواد... الخ، ولا توجد الخليفة العبَّاسي، ولعل هذه الزيادة ناشئة من الترجمة بالمعنى.
فخرج عن الدَّار.
قال عليُّ بن قيس: فخرج علينا خادمٌ من خدم الدَّار، فسألته عن هذا الخبر، فقال لي: مَنْ حدَّثك بهذا؟
فقلت له: حدَّثني بعض جلاوزة السَّواد.
فقال لي: لا يكاد يخفى على النَّاس شيء.(80)
وروى الشيخ بن بابويه، وآخرون: إنَّ أحمد بن إسحاق الذي كان من أصحاب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ذهب إليه مع سعد بن عبد الله - الذي هو من ثقاة الأصحاب - ليسأله عن مجموعة أسئلة؛ قال سعد بن عبد الله: (... فانتهينا منها إلى باب سيِّدنا، فاستأذنَّا، فخرج علينا الأذن بالدُّخول عليه، وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطَّاه بكساء طبريّ فيه مائة وستُّون من الدَّنانير والدَّراهم، على كلِّ صرَّة منها ختم صاحبها).
(قال سعد: فما شبَّهت وجه مولانا أبي محمَّد (عليه السلام) حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفى من لياليه أربعاً بعد عشر)(81) وعلى فخذه الأيمن غلامٌ يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، على رأسه فرق بين وفرتين كأنّه ألفٌ بين واوين، وبين يدي مولانا رمَّانة ذهبيَّة تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركَّبة عليها، قد كان أهداها أليه بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده قلمٌ إذا أراد أن يسطِّر به على البياض قبض الغلام على أصابعه، فكان مولانا يدحرج الرُّمانة بين يديه، ويشغله بردِّها كيلا يصدَّه عن كتابة ما أراد.(82) فسلّمنا عليه فالطف في الجواب، وأومأ إلينا بالجلوس؛ فلمّا فرغ من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(80) الكافي: الأصول/ الكليني: ج1/ ص331/ حديث 11.
(81) هذه الزيادة في المصدر وقد سقطت من المتن، وقد أثبتناها لتتميم السياق.
(82) لا يخفى أنَّ ظاهر بعض ما هو مذكور في الرواية يتعارض مع مسلَّمات العقيدة الصحيحة لحالات الأئمّة (عليهم السلام)، فلا بدَّ من حمله على محمل سليم بحمل تلك التفاصيل على أنَّها لا تعبِّر عن الواقع كما هو، وإنَّما هي تصلح أن تكون معبرة عن تصورات الراوي فقط وإن كان قد أخطأ الواقع، كما يساعد هذا المحمل تصريح الراوي حيث كان يتحدَّث عن مشاهداته هو وتصَّوراته دون رواية الواقع.
وبهذا التخريج يزول الإشكال كما هو واضح.
كتابة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طيِّ كسائه، فوضعه بين يديه، فنظر الهادي (عليه السلام) إلى الغلام، وقال له: يا بنيَّ، فضّ الخاتم عن هدايا شيعتك، ومواليك.
فقال: يا مولاي أيجوز أن أمدَّ يداً طاهرةً إلى هدايا نجسة، وأموال رجسة، قد شبب أحلَّها بأحرمها؟
فقال مولاي: يا بن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميّز ما بين الحلال والحرام منها.
فأوَّل صرَّة بدأ أحمد بإخراجها، قال الغلام: هذه لفلان بن فلان، من محلَّة كذا بقمّ، يشتمل على اثنين وستِّين ديناراً، فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها، وكانت إرثاً له عن أبيه خمسة وأربعون ديناراً، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً، وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير.
فقال مولانا: صدقت يا بنيَّ،دلَّ الرَّجل على الحرام منها.
فقال (عليه السلام): فتِّش عن دينار رازيّ السِّكة، تأريخه سنة كذا، قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه؛ وقراضة آمليَّة وزنها ربع دينار، والعلَّة في تحريمها: إنَّ صاحب هذه الصرَّة وَزَنَ في شهر كذا، من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منَّاً وربع منٍّ، فأتت على ذلك مدَّةٌ، وفي انتهائها قيَّض لذلك الغزل سارق، فأخبر به الحائك صاحبه، فكذَّبه، واستردَّ منه بدل ذلك منَّاً ونصف منٍّ غزلاً أدقُّ ممَّا كان دفعه إليه، واتَّخذ من ذلك ثوباً، كان هذا الدِّينار مع القراضة ثمنه.
فلمَّا فتح رأس الصرَّة صادف رقعة في وسط الدَّنانير باسم مَنْ أخبر عنه، وبمقدارها على حسب ما قال؛ واستخرج الدَّنانير، والقراضة بتلك العلامة.
ثمَّ أخرج صرَّةً أخرى فقال الغلام: هذه لفلان بن فلان، من محلَّة كذا بقمّ، تشتمل على خمسين ديناراً لا يحلُّ لنا لمسها.
قال: وكيف ذلك؟
قال: لأنَّها من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكّاره في المقاسمة؛ وذلك: إنَّه قبض حصَّته منها بكيل واف، وكان ما حصَّ الأكّار بكيل بخس.
فقال مولانا: صدقت يا بنيَّ.
ثمَّ قال: يا أحمد بن إسحاق، احملها بأجمعها لتردَّها، أو توصي بردِّها على أربابها، فلا حاجة لنا في شيء منها.(83)
ولمَّا أراد سعد بن عبد الله أن يسأل مسائله، قال له الإمام العسكري (عليه السلام): فسل قرَّة عيني؛ وأومأ إلى الغلام.
فقال لي الغلام: سل عمَّا بدا لك منها.
فسأل جميع المسائل المشكلة، وسمع الأجوبة الشافية، وحتَّى إنَّ بعض المسائل التِّي انمحت من ذهنه في تلك السَّاعة ذكَّره بها الإمام، من باب الإعجاز، وأجاب عليها، والحديث طويل.
روى القطب الراوندي عن جعفر بن محمَّد بن قولويه أستاذ الشيخ المفيد:
لمَّا وصلت بغداد في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة للحجِّ، وهي السنة التِّي ردَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(83) الخرائج والجرائح/ الراوندي: ج1/ ص 475 - 478؛ وراجع: كشف الغمَّة/ الأربلي: ج2/ ص 502؛ مدينة المعاجز/ السيد هاشم البحراني: ص614/ الطبعة الحجريَّة؛ إثبات الهداة/ الحرّ العاملي: ج7/ ص346؛ البحار/ المجلسي: ج52/ ص 58 و59؛ النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجة الغائب (عليه السلام)/ الشيخ الطبرسي النُّوري: ترجمة وتحقيق وتعليق ياسين الموسوي: ج2/ ص 244 و245.
القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت؛ كان أكبر همِّي الظفر بمن ينصب الحجر، لأنَّه مضى في أثناء الكتب قصَّة أخذه، وأنَّه إنَّما ينصبه في مكانه الحجَّة في الزَّمان كما في زمان الحجَّاج وضعه زين العابدين في مكانه واستقرَّ.
فاعتللت علَّةً صعبةً خفت منها على نفسي، ولم يتهيَّأ لي ما قصدتُّه، فاستنبت المعروف بابن هشام، وأعطيته رقعةً مختومةً أسأل فيها عن مدَّة عمري، وهل يكون الموت في هذه العلَّة، أم لا؟ وقلتُ: همِّي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه، وأخذ جوابه، وإنَّما أندبك لهذا.
قال: فقال المعروف بابن هشام:
لمَّا حصلت بمكَّة، وعُزِمَ على إعادة الحجر، بذلتُ لسدنة البيت جملة تمكَّنتُ معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه، فأقمت معي منهم مَنْ يمنع عنِّي ازدحام النَّاس؛ فكلَّما عمد إنسان لوضعه اضطرب، ولم يستقم.
فأقبل غلامٌ أسمر اللون، حسن الوجه، فتناوله، ووضعه في مكانه، فاستقام كأنَّه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات، فانصرف خارجاً من الباب، فنهضتُ من مكاني أتبعه، وأدفع النَّاس عنِّي يميناً، وشمالاً حتَّى ظُنَّ بي الاختلاط في العقل؛ والنَّاس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه حتَّى انقطع عن النَّاس، فكنت أسْرِعُ السَّير خلفه وهو يمشي على تؤدَّة السير ولا أدركه.
فلمَّا حصل بحيث لا أحد يراه غيري وقف والتفت إليَّ فقال: هات ما معك.
فناولتُه الرّقعة، فقال مِنْ غير أن ينظر إليها: قل له لا خوف عليك في هذه العلَّة؛ ويكون ما لابدَّ منه بعد ثلاثين سنة.
قال: فوقع عليَّ الدَّمع حتَّى لم أطق حراكاً، وتركني، وانصرف.
قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة.
فلمَّا كانت سنة سبع وستِّين اعتلَّ أبو القاسم، وأخذ ينظر في أمره وجهازه إلى قبره فكتب وصيَّته، واستعمل الجدَّ في ذلك.
فقيل له: ما هذا الخوف، ونرجو أن يتفضَّل الله بالسلامة، فما عليك بمخوفة؟!
فقال: هذه السنة التِّي خوِّفت فيها.
فمات في علَّته.(84)
ألحقه الله بمواليه الأطهار في دار القرار.
وقال السيِّد ابن طاووس:
وكنت أنا بسرَّ مَنْ رأى، فسمعت سحراً دعاءه (عليه السلام)، فحفظتُ منه (عليه السلام) من الدُّعاء لمن ذكره من الأحياء، والأموات:
وأبقهم، أو قال: وأحيهم في عزِّنا، وملكنا، وسلطاننا، ودولتنا.
وكان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة.(85)
وروى الشيخ ابن بابويه عن أحمد بن فارس قال:(86)
انَّ بهمدان ناساً يعرفون ببني راشد، وهم كلُّهم يتشيَّعون، ومذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألتُ عن سبب تشيِّعهم من بين أهل همدان؛ فقال لي شيخٌ منهم رأيت فيه صلاحاً، وسمتاً.
إنًّ سبب ذلك: أنَّ جدَّنا الذي ننتسب إليه خرج حاجَّاً، فقال:
إنَّه لمَّا صدر من الحجِّ، وساروا منازل في البادية، قال: فنشطتُ في النِّزول، والمشي،فمشيتُ طويلاً حتَّى أعييت، ونعست، فقلت في نفسي: أنام نومةً تريحني، فإذا جاء أواخر القافلة قمت.
قال: فما انتبهتُ إلّا بحرِّ الشمس، ولم أر أحداً، فتوحشت، ولم أر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(84) كمال الدين/ الصدوق: ص457 و458/ باب 43/ حديث 21.
(85) مهج الدَّعوات/ السيِّد بن طاووس: ص 296/ الطبعة الحجريَّة.
(86) في المتن ما تعريبه: دخلت مدينة همدان... إلى آخره، وفيه اختلافات عن ما هو موجود في المصدر مما تحمل على أسلوب الترجمة بالمعنى كما سبق منه قدس سره، ولذا آثرنا نقل النَّص من نفس المصدر مباشرةً.
طريقاً، ولا أثراً؛ فتوكَّلتُ على الله (عزَّ وجلَّ)، وقلت: أسير حيث وجَّهني (الله خ. ل)، ومشيت غير طويل، فوقعت في أرض خضراء نظراء كأنَّها قريبة عهد بغيث، وإذا تربتها أطيب تربةً، ونظرتُ في سواء تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنَّه سيف، فقلت: ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده، ولم أسمع به، فقصدته، فلمَّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلَّمت عليهما، فردَّا ردَّاً جميلاً، وقالا: اجلس، فقد أراد الله بك خيراً، فقام أحدهما، ودخل، واحتبس غير بعيد، ثمَّ خرج، فقال: قم، فادخل.
فدخلت قصراً لم أر بناءاً أحسن من بنائه، ولا أضوء منه، فتقدَّم الخادم إلى ستر على بيت، فرفعه، ثمَّ قال لي: ادخل.
فدخلتُ البيت، فإذا فتىً جالس في وسط البيت، وقد علَّق فوق رأسه من السَّقف سيفٌ طويلٌ تكاد ظبَّته تمسُّ رأسه، والفتى بدر يلوح في ظلام، فسلَّمت، فردَّ السلام بألطف كلام وأحسنه، ثمَّ قال لي: أتدري مَنْ أنا؟
فقلت: لا، والله.
فقال: أنا القائم من آل محمَّد (عليه السلام)، أنا الذي أخرج في آخر الزَّمان بهذا السَّيف - وأشار إليه - فأملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
فسقطت على وجهي، وتعثَّرت، فقال: لا تفعل؛ ارفع رأسك أنت فلان، من مدينة بالجبل يقال لها: همدان.
فقلت: صدقت يا سيِّدي، وأبشِّرهم بما أتاح الله (عزَّ وجلَّ) لي.
فأومأ إلى الخادم، فأخذ بيدي، وناولني صرَّة، وخرج، ومشى معي خطوات، فنظرت إلى ظلال، وأشجار، ومنارة مسجد؛ فقال: أتعرف هذا البلد؟
فقلتُ: إنَّ بقرب بلدنا بلدة تعرف بأسد آباد وهي تشبهها.
قال؛ فقال: هذه أسد آباد، امض راشداً، فالتفت، فلم أره.
فدخلت أسد آباد، وإذا في الصرَّة أربعون، أو خمسون ديناراً، فوردت
همدان، وجمعت أهلي، وبشَّرتهم بما يسَّره الله (عزَّ وجلَّ) لي، ولم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدَّنانير.(87)
وروى الشيخ الصدوق، والشيخ الطوسي، والطبري، وآخرون بأسانيد صحيحة عن محمَّد بن إبراهيم بن مهزيار، وبعضهم عن عليّ بن إبراهيم بن مهزيار أنَّه قال:
حججتُ عشرين حجةً كلاًّ اطلب به عيان الإمام، فلم أجد إلى ذلك سبيلاً، فبينما أنا ليلة نائم في مرقدي إذ رأيت قائلاً يقول: يا عليّ بن إبراهيم! قد أذن الله لك في الحج؛ فلم أعقل ليلتي حتَّى أصبحت، فأنا مفكِّر في أمري أرقب الموسم ليلي، ونهاري.
فلمَّا كان وقت الموسم أصلحتُ أمري، وخرجت متوجِّهاً نحو المدينة، فما زلت كذلك حتَّى دخلت يثرب، فسألت عن أل أبي محمَّد (عليه السلام)، فلم أجد له أثراً، ولا سمعت له خبراً؛ فأقمت مفكِّراً في أمري حتَّى خرجت من المدينة أريد مكَّة، فدخلت الجحفة، وأقمت بها يوماً، وخرجت منها متوجِّهاً نحو الغدير، وهو على أربعة أميال من الجحفة، فلمَّا أن دخلت المسجد صلَّيت، وعفَّرت، واجتهدت في الدّعاء، وابتهلت إلى الله لهم، وخرجت أريد عسفان، فما زلت كذلك حتَّى دخلت مكَّة، فأقمت بها أياماً أطوف البيت.
واعتكفت، فبينا أنا ليلة في الطواف، إذا أنا بفتى حسن الوجه، طيِّب الرائحة، يتبختر في مشيته طائف حول البيت؛ فحسَّ قلبي به، فقمت نحوه فحككته، فقال لي: من أين الرجل؟
فقلت: من أهل العراق. فقال: من أيّ العراق؟
قلت: من الأهواز.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(87) كمال الدين/ الصدوق: ص 453 و454/ باب 43/ حديث 20.
فقال لي: أتعرف بها ابن الخضيب؟
فقلت: (رحمه الله)، دعي فأجاب.
فقال: (رحمه الله)، فما كان أطول ليلته، وأكثر تبتّله، وأغزر دمعته؛ أفتعرف عليّ بن إبراهيم بن المازيار؟
فقلت: أنا عليُّ بن إبراهيم.
فقال: حيَّاك الله أبا الحسن، ما فعلت بالعلامة التِّي بينك وبين أبي محمَّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام)؟
فقلت: معي.
قال: أخرجها.(88)
فأدخلت يدي في جيبي، فاستخرجتها، فلَّما أن رآها لم يتمالك أن تغرغرت عيناه بالدِّموع، وبكى منتحباً حتَّى بلَّ أطماره، ثمَّ قال: أذن لك الآن يا بن مازيار، صر إلى رحلك، وكن على أهبَّة من أمرك حتَّى إذا لبس الليل جلبابه، وغمر النَّاس ظلامه سر إلى شعب بني عامر، فإنَّك ستلقاني هناك.
فسرت إلى منزلي؛ فلمَّا أن أحسست بالوقت أصلحت رحلي، وقدَّمت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(88) في المتن: فأخرجتُ خاتماً جميلاً نقش عليه: (محمَّد وعليّ)، وبرواية أخرى: (يا الله يا محمَّد يا عليّ). ويظهر أنَّ المؤلف أخذ الأولى من رواية الطبري: دلائل الإمامة/ ص 542/ الطبعة المحققة؛ وفيه: (وأخرجت خاتماً عليه محمَّد وعليّ)؛ كما أنَّه يظهر أنَّ مقصوده من الرواية الثانية ما رواه الشيخ الصدوق في: كمال الدين/ ص 445/ الباب 43/ حديث 19/ حيث جاء فيها:
ثمَّ قال: مرحباً بك يا أبا إسحاق، ما فعلت بالعلامة التي وشجت بينك وبين أبي محمَّد (عليه السلام)؟
فقلت: لعلَّك تريد الخاتم الذي آثرني الله به من الطيِّب أبي محمَّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام)؟
فقال: ما أردت سواه.
فأخرجته إليه؛ فلمَّا نظر إليه استعبر وقبَّله، ثمَّ قرأ كتابته، فكانت: (يا الله، يا محمَّد، يا عليّ) ثمَّ قال: بأبي يداً طالما جلت فيها.
راحلتي، وعكمته شديداً، وحملت، وصرت في متنه، وأقبلت مجدّاً في السَّير حتَّى وردت الشعب، فإذا أنا بالفتى قائم ينادي: يا أبا الحسن! إليَّ.
فما زلت نحوه، فلمَّا قربت بدأني بالسَّلام، وقال: سر بنا يا أخ.
فما زال يحدَّثني وأحدَّثه حتَّى تخرَّقنا جبال عرفات، وسرنا إلى جبال مِنى، وانفجر الفجر الأوّل ونحن قد توسَّطنا جبال الطائف؛ فلمَّا أن كان هناك أمرني بالنزول، وقال لي: انزل فصلِّ صلاة الليل.
فصلَّيت، وأمرني بالوتر، فأوترت، وكانت فائدة منه، ثمَّ أمرني بالسجود، والتعقيب، ثمَّ فرغ من صلاته وركب؛ وأمرني بالركوب، وسار، وسرت معه حتَّى علا ذروة الطائف، فقال: هل ترى شيئاً؟
قلت: نعم؛ أرى كثيب رمل عليه بيت شعر يتوقَّد البيت نوراً.
فلمَّا أن رأيته طابت نفسي، فقال لي: هنَّاك الأمل، والرَّجاء؛ ثمَّ قال: سر بنا يا أخ، فسار، وسرتُ بمسيره إلى أن انحدر من الذَّروة، وسار في أسفله، فقال: انزل، فها هنا يذلُّ كلُّ صعب، ويخضع كلُّ جبَّار، ثمَّ قال: خلِّ عن زمام النَّاقة.
قلت: فعلى مَنْ أخلِّفها؟
فقال: حرم القائم (عليه السلام)، لا يدخله إلّا مؤمن، ولا يخرج منه إلّا مؤمن.
فخلَّيتُ عن زمام راحلتي، وسار، وسرتُ معه إلى أن دنا من باب الخباء، فسبقني بالدِّخول، وأمرني أن أقف حتَّى يخرج إليَّ.
ثمَّ قال لي: أدخل هنَّأك السلامة.
فدخلت، فإذا أنا به جالس قد اتَّشح ببردة، واتَّزر بأخرى، وقد كسر بردته على عاتقه، وهو كأقحوانة أرجوان قد تكاثف عليها النَّدى، وأصابها ألم الهوى، وإذا هو كغصن بانٍ، أو كقضيب ريحان، سمح، سخيّ، تقيّ، نقيّ، ليس بالطويل الشامخ، ولا بالقصير اللازق، بل مربوع القامة، مدوَّر الهامة، صلت الجبين، أزَّج الحاجبين، أقنى الأنف، سهل الخدَّين، على خدِّه الأيمن خال كأنَّه فتات مسك على رضراضة عنبر.
فلمَّا أن رأيته بدرته بالسلام، فردَّ عليَّ أحسن ما سلَّمت عليه، وشافهني، وسألني عن أهل العراق، فقلت: سيِّدي قد ألبسوا جلباب الذِّلة، وهم بين القوم أذلاّء.
فقال لي: يا بن المازيار! لتملكونهم كما ملكوكم، وهم يومئذٍ أذلاء.
فقلت: سيِّدي، لقد بَعُدَ الوطن، وطال المطلب.
فقال: يا بن المازيار! أبي أبو محمَّد عهد إليَّ أن لا أجاور قوماً غضب الله عليهم، ولعنهم، ولهم الخزي في الدُّنيا والآخرة، ولهم عذاب أليم، وأمرني: أن لا اسكن من الجبال إلّا وعرها، ومن البلاد إلّا عفرها (أقفرها خ. ل)، والله مولاكم أظهر التَّقيَّة فوكَّلها بي، فأنا في التَّقيَّة إلى يوم يؤذن لي فأخرج.(89)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(89) يبدو كما أن المؤلف استعاض هنا عن نقل النص من غيبة الشيخ الطوسي بنقله مختصِراً، وأمّا التفصيل فقد روي في كمال الدين للشيخ الصدوق: ص 447 - 451؛ وإليك النَّص في المصدر فهو:
ثم قال: (إن أبي (عليه السلام) عهد إلي أن لا أوطن من الأرض إلا أخفاها وأقصاها إسرارا لأمري، وتحصينا لمحلي لمكائد أهل الضلال والمردة من أحداث الأمم الضَّوال، فنبذني إلى عالية الرمال، وجبت صرائم الأرض ينظرني الغاية التي عندها يحلّ الأمر، وينجلي الهلع.
وكان (عليه السلام) أنبط لي من خزائن الحكم، وكوامن العلوم ما أن أشعت إليك منه جزء أغناك عن الجملة.
(واعلم) يا أبا إسحاق إنه قال (عليه السلام): يا بني إن الله جل ثناؤه لم يكن ليخلي أطباق أرضه وأهل الجد في طاعته وعبادته بلا حجة يستعلى بها، وإمام يؤتم به، و يقتدى بسبيل سنته ومنهاج قصده، وأرجو يا بني أن تكون أحد من أعده الله لنشر الحق ووطئ الباطل وإعلاء الدين، وإطفاء الضلال، فعليك يا بني بلزوم خوافي الأرض، وتتبع أقاصيها، فإن لكل ولي لأولياء الله (عزَّ وجلَّ) عدوا مقارعا، وضدا منازعا افتراضا لمجاهدة أهل النفاق، وخلاعة أولي الإلحاد، والعناد؛ فلا يوحشنك ذلك.
واعلم إن قلوب أهل الطاعة والإخلاص نزع إليك مثل الطير إلى أوكارها، وهم معشر يطلعون بمخائل الذلة والاستكانة، وهم عند الله بررة أعزاء، يبرزون بأنفس مختلة محتاجة، وهم أهل القناعة والاعتصام، استنبطوا الدين فوازروه على مجاهدة الأضداد، خصهم الله باحتمال الضيم في الدنيا ليشملهم باتساع العز في دار القرار، وجبلهم على خلائق الصبر لتكون لهم العاقبة الحسنى، وكرامة حسن العقبى.←
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ فاقتبس يا بني نور الصبر على موارد أمورك تفز بدرك الصنع في مصادرها، و استشعر العز فيما ينوبك تحظ بما تحمد غبَّه إن شاء الله، وكأنك يا بني بتأييد نصر الله (و) قد آن، وتيسير الفلج، وعلو الكعب، (و) قد حان، وكأنك بالرايات الصفر والأعلام البيض تخفق على أثناء أعطافك ما بين الحطيم وزمزم، وكأنك بترادف البيعة وتصافي الولاء يتناظم عليك تناظم الدر في مثاني العقود، وتصافق الأكف على جنبات الحجر الأسود، تلوذ بفنائك من ملأ براهم الله من طهارة الولادة، و نفاسة التربة، مقدسة قلوبهم من دنس النفاق، مهذبة أفئدتهم من رجس الشقاق، لينة عرائكهم للدين، خشنة ضرائبهم عن العدوان، واضحة بالقبول أوجههم، نضرة بالفضل عيدانهم يدينون بدين الحق وأهله، فإذا اشتدت أركانهم، وتقومت أعمادهم قدت بمكانفتهم طبقات الامم إلى إمام، إذ تبعتك في ظلال شجرة دوحة تشعبت أفنان غصونها على حافاة بحيرة طبرية؛ فعندها يتلألأ صبح الحق وينجلي ظلام الباطل، ويقصم الله بك الطغيان، ويعيد معالم الإيمان، يظهر بك استقامة الآفاق، وسلام الرفاق، يود الطفل في المهد لو استطاع إليك نهوضا، ونواشط الوحش لو تجد نحوك مجازا، تهتزّ بك أطراف الدنيا بهجة، وتنشر عليك أغصان العز نضرة، وتستقر بواني الحق في قرارها، وتؤوب شوارد الدين إلى أوكارها، تتهاطل عليك سحائب الظفر، فتخنق كل عدو، وتنصر كل ولي، فلا يبقى على وجه الأرض جبار قاسط، ولا جاحد غامط، ولا شانئ مبغض، ولا معاند كاشح، ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا.
ثم قال: يا أبا إسحاق ليكن مجلسي هذا عندك مكتوماً إلّا عن أهل التصديق والاخوة الصادقة في الدين، إذا بدت لك أمارات الظهور والتمكن فلا تبطئ بإخوانك عنا وباهر المسارعة إلى منار اليقين وضياء مصابيح الدين تلق رشدا إن شاء الله.
قال إبراهيم بن مهزيار: فمكثت عنده حينا أقتبس ما اؤدي إليهم من موضحات الأعلام، ونيِّرات الأحكام ، وأروي نبات الصدور من نضارة ما ادخره الله في طبائعه من لطائف الحكم، وطرائف فواضل القسم حتى خفت إضاعة مخلفي بالأهواز لتراخي اللقاء عنهم؛ فاستأذنته بالقفول، وأعلمته عظيم ما أصدر به عنه من التوحش لفرقته، والتجرع للظعن عن محاله؛ فأذن، وأردفني من صالح دعائه ما يكون ذخرا عند الله ولعقبي وقرابتي إن شاء الله.
فلما أزف ارتحالي، وتهيأ اعتزام نفسي؛ غدوت عليه مودعا، ومجددا للعهد، وعرضت عليه مالاً كان معي يزيد على خمسين ألف درهم، وسألته أن يتفضل بالأمر بقبوله مني، فابتسم، وقال: يا أبا إسحاق استعن به على منصرفك، فإن الشقة قذفة، وفلوات الأرض أمامك جمة، ولا تحزن لإعراضنا عنه، فإنا قد أحدثنا لك شكره، ونشره، وربضناه عندنا بالتذكرة، وقبول المنَّة، فبارك الله فيما خوَّلك، وأدام لك مانولك، وكتب لك أحسن ثواب المحسنين، وأكرم آثار الطائعين، فإن الفضل له ومنه، وأسأل الله أن يردك إلى أصحابك بأوفر الحظ من سلامة الاوبة، وأكناف الغبطة بلين المنصرف، ولا أوعث الله لك سبيلا، ولا حيَّر لك دليلا، وأستودعه نفسك وديعة لا تضيع ولا تزول بمنه ولطفه إن شاء الله.
يا أبا إسحاق: قنعنا بعوائد إحسانه، وفوائد امتنانه، وصان أنفسنا عن معاونة الأولياء لنا عن الإخلاص في النية، وإمحاض النصيحة، والمحافظة على ما هو أنقى و أتقى وأرفع ذكرا.
قال: فأقفلت عنه حامدا لله (عزَّ وجلَّ) على ما هداني وأرشدني، عالما بأن الله لم يكن ليعطل أرضه ولا يخليها من حجة واضحة، وإمام قائم، وألقيت هذا الخبر المأثور والنسب المشهور توخيا للزيادة في بصائر أهل اليقين، وتعريفا لهم ما من الله (عزَّ وجلَّ) به من إنشاء الذرية الطيبة والتربة الزكية، وقصدت أداء الأمانة والتسليم لما استبان ليضاعف الله (عزَّ وجلَّ) الملة الهادية، والطريقة المستقيمة المرضية قوة عزم، وتأييد نيَّة، وشدة أزر، واعتقاد عصمة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم).
فقلت: يا سيِّدي، متى يكون هذا الأمر؟
فقال: إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع الشمس والقمر، واستدار بهما الكواكب والنجوم.
فقلت: متى يا ابن رسول الله؟
فقال لي: في سنة كذا وكذا تخرج دابَّة الأرض من بين الصَّفا والمروة، ومعه عصا موسى، وخاتم سليمان، يسوق النَّاس إلى المحشر.
قال: فأقمت عنده أيَّاماً، وأذن لي بالخروج بعد أن استقصيت لنفسي، وخرجت نحو منزلي.(90)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(90) الغيبة/ الطوسي: ص263 - 266/ تحت رقم 228.
والرواية منقولة بأنحاء أخرى من التفصيل والإيجاز، ويظهر أنَّ المؤلف قد جرى على عادته بنقل الرواية بالمعنى، كما انَّه قد يظهر من بعض موارد الترجمة أنَّه قام بالتلفيق بين بعض منقولات الرواية، والله تعالى أعلم.
وممن روى الرواية: الشيخ الصدوق في كمال الدين: ص445 - 453/ باب43/ حديث 19؛ ومنهم: الشيخ الطبري في دلائل الإمامة: ص 298.
والحكايات، والروايات في هذا الباب كثيرة، ولا يسع هذه الرسالة المختصرة ذكرها جميعاً.
وروى ابن بابويه عن محمَّد بن أبي عبد الله الكوفي أنه ذكر عدد من انتهى إليه ممن وقف على معجزات صاحب الزمان (عليه السلام)، ورآه من الوكلاء ببغداد: العَمْرِي، وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطار.
ومن الكوفة: العاصمي.
ومن أهل الأهواز: محمد بن إبراهيم بن مهزيار.
ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق.
ومن أهل همدان: محمد بن صالح.
ومن أهل الري: البسَّامي، والأسدي - يعني نفسه.
ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء.
ومن أهل نيسابور: محمد بن شاذان.
ومن غير الوكلاء:
من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس،(91) وأبو عبد الله الكندي، وأبو عبد الله الجنيدي، وهارون القزاز، والنيلي، وأبو القاسم بن دبيس،(92)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(91) في بعض النسخ: (أبى حابس) وفى بعضها (أبى عابس).
(92) في بعض النسخ: (بن دميس) وفى بعضها (رميس) وفى بعضها (دبيش).
وأبو عبد الله بن فروخ، ومسرور الطباخ مولى أبى الحسن (عليه السلام)، وأحمد ومحمد ابنا الحسن، وإسحاق الكاتب من بني نيبخت،(93) وصاحب النواء، وصاحب الصرة المختومة.
ومن همدان: محمد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمد بن هارون بن عمران.
ومن الدينور: حسن بن هارون، وأحمد بن أخية،(94) وأبو الحسن.
ومن إصفهان ابن باذشالة.(95)
ومن الصيمرة: زيدان.
ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمد بن محمد، و علي بن محمد بن إسحاق، وأبوه، والحسن بن يعقوب.
ومن أهل الري: القاسم بن موسى، وابنه، وأبو محمد بن هارون، وصاحب الحصاة، وعلي بن محمد، ومحمد بن محمد الكليني، وأبو جعفر الرفاء.
ومن قزوين: مرداس، وعلي بن أحمد.
ومن فاقتر:(96) رجلان.
ومن شهرزور: ابن الخال.
ومن فارس: المحروج.(97)
ومن مرو: صاحب الألف دينار، وصاحب المال، والرقعة البيضاء، وأبو ثابت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(93) كذا في النسخ المصححة. وفى نسخة (بنى نوبخت) وفى بعضها (صاحب الفراء) مكان (صاحب النواء).
(94) وفي بعض النسخ: أحمد وأخوه، أخيه خ. ل.
(95) وفي بعض النسخ: ابن بادشاكة، بالباء الأعجمية المثلثة.
(96) وفي بعض النسخ: قابس، وفي بعض النسخ: قلئن، ولعلها الأرجح.
(97) وفي بعض النسخ: المحووج، وفي بعضها: المجروح.
ومن نيسابور: محمد بن شعيب بن صالح.
ومن اليمن: الفضل بن يزيد، والحسن ابنه، والجعفري، وابن الأعجمي، والشمشاطي.
ومن مصر: صاحب المولودين،(98) وصاحب المال بمكة، وأبو رجاء.
ومن نصيبين: أبو محمد بن الوجناء.
ومن الأهواز: الحصيني.(99)
فيصير العدد مع ما هو مذكور في كتب المعاجز أكثر من سبعين نفراً؛ ولا إشكال في أنَّ الخبر الذي ينقله هذا العدد من الجماعات المختلفين يكون متواتراً تواتراً معنوياً.
وروى الشيخ ابن بابويه بسندٍ معتبرٍ عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن الإمام الصادق أنَّه قال:
إنَّ للقائم منَّا غيبة يطول أمدها.
فقلت له: يا بن رسول الله، ولِمْ ذلك؟
قال: لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أبى إلّا أن تجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) في غيباتهم، وإنَّه لا بدَّ له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله تعالى: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ)(100) أي: سنن من كان قبلكم.(101)
وروى أيضاً عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها يرتاب فيها كل مبطل.
فقلت: ولم، جعلت فداك؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(98) وفي بعض النسخ: صاحبا المولودين.
(99) وفي بعض النسخ: الخصيبي، وفي بعضها الحضيني.
(100) الانشقاق: 19.
(101) كمال الدين/ الصدوق: ص 480 و481.
قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم.
قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟
قال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلى وقت افتراقهما.
يا ابن الفضل: إنَّ هذا الأمر أمر من (أمر) الله تعالى، وسرٌّ من سرِّ الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه (عزَّ وجلَّ) حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف.(102)
وروى الكليني (رحمه الله) عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمَّد بن عثمان العمريّ رضي الله عنه أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ.
فورد التوقيع بخطِّ مولانا صاحب الزَّمان (عليه السلام):
وأمَّا علَّة ما وقع من الغيبة فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)؛(103) إنَّه لم يكن لأحدٍ من آبائي (عليهم السلام) إلّا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنِّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحدٍ من الطواغيت في عنقي.
وأمَّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبتها عن الأبصار السَّحاب، وإنِّي لأمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السَّماء؛ فأغلقوا باب السؤال عمَّا لا يعنيكم، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدُّعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجكم، والسَّلام عليك يا إسحاق بن يعقوب، وعلى من اتَّبع الهدى.(104)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(102) كمال الدين/ الصدوق: ص481 و482/ باب 44/ حديث 11.
(103) المائدة: 102.
(104) كمال الدين: ص483 - 485/ باب 45/ حديث 4.
وروى ابن بابويه بسنده عن جابر الأنصاري أنَّه سأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): إي والذي بعثني بالنبوَّة إنَّهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع النَّاس بالشمس وإن جلَّلها سحاب.(105)
تنبيه:
بعدما قامت الأدلَّة القاطعة والأحاديث المتواترة على وجود الإمام القائم (عليه السلام)، فلا يبقى معنى للإنكار لمجرد استبعاد طول حياته (عليه السلام)؛ مع أنَّ الخضر (عليه السلام) مثله، وأنَّ جميع العامَّة قائلون بوجوده، وكذلك فهم يقولون بأنَّه كان عمر نوح (عليه السلام) أكثر من ألف سنة، وأمَّا وما يتفق مع الروايات المعتبرة فإنَّه كان عمره أكثر من ألفي وخمسمائة سنة.
ويقولون بأنَّ عمر لقمان بن عاد كان ثلاثة آلاف سنة.
ويقولون بأنَّ عمر الدَّجال، وابن صائد يبتدأ من زمان الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى أن ينزل عيسى (عليه السلام) من السماء.
ويقولون أنَّ عمر عيسى (عليه السلام) يمتد إلى ظهور الإمام المهدي (عليه السلام).
فأيُّ استبعاد إذن في أن يمدَّ الحقُّ تعالى في عمر الإمام المهدي، ويبقيَهُ إلى الوقت الذي يرى المصلحة في ظهوره، فيأمره بالظهور؟!
وأمَّا ما يقولونه: ما هي الفائدة من وجود إمام غائب؟
فهذا السؤال لا معنى له، وذلك لوقوع الغيبات الطويلة للأنبياء السابقين كما هو موجود في الروايات المسلَّمة عند الفريقين.
وقد اختفى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن أكثر الخلق في شعب أبي طالب، وفي الطائف، وفي الغار حتَّى أن ظهر في المدينة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(105) كمال الدين: ص253/ باب 23/ حديث 3.
فكل فائدة يمكن وجودها في تلك الغيبات فهي موجودة في غيبته (عليه السلام).
وإذا لا توجد فائدة سوى أن يحصل الشيعة على ثواب كثير غير محدود باعتقادهم إمامة ووجود الإمام المهدي، وانتظارهم ظهوره، فهي كافية؛ كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه سئل: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله (عزَّ وجلَّ)؟
قال: انتظار الفرج.(106)
وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام): تمتدّ الغيبة بوليِّ الله الثَّاني عشر من أوصياء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، والأئمّة بعده.
يا أبا خالد! إنَّ أهل زمان غيبته القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل أهل كلِّ زمان، لأنَّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يديّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالسيف؛ أولئك المخلصون حقاً، وشيعتنا صدقاً، والدُّعاة إلى دين الله سرّاً، وجهراً.
وقال (عليه السلام): انتظار الفرج من أعظم الفرج.
ونقل عنه أيضاً (عليه السلام): من ثبت على ولايتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر، وأحد.
ونقل بأسانيد كثيرة عن الإمام الصَّادق (عليه السلام) أنَّ من انتظر ظهور القائم ومات فهو بمنزلة من كان في فسطاط القائم، بل يكون مثل من استشهد مع رسول الله.(107)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(106) الأمالي/ الصدوق: ص 479.
(107) قد ورد هذا المعنى الذي ذكره المؤلف في مجموعة روايات منها:
روى البرقي في: المحاسن/ 173/ تحت رقم 145/ عن أبيه، عن العلاء بن سيابة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من مات منكم على أمرنا هذا، فهو بمنزلة من ضرب فسطاطه إلى رواق القائم (عليه السلام)، بل بمنزلة من يضرب معه بسيفه، بل بمنزلة من استشهد معه، بل بمنزلة من استشهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وفيه: عن الندي، عن جده قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول فيمن مات على هذا الأمر منتظراً له؟
قال: هو بمنزلة من كان مع القائم (عليه السلام) في فسطاطه.
ثمَّ سكت هنيئة، ثمَّ قال: هو كمن كان مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وفيه: عن ابن فضال، عن عليّ بن عقبة، عن موسى النميري، عن علاء بن سيابة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم.
وفيه: عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن عمر بن أبان الكلبي، عن عبد الحميد الواسطي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أصلحك الله، والله لقد تركنا أسواقنا انتظاراً لهذا الأمر حتى أوشك الرجل منَّا يسأل في يديه.
فقال: يا عبد الحميد، أترى انْ حبس نفسه على الله لا يجعل الله له مخرجاً؟! بلى؛ والله ليجعلنَّ الله له مخرجاً.
رحم الله عبداً حبس نفسه علينا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا.
قال: فقلت: فإن متُّ قبل أن أدرك القائم؟
فقال: القائل منكم: إن أدركتُ القائم من آل محمَّد نصرته؛ كالمقارع معه بسيفه، والشهيد معه له شهادتان.
وفيه: عنه، عن عليّ بن النعمان، قال: حدَّثني إسحاق بن عمَّار وغيره، عن الفيض بن مختار، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من مات منكم وهو منتتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم في فسطاطه.
قال: ثمَّ مكث هنيئة، ثمَّ قال: لا، بل كمن قارع معه بسيفه.
ثمَّ قال: لا، والله إلّا كمن استشهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
ونقل عن الإمام الصَّادق (عليه السلام): يأتي على النَّاس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثَّابتين على أمرنا في ذلك الزمان.
إنَّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم البارئ (جلَّ جلاله)، فيقول: عبادي، وإمائي! آمنتم بنبييِّ، وصدَّقتم بغيبي، فابشروا بحسن الثواب منِّي، فأنتم عبادي وإمائي حقَّاً، منكم أتقبَّل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي.
قال جابر: فقلت: يا بن رسول الله؛ فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزَّمان؟
قال: حفظ اللسان، ولزوم البيت.(108)
والأحاديث في هذا الباب أكثر من تعدَّ، أو تحصى.
ومع هذا فمن أين يعلم أن الانتفاع به (عليه السلام) لم يظهر بالشكل الذي أخفى هويته، ولم يعرفوه؟!
كما ورد: أنَّه (عليه السلام) يحضر الحجَّ كلَّ سنة، ويعرف النَّاس والنَّاس لا يعرفونه.(109)
(وورد أنَّه)(110) عندما يظهر يقول (جميع النَّاس):(111) إننا رأيناه، ولكننا لم نعرفه.(112)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(108) كمال الدين: ص 330/ باب 32/ حديث 15.
(109) هناك عدَّة روايات في هذا المعنى، أهمُّها:
ما رواه الشيخ الطوسي في الغيبة: ص 364/ تحت فقرة 329؛ والشيخ الصدوق في كمال الدين: ص440/ الباب 43/ حديث 8؛ بإسناده عن عبد الله بن جعفر الحميري عن محمَّد بن عثمان العمري قال: سمعته يقول: والله إنَّ صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كلَّ سنة، فيرى النَّاس ويرونه ولا يعرفونه.
وروى الشيخ الكليني في الكافي: الأصول/ ج 1/ ص 337؛ ورواه الشيخ الصدوق في كمال الدين: ص 346/ الباب 33/ حديث 33؛ ورواه في: ص 351/ باب33/ حديث 49؛ ورواه في: ص440/ الباب 43/ حديث 7، كما رواه الشيخ النعماني في غيبته: ص 175/ حديث 13؛ وروه الشيخ الطبري في دلائل الإمامة: ص 531/ تحت رقم 509؛ بأسانيدهم إلى عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يفقد النَّاس إمامهم، فيشهد الموسم فيراهم ولا يرونه.
ولا إشكال من أنَّ المقصود بعبارة: (ولا يرونه) أي ولا يعرفونه، كما نصَّ عليه أكثر من واحد من الأفاضل، وهذا المعنى ينسجم مع استخدامات اللغة العربية، ويمكنك التأكد بمراجعة معاجم وقواميس اللغة العربية.
(110) أضفنا هذه العبارات لضرورة الإيضاح.
(111) هذه الرواية بمعناها مشهورة على الألسن ولكننا لم نعثر على مصدر مسند لها، وبطبيعي الحال فإنَّ عدم وجودها في مصدر لا يجعلها في عداد الموضوعات، بل إنَّ مجرَّد مشهوريتها على الألسن يكفي لصحة العمل والاستدلال بها عند أصحاب هذا المبنى.
(112) هذه الرواية بمعناها مشهورة على الألسن ولكننا لم نعثر على مصدر مسند لها، وبطبيعي الحال فإنّ عدم وجودها في مصدر لا يجعلها في عداد الموضوعات، بل إنّ مجرّد مشهوريتها على الألسن يكفي لصحة العمل والاستدلال بها عند أصحاب هذا المبنى.
فلماذا يستبعد إذن أن يكون حجة الله في وقت من الأوقات مختفياً ولكنَّه يختلف بينهم، ويمشي في أسواقهم، ويطأ فرشهم وهم لا يعرفونه حتَّى يأذن الله تعالى له فيعرِّفهم بنفسه.
ويقول المتكلمون:
يجب على الحقِّ تعالى أن ينصب الحجَّة، لأنَّ اللطف واجب عليه، وإذا أخافه النَّاس فغاب، فإنَّ هذا سيكون من تقصير نفس النَّاس، وأمَّا حجَّة الله فقد تمَّت عليهم؛ وسوف يفوز الذين لم يقصِّروا في هذا الموضوع بالثواب العظيم، وبالخصوص حينما تنتشر مسائل الدين ويبيِّنها مثل الفقهاء ورواة الأخبار؛ فأين الحيرة التي سوف تقع للشيعة كما قال الإمام الصَّادق (عليه السلام): فإنَّ فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.(113)
وقد جاءت الأوامر، والتوقيعات من صاحب الأمر (عليه السلام) إلى الشيعة:(114) وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا (أحاديثنا خ. ل) فإنَّهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليهم.(115)
والله يهدي من يشاء:
ومن جملة معجزات الإمام الصَّاحب (عليه السلام) بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) ما رواه الشيخ الجليل محمَّد بن بابويه القمي (رحمه الله) عن أبي الأديان أنَّه قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(113) الكافي: الأصول/ ج 1/ ص 32/ باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء، حديث 2.
وكان صدر الحديث: البحتري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنَّ العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أنَّ الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنَّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم؛ فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً، فانظروا علمكم هذا عمَّن تأخذونه.
(114) كمال الدين: ص 484/ باب 45/ حديث 4.
(115) في المتن الفارسي زيادة: في أيام غيبتنا أرجعوا... الخ، ويظهر أنَّها من طريقة الترجمة بالمعنى.
وحدَّث أبو الأديان قال: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وأحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت عليه في علتِّه التي توفي فيها صلوات الله عليه، فكتب معي كتباً، وقال: امض بها إلى المدائن، فإنَّك ستغيب خمسة عشر يوماً، وتدخل إلى سرَّ مَنْ رأى يوم الخامس عشر، وتسمع الواعية في داري، وتجدني على المغتسل.
قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمَنْ؟
قال: مَنْ طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي.
فقلت: زدني.
فقال: مَنْ يصلي علي فهو القائم بعدي.
فقلت: زدني.
فقال: مَنْ أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي.
ثم منعتني هيبته أن أسأله عمَّا في الهميان، وخرجت بالكتب إلى المدائن، وأخذت جواباتها، ودخلت سرَّ مَنْ رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي (عليه السلام)، فإذا أنا بالواعية في داره، وإذا به على المغتسل، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار، والشيعة من حوله يعزُّونه ويهنّئونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام، فقد بطلت الإمامة، لأنِّي كنت أعرفه يشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور.
فتقدَّمت، فعزَّيت، وهنئت، فلم يسألني عن شيء.
ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي؛ قد كفِّن أخوك، فقم، وصلِّ عليه.
فدخل جعفر بن علي، والشيعة من حوله؛ يقدمهم السَّمان، والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة.
فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن عليّ صلوات الله عليه على
نعشه مكفناً، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلَّما همَّ بالتكبير خرج صبيٌّ بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن عليّ، وقال: تأخر يا عم! فأنا أحق بالصلاة على أبي.
فتأخر جعفر، وقد اربدَّ وجهه، واصفرَّ، فتقدَّم الصبيُّ، وصلّى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام) ثم قال: يا بصري! هات جوابات الكتب التي معك.
فدفعتها إليه، فقلت في نفسي: هذه بيِّنتان، بقي الهميان، ثم خرجت إلى جعفر بن علي، وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي! مَنْ الصبيّ لنقيم الحجَّة عليه؟
فقال: والله ما رأيته قط، ولا أعرفه.
فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم، فسألوا عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، فعرفوا موته، فقالوا: فمَنْ (نعزِّي)؟
فأشار الناس إلى جعفر بن عليّ؛ فسلَّموا عليه، وعزَّوه، وهنئُوه، وقالوا: إنَّ معنا كتباً ومالاً، فتقول ممَّنْ الكتب؟ وكم المال؟
فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منَّا أنْ نعلم الغيب!!
قال: فخرج الخادم، فقال: معكم كتب فلان، وفلان، (وفلان)، وهميان فيه ألف دينار، وعشرة دنانير منها مطليَّة، فدفعوا إليه الكتب، والمال، وقالوا: الذي وجَّه بك لأخذ ذلك هو الإمام.
فدخل جعفر بن عليّ على المعتمد، وكشف له ذلك، فوجَّه المعتمد بخدمه، فقبضوا على صقيل الجارية، فطالبوها بالصبيِّ، فأنكرته، وادَّعَتْ حبلاً بها لتغطى حال الصبيّ، فَسُلِّمَتْ إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم.(116)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(116) كمال الدين/ الصدوق: ص 475/ الباب 43/ حديث 25.
وروى الشيخ الطوسي عليه الرَّحمة عن رشيق صاحب المادراي: بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر فأمرنا أن يركب كلُّ واحدٍ منَّا فرساً، ونجنب آخر، ونخرج مخفِّين لا يكون معنا قليلٌ ولا كثيرٌ إلّا على السرج مصلَّى، وقال لنا: الحقوا بسامرَّة، ووصف لنا محلَّة، وداراً، وقال: إذا أتيتموها تجدون على الباب خادما أسود فاكبسوا الدار، ومَنْ رأيتم فيها فأتوني برأسه.
فوافينا سامرَّة، فوجدنا الأمر كما وصفه، وفي الدهليز خادم أسود، وفي يده تكَّة ينسجها، فسألناه عن الدار، ومن فيها، فقال: صاحبها، فوالله ما التفت إلينا، وقلَّ اكتراثه بنا، فكبسنا الدار كما أمرنا، فوجدنا داراً سَرِيَةً، ومقابل الدار ستر ما نظرت قطُّ أنبل منه، كأنَّ الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت، ولم يكن في الدار أحد.
فرفعنا الستر، فإذا بيت كبير كأنَّ بحرا فيه ماء، وفي أقصى البيت حصير قد علمنا أنه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي، فلم يلتفت إلينا، ولا إلى شيء من أسبابنا.
فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطى البيت، فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه، فخلصته، وأخرجته، وغشي عليه، وبقي ساعة.
وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل، فناله مثل ذلك.
وبقيت مبهوتاً، فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلى الله، وإليك، فوالله ما علمت كيف الخبر، ولا إلى من أجئ، وأنا تائب إلى الله.
فما التفت إلى شيء مما قلنا، وما انفتل عمَّا كان فيه، فهالنا ذلك، وانصرفنا عنه.
وقد كان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدَّم إلى الحجَّاب إذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان. فوافيناه في بعض الليل، فأدْخِلْنا عليه، فسألنا عن الخبر، فحكينا له ما رأينا، فقال: ويحكم لقيكم أحد قبلي، وجرى منكم إلى أحد سبب أو قول؟
قلنا: لا.
فقال: أنا نفي من جدي، وحلف بأشدّ أيمان له أنه رجل إن بلغه هذا الخبر ليضربنَّ أعناقنا، فما جسرنا أن نحدِّث به إلا بعد موته.(117)
وروى محمَّد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) عن أحد جلاوزة الخليفة العبَّاسي أنَّه قال:
عن بعض جلاوزة السواد قال: شاهدت سيماء آنفا بسرَّ مَنْ رأى، وقد كسر باب الدار، فخرج عليه وبيده طبرزين فقال له: ما تصنع في داري؟
فقال سيماء: إنَّ جعفراً زعم أن أباك مضى ولا ولد له، فإن كانت دارك فقد انصرفت عنك، فاخرج عن الدار.
قال علي بن قيس: فخرج علينا خادم من خدم الدار، فسألته عن هذا الخبر.
فقال لي: مَنْ حدَّثك بهذا؟
فقلت له: حدَّثني بعض جلاوزة السواد.
فقال لي: لا يكاد يخفى على الناس شيء.(118)
والسَّلام على من استقرَّ على ولايتهم، وانتظر فرج آل محمَّد (عليهم السلام).
وقال ابن بابويه بعد نقله هذا الحديث:
هذا الخبر يدل على أن الخليفة كان يعرف هذا الأمر كيف هو، وأين هو، وأين موضعه، فلهذا كفَّ عن القوم عمَّا معهم من الأموال، ودفع جعفر الكذاب عن مطالبتهم، ولم يأمرهم بتسليمها إليه إلّا أنه كان يحب أن يخفى هذا الأمر، ولا ينشر؛ لئلا يهتدي إليه الناس، فيعرفونه.
وقد كان جعفر الكذاب حمل إلى الخليفة عشرين ألف دينار لما توفي الحسن بن علي (عليهما السلام)، وقال: يا أمير المؤمنين تجعل لي مرتبة أخي الحسن ومنزلته؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(117) الغيبة/ الطوسي: ص 248 - 250/ تحت فقرة 216.
(118) الكافي/ الكليني: ج 1/ ص 331.
فقال الخليفة: اعلم أن منزلة أخيك لم تكن بنا إنَّما كانت بالله (عزَّ وجلَّ)، ونحن كنا نجتهد في حط منزلته، والوضع منه، وكان الله (عزَّ وجلَّ) يأبى إلّا أن يزيده كل يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة، وحسن السمت، والعلم، والعبادة، فإنْ كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن عندهم بمنزلته، ولم يكن فيك ما كان في أخيك لم نغن عنك في ذلك شيئا.(119)
الحديث السادس عشر: (النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) يخبر عن الإمام المهدي (عليه السلام)):
قال أبو محمَّد بن شاذان:
حدَّثنا الحسن بن سالم، عن أبيه، عن أبي حمزة الثَّمالي، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عبَّاس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (لمَّا خلق الله الدُّنيا أطلع إلى الأرض إطلاعة فاختارني منها فجعلني نبيَّاً، ثَّم أطلع الثَّانية فاختار منها علياً فجعله إماماً، ثم أمرني أن أتَّخذه أخاً وولياً ووصياً وخليفةً ووزيراً، فعليٌّ منِّي وأنا من عليّ، وهو زوج ابنتي، وأبو سبطيَّ الحسن والحسين، ألا وإنَّ الله تبارك وتعالى جعلني وإياهم حججاً على عباده، وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري، ويحفظون وصيتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي، ومهدي أمتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله؛ يظهر بعد غيبة طويلة، وحيرة مضلة، فيعلن أمر الله، ويظهر دين الله (عزَّ وجلَّ)، يؤيد بنصر الله، وينصر بملائكة الله، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلم).
الحديث السابع عشر: (خلفاء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) الإثني عشر (عليهم السلام) برواية عمار بن ياسر عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم))(120):
حدَّثنا الحسن بن عليّ بن فضال رضي الله عنه، عن عبد الله بن بكير، عن عبد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(119) كمال الدين/ الصدوق: ص 479.
(120) هكذا في أصل الكتاب، والظاهر ان المؤلف (رحمه الله) ينقله من كتاب الفضل بن شاذان، كما هو موجود في كتاب كفاية المهتدي.
الملك بن إسماعيل الأسديّ عن أبيه، عن سعيد بن جبير قال: قيل لعمَّار بن ياسر: ما حملك على حبِّ عليّ بن أبي طالب؟
قال: قد حملني الله، ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وقد أنزل الله تعالى فيه آياتٍ جليلة، وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيه أحاديث كثيرةً.
فقيل له: هلاّ تحدِّثني بشيء ممَّا قال فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟
قال: ولِمَ لا أحِّدث! ولقد كنتُ بريئاً من الذين يكتمون الحقَّ، ويظهرون الباطل.
ثمَّ قال: كنت مع رسول الله، فرأيت عليَّاً (عليه السلام) في بعض الغزوات قد قتل عدَّة من أصحاب راية قريش، فقلت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): يا رسول الله؛ إنَّ عليَّاً قد جاهد في الله حقَّ جهاده.
فقال: وما يمنعه منه، إنَّه منِّي وأنا منه؛ وإنَّه وارثي، وقاضي ديني، ومنجز وعدي، وخليفتي من بعدي، ولولاه لم يُعرف المؤمن المحض في حياتي وبعد وفاتي؛ حربه حربي، وحربي حرب الله؛ وسلمه سلمي، وسلمي سلم الله؛ ويخرج الله من صلبه الأئمّة الرَّاشدون.
فاعلم يا عمَّار! إنَّ الله تبارك وتعالى عهد إليَّ أن يعطيني اثني عشر خليفة؛ منهم عليّ، وهو أوَّلهم، وسيّدهم.
فقلت: ومَنْ الآخرون منهم يا رسول الله؟
قال: الثاني منهم الحسن بن عليّ بن أبي طالب؛ والثالث منهم الحسين بن عليّ بن أبي طالب؛ والرابع منهم عليّ بن الحسين زين العابدين؛ والخامس منهم محمَّد بن عليّ؛ ثمَّ ابنه جعفر؛ ثمَّ ابنه موسى؛ ثمَّ ابنه عليّ؛ ثمَّ ابنه محمَّد؛ ثمَّ ابنه عليّ؛ ثمَّ ابنه الحسن؛ ثمَّ ابنه الذي يغيب عن النَّاس غيبة طويلة، وذلك قوله تبارك وتعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ).(121)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(121) الملك: 30.
ثمَّ يخرج، ويملأ الدُّنيا قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً.
يا عمَّار! سيكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فاتَّبع عليَّاً، وحزبه؛ فإنَّه مع الحقّ، والحقُّ معه.
وإنَّك ستقاتل الناكثين، والقاسطين معه، ثمَّ تقتلك الفئة الباغية، ويكون آخر زادك من الدُّنيا شربة من لَبَن تشربه.
قال سعيد: فكان كما أخبره رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
صدق الله العظيم، وصدق رسوله الكريم، وصلَّى الله على محمَّد وآله أجمعين.
الحديث الثامن عشر: (اشتقاق أسمائهم (عليهم السلام) من أسماء الله (عزَّ وجلَّ)): (122)
قال الشيخ الفقيه أبو الحسن محمَّد بن أحمد بن عليّ بن الحسين بن شاذان القمِّي (رحمه الله) في المائة التِّي جمعها من طرق العامَّة:
حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن عبيد الله الحافظ قال: حدَّثنا عليُّ بن سنان الموصليّ، قال: حدَّثنا أحمد بن محمد بن صالح قال: حدَّثنا سليمان بن أحمد قال: حدَّثنا ريَّان بن مسلم قال: حدَّثنا عبد الرحمان بن يزيد بن جابر قال: حدَّثنا سلامة، عن أبي سليمان راعي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال:
سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول: لمَّا أسري بي إلى السماء قال لي الجليل (جلَّ جلاله): (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) قلت: (وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ).
قال: صدقت يا محمّد، مَنْ خلّفت في أمتك؟
قلت: خيرها.
قال: علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟
قلت: نعم يا رب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(122) هكذا وجد الرقم مكرراً في النسخة.
قال: يا محمّد! إنِّي اطلعت على أهل الأرض فاخترتك منها، فشققت لك اسماً من أسمائي، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمّد.
ثمَّ اطلعت الثانية فاخترت منها عليَّاً، فشققت له اسماً من أسمائي وأنا الأعلى، وهو عليّ.
يا محمّد! إنِّي خلقتك، وخلقت عليَّاً، وفاطمة، والحسن، والحسين، والأئمّة من ولده من سنخ نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السَّماوات، وأهل الأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين.
يا محمّد! لو أنَّ عبداً من عبيدي عبدني حتى ينقطع ويصير كالشنِّ البالي، ثَّم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم.
يا محمّد! تحب أن تراهم؟
قلت: نعم يا ربّ.
فقال لي: التفت عن يمين العرش.
فالتفت؛ فإذا أنا بعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمد بن عليّ، وعليّ بن محمد، والحسن بن عليّ، والمهديِّ في ضحضاح من نور، قيام يصلون و في وسطهم المهدي يضيء كأنه كوكب دري.
فقال: يا محمّد! هؤلاء الحجج، وهو الثائر من عترتك، وعزَّتي وجلالي إنه الحجَّة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي.(123)
ونقل ابن بابويه (رحمه الله) هذا الحديث في كتاب كمال الدين وتمام النِّعمة بسندٍ آخر غير سند أبي سليمان الرَّاعي، وكان في آخره: (فيخرج اللات والعزَّى طريين، فيحرقهما، فلفتنة النَّاس يومئذٍ بهما أشدُّ من فتنة العجل، والسَّامريِّ).(124)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(123) راجع: كمال الدين/ الصدوق: ج1/ ص 252/ ح2؛ الغيبة/ النعماني: ص 93/ ح 24.
(124) راجع كمال الدين: ص 252 و253/ الباب 23/ حديث 3.
والمقصود من اللات، والعزى في هذا الحديث: أبا بكر، وعمر عليهما ما عليهما.
والسَّلام على من اتبع الهدى.
وروى ابن بابويه حديثاً في كتاب الخصال أنَّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) عرج إلى السماء، وارتقى إلى عرش الحقِّ تعالى مائة وعشرين مرَّة، وهذا الحديث هو:
عرج بالنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) مائة وعشرين مرَّة، ما من مرَّة إلا وقد أوصى الله تعالى فيها النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالولاية لعليّ، والأئمّة (عليهم السلام) أكثر ممَّا أوصاه بالفرائض.(125)
وقد يكون المقصود من الولاية في هذا الحديث هو ولاية أمير المؤمنين على الأمَّة، وكان سبب التوصيَّة من أجل التأكيد، كما بيَّن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) أيضاً مكرراً بالنصوص الجليَّة والخفيَّة عليه (عليه السلام) في باب إمامته، وخلافته (عليه السلام).
الحديث التاسع عشر: (حديث جندل بن جنادة اليهودي، والمفضل بن عمر):
قال أبو محمَّد بن شاذان عليه الرَّحمة:
حدَّثنا محمَّد بن الحسن الواسطي رضي الله عنه قال: حدثنا زفر بن الهذيل قال: حدثنا سليمان بن مهران الأعمش قال: حدثنا مورق قال: حدثنا جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخل جندل بن جنادة اليهوديُّ على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فقال: يا محمّد، اخبرني عمَّا ليس لله، وعمَّا ليس عند الله، وعمّا لا يعلمه الله.
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): أمَّا ليس لله؛ فليس لله شريك؛ وأمَّا ليس عند الله، فليس عند الله ظلم؛ وأمَّا ما لا يعلمه الله فذلكم قولكم اليهود: إنَّ عزيراً ابن الله، والله لا يعلم له ولداً.
فقال جندل: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنَّك رسول الله حقَّاً.
ثمَّ قال: يا رسول الله إنِّي رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران (عليه السلام)، فقال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(125) الخصال: 600.
لي: يا جندل اسلم على يد محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، واستمسك بالأوصياء من بعده؛ فقد أسلمت، ورزقني الله ذلك، فاخبرني بالأوصياء بعدك لأستمسك بهم.
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): يا جندل، أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل.
فقال: يا رسول الله! إنَّهم كانوا اثني عشر، هكذا وجدنا في التوراة.
قال: نعم! الذين هم أوصيائي من بعدي اثنا عشر.
فقال: يا رسول الله! كلُّهم في زمن واحد؟
قال: لا؛ خلفٌ بعد خلف، فإنَّك تدرك سيِّد الأوصياء، ووارث علم الأنبياء، وأبا الأئمّة الأتقياء عليَّ بن أبي طالب بعدي، ثمَّ ابنيه الحسن والحسين، فاستمسك بهم من بعدي فلا يغرنَّك جهل الجاهلين.
فإذا كانت وقت ولادة ابني عليّ بن الحسين زين العابدين يقضي الله عليك، ويكون آخر زادك شربة لبن تشربه.
فقال: يا رسول الله! فما أسامي الأوصياء الذين يكونون أئمّة المسلمين بعد عليّ بن الحسين؟
قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): وساق (صلّى الله عليه وآله وسلم) الحديث إلى أن قال: فإذا انقضت مدة عليّ (عليه السلام)، قام بالأمر بعده محمَّد ابنه يدعى بالباقر، فإذا انقضت مدَّة محمَّد قام بالأمر جعفر ابنه يدعى بالصَّادق، فإذا انقضت مدَّة جعفر قام بالأمر بعده موسى ابنه يدعى بالكاظم، فإذا انقضت مدَّة موسى قام بالأمر بعده عليّ ابنه يدعى بالرِّضا، فإذا انقضت مدَّة عليّ قام بالأمر بعده محمَّد ابنه يدعى بالتقي، فإذا انقضت مدَّة محمَّد قام بالأمر عليّ ابنه يدعى بالنَّقي، فإذا انقضت مدَّة عليّ قام بالأمر بعده الحسن ابنه يدعى بالزَّكي، ثم يغيب عن الناس إمامهم.
قال: يا رسول الله، يغيب الحسن منهم؟
قال: لا؛ ولكن ابنه الحجة، يغيب عنهم غيبة طويلة.
قال: يا رسول الله، فما اسمه؟
قال: لا يسمى حتى يظهره الله.
فقال جندل: قد بشَّرنا موسى بن عمران بك، وبالأوصياء من ذريتك، ثم تلا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً).(126)
قال جندل: فما خوفهم؟
قال: يا جندل! في زمن كل واحد منهم شيطان يعتريه ويؤذيه، فإذا أذن الله للحجة خرج، وطهَّر الأرض من الظالمين فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا؛ طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محجته، والثَّابتين في موالاته، ومحبَّته، أولئك وصفهم الله في كتابه فقال: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ).(127)
وقال: (أولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ).(128)
ثمَّ قال جابر: عاش جندل بن جنادة إلى أيام الحسين بن علي (عليهما السلام)، ثم خرج إلى الطائف، فمرض فدعا بشربة من لبن فشربه، وقال: وكذا عهد إليَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، أنه يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن.
ثم مات، ودفن بالطائف في الموضع المعروف بالكوراء (رحمه الله).
وروى الشيخ حسن بن سليمان (رحمه الله) في كتاب منتخب البصائر بسندٍ معتبر عن المفضَّل بن عمر أنَّه قال:(129)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(126) النور: 55.
(127) البقرة: 4.
(128) المجادلة: 22.
(129) الظاهر أنَّ المؤلف قد جرى على منهجه فترجم مختصر الرواية على نحو النقل بالمعنى في كثير من الأحيان، وبما أنَّ المؤلف (رحمه الله) قد ذكر المصدر، فآلينا الرجوع إلى نفس المصدر ونقل الرواية كما جاءت فيه رعاية للحفاظ على الأمانة بالنقل، ولذلك لم نجد حاجة إلى الإشارة بالهامش للاختلافات.
سألت سيدي الصادق (عليه السلام) هل المأمول المنتظر المهدي (عليه السلام) مِنْ وقت موَّقت يعلمه النَّاس؟
فقال: حاش لله أن يوَّقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا.
قلت: يا سيدي! ولم ذاك؟
قال: لأنَّه هو الساعة التي قال الله تعالى: (يَسْألُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلّا بَغْتَةً)(130)... الآية.
وهو الساعة التي قال الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها).(131)
وقال عنده علم الساعة ولم يقل أنَّها عند أحد.
وقال: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها)(132) الآية.
وقال: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ).(133)
وقال: (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ).(134)
قلت: فما معنى يمارون؟
قال: يقولون متى ولد، ومن رآه، وأين يكون، ومتى يظهر؛ وكلُّ ذلك استعجالا لأمر الله، وشكاً في قضائه، ودخولا في قدرته، أولئك الذين خسروا الدنيا، وان للكافرين لشر مآب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(130) الأعراف: 187.
(131) النّازعات: 42.
(132) محمّد: 18.
(133) القمر: 2.
(134) الشورى: 17 و18.
قلت: أفلا يوَّقت له وقت؟
فقال: يا مفضَّل! لا أوقِّت له وقتاً، ولا يوقَّت له وقت؛ إنَّ مَنْ وقَّت لمهدينا وقتاً فقد شارك الله تعالى في علمه، وادعى إنَّه ظهر على سرِّه، وما لله من سرٍّ إلا وقد وقع إلى هذا الخلق المعكوس، الضالِّ عن الله، الراغب عن أولياء الله، وما لله من خبر إلّا وهم أخصّ به لسرِّه وهو عندهم، وقد أصين من جهلهم، وإنَّما ألقى الله إليهم ليكون حجة عليهم.
قال المفضل: يا مولاي، فكيف يدري ظهور المهدي (عليه السلام)، وان إليه التسليم؟
قال (عليه السلام): يا مفضل! يظهر في شبهة ليستبين، فيعلو ذكره، ويظهر أمره، وينادي باسمه، وكنيته، ونسبه، ويكثر ذلك على أفواه المحقِّين، والمبطلين، والموافقين؛ لتلزمهم الحجة بمعرفتهم به على إنَّه قد قصصنا، ودللنا عليه، ونسبناه، وسميناه، وكنيناه، وقلنا سمي جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وكنيّه، لئّلا يقول الناس: ما عرفنا له اسماً، ولا كنيةً، ولا نسباً؛ والله ليتحقق الإيضاح به، وباسمه، ونسبه، وكنيته على ألسنتهم حتى ليسميه بعضهم لبعض كل ذلك للزوم الحجة عليهم، ثم يظهره كما وعد به جده (صلّى الله عليه وآله وسلم) في قوله (عزَّ وجلَّ): (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ).(135)
قال المفضَّل: يا مولاي، فما تأويل قوله تعالى: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ)؟
قال (عليه السلام): هو قوله تعالى: (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ)،(136) فوالله يا مفضَّل ليرفع عن الملل والأديان الاختلاف، ويكون الدين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلّه واحدا كما قال جلَّ ذكره: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ)،(137) وقال الله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرِينَ).(138)
قال المفضَّل: قلت: يا سيدي ومولاي، والدَّين الذي في آبائه إبراهيم، ونوح، وموسى، وعيسى، ومحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) هو الإسلام؟
قال: نعم يا مفضَّل، هو الإسلام لا غير.
قلت: يا مولاي، أتجده في كتاب الله؟
قال: نعم، من أوله إلى آخره، ومنه هذه الآية: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ)، وقوله تعالى: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ)(139) ومنه قوله تعالى في قصة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام): (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ)(140) وقوله تعالى في قصة فرعون: (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ).(141)
وفى قصة سليمان وبلقيس: (قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)،(142) وقولها: (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ للهِ رَبِّ العالَمِينَ).(143)
وقول عيسى (عليه السلام): (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).(144)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(137) آل عمران: 19.
(138) آل عمران: 85.
(139) الحج: 78.
(140) البقرة: 128.
(141) يونس: 90.
(142) النمل: 38.
(143) النمل: 44.
(144) آل عمران: 52.
وقوله (عزَّ وجلَّ): (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ).(145)
وقوله في قصة لوط (عليه السلام): (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ المُسْلِمِينَ).(146)
ولوط (عليه السلام) قبل إبراهيم (عليه السلام).
وقوله: (قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أنْزِلَ عَلَيْنا... لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).(147)
وقوله تعالى: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ... وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).(148)
قلت: يا سيدي، كم الملل؟
قال: أربعة؛ وهي شرايع.
قال المفضل: قلت: يا سيدي، المجوس، لم سُمُّوا المجوس؟
قال (عليه السلام): لأنَّهم تمجسوا في السريانية، وادعوا على آدم، وشيث (عليهما السلام) - وهو هبة الله - إنَّهما أطلقا لهم نكاح الأمهات، والأخوات، والبنات، والخالات، والعمات، والمحرمات من النساء؛ وأنَّهما أمراهم أن يصلّوا إلى الشمس حيث وقفت في السماء، ولم يجعل لصلاتهم وقتاً، وإنَّما هو افتراء على الله الكذب، وعلى آدم، وشيث (عليهما السلام).
قال المفضل: يا مولاي وسيدي، لم سمي قوم موسى اليهود؟
قال (عليه السلام): لقول الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ)(149) أي: اهتدينا إليك.
قال: فالنصارى؟
قال (عليه السلام): لقول عيسى (عليه السلام): (قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ)(150) وتلا الآية إلى آخرها فسموا النصارى لنصرة دين الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(145) آل عمران: 83.
(146) الذاريات: 36.
(147) آل عمران: 84.
(148) البقرة: 133.
(149) الأعراف: 156.
(150) آل عمران: 52.
قال المفضل فقلت: يا سيدي، فلم سمي الصابئون الصابين؟
فقال: إنَّهم صبوا إلى تعطيل الأنبياء، والرسل، والملل، والشرايع، وقالوا:كلما جاءوا به باطل، فجحدوا توحيد الله تعالى، ونبوَّة الأنبياء، ورسالة المرسلين، ووصية الأوصياء؛ فهم بلا شريعة، ولا كتاب، ولا رسول، وهم معطلة العالم.
قال المفضَّل: سبحان الله، ما أجلّ هذا مِنْ علم!
قال (عليه السلام): نعم، يا مفضل! فالقه إلى شيعتنا لئلا يشكُّوا في الدين.
قال المفضل: يا سيدِّي، في أي بقعة يظهر المهدي؟
قال (عليه السلام): لا تراه عين في وقت ظهوره إلّا رأته كل عين، فمن قال لكم غير هذا فكذبوه.
قال المفضل: يا سيدي، ولا يرى وقت ولادته؟
قال: بلى؛ والله ليرى من ساعة ولادته إلى ساعة وفاة أبيه سنتين وتسعة أشهر، أوَّل ولادته وقت الفجر من ليلة الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين إلى يوم الجمعة لثمان ليال خلون من ربيع الأوّل سنة ستين ومائتين وهو يوم وفاة أبيه بالمدينة التي بشاطئ دجلة يبنيها المتكبر الجبار المسمى باسم جعفر الضال الملقب بالمتوكل، وهو المتآكل (لعنه الله تعالى) وهي مدينة تدعى بسُرَّ مَنْ رأى وهي ساء مَنْ رأى يرى شخصه المؤمن المحق سنة ستين ومائتين ولا يراه المشكك المرتاب، وينفذ فيها أمره، ونهيه، ويغيب عنها فيظهر في القصر بصابر بجانب المدينة في حرم جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فيلقاه هناك مَنْ يسعده الله بالنظر إليه، ثم يغيب في آخر يوم من سنة ست وستين ومائتين، فلا تراه عين أحد حتى يراه كل أحد وكل عين.
قال المفضل: قلت: يا سيدي، فمَنْ يخاطبه، ولمن يخاطب؟
قال الصادق (عليه السلام): تخاطبه الملائكة المؤمنون من الجن، ويخرج أمره، ونهيه إلى ثقاته، وولاته، ووكلائه... ثم يظهر بمكة؛ ووالله يا مفضل، كأني أنظر إليه دخل
مكة وعليه بردة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعلى رأسه عمامة صفراء وفي رجليه نعلا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) المخصوفة وفي يده هراوته (عليه السلام) يسوق بين يديه أعنزاً عجافاً حتى يصل بها نحو البيت ليس ثَمَّ أحد يعرفه، ويظهر وهو شاب حزور.
قال المفضل: يا سيدي، يعود شاباً، أو يظهر في شيبته؟
فقال (عليه السلام): سبحان الله، وهل يُعْرَفُ ذلك؟! يظهر كيف شاء، وبأيِّ صورة شاء، إذا جاءه الأمر من الله تعالى مجده وجلَّ ذكره.
قال المفضل: يا سيدي، فمن أين يظهر؟ وكيف يظهر؟
قال (عليه السلام): يا مفضَّل! يظهر وحده، ويأتي البيت وحده، ويلج الكعبة وحده، ويجنُّ عليه الليل وحده؛ فإذا نامت العيون، وغسق الليل نزل إليه جبرئيل، وميكائيل (عليهما السلام)، والملائكة صفوفاً، فيقول له جبرئيل (عليه السلام): يا سيدي؛ قولك مقبول، وأمرك جائز.
فيمسح يده على وجهه (عليه السلام)، ويقول: الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض نتبوء من الجنة حيث نشاء، فنعم أجر العاملين.
ويقف بين الركن والمقام فيصرخ صرخة، فيقول: يا معشر نقبائي، وأهل خاصَّتي، ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض! أئتوني طائعين.
فترد صيحته (عليه السلام) عليهم وهم في محاريبهم، وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها، فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل، فيجيئون نحوها، ولا يمضى لهم إلا كلمحة بصر حتى يكون كلّهم بين يديه (عليه السلام) بين الركن والمقام، فيأمر الله (عزَّ وجلَّ) النور فيصير عموداً من الأرض إلى السماء، فيستضيء به كل مؤمن على وجه الأرض، ويدخل عليه نور من جوف بيته فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور وهم لا يعلمون بظهور قائمنا أهل البيت (عليهم السلام)، ثم يصبحون وقوفاً بين يده (عليه السلام)، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدَّة أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر.
قال المفضَّل: يا مولاي ويا سيدي، فالاثنان وسبعون رجلا الذين قتلوا مع الحسين (عليه السلام) يظهرون معهم؟
قال (عليه السلام): يظهر منهم: أبو عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) في اثني عشر ألفاً مؤمنين من شيعة عليّ (عليه السلام)، وعليه عمامة سوداء.
قال المفضَّل: يا سيدي، فبغير سنة القائم بايعوا له قبل ظهور (وقبل) قيامه (عليه السلام)؟
فقال (عليه السلام): يا مفضَّل! كل بيعة قبل ظهور القائم (عليه السلام) فبيعة كفر ونفاق، وخديعة، لعن الله المبايع لها، والمبايع له؛ بل يا مفضَّل! يسند القائم (عليه السلام) ظهره إلى الحرم، ويمدّ يده، فتُرى بيضاء من غير سَوء، ويقول: هذه يد الله، وعن الله، وبأمر الله، ثم يتلو هذه الآية: (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ)(151)، فيكون أوَّل من يقبِّل يده جبرئيل (عليه السلام)، ثمَّ يبايعه، وتبايعه الملائكة، ونجباء الجنّ، ثم النقباء، ويصبح الناس بمكة فيقولون: مَنْ هذا الرجل الذي بجانب الكعبة؟ وما هذا الخلق الذين معه؟ وما هذه الآية التي رأيناها الليلة، ولم نر مثلها؟ فيقول بعضهم لبعض: هذا الرجل هو صاحب العنيزات، فيقول بعضهم لبعض: انظروا هل تعرفون أحداً ممَّنْ معه؟
فيقولون: لا نعرف أحداً منهم إلّا أربعة من أهل مكة، وأربعة من أهل المدينة وهم فلان وفلان ويعدّونهم بأسمائهم، ويكون هذا أوَّل طلوع الشمس في ذلك اليوم، فإذا طلعت الشمس وأضاءت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين يسمع من في السماوات والأرضين: يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمَّد، ويسميه باسم جدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ويكنيِّه، وينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر إلى الحسين بن علي صلوات الله عليهم أجمعين بايعوه تهتدوا، ولا تخالفوا أمره فتضلوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(151) الفتح: 10.
فأوَّل من يقبِّل يده الملائكة، ثم الجنُّ، ثم النقباء، ويقولون: سمعنا، وأطعنا، ولا يبقى ذو أذن من الخلائق إلّا سمع ذلك النداء، ويقبل الخلائق من البدو، والحضر، والبَّر، والبحر يحدِّث بعضهم بعضاً، ويستفهم بعضهم بعضاً ما سمعوا بآذانهم.
فإذا دنت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغربها: يا معشر الخلائق! قد ظهر ربُّكم بوادي اليابس من أرض فلسطين، وهو عثمان بن عنبسة الأموي من ولد يزيد بن معاوية (لعنهم الله) فبايعوه تهتدوا، ولا تخالفوا عليه فتضلوا.
فيردّ عليه الملائكة، والجنُّ، والنقباء قوله، ويكذِّبونه، ويقولون له: سمعنا، وعصينا.
ولا يبقى ذو شك، ولا مرتاب، ولا منافق، ولا كافر إلّا ضلَّ بالنداء الأخير، وسيدنا القائم صلوات الله عليه مسند ظهره إلى الكعبة، ويقول: يا معشر الخلائق ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم، وشيث؛ فها أناذا آدم، وشيث.
ألا ومَنْ أراد أن ينظر إلى نوح وولده سام؛ فها أنا ذا نوح وسام.
ألا ومَنْ أراد أن ينظر إلى إبراهيم، وإسماعيل فها أنا ذا إبراهيم، وإسماعيل.
ألا ومَنْ أراد أن ينظر إلى موسى، ويوشع فها أنا ذا موسى، ويوشع.
ألا ومَنْ أراد أن ينظر إلى عيسى، وشمعون فها أنا ذا عيسى، وشمعون.
ألا ومَنْ أراد أن ينظر إلى محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأمير المؤمنين صلوات الله عليه، فها أنا ذا محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأمير المؤمنين (عليه السلام).
ألا ومَنْ أراد أن ينظر إلى الحسن، والحسين (عليهما السلام)، فها أنا ذا الحسن، والحسين (عليهما السلام).
ألا ومَنْ أراد أن ينظر إلى الأئمّة من ولد الحسين (عليهم السلام)، فها أنا ذا الأئمّة من ولد الحسين (عليهم السلام).
أجيبوا إلى مسألتي فإنِّي أنبئكم بما نبئتم به، وما لم تنبئوا به.
ومَنْ كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع منِّي.
ثمَّ يبتدأ بالصحف التي أنزلها الله (عزَّ وجلَّ) على آدم، وشيث (عليهما السلام)؛ وتقول أمَّةُ آدم وشيث هبة الله: هذه والله هي الصحف حقاً، ولقد أرانا ما لم نكن نعلمه فيها، وما كان خفي علينا، وما كان أسقط منها، وبدِّل، وحرِّف.
ثم يقرأ صحف نوح، وصحف إبراهيم (عليهما السلام)، والتورية، والإنجيل، والزبور، فيقول أهل التوراة، والإنجيل، والزَّبور: هذه والله صحف نوح، وإبراهيم (عليهما السلام) حقاً، وما أسقط منها، وبدِّل، وحرِّف منها؛ هذه والله التوراة الجامعة، والزَّبور التام، والإنجيل الكامل، وإنَّها أضعاف ما قرأنا منها.
ثمَّ يتلو القرآن، فيقول المسلمون: هذا والله القرآن حقاً الذي أنزله الله تعالى على محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وما أسقط منه، وحرِّف، وبدِّل.
ثم تظهر الدَّابة بين الركن والمقام، فتكتب في وجه المؤمن: مؤمن، وفي وجه الكافر: كافر.
ثم يظهر السُّفياني، ويسير جيشه إلى العراق، فيخربه ويخرب الزوراء ويتركهما جمَّاء، ويخرب الكوفة، والمدينة، وتروث بغالهم في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وجيش السفياني يومئذ ثلاثمائة ألف رجل بعد أن خرب الدنيا.
ثم يخرج إلى البيداء يريد مكة، وخراب البيت؛ فلما صار بالبيداء، وعرس فيها صاح بهم صائح: يا بيداء أبيدي بهم.
فتبتلعهم الأرض بخيلهم، فيبقى اثنان، فينزل ملك، فيحوِّل وجوههما إلى ورائهما، ويقول: يا بشير امض إلى المهديِّ، وبشّره بهلاك جيش السفياني، وقال للذي اسمه نذير: امض إلى السفياني فعرّفه بظهور المهديّ (عليه السلام) مهدي آل محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فيمضي مبشرا إلى المهدي (عليه السلام)، ويعرِّفه بهلاك جيش السفياني وأن الأرض انفجرت، فلم يبق من الجيش عقال ناقة.
فإذا مات مسح المهدي (عليه السلام) على وجهه ورده خلقاً سوياً، ويبايعه، ويكون معه، وتظهر الملائكة، والجنّ، وتخالط الناس، ويسيرون معه؛ ولينزلن أرض الهجرة،
وينزلون ما بين الكوفة والنجف، ويكون حينئذ عدَّة أصحابه ستة وأربعون ألفاً من الملائكة، ومثلها من الجنِّ، ثم ينصره الله، ويفتح على يديه.
وقال عن الكوفة: لا يبقى مؤمن إلّا كان بها، أو حواليها، وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم، إي والله، وليودنّ أكثر الناس أنَّه اشترى شبراً من أرض السبع بشبر من ذهب، والسبع خطة من خطط همدان، ولتصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلاد، وليجاورن قصورها كربلاء وليصيِّرن الله كربلاء معقلاً، ومقاماً تختلف فيها الملائكة، والمؤمنون، وليكوننَّ لها شأن عظيم، وليكوننَّ فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربَّه بدعوة لأعطاه بدعوته الواحدة مثل تلك الدنيا ألف مرَّة.
ثم تنفَّس أبو عبد الله (عليه السلام)، وقال: يا مفضل! إنَّ بقاع الأرض تفاخرت، ففخرت كعبة البيت الحرام على بقعة كربلاء، فأوحى الله إليها: أن اسكني كعبة البيت الحرام، ولا تفتخري على كربلاء، فإنَّها البقعة المباركة التي نودي موسى منها من الشجرة، وأنَّها الربوة التي آوت إليها مريم، والمسيح (عليهم السلام)، وفيها غسلت مريم عيسى (عليهما السلام)، واغتسلت من ولادتها، وأنَّها خير بقعة عرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) منها وقت غيبته، وليكونن لشيعتنا فيها حياة إلى ظهور قائمنا (عليه السلام).
قال المفضَّل: يا سيدي، ثمَّ يسير المهدي إلى أين؟
قال (عليه السلام): إلى مدينة جدِّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب، يظهر فيه سرور للمؤمنين، وخزي للكافرين.
قال المفضَّل: يا سيدي، ما هو ذاك؟
قال: يرد إلى قبر جدِّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيقول: يا معشر الخلائق! هذا قبر جدِّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، فيقولون: نعم! يا مهديَّ آل محمّد.
فيقول: ومَنْ معه في القبر؟
فيقولون: صاحباه، وضجيعاه: أبو بكر، وعمر.
فيقول، وهو أعلم بهما، والخلائق كلّهم جميعاً يسمعون: مَنْ أبو بكر وعمر، وكيف دفنا من بين الخلق مع جدِّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وعسى المدفونون غيرهما؟
فيقول الناس: يا مهديَّ آل محمَّد! ما هاهنا غيرهما، إنَّهما دفنا معه لأنَّهما خليفتا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأبوا زوجتيه؟
فيقول للخلق بعد ثلاث: أخرجوهما من قبريهما.
فيخرجان غضين طريين لم يتغير خلقهما، ولم يشحب لونهما؛ فيقول: هل فيكم مَنْ يعرفهما؟
فيقولون: نعرفهما بالصِّفة، وليس ضجيعي جدّك غيرهما.
فيقول: هل فيكم أحد يقول غير هذا، أو يشك فيهما؟
فيقولون: لا.
فيؤخر إخراجهما ثلاثة أيَّام، ثم ينتشر الخبر في الناس، ويحضر المهديُّ، ويكشف الجدران عن القبرين، ويقول للنقباء: ابحثوا عنهما، وانبشوهما.
فيبحثون بأيديهم حتى يصلوا إليهما، فيخرجان غضين طريين كصورتهما فيكشف عنهما أكفانهما، ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة، فيصلبهما عليها، فتحيى الشجرة، وتورق، وتينع، ويطول فرعها، فيقول المرتابون من أهل ولايتهما: هذا والله الشرف حقاً، ولقد فزنا بمحبتهما، وولايتهما.
ويخبر مَنْ أخفى ما في نفسه ولو مقياس حبة من محبتهما، وولايتهما، فيحضرونهما، ويرونهما، ويفتنون بهما، وينادي منادي المهدي (عليه السلام): كلُّ مَنْ أحبَّ صاحبي رسول الله وضجيعيه فلينفرد جانباً.
فيتجزأ الخلق جزئين أحدهما موال، والآخر متبرء منهما؛ فيعرض المهدي (عليه السلام) على أوليائهما البراءة منهما، فيقولون: يا مهديَّ آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ما نبرأ منهما، وما كنا نقول لهما عند الله وعندك هذه المنزلة، وهذا الذي بدا لنا من فضلهما، أنبرأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من نضارتهما، وغضاضتهما، وحياة
الشجرة بهما، بل والله نبرأ منك، وممَّن آمن بك، وممَّن لا يؤمن بهما، ومن صَلَبهما، وأخرجهما، وفَعَلَ بهما ما فعل.
فيأمر المهدي (عليه السلام) ريحًا سوداء، فتهب عليهم، فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية، ثم يأمر بإنزالهما، فيُنْزَلان إليه، فيحييهما بإذن الله تعالى، ويأمر الخلائق بالاجتماع، ثم يقصَّ عليهم قصص فعالهما في كلِّ كور ودور حتَّى يقصَّ عليهم قتل هابيل بن آدم (عليه السلام)، وجمع النار لإبراهيم (عليه السلام)، وطرح يوسف (عليه السلام) في الجبِّ، وحبس يونس (عليه السلام) في الحوت، وقتل يحيى (عليه السلام)، وصلب عيسى (عليه السلام)، وعذاب جرجيس، ودانيال (عليهما السلام)، وضرب سلمان الفارسي، وإشعال النَّار على باب أمير المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين (عليه السلام) لإحراقهم بها، وضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة بالسَّوط، ورفس بطنها، وإسقاطها محسناً، وسمِّ الحسن، وقتل الحسين، وذبح أطفاله، وبني عمه، وأنصاره، وسبي ذراري رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وإراقة دماء آل محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وكلّ دم سفك، وكل فرج نكح حراماً، وكلّ زنى، وخبث، وفاحشة، وإثم، وظلم، وجور، وغشم، منذ عهد آدم (عليه السلام) إلى وقت قيام قائمنا (عليه السلام)؛ كلُّ ذلك يعدده عليهما، ويلزمهما إيَّاه، فيعترفان به، فيقتص منهما في ذلك الوقت بمظالم مَنْ حضر، ثم يصلبهما على الشجرة، ويأمر ناراً تخرج مِنَ الأرض فتحرقهما والشجرة. ثمَّ يأمر ريحاً، فتنسفهما في اليمِّ نسفاً.
قال المفضَّل: يا سيدي، ذلك آخر عذابهما؟
قال: هيهات، يا مفضَّل! والله ليردن، وليحضرن السيد الأكبر محمَّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، والصديق الأكبر أمير المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين، والأئمّة (عليهم السلام)، وكل من محض الإيمان محضاً، أو محض الكفر محضاً، وليقتصَّ منهما بجميع فعلهما، وليقتلان في كل يوم وليلة ألف قتلة، ويُرَدَّان إلى ما شاء ربُّهما.
ثم يسير المهدي (عليه السلام) إلى الكوفة، وينزل ما بين الكوفة والنجف وعدَّة أصحابه في ذلك اليوم ستة وأربعون ألفا من الملائكة، ومثلها من الجنِّ، والنقباء ثلاثمائة وثلاثة عشر نفساً.
قال المفضَّل: يا سيدي، كيف تكون دار الفاسقين في ذلك الوقت؟
قال: في لعنة الله، وسخطه تخربها الفتن، وتتركها جماء، فالويل لها، ولِمَنْ بها كلّ الويل من الرايات الصفر، ورايات المغرب، ومن يجلب الجزيرة، ومن الرايات التي تسير إليها من كل قريب أو بعيد؛ والله لينزلن بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر الأمم المتمردة مِنْ أوَّل الدهر إلى آخره، ولينزلن بها من العذاب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت بمثله، ولا يكون طوفان أهلها إلّا بالسيف، فالويل لِمَنْ اتخذ بها مسكناً، فان المقيم بها يبقى بشقائه، والخارج منها برحمة الله؛ والله ليبقي من أهلها في الدنيا حتى يقال: إنَّها هي الدنيا، وان دورها، وقصورها هي الجنة، وأنَّ بناتها هن الحور العين، وأنَّ ولدانها هم الولدان، وليظنن أنَّ الله لم يقسم رزق العباد إلّا بها، وليظهرنَّ من الافتراء على الله، وعلى رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، والحكم بغير كتاب الله، ومن شهادات الزور، وشرب الخمور، والفجور، وأكل السحت، وسفك الدماء مالا يكون في الدنيا كلّها إلّا دونه، ثمَّ ليخربها الله تعالى بتلك الفتن، وتلك الرايات حتى لو مرَّ عليها مار لقال هاهنا كانت الزوراء.
قال المفضَّل: ثمَّ يكون ماذا يا سيدي؟
فقال: ثمَّ يخرج الفتى الحسني الصبيح من نحو الديلم فيصيح بصوت له: يا آل محمَّد أجيبوا الملهوف، والمنادي من حول الضريح، فتجيبه كنوز الله بالطالقان كنوز لا من ذهب ولا من فضَّة، بل رجال كزبر الحديد لكأنِّي أنظر إليهم على البراذين الشهب بأيديهم الحراب يتعاوون شوقاً إلى الحرب كما تتعاوى الذئاب، أميرهم رجل من تميم يقال له: شعيب بن صالح، فيقبل
الحسين (عليه السلام) فيهم وجهه كدائرة القمر يروع الناس جمالاً، فيبقى على أثر الظلمة، فيأخذ سيفه الصغير، والكبير، والوضيع، والعظيم.
ثم يسير بتلك الرايات كلّها حتى يرد الكوفة، وقد جمع بها أكثر أهلها، فيجعلها له معقلاً.
ثم يتصل به خبر المهدي (عليه السلام)، فيقولون له: يا بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) مَنْ هذا الذي نزل بساحتنا؟
فيقول الحسين (عليه السلام): اخرجوا بنا إليه حتى تنظروا مَنْ هو؟ وما يريد؟ وهو يعلم والله انه المهدي، وانه ليعرفه، وانه لم يرد بذلك الأمر إلّا الله، فيخرج الحسين (عليه السلام) وبين يديه أربعة آلاف رجل في أعناقهم المصاحف، وعليهم المسوح، مقلدين بسيوفهم؛ فيقبل الحسين (عليه السلام) حتى ينزل بقرب المهدي (عليه السلام)، فيقول: سائلوا عن هذا الرجل: مَنْ هو؟ وما ذا يريد؟
فيخرج بعض أصحاب الحسين (عليه السلام) إلى عسكر المهدي (عليه السلام)، فيقول: أيُّها العسكر الجايل مَنْ أنتم حياكم الله؟ ومَنْ صاحبكم هذا؟ وماذا يريد؟
فيقول أصحاب المهديّ: هذا مهديُّ آل محمَّد (عليهم السلام)، ونحن أنصاره من الجنِّ، والأنس، والملائكة.
ثمَّ يقول الحسين (عليه السلام): خلُّوا بيني وبين هذا.
فيخرج إليه المهدي (عليه السلام)، فيقفان بين العسكرين، فيقول الحسين (عليه السلام): إن كنت مهدي آل محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فأين هراوة جدِّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وخاتمه، وبردته، ودرعه الفاضل، وعمامته السحاب، وفرسه، وناقته العضباء، وبغلته دلدل، وحماره يعفور، ونجيبه البراق، وتاجه، والمصحف الذي جمعه أمير المؤمنين (عليه السلام) بغير تغيير ولا تبديل؟
فيحضر له السفط الذي فيه جميع ما طلبه.
وقال أبو عبد الله (عليه السلام): إنَّه كان كله في السفط، وتركات جميع النبييِّن حتَّى
عصى آدم (عليه السلام)، ونوح (عليه السلام)، وتركة هود، وصالح (عليهما السلام)، ومجموع إبراهيم (عليه السلام)، وصاع يوسف (عليه السلام)، ومكيل شعيب (عليه السلام) وميزانه، وعصى موسى (عليه السلام) وتابوته الذي فيه بقية ما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة، ودرع داود (عليه السلام) وخاتمه، وخاتم سليمان (عليه السلام) وتاجه، ورحل عيسى (عليه السلام)، وميراث النبييِّن، والمرسلين في ذلك السفط؛ فعند ذلك يقول الحسين (عليه السلام): يا بن رسول الله! اقض ما قد رأيته، والذي أسألك أن تغرز هراوة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في هذا الحجر الصلب، وتسأل الله أن ينبتها فيه - ولا يريد بذلك إلّا أن أصحابه يرون فضل المهدي (عليه السلام) حتَّى يطيعوه، ويبايعوه؛ فيأخذ المهدي (عليه السلام) الهراوة، فيغرزها، فتنبت، فتعلو، وتفرع، وتورق حتىَّ تظل عسكر الحسين (عليه السلام).
فيقول الحسين (عليه السلام): الله أكبر يا بن رسول الله مُد يدك حتى أبايعك، فيبايعه الحسين (عليه السلام)، وسائر عسكره إلّا الأربعة آلاف أصحاب المصاحف، والمسوح الشعر، المعروفون بالزيدية، فإنهم يقولون: ما هذا إلّا سحر عظيم.
فيختلط العسكران، ويقبل المهدي (عليه السلام) على الطائفة المنحرفة، فيعظهم، ويؤخرهم إلى ثلاثة أيَّام فلا يزدادون إلّا طغياناً وكفراً، فيأمر المهدي (عليه السلام) بقتلهم، فكأني انظر إليهم قد ذبحوا على مصاحفهم كلهم يتمرغون في دمائهم، وتتمرغ المصاحف، فيقبل بعض أصحاب المهدي (عليه السلام)، فيأخذ تلك المصاحف، فيقول المهدي (عليه السلام): دعوها تكون عليهم حسرة كما بدلوها، وغيروها، وحرفوها ولم يعملوا بما حكم الله فيها.
قال المفضَّل: يا سيدي، ثم ماذا يعمل المهدي (عليه السلام)؟
قال (عليه السلام): يثور سراياه إلى السفياني إلى دمشق، فيأخذونه، ويذبحونه على الصخرة، ثم يظهر الحسين بن عليّ (عليهما السلام) في اثني عشر ألف صديق، واثنين وسبعين رجلاً، أصحابه الذين قتلوا معه يوم عاشورا، فيالك عندها من كرَّة زهراء، ورجعة بيضاء.
ثم يخرج الصديق الأكبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وينصب له القبة البيضاء على النجف، وتقام أركانها بالنجف، وركن بهجر، وركن بصنعاء اليمن، وركن بأرض طيبة؛ فكأني أنظر إلى مصابيحها تشرق في السماء والأرض كأضوء من الشمس والقمر، فعندها يبتلى السرائر، و(تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) الآية.
ثمَّ يظهر السيد الأجل محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) في أنصاره، والمهاجرين إليه، ومن آمن به، وصدَّقه، واستشهد معه. ويحضر مكذبوه، والشاكُّون فيه، والمكفرون، والقائلون أنَّه ساحر، وكاهن، ومجنون، ومعلم، وشاعر، وناطق عن الهوى، ومن حاربه وقاتله حتى يقتص منهم الحق، ويجازون بأفعالهم منذ وقت ظهور رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى وقت ظهور المهدي (عليه السلام) إماماً إماماً، ووقتاً وقتاً، ويحقّ تأويل هذه الآية: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ).(152)
قال المفضَّل: يا سيدي ومَنْ فرعون، وهامان؟
قال (عليه السلام): أبو بكر، وعمر.
قال المفضَّل: يا سيدي؛ رسول الله، وأمير المؤمنين يكونان معه.
فقال: لا بدَّ أن يطأ الأرض حتى ما وراء القاف، إي والله، وما في الظلمات، وما في قعر البحار حتى لا يبقى موضع قدم إلّا وطآه، وأقاما فيه الدين الواجب لله تعالى.
كأني (أنظر) إلينا معاشر الأئمة ونحن بين يدي جدّنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) نشكو إليه ما نزل بنا من الأمَّة بعده من التكذيب، والردّ علينا، وسبّنا، ولعننا، وإرهاقنا بالقتل، وقصد طواغيتهم الولاة لأمورهم إيانا من دون الأمَّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(152) القصص: 5 و6.
فيبكي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ويقول يا بَنِيَّ! ما نزل بكم إلّا ما نزل بجدِّكم، ولو علمت طواغيتهم، وولاتهم ان نحن والمهدي (عليه السلام)، والإيمان، والوصية، والولاية في غيركم لظنوا.
ثم تتبدى فاطمة (عليها السلام)، فتشكو ما نالها من عمر، وما نالها من أبي بكر، وأخذ فدك منها، ومشيها إليه في مجمع من المهاجرين والأنصار، وخطابها له في أمر (فدك)، وما رُدَّ عليها من قوله: إنَّ الأنبياء لا تورث، واحتجاجها بقول زكريا، ويحيى (عليهما السلام)، وقصة داود، وسليمان (عليهما السلام)، وقول صاحبه: هاتي صحيفتك التي ذكرت إنَّ أباك كتبها لك، وإخراجها الصحيفة، وأخذها منها، ونشرها على رؤوس الأشهاد من قريش وساير المهاجرين والأنصار، وتفله فيها، وعزله لها، وتمزيقه إيَّاها، وبكائها، ورجوعها إلى قبر أبيها باكية حزينة تمشي على الرمضاء قد أقلقتها، واستغاثتها بالله، وبأبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وتمثلها فيه بقول رقية بنت صفي:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة * * * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * * * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب
أبدي رجال لنا نجوى صدورهم * * * لما أتيت وحالت دونك الحجب
لكل قوم لهم قرب ومنزلة * * * عند الإله على الأدنين مقترب
يا ليت قبلك كان الموت يأخذنا * * * املوا أناس وفازوا بالذي طلبوا
وتقصُّ عليه قصة أبي بكر، وإنفاذه خالداً، وقنفذ، وعمر، والجمع معهم لإخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) من بيته إلى البيعة في سقيفة بنى ساعدة، واشتغال أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وضمّ أزواجه، وتعزيتهم، وجمع القرآن، وتأليفه، وقضاء ديونه، وإنجاز عداته وهي ثمانون ألف درهم باع فيها تليده وطارفه قضاها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وقول عمر: اخرج يا علي إلى ما
أجمع عليه المسلمون من البيعة، فمالك أن تخرج عمَّا أجمع عليه المسلمون وإلّا قتلناك، وقول فضَّة جارية فاطمة (عليها السلام): إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) مشغول; والحق له إن أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه.
وجمعهم الجزل، والحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين، وزينب، وأم كلثوم، وفضَّة.
وإضرامهم النار على الباب، وخروج فاطمة إليهم، وخطابها لهم من وراء الباب، وقولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله، تريد أن تقطع نسله من الدنيا، وتفنيه، وتطفئ نور الله، والله متمُّ نوره؟!! وانتهاره لها، وقوله: كفِّي يا فاطمة، فليس محمَّدٌ حاضراً، ولا الملائكة آتية بالأمر، والنهي، والزجر من عند الله، وما عليٌّ إلا كأحد المسلمين، فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر، أو إحراقكم جميعا.
فقالت وهي باكية: اللهم إليك نشكو فقد نبيِّك، ورسولك، وصفيِّك، وارتداد أمَّتِه علينا، ومنعهم إيَّانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل.
فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حماقات النساء، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوة والخلافة.
وأخذت النار في خشب الباب.
وإدخال قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب، وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتَّى صار كالدّملج الأسود، وركل الباب برجله حتَّى أصاب بطنها و هي حاملة بالمحسن لستة أشهر، وإسقاطها إياه.
وهجوم عمر، وقنفذ، وخالد بن الوليد، وصفقه خدَّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها، وهي تجهر بالبكاء، وتقول: وا أبتاه، وا رسول الله، ابنتك فاطمة تُكَذَّبْ، وتضرب، ويقتل جنين في بطنها.
وخروج أمير المؤمنين (عليه السلام) من داخل الدار ممَّرح العين، حاسراً، حتى
ألقى ملاءته عليها، وضمَّها إلى صدره، وقوله لها: يا بنت رسول الله، قد علمتي أن أباك بعثه الله رحمة للعالمين، فالله الله أن تكشفي خمارك، وترفعي ناصيتك، فوالله يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا أبقى الله على الأرض من يشهد أن محمداً رسول الله، ولا موسى، ولا عيسى، ولا إبراهيم، ولا نوح، ولا آدم، ولا دابَّة تمشي على الأرض، ولا طائراً في السماء إلّا أهلكه الله.
ثم قال: يا ابن الخطاب، لك الويل من يومك هذا، وما بعده، وما يليه؛ اخرج قبل أن أشهر سيفي فأفني غابر الأمَّة.
فخرج عمر، وخالد بن الوليد، وقنفذ، وعبد الرحمن بن أبي بكر، فصاروا خارج الدار؛ وصاح أمير المؤمنين بفضة: يا فضة مولاتك، فاقبلي منها ما تقبله النساء، فقد جاءها المخاض من الرفسة وردِّ الباب، فأسقطت محسناً، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): فإنَّه لاحق بجدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فيشكو إليه.
وحمل أمير المؤمنين لها في سواد الليل، والحسن، والحسين، وزينب، وأم كلثوم إلى دور المهاجرين والأنصار، يذكرِّهم بالله ورسوله، وعهده الذي بايعوا الله، ورسوله، وبايعوه عليه في أربعة مواطن في حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وتسليمهم عليه بإمرة المؤمنين في جميعها، فكل يعده بالنصر في يومه المقبل، فإذا أصبح قعد جميعهم عنه.
ثم يشكو إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) المحن العظيمة التي امتحن بها بعده.
وقوله لقد كانت قصتي مثل قصة هارون مع بني إسرائيل، وقولي كقوله لموسى يا بن أم! إنَّ القوم استضعفوني، وكادوا يقتلونني، فلا تشمت بي الأعداء، ولا تجعلني مع القوم الظالمين؛ فصبرت محتسباً، وسلَّمت راضياً، وكانت الحجَّة عليهم في خلافي، ونقضهم عهدي الذي عاهدتهم عليه يا رسول الله.
واحتملت يا رسول الله ما لم يحتمل وصيُّ نبيِّ من سائر الأوصياء من
سائر الأمم حتى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم، وكان الله الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي.
وخروج طلحة والزبير بعائشة إلى مكة، يظهران الحج والعمرة، وسيرهم بها إلى البصرة، وخروجي إليهم، وتذكيري لهم الله وإياك، وما جئت به يا رسول الله، فلم يرجعا حتى نصرني الله عليهما حتى أهْرِقَتْ دماء عشرين ألف من المسلمين، وقُطِعَتْ سبعون كفاً على زمام الجمل، فما لقيت في غزواتك يا رسول الله وبعدك أصعب يوما منه أبدا، لقد كان من أصعب الحروب التي لقيتها، وأهولها وأعظمها فصبرت كما أدبني الله بما أدبك به يا رسول الله في قوله (عزَّ وجلَّ): (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أولُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)،(153) وقوله: (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إلّا بِاللهِ).(154)
وحقَّ؛ والله يا رسول الله تأويل الآية التي أنزلها الله في الأمَّة من بعدك في قوله: (وَما مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ).(155)
يا مفضل، ويقوم الحسن (عليه السلام) إلى جده (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيقول: يا جداه كنت مع أمير المؤمنين في دار هجرته بالكوفة حتى استشهد بضربة عبد الرحمان بن ملجم لعنه الله فوصاني بما وصيته يا جداه، وبلغ اللعين معاوية قتل أبي فأنفذ الدعي اللعين زيادا إلى الكوفة في مائة ألف وخمسين ألف مقاتل (2) فأمر بالقبض علي وعلى أخي الحسين وسائر إخواني وأهل بيتي، وشيعتنا وموالينا وأن يأخذ علينا البيعة لمعاوية لعنه الله، فمن يأبى منا ضرب عنقه وسير إلى معاوية رأسه. فلما علمت ذلك من فعل معاوية، خرجت من داري، فدخلت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جامع الكوفة للصلاة، ورقأت المنبر واجتمع الناس، فحمدت الله وأثنيت عليه، وقلت: معشر الناس عفت الديار، ومحيت الآثار، وقل الاصطبار، فلا إقرار على همزات الشياطين وحكم الخائنين، الساعة والله صحت البراهين، وفصلت الآيات، وبانت المشكلات، ولقد كنا نتوقع تمام هذه الآية تأويلها قال الله (عزَّ وجلَّ): (وَما مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ).(3)
فلقد مات والله جدِّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وقُتِلَ أبي (عليه السلام)، وصاح الوسواس الخناس في قلوب الناس، ونعق ناعق الفتنة، وخالفتم السنة، فيا لها من فتنة صماء عمياء، لا يسمع لداعيها ولا يجاب مناديها، ولا يخالف واليها، ظهرت كلمة النفاق، وسيرت رايات أهل الشقاق، وتكالبت جيوش أهل المراق، من الشام والعراق، هلموا رحمكم الله إلى الافتتاح، والنور الوضَّاح، والعلم الجحجاح، والنور الذي لا يطفى، والحق الذي لا يخفى.
أيها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة، ومن تكاثف الظلمة، فوالذي فلق الحبَّة، وبرء النسمة، وتردى بالعظمة، لئن قام إليَّ منكم عصبة بقلوب صافية، ونيات مخلصة، لا يكون فيها شوب نفاق، ولا نية افتراق، لأجاهدن بالسيف قدماً قدماً، ولأضيقن من السيوف جوانبها، ومن الرماح أطرافها، ومن الخيل سنابكها، فتكلموا رحمكم الله.
فكأنما ألجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة، إلا عشرون رجلا فإنهم قاموا إليَّ فقالوا: يا ابن رسول الله ما نملك إلا أنفسنا وسيوفنا، فها نحن بين يديك لأمرك طائعون، وعن رأيك صادرون، فمرنا بما شئت! فنظرت يمنة ويسرة فلم أر أحدا غيرهم.
فقلت: لي أسوة بجدِّي رسول الله حين عبد الله سراً، وهو يومئذ في تسعة وثلاثين رجلا، فلما أكمل الله له الأربعين صار في عدة وأظهر أمر الله، فلو كان معي عدتهم جاهدت في الله حق جهاده.
ثم رفعت رأسي نحو السماء فقلت: اللهمَّ إنِّي قد دعوت وأنذرت، وأمرت ونهيت، وكانوا عن إجابة الداعي غافلين، وعن نصرته قاعدين، وعن طاعته مقصرين ولأعدائه ناصرين، اللهمَّ فأنزل عليهم رجزك، وبأسك وعذابك الذي لا يردّ عن القوم الظالمين، ونزلت.
ثم خرجت من الكوفة راحلاً إلى المدينة، فجاؤني يقولون: إنَّ معاوية أسرى سراياه إلى الأنبار والكوفة، وشنَّ غاراته على المسلمين، وقتل من لم يقاتله، وقتل النساء والأطفال.
فأعلمتهم أنه لا وفاء لهم، فأنفذت معهم رجالاً وجيوشاً، وعَرَّفْتَهُم أنهم يستجيبون لمعاوية، وينقضون عهدي وبيعتي، فلم يكن إلا ما قلت لهم، وأخبرتهم.
ثم يقوم الحسين (عليه السلام) مخضباً بدمه هو وجميع من قتل معه، فإذا رآه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بكى وبكى أهل السماوات والأرض لبكائه، وتصرخ فاطمة (عليها السلام) فتزلزل الأرض ومن عليها، ويقف أمير المؤمنين والحسن (عليهما السلام) عن يمينه، وفاطمة عن شماله، ويقبل الحسين (عليه السلام) فيضمَّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى صدره، ويقول: يا حسين! فديتك، قرَّت عيناك وعيناي فيك، وعن يمين الحسين حمزة أسد الله في أرضه، وعن شماله جعفر بن أبي طالب الطيار.
ويأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهنَّ صارخات، وأمّه فاطمة تقول: (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).(156) اليوم: (تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً).(157)
قال: فبكى الصادق (عليه السلام) حتى اخضلَّت لحيته بالدموع، ثم قال: لا قرَّت عين لا تبكي عند هذا الذكر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال: وبكى المفضل بكاءً طويلا، ثم قال: يا مولاي ما في الدموع يا مولاي؟
فقال: ما لا يحصى إذا كانت من محق.
ثم قال المفضَّل: يا مولاي ما تقول في قوله تعالى: (وَإِذَا المَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ).(158)
قال: يا مفضَّل، والموؤدة والله محسن، لأنه منَّا لا غير، فمن قال غير هذا فكذبوه.
قال المفضَّل: يا مولاي ثم ماذا؟
قال الصادق (عليه السلام): تقوم فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فتقول: اللهمَّ أنجز وعدك، وموعدك لي فيمن ظلمني وغصبني، وضربني، وجزَّعني بكل أولادي.
فتبكيها ملائكة السماوات السبع، وحملة العرش، وسكان الهواء، ومن في الدنيا، ومن تحت أطباق الثرى، صائحين صارخين إلى الله تعالى، فلا يبقى أحد ممن قاتلنا وظلمنا ورضي بما جرى علينا إلّا قتل في ذلك اليوم ألف قتلة دون من قتل في سبيل الله، فانه لا يذوق الموت وهو كما قال الله (عزَّ وجلَّ): (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ إلّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).(159)
قال المفضَّل: يا مولاي إنَّ من شيعتكم من لا يقول برجعتكم؟
فقال (عليه السلام): إنما سمعوا قول جدّنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ونحن سائر الأئمّة نقول: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ العَذابِ الأدْنى دُونَ العَذابِ الأكْبَرِ)(160)
قال الصادق (عليه السلام): العذاب الأدنى عذاب الرجعة، والعذاب الأكبر عذاب يوم القيامة الذي: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا للهِ الواحِدِ القَهَّارِ).(161)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(158) التكوير: 87.
(159) آل عمران: 169 و170.
(160) السجدة: 21.
(161) إبراهيم: 48.
قال المفضَّل: يا مولاي نحن نعلم أنكم اختيار الله في قوله تعالى: (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ)،(162) وقوله: (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)،(163) وقوله: (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى العالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).(164)
قال الصادق (عليه السلام): يا مفضَّل فأين نحن في هذه الآية؟
قال المفضَّل: فو الله: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ)(165)(2) وقوله: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ).(166)
وقوله عن إبراهيم: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ).(167)
وقد علمنا أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) ما عبدا صنماً، ولا وثناً، ولا أشركا بالله طرفة عين.
وقوله: (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)؛(168) والعهد عهد الإمامة لا يناله ظالم.
قال: يا مفضَّل، وما علمك بأن الظالم لا ينال عهد الإمامة؟
قال المفضَّل: يا مولاي لا تمتحنّي بما لا طاقة لي به، ولا تختبرني ولا تبتلني، فمن علمكم علمت، ومن فضل الله عليكم أخذت.
قال الصادق (عليه السلام): صدقت يا مفضَّل، ولولا اعترافك بنعمة الله عليك في ذلك لما كنت هكذا، فأين يا مفضَّل الآيات من القرآن في أن الكافر ظالم؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(162) يوسف: 76.
(163) الأنعام: 124.
(164) آل عمران: 33 و34.
(165) آل عمران: 68.
(166) الحج: 78.
(167) إبراهيم: 35.
(168) البقرة: 124.
قال: نعم يا مولاي قوله تعالى (وَالكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،(169) والكافرون هم الفاسقون، ومن كفر وفسق وظلم لا يجعله الله للناس إماما.
قال الصادق (عليه السلام): أحسنت يا مفضَّل، فمن أين قلت برجعتنا؟ ومقصرة شيعتنا تقول: معنى الرجعة أن يرد الله إلينا ملك الدنيا، وأن يجعله للمهدي؛ ويحهم متى سلبنا الملك حتى يرد علينا؟!
قال المفضَّل: لا والله وما سلبتموه ولا تسلبونه لأنه ملك النبوة والرسالة والوصية والإمامة.
قال الصادق (عليه السلام): يا مفضَّل لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكوا في فضلنا أما سمعوا قوله (عزَّ وجلَّ): (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)؛(170) والله يا مفضَّل إن تنزيل هذه الآية في بني إسرائيل، وتأويلها فينا، وإن فرعون وهامان: تيم، وعدي.
قال المفضَّل: يا مولاي فالمتعة؟
قال: المتعة حلال طلق، والشاهد بها قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً)،(171) أي مشهودا، والقول المعروف هو المشتهر بالولي والشهود، وإنما احتيج إلى الولي والشهود في النكاح ليثبت النسل، ويصح النسب، ويستحق الميراث.
وقوله: (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).(172)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(169) البقرة: 254.
(170) القصص: 5 و6.
(171) البقرة: 235.
(172) النساء: 4.
وجعل الطلاق في النساء المزوجات غير جائز إلا بشاهدين ذوي عدل من المسلمين، وقال في سائر الشهادات على الدماء، والفروج، والأموال، والأملاك: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ).(173)
وبيَّن الطلاق عزَّ ذكره فقال: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا العِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ)،(174) ولو كانت المطلقة تبين بثلاث تطليقات تجمعها كلمة واحدة، أو أكثر منها، أو أقل لما قال الله تعالى: (وَأَحْصُوا العِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ...) إلى قوله: (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً * فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ للهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِر)،(175) وقوله: (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) هو نكر يقع بين الزوج وزوجته، فيطلق التطليقة الأولى بشهادة ذوي عدل؛ وحدُّ وقت التطليق هو آخر القروء، والقرء هو الحيض، والطلاق يجب عند آخر نقطة بيضاء تنزل بعد الصفرة والحمرة، وإلى التطليقة الثانية والثالثة ما يحدث الله بينهما، عطفا أو زوال ما كرهاه، وهو قوله: (وَالمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(176) هذا لقوله في أن للبعولة مراجعة النساء من تطليقة إلى تطليقة، إن أرادوا إصلاحا وللنساء مراجعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(173) البقرة: 282.
(174) الطلاق: 2.
(175) الطلاق: 2 و3.
(176) البقرة: 228.
الرجال في مثل ذلك؛ ثمَّ بيَّن تبارك وتعالى فقال: (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ)؛(177) وفي الثالثة: فان طلق الثالثة بانت فهو قوله: (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ)(178) ثم يكون كسائر الخطاب لها.
والمتعة التي أحلَّها الله في كتابه، وأطلقها الرسول عن الله لسائر المسلمين فهي قوله (عزَّ وجلَّ): (وَالمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً)،(179) والفرق بين المزوجة والممتعَّة أن للزوجة صداقاً وللمتعة أجرة، فتمتع سائر المسلمين على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الحج وغيره، وأيام أبي بكر، وأربع سنين في أيام عمر، حتى دخل على أخته عفرا فوجد في حجرها طفلا يرضع من ثديها فنظر إلى درة اللبن في فم الطفل فأغضب وأرعد وأربد، وأخذ الطفل على يده، وخرج حتى أتى المسجد، ورقاً المنبر وقال: نادوا في الناس إن الصلاة جامعة، وكان غير وقت صلاة يعلم الناس أنه لأمر يريده عمر فحضروا، فقال: معاشر الناس من المهاجرين والأنصار وأولاد قحطان من منكم يحب أن يرى المحرمات عليه من النساء، ولها مثل هذا الطفل؟ قد خرج من أحشائها وهو يرضع على ثديها وهي غير متبعلة؟
فقال بعض القوم: ما نحب هذا؟
فقال: ألستم تعلمون أن أختي عفرا بنت خيثمة أمي وأبي الخطاب غير متبعلة؟
قالوا: بلى قال: فانِّي دخلت عليها في هذه الساعة فوجدت هذا الطفل في حجرها فناشدتها أنَّى لك هذا؟ فقالت: تمتعت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فأعلموا سائر الناس! أن هذه المتعة التي كانت حلالا للمسلمين في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد رأيت تحريمها، فمن أبى ضربت جنبيه بالسوط.
فلم يكن في القوم منكر لقوله، ولا راد عليه، ولا قائل لا يأتي رسول بعد رسول الله أو كتاب بعد كتاب الله، لا نقبل خلافك على الله وعلى رسوله وكتابه؛ بل سلموا، ورضوا.
قال المفضَّل: يا مولاي فما شرائط المتعة؟
قال: يا مفضَّل لها سبعون شرطاً مَنْ خالف فيها شرطاً واحداً ظلم نفسه.
قال: قلت: يا سيدي قد أمرتمونا أن لا نتمتع ببغية، ولا مشهورة بفساد، ولا مجنونة، وأن ندعو المتعة إلى الفاحشة، فان أجابت فقد حرم الاستمتاع بها، وأن نسأل أفارغة أم مشغولة ببعل أو حمل أو بعدة، فان شغلت بواحدة من الثلاث فلا تحل، وإن خلت فيقول لها: متعيني نفسك على كتاب الله (عزَّ وجلَّ) وسنة نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلم) نكاحاً غير سفاح أجلا معلوماً بأجرة معلومة وهي ساعة أو يوم أو يومان أو شهر أو سنة أو ما دون ذلك أو أكثر، والأجرة ما تراضيا عليه من حلقة خاتم أو شسع نعل أو شق تمرة إلى فوق ذلك من الدراهم والدنانير أو عرض ترضى به، فان وهبت له حلَّ له كالصداق الموهوب من النساء المزوجات الذين قال الله تعالى فيهن: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً). ثم يقول لها: على ألا ترثيني ولا أرثك، وعلى أن الماء لي أضعه منك حيث أشاء، وعليك الاستبراء خمسة وأربعين يوما أو محيضا واحدا، فإذا قالت: نعم أعدت القول ثانية وعقدت النكاح، فان أحببت وأحبت هي الاستزادة في الأجل زدتما وفيه ما رويناه، فإن كانت تفعل فعليها ما تولت من الإخبار عن نفسها، ولا جناح عليك.
وقول أمير المؤمنين (عليه السلام): لعن الله ابن الخطاب فلولاه ما زنى إلا شقي
أو شقية لأنه كان يكون للمسلمين غناء في المتعة عن الزنا ثم تلا: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصامِ وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ).(180)
ثم قال: إن من عزل بنطفته عن زوجته فدية النطفة عشرة دنانير كفارة، وإن من شرط المتعة أن ماء الرجل يضعه حيث يشاء من المتمتع بها، فإذا وضعه في الرحم فخلق منه ولد كان لاحقا بأبيه.
ثم يقوم جدِّي علي بن الحسين، وأبي الباقر (عليهما السلام) فيشكوان إلى جدِّهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما فعل بهما.
ثم أقوم أنا فأشكو إلى جدِّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما فعل المنصور بي، ثم يقوم ابني موسى فيشكو إلى جدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما فعل به الرشيد.
ثمَّ يقوم عليُّ بن موسى فيشكو إلى جدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما فعل به المأمون.
ثمَّ يقوم محمّد بن عليّ فيشكو إلى جدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما فعل به المأمون.
ثمَّ يقوم عليُّ بن محمد فيشكو إلى جدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما فعل به المتوكل.
ثمَّ يقوم الحسن بن عليّ فيشكو إلى جدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما فعل به المعتز.
ثمَّ يقوم المهديُّ سمي جدِّي رسول الله، وعليه قميص رسول الله مضرجاً بدم رسول الله يوم شج جبينه، وكسرت رباعيته، والملائكة تحفه حتى يقف بين يدي جدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيقول: يا جداه وصفتني ودللت علي، ونسبتني وسميتني وكنيتني، فجحدتني الأمَّة وتمرَّدت، وقالت: ما ولد، ولا كان، وأين هو؟ ومتى كان؟ وأين يكون؟ وقد مات ولم يعقب، ولو كان صحيحا ما أخره الله تعالى إلى هذا الوقت المعلوم، فصبرت محتسبا وقد أذن الله لي فيها بإذنه يا جدَّاه.
فيقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض نتبوء من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(180) البقرة: 204 و205.
الجنَّة حيث نشاء فنعم أجر العاملين، ويقول:جاء نصر الله والفتح، وحقَّ قول الله سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ)،(181) ويقرأ: (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً * وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً).(182)
فقال المفضَّل: يا مولاي، أي ذنب كان لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟
فقال الصادق (عليه السلام): يا مفضل! إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: اللهمَّ حملني ذنوب شيعة أخي وأولادي الأوصياء ما تقدم منها وما تأخر إلى يوم القيامة، ولا تفضحني بين النبيين والمرسلين من شيعتنا؛ فحمَّله الله إياها وغفر جميعها.
قال المفضَّل: فبكيت بكاءاً طويلاً، وقلت: يا سيدي هذا بفضل الله علينا فيكم.
قال الصادق (عليه السلام): يا مفضَّل، ما هو إلا أنت وأمثالك، بلى يا مفضَّل لا تحدث بهذا الحديث أصحاب الرخص من شيعتنا فيتكلون على هذا الفضل، ويتركون العمل فلا يغني عنهم من الله شيئا لأنا كما قال الله تبارك وتعالى فينا: (لا يَشْفَعُونَ إلّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ).(183)
قال المفضَّل: يا مولاي! فقوله (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ظهر على الدين كله؟
قال: يا مفضَّل! لو كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ظهر على الدين كله ما كانت مجوسية ولا يهودية ولا صابئية ولا نصرانية، ولا فرقة ولا خلاف ولا شك، ولا شرك، ولا عبدة أصنام، ولا أوثان، ولا اللات والعزى، ولا عبدة الشمس والقمر، ولا النجوم، ولا النار، ولا الحجارة، وإنما قوله: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذا اليوم، وهذا المهديُّ، وهذه الرجعة، وهو قوله: (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ).(184) فقال المفضَّل: أشهد أنكم من علم الله علمتم، وبسلطانه وبقدرته قدرتم وبحكمه نطقتم، وبأمره تعملون.
ثم قال الصادق (عليه السلام): ثم يعود المهدي (عليه السلام) إلى الكوفة، وتمطر السماء بها جرادا من ذهب، كما أمطره الله في بني إسرائيل على أيوب، ويقسم على أصحابه كنوز الأرض من تبرها ولجينها وجوهرها.
قال المفضَّل: يا مولاي، مَنْ مات من شيعتكم وعليه دين لإخوانه ولأضداده كيف يكون؟
قال الصادق (عليه السلام): أوَّل ما يبتدئ المهدي (عليه السلام) أن ينادي في جميع العالم: ألا مَنْ له عند أحد من شيعتنا دين فليذكره حتى يرد الثومة والخردلة فضلاً عن القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والأملاك، فيوفيه إياه.
قال المفضَّل: يا مولاي ثم ماذا يكون؟
قال: يأتي القائم (عليه السلام) بعد أن يطأ شرق الأرض وغربها، الكوفة ومسجدها، ويهدم المسجد الذي بناه يزيد بن معاوية لعنه الله لما قتل الحسين بن عليّ (عليه السلام)، و(هو) مسجد ليس لله؛ ملعون ملعون من بناه. قال المفضَّل: يا مولاي! فكم تكون مدة ملكه (عليه السلام)؟
فقال: قال الله (عزَّ وجلَّ): (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأرْضُ إلّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأرْضُ إلّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)؛(185) والمجذوذ: المقطوع، أي عطاء غير مقطوع عنهم، بل هو دائم أبدا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وملك لا ينفد، وحكم لا ينقطع، وأمر لا يبطل إلا باختيار الله ومشيته، التي لا يعلمها إلّا هو، ثمَّ القيامة وما وصفه الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه.
الحديث العشرون: (ثواب من أقرّ بإمامة الأئمّة (عليهم السلام)):
في كتاب كمال الدين وتمام النعمة:
حدثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمِّه الحسين بن يزيد، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): حدثني جبرئيل عن ربِّ العزَّة (جلَّ جلاله) أنه قال: مَنْ عَلِمَ أن لا إله إلا أنا وحدي، وأنَّ محمداً عبدي ورسولي، وأنَّ عليَّ بن أبي طالب خليفتي، وأن الأئمة من ولده حججي أدخله الجنة برحمتي، ونجيته من النار بعفوي، وأبحت له جواري، وأوجبت له كرامتي، وأتممت عليه نعمتي، وجعلته من خاصَّتي وخالصتي، إنْ ناداني لبيته، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن سَكَتَ ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فرَّ منِّي دعوته، وإن رجع إليَّ قبلته، وإن قرع بابي فتحته.
ومن لم يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي، أو شهد بذلك ولم يشهد أن محمداً عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ عليَّ بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ الأئمّة من ولده حججي؛ فقد جحد نعمتي، وصغَّر عظمتي، و كفر بآياتي وكتبي؛ إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيَّبته، وذلك جزاؤه منِّي و ما أنا بظلام للعبيد.
فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله ومَنْ الأئمّة من ولد عليّ بن أبي طالب؟
قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثمَّ سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين، ثمَّ الباقر محمَّد بن علي وستدركه يا جابر، فإذا أدركته فاقرأه منِّي السلام، ثمَّ الصادق جعفر بن محمَّد، ثمَّ الكاظم موسى بن جعفر، ثمَّ الرضا علي بن موسى، ثمَّ التقي محمد بن علي، ثمَّ النقي علي بن محمَّد، ثمَّ الزكي الحسن بن علي، ثمَّ ابنه القائم بالحق مهديّ أمَّتي الذي يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي؛ مَنْ أطاعهم فقد أطاعني، ومَنْ عصاهم فقد عصاني، ومَنْ أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني؛ بهم يمسك الله (عزَّ وجلَّ) السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها.
وقد روى ابن شاذان هذا الحديث بسندٍ صحيح عن الإمام جعفر (عليه السلام)، وعدَّه من جملة النصوص الدَّالة على إمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).
الحديث الحادي والعشرون: (يجب العمل بالتقية إلى يوم خروج القائم (عليه السلام)):
قال الشيخ الصدوق عروة الإسلام أبو جعفر ابن بابويه (رحمه الله):
حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد قال: قال علي بن موسى الرضا (عليهما السلام):
لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له، إن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية.
فقيل له: يا ابن رسول الله إلى متى؟
قال: إلى يوم الوقت المعلوم؛ وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منَّا. فقيل له: يا ابن رسول الله! ومَنْ القائم منكم أهل البيت؟
قال: الرابع من ولدي، ابن سيدة الإماء، يطهِّر الله به الأرض من كل جور، ويقدسها من كل ظلم، وهو الذي يشك الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه؛ فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحدٌ أحداً، وهو الذي تطوى له الأرض، ولا يكون له ظلٌّ، وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه يقول: ألا إنَّ حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه، فإنَّ الحقَّ معه وفيه، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ).(186)
والسلام على من اتبع الهدى.
الحديث الثاني والعشرون: (عقيدة السيد عبد العظيم الحسني رضي الله عنه):
ما رواه أبو محمَّد بن شاذان:
عن سهل بن زياد الآدمي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: دخلت علي سيدي على بن محمَّد (عليهما السلام)، فلمّا بصر بي قال لي: مرحباً بك يا أبا القاسم، أنت وليُّنا حقاً.
فقلت له: يا ابن رسول الله! إنِّي أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه حتى ألقى الله (عزَّ وجلَّ). فقال: هات يا أبا القاسم.
فقلت: إنِّي أقول: إنَّ الله تبارك وتعالى واحد، ليس كمثله شيء، خارج عن الحدَّين: حدّ الإبطال، وحدّ التشبيه؛ وإنَّه ليس بجسم ولا صورة، ولا عرض ولا جوهر، بل هو مُجَسِّم الأجسام، ومصوِّر الصور، و خالق الأعراض والجواهر، وربُّ كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه، وإنَّ محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبيَّ بعده إلي يوم القيامة، وإنَّ شريعته خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(186) الشعراء: 4.
وأقول: إنَّ الإمام والخليفة ووليّ الأمر بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، ثمَّ الحسن، ثمَّ الحسين، ثمَّ عليّ بن الحسين، ثمَّ محمَّد بن علي، ثمَّ جعفر بن محمَّد، ثمَّ موسى بن جعفر، ثمَّ علي بن موسى، ثمَّ محمَّد بن علي، ثمَّ أنت يا مولاي.
فقال (عليه السلام): ومِنْ بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده؟
قال: فقلت: وكيف ذاك يا مولاي؟
قال: لأنَّه لا يرى شخصه، ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
قال: فقلت: أقررتُ، وأقول: إنَّ وليَّهم وليُّ الله، وعدَّوهم عدو الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله.
وأقول: إنَّ المعراج حقٌّ، والمسألة في القبر حقٌّ، وإنَّ الجنة حقٌّ، والنار حقٌّ، والصِّراط حقٌّ، والميزان حقٌّ، وأنَّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعث من في القبور.
وأقول: إنَّ الفرائض الواجبة بعد الولاية: الصَّلاة، والزَّكاة، والصَّوم، والحج، والجهاد، و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فقال عليُّ بن محمَّد (عليهما السلام): يا أبا القاسم! هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثْبِتْ عليه، ثَبَّتَكَ الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
الحديث الثالث والعشرون: (حديث الشيخ محمّد بن عبد الجبار عن ولادة الحجة (عليه السلام)):
قال أبو محمَّد بن شاذان:
حدَّثنا محمّد بن عبد الجبار قال: قلت لسيدي الحسن بن علي (عليه السلام): يا ابن رسول الله! جعلني الله فداك؛ أحبُّ أن اعلم أنَّ الإمام، وحجة الله على عباده مَنْ بعدك؟
قال (عليه السلام): انَّ الإمام مِنْ بَعْدِي ابني؛ سمِيِّ رسول الله، وكنيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلم)؛ الذي هو خاتم حجج الله، وآخر خلفائه.
فقلت: ممَّنْ يتولد هو يا ابن رسول الله؟
قال: من ابنة قيصر ملك الروم؛ إلّا أنَّه سيولد، فيغيب عن الناس غيبةً طويلةً، ثمَّ يظهر، ويقتل الدَّجال؛ فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً؛ فلا يحلّ لِأحَدٍ أن يسمِّيه، أو يكنِّيه قبل خروجه صلوات الله عليه.
وقال صاحب كشف الغمَّة الشيخ الفاضل عليّ بن عيسى الأربلي رحمة الله عليه:
من العجب أنَّ الشيخ الطبرسي، والشيخ المفيد رحمهما الله قالا: لا يجوز ذكر اسمه، ولا كنيته، ثمَّ يقولان اسمه اسم النبيّ، وكنيته كنيته، وهما يظنَّان أنَّهما لم يذكرا اسمه، ولا كنيته، وهذا عجيب.(187) انتهى.
وكم هو عجيب من هذا الفاضل فمع كمال فضله فإنَّه غفل عن هذا المعنى، وهو: أنَّ الإشارة إلى الاسم والكنية شيء، والتلفظ بالاسم والكنية شيء آخر؛ والحال فإنَّ هناك عدَّة روايات من الأحاديث احتوت على النَّهي عن التسمية، والتكنية، ومع ذلك فإنَّه قد ذكر في هذه الأحاديث: أنَّ خاتم الأوصياء سميّ وكنيّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعلى جميع الأنبياء.
الحديث الرابع والعشرون: (حديث دعبل الخزاعي مع الإمام الرضا (عليه السلام)):
قال الشيخ الصدوق أبو جعفر محمَّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (رحمه الله) في كتاب كمال الدين وتمام النعمة:
حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) قصيدتي التي أولها:
مدارس آيات خلت من تلاوة * * * ومنزل وحي مقفر العرصات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(187) كشف الغمَّة/ الاربلي: ج2/ ص 519.
فلما انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج * * * يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل * * * ويجزي على النعماء والنقمات
بكى الرضا (عليه السلام) بكاءً شديداً، ثمَّ رفع رأسه إليَّ فقال لي: يا خزاعي! نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام، ومتى يقوم؟
فقلت: لا، يا مولاي ألا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهِّر الأرض من الفساد و يملأها عدلاً كما ملئت جوراً.
فقال: يا دعبل! الإمام بعدي محمَّد ابني، وبعد محمد ابنه عليّ، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوَّل الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً؛ وأمَّا (متى) فإخبار عن الوقت؛ فقد حدثني أبي، عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك؟
فقال (عليه السلام): مثله مثل الساعة التي (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إلّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إلّا بَغْتَةً).(188)
وهناك عدَّة أحاديث معتبرة تدل على أنَّ ظهور صاحب الأمر لا يعلمه أحدٌ غير ربِّ العالمين (جلَّ جلاله)، وقد عقد محمَّد بن يعقوب الكليني رحمة الله تعالى عليه باباً في هذا الموضوع في كتاب الكافي تحت عنوان: باب كراهية التَّوقيت، فمنه:
الشيخ الجليل محمَّد بن يعقوب الكليني قال:
حدَّثنا محمَّد بن أبي عمير رضي الله عنه، عن حمَّاد بن عيسى، عن أبي شعبة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن أبيه محمَّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن عمَّه الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: سألت جدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(188) الأعراف: 187.
رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن الأئمّة بعده، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): الأئمّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل اثنا عشر، أعطاهم الله علمي وفهمي، وأنت منهم يا حسن.
فقلت: يا رسول الله، فمتى يخرج قائمنا أهل البيت؟
قال: يا حسن! مثله مثل الساعة أخفى الله علمها على أهل السماوات والأرض لا تأتي إلّا بغتة.(189)
ومن جملة ذلك ما قاله الشيخ أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه في كتاب الغيبة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(189) هكذا هو الموجود في المتن وباللغة العربية، ولكن في السند كلام، ملخصه: إنَّه قد نقل الرواية عن الكليني، والرواية لا توجد في الكافي، كما إننا لم نجد أحداً آخر نقلها عنه.
ثمَّ هناك إشكال في السند حيث راوي الرواية عن الشيخ الكليني عن ابن أبي عمير مباشرة وبدون واسطة، ولكن من البديهي أنَّ الكليني يروي عن بن أبي عمير بواسطتين، والكافي مملوء بسنده عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم؛ وعليه فلا إشكال بوجود سقط بالسند، أو أنَّ الرواية ليست عن الكليني، وإنَّما عن شخص آخر.
نعم! إنَّ الرواية موجودة في كتاب كفاية المهتدي المخطوط رواها عن غيبة الشيخ الفضل بن شاذان بنفس السند والمتن، ولكن بالطبع دون ذكر الشيخ الكليني، مما يؤكد أنَّ وجود اسمه اشتباه من النّساخ أو غيرهم.
أضف إلى ذلك أنَّ الرواية رواها الشيخ الخزاز في كفاية الأثر: ص 168 بسندٍ آخر.
وأمَّا من حيث المتن: فهناك اختلافات ببعض ألفاظ الرواية التي رواها الخزاز؛ ولوجود الإختلافات في السند والمتن لذلك ارتأينا نقلها كما هي في كفاية الخزاز، قال:
وعنه قال: حدثنا عتبة بن عبد الله الحمصي، قال: حدثنا سليمان ابن عمر الراسبي الكاتب بحمص، قال حدثني عبد الله بن جعفر ابن عبد الله المحمدي، قال حدثني أبو روح بن فروة بن الفرج، قال حدثني احمد بن محمد بن المنذر ابن حيفر قال:
قال الحسن ابن عليّ (عليهما السلام): سألت جدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن الأئمّة بعده.
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): الأئمّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل اثنا عشر، أعطاهم الله علمي وفهمي، وأنت منهم يا حسن.
قلت: يا رسول الله فمتى يخرج قائمنا أهل البيت؟
قال: يا حسن إنَّما مثله كمثل الساعة ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلّا بغتة.
أمَّا وقت خروجه فليس بمعلوم لنا على التفصيل، بل هو مغيَّب عنَّا إلى أن يأذن الله بالفرج.(190)
قال الشيخ أبو جعفر رضي الله عنه:
أخبرنا(191) الحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر محمد بن سفيان البزوفري، عن علي بن محمَّد، عن الفضل بن شاذان، عن أحمد بن محمَّد، وعبيس،(192) عن كرام، عن الفضل(193) قال: سألنا(194) أبا جعفر (عليه السلام) هل لهذا الأمر وقت؟
فقال (عليه السلام): كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون.(195)
وفي رواية أخرى: كذب الموقِّتون ما وقَّتنا فيما مضى، ولا نوقِّت فيما يستقبل.(196)
وروى هذا الحديث ابن شاذان بعدَّة أسانيد صحيحة.
وقال الشيخ الطوسي بعد ذكره هذا الحديث: وبهذا الإسناد عن عبد الرحمن بن كثير قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه مهزم الأسدي فقال: أخبرني جعلت فداك متى هذا الأمر الذي تنتظرونه، فقد طال؟
فقال: يا مهزم! كذب الوقَّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلِّمون، وإلينا يصيرون.(197)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(190) الغيبة/ الطوسي: ص 425.
(191) في المصدر: وأخبرني.
(192) في المصدر زيادة: بن هشام.
(193) في المصدر: الفضيل.
(194) في المصدر: سألت.
(195) الغيبة/ الطوسي: ص425 و426.
(196) الغيبة/ الطوسي: ص 426، بالسند التالي:
الفضل بن شاذان، عن الحسين بن يزيد الصحاف، عن منذر الجوّاز، عن أبي عبد الله (عليه السلام)... الحديث.
(197) الغيبة/ الطوسي: ص 426.
وقال محمَّد بن عثمان: خرج توقيع بخطٍّ أعرفه:(198) مَنْ سَمَّاني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله.(199)
وخرج في جواب سؤال: متى سيكون الفرج؟: كذب الوقاتون.(200)
قال السيِّد مير داماد (رحمه الله): روى هذا الحديث بعينه الشيخ المفيد، والشيخ الطوسي، والشيخ الطبرسي رحمهم الله بأسانيدٍ صحيحة.
وروى محمَّد بن يعقوب الكليني عن محمَّد بن عثمان أنَّه خرج توقيع في جملة مسائل فيه: أمَّا ظهور الفرج:
فإنَّه إلى الله تعالى (ذكره)،(201) وكذب الوقاتون.(202)
وقال الإمام محمَّد الباقر (عليه السلام):
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا عليُّ! إنَّ قريشاً ستظهر عليك ما استبطنته، وتجتمع كلمتهم على ظلمك، وقهرك؛ فإن وجدتَ أعواناً فجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً فكف يدك، واحقن دمك فإنَّ الشهادة من ورائك، فاعلم إنَّ ابني ينتقم من ظالميك وظالمي أولادك وشيعتك في الدُّنيا، ويعذِّبهم الله في الآخرة عذاباً شديداً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(198) هكذا في المصدر؛ ولكن في المتن بدل: (بخط أعرفه)، ما تعريبه: انَّه قال (عليه السلام).
(199) كمال الدين/ الصدوق: ص 483/ باب 45/ حديث 3.
(200) أمَّا النَّص في المصدر، فهو كما يلي: قال أبو عليّ محمَّد بن همَّام: وكتبت أسأله عن الفرج متى يكون؟
فخرج إليَّ: كذب الوقَّاتون.
(201) هذه الزيادة في المصدر، وقد سقطت من المتن.
(202) كمال الدين/ الصدوق: ص484/ باب 45/ حديث 4؛ وفيه:
حدثنا محمَّد بن محمَّد بن عصام الكليني رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد (ت في) التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام)... الحديث.
فقال سلمان الفارسي: مَنْ هو يا رسول الله؟
قال: التَّاسع من ولد ابني الحسين الذي يظهر بعد غيبته الطويلة، فيعلن أمر الله، ويظهر دين الله، وينتقم من أعداء الله، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
قال: متى يظهر يا رسول الله؟
قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): لا يعلم ذلك إلّا الله، ولكن لذلك علامات، منها: نداءٌ من السماء، وخسفٌ بالمشرق، وخسفٌ بالمغرب، وخسفٌ بالبيداء.(203)
والسلام على من اتبع الهدى.
وعن الإمام محمَّد التقي (عليه السلام) أنَّه قال:
إن الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه.
ثمَّ سكت؛ فقلت له: يا ابن رسول الله! فمَنْ الإمام بعد الحسن؟
فبكى (عليه السلام) بكاءً شديداً، ثمَّ قال: إنَّ مِنْ بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر.
فقلت له: يا ابن رسول الله لم سمِّي القائم؟
قال: لأنَّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته.
فقلت له: ولم سمِّي المنتظر؟
قال: لأنَّ له غيبة يكثر أيامها، ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقاتون، ويهلك فيها المستعجلون، و ينجو فيها المسلِّمون.(204)
وروى الحسن بن حمزة العلوي الطبريّ في كتاب الغيبة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(203) راجع: كفاية المهتدي لمير لوحي/ مخطوط.
(204) راجع: كمال الدين/ الصدوق: ص 378/ باب 36/ الحديث 3.
قال أبو عليّ: حدَّثنا محمَّد بن عثمان بن سعيد، قال: سمعت أبي يقول: سألتُ أبا محمَّد (عليه السلام) عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السلام): إنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة لله تعالى على خلقه إلى يوم القيامة؛ فإنَّ مَنْ مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليَّة.
فقال: إنَّ هذا حقٌّ، كما أنَّ النَّهار حقّ.
فقيل له: يا ابن رسول الله! فمَنْ الحجَّة، والإمام بعدك؟
قال: ابني هو الإمام، والحجَّة بعدي؛ مَنْ مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليَّة.
أما إنَّ له غيبةً يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقَّاتون، ثمَّ يخرج كأنَّي انظر إلى الأعلام التي تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة.
وسأل المفضَّل: أفلا يوقَّت؟
فقال (عليه السلام): يا مفضَّل! لا أوقِّت له وقتاً، ولا نوقت له وقتاً؛ إنَّ مَنْ وقَّت لمهديِّنا وقتاً لقد شارك الله في علمه، وادَّعى أنَّه ظهر على سرِّه.
والأحاديث في هذا الباب كثيرةٌ، وكلّها تنافي الاختصار.
ويؤيد هذا المعنى حديث خالد الكابلي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام)؛ قال خالد: يا سيدي! روي لنا عن أمير المؤمنين (عليّ) (عليه السلام) أن الأرض لا تخلو من حجة لله (عزَّ وجلَّ) على عباده، فمَنْ الحجَّة والإمام بعدك؟ قال: ابني محمَّد، واسمه في التوراة باقر، يبقر العلم بقرا، هو الحجَّة والإمام بعدي؛ ومِنْ بعد محمَّد ابنه جعفر، واسمه عند أهل السماء الصادق.
فقلت له: يا سيدي! فكيف صار اسمه الصادق وكلكم صادقون؟
قال: حدَّثني أبي، عن أبيه (عليهما السلام): أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمَّد بن علي بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام) فسمُّوه الصادق، فإنّ للخامس من ولده ولدا اسمه جعفر يدَّعي الإمامة اجتراءً على
الله وكذبا عليه، فهو عند الله جعفر الكذاب المفتري على الله (عزَّ وجلَّ)، والمدَّعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه، والحاسد لأخيه، ذلك الذي يروم كشف ستر الله عند غيبة وليِّ الله (عزَّ وجلَّ)، ثمَّ بكى عليُّ بن الحسين (عليهما السلام) بكاءاً شديداً، ثمَّ قال: كأنِّي بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله، والمغيَّب في حفظ الله، والتوكيل بحرم أبيه جهلاً منه بولادته، وحرصاً منه على قتله إن ظفر به، (و) طمعاً في ميراثه حتى يأخذه بغير حقه.
قال أبو خالد: فقلت له: يا ابن رسول الله! وإن ذلك لكائن؟
فقال: إي وربي إنّ ذلك لمكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
قال أبو خالد: فقلت: يا ابن رسول الله ثم يكون ماذا؟
قال: ثمَّ تمتد الغيبة بوليّ الله (عزَّ وجلَّ) الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة بعده.
يا أبا خالد! إنَّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لأنَّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله (عزَّ وجلَّ) سراً وجهراً.
وقال علي بن الحسين (عليهما السلام): انتظار الفرج من أعظم الفرج.(205)
وان شاء الله تعالى سوف يكرم الحقُّ تعالى جميع الشيعة الأجر العظيم بانتظارهم الفرج.
والسلام على من اتبع الهدى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(205) راجع: كمال الدين/ ص 319 و320، وكان المؤلف قد اختصر بعض العبارات.
الحديث الخامس والعشرون: (ثواب المؤمنين في الغيبة):
قال الشيخ المذكور (رحمه الله) في كمال الدين وتمام النعمة:
حدَّثنا محمَّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدَّثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن ابن(206) المغيرة، عن المفضل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال:
يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم البارئ (جلَّ جلاله) فيقول: عبادي، وإمائي! آمنتم بسرِّي، وصدقتم بغيبي، فابشروا بحسن الثواب منِّي، فأنتم عبادي وإمائي حقاً منكم أتقبل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي.
قال جابر: فقلت: يا ابن رسول الله فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟
قال: حفظ اللسان، ولزوم البيت.(207)
وهو كناية عن الجلوس في زاوية الدَّار، وعدم الاختلاط بالخلق حتَّى لا تنطلي عليه خدع الوساوس الشيطانيَّة من الإنس والجنّ.
الحديث السادس والعشرون: (الأئمة الإثني عشر (عليهم السلام) برواية الإمام الصادق (عليه السلام)):
قال أبو محمَّد بن شاذان (رحمه الله):
حدَّثنا عليُّ بن الحكم رضي الله عنه، عن سيف بن عميرة، عن علقمة بن محمد الحضرمي، عن الصادق (عليه السلام) قال: الأئمّة اثنا عشر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(206) هكذا في المتن، ولكن في المصدر: عن المغيرة.
(207) كمال الدين: ص330/ الباب 32/ الحديث 15.
قلت: يا ابن رسول الله، فسمِّهم لي؟
قال: مِنَ الماضين عليُّ بن أبى طالب، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمَّد بن علي، ثمَّ أنا.
قلت: فمَنْ بعدك يا ابن رسول الله؟
قال: إنِّي قد أوصيت إلى ولدي موسى وهو الإمام بعدي.
قلت: فمَنْ بعد موسى؟
قال: عليُّ ابنه يدعى بالرِّضا يدفن في أرض الغربة من خراسان، ثمَّ بعد عليّ ابنه محمَّد، وبعد محمَّد ابنه عليّ، وبعد عليّ الحسن ابنه، وبعد الحسن المهديّ ابنه، وأنَّه إذا خرج يجتمع عليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدد رجال بدر، وإذا كان وقت خروجه يكون له سيفٌ مغمودٌ خرج من غمده فناداه: قُمْ يا وليَّ الله، فاقتل أعداء الله.
يقول المترجم: هل يمكن لسيف بن عميرة الذي ينقل مثل هذا الحديث أن يكون واقفياً؟!!
إنَّ نقله مثل هذه الأحاديث يُظهر صفاء عقيدته. والسلام.
الحديث السابع والعشرون: (كل إمام منهم (عليهم السلام) قائم بأمر الله (جلَّ جلاله)):
قال الشيخ الصَّدوق عماد الدِّين أبو جعفر بن بابويه (رحمه الله):
حدَّثنا محمَّد بن أحمد الشيباني، عن محمَّد بن أبي عبد الله الكوفي، عن سهل بن زياد الادمي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال:
قلت لمحمَّد بن علي بن موسى (عليهم السلام): إنِّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً؟
فقال (عليه السلام): يا أبا القاسم! ما منَّا إلا وهو قائم بأمر الله (عزَّ وجلَّ)، وهاد إلى دين الله تعالى، ولكنَّ القائم الذي يطهر الله تبارك وتعالى به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب
عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سميُّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وكنيُّه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذل له كلُّ صعب؛ يجتمع إليه من أصحابه عدَّة أهل بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)،(208) فإذا اجتمعت له هذه العدَّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله (عزَّ وجلَّ)، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضي الله (عزَّ وجلَّ).
قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيدي وكيف يعلم أن الله تعالى قد رضي؟
قال: يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما.(209)
الحديث الثامن والعشرون: (من العلامات الحتمية قبل ظهوره (عليه السلام)):
قال الشيخ فضل:
حدَّثنا الحسن بن عليّ بن فضال، عن حَّماد، عن الحسن(210) بن المختار، عن أبي نصر،(211) عن عامر بن واثلة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم):
عشر قبل الساعة لا بدّ منها: السفياني، والدجال، والدخان، والدابة، وخروج القائم، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى (عليه السلام)، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر.
وروى الشيخ الطوسي، وابن بابويه هذا الحديث، كما نقله جماعة من علمائنا باختلاف الترتيب والعلامات، وقد ذكر في بعضها يأجوج ومأجوج.
وهذا الحديث من الأحاديث المعتبرة، وقد تلقى بالقبول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(208) البقرة: 148.
(209) راجع: كمال الدين/ ص 377/ الباب 36/ الحديث 2.
(210) في المصدر: (الحسين) بدل ( الحسن).
(211) في المتن: (أبي بصير) بدل ( أبي نصر)، وهو خطأ واضح عند علماء الرجال والدراية.
الحديث التاسع والعشرون: (الاستفادة من فتن آخر الزمان):
قال الشيخ الجليل الفضل بن شاذان قدس سره:
حدَّثنا محمَّد بن أبي عمير رضي الله عنه، قال: حدَّثنا جميل بن درَّاج قال: حدَّثنا زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: استعيذوا بالله من شرِّ السفياني، والدَّجَّال، وغيرهما من أصحاب الفتن.
قيل له: يا ابن رسول الله! أما الدجَّال فعرفناه وقد بيِّن من مضامين أحاديثكم شأنه، فمن السفياني، وغيره من أصحاب الفتن، وما يصنعون؟
قال (عليه السلام): أوَّل من يخرج منهم رجلٌ يقال له: أصهب بن قيس يخرج من بلاد الجزيرة له نكاية شديدة في النَّاس، وجور عظيم.
ثمَّ يخرج الجرهميّ من بلاد الشام.
ويخرج القحطانيّ من بلاد اليمن.
ولكلِّ واحدٍ من هؤلاء شوكة عظيمة في ولايتهم، ويغلب على أهلها الظلم، والفتنة منهم؛ فبينما هم كذلك إذ يخرج عليهم السَّمرقندي من خراسان مع الرَّايات السود، والسفياني من الوادي اليابس من أودية الشام، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، وهذا الملعون يُظهر الزهد قبل خروجه، ويتقشَّف، ويتقنَّع بخبز الشعير، والملح الجريش، ويبذل الأموال، فيجلب بذلك قلوب الجهَّال والأرذال؛ ثمَّ يدَّعي الخلافة فيبايعونه، ويتَّبعهم العلماء الذين يكتمون الحقَّ ويظهرون الباطل، فيقولون: إنَّه خير أهل الأرض.
وقد يكون خروجه، وخروج اليماني من اليمن مع الرَّايات البيض في يومٍ واحدٍ، وسنة واحدة؛ فأوَّل مَنْ يقاتل السفياني القحطانيُّ فينهزم ويرجع إلى اليمن، فيقتله اليماني.
ثمَّ يفرُّ الأصهب، والجرهميّ بعد محاربات كثيرة من السفياني، فيتبعهما، ويقهرهما، ويقهر كلَّ من ينازعه، ويحاربه إلّا اليمانيّ.
ثمَّ يبعث السفيانيّ جيوشاً إلى الأطراف، ويسخِّر كثيراً من البلاد، ويبالغ في القتل، والفساد، ويذهب إلى الرُّوم لدفع الملك الخراسانيّ يعني: السمرقندي الذي يخرج من أطراف خراسان مع رايات سود.
وقد يستفاد من هذا الحديث الشريف أنَّ السمرقندي في ذلك الوقت كان قد احتلَّ بلاد الشام، ولكن ليس من الواضح والمعلوم أنَّه سوف يقع قتال بين هذين الضالين المضلَّين، أم أنَّهما سوف يتصالحان، أم أنَّ السفياني سوف ينصرف ويرجع دون أن تلتقي الفئتان؟ وبالجملة يقول الإمام: ويرجع منها متنصِّراً في عنقه صليب.
ثمَّ يقصد اليمانيّ، فينهض اليمانيّ لدفع شرِّه، فينهزم السفياني بعد محاربات عديدة، ومقاتلات شديدة، فيتبعه اليمانيُّ، فتكثر الحروب وهزيمة السفياني، فيجده اليماني في آخر الأمر مع ابنه في الأسارى فيقطّعهما إرباً إرباً.
ثمَّ يعيش في سلطنته فارغاً من الأعداء ثلاثين سنةً، ثمَّ يفوِّض الملك بابنه السَّعيد، ويأوي مكَّة، وينتظر ظهور قائمنا حتَّى يتوفَّى، فيبقى ابنه بعد وفاة أبيه في ملكه وسلطانه قريباً من أربعين سنةً، وهما يرجعان إلى الدنيا بدعاء قائمنا (عليه السلام).
قال زرارة: فسألته عن مدَّة ملك السفيانيّ.
قال (عليه السلام): تمتدّ إلى عشرين سنة.
الحديث الثلاثون: (خروج الخراساني والسفياني واليماني):
قال الشيخ الجليل الشيخ أبو جعفر الطوسي في كتاب الغيبة:
حدَّثنا سيف بن عميرة، عن بكر بن محمَّد الأزديّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خروج الثلاثة: الخراسانيّ، والسفياني، واليمانيّ في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، فليس فيها راية بأهدى من راية اليماني تهدي إلى الحقّ.(212)
ولا بدَّ أن يعرف أنَّ الأحاديث في باب علامات ظهور صاحب الزَّمان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(212) الغيبة/ الطوسي: ص 446 و447/ تحت فقرة 443.
صلوات الله عليه كثيرة؛ ومن جملتها حديث ذكره المرحوم الشيخ محمَّد بن محمَّد بن النعمان في كتاب الإرشاد:
ذكر علامات قيام القائم (عليه السلام) ومدة أيام ظهوره، وشرح سيرته وطريقة أحكامه، وطرف مما يظهر في دولته وأيامه صلوات الله عليه.
قد جاءت الأخبار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي (عليه السلام) وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات:
فمنها: خروج السفياني، وقتل الحسني، واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وركود الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم سور الكوفة، وإقبال رايات سود من قبل خراسان، وخروج اليماني، وظهور المغربي بمصر وتملكه للشامات، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق يضئ كما يضيء القمر ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر تظهر بالمشرق طولاً، وتبقى في الجوِّ ثلاثة أيام أو سبعة أيام، وخلع العرب أعنتها وتملكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم، وقتل أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاثة رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من قبل المغرب حتى تربط بفناء الحيرة، وإقبال رايات سود من المشرق نحوها، وبثق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة، وخروج ستين كذاباً كلُّهم يدَّعي النبوَّة، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلهم يدعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العباس بين جلولاء وخانقين، وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة السلام، وارتفاع ريح سوداء بها في أول النهار، وزلزلة حتى ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق، وموت
ذريع فيه، ونقص من الأنفس والأموال والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلات، وقلة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم، (ومسخ لقوم) من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد السادات، ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كل أهل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون.
ثم يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتصل فتحيى بها الأرض من بعد موتها وتعرف بركاتها، وتزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي (عليه السلام)، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتوجهون نحوه لنصرته. كما جاءت بذلك الأخبار. ومن جملة هذه الأحداث محتومة ومنها مشترطة، والله أعلم بما يكون.(213)
ونسأل التوفيق والهداية. وقد نقل مؤلف كتاب كشف الغمَّة (رحمه الله) هذه العلامات التي ذكرها الشيخ المفيد، ثمَّ قال بعد ذلك:
لا ريب إنَّ هذه الحوادث فيها ما يحيله العقل، وفيها ما يحيله المنجِّمون؛ ولهذا اعتذر الشيخ المفيد (رحمه الله) في آخر إيراده لها: والذي أراه إنَّه إذا صحت طرقات نقلها، وكانت منقولة عن النبي أو الإمام (عليهما السلام) فحقها أن تتلقى بالقبول لأنَّها معجزات، والمعجزات خوارق للعادات كانشقاق القمر، وانقلاب العصا ثعباناً، والله أعلم.(214)
وروى ابن عمر(215) عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّه قال: لا تقوم السَّاعة حتَّى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(213) الإرشاد/ المفيد: ج2/ ص 368 - 370.
(214) كشف الغمَّة/ الأربلي: ج 2/ ص 458.
(215) في المتن: ابن أبي عمير؛ ولكنَّه تصحيف واضح، والصحيح ما أثبتناه كما هو موجود في المصادر، ثمَّ أنَّه لا يمكن لابن أبي عمير أن يروي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) مباشرة بدون واسطة لتباعد طبقته.
يخرج المهدي من ولدي، ولا يخرج المهدي حتَّى يخرج ستُّون كذاباً كلُّهم يقولون: أنا نبيٌّ.
وعن أبي حمزه الثمالي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): خروج السفياني من المحتوم؟
قال: نعم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من مغربها محتوم، واختلاف بني العباس في الدولة محتوم، وقتل النفس الزكية محتوم، وخروج القائم من آل محمَّد محتوم.
قلت: وكيف يكون النداء؟
قال: ينادي مناد من السماء في أوَّل النهار ألا أنَّ الحقَّ مع عليّ وشيعته، ثم ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض ألا أنَّ الحقَّ مع عثمان وشيعته، فعند ذلك يرتاب المبطلون.(216)
وقال صاحب كشف الغمَّة بعد نقله هذا الحديث:
لا يرتاب إلّا جاهل؛ لأنَّ منادي السماء أولى أن يقبل من منادي الأرض.(217)
وروى الشيخ المفيد عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يخرج القائم حتى يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم كلُّهم يدعو إلى نفسه.
وروي بأسانيد معتبرة عن الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين في روايات عديدة أنَّ بين يدي القائم موت أحمر - وهو السيف - وموت أبيض - وهو الطاعون - وجراد في حينه وجراد في غير حينه كألوان الدم، واختلاف بني العبَّاس في الدولة، والمنادي الذي ينادي من السماء، وخسف قرية من قرى الشام يقال لها: الجابية، ونزول الترك في الجزيرة، ونزول الروم الرملة، واختلافات كثيرة عند ذلك في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(216) كشف الغمَّة/ الأربلي: ج2/ ص 459.
(217) نفس المصدر السابق.
كلِّ أرض حتَّى تخرب الشام، ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني.
وورد: إن السنة التي يقوم فيها المهدي (عليه السلام) تمطر الأرض أربعاً وعشرين مطرة، ترى آثارها وبركاتها.(218)
وقال (عليه السلام): إنَّ قدَّام القائم لسنة غيداقة تفسد ثمر النخل، فلا تشكو في ذلك.(219)
وأنَّ قبل القائم كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، والقمر في آخره.
فقال الراوي: قلت: يا ابن رسول الله تنكسف الشمس في آخر الشهر، والقمر في النصف.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): أنا أعلم بما قلت، إنَّهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم (عليه السلام).(220)
وسأل الإمام أبو جعفر (عليه السلام): متى يكون هذا الأمر؟(221)
فقال: أنَّى يكون ذلك (يا جابر) ولما يكثر القتل بين الحيرة والكوفة.
وقال (عليه السلام): إذا هدم حائط مسجد الكوفة مما يلي دار عبد الله بن مسعود، فعند ذلك زوال ملك القوم، وعند زواله خروج القائم (عليه السلام).
وقال (عليه السلام): ليس بين قيام القائم (عليه السلام) وقتل النفس الزكية أكثر من خمس عشرة ليلة.
وطبق رواية الشيخ المفيد فإنَّ المراد من النفس الزكيَّة هو غير محمَّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(218) الإرشاد/ المفيد: ج2/ ص 273.
(219) الإرشاد/ المفيد: ج2/ ص377؛ وفي: إعلام الورى بأعلام الهدى/ الطبرسي: ج2/ 286.
(220) راجع الرواية في: الإرشاد/ المفيد: ج2/ ص 374؛ وفي: الغيبة/ الطوسي: ص 444/ تحت رقم 439؛ وفي: الكافي/ الكليني: الروضة/ ج8/ ص 212/ تحت رقم 258.
(221) استعاض المؤلف في المتن عن عبارة (الأمر) بعبارة (متى يكون ظهوره).
وقال (عليه السلام): خروج الثلاثة: السفياني، والخراساني، واليماني، في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، وليس فيها راية أهدى من راية اليماني، لأنَّه يدعو إلى الحق.
وعن أبي الحسن (عليه السلام) قال: كأنِّي برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات، حتى تأتي الشامات فتهدى إلى ابن صاحب الوصيَّات.
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يذهب ملك هؤلاء حتى يستعرضوا الناس بالكوفة في يوم الجمعة، لكأنِّي أنظر إلى رؤوس تندر فيما بين باب الفيل وأصحاب الصابون.
وسأل رجل أبا الحسن (عليه السلام) عن الفرج فقال: تريد الإكثار أم أجمل لك؟
قال: بل تجمل لي.
قال: إذا تمركزت رايات قيس بمصر، ورايات كندة بخراسان.
و(222) سنة الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل على أزقة الكوفة.
وقال (عليه السلام): إنَّ قدام القائم بلوى من الله.
قلت: ما هو، جعلت فداك؟
فقرأ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).(223)
ثمَّ قال: الخوف من ملوك بني فلان، والجوع من غلاء الأسعار، ونقص من الأموال من كساد التجارات وقلة الفضل فيها، ونقص الأنفس بالموت الذريع، ونقص الثمرات بقلة ريع الزرع وقلة بركة الثمار.
ثمَّ قال: (وبشر الصابرين) عند ذلك بتعجيل خروج القائم (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(222) الرواية رواها الشيخ المفيد عن الإمام الصادق (عليه السلام). راجع الإرشاد: ج2/ ص 377.
(223) البقرة: 155.
وقال (عليه السلام): يزجر الناس قبل قيام القائم (عليه السلام) عن معاصيهم بنار تظهر في السماء، وحمرة تجلل السماء، وخسف ببغداد، وخسف ببلد البصرة، ودماء تسفك بها، وخراب دورها، وفناء يقع في أهلها، وشمول أهل العراق بخوف لا يكون لهم معه قرار.(224)
وقال (عليه السلام): لا يخرج القائم (عليه السلام) إلّا في وتر من السنين.
وقال (عليه السلام): ينادى باسم القائم (عليه السلام) في ليلة ثلاث وعشرين.(225)
ومن المعلوم من عدَّة أحاديث أنَّها سوف تكون ليلة الثلاثة والعشرين من شهر رمضان.
ويقوم في يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، لكأنِّي به في يوم السبت العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام، جبرئيل (عليه السلام) على يده اليمنى ينادي: البيعة لله، فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طياً حتَّى يبايعوه، فيملأ الله به الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.(226)
وروى الشيخ المفيد عن الإمام أبي جعفر محمَّد الباقر (عليه السلام) قال: (كأني بالقائم (عليه السلام) على نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرِّق الجنود في البلاد).
فقال: يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له، ويدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري النَّاس ما يقول من البكاء، فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلي بهم الجمعة، فيأمر أن يخط له مسجد على الغري، ويصلي بهم هناك، ثم يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين (عليه السلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(224) الإرشاد/ المفيد: ج2/ ص 378.
(225) الإرشاد/ المفيد: ج2/ ص 379.
(226) الإرشاد/ المفيد: ج2/ ص 379.
نهرا يجري إلى الغريين حتى ينزل الماء في النجف، ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء، فكأنِّي بالعجوز على رأسها مكتل فيه بر تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كراء.
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ذكر مسجد السهلة فقال: (أما إنه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله).(227)
وقال (عليه السلام): إذا قام قائم آل محمَّد (عليه السلام) بنى في ظهر الكوفة مسجدا له ألف باب، واتصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلاء.
وقال الرضا (عليه السلام) في جواب من سأله: ما علامات القائم منكم إذا خرج؟
قال: علامته أن يكون شيخ السنّ، شاب المنظر حتَّى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، وإنَّ من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيَّام والليالي حتى يأتيه أجله.(228)
الحديث الواحد والثلاثون: (علامات ظهور صاحب الأمر (عليه السلام)):
قال فضل بن شاذان عليه الرحمة:
حدَّثنا صفوان بن يحيى قال: حدَّثنا محمَّد بن حمران قال: قال الصادق جعفر بن محمَّد (عليهما السلام):
إنَّ القائم منَّا (عليه السلام) منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز كلُّها، ويظهر له الله تعالى به دينه على الدين كلِّه ولو كره المشركون، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب فلا يبقى في الأرض خراب إلّا عمِّر، وينزل روح الله عيسى بن مريم (عليهما السلام) فيصلِّي خلفه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(227) قد اختصر المؤلف الرواية، قال ما تعريبه: وقال: مسجد السهلة منزل صاحبنا إذا قدم بأهله.
(228) كمال الدين/ الصدوق: ص 652/ الباب 57/ الحديث 12، والسند فيه إلى أبي الصلت الهروي قال: قلت للرضا (عليه السلام)... الحديث.
قال ابن حمران: قيل له: يا بن رسول الله! متى يخرج قائمكم؟
قال: إذا تشبَّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال؛ واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء؛ وركب ذات الفروج السروج، وقبلت شهادة الزور، وردَّت شهادة العدول، واستخف النَّاس بالدماء، وارتكاب الزنا، وأكل الربا، والرشا، واستيلاء الأشرار على الأبرار، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) بين الركن والمقام اسمه محمَّد بن محمَّد، ولقبه النَّفس الزكية؛ وجاءت صيحة من السماء: بأنَّ الحقَّ مع عليٍّ وشيعته فعند ذلك خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وأوَّل ما ينطق به هذه الآية: (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ثمَّ يقول: أنا بقيَّة الله، وحجَّته، وخليفته عليكم، فلا يسلِّم عليه مسلِّم إلّا قال: السلام عليك يا بقيَّة الله في أرضه.
فإذا اجتمع له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج من مكَّة فلا يبقى في الأرض معبود دون الله (عزَّ وجلَّ) من صنم ووثن وغيره إلّا فيه نار فاحترق، وذلك بعد غيبةٍ طويلةٍ.
الحديث الثاني والثلاثون: (أنصار المهدي (عليه السلام)):
قال الشيخ الجليل فضل بن شاذان بن الخليل (رحمه الله):
حدَّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدَّة أهل بدر فيصبحون بمكة، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)،(229) وهم أصحاب القائم (عليه السلام).
وأمَّا أنَّ كلَّ واحدٍ من هؤلاء الثلاثمائة وثلاثة عشر من بلدٍ فقد ورد في عدَّة روايات، منها:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(229) البقرة: 148.
ما رواه الشيخ محمَّد بن هبة الله الطرابلسي في كتابه: (الفرج الكبير) بسنده(230) عن جابر بن عبد الله الأنصاري إنَّه سأل أمير المؤمنين: مِنْ أين كلِّ واحد من هؤلاء الثلاثمائة وثلاثة عشر؟
فقال (عليه السلام): أربعةٌ من مكة... وأربعةٌ من المدينة... وأربعةٌ من بيت المقدس... وسبعةٌ من اليمن... وثمانيةٌ من مصر... وثلاثةٌ من حلب... واثنا عشر من البادية... وثلاثةٌ من آذربيجان... وأربعةٌ من خوارزم... واثنا عشر من طالقان... وسبعةٌ من الديلم... وثلاثةٌ من البصرة... وثلاثةٌ من بودسة الروم... وسبعةٌ من جرجان... وسبعةٌ من جيلان... وسبعةٌ من طبرستان... وأربعةٌ من خوزستان... وأربعةٌ من الري... واثنا عشر من قم... وواحدٌ من أصفهان... وثلاثة عشر من سبزوار... وثلاثةٌ من همدان... وأربعةٌ من كرمان... وواحدٌ من مكران... وثلاثةٌ من غزنين... وثلاثةٌ من قاشان (يعني: كاشان)... وثلاثةٌ من قزوين... وعشرةٌ من الهند... وثلاثةٌ من ما وراء النَّهر... وسبعةٌ من فارس... وسبعةٌ من نيشابور... وسبعةٌ من طوس... وثلاثةٌ من دامغان... وثلاثةٌ من الحبشة... وسبعةٌ من بغداد... واثنان من المدائن... واثنا عشر من بلاد المغرب... واثنا عشر من الحلَّة... واثنا عشر من مدفني (يعني: نجف الكوفة)... وخمسةٌ من مشهد ابني الحسين (عليه السلام) (يعني: كربلاء)... وخمسةٌ من طرسوس... وثلاثةٌ من طبرية... وثلاثةٌ من بدخشان... وأربعةٌ من بلخ... واثنان من بخارى... واثنان من سمرقند... وثلاثةٌ من سيستان... واثنان من كاشغر... وسبعةٌ من القيروان... وخمسةٌ من قشمير... وأربعةٌ من بوشنج... وستةٌ من طبس... وأربعةٌ من كنام... واثنان من كابل... وخمسةٌ من بفراح... واثنان من مراغة... وأربعةٌ من جوين... وثلاثةٌ من بروجرد... وستةٌ من قوس... وثلاثةٌ من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(230) لسبب عدم وجود الأصل العربي لكتاب الفرج الكبير فلذلك اضطررنا لترجمة النَّص لإرجاعه إلى أصله العربي.
نسا... واثنان من أبيورد... ويحضر في هذا اليوم أربعةٌ من الأنبياء: عيسى، وإدريس، والخضر، وإلياس (عليهم السلام).
ووردت في باب نزول عيسى (عليه السلام) أحاديثٌ عدَّة، بعضها سوف يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
وروي أنَّ الحق تعالى سوف يحيي له (عليه السلام) سبعةً وعشرين نفراً ليكونوا من أنصاره؛ خمسة عشرمنهم من أصحاب موسى كما قال الحق تعالى في القرآن: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ).(231)
وسبعة من أصحاب الكهف... ويوشع بن نون... وسلمان الفارسي... وأبو ذر الغفاري... والمقداد بن الأسود الكندي... ومالك الأشتر النَّخعي.
الحديث الثالث والثلاثون: (متى يظهر القائم (عليه السلام)؟):
قال فضل بن شاذان:
حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن أبي نصر، قال: حدَّثنا عاصم بن حميد، قال: حدَّثنا محمَّد بن مسلم، قال: سأل رجلٌ أبا عبد الله (عليه السلام): متى يظهر قائمكم؟
قال: إذا كثر الغواية، وقلَّ الهداية، وكثر الجور والفساد، وقلَّ الصلاح والسداد، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ومال الفقهاء إلى الدنيا، وأكثر النَّاس الأشعار والشعراء، ومسخ قوم من أهل البدع حتَّى يصيروا قردة وخنازير، وقتل السفياني، ثمَّ خرج الدجال، وبالغ في الإغواء والإضلال، فعند ذلك ينادى باسم القائم (عليه السلام) في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، ويقوم يوم عاشوراء؛ فكأني أنظر إليه قائماً بين الركن والمقام، وينادي جبرئيل بين يديه: البيعة لله، فتقبل شيعته إليه من أطراف الأرض تطوى لهم طيَّاً حتَّى يبايعوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(231) الأعراف: 159.
ثمَّ يسير إلى الكوفة، فينزل على نجفها، ثمَّ يفرق الجنود منها إلى الأمصار لدفع عمال الدجال، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
قال: فقلت له: يا بن رسول الله! فداك أبي، وأمِّي، أيعلم أحد من أهل مكة من أن يجيء قائمكم إليها؟
قال: لا. ثمَّ قال: لا يظهر إلّا بغتةً بين الركن والمقام.
وأيضاً قال ابن شاذان:
حدَّثنا محمَّد بن أبي عمير، عن أبي الحسن عليِّ بن موسى (عليهما السلام) قال:
إنَّ القائم ينادى باسمه ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، ويقوم يوم عاشوراء، فلا يبقى راقدٌ إلّا قام، ولا قائمٌ إلّا قعد، ولا قاعدٌ إلا قام على رجليه (من رجليه)(232) من ذلك الصَّوت، هو صوت جبرئيل (عليه السلام)، ويقال للمؤمن في قبره: يا هذا قد ظهر صاحبك، فإن تشاء أن تلحق به، وإن تشاء أن تقم فأقم.
الحديث الرابع والثلاثون: (علامات الظهور في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)):
الطالقاني، عن الجلودي، عن الحسين بن معاذ، عن قيس بن حفص، عن يونس بن أرقم، عن أبي سيار الشيباني، عن الضحاك بن مزاحم، عن النزال بن سبرة قال:
خطبنا أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام): فحمد الله (عزَّ وجلَّ)، وأثنى عليه، وصلى على محمَّد وآله؛ ثم قال:
سلوني أيها الناس قبل أن تفقدوني - ثلاثاً - فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال: يا أمير المؤمنين متى يخرج الدجال؟
فقال له عليّ (عليه السلام): اقعد فقد سمع الله كلامك، وعلم ما أردت، والله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل، ولكن لذلك علامات وهيئات يتبع بعضها بعضاً كحذو النَّعل بالنَّعل، وإن شئت أنبأتك بها؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(232) هكذا في المتن.
قال: نعم يا أمير المؤمنين.
فقال (عليه السلام): احفظ فإنَّ علامة ذلك: إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلوا الكذب، وأكلوا الربا، وأخذوا الرشا، وشيدوا البنيان، وباعوا الدين بالدنيا، واستعملوا السفهاء، وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتبعوا الأهواء، واستخفوا بالدماء، وكان الحلم ضعفاً، والظلم فخرا، وكانت الأمراء فجرة، والوزراء ظلمة، والعرفاء خونة، والقراء فسقة، وظهرت شهادة الزور، واستعلن الفجور، وقول البهتان، والإثم والطغيان، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطولت المنارات، وأكرم(233) الأشرار، وازدحمت الصفوف، واختلفت الأهواء،(234) ونقضت العقود،(235) واقترب الموعود، وشارك النساء أزواجهن في التجارة حرصاً على الدنيا، وعلت أصوات الفساق واستمع منهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، واتقي الفاجر مخافة شرِّه، وصُدِّق الكاذب، وائتمن الخائن، واتخذت المغنيَّات(236) والمعازف، ولعن آخر هذه الأمَّة أولها، وركب ذوات الفروج السروج، وتشبه النساء بالرجال، والرجال بالنساء، وشهد الشاهد من غير أن يستشهد، وشهد الآخر قضاء لذمام بغير حق عرفه، وتفقه لغير الدين، وآثروا عمل الدنيا على الآخرة، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب، وقلوبهم أنتن من الجيف وأمر من الصبر، فعند ذلك الوحا الوحا، ثمَّ العجل العجل، خير المساكن يومئذ بيت المقدس، وليأتين على الناس زمان يتمنى أحدهم أنَّه من سكانه.
فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال: يا أمير المؤمنين من الدجال؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(233) في المصدر، بدل: وأكرمت.
(234) في المصدر، بدل: القلوب.
(235) في المصدر، بدل: العهود.
(236) في المصدر، بدل: القيان.
فقال: ألا إنَّ الدجال صائد بن الصيد، فالشقي من صدَّقه، والسعيد من كذَّبه، يخرج من بلدة يقال لها أصفهان، من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمنى ممسوحة، والعين الأخرى في جبهته تضيء كأنها كوكب الصبح، فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم، بين عينيه مكتوب كافر، يقرؤه كل كاتب وأمِّي، يخوض البحار وتسير معه الشمس، بين يديه جبل من دخان، وخلفه جبل أبيض يري الناس أنه طعام، يخرج حين يخرج في قحط شديد تحته حمار أقمر، خطوة حماره ميل، تطوى له الأرض منهلاً منهلاً، لا يمرُّ بماء إلا غار إلى يوم القيامة، ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن والإنس والشياطين يقول: إليَّ أوليائي (أنا الذي خلق فسوى وقدر فهدى، أنا ربكم الأعلى).
وكذب عدو الله، إنَّه أعور يطعم الطعام، ويمشي في الأسواق، وإنَّ ربَّكم (عزَّ وجلَّ) ليس بأعور، ولا يطعم ولا يمشي ولا يزول تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ألا وإنَّ أكثر أتباعه يومئذ أولاد الزنا، وأصحاب الطيالسة الخضر، يقتله الله (عزَّ وجلَّ) بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة على يد من يصلي المسيح عيسى بن مريم (عليهما السلام) خلفه ألا إنَّ بعد ذلك الطامة الكبرى.
قلنا: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟
قال: خروج دابة الأرض من عند الصفا، معها خاتم سليمان بن داود، وعصى موسى (عليهم السلام)، يضع الخاتم على وجه كل مؤمن فينطبع فيه: هذا مؤمن حقاً، ويضعه على وجه كلِّ كافر فيكتب هذا كافر حقاً، حتَّى أنَّ المؤمن لينادي: الويل لك يا كافر، وإنَّ الكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن، وددت أنيِّ اليوم كنت مثلك فأفوز فوزا عظيما.
ثمَّ ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله (جلَّ جلاله) وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة، فلا توبة تقبل ولا عمل يرفع (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً).
ثمَّ قال (عليه السلام): لا تسألوني عمَّا يكون بعد هذا فإنَّه عهد عهده إليَّ حبيبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن لا أخبر به غير عترتي.
قال النزال بن سبرة: فقلت لصعصعة بن صوحان: يا صعصعة ما عنى أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا القول؟
فقال صعصعة: يا ابن سبرة! إنَّ الذي يصلِّي خلفه عيسى بن مريم (عليهما السلام) هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن علي (عليهما السلام)، وهو الشمس الطالعة من مغربها يظهر عند الركن والمقام فيطهر الأرض، ويضع ميزان العدل فلا يظلم أحد أحداً، فأخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّ حبيبه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) عهد إليه أن لا يخبر بما يكون بعد ذلك غير عترته الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين.
أيضاً وفي حديث آخر روى محمًّد بن عمر بن عثمان بن الفضل، عن محمَّد بن جعفر بن المظفر، وعبد الله بن محمَّد بن عبد الرحمن، وعبد الله بن محمد بن موسى جميعاً، ومحمَّد بن عبد الله بن صبيح جميعاً، عن أحمد بن المثنى الموصلي، عن عبد الأعلى، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) مثله سواء.
ومثله ما قال الشيخ ابن شاذان:
حدَّثنا محمَّد بن أبي عمير قال: حدَّثنا المفضَّل بن عمر، عن الصَّادق جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: سُئل رسول الله عن الدجال، قال: إنَّه يخرج في قحطٍ شديدٍ من بلدةٍ يُقال لها: أصفهان، من قريةٍ تعرف باليهوديَّة، عينه اليمنى ممسوحة، والأخرى في جبهته تضيء كأنَّها كوكب الصبح، فيها علقة، ينادي بأعلى صوته، يسمع كلُّ من كان ما بين الخافقين من الجنّ والأنس، يقول: إليَّ أوليائي، أنا الذي خلق فسوَّى، وقدَّر فهدى، أنا ربكم الأعلى.
ففي أوَّل يومٍ من خروجه يتبعه سبعون ألفاً من اليهود، والأعراب، والنساء، وأولاد الزنا، والمدمنين بالخمر، والمغنِّين، وأصحاب اللهو، ويجتمع عنده سحرة الجنِّ والإنس، ويكون معه إبليس، ومردة الشياطين، وكلّ شيء
من الأطعمة والأشربة، ويذبح له ولأصحابه من البقر والغنم والجداء والحملان، ويحلب له ألبان من البقر والغنم في أيِّ وقت يريدون (أرادوا خ. ل)، وهو في كل يومٍ يقتل أحداً من أصحابه، أو غيرهم، فيواريه أحد من الشياطين ويري النَّاس نفسه بصورته، فيخيلهم الدجال أنَّه يحيي ويميت، وبذلك يغويهم أشدّ الإغواء، فيطوف البلدان راكباً على حمارٍ أقمر والشياطين معه مع الطبول والمزامير والبوقات وكلّ آلة من آلات اللهو، فيبيح الزنا، واللواط، وسائر المناهي، حتَّى يباشر الرجال النساء والغلمان في أطراف الشوارع، وعلانيةً، ويفرط أصحابه في أكل لحم الخنزير، وشرب الخمور، وارتكاب أنواع الفسوق، والفجور. ويسخِّر آفاق الأرض إلّا مكة والمدينة، ومراقد الأئمّة (عليهم السلام)؛ فإذا بلغ في طغيانه ملأ الأرض من جوره، وجور أعوانه؛ يقتله مَنْ يصلِّي خلفه عيسى بن مريم (عليهما السلام).
الحديث الخامس والثلاثون: (السلطان العادل هو الإمام منهم (عليهم السلام)):
قال الفضل بن شاذان:
حدَّثنا فضالة بن أيوب، قال: حدَّثنا عبد الله بن سنان، قال: سأل أبي عن أبي عبد الله(237) (عليه السلام) عن السلطان العادل؛ فقال: هو من افترض الله طاعته بعد الأنبياء، والمرسلين على الجنِّ والإنس أجمعين، وهو سلطان بعد سلطان إلى أنْ ينتهي إلى السُّلطان الثاني عشر.
فقال رجلٌ من أصحابه: صف لنا مَنْ هم يا رسول الله؟
قال: هم الذين قال الله تعالى فيهم: (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(237) هكذا في المتن، ولكن يبدو فيه تصحيف بزيادة كلمة: (عن)، بينما الأفصح: (سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام)).
الأمْرِ مِنْكُمْ)،(238) والذين خاتمهم الذي ينزل في زمن دولته عيسى (عليه السلام) من السماء، ويصلِّي خلفه؛ وهو الذي يقتل الدجال، ويفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ويمتد سلطانه إلى يوم القيامة.
الحديث السادس والثلاثون: (بوفاة المهدي (عليه السلام) انتهاء الدنيا):
قال الفضل بن شاذان:
حدَّثنا محمَّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، قالا: حدَّثنا جميل بن دراج، عن الصَّادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) أنَّه قال:
الإسلام أسٌّ، والسلطان العادل حارسٌ؛ ما لا أسَّ له فمنهدم، وما لا حارس له فضائع، فلذلك إذا رحل قائمنا لم يبق أثر من الإسلام، وإذا لم يبق أثرٌ من الإسلام لم يبق أثرٌ من الدُّنيا.
ولهذا الحديث دلالةٌ واضحةٌ على أنَّه بوفاة الصَّاحب (عليه السلام) انتهاء الدُّنيا، ولا يبقى من الدُّنيا أثر؛ كما قال الشيخ أبو جعفر محمَّد بن يعقوب الكليني نوَّر الله مرقده في كتاب الكافي، في باب: أنَّ الأرض لا تخلو من حُجَّة:
محمَّد بن يحيى، عن أحمد بن محمَّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمَّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنَّ الله أجلُّ وأعظمُ من أن يترك الأرض بغير إمام.(239)
الحديث السابع والثلاثون: (أحوال المهدي (عليه السلام) بعد أن يظهر):
قال الفضل بن شاذان:
حدَّثنا محمَّد بن أبي عمير، قال: حدَّثنا جميل بن درَّاج، قال: حدَّثنا يسير بن عبد العزيز النَّخعي، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(238) النساء: 59.
(239) راجع: الكافي/ الأصول: ج1/ ص 178/ الحديث 6.
إذا أذن الله تعالى للقائم في الخروج صعد المنبر، فدعا النَّاس إلى نفسه، وناشدهم بالله، ودعاهم إلى حقِّه، وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ويعمل فيهم بعمله، فبعث(240) الله (عزَّ وجلَّ) صلوات الله عليه حتَّى يأتيه، فنزل الحطيم، فيقول له: أيُّ شيء تدعو؟
فيخبره القائم (عليه السلام).
فيقول جبرئيل (عليه السلام): أنا أوَّل مَنْ يبايعك، أبسط يدك.
فيمسح على يده، وقد وافاه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، فيبايعونه، ويقيم بمكَّة حتَّى يتمّ أصحابه عشرة آلاف نفس، ثمَّ يسير بها المدينة.
الحديث الثامن والثلاثون: (إذا ظهر المهدي (عليه السلام) يحمل معه حجر موسى بن عمران (عليه السلام)):
قال أيضاً:(241) حدَّثنا صفوان بن يحيى، ومحمَّد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمَّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا خرج القائم (عليه السلام) من مكَّة، ينادي: ألا لا يحملنَّ طعاماً، ولا شراباً؛ وحمل معه حجر موسى بن عمران (عليه السلام)، وهو وقر بعير، لا ينزل منزلاً إلا انفجرت منه عيون، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان ظامئاً روى، ورويت دوابُّهم حتَّى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة.(242)
وقال (عليه السلام) في حديثٍ آخر:
فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف، وإن آمنت بمَنْ تقدَّمه من آبائه (عليهم السلام).(243)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(240) الظاهر في العبارة تصحيف، أصله: يبعث؛ كما يناسب السياق، ومع ذلك فقد أثبتنا ما وجدناه في نسخة المتن رعايةً لأمانة النقل.
(241) في المتن المطبوع زيادة: (في الكافي)، أو لعل في العبارة سقط مثل حرف (و) العطف.
(242) ومثله مع بعض الزيادات رواه الكليني في الكافي الشريف: ج1/ ص 231.
(243) كمال الدين/ الصدوق: ص 18/ مقدمة المؤلف.
وقال الإمام محمَّد الباقر (عليه السلام): إذا قام القائم (عليه السلام) سار إلى الكوفة، فيخرج منها (بضعة عشر ألف نفس يدعون البترية)(244) عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم، ويدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب، ويهدم قصورها، ويقتل مقاتلتها حتى يرضى الله عزَّ وعلا.(2)
الحديث التاسع والثلاثون: (إذا ظهر المهدي (عليه السلام) يعطى لكل واحد من أصحابه قوة أربعين رجلاً):
قال ابن شاذان:
حدَّثنا محمَّد بن أبي عمير، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
يعطي الله تعالى لكلِّ واحدٍ من أصحاب قائمنا قوَّة أربعين رجلاً، ولا يبقى مؤمن إلّا صار قلبه أشدَّ من زبر الحديد.
الحديث الأربعون: (ظهور الخيرات في دولته (عليه السلام)):
قال:
حدَّثنا أيضاً محمَّد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
إذا قام القائم صلوات الله عليه حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وآمنت به السبل، وأخرجت الأرض، وردَّ كلَّ حقٍّ إلى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام، ويعترفوا بالإيمان، أما سمعت الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)،(245) وحكم بين الناس بحكم داود (عليه السلام)، وحُكْمِ محمَّد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(244) هذا هو الموجود في نصِّ المصدر، وأمَّا تعريب ما هو الموجود في ترجمة المؤلف للحديث الذي في المتن: فيخرج قومٌ يدعون اليزيدية.
(245) آل عمران: 83.
(صلّى الله عليه وآله وسلم)، فحينئذ تظهر الأرض كنوزها، وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته، ولا لبرِّه، لشمول الغنى جميع المؤمنين.
ثمَّ قال: إنَّ دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله تعالى: (وَالعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).(246)
روى الفضل بن يسار عن الإمام جعفر (عليه السلام) أنَّه قال (عليه السلام):
إذا قام قائم آل محمد (عليه السلام) ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما أنزل الله (جلَّ جلاله) فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنَّه يخالف فيه التأليف.(247)
كما روي أنَّهم أسقطوا الآيات الدالة على إمامة وخلافة أمير المؤمنين بلا فصل، وكذلك أسقطوا الآيات الدالة على خلافة أهل البيت (عليهم السلام).
الحديث الواحد والأربعون: (إذا قام القائم (عليه السلام) أشرقت الأرض بنوره):
قال الفضل بن شاذان:(248)
حدَّثنا محمَّد بن أبي عمير، عن حمَّاد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
إذا قام قائمنا أشرقت الأرض بنوره، واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة، ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثى، وتظهر الأرض كنوزها حتى يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم من يقبله بماله، ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحداً يقبل ذلك منه، استغنى الناس بما رزقهم الله من فضله.(249)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(246) الأعراف: 128.
(247) يبدو أنَّ هناك التباس بالسند، فما هو موجود بالمصادر أنَّ الرواية قد رواها جابر عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، راجع: الإرشاد/ المفيد: ج2/ 386.
(248) في المتن: (الفضل بن يسار)، وهو خطأ واضح نشأ من النسَّاخ.
(249) راجع: الإرشاد/ المفيد: ج2/ ص 381.
اعلم أنَّ الرجعة من ضروريات مذهب الشيعة الاثني عشريَّة المُحقَّة، وأنَّها من جملة الإجماعيات عند الشيعة الإمامية كما ادَّعى أكثر علماء الإماميَّة الإجماع على حقيقة الرجعة مثل السيد ابن طاوس، والشيخ الطبرسي، والشيخ المفيد، والسيد المرتضى، ومحمَّد بن بابويه في رسالة الاعتقادات، وغيرهم من أعاظم علماء الإماميَّة رضوان الله عليهم.
وكان هناك نزاع وتخاصم مستمر بين علماء الشيعة والمخالفين على هذه المسألة، وقد كتبوا فيها رسائل مستقلة، كما يعلم ذلك من كتب الرجال.
وروى ابن بابويه (رحمه الله) عن الإمام الصادق (عليه السلام): ليس منَّا من لم يؤمن برجعتنا.(250)
والمقصود من الرجعة: انَّه يرجع إلى الدنيا في عصر الإمام القائم (عليه السلام) قبل يوم القيامة مَنْ محض الإيمان محضاً، ومحض الشرَّ محضاً، لتقر أعين المحسنين برؤيتهم دولة أئمتهم، ويثابوا على بعض ما عملوه من الحسنى في هذه الدُّنيا؛ وليعاقب المسيئون، ويعذَّبوا في الدُّنيا، وأنَّهم سوف يرون أضعاف ذلك العذاب عندما يشاهدون تلك الدولة التي جهدوا أن لا تصل إلى أهل بيت الرسالة (عليهم السلام)، ولينتقم الشيعة منه؛ وأما الوسطيون، وسائر النَّاس فيبقون في قبورهم إلى أن يحشروا في يوم القيامة؛ كما ورد ذلك في الأحاديث الكثيرة: أنَّه لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(250) راجع: الهداية/ الشيخ الصدوق: ص 266؛ الفقيه/ الصدوق: ج2/ ص 148؛ مستدرك الوسائل/ النوري: ج2/ ص 578؛ الإيقاظ من الهجعة/ الحر العاملي: ص 300.
يرجع إلّا من محض الإيمان، أو محض الكفر، وأمَّا سائر النَّاس فيبقون على حالهم.(251)
وقد ورد بأحاديث كثيرة: أنَّ المقصود من دابَّة الأرض الواردة في هذه الآية التي قال فيها الحقُّ تعالى: (وَإِذا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) هو أمير المؤمنين صلوات الله عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(251) هناك مجموعة من الروايات دلَّت على المعنى بشكلٍ عام؛ منها: ما رواه عن سلمان الفارسي بخبر طويل انتهى إلى ذكر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) لسلمان أسماء الأئمّة.
قال سلمان: فبكيت، ثمَّ قلت: يا رسول الله فأنَّى لسلمان لإدراكهم؟
قال: يا سلمان إنَّك مدركهم، وأمثالك، ومن تولاهم حقيقة المعرفة.
قال سلمان: فشكرت الله كثيراً، ثمَّ قلت: يا رسول الله إنِّي مؤجل إلى عهدهم؟
قال: يا سلمان اقرأ: (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) الآية 5 و6 من سورة الإسراء.
قال سلمان: فاشتدَّ بكائي، وشوقي، وقلت: يا رسول الله بعهد منك؟
فقال: إي والذي أرسل محمَّداً إنَّه لبعهد منِّي ولعليّ وفاطمة والحسن والحسين، وتسعة أئمّة وكل من هو منَّا ومظلوم فينا، إي والله يا سلمان؛ ثمَّ ليحضرنَّ إبليس وجنوده وكل من محض الإيمان (محضاً) ومحض الكفر محضاً حتَّى يؤخذ بالقصاص والأوتار والثارات، ولا يظلم ربك أحدا؛ ونحن تأويل هذه الآية: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) الآية 5 و6 من سورة القصص.
قال سلمان: فقمت من بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وما يبالي سلمان متى لقي الموت أو لقيه.
وقال الشيخ المفيد في كتابه تصحيح اعتقادات الإمامية/ ص 90:
وقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إنما يسأل في قبره من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا، فأما ما سوى هذين فإنه يلهى عنه. وقال في الرجعة: إنما يرجع إلى الدنيا عند قيام القائم من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا(2)، فأما ما سوى هذين فلا رجوع لهم إلى يوم المآب.
الذي سوف يظهر قرب القيامة ومعه عصى موسى، وخاتم سليمان (عليهما السلام)،(252) فيضرب بالعصى بين عيني المؤمن فينطبع: هذا مؤمنٌ حقاً؛ ويضرب بالخاتم بين عيني الكافر فينطبع: هذا كافرٌ حقاً.
وروى العامَّة عن أبي هريرة، وابن عبَّاس، والأصبغ بن نباتة، وغيرهم: أنَّ دابَّة الأرض عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
وروي في كتب العامة عن ابن عبَّاس، وغيره أمثال هذه الأخبار، فقد روى صاحب الكشَّاف أنَّ دابة الأرض: تخرج من الصفا، ومعها عصا موسى وخاتم سليمان، فتضرب المؤمن في مسجده، أو فيما بين عينيه بعصا موسى، فتنكت نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة في وجهه حتى يضئ لها وجهه كأنَّه كوكب دري، وتكتب بين عينيه مؤمن، وتنكت الكافر بالخاتم في أنفه فتفشو النكتة حتى يسودَّ لها وجهه وتكتب بين عينيه كافر.(253)
وورد في القرآن الكريم آيات عدَّة فسِّرت بالرجعة، من جملتها قول الحق تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا).(254)
وقال (عليه السلام): ما يقول الناس في هذه الآية (وَيَوْمَ نَحْشُرُ...)؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(252) روى الصدوق في كمال الدين: ص 527/ الباب 47/ حديث 1؛ بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حديثاً طويلاً عن علامات ظهور صاحب الأمر (عليه السلام) إلى أن قال (عليه السلام): إنَّ بعد ذلك الطامة الكبرى.
قلنا: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟
قال: خروج دابة (من) الأرض من عند الصفا، معها خاتم سليمان بن داود، وعصى موسى (عليهم السلام)، يضع الخاتم على وجه كل مؤمن فينطبع فيه: هذا مؤمن حقا، ويضعه على وجه كل كافر فيكتب هذا كافر حقا، حتى أن المؤمن لينادي: الويل لك يا كافر، وإن الكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن، وددت أني اليوم كنت مثلك فأفوز فوزا عظيما.
(253) راجع: الكشاف/ الزمخشري: ج3/ ص 153؛ الفتن/ نعيم بن حماد المروزي: ص 40.
(254) النمل: 83.
قلت: (أي الراوي: حماد) يقولون إنها في القيامة.
قال: ليس كما يقولون، إنَّ ذلك في الرجعة، أيحشر الله في القيامة من كل أمَّة فوجاً، ويدع الباقين؟! إنَّما آية القيامة قوله: (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً).(255)
وقال (عليه السلام): (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) يعني ما يجحد بأمير المؤمنين والأئمّة (عليهم السلام).(256)
ومن جملة ذلك قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ).(257)
يعني: بالحقِّ إنَّ الذي أوجب عليك القرآن في الصلاة، أو العمل به لرادُّك على كلِّ حال إلى الدنيا في زمن الرجعة.
وورد في أحاديث كثيرة أنَّ المقصود من هذه الآية رجعة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى الدنيا في الرجعة.(258)
ومن جملة ذلك قوله تعالى: (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ).(259)
والمنقول بأسانيد عدَّة أنَّ هذه الآية في الرجعة، أنَّ المقصود من في سبيل الله سبيل ولاية عليّ وذريته (عليهم السلام).(260)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(255) تفسير القمي/ علي بن إبراهيم: ج1/ ص 24.
(256) تفسير القمي/ علي بن إبراهيم: ج2/ ص 151.
(257) القصص: 85.
(258) ومن تلك الروايات ما رواه الشيخ المفيد في كتابه الاختصاص باسناده عن سعد، عن ابن عيسى، عن الأهوازي ومحمد البرقي، عن النضر، عن يحيى الحلبي، عن المعلى أبي عثمان، عن المعلى بن خنيس قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): أوّل من يرجع إلى الدنيا الحسين بن عليّ (عليه السلام) فيملك حتى يسقط حاجباه على عينيه من الكبر، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): في قول الله (عزَّ وجلَّ): (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) قال: نبيكم (صلّى الله عليه وآله وسلم) راجع إليكم.
(259) آل عمران: 158.
(260) من تلك الروايات ما رواه الشيخ محمد بن مسعود العياشي في: تفسيره/ ج1/ ص 202:
عن عبد الله بن المغيرة، عمَّن حدثه، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سئل عن قول الله (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ) قال أتدري يا جابر ما سبيل الله؟
فقلت: لا، والله إلّا أن اسمعه منك.
قال: سبيل الله عليٌّ وذريته، فمن قتل في ولايته قتل في سبيل الله، ومن مات في ولايته مات في سبيل الله، ليس من يؤمن من هذه الأمة إلّا وله قتلة وميتة؛ قال: انه من قتل ينشر حتى يموت، ومن مات ينشر حتى يقتل.
فكلُّ مَنْ يؤمن بهذه الآية فعليه أن يعتقد بأنَّ هناك قتل، وأنَّ هناك موت؛ فإذا قتل في الحياة الدنيا في سبيله، فإنَّه سوف يعود في الرجعة حتَّى يتوفَّى؛ وأمَّا لو أنَّه كان قد مات في الحياة الدنيا، فإنَّه سيعود في الرجعة حتَّى يقتل في سبيله.
وقال (عليه السلام) في قوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ المَوْتِ):(261) إنَّ مَنْ قُتِلَ لا بُدَّ مِنْ أن يرجع إلى الدنيا حتى يذوق الموت.(262)
وروي في كتاب بصائر الدرجات، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: والله من لدن آدم (عليه السلام)، فهلمَّ جرا، فلم يبعث الله نبياً، ولا رسولاً إلّا ردَّ جميعهم إلى الدنيا حتىَّ يقاتلوا بين يدي علي بن أبى طالب أمير المؤمنين (عليه السلام).(263)
وروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى أحد واحد، تفرد في وحدانيته ثم تكلم بكلمة فصارت نوراً؛ ثمَّ خلق من ذلك النور محمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وخلقني، وذريتي؛ ثمَّ تكلم بكلمة فصارت روحاً، فأسكنه الله في ذلك النور، وأسكنه في أبداننا؛ فنحن روح الله، وكلماته، فبنا احتج على خلقه، فما زلنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(261) آل عمران: 185.
(262) تفسير العياشي/ محمد بن مسعود: ج2/ ص 112.
(263) مختصر بصائر الدرجات للأشعري/ الشيخ الحسن بن سليمان الحلي: ص 25 و26. والنَّص جزءٌ من رواية أولها: مختصر بصائر الدرجات/ الحسن بن سليمان الحلي/ ص 25:
أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عبد الله بن مسكان، عن فيض بن أبي شيبة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول وتلى هذه الآية: (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) الآية قال: ليؤمنن برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ولينصرنَّ علياً أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ قال: نعم... الحديث.
في ظلة خضراء، حيث لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار، ولا عين تطرف: نعبده، ونقدسه، ونسبحه، وذلك قبل أن يخلق الخلق وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان، والنصرة لنا، وذلك قوله (عزَّ وجلَّ): (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ).(264)
يعني: لتؤمننّ بمحمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ولتنصرنَّ وصيّه، وسينصرونه جميعاً.
وإنَّ الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالنصرة بعضنا لبعض؛ فقد نصرت محمَّداً، وجاهدت بين يديه، وقتلت عدوه، ووفيت لله بما أخذ علي من الميثاق والعهد، والنصرة لمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله، وذلك لما قبضهم الله إليه، وسوف ينصرونني، ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها، وليبعثن الله أحياء من آدم إلى محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) كل نبي مرسل، يضربون بين يدي بالسيف هام الأموات والأحياء والثقلين جميعاً.
فيا عجبا وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء يلبُّون زمرة، زمرة بالتلبية: لبيك لبيك يا داعي الله، قد تخللوا بسكك الكوفة، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ليضربون بها هام الكفرة، وجبابرتهم وأتباعهم من جبارة الأولين والآخرين حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله (عزَّ وجلَّ): (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً).(265)
أي: يعبدونني آمنين لا يخافون أحداً من عبادي، ليس عندهم تقية.
وإنَّ لي الكَرَّة بعد الكَرَّة، والرجعة بعد الرجعة؛ وأنا صاحب الرجعات والكرات، وصاحب الصولات والنقمات، والدولات العجيبات، وأنا قرن من حديد، وأنا عبد الله، وأخو رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا أمين الله، وخازنه، وعيبة سره، وحجابه، ووجهه، وصراطه، وميزانه، وأنا الحاشر إلى الله، وأنا كلمة الله التي يجمع بها المفترق ويفرق بها المجتمع.
وأنا أسماء الله الحسنى، وأمثاله العليا، وآياته الكبرى، وأنا صاحب الجنة والنار، أسكن أهل الجنة الجنة، وأسكن أهل (النار) النار، وإلي تزويج أهل الجنة وإليَّ عذاب أهل النار، وإليَّ إياب الخلق جميعا، وأنا الإياب الذي يؤوب إليه كل شيء بعد القضاء، وإليَّ حساب الخلق جميعا، وأنا صاحب الهبات، وأنا المؤذن على الأعراف، وأنا بارز الشمس، أنا دابة الأرض، وأنا قسيم النار، وأنا خازن الجنان، وصاحب الأعراف.
وأنا أمير المؤمنين، ويعسوب المتقين، وآية السابقين، ولسان الناطقين، وخاتم الوصيين، ووارث النبيين، وخليفة ربّ العالمين، وصراط ربي المستقيم، وفسطاطه، والحجة على أهل السماوات والأرضين، وما فيهما وما بينهما.
وأنا الذي احتج الله به عليكم في ابتداء خلقكم، وأنا الشاهد يوم الدين، وأنا الذي علمت علم المنايا والبلايا والقضايا، وفصل الخطاب والأنساب، واستحفظت آيات النبيين المستخفين المستحفظين.
وأنا صاحب العصا والميسم، وأنا الذي سخرت لي السحاب والرعد والبرق، والظلم والأنوار، والرياح والجبال والبحار، والنجوم والشمس والقمر.
أنا القرن الحديد، وأنا فاروق الأمَّة، وأنا الهادي، وأنا الذي أحصيت كل شيء عدداً بعلم الله الذي أودعنيه، وبسرِّه الذي أسرَّه إلى محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأسرَّه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) إليَّ.
وأنا الذي أنحلني ربِّي اسمه، وكلمته، وحكمته، وعلمه، وفهمه.
يا معشر النَّاس! اسألوني قبل أن تفقدوني، اللهمَّ إنِّي أشهدك، وأستعديك عليهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.(266)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(266) راجع: مختصر بصائر الدرجات للأشعري/ الشيخ حسن الحلي: ص 32 - 34.
ومن جملة ذلك: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ العَذابِ الأدْنى دُونَ العَذابِ الأكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).(267)
قال الصادق (عليه السلام): العذاب الأدنى عذاب الرجعة بالسيف،(268) والعذاب الأكبر عذاب يوم القيام.(269) ومعنى قوله: (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي: يرجعون في الرجعة.(270)
ومن جملة ذلك قوله تعالى: (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ).(271)
والوارد في الأحاديث أنَّ أحد الإحيائين في الرجعة والآخر في القيامة، وإحدى الإماتتين في الدنيا والأخرى في الرجعة.(272)
ويملك أمير المؤمنين (عليه السلام) أربعاً وأربعين ألف سنة حتى يلد الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ألف ولد من صلبه ذكراً في كل سنة ذكراً، وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله.(273)
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إنَّ الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي (عليه السلام).(274)
وروي بعدَّة أسانيد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: إنَّ أوَّل مَنْ يرجع لجاركم الحسين (عليه السلام) فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر.(275)
وروي عن الإمام موسى (عليه السلام) قال: لترجعن نفوس ذهبت وليقتصَّ يوم يقوم أومن عذب يقتص بعذابه ومن أغيظ أغاظ بغيظه، ومن قتل اقتص بقتله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(267) السجدة: 21.
(268) راجع: تفسير القمي/ علي بن إبراهيم: ج2/ ص 170.
(269) راجع: الهداية الكبرى/ الخصيبي: ص 418؛ والبحار: ج53/ ص 24.
(270) تفسير القمي: ج2/ ص 170؛ وفيه تكملة: حتَّى يعذبوا.
(271) غافر: 11.
(272) راجع: البحار/ المجلسي: ج53/ ص 56.
(273) مختصر بصائر الدرجات: ص 27.
(274) المصدر السابق.
(275) المصدر السابق.
ويرد لهم أعداؤهم معهم حتى يأخذوا بثأرهم، ثمَّ يعمرون بعدهم ثلاثين شهراً، ثمَّ يموتون في ليلة واحدة قد أدركوا ثأرهم وشفوا أنفسهم ويصير عدوهم إلى أشد النار عذاباً.(276)
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) وقد سئل عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً)؟(277)
فقال: الأنبياء: رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وإبراهيم، وإسماعيل، وذريته؛ والملوك: الأئمّة (عليهم السلام).
قال: فقلت: وأي ملك أعطيتم؟!
فقال: ملك الجنة، وملك الكرة.(278)
وجاء في رواية معتبرة أنَّ أعداء أهل البيت سوف يأكلون عذرة الإنسان في الرجعة كما يقول الحق تعالى: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً).(279)
وروى عليُّ بن إبراهيم عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام): كلُّ قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة،(280) كما قال الحقُّ تعالى: (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ).(281)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(276) مختصر بصائر الدرجات: ص 28.
(277) المائدة: 20.
(278) مختصر بصائر الدرجات: ص 28.
(279) طه: 124. والرواية رواها الشيخ حسن الحلي في: مختصر بصائر الدرجات: ص 18، بإسناده عن المستنير، عن معاوية بن عمار، قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام) يقول الله تعالى: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً)؟
فقال: هي والله للنصاب.
قلت: فقد رأيناهم في دهرهم الأطول في الكفاية حتى ماتوا؟!
فقال: والله ذاك في الرجعة يأكلون العذرة.
(280) تفسير القمي: ج2/ ص 75.
(281) الأنبياء: 95.
وورد في أخبار معتبرة: أنَّ القائم (عليه السلام) تخفى ولادته، ويستتر عن فراعنة زمانه، وينتصر على أعدائه في رجعته، فينتقم له منهم، كما سوف يحيى الإمام الحسين، وأصحابه، ويحيى قتلته أيضاً لينتقم منهم.
روى القطب الراوندي وآخرون عن جابر عن الإمام محمَّد الباقر (عليه السلام):
قال: قال الحسين بن علي (عليهما السلام)(282) لأصحابه قبل أن يقتل: إنَّ(283) رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: يا بنيَّ! إنَّك ستساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيون، وأوصياء النبيين، وهي أرض تدعى: عمورا؛ وإنَّك تستشهد بها، ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد، وتلا: (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ).(284)
تكون الحرب عليك وعليهم برداً، و سلاماً؛ فأبشروا، فو الله لئن قتلونا فإنَّا نرد على نبينا.
ثمَّ أمكث ما شاء الله، فأكون أوَّل مَنْ تنشق عنه الأرض، فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقيام قائمنا، وحياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
ثمَّ لينزلن عليَّ وفد من السماء من عند الله، لم ينزلون إلى الأرض قط.
ولينزلن إليَّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، وجنود من الملائكة.
ولينزلن محمَّد، وعليُّ، وأنا، وأخي، وجميع مَنْ مَنَّ الله عليه في حمولات من حمولات الرب، خيل بلق(285) من نور، لم يركبها مخلوق.
ثمَّ ليهزنَّ محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) لواءه، وليدفعنه إلى قائمنا مع سيفه.
ثمَّ إنَّا نمكث من بعد ذلك ما شاء الله.
ثمَّ إنَّ الله يُخْرِج من مسجد الكوفة عيناً من دهن، وعيناً من لبن، وعيناً من ماء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(282) في المتن زيادة: في صحراء كربلاء.
(283) في المتن ما تعريبه: إنَّ جدِّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال لي.
(284) إبراهيم: 69.
(285) بلق: فيه سواد وبياض.
ثمَّ إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يدفع إليَّ سيف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيبعثني إلى الشرق والغرب، ولا آتي على عدو إلا أهرقت دمه، ولا أدع صنماً إلا أحرقته حتى أقع إلى الهند، فأفتحها.
وإن دانيال، ويونس (يوشع خ. ل) يخرجان إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يقولان: صدق الله ورسوله.
ويبعث معهما (إلى البصرة) سبعين رجلاً، فيقتلون مقاتليهم، ويبعث بعثاً إلى الروم، فيفتح الله لهم.
ثمَّ لأقتلنَّ كلَّ دابة حرَّم الله لحمها حتى لا يكون على وجه الأرض إلا الطيِّب، وأعرض على اليهود، والنصارى، وسائر الملل، ولأخيِّرَنَّهُم بين الإسلام والسيف؛ فمَنْ أسلم مننت عليه، ومن كره الإسلام أهرق الله دمه.
ولا يبقى رجل من شيعتنا إلا أنزل (الله إليه) ملكاً يمسح عن وجهه التراب، ويعرفه أزواجه، ومنازله في الجنة، ولا يبقى على وجه الأرض أعمى، ولا مقعد، ولا مبتلى إلا كشف الله عنه بلاءه بنا أهل البيت.
ولتنزلن البركة من السماء إلى الأرض حتى أن الشجرة لتقصف(286) بما يريد الله فيها من الثمر، وليأكلنَّ ثمرة الشتاء في الصيف، وثمرة الصيف في الشتاء.(287)
وروي في منتخب البصائر عن سعد بن عبد الله عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنَّ لعلي (عليه السلام) في الأرض كرَّةً مع الحسين ابنه صلوات الله عليهما، يقبل برايته حتىَّ ينتقم له من بني أمية، ومعاوية، وآل معاوية، ومن شهد حربه؛ ثمَّ يبعث الله إليهم بأنصاره يومئذ من أهل الكوفة ثلاثين ألفاً، ومن سائر الناس سبعين ألفاً، فيلقاهما بصفَّين مثل المرة الأولى حتى يقتلهم، ولا يبقى منهم مخبر؛ ثمَّ يبعثهم الله (عزَّ وجلَّ)، فيدخلهم أشدَّ عذابه مع فرعون، وآل فرعون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(286) وهي التي ينكسر عثقها لكثرة حملها.
(287) الخرائج والجرائح/ القطب الراوندي: ج2/ ص 848.
ثمَّ كرَّةً أخرى مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حتَّى يكون خليفة في الأرض، وتكون الأئمّة (عليهم السلام) عماله، وحتى يعبد الله علانية، فتكون عبادته علانية في الأرض كما عبد الله سراً في الأرض.
ثمَّ قال: إي والله وأضعاف ذلك؛ ثمَّ عقد بيده أضعافاً... يعطي الله نبيَّه صلى الله عليه وآله ملك جميع أهل الدنيا منذ يوم خلق الله... الدنيا إلى يوم يفنيها حتَّى ينجز له موعده في كتابه كما قال: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ)(288).(289)
وروى العياشي عن الإمام الصادق (عليه السلام): أوَّل من يكرّ إلى الدنيا الحسين بن علي (عليه السلام)، وأصحابه، ويزيد بن معاوية، وأصحابه؛ فيقتلهم حذو القذة بالقذة.(290)
وروى الكشي: عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبي خديجة الجمال، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)، يقول: إنِّي سألت الله في إسماعيل أن يبقيه بعدي، فأبى، ولكنه قد أعطاني فيه منزلة أخرى، إنَّه يكون أوَّل منشور، في عشرة من أصحابه، ومنهم عبد الله بن شريك، وهو صاحب لوائه.(291)
وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: كأنِّي بعبد الله بن شريك العامري عليه عمامة سوداء وذوابتاها بين كتفيه مصعداً في لحف الجبل بين يدي قائمنا أهل البيت في أربعة آلاف مكبرون ومكررون.(292)
وروى الكشي، عن داود الرقي، قال: وقلت له إنِّي قد كبرت، ودقَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(288) التوبة: 33.
(289) مختصر بصائر الدرجات/ الشيخ حسن بن سليمان الحلي: ص 29.
(290) تفسير العياشي/ محمد بن مسعود: ج2/ ص 282.
(291) اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشي: ج2/ 481؛ وعنه: معجم رجال الحديث/ الإمام الخوئي: ج4/ ص40.
(292) اختيار معرفة الرجال: ج2/ ص 481.
عظمي أحب أن يختم عمري بقتل فيكم. فقال: وما من هذا بد؛ إن لم يكن في العاجلة يكون في الآجلة.(293)
وروى النعماني عن الإمام الباقر (عليه السلام): لو قد خرج قائم آل محمّد (عليهم السلام) لنصره الله بالملائكة المسوَّمين، والمردفين، والمنزلين، والكروبيين، يكون جبرئيل أمامه، وميكائيل عن يمينه، وإسرافيل عن يساره، والرعب يسير مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، والملائكة المقربون حذاه، أول من يبايعه(294) محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) الثاني.(295)
وروى الشيخ الطوسي، والنعماني عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنَّه ذكر من علامات ظهور الإمام القائم (عليه السلام) أنَّ النَّاس يرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس، والنداء: هذا أمير المؤمنين قد كرَّ في هلاك الظالمين.(296)
وقد ذكرت الرجعة في أكثر الزيارات خصوصاً زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، وكذلك إظهار الإعتقاد بها، فروى الشيخ في المصباح عن الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)، والأئمّة من بعيد، وذكر هذه الرواية:
إني لمن القائلين بفضلكم، مقرٌّ برجعتكم لا أنكر لله قدرة ولا أزعم إلا ما شاء الله.
وذكر في الدعاء الذي يقرء في سرداب غيبة الصاحب (عليه السلام):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(293) اختيار معرفة الرجال: ج2/ ص 708.
(294) هكذا في المتن، ولكن في نسخة المصدر المطبوع: يتبعه.
(295) الغيبة/ النعماني: ص 234 لا بدّ من ان يكون المقصود من بيعة محمد وعلي (عليهما السلام) أن لهما معنى يتسجم مع العقائد الصحيحة مثلاً الحصول بالبيعة ان يأخذ له البيعة، وغير ذلك من المعاني السميمة.
(296) راجع: الغيبة/ الطوسي: ص 440؛ مختصر بصائر الدرجات/ الحلي: ص 38؛ الخرائج والجرائح/ الراوندي: ج3/ ص 1169؛ وفيها اختلافات مع ما في غيبة النعماني؛ راجعها: ص 181.
ووفقني يا رب للقيام بطاعته، والمثوى في خدمته، والمكث في دولته، واجتناب معصيته، فان توفيتني اللهم قبل ذلك، فاجعلني يا رب فيمن يكر في رجعته، ويملك في دولته، ويتمكن في أيامه، ويستظل تحت أعلامه، ويحشر في زمرته، وتقر عينه برؤيته.(297)
وروي في كتاب الإقبال، والمصباح:
خرج إلى القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمد (عليه السلام): أن مولانا الحسين (عليه السلام) ولد يوم الخميس لثلث خلون من شعبان فصمه، وادع فيه بهذا الدعاء:
اللهمَّ إنِّي أسألك بحق المولود في هذا اليوم الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته، بكته السماء ومن فيها والأرض ومن عليها، ولما يطأ لابتيها قتيل العبرة وسيد الأسرة الممدود بالنصرة يوم الكرَّة المعوَّض من قتله أن الأئمّة من نسله، والشفاء في تربته، والفوز معه في أوبته، والأوصياء من عترته بعد قائمهم، وغيبته حتى يدركوا الأوتار، ويثأروا الثار، ويرضوا الجبار، ويكونوا خير أنصار صلى الله عليهم مع اختلاف الليل والنهار.
اللهمَّ فبحقهم إليك أتوسل وأسأل سؤال مقترف معترف مسيء إلى نفسه مما فرط في يومه وأمسه، يسألك العصمة إلى محل رمسه.
اللهمَّ فصلِّ على محمَّد وعترته، واحشرنا في زمرته، وبوئنا معه دار الكرامة، ومحل الإقامة.
اللهمَّ وكما أكرمتنا بمعرفته فأكرمنا بزلفته، وارزقنا مرافقته، وسابقته، واجعلنا ممن يسلم لأمره، ويكثر الصلاة عليه عند ذكره، وعلى جميع أوصيائه، وأهل أصفيائه، الممدودين منك بالعدد الاثني عشر، النجوم الزهر، والحجج على جميع البشر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(297) البحار/ المجلسي: ج 99/ ص 88.
اللهمَّ وهب لنا في هذا اليوم خير موهبة، وأنجح لنا فيه كلَّ طلبة كما وهبت الحسين لمحمَّد جدِّه، وعاذ فطرس بمهده، فنحن عائذون بقبره من بعده، نشهد تربته، وننتظر أوبته.(298)
ويقول في آخر الدعاء: فنحن عائذون بقبره من بعده نشهد تربته، وننتظر أوبته.(299)
وروى الكليني، والعياشي، والشيخ المفيد، والسيد بن طاووس رحمة الله عليهم بأسانيدهم إلى أبي بصير قال: سألت الإمام الصادق عن تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ)(300) خروج الحسين (عليه السلام) في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهب لكل بيضة وجهان، المؤدون إلى الناس: أنَّ هذا الحسين قد خرج حتى لا يشك المؤمنون فيه، وإنَّه ليس بدجال ولا شيطان، والحجة القائم بين أظهرهم؛ فإذا استقرت المعرفة في قلوب المؤمنين أنَّه الحسين (عليه السلام) جاء الحجَّة الموت فيكون الذي يغسله ويكفنه و يحنطه ويلحده في حفرته الحسين بن علي (عليهما السلام)، ولا يلي الوصي إلا الوصي.(301)
وروى الشيخ المفيد، والشيخ الطوسي بأسانيد معتبرة عن جابر عن الإمام الباقر (عليه السلام):
والله ليملكن منا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة يزداد تسعا.
قلت: متى يكون ذلك؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(298) مصباح المتهجد/ الطوسي: ص 826.
(299) المصدر السابق.
(300) الإسراء: 6.
(301) راجع: الكافي: ج8/ ص 206؛ تأويل الآيات الظاهرة/ شرف الدين الحسيني: ج1/ ص 278؛ تفسير نور الثقلين/ الحويزي: ج3/ ص 138؛ مختصر بصائر الدرجات: ص 48؛ مجمع البحرين/ الطريحي: ج4/ ص30؛ البرهان/ البحراني: ج2/ ص 401؛ البحار: ج53/ ص 94.
قال: بعد القائم (عليه السلام).
قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟
قال: تسع عشرة سنة، ثمَّ يخرج المنتصر، فيطلب بدم الحسين (عليه السلام) ودماء أصحابه، فيقتل، ويسبي حتَّى يخرج السفاح.(302)
وروى الكليني، والصفار بأسانيدٍ كثيرة إلى الإمام الباقر (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا قسيم الله بين الجنة والنار، لا يدخلها داخل إلا على حد قسمي، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا الإمام لمن بعدي، والمؤدي عمَّن كان قبلي، لا يتقدّمني أحد إلا أحمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وإنِّي وإياه لعلى سبيل واحد إلّا أنَّه هو المدعو باسمه، ولقد أعطيت الست: علم المنايا والبلايا، والوصايا، وفصل الخطاب، وإني لصاحب الكرات، ودولة الدول، وإنِّي لصاحب العصا والميسم، والدابة التي تكلم الناس.(303)
وروى السيد عليّ بن عبد الحميد في كتاب الأنوار المضيئة، عن الإمام الصادق عليه، وقد سئل عن الرجعة أحق هي؟
قال: نعم.
فقيل له: من أول من يخرج؟
قال: الحسين يخرج على أثر القائم (عليهما السلام).
قلت: ومعه الناس كلهم؟
قال: لا، بل كما ذكر الله تعالى في كتابه (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً)(304) قوم بعد قوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(302) راجع: الغيبة/ الطوسي: ص 478؛ الاختصاص/ المفيد: ص 257؛ مختصر البصائر: ص 49؛ تفسير العياشي: ج2/ ص 326/ حديث 24.
(303) الكافي/ الكليني: ج1/ ص 198؛ بصائر الدرجات/ الصفار: ص 221.
(304) النبأ: 18.
وعنه (عليه السلام): ويقبل الحسين (عليه السلام) في أصحابه الذين قتلوا معه، ومعه سبعون نبياً كما بعثوا مع موسى بن عمران، فيدفع إليه القائم (عليه السلام) الخاتم، فيكون الحسين (عليه السلام) هو الذي يلي غسله، وكفنه، وحنوطه، ويواريه في حفرته.(305)
وروي في تفسير محمَّد بن العبَّاس بن ماهيار، وفرات بن إبراهيم، ومناقب شاذان بن جبرئيل عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تأويل قول الحق تعالى: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ).(306)
قال: الراجفة: الحسين بن علي (عليهما السلام)، والرادفة: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأوّل من ينفض عن رأسه التراب الحسين بن علي (عليهما السلام) في خمسة وسبعين ألفاً وهو قوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(307).(308)
وروى الحسن بن سليمان عن كتاب التنزيل عن الإمام الصادق عن قوله تعالى: (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ)(309) قال مرة بالكرة، وأخرى يوم القيامة.(310)
وروي بسندٍ معتبر عن الإمام الباقر قال: سألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ).(311)
قال: تخضع لها رقاب بني أمية.
قال: ذلك بارز عند زوال الشمس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(305) راجع البحار: ج 35/ ص 103.
(306) النازعات: 6.
(307) غافر: 51 و52.
(308) راجع: تفسير فرات بن إبراهيم/ ص 538/ تحت رقم 689؛ مختصر البصائر: ص 211؛ تأويل الآيات الطاهرة: ج2/ ص 762؛ البحار: ج53/ ص 106.
(309) التكاثر: 3.
(310) مختصر البصائر: ص 204.
(311) الشعراء: 4.
قال: وذلك علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، يبرز عند زوال الشمس على رؤوس الناس ساعة حتى يبرز وجهه يعرف الناس حسبه ونسبه.
ثمَّ قال: أما إنَّ بني أمية ليختبئن الرجل منهم إلى جنب شجرة فتقول: هذا رجل من بني أمية فاقتلوه.(312)
وروى الشيخ الحسن بن سليمان عن كتاب ابن ماهيار الذي هو من أكابر محدِّثي الشيعة عن أبي مروان أنَّه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ)،(313) قال: فقال لي: لا والله لا تنقضي الدنيا، ولا تذهب حتى يجتمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعليّ بالثوية، فيلتقيان، ويبنيان بالثوية مسجداً له اثنا عشر ألف باب موضعاً بالكوفة.(314)
ومن كتاب البشارة للسيد رضي الدين علي بن طاووس وجدت في كتاب تأليف جعفر بن محمد بن مالك الكوفي بإسناده إلى حمران بن أعين قال: عمر الدنيا مائة ألف سنة لسائر الناس عشرون ألف سنة وثمانون ألف سنة لآل محمّد عليه وعليهم السلام.(315)
وفي كامل الزيارات: عن المفضَّل عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: كأنِّي بسرير من نور قد وضع، وقد ضربت عليه قبة من ياقوتة حمراء مكللة بالجواهر، وكأنِّي بالحسين (عليه السلام) جالس على ذلك السرير، وحوله تسعون ألف قبة خضراء، وكأنِّي بالمؤمنين يزورونه، ويسلِّمون عليه، فيقول الله (عزَّ وجلَّ) لهم: أوليائي سلوني فطال ما أوذيتما وذللتم، واضطهدتم، فهذا يوم لا تسألوني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(312) مختصر الدرجات: ص 206؛ تأويل الآيات الطاهرة: ج1/ ص 387.
(313) القصص: 85.
(314) مختصر البصائر: ص 212.
(315) المصدر السابق.
حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلّا قضيتها لكم، فيكون أكلهم وشربهم في الجنة، فهذه والله الكرامة التي لا انقضاء لها ولا يدرك منتهاها.(316)
ويظهر من الأشياء المذكورة في هذا الحديث إنَّ هذه الحالة سوف تكون في الرجعة.
وروى ابن بابويه (رحمه الله) في كتاب صفات الشيعة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: من أقر بسبعة أشياء فهو مؤمن وذكر منها الإيمان بالرجعة.(317)
وروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: من أقرَّ بتوحيد الله - وساق الكلام إلى أن قال: وأقرَّ بالرجعة والمتعتين، وآمن بالمعراج، والمسألة في القبر، والحوض والشفاعة، وخلق الجنة والنار، والصراط والميزان، والبعث والنشور، والجزاء والحساب، فهو مؤمن حقاً، وهو من شيعتنا أهل البيت.(318)
وهناك أحاديث أخرى في هذا الباب كثيرة، وأكثرها مذكور في كتاب: بحار الأنوار.
ويعلم من هذه الأحاديث: أنَّ الرجعة في الجملة من جملة المتواترات بالمعنى التي لا شكَّ فيها، وهي من الأمور الثابتة بالنصوص المتواترة؛ وأنَّ مجرد الاستبعاد، والإنكار إنَّما هو غايةٌ في الجرأة واللامبالاة بالدين.
وبالإجمال: فإنَّ رجعة بعض المؤمنين، وبعض الكافرين والنواصب والمخالفين متواترٌ، وأنَّ إنكاره يعدّ خروجاً عن مذهب الشيعة الإمامية، وليس خروجاً عن الإسلام.
ومن المتواتر أيضاً رجعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، والإمام الحسين (عليه السلام)، بل من المتواتر أيضاً رجعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أو أنَّها قريبة من التواتر؛ وهناك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(316) كامل الزيارات/ لابن قولويه: ص 259.
(317) راجع: صفات الشيعة/ الصدوق: ص 29؛ البحار/ المجلسي: ج53/ ص 121.
(318) صفات الشيعة/ الصدوق: ص 50؛ وفي بحار الأنوار: ج53/ ص 121.
أيضاً أحاديث صحيحة ومعتبرة قد جاءت في رجعة باقي الأئمّة (عليهم السلام) وإن لم تصل إلى مرتبة التواتر مما يلزم الإذعان بها وعدم جواز الإنكار.
ولكن ليس من المعلوم تفصيلات هذه الرجعات، فهل أنَّ ظهورهم (عليهم السلام) سوف يكون في زمانٍ واحدٍ؛ أو لا يكون ذلك، وإنَّما يكون له قبل، ويكون له بعد؛ ويظهر من بعض الأحاديث أنَّ رجعتهم (عليهم السلام) سوف تكون مرتبة بترتيب أزمنة الإمامة.
والشيخ الحسن بن سليمان (رحمه الله) قائل بأنَّ لكل إمام زمن إمامة، ويكون له زمن مهديٍ؛ وأوَّل ما يظهر صاحب الأمر (عليه السلام) فإنَّ ظهوره هذا هو زمان رجعته، ثمَّ أنَّ بعد رجعة آبائه الكرام فإنَّه (عليه السلام) سوف يرجع معهم (عليهم السلام) أيضاً؛ وبهذا الوجه أوِّل هذا الحديث(319) وهو: منَّا اثنا عشر إمام، واثنا عشر مهدي.(320)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(319) قال البياضي تعليقاً على هذا الموضوع في/ الصراط المستقيم: ج2/ ص 152:
قلت: الرواية بالاثني عشر عند الاثني عشر شاذة، ومخالفة للروايات الصحيحة المتواترة الشهيرة بأنه ليس بعد القائم دولة، وأنه لم يمض من الدنيا إلا أربعين يوما فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة، على أن البعدية في قوله: من بعدهم لا تقتضي البعدية الزمانية كما قال تعالى: (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) (1) فجاز كونهم في زمان الإمام وهم نوابه (عليه السلام). إن قلت: قال في الرواية: (فإذا حضرته يعني المهدي الوفاة فليسلمها إلى ابنه) ينفي هذا التأويل، قلت: لا يدل هذا على البقاء بعده يجوز أن يكون لوظيفة الوصية لئلا يكون ميتة جاهلية، ويجوز أن يبقى بعده من يدعو إلى إمامته ولا يضر ذلك في حصر الاثني عشر فيه وفي آبائه. قال المرتضى: لا يقطع بزوال التكليف عند موته، بل يجوز أن يبقى حصر الاثني عشر فيه، بعد أئمّة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، ولا يخرجنا هذا القول عن التسمية بالاثني عشرية لأنا كلفنا بأن نعلم إمامتهم إذ هو موضع الخلاف وقد بينا ذلك بيانا شافيا فيهم، ولا موافق لنا عليهم، فانفردنا بهذا الاسم عن غيرنا من مخالفيهم. وأنا أقول: هذه الرواية آحادية، توجب ظنا، ومسألة الإمامة علمية و لأن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) إن لم يبين المتأخرين بجميع أسمائهم، ولا كشف عن صفاتهم (هامش) (1) الجاثية: 23. مع الحاجة إلى معرفتهم، فيلزم تأخير البيان عن الحاجة، وأيضاً فهذه الزيادة شاذة لا تعارض الشائعة الذائعة. إن قلت: لا معارضة بينهما لأن غاية الروايات يكون بعدي اثنى عشر خليفة. الأئمّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل ونحوها.
قلت: لو أمكن ذلك لزم العبث و التعمية في ذكر الاثني عشر، ولأن في أكثر الروايات وتسعة من ولد الحسين ويجب حصر المبتدأ في الخبر، ولأنهم لم يذكروا في التوراة وأشعار قس وغيرها ولا أخبر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) برؤيتهم ليلة إسرائه إلى حضرة ربه، ولما عد الأئمّة الاثني عشر، قال للحسن: لا تخلوا الأرض منهم، ويعني به زمان التكليف، فلو كان بعدهم أئمّة لخلت الأرض منهم، ويبعد حمل الخلو على أن المقصود به أولادهم لأنه من المجاز، ولا ضرورة تحوج إليه.
(320) وردت روايات كثيرة نصَّت أنَّ هناك اثنا عشر إماماً، واثنا عشر مهدياً، من جملتها: روى الأشعري بإسناده في بصائر الدرجات، على ما هو موجود في مختصره، وروى الطوسي في الغيبة: ص 39؛ بإسناده عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال لعليّ (عليه السلام): يا علي! إنَّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً.
وروى في المختصر: ص 48، إنَّ منَّا بعد القائم (عليه السلام) اثنا عشر مهدياً من ولد الحسين.
وفي غيبة الطوسي: ص 151، في حديث: فذلك اثنا عشر إماماً ثمَّ يكون من بعده اثنا عشر مهدياً.
وفي كمال الدين: ص 358/ عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمَّد (عليهما السلام): يا بن رسول الله! إنِّي سمعت من أبيك (عليه السلام)، أنَّه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً؟!
فقال: إنَّما قال: اثنا عشر مهدياً، ولم يقل اثنا عشر إماماً؛ ولكنَّهم قومٌ من شيعتنا يدعون النَّاس إلى موالاتنا، ومعرفة حقِّنا.
وهذا القول وإن لم يكن بعيداً عن الصَّواب، ولكن الأحوط هو الإقرار بالإجمال وردّ المعرفة بالتفصيل إلى علمهم (عليهم السلام)، كما قال بهذا النحو الآخوند العلآمة المجلسي أعلى الله مقامه، وابن بابويه في رسالة: الاعتقادات، قال: اعتقادنا في الرجعة أنَّها حقٌّ.(321)
وروى الشيخ الحسن بن سليمان في كتاب منتخب البصائر الحديث المشهور
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(321) الاعتقادات: ص 60.
عن المفضَّل؛ بسندٍ معتبرٍ عن المفضَّل بن عمر قال:(322) سألت سيدي الصادق (عليه السلام) هل المأمول المنتظر المهدي (عليه السلام) من وقت موَّقت يعلمه الناس؟
فقال: حاش لله أن يوَّقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا.
قلت: يا سيدي، ولم ذاك؟
قال: لأنَّه هو الساعة. (وقرأ الآيات التي قالها الحقُّ تعالى في القرآن المجيد في أمر قيام الساعة، فإنَّها جميعها نازلة في باب قيامه (عليه السلام)).(323)
إنَّ مَنْ وقَّت لمهدينا وقتاً فقد شارك الله تعالى في علمه، وادَّعى إنَّه ظهر على سرِّه.(324)
والحديث طويل وقد بيَّن (عليه السلام) فيه للمفضَّل جميع أحواله (عليه السلام)، وحالات ظهوره (عليه السلام) على نحو التفصيل، وقد ذُكِرَتْ سابقاً، اكتفى هذا الحقير هنا بذكر موضع الحاجة.
وقد ذكر في آخر الحديث؛ أنَّ المفضَّل سأله (عليه السلام) فقال: يا سيدي، ثمَّ ماذا يعمل المهدي (عليه السلام)؟
قال (عليه السلام): يثور سراياه إلى السفياني إلى دمشق، فيأخذونه، ويذبحونه على الصخرة، ثمَّ يظهر الحسين بن عليّ (عليهما السلام) في اثني عشر ألف صدِّيق، واثنين وسبعين رجلاً أصحابه الذين قتلوا معه يوم عاشوراء، فيا لك عندها من كرَّة زهراء، ورجعة بيضاء.
ثم يخرج الصدِّّيق الأكبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وينصب له القبة البيضاء على النجف، وتقام أركانها بالنجف، وركن بهجر، وركن بصنعاء اليمن،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(322) سوف يذكر المؤلف فيما بعد أنَّه قد كرر نقل الحديث عندما استدعته الضرورة، ولكنَّه قام باختصاره.
(323) هذه العبارة ليست جزءاً من الرواية.
(324) مختصر بصائر الدرجات/ الحلي: ص 179.
وركن بأرض طيبة؛ فكأنِّي انظر إلى مصابيحها تشرق في السماء والأرض كأضواء من الشمس والقمر؛ فعندها تبلى السرائر، و(تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى...) الآية.
ثمَّ يظهر السيد الأجل محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) في أنصاره والمهاجرين إليه، ومن آمن به، وصدَّقه، واستشهد معه، ويحضر مكذِّبوه، والشاكُّون فيه، والمكفرون، والقائلون: إنَّه ساحر، وكاهن، ومجنون، ومعلم، وشاعر، وناطق عن الهوى، ومَنْ حاربه، وقاتله حتَّى نقتص منهم الحق، ويجازون بأفعالهم منذ وقت ظهور رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى وقت ظهور المهدي (عليه السلام) إماماً إماماً ووقتاً وقتاً، ويحق تأويل هذه الآية: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ).(325)
قال المفضَّل: يا سيدي، ومن فرعون وهامان؟
قال (عليه السلام): أبو بكر، وعمر.
قال المفضَّل: يا سيدي؛ رسول الله، وأمير المؤمنين يكونان معه؟
فقال: لابد أن يطأ الأرض حتى ما وراء القاف؛ إي والله، وما في الظلمات، وما في قعر البحار حتَّى لا يبقى موضع قدم إلّا وطئاه وأقاما فيه الدين الواجب لله تعالى، كأنِّي (انظر) إلينا معاشر الأئمّة ونحن بين يدي جدِّنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) نشكو إليه ما نزل بنا من الأمَّة بعده من التكذيب والردِّ علينا، وسبنا، ولعننا، وإرهاقنا بالقتل، وقصد طواغيتهم الولاة لأمورهم إيَّانا من دون الأمَّة.
فيبكى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ويقول: يا بنيَّ ما نزل بكم إلّا ما نزل بجدِّكم، ولو علمت طواغيتهم، وولاتهم إن نحن، والمهدي (عليه السلام)، والإيمان، والوصية، والولاية في غيركم لظنوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(325) القصص: 5.
ثمَّ تبتديء فاطمة (عليها السلام) فتشكو ما نالها من عمر، وما نالها من أبي بكر، وأخذ فدك منها، ومشيها إليه في مجمع من المهاجرين والأنصار، وخطابها له في أمر (فدك)، ومارد عليها من قوله: إنَّ الأنبياء لا تورث، واحتجاجها بقول زكريا، ويحيى (عليهما السلام)، وقصة داود، وسليمان (عليهما السلام)، وقول صاحبه: هاتي صحيفتك التي ذكرت أنَّ أباك كتبها لك.
وإخراجها الصحيفة، وأخذها منها، ونشرها على رؤوس الأشهاد من قريش وسائر المهاجرين والأنصار، وتفله فيها، وعزله لها، وتمزيقه إيَّاها، وبكائها، ورجوعها إلى قبر أبيها باكية حزينة تمشي على الرمضاء، قد أقلقتها، واستغاثتها بالله وبأبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وتقص عليه قصة أبي بكر، وإنفاذه خالداً، وقنفذ، وعمر، والجمع معهم لإخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة، واشتغال أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وضمّ أزواجه، وتعزيتهم، وجمع القرآن، وتأليفه، وقضاء ديونه، وإنجاز عداته، وهي ثمانون ألف درهم باع فيها تليده وطارفه قضاها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وقول عمر: اخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون من البيعة، فمالك ان تخرج عمَّا أجمع عليه المسلمون، وإلّا قتلناك.
وخروج فاطمة إليهم، وخطابها لهم من وراء الباب، وقولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله، وعلى رسوله؛ تريد أن تقطع نسله من الدنيا، وتفنيه وتطفيء، نور الله، والله متمُّ نوره؟!!
وانتهاره لها، وقوله: كفِّي يا فاطمة، فليس محمَّد حاضراً، ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله، وما علي إلا كأحد المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر، أو إحراقكم جميعاً.
فقالت وهي باكية: اللهمَّ إليك نشكو فقد نبيِّك، ورسولك، وصفيِّك، وارتداد أمتِّه علينا، ومنعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل.
فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حماقات النساء، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوة والخلافة.
وأخذت النار في خشب الباب. وإدخال قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب، وضرب عمر لها بالسوط على عضدها، حتى صار كالدملج الأسود، وركل الباب برجله، حتى أصاب بطنها و هي حاملة بالمحسن، لستة أشهر وإسقاطها إياه.
وهجوم عمر، وقنفذ، وخالد بن الوليد، وصفقه خدَّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها، وهي تجهر بالبكاء، وتقول: وا أبتاه، وا رسول الله، ابنتك فاطمة تكذَّب وتضرب، ويقتل جنين في بطنها.
وحمل أمير المؤمنين لها في سواد الليل والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم إلى دور المهاجرين والأنصار، يذكرهم بالله ورسوله، وعهده الذي بايعوا الله ورسوله، وبايعوه عليه في أربعة مواطن في حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وتسليمهم عليه بإمرة المؤمنين في جميعها، فكل يعده بالنصر في يومه المقبل، فإذا أصبح قعد جميعهم عنه.
ثمَّ يشكو إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) المحن العظيمة التي امتحن بها بعده.
وقوله: لقد كانت قصتي مثل قصة هارون مع بني إسرائيل، وقولي كقوله لموسى: (ابْنَ أُمَّ إِنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ)،(326) فصبرت محتسباً، وسلَّمت راضيا، وكانت الحجَّة عليهم في خلافي، ونقضهم عهدي الذي عاهدتهم عليه يا رسول الله، واحتملت يا رسول الله ما لم يحتمل وصي نبي من سائر الأوصياء من سائر الأمم حتَّى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(326) الأعراف: 150.
ويقوم الحسن (عليه السلام)(327) إلى جدِّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيقول: يا جداه كنت مع أمير المؤمنين في دار هجرته بالكوفة حتى استشهد بضربة عبد الرحمان بن ملجم لعنه الله فوصاني بما وصيته به يا جداه، وبلغ اللعين معاوية قتل أبي فأنفذ الدعي اللعين زياداً إلى الكوفة في مائة ألف وخمسين ألف مقاتل، فأمر بالقبض عليَّ وعلى أخي الحسين وسائر إخواني وأهل بيتي، وشيعتنا وموالينا، وأن يأخذ علينا البيعة لمعاوية لعنه الله، فمن يأبَ منا ضرب عنقه وسيِّر إلى معاوية رأسه.
فلما علمت ذلك من فعل معاوية، خرجت من داري، فدخلت جامع الكوفة للصلاة، ورقأت المنبر، واجتمع النَّاس، فحمدت الله، وأثنيت عليه، وقلت:
معشر الناس عفت الديار، ومحيت الآثار، وقلَّ الاصطبار، فلا قرار على همزات الشياطين وحكم الخائنين، الساعة والله صحت البراهين، وفصلت الآيات، وبانت المشكلات، ولقد كنا نتوقع تمام هذه الآية تأويلها قال الله (عزَّ وجلَّ): (وَما مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)(328) فلقد مات جدِّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وقتل أبي (عليه السلام)، وصاح الوسواس الخنَّاس في قلوب النَّاس، ونعق ناعق الفتنة، وخالفتم السنة، فيا لها من فتنة صماء عمياء، لا يسمع لداعيها ولا يجاب مناديها، ولا يخالف واليها، ظهرت كلمة النفاق، وسيرت رايات أهل الشقاق، وتكالبت جيوش أهل المراق، من الشام والعراق، هلمُّوا رحمكم الله إلى الافتتاح، والنور الوضاح، والعلم الجحجاج، والنور الذي لا يطفى، والحق الذي لا يخفى.
أيها النَّاس تيقظوا من رقدة الغفلة، ومن تكاثف الظلمة، فوالذي فلق الحبة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(327) اختصر المؤلف هذا المقطع بشكل كبير وكذا رجحنا نقل النص كما هو موجود في المصدر وإن لزم شيئاً من الإطناب.
(328) آل عمران: 144.
وبرء النسمة، وتردى بالعظمة، لئن قام إليَّ منكم عصبة بقلوب صافية ونيات مخلصة، لا يكون فيها شوب نفاق، ولا نية افتراق، لأجاهدن بالسيف قدماً قدماً، ولأضيقن من السيوف جوانبها، ومن الرماح أطرافها، ومن الخيل سنابكها، فتكلموا رحمكم الله. فكأنما الجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة، إلا عشرون رجلا فإنهم قاموا إليَّ فقالوا: يا ابن رسول الله ما نملك إلا أنفسنا وسيوفنا، فها نحن بين يديك لأمرك طائعون، وعن رأيك صادرون، فمرنا بما شئت!
فنظرت يمنة ويسرة فلم أر أحدا غيرهم.
فقلت: لي أسوة بجدِّي رسول الله حين عبد الله سراً، وهو يومئذ في تسعة وثلاثين رجلاً فلمَّا أكمل الله له الأربعين صار في عدة وأظهر أمر الله، فلو كان معي عدتهم جاهدت في الله حق جهاده.
ثمَّ رفعت رأسي نحو السماء فقلت: اللهمَّ إنِّي قد دعوت وأنذرت، وأمرت ونهيت، وكانوا عن إجابة الداعي غافلين، وعن نصرته قاعدين، وعن طاعته مقصرين ولأعدائه ناصرين.
اللهمَّ فأنزل عليهم رجزك، وبأسك وعذابك، الذي لا يرد عن القوم الظالمين ونزلت.
ثمَّ خرجت من الكوفة راحلاً إلى المدينة، فجاؤني يقولون: إنَّ معاوية أسرى سراياه إلى الأنبار والكوفة، وشنَّ غاراته على المسلمين، وقتل من لم يقاتله وقتل النساء والأطفال، فأعلمتهم أنه لا وفاء لهم، فأنفذت معهم رجالاً وجيوشاً، وعرفتهم أنهم يستجيبون لمعاوية، وينقضون عهدي وبيعتي، فلم يكن إلا ما قلت لهم، وأخبرتهم.
ثمَّ يقوم الحسين (عليه السلام) مخضباً بدمه هو وجميع من قتل معه، فإذا رآه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بكى، وبكى أهل السماوات والأرض لبكائه، وتصرخ فاطمة (عليها السلام) فتزلزل الأرض ومن عليها، ويقف أمير المؤمنين والحسن (عليهما السلام) عن يمينه، وفاطمة عن شماله،
ويقبل الحسين (عليه السلام) فيضمَّه رسول الله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى صدره، ويقول: يا حسين! فديتك قرت عيناك وعيناي فيك، وعن يمين الحسين حمزة أسد الله في أرضه، وعن شماله جعفر بن أبي طالب الطيار.
ويأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (عليه السلام) وهنَّ صارخات وأمه فاطمة تقول: (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)(329) اليوم (تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً).(330)
قال: فبكى الصادق (عليه السلام) حتى اخضلت لحيته بالدموع، ثمَّ قال: لا قرت عين لا تبكي عند هذا الذكر، قال: وبكى المفضَّل بكاء طويلاً ثمَّ قال: يا مولاي ما في الدموع يا مولاي؟
فقال: ما لا يحصى إذا كان من محق.
قال المفضَّل: يا مولاي ثم ماذا؟
قال الصادق (عليه السلام): تقوم فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فتقول: اللهمَّ أنجز وعدك، وموعدك لي فيمن ظلمني وغصبني، وضربني وجزعني بكل أولادي، فتبكيها ملائكة السماوات السبع وحملة العرش، وسكان الهواء، ومن في الدنيا، ومن تحت أطباق الثرى، صائحين صارخين إلى الله تعالى، فلا يبقى أحد ممن قاتلنا وظلمنا ورضي بما جرى علينا إلا قتل في ذلك اليوم.
قال المفضَّل: يا مولاي إنَّ من شيعتكم مَنْ لا يقول برجعتكم؟
فقال (عليه السلام): إنَّما سمعوا قول جدِّنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ونحن سائر الأئمّة نقول: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ العَذابِ الأدْنى دُونَ العَذابِ الأكْبَرِ).(331)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الصادق (عليه السلام): العذاب الأدنى: عذاب الرجعة، والعذاب الأكبر عذاب يوم القيامة الذي: (تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا للهِ الواحِدِ القَهَّارِ).(332)
قال المفضَّل: يا مولاي نحن نعلم أنَّكم اختيار الله في قوله تعالى: (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ)،(333) وقوله: (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)،(334) وقوله: (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى العالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).(335)
قال الصادق (عليه السلام): يا مفضَّل فأين نحن في هذه الآية؟
قال المفضَّل: فوالله (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ)،(336) وقوله: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ)،(337) وقوله عن إبراهيم: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ)،(338) وقد علمنا أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) ما عبدا صنماً، ولا وثناً، ولا أشركا بالله طرفة عين.
وقوله: (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)،(339) والعهد عهد الإمامة لا يناله ظالم.
قال: يا مفضَّل، وما علمك بأنَّ الظالم لا ينال عهد الإمامة؟
قال المفضَّل: يا مولاي، لا تمتحني بما لا طاقة لي به، ولا تختبرني ولا تبتلني، فمن علمكم علمت، ومن فضل الله عليكم أخذت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(332) إبراهيم: 48.
(333) الأنعام: 38.
(334) يوسف: 124.
(335) آل عمران: 33 و34.
(336) آل عمران: 68.
(337) الحج: 78.
(338) إبراهيم: 35.
(339) البقرة: 124.
قال الصادق (عليه السلام): صدقت يا مفضَّل، ولولا اعترافك بنعمة الله عليك في ذلك لما كنت هكذا، فأين - يا مفضَّل - الآيات من القرآن في أن الكافر ظالم؟
قال: نعم يا مولاي، قوله تعالى: (وَالكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،(340) والكافرون: هم الفاسقون؛(341) ومن كفر، وفسق، وظلم لا يجعله الله للناس إماماً.
قال الصادق (عليه السلام): أحسنت يا مفضَّل، فمن أين قلت برجعتنا، ومقصرة شيعتنا تقول: معنى الرجعة أن يرد الله إلينا ملك الدنيا، وأن يجعله للمهدي؛ ويحهم متى سلبنا الملك حتى يرد علينا.
قال المفضَّل: لا والله، وما سلبتموه، ولا تسلبونه؛ لأنَّه ملك النبوة، والرسالة، والوصية، والإمامة.
قال الصادق (عليه السلام): يا مفضَّل لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكوا في فضلنا.
ثمَّ يقوم جدِّي علي بن الحسين، وأبي الباقر (عليهما السلام) فيشكوان إلى جدِّهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما فعل بهما.
ثمَّ أقوم أنا فأشكو إلى جدِّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما فعل المنصور بي.
ثمَّ يقوم ابني موسى فيشكو إلى جدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما فعل به الرشيد.
ثمَّ يقوم عليُّ بن موسى فيشكو إلى جدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما فعل به المأمون.
ثمَّ يقوم محمَّد بن عليّ فيشكو إلى جدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما فعل به المأمون.
ثمَّ يقوم عليُّ بن محمَّد فيشكو إلى جدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما فعل به المتوكل.
ثمَّ يقوم الحسن بن علي فيشكو إلى جدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما فعل به المعتز.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(340) البقرة: 254.
(341) قد توهم بعض المعلقين على الطبعة الحديثة من البحار ممن لا يجيدون اللغة العربية إنَّ هذا الكلام آية متوهمة، فكتب: (وما بعده آية متوهمة لا توجد في القرآن)، ولأنَّه لا يجيد دلالات اللغة العربية لذلك لم يلتفت إلى هذا الكلام بمثابة تفسير للآية، وليست هي آية، وهو ظاهر لأهل اللغة.
ثمَّ يقوم المهدي سمي جدِّي رسول الله، وعليه قميص رسول الله مضرجاً بدم رسول الله يوم شُجَّ جبينه، وكسرت رباعيته، والملائكة تحفه حتى يقف بين يدي جدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيقول: يا جداه وصفتني، ودللت عليَّ، ونسبتني، وسميتني، وكنيتني، فجحدتني الأمَّة، وتمرَّدت، وقالت: ما ولد، ولا كان، وأين هو؟ ومتى كان؟ وأين يكون؟ وقد مات، ولم يعقب، ولو كان صحيحاً ما أخَّره الله تعالى إلى هذا الوقت المعلوم، فصبرت محتسباً، وقد أذن الله لي فيها بإذنه يا جداه.
فيقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم):
(الحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ العامِلِينَ).(342)
ويقول: جاء نصر الله والفتح، وحقَّ قول الله سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ)،(343) ويقرأ: (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً * وَ يَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً).(344)
فقال المفضَّل: يا مولاي، أيُّ ذنب كان لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟!
فقال الصادق (عليه السلام): يا مفضَّل! إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: اللهمَّ حمِّلني ذنوب شيعة أخي، وأولادي الأوصياء ما تقدم منها، وما تأخر إلى يوم القيامة، ولا تفضحني بين النبيين، والمرسلين في شيعتنا؛ فحمّله الله إياها وغفر جميعها.
قال المفضَّل: فبكيت بكاء طويلاً، وقلت: يا سيدي، هذا بفضل الله علينا فيكم.
قال الصادق (عليه السلام): يا مفضَّل ما هو إلا أنت وأمثالك؛ بلى! يا مفضَّل لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحدِّث بهذا الحديث أصحاب الرخص من شيعتنا، فيتكلون على هذا الفضل، ويتركون العمل فلا يغني عنهم من الله شيئاً، لأنَّا كما قال الله تبارك وتعالى فينا: (لا يَشْفَعُونَ إلّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ).(345)
قال المفضَّل: يا مولاي؛ فقوله: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(346) (ما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ظهر على الدين كلِّه؟
قال: يا مفضَّل! لو كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ظهر على الدين كله ما كانت مجوسية، ولا يهودية، ولا صابئية، ولا نصرانية، ولا فرقة، ولا خلاف، ولا شك، ولا شرك، ولا عبدة أصنام، ولا أوثان، ولا اللات والعزى، ولا عبدة الشمس والقمر، ولا النجوم، ولا النار، ولا الحجارة، وإنما قوله: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) في هذا اليوم، وهذا المهدي، وهذه الرجعة، وهو قوله: (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ).(347)
ثمَّ قال الصادق (عليه السلام):
ثمَّ يعود المهدي (عليه السلام) إلى الكوفة، وتمطر السماء بها جراداً من ذهب، كما أمطره الله في بني إسرائيل على أيوب، ويقسم على أصحابه كنوز الأرض من تبرها ولجينها وجوهرها.
قال المفضَّل: يا مولاي؛ مَنْ مات من شيعتكم وعليه دين لإخوانه، ولأضداده كيف يكون؟
قال الصادق (عليه السلام): أوَّلُ ما يبتدئ المهدي (عليه السلام) أن ينادي في جميع العالم: (ألا مَنْ له عند أحد مِنْ شيعتنا دين فليذكره حتَّى يردَّ الثومة، والخردلة).(348)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(345) الأنبياء: 28.
(346) التوبة: 34؛ الصف: 9.
(347) الأنفال: 39.
(348) راجع: مختصر بصائر الدرجات من: ص 91، وما بعدها؛ البحار: ج53 من: ص1، وما بعدها.
ونكتفي من هذا الحديث بهذا المقدار المناسب في هذا المقام ليطمئن الشيعة بحقيقة رجعة سيِّد الشهداء، وسيِّد الأنبياء، وسيّد الأوصياء، ورجعة باقي أئمّة الهدى، فكررنا وأعدنا هذا الحديث حتَّى لا يبقى شكٌّ عند أحدٍ.
* * *
الحمد لله الذي منَّ عليَّ بختم هذه الرسالة الوجيزة، ووفقني بجمع هذه الأخبار في أحوال الإمام الثاني عشر مقوِّم الشريعة؛ وصلَّى الله على أشرف خلقه محمَّد وآله أجمعين، التمست من الناظرين، والتالين، والقارئين، والمستمعين أن يتلوا بعين الشفقة ويمنُّوا عليَّ بإصلاح ما في نظرهم محتوياً على الأغلاط.
تمَّت الرسالة المختصرة في السابع والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام 1263.
يقول أفقر العباد، وأحوجهم ياسين بن السيد محسن بن السيد هاشم الموسوي غفر الله تعالى له ولآبائه وأهله ومن يلوذ به:
قد أتممت ترجمة، وتحقيق، هذا الكتاب المستطاب المسمَّى: إرشاد الخلق لمعرفة إمام الصدق في ترجمة وتحقيق كشف الحق، وقد صادف إتمامه في ليلة النصف من شعبان المبارك ليلة ميلاده المبارك السعيد من سنة 1424 للهجرة النبوية على مهاجرها وآله آلاف التحية والسلام في جوار الإمامين الهمامين الكاظمين الجوادين (عليهما السلام) بغداد مدينة السلام والخير والمحبة، وهو أول كتاب لنا أتممناه بعد العودة من الهجرة التي امتدت حوالي الأربع والعشرين سنة بعيدين عن الأهل والوطن.
* * *
إثبات الهداة: الحر العاملي/ مط العلمية/ الناشر مكتبة المحلاتي/ 1425هـ.
الاحتجاج: أحمد بن عليّ الطبرسي/ مط دار النعمان/ ت السيد محمّد باقر الخرسان.
أخبار أصبهان: أبي نعيم الحافظ الأصبهاني.
الاختصاص: الشيخ المفيد/ ت عليّ أكبر الغفاري/ نشر جماعة المدرسين قم.
اختيار معرفة الرجال: الشيخ الطوسي/ ط 1402هـ/ مط بعثت/ الناشر مؤسسة آل البيت/ ت مجموعة.
الإرشاد: الشيخ المفيد/ ت مؤسسة آل البيت/ نشر وطبع دار المفيد.
الأصابة: لابن حجر العسقلاني.
الاعتقادات: الشيخ الصدوق/ ت عصام عبد السيد.
الأمالي: الشيخ الصدوق: ت ونشر: مؤسسة البعثة قم/ ط 1/ 1417هـ.
الإيقاظ من الهجعة: الحر العاملي/ ت مشتاق المظفر/ ط 1/ مط نكارش.
بحار الأنوار: محمّد باقر المجلسي/ ط 2/ 1403هـ م نشر وطبع مؤسسة الوفاء/ بيروت.
البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: المتقي الهندي/ مط الخيام قم.
البدء والتاريخ: مطهر بن طاهر المقدسي/ مكتبة الأسدي/ طهران.
بصائر الدرجات: محمّد بن الحسن الصفار/ مط الأحمدي/ طهران/ ط 1404هـ/ الناشر الأعلمي.
البيان في أخبار صاحب الزمان: ابن عبد الله محمّد الكنجي.
تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر/ ط 1415هـ/ مط دار الفكر/ ت عليّ شيري.
تأويل الآيات في فضائل العترة الطاهرة: شرف الدين عليّ الحسيني/ ط 1/ 1407هـ/ ت مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام)/ مط أمير/ قم.
تحفة الأحوذي في شرح الترمذي: المباركفوري/ دار الكتب العلمية/ ط 1/ 1410هـ.
تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف: يوسف المزي 1256هـ.
تفسير ابن كثير: أبي الفداء إسماعيل ابن كثير الدمشقي/ مط دار المعرفة بيروت/ ط 1412هـ.
تفسير البرهان: العلامة السيد هاشم البحراني.
تفسير فرات الكوفي: فرات بن إبراهيم الكوفي/ ط 1/ 1410هـ/ ت محمّد الكاظم/ نشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.
تفسير القمي: عليّ بن إبراهيم القمي/ منشورات مكتبة الهدى/ ت طيب الجزائري.
تفسير العياشي: النضر محمّد بن عياش السمرقندي/ ت المحلاتي/ ط ونشر المكتبة العلمية الإسلامية/ طهران.
تفسير نور الثقلين: عبد عليّ الحويزي/ ت السيد هاشم المحلاتي/ طبع ونشر مؤسسة إسماعيليان/ قم.
الخرائج والجرائح: قطب الدين الراوندي/ ت ونشر مؤسسة الإمام الهادي (عليه السلام)/ قم.
الخصال: الشيخ الصدوق/ ت عليّ أكبر غفاري/ الناشر جماعة المدرسين قم.
الدر المنثور: جلال الدين السيوطي/ ط 1/ 1365هـ/ مط الفتح جدة/ الناشر دار المعرفة.
دلائل الإمامة: محمّد بن جرير الطبري (الشيعي)/ مؤسسة البعثة/ قم/ ط 1/ 1413هـ.
الديباج على صحيح مسلم: عبد الرحمان السيوطي/ ط 1/ 1416/ مط دار ابن عفان/ تحقيق الأثري.
سنن ابن ماجة: محمّد بن يزيد القزويني/ ت محمّد عبد الباقي/ دار الفكر بيروت.
سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني/ مط دار الفكر بيروت/ ط 1/ 1410هـ.
سنن الترمذي: محمّد بن عيسى الترمذي/ ت عبد الرحمان محمّد/ ط 2/ 1403هـ/ مط دار الفكر بيروت.
السنن الكبرى: احمد بن الحسين البيهقي/ مط دار الفكر بيروت.
شرح مسلم: النووي/ ط 2/ 1407هـ/ الناشر دار الكتاب العربي بيروت.
صحيح لأبن حبان بترتيب ابن بلبان: علاء الدين عليّ بن بلبان الفارسي/ ت الأرنؤوط/ مط الرسالة/ ط 2/ 1414هـ.
صحيح البخاري: محمّد بن إسماعيل البخاري/ مط دار الفكر بيروت.
صحيح مسلم: مسلم ابن الحجاج النيسابوري/ دار الفكر بيروت.
الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: زين الدين ابي محمّد عليّ بن يونس العاملي البياض/ ت محمّد باقر البهبودي/ مط الحيدري/ الناشر المكتبة المرتضوية.
صفات الشيعة: الشيخ الصدوق/ الناشر عابدي/ طهران.
الطبقات الكبرى: ابن سعد/ الناشر دار صادر بيروت.
الطرائف: السيد عليّ بن طاووس/ ط 1/ 1371هـ/ مط الخيام/ قم.
عقد الدرر في أخبار المنتظر: يوسف بن يحيى المقدسي الشافعي/ ت عبد الفتاح الحلو/ ط 1/ 1416هـ/ مط أسوة.
العلل الواردة في الأحاديث النبوية: أبي الحسن عليّ بن عمر الدارقطني/ ط 1/ 1405هـ/ مط دار طيبة الرياض/ ت محفوظ السلفي.
العمدة: ابن البطريق الأسدي الحلي/ ت ونشر جماعة المدرسين قم/ ط 1/ 1407هـ.
علل الشرائع: الشيخ الصدوق/ مط الحيدرية/ النجف/ ط 1386هـ.
عون المعبود شرح سنن أبي داود: محمّد شمس الحق العظيم آبادي/ ط 2/ 1415هـ/ مط دار الكتب العلمية بيروت.
الغيبة: محمّد بن الحسن الطوسي/ ط 1/ 1411/ نشر مؤسسة المعارف الإسلامية/ مط بهمن/ ت عباد الله الطهراني.
الغيبة: محمّد بن إبراهيم النعماني/ ت عليّ أكبر الغفاري/ ط الصدوق/ طهران.
الفتاوى الحديثيّة: ابن حجر الهيثمي/ ط مصر 1353هـ.
فردوس الأخبار: أبي شجاع الديلمي/ ط بيروت.
فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم: عليّ بن موسى بن طاووس/ مط/ دار الذخائر/ ط 1/ الناشر دار الذخائر.
الفصول المهمة في معرفة الأئمة: الشيخ نور الدين عليّ بن محمّد ابن الصباغ المالكي.
الكافي: الشيخ الكليني/ مط الحيدري/ ط 3/ 1388هـ/ ت عليّ أكبر غفاري/ الناشر دار الكتب الإسلامية.
كامل الزيارات: الشيخ جعفر بن قولويه القمي/ ط 1/ 1417هـ/ مط مؤسسة النشر الإسلامي/ ت جواد القيومي.
كتاب الفتن: أبي عبد الله نعيم بن حماد المروزي/ ت سهيل زكار/ ط 1414هـ/ مط دار الفكر.
كشف الأستار: الميرزا حسين النوري/ ط 1/ الخيام/ طهران.
الكشاف عن حقائق التنزيل: أبي القاسم جار الله الزمخشري الخوارزمي/ مصر 1318هـ.
كشف الغمة في معرفة الأئمة: عليّ بن عيسى بن الفتح الأربلي/ مط دار الأضواء بيروت/ ط 2/ 1405هـ/ الناشر دار الأضواء.
كفاية المهتدي: للمير لوحي/ مخطوط.
كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق/ ت عليّ أكبر الغفاري/ الناشر مؤسسة النشر الإسلامي.
كنز العمال: المتقي الهندي/ ت بكري حياني/ صفوة السقا/ مط/ الرسالة بيروت.
لسان الميزان: شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني/ ط 2/ 1390/ مؤسسة الأعلمي بيروت.
مجمع البحرين: الشيخ الطريحي/ ط 2/ 1408هـ/ الناشر مكتب نشر الثقافة الإسلامية.
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: نور الدين الهيثمي/ مط ونشر دار الكتب العلمية بيروت/ ط 1408هـ.
المحاسن: أحمد بن محمّد البرقي/ ت السيد جلال الدين الحسيني/ الناشر دار الكتب الإسلامية.
مختصر بصائر الدرجات: الحسن بن سليمان الحلي/ ط 7/ 1370/ مط الحيدرية/ النجف.
مدينة المعاجز: السيد هاشم البحراني/ ط 1/ 1413هـ/ ت عزة الله الهمداني/ الناشر مؤسسة المعارف الإسلامية.
مستدرك الحاكم: محمّد النيسابوري/ ت المرعشلي/ دار المعرفة بيروت.
مستدرك الوسائل: الحر العاملي: ت ونشر مؤسسة آل البيت قم/ ط 2/ 1412هـ/ مط مهر قم.
مسند أبي داود الطيالسي: سليمان بن داود بن الجارود/ دار الحديث بيروت.
مسند أحمد: أحمد بن حنبل/ ط ونشر دار صادر بيروت.
المصنف: أبي بكر الصنعاني/ حبيب الرحمن الأعظمي/ الناشر المجلس العلمي.
المصنف: ابن أبي شيبة الكوفي/ ط 1/ 1409هـ/ دار الفكر بيروت/ ت سعيد محمّد اللحام.
مطالب السؤول: كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي.
معجم رجال الحديث: السيد الخوئي/ ط 5/ 1413هـ/ ت لجنة.
المعجم الكبير: سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني/ مط دار إحياء التراث العربي/ ط 2/ الناشر ابن تيمية/ القاهرة.
الملاحم: احمد ابن المنادي/ ت العقيلي/ مط أمير الناشر دار السيرة.
منتخب الأنوار المضيئة: السيد عليّ بن الحميد النيلي/ ط 1/ مؤسسة الإمام الهادي.
مهج الدعوات: السيد عليّ بن موسى بن طاووس/ ط حجرية.
النجم الثاقب: الميرزا حسين بن محمّد تقي النوري/ ت السيد ياسين الموسوي/ مط مهر قم/ ط 1/ 1415هـ/ الناشر أنوار الهدى.
الهداية: الشيخ الصدوق/ ت ونشر مؤسسة الإمام الهادي/ ط 1/ 1418هـ/ نشر جماعة المدرسين.
الهداية الكبرى: أبي عبد الله الحسين الخصيبي/ ط 4/ 1411هـ/ الناشر مؤسسة البلاغ بيروت.
وسائل الشيعة: الحر العاملي/ مط مهر/ قم/ ط 2/ 1414هـ/ ت مؤسسة آل البيت.
ينابيع المودة لذوي القربى: سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي/ ط 1/ 1416هـ/ مط أسوة/ ت سيد عليّ جمال أشرف الحسيني.
* * *