الإمام المنتظر (عليه السلام) من ولادته إلى دولته
المؤلف: السيد علي الحسيني الصدر
الناشر: دليل ما - الطبعة الأولى
تاريخ النشر: 1424 هـ. ق
فهرس المطالب
المقدَّمةُ..................7
المدخل..................9
البحث الأوّل: وجود الإمام المهدي (عليه السلام) والبشائر به..................11
النقطة الاستدلالية الأولى: التنصيص على الإمام المهدي (عليه السلام)..................16
دليل القرآن الكريم..................16
دليل السنّة المباركة..................35
بشارة النبي الأكرم ببقية الله الأعظم..................38
بشارة أمير المؤمنين (عليه السلام)..................45
بشارة سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)..................47
بشارة الإمام الحسن (عليه السلام)..................49
بشارة الإمام الحسين (عليه السلام)..................50
بشارة الإمام السجّاد (عليه السلام)..................50
بشارة الإمام الباقر (عليه السلام)..................52
بشارة الإمام الصادق (عليه السلام)..................54
بشارة الإمام الكاظم (عليه السلام)..................60
بشارة الإمام الرضا (عليه السلام)..................61
بشارة الإمام الجواد (عليه السلام)..................64
بشارة الإمام الهادي (عليه السلام)..................66
بشارة الإمام العسكري (عليه السلام)..................68
الإجماع..................71
النقطة الاستدلالية الثانية: تظافر الأخبار بولادة الامام المهديّ (عليه السلام)..................73
النقطة الاستدلالية الثالثة: تواتر النقل على رؤية الإمام المهدي (عليه السلام)..................81
1 - من رآه في حياة أبيه (عليهما السلام)..................81
2 - من رآه بعد حياة أبيه (عليه السلام) في الغيبة الصغرى..................91
3 - من رآه (عليه السلام) في الغيبة الكبرى..................104
البحث الثاني: غَيبَةُ الإمام المهدي (عليه السلام)..................107
الأحاديث..................109
اللغة..................111
الحكمة الاُولى: أن حياته (عليه السلام) مهدّدة بالقتل فلابدّ من التحذّر وحفظ النفس بالغيبة..................115
الحكمة الثانية: استقلاله عن البيعة لأحد..................130
الحكمة الثالثة: سنّة الله تعالى في امتحان خلقه..................133
الحكمة الرابعة: كراهة مجاورة الظالمين..................138
الحكمة الخامسة: تميّز المؤمنين وخروج ما في الأصلاب..................140
البحث الثالث: عُمر الإمام المهدي (عليه السلام)..................169
القرآن الكريم..................173
السنّة المباركة..................179
دليل الوجدان..................181
وجدان الطبيعة البشريّة..................183
برهان الاصول العلميّة..................185
البحث الرابع: سُفراء الإمام المهدي (عليه السلام)..................191
النوّاب الأربعة..................197
النائب الأوّل: عثمان بن سعيد العَمري..................197
النائب الثاني: محمّد بن عثمان العّمري..................200
النائب الثالث: الحسين بن روح النوبختي..................203
النائب الرابع: علي بن محمّد السمري..................203
التوقيع الأوّل..................217
التوقيع الثاني..................222
التوقيع الثالث..................229
التوقيع الرابع..................236
التوقيع الخامس..................243
التوقيع السادس..................264
التوقيع السابع..................272
البحث الخامس: التشرُّف بخدمة الإمام المهدي (عليه السلام)..................277
تشرّف مبعوث الشيخ ابن قولويه (قدّس سرّه)..................280
تشرّف العلّامة الحلّي..................282
تشرّف ياقوت الدهان..................283
تشرّف الشيخ النمازي..................286
تشرّف الشيخ الكعبي..................292
البحث السادس: نُدبةُ الامام المهدي (عليه السلام)..................303
سند الدعاء الندبة..................306
متن الدعاء الندبة..................309
البحث السابع: ظهورُ الامام المهدي (عليه السلام)..................313
المرحلة الأولى: الظهور..................316
القسم الاول: العلائم العامة..................321
القسم الثاني: العلائم القريبة..................327
القسم الثالث: العلائم المقترنة..................329
أما العلائم المحتومة..................330
وأما العلائم غير المحتومة..................335
المرحلة الثانية: القيام..................339
الخطبة..................339
البيعة..................342
القيام..................344
المرحلة الاولى: مكّة المكرّمة..................348
المرحلة الثانية: المدينة المنوّرة..................350
المرحلة الثالثة: الكوفة العاصمة..................356
البحث الثامن: دولة الامام المهدي (عليه السلام)..................363
نظام الدولة..................368
قضاء الدولة..................382
ثقافة الدولة..................385
اقتصاد الدولة..................379
زراعة الدولة..................380
فهرس المصادر..................387
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلواته على رسوله الأمين وآله الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم إلى يوم الدين.
إلى تالي كتابِ الله وترجمان وَحيه؛
إلى بقيّةِ اللهِ وحجّتهِ على عباده؛
إلى وارث أنبياءِ الله وخاتمِ أوصيائه؛
إلى القائمِ بقسطِ الله والثائرِ بأمره؛
إليك يا سيّدي ومولاي، الإمام الحجّة بن الحسن المهدي عليك صلواتُ الربّ العليّ، أرفع أوراق ولائي وثنائي المزدانة باسمك الأسعد وذكرك الأسدّ؛
راجياً من فضلك المأمول. التصدّق عليَّ بالقبول، إنَّ الله يجزي المتصدّقين.
علي بن السيد محمد الحسيني الصدر
الجمعة - 1 / جمادي الاولى / 1423 هـ
الحمد لله ربّ العالمين، وصلواته على أحبّ خلقه إليه محمّد وآله الطاهرين؛ لاسيما بقية الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم قاطبة الى يوم الدين.
وبعد؛ فإن من أجلّ المعالم الدينيّة، علوم المعارف الإسلاميّة، وهي التي تُنشئ الإنسان على العقيدة السليمة والفكرة السالمة، وترقّية الى مدارك الكمال والعيون الزُلال.
والحاجة الى معرفة هذه المعالم الفُضلى واضحة لائحة لجميع الطبقات وفي جميع الأجيال، خصوصاً لطبقة الشباب في الجيل المعاصر.
فانهم على اشدّ الاحتياج الماسّ والضرورة الأكيدة الى دراية معارف المدرسة الشيعية، التي هي الغنيّة بأصول العلم وآيات الحكمة؛ انتهالاً من مَعينها الفضفاض ومعدنها الفيّاض، واستمداداً من أدلتها العلمية وبراهينها القطعية المتمثلة في:
1 - كتاب الله الكريم، الذي لا يأتيه الباطل أبداً.
2 - كلام أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، المنبعث من الوحي الالهي.
3 - ركائز الادراك العقلي، الواضح في الفطرة البشريّة.
وقد أغنانا عن إقامة البرهان، واضح البيان في معارف القرآن الكريم،
وأحاديث الرسول الأعظم وآله الطيّبين، ونهج البلاغة من لآلئ كلام أمير المؤمنين، والصحيفة السجادية من مأثور أدعية الامام زين العابدين، والمجامع الروائية المعتبرة من أحاديث سادتنا الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين.
وينتهج بحثنا على صعيد المحاضرات الدراسيّة في مختارات من المعارف الدينيّة والعقائد الربّانية، المستمدة من تلك المصادر الأساسيّة.
ويجمع موضوعات البحث العديدة عنوان واحد هو (معارف الإماميّة)، نبدؤها تبرّكاً وتيمّناً بذكر وليّ أمرنا وإمام زماننا بقيّة الله في الأرضين، الحجّة بن الحسن المهدي فداه أرواح العالمين.
ونسأل الله تعالى التوفيق والتسديد، انّه هو الوليُّ الرشيد.
قم المشرّفة - البداية في ليلة الأربعاء - 5 ربيع الأوّل - 1422 هـ
علي بن السيد محمد الحسيني الصدر
يشرّفنا ويسعدنا أن نبدأ حديثنا في معارف الإمامية والمعالم الاسلامية بوليّ النعم ومنجي الاُمم، صاحب الأمر وناموس الدهر، الإمام الحجّة بن الحسن المهدي أرواحنا فداه.
فهو السبيل الى الله، والقائم بدين الله، وامام زماننا، ووليّ عصرنا، والشاهد علينا، واليه نتوجّه جميعاً في جميع أمورنا لنحظى بالمزيد من رعايته وعنايته، فنستعين المولى العلي القدير في بيان ما يكون فيه التيسير من المباحث الثمانية الآتية في رحاب الإمام المهدي (عليه السلام):
1 - وجود الإمام (عليه السلام) والبشائر به.
2 - غيبته والحكمة فيها.
3 - عُمره المبارك رعاه الله تعالى.
4 - نوّابه السفراء ووكلاؤه في الغيبة الصغرى.
5 - التشرّف بخدمته وسعادة زيارته.
6 - ندبته الشريفة.
7 - ظهوره الأزهر وقيامه المظفّر.
8 - دولته السعيدة.
ونذكرها بعون الله تعالى فيما يلي تباعاً.
مما لا شك فيه ولا شبهة تعتريه، الاعتقاد بالإمام المنتظر الحجة الثاني عشر سيدنا وليّ العصر وصاحب الزمان، الذي هو غير منفك عن عقيدة الامامة التي هي من العقائد الاُصولية والمباحث الأصليّة.
وهو المسمّى باسم الرسول والمكنّى بكنيته والملقّب بالمهدي أرواحنا فداه(1).
وهو من ولد الصدّيقة الزهراء بنت رسول الله، وتاسع ولد الإمام الحسين بن علي، وابن الإمام الحسن العسكري سلام الله عليهم أجمعين(2).
وهو الشخصية الالهيّة المعيَّنة والمصلح العالمي الموعود، الذي وُلد في ليلة النصف من شعبان في سنة 256 هجرية(3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ثبت ذلك في أحاديث الفريقين، فمن الخاصة في مثل كمال الدين وكفاية الأثر، ومن العامة في مثل الصواعق المحرقة وتذكرة الخواص، كما تلاحظه بنصوصه وعناوينه في منتخب الأثر: ص 182 - 187.
وسيأتي أن هذا هو الصحيح؛ واما ما في بعض كتب العامة أن اسم ابيه اسم أب الرسول فهي زيادة محرقة.
(2) وقد تظافرت أحاديث الفريقين في هذا النسب المبارك، ففي كتب الخاصة مثل الغيبة للشيخ الطوسي والبيان للسيد المرتضى وكشف الغمة للأربلي، وفي كتب العامة مثل المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري والبيان للكنجي الشافعي وينابيع المودة للقندوزي، كما تلاحظه بأحاديثه ومصادره في منتخب الأثر: ص 191، 195، 226.
(3) وهذا من مسلمات الخاصة، بل صرحت به طائفة كثيرة من اعلام العامة، امثال الشافعي وابن حجر وابن الصباغ والقندوزي والشبلنجي وابن خلكان وابن الوردي وغيرهم في كتبهم؛ وتلاحظ نصوص كلماتهم في 65 كتاب من مؤلفاتهم مجموعة في منتخب الأثر: ص 34 - 347.
وهو حيٌّ موجود يعيش في رعاية الله، وغائب عن الأبصار الى يوم عيّنه الله، ليظهره بقدرته الباهرة وإرادته القاهرة على كل الأديان وجميع الأماكن والبلدان، فيملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً(4).
وهذه العقيدة المقدّسة ثابتة بالدليل القطعي الفاصل والبرهان العلمي الكامل، كما يأتي بيانه.
فلا مجال للتشكيك في أصل ولادته، كما يبدو من بعض المغرضين(5).
ولا وجه لاستبعاد طول عمره الشريف أو غيبته، كما قد يتساءل عنه البعض الآخرين.
ولا موجب لتردد في كيفية إقامة دولته أو غلبته قبال هذه الأسلحة العصرية، كما قد يلوح في أذهان بعض من الشباب.
يدلنا على ذلك ويكشف لنا ما هنالك دراسة الفصول الآتية، التي نبيّنها تباعاً ونوضّحها إشباعاً؛ مستدلّين فيها ومثبتين لها بعون الله تعالى بدليل:
الآيات القرآنية الزاهرة؛ والأحاديث المعصوميّة المتواترة؛ والإدراكات الوجدانية المتناصرة.
بحيث يتجسّد منها أن هذه العقيدة العصماء، حقيقة ثابتة إسلامية، وممتدة من الرسالة الإلهية، لا تنفك عن الدين وشريعة سيد المرسلين صلوات الله عليه وآله الطاهرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) وهذا وارد أيضاً في أحاديث الفريقين المذكورة في مثل كمال الدين من كتب الخاصة وينابيع المودة من كتب العامة، تلاحظ نقل نصوصها في منتخب الأثر: ص 247 - 250؛ نحيل القارئ الكريم اليه رعاية للاختصار.
(5) الخطوط العريضة: ص 16. الشيعة وأهل السنة: ص 56.
أما أصل وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وتولّده المبارك - الذي نحن بصدده في هذا الفصل - فيدلّنا على ذلك النقاط الاساسية الثلاثة التالية:
1 - التنصيص عليه.
2 - تظافر الأخبار بولادته.
3 - تواتر النقل على رؤيته.
نبيّنها فيما يلي من نقاط الاستدلال:
النقطة الاستدلاليّة الأولى: التنصيص على الإمام المهدي (عليه السلام)
إن الإمام المهدي (عليه السلام) نصّ عليه وبشّر به الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وعلى لسان نبيّه الكريم الذي هو الصادق المصدّق، وفي بيان عترته الطاهرين الذين هم اهل بيت العصمة سلام الله عليهم أجمعين؛ بل بشّرت به الكتب السماويّة السابقة قبل هذا الدين، مما يوجب القطع واليقين به، وعدم بقاء ادنى شكٍّ فيه.
أمّا القرآن الكريم
ففيه آيات كثيرة مفسّرة ومؤوّلة بالإمام المهدي (عليه السلام)، وهي مجموعة 120 آية ذكرت مع أحاديث تفسيرها في كتاب «المحجّة فيما نزل في القائم الحجّة» منها 106 آية مرويّ تفسيرها من طريق الريقين، ذُكرت مع أحاديث تفسير العامة فيها في كتاب «المهدي في القرآن».
ونحن نتبرك من تلك الآيات الباهرات بخمسٍ مباركات، تبشّر بكلّ وضوح بالإمام المنتظر (عليه السلام)، وهي:
1 - قوله تعالى: (ونُريدُ أن نَمُنَّ على الذينَ استُضعِفُوا في الأرضِ ونجعلَهُم أئمّة ونجعلَهُم الوارثين * ونمكّنَ لهم في الأرضِ ونُرِيَ فرعَونَ وهامانَ
وجنودَهما منهُم ما كانوا يحذَرُون)(6).
فان المستضعفين في الأرض في هذه الآية الشريفة مفسرة بآل محمّد سلام الله عليهم وجارية فيهم.
فتبشر الآية بأن الله تعالى يُعزّهم ويمكّن لهم ويُذلَّ أعدائهم بالإمام المهدي (عليه السلام)، كما تلاحظه في أحاديث تفسير الفريقين.
1. في كتاب الغيبة بإسناده الى أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى: (ونُريد أن نمنَّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلَهُم أئمة ونجعلَهُم الوارثين)، قال: «هم آل محمد، يبعث الله مهديّهم بعد جهدهم فيُعزّهم ويُذلّ عدوّهم».
ثم قال شيخ الطائفة: والأخبار في هذا المعني أكثر من أن تُحصى(7).
2. في معاني الأخبار بسنده الى الامام الصادق (عليه السلام): «ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نظر الى عليّ والحسن والحسين (عليهم السلام) فبكى وقال: أنتم المستضعفون بعدي.
قال المفضل: فقلت له: ما معنى ذلك يا بن رسول الله؟
قال: معناه أنكم الأئمّة بعدي، إن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (نُريدُ أن نمنَّ على الذين استُضعفوا في الأرضِ ونجعلَهُم أئمة ونجعلَهُم الوارثين). فهذه الآية جارية فينا الى يوم القيامة»(8).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) سورة القصص: الآية 5، 6.
(7) الغيبة: ص 113.
(8) معاني الأخبار: ص 79 ح 1. وجاء هذا الحديث أيضاً بأسانيد عديدة في كتب العامة، مثل شواهد التنزيل (للحاكم الحسكاني): ج 1 ص 430، وحكى مصادرها عنهم في احقاق الحق: ج 14 ص 623.
3. في تفسير البرهان في حديث الطبري، بسنده الى سلمان، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
«ان الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيّاً ولا رسولاً الا جعل له اثني عشر نقيباً.
فقلت: يا رسول الله، لقد عرفتُ هذا من أهل الكتابين.
فقال: يا سلمان، هل علمت مَن نقبائي، ومَن الاثنى عشر الذين اختارهم الله للإمامة من بعدي؟.
فقلت: الله ورسوله اعلم.
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فأطعته، وخلق من نوري علياً ودعاه فأطاعه، وخلق من نور علي (عليه السلام) فاطمة (عليها السلام) فدعاها فأطاعته، وخلق مني ومن علي وفاطمة الحسن (عليه السلام) فدعاه فأطاعه، وخلق مني ومن علي وفاطمة الحسين (عليه السلام) فدعاه فأطاعه.
ثم سمانا الله بخمسة اسماء من اسمائه فالله المحمود وانا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والله الاعلى فهذا علي (عليه السلام)، والله الفاطر فهذه فاطمة (عليها السلام)، والله الاحسان وهذا الحسن (عليه السلام)، والله المحسن وهذا الحسين (عليه السلام).
ثم خلق منا ومن نور الحسين (عليه السلام) تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوه، قبل ان يخلق الله سماء مبنية ولا ارضاً مدحية ولا ملكاً ولا بشراً دوننا، وكنّا نوراً نسبح الله ونسمع له ونطيع.
قال سلمان: فقلت: يا رسول الله بابي انت وامي، فما لمن عرف هؤلاء؟
فقال: يا سلمان، من عرفهم حق معرفتهم واقتدى بهم ووالى وليّهم وتبرأ من عدوّهم، فهو والله منا يرد حيث نرد ويسكن حيث نسكن.
فقلت: يا رسول الله، فهل يكون ايمان بهم بغير اسمائهم وانسابهم، فاني قد عرفت الى الحسين (عليه السلام)؟
قال: ثم سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام)، ثم ابنه محمد بن علي باقر علم الاولين والآخرين من النبيّين والمرسلين (عليهم السلام)، ثم جعفر بن محمد (عليه السلام) لسان الله الصادق، ثم موسى بن جعفر الكاظم غيظه (عليه السلام) صبراً في الله (عزَّ وجلَّ)، ثم علي بن موسى الرضا لأمر الله (عليه السلام)، ثم محمد بن علي المختار من خلق الله (عليه السلام)، ثم علي بن محمد الهادي الى الله (عليه السلام)، ثم الحسن بن علي الصامت الأمين لسرّ الله (عليه السلام)، ثم محمد بن الحسن الهادي المهدي الناطق القائم بحق الله (عليه السلام).
ثم قال: يا سلمان، انك مدركه ومن كان مثلك ومن توالاه بحقيقة المعرفة.
قال سلمان: فشكرت الله كثيراً، ثمّ قلت: يا رسول الله، وانى مؤجّل الى عهده؟
قال: يا سلمان، اقرا: (فاذا جاء وعدُ اُوليُهما بعثنا عليكم عباداً لنا اولي بأس شديد فجاسوا خلالَ الديارِ وكان وعداً مفعولاً * ثمَّ رددنا لكم الكرّةَ عليهم وامددناكُم بأموال وبنينَ وجعلناكُم اكثرَ نفيراً).
قال سلمان: فاشتد بكائي وشوقي، ثمّ قلت: يا رسول الله، بعهد منك؟
فقال: اي والله الذي ارسل محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالحق، مني ومن علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة (عليهم السلام)، وكل من هو منا ومضام فينا. اي والله يا سلمان، وليحضرنّ ابليس وجنوده وكل من محّض الايمان محضاً ومحض الكفر محضاً، حتى يؤخذ بالقصاص والأوتار والاثوار ولا يظلم ربك احداً، وتُحقَّقَ تأويل هذه الآية: (ونُريدُ أن نمنَّ على الذينَ استُضعِفُوا في الأرضِ ونجعلَهم أئمّة ونجعلَهُم الوارثين * ونمكّنَ لهم في الأرضِ ونُرِيَ فرعَونَ وهامانَ وجنودَهما منهُم ما كانوا يحذَرُون).
قال سلمان: فقمت بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وما يبالي سلمان متى لقى
الموت أو الموت لقيه»(9).
4. في نهج البلاغة قال (عليه السلام):
«لَتَعطِفَنَّ الدُّنيا علينا بعدَ شَماسِها عَطفَ الضَّروسِ على وَلَدِها، وتلا عقيب ذلك: (ونُريدُ أن نمنَّ على الذينَ استُضعِفُوا في الأرضِ ونجعلَهم أئمّة ونجعلَهُم الوارثين)»(10).
قال الشيباني - من العامة - في كشف البيان: «رُوي في اخبارنا عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما السلام)، أن هذه الآية مخصوصة بصاحب الأمر ويبيد الجبابرة والفراعنة ويملك الأرض شرقاً وغرباً فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً.
روى عن الباقر والصادق (عليهما السلام) أن فرعون وهامان هنا شخصان من جبابرة قريش، يحييهما الله تعالى عند قيام القائم من آل محمد (عليه السلام) في آخر الزمان فينتقم منهما بما أسلفا»(11).
وجاء في شرح النهج للمعتزلي بعد الكلام العلوي الشريف المتقدم قوله:
«واصحابنا يقولون إنه وعد بإمام يملك الأرض ويستولي على الممالك»(12).
وفي مجمع البيان: «وقد صحت (هذه) الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها وتلا عقيب ذلك: (ونُريدُ أن نمنَّ على الذينَ استُضعِفُوا في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) تفسير البرهان: ج 2 ص 787.
(10) نهج البلاغة. رقم الحكمة 209.
(11) حكاه عن كشف البيان في: تفسير البرهان: ح 2 ص 787.
(12) شرح النهج: ج 19 ص 29.
الأرضِ...) الآية»(13).
وفي المنهاج: «الاتفاق على صدور هذه الجملة منه (عليه السلام)، ودلالتها على اعتقاد الامامية قطعية لأن التعبير بلفظ علينا صريح في أهل البيت، خصوصاً بقرينة الآية التي تلاها (عليه السلام)»(14).
ولمزيد التوضيح للآية الشريفة نقول:
المستضعفون في الأرض هم آل محمّد سلام الله عليهم أجمعين لصريح قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «انتم المستضعفون بعدي»، كما في حديث المفضل المتقدم، وقد استضعفهم الناس من يوم فارق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الحياة، فانفتحت عليهم أبواب الظلم والهضم والمصائب والنوائب.
غصبوا حقهم وشرّدوهم واسروهم وسجنوهم ومنعوهم، حتى عن شرب الماء، وقتلوهم ثم أهدوا رؤوسهم الى الأشقياء.
فهل المحن الا التي اصابتهم والمصائب ال التي عمّتهم؟
وهل استُضعف أحدٌ أكثر منهم، بالرغم من قوتهم الإلهية وجلالتهم المعنوية وقدرتهم الربانية؟
في حديث المنهال بن عمرو أنه لقى الامام السجاد (عليه السلام) فقال له: كيف اصبحت يا بن رسول الله؟
قال: «ويحك، أما آنَ لك أن تعلم كيف أصبحت؟ أصبحنا في قومنا مثل بني اسرائيل في آل فرعون؛ يذبّحون أبناءنا ويستحيون نساءنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) مجمع البيان: ج 7 ص 239.
(14) منهاج البراعة: ج 21 ص 280.
واصبح خير البريّة بعد محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يُلعن على المنابر، وأصبح عدوّنا يُعطى المال والشرف.
واصبح من يحبّنا محقوداً منقوصاً حقّه، وكذلك لم يزل المؤمنون.
وأصبحت العجم تعرف للعرب حقّها بأن محمّداً كان منها، وأصبحت العرب تعرف لقريش حقّها بأنّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان منها، واصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان منها، وأصبحنا أهلَ البيت لا يُعرف لنا حقّ؛ فهكذا أصبحنا يا منهال»(15).
وعلى صعيد هذه المظلومية بشّرهم الله تعالى بانّه سيتفضل عليهم ويجعلهم ورثه الأرض، ويمكّن لهم حكومة الكرة الأرضية ومَن عليها وما عليها، فقال عزّ من قائل: (ونُريدُ أن نمنَّ على الذينَ استُضعِفُوا في الأرضِ...) الخ.
لذلك جاء في تفسير علي بن ابراهيم القمي عند هذه الآية المباركة قوله: «أخبر الله نبيّه بما لقي موسى وأصحابه من فرعون من القتل والظلم، ليكون تعزيه له فيما يصيبه في أهل بيته من امّته.
ثم بشّره بعد تعزيته انه يتفضّل عليهم بعد ذلك ويجعلهم خلفاء في الأرض وائمة على امته، ويردّهم الى الدنيا مع اعدائهم، حتى ينتصفوا منهم فقال: (ونُريدُ أن نمنَّ على الذينَ استُضعِفُوا في الأرضِ ونجعلَهم أئمّة ونجعلَهُم الوارثين * ونمكّن لهم في الأرض ونُرِيَ فرعَونَ وهامانَ وجنودَهما)، وهم الذين غصبوا آل محمد حقّهم وقوله «منهم» أي من آل محمّد. «ما كانوا يحذرون» اي من القتل والعذاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) كنز الدقائق: ج 10 ص 31.
ولو كانت هذه الآية نزلت في موسى وفرعون لقال: ونري فرعون وهامان وجنودهما منه ما كانوا يحذرون؛ اي من موسى، ولم يقل منهم.
فلمّا تقدم قوله: (ونُريدُ أن نمنَّ على الذينَ استُضعِفُوا في الأرضِ ونجعلَهم أئمّة ونجعلَهُم الوارثين)، علمنا ان المخاطبة للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وما وعد الله به رسوله فإنما يكون بعده والأئمة يكونون من ولده.
وإنما ضرب الله هذا المثل لهم في موسى وبني اسرائيل، وفي أعدائهم بفرعون وهامان وجنودهما فقال: إن فرعون قتل بني اسرائيل وظلمهم فأظفر الله موسى بفرعون واصحابه حتى اهلكهم الله، وكذلك اهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اصابهم من اعدائهم القتل والغصب. ثم يردّهم الله ويردّ اعدائهم الى الدنيا حتى يقتلوهم»(16).
وقد تلا هذه الآية المباركة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد كلمته الحكيمة في حكومة الامام المهدي (عليه السلام) «لتعطفن...» إشارةً الى تفسيرها بها.
توضيح كلمته الحكيمة:
«لتعطفنّ» من العطف بمعنى الحنان، يقال: عَطَفَت الناقة على ولدها اي حنّت عليه ودَرَّ لبنُها له.
و«الشَماس» بمعنى الاستعصاء، مصدر شَمس. الفرس اذا استعصى على راكبه ومنع ظهره من الركوب.
و«الضَّروس» الناقة سيئة الخُلق تعضّ طالبها، وذلك ليبقى لبنها لولدها لفرط شفقتها عليه.
ويبيّن الامام (عليه السلام) بهذه الجملة أن الدنيا ستقبل بالتأكيد على أهل البيت (عليهم السلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16) تفسير القمي: ج 2 ص 133.
بعد الجفاء الطويل والمكروه الكثير، إقبالاً شفيقاً فتخضع لهم بعد تمرّدها، وتنقاد لهم بعد عصيانها؛ إشارةً الى دولتهم المظفرة وحكومتهم المنتصرة.
وما أحلاه من كلام سيد الأوصياء، المدعَم بقول رب الأرض والسماء، وكفى به دليلاً صدقاً في صدق.
وقد ورد في حديث آخر قَسَمَ الامام على إقبال الدنيا على أهل البيت (عليهم السلام) ففي حديث الكنز بسنده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال:
«والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لتعطفنّ علينا هذه الدنيا كما تعطف الضروس على ولدها»(17).
2 - قوله تعالى: (وَعَدَ اللهُ الذينَ آمنُوا منكُم وعَمِلوا الصالحاتِ لَيَستخلِفَنَّهُم في الأرضِ كما استخلَفَ الذين من قَبلِهم وليُمكِنَنَّ لهُم دينَهُم الذي ارتَضى لهُم وليُبدّلنَّهُم من بعدِ خوفِهم أمناً يعبدونني لا يُشركونَ بي شيئاً ومَن كَفَرَ بعدَ ذلكَ فأولئكَ هُم الفاسقون)(18).
وهذه الآية الشريفة أيضاً مؤوّلة بالإمام المهدي وعصره الذهبي، فإنها وعدٌ للمؤمنين الصالحين باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم الاسلامي المرضيّ وتبديل حالة خوفهم الى حالة الأمن والأمان؛ يعبدون الله تعالى بلا خوف ويتجاهرون بالحق الصريح بلا تقية.
وهذا وعدٌ إلهي، فهو صادق لا خُلف فيه، ومؤكد بلام القسم ونون التأكيد، فهو واقع لا تردد فيه.
فانك تلاحظ الكلمات الثلاثة: «ليستخلفنّهم» و«ليمكننّ لهم»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(17) البحار: ج 24 ص 170 ب 49 ح 6.
(18) سورة النور: الآية 55.
و«ليبدلنّهم»، مُصدّرة في اولها باللام، وملحوقة في آخر كل فعل بنون التأكيد المثقّلة، وهو تأكيد في تأكيد ممن لا يخلف الوعد بالتأكيد.
قال في مجمع البيان:
«ليستخلفنّهم، جواب قسم يدل عليه قوله: «وَعدَ الله...»، لأن وعده سبحانه كالقسم»(19).
وقال في اعراب القرآن الكريم: «(وعد الله الذين آمنوا...)... الخ، كلام مستأنف مسوق لتقرير المصير للمؤمنين الذين يعملون الصالحات والتمكين لهم في الأرض، و«وعد الله الذين» فعل وفاعل ومفعول به، وجملة «آمنوا» صلة، و«منكم» حال، و«عملوا الصالحات» عطف على آمنوا ومفعول وعد الثاني محذوف تقديره الاستخلاف، لدلالة قوله «ليستخلفنّهم» عليه، واللام جواب قسم مضمر، أي أقسم ليستخلفنّهم، و«في الأرض» متعلقان بيستخلفنهم، ولك أن تنزل وَعَدَ منزلة أقسم، فتلقى بما يتلقى به القسم»(20).
ومن المعلوم أن مقتضى التعبير بالوعد في الآية الشريفة أن الموعود به يكون في المستقبل ولم يكن محققا حين نزول الآية والا لم يكن وَعداً.
وبديهي أنه لم يتحقق هذا الوعد الالهي الميمون منذ فجر الإسلام الى يومنا هذا، كما يتضح ذلك بمراجعة تاريخ الماضي من الأزمان، وملاحظة المجتمعات المعاصرة في هذا الزمان، فما هو الموعود؟
تصرّح أحاديثنا المتضافرة أن هذه الآية الشريفة تشير الى عصر الإمام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(19) مجمع البيان: ج 7 ص 151.
(20) اعراب القرآن الكريم: ج 6 ص 642.
المهدي (عليه السلام) فيما تلاحظه في كتب التفاسير.
ففي البرهان مسنداً الى جابر، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال:
«تلا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (وَعَد اللهُ الذينَ آمنوا منكم وعملوا الصالحاتِ ليستخلفنَّهم في الأرضِ كما استَخلفَ الذينَ مِن قبلِهم وليُمكننَّ لهم دينَهُم الذي ارتضى لهم وليبدّلنَّهُم من بعدِ خوفِهم أمناً).
فقال جندل (بن جنادة بن جبير): ما خوفهم؟
قال: يا جندل، في زمن كل واحد منهم سلطان يعيّره ويؤذيه. فاذا عجّل الله خروج قائمنا، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
ثم قال: طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محبّتهم، اولئك من وصفهم الله في كتابه فقال: (الذين يؤمنونَ بالغيب).
ثم قال: اولئك حزبُ اللهِ ألا إن حزبَ الله هم الغالبون...»(21).
وجاء في كنز الدقائق:
1 - بسند الشيخ الصدوق الى الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال:
«وكذلك القائم، فإنّه تمتدّ أيّام غيبته ليصرح الحقّ عن محضه، ويصفو الإيمان من الكدر، بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الذين يخشى عليهم النفاق، إذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم صلوات الله عليه.
قال المفضّل: فقلت: يا بن رسول الله، فإنّ هذه النواصب تزعم أنّ هذه الآية - اي قوله تعالى: - «وعد الله...» - نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ (عليه السلام).
فقال: لا يهدي الله قلوب الناصبة! متى كان الدين الذي ارتضاه الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) البرهان ج 2 ص 741.
ورسوله، متمكّناً بانتشار الأمن في الامّة، وذهاب الخوف من قلوبها، وارتفاع الشك من صدورها؟ في عهد واحد من هؤلاء، وفي عهد عليّ؟! مع ارتداد المسلمين والفتن التي تثور في أيّامهم والحروب التي كانت تنشب بين الكفّار وبينهم».
2 - وفي حديث الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ويقترب الوعد الحق الذي بيّنه الله في كتابه بقوله: (وعدَ اللهُ الذينَ آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنَّهم في الأرضِ كما استَخلفَ الذين من قبلِهم).
وذلك إذا لم يبق من الإسلام إلاّ اسمه، ومن القرآن الا رسمه، وغاب صاحب الأمر بإيضاح الغدر له في ذلك، لاشتمال الفتنة على القلوب، حتى يكون أقرب الناس إليه أشدّهم عداوة له، وعند ذلك يؤيّده الله بجنود لم تروها، ويظهر دين نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على يديه على الدين كلّه ولو كره المشركون».
3 - وفي حديث الآيات الباهرة، بسنده عن عبد الله بن سنان.
قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَعَدَ اللهُ الذينَ آمنوا منكُم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرضِ كما استَخلفَ الذين من قبلهم).
قال: «نزلت في عليّ بن أبي طالب والأئمّة من ولده (عليهم السلام).
(وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون).
قال: عني به ظهور القائم (عليه السلام)»(22).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22) كنز الدقائق: ج 9 ص 337.
وفي جوامع الجامع، في حديث المقداد [عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)]:
«لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الاسلام بعزّ عزيز أو ذلّ ذليل. إما أن يعزّهم الله فيجعلهم من أهلها، وإمّا أن يذلّهم فيدينون لها»(23).
وفي مجمع البيان:
«والمروي عن أهل البيت (عليهم السلام) أنها في المهدي من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)... وعلى هذا اجماع العترة الطاهرة، واجماعهم حجة لقول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض».
وأيضاً فان التمكين في الأرض على الاطلاق لم يتفق فيما مضى فهو منتظر لأن الله (عزَّ وجلَّ) لا يخلف وعده»(24).
ورواها في أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً الحاكم الحسكاني من العامة(25).
فالآية المباركة بشارة من الله العلي بدولة الإمام المهدي (عليه السلام).
3 - قوله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أنَّ الأرضَ يَرثُها عبادِيَ الصالحُون)(26).
هذه الآية الشريفة أيضاً بشارة بالإمام المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه).
فإنها وعدٌ من الله أصدق الصادقين، مكتوبٌ في الزبور، مستعمل بكلمة «لقد» التحقيقية، و«أنّ» التأكيدية، بأن الكرة الأرضيّة يرثها عبادُ الله الصالحون؛ عباده المنسوبون اليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) جوامع الجامع ص 312.
(24) مجمع البيان: ج 7 ص 152.
(25) شواهد التنزيل: ج ص 412.
(26) سورة الأنبياء: الآية 105.
روى في التبيان، «عن أبي جعفر (عليه السلام): «إن ذلك وعدٌ للمؤمنين بأنهم يرثون جميع الأرض»(27).
كما فسّر العباد الصالحون بأصحاب الامام المهدي (عليه السلام)، حيث تنتقل اليهم الأرض.
قال في مجمع البيان: قال أبو جعفر (عليه السلام): «هم أصحاب المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان»(28).
وروى في كنز الدقائق:
1. حديث الآيات الباهرة، بسنده عن الإمام الباقر (عليه السلام)، أنه قال: «قوله (عزَّ وجلَّ): (انّ الأرضَ يرثها عبادي الصالحون)، هم آل محمد صلوات الله عليهم».
2. بسنده الى أبي صادق قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله الله (عزَّ وجلَّ): (ولقد كتبنا في الزبور) الآية.
قال: «نحن هم.
قال: قلت: (إنّ في هذا لبلاغاً لقوم عابدين).
قال: هم شيعتنا».
3. بسنده عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «قوله (عزَّ وجلَّ): (انّ الأرض يرثها عبادي الصالحون) هم أصحاب المهديّ (عليه السلام) آخر الزمان»(29).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) التبيان: ج 7 ص 284.
(28) مجمع البيان: ج 7 ص 66.
(29) كنز الدقائق: ج 8 ص 483.
فالآية الشريفة إذن مفسرة بالإمام المهدي (عليه السلام).
4. قوله تعالى: (هُو الذي أرسَلَ رسُولَهُ بالهُدى ودينِ الحقِّ ليُظهِرَهُ على الدينِ كُلِّه ولو كَرِهَ المشركُون)(30).
من البشارات بالإمام الحجّة المهدي (عليه السلام) هذه الآية الشريفة التي تكرّرت في القرآن الكريم ثلاث مرّات، مما يدل على أهميّة الموضوع والاهتمام به.
فقد جاءت في سورة التوبة، الآية 33، وفي سورة الفتح، الآية 28، وفي سورة الصف، الآية 9.
وتبيّن هذه الآية المباركة أن الارادة الالهيّة - التي لا تتخلف - قد تعلقت بإظهار دين الاسلام على الدين كله، أي يعلو ويغلب الإسلام على جميع الأديان، حتى لا يبقى على وجه الأرض دين الا مغلوباً مقهوراً.
ومن المعلوم أنّه لم يتحقق بَعدُ هذه الغلبة على وجه البسيطة مع وجود هذه المذاهب الباطلة، والا لم يبق في الأرض يهودي ولا مسيحي ولا كافرٌ آخر.
وانما تتحقق هذه الغلبة في عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، كما أخبرت به الأحاديث المعتبرة من طريق الخاصة والعامّة.
ففي كنز الدقائق بأسانيد عديدة:
1. عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في هذه الآية: «والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم (عليه السلام)، فإذا خرج القائم، لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلاّ كره خروجه، حتّى لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة، لقالت: يا مؤمن، في بطني كافر فاكسرني
واقتله»(31).
2. عن عبد الرحمن بن سليط قال: قال الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام):
«منّا اثنا عشرة مهديّاً؛ أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي وهو القائم بالحقّ؛ يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به الدين الحقّ [على الدين كلّه] ولو كره المشركون».
3. عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي (عليهما السلام) يقول: «القائم منّا منصور بالرعب، مؤيّد بالنصر، تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله (عزَّ وجلَّ) به دينه على الدين كلّه «ولو كره المشركون». فلا يبقى في الأرض خراب إلاّ عُمّر، وينزل روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) فيصلّي خلفه»(32).
4. عن محمد بن الفضيل عن الامام الكاظم (عليه السلام)؛ قال: قلت: (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق).
قال: «هو الذي أرسله [أمر رسوله] بالولاية لوصيّه، والولاية هي دين الحق.
قلت: «ليظهره على الدين كلّه».
قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم. قال: يقول الله: «والله متمّ [نوره]» ولاية القائم، «ولو كره الكافرون» بولاية عليّ(33).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) سورة التوبة: الآية 33.
(31) كنز الدقائق: ج 5 ص 445.
(32) كمال الدين: ص 331 ب 32 ح 16.
(33) البحار: ج 51 ص 60 ب 5 ح 59.
5. عن سماعة، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال:
«اذا خرج القائم لم يبق مشرك بالله العظيم ولا كافر الا كره خروجه»(34).
6. عن مجاهد، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قال: «لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملّة الاّ صار الى الاسلام...؛ وذلك يكون عند قيام القائم (عليه السلام)».
حكاه في تفسير البرهان(35).
7. وفي مجمع البيان، قال أبو جعفر (عليه السلام):
«ان ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلا يبقى أحد الا أقر بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)» وهو قول السدى.
وقال الكلبي: «لا يبقى دين الاظهر (عليه السلام) وسيكون ذلك»(36).
8. عن النبي الاكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال:
«تُملأ الأرض من الاسلام، ويُسلب الكفار ملكُهم، ولا يكون ملك إلا الاسلام، وتكون الأرض كفاثور الفضة»(37) أي كالصفحة البيضاء النقيّة الفضيّة.
9. وفي حديث آخر:
«ليدخلنَّ هذا الدين على ما دخل عليه الليل»(38).
10. وفي ينابيع المودّة للقندوزي، قال (عليه السلام):
«والله ما يجيء تأويلها حتى يخرج القائم المهدي (عليه السلام). فاذا خرج لم يبق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(34) تفسير البرهان: ج 1 ص 420.
(35) تفسير برهان: ج 2 ص 1113.
(36) مجمع البيان: ج 5 ص 25.
(37) الملاحم والفتن: ص 173.
(38) المجازات النبوية: ص 419.
مشرك الا كره خروجه...»(39).
5 - قوله تعالى: (وقُل جاءَ الحقُّ وزَهقَ الباطلُ إنَّ الباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(40).
وهذه الآية الشريفة أيضاً ورد تأويلها ببقيّة الله المهدي (عليه السلام).
وهي تبين وتبشر بظهور الحق، وزهوق الباطل اي اضمحلاله وهلاكه...، والزهوق هو الهلاك والبطلان. يقال: زهقت نفسه، اذا خرجت فكأنه قد خرجت الى الهلاك(41).
ومن الواضح أنّ المصداق الأتم لظهور الحق والاسلام، وهلاك الباطل والكفر، هو في عصر الإمام المهدي (عليه السلام).
وقد أشارت الأحاديث الشريفة الى هذا التأويل.
ففي كنز الدقائق:
1. حديث عاصم بن حميد، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: (وقل جاء الحقّ وزهقَ الباطل).
قال: «اذا قام القائم ذهبت دولة الباطل».
2. حديث السيدة حكيمة - اخت الامام الهادي (عليه السلام) - جاء فيه:
«ولما وُلد القائم كان نظيفاً مفروغاً منه، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب: (جاء الحقُّ وزهقَ الباطلُ إن الباطلَ كان زهوقاً)»(42).
فالقرآن الكريم مبشرٌ بوليّ الله الأعظم الامام الحجّة بن الحسن (عليه السلام)، ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(39) المهدي في القرآن: ص 62. ينابيع المودة: ص 423.
(40) سورة الإسراء: الآية 81.
(41) مجمع البيان: ج 6 ص 491.
(42) كنز الدقائق: ج 7 ص 491.
يمكن التخلّف في بشارة القرآن الكريم أبداً، فلابد من وجوده قطعاً.
وفي الكتب السماوية الاُخرى سُجلت أيضاً البشارة بالإمام المهدي (عليه السلام)، كما نوّهت عنه آية الزبور المتقدمة.
وقد اُحصيت البشارات الالهية الاُخرى في كتاب الزام الناصب 36 بشارة(43) من ذلك:
1 - ما في التوراة، سِفر التكوين، الفصل السابع عشر، الآية العشرين، ما ترجمته بالعربية لخطاب الله تعالى: «يا إبراهيم، انا قد سمعنا دعاءك وتضرّعك في اسماعيل(44)، فباركتُ لك فيه، وسأرفع له مكاناً رفيعاً، ومقاماً عليّاً، وسأُظهر منه اثنَي عشر نقيباً...، وستكون له أمة عظيمة».
2 - ما في الزبور، السِفر الواحد والسبعين، بعد الدعاء للإمام المنتظر (عليه السلام) ما ترجمته بالعربية:
«وسيظهر في دولته حجة، ويزيد العدل والقسط، الى أن يزول القمر (اي يوم القيامة)، ويحكم من البحر الى البحر ومن الوادي الى جميع ما على وجه البسيطة، وتنعطف(45) له العالم...»(46).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(43) الزام الناصب: ج 1 ص 115.
(44) راجع أحاديث تفسير قوله تعالى: (رب هب لي من الصالحين فبشّرناه بغلام حليم)، وقد عمّر اسماعيل 137 سنة وبارك الله تعالى فيه وفي أولاده.
(45) «العطوفة» هي الاشفاق على الشيء والميل اليه والحنان عليه، وتكون عند غاية المحبّة.
(46) لاحظ بشائر الكتب السماوية في العبقري الحسان: ج 1 ص 16.
وأمّا السنّة المباركة
ففي الأحاديث المتواترة العلمية، جاء التنصيص الصريح على الإمام المهدي (عليه السلام) والبشارة به، على لسان نبيّه وعترته (عليهم السلام).
وقد ذكرت في مئات الأحاديث بمضامين عديدة أحصيت 65 مضموناً في فهرست احقاق الحق(47).
وهي مروية من طريق الفريقين باسانيد كثيرة عن ثلة من الأصحاب.
أما من طرق الخاصة، فهي أخبار متواترة قطعية مذكورة في مجامع حديثهم وكتبهم المعتبرة؛ حتى التي كُتبت قبل ولادة الامام المهدي (عليه السلام) مثل: كتاب سليم بن قيس الهلالي، والحسن بن محبوب. وكتاب المهدي لعيسى بن مهران، والغيبة لعبد الله بن جعفر الحميري، والغيبة لمحمد بن قاسم البغدادي، وأخبار القائم لعلان الرازي، وأخبار المهدي للجلودي المتوفى سنة 332 هجرية، والغيبة للنعماني، والغيبة للحسن بن حمزة المرعشي، ودلائل خروج القائم لعلي بن الحسن الصفاري البصري، وأخبار القائم (عليه السلام) لأحمد بن محمد الجرجاني، والشفاء والجلاء لأحمد بن علي الرازي، وترتيب الدولة لأحمد بن الحسين المهراني، وذكر القائم لأحمد بن رميح المروزي، وكمال الدين للشيخ الصدوق، والغيبة لابن الجنيد، والغيبة للشيخ المفيد، والغيبة للسيد المرتضى، والغيبة للشيخ الطوسي، والتاج الشَرَفي للسعد آبادي معاصر السيد المرتضى، كتاب ما نزل في القرآن في صاحب الزمان (عليه السلام) لعبد الله بن عياش، والفَرَج الكبير لمحمد بن هبة الله الطرابلسي تلميذ الشيخ الطوسي، وغيرها(48).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(47) فهرست احقاق الحق: ص 605.
(48) امامت ومهدويت: ج 3 قسم 1 ص 39.
وأما من طرق العامة، فهي متواترة قطعية أيضاً ومذكورة في صحاحهم ومسانيدهم.
وقد صرّح بتواترها جماعة من أعلامهم، مثل: الشبلنجي في نور الأبصار، وابن حجر في الصواعق، والكنجي الشافعي في البيان، والصبّان في اسعاف الراغبين، والحافظ في فتح الباري، وزيني دحلان في الفتوحات الاسلامية، والشوكاني في التوضيح، والناصف في غاية المأمول، وابي الطيّب في الإذاعة، والكتّاني في نظم المتناثر، والكوثري في النظرة العابرة، والأسنوي في المناقب وغيرهم(49).
وقد وردت تلك الأحاديث في كتب مشاهير علماءهم الذين تلاحظ ذكرهم في الكتب الجامعة لهم، مثل:
صحيح البخاري، وصحيح مسلم، ومسند احمد بن حنبل، وسنن ابي داود، وسنن النسائي، وفرائد السمطين للحمودي، وكنز العمال للمتقي الهندي، وينابيع المودّة للقندوزي، وسنن البيهقي، وتفسير الفخر الرازي، وتفسير الثعلبي، والدر المنثور للسيوطي، ومصابيح السنة للبغوي، وتيسير الوصل لابن دبيع، ومستدرك الحاكم، وحلية الاولياء لأبي نعيم، واسد الغابة لابن الأثير، والاستيعاب لابن عبد البرّ، وتهذيب الآثار للطبري، والاتحاف للشبراوي، والفصول المهمة لابن الصباغ، والمناقب لابن المغازلي، وغير ذلك(50).
بل في كتبهم المؤلفة في خصوص شأن الامام المهدي (عليه السلام)، نظير:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(49) امامت ومهدويت: ج 3 قسم 1 ص 74.
(50) امامت ومهدويت: ج 3 قسم 1 ص 76.
كتاب البرهان في علامات مهدي آخر الزمان للمتقي، والبيان في اخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي، وعقد الدرر في اخبار الامام المنتظر للدمشقي، ومناقب المهدي (عليه السلام) للحافظ ابي نعيم، والقول المختصر في علامات المهدي المنتظر لابن حجر، والعرف الوردي في اخبار المهدي للسيوطي، ومهدي آل الرسول للهروي الحنفي، والعطر الوردي بشرح قطر الشَهدي للبليسي، وتلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان لابن كمال باشا الحنفي، وإرشاد المستهدي للبكري المدني، واحاديث المهدي لابن بكر بن حيثمة، والأحاديث القاضية بخروج المهدي لمحمد بن اسماعيل اليماني، والهديّة النديّه فيما جاء في فضل الذات المهديّة لأبي المعارف الدمشقي، والجواب المقنع للشنقيطي، وأحوال صاحب الزمان للحمويني، وتحديق النظر في اخبار المنتظر لابن مانع، والرد على من حكم وقضى أن المهدي جاء ومضى للقاري، وعلامات المهدي للسيوطي، والمهدي لابن القيم الجوزيّة، والهدية المهدية لابي الرجاء، وغير ذلك(51).
فأخبار الامام المهدي أرواحنا فداه من الأدلة القطعية والدلائل اليقينية، وهي في الوضوح والاشتهار كالشمس في رائعة النهار.
لذلك قال في تقريب المعارف:
«ومن تأمّل في حال ناقلي هذه الأخبار، عَلِمَهُم متواترين بها على الوجه الذي تواتروا به من نقل النص الجليّ»(52).
وتيمّناً برواياتهم الجميلة وبشاراتهم الجليلة نذكر نموذجاً منها مما بشّر به
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(51) امامت ومهدويت: ج 3 قسم 1 ص 78.
(52) تقريب المعارف: ص 438.
الرسول الاعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بذاته السنيّة او بالأحاديث القدسيّة، وما جاءت من البشارات في الاحاديث المعصومية:
(1) بشارة النبي الأكرم ببقية الله الأعظم
1 - حديث الشيخ الصدوق بسنده الى ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
«لمّا عُرج بي الى ربي جلّ جلاله اتاني النداء: يا محمد!
قلت: لبيك رب العظمة لبيك.
فقال: يا محمّد، هلاّ اتّخذت من الآدميين وزيراً وأخاً ووصيّاً من بعدك؟
فقلت: إلهي، ومن أتّخذ؟ تخيّر لي أنت يا إلهي.
فأوحى الله إليَّ: يا محمّد، قد اخترت لك من الآدميّين عليَّ بن أبي طالب.
فقلت: إلهي، ابن عمّي؟
فأوحى الله إليَّ: يا محمّد، إنَّ عليّاً وارثك ووارث العلم من بعدك وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة وصاحب حوضك، يسقي من ورد عليه من مؤمني اُمّتك.
ثمَّ أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليَّ: يا محمّد، إنّي قد أقسمت على نفسي قسماً حقّاً، لا يشرب من ذلك الحوض مبغضٌ لك ولأهل بيتك وذرّيّتك الطيّبين الطاهرين.
حقّاً أقول يا محمّد: لأدخلنّ جميع امّتك الجنّة إلاّ من أبى من خلقي.
فقلت: إلهي، هل واحد يأبي من دخول الجنّة؟
فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليَّ: بلى.
فقلت: وكيف يأبى؟
فأوحى الله إليَّ: يا محمّد، اخترتك من خلقي، واخترت لك وصيّاً من بعدك، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدك، وألقيت محبّته في قلبك وجعلته أباً لولدك. فحقّه بعدك على أمّتك كحقّك عليهم في حياتك؛ فمن جحد حقّه فقد جحد حقّك، ومن أبي أن يواليه فقد أبي أن يواليك، ومن أبي ان يواليك فقد أبي أن يدخل الجنّة.
فخررت لله (عزَّ وجلَّ) ساجداً، شكراً لما أنعم عليَّ. فإذا منادياً ينادي: ارفع يا محمّد رأسك وسلني أعطك.
فقلت: إلهي، إجمع امّتي من بعدي على ولاية عليّ بن أبي طالب ليردوا جميعاً عليَّ حوضي يوم القيامة.
فأوحى الله تعالى إليَّ: يا محمّد، إنّي قد قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم، وقضائي ماض فيهم. لأهلك به من اشاء وأهدي به من أشاء، وقد آتيته علمك من بعدك، وجعلته وزيرك وخليفتك من بعدك على أهلك وامّتك.
عزيمةً منّي [لأُدخل الجنّة من أحبّه و] لا اُدخل الجنّة من أبغضه وعاداه وأنكر ولايته بعدك.
فمن ابغضه أبغضك، ومن ابغضك أبغضني؛ ومن عاداه فقد عاداك، ومن عاداك فقد عاداني؛ ومن أحبّه فقد أحبّك، ومن أحبّك فقد أحبّني. وقد جعلت له هذه الفضيلة، وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهديّاً، كلّهم من ذرّيّتك من البكر البتول؛ وآخر رجل منهم يصلّي خلفه عيسى بن مريم، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت منهم ظلماً وجوراً. اُنجي به من الهلكة، وأهدي به من الضلالة،
واُبرئ به من العمى، واشفى به المريض...»(53).
2 - وفي حديث المعراج الآخر، بسنده الى المفضل، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:
«قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لمّا اُسري بي إلى السماء، أوحى إليَّ ربّي جلَّ جلاله فقال:
يا محمّد، إنّي أطلعت على الأرض إطاعة فاخترتك منها، فجعلتك نبيّاً وشققت لك من اسمي إسماً، فأنا المحمود وأنت محمّد.
ثمَّ أطلعت الثانية فاخترت منها عليّاً وجعلته وصيّك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذرّيّتك، وشققت له اسماً من أسمائي، فأنا العليُّ الأعلى وهو عليُّ.
وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما.
ثمَّ عرضت ولايتهم على الملائكة، فمن قبلها كان عندي من المقرَّبين.
يا محمّد، لو أنَّ عبداً عبدني حتّى ينقطع ويصير كالشنِّ البالي، ثمَّ أتاني جاحداً لولايتهم فما أسكنته جنّتي ولا أظللته تحت عرشي.
يا محمّد، تحبُّ أن تراهم؟
قلت: نعم يا ربّ.
فقال (عزَّ وجلَّ): ارفع رأسك.
فرفعت راسي وإذا أنا بأنوار عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسين بن علي، وم ح م د بن الحسن، القائم في وسطهم كأنّه كوكب دريٌّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(53) كمال الدين: ص 250 ب 23 ح 1.
قلت: يا ربّ ومن هؤلاء؟
قال: هؤلاء الأئمّة وهذا القائم الذي يحلّل حلالي ويحرّم حرامي، وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين»(54).
3 - وفي حديثة الثالث في المعراج أيضاً، عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن الامام الرضا، عن آبائه (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال:
«فنظرت - وأنا بين يدي ربّي - إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نوراً، في كلّ نور سطر أخضر، مكتوبٌ عليه اسم كلّ وصيّ من أوصيائي. أوّلهم عليُّ بن ابي طالب وآخرهم مهديُّ اُمّتي.
فقلت: يا ربّ، أهؤلاء أوصيائي من بعدي؟
فنوديت: يا محمّد، هؤلاء أوليائي وأحبّائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريّتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك.
وعزّتي وجلالي لأظهرنَّ بهم ديني، ولأعلينَّ بهم كلمتي، ولاُطهّرنَّ الأرض بآخرهم من أعدائي.
ولاُملّكنّه مشارق الأرض ومغاربها، ولاُسخّرنَّ له الرياح، ولأذلّلنَّ له الرقاب الصعاب، ولاُرقينّه في الأسباب، ولأنصرنّه بجندي، ولأمدَّنَّه بملائكتي حتّى يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي.
ثمّ لاُديمنَّ مُلكه ولاُداولنَّ الأيّام بين أوليائي الى يوم القيامة»(55).
4 - وبالسند المتصل الى ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(54) كمال الدين: ص 252 ب 23 ح 2.
(55) كمال الدين: ص 256 ب 23 ح 4.
«إنَّ الله تبارك وتعالى أطلع الى الأرض إطلاعة، فاختارني منها فجعلني نبيّاً. ثمَّ أطلع الثانية، فاختار منها عليّاً فجعله إماماً. ثمَّ أمرني أن أتّخذه أخاً ووليّاً ووصيّاً وخليفةً ووزيراً. فعليُّ منّي وأنا من عليٍّ وهو زوج ابنتي وأبو سبطيَّ الحسن والحسين.
ألا وإنَّ الله تبارك وتعالى جعلني وإيّاهم حججاً على عباده، وجعل من صلب الحسين أئمّة يقومون بأمري، ويحفظون وصيّتي. التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهديُّ اُمّتي. أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله. يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلة، فيعلن أمر الله، ويظهر دين الله (عزَّ وجلَّ)؛ يُؤيّد بنصر الله وبنصر الملائكة فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(56).
5 - وفي حديث علي بن عاصم، عن الامام الجواد، عن آبائه (عليهم السلام)، عن الامام الحسين (عليه السلام)، أنّه قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأبي بن كعب:
«إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) ركّب في صلب الحسن (أي العسكري) نطفة مباركة زكيّة طيّبة طاهرة مطهّرة، يرضى بها كلُّ مؤمن ممّن أخذ الله (عزَّ وجلَّ) ميثاقه في الولاية، يكفر بها كلُّ جاحد.
فهو إمام تقيٌّ نقيٌّ بارٌّ مرضيٌّ هاد مهديٌّ، أوَّل العدل وآخره؛ يصدّق الله (عزَّ وجلَّ) ويصدّقه الله في قوله. يخرج من تهامة حتّى تظهر الدلائل والعلامات، وله بالطالقان كنوز لا ذهبٌ ولا فضّةٌ إلاّ خيولٌ مطهّمة ورجال مسوّمة. يجمع الله (عزَّ وجلَّ) له من أقاصي البلاد على عدد أهل بدر، ثلاثمائه وثلاثة عشر رجلاً.
معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وصنائعهم وكلامهم وكناهم؛ كرّارون مجدّون في طاعته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(56) كمال الدين: ص 257 ب 24 ح 2.
فقال له اُبيٌّ: وما دلائله وعلاماته يا رسول الله؟
قال: له عَلَمٌ إذا حان وقت خروجه، انتشر ذلك العَلم من نفسه، وأنطقه الله تبارك وتعالى، فناداه العَلم: اُخرج يا وليَّ الله فاقتل أعداء الله.
وله رايتان وعلامتان، وله سيف مغمد، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غِمده، وأنطقه الله (عزَّ وجلَّ) فناداه السيف: اُخرج يا وليَّ الله.
فلا يحلُّ لك أن تقعد عن أعداء الله.
فيخرج ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم، ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله.
يخرج وجبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وشعيب وصالح على مقدّمه، فَسَوف تذكرون ما أقول لكم، واُفوّض أمري إلى الله (عزَّ وجلَّ) ولو بعد حين.
يا اُبيُّ، طوبى لمن لقيه، وطوبى لمن أحبّه، وطوبى لمن قال به. ينجيهم الله من الهلكة بالإقرار به وبرسول الله وبجميع الأئمّة؛ يفتح لهم الجنّة. مثلهم في الأرض كمثل المسك يسطع ريحه فلا يتغيّر أبداً، ومثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يطفئ نوره أبداً»(57).
6 - خطبة الغدير المباركة، المروية باسناد عديدة، منها: سند الشيخ الطبرسي، عن علقمة بن محمد الحضرمي، عن الامام الباقر (عليه السلام)، جاء فيها قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
«معاشر الناس، النور من الله (عزَّ وجلَّ) فيَّ مسلوك، ثم في علي، ثم في النسل منه الى القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حقّ هو لنا.
لأنّ الله (عزَّ وجلَّ) قد جعلنا حجّة على المقصرين والمعاندين والمخالفين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(57) كمال الدين: ص 256 ب 24 ح 11.
والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين»(58).
7 - ما تظافر نقله من طريق الفريقين في الحديث المسند عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) انه قال:
«المهدي من ولدي؛ إسمه إسمي وكنيته كنيتي؛ أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً. تكون له غيبة وحيرة حتى تضلّ الخلق عن أديانهم.
فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً(59).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(58) الاحتجاج: ج 1 ص 77. كمال الدين: ص 286 ب 25 ح 1 - 3، 5، 7.
(59) كمال الدين: ص 287 ب 25 ح 3. ينابيع المودة: ص 493. واعلم أن هذا هو المعتبر في لفظ الحديث، ولا عبرة بما ورد من زيادة لفظ: «واسم ابيه اسم ابي» في حديث ابي داود، عن زائدة، عن عاصم، عن زُر، عن عبد الله، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لاختلاله سنداً ومتناً.
اما السند، فلاشتماله على زائدة الذي كان يزيد في الاحاديث عند نفس الجمهور كما حكاه عنهم في كشف الغمة.
واما المتن، فلمخالفته مع الاحاديث المتواترة المصرحة بأن اسم أبيه الحسن (عليهما السلام).
بل هذا الخبر مخدوش حتى عند نفس العامة؛ ففي كتاب البيان للحافظ الكنجي الشافعي: ص 93، جاء ما نصه:
«الأحاديث الواردة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جميعها خالية من جملة واسم ابيه اسم أبي...، وقد ذكر الترمذي الحديث ولم يذكر قوله: واسم ابيه اسم أبي. وفي معظم روايات الحفاظ والثقاة من نقلة الأخبار «اسمه اسمي» فقط....
والقول الفصل في ذلك: أن الامام أحمد مع ضبطه وإتقانه، روى الحديث في مسنده في عدة مواضع: اسمه اسمي».
(2) بشارة أمير المؤمنين (عليه السلام)
1 - ما رواه الشيخ الصدوق بإسناد عديدة، عن كميل بن زياد، قال: أخذ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بيدي فأخرجني الى ظهر الكوفة. فلما أضحى تنفّس ثم قال: «يا كميل، ان هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها. احفظ عني ما أقول لك، الى قوله:
اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم بحجّة؛ [إمّا] ظاهر مشهور، أو خاف مغمور، لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته. وكم ذا وأين اُولئك. أولئك والله الأقلّون عدداً، والأعظمون خطراً. بهم يحفظ الله حججه وبيّناته حتّى يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم. هجم بهم العلم على حقائق الاُمور، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، [و] صحبوا الدُّنيا بأبدان أرواحها معلّقه بالمحلِّ الأعلى.
يا كميل، أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة الى دينه. آه آه شوقاً الى رؤيتهم، وأستغفر الله لي ولكم»(60).
2 - بالإسناد الى سيدنا عبد العظيم الحسني، عن الامام الجواد، عن آبائه الطاهرين، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)، قال:
«للقائم منّا غيبة أمدها طويل. كأنّي بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته؛ يطلبون المرعى فلا يجدونه. الا فمن ثبت منهم على دينه، ولم يقسُ قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(60) كمال الدين: ص 290 ب 26 ح 2.
في درجتي يوم القيامة. ثمّ قال (عليه السلام): إنَّ القائم منّا إذا قام، لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه»(61).
3 - بالإسناد الى الحسين بن خالد، عن الإمام الرضا، عن آبائه الكرام، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) أنه قال لولده الحسين (عليه السلام): «التاسع من ولدك يا حسين، هو القائم بالحقّ، المظهر للدين والباسط للعدل.
قال الحسين: فقلت له: يا أمير المؤمنين، وإنّ ذلك لكائن؟
فقال (عليه السلام): إي والذي بعث محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالنبوَّة واصطفاه على جميع البريّة، ولكن بعد غيبة وحيرة؛ فلا يثبت فيها على دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله (عزَّ وجلَّ) ميثاقهم بولايتنا وكتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه»(62).
4 - تمام الخطبة التي أوردها السيد الرضي في نهج البلاغة وهي الخطبة رقم 92 واستدركها ابن ابي الحديد في شرحه، وهي:
«فانظروا أهل بيت نبيّكم، فان لَبدُوا فألبدو، وان استنصروكم فانصروهم، فليفرجَنَّ الله الفتنة برجلٍ منّا أهل البيت بأبي إبن خيرة الاماء...»(63).
5 - حديث وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الامام الحسن (عليه السلام) الذي جاء فيه: «ثم تقدّم - يا أبا محمّد - وصَلِّ عليَّ يا بُنيّ يا حسن وكبّر عليَّ سبعاً.
واعلم أنّه لا يحلّ ذلك على أحد غيري الاّ على رجلٍ يخرج في آخر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(61) كمال الدين: ص 303 ب 26 ح 14.
(62) كمال الدين: ص 304 ب 26 ح 16.
(63) شرح النهج: ج 7 ص 58 وقوله (عليه السلام): فان لبدوا اي أقاموا في مكانهم.
الزمان، اسمه القائم المهدي من وُلده أخيك الحسين. يُقيم إعوجاج الحق...»(64).
(3) بشارة سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)
1 - حديث الدرّة البيضاء المروية عن سيدة النساء (عليها السلام)، التي نزلت في ميلاد الامام المجتبى (عليه السلام)، وفيها اسماء المعصومين (عليهم السلام) مع اُمّهاتهم سلام الله عليهنّ. جاء فيه:...
«أبو القاسم محمّد بن الحسن، هو حجّة الله تعالى على خلقه القائم. امّه جارية اسمها نرجس»(65).
2 - حديث اللوح الزمرّدي الذي نزل في ميلاد الامام الحسين (عليه السلام) بأسماء أهل البيت (عليهم السلام)، وفيه:
«ثم اُكمل ذلك بإبنه رحمة للعالمين. عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر ايوب.
ستذل أوليائي في زمانه ويتهادون رؤوسهم كما تُهادى رؤوس الترك والديلم. فيُقتلون ويُحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين؛ تصبغ الأرض من دمائهم، ويفشو الويل والرنين في نسائهم.
أولئك أوليائي حقّاً؛ بهم أدفع كلَّ فتنة عمياء حندس - أي مُظلمة -، وبهم أكشف الزلازل، وأرفع عنهم الآصار والأغلال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(64) بحار الانوار: ج 42 ص ب 127.
(65) كمال الدين: ص 307 ب 27 ح 1.
أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون»(66).
3 - حديث الخزّار بسنده، عن سهل بن سعد الأنصاري قال: سألتُ فاطمة بنت محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الأئمّة؟
فقالت: «كان رسول الله يقول لعلي (عليه السلام): يا علي، أنت الامام والخليفة بعدي، وأنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا مضيت فإبنك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فاذا مضى الحسن فإبنك الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى الحسين فإبنك علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى علي فإبنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى محمد فإبنه جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى جعفر فإبنه موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى موسى فإبنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى عليّ فإبنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى محمد فإبنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى عليّ فإبنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فإذا مضى الحسن فالقائم المهدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. يفتح الله تعالى به مشارق الأرض ومغاربها.
فهم ائمة الحق، وألسنة الصدق. منصور من نصرهم؛ مخذول من خذلهم»(67).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) بشارة الإمام الحسن (عليه السلام)
1 - الحديث المسند الى أبي سعيد عقيصا قال: لما صالح الحسن بن عليّ (عليهما السلام) معاوية بن أبي سفيان، دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته، فقال (عليه السلام):
«ويحكم! ما تدرون ما عملت. والله الذي عملت خيرٌ لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت، ألا تعلمون أنّني إمامكم مفترض الطاعة عليكم وأحد سيّدَي شباب أهل الجنّة بنصٍّ من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليَّ؟
قالوا: بلى.
قال: أما علمتهم أنَّ الخضر (عليه السلام) لمّا خرق السفينة واقام الجدار وقتل الغلام، كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك؟
وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصواباً.
أما علمتم أنّه ما منّا أحدٌ إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم الذي يصلّي روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) خلفه؟
فانَّ الله (عزَّ وجلَّ) يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج. ذلك التاسع من ولد أخي الحسين، ابن سيّدة الإماء. يطيل الله عمره في غيبته، ثمَّ يظهره بقدرته في صورة شابٍّ دون اربعين سنة. ذلك ليعلم أنَّ الله على كلِّ شيء قدير»(68).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(68) كمال الدين: ص 316 ب 29 ح 2.
(5) بشارة الإمام الحسين (عليه السلام)
1 - حديث عبد الرحمن بن سليط قال: قال الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام):
«منا اثني عشر مهديّاً، أوَّلهم أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الإمام القائم بالحقِّ.
يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحقِّ على الدين كلّه ولو كره المشركون.
له غيبة يرتدُّ فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون، فيؤذَون ويقال لهم: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين).
أما إنَّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(69).
(6) بشارة الإمام السجّاد (عليه السلام)
1 - خطبته الشريفة في الجامع الأموي بدمشق أمام الحشد الكثير، جاء فيه:
«أيها الناس! اُعطينا ستاً وفضّلنا بسبع، الى قوله: ومنّا مهديُّ هذه الاُمّة»(70).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(69) كمال الدين: ص 317 ب 30 ح 3.
(70) عن منتخب الطريحي في: معالي السبطين: ج 2 ص 105.
2 - حديث ابي خالد الكابلي، عن الامام زين العابدين (عليه السلام) في الذين فرض الله (عزَّ وجلَّ) طاعتهم ومودتهم وأوجب على عبادة الاقتداء بهم بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثم ما يصيب الامام المهدي (عليه السلام) من المحن بعد شهادة والده، جاء فيه:
قال أبو خالد: فقلت له: يا بن رسول الله، وانَّ ذلك لكائنٌ؟
فقال: «إي وربّي. إن ذلك لمكتوبٌ عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
قال أبو خالد: فقلت: يا بن رسول الله، ثمَّ يكون ماذا؟
قال: ثمَّ تمتدُّ الغيبة بوليِّ الله (عزَّ وجلَّ)، الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة بعده.
يا أبا خالد، إنَّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره، أفضل من أهل كلِّ زمان، لأنَّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهد، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالسيف.
اولئك المخلصون حقّاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة الى دين الله (عزَّ وجلَّ) سرّاً وجهراً».
وقال عليُّ بن الحسين (عليهما السلام): «انتظار الفرج من أعظم الفرج»(71).
3 - حديث سعيد بن جبير قال: سمعت سيد العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول:
«في القائم منا سننٌ من الأنبياء. [سُنّة من أبينا آدم (عليه السلام)، و] سُنّة من ابراهيم، وسُنّة من موسى، وسُنّة من عيسى، وسُنّة من أيوب، وسُنّة من محمّد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(71) كمال الدين: ص 32 ب 31 ح 1.
صلوات الله عليهم.
فأما [من آدم و] نوح فطول العُمر، وأما من ابراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأما من موسى فالخوف والغيبة، وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه، واما من أيّوب فالفَرَج بعد البلوى، وأما من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فالخروج بالسيف»(72).
(7) بشارة الإمام الباقر (عليه السلام)
1 - حديث محمد بن مسلم الثقفي الطحّان قال: دخلت على ابي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) وأنا اُريد أن اسأله عن القائم من آل محمّد صلّى الله عليه وعليهم. فقال لي مبتدئاً:
«يا محمّد بن مسلم! إنَّ في القائم من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شبهاً من خمسة من الرُّسل: يونس بن متى، ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمّد صلوات الله عليهم.
فأمّا شبه من يونس بن متى، فرجوعه من غيبته وهو شابٌّ بعد كبر السنِّ.
وأمّا شبهه من يوسف بن يعقوب (عليهما السلام)، فالغيبة من خاصّته وعامّته واختفاؤه من إخوته، وإشكال أمره على أبيه يعقوب (عليهما السلام)، مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته.
وأمّا شبهه من موسى (عليه السلام)، فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده ممّا لقوا من الأذى والهوان، الى أن أذن الله (عزَّ وجلَّ) في ظهوره ونصره وأيّده على عدوّه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(72) كمال الدين 322 ب 31 ح 3.
وأمّا شبهه من عيسى (عليه السلام)، فاختلاف من اختلف فيه، حتّى قالت طائفة منهم: ما ولد، وقالت طائفة: مات، وقالت طائفة: قتل وصلب.
وأمّا شبهه من جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فخروجه بالسيف، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والجبّارين والطواغيت، وأنّه ينصر بالسيف والرُّعب، وأنّه لا تردُّ له راية...»(73).
2 - حديث جابر الجعفي، عن الامام الباقر (عليه السلام) انه قال:
«يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم. فيا طوبى للثّابتين على أمرنا في ذلك الزمان.
إنَّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جلَّ جلاله فيقول: عبادي وإمائي! آمنتم بسرّي وصدَّقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب منّي، فأنتم عبادي وإمائي حقّاً؛ منكم أتقبّل، وعنكم أعفو؟ ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي.
قال جابر: فقلت: يا بن رسول الله، فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟
قال: حفظ اللسان ولزوم البيت»(74).
3 - حديث النعماني بسنده عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) ذات يوم، فلما تفرّق من كان عنده قال لي:
«يا أبا حمزة! من المحتوم الذي لا تبديل له عند الله، قيام قائمنا. فمن شك فيما أقول، لقى الله [سبحانه] وهو به كافر وله جاحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(73) كمال الدين: ص 327 ص 32 ح 7.
(74) كمال الدين: ص 330 ب 32 ح 15.
ثم قال: بأبي واُمّي المسمّي باسمي...، السابع من بعدي. بأبي من يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
ثم قال: يا أبا حمزة، من أدركه فلم يسلّم له فما سلّم لمحمد وعلي (عليهما السلام)، وقد حرّم الله عليه الجنّة، ومأواه النار وبئس مثوى الظالمين»(75).
(8) بشارة الإمام الصادق (عليه السلام)
1 - حديث ابراهيم الكرخي قال: دخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) وإنّي لجالس عنده، إذ دخل أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) وهو غلام. فقمت إليه فقبّلته وجلست. فقال ابو عبد الله (عليه السلام):
«يا إبراهيم، أما إنّه [ل] صاحبك من بعدي. أما ليهلكنَّ فيه أقوام ويسعد [فيه] آخرون. فلعن الله قاتله وضاعف على روحه العذاب.
أما ليخرجنَّ الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه؛ سميُّ جدِّه، ووارث علمه وأحكامه وفضائله، [و] معدن الإمامة، ورأس الحكمة. يقتله جبّار بني فلان، بعد عجائب طريفة حسداً له، ولكنَّ الله [(عزَّ وجلَّ)] بالغ أمره ولو كره المشركون.
يخرج الله من صلبه تكملة اثني عشر إماماً مهديّاً، اختصهم الله بكرامته وأحلّهم دار قدسه. المنتظر للثاني عشر منهم كالشاهر سيفة بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يذبُّ عنه.
قال: فدخل رجل من موالي بني اُميّة، فانقطع الكلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(75) الغيبة للنعماني: ص 86 ب 4 ح 17.
فعدت الى أبي عبد الله (عليه السلام) إحدى عشرة مرّة اُريد منه أن يستتمَّ الكلام، فما قدرت على ذلك. فلمّا كان قابل السنة الثانية دخلت عليه وهو جالسٌ فقال:
يا ابراهيم، هو المفرِّج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد، وبلاء طويل وجزع وخوف. فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان؛ حسبك يا إبراهيم».
قال ابراهيم: فما رجعت بشيء أسرُّ من هذا لقلبي ولا أقرُّ لعيني(76).
2 - حديث أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
«إن سنن الأنبياء (عليهم السلام) بما وقع بهم من الغيبات، حادثة في القائم منّا أهل البيت حذو النعل بالنعل والقذَّة بالقذَّة.
قال أبو بصير: فقلت: يا بن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟
فقال: يا أبا بصير، هو الخامس من ولد ابني موسى؛ ذلك ابن سيّدة الإماء، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون. ثمَّ يظهره الله (عزَّ وجلَّ)، فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها، وينزل روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) فيصلّي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربّها، ولا تبقى في الأرض بقعة عُبد فيها غير الله (عزَّ وجلَّ) الا عُبد الله فيها، ويكون الدين كلّه لله ولو كره المشركون»(77).
3 - حديث سدير الصير في المفصل الشريف، قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تعلب على مولانا أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسحٌ (أي كساء من الشَّعر)، خيبري مطوّق بلا جيب، مقصّر الكمّين، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى، ذات الكبد الحرَّى؛ قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغيير في عارضيه، وابلى الدموع محجريه وهو يقول:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(76) كمال الدين: ص 334 ب 33 ح 5.
(77) كمال الدين: ص 345 ب 33 ح 31.
«سيّدي غيبتك نفت رقادي، وضيّقت عليَّ مهادي، وابتزَّت منّي راحة فؤادي.
سيّدي غيبتك اوصلت مصابي بفجايع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد يفنى الجمع والعدد.
فما أحسُّ بدمعة ترقى من عيني وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا، إلاّ مثّل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها، وبواقي أشدّها وأنكرها، ونوائب مخلوطة بغضبك، ونوازل معجونة بسخطك».
قال سدير: فاستطارت عقولنا ولهاً، وتصدَّعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل، وظننّا أنّه سَمَت (اي تهيأ) لمكروهة قارعة، أو حلّت به من الدهر بائقة.
فقلنا: لا أبكى الله يا بن خير الورى عينيك من ايّة حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك، وأيّة حالة حتمت عليك هذا المأتم؟
قال: فزفر الصادق (عليه السلام) زفرة انتفخ منها جوفه، واشتدَّ عنها خوفة، وقال:
ويلكم! نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم، وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون الى يوم القيامة، الذي خصّ الله به محمّداً والأئمّة من بعده (عليهم السلام)؛ وتأمّلت منه مولد قائمنا وغيبته وابطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الاسلام من أعناقهم التي قال الله تقدّس ذكره: (وكلَّ إنسان ألزمناه طائرَهُ في عنقه)(78) (يعني الولاية).
فأخذتني الرقّة واستولت عليَّ الأحزان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(78) سورة الاسراء: الآية 13.
فقلنا: يا بن رسول الله، كرّمنا وفضّلنا بإشراكك إيّانا في بعض ما أنت تعلمه من علم ذلك.
قال: إنَّ الله تبارك وتعالى أدار للقائم منّا ثلاثة، أدارها في ثلاثة من الرسل (عليهم السلام).
قدّر مولده تقدير مولد موسى (عليه السلام)، وقدّر غيبته تقدير غيبة عيسى (عليه السلام)، وقدّر إبطاءه تقدير ابطاء نوح (عليه السلام)، وجعل له من بعد ذلك عمر العبد الصالح (أعني الخضر (عليه السلام)) دليلاً على عمره.
فقلنا له: اكشف لنا يا بن رسول الله عن وجوه هذه المعاني.
قال (عليه السلام): أمّا مولد موسى (عليه السلام)، فإنَّ فرعون لمّا وقف على أنَّ زوال ملكه على يده أمر بإحضار الكهنة، فدلّوه على نسبه وأنّه يكون من بني إسرائيل.
ولم يزل يأمر أصحابه بشقّ بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل حتى قتل في طلبه نيّفاً وعشرين ألف مولود، وتعذّر عليه الوصول الى قتل موسى (عليه السلام) بحظ الله تبارك وتعالى إيّاه.
وكذلك بنو اُميّة وبنو العباس، لمّا وقفوا على أنَّ زوال ملكهم وملك الأمراء والجبابرة منهم على يد القائم منّا، ناصبونا العداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول الى قتل القائم، ويأبى الله (عزَّ وجلَّ) أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون.
وأمّا غيبة عيسى (عليه السلام)، فإنَّ اليهود والنصارى اتّفقت على أنّه قُتل، فكذّبهم الله جلّ ذكره بقوله: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم)(79).
كذلك غيبة القائم، فإنّ الاُمّه ستنكرها لطولها، فمن قائل يهذي بأنّه لم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(79) سورة النساء: الآية 157.
يلد؛ وقائل يقول: إنّه يتعدّى الى ثلاثة عشر وصاعداً، وقائل يعصي الله (عزَّ وجلَّ) بقوله: إنَّ روح القائم ينطق في هيكل غيره.
وأمّا إبطاء نوح (عليه السلام)، فانّه لمّا استنزلت العقوبة على قومه من السماء، بعث الله (عزَّ وجلَّ) الروح الأمين (عليه السلام) بسبع نويات، فقال: يا نبيَّ الله، إنّ الله تبارك وتعالى يقول لك: إنَّ هؤلاء خلائقي وعبادي ولست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلّا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجّه؛ فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك، فإنّي مثيبك عليه وأغرس هذه النوى، فإنَّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص. فبشّر بذلك من تبعك من المؤمنين.
فلمّا نبتت الأشجار وتأزَّرت وتسوّقت وتغصّنت وأثمرت وزها الثمر عليها بعد زمان طويل، استنجز من الله سبحانه وتعالى العدة.
فأمر الله تبارك وتعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار ويعاود الصبر والاجتهاد، ويؤكّد الحجّة على قومه. فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتدّ منهم ثلاثمائة رجلٌ وقالوا: لو كان ما يدّعيه نوح حقّاً لما وقع في وعد ربّه خلف.
ثمّ إنَّ الله تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كلّ مرّة بأن يغرسها مرّة بعد اُخرى، الى أن غرسها سبع مرّات. فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتدُّ منه طائفة، بعد طائفة الى أن عاد الى نيّف وسبعين رجلاً.
فأوحى الله تبارك وتعالى عند ذلك إليه، وقال:
يا نوح، الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرح الحقُّ عن محضه وصفى [الأمر والايمان] من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة.
فلو أنّي أهلكت الكفّار وأبقيت من قد ارتدّ من الطوائف التي كانت آمنت بك، لما كنت صدّقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك واعتصموا بحبل نبوّتك، بأن استخلفهم في الأرض واُمكّن لهم دينهم واُبدّل
خوفهم بالأمن، لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشكّ من قلوبهم.
وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالأمن منّي لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدّوا وخبث طينهم وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وسنوح الضلالة.
فلو أنّهم تسنّموا منّي الملك الذي اوتي المؤمنين وقت الاستخلاف اذا أهلكت أعداءهم، لنشقوا روائح صفاته ولاستحكمت سرائر نفاقهم. تأبّدت حبال ضلالة قلوبهم، ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة، وحاربوهم على طلب الرئاسة، والتفرّد بالأمر والنهي.
وكيف يكون التمكين في الدين وانتشار الأمر في المؤمنين، مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب، كلاّ، (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا).
قال الصادق (عليه السلام): وكذلك القائم فإنّه تمتدُّ أيّام غيبته ليصرح الحقُّ عن محضه ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الذين يخشى عليهم النفاق، إذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم (عليه السلام).
قال المفضّل: فقلت: يا بن رسول الله، فإنَّ [هذه] النواصب تزعم أنَّ هذه الآية (أي آية الاستخلاف، يعني قوله تعالى: (وَعَد اللهُ الذينَ آمنوا منكمُ وعملوا الصالحاتِ ليستخلفنَّهُم) الخ)، نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي (عليه السلام).
فقال: لا يهدي الله قلوب الناصبة. متى كان الدين الذي ارتضاه الله ورسوله متمكّناً بانتشار الأمن في الاُمّة، وذهاب الخوف من قلوبها، وارتفاع الشكّ من صدورها في عهد واحد من هؤلاء، وفي عهد عليّ (عليه السلام) مع ارتداد المسلمين والفتن التي تثور في أيّامهم، والحروب التي كانت تنشب بين الكفّار وبينهم.
ثمّ تلا الصادق (عليه السلام): (حتّى إذا استيأسَ الرسُل وظنّوا أنّهم قد كُذبوا جاءهم نصرنا).
وأمّا العبد الصالح (أعني الخضر (عليه السلام))، فإنَّ الله تبارك وتعالى ما طوَّل عمره لنبوّة قدّرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له.
بلى، إنَّ الله تبارك وتعالى لمّا كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم (عليه السلام) في أيّام غيبته ما يقدّر، وعَلِمَ ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طوَّل عمر العبد الصالح في غير سبب يوجب ذلك إلّا لعلّة الاستدلال به على عمر القائم عيه السّلام، وليقطع بذلك حجّة المعاندين، لئلاّ يكون للنّاس على الله حجّة»(80).
(9) بشارة الإمام الكاظم (عليه السلام)
1 - حديث العباس بن عامر القصباني، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول:
«صاحب هذا الأمر من يقول الناس لم يولد بعد»(81).
2 - حديث داود بن كثير الرقي، قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن صاحب هذا الأمر، قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(80) كمال الدين: ص 352 ب 33 ح 5.
(81) كمال الدين: ص 360 ب 34 ح 2.
«هو الطريد الوحيد الغريب الغائب الموتور بأبيه (عليه السلام)»(82).
3 - حديث يونس بن عبد الرحمن، قال: دخلت على موسى بن جعفر (عليهما السلام) فقلت له: يا بن رسول الله، أنت القائم بالحقّ؟
فقال: «أنا القائم بالحقّ، ولكن القائم الذي يطهّر الأرض من أعداء الله (عزَّ وجلَّ) ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، هو الخامس من ولدي. له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه؛ يرتدُّ فيها أقوام ويثبت فيها آخرون.
ثمَّ قال (عليه السلام): طوبى لشيعتنا، المتمسّكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على مولاتنا والبراءة من أعدائنا؛ أولئك منّا ونحن منهم. قد رضوا بنا أئمّة ورضينا بهم شيعة. فطوبى لهم ثمّ طوبى لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة»(83).
(10) بشارة الإمام الرضا (عليه السلام)
1 - حديث الحسين بن خالد قال: قال علي بن موسى الرضا (عليه السلام):
«لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقيّة له، إنَّ أكرمكم عند الله أعملكم بالتقيّة.
فقيل له: يا بن رسول الله، الى متى؟
قال: الى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت. فمن ترك التقيّة قبل خروج قائمنا فليس منّا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(82) كمال الدين: ص 361 ب 34 ح 4.
(83) كمال الدين: ص 361 ب 34 ح 5.
فقيل له: يا بن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟
قال: الرابع من ولدي ابن سيّدة الإماء؛ يطهّر الله به الأرض من كلّ جور، ويقدّسها من كلّ ظلم، [وهو] الذي يشكُّ الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه.
فإذا خرج اشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحدٌ أحداً، وهو الذي تطوى له الأرض، ولا يكون له ظلٌّ.
وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه يقول: الا إنَّ حجّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتّبعوه. فإنَّ الحقَّ معه وفيه، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (إن نشأ ننزِّل عليهم من السماءِ آية فظلّت أعناقُهم لها خاضعين)(84)»(85).
2 - حديث عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) قصيدتي التي أوَّلها:
مدارس آيات خلت من تلاوة * * * ومنزل وحي مقفر العرصات
فلما انتهيت الى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج * * * يقوم على اسم الله والبركات
يميّز فينا كلّ حقٍّ وباطل * * * ويجزي على النعماء والنقمات
بكى الرضا (عليه السلام) بكاء شديداً، ثمَّ رفع رأسه إليَّ فقال لي:
«يا خزاعيُّ نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين. فهل تدري من هذا الامام ومتى يقوم؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقلت: لا يا مولاي، إلاّ أنّي سمعت بخروج إمام منكم يُطهّر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً [كما ملئت جوراً].
فقال: يا دعبل، الإمام بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه عليّ، وبعد عليّ ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره.
لو لم يبق من الدنيا إلاّ يومٌ واحدٌ، لطوَّل الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً»(86).
3 - حديث الريان بن الصلت، قال: قلت للرضا (عليه السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟
فقال: «أنا صاحب هذا الأمر، ولكنّي لست بالذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني.
وإنَّ القائم هو الذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ ومنظر الشبّان. قويّاً في بدنه حتى لو مدَّ يده الى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها.
يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان (عليهم السلام).
ذاك الرابع من ولدي؛ يغيّبه الله في ستره ما شاء، ثمَّ يظهره فيملأ [به] الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(87).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(86) كمال الدين: ص 372 ب 35 ح 6.
(87) كمال الدين: ص 376 ب 35 ح 6.
(11) بشارة الإمام الجواد (عليه السلام)
1 - حديث سيدنا عبد العظيم الحسني، قال: دخلت على سيّدي محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وأنا اُريد أن أسأله عن القائم، أهو المهديُّ أو غيره. فابتدأني فقال لي:
«يا أبا القاسم! إنَّ القائم منّا هو المهديُّ الذي يجب أن يُنتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي.
والذي بعث محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالنبوّة وخصّنا بالإمامة، إنّه لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيه، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
وإنَّ الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة، كما اصلح أمر كليمه موسى (عليه السلام) إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً فرجع وهو رسولٌ نبيٌّ.
ثمَّ قال (عليه السلام): أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج»(88).
2 - الحديث الآخر لسيدنا الحسني، قال: قلت لمحمّد بن علي بن موسى (عليه السلام): اني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
فقال (عليه السلام): «يا أبا القاسم، ما منّا إلاّ وهو قائم بأمر الله (عزَّ وجلَّ)، وهاد إلى دين الله، ولكنَّ القائم الذي يطهّر الله (عزَّ وجلَّ) به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها عدلاً وقسطاً، هو الذي تخفى على الناس ولادته، يغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سميُّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنيّه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(88) كمال الدين: ص 337 ب 36 ح 1.
وهو الذي تطوي له الأرض، ويذلُّ له كلُّ صعب، [و] يجتمع إليه من أصحابه عدَّة أهل بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من اقاصي الأرض، وذلك
قول الله (عزَّ وجلَّ): (أينما تكونوا يأتِ بكُم اللهُ جميعاً إنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قدير)(89).
فإذا اجتمعت له هذه العدَّة من أهل الإخلاص، أظهر الله أمره. فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله (عزَّ وجلَّ). فلا يزال يقتل أعداء الله حتّى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)...»(90).
3 - حديث الصقر بن أبي دلف، قال: سمعتُ ابا جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) يقول:
«إنَّ الإمام بعدي إبني عليّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثمَّ سكت.
فقلت له: يا بن رسول الله، فمن الإمام بعد الحسن؟
فبكى (عليه السلام) بكاءً شديداً، ثمَّ قال: إنَّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقِّ المنتظر.
فقلت له: يا بن رسول الله، لم سمّي القائم؟
قال: لأنّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته.
فقلت له: ولم سمّي المنتظر؟
قال: لأنَّ له غيبة يكثر أيّامها ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(89) سورة البقرة: الآية 148.
(90) كمال الدين: ص 377 ب 36 ح 2.
وينكره المرتابون، يستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون»(91).
(12) بشارة الإمام الهادي (عليه السلام)
1 - حديث علي بن عبد الغفار، قال: لما مات أبو جعفر الثاني (عليه السلام)، كتب الشيعة الى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) يسألونه عن الأمر.
فكتب (عليه السلام):
«الأمر لي ما دمت حيّاً. فاذا نزلت بي مقادير الله (عزَّ وجلَّ)، آتاكم الله الخَلَف منّي، وأنّى لكم بالخَلَف بعد الخَلَف»(92).
2 - حديث الصقر بن ابي دلف قال: لما حمل المتوكل سيدنا ابي الحسن، جئت لأسأل عن خبره.
فنظر إليَّ حاجب المتوكّل، فأمر أن أدخل إليه (اي الحاجب). فأُدخلت إليه، فقال: يا صقر، ما شأنك؟
فقلت: خير أيّها الاستاذ.
فقال: اقعد.
قال الصقر: فأخذني ما تقدَّم وما تأخّر(93) وقلت: أخطأت في المجيء.
قال: فوحى الناس عنه (أي أعجلهم بالذهاب والتفرق عنه).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(91) كمال الدين: ص 378 ب 36 ح 3.
(92) كمال الدين: ص 382 ب 37 ح 6.
(93) لعله بمعنى أخذني بالسؤال عما تقدم وما تأخر من الأمور لاستعلام حالي.
ثمَّ قال: ما شأنك وفيم جئت؟
قلت: لخبر مّا.
قال: لعلّك جئت تسأل عن خبر مولاك؟
فقلت له: ومن مولاي؟ مولاي أمير المؤمنين.
فقال: اسكت، مولاك هو الحقُّ، ولا تتحشمني فإنّي على مذهبك.
فقلت: الحمد لله.
فقال: أتحبُّ أن تراه؟
فقلت: نعم.
فقال: اجلس حتّى يخرج صاحب البريد.
قال: فجلست، فلمّا خرج قال لغلام له: خذ بيد الصقر فأدخله الى الحجرة التي فيها العلويُّ المحبوس، وخلِّ بينه وبينه.
قال: فأدخلني الحجرة وأومأ الى بيت.
فدخلت فإذا هو (عليه السلام) جالس على صدر حصير وبحذاه قبر محفور. قال: فسلّمت فردَّ [عليَّ السلام]، ثمَّ أمرني بالجلوس فجلست. ثمَّ قال لي:
«يا صقر، ما أتى بك؟
قلت: يا سيّدي، جئت أتعرّف خبرك.
قال: ثمَّ نظرت الى القبر بكيت.
فنظر إليَّ وقال: يا صقر، لا عليك! لن يصلوا إلينا بسوء.
فقلت: الحمد لله. ثمَّ قلت: يا سيّدي حديث يروى عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا أعرف معناه.
قال: فما هو؟
قلت: قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لا تعادوا الأيّام فتعاديكم»، ما معناه؟
فقال: نعم، الأيّام نحن. بنا قامت السماوات والأرض. فالسبت اسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والأحد أمير المؤمنين، والاثنين الحسن والحسين، والثلاثاء عليّ بن الحسين ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد [الصادق]، والأربعاء موسى بن جعفر وعليّ بن موسى ومحمد بن عليّ وأنا، والخميس ابني الحسن.
والجمعة ابن ابني، وإليه تجتمع عصابة الحقّ، وهو الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
فهذا معنى الأيّام، ولا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة.
ثمَّ قال (عليه السلام): ودِّع واخرج فلا آمن عليك»(94).
3 - الحديث الآخر للصقر بن أبي دلف، عن مولانا الامام الهادي علي بن محمد بن علي الرضا (عليهم السلام)، سمعته يقول:
«إنَّ الإمام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(95).
(13) بشارة الإمام العسكري (عليه السلام)
1 - أحمد بن اسحاق بن سعد الأشعري، قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وأنا اُريد أن أسأله عن الخلف من بعده؟
فقال لي مبتدئاً: «يا أحمد اسحاق! إنَّ الله تبارك وتعالى لم يُخلِّ الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام) ولا يخلّيها الى أن تقوم الساعة من حجّة لله على خلقه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(94) كمال الدين: ص 382 ب 37 ح 9.
(95) كمال الدين: ص 383 ب 37 ح 10.
به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزِّل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض.
قال: فقلت له: يا بن رسول الله، فمن الإمام والخليفة بعدك؟
فنهض (عليه السلام) مسرعاً دخل البيت، ثمَّ خرج وعلى عاتقه غلامٌ كأن وجهه القمر ليلة البدر، من ابناء الثلاث سنين، فقال: يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله (عزَّ وجلَّ) وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا.
إنّه سميُّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنيّه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
يا أحمد بن إسحاق، مَثَلُه في هذه الاُمّة مثل الخضر (عليه السلام)، ومَثله مثل ذي القرنين.
والله ليغيبنَّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلاّ من ثبّته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته ووفّقه [فيها] للدُّعاء بتعجيل فرجه.
فقال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي، فهل من علامة يطمئنُّ إليها قلبي؟
فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربيّ فصيح، فقال: أنا بقيّة الله في أرضه والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق.
فقال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً. فلمّا كان من الغد عدت إليه، فقلت له: يا بن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت [به] عليَّ. فما السنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟
فقال: طول الغيبة يا أحمد.
قلت: يا بن رسول الله، وإنَّ غيبته لتطول؟
قال: إي وربّي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، ولا يبقى إلا من
أخذ الله (عزَّ وجلَّ) عهده لولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيّده بروحٍ منه.
يا احمد بن إسحاق، هذا أمر من أمر الله، وسرٌّ من سرِّ الله، وغيب من غيب الله. فخذ ما آتيتك، واكتمه وكن من الشاكرين، تكن معنا غداً في علّيّين»(96).
2 - حديث يعقوب بن منقوش، قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وهو جالس على دكّان في الدار، وعن يمينه بيت عليه ستر مُسبل.
فقلت له: [يا] سيّدي من صاحب هذا الأمر؟
فقال: «ارفع الستر. فرفعته، فخرج إلينا غلامٌ خماسيٌّ له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، درِّي المقلتين، شثن الكفّين، معطوف الركبتين، في خدّه الأيمن خالٌ، وفي رأسه ذؤابة. فجلس على فخذ أبي محمّد (عليه السلام)، ثمَّ قال لي: هذا صاحبكم.
ثمَّ وثب فقال له: يا بنيَّ، ادخل الى الوقت المعلوم.
فدخل البيت وأنا أنظر إليه.
ثمَّ قال لي: يا يعقوب انظر من في البيت، فدخلتُ فما رأيت أحداً»(97).
3 - حديث موسى بن جعفر بن وهب البغدادي قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي (عليه السلام) يقول:
«كأنّي بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف منّي. أما إنَّ المقرَّ بالأئمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المنكر لولدي، كمن أقرَّ بجميع أنبياء الله ورسله ثمَّ أنكر نبوَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(96) كمال الدين: ص 384 ب 38 ح 1.
(97) كمال الدين: ص 407 ب 38 ح 2.
والمنكر لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كمن أنكر جميع أنبياء الله، لأنَّ طاعة آخرنا كطاعة أوَّلنا، والمنكر لآخرنا كالمنكر لأوَّلنا.
أما إنَّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلاّ من عصمة الله (عزَّ وجلَّ)»(98).
وعلى الجملة فأدلة الروايات كما تلاحظها عيناً وعياناً متظافرة متواترة على البشارة بالإمام المنتظر الحجّة الثاني عشر أرواحنا فداه، وصدقها مستلزم لوجوده (عليه السلام) بعد الامام العسكري سلام الله عليه وقد استشهد الامام العسكري بلا خلاف قطعاً لابد وأن يكون قد وُلد الامام المهدي حتماً.
وأمّا الإجماع بعد هذه الأدلة العلمية
فإنّه محقّق قائم من الفريقين على وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وظهوره.
أمّا من الشيعة الإماميّة، فهو قطعي الإجماع منهم، بل هو من ضروريات مذهبهم(99).
بل جاء هذا الاجماع في كتب العامة وعند اعلامهم.
ففي شرح نهج البلاغة للمعتزلي:
«قد وقع اتفاق الفريقين من المسلمين أجمعين على أن الدنيا والتكليف لا ينقضي الا عليه (اي الامام المهدي (عليه السلام))»(100).
وفي السبائك للسويدي:
«الذي اتفق عليه العلماء، أن المهدي هو القائم في آخر الزمان، وأنه يملأ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(98) كمال الدين: ص 409 ب 38 ح 8.
(99) الامامة والمهدويّة: ج 3 ص 35.
(100) الامامة والمهدوية: ج 3 ص 35، عن: شرح النهج (ط مصر): ج 2 ص 535.
الأرض عدلاً، والأحاديث فيه وفي ظهوره كثيرة»(101).
وفي المقدمة لابن خلدون:
«اعلم ان المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على مرّ الأعصار، أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يؤيِّد الدين، ويُظهِرُ العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الاسلامية، ويسمى بالمهدي»(102).
وفي غاية المأمول للناصف:
«فائدة: اتضح مما سبق، أن المهدي المنتظر من هذه الامة، وعلى هذا أهل السُنّه سلفاً وخلفاً»(103).
الى هنا نستفيد أن النقطة الاولى في اثبات أصل وجود الامام المهدي، وهو التنصيص عليه ثابت بدليل الكتاب، والسنة، والكتب المقدسة.
ويؤيدها الاجماع من الخاصة والعامة.
مضافاً الى الضرورية والثبوت بالبداهة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(101) الامامة والمهدويّة: ج 3 ص 81، عن: سبائك الذهب: ص 78.
(102) الامامة والمهدويّة: ج 3 ص 82، عن: مقدمة ابن خلدون: ص 317.
(103) الامامة والمهدويّة: ج 3 ص 82، عن: غاية المأمول: ج 5 ص 362 - 381.
النقطة الاستدلاليّة الثانية: تظافر الأخبار بولادة الامام المهدي (عليه السلام)
ان الامام المهدي (عليه السلام)، قد تواترت الأخبار على ولادته، وتظافر نقل إخبار الثقات بوجوده، فلا يمكن انكار تولده.
وقد جاءت الأخبار القطعية بولادته السعيدة من كبار علماء الفريقين في كتبهم المعروفة، مثل: ثقة الاسلام الكليني، وشيخ المحدثين الصدوق، وشيخ الطائفة الطوسي بأسناد معتبرة من الخاصة.
ومثل: البيهقي، وابن الصباغ، وابن خلكان، والقندوزي، والصفدي، وياقوت الحمودي بأسناد عديدة من العامّة.
وتلاحظ إحصاء المعترفين بولادته (عليه السلام) من العامة بأسماءهم وكتبهم ونصوص كلماتهم في مثل:
1 - الزام الناصب: ج 1 ص 321، في بيان اعتراف 29 عالماً من علمائهم.
2 - المهدي الموعود المنتظر: ج 1 ص 182، في بيان اعتراف 40 عالماً منهم.
3 - منتخب الأثر: الفصل الثالث ص 320، في بيان اعتراف 65، عالماً منهم.
هذا، وقد شهد بولادته (عليه السلام) من حضر الولادة وهي سيدتنا حكيمة بنت الامام الجواد (عليه السلام).
ففي حديث موسى بن محمد، عن السيدة حكيمة ما نصّه:
بعث اليَّ ابو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) فقال:
«يا عمّة اجعلي إفطارك [هذه] الليلة عندنا، فإنّها ليلة النصف من شعبان؛ فإنَّ الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة، وهو حجّته في أرضه.
قالت: فقلت له: ومن اُمّه؟
قال لي: نرجس.
قلت له: جعلني الله فداك، ما بها أثر.
فقال: هو ما أقول لك.
قالت: فجئت، فلمّا سلّمتُ وجلستُ، جاءت تنزع خفّي وقالت لي: يا سيّدتي [وسيّدة أهلي]، كيف أمسيت؟
فقلت: بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي.
قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمّة؟
قالت: فقلت لها: يا بنيّة، إنَّ الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة.
قالت: فخجلَت واستحيَت.
فلمّا أن فرغتُ من صلاة العشاء الآخرة، أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت.
فلمّا أن كان في جوف الليل قمت الى الصلاة، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث.
ثمَّ جلستُ معقّبة، ثمَّ اضطجعتُ ثمَّ انتبهتُ فزعة وهي راقدة. ثمَّ قامت فصلّت ونامت.
قالت حكيمة: وخرجت أتفقّد الفجر، فإذا أنا بالفجر الأوّل كذنب
السرحان وهي نائمة، فدخلني الشكوك، فصاح بي أبو محمد (عليه السلام) من المجلس فقال: لا تعجلي يا عمّة، فهاكِ الأمر قد قرب.
قالت: فجلست وقرأت الم السجدة ويس، فبينما أنا كذلك إذ انتَبَهَت فزعة. فوثبتُ إليها فقلت: اسم الله عليك.
ثمَّ قلت لها: أتحسّين شيئاً؟
قالت: نعم يا عمّة.
فقلت لها: اجمعي نفسك، واجمعي قلبك، فهو ما قلت لك.
قالت: فأخذ تني فترة، وأخذتها فترة فانتبهت بحسِّ سيّدي، فكشف الثوب عنه، فإذا أنا به (عليه السلام) ساجداً يتلقّى الأرض بمساجده. فضممته إليَّ فإذا أنا به نظيفٌ متنظفٌ.
فصاح بي أبو محمد (عليه السلام): هلمّي إليَّ ابني يا عمّه.
فجئت به إليه، فوضع يديه تحت أليتيه وظهره، ووضع قدميه على صدره.
ثمَّ أدلى لسانه في فيه، وأمرَّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثمَّ قال: تكلّم يا بنيَّ.
فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمَّ صلّى على أمير المؤمنين وعلى الأئمّة (عليهم السلام) إلى أن وقف على أبيه، ثمَّ أحجم.
ثمَّ قال أبو محمد (عليه السلام): يا عمّة، اذهبي به إلى اُمّه ليسلّم عليها وائتني به.
فذهبت به فسلّم عليها، ورددته فوضعته في المجلس.
ثمَّ قال: يا عمّة، إذا كان يوم السابع فأتينا.
قالت حكيمة: فلمّا أصبحت جئت لأُسلّم على أبي محمد (عليه السلام) وكشفت الستر لأتفقّد سيّدي (عليه السلام)، فلم أره.
فقلت: جعلت فداك، ما فعل سيّدي؟
فقال: يا عمّة، استودعناه الذي استودعته اُمُّ موسى موسى (عليه السلام).
قالت حكيمة: فلمّا كان في اليوم السابع جئت فسلّمت وجلست.
فقال: هلمّي إليَّ ابني.
فجئت بسيّدي (عليه السلام) وهو في الخرقة، ففعل به كفعلته الاُولى. ثمَّ ادلى لسانه في فيه كأنّه يغذِّيه لبناً أو عسلاً، ثمَّ قال: تكلّم يا بنيَّ.
فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وثنّى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، حتّى وقف على أبيه (عليه السلام). ثمَّ تلا هذه الآية:
(بسم الله الرَّحمن الرحيم ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلَهم أئمّة ونجعلَهم الوارثين * ونمكّن لهم في الأرضِ ونُرى فرعونَ وهامانَ وجنودَهما منهم ما كانوا يحذرون).
قال موسى - يعني موسى بن محمّد الراوي -: فسألت عقبة الخادم عن هذه، فقالت: صدقت حكيمة»(104).
وأضاف في حديث محمد بن عبد الله العلوي ما نصّه:
«قالت حكيمة: فلمّا كان بعد أربعين يوماً، ردَّ الغلام ووجّه إليَّ ابن أخي (عليه السلام) فدعاني. فدخلت عليه فإذا أنا بالصبيِّ متحرِّك يمشي بين يديه.
فقلت: يا سيّدي، هذا ابن سنتين؟
فتبسّم (عليه السلام)، ثمَّ قال: إنَّ أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمّة ينشؤون بخلاف ما ينشؤ غيرهم، وإنَّ الصبيَّ منّا إذا كان أتى عليه شهرٌ كان كمن أتى عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(104) كمال الدين: ص 424 ب 42 ح 1.
سنة، وإنَّ الصبيَّ منّا ليتكلّم في بطن اُمّه ويقرأ القرآن ويعبد ربّه (عزَّ وجلَّ)، [و]عند الرضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليه صباحاً ومساءً.
قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبيَّ في كلِّ أربعين يوماً الى أن رأيته رجلاً قبل مضيِّ أبي محمد (عليه السلام) بأيّام قلائل فلم أعرفه.
فقلت لابن أخي (عليه السلام): من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟
فقال لي: هذا ابن نرجس، وهذا خليفتي من بعدي، وعن قليل تفقدوني، فاسمعي له وأطيعي.
قالت حكيمة: فمضى أبو محمد (عليه السلام) بعد ذلك بأيّام قلائل، وافترق الناس كما ترى.
ووالله إنّي لأراه صباحاً ومساءً وإنّه لينبئني عمّا تسألون عنه فأخبركم.
ووالله إنّي لأريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني به.
وإنّه ليرد عليَّ الأمر. فيخرج إليَّ منه جوابه من ساعته من غير مسألتي، وقد أخبرني البارحة بمجيئك إليَّ وأمرني أن اُخبرك بالحقِّ...»(105).
وشهادة السيدة الجليلة حكيمة الحاضرة حين الولادة، كافية بوحدها في إثبات الولادة(106).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(105) كمال الدين: ص 429 ب 42 ح 2.
(106) فإن السيدة حكيمة، مضافاً الى جلالة قدرها وصدق كلامها. كانت هي المتولّية لشؤون ولادة السيدة نرجس - والدة الإمام الحجّة (عليه السلام) - وشهادتها معتبرة في الولادة.
بالإضافة الى اعتبار شهادة النساء منفردات في الولادة، كما هو ثابت في الفقه بقيام النص الصحيح عليه، وعدم الخلاف فيه كما تلاحظه في: الجواهر: ج 41 ص 170، فلاحظ.
بل لا خلاف فيه حتى عند العامة.
ففي بداية المجتهد (للقرطبي): ج 2 ص 454: «وأما شهادة النساء منفردات - أعني النساء دون الرجال - فهي مقبولة عند الجمهور في حقوق الأبدان التي لا يطّلع عليها الرجال غالباً، مثل الولادة والاستهلال وعيوب النساء لا خلاف في شيء من هذا».
مضافاً الى شهادة نسيم ومارية خادمتي الامام (عليه السلام)(107) ففي حديث السياري قالتا: «لما سقط صاحب الزمان (عليه السلام) من بطن أمه جاثياً على ركبتيه رافعاً سبابتيه الى السماء...».
ومع ذلك ليس الدليل هو هذا فحسب، بل دلّ على الولادة إخبار الحجة على العموم الامام المعصوم والده المعظم الامام العسكري (عليه السلام) بذلك.
ففي حديث أحمد بن الحسن بن اسحاق القمي: لمّا وُلد الخلف الصالح (عليه السلام)، ورد عن مولانا أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) الى جدّي أحمد بن اسحاق كتاب، فاذا فيه مكتوب بخط يده (عليه السلام) الذي كان ترد به عليه، وفيه:
«وُلد لنا مولودٌ، فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً، فانّا لم نُظهر عليه الاّ الأقرب لقرابته، والوليّ لولايته.
أحببنا إعلامك ليسرّك الله به مثل ما سرّنا به، والسلام»(108).
بل نفس إرسال الامام العسكري (عليه السلام) عقيقة ولده الامام المهدي (عليه السلام) الى بني هاشم وشيعته، كان إعلاماً ظريفاً لميلاده.
ففي حديث العمري:
لما وُلد السيد (عليه السلام)، قال ابو محمد (عليه السلام):
«ابعثوا الى ابي عمرو...، إشترِ عشرة آلاف رطل خبز، وعشرة آلاف رطل لحم، وفرّقه، أحسبه قال على بني هاشم، وعقِّ عنه بكذا وكذا شاة»(109).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(107) كمال الدين: ص 430 ح 5.
(108) كمال الدين: ص 433 ب 42 ح 16.
(109) كمال الدين: ص 431 ب 42 ح 6 والرطل العراقي يساوي = 5 / 327 غرام.
وفي حديث الكوفي:
«وإن أبا محمد (عليه السلام) بعث الى بعض من سمّاه لي بشاة مذبوحة، وقال: هذه من عقيقة ابني محمد»(110).
لذلك قال الشيخ المفيد (قدّس سرّه) في دليل الاثبات ما نصّه:
«والخبر بصحّة ولد الحسن (عليه السلام) قد ثبت بأوكد ما تثبت به أنساب الجمهور من الناس، إذ كان النسب يثبت بقول القابلة ومثلها من النساء اللاتي جرت عادتهنّ بحضور ولادة النساء وتولّي معونتهم عليه، وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون مَن سواه، وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الأب بنسب الابن منه.
وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، أنّه اعترف بولده المهديّ (عليه السلام)، وآذنهم بوجوده، ونصّ لهم على إمامته من بعده.
وبمشاهده بعضهم له طفلاً، وبعضهم له يافعاً وشاباً كاملاً، وإخراجهم الى شيعته بعد أبيه الأوامر والنواهي والأجوبة عن المسائل، وتسليمهم له حقوق الأئمّة من أصحابه.
وقد ذكرتُ اسماء جماعة ممّن وصفتُ حالهم من ثقات الحسن بن عليّ (عليهما السلام) وخاصّته المعروفين بخدمته والتحقيق به، واثبتُ ما رووه عنه في وجود ولده ومشاهدتهم من بعده، وسماعهم النصّ بالإمامة عليه.
وذلك موجود في مواضع من كتبي، وخاصّه في كتابيّ المعروف أحدهما:
بـ «الارشاد في معرفة حجج الله على العباد» والثاني بـ «الايضاح في الإمامة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(110) كمال الدين: 432 ب 4 ح 10.
النقطة الاستدلاليّة الثالثة: تواتر النقل على رؤية الإمام المهدي (عليه السلام)
أن الامام المهدي (عليه السلام)، قد رآه شهود العيان من الثقات والأعيان، وفاق على التواتر رؤيته، فكيف يمكن لأحد جحوده أو إنكار وجوده؟!
والفائزون برؤيته الغراء كثيرون. شاهدوه في حياة والده الامام العسكري (عليه السلام)، وبعد حياته في الغيبة الصغرى، وفي أيام الغيبة الكبرى.
وهل نحتاج بعد العيان الى دليلٍ وبرهان؟!
فلنشير الى هذه الأدوار الثلاثة باختصار:
(1) من رآه في حياة أبيه (عليهما السلام)
ثبت هذا في الأحاديث المتواترة التي جمعت في هذا الباب ومنها:
1 - حديث أحمد بن اسحاق الاشعري القمي وقد تقدم في بشارة الامام العسكري (عليه السلام)(112).
2 - حديث معاوية بن حكيم ومحمد بن ايوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري رضي الله عنهم، قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) ونحن في منزله وكنّا أربعين رجلاً، فقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(112) كمال الدين: ص 384 ب 38 ح 1.
«هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم. أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا. أما إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا».
قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلّا أيّامٌ قلائل، حتى مضى أبو محمد (عليه السلام)(113).
3 - حديث ضوء بن علي العجلي عن الفارسي، قال: أتيت سرّ من رأى فلزمت باب أبي محمد (عليه السلام) فدعاني من غير أن أستأذن. فلمّا دخلت وسلّمت قال لي:
«يا أبا فلان، كيف حالك؟ ثمَّ قال لي: اقعد يا فلان. ثمَّ سألني عن رجال ونساء من أهلي، ثمَّ قال لي: ما الذي أقدمك عليَّ؟
قلت: رغبة في خدمتك.
قال لي: ألزم الدار.
قال: فكنت في الدار مع الخدم. ثمَّ صرت أشتري لهم الحوائج من السوق، وكنت أدخل عليه من غير إذن إذا كان في دار الرجال. فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال، فسمعت حركة في البيت فناداني: مكانك لا تبرح».
فلم أجسر أخرج ولا أدخل، فخرجت عليَّ جارية ومعها شيء مغطّى.
ثمَّ ناداني اُدخل، فدخلت ونادى الجارية فرجعت.
فقال لها: اكشفي عمّا معك، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه وكشفت عن بطنه، فإذا شعر نابتٌ من لبّته الى سرَّته، أخضر ليس بأسود، فقال: هذا صاحبكم.
ثمَّ أمرها فحملته، فما رأيته بعد ذلك حتّى مضى أبو محمد (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(113) كمال الدين: ص 435 ب 43 ح 2.
قال ضوء بن عليٍّ: فقلت للفارسيّ: كم كنت تقدِّر له من السنين؟
فقال: سنتين.
قال العبديُّ: فقلت لضوء: كم تقدِّر له الآن في وقتنا؟
قال: أربعة عشر سنة.
قال أبو عليٍّ وأبو عبد الله: ونحن نقدِّر له الآن إحدى وعشرين سنة(114).
4 - حديث يعقوب بن منقوش قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام)، وقد تقدم ذكره في بشارة الامام العسكري (عليه السلام)، فلا نكرر(115).
5 - حديث نسيم خادمة ابي محمد (عليه السلام) قالت: دخلت على صاحب هذا الأمر (عليه السلام) بعد مولدة بليلة، فعطستُ عنده. قال لي: «يرحمك الله.
قالت نسيم: ففرحت [بذلك].
فقال لي (عليه السلام): ألا اُبشّركِ في العطاس؟
قلت: بلى.
قال: هو أمان من الموت ثلاثة أيّام»(116).
6 - حديث سعد بن عبد الله القمي في تشرّفه مع أحمد بن اسحاق وهو حديث مفضل ظريف، جاء فيه:...، فوردنا سرّ من رأى، فانتهينا منها الى باب سيّدنا فاستأذنّا. فخرج علينا الآذن بالدخول عليه.
وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطّاه بكساء طبريٍّ، فيه مائة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(114) كمال الدين: ص 436 ب 43 ح 4.
(115) كمال الدين: ص 436 ب 43 ح 5.
(116) كمال الدين: ص 441 ب 43 ح 11.
وستّون صرَّه من الدنانير والدراهم، على كلِّ صرَّة منها ختم صاحبها.
قال سعد: فما شبّهت وجه مولانا أبي محمد (عليه السلام) - حين غشينا نور وجهه - إلاّ ببدر قد استوفى من لياليه أربعاً بعد عشر، وعلى فخذه الأيمن غلامٌ يناسب المشتري في الخلقة والمنظر؛ على رأسه فرق بين وقرتين كأنّه ألف بين واوين.
وبين يدي مولانا رمّانة ذهبيّة تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركّبة عليها؛ قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة.
وبيده قلمٌ إذا أراد أن يسطر به على البياض شيئاً قبض الغلام على أصابعه، فكان مولانا يدحرج الرمّانة بين يديه ويشغله بردِّها كيلا يصدّه عن كتابة ما أراد.
فسلّمنا عليه، فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس.
فلمّا فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طيِّ كسائه فوضعه بين يديه. فنظر (عليه السلام) الى الغلام وقال له:
«يا بنيَّ، فضَّ الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك.
فقال: يا مولاي، أيجوز أن أمدَّ يداً طاهرة الى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلّها بأحرمها؟
فقال مولاي: يا بن اسحاق، استخرج ما في الجراب ليميّز ما بين الحلال والحرام منها.
فأوَّل صرَّة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: هذه لفلان بن فلان، من محلّة كذا بقمّ، يشتمل على اثنين وستّين ديناراً، فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها وكانت إرثاً له عن أبيه خمسة وأربعون ديناراً، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً، وفيها من اُجرة الحوانيت ثلاثة دنانير.
فقال مولانا: صدقت يا بنيَّ، دلَّ الرجل على الحرام منها.
فقال (عليه السلام): فتّش عن دينار رازيّ السكّة، تاريخه سنة كذا، قد انطمس من
نصف إحدى صفحتيه نقشه، وقراضة آمليّة وزنها ربع دينار.
والعلّة في تحريمها أنَّ صاحب هذه الصرَّه وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّاً وربع منٍّ، فأتت على ذلك مدَّة وفي انتهائها قيّض لذلك الغزل سارق، فأخبر به الحائك صاحبه فكذَّبه واستردَّ منه بدل ذلك منّاً؛ ونصف منٍّ غزلاً ادقّ ممّا كان يدفعه اليه واتّخذ من ذلك ثوباً. كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه.
فلمّا فتح رأس الصرَّة، صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة.
ثمَّ أخرج صرَّة اُخرى، فقال الغلام: هذه لفلان بن فلان، من محلّة كذا بقم، تشتمل على خمسين ديناراً لا يحلُّ لنا لمسها.
قال: وكيف ذاك؟
قال: لأنّها من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكّاره - اي ظلم وجار على زارعها - في المقاسمة، وذلك أنّه قبض حصّته منها بكيل واف وكان ما حصَّ الأكّار بكيل بخس.
فقال مولانا: صدقت يا بنيَّ.
ثمَّ قال: يا أحمد بن اسحاق، احملها بأجمعها لتردَّها أو توصي بردّها على أربابها فلا حاجة لنا في شيء منها، وائتنا بثوب العجوز.
قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته...»(117).
7 - حديث الشيخ المفيد بإسناده، عن عمرو الأهوازي قال: أرانيه أبو محمد (عليه السلام) وقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(117) كمال الدين: ص 457 ب 43 ح 21.
«هذا صاحبكم»(118).
8 - حديث شيخ الطائفة بإسناده الى ابي سهل اسماعيل بن علي النوبختي قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) في المرضة التي مات فيها، وأنا عنده إذ قال لخادمه عقيد - وكان الخادم أسود نوبياً قد خدم من قبله علي بن محمد وهو ربي الحسن (عليه السلام)، فقال:
«يا عقيد، إغل لي ماءً بمصطكي. فأغلى له ثم جاءت به صقيل الجارية أم الخلف (عليه السلام). فلما صار القدح في يديه وهمّ بشربه، فجعلت يده ترتعد حتى ضرب القدح ثنايا الحسن. فتركه من يده وقال لعقيد: أدخل البيت فانك ترى صبياً ساجداً، فاتني به.
قال ابو سهل: قال عقيد فدخلت أتحرى، فاذا انا بصبي ساجد رافع سبابته نحو السماء. فسلمت عليه فاوجز في صلاته.
فقلت: انّ سيدي يأمرك بالخروج اليه، إذاً جاءت امه صقيل فأخذت بيده وأخرجته الى أبيه الحسن (عليه السلام).
قال أبو سهل: فلما مثل الصبي بين يديه سلّم، واذا هو دري اللون، وفي شعر رأسه قطط - أي تجعيد -، مفلج الاسنان.
فلما رآه الحسن (عليه السلام) بكى وقال: يا سيّد أهل بيته، إسقني الماء فاني ذاهب الى ربي، واخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده، ثم حرك شفتيه ثم سقاه.
فلما شربه قال: هيئوني للصلاة، فطرح في حجره منديل، فوضّأه الصبي واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه.
فقال له أبو محمد (عليه السلام): إبشر يا بني، فانت صاحب الزمان، وانت المهدي،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(118) الارشاد: ج 2 ص 353 ح 9.
وانت حجة الله على أرضه، وانت ولدي ووصيي وانا ولدتك.
وانت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
ولدك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وانت خاتم الأئمّة الطاهرين، وبشّر بك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وسمّاك وكنّاك بذلك. عهد اليَّ أبي عن آبائك الطاهرين صلّى الله على أهل البيت، ربّنا انه حميد مجيد».
ومات الحسن بن علي من وقته صلوات الله عليهم أجمعين(119).
9 - حديث ابي نعيم محمد بن احمد الأنصاري قال: وجّه قوم من المفوضة كامل بن ابراهيم المدني الى أبي محمد (عليه السلام).
قال كامل: فقلت في نفسي: لئن دخلت عليه اسأله عن الحديث المروي عنه: «لا يدخل الجنة الا من عرف معرفتي».
وكنت جلست الى باب عليه ستر مسبل، فجاءت الريح فكشفت طرفه واذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء اربع سنين أو مثلها.
فقال لي:
«يا كامل بن ابراهيم!
فاقشعررت من ذلك، فقلت: لبيك يا سيدي.
قال: جئت الى ولي الله تسأله: لا يدخل الجنة الا من عرف معرفتك وقال بمقالتك.
قلت: اي والله.
قال: اذاً والله يقلّ داخلها، والله انه ليدخلنها قوم يقال لهم الحقية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(119) الغيبة: ص 165.
قلت: ومن هم.
قال: هم قوم من حبّهم لعلي يحلفون بحقّه ولا يدرون ما حقّه وفضله؛ انهم قوم يعرفون ما تجب عليهم معرفته جملة لا تفصيلاً، من معرفة الله ورسوله والأئمّة ونحوها.
ثم قال: وجئت تسأل عن مقالة المفوضة، كذبوا بل قلوبنا اوعية لمشيئة الله فاذا شاء الله شئنا والله يقول: (وما تشاؤون الا أن يشاء الله).
فقال لي أبو محمد: ما جلوسك فقد أنبأك بحاجتك»(120).
10 - حديث علي بن ابراهيم بن مهزيار، الذي كان خادماً له (عليه السلام): أن الحسن العسكري (عليه السلام) كان يأمرني بإحضار حجة الله من السرداب، وأنا احضره عنده وهو يأخذه ويقبله ويتكلّم معه، وهو يجاوب أباه بذلك وهو يشير الى برده وأردّه الى السرداب.
حتى انه (عليه السلام) أمرني بإحضاره يوماً من الأيام، فقال (عليه السلام):
«يا بن مهزيار، ائتني بولدي حجّة الله فأتيت به اليه من السرداب. فأخذه مني وأجلسه في حجره وقبّل وجهه، وتكلّم معه بلغة لا أعرفها، وهو يجاوب أباه بتلك اللغة. فأمرني بردّه الى محله ومكانه، فذهبت به ورجعت الى العسكري (عليه السلام).
ثم رأيت أشخاصاً من خواص المعتمد العباسي عند الامام (عليه السلام) يقولون: ان الخليفة يقرئك السلام ويقول: بلغنا ان الله (عزَّ وجلَّ) اكرمك بولد وكبر. فلم لا تخبرنا بذلك لكي نشاركك في الفرح والسرور؟ ولابد لك أن تبعثه الينا فانا مشتاقون اليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(120) كشف الغمة في: الزام الناصب: ج 1 ص 341.
قال ابن مهزيار: لما سمعت منهم هذه المقالة فزعت وتضجرت وتفجرت واضطرب فؤادي.
فقال الامام: يا بن مهزيار اذهب بحجة الله الى الخليفة.
فزاد اضطرابي وحيرتي، لاني كنت متيقناً انه أراد قتله. فكنت اتعلل وانظر الى سيدي ومولاي العسكري (عليه السلام). فتبسّم في وجهي وقال: لا تخف، اذهب بحجة الله الى الخليفة.
فأخذتني الهيبة ورجعت الى السرداب، فرأيته يتلألأ نوره كالشمس المضيئة. فما كنت رأيته بذلك الحسن والجمال، وكانت الشامة السوداء في خدّه الأيمن كوكب دري. فحملته على كتفي وكان عليه برقع.
فلما اخرجته من السرداب تنوّرت سامراء من تلك الطلعة الغراء وسطع النور من وجهه الى عنان السماء، واجتمع الناس رجالاً ونساء في الطرق والشوارع، وصعدوا على السطوح، فانسد الطريق عليَّ فلم أقدر على المشي الى أن صار أعوان الخليفة يبعّدون الناس من حولي، حتى ادخلوني دار الامارة فرُفع الحجاب، فدخلنا مجلس الخليفة.
فلما نظر هو وجلساؤه الى طلعته الغراء والى ذلك الجمال والبهاء، أخذتهم الهيبة منه، فتغيرت الوانهم وطاش لبهم وحارت عقولهم وخرست ألسنتهم، فصار الرجل منهم لا يتكلم ولا يقدر ان يتحرك من مكانه. فبقيت واقفاً والنور الساطع والضياء اللامع على كتفي.
فبعد برهة من الزمان قام الوزير وصار يشاور الخليفة. فأحسست انه يريد قتله، فغلب عليَّ الخوف من أجل سيدي ومولاي. فاذا بالخليفة أشار الى السيافين ان اقتلوه، فكل واحد منهم اراد سل سيفه من غمده، فلم يقدر عليه ولم يخرج السيف من غمده.
وقال الوزير: هذا من سحر بني هاشم وليس هذا بعجيب، ولكن ما اظن ان سحرهم يؤثر في السيوف التي في خزانة الخليفة.
فأمر بإتيان السيوف من الخزانة فأُتيَت، فلم يقدروا ايضاً على اخراجها من اغمادها. وجاؤوا بالمواسي والسكاكين، فلم يقدروا على فكّها.
ثم امر الخليفة - بإشارة من الوزير - بالأُسود الضارية من بركة السباع، فأُتي بثلاثة من الاسود الضارية والسباع العادية.
فأشار اليَّ الخليفة وقال: القه نحو الأسود.
فحار عقلي وطاش لبي وقلت في نفسي اني لا افعل ذلك ولو اني اُقتل.
فقرب (عجّل الله فرجه) من اذني، فقال لي: لا تخف وألقني.
فلما سمعت من سيدي ومولاي ذلك، القيته نحو الأسود بلا تأمل.
فتبادَرَت وتسابَقَت الاسود نحوه وأخذوه بأيديهم في الهواء ووضعوه على الأرض برفق ولين، ورجعوا الى القهقري مؤدّبين كأنّهم العبيد بين يدي الموالي واقفين.
ثم تكلّم واحد منهم بلسان فصيح، شهد بوحدانية الباري عزّ شأنه وبرسالة النبي المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبإمامة علي المرتضى والزكي المجتبى والشهيد بكربلا والائمة واحداً واحداً، ثم قال: يا بن رسول الله، لي اليك الشكوى فهل تأذن لي؟ فأذن له.
فقال: اني هَرِم وهذان شابان؛ فاذا جيء الينا بطعمة ما يراعياني، ويأكلان الطعمة قبل أن اُكمل فأبقى جائعاً.
قال (عجّل الله فرجه): مكافأتهما أن يصيرا مثلك وتصير مثلهما».
فلما قال هذا الكلام، فاذا صار كما قال وصار كما أراد، فعرض لهما الهرم وعاد له الشباب ما شاء الله.
فلما رأى الحاضرون كبِّروا جميعاً من غير اختيار، وفزع الخليفة ومن كان معه وتغيرت الوانهم فأمر برده الى أبيه العسكري (عليه السلام).
فعدت ضاحكاً شاكراً لله حامداً له فأتيت به الى أبيه وقصصت عليه القصة فأمرني برده الى السرداب فذهبت به(121).
(2) من رآه بعد حياة أبيه (عليه السلام) في الغيبة الصغرى
وهذا ثابت أيضاً بمتواتر الحديث والخبر العلمي، من ذلك:
1 - حديث عبد الله بن جعفر الحميري قال: سمعت محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) يقول: رأيته صلوات الله عليه متعلّقاً بأستار الكعبة وهو يقول:
«اللهم انتقم لي من أعدائي»(122).
2 - حديث عبد الله السوري قال: صرتُ الى بستان بني عامر فرأيت غلماناً يلعبون في غدير ماء، وفتىً جالساً على مصلّى واضعاً كمّه على فيه، فقلت: من هذا؟
فقالوا: م ح م د بن الحسن (عليه السلام) وكان في صورة أبيه (عليه السلام)(123).
3 - حديث ابي محمد الحسن بن الوجناء النصيبي قال: كنت ساجداً تحت الميزاب في رابع أربع وخمسين حجّة بعد العتمة وأنا أتضرّع في الدُّعاء، إذ حرّكني محرّك فقال: قم يا حسن بن وجناء.
قال: فقمت فإذا جارية صفراء نحيفة البدن أقول: إنّها من أبناء أربعين فما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(121) عن تبصرة الولي في الزام الناصب: ج 1 ص 356.
(122) كمال الدين: ص 440 ب 43 ح 10.
(123) كمال الدين: ص 441 ب 43 ح 13.
فوقها.
فمشت بين يديَّ وأنا لا اسألها عن شيء حتّى أتت بي إلى دار خديجة (عليها السلام)، وفيها بيت بابه في وسط الحائط وله درج ساج يرتقى، فصعدت الجارية وجاءني النداء: اصعد يا حسن، فصعدت فوقفت بالباب.
فقال لي صاحب الزمان (عليه السلام):
«يا حسن! أتراك خفيت عليَّ. والله ما من وقت في حجّك إلاّ وأنا معك فيه.
ثمَّ جعل يعدُّ عليَّ أوقاتي.
فوقعت [مغشياً] على وجهي، فحسست بيدٍ قد وقعت عليَّ فقمت.
فقال لي: يا حسن! الزم دار جعفر بن محمد (عليهما السلام)، ولا يهمّك طعامك ولا شرابك ولا ما يستر عورتك.
ثمَّ دفع إليَّ دفتراً فيه دعاء الفرج وصلاة عليه، فقال: بهذا فادع وهكذا صلِّ عليَّ، ولا تعطه إلاّ محقّي أوليائي، فإنَّ الله جلَّ جلاله موفّقك.
فقلت: يا مولاي لا أراك بعدها؟
فقال: يا حسن، إذا شاء الله».
قال: فانصرفت من حجّتي ولزمت دار جعفر بن محمد (عليهما السلام). فأنا أخرج منها فلا أعود إليها إلّا لثلاث خصال: لتجديد وضوء أو لنوم أو لوقت الإفطار، وادخل بيتي وقت الإفطار فأصيب رباعيّاً مملوءً ماءً ورغيفاً على رأسه وعليه ما تشتهي نفسي بالنهار. فآكل ذلك فهو كفاية لي، وكسوة الشتاء في وقت الشتاء، وكسوة الصيف في وقت الصيف.
وإنّي لأدخل الماء بالنهار فأرشّ البيت وأدع الكوز فارغاً، فأُوتي بالطعام
ولا حاجة لي إليه، فاصّدّق به ليلاً كيلا يعلم بي من معي(124).
4 - حديث الحسن بن وجناء، عن أبيه، عن جدّه انه سمعه يقول: أنه كان في دار الحسن بن علي (عليهما السلام)، فكبستنا الخيل وفيهم جعفر بن علي الكذاب، واشتغلوا بالنهب والغارة وكانت همّتي في مولاي القائم (عليه السلام).
قال: فاذا [أنا] به (عليه السلام) قد أقبل وخرج عليهم من الباب وأنا أنظر اليه وهو (عليه السلام) ابن ستّ سنين. فلم يرهُ أحدٌ حتى غاب(125).
5 - حديث علي بن سنان الموصلي قال: حدّثني أبي، قال: لما قبض سيدنا ابو محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهما، وَفَد من قم والجبال وفودٌ بالأموال التي كانت تحمل على الرسم والعادة، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن (عليه السلام).
فلمّا أن وصلوا إلى سرَّ من رأى، سألوا عن سيّدنا الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، فقيل لهم: إنّه قد فقد.
فقالوا: ومن وارثه؟
قالوا: أخوه جعفر بن عليّ.
فسألوا عنه، فقيل لهم: إنّه قد خرج متنزّهاً وركب زورقاً في الدجلة يشرب ومعه المغنّون.
قال: فتشاور القوم فقالوا: هذه ليست من صفة الإمام، وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتّى نردّ هذه الأموال على أصحابها.
فقال أبو العباس محمد بن جعفر الحميريُّ القمّي: قفوا بنا حتّى ينصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(124) كمال الدين: ص 443 ب 43 ح 17.
(125) كمال الدين: ص 473 ب 43 ح 25.
هذا الرجل ونختبر أمره بالصحّة.
قال: فلمّا انصرف، دخلوا عليه فسلّموا عليه وقالوا: يا سيّدنا، نحن من أهل قم ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها، وكنّا نحمل الى سيّدنا أبي محمد الحسن بن علي الأموال.
فقال: وأين هي؟
قالوا: معنا.
قال: احملوها إليَّ.
قالوا: لا، إنَّ لهذه الأموال خبراً طريفاً.
فقال: وما هو؟
قالوا: إنَّ هذه الأموال تجمع ويكون فيها من عامّة الشيعة الدينار والديناران. ثمَّ يجعلونها في كيس ويختمون عليه، وكنّا إذا وردنا بالمال على سيّدنا أبي محمد (عليه السلام) يقول: جملة المال كذا وكذا ديناراً؛ من عند فلان كذا ومن عند فلان كذا، حتّى يأتي على أسماء الناس كلّهم ويقول ما على الخواتيم من نقش.
فقال جعفر: كذبتم، تقولون على أخي ما لا يفعله، هذا علم الغيب ولا يعلمه إلاّ الله.
قال: فلمّا سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر الى بعض، فقال لهم:
احملوا هذا المال إليَّ.
قالوا: إنّا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب المال ولا نسلّم المال إلاّ بالعلامات التي كنّا نعرفها من سيّدنا الحسن بن علي (عليهما السلام)، فإن كنت الإمام فبرهن لنا، وإلّا رددناها إلى أصحابها، يرون فيها رأيهم.
قال: فدخل جعفر على الخليفة - وكان بسرَّ من رأى - فاستعدى عليهم.
فلمّا احضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلى جعفر.
قالوا: أصلح الله أمير المؤمنين، إنّا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب هذه الأموال، وهي وداعة لجماعة وأمرونا بأن لا نسلّمها إلاّ بعلامة ودلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمد الحسن بن عليّ (عليهما السلام).
فقال الخليفة: فما كانت العلامة التي كانت مع أبي محمّد؟
قال القوم: كان يصف لنا الدنانير وأصحابها والأموال وكم هي. فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه، وقد وفدنا إليه مراراً فكانت هذه علامتنا معه ودلالتنا، وقد مات.
فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه، وإلاّ رددناها إلى أصحابها.
فقال جعفر: يا أمير المؤمنين، إنَّ هؤلاء قوم كذَّابون، يكذبون على أخي وهذا علم الغيب.
فقال الخليفة: القوم رسل، وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين.
قال: فبهت جعفر ولم يرد جواباً.
فقال القوم: يتطوَّل أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى مَن يبدرقنا حتى نخرج من هذه البلدة.
قال: فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها.
فلما أن خرجوا من البلد، خرج إليهم غلامٌ أحسن الناس وجهاً، كأنّه خادم. فنادى: يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان، أجيبوا مولاكم.
قال: فقالوا: أنت مولانا؟
قال: معاذ الله! أنا عبد مولاكم فسيروا إليه.
قالوا: فسرنا [إليه] معه، حتّى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي (عليهما السلام)، فإذا
ولده القائم سيّدنا (عليه السلام) قاعد على سرير كأنّه فلقه قمر، عليه ثياب خضر. فسلّمنا عليه، فردَّ علينا السلام. ثمَّ قال:
«جملة المال كذا وكذا ديناراً، حمل فلان كذا، [وحمل] فلان كذا.
ولم يزل يصف حتّى وصف الجميع؛ ثمَّ وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدوابّ.
فخررنا سجّداً لله (عزَّ وجلَّ) شكراً لما عرَّفنا، وقبّلنا الأرض بين يديه، وسألناه عمّا أردنا فأجاب. فحملنا إليه الأموال.
وأمرنا القائم (عليه السلام) أن لا نحمل الى سرَّ من رأي بعدها شيئاً من المال، فإنّه ينصب لنا ببغداد رجلاً يحمل إليه الأموال ويخرج من عنده التوقيعات.
قالوا: فانصرفنا من عنده، ودفع الى أبي العباس محمد بن جعفر القمي الحميريّ شيئاً من الحنوط والكفن، فقال له: أعظم الله أجرك في نفسك».
قال: فما بلغ أبو العباس عقبة همدان حتى توفّى رحمه الله.
وكان بعد ذلك نحمل الأموال الى بغداد الى النواب المنصوبين بها ويخرج من عندهم التوقيعات(126).
6 - حديث محمد بن اسماعيل بن موسى بن جعفر (عليهما السلام) - وكان أسنّ شيخ من ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالعراق - قال: رأيت إبن الحسن بن عليّ بن محمد (عليهم السلام) بين المسجدين وهو غلام(127).
7 - حديث أحمد بن ابراهيم بن ادريس، عن أبيه انه قال: رأيته (عليه السلام) بعد مضيّ أبي محمد حين أيفع - اي راهق العشرين من عمره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(126) كمال الدين: 476 ب 43 ح 26.
(127) الارشاد: ج 2 ص 351 ح 1.
- وقبّلتُ يده ورأسه(128).
8 - حديث الآودي - في حدود سنة ثلاثمائه - قال: بينا أنا في الطواف - وقد طفتُ ستّة وأريد أن أطوف السابعة - فاذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة وشابٌّ حسن الوجه، طيب الرائحة، هيوب، ومع هيبته متقرب الى الناس.
فتكلم فلم أرَ أحسن من كلامه ولا أعذب من منطقه في حسن جلوسه.
فذهبت اُكلّمه فَزَبرَني الناس، فسألت بعضَهم: من هذا؟
فقال: ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)! يظهر للناس في كل سنة يوماً لخواصّه، فيحدّثهم ويحدّثونه.
فقلتُ: مسترشد أتاك، فارشدني هداك الله.
قال: فناولني حصاة، فحوّلت وجهي.
فقال لي بعض جلساءه: ما الذي دفع اليك ابن رسول الله؟
فقلت: حصاة، فكشفت عن يدي فاذا أنا بسبيكة من ذهب، وإذا أنا به قد لحقني فقال:
«ثبتت عليك الحجة وظهر لك الحق وذهب عنك العمى، أتعرفني؟
فقلت: اللهم لا.
فقال المهدي: أنا قائم الزمان، أنا الذي أملأها عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً...»(129).
9 - حديث محمد بن أحمد الأنصاري في سنة 293 قال: كنت حاضراً عند المستجار بمكّة وجماعة زهاء ثلاثين رجلاً، لم يكن منهم مخلص غير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(128) الارشاد: ج 2 ص 353 ح 7.
(129) الغيبة لشيخ الطائفة: ص 152.
محمّد بن القاسم العلوي.
فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ومائتين، إذ خرج علينا شاب من الطواف عليه أزاران؛ محرم بهما، وفي يده نعلان. فلما رأيناه قمنا جميعاً هيبة له ولم يبق منا أحد إلا قام، فسلم علينا وجلس متوسطاً ونحن حوله.
ثم التفت يميناً وشمالاً (ثم قال):
«أتدرون ما كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول في دعاء الالحاح؟ قال كان يقول: اللهم إني أسألك باسمك الذي به تقوم السماء وبه تقوم الأرض، وبه تفرق بين الحق والباطل، وبه تجمع بين المتفرق، وبه تفرق بين المجتمع، وبه أحصيت عدد الرمال وزنة الجبال وكيل البحار؛ أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل لي من أمري فرجاً.
ثم نهض ودخل الطواف. فقمنا لقيامه حتى انصرف.
وأُنسينا أن نذكر أمره وان تقول من هو، وأي شيء هو، الى الغد في ذلك الوقت فخرج علينا من الطواف، فقمنا له كقيامنا بالأمس، وجلس في مجلسه متوسطاً، فنظر يميناً وشمالاً وقال: أتدرون ما كان يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد صلاة الفريضة؟
فقلنا: وما كان يقول؟
قال: كان يقول: اليك رفعت الأصوات وعنت الوجوه، ولك وضعت الرقاب، واليك التحاكم في الأعمال. يا خير من سئل، ويا خير من أعطى؛ يا صادق يا بارئ، يا من لا يخلف الميعاد، يا من أمر بالدعاء ووعد بالاجابة، يا من قال: (ادعوني استجب لكم)، يا من قال: (اذا سألك عبادي عني فاني قريب اُجيب دعوة
الداع اذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)، ويا من قال: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعاً انه هو الغفور الرحيم).
لبيك وسعديك، ها أنا ذا بين يديك المسرف، وأنت القائل: (لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعاً).
ثم نظر يميناً وشمالاً - بعد هذا الدعاء - فقال: أتدرون ما كان امير المؤمنين (عليه السلام) يقول في سجدة الشكر؟
فقلنا؟ وما كان يقول؟
قال: كان يقول: يا من لا يزيده كثرة الدعاء إلا سعة وعطاء، يا من لا تنفذ خزائنه، يا من له خزائن السماوات والأرض، يا من له خزائن ما دق وجلّ؛ لا تمنعك اساءتي من احسانك. أنت تفعل بي الذي أنت أهله، فانك أنت اهل الكرم والجود والعفو والتجاوز.
يا رب يا الله، لا تفعل بي الذي أنا اهله، فاني أهل العقوبة وقد استحققتها، لا حجة لي ولا عذر لي عندك. أبوء لك بذنوبي كلها، واعترف بها كي تعفو عني، وأنت اعلم بها مني. أبوء لك بكل ذنب أذنبته، وكل خطيئة احتملتها، وكل سيئة عملتها. رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم.
وقام ودخل الطواف فقمنا لقيامه وعاد من الغد في ذلك الوقت. فقمنا لإقباله كفعلنا فيما مضى.
فجلس متوسطاً ونظر يميناً وشمالاً فقال: كان علي بن الحسين سيد العابدين (عليه السلام) يقول في سجوده في هذا الموضع - واشار بيده الى الحِجر تحت الميزاب -.
عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، فقيرك بفنائك، سائلك بفنائك، يسألك ما لا يقدر عليه غيرك.
ثم نظر يميناً وشمالاً ونظر الى محمد بن القاسم من بيننا، فقال: يا محمد بن القاسم، أنت على خير إن شاء الله تعالى - وكان محمد بن القاسم يقول بهذا الأمر -.
ثم قام ودخل الطواف، فما بقي منا احد إلا وقد ألهم ما ذكره من الدعاء وأنسينا أن نتذاكر أمره إلا في آخر يوم.
فقال لنا أبو على المحمودي: يا قوم، أتعرفون هذا؟ هذا والله صاحب زمانكم.
فقلنا: وكيف علمت يا ابا علي؟
فذكر أنه مكث سبع سنين يدعو ربه ويسأله معاينة، صاحب الزمان.
(قال:) فبينا نحن يوماً عشية عرفة وإذا بالرجل بعينه، يدعو بدعاء وعيته.
فسألته ممن هو؟
فقال: من الناس.
قلت: من أي الناس؟
قال: من عربها.
قلت: من أي عربه؟
قال: من أشرفها.
قلت: ومن هم؟
قال: بنو هاشم.
قلت: من أي بني هاشم؟
فقال: من أعلاها ذروة واسناها.
قلت: ممن؟
قال: ممن فلق الهام، واطعم الطعام، وصلى والناس نيام».
قال: فعلمت أنه علوي فأحببته على العلوية، ثم افتقدته من بين يدي فلم ادر كيف مضى. فسألت القوم الذين كانوا حوله، تعرفون هذا العلوي؟
قالوا: نعم، يحج معنا في كل سنة ماشياً، فقلت: سبحان الله، والله ما أرى به أثر مشي.
قال: فانصرت الى المزدلفة كئيباً حزيناً على فراقه، ونمت من ليلتي تلك فاذا أنا برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يا ابا احمد رأيت طلبتك.
فقلت: ومن ذاك يا سيدي؟
فقال: الذي رأيته في عشيتك وهو صاحب زمانك.
قال (اي الأنصاري): فلما سمعنا ذلك منه (اي من المحمودي) عاتبناه أن لا يكون اعلمنا ذلك، فذكر أنه كان ينسى أمره الى وقت ما حدثنا به(130).
10 - حديث رشيق صاحب المادري، قال: بعث الينا المعتضد وأمرنا ان نركب ونحن ثلاثة نفر، ونخرج مخفين السروج، ونجنب اخرى، وقال: الحقوا بسامراء واكبسوا دار الحسن بن علي فانه توفي، ومن رأيتم في داره فأتوني برأسه.
فكبسنا الدار كما أمرَنا، فوجدناها داراً سرية، كأن الايدي رفعت عنها في ذلك الوقت.
فرفعنا الستر واذا سرداب في الدار الاخرى، فدخلناها وكأن بحراً فيها وفي اقصاه حصير، وقد علمنا انه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(130) الغيبة: ص 156 وكمال الدين: ص 470 ب 43 ح 24 باختلاف يسير.
هيئة، قائم يصلي. فلم يلتفت الينا ولا الى شيء من أسبابنا.
فسبق أحمد بن عبد الله ليخطى، فغرق في الماء وما زال يضطرب، حتى مددت يدي اليه فجلست فخلصته وأخرجته، فغشى عليه وبقى ساعة.
وعاد صاحبي الثاني الى فِعلِ ذلك، فناله مثل ذلك.
فبقيت مبهوتاً فقلت لصاحب البيت: المعذرة الى الله واليك، فوالله ما علمت كيف الخبر، والى من نجيء، وأنا تائب الى الله.
فما التفت اليَّ بشيء مما قلت.
فانصرفنا الى المعتضد، فقال: اكتموه والا ضربت رقابكم(131).
وهناك جماعة آخرون ممن تشرفوا برؤية محيّاه الأسعد في هذه الفترة في الغيبة الصغرى، من نوّابه ووكلاءه الكرام وغيرهم. فقد قال الشيخ الصدوق:
«حدثنا محمد بن محمد الخزاعي (رضي الله عنه) قال: حدثنا ابو على الأسدي، عن أبيه عن محمد بن ابي عبد الله الكوفي، أنه ذكر عدد من انتهى اليه ممن وقف على معجزات صاحب الزمان (عليه السلام) ورآه.
من الوكلاء ببغداد: العمريّ وابنه، وحاجز، والبلالي.
ومن أهل قمّ: أحمد بن اسحاق.
ومن أهل همدان: محمد بن صالح.
ومن أهل الري: البسّامي، والأسديُّ - يعني نفسه -.
ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء.
ومن أهل نيسابور: محمّد بن شاذان.
ومن غير الوكلاء من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس، وأبو عبد الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(131) كشف الغمة في: الزام الناصب: ج 1 ص 368.
الكندي، وأبو عبد الله الجنيدي، وهارون القزّاز، والنيليّ، وأبو القاسم بن دبيس، وأبو عبد الله بن فرّوخ، ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن (عليه السلام)، وأحمد ومحمد إبنا الحسن، وإسحاق الكاتب من بني نيبخت، وصاحب النواء، وصاحب الصرّة المختومة.
ومن همدان: محمد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمد بن هارون بن عمران.
ومن الدُّينور: حسين بن هارون، وأحمد بن اُخيّة، وابو الحسن.
ومن اصفهان: ابن باذشالة.
ومن الصيمرة: زيدان.
ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمد بن محمد، وعلي بن محمد بن اسحاق، وأبوه، والحسن بن يعقوب.
ومن أهل الري: القاسم بن موسى وابنه، وأبو محمد بن هارون، وصاحب الحصاة، وعليّ بن محمد، ومحمد بن محمد الكليني، وأبو جعفر الرفاء.
ومن قزوين: مرداس، وعليّ بن أحمد...
ومن شهر زور: ابن الخال.
ومن فارس: المحروج.
ومن مرو: صاحب الألف دينار، وصاحب المال والرقعة البيضاء، وأبو ثابت.
ومن نيسابور: محمد بن شعيب بن صالح.
ومن اليمن: الفضل بن يزيد، والحسن ابنه، والجعفريُّ، وابن الاُعجميّ، والشمشاطيُّ.
ومن مصر: صاحب المولودين، وصاحب المال بمكّة، وأبو رجاء.
ومن نصيبين: أبو محمد بن الوجناء.
ومن الأهواز: الحصيني»(132).
(3) من رآه (عليه السلام) في الغيبة الكبرى
وهذا مما ثبت أيضاً بما فوق المتواتر، وأعلى الإخبار المتكاثر، من ثقات الأنام وكبار الأعلام.
وبلغ من الكثرة بحيث يصعب الاحصاء، بل حتى استيعاب الأسماء، وقد دُوّنت فيه الكتب المستقلة، وذكرته المؤلفات المفصّلة مما يمكنك مراجعتها مثل:
1 - بحار الانوار، للعلم المجلسي: ج 52 ص 1 - 90.
2 - تبصرة الولي فيمن رأى المهدي (عليه السلام)، للسيد الجليل البحراني.
3 - النجم الثاقب، وجنّة المأوى، للمحدث النوري.
4 - دار السلام فيمن فاز بسلام الامام (عليه السلام)، للشيخ الميثمي العراقي.
5 - بدائع الكلام فيمن اجتمع بالإمام (عليه السلام)، للسيد اليزدي الطباطبائي.
6 - الزام الناصب في اثبات الحجة الغائب (عليه السلام)، للشيخ الحائري اليزدي: ج 2 ص 3 - 112.
7 - البهجة فيمن فاز بلقاء الحجة (عليه السلام)، للميرزا الألماسي.
8 - العبقري الحسان في تواريخ صاحب الزمان (عليه السلام)، للشيخ النهاوندي.
وغيرها مما له صلة بموضوعها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(132) كمال الدين: ص 442 ب 43 ح 16.
قال في منتخب الأثر:
«ومن تصفح الكتب المدوّنة فيها هذه الحكايات التي لا ريب في صحّة كثير منها، لقوّه اسناد، وكون ناقليه من الخواص والرجال المعروفين بالصداقة والأمانة والعلم والتقوى، يحصل له العلم القطعيّ الضروريّ بوجوده (عليه السلام)»(133).
وبهذا، ينتهي المبحث الأوّل والنقاط الثلاثة التي أثبتت الوجود الواقعي والفعلي للإمام المهدي ارواحنا فداه.
ووجوده المبارك باقٍ بإذن الله تعالى وارادته المتعالية الى زمان الدولة الحقّة التي ثبتت بالآيات المباركة والروايات المتواترة..
وأحاديث بقاء الحجّة في الأرض وعدم خلوّ الأرض من الخليفة ولولاه لساخت بأهلها، تثبت ذلك. فلاحظ احاديثه، مثل:
1 - حديث ابي بصير عن الامام الصادق (عليه السلام) قال:
«إن الله أجلّ وأعظم من أن يترك الأرض بغير امام عادل».
2 - حديث ابي حمزة قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: «لو بقيت الأرض بغير امام لساخت».
3 - حديث ابي هراسة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«لو أن الامام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها، كما يموج البحر بأهله»(134).
كل ذلك، مضافاً الى الأحاديث المتواترة بين الفريقين، المروية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الناصّة على أن الأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم أمير المؤمنين علي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(133) منتخب الأثر: ص 420.
(134) اصول الكافي: ج 1 ص 178 ح 6، 10، 12.
وآخرهم المهدي (عليهم السلام)، وأنهم لم يزالوا ما دام هذا الدين باقياً.
وتأتي الاشارة اليها والى مصادرها في المبحث الثالث، وهي مفيدة لزوم بقاء الامام المهدي بعد استشهاد الامام العسكري (عليهما السلام)، حتى يتحقق بقائهم ما دام هذا الدين باقياً.
فهو (عليه السلام) حيٌّ موجود الى ظهوره المسعود.
الغيبة في المقام مأخوذة من الغيب بمعنى الخفاء عن أعين الناظرين، والتواري عن الناس، مقابل الظهور.
لا بمعنى عدم الحضور فيهم أصلاً.
ويستفاد هذا المعنى من أحاديث الغيبة، كما يناسبه معنى الغيبة في اللغة، بالبيان التالي:
أمّا في الأحاديث:
1 - ففي التوقيع الشريف الى علي بن محمد السمري:
«... فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور الا بعد إذن الله تعالى ذكره.... ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر»(135).
حيث تلاحظ تفريع عدم الظهور على الغيبة لا عدم الحضور.
2 - حديث عبيد بن زرارة عن الامام الصادق (عليه السلام):
«يفقد الناس إمامهم فيشهدهم الموسم، فيراهم ولا يرونه»(136).
فتلاحظ ان الذي فرّعه (عليه السلام) على فقدان إمامهم، هو أن الناس لا يرونه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(135) البحار: ج 52 ص 151 ب 23 ح 1.
(136) البحار: ج 52 ص 151 ب 23 ح 2.
بالرغم من شهوده وحضوره الموسم فيفيد الحديث خفائه لا عدم حضوره.
3 - حديث محمد بن عثمان العمري قال: سمعته يقول:
«والله إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة؛ فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه»(137).
فتلاحظ التصريح بحضوره (عليه السلام) في كل سنة موسم الحج.
4 - حديث سدير الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول:
«... فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف، أن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقّه صاحب هذا الأمر، يتردد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم ولا يعرفونه، حتى يأذن الله له أن يعرّفهم نفسه، كما أذن ليوسف حتى قال له أخوته: أءِنَّك لأنتَ يوسُف، قال: أنا يوسُف»(138).
فتلاحظ حضوره وتردده بين الناس مع عدم معرفتهم له (عليه السلام).
5 - ما في البيان العلوي المبارك لحذيفة بن اليمان:
«حتى اذا غاب المتغيّب من وُلدي عن عيون الناس.... فوربّ عليّ، إن حجّتَها عليها قائمة ماشية في طرقها، داخلة في دُورها وقصورها، جوّالة في شرق الأرض وغربها.... تَرى ولا تُرى الى الوقت والوعد»(139).
حيث تلاحظ فيه صراحة الغيبة عن العيون، لا عدم الحضور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(137) البحار: ج 52 ص 152 ب 23 ح 4.
(138) البحار: ج 52 ص 154 ب 23 ح 9.
(139) الغيبة (للنعماني): ص 143 ح 3.
وأمّا في اللغة:
ففي مجمع البحرين(140):
«قوله تعالى: (وألقُوهُ في غَيابَتِ الجُبّ) بفتح الغين، اي في قعره.
سمى به لغيبوبته عن أعين الناظرين، وكل شيء غيب عنك فهو غيابة...، وما من غائبة اي ما من شيء شديد الغيبوبة والخفاء...».
وفي لسان العرب(141):
«والغيب أيضاً ما غاب عن العيون وإن كان محصلاً في القلوب، ويقال: سمعت صوتاً من وراء الغيب: أي من موضع لا أراه...، وقد تكرر في الحديث ذكر الغيب، وهو كل ما غاب عن العيون».
ومن الحقائق الثابتة أن الامام المهدي (عليه السلام) غائب عن العيون وخفيّ عن الأبصار مع كونه موجوداً بيننا، بل محوراً لوجود عالمنا، ومتصرفاً في شؤوننا.
وقد عرفت في البحث السابق الأخبار والاخبارات العلمية بغيابه، والأدلّة الوجدانية على وجوده مع غيبته.
والسؤال المطروح بدواً هنا هو أنه لماذا غاب الامام (عليه السلام) هذه القرون الطويلة؟
الجواب: أن لغيبته (عليه السلام) أسباباً وحكماً تدعوا اليها وتوجب حصولها، وسيأتي ذكرها، حِكَم خمسة كاملة.
لكن لابد من بيان مقدّمة في هذا المجال بدواً، تفيدنا على صعيد معرفة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(140) مجمع البحرين ص 130.
(141) لسان العرب: ج 1 ص 654، وقريب منه في: النهاية الأثيرية: ج 3 ص 399 وتاج العروس: ج 1 ص 416.
فلسفة الافعال الالهيّة والحقائق الكونيّه، فنقول: من الاُصول المسلّمة التي لا شك فيها إطلاقاً، أن الله تعالى حكيم لا يفعل شيئاً الا عن مصلحة واقعية؛ مصلحة ترجع الى نفس المكلفين، لا الى ذاته المقدّسة الغنيّة.
ومن المعلومات الأوّليّة والمشاهدات الوجدانيّة في الأرض والسماء والكون والفضاء، تدبير الله تعالى وتقديره في خلائقه وصنايعه التي ملأت الدنيا برمّتها، وعمّت الوجود في أسرارها.
وعلى أصل الحكمة وفعل الحكيم، لا بد وأن تكون تلك المخلوقات والموجودات والتدابير والتقديرات مبتنية على سرٍّ في الخلقة، ومصلحةٍ في التكوين وعلةٍ في الصنع؛ سواء أعرفنا تلك الأسرار والمصالح والعلل، أم لم نعرفها، اذ الحكيم لا يفعل عبثاً ولا يصنع شططاً.
والعقل يحكم بعد الاستقصاء والدقة بأن فعاله تعالى فعال الحكمة.
والشرع يقضي بذلك أيضاً في مثل قوله تعالى: (أفحسبتُم أنما خلقناكُم عَبثاً وأنّكم الينا لا تُرجعون)(142).
(وله المَثلُ الأعلى في السماواتِ والأرضِ وهو العزيزُ الحكيم)(143).
(عالمُ الغيبِ والشهادةِ وهو الحكيمُ الخبير)(144).
والنتيجة البديهيّة بعد هذا أنّ: كل ما صنعه الله وكل فعل قدّره الله، جارٍ على وفق المصلحة والحكمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(142) سورة المؤمنون: الآية 115.
(143) سورة الروم: الآية 27.
(144) سورة الأنعام: الآية 73.
وهذه القاعدة الكليّة العلمية الأصيلة مسلّمة عند جميع أهل الايمان، بل عند كل إنسان.
وهي ترشدنا وتوجب يقيننا في جميع الآثار الالهيّة الكونيّة، أن لها أسرار ومصالح وحكم واقعية، حتى إن لم نعرفها ولم نتوصل اليها.
وما أكثر الأسرار التي لم يصل اليها البشر، وبقيت مجهولة لديه على طول الدهر، ثم عُرفت الحكمة فيها بمقدار توصل العقل البشري اليها.
ويدرك الانسان هذا الأمر وجداناً، بتقدم العلوم والاكتشافات وجهود المراكز العلمية والمختبرات، والمعالم الكونية التي تجعله يتصاغر امام عظمة الخلقة وعظيم القدرة. ثم يقرّ بأن ما يعرفه من الأسرار هو اللا شيء بالنسبة الى ما يجهله.
قال تعالى: (ولو أنَّ ما في الأرضِ من شجرةٍ أقلامٌ والبحرُ يَمُدّه من بعدهِ سبعةُ أبحُر ما نَفِدت كلماتُ الله إنّ اللهَ عزيزٌ حكيم)(145).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «سبحانك ما أعظم ما نرى من خلقك، وما أصغر عِظَمهُ في جنب قدرتك، وما أهول ما نرى من ملوكتك، وما أحقر ذلك فيما غاب عنّا من سلطانك»(146).
اذا عرفت هذه المقدمة الأساسيّة، قلنا: إن من أهم تلك التدبيرات الالهيّة في العالم، شؤون الإمام، ومنها غيبة الامام المهدي (عليه السلام) الذي هو قطب رحى عالم الامكان، وخليفة الله الرحمن.
فلابدّ وأن تكون هي أيضاً جارية على وفق الحكمة المقتضية والمصلحة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المُلزمة، وإن لم نعرفها، أو لم يمكن التوصل إليها، أو لم تنكشف لنا.
كما يدلّنا على ذلك آخر حديث عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: «إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابدَّ منها، يرتاب فيها كلُّ مبطل.
فقلت له: ولم جعلت فداك؟
قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم.
قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟
فقال: وجه الحكمة في غيبته، وجه الحكمة في غيبات من تقدَّمه من حجج الله تعالى ذكره.
إنَّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره، كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار، لموسى (عليه السلام) إلاّ وقت افتراقهما.
يا بن الفضل، إنَّ هذا الأمر أمرٌ من أمر الله وسرٌّ من سرّ الله وغيب من غيب الله.
ومتى علمنا أنّه (عزَّ وجلَّ) حكيم، صدّقنا بأنَّ أفعاله كلّها حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف لنا»(147).
علماً بأن هذه الغيبة لا تمنع عن ألطاف الامامة، وسيأتي في هذا الباب أنه (عليه السلام) كالشمس المجلّلة بالسحاب، ينتفع بها وإن لم يُرَ شخصها.
وعلى الجملة، فغيبة مولانا الامام المنتظر (عليه السلام) حكمة بالغة وحقيقة حكيمة، حتى إذا لم نعرف حكمتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(147) البحار: ج 52 ص 91 ب 20 ح 4.
كيف وإن بعض حِكَمِها مبيّنٌ في الأحاديث، ومستفاد من بعض الأدلّة، ويؤيّدها البرهان والوجدان؛ نذكرها فيما يلي:
الحكمة الاُولى: أن حياته (عليه السلام) مهدّدة بالقتل فلابدّ من التحذّر وحفظ النفس بالغيبة
فان الظالمين كانوا ولم يزالوا يبذلون أقصى جهودهم للقضاء عليه، حيث علموا بالبشارات الصادقة انه هو الذي يقوّض عروشهم ويدمّر كيانهم ويزيل دولتهم.
كما علم فرعون انهدام صرح طغيانه بواسطة النبي موسى (عليه السلام)، فجمع كيده وبذل جُهده لقتل موسى وإفناءه.
فالإمام المهدي (عليه السلام) تحذراً من خطر القتل وإبقاء لنفسه الشريفة لأجل إظهار الدين الذي كتبه له ربُّ العالمين، اعتزل عنهم بالغيبة والاستتار.
وتستفاد حكمة التحذر والخوف من بعض الأحاديث الشريفة مثل:
1 - حديث أبان عن الامام الصادق (عليه السلام) قال:
«قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لابد للغلام من غيبة.
فقيل له: ولِمَ يا رسول الله؟
قال: يخاف القتل»(148).
2 - حديث زرارة عن الامام الصادق (عليه السلام) قال:
«للغلام غيبة قبل قيامه.
قلت: ولِمَ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(148) البحار: ج 52 ص 90 ب 20 ح 1.
قال: يخاف على نفسه الذبح»(149).
علماً بأن الخوف هذا هو خوف تحذّر الذي هو من الحزم، لا خوف جُبن الذي هو من الضعف.
فانه - مضافاً الى كون الامام اشجع الناس - هو من أهل بيت الشجاعة الهاشمية، ومن سلالة البطولة العلويّة الذين فاقوا الأقران، وغلبوا الشجعان.
فهو ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي اليه ينتهي كل شجاع، وباسمه ينادي كل بطل(150)، وهو الذي ما فرّ ولا ارتاع من كتيبة أبدا، ولا بارز أحداً الا قتله، ولا ضرب ضربةً تحتاج الى ثانية. فأنسى من كان قبلَه ومحا اسم من يأتي بعده.
وقال عنه ابن دأب: «لم يكعّ (اي لم يجبُن) عن أحد قط، ولم يضرب أحداً في الطول الا قدّه، ولم يضرب أحداً في العرض الا قطعه، وذكروا أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حمله على فرس فقال: «بابي وأمي مالي وللخيل، وأنا لا أتبع أحداً ولا أفرّ من أحد»»(151).
فليس في قاموس أهل البيت (عليهم السلام) الجُبن، حتى يكون خوف أحدهم للجبن. خصوصاً الامام المهدي (عليه السلام) الذي قدّر الله تعالى له الاستيلاء على الأرض كلها، فلابد وأن يكون خوفه تحذراً.
وقد تمسك بهذا الوجه في حكمة الغيبة، فخر الشيعة الشيخ المفيد في الفصول العشرة، فقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(149) البحار: ج 52 ص 20 ح 18.
(150) لاحظ ما ذكره من شجاعته (عليه السلام) في: شرح نهج البلاغة (للمعتزلي): ج 1 ص 20.
(151) الاختصاص: ص 149.
«...، إنّ ملوك الزمان إذ ذاك كانوا يعرفون من رأي الأئمة (عليهم السلام) التقية، وتحريم الخروج بالسيف على الولاة، وعيبَ من فعل ذلك من بني عمّهم ولومهم عليه، وأنه لا يجوز عندهم تجريد السيف حتى تركد الشمس عند زوالها، ويسمع نداء من السماء باسم رجل بعينه، ويخسف بالبيداء، ويقوم آخر أئمة الحق بالسيف ليزيل دولة الباطل.
وكانوا لا يُكبرون بوجود من يوجد منهم، ولا بظهور شخصه، ولا بدعوة من يدعو إلى إمام، لأمانهم مع ذلك من فتق يكون عليهم به.... فلما جاز وقت وجود المترقب لذلك، المخوف منه القيام بالسيف، ووجدنا الشيعة الامامية مطبقة على تحقيق أمره وتعيينه والاشارة اليه دون غيره، بعثهم ذلك على طلبه وسفك دمه.... وانّ ابن الحسن (عليهما السلام) لو يظهر لسفك القوم دمه، ولم تقتض الحكمة التخلية بينهم وبينه...»(152).
وأضاف (قدّس سرّه) في رسالة الغيبة:
«... أنه لم يكن أحد من آبائه (عليهم السلام) كُلّف القيام بالسيف مع ظهوره، ولا اُلزم بترك التقية، ولا اُلزم الدعاء الى نفسه حسبما كلّفه إمام زماننا.... ولما كان إمام هذا الزمان، هو المشار اليه بسلّ السيف من أوّل الدهر من تقادم الأيام المذكورة، والجهاد لأعداء الله عند ظهوره، ورفع التقية عن أوليائه، والزامه لهم بالجهاد، وانه المهدي الذي يُظهر الله به الحق، ويُبيد بسيفه الضلال.... لزمته التقية، ووجب فرضها عليه كما فُرضت على آبائه (عليهم السلام).
لأنّه لو ظهر بغير اعوان لألقى بيده الى التهلكة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(152) الفصول العشرة: ص 74.
ولو أبدى شخصه للأعداء لم يألوا جهداً في إيقاع الضرر به، واستئصال شيعته، وإراقة دمائهم على الاستحلال. فيكون في ذلك اعظم الفساد في الدين والدنيا....
ولما ثبت عصمته، وجب استتاره حتى يعلم يقيناً - لا شك فيه - حضور الأعوان له، واجتماع الأنصار، وتكون المصلحة العامة في ظهوره بالسيف، ويعلم تمكنه من إقامة الحدود، وتنفيذ الأحكام...»(153).
هذا، وليس حفظ النفس لهذا الخوف بأمرٍ جديد، أو عملٍ غير سديد، بل هو السبب الذي دعا الأنبياء والرسل من ذي قبل الى الاعتزال والاستتار..
كما تلاحظه في اختفاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الغار خوفاً من المشركين، واعتزاله في شِعب أبي طالب طيلة ثلاث سنوات وشهور.... وقبل ذلك فرار النبي موسى (عليه السلام) من مصر خوفاً، ووروده على النبي شعيب (عليه السلام) في مَديَن، فيما حكاه الله العظيم في كتابه الكريم بقوله عزّ من قائل: (وجاءَ رجلٌ من أقصى المدينةِ يَسعى قال يا مُوسى إنَّ الملأَ يأتمرونَ بِكَ ليقتلوكَ فاخرُج إنّي لكَ من الناصحين * فخَرَجَ منها خائفاً يترقّبُ قالَ ربِّ نجّني من القومِ الظالمين * ولمّا توجّه تِلقاءَ مَديَنَ قالَ عسى ربّي أن يهدِيَني سَواءَ السّبيل)(154).
وقوله تعالى حكاية عنه: (فَفَررتُ منكم لمّا خفتُكم فوَهَبَ لي ربّي حُكماً وجعلني من المرسَلين)(155).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(153) رسالة الغيبة: رقم 4 ص 12.
(154) سورة القصص: الآية 20 - 22.
(155) سورة الشعراء: الآية 21.
قال شيخ الطائفة (قدّس سرّه):
«مما يُقطع على أنه سببٌ لغيبة الامام، هو خوفه على نفسه بالقتل، بإخافة الظالمين إيّاه، ومنعهم اياه من التصرّف فيما جُعل اليه التدبير والتصرف فيه.... واذا خاف على نفسه، وجبت غيبته ولزم استتاره، كما استتر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تارة في الشعب، واُخرى في الغار، ولا وجه لذلك الا الخوف من المضار الواصلة اليه»(156).
وعليه فحفظ النفس بالاستتار أمرٌ عرفيّ عقلي، بل هو عملٌ مرغوب شرعي، يدعو اليه العقل والعقلاء حتى لمن عَلِمَ من نفسه قوّة البقاء.
وحصيلة البحث في المقام:
أنه لا مناص من حفظ النفس بالاستتار، في سبيل إقامة الدين الأكمل في وقته الأمثل.
فغاب الامام (عليه السلام) ليظهر في الوقت المناسب يداً إلهيّة، تعلو فلا تُطال؛ وكلمةً حقّة تدوي فلا تُردّ.
ثم إنه قد تُطرح في المقام تساؤلات فيحسن الاجابة عنها، من ذلك:
سؤال 1: هلاّ منع الله تعالى من قتله وحال بينه وبين اعدائه، ليبقى ظاهراً باقياً الى زمان دولته؟
الجواب: إن أمر الله تعالى له بالاستتار، نوع من المنع عن قتله. فانه ليس كل المنع عنه هو تعجيز الظالمين بالقهر والغلبة عن قتله.
بل إن الحيلولة بينهم وبينه قهراً، ينافي التكليف، ويضاد الاختيار، ويُبطل الثواب والعقاب، ولا جبر ولا تفويض بل أمرٌ بين الأمرين وهو الاختيار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(156) الغيبة: ص 61.
فيكون المناسب للاختيار هو دفع الأخطار بالاستتار.
سؤال 2: لماذا لم يبق (عليه السلام) ظاهراً كظهور آبائه الطاهرين مع التقية، فيدفع خوف الاعداء بالاتّقاء؟
الجواب: ان منهج الامام المهدي (عليه السلام) هو القيام بالسيف، ونشر لواء الاسلام في أرجاء الكون، وإظهار الدين جهراً وعلانية، وهذا لا يجتمع مع التقية كما هو واضح.
مضافاً الى أن آباءه الكرام، كان هناك من يقوم مقامهم من نسلهم، ويصلح للإمامة من بعدهم حين استشهادهم؛ بينما الامام المهدي (عليه السلام) هو خاتم الأئمة، وليس بعده وقبل قيامه من يقوم مقامه حتى يكون شأنه شأن آباءه.
سؤال 3: لماذا لم يبق (عليه السلام) ظاهراً فيفوز بأحد الأمرين وإحدى الحُسنيين: اما الظّفر والغلبة، واما الشهادة؟
الجواب: انه (عليه السلام) إدّخره الله تعالى لا تمام نوره، وتطبيق دينه، وإظهار رسالة نبيّه على الكرة الأرضية بسعتها، في جميع رباعها واصقاعها وهذا عزمٌ لا تخلف فيه.
ومن الواضح أن هذا لا يتحقق الا إذا كان النصر والظفر حتمياً جزميّاً، لا احتمالياً أو مردّداً كما فرض.
سؤال 4: إذا كان سبب الغيبة هو التحذر والخوف من الأعداء، فلماذا غاب عن الأولياء أيضاً؟
الجواب: انه اذا فتح طريق اللقاء وسبيل الزيارة لجميع الأولياء، كان من المعلوم عادة ظهور أثره ومعرفة خبره تدريجاً، وهو نقض لغرض غيبته.
واذا كان الطريق لبعض الأولياء ممن له سعادة اللقاء، فهو المأمول لشيعته وحظى به بعض من فاز منهم برؤيته.
قال شيخ الطائفة:
«والذي ينبغي أن يجاب عن السؤال الذي ذكرناه عن المخالف أن نقول: إنّا أولاً لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه، بل يجوز أن يظهر لأكثرهم، ولا يعلم كل إنسان الا حال نفسه...»(157).
وأضاف أمين الاسلام الطبرسي:
«إن غيبته عن اعدائه للتقية منهم، وغيبته عن اوليائه للتقية عليهم، والإشفاق من إيقاع الضرر بهم»(158).
سؤال 5: هل هناك غيبتان للإمام المهدي (عليه السلام)، ولماذا صارت الغيبة على نحوين: صغرى وكبرى، ولم تكن من أول الأمر كبرى؟
الجواب: نعم، هناك غيبتان: احداهما قصيرة والأخرى طويلة.
اُخبر بذلك قبل ميلاد الامام المهدي (عليه السلام) في الاخبار الشريفة المروية في كتب الفريقين، كالكافي وغيبة النعماني من الخاصة، وينابيع المودة والبرهان من العامة، كما تلاحظ نصوصها في منتخب الأثر(159).
والوجه في كونها على نحوين: صغرى وكبرى هو: إن الغيبة الصغرى كانت تمهيداً للغيبة الكبرى، ومَدخلاً اليها.
فقد اعتاد الشيعة الأبرار على التشرف بخدمة أئمتهم (عليهم السلام) سراً وعلانية منذ زمن أمير المؤمنين (عليه السلام).
فلو كانوا يُحرمون من هذه النعمة العظمى دفعة واحدة، لكان موجباً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(157) الغيبة: ص 68.
(158) إعلام الورى: ص 471.
(159) منتخب الاثر: ص 251.
للاستيحاش والاستنكار، بل ربما كان يوجب للبعض الشك والتزلزل.
لذلك كان من الحكمة أن يألف الشيعة غيبة إمامهم (عليه السلام) قليلاً قليلاً، فيعتادون ذلك خلال السنين السبعين تدريجاً في زمن النوّاب الأربعة الكرام.
مضافاً إلى أن نفس هذه الفترة الخاصّة كانت لازمة التحقق، لحصول التشرفات الجماعية بخدمة الامام المهدي (عليه السلام) لتثبت ولادته وحياته، ومشاهدة معجزاته وكراماته عيناً وحضوراً كما حصلت؛ ولو كانت الغيبة كبرى عامة من أول الأمر لم تحصل تلك التشرفات بالشكل اللازم(160).
سؤال 6: هلاّ دامت الغيبة الصغرى وامتدّت النيابة الخاصّة؟
الجواب: بالإضافة الى ان الغيبة الصغرى كانت فترة تمهيدية لا يناسبها الدوام.
كانت النيابة الخاصة بادرة مستورة مخفيّة، لا يعرفها الا الخواص، ولو دامت لعُرفت وانكشفت، وصارت النيابة مورداً للخطر القطعي، وهو نقضٌ للغرض.
سؤال 7: ما الدليل على غيبة الامام، وكيف ينتفع بالإمام الغائب (عليه السلام)؟
الجواب: ان الأدلة الشرعية المتواترة والواردة من طريق الفريقين صرّحت بغيبته، وقد تقدم بيانها.
كما ان البراهين العقلية على لزوم وجود الامام المعصوم، دلّت على وجوده، اما ظاهراً معلوماً او غائباً مستوراً، ولما لم يكن ظاهراً فهو غائب.
وأمّا فائدة وجود الامام (عليه السلام)، فلا تنحصر بظهوره وقيامه، أو بسط يده الحكوميّة وتصرفاته الظاهريّة فقط، بل إن أصل وجوده الشريف موضوع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(160) لاحظ للتفضيل تاريخ الغيبتين: كتاب الامام المهدي (عليه السلام) من المهد الى الظهور: ص 169.
لحصول الايمان، للحديث المتواتر بين الفريقين:
«من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية»(161).
فيؤمن الانسان بإمامه الموجود، وإن لم يَرَ شخصه المسعود، فتحصل به المعرفة وتكمل به العقيدة.
وبالإضافة الى ذلك له فوائد أساسيّة جمّة، نذكر بعضها فيما يلي:
1 - أن وجود الامام وجود للحجّة الالهيّة، وحفظ البيّنات الربّانية الذي اقتضته سُنّة الخالق في خلقه، ولولا الحجّة لما استقرت الأرض، بل ساخَت بأهلها وماجت بساكنيها.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
«اللهم بلى، لا تخلوا الأرض من قائم لله بحجّة؛ إمّا ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً، لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته»(162).
وفي حديث جابر عن الامام الباقر (عليه السلام):
«قلت: لأي شيء يُحتاج الى النبي والامام؟
فقال: لبقاء العالم على صلاحه.
وذلك أنّ الله (عزَّ وجلَّ) يرفع العذاب عن أهل الأرض، إذا كان فيها نبيّ أو إمام.
قال الله (عزَّ وجلَّ): (وما كان اللهُ ليعذبَهُم وأنتَ فيهم)(163).
وقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(161) اصول الكافي: ج 1 ص 376.
(162) نهج البلاغة: كلمة الحكمة 147.
(163) سورة الأنفال: الآية 33.
الأرض. فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون.
يعني بأهل بيته الأئمّة الذين قرن الله (عزَّ وجلَّ) طاعتهم بطاعته، فقال: (يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا اللهَ واطيعوا الرسولَ واُولي الأمرِ منكم)(164).
وهم المعصومون المطهّرون الذين لا يذنبون ولا يعصون، وهم المؤيّدون الموفّقون المسدّدون. بهم يرزق الله عباده، وبهم يعمر بلاده، وبهم ينزل القطر من السماء، وبهم تخرج بركات الأرض، وبهم يمهل أهل المعاصي ولا يعجّل عليهم بالعقوبة والعذاب. لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه، ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم صلوات الله عليهم أجمعين»(165).
وفي حديث سليمان بن جعفر الجعفري قال: سألت الرضا (عليه السلام) فقلت: لا تخلوا الأرض من حجّة؟
فقال: «لو خلت الأرض طرفة عين من حجّة لساخت بأهلها»(166).
وفي حديث ابراهيم بن أبي محمود عن الامام الرضا (عليه السلام) انه قال:
«نحن حجج الله في أرضه وخلفاؤه في عباده وامناؤه على سرّه، ونحن كلمة التقوى والعروة الوثقى، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريّته. بنا يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا، وبنا ينزّل الغيث وينشر الرحمة.
لا تخلو الأرض من قائم منّا ظاهرٍ أو خاف، ولو خلت يوماً بغير حجّة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله»(167).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(164) سورة النساء: الآية 59.
(165) البحار: ج 23 ص 19 ب 1 ح 14.
(166) البحار: ج 23 ص 29 ب 1 ح 43.
(167) البحار: ج 23 ص 35 ب 1 ح 59.
وهذا أعظم فائدة حياتية لجميع الخلق وكلّ المخلوقات في الأرضين والسماوات.
2 - ان الامام (عليه السلام) مركز للاُمور الكونيّة وتنجيز المقدّرات التكوينيّة التي تقدّر للخلق في ليلة القدر..
قال تعالى: (تنزّلُ الملائكةُ والروحُ فيها بإذنِ ربِّهم من كُلِّ أمر سَلامٌ هي حتّى مطلعِ الفجر)(168).
فعلى مَن تنزل الملائكة بعد النبي غير الامام (عليه السلام)؟
الامام (عليه السلام) مهبط الملائكة، وواسطة وصول الفيض الى خلق الله، وصدور الفيوضات الى عباد الله.
ففي الزيارة المطلقة الحسينيّة:
«... وبكم يمحو ما يشاء وبكم يُثبت، وبكم يفك الذُّلَّ من رقابنا، وبكم يدرك الله ترةَ كل مؤمن يُطلب بها، وبكم تنبت الأرض أشجارها، وبكم تخرج الأشجار أثمارها، وبكم تنزل السماء قطرها ورزقها، وبكم يكشف الله الكرب، وبكم ينزّل الله الغيث، وبكم تسيخ (اي تستقر وتثبت) الأرض التي تحمل أبدانكم وتستقر جبالها عن مراسيها.
إرادة الربّ في مقادير أموره تهبط اليكم، وتصدر من بيوتكم...»(169).
هذا شأن الامام (عليه السلام) فلابد من وجوده لتنجيز المقدرات الالهية بواسطته، ووصول الفيض الى خلقه.
3 - ان الامام (عليه السلام) له مقام الشاهديّة على الخلق، فيكون الجزاء يوم القيامة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الاعمال المشهودة، كما يدل على هذا قوله تعالى: (وكذلكَ جعلناكُم امّةً وسطاً لتكونوا شهداءَ على الناسِ ويكونَ الرسولُ عليكُم شهيداً)(170)، كما جاء في تفسير الخاصة والعامة(171).
فلابدّ من وجوده لأجل شاهديّته.
4 - أن وجوده (عليه السلام) فينا كوجود رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قوّة للقلوب واطمئنان للنفوس.
لأنه أمان الله في البلاد، والملجأ المفزع للعباد، يلجأون اليه في الشدّة والرخاء.
لذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
«كنّا اذا احمرّ البأس(172) إتّقينا برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلم يكن أحدٌ منّا أقرب الى العدوّ منه»(173).
والامام (عليه السلام) كالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ بوجوده يأمن الخلق، وببركته يدفع العذاب.
وقد جاء في الحديث الجامع لعبد العزيز بن مسلم، عن الامام الرضا (عليه السلام) في ذكر صفات الامام أنه (عليه السلام):
«مفزع العباد في الداهية النآد»، اي الامور العظيمة(174).
5 - حيث عرفت في معنى الغيبة، أنها ليست بمعنى عدم وجوده او عدم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(170) سورة البقرة: الآية 143.
(171) كما تلاحظ من الخاصة في: تفسير كنز الدقائق: ح 2 ص 177، ومن العامة في: شواهد التنزيل: ج 1 ص 92.
(172) كناية عن اشتداد الأمر في الحرب.
(173) نهج البلاغة: فصل غريب كلامه (عليه السلام) الرقم 9.
(174) اصول الكافي: ج 1 ص 198 ح 1.
حضوره، بل بمعنى أنه لا يُرى او لا يُعرف، فهو موجود ناظر، ذو خير باهر ولطفٍ زاهر.
فانه (عليه السلام) يعين المحتاجين، ويرشد الضالّين، وينجي المؤمنين، وينتصر للضعفاء، ويُغني البؤساء.
فكم من مريضٍ قد شفاه، وعطشان قد أرواه، ومضطرّ قد نجّاه، ومنقطعٍ قد هداه، وعاجزٍ قد اغناه.
والوجدان خير دليلٍ يغنى عن البيان.
6 - انه يُنتفع به (عليه السلام) في غيبة، كالانتفاع بالشمس اذا غيّبها عن الأبصار السحاب كما ورد في بيانه.
ففي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جاء فيه:
«...، فقلت له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اي والذي بعثني بالنبوّة، إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس وان تجلّلها سحاب...»(175).
وفي حديث سليمان بن مهران الأعمش عن الامام الصادق (عليه السلام): فقلت للصادق (عليه السلام): فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟
قال: «كما ينتفعون بالشمس اذا سترها السحاب»(176).
وفي حديث التوقيع المبارك لمولانا صاحب الزمان (عليه السلام) الى محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) جاء فيه:
«واما وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(175) كمال الدين: ص 253 ب 23 ح 3.
(176) كمال الدين: ص 207 ب 21 22.
الابصار السحاب، وانى لأمان لأهل الارض، كما ان النجوم أمان لأهل السماء...»(177).
وتشبيه الانتفاع بالإمام المهدي (عليه السلام) بالانتفاع بالشمس هذا من ألطف أنواع التشبيه وأجمله وأعمقه.
فللشمس الدور القيادي في المجموعة الشمسية لجميع الكواكب الكونيّة، وبها نظم الكون، ولولاها لا ختل العالم، وكذلك الامام المهدي (عليه السلام).
ثم إنّ لجميع الموجودات الانتفاع الفائق والحيويّة من هذا النجم المضيء.
فكل موجود يستوفي انتفاعه واستفادته من الشمس في حالتي ظهورها بالإشراق واستتارها بالسحاب، وكذلك الامام (عليه السلام).
ثم إنّ بالشمس يتنوّر العالم وبدونه تكون الظلمات، وكذلك بالإمام الحجّة (عليه السلام) نور العوالم وبدونه تكون الظلمات.
مضافاً الى ان في نفس التعبير بتجلل الشمس بالسحاب، لعله لنكتة استفادة عموم الناس منه (عليه السلام).
فان السحاب المجلِّل، هو السحاب الذي يجلل الأرض بماء المطر أي يعمها كما في المجمع(178).
وشمس وجوده (عليه السلام) بالرغم من اختفاءه بسحاب الغيبة يعمّ الناس بالنفع بسحابه المجلِّل وخيره الكامل.
ولشيخ الاسلام المجلسي (قدّس سرّه) بيان مفصّل في جهة التشبيه في المقام، قال فيه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«بيان: التشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب يؤمي الى امور».
ثم ذكر اموراً ثمانية جاء في ضمنها قوله:
«الاول: أنَّ نور الوجود والعلم والهداية، يصل الى الخلق بتوسّطه (عليه السلام).
إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنّهم العلل الغائيّة لا يجاد الخلق. فلولاهم لم يصل نور الوجود الى غيرهم؛ وببركتهم والاستشفاع بهم والتوسّل إليهم، يظهر العلوم والمعارف على الخلق ويكشف البلايا عنهم، فلولاهم لاستحقَّ الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب، كما قال تعالى: (وما كان اللهُ ليعذّبَهم وأنتَ فيهم)(179).
ولقد جرّبنا مراراً لا نحصيها أنَّ عند انغلاق الامور وإعضال المسائل والبعد عن جناب الحقّ تعالى وانسداد أبواب الفيض، لمّا استشفعنا بهم وتوسّلنا بأنوارهم، وبقدر ما يحصل الارتباط المعنويُّ بهم في ذلك الوقت، تنكشف تلك الاُمور الصعبة.
وهذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الايمان، وقد مضى توضيح ذلك في كتاب الإمامة.
الثاني: كما أنَّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها، ينتظرون في كلِّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها، ليكون انتفاعهم بها أكثر. فكذلك في أيّام غيبته (عليه السلام)، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره، في كلِّ وقت وزمان، ولا ييأسون منه.
الثالث: أنَّ منكر وجوده (عليه السلام) مع وفور ظهور آثاره، كمنكر وجود الشمس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(179) سورة الانفال: الآية 33.
اذا غيّبها السحاب عن الأبصار...»، الى آخر ما أفاده أعلى الله مقامه(180).
7 - رعايته لنا ودعاؤه لنا بوجوده المبارك بالدعاء الذي لا يُحجب عن رب الارض والسماء، وهو من خير النعم والآلاء، كما تلاحظها في التوقيعين الشريفين الآتيين للشيخ المفيد (قدّس سرّه).
الحكمة الثانية: استقلاله عن البيعة لأحدٍ
فإنّ الامام المهدي (عليه السلام) بواسطة غيبته، يكون مستغنياً عن التقية من حُكّام عصره وجائري زمانه.
فلا تكون في عنقه بيعة لأحدٍ منهم، ولو تقيّةً واضطراراً وصورةً، حتّى يُلزَم بالوفاء بها والالتزام بعهدها. كما كانت هذه البيعة الاجبارية لآبائه الطاهرين (عليهم السلام) تقيةً(181).
فان زمان ظهور الامام المهدي (عليه السلام)، هو زمان ظهور الحق المطلق بأجلى ظهوره وازدهاره، في كافة مجالات الحياة، وفي كل بقعة ومكان من الأرض الواسعة. ومن المعلوم أن التقية تنافي ذلك فهي مرتفعة آنذاك.
ولازم هذا أن لا تكون بيعة لأحدٍ في عنق الامام المهدي (عليه السلام)، حتى لا يضطر الى مراعاة التقية من الظالمين، والالتزام ببيعة الجائرين.
وتستفاد هذه الحكمة من الأحاديث الشريفة بالصراحة مثل:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(180) البحار: ج 52 ص 93.
(181) لا يخفى ان المقصود بهذه البيعة هي البيعة الظاهريّة، والا فالبيعة الواقعية تكون للإمام (عليه السلام) على سائر الخلق لا للناس على الامام (عليه السلام).
1 - حديث أبي سعيد عقيصا - المتقدم - عن الامام الحسن المجتبى (عليه السلام) جاء فيه:
«أما علمتم أنه ما منّا أحدٌ الا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، الا القائم الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) خلفه، فان الله (عزَّ وجلَّ) يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة اذا خرج»(182).
2 - حديث أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
«صاحب هذا الأمر، تعمى ولادته على [هذا] الخلق، لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة اذا خرج»(183).
3 - حديث جميل بن صالح عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال:
«يُبعث القائم وليس في عنقه لأحد بيعة»(184).
4 - حديث هشام بن سالم، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال:
«يقوم القائم وليس لأحد في عنقه بيعة»(185).
5 - حديث الحسن بن فضّال، عن ابي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) [قال]:
«كأني بالشيعة عند فقدانهم الثالث من ولدي(186)، يطلبون المرعى فلا يجدونه.
قلت له: ولِمَ ذاك يا بن رسول الله؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(182) كمال الدين: ص 316 ب 29 ح 2.
(183) البحار: ج 52 ص 95 ب 20 ح 11.
(184) البحار: ج 52 ص 95 ب 20 ح 12.
(185) البحار: ج 52 ص 95 ب 20 ح 13.
(186) اي عند واستشهاد الإمام العسكري (عليه السلام)، الذي هو بداية إمامة الامام المهدي (عليه السلام).
قال: لأنّ إمامهم يغيب عنهم.
فقلت: ولِمَ؟
قال: لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف»(187).
وهذه حكمة حكيمة تقتضي الغيبة للاستقلال وعدم التقيد بالبيعة.
وأضاف بعض الأعاظم(188) انه يمكن أن يستنبط وجه آخر يناسب هذه الحكمة في المقام.
وهو أن تكون من حكمة غيبة الامام المهدي (عليه السلام)، لا عدم البيعة لأحد عليه فحسب، بل عدم وجود حقٍ لأحدٍ من الظالمين عليه أيضاً، حتى يَلزم عليه مراعاته أخلاقاً، بحيث لو لم يُراعِ ذلك الحق كان مورداً للطعن فيه، أو محلاً للمنّ عليه.
كما تلاحظه في ما مَنَّ به فرعون على النبي موسى (عليه السلام):
(قال ألَم نُربِّكَ فينا وليداً ولَبثتَ فينا من عُمُرِكَ سنين)(189).
فأجابه النبي موسى (عليه السلام): (وتلكَ نعمةٌ تمنّها عليَّ أن عَبَّدتَ بني اسرائيل)(190).
فتحاشياً عن هكذا منّة تدعو الحكمة الى وجود الغيبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(187) البحار: ج 52 ص 96 ب 20 ح 14.
(188) مهدي منتظر: ص 40.
(189) سورة الشعراء: 18.
(190) سورة الشعراء: 22.
الحكمة الثالثة: سُنّة الله تعالى في امتحان خلقه
من سنن الله تعالى الجارية في خلقه منذ أن أرسل الرسل وبعث الأنبياء الى عباده، امتحان الناس واختبارهم، واستخلاص الصالح منهم.
وينكشف بهذا الاختبار والامتحان، مراتب الخلق وحقائق الانسان وضمائر البشر.
ويمتاز أيضاً من يصدُق في الدعوةِ الى العدالة والصلاح عمن ينتحلها ويدّعيها كذباً.
والله تعالى عالم بها، لكن ليعرف كل شخص حقيقة نفسه، وتتم حجة الله البالغة على خلقه.
قال تعالى: (أحَسِبَ الناسُ أن يُتركوا أن يقُولوا آمنّا وهُم لا يُفتَنون)(191).
وقال عزّ اسمه: (لِيهلِكَ مَن هَلَكَ عن بيّنة ويَحيى من حَيَّ عن بيّنة وإنَّ الله لسميعٌ عليم)(192).
وقال جلّ شأنه: (لقد أرسَلنا رُسُلَنا بالبيّناتِ وأنزلنا معهُمُ الكتابَ والميزانَ ليقومَ الناسُ بالقِسطِ وأنزلنا الحديدَ فيه بأسٌ شديدٌ ومنافِعُ للناسِ ولِيَعلمَ اللهُ مَن ينصُرُهُ ورسلَهُ بالغيب إن اللهَ قَويٌّ عزيز)(193).
هذا، ومما امتحن الله تعالى به الأمم السابقة، غيبةُ انبيائهم وأوصياء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(191) سورة العنكبوت: الآية 2.
(192) سورة الأنفال: الآية 42.
(193) سورة الحديد: الآية 25.
انبيائهم لاختبار حالهم.
وجرت هذه السنةُ الالهية الى الأمة المحمديّة، صلوات الله على رسولها الأمين وآله الطاهرين.
وقد اُحصى ذكر هذه الغيبات في متون الروايات في كتبنا الحديثية(194)، وجاء ذكرها أيضاً في مصادرنا المعتبرة(195)، كما جاء بيانها في المؤلفات المحققة(196)، التي بيّنت هذه السُنّة الجارية والغيبة الامتحانية، ونشير إليها باختصار:
1 - فقد غاب النبي إدريس (عليه السلام) عن شيعته حتى تعسّرت عليهم حياتهم وتعذّر عليهم قُوتُهم، وقَتَل منهم مَلِكُهم الجبّار من قتل.
فوعد إدريس شيعته بالفرج بقيام ذريّته يعني النبي نوح (عليه السلام).
2 - وغاب النبي صالح (عليه السلام) عن قومه - ثمود الذين كانت مساكنهم بين الحجاز والشام - زماناً طويلاً.
وكان يوم غاب كهلاً، فلما رجع اليهم لم يعرفوه لطول المدّة وتغيّر الصورة.
3 - وغاب سيدنا النبي ابراهيم (عليه السلام)، وكانت غيبته إثرَ حمله في بطن أمّه، حتى حوّله الله تعالى من بطنها الى ظهرها، ثم أخفى ولادته الى وقت بلوغ الكتاب أجَلَه ووقته.
وذلك أن منجّم نمرود أخبره بأن مولوداً يولد في أرضنا، فيكون هلاكنا على يده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(194) كمال الدين: ص 127 - ص 161، الاحاديث.
(195) الفصول العشرة: ص 83. والغيبة لشيخ الطائفة: ص 77.
(196) راجع إلزام الناصب: ج ص 273.
فلما حملت أمّ ابراهيم (عليه السلام) بإبراهيم، بعث نمرود القوابل إليها، فلم يعرفن شيئاً من الحمل. فلما وُلد إبراهيم (عليه السلام)، ذهبت به اُمّه الى غارٍ، ووضعته فيه، وجعلت على باب الغار صخرة، وانصرفت عنه.
وجعل الله تعالى رزق ابراهيم (عليه السلام) في إبهامه، فجعل يمصّها ويشرب اللبن منها، ويشُبّ في كل يوم ما يشب غيره في اسبوع حتى قام بأمر الله تعالى.
ثم غاب غيبة اُخرى بعد أن نجّاه الله تعالى من النار، وخرج عن قومه في هذه الغيبة.
وهي التي قصّها الله تعالى فيما حكاه عن ابراهيم (عليه السلام) بقوله جلّ جلاله: (وأعتَزِلكُم وما تدعُونَ من دُونِ اللهِ وأدعُو ربّي عسى ألّا أكونَ بدُعاءِ رَبّي شقيّاً)(197).
4 - وغاب النبي يوسف (عليه السلام) عشرين سنة عن خاصّته وعامّته واختفى عن أخوته.
وكان هو بمصر وأبوه يعقوب بفلسطين، حتى جمع الله تعالى ليعقوب شمله.
5 - وغاب النبي موسى (عليه السلام) من وطنه مصر هارباً من فرعون ورهطه، وكان في ذلك الوقت حدث السنّ.
فخرج من عند فرعون وعدل عن موكبه، وأقبل الى بني إسرائيل.
ثم غاب عنهم الى مَديَن، وأقام عند النبي شعيب (عليه السلام) ما أقام، لم يعرفه أحد.
وكانت غيبته هذه نيّفاً وخمسين سنة، حتى بعثه الله تعالى نبيّاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(197) سورة مريم: الآية 48.
6 - وغاب أوصياؤه مثل يوشع بن نون بعد موت النبي موسى (عليه السلام)، حتى مضى ثلاث من طواغيت زمانه، فقويَ بعدهم أمر يوشع.
لكن خرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى (عليه السلام) مع صفوراء زوجة موسى في مائة الف رجل، وقاتلوا يوشع وغلب يوشع عليهم، وقتل جمعاً منهم، وهزم الباقين وأسر صفوراء. ثم قال لها: قد عفوت عنك الى أن ألقى نبيّ الله موسى (عليه السلام)، فأشكو ما لقيت منك ومن قومك.
7 - وغاب النبي يونس بن متّى (عليه السلام) عن قومه - الذين كانوا في قرية نينوى بالموصل -، ولم يعلم أحدٌ مستقّرة.
وستره الله تعالى في جوف الحوت الى أن انقضت تلك المدّة وردّه الله تعالى الى قومه.
8 - وغاب المسيح (عليه السلام) غيبات يسيح فيها في الأرض، ولا يعرف قومُه وشيعتُه خبره، ثم ظهر فأوصى الى شمعون بن حمّون (عليه السلام).
فلما مضى شمعون، غابت الحجج بعده، واشتدّ الطلب، وعظمت البلوى، ودرس الدين، وضيّعت الحقوق، وأميتت الفروض والسنن، وذهب الناس يميناً وشمالاً لا يعرفون أيّاً من أيّ. فكانت الغيبة مائتين وخمسين سنة.
9 - ثم غيبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المعروفة التي كانت في غار ثور، عند هجرته من مكّة وفي رسول الله اُسوةٌ حسنة.
فالغيبة إذن سُنّة جارية وحقيقة إمتحانية، جرت في الأولياء السابقين.
فتجري في خاتم الوصيين الامام المهدي (عليه السلام).
وتنتج للصابرين أعظم المراتب كما تلاحظه في حديث اللوح الشريف(198).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(198) كمال الدين: ص 311.
مع أنه يفوز فيها المنتظر بأعظم المثوبات والدرجات(199).
وقد دلّ على هذه الحكمة في الغيبة أحاديث أهل بيت العصمة سلام الله عليهم، من ذلك:
1 - حديث سدير عن أبي عبد الله (عليه السلام):
«ان للقائم (عليه السلام) منّا غيبة يطول أمدها.
فقلت له: ولِمَ ذاك يا بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
قال: إن الله (عزَّ وجلَّ) أبي الا أن يجري فيه سنن الأنبياء في غيباتهم»(200).
2 - حديث زرارة بن أعين عن الامام الصادق (عليه السلام):
«إن للغلام غيبة قبل أن يقوم...، لأن الله (عزَّ وجلَّ) يحب أن يمتحن خلقه، فعند ذلك يرتاب المبطلون»(201).
3 - حديث الربيع بن محمد المسلّى، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «... والله لتمحصنّ، والله لتغربلن كما يغربل الزؤان(202)»(203).
4 - حديث علي بن جعفر عن الامام الكاظم (عليه السلام):
«لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به. إنما هي محنة من الله امتحن الله بها خلقه»(204).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(199) كمال الدين: ص 644 ح 3 - 7. البحار: ج 52 ص 122 ب 22، الاحاديث.
(200) البحار: ج 52 ص 90 ب 20 ح 3.
(201) البحار: ج 52 ص 95 ب 20 ح 10.
(202) «الزؤان» هو: ما يخالط البُر من الحبوب السوداء او الصفراء فيكسبها رداءة، والواحدة زؤانة.
(203) البحار: ج 52 ص 101 ب 21 ح 3.
(204) البحار ج 52 ص 113 ب 21 ح 26.
5 - حديث جابر الجعفي قال:
قلت لأبي جعفر (عليه السلام): متى يكون فرجكم؟
فقال: «هيهات هيهات، لا يكون فرجنا حتى تغربلوا، ثم تغربلوا، ثم تغربلوا - يقولها ثلاثاً - حتى يذهب الكدر ويبقى الصفو»(205).
فالحقيقة الامتحانية إذن سنة إلهيّة، متمثّلة في الغيبة، وحكمة بالغة لاختبار الخليفة.
الحكمة الرابعة: كراهة مجاورة الظالمين
مما هو مرغوب شرعاً وعقلاً الابتعاد عن الظالمين والاعتزال عنهم، إذا لم تؤثّر فيهم الكلمة الحسنى، ولم يتقبّلوا الرُشد والهُدى.
لذلك تلاحظ أن بعض أنبياء الله العظام رغبوا الى ذلك، حينما لم تؤثّر دعوتهم، وعندما آذاهم ظالموا قومهم.
1 - فقد طلب ذلك نبي الله نوح (عليه السلام): (فافتَح بيني وبينَهم فتحاً ونجّني ومَن مَعِيَ من المؤمنين)(206).
2 - واتخذه نبي الله ابراهيم (عليه السلام): (فلما اعتزلَهُم وما يعبُدونَ من دونِ الله وَهبنا لَهُ إسحاقَ ويعقوبَ وكُلاًّ جَعَلنا نبيّا)(207).
3 - واختاره نبي الله موسى (عليه السلام): (فَخَرَجَ منها خائفاً يَتَرقّبُ قالَ رَبِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(205) البحار: ج 52 ص 113 ب 21 ح 28.
(206) سورة الشعراء: الآية 118.
(207) سورة مريم: الآية 49.
نجّني من القوم الظالمين)(208).
فتلاحظ أن هؤلاء الكُبّار من الانبياء كرهوا مجاورة الظالمين ورغبوا في الابتعاد عن دار الفاسقين، فآثروا الاعتزال والغياب. ورغبة الانبياء فيه تكشف عن محبوبيّته.
هذا مضافاً الى أن هذا الاعتزال بنفسه تأديب للظالم وتأنيب له، عسى أن يرتدع ويعود الى رُشده.
ونفس تأنيب الظالمين حسن، كما كان من تأنيب مؤمن آل فرعون لهم أشد تأنيب، ثم وقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب، كما تلاحظه في سورة غافر: الآية 30، وما بعدها.
ومن المعلوم أن أهل البيت (عليهم السلام)، هم المثل الأعلى لتحمل الأذى والصبر عند البلوى، آذاهم الظالمون أشدّ إيذاء مقابل ما صدر منهم من اللطف والهُدى.
وقد لاقوا (عليهم السلام) من الظالمين أشدّ المصائب والنوائب، بالرغم من أنهم كانوا مأمورين بالصبر ولم يقوموا بالسيف.
فكيف بالإمام المهدي (عليه السلام) الذي هو مأمور بالقيام بالسيف. فيا تُرى ماذا يواجهه الظالمون من الإِحَن والمِحن؟
وقد بَدَت منذ أوان ولادته (عليه السلام) محاولات استشهاده، وايراد الظلم عليه.
فاختار الله تعالى له الابتعاد عن جوار الظالمين، والاعتزال عن مساكن الجائرين. فكان حُسن الابتعاد عن الظالم وتأنيبه وجهاً وحكمةً لغيبته.
فغاب كراهة لمجاورة الظالمين والاعداء، وفي قباله حصول كثرة اشتياق المظلومين والأولياء، وشدّة انتظاره من محبيه وشيعته في أيام غيبته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(208) سورة القصص: الآية 21.
وتستفاد حكمة كراهة مجاورة الظالمين من مثل:
1 - حديث مروان الأنباري، قال: خرج من أبي جعفر (عليه السلام):
«ان الله اذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم»(209).
2 - حديث محمد بن النعمان عن الامام الصادق (عليه السلام)، جاء فيه:
«وان اشد ما يكون (الله تعالى) غضباً على اعدائه، إذا افقدهم حجّته فلم يظهر لهم»(210).
الحكمة الخامسة: تميّز المؤمنين وخروج ما في الأصلاب
من حِكَم غيبة الامام المهدي (عليه السلام) وطول الغيبة وعدم ظهوره وقيامه الا في الوقت الذي قدّره الله تعالى، هو انتظار خروج ودائع مؤمنين من أصلاب قومٍ كافرين.
وهو المسمى بالتزيّل والتميّز، حيث يزول أحدهما عن الآخر، ويتميّز المؤمن عن الكافر، ويمتاز الطيب عن الخبيث.
فيتنعّم المولود المؤمن إكراماً، ويعذب الشخص الكافر جزاءً، حين لا يحمل الكافر في صلبه مؤمناً ولا يلد الا فاجراً كفّاراً.
كما في مورد عذاب قوم نوح (عليه السلام)، حين سأل ذلك ربّه فدعا عليهم فيما حكاه الله تعالى بقوله: (وقال نوحٌ رَبِّ لا تَذَر على الأرضِ من الكافرينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(209) البحار: ج 52 ص 90 ب 20 ح 2.
(210) البحار: ج 52 ص 94 ب 20 ح 9.
دَيّارا إنّكَ إن تَذَرهم يُضلّوا عبادَكَ ولا يَلِدُوا إلاّ فاجراً كَفّارا)(211).
وبعد هذا حلّ بينهم العذاب فيما حكاه الله تعالى بقوله: (فأخذهُم الطوفانُ وهم ظالمون * فأنجيناهُ وأصحابَ السفينةِ وجعلناها آية للعالَمين)(212).
وهذا المعنى هو المشار إليه بقوله تعالى: (... لو تزيلُوا لعذّبنا الذينَ كفروا منهُم عَذاباً أليما)(213).
كما تلاحظ ذلك في تفسيره في الاحاديث الواردة فيه من ذلك:
1 - ما في كتاب كمال الدين وتمام النعمة، بإسناده الى ابن ابي عمير، عَمّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
قلت له: ما بال امير المؤمنين لم يقاتل فلاناً وفلاناً؟
قال له: «لآية في كتاب الله (عزَّ وجلَّ): (لو تزيلوا لَعذّبنا الذينَ كَفَروا مِنهُم عَذَاباً اليماً).
قال: قلتُ: ما يعني بتَزَايلهم؟
قال: ودائع المؤمنين في اصلاب قومٍ كافرين.
وكذلك القائم (عليه السلام) لن يَظهر أبداً حتى تظهر ودائع الله (عزَّ وجلَّ). فإذا خرجت، ظهر على من ظهر من أعداء الله فقتلهم».
2 - وبإسناده الى إبراهيم الكرخي، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام) أو قال له رجل: أصلحك الله، ألم يكن عليّ (عليه السلام) قويّاً في دين الله؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(211) سورة نوح: الآية 26، 27.
(212) سورة العنكبوت: الآية 14، 15.
(213) سورة الفتح: الآية 25.
قال: «بلى.
قال: فكيف ظهر على القوم وكيف لم يدفعهم، وما يمنعه من ذلك؟
قال: آية في كتاب الله [(عزَّ وجلَّ) منعته].
قلت: وأيّة آية؟
قال: هي قوله تعالى: (لو تزيّلوا لَعذّبنا الذينَ كَفَروا مِنهُم عَذَاباً اليماً). إنّه كان [لله (عزَّ وجلَّ)] ودائع مؤمنون في اصلاب قوم كافرين ومنافقين، ولم يكن عليّ (عليه السلام) ليقتل الاباء حتى تخرج الودائع. فلما خرجت الودائع ظهر على من ظهر فقاتله.
وكذلك قائمنا اهل البيت، لن يظهر أبداً حتى تظهر ودائع الله (عزَّ وجلَّ). فإذا ظهرت، ظهر على من ظهر فيقتلهم.
3 - وبإسناده الى منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): (لو تزيّلوا لَعذّبنا الذينَ كَفَروا مِنهُم عَذَاباً اليماً)، قال: لو أخرج الله ما في أصلاب المؤمنين من الكافرين وما في أصلاب الكافرين من المؤمنين (لعذّبنا الذين كفروا)»(214).
ولقد اشتملت أصلاب بعض أشرار الكفار والمنافقين على بعض الذرية الطيبين، فكان لابد من خروجها منها وعدم عذابها معها، والله تعالى يخرج الطيّب من الخبيث.
فمن ذا الذي كان يحتمل أن يكون في صلب أبي بكر الظالم لأهل البيت (عليهم السلام) ولدٌ مثل محمد بن أبي بكر، الذي صار من خواصّ أمير المؤمنين، بل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(214) كنز الدقائق: ج 12 ص 298.
عُدّ من أولاده(215).
ومن كان يحتمل أن يكون في ذرية عُمَر الغاصب لحق أهل البيت (عليهم السلام)، شاعرٌ مخلص لهم يأتي بعد سنين طويلة مثل عبد الباقي العمري، صاحب ديوان الباقيات الصالحات المعروف بالترياق الفاروقي في مدح أهل البيت (عليهم السلام)، وصاحب القصيدة العينيّة التي مطلعها:
أنت العليّ الذي فوق العُلى رُفعا * * * ببطن مكّة عند البيت إذ رُفعا
وصاحب الهائيّة التي نُقشت في الحرم العلوي الشريف، جاء فيها:
يا أبا الأوصياء أنت لطه * * * صهرُه وابنُ عمّه وأخوه
إن لله في معانيك سرّاً * * * أكثرُ العالمين ما عرفوه
أنت ثاني الآباء في منتهى الدَّور * * * وآباؤه تُعدّ بنوه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(215) لاحظ جلالة قدره في الأحاديث المبنيّة لحاله في: رجال الكشي: ص 60، 61، جاء فيه:
عن حمزة بن محمد الطيار، قال: ذكرنا محمد بن أبي بكر عند أبي عبد الله (عليه السلام). فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «رحمه الله وصلى عليه. قال لأمير المؤمنين (عليه السلام) يوماً من الأيام: أبسط يدك ابايعك.
فقال: أو ما فعلت؟
قال: بلى.
فبسط يده، فقال: اشهد انك امام مفترض طاعتك وأن أبي في النار.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كان النجابة من قبل امّه اسماء بنت عميس رحمة الله عليها لا من قبل ابيه».
وعن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام):
«ان محمد بن أبي بكر بايع عليّاً (عليه السلام) على البراءة من ابيه».
وعن ميسر بن عبد العزيز، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«بايع محمد بن أبي بكر على البراءة من الثاني».
وعن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول:
«ما من أهل بيت الا ومنهم نجيب من أنفسهم، وانجب النجباء من أهل بيت سوء محمد بن أبي بكر».
خَلَق الله آدماً من ترابٍ * * * فهو إبنٌ له وأنت أبوه(216)
ومن كان يصدّق أن يكون في صلب الحجّاج الجزّار السفّاك لدماء شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، شيعيٌّ فاضل أديب، فرد زمانه في مديحهم والولاء لهم مثل الحسين بن أحمد بن الحجّاج النيلي البغدادي، صاحب القصيدة الفائية الرائعة التي مطلعها:
يا صاحبَ القُبّةِ البيضاءِ في النجفِ * * * من زارَ قبرَك واستشفى لديك شُفي
وقد دُفن ان الحجاج تحت رِجل مولانا الامام موسى بن جعفر (عليه السلام)، وأوصى أن يكتب على قبره: (وكلبُهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد)(217).
ومن كان يظنّ أن يكون في صلب السندي بن شاهك العدوّ الحقود والمعاند اللدود لأهل البيت (عليهم السلام)، نابغة من رجالات الاُمّة وفذٌّ من شعراء الائمة في مدحهم ورثائهم مثل محمود بن محمد بن الحسين بن السندي المعروف بكشاجم، الذي ذكره ابن شهر آشوب في الشعراء المجاهدين لأهل البيت (عليهم السلام)(218).
وعليه، فلابدّ من خروج الصالح وتميّزه عن الطالح، لتُجزى كلّ نفس بما عملت.
فاذا خلا أصلابُ الكافرين من الذرية المؤمنة، حان وقت وقوع عموم العذاب والعقاب على الكفار والفجار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(216) جاءت ترجمته وبيان كتبه وقصائده في: ريحانة الأدب: ج 4 ص 275.
(217) انظر ترجمة حاله وعلوّ مقامه في: الكنى والألقاب: ج 1 ص 245، وقصيدته الفائية الشريفة مذكورة في: الغدير: ج 4 ص 88، مع مكرمةٍ له، فلاحظ.
(218) ذكرت ترجمته في: الكنى والألقاب: ج 3 ص 93، وجاءت قصيدته الغديرية اللاميّة ومراثيه في: الغدير: ج 4 ص 3، ثم ترجم حاله ترجمة جامعة كاملة، فلاحظ.
فيظهر الامام المهدي (عليه السلام) على من يظهر من أعداء الله ممن لا يقبل الهداية فيقتلهم، ويتحقق بقيامه جزاؤهم.
وهناك يتم نور الله وينتشر دين الله ويرث الأرض عبادُ الله الصالحون، كما وعد الله تبارك وتعالى فيما تقدم بيانه في البشارات القرآنية بالإمام المهدي (عليه السلام).
وتستفاد هذه الحكمة من أحاديث شريفة - مضافاً الى ما تقدم -، مثل:
1 - حديث منصور، عن الامام الصادق (عليه السلام):
«إنّ هذا الأمر، لا يأتيكم الا بعد إياس. لا والله حتى تُميَّزوا...»(219).
2 - حديث محمد بن منصور، عن أبيه قال:
«... أيهات أيهات، لا والله لا يكون ما تمدون اليه اعينَكم حتى تُغربَلوا؛ لا والله لا يكون ما تمدون اليه أعينكم حتى تميّزوا...»(220).
هذا تمام الكلام في حكمة غيبة الامام عليه آلاف الصلاة والسلام، وقد تبيّن منه أن غيبته مطابقة لأصول الحكمة، بل هي ضروريّة لازمة.
علماً بأنه بالرغم من غيبته يُنتفع أتم الانتفاع من وجوده، ولم تكن الغيبة خدشاً في إمامته، كما عرفت ذلك في الحكمة الاولي المتقدمة.
ولنعم التشبيه تشبيهه (عليه السلام) بالشمس المجللة بالسحاب في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(221)، كما تقدم.
فنحن وإن كنا محجوبين عن الشمس المشرقة فوق السحاب، الا أنها هي على نفس فائدة وجودها وأهمية قيادتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(219) البحار: ج 52 ص 111 ب 21 ح 20.
(220) البحار: ج 52 ص 112 ب 21 ح 23.
(221) كمال الدين: ص 253 ب 23 ح 3.
فوجده (عليه السلام) لطف من الله تعالى على الكائنات، وهو على غيبته مشرف على الموجودات، ومتفضل عليهم بالبركات، ومتكرم على المؤمنين بالمراعات، كما تلاحظه في توقيعَيه الشريفين الى شيخ الشيعة المفيد (قدّس سرّه).
جاء في التوقيع الشريف الاول:
«نحن وإن كنّا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي اراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين. فانّا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزُب عنا شيء من أخباركم.... انا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء (اي الشدة وضيق المعيشة) واصطلمكم (اي استأصلكم) الأعداء.... فليعمل كل امرئٍ منكم بما يقرب به من محبتنا، ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا.
فان أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة، ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبه...».
وجاء في التوقيع الشريف الثاني:
«... لأننا من وراء حفظهم، بالدعاء الذي لا يُحجب عن ملك الأرض والسماء. فليطمئن بذلك من اوليائنا القلوب، وليثقوا بالكفاية منه...»(222).
وقضايا الوجدان تغني عن البرهان، كما هو واضحٌ لأهل الايمان.
ويحسن في ختام بحث الغيبة أن نشير الى ما هو وظيفة الأنام في زمان غيبة ذلك الامام الهمام (عليه السلام).
فان عليهم أن يعملوا بتكاليفهم الشرعية، ويحتفظوا بأصولهم الاعتقادية،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(222) الاحتجاج: ج 2 ص 322، 324.
ويجتهدوا في حفظ إيمانهم والثبات على ولايتهم، خصوصاً في فتن أهل الزمان وشرور أهل العصيان، وقانا الله تعالى من مكايد الشيطان.
فقد نقدم في حديث يونس بن عبد الرحمن، عن الامام الكاظم (عليه السلام):
«له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتدّ فيها أقوام ويثبت فيها آخرون.
طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من اعدائنا. اولئك منّا ونحن منهم؛ قد رضوا بنا أئمة، ورضينا بهم شيعة. فطوبى لهم ثم طوبى لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة»(223).
وفي حديث هاني التمّار، عن الامام الصادق (عليه السلام):
«ان لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد.
إن لصاحب هذا الأمر غيبة فليتق الله عبد وليتمسك بدينه»(224).
وفي حديث عمرو بن ثابت، عن الامام السجاد (عليه السلام):
«من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا اعطاه الله (عزَّ وجلَّ) أجر الف شهيد من شهداء بدر وأُحد»(225).
هذا وهناك آدابٌ وتكاليف علينا، تجاه امام زماننا (عليه السلام)، يفرضها علينا حقّه الجليل، ويبيّنه لنا البرهان والدليل، قد أفادها وفصّل ذكرها سليل السادات الاعاظم في كتابه مكيال المكارم(226).
نتبرك بالتلميح الى بعضها إشارةً واجمالاً، ويراجع ذلك الكتاب لمعرفتها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(223) كمال الدين: ص 361 ب 34 ح 5.
(224) كمال الدين: ص 346 ب 33 ح 34.
(225) كمال الدين: ص 323 ب 31 ح 7.
(226) مكيال المكارم: ج 2 ص 123 - 484.
تفصيلاً واستدلالاً؛ فمن ذلك:
1 - معرفته (عليه السلام) ومعرفة صفاته وآدابه وخصائصه، والمحتومات من علائم ظهوره، وطلب معرفته (عليه السلام) من الله (عزَّ وجلَّ).
2 - محبته (عليه السلام) خصوصاً، مع محبة سائر الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام)، وتحبيبه الى الناس.
3 - انتظار فرجه وظهوره، وإظهار الشوق الى لقائه صلوات الله عليه، والحزن والبكاء في فراقه.
4 - رعاية الأدب بالنسبة الى ذكره، فيذكره بألقابه الشريفة، ويقوم عند ذكر اسمه الشريف المتصف بالقيام.
وقد ورد فيه حديثان(227)؛
احدهما عن الامام الصادق (عليه السلام) حينما سُئل عن سبب القيام عند ذكر هذا اللقب من ألقاب الحجة (عليه السلام)، جاء في الجواب:
«لأن له غيبة طولانيّة، ومن شدة الرأفة الى أحبته ينظر الى كل من يذكره بهذا اللقب المشعر بدولته، والحسرة بغربته».
ومن تعظيمه أن يقوم العبد الخاضع لصاحبه عند نظر المولى الجليل اليه بعينه الشريفة. فليقم، وليطلب من الله جل ذكره تعجيل فرجه.
ثانيهما عن الامام الرضا (عليه السلام) من مجلسه بخراسان، أنه قام عند ذكر لفظة القائم ووضَع يديه على رأسه الشريف، وقال:
«اللهم عجل فرجه وسهّل مخرجه».
5 - ذكر فضائله ومناقبه، واقامة مجالس ذكره، والحضور في مجالسه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(227) الزام الناصب: ج 1 ص 271.
وإنشاد الشعر في فضله، وانشاء اشعار فضائله.
6 - الدعاء له (عليه السلام) ولتعجيل فرجه، خصوصاً في الامكنة والازمنة التي يتأكد الدعاء له بالأدعية المرويّة في ذلك، نذكرها في ختام هذا البحث.
7 - البيعة معه (عليه السلام) في كل يوم بأدعية البيعة المروية(228).
8 - التصدّق نيابةً عنه (عليه السلام) والتصدّق بقصد سلامته.
9 - الحج والطواف وزيارة مشاهد المعصومين (عليهم السلام) نيابةً عنه.
10 - إهداء قراءة القرآن الكريم اليه.
11 - اهداء ثواب الصلاة اليه، خصوصاً ثواب الصلاة الخاصة اربع ركعات في يوم الخميس في آخر اُسبوعين، المروية بالخصوص بسند السيد ابن طاووس، عن الشيخ الطوسي، ما هذا لفظه:
«صلاة الهدية، ثماني ركعات. روى عنهم (عليهم السلام) أنّه يصلّى العبد في يوم الجمعة ثماني ركعات:
أربعاً يهدى الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأربعاً يهدى الى فاطمة (عليها السلام)، ويوم السبت اربع ركعات يهدى الى امير المؤمنين (عليه السلام).
ثمّ كذلك كلّ يوم الى واحد من الأئمّة (عليهم السلام)، الى يوم الخميس اربع ركعاتٍ، يهدى الى جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام). ثم يوم الجمعة ايضاً ثماني ركعاتٍ: اربع يهدى الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأربع ركعاتٍ يهدى الى فاطمة (عليها السلام). ثمّ يوم السبت اربع ركعاتٍ يهدى الى موسى بن جعفر (عليهما السلام). ثمّ كذلك الى يوم الخميس اربع ركعاتٍ يهدى الى صاحب الزمان صلوات الله عليه.
الدعاء بين كلّ ركعتين منها:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(228) مصباح الزائر: 545، 546.
«اللّهُمَّ أنتَ السَّلامُ وَمِنكَ السَّلامُ وَاِلَيكَ يَعُودُ السَّلامُ؛ حَيِّنا رَبَّنا مِنكَ بالسَّلامِ. اللّهُمَّ إنَّ هذِهِ الرَّكعاتِ هَدِيَّةٌ مِنّي إلى...، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَبَلِّغهُ اِيّاها، وَاَعطِني اَفضَلَ اَمَلي وَرَجائي فِيكَ وَفي رَسُولِكَ صلوات الله عليه وآله»، وتدعو بما أحببت إن شاء الله»(229).
وكذا صلاته الخاصّة (عليه السلام)، ركعتين: تقرأ في كلّ ركعة الفاتحة الى (ايّاكَ نَعبُدُ وَاِيّاكَ نَستَعينُ)، ثم تقول مئة مرَّة: (اِيَّاكَ نَعبُدُ وَاِيّاكَ نَستَعينُ)، ثمّ تتمّ قراءة الفاتحة وتقرأ بعدها الاخلاص مرّة واحدة، وتدعو عقيبها فتقول:
«اَللَّهُمَّ عَظُمَ البَلاءُ، وَبَرِحَ الخِفاءُ، وَانكَشَفَ الغِطاءُ، وَضاقَتِ الاَرضُ بِما وَسِعَتِ السَّماءُ، وَاِلَيكَ يا رَبِّ المُشتَكى، وَعَلَيكَ المُعَوَّلُ فِي الشِّدَّةِ والرَّخاءِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الَّذينَ اَمَرتَنا بِطاعَتِهِم وَعَجِّلِ اللّهُمَّ فَرَجَهُم بِقائِمِهِم، وَاَظهر اِعزَازَهُ. يا مُحَمَّدُ يا عَلِيُّ يا عَلِيُّ يا مُحَمَّدُ، اِكفِياني فَإِنَّكُما كافِيايَ، يا مُحَمَّدُ يا عَلِيُّ يا عَلِيُّ يا مُحَمَّدُ، اُنصُراني فَإِنَّكُما نَاصِرايَ؛ يا مُحَمَّدُ يا عَلِيُّ يا عَلِيُّ يا مُحَمَّدُ، اِحفَظاني فَإِنَّكُما حافِظاي، يا مَولايَ يا صاحِبَ الزَّمانِ - ثلاث مرّات -، اَلغَوثَ اَلغَوثَ اَلغَوثَ، اَدرِكنِي اَدرِكنِي اَدرِكنِي، اَلاَمانَ اَلأَمانَ اَلأَمانَ»(230).
12 - الصلاة عليه واهداء ثواب الصلوات اليه، ومنها الصلوات المرويّة في مصباح السيد (قدّس سرّه):
«اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَأهلِ بَيتِهِ، وَصَلِّ على وَلي الحَسَنِ ووَصيِّهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَوارِثِهِ، القائمِ بِأمرِكَ، وَالغائِبِ في خَلقِكَ، والمُنتَظِرِ لإذنِكَ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَليهِ، وَقَرِّب بُعدَهُ، وَانجِز وَعدَهُ، وَاوفِ عَهدَهُ، وَاكشِف عَن بَأسِهِ حِجابَ الغَيبَةِ، وَأظهِر بظهورِهِ صَحائِفَ المِحنَةِ، وَقَدِّم أمامَه الرُّعبَ، وَثَبِّت بِهِ القَلبَ، وَأقِم بِهِ الحَربَ، وَأيِّدهُ بِجُندٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوَّمينَ، وَسَلِّطهُ على أعداءِ دينِكَ أجمَعينَ، وألهِمهُ أن لا يَدعَ مِنهُم رُكناً إلاّ هَدَّهُ، ولا هاماً إلاّ قَدَّهُ، وَلا كَيداً إلاّ رَدَّهُ، وَلا فاسِقاً إلاّ حَدَّهُ، وَلا فِرعَوناً إلاّ أهلَكَهُ، وَلا سِتراً إلاّ هَتَكَهُ، وَلا عَلَماً إلاّ نَكَّسَهُ، وَلا سُلطاناً إلاّ كَبَسهُ، وَلا رُمحاً إلاّ قَصَفَهُ، وَلا مُطرداً إلاّ خَرَقَهُ، وَلا جُنداً إلاّ فَرَّقَهُ، وَلا مَنبَراً إلاّ أحرَقَهُ، وَلا سَيفاً إلاّ كَسَرَهُ، وَلا صَنَماً إلاّ رَضَّهُ، وَلا دَماً إلاّ أراقَهُ، وَلا جَوراً إلاّ أبادَهُ، وَلا حِصناً إلاّ وَطِئَهُ، وَلا جبلاً إلاّ صَعَدَهُ، وَلا كنزاً إلاّ أخرَجَهُ، برحمتكَ يا أرحمَ الراحمين»(231).
13 - التسليم له، وترك الاستعجال في ظهوره.
14 - الاهتمام بنصرته، والعزم على نصرته في زمان ظهوره، والاستعداد له.
15 - زيارته والتسليم عليه في كل مكانٍ وكل زمان، خصوصاً في الأمكنة والأزمنة الشريفة.
16 - التوجّه اليه، والاستشفاع به، وعرض الحاجات عليه، والتوسل به، خصوصاً بما رُوي، ومنه التوسل الخاصّ:
«اللهمّ إنّي أسئلك بحقّ وليّك وحجّتك صاحب الزمان إلاّ أعنتني به على جميع اُموري، وكفيتني به مؤنة كلّ مؤذ وطاغ وباغ وأعنتني به. فقد بلغ مجهودي، وكفيتني كلَّ عدوّ وهمّ وغمّ ودين وولدي وجميع أهلي وإخواني ومن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(231) مصباح الزائر: ص 442.
يعنيني أمره وخاصّتي؛ آمين ربّ العالمين»(232).
17 - صلته (عليه السلام) بالمال فيما يكون في سبيله وبقصد صلته، مثل صرف المال لنشر الكتب المتعلقة به، واقامة مجالس ذكره والدعاء له، وصلة شيعته ومحبّيه.
18 - تعظيم مواقفه ومشاهده كمسجد السهلة ومسجد الكوفة والسرداب المبارك ومسجد جمكران، وكذا تعظيم ما يختص به وينتسب اليه كأسمائه وألقابه وكلماته وتوقيعاته.
19 - ان يؤثر الانسان هواه (عليه السلام) على هواه، بأن يفكر في كل أمر يرد عليه ويريد الاقدام عليه هل هو موافق لرضاه (عليه السلام) او مخالف له.
فان كان موافق لرضاه (عليه السلام) أتى به لموافقة رضاه، وان كان مخالفاً لرضاه (عليه السلام) تركه طلباً لمرضاته.
20 - الاقتداء والتأسي بأخلاقه وأعماله فيما يقدر عليه المؤمن بحسب حاله.
هذا؛ وأمّا الأدعية المرويّة التي ينبغي أن ندعوا بها له (عليه السلام)، التي كانت الوظيفة السادسة - مما تقدم ذكرها - فنتشرّف بذكر بعضها في هذا المقام تيسيراً للطالب وبياناً للمناسب وهي:
1 - الصلوات المرويّة عن صاحب الأمر (عليه السلام):
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
«اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرسَلِينَ وَخاتَمِ النَّبِيّينَ، وحُجَّةِ رَبِّ العالَمينَ، المُنتَجَبِ فِي المِيثاقِ، المُصطَفى فِي الظِّلالِ، المُطَهَّرِ مِن كُلِّ افَةٍ، البَريءِ مِن كُلِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(232) البحار: ج 94 ص 35 ب 55 ح 21.
عَيبٍ، المُؤَمَّلِ لِلنَّجاةِ، المُرتَجى لِلشَّفاعَةِ، المُفَوَّضِ اِلَيهِ دينُ الله، اَللّهُمَّ شَرِّفْ بُنيانَهُ، وَعَظِّم بُرهانَهُ، وَاَفلِج حُجَّتَهُ، وَارفَع دَرَجَتَهُ، وَاَضِئ نُورَهُ، وَبَيِّض وَجهَهُ، وَاَعطِهِ الفَضلَ وَالفَضيلَةَ وَالوَسيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفيعَةَ، وَابعَثهُ مَقاماً مَحمُوداً يَغبِطُهُ بِهِ الاَوَّلُونَ وَالاخِرُونَ. وَصَلِّ عَلى اَميرِ المُؤمِنينَ، ووارِثِ المُرسَلينَ وَقائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، وَسَيِّدِ الوَصِيّينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمينَ. وَصَلِّ عَلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ اِمامِ المُؤمِنينَ، ووارِثِ المُرسَلينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِينَ. وَصَلِّ عَلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ اِمامِ المُؤمِنينَ، ووارِثِ المُرسَلينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمينَ. وَصَلِّ عَلَى عَليِّ بنِ الحُسَينِ اِمامِ المُؤمِنينَ، ووارِثِ المُرسَلينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِينَ.
وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ اِمامِ المُؤمِنينَ، ووارِثِ المُرسَلينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمينَ.
وَصَلِّ عَلَى جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ اِمامِ المُؤمِنينَ، ووارِثِ المُرسَلينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِينَ.
وَصَلِّ عَلَى مُوسَى بنِ جَعفَر اِمامِ المُؤمِنينَ، ووارِثِ المُرسَلينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمينَ.
وَصَلِّ عَلَى عَلِيِّ بنِ مُوسى اِمامِ المُؤمِنينَ، ووارِثِ المُرسَلينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِينَ.
وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ اِمامِ المُؤمِنينَ، ووارِثِ المُرسَلينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمينَ.
وَصَلِّ عَلَى عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ اِمامِ المُؤمِنينَ، ووارِثِ المُرسَلينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِينَ.
وَصَلِّ عَلَى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ اِمامِ المُؤمِنينَ، ووارِثِ المُرسَلينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمينَ.
وَصَلِّ عَلَى الخَلَفِ الهادِي المَهدِيِّ اِمامِ المُؤمِنينَ، ووارِثِ المُرسَلينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِينَ.
اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَاَهلِ بَيتِهِ الاَئِمَّةِ الهادِينَ، وَالعُلَماءِ الصّادِقينَ، الاَبرَارِ المُتَّقينَ، دَعائِمِ دينِكَ، وَاَركَانِ تَوحيدِكَ [وَتَراجِمَةِ وَحيِكَ]، وَحُجَجِكَ عَلى خَلقِكَ، وَخُلَفائِكَ فِي أَرضِكَ، الَّذينَ اختَرتَهُم لِنَفسِكَ، وَاصطَفَيتَهُم عَلى عِبادِكَ، وَارتَضَيتَهُم لِدينِكَ، وَخَصَصتَهُم بِمَعرِفَتِكَ، وَجَلَّلتَهُم بِكَرامَتِكَ، وَغَشَّيتَهُم بِرَحمَتِكَ، وَرَبَّيتَهُم بِنِعمَتِكَ، وَغَذَّيتَهُم بِحِكمَتِكَ، وَاَلبَستَهُم نُورَكَ، وَرَفَعتَهُم في مَلَكُوتِكَ، وَحَفَفتَهُم بِمَلائِكَتِكَ، وَشَرَّفتَهُم بِنَبِيِّكَ صَلَواتُكَ عَلَيهِ وَآلِهِ.
اَللّهُمَّ صَلِّ عَلَيهِ وَعَلَيهِم، صَلاةً كَثيرَةً دائِمَةً طَيِّبَةً، لا يُحيطُ بِها اِلاّ اَنتَ، وَلا يَسَعُها اِلاّ عِلمُكَ، وَلا يُحصيها اَحَدٌ غَيرُكَ.
اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى وَلِيِّكَ، المُحيِي سُنَّتَكَ، القائِمِ بِاَمرِكَ، الدَّاعِي اِلَيكَ، الدَّليلِ عَلَيكَ، حُجَّتِكَ عَلى خَلقِكَ، وَخَليفَتِكَ في اَرضِكَ، وَشاهِدِكَ عَلى عِبادِكَ.
اَللّهُمَّ اَعِزَّ نَصرَهُ، وَمُدَّ في عُمرِهِ، وَزَيِّنِ الاَرضَ بِطُولِ بَقائِهِ.
اَللّهُمَّ اكفِهِ بَغيَ الحاسِدينَ، وَاَعِذهُ مِن شَرِّ الكائِدينَ، وَازجُر عَنهُ اِرادَةَ الظالِمينَ، وَخَلِّصهُ مِن اَيدِي الجَبّارِينَ.
اَللّهُمَّ اَعطِهِ في نَفسِهِ وَذُرِّيَّتِه وَشيعَتِهِ وَرَعِيَّتِه وَخاصَّتِه وَعامَّتِه وَعَدُوِّه وَجَميعِ اَهلِ الدُّنيا، ما تُقِرُّ بِهِ عَينَهُ، وَتَسُرُّ بِه نَفسَهُ، وَبَلِّغهُ اَفضَلَ مَا اَمَّلتَهُ فِي
الدُّنيا وَالآخِرَةِ، اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ.
اَللّهُمَّ جَدِّد بِهِ مَا امتَحى مِن دينِكَ، وَاَحيِ بِه ما بُدِّلَ مِن كِتابِكَ، وَاَظهِر بِه ما غُيِّرَ مِن حُكمِكَ، حَتّى يَعُودَ دينُكَ بِه وَعَلى يَدَيهِ غَضّاً جَديداً خالِصاً مُخلَصاً لا شَكَّ فيهِ، وَلا شُبهَةَ مَعَهُ، وَلا باطِلَ عِندَهُ، وَلا بِدعَةَ لَدَيهِ.
اَللّهُمَّ نَوِّر بِنُورِه كُلَّ ظُلمَةٍ، وَهُدَّ بِرُكنِه كُلَّ بِدعَةٍ، وَاهدِم بِعِزَّتِه كُلَّ ضَلالَةٍ وَاقصِم بِهِ كُلَّ جَبّارٍ، وَاَخمِد بِسَيفِه كُلَّ نارٍ، وَاَهلِك بِعَدله كُلَّ جائِرٍ، وَاَجرِ حُكمَهُ عَلى كُلِّ حُكمٍ، وَاَذِلَّ بِسُلطانِهِ كُلَّ سُلطانٍ.
اَللّهُمَّ اَذِلَّ كُلَّ مَن ناواهُ، وَاَهلِك كُلَّ مَن عاداهُ، وَامكُر بِمَن كادَهُ، وَاستَأصِل مَن جَحَدَ حَقَّهُ، وَاستَهانَ بِاَمرِهِ، وَسَعى في اِطفاءِ نُورِهِ، وَاَرادَ اِخمادَ ذِكرِهِ.
اَللّهُمَّ صلِّ عَلى مُحَمَّدٍ المُصطَفى، وَجَميعِ الاَوصِيَاءِ مَصابيحِ الدُّجى، وَاَعلامِ الهُدى، وَمَنارِ التُّقى، والعُروَةِ الوُثقى، وَالحَبلِ المَتينِ، وَالصِّراطِ المُستَقيمِ، وَصَلِّ عَلى وَلِيِّكَ ووُلاةِ عَهدِهِ، وَالاَئِمَّةِ مِن وُلدِهِ، وَمُدَّ فِي اَعمارِهِم، وَزِد في آجالِهِم، وَبَلِّغهُم اَقصى آمالِهِم ديناً ودُنياً وَآخِرَةً، اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ»(233).
2 - الدعاء المروي عن الامام الرضا (عليه السلام)، الذي كان يأمر بالدعاء به لصاحب الأمر (عليه السلام) وهو:
«اَللّهُمَّ ادفَع عَن وَلِيِّكَ وَخَليفَتِكَ، وَحُجَّتِكَ عَلى خَلقِكَ، وَلِسانِكَ المُعَبِّرِ عَنكَ بِاِذنِكَ، النَّاطِقِ بِحِكمَتِكَ، وَعَينِكَ النَّاظِرَةِ في بَرِيَّتِكَ، وَشاهِدِكَ عَلى عِبادِكَ، الجُحجاحِ المُجاهِدِ، العائِذِ بِكَ عِندَكَ، وَاَعِذهُ مِن شَرِّ جَميعِ ما خَلَقتَ وَبَرَأتَ وَاَنشَأتَ وَصَوَّرتَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(233) جمال الاسبوع: ص 304.
وَاحفَظهُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ وَعَن يَمينِه وَعَن شِمالِه وَمِن فَوقِه وَمِن تَحتِه، بِحِفظِكَ الَّذي لا يَضيعُ مَن حَفِظتَهُ بِه، وَاحفَظ فيهِ رَسُولَكَ وَآباءَهُ اَئِمَّتَكَ وَدَعائِمَ دينِكَ.
وَاجعَلهُ في وَديعَتِكَ الَّتي لا تَضيعُ، وَفي جِوارِكَ الَّذي لا يُخفَرُ، وَفي مَنعِكَ وَعِزِّكَ الَّذي لا يفقهَرُ.
وَآمِنهُ بِاَمانِكَ الوَثيقِ الَّذي لا يُخذَلُ مَن آمَنتَهُ بِه، وَاجعَلهُ في كَنَفِكَ الَّذي لا يُرامُ مَن كانَ فيهِ، وَاَيِّدهُ وَانصُرهُ بِنَصرِكَ العَزيزِ.
وَاَيِّدهُ بِجُندِكَ الغالِبِ، وَقَوِّه بِقُوَّتِكَ، واَردِفهُ بِمَلائِكَتِكَ، وَوالِ مَن والاهُ، وَعادِ مَن عاداهُ، وَاَلبِسهُ دِرعَكَ الحَصينَةَ، وَحُفَّهُ بِالمَلائِكَةِ حَفّاً.
اَللّهُمَّ وَبَلِّغهُ اَفضَلَ ما بَلَّغتَ القائِمينَ بِقِسطِكَ مِن اَتباعِ النَّبِيّينَ.
اَللّهُمَّ اشعَب بِهِ الصَّدعَ، وَارتُق بِهِ الفَتقَ، وَاَمِت بِهِ الجَورَ، وَاَظهِر بِهِ العَدلَ، وَزَيِّن بِطُولِ بَقائِهِ الاَرضَ، وَاَيِّدهُ بِالنَّصرِ، وَانصُرهُ بِالرُّعبِ، وَقَوِّ ناصِريهِ، وَاخذُل خاذِليهِ، وَدَمدِم عَلى مَن نَصَبَ لَهُ، وَدَمِّر مَن غَشَّهُ، وَاقتُل بِهِ جَبابِرَةَ الكُفرِ، وَعُمَدَهُ وَدَعائِمَهُ، وَاقصِم بِهِ رُؤُوسَ الضَّلالَةِ، وَشارِعَةَ البِدعَةِ، وَمُميتَةَ السُّنَّةِ، وَمُقَوِّيَةَ الباطِلِ، وَذَلِّل بِهِ الجَبّارِينَ، وَاَبِر بِهِ الكافِرينَ، وَجَميعَ المُلحِدينَ في مَشارِقِ الاَرضِ وَمَغارِبِها وَبَرِّها وَبَحرِها وَسَهلِها وَجَبَلِها، حَتّى لا تَدَعَ مِنهُم دَيّاراً، ولا تُبقِيَ لَهُم آثاراً.
اَللّهُمَّ طَهِّر مِنهُم بِلادَكَ، وَاشفِ مِنهُم عِبادَكَ، وَاَعِزَّ بِهِ المُؤمِنينَ، وَاَحيِ بِه سُنَنَ المُرسَلينَ، وَدارِسَ حِكمَةِ النَّبِيّينَ، وَجَدِّد بِه ما امتَحى مِن دينِكَ، وَبُدِّلَ مِن حُكمِكَ، حَتّى تُعيدَ دينَكَ بِه، وَعَلى يَدَيهِ جَديداً، غَضّاً مَحضاً صَحيحاً لا عِوَجَ فيهِ، وَلا بِدعَةَ مَعَهُ، وَحَتّى تُنيرَ بِعَدلِه ظُلَمَ الجَورِ، وتُطفِئَ بِه نيرانَ الكُفرِ، وتُوضِحَ بِه مَعاقِدَ الحَقِّ وَمَجهُولَ العَدلِ، فَاِنَّهُ عَبدُكَ الَّذي استَخلَصتَهُ لِنَفسِكَ،
وَاصطَفَيتَهُ مِن خَلقِكَ، وَاصطَفَيتَهُ عَلى عِبادِكَ، وَائتَمَنتَهُ عَلى غَيبِكَ، وَعَصَمتَهُ مِنَ الدُّنُوبِ، وَبَرَّأتَهُ مِنَ العُيُوبِ، وَطَهَّرتَهُ مِنَ الرِّجسِ، وَسَلَّمتَهُ عَنِ الدَّنَسِ.
اَللّهُمَّ فَاِنَّا نَشهَدُ لَهُ يَومَ القِيامَةِ، وَيَومَ حُلُولِ الطامَّةِ، اَنَّهُ لَم يُذنِب ذَنباً، وَلَم يَأتِ حَوباً، وَلَم يَرتَكِب مَعصِيَةً، وَلَم يُضَيِّع لَكَ طاعَةً وَلَم يَهتِك لَكَ حُرمَةً، وَلَم يُبَدِّل لَكَ فَريضَةً، وَلَم يُغَيِّر لَكَ شَريعَةً، وَاَنَّهُ الهادِي المَهدِيُّ، الطّاهِرُ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ.
اَللّهُمَّ اَعطِهِ في نَفسِه ووَلَدِهِ وَاَهلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَاُمَّتِه وَجَميعِ رَعِيَّتِه ما تُقِرُّ بِه عَينَهُ، وَتَسُرُّ بِه نَفسَهُ، وَتَجمَعُ لَهُ مُلكَ المُملَكاتِ كُلِّها قَريبِها وَبَعيدِها وَعَزيزِها وَذَليلِها، حَتّى تُجرِيَ حُكمَهُ عَلى كُلِّ حُكم، وَيَغلِبَ بِحَقِّه كُلَّ باطِلٍ.
اَللّهُمَّ اسلُك بِنا عَلَى يَدَيهِ مِنهاجَ الهُدى، وَالمَحَجَّةَ العُظمَى وَالطَّريقَةَ الوُسطى، الَّتي يَرجِعُ اِلَيهَا الغالي، وَيَلحَقُ بِهَا التّالي، وَقَوِّنا عَلى طاعَتِه، وَثَبِّتنا عَلى مُشايَعَتِهِ، وَامنُن عَلَينا بِمُتابَعَتِهِ، وَاجعَلنا في حِزبِهِ، القَوّامِينَ بِاَمرِهِ، الصّابِرينَ مَعَهُ، الطّالِبينَ رِضاكَ بِمُنَاصَحَتِهِ، حَتّى تَحشُرَنا يَومَ القِيامَةِ في اَنصارِه وَاَعوانِه وَمُقَوِّيَةِ سُلطانِهِ.
اَللّهُمَّ وَاجعَل ذلِكَ لَنا خالِصاً مِن كُلِّ شَكٍّ وَشُبهَةٍ وَرِياءٍ وَسُمعَةٍ، حَتّى لا نَعتَمِدَ بِه غَيرَكَ، وَلا نَطلُبَ بِه اِلَّا وَجهَكَ، وَحَتّى تُحِلَّنا مَحِلَّهُ، وَتَجعَلَنا فِي الجَنَّةِ مَعَهُ، وَاَعِذنا مِنَ السَّأمَةِ وَالكَسَلِ وَالفَترَةِ، وَاجعَلنا مِمَّن تَنتَصِرُ بِه لِدينِكَ، وَتُعِزُّ بِه نَصرَ وَلِيِّكَ، وَلا تَستَبدِل بِنا غَيرَنا، فَاِنَّ استِبدالَكَ بِنا غَيرَنا عَلَيكَ يَسيرٌ، وَهُوَ عَلَينا عَسيرٌ.
اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى وُلاةِ عَهدِهِ، وَالاَئِمَّةِ مِن بَعدِهِ، وَبَلِّغهُم آمالَهُم، وَزِد في آجالِهِم، وَاَعِزَّ نَصرَهُم، وَتَمِّم لَهُم ما اَسنَدتَ اِلَيهِم مِن اَمرِكَ لَهُم، وَثَبِّت دُعائِمَهُم، وَاجعَلنا لَهُم اَعواناً، وَعَلى دينِكَ اَنصاراً؛ فَاِنَّهُم مَعادِنُ كَلِماتِكَ وَاَركانُ تَوحيدِكَ،
وَدَعائِمُ دينِكَ، ووُلاةُ اَمرِكَ، وَخالِصَتُكَ مِن عِبادِكَ، وَصَفوَتُكَ مِن خَلقِكَ، وَاَولِياؤُكَ، وَسَلائِلُ اَولِيائِكَ، وَصَفوَةُ اَولادِ رُسُلِكَ، وَالسَّلامُ عَلَيهِ وَعَلَيهِم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ»(234).
3 - الدعاء الذي رواه الصدوق عن العمري رضوان الله عليه وهو:
«اَللّهُمَّ عَرَّفنِي نَفسَكَ، فَاِنَّكَ اِن لَم تُعَرِّفني نَفسَكَ لَم اَعرِف نَبِيَّكَ.
اَللّهُمَّ عَرِّفني نَبِيَّكَ، فَاِنَّكَ اِن لَم تُعَرِّفني نَبِيَّكَ لَم اَعرِف حُجَّتَكَ.
اَللّهُمَّ عَرِّفني حُجَّتَكَ، فَاِنَّكَ اِن لَم تُعَرِّفني حُجَّتَكَ ضَلَلتُ عَن دِيني.
اَللّهُمَّ فَكَما هَدَيتَني لِوِلايَةِ مَن فَرَضتَ طاعَتَهُ عَلَيَّ، مِن وِلايَةِ وُلاةِ اَمرِكَ بَعدَ رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيهِ وَالِهِ، حَتّى والَيتَ وُلاةَ اَمرِكَ: اَميرَ المُؤمِنينَ وَالحَسَنَ وَالحُسَينَ وَعَلِيّاً وَمُحَمَّداً وَجَعفَراً وَمُوسى وَعَلِيّاً وَمُحَمَّداً وَعَلِيّاً وَالحَسَنَ وَالحُجَّةَ القائِمَ المَهدِيَّ صَلَواتُكَ عَلَيهِم اَجمَعينِ.
اَللّهُمَّ فَثَبِّتني عَلى دينِكَ، وَاستَعمِلني بِطاعَتِكَ، وَلَيِّن قَلبي لِوَلِيِّ اَمرِكَ، وَعافِني مِمَّا امتَحَنتَ بِه خَلقَكَ، وَثَبِّتني عَلى طاعَةِ وَلِيِّ اَمرِكَ الَّذي سَتَرتَهُ عَن خَلقِكَ، فَبِاِذنِكَ غابَ عَن بَرِيَّتِكَ، وَاَمرَكَ يَنتَظِرُ، وَاَنتَ العالِمُ غَيرُ مُعَلَّمٍ بِالوَقتِ الَّذي فيهِ صَلاحُ اَمرِ وَلِيِّكَ، فِي الاِذنِ لَهُ بِاِظهارِ اَمرِه، وَكَشفِ سِترِه، وَصَبِّرني عَلى ذلِكَ، حَتّى لا اُحِبَّ تَعجيلَ ما اَخَّرتَ، وَلا تَأخيرَ ما عَجَّلتَ، وَلاَ اَكشِفُ عَمّا سَتَرتَهُ، وَلا اَبحَثُ عَمّا كَتَمتَهُ، وَلا اُنازِعَكَ فِي تَدبيرِكَ، وَلا اَقُولَ لِمَ وَكَيفَ وَما بالُ وَلِيُّ الاَمرِ لا يَظهَرُ، وَقَدِ امتَلأتِ الاَرضُ مِنَ الجَورِ، وَاُفَوِّضُ اُمُوري كُلَّها اِلَيكَ.
اَللّهُمَّ اِنّي اَساَلُكَ اَن تُرِيَني وَلِيَّ اَمرِكَ ظاهِراً نافِذَ الاَمرِ، مَعَ عِلمي بِاَنَّ لَكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(234) جمال الاسبوع: ص 307.
السُّلطانَ، وَالقُدرَةَ وَالبُرهانَ، وَالحُجَّةَ وَالمشِيَّةَ (وَالاِرادَةَ) وَالحَولَ وَالقُوَّةَ، فَافعَل ذلِكَ بي وَبِجَميعِ المُؤمِنينَ، حَتّى نَنظُرَ اِلى وَلِيِّكَ صَلَواتُكَ عَلَيهِ وَآلِه ظاهِرَ المَقَالَةِ، وَاضِحَ الدَّلالَةِ، هادِياً مِنَ الضَّلالَةِ، شافِياً مِنَ الجَهالَةِ.
اَبرِز يا رَبِّ مُشاهَدَتَهُ، وَثَبِّت قَواعِدَهُ، وَاجعَلنا مِمَّن تُقِرُّ عَينَهُ بِرُؤيَتِه، وَاَقِمنا بِخِدمَتِه، وَتَوَفَّنا عَلى مِلَّتِه، وَاحشُرنا في زُمرَتِه.
اَللّهُمَّ اَعِذهُ مِن شَرِّ جَميعِ ما خَلَقتَ وَذَرَأتَ وَبَرَأتَ وَاَنشَأتَ وَصَوَّرتَ، وَاحفَظهُ مِن بَينَ يَدَيهِ، وَمِن خَلفِه وَعَن يَمينِه وَعَن شِمالِه، وَمِن فَوقِه وَمِن تَحتِه، بِحِفظِكَ الَّذي لا يَضيعُ مَن حَفِظتَهُ بِه، وَاحفَظ فيهِ رَسُولَكَ وَوَصِيَّ رَسُولِكَ (عليهما السلام).
اَللّهُمَّ وَمُدَّ في عُمرِه، وَزِد في اَجَلِه، وَاَعِنهُ عَلى ما اَولَيتَهُ وَاستَرعَيتَهُ، وَزِد في كَرامَتِكَ لَهُ، فَاِنَّهُ الهادِي المَهدِيُّ، وَالقائِمُ المُهتَدي، اَلطّاهِرُ التَّقِيُّ الزَّكِيُّ النَّقِيُّ الرَّضِيُّ المَرضِيُّ الصّابِرُ الشَّكُورُ المُجتَهِدُ.
اَللّهُمَّ وَلا تَسلُبنَا اليَقينَ لِطُولِ الاَمَدِ في غَيبَتِهِ وَانقِطاعِ خَبَرِه عَنّا، وَلا تُنسِنا ذِكرَهُ وَانتِظارَهُ، وَالاِيمانَ بِه، وَقُوَّةَ اليَقينِ في ظُهُورِهِ، وَالدُّعاءَ لَهُ، وَالصَّلاةَ عَلَيهِ، حَتّى لا يُقَنِّطَنا طُولُ غَيبَتِه مِن قِيامِه، وَيَكُونَ يَقينُنا في ذلِكَ كَيَقينِنا في قِيامِ رَسُولِكَ، وَما جاءَ بِه مِن وَحيِكَ وَتَنزيلِكَ.
وَقَوِّ قُلُوبَنا عَلَى الاِيمانِ بِه، حَتّى تَسلُكَ بِنا عَلى يَدَيهِ مِنهاجَ الهُدى، وَالمَحَجَّةَ العُظمى، وَالطَّريقَةَ الوُسطى، وَقَوِّنا عَلى طاعَتِهِ، وَثَبِّتنا عَلى مُتابِعَتِه، وَاجعَلنا في حِزبِه وَاَعوانِه وَاَنصارِه وَالرّاضينَ بِفِعلِه.
وَلا تَسلُبنا ذلِكَ في حَياتِنا، وَلا عِندَ وَفاتِنا، حَتّى تَتَوَفّانا وَنَحنُ عَلى ذلِكَ لا شاكّينَ، وَلا ناكِثينَ وَلا مُرتابينَ وَلا مُكَذِّبينَ.
اَللّهُمَّ عَجِّل فَرَجَهُ، وَاَيِّدهُ بِالنَّصرِ، وَانصُر ناصِريهِ، وَاخذُل خاذِليهِ،
وَدمدِم عَلى مَن نَصَبَ لَهُ وَكَذَّبَ بِه، وَاَظهِر بِهِ الحَقَّ، وَاَمِت بِهِ الجَورَ، وَاستَنقِذ بِهِ عِبادَكَ المُؤمِنينَ مِنَ الذُّلِّ، وَانعَش بِهِ البِلادَ، وَاقتُل بِهِ جَبابِرَةَ الكُفرِ، وَاقصِم بثهِ رُؤُوسَ الضَّلالَةِ، وَذَلِّل بِهِ الجَبّارينَ وَالكافِرينَ، وَاَبِر بِهِ المُنافِقينَ وَالنّاكِثينَ، وَجَميعَ المُخالِفينَ وَالمُلحِدينَ، في مَشارِقِ الاَرضِ وَمَغارِبِها، وَبَحرِها وَبَرِّها، وَسَهلِها وَجَبَلِها، حَتّى لا تَدَعَ مِنهُم دَيّاراً، وَلا تُبقِيَ لَهُم آثاراً، وَطَهِّر مِنهُم بِلادَكَ، واشفِ مِنهُم صُدُورَ عِبادِكَ.
وَجَدِّد بِه مَا امتَحى مِن دينِكَ، وَاَصلِح بِه ما بُدِّلَ مِن حُكمِكَ وَغُيِّرَ مِن سُنَّتِكَ، حَتّى يَعُودَ دينُكَ بِه وَعَلى يَدَيه غَضّاً جَديداً صَحيحاً لا عِوَجَ فيهِ، وَلا بِدعَةَ مَعَهُ، حَتّى تُطفِئَ بِعَدلِه نيرانَ الكافِرينَ، فَاِنَّهُ عَبدُكَ الَّذِي استَخلَصتَهُ لِنَفسِكَ، وَارتَضَيتَهُ لِنُصرَةِ دينِكَ، وَاصطَفَيتَهُ بِعِلمِكَ، وَعَصَمتَهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَبَرَّأتَهُ مِنَ العُيُوبِ، وَاَطلَعتَهُ عَلَى الغُيُوبِ، وَاَنعَمتَ عَلَيهِ، وَطَهَّرتَهُ مِنَ الرِّجسِ، وَنَقَّيتَهُ مِنَ الدَّنَسِ.
اَللّهُمَّ فَصَلِّ عَلَيهِ وَعَلى آبائِهِ الائِمَّةِ الطّاهِرينَ، وَعَلى شيعَتِهِمُ المُنتَجَبينَ، وَبَلِّغهُم مِن آمالِهِم اَفضَلَ ما يَأمُلُونَ، وَاجعَل ذلِكَ مِنّا خالِصاً مِن كُلِّ شَكٍّ وَشُبهَةٍ وَرِياءٍ وَسُمعَةٍ، حَتّى لا نُريدَ بِه غَيرَكَ، وَلا نَطلُبَ بِه اِلَّا وَجهَكَ.
اَللّهُمَّ اِنَّا نَشكُو اِلَيكَ فَقدَ نَبِيِّنا، وَغَيبَةَ وَلِيِّنا، وَشِدَّةَ الزَّمانِ عَلَينا، وَوُقُوعَ الفِتَنِ بِنا، وَتَظاهُرَ الاَعداءِ عَلَينا، وَكَثرَةَ عَدُوِّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا.
اَللّهُمَّ فَفَرِّج ذلِكَ بِفَتحٍ مِنكَ تُعَجِّلُهُ، وَنَصرٍ مِنكَ تُعِزُّهُ، وَاِمامِ عَدلٍ تُظهِرُهُ، اِلهَ الحَقِّ رَبَّ العالَمينَ.
اَللّهُمَّ اِنّا نَساَلُكَ اَن تَأذَنَ لِوَلِيِّكَ في اِظهارِ عَدلِكَ في عِبادِكَ، وَقَتلِ اَعدائِكَ فِي بِلادِكَ، حَتّى لا تَدَعَ لِلجَورِ دِعامَةً اِلَّا قَصَمتَها، وَلا بَقِيَّةً اِلّا اَفنَيتَها، وَلا قُوَّةً اِلّا اَو هَنتَها، وَلا رُكناً اِلّا هَدَدتَهُ، وَلا حَدّاً اِلّا فَلَلتَهُ، وَلا سِلاحاً اِلّا
كَلَلتَهُ، وَلا رايَةً اِلّا نَكَّستَها، وَلا شُجاعاً اِلّا قَتَلتَهُ، وَلا جَيشاً اِلّا خَذَلتَهُ.
وَارمِهِم يا رَبِّ بِحَجَرِكَ الدّامِغ، وَاضرِبهُم بِسَيفِكَ القاطِع، وَبَأسِكَ الَّذي لا تَرُدُّهُ عَنِ القَومِ المُجرِمينَ، وَعَذِّب اَعداءَكَ وَاَعداءَ دينِكَ، وَاَعداءَ رَسُولِكَ، بِيَدِ وَلِيِّكَ وَاَيدي عِبادِكَ المُؤمِنينَ.
اَللّهُمَّ اكفِ وَلِيَّكَ وَحُجَّتَكَ في اَرضِكَ هَولَ عَدُوِّهِ، وَكِد مَن كادَهُ، وَامكُر بِمَن مَكَرَ بثه، وَاجعَل دائِرَةَ السَّوءِ عَلى مَن اَرادَ بِه سُوءً، وَاقطَع عَنهُ مادَّتَهُم، وَاَرعِب لَهُ قُلُوبَهُم، وَزَلزِل اَقدامَهُم، وَخُذهُم جَهرَةً وَبَغتَةً، وَشَدِّد عَلَيهِم عذابَكَ، وَاخزِهِم في عِبادِكَ، وَالعَنهُم في بِلادِكَ، وَاَسكِنهُم اَسفَلَ نارِكَ، وَاَحِط بِهِم اَشَدَّ عَذابِكَ، وَاَصلِهِم ناراً، وَاحشُ قُبُورَ مَوتاهُم ناراً، وَاَصلِهِم حَرَّ نارِكَ، فَاِنَّهُم اَضاعُوا الصَّلاةَ، وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ، وَاَضَلُّوا عِبادَكَ.
اَللّهُمَّ وَاَحيِ بِوَلِيِّكَ القُرآنَ، وَاَرِنا نُورَهُ سَرمَداً لا ظُلمَةَ فيهِ، وَاَحيِ بِهِ القُلُوبَ الَمَيِّتَةَ، وَاشفِ بِهِ الصُّدُورَ الوَغِرَةَ، وَاجمَع بِهِ الاَهواءَ المُختَلِفَةَ عَلَى الحَقِّ، وَاَقِم بِهِ الحُدُودَ المُعَطَّلَةَ، وَالاَحكامَ المُهمَلَةَ، حَتّى لا يَبقى حَقٌّ اِلّا ظَهَرَ، وَلا عَدلٌ اِلّا زَهَرَ، وَاجعَلنا يا رَبِّ مِن اَعوانِهِ، وَمُقوِّيَةِ سُلطانِهِ، وَالمُؤتَمِرينَ لِاَمرِه، وَالرّاضينَ بِفِعلِهِ، وَالمُسَلِّمين لِاَحكامِه، وَمِمَّن لا حاجَةَ بِهِ اِلَى التَّقِيَّةِ مِن خَلقِكَ.
اَنتَ يا رَبِّ الَّذي تَكشِفُ السُّوءَ، وَتُجيبُ المُضطَرَّ اِذا دَعاكَ، وَتُنجي مِنَ الكَربِ العَظيمِ، فَاكشِفِ الضُّرَّ عَن وَلِيِّكَ، وَاجعَلهُ خَليفَةً في اَرضِكَ كَما ضَمِنتَ لَهُ.
اَللّهُمَّ وَلا تَجعَلني مِن خُصَماءِ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)، وَلا تَجعَلني مِن اَعداءِ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)، وَلا تَجعَلني مِن اَهلِ الحَنَقِ وَالغَيظِ عَلى آلِ مُحَمَّدٍ، فَاِنّي اَعُوذُ بِكَ مِن ذلِكَ فَاَعِذني، وَاَستَجيرُ بِكَ فَاَجِرني.
اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجعَلني بِهِم فائِزَاً عِندَكَ فِي الدُّنيا
وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبينَ، آمينَ رَبَّ العالَمينَ»(235).
4 - الدعاء المروي في تعقيب الصلوات المكتوبة:
«رَضيتُ بِاللهِ رَبّاً، وَبِالاِسلامِ دِيناً، وَبِالقُرآنِ كِتاباً، وَبِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نَبِيّاً، وَبِعَليٍّ وَلِيّاً، وَالحَسَنِ وَالحُسَينِ، وَعَليِّ بنِ الحُسَينِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ، وَجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَمُوسَى بنِ جَعفَرٍ، وَعَليِّ بنِ مُوسى، وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ، وَعَليِّ بنِ مُحَمَّدٍ، وَالحَسَنِ بنِ عَليٍّ، وَالحُجَّةِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَليٍّ اَئِمَّةً.
اَللّهُمَّ وَلِيَّكَ الحُجَّةَ، فَاحفَظهُ مِن بَينِ يَدَيهِ، وَمِن خَلفِه، وَعن يَمينِه، وَعَن شِمالِه، وَمِن فَوقِه، وَمِن تَحتِه، وَامدُد لَهُ في عُمرِه، وَاجعَلهُ القائِمَ بِاَمرِكَ، وَالمُنتَصِرَ لِدينِكَ، وَاَرِه ما يُحِبُّ، وَما تُقِرُّ بِه عَينَهُ في نَفسِه وَذُرِّيَّتِه، وَفي اَهلِه وَمالِه، وَفي شيعَتِه وَفي عَدُوِّه، وَاَرِهِم مِنهُ ما يَحذَرُونَ، وَاَرِهِ فيهِم ما يُحِبُّ، وَتُقِرُّ بِه عَينَهُ، وَاشفِ بِه صُدُورَنا، وَصُدُورَ قَومٍ مُؤمِنينَ»(236).
5 - الدعاء المروي عن الامام الصادق (عليه السلام):
«اَي سامِعَ كُلِّ صَوتٍ، اَي جامِعَ كُلِّ فَوتٍ، اَي بارِئَ كُلِّ نَفسٍ بَعدَ المَوتِ، اَي باعِثُ، اَي وارِثُ، اَي سَيِّدَ السّاداتِ، اَي اِلهَ الالِهَةِ، اَي جَبَّارَ الجَبابِرَةِ، اَي مَلِكَ الدُّنيا وَالاخِرَةِ، اَي رَبَّ الاَربابِ، اَي مَلِكَ المُلُوكِ، اَي بَطّاشُ، اَي ذَا البَطشِ الشَّديدِ، اَي فَعّالاً لِما يُريدُ، اَي مُحصي عَدَدِ الاَنفاسِ وَنَقلِ الاَقدامِ، اَي مَنِ السِّرُّ عِندَهُ عَلانِيَةٌ، اَي مُبدِئُ، اَي مُعيدُ.
اَساَلُكَ بِحَقِّكَ عَلى خِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ، وَبِحَقِّهِمُ الَّذي اَوجَبتَهُ عَلى نَفسِكَ، اَن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَاَهلِ بَيتِه، وَاَن تَمُنَّ عَلَيَّ السّاعَةَ بِفَكاكِ رَقَبَتي مِنَ النّارِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(235) كمال الدين: ص 512 ب 45 ح 43.
(236) الفقيه: ج 1 ص 327 ح 960.
وَاَنجِز لِوَلِيِّكَ وَابنِ نَبِيِّكَ - الدّاعي اِلَيكَ بِاِذنِكَ وَاَمينِكَ في خَلقِكَ وَعَينِكَ في عِبادِكَ وَحُجَّتِكَ عَلى خَلقِكَ عَلَيهِ صَلَواتُكَ وَبَرَكاتُكَ - وَعدَهُ.
اَللّهُمَّ اَيِّدهُ بِنَصرِكَ، وَانصُر عَبدَكَ، وَقَوِّ اَصحابَهُ وَصَبِّرهُم، وَافتَح لَهُم مِن لَدُنكَ سُلطاناً نَصيراً، وَعَجِّل فَرَجَهُ، وَاَمكِنهُ مِن اَعدائِكَ وَاَعداءِ رَسُولِكَ، يا اَرحَمَ الرّاحِمينَ»(237).
6 - الدعاء المروي عن الامام الكاظم (عليه السلام) في تعقيب صلاة العصر:
«اَنتَ اللهُ لا اِلهَ اِلّا اَنتَ، الاَوَّلُ وَالاخِرُ وَالظّاهِرُ وَالباطِنُ، وَاَنتَ اللهُ لا اِلهَ إِلَّا اَنتَ، اِلَيكَ زِيادَةُ الاَشياءِ وَنُقصانُها، وَاَنتَ اللهُ لا اِلهَ اِلّا اَنتَ خَلَقتَ الخَلقَ بِغَيرِ مَعُونَةٍ مِن غَيرِكَ، وَلا حاجةٍ اِلَيهِم، اَنتَ اللهُ لا اِلهَ اِلّا اَنتَ؛ مِنكَ المَشِيَّةُ، وَاِلَيكَ البَدءُ، اَنتَ اللهُ لا اِلهَ اِلّا اَنتَ قَبلَ القَبلِ وَخالِقُ القَبلِ. اَنتَ اللهُ لا اِلهَ اِلّا اَنتَ، بَعدَ البَعدِ وَخالِقُ البَعدِ. اَنتَ اللهُ لا اِلهَ اِلّا اَنتَ، تَمحُو ما تَشاءُ وَتُثبِتُ، وَعِندَكَ اُمُّ الكِتابِ. اَنتَ اللهُ لا اِلهَ اِلّا اَنتَ؛ غايَةُ كُلِّ شَيءٍ وَوارِثُهُ.
اَنتَ اللهُ لا اِلهَ اِلّا اَنتَ؛ لا يَعزُبُ عَنكَ الدَّقيقُ وَلَا الجَليلُ، اَنتَ اللهُ لا اِلهَ اِلّا اَنتَ؛ لا تَخفى عَلَيكَ اللُغاتُ، ولا تَتَشابَهُ عَلَيكَ الاَصواتُ، كُلُّ يَومٍ اَنتَ في شَأنٍ، لا يَشغَلُكُ شَأنٌ عَن شَأنٍ، عالِمُ الغَيبِ وَاَخفى، دَيّانُ يَومِ الدّينِ، مُدَبِّرُ الاُمُورِ، باعِثُ مَن فِي القُبُورِ، مُحيِ العِظامِ وَهِيَ رَميمٌ.
اسألك باسمك المكنونِ المخزونِ الحيّ القيّوم الذي لا يَخيبُ مَن سألكَ به، أن تصلّيَ على محمّدٍ وآل محمّد، وأن تُعَجّلَ فرجَ المنتقم لك من أعدائك وأنجز له ما وعدته يا ذا الجلال والاكرام»(238).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(237) البحار: ج 86 ص 62 ب 39 ح 1.
(238) البحار: ج 86 ص 80 ب 40 ح 8.
7 - الدعاء المذكور بعد الركعتين الاولتين من صلاة الليل:
«اَللّهُمَّ اِنّي اَساَلُكَ وَلَم يُسئَل مِثلُكَ، اَنتَ مَوضِعُ مَساَلَةِ السّائِلينَ، وَمُنتَهى رَغبَةِ الرّاغِبينَ، اَدعُوكَ وَلَم يُدعَ مِثلُكَ، وَاَرغَبُ اِلَيكَ وَلَم يُرغَب اِلى مِثلِكَ، اَنتَ مُجيبُ دَعوَةِ المُضطَرّينَ وَاَرحَمُ الرّاحِمينَ.
اَساَلُكَ بِاَفضَلِ المَسائِلِ وَاَنجَحِها وَاَعظَمِها، يا اللهُ يا رَحمانُ يا رَحيمُ، وَبِاَسمائِكَ الحُسنى، وَاَمثالِكَ العُليا، وَنِعَمِكَ الَّتي لا تُحصى، وَبِاَكرَمِ اَسمائِكَ عَلَيكَ، وَاَحَبِّها اِلَيكَ، واَقرَبِها مِنكَ وَسيلَةً، وَاَشرَفِها عِندَكَ مَنزِلَةً، وَاَجزَلِها لَدَيكَ ثَواباً، وَاَسرَعِها فِي الاُمُورِ اِجابَةً.
وَبِإِسمِكَ المَكنُونِ الاَكبَرِ، اَلاَعَزِّ الاَجَلِّ الاَعظَمِ الاَكرَمِ، الَّذي تُحِبُّهُ وَتَهواهُ وَتَرضى بِه عَمَّن دَعاكَ بِهِ، فَاستَجَبتَ لَهُ دُعاءَهُ، وَحَقٌّ عَلَيكَ اَن لا تَحرِمَ سائِلَكَ وَلا تَرُدَّهُ.
وَبِكُلِّ اِسمٍ هُوَ لَكَ فِي التَّوراةِ وَالاِنجِيلِ وَالزَّبُورِ، وَالقُرآنِ العَظيمِ، وَبِكُلِّ اِسمٍ دَعاكَ بِهِ حَمَلَةُ عَرشِكَ، وَمَلائِكَتُكَ وَاَنبِياؤُكَ وَرُسُلُكَ، وَاَهلُ طاعَتِكَ مِن خَلقِكَ.
اَن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاَن تُعَجِّلَ فَرَجَ وَلِيِّكَ وَابنِ وَلِيِّكَ، وَتُعَجِّلَ خِزيَ اَعدائِهِ»(239).
8 - الدعاء المروي عن الامام الباقر (عليه السلام) في قنوت يوم الجمعة:
«اَللّهُمَّ تَمَّ نُورُكَ فَهَدَيتَ، فَلَكَ الحَمدُ رَبَّنا، وَعَظُمَ حِلمُكَ فَعَفَوتَ، فَلَكَ الحَمدُ، رَبَّنا، وَبَسَطتَ يَدَكَ فَاَعطَيتَ، فَلَكَ الحَمدُ رَبَّنا، وَجهُكَ اَكرَمُ الوُجُوهِ وَجاهُكَ اَكرَمُ الجاهِ، وَجِهَتُكَ خَيرُ الجِهاتِ، وَعَطِيَّتُكَ اَفضَلُ العَطِيَّاتِ وَاَهنَاُها،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(239) الجنة الواقية: ص 75.
تُطاعُ رَبَّنا فَتَشكُرُ، وَتُعصى رَبَّنا فَتَغفِرُ لِمَن شِئتَ، فَلَكَ الحَمدُ، تُجيبُ المُضطَرَّ، وَتَكشِفُ الضُّرَّ، وَتُنجي مِنَ الكَربِ العَظيم، وَتَقبَلُ التَّوبَةَ، وَتَشفِي السَّقيمَ، وَتَعفُو عَنِ الذَّنبِ، لا يَجزي بِآلائِكَ اَحَدٌ، وَلا يَبلُغُ نَعماءَكَ قَولُ قائِلٍ.
اَللّهُمَّ اِلَيكَ رُفِعَتِ الاَصواتُ، وَنُقِلَتِ الاَقدامُ، وَمُدَّتِ الاَعناقُ، وَرُفِعَتِ الاَيدي، وَدُعيتَ بِالاَلسُنِ، وَتُقُرِّبَ اِلَيكَ بِالاَعمالِ.
رَبَّنا اغفِر لَنا وَارحَمنا، (وَافتَح بَينَنا وَبَينَ قَومِنا بِالحَقِّ، وَاَنتَ خَيرُ الفاتِحينَ)(240).
اَللّهُمَّ اِنَّا نَشكُو اِلَيكَ فَقدَ نَبِيَّنا، وَغَيبَةَ وَلِيِّنا، وَشِدَّةَ الزَّمانِ عَلَينا، وَوُقُوعَ الفِتَنِ، وَتَظاهُرَ الاَعداءِ، وَكَثرَةَ عَدُوِّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا.
فَافرُج ذلِكَ يا رَبِّ عَنّا بِفَتحٍ مِنكَ تُعَجِّلُهُ، وَنَصرٍ مِنكَ تُعِزُّهُ، وَاِمامِ عَدلٍ تُظهِرُهُ، اِلهَ الحَقِّ امينَ»(241).
9 - الدعاء المروي عن الامام الرضا (عليه السلام) لقنوت صلاة الجمعة:
«اَللّهُمَّ اَصلِح عَبدَكَ وَخَليفَتَكَ، بِما اَصلَحتَ بِه اَنبِياءَكَ وَرُسُلَكَ، وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ، وَاَيِّدهُ بِرُوحِ القُدُسِ مِن عِندِكَ، وَاسلُكهُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ رَصَداً، يَحفَظُونَهُ مِن كُلِّ سُوءٍ، وَاَبدِلهُ مِن بَعدِ خَوفِه اَمناً، يَعبُدُكَ لا يُشرِكُ بِكَ شَيئاً، وَلا تَجعَل لِاَحَدٍ مِن خَلقِكَ عَلى وَلِيِّكَ سُلطاناً، وَأذَن لَهُ في جِهادِ عَدُوِّكَ وَعَدُوِّه، وَاجعَلني مِن اَنصارِه، اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ»(242).
10 - الدعاء المنقول بعد صلاة الصبح يوم الجمعة، جاء فيه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(240) سورة الاعراف: الآية 89.
(241) الفقيه: ج 1 ص 487 ح 1404.
(242) الكافي: ج 2 ص 529 ح 23.
«اَللّهُمَّ كُن لِوَلِيَّكَ في خَلقِكَ وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً حَتّى تُسكِنَهُ اَرضَكَ طَوعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويلاً، وَتَجعَلَهُ وَذُرِّيَّتَهُ فيهَا الاَئِمَّةَ الوارِثينَ، وَاجمَع لَهُ شَملَهُ، وَاَكمِل لَهُ اَمرَهُ، وَاَصلِح لَهُ رَعِيَّتَهُ، وَثَبِّت رُكنَهُ، وَاَفرِغِ الصَّبرَ مِنكَ عَلَيهِ، حَتّى يَنتَقِمَ فَيَشتَفي، وَيَشفي حَزازاتِ قُلُوبٍ نَغِلَةٍ، وَحَراراتِ صُدُورٍ وَغرَةٍ، وَحَسَراتِ اَنفُسٍ تَرِحَةٍ مِن دِماءٍ مَسفُوكَةٍ، وَاَرحامٍ مَقطُوعَةٍ، وَطاعَةٍ مَجهُولَةٍ، قَد اَحسَنتَ اِلَيهِ البلاءَ، وَوَسَّعتَ عَلَيهِ الالاءَ، وَاَتمَمتَ عَلَيهِ النَّعَماءَ في حُسنِ الحِفظِ مِنكَ لَهُ.
اَللّهُمَّ اكفِهِ هَولَ عَدُوِّهِ، وَاَنسِهِم ذِكرَهُ، وَاَرِد مَن اَرادَهُ، وَكِد مَن كادَهُ، وَامكُر بِمَن مَكَرَ بِهِ، وَاجعَل دائِرَةَ السُّوءِ عَلَيهِم.
اَللّهُمَّ فُضِّ جَمعَهم، وَفُلِّ حَدَّهُم، وَاَرعِب قُلُوبهُم، وَزَلزِل اَقدامَهُم، وَاصدَع شَعبهم، وشَتِّت اَمرَهُم، فَاِنَّهُم اَضاعوا الصلاةً، واتَّبَعُوا الشَّهَواتِ، وَعَمِلُوا السيِّئَاتِ، وَاجتَنَبُوا الحَسَنات، فَخُذهُم بِالمثلات وَاَرِهِم الحَسَرات، اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدير»(243).
11 - الدعاء المروي في الحوائج المهمّة بهذا اللفظ:
«اَللّهُمَّ عَظُمَ البَلاءُ، وَبَرِحَ الخَفاءُ، وَانقَطَعَ الرَّجاءُ، وَانكَشَفَ الغِطاءُ، وَضاقَتِ الاَرضُ وَمُنِعَتِ السَّماءُ، وَاِلَيكَ يا رَبِّ المُشتَكى، وَعَلَيكَ المُعَوَّلُ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ.
اَللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَالِ مُحَمَّدٍ، اُولِي الاَمرِ الَّذينَ فَرَضتَ عَلَينا طاعَتَهُم، فَعَرَّفتَنا مَنزِلَتَهُم، فَفَرِّج عَنّا بِحَقِّهِم فَرَجاً عاجِلًا كَلَمحِ البَصَرِ اَو هُوَ اَقرَبُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(243) البحار: 102 ص 322.
يا مُحَمَّدُ يا عَلِيُّ، اِكفِياني فَاِنَّكُما كافِيايَ، وَانصُراني فَاِنَّكُما ناصِرايَ.
يا مَولايَ يا صاحِبَ الزَّمانِ، اَلغوثَ اَلغَوثَ اَلغَوثَ، اَدرِكني اَدرِكَني اَدرِكني»(244).
12 - الدعاء المذكور لزمان الغيبة:
«اَللّهُمَّ اَنتَ عَرَّفتَني نَفسَكَ، وَعَرَّفتَني رَسُولَكَ، وَعَرَّفتَني مَلائِكَتِكَ، وَعَرَّفتَني نَبِيَّكَ، وَعَرَّفتَني وُلاةَ اَمرِكَ.
اَللّهُمَّ لا آخِذَ اِلاَّ ما اَعطَيتَ، وَلا واقِيَ اِلاّ ما وَقَيتَ، اَللّهُمَّ لا تُغَيِّبني عَن مَنازِلِ اَولِيائِكَ، وَلا تُزِغ قَلَبي بَعدَ اِذ هَدَيتَني.
اَللّهُمَّ اهدِني لِوِلايَةِ مَن فَرَضتَ طاعَتَهُ»(245).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الحقائق الثابتة التي لا مجال لإنكارها أو التشكيك فيها، طول عمر مولانا الامام المهدي أرواحنا فداه، وبقاء حياته المباركة رعاه الله تعالى.
وقد دلّ عليه الدليل العلمي والبرهان اليقيني.
فقد صرّحت به الروايات المتظافرة خصوصاً وعموماً، وأفادته الأحاديث المتواترة قطعاً.
كما ثبت على ضوء القرآن الكريم، وتوصل اليه الوجدان السليم.
أما الأحاديث الشريفة الخاصة في ذلك، فمنها:
1 - حديث ابي سعيد عقيصا المتقدم، عن الامام الحسن المجتبى (عليه السلام) جاء فيه:
«... التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الاماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثم يُظهره في صورة شابٍّ دون أربعين سنة، ذلك ليُعلم أن الله على كل شيء قدير»(246).
2 - حديث محمد بن مسلم الثقفي الطحان المتقدم، عن الامام الباقر (عليه السلام)، جاء فيه:
«فأما شبهه من يونس بن متى، فرجوعه من غيبته وهو شابٌّ بعد كبر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(246) كمال الدين: ص 316 ب 29 ح 2.
السن»(247).
3 - حديث سدير الصيرفي المفصّل، عن الامام الصادق (عليه السلام)، جاء فيه:
«... وأمّا العبد الصالح أعني الخضر (عليه السلام)، فإنّ الله تبارك وتعالى ما طوَّل عمره لنبوَّة قدَّرها له، ولا لكتاب يُنزله عليه، ولا لشريعة يَنسخ بها شريعة من مكان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يُلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يُفرضها له.
بلى، إنَّ الله تبارك وتعالى لمّا كان في سابق علمه أن يقدِّر من عمر القائم (عليه السلام) في أيّام غيبته ما يقدّر، وعَلِمَ ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طوَّل عمر العبد الصالح في غير سبب يوجب ذلك إلاّ لعلّة الاستدلال به على عمر القائم (عليه السلام)، وليقطع بذلك حجّة المعاندين لئلاّ يكون للنّاس على الله حجّة»(248).
4 - حديث الريّان بن الصلت المتقدم، عن الامام الرضا (عليه السلام)، جاء فيه:
«وان القائم هو الذي اذا خرج كان في سنّ الشيوخ ومنظر الشبّان»(249).
5 - حديث أحمد بن اسحاق الأشعري القمي المتقدّم، عن الامام العسكري (عليه السلام)، جاء فيه:
«يا أحمد بن اسحاق، مثله في هذه الأمة مثل الخضر (عليه السلام)»(250).
6 - حديث الحسن بن محمد بن صالح البزاز، قال: سمعت الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) يقول:
«إنَّ إبني هو القائم من بعدي وهو الذي يجرى فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(247) كمال الدين: ص 327 ب 32 ح 7.
(248) كمال الدين: ص 357 ب 33 ح 50.
(249) كمال الدين: ص 376 ب 35 ح 7.
(250) كمال الدين: ص 384 ب 46 ح 4.
بالتعمير والغيبة...»(251).
7 - حديث سعيد بن جبير، قال: سمعت سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) يقول:
«في القائم سُنّة من نوح (عليه السلام) وهي طول العمر»(252).
8 - حديث حماد بن عبد الكريم الجلّاب، قال: ذكر القائم عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال:
«أما انه لو قد قام لقال الناس: أنّى يكون هذا؟ وقد بليت عظامه مذ كذا وكذا»(253).
هذا الى غير ذلك من الأحاديث الاُخرى المفيدة طول عمره (عليه السلام)، وقد اشير اليها من طريق الفريقين في منتخب الأثر(254).
اما على ضوء القرآن الكريم (255)
فإن طول العمر وبقاء الانسان في الحياة قروناً متطاولة، قد ثبت على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(251) كمال الدين: ص 524 ب 46 ح 4.
(252) كمال الدين: ص 534 ب 46 ح 5.
(253) الغيبة للنعماني: ص 155 ح 14.
(254) منتخب الأثر: ص 278 - 285، عن كمال الدين والغيبتين والخرائج من الخاصة، وينابيع المودة من العامة، وكذلك من الشافعي الكنجي في كتاب البيان، كما حكاه في: احقاق الحق: ج 19 ص 698.
(255) هذا جواب على اشكال بعض المخالفين على طول عمره (عليه السلام) الذي نقله في: كنز الفوائد: ص 244، وسيأتي ذكره.
ونجيب على ذلك بالكتاب الكريم، والسنة المتفق عليها بين الفريقين، والدليل الوجداني الموجود في البين، مؤيدين ذلك بموافقة الطبيعة البشرية، ثم تصريحات الاصول العلمية.
وليُعلم بدواً انه يكفي في الجواب عن ذلك الاشكال، ما يستفاد من بعض الأحاديث المباركة المتقدمة: رقم 1 و2. ان السر في طول عمره الشريف رعاه الله، هو إعجاز الله تعالى بإبقائه شابّاً وحفظه في هذا السن كاملاً؛ والله تعالى على كل شيء قدير، وبيد قدرته الشيب والشباب والموت والحياة.
ضوء القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل قطعاً. فلا مجال لاستبعاده او استحالته او الاشكال فيه أبداً.
فقد جاء في القرآن الكريم بالنسبة الى نبي الله نوح قوله تعالى: (ولقد أرسلنا نوحاً الى قومِهِ فلبثَ فيهم ألفَ سنةٍ الا خمسينَ عاماً فأخذهُمُ الطوفانُ وهم ظالمون)(256).
فتلاحظ أن الآية المباركة صريحة في أن النبي نوح (عليه السلام) لبث في قومه بعد إرساله ونبوّته 950 سنة، تسعة قرون ونصف.
وأما مجموع عمره الشريف فهو أكثر من هذا، اذ روي انه عمّر 2500 عام.
ففي حديث هشام بن سالم عن الامام الصادق (عليه السلام):
«عاش نوح (عليه السلام) ألفي سنة وخمسمائة سنة، منها ثمانمائة وخمسون سنة قبل أن يُبعث، وألف سنة إلّا خمسين عاماً وهو في قومه يدعوهم، وسبعمائة عام بعد ما نزل من السفينة ونضب الماء، فمصّر الأمصار وأسكن ولده البلدان.
ثمَّ إنَّ مَلَك الموت (عليه السلام) جاءه وهو في الشمس، فقال له: السلام عليك. فردَّ الجواب.
فقال له: ما جاء بك يا مَلَك الموت؟
فقال: جئت لأقبض روحك.
فقال له: تَدَعُني أخرج من الشمس إلى الظلِّ؟
فقال له: نعم.
فتحوَّل نوح (عليه السلام)، ثمَّ قال: يا مَلَك الموت، كأنَّ ما مرَّ بي من الدُّنيا مثل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(256) سورة العنكبوت: الآية 14.
تحوُّلي من الشمس إلى الظلِّ، فامض لما اُمرت به. قال: فقبض روحه (عليه السلام)»(257).
وهذا يعطي تحقق طول العمر قروناً طويلة.
بل يمكن التعمير الى يوم القيامة بمشيئة الله وارادته وقدرته، كما أخبر به الله تعالى بالنسبة الى نبيّه يونس بن متّى، فقال عزّ من قائل: (فالتقمَهُ الحوتُ وهو مُليم * فلولا أَنّه كانَ من المسبِّحين * للَبِثَ في بطنِهِ الى يومِ يُبعثون)(258).
اذ الظاهر - والله العالم - انه بمعنى للبث حيّاً في بطن الحوت الى يوم القيامة كما في تفسير الخاصة(259) والعامّة(260).
خصوصاً مع معنى كلمة اللبث لغةً وتفسيرها بـ «الاقامة بالمكان والملازمة له» المناسبة للحياة لا الموت، كما في المفردات(261).
وهذا يفيد قدرة الله تعالى على حفظ انسان وإبقاء حياته في مكانٍ كهذا، بلا هواء ولا طعام آلاف السنين او القرون.
فكيف لا يحفظ وليّه الأعظم وحجّته الكبرى، الذي وعد فيه أن يظهره على الدين كلّه، ويمكّن له في الأرض، ويجعله من الوارثين.
أليس الله بقادر على حفظه وابقاءه، وطول عمره وبقاءه؟
بل إن الله تعالى أبقى عدوّه إبليس الى يوم الوقت المعلوم، فكيف لا يبقى وليّه المصلح ونوره المفصح، ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره.
لذلك أفاد الشيخ الصدوق:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(257) كمال الدين: ص 523 ب 46 ح 1.
(258) سورة الصافات: الآية 142 - 144.
(259) كنز الدقائق: ج 11 ص 184.
(260) الكشّاف: ج 4 ص 62.
(261) المفردات: 446.
«ان اكثر المخالفين يسلّمون لنا حديث الخضر (عليه السلام) ويعتقدون فيه أنّه حيٌّ غائب عن الأبصار، وأنّه حيث ذُكر حَضَر، ولا ينكرون طول حياته، ولا يحملون حديثه على عقولهم ويدفعون كون القائم (عليه السلام) وطول حياته في غيبته.
وعندهم أنَّ قدرة الله (عزَّ وجلَّ) تتناول إبقاءه الى يوم النفخ في الصور، وإبقاء إبليس مع لعنته الى يوم الوقت المعلوم في غيبته، وأنّها لا تتناول إبقاءه حجّة الله على عباده مدَّة طويلة في غيبته، مع ورود الأخبار الصحيحة بالنصِّ عليه بعينه واسمه ونسبه عن الله تبارك وتعالى وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعن الأئمّة (عليهم السلام)»(262).
وقال شيخ الطائفة:
«فان قيل: ادعاؤكم طول عمر صاحبكم امر خارق للعادات مع بقاءه على قولكم كاملَ العقل تامَّ القوة والشباب، لأنه على قولكم في هذا الوقت - الذي هو سنة سبع واربعين واربعمائة - واحد وتسعون سنة.
لأن مولده على قولكم سنة ست وخمسون ومائتين ولم تجر العادة بان يبقى احد من البشر هذه المدة، فكيف انتقضت العادة فيه؟ ولا يجوز انتقاضها الا على يد الأنبياء.
قلنا: الجواب عن ذلك من وجهين:
احدهما: انا لا نسلم ان ذلك خارق لجميع العادات.
بل العادات فيما تقدم قد جرت بمثلها واكثر من ذلك، وقد ذكرنا بعضها كقصة الخضر (عليه السلام)، وقصة اصحاب الكهف، وغير ذلك.
وقد اخبر الله تعالى عن نوح (عليه السلام)، انه لبث في قومه الف سنة الا خمسين عاماً، واصحاب السِيَر يقولون إنه عاش اكثر من ذلك، وانما دعا قومه الى الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(262) كمال الدين: ص 392.
تعالى هذه المدّة المذكورة بعد ان مضت عليه ستون من عمره.
وروى اصحاب الأخبار: ان سلمان الفارسي (رضي الله عنه) لقي عيسى ابن مريم (عليه السلام)، وبقى الى زمان نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وخبره مشهور، واخبار المعمرين من العرب والعجم معروفة مذكورة في الكتب والتواريخ.
وروى اصحاب الحديث: ان الدجال موجود وأنه كان في عصر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وانه باق الى الوقت الذي يخرج فيه وهو عدو الله.
فاذا جاز في عدو الله لضرب من المصلحة، فكيف لا يجوز مثله في ولي الله، ان هذا من العناد...»(263).
وقال المحقق الكراجكي في كتاب البرهان من كنز الفوائد:
«فأما من أقرّ بها (اي الامامة) وأنكر جواز تراخي الأعمار وطولها، فانّ القرآن يخصمه بما تضمّنه من الخبر عن طول عمر نوح (عليه السلام).
قال الله تعالى: (فلبِثَ فيهم الفَ سنةٍ الا خمسينَ عاماً)، ولا طريق الى الانصراف عن ظاهر القرآن الاّ ببرهان.
وقد اجمع المسلمون على بقاء الخضر (عليه السلام) من قبل زمان موسى (عليه السلام) الى الآن وانّ حياته متّصلة الى آخر الزمان، وما اجمع عليه المسلمون فلا سبيل الى دفعه بحال من الأحوال.
فان قال لك الخصم: هذان نبيّان ويجوز ان يكون طول اعمارهما معجزا لهما وكرامة يميّزا بها عن الأنام، ولا يصحّ ان يكون هذا المعجز والاكرام الاّ للأنبياء (عليهم السلام).
فقل له: يفسد هذا عليك بما استقرّ عليه الاتفاق من بقاء ابليس اللعين من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(263) كتاب الغيبة: ص 78.
عهد آدم (عليه السلام)، وقبل ذاك الى الآن، وانه سيبقى الى الوقت المعلوم كما نطق به القرآن، وليس ذلك معجزاً له ولا على سبيل الاكرام.
واذا اشترك الولي والعدو في طول العمر، عُلم انّ السبب في ذلك غير ما ذكرت، وانه لمصلحة لا يعلمها الاّ الله تعالى دون العباد.
فان انكر الخصم ابليس وبقاءه، خرج عن ظاهر الشريعة ودفع اجماع الامة، وان تؤوّل ذلك طولب على صحّة تأويله بالحجّة.
ولو سلّم طول العمر معجزاً للمعمّر واكرام ولم ينكر ابليس وطول عمره على ممرّ الأزمان كان لك ان تقول: ان حكم الامام عندنا كحكم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الاحتجاج وجواز ظهور المعجز والاكرام بما يتميّز به عن الأنام، فليس بمنكر ان يطيل الله تعالى عمره على سبيل المعجز والاكرام.
واعلم - ايّدك الله - انّ المخالفين لك في جواز امتداد الأعمار ممّن يقر بالإسلام، لا يكلّمونك الاّ بكلام مستعار.
فمنهم من ينطق بلسان الفلاسفة فيقول: انّ طول العمر من المستحيل في العقول الذي يثبت على جوازه دليل.
ومنهم من ينطق بلسان المنجّمين فيقول: انّ الكواكب لا تعطى احداً من العمر اكثر من مائة وعشرين سنة...
ومنهم من ينطق بلسان الأطبّاء واصحاب الطبائع فيقول: انّ العمر الطبيعي هو مائة وعشرون سنة، فاذا انتهى اليها فقد بلغ غاية ما يمكن فيه صحّة الطباع وسلامتها، وليس بعد بلوغ غاية السلامة الاّ ضدّها.
وليس على يد احد منهم الاّ الدعوى، ولا يستند الاّ الى العصبيّة والهوى، فاذا عضّهم الحجاج رجعوا أجمعين الى الشاهد المعتاد، فقالوا: انّا لَم نَرَ احدا تجاوز في العمر الى هذا القدر ولا طريق لنا الى اثبات ما لم نَرَ، وهذا الذي جرت
به العادة والعادة اصحّ دلالة.
وجميعهم خارجون عن حكم الملّة، مخالفون لما اتّفقت عليه الأمّة ولما سلف ايضاً من الشرائع المتقدّمة.
لان اهل الملل كلّها متّفقون على جواز امتداد الأعمار وطولها.
وقد تضمّنت التوراة(264) من الأخبار بذلك ما ليس بينهم فيه تنازع.... وقد تضمّنت نظيره شريعة الاسلام.
ولم نجد احداً من علماء المسلمين يخالفه او يعتقد فيه البطلان، بل اجمعوا من جواز طول الأعمار على ما ذكرناه»(265).
واما من دليل السنّة المباركة
فانه مضافاً الى الاحاديث المتقدمة الخاصّة بطول عمره المبارك، قد ورد في الأخبار الكثيرة المتّفق عليها بين الفريقين، والفائقة على التواتر، المرويّة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
«أن الأئمّة بعدي اثنا عشر؛ أوّلهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وآخرهم المهدي (عليه السلام)، وأنّهم لم يزالوا ما دام هذا الدين باقياً».
كما تلاحظها بمتونها المتّفقة واسانيدها المتعددة في احقاق الحق(266).
ولا شك في أبديّه الدين الاسلامي الى امتداد الزمان الدنيوي، بل الى يوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(264) التوراة: سفر التكوين، الاصحاح 5، الآية 5، 8، 11، 14، 17، 20، 27، 31، الاصحاح 9، الآية 29، والاصحاح 11، الآية 10 - 17.
(265) كنز الفوائد: ص 244.
(266) احقاق الحق: ح 12 ص 1 - 48، وورد من طريق الفريقين في: غاية المرام: ص 691 - 710.
القيامة(267) فيكون الأئمّة (عليهم السلام) باقين الى يوم القيامة.
ولا خلاف في مضيّ واستشهاد آباء الامام المهدي (عليه السلام) يعني الأئمّة الأحد عشر قبله سلام الله عليهم.
ولازم ذلك بقاء الامام المهدي (عليه السلام) حيّاً بعد ان ثبت أنه ثاني عشرهم، وأنه المستحق للإمامة.
والا لزم عدم بقائهم ما بقي الدين، وهو خلاف ما أخبر به الرسول الأمين بالقطع واليقين.
ولزم أيضاً عدم وجود إمام بين المسلمين، فتكون ميتتهم ميتة جاهلية.
ولزم أيضاً عدم الحجّة من الله على الخلق، ولولاه لساخت الأرض بأهلها؛ ولا شك في بطلان هذه اللوازم وعدم صحّتها.
فيثبت شرعاً وعقلاً كون الامام المهدي (عليه السلام) باقياً وعمره طويلاً، رعاه الله من كل سوء.
هذا مضافاً الى الأحاديث الخاصّة بطول عمره المبارك الثابتة في طريق الفريقين.
وقد أشرنا الى روايات طريقنا في اول المبحث الثالث.
ونضيف أنه اشار الكنجي الشافعي الى روايات العامّة في كتاب البيان في أخبار صاحب الزمان، قال:
«ولا امتناع في بقاءه (يعني الامام المهدي (عليه السلام)) بدليل بقاء عيسى والياس والخضر من أولياء الله تعالى، وبقاء الدجال وابليس من اعداء الله تعالى، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة، وقد اتفقوا عليه ثم انكروا جواز بقاء المهدي.
وها انا ابين بقاء كل واحد منهم، فلا يسع بعد هذا العاقل انكار جواز بقاء المهدي (عليه السلام)....
واما بقاء المهدي (عليه السلام) فقد جاء في الكتاب والسنّة.
اما الكتاب، فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله (عزَّ وجلَّ): (ليُظهرَه على الدينِ كلِّه ولو كرِهَ المشركون)، قال: المهدي من عترة فاطمة (عليها السلام).
واما السنّة فما تقدم في كتابنا من الأحاديث الصحيحة الصريحة...»(268).
لذلك اعترف بطول عمره (عليه السلام) علماء العامة، كما ترى احصاء ذكرهم مع كلامهم في كتاب المهدي(269).
ذكر منهم: الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتاب اليواقيت والجواهر، وخواجة محمد پارسا في كتاب فصل الخطاب، وابن حجر العسقلاني في كتاب القول المختصر، وشهاب الدين الهندي في كتاب هداية السعداء.
واما دليل الوجدان
فإن الوجدان السليم شاهد ببقائه وطول عمره (عليه السلام)، لتواتر رؤيته، وتظافر مشاهدته من زمان غيبته الصغرى الى زماننا هذا في غيبته الكبرى، من قِبَل المؤمنين الصادقين والعلماء المتقين ممن يوجب قولهم العلم واليقين؛ امثال السيد ابن طاووس، والعلامة الحلّي، والمقدّس الأردبيلي، والسيد بحر العلوم، وغيرهم من الأعلام الأوتاد والبالغين أعلى درجات الصدق والعدالة والسداد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(267) كما في صحيحة زرارة الواردة في: اصول الكافي: ج 1 ص 58 ح 19.
(268) عنه في الاحقاق: ج 19 ص 698.
(269) كتاب المهدي: ص 146.
وقد تقدّم ذكر الكتب الناقلة لجملة منها فراجع.
والعيان يغني عن البرهان، ووجوده يُحس بالوجدان.
فيتحصّل ان طول عمر الامام المهدي المنتظر سلام الله عليه وعلى آباءه، ثابت بالحديث المتواتر العلمي، ومنصورٌ بالقرآن الالهي، ومدلولٌ للبرهان العقلي، ومؤيد بالشاهد الوجداني.
هذا كلّه، مع ما تقدم الالفات اليه من أن الرمز المكنون في طول عمره المصون صلوات الله عليه هو طريق الاعجاز.
أعني ان الاعجاز الالهي والقدرة الربانيّة أوجبت طول عمره الشريف وبقاءه شاباً، كما يستفاد من خلال بعض الأحاديث المتقدّمة، مثل حديثي ابي سعيد ومحمد بن مسلم(270).
فان الاحتفاظ بشبابه صلوات الله عليه في طول عمره، معجزة من الله تعالى وارادة منه، والله على كل شيء قدير.
ومع بقاءه شاباً يبقي عمره طويلاً طبيعياً اعجازاً وكرامة من الله تعالى، وحكمة في سلامته وبقاءه الى ان يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وبهذا يتضح الحق، ولا يبقى اشكال في الحقيقة.
وأنت ترى جلياً ان الاعجاز والارادة الالهية تدفع هذه الشبهة الواهية، مضافاً الى أن عدم مألوفية طول العمر في زماننا هذا لا يعني استحالته او عدم امكانه، كما يدعيه الجاحد.
وليس في النواميس الطبيعية البشرية او الاصول العلمية ما يمنع طول العُمر، بل دلّ كلاهما على وقوعه، والوقوع أدلّ دليل على الإمكان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(270) كمال الدين: ص 316 ح 2، وص 327 ح 7.
أمّا على صعيد الطبيعة البشريّة
فإنّ التاريخ البشري يثبت طول عُمر الانسان فهو مليءٌ بالمعمرين، كما تلاحظ إحصاءهم في كتاب المعمّرون لأبي حاتم السجستاني، مما يثبت كون طول عمر الانسان ليس ممكناً فقط بل طبيعيّاً أيضاً.
وتلاحظ بيان جملة من المعمّرين مع مصادر ذكر مقدار عمرهم في الكتب المفصّلة، وقد أحصى 142 شخص من المعمّرين(271)، منهم:
1 - النبي آدم، وعمره 930 سنة.
2 - النبي شيث بن آدم، 912 سنة.
3 - النبي ادريس، 965 سنة.
4 - النبي نوح، 2500 سنة.
5 - ذو القرنين، 3000 سنة.
6 - لقمان، 3500 سنة.
7 - عوج بن عناق، 3000 سنة.
8 - الضحاك، 1000 سنة.
9 - گشتاسب، 750 سنة.
10 - رستم، 600 سنة.
11 - عزيز مصر، 700 سنة.
12 - ريّان والد عزيز مصر، 1700 سنة.
13 - دومغ والد الريان، 300 سنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(271) الزام الناصب: ج 1 ص 288. إمامت ومهدويت: ج 3 ص 214.
14 - فريدون، 1000 سنة.
لذلك قال شيخ الطائفة:
«واذا ثبتت هذه الجملة، ثبت أن تطاول العمر ممكن غير مستحيل، وقد دكرنا فيما تقدم عن جماعة أنهم لم يتغيروا مع تطاول أعمارهم وعلو سنهم.
وكيف ينكر ذلك من يقرّ بأن الله تعالى يخلّد المثابين في الجنة شباناً لا يبلون، وانّما يمكن أن ينازع في ذلك من يجحد دلك ويسنده الى الطبيعة وتأثير الكواكب الذي قد دل الدليل على بطلان قولهم باتفاق منا وممن خالفنا في هذه المسألة من أهل الشرع، فسقطت الشبهة من كل وجه»(272).
وقال ابو الصلاح الحلبي:
«اما استبعاده (اي طول عمر الامام الحجّة (عليه السلام)) فالمعلوم خلافه»(273).
ثم ذكر الاجماع على طول عمر جماعة، مثل نوح والخضر ولقمان، بل غير الصالحين ايضاً، ثم قال:
«واذا كان ما ذكرناه من أعمار هؤلاء معلوماً لكل سامع للاخبار وفيهم انبياء صالحون وكفار معاندون وفسّاق معلنون سقط دعوى خصومنا كون عمر الغائب خارقاً للعادة، لثبوت أضعاف ما انتهى اليه من المدّة لأبرار وفجّار».
وقال ابو الفتح الكراجكي:
«اهل الملل كلها متفقون على جواز امتداد الأعمار وطولها»(274).
وقال النعماني:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(272) كتاب الغيبة: ص 87.
(273) تقريب المعارف: ص 449.
(274) كنز الفوائد: ص 245.
«ومنهم من يستبعد المدَّة ويستطيل الأمد ولا يرى أنَّ الله في قدرته ونافذ سلطانه وماضي أمره وتدبيره قادر على أن يمدَّ لوليّه في العمر، كأفضل ما مدَّه ويمدُّه لأحد من أهل عصره وغير أهل عصره، ويظهر بعد مضيِّ هذه المدَّة وأكثر منها.
فقد رأينا كثيراً من أهل زماننا ممّن عمّر مائة سنة وزيادة عليها، وهو تامُّ القوَّة، مجتمع العقل.
فكيف ينكر لحجّة الله أن يعمّره أكثر من ذلك، وأن يجعل ذلك من أكبر آياته التي أفرده بها من بين أهله.
لأنّه حجّته الكبرى التي يظهر دينه على كلِّ الأديان، ويغسل بها الأرجاس والأدران»(275).
هذا بحسب الطبيعة الانسانية في طول العمر.
وأمّا على صعيد الاصول العلمية
فان الدراسات العلمية والتحقيقات التجربية في العلم الحديث تؤيد وتثبت طول العمر والحياة الطويلة، بحيث تصرّح بجزم وتذكر مقدورية البقاء الطويل بتوليد الانسجة الصناعية(276).
ونكتفي في ذلك بمقال مجلة المقتطف المصرية: ج 3 ص 238 السنة 1959، تحت عنوان «هل يخلد الانسان في الحياة؟».
جاء فيها ما نصّه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«كلّ حبّه حنطة جسم حي، وقد كانت في سنبلة، والسنبلة تنبت من حبة اخرى، وهذه من سنبلة، وهلم جرا بالتسلسل.
ويسهل استقصاء تاريخ ستة آلاف سنة او اكثر، فقد وجدت حبوبه بين الآثار المصرية الآشورية القديمة، دلالة على ان المصريين والاشوريين والاقدمين كانوا يزرعونه ويستغلونه ويصنعون خبزهم من دقيقة.
والقمح الموجود الآن لم يخلق من لا شيء، بل هو متسلسل من ذلك القمح القديم، فهو جزء حي من جزء حي من جزء حي، وهلم جرا الى ستة آلاف سنة او سبعة بل الى مئات الالوف من السنين.
وحبوب القمح التي نراها ناشفة لا تتحرك ولا تنمو، هي في الحقيقة حية مثل كل حي، ولا ينقصها لظهور دلائل الحياة الا قليل من الماء، فحياة القمح متصلة منذ الوف من السنين الى الآن.
وهذا الحكم يطلق على كل انواع النبات ذوات البذور وذوات الأثمار.
وما الحيوان بخارج عن هذه القاعدة، فان كل واحد من الحشرات والاسماك والطيور والوحوش والذبابات، حتى الانسان سيد المخلوقات كان جزءاً صغيراً من والديه، فنما كما نميا وصار مثلهما وهما من والديهما وهلم جرا.
والانسان الذي يختلف نسلاً يكون نسله جزءاً حياً منه، كما ان البذرة جزء من الشجرة، وهذا الجزء الحي تكون فيه جراثيم صغيرة جداً، مثل الجراثيم التي كونت اعضاء والديه، فتكوّن اعضاؤه بالغذاء الذي تتناوله وتمثله.
فتصير نواة التمر نخلة ذات جذع وسعوف وعروق وتمر، وبذره الزيتون شجرة ذات ساق واغصان وورق وثمر، وقس على ذلك سائر انواع النبات، وكذا بيوض الحشرات والاسماك والطيور والوحوش والذبابات حتى الانسان.
وهذا كله من الامور المعروفة التي لا يختلف فيها اثنان، ولكن الشجرة
نفسها قد تعمر الف سنة او الفي سنة، والانسان لا يعمر اكثر من سبعين او ثمانين سنة، وفي النادر يبلغ مائة سنة.
فالجراثيم المعدة لإخلاف النسل تبقى حية وتنمو كما تقدم، ولكن سائر اجزاء الجسم يموت كأن الموت مقدور عليه.
وقد مرت القرون والناس يحاولون التخلص من الموت او اطالة الاجل، ولا سيما في هذا العصر، عصر مقاومة الامراض والآفات بالدواء والوقاية، ولم يثبت على التحقيق ان احداً عاش فيه (120) سنة مثلاً.
لكن العلماء الموثوق بعلمهم يقولون: ان كل الانسجة الرئيسية من جسم الحيوان تقبل البقاء الى ما لا نهاية له، وانه في الامكان ان يبقى الانسان حياً اُلوفاً من السنين، اذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته.
وقولهم هذا ليس مجرّد ظن، بل هو نتيجة عملية مؤيدة بالامتحان.
فقد تمكّن احد الجراحين من قطع جزء من حيوان وابقائه حياً أكثر من السنين التي يحياها ذلك الحيوان عادة، اي صارت حياة ذلك الجزء مرتبطة بالغذاء الذي يُقدم لها بعد السنين التي يحياها، فصار في الامكان ان يعيش الى الابد ما دام الغذاء اللازم موفوراً له.
وهذا الجراح هو الدكتور الكسي كارل، من المشتغلين في معهد روكفلر بنيويورك.
وقد امتحن ذلك في قطعة من جنين الدجاج، فبقيت تلك القطعة حية نامية اكثر من ثماني سنوات.
وهو وغيره امتحنوا قطعا من اعضاء جسم الانسان من اعضائه وعضلاته وقلبه وجلده وكليته، فكانت تبقى حية نامية ما دام الغذاء اللازم موفوراً لها.
حتى قال الاستاذ ديمند وبرل من اساتذة جامعة جونس هبكنس: ان كل
الاجزاء الخلوية الرئيسية من جسم الانسان، قد ثبت اما ان خلودها بالقوة صار امراً مثبتاً بالامتحان، او مرجحاً ترجيحاً تاماً لطول ما عاشته حتى الآن.
وهذا القول غاية في الصراحة والأهميّة على ما فيه من التحرس العلمي.
والظاهر ان اول من امتحن ذلك في اجزاء من جسم الحيوان هو الدكتور جاك لوب، وهو من المشتغلين في معهد روكفلر ايضاً.
فانه كان يمتحن توليد الضفادع من بيضها، اذا كان غير ملقح. فرأي ان بعض البيض يعيش زماناً طويلاً وبعضها يموت سريعاً. فقاده ذلك الى امتحان اجزاء من جسم الضفدع، فتمكن من ابقاء هذه الاجزاء حيّة زماناً طويلاً.
ثم اثبت الدكتور ورن لويس وزوجته انه يمكن وضع اجزاء خلوية من جسم جنين الطائر في سائل ملحي فتبقى حية، واذا اضيفت اليه قليل من بعض المواد الآلية جعلت تلك الاجزاء تنمو وتتكاثر.
وتوالت التجارب فظهر ان الاجزاء الخَلَوية - من اي حيوان كان - يمكن ان تعيش وتنمو في سائل فيه ما يغذيها، ولكن لم يثبت ما ينفي موتها اذا شاخت.
فقام الدكتور كارل وجرّب التجارب المشار اليها آنفاً. فاثبت منها ان هذه الاجزاء لا تشيخ في الحيوان الذي اُخذت منه، بل تعيش اكثر مما يعيش هو عادة.
وقد شرع في التجارب المذكورة في شهر يناير سنة 1912، ولقي عقبات كثيرة في سبيله، فتغلب عليها هو ومساعدوه وثبت له:
اولا: ان هذه الاجزاء الخلوية تبقى حية، ما لم يعرض لها عارض يميتها، اما من قلة الغذاء او من دخول بعض المكروبات.
وثانياً: انهالا تكتفي بالبقاء حية، بل تنمو خلاياها وتتكاثر، كما لو كانت باقية في جسم الحيوان.
ثالثاً: انه يمكن قياس نمودها وتكاثرها ومعرفة ارتباطها بالغذاء الذي يُقدم لها.
ورابعاً: ان لا تأثير للزمن عليها اي أنها لا تشيخ ولا تضعف بمرور الزمن، بل لا يبدو عليها اقل اثر للشيخوخة، بل تنمو وتتكاثر هذه السنة كما كانت تنمو وتتكاثر في السنة الماضية وما قبلها من السنين.
وتدلّ الظواهر كلها على أنها ستبقى حية نامية، ما دام الباحثون صابرين على مراقبتها وتقديم الغذاء الكافي لها.
فشيخوخة الاحياء ليست سبباً بل هي نتيجة.
ولكن لماذا يموت الانسان ولماذا نرى سنيَّة محدودة لا تتجاوز المائة الا نادراً جداً، وغايتها العادية سبعون او ثمانون؟
والجواب: ان اعضاء جسم الحيوان كثيرة مختلفة وهي مرتبطة بعضها ببعض، ارتباطاً محكماً حتى ان حياة بعضها تتوقف على حياة البعض الآخر.
فاذا ضعف بعضها ومات لسبب من الأسباب مات بموته سائر الأعضاء.
ناهيك بفتك الأمراض المكروبيّة المختلفة، وهذا مما يجعل متوسط العمر اقل جداً من السبعين والثمانين، لا سيما وان كثيرين يموتون اطفالاً.
وغاية ما ثبت الآن من التجارب المذكورة ان الانسان لا يموت لأنه عمَّر كذا من السنين سبعين او ثمانين او مائة او اكثر، بل لان العوارض تنتاب بعض اعضائه فتتلفها، ولارتباط اعضائه بعضها ببعض تموت كلها.
فاذا استطاع العلم ان يزيل هذه العوارض او يمنع فعلها، لم يبق مانع يمنع استمرار الحياة مئات من السنين، كما يحيا بعض انواع الأشجار.
وقلما ينتظر ان تبلغ العلوم الطبيّة والوسائل الصحية هذه الغاية القصوى، ولكن لا يبعد ان تدانيها فيتضاعف متوسط العمر او يزيد ضعفين او ثلاثة»،
انتهى(277).
هذا ما صرّح به العلم الحديث، وأثبتته التجارب العلمية.
وعلى الجملة تندفع شبهة استحالة او استبعاد طول عمره (عليه السلام) بدليل القرآن الكريم، ثم الاحاديث المتفق عليها بين الفريقين عياناً، ثم تواتر الرؤية والإخبار المتواتر الموجب للعلم لطول عمره وجداناً.
كل ذلك مؤيّداً بتحقق طول عمر الانسان في النواميس الطبيعيّة، ثم قابلية البقاء اُلوفاً من السنين في الاصول العلمية.
هذا، بالإضافة الى ما عرفت أن الرمز المكنون في طول عمره رعاه الله تعالى، هو الإعجاز الالهي بإبقائه شاباً مصوناً عن عوارض الشيب، والله هو القادر على كل شيء، والحافظ لوليّه بلا ريب.
ذلك الله الذي حفظ ابراهيم من نار نمرود؛ وحفظ موسى من كيد فرعون؛ وحفظ الرسول الأعظم من كيد المشركين.
هو حافظ لوليّه الهادي وخليفته المهدي (عليه السلام) من عوارض الدهر وانواع الشر، ان شاء الله تعالى.
وقد وعد فيه الحفظ، كما في حديث الحسين بن حمدان، عن الامام العسكري (عليه السلام) في الضمان القدسي:
«فانه في ضماني وكنفي وبعيني، الى أن أحق به الحقّ وأزهق به الباطل»(278).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(277) الامام المهدي من الى المهد الى الظهور: ص 351. المهدي: ص 140، نقلاً عن مجلة المقتطف المصرية: العدد 3 السنة 1959 م ص 238.
(278) البحار: ج 51 ص 27.
السفير، وجمعه سَفَرة وسُفراء، مأخوذ من السَّفارة بمعنى الرسالة، فالسفير هو الرسول(279).
أو مأخوذ من السِّفارة بمعنى الإصلاح، فالسفير هو المصلح(280).
فالسفير يجمع كلا المعنيين، ويكون بمعنى: الرسول بين القوم، المصلح بينهم(281).
وفي زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الغدير المبارك:
«السلام عليك يا سفير الله في خلقه».
هذه هي السفارة المقدّسة بعنوانها الشريف، وقد أطلقت على الأعلام الاتقياء والصلحاء الأجلاء النواب الأربعة رضوان الله عليهم، الذين كانوا الأبواب المحمودين لمولانا الامام المهدي (عليه السلام).
وهم أصحاب المنقبة العظمى، والنيابة الخاصة الكبرى عن سيدنا صاحب الزمان أرواحنا فداه.
وهم الاُمناء والأتقياء، الذين أجمعت الشيعة على أمانتهم وعدالتهم ورفعة مقامهم وعلوّ درجتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(279) ترتيب العين: ج 2 ص 828.
(280) مجمع البحرين: ص 366.
(281) المحيط في اللغة: ج 8 ص 310.
وهم الذين سعدوا بوظائف دينهم وخدمة إمامهم، ومضوا على منهاج أهل بيت نبيهم صلوات الله عليهم.
فلزم معرفتهم لمحبتهم التي هي من محض الاسلام وشيمة الكرام.
فلاحظ الحديث الرضوي المبارك في شرائع الدين(282)، حيث جاء فيه أن ممن يتولاهم وتلزم ولايتهم هم:
«الذين مضوا على منهاج نبيهم ولم يغيروا ولم يبدّلوا...، والولاية لأتباعهم وأشياعهم والمهتدين بهداهم والسالكين منهاجهم رضوان الله عليهم».
ولا شك أن منهم النواب الكرام، عليهم التحية والسلام.
وعنوان السفارة على نواب الأربعة (رضي الله عنهم)، أطلقه شيخ الطائفة الطوسي (قدّس سرّه) في كتاب الغيبة، تبعاً لما ورد في تنصيص النائب الثاني محمد بن عثمان العمري على النائب الثالث الحسين بن روح. جاء فيه ما نصه:
«هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن ابي بحر النوبختي القائم مقامي، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر (عليه السلام)»(283).
وقد دلّ الدليل القطعي على أنهم الأبواب المرضيون، والسفراء الممدوحون لمولانا الامام المهدي (عليه السلام)، كما يتضح مما يأتي عند ذكرهم من الأحاديث الآتية المبيّنة لجلالة قدرهم، ومن البراهين الظاهرة على أيديهم.
قال في الاحتجاج بعد ذكرهم:
«ولم يقم أحدٌ منهم بذلك إلا بنصٍ عليه من قَبل صاحب الأمر (عليه السلام)، ونَصبِ صاحبه الذي تقدم عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحدٍ منهم من قِبَل صاحب الأمر (عليه السلام)، تدل على صدق مقالتهم وصحة بابيّتهم»(284).
وعليه فيدل على سفارتهم:
أولاً: الاجماع.
ثانياً: التنصيص عليهم.
ثالثاً: ظهور المعجزة من قبل الامام المهدي (عليه السلام) على يدهم.
هذا، وزيارتهم المنسوبة اليهم تؤيد سفارتهم وأداؤهم وعلوّ منزلتهم:
«أشهد انك باب المولى، أدّيت عنه وأديت اليه. ما خالفته ولا خالفت عليه؛ والسلام عليك من سفيرٍ ما آمنك، ومن ثقةٍ ما امكنك»(285).
وسيأتي ذكر السفراء النواب الأربعة في ترجمة حياتهم الرائعة، علماً بأنه كان لهؤلاء السفراء وكلاء أتقياء منتشرون في البلاد الاسلاميّة التي يوجد فيها الشيعة الأبرار، وترد عليهم توقيعات السفراء كما أفاده شيخ الطائفة بقوله:
«وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات، ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل»(286).
والفرق بين السفراء والوكلاء رضوان الله عليهم، قد بيّنه بعض الأعلام بقوله:
«والفارق بين السفراء الأربعة وبين الوكلاء الآخرين يمكن تلخيصه في أمرين رئيسيين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(284) الاحتجاج: ج 2 ص 296.
(285) لاحظ زيارتهم في: التهذيب: ج 6 ص 118. ومصباح الزائر: ص 514.
(286) الغيبة: ص 257.
أحدهما: أن السفير يواجه الامام شخصياً ويراه مباشرة ويسلمه الكتب والحوائج والأموال وغيرها ويتسلم منه الأجوبة والتعليمات الخاصة والعامة، بينما الوكيل ليس كذلك، بل هو على اتصال بالإمام (عليه السلام) بواسطة السفير.
فالوكيل همزة وصل بين الشيعة وبين السفير غالباً.
ثانيهما: أن مسؤولية السفير في الحفاظ على الدين وعلى الشيعة عامة لا تخص بلداً أو قطراً معيناً، بينما الوكيل مسؤوليته محدودة بمنطقته، أو بلده.
والمصلحة الأساسية والظاهرة من تعيين وكلاء آخرين يمكن استنباطها في عدّة اُمور:
الاول: الاسهام في تسهيل مهمات السفراء وأعمالهم.
إذ من الصعب جداً للشخص الواحد أن يتصل بشرق البلاد وغربها، ويكون المركز الوحيد للأحكام والحوائج والرسائل والأمانات وغيرها، خاصة في ظروف التكتّم، وملاحقة السلطات الظالمة القائمة للسفراء.
الثاني: تسهيل الأمر على الناس وأصحاب الرسل والحوائج، وتوسيع الأمر عليهم حتى لا يتقيد من في ايران أو الحجاز أو غيرهما من الاتصال مباشرة بالسفراء القاطنين في بغداد.
الثالث: المساهمة في اخفاء السفراء الأربعة وكتمان اسمائهم وخصوصياتهم، لكي لا يعرفوا فيؤخذوا برقابهم، ويزج بهم في السجون أو يقتلون.
ويظهر من نصوص عديدة أن السفراء كانوا مهددين بذلك من سلطات زمانهم»(287).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(287) كلمة الامام المهدي (عليه السلام): ص 112.
ويحسن أن نبدأ بذكر النواب الأربعة الذين هم السفراء الأزكياء، ثم نتبعه ببيان الوكلاء السعداء:
النوّاب الأربعة
النائب الأول: أبو عمر وعثمان بن سعيد العَمري السّمان الزياّت الأسدي.
بدأ حياته السعيدة بخدمة الامام الهادي (عليه السلام) وله من العمر احدى عشرة سنة.
ثم بقي وفيّاً بخدمة الامام العسكري (عليه السلام) الى حين شهادته، حتى حضر تغسيل الامام العسكري (عليه السلام) وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه.
ثم عيّنه الامام المهدي (عليه السلام) نائباً عنه وأبقاه على نيابته.
كان شيخاً جليلاً ورعاً تقياً أميناً مغموراً بالسعادة والشرف.
ويكفيك في جلالة قدره ما ورد في الأحاديث في شأنه، مثل:
1 - حديث عبد الله بن جعفر الحميري قال: أخبرني أبو علي أحمد بن اسحاق، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته وقلت: من اُعامل وعمَّن آخذ وقول من أقبل؟
فقال له: «العمري ثقتي، فما أدَّى إليك عني فعنِّي يؤدِّي، وما قال لك عني فعنِّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنَّه الثقة المأمون.
وأخبرني أبو عليّ أنَّه سأل أبا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك، فقال له: العمريُّ وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عني فعني يؤدِّيان وما قالا لك فعني
يقولان. فاسمع لهما وأطعهما فإنّهما الثقتان المأمونان»(288).
وأضاف في حديث آخر قول الامام العسكري (عليه السلام):
«هذا أبو عمرو الثقة الأمين؛ ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات»(289).
2 - حديث اسحاق بن اسماعيل النيسابوري عن الامام العسكري (عليه السلام) في توقيعه:
«يا اسحاق بن اسماعيل، سترنا الله واياك بستره، وتولاك في جميع امورك بصنعه. قد فهمت كتابك يرحمك الله ونحن - بحمد الله ونعمته - اهل بيت نرق على موالينا، ونسر بتتابع احسان الله اليهم وفضله لديهم، ونعتد بكل نعمة انعمها الله (عزَّ وجلَّ) عليهم. فأتم الله عليكم بالحق ومن كان مثلك ممن قد رحمه الله وبصّره بصيرتك....
فلا تخرجن من البلد حتى تلقى العمري (رضي الله عنه) برضائي عنه، فتسلم عليه وتعرفه ويعرفك؛ فانه الطاهر الامين العفيف القريب منا والينا.
فكل ما يحمله الينا من شيء من النواحي، فاليه يصير آخر امره ليوصل ذلك الينا.
والحمد لله كثيراً. سترنا الله واياكم يا اسحاق بستره وتولاك في جميع امورك بصنعه.
والسلام عليك وعلى جميع موالي ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(288) اصول الكافي: ج 1 ص 329 ح 1.
(289) الغيبة (للشيخ الطوسي): ص 215.
سيدنا محمد النبي وآله وسلم كثيراً»(290).
3 - حديث جعفر بن محمد بن مالك الفزاري البزاز، عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال، واحمد بن هلال، ومحمد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيوب بن نوح (في خبر طويل مشهور) قالوا جميعاً:
اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) نسأله عن الحجّة من بعده، وفي مجلسه (عليه السلام) أربعون رجلاً.
فقام اليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال له: يا بن رسول الله اُريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به مني.
فقال له:
«اجلس يا عثمان، فقام مغضباً ليخرج.
فقال: لا يخرجن أحد.
فلم يخرج منا أحد الى أن كان بعد ساعة. فصاح (عليه السلام) بعثمان، فقام على قدميه.
فقال: أخبركم بما جئتم؟
قالوا: نعم يا بن رسول الله.
(قال:) جئتم تسألوني عن الحجّة من بعدي.
قالوا: نعم.
فاذا غلام كأنه قطع قمر، أشبه الناس بأبي محمد (عليه السلام)، فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم.
ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(290) رجال الكشي: ص 485.
فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا الى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر اليه»(291).
توفي عن عُمرِ مبارك خدم فيه الدين وأهله من الطفولة الى الشيخوخة، فعاش سعيداً ومضى حميداً.
وكان المنصوب للسفارة بعده ولده محمد بن عثمان الذي حظى أيضاً بشرف النيابة عن الناحية المقدّسة.
دفن عثمان بن سعيد في الجانب الغربي ببغداد في شارع الميدان، وله مقام معروف يزار فيه.
النائب الثاني: أبو جعفر محمد بن عثمان العمري الأسدي الزيّات.
وهو الورع التقي الأمين الذي حلَّ محل أبيه، ونال سعادة خدمة الإمامين العسكري والمهدي (عليهما السلام) نحواً من خمسين سنة، تخرج فيها اليه التوقيعات الشريفة في أمر الدين والدنيا.
ويعلم الله ما كان من مقدار سعادة تشرفاته بخدمة الامام المهدي (عليه السلام) سفراً وحضراً.
وفي حديث عبد الله بن جعفر الحميري: سألت محمد بن عثمان (رضي الله عنه) فقلت له: رأيتَ صاحب هذا الأمر؟
قال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام، وهو (عليه السلام) يقول:
«اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(291) الغيبة (للشيخ الطوسي): ص 217.
قال محمد بن عثمان رضي الله عنه: ورايته صلوات الله عليه متعلقاً بأستار الكعبة من المستجار وهو يقول:
اللهم انتقم لي من أعدائك»(292).
ويكفي في منزلته وجلالة قدره ما في الأحاديث التالية:
1 - حديث احمد بن اسحاق المتقدم الذي ورد فيه:
«العمري وابنه ثقتان...»(293).
2 - حديث محمد بن ابراهيم بن مهزيار الأهوازي، أنه خرج اليه - من الناحية المقدّسة - بعد وفاة أبي عمرو عثمان بن سعيد:
«والابن - وقاه الله - لم يزل ثقتنا في حياة الأب (رضي الله عنه) وأرضاه ونضّرَ وجهه. يجري عندنا مجراه، ويسدّ مسدّه، وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل، تولاّه الله. فانتهِ الى قوله، وغرّف معاملتنا ذلك»(294).
3 - حديث عبد الله بن جعفر الحميري، قال: خرج التوقيع الى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمريّ في التعزية بأبيه (رضي الله عنهما).
في فصلٍ من الكتاب:
«إنّا لله وإنّا إليه راجعون، تسليماً لأمره ورضاءً بقضائه. عاش أبوك سعيداً ومات حميداً، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام). فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقرّ به إلى الله (عزَّ وجلَّ) وإليهم؛ نضّر الله وجهه وأقاله عثرته».
وفي فصلٍ آخر:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(292) الغيبة (للشيخ الطوسي): ص 221.
(293) اصول الكافي: ج 2 ص 329 ح 1.
(294) الغيبة (للشيخ الطوسي): ص 220.
«أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء؛ رُزئت ورُزئنا، وأوحشك فراقُه وأوحشنا. فسرّه الله في منقلبه.
وكان من كمال سعادته أن رزقه الله (عزَّ وجلَّ) ولداً مثلَك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحّم عليه، وأقول: الحمد لله. فإنَّ الأنفس طيّبة بمكانك وما جعله الله (عزَّ وجلَّ) فيك وعندك.
أعانك الله وقوّاك وعضدك ووفّقك، وكان الله لك وليّاً وحافظاً وراعياً وكافياً ومُعيناً»(295).
4 - حديث كمال الدين، عن اسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ.
فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان (عليه السلام):
«أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبّتك - إلى أن قال -: وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فانّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله.
وأمّا محمد بن عثمان العمري ف (رضي الله عنه) وعن أبيه من قبل، فانّه ثقتي وكتابه كتابي».
ورواه الشيخ في كتاب (الغيبة) عن جماعة، عن جعفر بن محمد بن قولويه وأبي غالب الزراري وغيرهما، كلّهم عن محمد بن يعقوب.
ورواه الطبرسي في (الاحتجاج) مثله(296).
5 - حديث علي بن ابي جيد القمي قال: حدثنا علي بن أحمد الدلال القمي، قال: دخلت على ابي جعفر محمد بن عثمان (رضي الله عنه) يوماً لأُسلم عليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(295) كمال الدين ص 510 ح 41.
(296) لاحظ الحديث مع أسانيد في الوسائل: ج 18 ص 101 ب 11 ح 9.
فوجدته وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها ويكتب آياً من القرآن وأسماء الأئمّة (عليهم السلام) على حواشيها.
فقلت له: يا سيدي، ما هذه الساجة؟
فقال لي: «هذه لقبري تكون فيه اُضع عليها، أوقال: اسند إليها، وقد عرفت منه، وأنا في كل يوم انزل فيه فاقرأ جزء من القرآن فيه فاصعد، واظنه (قال): فاخذ بيدي وارانيه. فاذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا، من سنة كذا وكذا صرت الى الله (عزَّ وجلَّ) ودفنت فيه وهذه الساجة معي».
فلما خرجت من عنده اثبّت ما ذكره ولم أزل مترقباً به ذلك. فما تأخر الأمر حتى اعتل ابو جعفر فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها، ودفن فيه(297).
انتقل الى رحمة الله تعالى شريف النفس رفيع الرأس، واخبر بان السفير بعده هو الحسين بن روح رضي الله عنه.
دفن محمد بن عثمان في بغداد، قرب باب سلمان، وقبره معروف يزار ويتبرّك به، ويعرف عند اهل بغداد بالشيخ الخُلاّني.
النائب الثالث: أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي
وهو الثقة السعيد السديد الذي تشرف بالنيابة الخاصة بالتنصيص عليه.
كان فاضلاً موثوقاً لا يختلف في وثاقته اثنان، ذا شخصية معروفة، تطمئن اليه الشيعة بكل جدّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(297) الغيبة (للشيخ الطوسي): ص 222.
بل كان مشهوداً له بالرشد عند الموافق والمخالف، وله كتاب التأديب.
يشهد بنيابته وجلالة قدره الأحاديث التالية:
1 - حديث جعفر بن احمد بن متيل، قال:
«لما حَضَرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري (قدّس سرّه) الوفاة، كنت جالساً عند رأسه اسأله واحدثه، وابو القاسم بن روح عند رجليه.
فالتفت الي ثم قال: اُمرتُ أن اُصي الى أبي القاسم الحسين بن روح.
قال: فقمت من عند رأسه، وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت الى عند رجليه»(298).
2 - حديث محمد بن همام، أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري (قدّس الله روحه) جمعنا قبل موته - وكان وجوه الشيعة وشيوخها - فقال لنا:
«إن حدث عليّ حدث الموت، فالأمر الى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي.
فقد أُمرتُ أن أجعله في موضعي بعدي؛ فارجعوا اليه وعولوا في اموركم عليه»(299).
3 - حديث جعفر بن أحمد النوبختي، قال:
«قال لي أبي احمدُ بن ابراهيم، وعمي ابو جعفر عبد الله بن ابراهيم، وجماعة من أهلنا (يعني بني نوبخت):
إنّ ابا جعفر العمري لما اشتدت حاله، اجتمع جماعة من وجوه الشيعة، منهم: ابو علي بن همام، وابو عبد الله بن محمد الكاتب، وابو عبد الله الباقطاني،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(298) الغيبة (للشيخ الطوسي): ص 226.
(299) الغيبة (للشيخ الطوسي): ص 226.
وابو سهل اسماعيل بن علي النوبختي، وابو عبد الله بن الوجناء، وغيرهم من الوجوه والأكابر، فدخلوا على أبي جعفر (رضي الله عنه) فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟
فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن ابي بحر النوبختي القائم مقامي، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر (عليه السلام)، والوكيل، والثقة الأمين.
فارجعوا اليه في اموركم وعوّلوا عليه في مهماتكم. فبذلك اُمرتُ وقد بلّغت»(300).
وكانت مدّة نيابته الخاصة 21 او 22 سنة وتوفي سنة 326 هجرية.
وقبره مقام معروف ومزار شريف، ببغداد في سوق الشورجة.
النائب الرابع: أبو الحسن علي بن محمد السمَري
وهو الثقة الجليل والفاضل النبيل الذي أدرك صحبة الامام العسكري (عليه السلام).
ثم تولّي السفارة المقدّسة عن الامام المهدي (عليه السلام) بتنصيص النائب السابق عليه.
ففي الغيبة لشيخ الطائفة بسنده عن عتّاب قال:
«أوصى الشيخ ابو القاسم (رضي الله عنها) لى أبي الحسن علي بن محمد السمري (رضي الله عنه) فقام بما كان الى ابي القاسم»(301).
روى أنه أخبر وهو من بغداد بموت علي بن بابويه - والد الشيخ الصدوق - وهو في الري. فقال لجمع من المشايخ عنده:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«آجركم الله في علي بن الحسين فقد قُبض في هذه الساعة.
قالوا: فأثبتنا تاريخ الساعة واليوم والشهر. فلما كان بعد سبعة عشر او ثمانية عشر يوماً، ورد الخبر أنه قُبض في تلك الساعة»(302).
تولّى النيابة الخاصة ثلاث سنوات تقريباً، الى أن توفى سنة 328 أو 329 هجرية(303).
وبوفاته رضوان الله تعالى عليه انتهت النيابة الخاصة والسفارة العالية التي دارت ما يقارب من 70 سنة، وبدأت الغيبة الكبرى.
وقد صدر توقيع مقدس من الامام المهدي (عليه السلام) الى السمري رضوان الله عليه قبل وفاته بستة أيام؛ ذكره شيخ الطائفة الطوسي بسنده، عن أحمد بن الحسن المكتب، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ ابو الحسن علي بن محمد السمري (قدّس سرّه)، فحضرتُه قبل وفاته بأيام، فاخرج الى الناس توقيعاً نسخته:
«بسم الله الرحمن الرحيم. يا علي بن محمد السمري! أعظم الله أجر إخوانك فيك؛ فانك ميت ما بينك وبين ستة أيام. فاجمع أمرك، ولا توصِ الى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة.
فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً.
وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة؛ ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العظيم».
(قال:) فنَسَخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده. فلما كان اليوم السادس عدنا اليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيك من بعدك؟
فقال: لله أمر هو بالغة، وقضى.
فهذا آخر كلام سمع منه، (رضي الله عنه) وأرضاه(304).
ثم توفي رضوان الله تعالى عليه حميداً سعيداً، وكانت وفاته في النصف من شعبان سنة 329 هجرية.
ودفن في بغداد في مزاره المعروف اليوم، قرب قبر الشيخ الكليني (قدّس سرّه) الذي هو على شاطئ دجلة عند الجسر العتيق.
ولا يخفى أن قوله (عليه السلام) في هذا التوقيع الشريف: «ولا توص الى أحدٍ فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة»، بيان انتهاء النيابة الخاصة. فلا يصح دعواها من أحد، ولا يحق ادّعاؤها لشخص بالغاً ما بلغ.
ثم ينبغي الالفات هنا الى معنى قوله (عليه السلام): «الا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر».
وكيف تستقيم التشرفات الكثيرة التي حصلت لكثير من الصلحاء الأخيار والعلماء الأبرار؟
الجواب: يحتمل في معنى الفقرة الشريفة معان:
1 - أن تكون المشاهدة - بقرينة وقوعها في توقيع نائبه رضوان الله عليه - بمعنى هكذا مشاهدة نيابيّة، يعني المشاهدة مع النيابة الخاصة عنه والباب اليه (عليه السلام)؛ كما ادعاها زمرة من الأفراد حبّاً للرئاسة ومتابعةً للأهواء والأغراض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(304) الغيبة (لشيخ الطائفة): ص 242. كمال الدين: ص 516 ب 45 ح 44. الاحتجاج: ج 2 ص 297.
الباطلة، مثل حسن الشريعي، ومحمد بن نصير النميري، واحمد بن هلال الكرخي، ومحمد بن علي بن بلال، والحسين بن منصور الحلّاج، ومحمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن ابي العراقر، وابي دلف محمد بن المظفر الكاتب الأزدي، ومحمد بن احمد البغدادي، ممن شملهم حديث اللعن(305).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(305) تلاحظ ذلك في: الغيبة: ص 244 باب الذين ادعوا البابية لعنهم الله. الاحتجاج: ج 2 ص 289. البحار ج 51 ص 367.
جاء في الاحتجاج ما نصّه:
روى أصحابنا: ان أبا محمّد الحسن الشريعي كان من اصحاب أبي الحسن علي بن محمّد (عليه السلام)، وهو أول من ادعي مقاماً لم يجعله الله فيه من قِبَل صاحب الزمان (عليه السلام) وكذب على الله وحججه (عليهم السلام)، ونسب اليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء، ثم ظهر منه القول بالكفر والالحاد.
وكذلك كان محمّد بن نصير النميري من اصحاب أبي محمّد الحسن (عليه السلام)، فلما توفى ادعى البابية لصاحب الزمان، ففضحه الله تعالى بما ظهر منه من الالحاد والغلو والتناسخ، وكان يدعي انه رسول نبي ارسله علي بن محمّد (عليه السلام)، ويقول بالإباحة للمحارم.
وكان أيضاً من جملة الغلاة احمد بن هلال الكرخي، وقد كان من قبل في عدد أصحاب أبي محمّد (عليه السلام)، ثم تغير عما كان عليه وأنكر بابية أبي جعفر محمّد بن عثمان، فخرج التوقيع بلعنه من قبل صاحب الأمر والزمان والبراءة منه، في جملة من لعن وتبرّء منه.
وكذا كان أبو طاهر محمّد بن علي بن بلال، والحسين بن منصور الحلاج، ومحمّد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر، لعنهم الله، فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعاً، على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله ونسخته:
«عرِّف أطال الله بقاك! وعرّفَك الله الخير كله وختم به عملك، من تثق بدينه وتسكن الى نيته من اخواننا أدام الله سعادتهم: بأن (محمّد بن علي المعروف بالشلمغاني) عجل الله له النقمة ولا أمهله، قد ارتد عن الاسلام وفارقه، والحد في دين الله وادعى ما كفر معه بالخالق جل وتعالى، وافترى كذباً وزوراً، وقال بهتاناً واثماً عظيماً، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً.
وانا برئنا الى الله تعالى والى رسوله صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته منه، ولعنّاه عليه لعاين الله تترى، في الظاهر منا والباطن، في السرّ والجهر، وفي كل وقت وعلى كل حال، وعلى كل من شايعه وبلغه هذا القول منا فأقام على تولاه معه.
أعلِمهم تولاك الله! اننا في التوقي والمحاذرة منه على مثل ما كنا عليه ممن تقدمه من نظرائه، من: (الشريعي، والنميري، والهلالي، والبلالي) وغيرهم. وعادة الله جلّ ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة، وبه نثق واياه نستعين، وهو حسبنا في كل امورنا ونعم الوكيل».
فتكون هذه الفقرة سدّاً لباب هذه الادعاءات الباطلة، وتكذيباً لهكذا أفراد مبطلين.
2 - أن تكون المشاهدة بمعنى المشاهدة مع المعرفة، كما هو المتعارف فيما يشاهده الانسان في حياته، فانه يشاهده مع معرفة أنه من هو وما هو ولا يُحجب عن معرفته.
ومن المعلوم أن الغالب فيمن حصل لهم التشرف أنهم لم يعرفوا الامام المهدي (عليه السلام) في حينه، ولم ينتبهوا الى شخصيته المباركة في وقته، بل التفتوا الى ذلك بعد مفارقته؛ فلم تكن مشاهدة بعرفان، ورؤيةً ببيان. فتكون تشرّفات الصلحاء غير مشمولة لتلك الفقرة العلياء.
3 - ان تكون هذه الفقرة الشريفة ناظرة الى تكذيب ادّعاء المشاهدة لا اصل الرؤية والمشاهدة، لظاهر قوله: «فمن ادعى المشاهدة».
فان الصلحاء الذين شاهدوا الامام المهدي (عليه السلام) حقّاً وصدقاً، ستروا ذلك ولم يذكروه لأحد، ولم يُظهروه الا أن تظهر هي بنفسها قهراً؛ كما في قضية المقدس الأردبيلي المعروفة.
أو كان يلزم إظهارها لضرورة، مثل بيان حقّانية الامامة، كما في قضية محمد بن عيسى البحراني المشهورة، ونحو ذلك.
مضافاً الى خصوصيّة التعبير بالادعاء فانّ «الادّعاء» انما تكون بالنسبة الى من يكون كلامه محتملاً للصدق والكذب فيلزمه إثباته بالدليل شأن
الدعاوى المتعارفة.
واما مثل كلام أعلامنا كالمقدس الأردبيلي والسيد بحر العلوم وأمثالهم، فلا يحتمل فيهم الكذب ابداً حتى يكون كلامهم ادعاء، لما كان فيهم من التحرّز الشديد والورع الأكيد، بل كان بعض تشرفات أخيارنا من الإخبارات التي دليلها معها، كقضية اسماعيل الهر قلي المشهورة.
هذا تمام الكلام في اشارة الذكر في السفراء العظام الذين تشرفوا بالنيابة الخاصة عن مولانا الامام المهدي أرواحنا فداه.
وقد كان في زمان هؤلاء النواب المخلصين، وكلاء محمودون ترد عليهم التوقيعات المباركة من قبل السفراء، كما أشرنا اليه في أول البحث.
وكان هؤلاء الوكلاء يراجعون السفراء في القضايا والمسائل، وتارة يراسلون الامام المهدي (عليه السلام).
وهؤلاء الوكلاء جماعة طيبة، دكرهم الشيخ الصدوق، وشيخ الطائفة، والسيد ابن طاووس(306)، وهم:
1 - أحمد بن إسحاق الأشعري، من قمّ.
2 - أبو هاشم الجعفري داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (عليه السلام).
3 - محمد بن جعفر الأسدي العربي الرازي، من ري.
4 - حاجز بن يزيد الملقّب بالوشّاء، من بغداد.
5 - أبو إسحاق إبراهيم بن مهزيار الأهوازي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(306) جُمع ذكرهم في: تنقيح المقال: ج 1 ص 200. الزام الناصب: ج 1 ص 427. ذكرناهم في: الفوائد الرجالية: ص 128.
6 - محمد بن إبراهيم بن مهزيار، من أهواز.
7 - القاسم بن العلاء، من أهل آذربايجان.
8 - ولده الحسن بن القاسم بن العلاء، كما يستفاد من التوقيع الوارد له بعد وفاة أبيه.
9 - محمد بن شاذان النعيمي، من أهل نيسابور.
10 - أحمد بن حمزة بن اليسع.
11 - محمد بن صالح بن محمد الهمداني الدهقان، من أهل همدان.
12 - العاصمي، من الكوفة، وهو عيسى بن جعفر بن عاصم، كما هو المستظهر.
13 - إبراهيم بن محمد الهمداني.
14 - العطّار، من بغداد، كما عدّه الشيخ الصدوق ولم يذكر اسمه.
15 - الشامي، من ري، وفي نسخةٍ البسّامي، كما عدّه الصدوق أيضاً في العنوان المتقدّم بدون ذكر اسمه.
16 - أبو محمّد الوجناتي.
17 - عمرو الأهوازي.
وهناك رجال آخرون استُظهر وكالتهم عن الناحية المقدّسة، وهم:
18 - أبو عبد الله الحسين بن علي البزوفري، في قم.
19 - أيّوب بن نوح بن درّاج.
20 - أبو جعفر محمّد بن أحمد، في بغداد.
وتلاحظ أن في هؤلاء الوكلاء، الرواة الطيبين والاجلاّء المحمودين، ممن حُفّوا بجلالة القدر ومعالي الذكر.
ومن جملتهم القاسم بن العلاء من أهل آذربايجان، الذي كان مقيماً بمدينة
أران(307)، ويظهر من حديثه أنه أدرك خمسة من الأئمة الميامين، من الامام الرضا الى الامام المهدي (عليهم السلام).
جاء في حديث الشيخ الطوسي، عن الشيخ المفيد، عن الصفواني(308) قال:
«رأيت القاسم بن العلاء وقد عمّر مائة سنة وسبع عشرة سنة؛ منها ثمانون سنة صحيح العينين. لقي مولانا ابا الحسن وأبا محمد العسكريين (عليهما السلام)، وحُجب(309) بعد الثمانين، ورُدّت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيام، وذلك اني كنت مقيماً عنده بمدينة الران من أرض آذربايجان، وكان لا تنقطع توقيعات مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) على يد أبي جعفر محمد بن عثمان العمري وبعده على أبي القاسم بن روح (قدس الله روحهما).
فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين، فقلق رحمه الله لذلك. فبينا نحن عنده نأكل، إذ دخل البواب مستبشراً، فقال له: فيج العراق(310)، لا يسمى بغيره.
فاستبشر القاسم وحول وجهه الى القبلة، فسجد ودخل كهل قصير يُرى أثر الفيوج عليه، وعليه جبة مصرية، وفي رجله نعل محاملي، وعلى كتفه مخلاة. فقام القاسم فعانقه ووضع المخلاة عن عنقه، ودعا بطشت وماء فغسل يده وأجلسه الى جانبه، فأكلنا وغسلنا أيدينا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(307) «ران» و«أرّان» بلدة واحدة، وهي مدينة بين مراغة وزنجان في ايران؛ فيها نهر ماء شرب منه أمن الحصاة أبداً كما في: معجم البلدان: ج 3 ص 18.
(308) الغيبة: ص 188: أخبرني محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله، عن محمد بن احمد الصفواني رحمه الله.
(309) اي حجب عن الرؤية للعمى.
(310) «الفيج بالفتح فالسكون معرب پيك، بمعني القاصد والبريد. قوله «لا يسمى بغيره إما ببناء المفعول، اي كان هذا الرسول لا يسمى ولا يعرف باسم غير فيج العراق، وإما ببناء الفاعل أي لم يسمه البواب المبشر بغير فيج العراق جاء ملخصة في البحار.
فقام الرجل فأخرج كتاباً افضل(311) من النصف المدرج فناوله القاسم.
فأخذه وقبّله ودفعه الى كاتب له يقال له ابن أبي سلمة.
فأخذه أبو عبد الله ففضّه وقرأه حتى احس القاسم بنكاية(312)، فقال: يا ابا عبد الله، خير.
فقال: خير.
فقال: ويحك! خرج فيّ شيء؟
فقال ابو عبد الله: ما تكره فلا.
قال القاسم: فما هو؟
قال: نعى الشيخ الى نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوماً، وقد حمل اليه سبعة اثواب.
فقال القاسم: في سلامة من ديني؟
فقال: في سلامة من دينك.
فضحك رحمه الله فقال: ما اؤمل بعد هذا العمر.
فقام الرجل الوارد فاخرج من مخلاته ثلاثة ازر وحبرة يمانية حمراء وعمامة وثوبين ومنديلاً، فأخذه القاسم.
وكان عنده قميص خلعه عليه مولانا الرضا أبو الحسن (عليه السلام).
وكان له صديق يقال له: عبد الرحمن بن محمد البدري، وكان شديد النصب، وكان بينه وبين القاسم - نضر الله وجهه - مودة في امور الدنيا شديدة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(311) قوله: «افضل من النصف» الخ، يصف كبره، أي كان اكبر من نصف. «ورق مدرج» اي مطوي. قاله في البحار.
(312) كذا في النسخة الايرانية، وفي: كتاب فرج المهموم لابن طاووس: «ببكائه»، ولعله الصحيح، فراجع.
وكان القاسم يوده، وقد كان عبد الرحمن وافى الى الدار لإصلاح بين أبي جعفر بن حمدون الهمداني وبين ختنة ابن القاسم.
فقال القاسم لشيخين من مشايخنا المقيمين معه - أحدهما يقال له: أبو حامد بن عمران المفلس، والآخر: أبو علي بن جحدر ان - أقرِئا هذا الكتاب عبد الرحمن بن محمد، فاني أحب هدايته وارجو يهديه الله بقراءة هذا الكتاب.
فقالا له الله الله الله، فان هذا الكتاب لا يحتمل ما فيه خلق من الشيعة، فكيف عبد الرحمن بن محمد.
فقال: أنا اعلم أني مفش لسر لا يجوز لي اعلانه، لكن من محبتي لعبد الرحمن بن محمد وشهوتي أن يهديه الله (عزَّ وجلَّ) لهذا الأمر هوذا، أقرئه الكتاب.
فلما مر ذلك اليوم - وكان يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من رجب - دخل عبد الرحمن بن محمد وسلم عليه. فاخرج القاسم الكتاب فقال له: اقرأ هذا الكتاب وانظر لنفسك.
فقرأ عبد الرحمن الكتاب، فلما بلغ الى موضع النعي، رمي الكتاب عن يده وقال للقاسم: يا ابا محمد، اتق الله! فانك رجل فاضل في دينك متمكن من عقلك، والله (عزَّ وجلَّ) يقول: (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي ارض تموت) وقال: (عالم الغيب لا يظهر على غيبة احداً).
فضحك القاسم وقال له: أتمّ الآية (إلا من ارتضى من رسول)، ومولاي (عليه السلام) هو الرضا من الرسول.
وقال: قد علمتُ أنك تقول هذا، ولكن أرّخ اليوم فان أنا عشت بعد هذا اليوم المؤرَّخ في هذا الكتاب، فاعلم أني لست على شيء، وإن انا مِتُّ فانظر لنفسك.
فورّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا، وحمّ القاسم يوم السابع من ورود الكتاب، واشتدت به في ذلك اليوم العلة، واستند في فراشه الى الحائط.
وكان ابنه الحسن بن القاسم مدمناً على شرب الخمر، وكان متزوجاً الى أبي عبد الله بن حمدون الهمداني، وكان جالساً ورداؤه مستور على وجهه في ناحية من الدار، وأبو حامد في ناحية، وابو جعفر بن جحدر وانا وجماعة من اهل البلد نبكي.
إذ اتكى القاسم على يديه الى خلف وجعل يقول: يا محمّد، يا علي، يا حسن، يا حسين، يا موالي، كونوا شفعائي الى الله (عزَّ وجلَّ)، وقالها الثانية. وقالها الثالثة.
فلما بلغ في الثالثة يا موسى يا علي، تفرقعت أجفان عينيه، كما يفرقع الصبيان شقائق النعمان، وانتفخت حدقته، وجعل يمسح بكمه عينيه، وخرج من عينيه شبيه بماء اللحم. مدّ طرفه الى ابنه، فقال: يا حسن اليّ، يا ابا حامد يا ابا علي اليّ.
فاجتمعنا حوله ونظرنا الى الحديقتين صحيحتين، فقال له ابو حامد: تراني؟ وجعل يده على كل واحد منا.
وشاع الخبر في الناس والعامة، وانتابه الناس من العوام ينظرون اليه، وركب القاضي اليه - وهو ابو السائب عتبة بن عبد الله المسعودي وهو قاضي القضاة ببغداد -.
فدخل عليه فقال له: يا ابا محمد! ما هذا الذي بيدي؟ وأراه خاتماً فصه فيروزج، فقرّبه منه.
فقال: عليه ثلاثة اسطر. فتناوله القاسم رحمه الله، فلم يمكنه قراءته وخرج الناس متعجبين يتحدثون بخبره.
والتفت القاسم الى ابنه الحسن، فقال له: إن الله منزلك منزلة ومرتبك مرتبة، فاقبلها بشكر.
فقال له الحسن: يا أبه، قد قبلتها.
قال القاسم: على ماذا؟
قال: على ما تأمرني به يا أبه.
قال: على أن ترجع عما أنت عليه من شرب الخمر.
قال الحسن: يا أبه، وحق من أنت في ذكره لأرجعن عن شرب الخمر ومع الخمر اشياء لا تعرفها.
فرفع القاسم يده الى السماء وقال: اللهم ألهم الحسن طاعتك، وجنبه معصيتك - ثلاث مرات -.
ثم دعا بدرج فكتب وصيته بيده رحمه الله، وكانت الضياع التي في يده لمولانا وقف وقفه أبوه.
وكان فيما أوصى الحسن أن قال: يا بني، إن اهلت لهذا الأمر - يعني الوكالة لمولانا -. فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرجيذه، وسائرها ملك لمولاي، وإن لم تؤهل له فاطلب خيرك من حيث يتقبل الله.
وقبل الحسن وصيته على ذلك، فلما كان في يوم الأربعين وقد طلع الفجر، مات القاسم رحمه الله.
فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافياً حاسراً وهو يصيح: واسيداه.
فاستعظم الناس ذلك منه وجعل الناس يقولون: ما الذي تفعل بنفسك؟
فقال: اسكنوا، فقد رأيت ما لم تروه، وتشيّع ورجع عما كان عليه، ووقف الكثير من ضياعه.
وتولّى ابو علي بن جحدر غسل القاسم، وابو حامد يصب عليه الماء،
وكفن في ثمانية اثواب، على بدنه قميص مولاه ابي الحسن (عليه السلام)، وما يليه السبعة الأثواب التي جاءته من العراق.
فلما كان بعد مدة يسيرة ورد كتاب تعزية على الحسن من مولانا (عليه السلام) في آخره دعاء: «الهمك الله طاعته وجنبك معصيته»، وهو الدعاء الذي كان دعا به أبوه، وكان آخره: «قد جعلنا أباك إماماً لك وفعاله لك مثالاً»».
ثم اعلم أن هؤلاء السفراء والوكلاء، وردت بواسطتهم عن الناحية المقدسة أحاديث شريفة تتصف بكمال الصحة، وتوقيعات مباركة - اي ما يوقع في الكتاب من أجوبة المسائل - تتسم بعلوّ المنزلة كسائر الأحاديث المباركة، وهي تشتمل على مختلف الاحكام الشرعية والأدعية السنيّة والفضائل الراقية.
نقل منها 52 توقيع في باب التوقيعات من كتاب كمال الدين.
وجاء كثير منها في كتاب كلمة الامام المهدي (عليه السلام).
وجاءت مجموعة غنية منها في كتاب المختار من كلمات الامام المهدي (عليه السلام).
ونحن نتبرّك بذكر نبذةٍ منها، وباقةٍ من أزاهيرها، فيما يلي من التوقيعات المختارة التالية:
التوقيع الاول (313)
النائب الجليل، الشيخ الموثوق به، عثمان بن سعيد العمري، قال: تشاجر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(313) جاء هذا التوقيع الشريف في: كتاب الغيبة (لشيخ الطائفة) ص 172، والاحتجاج (للطبرسي): ج 2 ص 277، وبحار الأنوار: ج 53 ص 178 ب 31 ح 9. وراوي التوقيع هو الشيخ الاجل والنائب الاول، عثمان بن سعيد العَمْري الذي حررنا له ترجمة خاصة في مبحث نواب وسفراء الامام المهدي (عليه السلام)، فلاحظ.
ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في الخَلَف؛ فذكر ابن ابي غانم أن أبا محمد (عليه السلام) مضى ولا خَلَف له.
ثم إنهم كتبوا في ذلك كتاباً وأنفذوه الى الناحية، وأعلموه بما تشاجروا فيه.
فورد جواب كتابهم بخطّه عليه وعلى آبائه السلام:
«بسم الله الرحمن الرحيم
عافانا الله وإياكم من الضلالة والفتن، ووهب لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا واياكم من سوء المنقلب(314)، أنه أنهي الى ارتياب جماعة منكم في الدين وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة امورهم، فغمّنا ذلك لكم لا لنا وساءنا فيكم لا فينا، لأن الله معنا ولا فاقة بنا الى غيره، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا، ونحن صنائع ربنا والخلق بَعدُ صنائعنا(315).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(314) دعاء بالعافية عما يسلب سلامة الدين كالضلالة والفتنة، وإعطاء روح اليقين وراحته، والإجارة من سوء العاقبة.
وهو دعاءٌ لنا ونعم الدعاء، وأما من المعصوم (عليه السلام) فهو بنحو «إياك أعني واسمعي يا جارة». فقد صيغت نفوسهم المقدسة من معدن القدس والجلال، وخلقوا من نور الله تعالى الذي لم يطفأ ولا يطفأُ أبداً، وجُعلوا أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً فلا سبيل للضلالة وسوء المنقلب فيهم أبداً.
(315) جاء قريبٌ من هذا التعبير الشريف في كلام جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام) في: نهج البلاغة: قسم الكتب، الكتاب رقم 28، الذي هو من المحاسن الكتب جاء فيه: «فانّا صنائعُ ربِّنا، والناسُ بعدُ صنائعُ لنا».
قال عنه ابن ابي الحديد في: شرح النهج: ج 15 ص 194: «هذا كلام عظيم، عالٍ على الكلام، ومعناه عالٍ على المعاني».
الصنع والصنيع والصنعة واحد وهو الاحسان (مجمع البحرين: ص 384).
واصطنعتك لنفسي اي اصطفيتك لمحبتي ورسالتي وكلامي (كنز الدقائق: ج 8 ص 315).
ولعل معنى الجملة الشريفة:
(نحن صنائعُ ربنا) اي نحن الذين اختارنا الله تعالى واصطفانا، فنحن مستغنون بالله عمن سواه.
(والناس بعدُ صنائعنا) اي ان الناس مختارون لنا فنحن الواسطة بينهم وبين ربهم، وهم المحتاجون إلينا، فلا يستغني الخلق عنهم (عليهم السلام) بل يلزمهم الرجوع إليهم.
قال في: منهاج البراعة: ج 19 ص 117: «وأفاد (عليه السلام) بكلامه: «والناس صنائع لنا» أنهم (عليهم السلام) وسائط فيض الله تعالى بين الله المتعال وبين عباده، وبقوله: «إنا صنائع ربّنا» أنه لا واسطة بينهم وبين الله تعالى».
يا هؤلاء، مالكم في الريب تترددون وفي الحيرة تنعكسون. أو ما سمعتم الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (يا أيُّها الذينَ آمنوا اطيعوُا اللهَ واطيعوُا الرَّسولَ واُولي الأمرِ منكُم)(316)؟
أوَما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم عن الماضين والباقين منهم (عليهم السلام)؟
أوَما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون اليها وأعلاماً تهتدون بها، من لدن آدم (عليه السلام) الى ان ظهر الماضي (عليه السلام)(317). كلما غاب عَلَمٌ بدا عَلَم، واذا أفل نجم طلع نجم.
فلما قبضه الله اليه ظننتم أن الله تعالى أبطل دينه وقطع السبب بينه وبين خلقه(318)؟
كلّا! ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله سبحانه وهم كارهون، وإن الماضي (عليه السلام) مضى سعيداً فقيداً على منهاج آبائه (عليهم السلام) حذو النعل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(316) سورة النساء: الآية 59.
(317) هو الامام الحسن العسكري (عليه السلام).
(318) اي فلما استشهد الامام العسكري (عليه السلام) ظننتم انه بطل دين الله بانقطاع حججه وانقطاع سلسلة أوصياء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وظننتم أنه انقطع السبب بين الله وبين خلقه. فالإمام هو السبب المتصل بين الأرض وبين السماء.
بالنعل، وفينا وصيته وعلمه، ومن هو خَلَفُه ومن هو يسد مسدّه. لا ينازعنا موضعه الا ظالم آثم، ولا يدعيه دوننا إلّا جاحد كافر(319).
ولولا أن أمر الله تعالى لا يُغلب، وسره لا يظهر ولا يعلن، لظهر لكم من حقنا ما تبين(320) منه عقولكم، ويزيل شكوككم، لكنه ما شاء الله كان، ولكل أجل كتاب.
فاتقوا الله وسلّموا لنا ورُدّوا الأمر الينا. فعلينا الاصدار كما كان منا الايراد، ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا الى الشمال(321)، واجعلوا قصدكم الينا بالمودة على السنة الواضحة.
فقد نصحت لكم والله شاهد عليَّ وعليكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(319) أي ولا يدعي موضع الامام غير أهل البيت (عليهم السلام) الا جاحِدٌ كافر، فإن إمامتهم الكبرى وولايتهم العظمى ثابتةٌ من الله ومن رسوله. فمن أنكرها أو ادعاها لغيرهم كان ذلك رداً غلى الله ورسوله، وهو كفر وجحود. وقد تظاهرت في ذلك الروايات المعتبرة مثل:
1 - حديث الفضيل بن يسار عن الامام الصادق (عليه السلام)، قال:
«من ادعى الإمامة وليس من أهلها فهو كافر». (اصول الكافي: ج 1 ص 372 ح 2).
2 - حديث عبد الله بن ابي يعفور عن الامام الصادق (عليه السلام)، انه قال:
«ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة، ولا يزكّيهم، ولهم عذاب أليم: من ادّعى امامةً من الله ليست له، ومن جحد إماماً من الله، ومن زعم أنّ لهما - اي للغاصبَين - في الإسلام نصيب». (اصول الكافي: ج 1 ص 373 ح 4).
3 - حديث يحيى بن القاسم، عن الامام الصادق، عن آباءه عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال:
«الأئمة بعدي إثنا عشر؛ أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم.... المقرّ بهم مؤمن والمنكر لهم كافر». (الوسائل: ج 18 ص 562 ب 10 ح 27).
(320) في الاحتجاج: «ما تبهر منه».
(321) ففي الخطبة العلوية المباركة: «والطريق الوسطى هي الجادّة، عليها باقي الكتاب وآثار النبوة، ومنها منفذ السُنّة، واليها مصير العاقبة» (نهج البلاغة: الخطبة 15 ص 46، من الطبعة المصرية).
ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم والاشفاق عليكم، لكُنّا عن مخاطبتكم في شغل فيما قد امتحنا به من منازعة الظالم العتل(322) الضال المتتابع في غيّه المضاد لربّه، الداعي ما ليس له، الجاحد حق من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب(323).
وفي ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لي اُسوةٌ حسنة(324).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(322) العُتُلّ بضمتين، هو الفظّ الغليظ الجافي. (مجمع البحرين: ص 483).
(323) جاء في بيان البحار: الظالم الضال هو جعفر الكذاب ويحتمل خليفة ذلك الزمان.
وجعفر ادّعى الامامة كذباً وافتراء وباطلاً بعد أخيه الامام العسكري (عليه السلام) وتلاحظ سوء حاله في توقيع الامام المهدي (عليه السلام) الى احمد بن اسحاق القمي الاشعري. (الغيبة للشيخ الطوسي: 175).
وقد امتحنته الشيعة الأبرار وتبيّن كذبه كما تلاحظه في الحديث. (كمال الدين: ص 476 ب 43 ح 26).
ثم انه تاب فخرج التوقيع من الناحية المقدسة أن سبيله سبيل اخوة يوسف، كما يأتي ذكره في التوقيع الى الشيخ الجليل محمد بن عثمان. (كمال الدين: ص 483 ب 45 ح 4).
(324) فان له (عليه السلام) اُسوة حسنة بأمّه الصديقة الطاهرة سلام الله عليها حيث اغتُصب حقها فصبرت؛ كذلك الامام المهدي (عليه السلام) اغتصب جعفر حقّه واستولى على إرثه من والده الامام العسكري (عليه السلام) فصبر.
وأفاد في المختار وجوهاً ثلاثة للتأسي، حاصلها:
1 - ان فاطمة الزهراء (عليها السلام) عافت الدنيا وما فيها ومن فيها، وكذلك الامام المهدي (عليه السلام) هو في جانب والعالم من جانب.
2 - ان فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت مجهولة القدر، عاشت في الخفاء مستورة محتجبة عن الاُمة مظلومة مهضومة، وكذلك ولدها الامام المهدي (عليه السلام) عاش مستوراً مظلوماً مهضوماً محتجباً عن الأنظار.
3 - ان فاطمة الزهراء (عليها السلام) عاشت مع عدم التقية وعدم بيعة في رقبتها لأحدٍ من طواغيت زمانها، وكذلك الامام المهدي (عليه السلام) يعيش مع عدم التقية وعدم بيعةٍ من عنقه لأحد من طواغيت زمانه.
فشابه (عليه السلام) جدته الصديقة الزهراء (عليها السلام) في عدم التقية والبيعة، فكانت له بابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أسوة حسنة. (المختار من كلمات الامام المهدي (عليه السلام): ج 2 ص 229).
وعلى الجملة فما اجلّها وأجملها من كلمة رائعة تبيّن الاسوة الحسنة بالصديقة الطاهرة لحجة الله الامام المهدي (عليه السلام)، ولدها الطاهر ونسلها الكريم.
وسيُردي الجاهل رداءةُ عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.
عصمنا الله وإياكم من المهالك والأسواء والآفات والعاهات كلها برحمته، فانه ولي ذلك والقادر على ما يشاء، وكان لنا ولكم ولياً وحافظاً.
والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين، ورحمة الله وبركاته وصلى الله على محمّد وآله وسلم تسليماً».
التوقيع الثاني (325)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(325) ورد هذا التوقيع في: الاحتجاج (للطبرسي): ج 2 ص 301، والغيبة (لشيخ الطائفة): ص 229، وجاء في البحار: ج 53 ص 151 ب 31 بعد الحديث 1.
وراوي التوقيع هو الشيخ الجليل الموثوق به محمد بن عبد الله الحميري الذي كان من وجوه الأصحاب وممن يرجع اليه الفقهاء الأطياب.
قال عنه النجاشي: محمد بن عبد الله بن جعفر بن الحسن بن جامع بن مالك الحميري، ابو جعفر القمي، كان ثقة وجهاً. كاتَبَ صاحب الأمر (عليه السلام) وسأله مسائل في أبواب الشريعة.
قال لنا أحمد بن الحسين: وقعت هذه المسائل اليَّ في أصلها والتوقيعات بين السطور، وكان له إخوة جعفر والحسين وأحمد، كلهم كان له مكاتبة، ولمحمد كُتُب... (رجال النجاشي: 251).
وقال عنه العلامة الحلي: محمد بن عبد الله بن جعفر بن الحسين بن جامع بن مالك الحميري - بالحاء المهملة - أبو جعفر القمي، كان ثقة وجهاً، كاتَبَ صاحب الأمر (عليه السلام)... (الخلاصة: ص 261).
وقد وثقة أيضاً في الوجيزة والبلغة والمشتركاتين، وعدّه في الحاوي في فصل الثقات، فلا غمز في الرجل بوجهٍ. (تنقيح المقال: ج 3 ص 139).
واعلم أن طريق الشيخ (قدّس سرّه) الى الحميري رضوان الله عليه، طريق صحيح. فقد قال في الفهرست عند ذكره: له مصنفات وروايات؛ أخبرنا بها جماعة، عن أبي جعفرابن بابويه، عن أحمد بن هارون الفامي وجعفر بن الحسين عنه (الفهرست ص 184).
له كتب أربعة الى الامام المهدي (عليه السلام)، وكانت الأجوبة تأتي اليه مرّةً بلفظ «التوقيع»، وثانية بلفظ «الجواب»، وثالثة بلفظ «فأجاب» ورابعة بلفظ «وأما ما سألت».
ومن اهتمامه بالمسائل الفقهية يُعرف مدى تديّنه والتزامه بالشريعة، ومن ثَمَّ عُرف بصاحب المسائل.
والرجل ممن يُرجع اليه ويؤخذ برواياته المعروفة المروية عن الحجة (عليه السلام). (المختار من كلمات الامام المهدي (عليه السلام): ج 1 ص 385).
ومما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه من جوابات المسائل الفقهية أيضاً، ما سأله عنها محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري فيما كتب اليه وهو:
بسم الله الرحمن الرحيم
اطال الله بقاك، وأدام الله عزك وتأييدك وسعادتك وسلامتك، وأتم نعمته عليك، وزاد في احسانه اليك وجميل مواهبه لديك وفضله عندك، وجعلني من السوء فداك، وقدمني قبلك(326).
الناس يتنافسون في الدرجات، فمن قبلتموه كان مقبولاً، ومن دفعتموه كان وضيعاً، والخامل من وضعتموه، ونعوذ بالله من ذلك، وببلدنا أيدك الله جماعة من الوجوه يتساوون ويتنافسون في المنزلة، وورد أيدك الله كتابك الى جماعة منهم في أمرٍ أمرتهم به من معاونة ص(327).
واخرج علي بن محمّد بن الحسين بن الملك المعروف بملك بادوكة وهو ختن(328) ص رحمه الله من بينهم فاغتم بذلك، وسألني أيدك الله أن اُعلمك ما ناله من ذلك. فان كان من ذنب فاستغفر الله منه، وان يكن غير ذلك عرّفته ما تسكن نفسه اليه ان شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(326) أي جعل موتي قبل موتك، وهذا دعاء له (عليه السلام) بطول العمر.
(327) رمزُ للصحة، كما تلاحظ بيانه في البحار.
(328) «الخَتَن» بفتحتين، هو كل من كان قريب المرأة يعني الزوجة كأبيها وأخيها (مجمع البحرين: ص 555).
التوقيع(329):
«لم نكاتب إلا من كاتبنا».
وقد عودتني - أدام الله عزك - من تفضلك ما أنت أهل ان تخبرني على العادة، وقبلك - أعزك الله - فقهاؤنا قالوا: محتاج(330) الى أشياء تسأل لي عنها.
روي لنا عن العالم (عليه السلام)(331): انه سئل عن امام قوم صلى بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة(332) كيف يعمل من خلفه؟
فقال: «يؤخر ويتقدم بعضهم، ويتم صلاتهم، ويغتسل من مسه».
التوقيع:
«ليس على من نحاه إلا غسل اليد، واذا لم يحدث حادثة يقطع الصلاة، تمم صلاته مع القوم»(333).
وروي عن العالم (عليه السلام): «ان من مس ميتاً بحرارته غسل يده، ومن مسه وقد برد فعليه الغسل، وهذا الامام في هذه الحالة لا يكون إلّا بحرارة»(334)، فالعمل في ذلك على ما هو، ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه، فكيف يجب عليه الغسل؟
التوقيع:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(329) هذا جواب الناحية المقدسة، وما قبله هو سؤال الحميري، وهكذا فيما بعده.
(330) هكذا في الاحتجاج، ولعل الأصل: إنّا محتاجون الى أشياء تسأل لنا عنها، كما أثبتها في: كلمة الامام المهدي (عليه السلام).
(331) «العالم» من الألقاب التي يرمز بها عن الامام موسى بن جعفر (عليهما السلام).
(332) اي مات في أثنا الصلاة، اذا الحادثة هنا بمعنى الموت ظاهراً، بقرينة قوله بعد ذلك: ويغتسل من مسّه.
(333) اي ان الشخص المأموم الذي نحّى امام الجماعة الذي حدثت به حادثة، ان لم يأت بما يقطع صلاته، كاستدبار القبلة والفعل الماحي للصلاة، تمّم صلاته مع القوم.
(334) اي ان هذا الامام الذي حدثت به حادثة الموت في المسألة المتقدمة، هو بَعُد على حرارة بدنه. فهل يجب الغسل على من مسَّه؟
«اذا مسّه على هذه الحال(335) لم يكن عليه إلا غَسل يده»(336).
وعن صلاة جعفر، اذا سها في التسبيح في قيام او قعود أو ركوع أو سجود(337) وذكره في حالة اخرى قد صار فيها من هذه الصلاة، هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكرها أم يتجاوز في صلاته؟
التوقيع:
«اذا سها في حالة من ذلك ثم ذكر في حالة اخرى، قضى ما فاته في الحالة التي ذكره».
وعن المرأة، يموت زوجها، يجوز أن تخرج في جنازته أم لا؟
التوقيع:
«تخرج في جنازته».
وهل يجوز لها في عدّتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟
التوقيع:
«تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها»(338).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(335) اي على حال حرارته وقبل برده بالموت.
(336) ذكره أيضاً في الوسائل: ج 2 ص 932 ب 3 ح 5.
(337) اي «سبحان الله والحمد لله ولا اله إلّا الله والله أكبر»، حيث يقول ذلك قبل الركوع خمس عشرة مرة، وفي ركوعه عشر مرات، واذا استوى من الركوع عشراً، وإذا سجد عشراً، واذا جلس بين السجدتين عشراً، واذا سجد الثانية عشراً، واذا جلس ليقوم عشراً. يفعل ذلك في الاربع ركعات من صلاة جعفر الطيار (عليه السلام)، فتكون ثلاثمائة تسبيحة.
(338) حيث ان المرأة تعتد بعد وفاة زوجها بعدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، وعليها في هذه المدة الحداد بما بينته الروايات.
ففي حديث ابي العباس: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المتوفى عنها زوجها؟
قال: «لا تكتحل لزينة، ولا تطيب ولا تلبس ثوباً مصبوغاً، ولا تخرج نهاراً ولا تبيت عن بيتها...».
وعليه فتبيت المرأة في أيام الحداد وعدة الوفاة في بيتها، ولا تبيت خارج البيت.
وفي الجواهر: أن شيخ الطائفة الطوسي حمل النهي عن البيتوتة خارج البيت على الكراهة خصوصاً، بملاحظة النصوص الدالة على جواز قضاء عدتها فيما شاءت، والمحدث البحراني استظهر الجواز مع الكراهة.
ثم استوجه نفس صاحب الجواهر الاقتصار في الحداد على المنع من الزينة من الثوب والبدن. (الجواهر: ج 32 ص 277).
وان كان قد جعل الأصل في الحداد هي الأحاديث الشريفة، مثل: صحيح ابن ابي يعفور، عن ابي عبد الله (عليه السلام)، سألته عن المتوفى عنها زوجها، فقال:
«لا تكتحل للزينة، ولا تطيب، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً، ولا تبيت عن بيتها، وتقضي الحقوق، وتمشط بغسلة وتحج وإن كانت في عدتها». (الوسائل: ج 15 ص 450 ب 29 ح 2).
وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حق يلزمها، أم لا تبرح من بيتها وهي في عدّتها؟
التوقيع:
«اذا كان حق خرجت فيه وقضته، وان كانت لها حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت بها حتى تقضيها، ولا تبيت إلا في بيتها».
وروي في ثواب القرآن في الفرائض وغيرها، ان العالم (عليه السلام) قال: «عجباً لمن لم يقرأ في صلاته: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) كيف تقبل صلاته؟».
وروي: «ما زكت صلاة من لم يقرأ (قل هو الله أحد)».
وروي: «ان من قرأ في فرائضه الهُمَزَة، اعطي من الثواب قدر الدنيا»، فهل يجوز أن يقرأ الهُمَزَة، ويدع هذه السور التي ذكرناها مع ما قد روي انه لا تقبل صلاة ولا تزكو إلّا بهما؟
التوقيع:
«الثواب في السور على ما قد روي، واذا تَرَكَ سورة مما فيها الثواب وقرأ (قل هو الله أحد)، و(إنا أنزلناه) لفضلهما، اعطي ثواب ما قرأ وثواب السورة التي ترك(339)، ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامة، ولكن يكون قد ترك الفضل».
وعن وداع شهر رمضان، متى يكون؟ فقد اختلف فيه أصحابنا. فبعضهم يقول: يقرأ في آخر ليلة منه، وبعضهم يقول: هو في آخر يوم منه اذا رأى هلال شوال(340).
التوقيع:
«العمل في شهر رمضان في لياليه، والوداع يقع في آخر ليلة منه. فاذا خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(339) حيث قد ورد الفضل الكثير في هاتين السورتين وفي اهميتهما في الفرائض.
ففي حديث المنصور بن حازم، عن الامام الصادق (عليه السلام)، قال:
«من مضى به يوم واحد فصلّى فيه خمس صلوات لم يقرأ بـ (قل هو الله أحد) قيل له: يا عبد الله لستَ من المصلّين». (ثواب الاعمال: ص 155 ح 1).
وفي حديث الحسين بن ابي العلاء عن الامام الصادق (عليه السلام)، قال:
«من قرأ (إنا أنزلنا) في فريضة من فرائض الله نادى منادٍ: يا عبد الله غفر الله لك ما مضى فاستأنف العمل». (ثواب الاعمال: ص 152 ح 3).
كما انه ورد في فضل سورة الهمزة عن أبي بصير، عن الامام الصادق (عليه السلام)، قال:
«من قرأ (ويلٌ لكل همزة) في فرائضه، بعَّدَ الله عنه الفقر وجلب اليه الرزق، ويدفع عنه ميتة السوء». (ثواب الاعمال: ص 154 ح 1).
(340) فهناك دعاء وداعٍ شريف لشهر رمضان المبارك، رواه ثقة الاسلام الكليني بسنده، عن ابي بصير، عن الامام الصادق (عليه السلام) في وداع شهر رمضان:
«اللهُمَّ إنكَ قلتَ في كتابك المُنزَل...» الخ، فراجع (الكافي: ج 4 ص 165 ح 6).
وعن قول الله (عزَّ وجلَّ): (إنَهُ لَقولُ رَسولٍ كريم)(341)، أرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المعنيّ به، (ذي قُوّةٍ عندَ ذي العرَشِ مَكين)(342) ما هذه القوة؟ (مُطاعٍ ثَمَّ أَمين)(343) ما هذه الطاعة وأين هي؟
ما خرج لهذه المسألة جواب(344).
فرأيك - أدام الله - عزك بالتفضل عليّ بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل. فاجبني عنها منعماً مع ما تشرحه لي من أمر علي بن محمّد بن الحسين بن الملك - المقدم ذكره - بما يسكن اليه، ويعتد بنعمة الله عنده، وتفضل علي بدعاء جامع لي ولا خواني في الدنيا والآخرة؛ فعلت مثاباً ان شاء الله.
التوقيع:
«جمع الله لك ولا خوانك خير الدنيا والآخرة»(345).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(341) سورة التكوير: الآيات 19.
(342) سورة التكوير: الآيات 19، 21.
(343) سورة التكوير: الآيات 19، 21.
(344) هذه الجملة ترد في الغيبة، ووردت في الاحتجاج، وعلّق عليها في كلمة الامام المهدي (عليه السلام) بقوله: يبدوا أن الامام المهدي (عليه السلام) كان يتبع الأسلوب النبوي في عدم الإجابة على الاسئلة التي لا ضرورة منها للسائلين، أو هي فوق مستوياتهم. (كلمة الامام المهدي (عليه السلام): ص 170).
(345) الى هنا الاحتجاج، وزاد في الغيبة: وختم الحميري كتابه بقوله: (أطال الله بقائك وأدام عزّك وتأييدك وكرامتك وسعادتك وسلامتك، وأتمّ نعمته عليك، وزاد في إحسانه إليك وجميل مواهبه لديك وفضله عندك، وجعلني من كل سوءٍ ومكروه فداك، وقدّمني قبلك.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين.
التوقيع الثالث (346)
كتاب آخر لمحمد بن عبد الله الحميري أيضاً اليه (عليه السلام) في مثل ذلك: فرأيك - أدام الله عزك - في تأمل رقعتي والتفضل بما اسأل من ذلك لا ضيفه الى ساير أياديك عندي ومننك عليّ.
واحتجت - ادام الله عزك - ان يسألني بعض الفقهاء عن المصلي اذا قام من التشهد الأول الى الركعة الثالثة، هل يجب عليه أن يكبّر؟
فانَّ بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه التكبير، ويجزيه أن يقول: بحول الله وقوته اقوم واقعد؟
الجواب:
«ان فيه حديثين:
اما احدهما، فانه اذا انتقل من حالة الى حالة اخرى فعليه التكبير.
واما الآخرة، فانه روي: انه اذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس ثم قام، فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير، وكذلك في التشهد الأول يجري هذا المجرى، وبأيها أخذت من جهة التسليم كان صواباً»(347).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(346) جاء هذا التوقيع المبارك في: الغيبة (لشيخ الطائفة): ص 232، والاحتجاج (للطبرسي): ج 2 ص 303، والبحار: ج 53 ص 154 ب 31 ح 2.
وراوي هذا التوقيع هو الشيخ الموثوق به محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري القمي الذي مر بيان جلالة قدره في التوقيع المتقدم.
(347) اي من جهة الاتباع والتسليم لهم (عليهم السلام) ولحكم الله تعالى، وقد جاءت هذه الفقرة من التوقيع الشريف في الوسائل: ج 4 ص 967 ب 3 ح 8.
قال في منتهى الدراية: وأما الدلالة، فظاهرها التوسعة والترخيص في العمل بكل من المتعارضين، سواء في مورد السؤال وهو الاحكام الترخيصية أم في غيرها.... ومورد الرواية وإن كان حكماً ترخيصياً، الا أن مفاد جوابه (عليه السلام) إطراد الحكم بالتخيير في جميع موارد التعارض، لقوله (عليه السلام): «من جهة التسليم»؛ فانه تنبيه على علة الحكم، ولازمه التعدي الى جميع موارد تعارض الخبرين.... فان قوله من باب التسليم بيان لعلة الحكم بالتخيير، والمدار على عموم العلة لا خصوص المورد. (منتهى الدراية: ج 8 ص 111).
وعن الفَصّ الخَماهَن(348)، هل يجوز فيه الصلاة اذا كان في اصبعه؟
الجواب:
«فيه كراهية أن يصلي فيه، وفيه أيضاً اطلاق، والعمل على الكراهة»(349).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(348) ورد هذا الحديث بهذا اللفظ أيضاً - وهو الصحيح - في: الوسائل: ج 3 ص 305 ب 32 ح 11.
و«خماهَن» بفتح الخاء والهاء ويسمى أيضاً خماهان وخماهين؛ كلمة معرّبة، ويطلق عليه الصندل الحديدي، ويستعمل فصّاً للخاتم.
وهو حجر أسود اللون، له جنسان فحلٌ ويسمى الحديد الصيني، وأثنى يسمى حجر الخمار.
ويستعمل مسحوقة في الطب للعلل الصفراوية والدمويّة وآلام العيون، ويستعمل ضماده للأورام والجَرَب والحكّة، كما ضبط وعرّفه في: القرابادين: ص 199.
ونقل في: هامش كتاب الغيبة: ص 232، عن كتاب الجماهر لمعرفة الجواهر (لأبي ريحان البيروني): ص 215، طبعة حيدر آباد دكن، سنة 1355 هجرية، ما هذا نصّه:
وأما الخَماهَن، فأجوده الزنجي المتناهي السواد، والصقالة الموهمة بياضاً على وجهه بالخيال، ويستعمله أصحاب المصاحف في جلاء ذهبها.
قال الشاعر في تشبيه التوت الشامي به:
كأنما التوتُ على أطباقِهِ * * * خَماهنٌ بعَندمٍ منقّطِ
قال صاحب أشكال الأقاليم: إن معدنه من جبل مقطّم ونواحيه بأرض مصر.... و«عوز سنك» يحاكيه في السواد والرزانة، ويستعمله المذهِّبون بدل الخماهن عند عوزه.
و«بزوربان» منه، صخور كبار، وتسميها العرب «المعز»، وأينما وجد من ظهر الأرض وبطنه كان علامة لوجود الذهب ونظن به أنه الخماهن لمشابهته الزنجي في اللون والثقل، وجلاؤه بالسنباذج المحرق. فانّ غير المحرق لا يجلو الخماهن.
(349) فسر بان الظاهر كون المراد أن فيه روايتين: احديها كراهة أن يصلي فيه والأخرى إطلاق، والعمل على رواية الكراهة.
وعن رجل اشترى هدياً لرجل غاب عنه، وسأله أن ينحر عنه هدياً بمنى، فلما أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل ونحر الهدي ثم ذكره بعد ذلك، أيجزي عن الرجل أم لا؟
الجواب:
«لا بأس بذلك، وقد اجزأ عن صاحبه».
وعندنا حاكة مجوس، يأكلون الميتة ولا يغتسلون من الجنابة وينسجون لنا ثياباً، هل يجوز الصلاة فيها من قبل أن تغسل؟
الجواب:
«لا بأس بالصلاة فيها».
وعن المصلي، يكون في صلاة الليل في ظلمة، فاذا سجد يغلط بالسجادة(350) ويضع جبهته على مسح أو نطع(351)؛ فاذا رفع رأسه وجد السجادة.
هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟
الجواب:
«ما لم يستو جالساً فلا شيء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة»(352).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(350) اي محل سجوده الذي هو مما يصح السجود عليه.
(351) «المِسْح» بكسر الميم وسكون السن، واحد المسوح، ويعبّر عنه بالبلاس، كساء معروف. (مجمع البحرين: ص 188).
و«النطع» بكسر النون وفتحه، بساط من الاديم. (مجمع البحرين: ص 393).
(352) «الخمرة» بضم الخاء هي الحصيرة الصغيرة قدر ما يسجد عليه المصلّي؛ كانت تعمل من سعف النخل.
قال في المجمع: تكرر في الحديث ذكر الخُمرة والسجود عليها، وهي بالضم سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل وتزمّل بالخيوط (مجمع البحرين: ص 258).
وقد جاء أحاديث الخمرة في باب ما يسجد عليه.
ففي حديث الحلبي، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): دعاء أبي بالخُمرة، فأبطأت عليه. فأخذ كفّاً من حصى فجعله على البساط ثم سجد». (الكافي: ج 3 ص 331 ح 4).
وفي الحديث الآخر، قال أبو عبد الله (عليه السلام):
«السجود على الأرض فريضة، وعلى الخُمرة سنّة». (الكافي: ج 3 ص 331 ح 8).
بل ورد في أحاديث العامة أيضاً: أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يصلّي على الخُمرة، كما تلاحظه عن البخاري والنسائي وابي داود والترمذي في: كنز العمال: ج 7 ص 57.
وعن المحرم، يرفع الظلال، هل يرفع خشب العمارية(353) أو الكنيسية(354) ويرفع الجناحين أم لا؟
الجواب:
«لا شيء عليه في ترك رفع الخشب».
وعن المحرم، يستظل من المطر بنطع أو غيره حذراً على ثيابه وما في محمله أن يبتل، فهل يجوز ذلك؟
الجواب:
«اذا فعل ذلك في المحمل في طريقه، فعليه دم»(355).
والرجل يحج عن أحد، هل يحتاج ان يذكر الذي حج عنه عند عقد احرامه أم لا، وهل يجب أن يذبح عمن حج عنه وعن نفسه أم يجزيه هدي واحد؟
الجواب:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(353) «العمارية»، رفعة مزيّنة تخاط في المظلة، وتطلق على قماش المظلة. (كلمة الامام المهدي: ص 173).
(354) في: الغيبة: الكنيسة، وهي شيء يُغرز في المحمل أو الرحل ويُلقي عليه ثوبٌ يستظل به الراكب ويستتر به، والجمع: كنائس. (مجمع البحرين: ص 332).
(355) اي عليه الكفارة دم شاة، يعني يكفّر بذبح شاة والتصديق بها على الفقير.
«قد يجزيه هدي واحد(356)، وان لم يفعل فلا بأس».
وهل يجوز للرجل أن يحرم في كساء خز(357) أم لا؟
الجواب:
«لا بأس بذلك، وقد فعله قوم صالحون».
وهل يجوز للرجل أن يصلي في بطيط(358) لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟
الجواب:
«جائز».
ويصلي الرجل وفي كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد، هل يجوز ذلك؟
الجواب:
«جائز».
وعن الرجل يكون معه بعض هؤلاء ويكون متصلاً بهم، يحج ويأخذ على الجادّة ولا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر احرامه الى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز إلا أن يحرم من المسلخ(359)؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(356) هذا جواب عن قوله: وهل يجب أن يذبح عمن حج عنه وعن نفسه؟
كما أن قوله (عليه السلام): «وان لم يفعل فلا بأس» جواب عن قوله: هل يحتاج ان يذكر الذي حج عنه عند إحرامه؟
(357) «الخَزّ» بتشديد الزّاء، دابّة من دوّاب الماء؛ تمشي على أربع، تشبه الثعلب، وترعى من البرّ وتنزل البحر، لها وبرٌ يعمل منه الثياب....(مجمع البحرين: ص 314).
(358) «البطيط» نوعٌ من الاحذية.
قال الليث: البطيط بلغة أهل العراق، رأس الخف يُلبس.
وقال كراع: البطيط عند العامة، خف مقطوع قدم، بلا ساق. (تاج العروس: ج 5 ص 108).
(359) مورد المسألة صورة المرافقة مع العامة في الحج والتقية منهم، والمسلخ وذات عرق من مواضع وادي العقيق الذي هو ميقات أهل العراق وأهل نجد.
ووادي العقيق يقع في الشمال الشرقي من مكة المكرمة، ويبعد عن مكة حوالي 94 كيلومتر (احكام الحج واسراره: ص 183).
وهذا الوادي ذو ثلاث مواضع: فان أوّله «المسلخ» وأوسطه «غمرة» وآخره «ذات عرق».
وظاهر الصدوقين والشيخ في النهاية عدم جواز الاحرام من ذات عرق الا لتقيّة أو مرض، ولعله للجمع بين الأدلة. (الجواهر: ج 18 ص 106).
والظاهر أن «ذات عرق» ميقات اضطراري لنا، وهو ميقات العامة اختيارياً، كما يستفاد من: المغني لابن قدامة: خ 3 ص 257.
والمستفاد من التوقيع الشريف في الجواب، انه إذا اضطر الحاج بالتقية في المقام، فانه يحرم من ميقاته اي المسلخ ويلبّي سراً ويلبس المخيط تقية. فاذا بلغ الى ميقاتهم - يعني ذات عرق - أظهر الاحرام ويفدي للبس المخيط في حال الاحرام، كما أفيد.
الجواب:
«يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه، فاذا بلغ الى ميقاتهم اظهر».
وعن لبس النعل المعطون(360)، فان بعض أصحابنا يذكران لبسه كريه.
الجواب:
«جايز ولا بأس به».
وعن الرجل من وكلاء الوقف مستحلاً لما في يده، ولا يَرِعُ عن أخذ ماله(361)، ربما نزلتُ في قريته وهو فيها، أو ادخل منزله - وقد حضر طعامه -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(360) يقال: عَطِنَ الجلد في الدباغ والماء، إذا وُضع فيه حتى فَسَد فهو عَطِن، ويقال: انعطن، مثل عَفِنَ وانعفن. (ترتيب العين: ج 2 ص 1232).
وقيل: هو أن ينضح على الجلد ويُلفّ ويُدفن يوماً وليلة ليسترخي صوفه أو شعره. فيُنتف ويُلقي بعد ذلك في الدباغ وهو حينئذٍ أنتن ما يكون. (لسان العرب: ج 13 ص 287).
وعلى المعنيين فالنعل المعطون هو النعل العفِن.
(361) كلمة «يَرِعُ» مضارع وَرِعَ، من الورع بمعني التورع والكف عن المعاصي، وضمير ماله راجع إلى الوقف، اي لا يتورع عن أخذ مال الوقف.
قال في: هامش الغيبة: وفي بعض النسخ «لم يَزِعْ» بالزاي، وهو مضارع وزعه اي منعه، اي لا يمنع نفسه من أخذ مال الوقف.
فيدعوني اليه. فان لم آكل من طعامه عاداني وقال: فلان لا يستحل أن يأكل من طعامنا. فهل يجوز لي أن آكل من طعامه واتصدّق بصدقة؟ وكم مقدار الصدقة؟
وإن اهدى هذا الوكيل هدية الى رجل آخر، فاحضر فيدعوني الى أن أنال منها وأنا أعلم ان الوكيل لا يَرِعُ عن أخذ ما في يده، فهل عليّ فيه شيء ان انا نِلتُ منها؟
الجواب:
«إن كان لهذا الرجل مال او معاش غير مافي يده، فكُل طعامه واقبل بِرَّه، وإلا فلا».
وعن الرجل ممن يقول بالحق ويرى المتعة، ويقول بالرجعة، إلا ان له أهلاً موافقة له في جميع اموره، وقد عاهدها: ألا يتزوج عليها ولا يتمتع ولا يتسرّى(362)، وقد فعل هذا منذ تسعة عشر سنة. ووفى بقوله. فربما غاب عن منزله الأشهر فلا يتمتع ولا تتحرّك نفسه أيضاً لذلك، ويرى ان وقوف من معه من اخ وولد وغلام ووكيل وحاشية مما يقلله في أعينهم(363)، ويحب المقام على ما هو عليه محبة لأهله وميلا اليه وصيانة لها ولنفسه، لا لتحريم المتعة بل يدين الله بها(364)، فهل عليه في ترك ذلك مأثم أم لا؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(362) اي لا يتخذ سُرِّيَّةً، و«السُرّيّة» هي الأمة المملوكة. (المعجم الوسيط: ج 1 ص 427).
(363) اي ان التزويج او التمتع او التسري على زوجته مما يوجب وضاعةً له عند هؤلاء.
(364) اي أن امتناعه عن التزويج والتمتع والتسري انما هو لمحبة أهله التي عاهدها لا لأجل حرمة المتعة، فانه من أهل الحق ويدين الله بجواز المتعة وحلّيتها.
الجواب:
«يستحب له أن يطيع الله تعالى بالمتعة ليزول عنه الحلف في المعصية(365)، ولو مرّة»(366).
التوقيع الرابع (367)
وفي كتاب آخر لمحمد بن عبد الله الحميري الى صاحب الزمان (عليه السلام) من جواب مسائله التي سأله عنها، في سنة سبع وثلاثمائة.
سأل عن المحرم، يجوز أن يشد المئزر(368) من خلفه على عقبه بالطول، ويرفع طرفيه الى حقويه ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما، ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما الى خاصرته، ويشد طرفيه الى وركيه، فيكون مثل السراويل يستر ما هناك. فان الميزر الأول كنا نتزر به اذا ركب الرجل جَمَلَه يكشف ما هناك، وهذا ستر؟
فأجاب (عليه السلام):
«جاز أن يتزر الانسان كيف شاء، اذا لم يحدث في الميزر حدثاً بمقراظ ولا ابرة يخرجه به عن حدّ الميزر، وغرزه غرزاً ولم يعقده ولم يشدّ بعضه ببعض،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(365) اي المعصية من حيث عاها أن لا يتمتع.
(366) هذا آخر التوقيع في الاحتجاج، لكن جاء في الغيبة في آخر رسالة الحميري تتمّة دعائيّة في الخطاب الى النائب الجليل الذي يوصل رسالته، فلاحظ.
(367) جاء هذا التوقيع الشريف في: الاحتجاج: ج 2 ص 306، والبحار: ج 53 ص 159 ب 31 ح 3.
راويه هو نفس الشيخ الجليل محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري الذي مرّ بيان وثاقته.
(368) فانه يجب في الاحرام لبس الثوبين، الازار والرداء. فيأتزر بالأول ويشدّه على وسطه، ويرتدي بالثاني ويجعله على عاتقه، كما يستفاد من صحيحة عبد الله بن سنان عن الامام الصادق في حج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). (الوسائل: ج 8 ص 158 ب 2 ح 15).
واذا غطى سرّته وركبتيه كلاهما، فان السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة والركبتين.
والأحب الينا والأفضل لكل أحد شدّه على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعاً إن شاء الله».
وسأل: هل يجوز أن يشد عليه مكان العقد تكة(369)؟
فأجاب:
«لا يجوز شد الميزر بشيء سواه من تكة ولا غيرها».
وسأل عن التوجه للصلاة(370) أن يقول: على ملة ابراهيم ودين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فان بعض أصحابنا ذكر انه اذا قال على دين محمّد فقد أبدع، لأنا لم نجده في شيء من كتب الصلاة خلا حديثاً في كتاب القاسم بن محمّد عن جده عن الحسن بن راشد ان الصادق (عليه السلام) قال للحسن:
«كيف تتوجه؟
فقال: أقول لبيك وسعديك.
فقال له الصادق (عليه السلام): ليس عن هذا اسألك. كيف تقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفاً مسلماً؟
قال الحسن: أقول(371).
فقال الصادق (عليه السلام): اذا قلت ذلك فقل: على ملة ابراهيم ودين محمّد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(369) «التِكَّة» رباط السراويل، وجمعها تكك. (المعجم الوسيط: ج 1 ص 86).
(370) اي الدعاء الذي تتوجه به الى الصلاة وتقرأه حينما قمت الى الصلاة، فانه يستحب الدعاء حينئذٍ بما تلاحظه في: وسائل: ج 4 ص 708 ب 15، ص 723 ب 8، الاحاديث، والحديث الثالث من باب هي هذه الفقرة من التوقيع الشريف.
(371) في: البحار والوسائل: أقوله.
ومنهاج علي بن أبي طالب، والائتمام بآل محمّد حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين».
فأجاب (عليه السلام):
«التوجه كله ليس بفريضة، والسنة المؤكدة فيه التي هي كالإجماع الذي لا خلاف فيه: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض، حنيفاً مسلماً على ملة ابراهيم ودين محمّد وهدي أمير المؤمنين(372)، وما أنا من المشركين. ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك اُمرت وأنا من المسلمين. اللهم اجعلني من المسلمين. اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم، ثم اقرأ الحمد.
قال الفقيه(373) الذي لا يشك في علمه: ان الدين لمحمد والهداية لعلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(372) «الملّة» هي الدين والطريقة، ومنها قوله تعالى: (ملة أبيكم ابراهيم). (سورة الحجح: الآية 78)، كما أفاده في: مشكاة الأنوار: ص 202.
و«الدين» هو ما يدان الله به ويُطاع به، كما أفاده في: مجمع البحرين: ص 558.
و«الهُدى» هو الرشاد والدلالة الى الحق والدعاء اليه وإراءة طريقه والارشاد اليه والأمر به، كما افاده في: المشكاة: ص 227.
فالملة لسيدنا ابراهيم الخليل (عليه السلام)، ودين الاسلام لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). فانه هو الذي جاء به، والهداية اليه لأمير المؤمنين والأئمة المعصومين (عليهم السلام) أوصياء الرسول، (وجعلنا أئمة يهدون بأمرنا). (سورة الانبياء: الآية 73).
(373) «الفقيه» لقب الامام الكاظم (عليه السلام) في تعبير الشيعة، ويمكن أن يكون المراد به الامام الصادق (عليه السلام) باعتبار الرواية عنه في السؤال، أو غيرهما من الأئمة (عليهم السلام)، لإطلاق هذا اللقب على كل منهم في زمانه كما افاده في: هامش كلمة الامام المهدي (عليه السلام): ص 179.
واضاف في: ص 184، أنه يُلاحظ في التوقيعات أن الامام المهدي (عليه السلام) قد يستشهد ببعض الروايات أو بعض الأئمة (عليهم السلام)، كما نجد في هذا الحديث وأحاديث اُخرى رغم أن قوله حجة كأقوالهم، ولعل سبب ذلك:
1 - توجيه العلماء الى الاعتماد على الاحاديث المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام)، وعدم محاولة استقصار المعارف الاسلامية عن طريق مراسلته فقط.
2 - تكريم آبائه الطاهرين (عليهم السلام)، شأن جميع الأئمة والانبياء الذين كانوا يروون عن أسلافهم، لا لقصور فيهم وانما تخليداً لأولئك الاسلاف في سلسلة الأقداس، كما نجد القرآن الكريم وسائر كتب السماء تروى عن الانبياء وربما عن غيرهم كلقمان، رغم أنها نزلت من عند الله الذي هو مرسل الرسل ومصدر الرسالات.
3 - الاعتماد على الروايات المأثورة عن آباءه (عليهم السلام) والاستناد اليها ليكون أبغد عن التشكيك.
أمير المؤمنين، لأنها له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وفي عقبه باقية الى يوم القيامة(374). فمن كان كذلك فهو من المهتدين، ومن شك فلا دين له، ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى».
وسأله عن القنوت في الفريضة اذا فرغ من دعائه، يجوز أن يردّ يديه على وجهه وصدره للحديث الذي رُوي: «ان الله (عزَّ وجلَّ) أجلّ من أن يردّ يدي عبده صفراً بل يملأها من رحمته»(375)، أم لا يجوز؟ فان بعض اصحابنا ذكر انه عمل في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(374) ففي تفسير قوله تعالى: (إنما أنت منذرٌ ولكلِّ قومٍ هاد). (سورة الرعد: الآية 7).
ورد تفسير الهادي بالأئمة المعصومين (عليهم السلام) في أحاديث الخاصة والعامة.
فمن الخاصة، مثل حديث الامام الباقر (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في هذه الآية: «أنا المنذر، وعلي الهادي، أما والله ما ذهبت منا ولا زالت فينا الى الساعة». (الكافي: ج 1 ص 192 ح 4) ومن العامة، مثل حديث ابن عباس، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
«أنا المنذر وعلي الهادي، وبك - يا علي - يهتدي المهتدون». (احقاق الحق: ج 3 ص 88، عن جماعة من العامة، كالحاكم في المستدرك، والذهبي في التخليص، والرازي في تفسيره، والطبري في تفسيره، وابن كثير في تفسيره، وغيرهم).
(375) هذا مضمون حديث القدّاح، عن ابي عبد الله (عليه السلام) المروي في: الكافي: كتاب الدعاء ج 2 ص 471، وليس في الحديث ذكر هذا العمل في خصوص الفرائض. فنصّ الحديث هو:
«ما أبرز عبدٌ يدَه الى الله العزيز الجبّار الا استحيا الله (عزَّ وجلَّ) أن يردّها صفراً حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء. فاذا دعا أحدُكم فلا يردّ يده حتى يمسح على وجهه ورأسه».
الصلاة(376).
فأجاب (عليه السلام):
«ردّ اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جايز في الفرائض، والذي عليه العمل فيه اذا رجع يده في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء، أن يرد بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه على تمهل، ويكبّر ويركع، والخبر صحيح(377) وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض، والعمل به فيها أفضل».
وسأل عن سجدة الشكر بعد الفريضة، فان بعض اصحابنا ذكر أنها بدعة.
فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة، وان جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟
فأجاب (عليه السلام):
«سجدة الشكر من الزم السنن واوجبها، ولم يقل ان هذه السجدة بدعة إلا من أراد أن يُحدث بدعة في دين الله(378).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(376) اي عمل خارجي في الصلاة.
(377) اي ان الخبر المتقدم صحيح الا أن رد اليدين بعد القنوت على الرأس والوجه هو في النوافل وفي النوافل، أفضل؛ دون الفرائض، بل في الفرائض يردّ بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبته على تمهّل.
(378) فان سجدة الشكر ثابتة في الدين؛ فنفيها يكون بدعة، لأن النفي ليس من الدين. قال السيد العاملي: نقل الاجماع استحباب السجود للشكر في هذه المواضع الثلاثة: عند تجدد النِعَم، ودفع النِقَم، وعقيب الصلاة. في الخلاف والتذكرة والمنتهى وظاهر المعتبر، وفي كشف اللثام: لا خلاف فيه عندنا، والأخبار به متظافرة وفي جامع المقاصد: لا خلاف بين أكثر علمائنا الا من شَذَّ في استحبابه عند تجدد النعم ودفع النقم...، وفي كشف الحق: ذهبت الامامية الى استحباب سجدة الشكر، ومالك على الكراهة، وأبو حنيفة نفى المشروعيّة. (مفتاح الكرامة: ج 2 ص 458).
هذا فتوى وقد عرفت فيه من هو الذي أحدث بدعة في الدين.
واما دليلاً، فالاحاديث الشريفة في سجدة الشكر متظافرة متواترة، يستفاد منها أن سجدة الشكر من أوكد المستحبات، وما أجمل تعبيره (عليه السلام):
«سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها».
وقد عقد في الوسائل أبواب في سجدة الشكر، مشتملة على 38 حديثاً في ضلها وآدابها وادعيتها وما يخصها، فلاحظها.
ولو لم يكن في فضل سجدة الشكر وآثارها الا حديث مرازم، لكان كافياً.
فقد روى شيخ الطائفة بسنده المعتبر، عن مرازم عن الامام الصادق (عليه السلام)، قال:
«سجدة الشكر واجبة على كلّ مسلم. تُتمّ بها صلاتك، وتُرضي بها ربَّك، وتعجب الملائكة منك، وإن العبد إذا صلّى ثم سجد سجدة الشكر، فتح الربّ تعالى الحجاب بين العبد والملائكة، فيقول: يا ملائكتي! انظروا الى عبدي، أدى فرضى وأتمّ عهدي ثم سجد لي شكراً على ما أنعمتُ به عليه. ملائكتي ماذا له عندي؟ قال: فتقول الملائكة: يا ربّنا، رحمتك. ثم يقول الربّ تعالى: ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربّنا، جنّتك . فيقول الرب تعالى: ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربّنا، كفاية مهمةٍ فيقول الرب تعالى: ثم ماذا؟ فلا يبقى شيء من الخير الا قالته الملائكة، فيقول الله تعالى: يا ملائكتي، ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربّنا، لا علم لنا. فيقول الله تعالى: لأشكرنّه كما شكرني، وأقبل اليه بفضلي، واُريه رحمتي».
فأما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في انها بعد الثلاث أو بعد الأربع. فان فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعقيب النوافل كفضل الفرائض على النوافل، والسجدة دعاء وتسبيح. فالأفضل أن تكون بعد الفرض(379). فان جعلت بعد النوافل أيضاً جاز»(380).
وسأل ان لبعض اخواننا ممن نعرفه ضيعة جديدة(381) بجنب ضيعة خراب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(379) للفضيلة التي بيّنها (عليه السلام) بقوله: «فان فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض» الخ.
(380) وردت هذه الفقرة - يعني مسألة سجدة الشكر - في: الوسائل: ج 4 ص 1058 ب 31 ح 3، واستفاد منها المحدث الحر العاملي استحباب تقديم سجدتي الشكر على النوافل ووقوعهما بعد الفريضة. فعنون الباب بقوله: باب جواز تأخير التعقيب وسجدة الشكر عن نوافل المغرب، وتقديمهما عليها، واستحباب اختيار تقديمهما على النوافل.
(381) «الضيعة» هي العقار والأرض المغلّة، والجمع ضياع. (مجمع البحرين: ص 386).
للسلطان فيها حصة، وأَكرَتُه(382) ربما زرعوا حدودها وتؤذيهم عمال السلطان ويتعرضون في الكل من غلات ضيعته، وليس لها قيمة لخرابها وانما هي بائرة منذ عشرين سنة، وهو يتحرج من شرائها لأنه يقال: ان هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت عن الوقت قديماً للسلطان. فان جاز شراؤها من السلطان وكان ذلك صلاحاً له وعمارة لضيعته، وانه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة لفضل ماء ضيعته العامرة، وينحسم عنه طمع أولياء السلطان(383)، وان لم يجز ذلك عمل بما نأمره به(384)، ان شاء الله تعالى؟
فأجاب:
«الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره او رضاءٍ منه»(385).
وسأل عن رجل استحل امرأة خارجة من حجابها وكان يحترز من أن يقع ولد، فجاءت بابن. فتحرّج الرجل الا يقبله فقبله، وهو شاك فيه، وجعل يُجري النفقة على اُمه وعليه حتى ماتت الام وهو ذا يُجري عليه، غير انه شاك فيه ليس يخلطه بنفسه. فان كان ممن يجب ان يخلط بنفسه ويجعله كساير ولده فعل ذلك، وان جاز أن يجعل له شيئاً من ماله دون حقه فعل؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(382) «الأَكَرَة» جمع أكّار بالتشديد وهو الزّارع. (مجمع البحرين: ص 239).
(383) اي ينقطع طمعهم فلا يتعرضون لغلاته بواسطة معمورية تلك الأرض البائرة.
(384) في البحار: عمل بما تأمره.
(385) فان سلطنة التصرف في الأموال انما هي لمالكيها، وهم الذين يحق لهم التصرف فيها، وقصر أيدي الغير عنها.
وما يغتصبه السلطان الجائر يبقى ملكاً لمالكه الشرعي، فلا يجوز الشراء الّا من المالك الشرعي أو بأمره أو برضاه.
وقد وردت هذه الفقرة من التوقيع الشريف في: الوسائل: ج 12 ص 250 ب 1 ح 8، تحت عنوان: باب اشتراط كون المبيع مملوكاً أو مأذوناً في بيعة.
فأجاب (عليه السلام):
«الاستحلال بالمرأة يقع على وجوه(386)، والجواب يختلف فيها. فليذكر الوجه الذي وقع الاستحلال به مشروحاً ليعرف الجواب فيما يسأل عنه من أمر الولد إن شاء الله».
وسأله الدعاء له، فخرج الجواب:
«جاد الله عليه بما هو جل وتعالى أهله، ايجابنا لحقه ورعايتنا لأبيه رحمه الله وقربه منا، وقد رضينا بما علمناه من جميل نيته، ووقفنا عليه من مخاطبته؛ المقرّ له من الله التي يرضى الله (عزَّ وجلَّ) ورسوله وأولياؤه (عليهم السلام) والرحمة بما بدأنا. نسأل الله بمسألته ما امله من كل خير عاجل وآجل، وان يصلح له من أمر دينه ودنياه ما يجب صلاحه، انه ولي قدير».
التوقيع الخامس (387)
وكتب اليه صلوات الله عليه أيضاً - في سنة ثمان وثلاثمائة - كتاباً سأله فيه عن مسائل اخرى. كتب:
بسم الله الرحمن الرحيم
أطال الله بقاك وأدام عزك وكرامتك وسعادتك وسلامتك، وأتم نعمته عليك وزاد في احسانه اليك، وجميل مواهبه لديك، وفضله عليك وجزيل قسمه لك،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(386) فان استحلال المرأة قد يكون بالزوجية وقد يكون بالملكية، والزوجية قد تكون بالدوام وقد تكون بالانقطاع، والولد الرق يرث والحر يرث، والاحكام مختلفة، فالاستحلال يقع وجوه.
لذلك كان لابد من أن يُفرز السؤال حتى يقع الجواب موقعه.
(387) ورد هذا التوقيع المبارك في: الاحتجاج (للطبرسي): ج 2 ص 309، والبحار: ج 53 ب 31 ح 4.
وراويه هو نفس محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري الذي مرّ بيان وثاقته والاعتماد عليه.
وجعلني من السوء كله فداك، وقدّمني قبلك(388).
انّ قِبلَنا مشايخ وعجايز، يصومون رجباً منذ ثلاثين سنة واكثر، ويَصِلونَ بشعبان وشهر رمضان.
وروى لهم بعض أصحابنا: ان صومه معصية.
فأجاب (عليه السلام):
«قال الفقيه: يصوم منه أياماً الى خمسة عشر يوماً، إلا ان يصومه عن الثلاثة الأيام الفائتة(389)، للحديث: ان نعم شهر القضاء رجب».
وسأل عن رجل يكون في محمله والثلج كثير بقامة رجل، فيتخوف ان نزل الغوص فيه، وربما يسقط الثلج وهو على تلك الحال ولا يستوي له ان يلبّد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(388) سبق أن هذا دعاء بطول العمر، يشار اليه بأن يجعل الله تعالى موتي قبل موتك.
(389) العبارة هكذا في: الاحتجاج وفي: البحار كليهما. لكن في: كلمة الامام المهدي (عليه السلام): «إلا أن يصوم عن الثلاثة، الأيامَ الفائتة».
فالعل المعنى أنه يصوم الشيخ والعجوز عن الأشهر الثلاثة، الأيام الفائتة منه فيصومها قضاءً، بقرينة قوله (عليه السلام) بعد ذلك:
«إن نعم شهر القضاء رجب».
وأضاف أنه لعل هذا النهي من سيدنا ومولانا صاحب الزمان (عليه السلام) مع تأكد استحباب صيام الأشهر الثلاثة هو لأجل أن أبا الخطاب روى وجوب صوم رجب وشعبان. فنهى الأئمة (عليهم السلام) عن ذلك، نهى وجوب أو نهى انتشار عمل لكي يعرف الاستحباب. (كلمة الامام المهدي (عليه السلام)).
وقال في الجواهر: لا يمكن احصاء ما ورد في فضل صومهما - رجب وشعبان - من سنة سيد المرسلين وعترته الهادين، كما لا يمكن إحصاء ما وعد الله على ذلك الا لرب العالمين.
بل من شدة ما ورد في شعبان منهما ابتدع أبو الخطاب وأصحابه وجوبه، وجعلوا على إفطاره كفارة، ولعله لذا ترك كثير من الأئمة (عليهم السلام) صيامه مُظهرين للناس بذلك عدم وجوبه في مقابلة بدعة أبي الخطاب لعنه الله. (الجواهر: ج 17 ص 113).
شيئاً منه(390)، لكثرته وتهافته. هل يجوز أن يصلي في المحل الفريضة؟ فقد فعلنا ذلك أياماً فهل علينا في ذلك اعادة أم لا؟
فأجاب:
«لا بأس به عند الضرورة والشدة».
وسأل عن الرجل يلحق الامام وهو راكع، فيركع معه ويحتسب تلك الركعة. فان بعض اصحابنا قال: ان لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتد بتلك الركعة.
فأجاب:
«اذا لحق مع الامام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة، اعتدّ بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة الركوع»(391).
وسأل عن رجل صلى الظهر ودخل في صلاة العصر. فلما ان صلى من صلاة العصر ركعتين، إستيقن انه صلى الظهر ركعتين، كيف يصنع؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(390) «لَبِذَ» الشي من باب تعب: لصق، وكل شيء ألصقته بشيء الصاقاً فقد لبّدته. (مجمع البحرين: ص 225).
(391) المحكي عن المشهور في إدراك الركعة، هو مجرد ادراك الامام راكعاً وإن لم يدرك تسبيح الركوع استناداً الى مثل اطلاق صحيحتي سليمان بن خالد والحلبي، المرويتان في: الوسائل: ج 5 ص 441 ب 45 ح 1، 2، حيث جاء في الأخيرة:
«اذا أدركت الامام وقد ركع فكبّرت وركعت قبل أن يرفع الامام راسه، فقد ادركت الركعة».
فحمل هذا التوقيع الشريف الذي يستفاد منه الاعتداد بالركوع الذي ادرك منه تسبيحة واحدة على الفضيلة، أو لأجل أن حصول الجزم بادراك الامام في الغالب راكعاً لا يكون الا بادراك تسبيحة منه في ركوعه، كما افادهما المحقق الهمداني في: مصباح الفقيه كتاب الصلاة ص 627.
او لأجل بيان ورجحان ادراك تسبيحة من ركوع الامام، كما افاده الفاضل النراقي في: المستند: ج 1 ص 413. ثم قال بعد هذا التوجيه في التوقيع الشريف: ومراعاة مدلوله أحوط.
وقد وردت هذه الفقرة من التوقيع الشريف في: الوسائل: ج 5 ص 442 ب 45 ح 5.
فأجاب:
«ان كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة(392) أعاد الصلاتين، وان لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الآخرتين تتمة لصلاة الظهر وصلى العصر بعد ذلك»(393).
وسأل عن أهل الجنة، هل يتوالدون اذا دخلوها أم لا؟
فأجاب:
«ان الجنة لا حمل فيها للنساء ولا ولادة ولا طمث ولا نفاس ولا شقاء بالطفولية، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، كما قال سبحانه(394). فاذا اشتهى المؤمن ولداً، خلقه الله بغير حمل ولا ولادة على الصورة التي يريد، كما خلق آدم عبرة»(395).
وسأل عن رجل تزوج امرأة بشيء معلوم الى وقت معلوم، وبقي له عليها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(392) اي أنه إن أتى بالمنافي كاستدبار القبلة وناقض الوضوء لم تكن في المقام قابلية الاتصال بين الركعتين التي صلاهما بنية الظهر الركعتين التي يصليها بنية العصر فيعيد الصلاتين.
(393) اي انه إن لم يأتِ بالمنافي جعل الركعتين اللتين صلاهما بنية العصر، تتمة للركعتين اللتين صلاهما بنية الظهر. فكانت تمام الاربع ركعات صلاة الظهر، ثم يصلي أربعاً عصراً، والتفضيل موكول الى الفقه.
(394) في سورة الزخرف: الآية 71، قال تعالى: (وفيها ما تشتهيه الأنفسُ وتلذّ الأعين).
(395) فانه يُعطي المؤمن في الجنة كل ما يشتهيه ويطلبه.
قال عز اسمه في سورة الأنبياء: الآية: 102: (وهم في ما اشتَهَتْ أنفسُهم خالدون).
وقال تعالى في سورة فصلت: الآية: 31: (ولكم فيها ما تشتَهي أنفُسكم ولكم فيها ما تَدَّعون).
وكلمة (ما) موصولة عامة يستفاد منها تفضل الله تعالى على أهل الجنة بكل ما يشتهون، ومما يشتهون الاولاد. فاذا طلبوا ولداً اُعطوا ذلك بلا ألمٍ ولا نجاسة ولا مشقة. فيُخلق لهم ذلك بالصورة والشكل الذي يريدون.
وتلاحظ أحاديث نِعَم الجنة في: المعالم الزلفى: ص 277، كما تلاحظ أحاديث مشتهيات المؤمن في الجنة في: كنز الدقائق: ج 11 ص 449.
وقت، فجعلها في حل مما بقي له عليها وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حل من أيامها بثلاثة ايام. أيجوز أن يتزوجها رجل معلوم الى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة، أو يستقبل بها حيضة اخرى؟
فأجاب:
«يستقبل حيضة غير تلك الحيضة، لأن أقل تلك العدّة حيضة وطهرة تامة».
وسأل عن الأبرص والمجذوم وصاحب الفالج، هل يجوز شهادتهم، فقد روي لنا أنهم لا يَؤمّون الأصحاء؟
فأجاب:
«ان كان ما بهم حادثاً جازت شهادتهم، وان كان ولادة لم يجز»(396).
وسأل هل يجوز للرجل أن يتزوج ابنة امرأته؟
فأجاب:
«إن كانت رُبّيت في حجره فلا يجوز، وان لم تكن رُبّيت في حجره وكانت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(396) هذه الفقرة من التوقيع الشريف وردت أيضاً في: الوسائل: ج 18 ص 279 ب 32 تحت عنوان باب جملة ممن لا تُقبل شهادتهم ح 9.
وقد أفاد في كتاب الكلمة أنها معارضة للمعلومات الدالة على قبول شهادة غير الفاسق مطلقاً، مثل حديث علقمة، عن الامام الصادق (عليه السلام):
«... فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة...».
ولا شاهد لهذه الفقرة من التوقيع سوى مرسل الدعائم، عن الامام الباقر (عليه السلام): «لا يجوز شهادة المتّهم ولا ولد الزنا ولا الابرص...». (المستدرك: ج 17 ص 432 ب 26 ح 2).
وهو بالنسبة الى الأبرص فقط من هذه الثلاثة، وهو مطلق غير مقيد بالولادة. فتدخل هذه الفقرة في باب التعارض، ويُردُّ علمها اليهم (عليهم السلام). كلمة الامام المهدي (عليه السلام): ص 190.
امها في غير عياله(397)، فقد روي: انه جائز».
وسأل: هل يجوز أن يتزوج بنت ابنة امرأةٍ ثم يتزوج جدتها بعد ذلك؟
فأجاب:
«قد نهي عن ذلك».
وسأل عن رجل ادعى على رجل ألف درهم وأقام به البينة العادلة، وادعى عليه أيضاً خمسمائة درهم في صك آخر(398) وله بذلك بينة عادلة، وادعى عليه أيضاً ثلاثمائة درهم في صك آخر، ومائتي درهم في صك آخر وله بذلك كله بينة عادلة. ويزعم المدعي عليه ان هذه الصكاك كلها قد دخلت في الصك الذي بألف درهم، والمدعي منكر أن يكون كما زعم. فهل يجب الألف الدرهم مرة واحدة أو يجب عليه كلما يقيم البينة به؟ وليس في الصكاك استثناء، انما هي صكاك على وجهها(399).
فأجاب:
«يؤخذ من المدعى عليه الف درهم مرّة وهي التي لا شبهة فيها، ويُرَدّ اليمين في الألف الباقي على المدعي فان نكل فلا حق له».
وسأل عن طين القبر(400)، يوضع مع الميت في قبره، هل يجوز ذلك أم لا؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(397) بأن عقد عليها ولم يدخل بها.
قال تعالى: (وربائبُكُم اللاتي في حجُورِكُم من نسائِكُم اللاتي دَخلتُم بِهِنَّ فان لم تكونُوا دخلتُم بِهِنَّ فلا جُناحَ عليكُم). (سورة النساء: الآية 23).
وقد وردت هذه الفقرة أيضاً في: الوسائل: ج 14 ص 352 ب 18 ح 7.
(398) «الصك» بتشديد الكاف، كتاب كالسجل يكتب سنداً في المعاملات. (مجمع البحرين: ص 453).
(399) اي ليس في الصكاك تقييد واخراج للمال عن شيء، وانما هي مطلقة.
(400) المراد به طين قبر الامام الحسين (عليه السلام) الذي هو شفاءٌ من كل داء، وأمانٌ من كل خوف، وبرءٌ من كل مرض، ونجاةٌ من كل آفة، وحرزٌ مما يُخاف ويُحذر.
وتلاحظ فضله في أبواب عديدة من، كامل الزيارات: ص 274 - 286.
وجمعت أحاديثه: ص 83 حديثاً في: بحار الانوار: ج 101 ص 118 ب 16.
وتؤخذ هذه التربة المقدسة من الحائر الحسيني على مشرّفه السلام.
والحائر الحسيني هو ما دار سور المشهد والمسجد عليه، كما في الذكرى: ص 256 كما في بعض احاديثها، وفي بعضها:
«خمسة وعشرون ذراعاً من كل جانب من جوانب القبر».
وفي بعضها: «يؤخذ طين قبر الحسين (عليه السلام) من عند القبر الى سبعين ذراعاً».
وفي بعضها: «فيه شفاء وإن أخذ على رأس ميل».
وفي بعضها: «البركة من قبره على عشرة أميال».
قال العلامة المجلسي: وجمع الشيخ رحمه الله ومن تأخر عنه بينها بالحمل على اختلاف مراتب الفضل وتجويز الجميع، وهو حسن. (البحار: ج 69 ص 160).
فأجاب:
«يوضع مع الميت في قبره، ويخلط بخيوطه(401) إن شاء الله».
وسأل فقال: روي لنا عن الصادق (عليه السلام) انه كتب على إزار ابنه اسماعيل: يشهد أن لا إله إلا الله. فهل يجوز ان نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟
فأجاب:
«يجوز ذلك»(402).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(401) هكذا في الاحتجاج، لكن في البحار: «بحنوطه». والحنوط هو الكافور الذي يُمسح به مساجد الميّت.
(402) وردت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في: الوسائل: ج 2 ص 758 ب 29 ح 3، بعد حديث أبي كهمس: حضرتُ اسماعيل، وأبو عبد الله (عليه السلام) جالس عنده. فلما حضره الموت دعا بكفنه فكتب في حاشية الكفن: اسماعيل يشهد أن لا اله الّا الله».
وقد ذكره في: الجواهر: ج 4 ص 225، وذكر استحباب كتابة الشهادتين والأئمة (عليهم السلام) بإجماع الفرقة الذي أفاده شيخ الطائفة في الخلاف، والسيد ابن زُهرة في الغُنية.
وسأل هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر، وهل فيه فضل؟
فأجاب:
«يسبّح الرجل به؛ فما من شيء من السبح أفضل منه، ومن فضله ان الرجل ينسي التسبيح ويدير السبحة فيكتب له التسبيح»(403).
وسأل عن السجدة على لوح من طين القبر، وهل فيه فضل؟
فأجاب:
«يجوز ذلك وفيه الفضل»(404).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(403) وردت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في: الوسائل: ج 4 ص 1033 ب 16 ح 7 باب استحباب اتخاذ سبحة من طين قبر الحسين (عليه السلام) والتسبيح بها وإدارتها.
وفي الحديث عن الامام الصادق (عليه السلام):
«من سبّح بسبحة من طين قبر الحسين (عليه السلام) تسبيحة كتب الله له أربعمائة حسنة، ومحا عنه أربعمائة سيئة، وقُضيت له أربعمائة حاجة ورفع له أربعمائة درجة». (جامع أحاديث الشيعة: ج 2 ص 332).
وروى أن الحور العين إذا بَصُرْنَ بواحدٍ من الأملاك أن يهبط الى الأرض لأمر مّا، يستهدين منه المسبح والتراب من قبر الحسين (عليه السلام). (الوسائل: ج 4 ص 1033 ب 16 ح 3).
(404) وردت هذه الفقرة من التوقيع الشريف في: الوسائل: ج 3 ص 608 ب 16 ح 2 باب استحباب السجود على تربة الحسين (عليه السلام) أو لوحٍ منها.
ولا عجب في ذلك جوازاً وفضيلةً.
واما الجواز، فلأن التربة الحسينية هي من جملة الأرض التي يجوز السجود عليها باتفاق الفريقين، بأسانيد ومتون عديدة في البين.
فمن الخاصة، مثل الحديث الصادقي الشريف: «السجود على الارض فريضة وعلى الخُمرة سنة».(الكافي: ج 3 ص 331 ح 4).
ومن العامة، مثل الحديث النبوي الشريف:
«جعلت لي الارض مسجداً وطهورا». (صحيح مسلم: ج 1 كتاب المساجد رقم الحديث 521).
وأما الفضيلة، فلأن أرض كربلاء الحسين (عليه السلام) أرض مقدسة مشرفة، لها كرامتها وعظمتها.
ففي متواتر حديث الرسول الاكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والعترة الطاهرة (عليهم السلام) ورد أتم فضلها وفضيلتها.
ويكفي في ذلك حديث الامام السجاد (عليه السلام):
«إتّخذ الله أرض كربلاء حرماً اَمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام، وأنه اذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيّرها، رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية.
فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنة، وأفضل مسكن في الجنة؛ لا يسكنها الا النبيون والمرسلون، أو قال أولوا العزم من الرسل. فإنها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدريّ بين الكواكب لأهل الأرض. يغشى نورها أبصارها أهل الجنة جميعاً، وهي تنادي: أنا أرض الله المقدسة الطيبة المباركة التي تضمّنت سيّد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة». (كامل الزيارات: ص 268 ب 88 ح 5) وعليه تكون التربة الحسينية من معالي بقاع الأرض، ومفاضل محل السجود في الصلاة.
هذا الى جانب ما في السجود عليها من الكرامة بالخصوص.
ففي حديث معاوية بن عمار: كان لأبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام) خريطة ديباج صفراء فيها تربة ابي عبد الله (عليه السلام) فكان اذا حضرته الصلاة صبّه على سجّادته وسجد عليه، ثم قال:
«إن السجود على تربة أبي عبد الله (عليه السلام) يخرق الحجب السبع». (الوسائل: ج 3 ص 608 ب 16 ح 3).
وفي الحديث الصادقي الآخر: «السجود على طين قبر الحسين (عليه السلام) ينوّر الى الأرضين السبعة».
(الوسائل: ج 3 ص 607 ب 16 ح 1).
وفي حديث الارشاد، قال: كان الصادق (عليه السلام) لا يسجد الا على تربة الحسين (عليه السلام)، تذللاً لله واستكانة اليه. (الوسائل: ج 3 ص 608 ب 16 ح 4).
وسأل عن الرجل، يزور قبور الأئمة (عليهم السلام)؛ هل يجوز ان يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند بعض قبورهم (عليهم السلام) ان يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم لا؟
فأجاب:
«اما السجود على القبر، فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة والذي عليه العمل أن يضع خده الأيمن على القبر.
واما الصلاة، فإنها خلفه ويجعل القبر أمامه، ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره، لأن الامام (عليه السلام) لا يُتقدم ولا يُساوى»(405).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(405) وردت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في: الوسائل: ج 3 ص 454 ب 26 ح 1 باب أنه يجوز الامام أن يصلي خلف قبره او الى جانبيه، ولا يستدبره ولا يساويه.
وذكر في الحديث السابع والأخير من الباب حديث هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: أتاه رجل، فقال له: يابن رسول الله، هل يُزار والدك؟
قال:
«نعم ويُصلّي خلفه ولا يتقدّم عليه».
ويستفاد من التوقيع المبارك أنه لا يجوز أن يُصلّي بين يدي قبر المعصوم (عليه السلام) يعني أمامه بحيث يستدبر المصلي القبر، ولا يمين القبر ويساره بأن يقف محاذياً للرأس الشريف أو قدّمي الامام (عليه السلام)، بحيث يصدق التقدم على المعصوم (عليه السلام) عند الركوع والسجود. فلا يتقدم على المعصوم (عليه السلام) ولا يساويه، بل يصلي فيا دون ذلك.
ودلالة صحيحة الحميري على ممنوعية التقدم على قبر المعصوم (عليه السلام) في الصلاة ظاهرة للمنع الصريح، بقوله (عليه السلام):
«لا يجوز لذلك».
حكى عن الشيخ البهائي والعلامة المجلسي والمحدث الكاشاني وبعض المتأخرين عنهم المنع من التقدم على قبر أحد الأئمة (عليهم السلام).
وجعل السيد الفقيه اليزدي الشرط السابع من شروط مكان المصلي: عدم التقدم على قبر المعصوم (عليه السلام) حيث قال: السابع: أن لا يكون متقدماً على قبر المعصوم، ولا مساوياً له مع عدم الحائل المانع الرافع لسوء الأدب، على الأحوط، ولا يكفي في الحائل الشبابيك والصندوق الشريف وثوبه». (العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل مكان المصلي).
قال في المستمسك: لكن المنسوب الى المشهور الكراهة...، وكأنه للخدش في الصحيحة من وجوه.
ثم ذكر وجوه الخدشة في صحيحة الحميري وأجاب عنها بأجوبة متينة. فلاحظها إن شئت التفضيل. (المستمسك: ج 5 ص 463).
قال في الكلمة: وثبت - أيضاً - عندنا حسب الاستدلال الفقهي، عدم جواز الصلاة في حضرة المعصوم مساوياً له أو مقدماً عليه، سواء كان حياً أو ميتاً. لأن المعصومين جميعاً أحياء عند ربهم.
وقد حاول بعض المغرضين التشويش على هذا الحكم بانه من عبادة القبور، ولم ينتبهوا الى أن عدم التقدم على شخص في الصلاة لا يعني عبادته (والا) فكلّ مأموم يعبد امام جماعته. مضافاً الى أن العبادة التي تعبّر عن مني التربيب لا علاقة لها بالآداب. (كلمة الامام المهدي (عليه السلام): ص 892).
وسأل فقال: يجوز للرجل اذا صلى الفريضة أو النافلة وبيده السبحة أن يديرها وهو في الصلاة؟
فأجاب:
«يجوز ذلك اذا خاف السهو والغلط»(406).
وسأل: هل يجوز أن يدير السبحة بيده اليسار اذا سبح، أو لا يجوز؟
فأجاب:
«يجوز ذلك، والحمد لله رب العالمين».
وسأل فقال: روي عن الفقيه في بيع الوقف خبر مأثور(407): «اذا كان الوقف على قوم بأعيانهم واعقابهم، فاجتمع اهل الوقف على بيعه وكان ذلك أصلح لهم ان يبيعوه». فهل يجوز أن يشتري من بعضهم ان لم يجتمعوا كلهم على البيع، أم لا يجوز إلا ان يجتمعوا كلهم على ذلك؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟
فأجاب:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(406) فيدير السبحة في مواضع مختلفة من مكان سجوده مثلاً، علامةً لعدد ركعات صلاته، لا عبثاً، ليتحذر بذلك عن السهو في الركعات.
(407) جاءت هذه الفقرة من التوقيع الشريف في: الوسائل: ج 13 ص 306 ب 6 ح 9، وحكاه عن الاحتجاج أيضاً، غير انه جاء فيه روى عن الصادق (عليه السلام).
«اذا كان الوقف على امام المسلمين فلا يجوز بيعه، وان كان على قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرّقين ان شاء الله»(408).
وسأل: هل يجوز للمحرم ان يصيّر على ابطه المرتك(409) والتوتيا(410) لريح العرق أم لا يجوز؟
فأجاب:
«يجوز ذلك وبالله التوفيق».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(408) قال المحدث الحر العاملي بعد ذكر هذا الحديث الشريف: وظاهر الجواب هنا عدم تأييد الوقف فيرجع وصيةً أو ميراثاً، لما يأتي.
ثم ذكر في الحديث 2 من الباب 7 حديث الصفار، قال: كتبت الى أبي محمد (عليه السلام) اسأله عن الوقف الذي يصح كيف هو؟ فقد روى أن الوقف اذا كان غير موقّتٍ فهو باطل مردود على الورثة، واذا كان موقتاً فهو صحيحٌ فمضى. قال قوم: إن الموقت هو الذي يذكر فيه انه وقف على فلان وعقبه، فاذا انقرضوا فهو للفقراء والمساكين الى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقال آخرون: هذا موقت اذا ذُكر أنه لفلان وعقبه ما بقوا، ولم يذكر في آخره للفقراء والمساكين الى أن يرث الله الارض ومن عليها، والذي هو غير موقّت أن يقول: هذا وقف ولم يذكر احداً. فما الذي يصح من ذلك وما الذي يبطل؟
فوقع (عليه السلام):
«الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء الله».
وشرحه صاحب الوسائل بقوله: الظاهر أن المراد بقوله: «بحسب ما يوقفها» أنه، إن جعلوا دائماً كان وقفاً، والا كان حبساً.... وعلى الجملة فالمحمل في آخر توقيع الناحية المقدسة: «فليبع كل قوم» الخ، هي صورة عدم أبديّة الوقف ورجوعه بعد انتهاء زمانه، وصيةً أو ميراثاً للقوم من المسلمين أصحابه.
(409) «المَرتك» بفتح الميم والتاء، وفيه لغة اُخرى: مرتج ويسمى: «مرداسنج» معرّب «مردار سنگ» هو اكسيد الرصاص، وهو دواء يُجفّف كما تجفف الادوية المعدنية والحجرية والأرضيّة ذكر أنه يعالج به رائحة الابط. (المعرّب (للجواليقي): ص 365).
(410) «التوتيا»: ويسمى الخارصين و«الزنك»، وهو معدن صلب أبيض لامِع ضارب الى الزرقة، يستعمل للكحل. ذكر أنه يعالج به الإبط لسدّ سيلان العرق. (الامالي (للخليلي): ج 3 ص 197).
وسأل عن الضرير، اذا شهد في حال صحته على شهادة، ثم كُفَّ بصره ولا يرى خطه فيعرفه؛ هل يجوز شهادته أم لا؟ وان ذكر هذا الضرير الشهادة، هل يجوز أن يشهد على شهادته أم لا يجوز؟
فأجاب:
«اذا حفظ الشهادة وحفظ الوقت، جازت شهادته».
وسأل عن الرجل، يوقف ضيعة أو دابة ويشهد على نفسه باسم بعض وكلاء الوقف، ثم يموت هذا الوكيل او يتغير امره ويتولى غيره. هل يجوز ان يشهد الشاهد لهذا الذي اقيم مقامه اذا كان اصل الوقف لرجل واحد، أم لا يجوز ذلك؟
فأجاب:
«لا يجوز ذلك، لأن الشهادة لم تقم للوكيل وانما قامت للمالك، وقد قال الله: (وأقيمُوا الشَّهادَةَ لله)»(411).
وسأل عن الركعتين الأخراوين قد كثرت فيها الروايات، فبعض يروي: ان قراءة الحمد وحدها أفضل، وبعض يروي: ان التسبيح فيهما أفضل. فالفضل لأيهما لنستعمله؟
فأجاب:
«قد نسخت قراءة ام الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، والذي نسخ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(411) سورة الطلاق: الآية 2.
والآية الشريفة خطاب للشهود، أي أقيموها لوجه الله تعالى، والشهادة أمانة. فلو كتمها أو حرّفها فقد خان، والخيانة من الكبائر. (مقتنيات الدرر: ج 11 ص 171).
والشهادة لهذا الذي اُقيم مقامه هو غير من استشهد له فيكون أداء الشهادة له تحريف للشهادة، فلا يجوز.
التسبيح قول العالم (عليه السلام): كل صلاة لا قراءة فيها فهو خداج(412) إلا للعليل، أو يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه»(413).
وسأل فقال: يتخذ عندنا رُبُّ الجَوز لوجع الحلق والبحبحة(414). يؤخذ الجوز الرطب من قبل ان ينعقد ويدق دقاً ناعماً، ويعصر ماؤه ويصفي ويطبخ على النصف ويترك يوماً وليلة. ثم ينصب على النار، ويلقى على كل ستة ارطال منه رطل عسل ويغلي رغوته، ويسحق من النوشادر(415) والشَبّ اليماني(416) من كل واحد نصف مثقال ويداف بذلك الماء، ويلقي فيه درهم زعفران المسحوق،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(412) «الخداج» النقصان، ووصفت الصلاة التي لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب بالمصدر للمبالغة (مجمع البحرين: ص 161).
(413) وردت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في: الوسائل: ج 4 ص 794 ب 51 ح 14، ضمن الأحاديث الاخرى التي جعلت القراءة في الأخيرتين أفضل.
مثل الحديث العاشر من الباب من محمد بن حكيم، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) أيهما أفضل: القراءة في الركعتين الاخيرتين او التسبيح؟ فقال:
«القراءة أفضل».
وفي قبال الأحاديث الاخرى التي يستفاد منها أفضلية التسبيح في الاخيرتين.
مثل الحديث الثالث من الباب يعني حديث محمد بن عمران، عن الامام الصادق (عليه السلام):
«انما صار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين، لأن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله فدهش فقال: سبحان الله والحمد لله ولا اله الّا الله والله اكبر. فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة».
ففقرة التوقيع الشريف داخلة في باب التعارض.
وجمع بين الطائفتين بوجوه، كحمل أفضلية القراءة للإمام والتسبيح للمأموم، كما حمل دليل تفضيل القراءة على التقيّة، وغير ذلك من الوجوه والأقوال التي تلاحظ تفصيلها في: الحدائق: ج 8 ص 388.
(414) اي بحّة الصوت وهي خشونة الصوت وغلظته.
(415) وهي المادة السامة البيضاء النافذة المعروفة.
(416) وهو الزاج، وأجوده اليماني.
ويلغي ويؤخذ رغوته حتى يصير مثل العسل ثخيناً. ثم ينزل عن النار ويبرد ويشرب منه، فهل يجوز شربه أم لا؟
فأجاب:
«اذا كان كثيرة يسكر أو يغير(417)، فقليله وكثيره حرام، وان كان لا يسكر فهو حلال».
وسأل عن الرجل، يعرض له الحاجة مما لا يدري أن يفعلها أم لا. فيأخذ خاتمين فيكتب في أحدهما: نعم افعل، وفي الآخرة: لا تفعل، فيستخير الله مراراً، ثم يرى فيهما، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج. فهل يجوز ذلك أم لا؟
والعامل به والتارك له، أهو مثل الاستخارة أم هو سوى ذلك؟
فأجاب:
«الذي سنّة العالم (عليه السلام) في هذه الاستخارة بالرقاع والصلاة»(418).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(417) اي يسكر سُكراً خفيفاً.
(418) فيلزم الأخذ في الاستخارة بالسنّة لا الفعل المقترح.
والاستخارة هي طلب الخِيَرة، وخار الله لك أي اعطاك الله ما هو خير لك. (مجمع البحرين: ص 258).
ولعل المراد بالعالم هنا هو الامام الصادق (عليه السلام). فسنته سلام الله عليه في هذه الكيفية من الاستخارة هي الاستخارة بذات الرقاع والصلاة.
وهي الواردة في حديث هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
«اذا أردتَ أمراً فخذ ستّ رقاع فاكتب في ثلاث منها: بسم الله الرحمن الرحيم، خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة إفعل، وفي ثلاث منها: بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل، ثم ضعها تحت مصلاك، ثم صلّ ركعتين. فاذا فرغت فاسجد سجدة وقل فيها مائة مرّة: استخير الله برحمته خيرَةً في عافية.
ثم استوِ جالساً وقل: اللهمَّ خير لي من جميع اُموري في يُسرٍ منك وعافية.
ثم اضرب بيدك الى الرّقاع فشوِّشها وأخرج واحدة، فان خرج ثلاث متواليات: افعل، فافعل الأمر الذي تريده، وان خرج ثلاث متواليات: لا تفعل، فلا تفعله.
وإن خرجت واحدة: افعل، والاخرى: لا تفعل، فاخرج من الرقاع الى خمس، فانظر اكثرها فاعمل به ودع السادسة لا تحتاج اليها». (الوسائل: ج 5 ص 208 ب 2 ح 1).
كما وان الاستخارة بالمصحف الكريم وردت ايضاً في حديث ابي اليسع القمي، قال: اريد الشيء فاستخير الله فيه، فلا يوفق فيه الرأي أفعله أو أدعه.
فقال:
«انظر اذا قمت الى الصلاة، فان الشيطان أبعد ما يكون الى الانسان اذا قام الى الصلاة؛ اي شيء يقع في قلبك فخذ به، وافتتح المصحف فانظر الى أوّل ما ترى فيه فخّ به إن شاء الله. (الوسائل: ج 5 ص 216 ب 6 ح 1).
كما وان الاستخارة بالسبحة وردت أيضاً في حديثي الشهيد الاول، عن الامام الصادق والامام المهدي (عليهما السلام) (الذكرى: ص 253).
قال صاحب الجواهر: وعليهما العمل في زماننا هذا من العلماء وغيرهم. (الجواهر، ج 12 ص 163).
ومضمون الحديثين في كيفية الإستخارة بالسبحة مع اختلاف يسير بينهما هو: تقرأ الفاتحة عشر مرات او ثلاثاً أو مرة واحدة. ثم تقرأ القدر عشر مرات. ثم تقرأ هذا الدعاء ثلاث مرات: «اللهّم إني استخيرك لعلمك بعاقبة الأمور، وأستشيرك لحسن ظنّي بك في المأمول والحذور، اللهم إن كان الأمر الفلاني مما قد ينطق بالبركة أعجازه بوادية وحُفّت بالكرامة أيّامه ولياليه، فخِر لي اللهم فيه خِيَرةً ترد شموسه ذلولاً، وتقض أيّامه سروراً. اللهم إما أمر فأيتمر، وإمّا نهيٌ فانتهي. اللهم اني استخيرك برحمتك خيرة في عافية».
ثم تقبض على قطعة من السبحة تضمر حاجةً، فان كان عدد القطعة زوجاً فافعل، وإن كان فرداً فلا تفعل. (الوسائل: ج 5 ص 219 ب 8 ح 1، 2).
وللاستخارة بالسبحة طريقة اُخرى ذكرها في المختار مُجاز متصل الى الامام المهدي (عليه السلام)؛ كيفيتها أن يقول:
«بسم الله الرحمن الرحيم. ثم: اللهم صل على محمد وآل محمد، ثلاث مرات. ثم يدعو بمثل: يا مَن يعلم إهد من لا يعلم، أو: يا ربّ خِر لي ما هو الصالح.
ثم يقبض على السبحة ويعدّ القبضة فان كان الباقي فرداً فعله، وان كان زوجاً تركه. (المختار من كلمات الامام المهدي (عليه السلام): ج 2 ص 539).
وسأل عن صلاة جعفر بن أبي طالب رحمه الله، في أيّ اوقاتها أفضل ان تصلى فيه، وهل فيها قنوت، وان كان ففي أي ركعة منها؟
فأجاب:
«افضل اوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة، ثم في أيّ الأيام شئت وأيّ وقت صليتها من ليل او نهار فهو جائز، والقنوت فيها مرّتان: في الثانية قبل الركوع، وفي الرابعة بعد الركوع»(419).
وسأل عن الرجل، ينوي اخراج شيء من ماله وان يدفعه الى رجل من اخوانه ثم يجد في اقربائه محتاجاً. أيصرف ذلك عمن نواه له او الى قرابته؟
فأجاب:
«يصرفه الى أدناهما وأقربهما من مذهبه، فان ذهب الى قول العالم (عليه السلام): لا يقبل الله الصدقة وذو رحم محتاج(420)، فليقسّم بين القرابة وبين الذي نوى حتى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(419) جاءت هذه الفقرة من التوقيع الشريف في: الوسائل: ج 5 ص 199 ب 4 ح 1.
واعلم أن الوارد في كيفية القنوت الثاني في صلاة جعفر في حديث الامام الرضا (عليه السلام) هو قبل الركوع، كما في الحديث الثالث من الباب.
ولعله لذلك استفاد المحدث الحر العاملي منهما التخيير، فقال في عنوان الباب: واستحباب قنوتين فيها، من الثانية قبل الركوع، وفي الرابعة بعده أو قبله.
(420) لعله أشار (عليه السلام) بذلك الى حديث جده الامام الحسن (عليه السلام)، عن الرسول الاعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال:
سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: إبدء بمن تعول: اُمَّك وأباك واُختك وأخاك ثم أدناك فأدناك.
وقال: «لا صدقة وذو رحم محتاج». (الاختصاص: ص 219).
يكون قد أخذ بالفضل كله»(421).
وسأل فقال: اختلفت اصحابنا في مهر المرأة، فقال بعضهم: اذا دخل بها سقط المهر ولا شيء لها، وقال بعضهم: هو لازم في الدنيا والآخرة، فكيف ذلك وما الذي يجب فيه؟
فأجاب:
«ان كان عليه بالمهر كتاب فيه ذكر دين، فهو لازم له في الدنيا والآخرة، وان كان عليه كتاب فيه ذكر الصداق سقط اذا دخل بها، وان لم يكن عليه كتاب، فاذا دخل بها سقط باقي الصداق»(422).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(421) حيث يقوم بحق الجميع قُرباه ومن نواه، فيكون أخذ بالفضل كلِّه.
(422) وردت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في: الوسائل: ج 15 ص 18 ب 8 ح 16، وبيّنها في هامش البحار: ج 53 ص 169 بقوله: ظاهر هذا الحديث أن ذلك حين المنازعة وطرح الدعوى على الزوج، لا أن الدخول يُسقط المهر. فان ثبوته مفروغ عنه مسلّمٌ بالضرورة من الدين ولم يكن ليسأل عنه أحد. ووجه الحديث أنه قد كانت العادة في تلك الأزمان - طبقاً لقوله تعالى: (وآتوا النساءَ صَدقاتِهِنَّ نِحله). (النساء: الآية 4)، وقوله: (وآتيتُم احداهُنّ قنطاراً فلا تأخذُوا منهُ شيئاً) (النساء: الآية 20)، وتبعاً لسنّة رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حيث كان يُبعث بالمهر إليهن قبل الدخول - أن يدفع الأزواج مهورهن حين الزواج قبل الدخول، وكانت هذه السيرة ظاهر حالهم.
فلو ادّعت بعد الدخول أن المهر تمامه أو بعضه باق على ذمة الزوج ولم يكن لها صك أو بيّنة، أسقط الحاكم إدعاءها المهر، حيث ان الدخول يشعر بظاهر الحال، والسيرة الجارية عند المسلمين حتى الآن على أن الزوج قد دفع اليها المهر.
وأفاد في: كلمة الامام المهدي (عليه السلام): ص 198:
لعل المقصود أن ما تبني عليه عقدة النكاح من أموال نقدية أو عينيّة التي تدرج عادة في وثيقة الزواج فهو دين لازم في الدنيا والآخرة، واما الهدايا التي تُقدم الى الخطيبة من فترة الخطوبة فهي ينتهي دورها بالدخول.
ولعل اشتقاق الكلمتين يساعد على فهم هذا الحكم في هذا الحديث.
فالمهر هو ما يُمهر عليه اي يختم عليه في وثيقة فيكون دَيناً لازماً.
والصداق ما يعبر عن صدق الرجل في محبة خطيبته، فيكون تبرعاً اذا لم يُشترط.
وسأل فقال: روي لنا عن صاحب العسكر (عليه السلام)(423)، انه سئل عن الصلاة في الخز(424) الذي يغش بوبر الأرانب فوقع، يجوز، وروي عنه أيضاً انه لا يجوز. فأي الخبرين يعمل به؟
فأجاب: «انما حرم في هذه الأوبار والجلود. فأما الاوبار وحدها فحلال»(425).
وقد سأل بعض العلماء عن معنى قول الصادق (عليه السلام): «لا يصلي في الثعلب ولا في الأرنب، ولا في الثوب الذي يليه».
فقال: «انما عني الجلود دون غيرها».
وسأل فقال: يتخذ باصفهان ثياب عتابية(426) على عمل الوشا من قز او ابريسم، هل يجوز الصلاة فيها أم لا؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(423) العسكريّان، يرمز به الى الامامين الهمامين علي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري (عليهما السلام)، ولعل المقصود به هنا الامام الهادي (عليه السلام)، حيث رُوي عنه (عليه السلام) هذا الحديث في: الوسائل: ج 3 ص 262 ب 9 ح 2 في رواية داود الصرمي.
(424) «الخزّ» بفتح الخاء وتشديد الزاء، فارسي معرّب، حيوان من القواضم يشبه الثعلب. له وبر يعمل منه الثياب. (المجمع: ص 315 والمعجم ج 2 ص 624).
(425) وردت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في: الوسائل: ج 3 ص 266 ب 10 ح 15.
وذكر الحر العاملي بعدها انه: لعل التحريم في الجلود مخصوص بالارنب، والرخصة في وبرها محمولة على التقية.
(426) لعله من العتبة بمعنى الدّرجة اي الطبقة، اي لها طبقات. قال في مجمع البحرين: العِتاب بالكسر والعتبة هي الدرجة. (مجمع البحرين: 126).
فأجاب:
«لا يجوز الصلاة إلا في ثوب سداه او لحمته قطن او كتان»(427).
وسأل عن المسح على الرجلين، وبأيهما يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعاً معاً؟
فأجاب (عليه السلام):
«يمسح عليهما معاً. فان بدأ بإحداهما قبل الاخرى فلا يبتدئ إلّا باليمين»(428).
وسأل عن صلاة جعفر في السفر، هل يجوز ان يصلي أم لا؟
فأجاب (عليه السلام):
«يجوز ذلك».
وسأل عن تسبيح فاطمة (عليها السلام)، من سهى فجاز التكبير أكثر من اربع وثلاثين، هل يرجع الى اربع وثلاثين او يستأنف؟ واذا سبّح تمام سبعة وستين هل يرجع الى ستة وستين أو يستأنف، وما الذي يجب في ذلك(429)؟
فأجاب:
«اذا سها في التكبير حتى يجوز أربعة وثلاثين، عاد الى ثلاثة وثلاثين وبنى عليها، واذا سها في التسبيح فتجاوز سبعاً وستين تسبيحة، عاد الى ستة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(427) وردت هذه الفقرة التوقيع المبارك في: الوسائل: ج 3 ص 272 ب 13 ح 8، وورد فيها: «العتابية» بالتاء كما هنا، لكن في البحار ورد: «عنّابية»، فلاحظ.
(428) وردت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في الوسائل: ج 1 ص 316 ب 34 ح 5 باب وجوب الترتيب في الوضوء وجواز مسح الرجلين معاً.
(429) فان هذه التسبيحة المباركة معيّنة أربعة وثلاثون مرة «الله اكبر» وثلاثة وثلاثون مرة «الحمد لله» وثلاث وثلاثون مرة «سبحان الله».
وستين وبنى عليها، فاذا جاوز التحميد مائة فلا شيء عليه»(430).
التوقيع السادس (431)
الشيخ الاقدم الصدوق، قال: حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه، قال حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن اسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) أن يوصل لنا كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ. فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام):
«أمّا ما سألت عنه - أرشدك الله وثبّتك - من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(430) هذا تمام التوقيع المبارك الذي ختم بتسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام)، الذي كان مسك الختام في آخر توقيع الامام صلوات الله عليه وعلى آبائه الكرام.
وينبغي ملاحظة فضل هذا التسبيح الشريف - الذي هو أحبّ من ألف ركعة من الصلاة - في مثل كتاب ثواب الاعمال: ص 195، والبحار: ج 85 ص 327.
(431) جاء هذا التوقيع الشريف في اكمال الدين: ص 483 ب 45 ح 4، والغيبة (لشيخ الطائفة): ص 176، والاحتجاج: ج 2 ص 281، والبحار: ج 53 ص 180 ب 31 ح 10.
وواسطة التوقيع هو الشيخ الجليل محمد بن عثمان العمري النائب الثاني لمولانا الامام المهدي (عليه السلام)، وتلاحظ ترجمته الخاصة في مبحث سفراء الامام المنتظر (عليه السلام).
كما أن راوي التوقيع هو اسحاق بن يعقوب الذي يستفاد جلالة قدره من دعاء الامام المهدي (عليه السلام) له بقوله: «أرشدك الله وثبّتك».
فانه يدل على أنه أهلٌ له ومستجابٌ فيه لا محالة.
خصوصاً مع شيخوخته لثقة الاسلام الكليني، وتعدد الطريق اليه في روايته، وتسالم المشايخ على نقله.
فقد رواه شيخ الطائفة، عن جماعة، عن ابن قولويه وابي غالب الزراري وغيرهما، عن الشيخ الكليني.
ورواه الشيخ الصدوق، عن ابن عصام، عن الكليني عنه.
قال في: التنقيح: ج 1 ص 122: ويستفاد من توقيعه (عليه السلام) هذا جلالة الرجل، وعلوّ رتبته، وكونه هو الراوي غير ضائر بعد تسالم المشايخ على نقله.
وبني عمّنا(432)، فاعلم أنّه ليس بين الله (عزَّ وجلَّ) وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس منّي وسبيله سبيل ابن نوح (عليه السلام)(433).
أمّا سبيل عمّي جعفر وولده، فسبيل إخوة يوسف (عليه السلام)(434).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(432) ينبئ هذا عن سؤال إسحاق بن يعقوب عن بني عمومة الامام المهدي (عليه السلام)، كأولاد عمّه جعفر أو بعض ابناء الأئمة (عليهم السلام) المنكرين لإمامة الامام المنتظر (عليه السلام) ما هو حكمهم وشأنهم.
(433) ففي حديث ابن ابي يعفور، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام):
«ثلاثة لا ينظر الله اليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: من ادّعى إمامةً من الله ليست له، ومن جحد إماماً من الله، ومن زعم أن لهما في الاسلام نصيب. (الكافي ج 1 ص 374 ح 12).
فمن أنكر إمامة أحدهم (عليهم السلام) لم يكن من الله في شيء ولم تنفعه حتى القرابة القريبة كقرابة ابن النبي نوح من أبيه، حيث قال فيه الله تعالى: (إنّهُ ليسَ مِن أهلِكَ إنّهُ عَملٌ غيرُ صالح). (سورة هود: الآية 46).
فنفى الله تعالى أهليّته لكفره وعصيانه، وكذلك من أنكر الامام المهدي (عليه السلام) من قرابة، فانه مثل ابن نوح في كفره وعصيانه.
فالقريب منه (عليه السلام) هو من قربته طاعة الله وإن بَعُدت لُحمته، والبعيد منه هو من بعّدته معصية الله وإن قُربت لُحمته.
(434) احتمل في التشبيه وجوه:
الاول: أنه يلزم الكفّ عن الكلام في جعفر وولده لأنهم من أولاد الأئمة (عليهم السلام) كما يلزم الكف عن الكلام في اخوة يوسف الذين كانوا من اولاد الانبياء (عليهم السلام)، فحسابهم على آبائهم فما لهم أو عليهم.
الثاني: انهم تابوه مثل اخوى يوسف الذين تابوا عن فعلتهم فقال لهم يوسف فيما اقتصّه الله تعالى (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين). [سورة يوسف: الآية 92] ففارقوا الدنيا سعداء.
الثالث: انه دفعٌ لاستبعاد صدور الذنب وركوب المعصية، فانهم كاخوة يوسف الذين ركبوا الذنب العظيم بالرغم من أن أباهم كان من الانبياء.[لا المختار من كلمات الامام المهدي (عليه السلام): ج 1 ص 282].
أمّا الفقّاع(435)، فشربه حرام، ولا بأس بالشلماب(436)، وأمّا أموالكم فلا نقبلها إلّا لتطهّروا(437). فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع؛ فما آتاني الله خير ممّا آتاكم(438).
وأمّا ظهور الفرج، فإنّه إلى الله تعالى ذكره، وكذب الوقّاتون(439).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(435) «الفُقّاع» بتشديد القاف، شراب يتخذ من الشعير. سمي به لما يعلوه من الزبد. (مجمع البحرين ص 388) ويسمى «بيرة» وهو محرم شرعاً أسكر أم لم يُسكر، ومن النجاسات، وعلى حرمته الاجماع.
(مرآة العقول: ج 22 ص 288). والاحاديث المتظافرة. (الوسائل: ج 17 ص 287 ب 27 الأحاديث).
(436) «الشلماب»: اختلف في معناه: ففي هامش الغيبة: ص 176: شلماب وشلمابه: شَربة تتخذ من مطبوخ الشلجم، كذا قال بعض الاطباء. وفي الهامش الوسائل: ج 17 ص 291، نقل هذا المعنى، ثم قال: لا مناسبة بين ماء الشلجم والفقاع ولا وجه لتوهم حرمة ماء الشلجم ولا لاحتمال السُكر فيه.
والصحيح أن الشلماب كان شراباً يُتخذ من الشيلم، وهو حب شبيه بالشعير، وفيه تحذير نظير البَنج، وان اتفق وقوعه في الحنطة وعمل منه الخبز أورث الدرّ والدوّار والنوم، ويكثر نباته في مزرع الحنطة، ويتوهّم حرمته لمكان التحذير واشتباه التحذير بالإسكار عند العوام.
(437) فانهم (عليهم السلام) اغنياء بغنى الله تعالى، ولا حاجة شخصية لهم الى الأخماس، بل كان اغلبهم يعلمون ويسترزقون من كدّ يمينهم وريع أعمالهم.
وانما يقبلون الأخماس ليطهر المعطون، حيث أن خُمس اموالهم حق لهم (عليهم السلام)؛ فاذا بقى في أموال الناس دَخَل في العبادات والمعاملات بل النُطَف فأفسدها.
فأخذهم (عليهم السلام) الأخماس إذاً تزكية لنا لا حاجة لهم، فلا يضرهم القطع والامساك.
(438) اذ قد تفضّل الله تعالى عليهم وآتاهم مالم يؤت أحداً من العالمين وفضلهم على الخلق أجمعين، وأعطاهم المُلك العظيم، وحباهم بجزيل النعم وأجزل الكرم. فلا يُعوِزهم شيء حتى يحتاجون الى شخص.
(439) فان موعد ظهور الامام المهدي (عليه السلام) الذي يكون به الفرج الأعظم للعالَم أجمع هو مما دعت المصلحة الحقيقة الى إخفائه كإخفاء موعد القيامة، عسى أن يتهيّأ الخلق له جميعهم في جميع الأوقات والأزمان، فلا يوقِّتها المعصومون (عليهم السلام).
لذلك يكون الموقِّت له كاذباً، لأنه لم يصدر عن معدن الوحي، ولم يكن قولاً بحق.
وقد وردت أحاديث عديدة في منع التوقيت تلاحظها في بابه مثل:
حديث منذر الجواز، عن الامام الصادق (عليه السلام) قال:
«كذب الموقِّتون، ما وقّتنا فيما مضى، ولا نوقّت فيما يستقبل». (الغيبة للشيخ الطوسي: ص 262).
وأمّا قول من زعم أنَّ الحسين (عليه السلام) لم يقتل، فكفر وتكذيب وضلال(440).
وأمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فانّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم(441).
وأمّا محمّد بن عثمان العمريُّ - (رضي الله عنه) وعن أبيه من قبل -، فانّه ثقتي وكتابه كتابي(442).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(440) هذا ردٌّ على بعض الغلاة وبعض المغرضين الذين أدّعوا لأهوائهم الباطلة واغراضهم الفاسدة أن الامام الحسين (عليه السلام) لم يُقتل.
ومن المعلوم أن هذا الادعاء سترٌ للحقيقة الثابتة، بل تكذيب لوحي السماء وإخبار الانبياء، وردٌّ على إخبار رسول الله وأمير المؤمنين والأئمة المعصومين (عليهم السلام) الذين أخبروا بشهادته، وتكذيبهم يكون كفراً، وكل كفر ضلالة.
فقول الزاعم أن الحسين (عليه السلام) لم يُقتل كفر وتكذيب وضلال.
وقد وردت في شهادة الامام الحسين (عليه السلام) ما يفوق التواتر من الأخبار وما يوجب القطع واليقين من الآثار.
وتلاحظ أحاديث إخبار جبرائيل والانبياء والأئمة بشهادته في: كامل الزيارات: ص 55 - 75، فراجع.
(441) «الحوادث» جمع حادث، فُسّر بما يحدث ويتجدد من المسائل. من حدث الشيء حدوثاً بمعنى تجدّد حدوثه. (مجمع البيان: ص 152).
كما فسّر الرواة بالفقهاء الذين يمكن الرجوع اليهم، بمناسبة حكم الحُجية فيهم.
قال في: هامش الإكمال:
الظاهر من الحوادث ما يتفق للناس من المسائل التي لا يعلمون حكمها، فلابد لهم أن يرجعوا فيها الى من يستنبطها من الاحاديث الواردة عنهم.
والمراد برواة الحديث الفقهاء الذين يفقهون الحديث ويعلمون خاصّه وعامّه ومحكمة ومتشابهه، ويعرفون صحيحه من الحديث سقيمه وحسنه من مختلقه، والذين لهم قوّة التفكيك بين الصريح منه والدخيل وتمييز الاصيل من المزيف المتقوَّل. لا الذين يقرؤون الكتب المعروفة ويحفظون ظاهراً من ألفاظه ولا يفهمون معناه وليس لهم مُنّةُ الاستنباط وان زعموا أنهم حملة الحديث. (اكمال الدين: ص 484).
(442) وهو ابو جعفر محمد بن عثمان العمري الزيات النائب الثاني للامام المهدي (عليه السلام) في الغيبة الصغرى، وهو الثقة الأمين الذي كان وكيلاً للامام العسكري (عليه السلام). (الغيبة للشيخ الطوسي: ص 220).
ثم صار وكيلاً للامام الحجة المنتظر أرواحنا فداه. ففاز بهذه النيابة الخاصة والسعادة العظيمة. (اكمال الدين: ص 510 ب 45 ح 41).
وأمّا محمّد بن عليِّ بن مهزيار الأهوازي(443)، فسيصلح الله له قلبه ويزيل عنه شكّه. وأمّا ما وصلتنا به، فلا قبول عندنا إلّا لما طاب وطهر(444)، وثمن المغنّية حرام(445).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(443) قال في المختار: لا بُعد أن يكون لعلي بن مهزيار ابن اسمه محمد، كما كان لابراهيم بن مهزيار - أخيه - ولدٌ يسمى محمداً، ومن قويّ الظن أنه كان معهوداً بين اسحاق بن يعقوب وبينه (عليه السلام)، فقال المقالة التبشيرية من صلاح قلبه.
(444) فانه (عليه السلام) من أهل البيت الذين نزلت فيهم آية التطهير وطهّرهم الله تطهيراً. لذلك تقرأ في زياراتهم الشريفة:
«أشهد أنّك طُهر طاهر مطهّر، من طُهرٍ طاهرٍ مطهّر». (البحار: ج 100 ص 306).
فهم طاهرون مطهّرون، لا يجانسهم القذر والرجس والخبيث حتى يتناولوا منه. فلا يقلبون مالاً اذا كان حراماً أو مختلطاً بحرام.
ويستفاد من تعقيبه بالجملة الآتية انه كانت هذه الصلة أو كان فيها من ثمن المغنية، وهو حرام. فلا يقبله أهل البيت (عليهم السلام).
ونظيره ردّه (عليه السلام) بعض الهدايا التي اختلط فيها الحلال بالحرام، مثل ما في حديث أحمد بن اسحاق الأشعري القمي، حيث جاء فيه أنه (عليه السلام) قال لوالده الامام العسكري (عليه السلام):
«يا مولاي، أيجوز أن أمدّ يداً طاهرة الى هدايا نجسة، وأموال رجسة، قد شيب أحلُّها بأحرمها». (اكمال الدين: ص 458 ب 43 ح 21).
(445) فان ثمنها سحت من أشد الحرام، كما تسالمت فيه الاحاديث والفتاوى.
ففي حديث الحسن بن علي الوشاء قال: سُئل ابو الحسن الرضا (عليه السلام) عن شراء المغنية، قال: «قد تكون للرجل الجارية تلهيه، وما ثمنها الا ثمن الكلب، وثمن الكلب سحت، والسحت في النار».
وأمّا محمّد بن شاذان بن نعيم(446)، فهو رجل من شيعتنا أهل البيت.
وأمّا أبو الخطّاب محمّد بن ابي زينب الأجدع(447)، فملعون وأصحابه ملعونون. فلا تجالس أهل مقالتهم، فإنّي منهم بريء وآبائي (عليهم السلام) منهم براء.
وأمّا المتلبّسون بأموالنا(448)، فمن استحلَّ منها شيئاً فأكله فإنّما يأكل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(446) هو محمد بن أحمد بن نعيم الشاذاني، ابو عبد الله النيسابوري، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام العسكري (عليه السلام).
وعده العلامة في القسم الاول من الخلاصة المخصوص بالثقات. وعده في الوجيزة والبلعة من الممدوحين وهو حسن. (لاحظ تنقيح المقال: ج 2 باب محمد ص 74). بل هو ممن سَعُد بدعاء الامام الحجة (عليه السلام). ففي حديث آدم بن محمد، قال: سمعت محمد بن شاذان بن نعيم يقول: جُمع عندي مالٌ للغريم - اي الامام صاحب الزمان (عليه السلام) -. فأنفذت به إليه، وألقيت فيه شيئاً من صلب مالي. قال: فورد من الجواب: «قد وصل اليّ ما أنفذتَ من خاصة مالك، فيها كذا وكذا. فقبل الله منك». (رجال الكشي: ص 447).
(447) هو محمد بن مقلاص الاسدي الكوفي الأجدع البرّاد. يكنى ابو الخطّاب، كما يكنّى أبوه مقلاص بأبي زينب. كان رجلاً ضالاً مضلاً فاسد العقيدة. كان في زمن الامام الصادق (عليه السلام) وكان يكذب عليه بمثل أنه أمره بتأخير صلاة المغرب الى ذهاب الشفق واشتباك النجوم، وغير ذلك من البدع، وأصحابه هم الخطّابية، نسبوا اليه واتبعوه في بدعه. وقد وردت أحاديث كثيرة في لعنه والتبرّي منه قال: حديث حنان بن سدير عن الامام الصادق (عليه السلام)، أنه قال: «على ابن الخطاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فاشهد بالله انه كافر فاسق مشرك، وأنه يُحشر مع قرينٍ في اشدّ العذاب، غدوّاً وعشياً». (رجال الكشي: ص 251).
(448) التلبّس بالمال، أخذه والاستيلاء عليه. واحتمل في المتلبسين بأمواله (عليه السلام) ان يكون المقصود به المستولين على أمواله الخاصة من تركة والده الامام العسكري (عليه السلام) التي استولى عليها الغاصب العباسي اوجعفر التواب وأنصاره. (كلمة الامام المهدي (عليه السلام): ص 234).
النيران(449).
وأمّا الخمس، فقد اُبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلٍّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث(450).
وأمّا ندامة قوم قد شكّوا في دين الله (عزَّ وجلَّ) على ما وصلونا به، فقد أقلنا من استقال(451)، ولا حاجة في صلة الشاكّين(452).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(449) وقد جاء الحديث في تفسير قوله تعالى: (إن الذينَ يأكلونَ أموالَ اليتامى ظلماً إنّما يأكلُونَ في بطونِهم ناراً وسَيَصْلَونَ سعيراً). (سورة النساء: الآية 10).
عن ابي بصير، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أصلحك الله، ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟
قال: «من أكل من مال اليتيم درهماً، ونحن اليتيم».
وعنه أيضاً قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «من أكل من مال أخيه ظلماً ولم يردّه اليه، أكل جذوة من النار يوم القيامة». (كنز الدقائق: ج 3 ص 342 - 343).
(450) حمل الفقهاء هذا الحديث الشريف على التحليل في وجوهٍ خاصة، لا تحليل عموم الخمس في جميع موارده، وذلك لأنه ينافي أدلة وجوب الخمس في كلِّ ما أفاد الناس ودليل تشريع الخمس لبني هاشم وتحريم الصدقة عليهم. وأن أدلة التحليل بين ماهي مطلقة، وبين ما تختص بحال الضيق والإعواز، او خصوص تحليل المناكح، او خصوص تحليل الغنيمة والفيء، أو خصوص التحليل لما يُشترى ممن لا يعتقد وجوب الخمس. فيتعين الجمع العرفي بينهما بحسب قاعدة باب التعارض بحمل أدلة التحليل على الوجوه التي ذكر التحليل فيها أو على احداها، واندراج الباقي تحت ادلة وجوب التخميس. ويلاحظ للتفضيل الكتب الفقهية الاستدلالية، مثل: المستمسك: ج 9 ص 515 - 519.
(451) يقال: تقايلا البيع، إذا فسخاه وعاد المبيع الى مالكه والثمن الى المشترى. (مجمع البحرين: ص 493) فالإقالة هي الارجاع.
وقبولها من سجايا الكرام وصفات ذوي الكرم. ويكون قوله (عليه السلام): «فقد أقلنا من استقال» كناية عن ردّ الاموال، وتشهد له كلمة: «ولا حاجة في صلة الشاكّين». (المختار من كلمات الامام المهدي (عليه السلام): ج 1 ص 226).
(452) فانهم حينما شكّوا في دين الله تعالى، خرجوا عن زمرة المؤمنين. فان الايمان بالله لا يجتمع مع الشك في دين الله، ومعلوم أن أموال غير المؤمنين لا تكون طيبةً حتى ينال الامام (عليه السلام) منها شيئاً. قال تعالى: (والطيّباتُ للطيّبينَ والطيّبونَ للطيّباتِ). (سورة النور: الآية 26).
وأمّا علّة ما وقع من الغيبة، فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (يا أيّها الّذينَ آمنُوا لا تَسأَلوا عَن أشياءَ إن تُبدَ لكُم تَسُؤكم)(453). إنّه لم يكن لأحد من آبائي (عليهم السلام) إلّا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي(454).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(453) سورة المائدة: الآية 101، ويظهر وجه استشهاده (عليه السلام) بهذه الآية المباركة من قوله بعد ذلك: «فاغلقوا باب السؤال عما لا يعينكم، ولا تتكلفوا علم ما قد كُفيتم».
فان غيبة الامام المهدي (عليه السلام) لها اسرار ومصالح واقعية لا يعرفها الانسان، وقد لا يتحملها، وقد كُفي معرفتها بعد أن عرف وآمن أن الله تعالى حكيم عليم، لا يفعل شيئاً الا عن مصلحة وحكمة. فيكون سؤاله عن العلة والحكمة في وقوع الغيبة سؤالاً عما لا يعنيه، بل سؤالاً عما تسوؤه وتُغمّه، اذا كان ممن لا يتحمل المصالح الواقعية والاسرار الخفيّة.
وقد بيّن (عليه السلام) بعض حِكَم الغيبة فيما يلي بقوله: «إنه لم يكن...» الخ.
كما بين اجداده الكرام بعض الحكم الاخرى، مما تتحمله العقول ويمكن اليه الوصول. فينبغي للإنسان الكفّ عن سؤال ما لا يعنيه، وعدم تكلّف ما حُجب عنه. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ان الله فرض عليكم فرائض فلا تضيّعوها، وحدَّ لكم حدوداً فلا تعتدوها، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت لكم عن اشياء ولم يدعها نسياناً فلا تتكلفوها». (نهج البلاغة: كلمة الحكمة 102).
(454) فان الإمام المهدي (عليه السلام) بواسطة غيبته يكون مستغنياً عن التقيّة من حكّام عصره وظالمي زمانه. فلا تكون في عنقه بيعة لأحدٍ منهم ولو اضطراراً وتقيّةً حتى يُلزم بالوفاء به. كم وقعت تلك البيعة الاجبارية لآبائه الطاهرين (عليهم السلام).
فان عهد دولة الامام المهدي (عليه السلام)، عهد ظهور الحق المطلق في جميع المجالات، ومن المعلوم أنه لا تناسبه التقية.
فغاب (عليه السلام) ليبقى خارجاً عن أنظمة الطواغيت. ولحكمٍ اُخرى بُيّن بعضها في احاديثنا المباركة، وفصّلنا ذكرها في فصل الغيبة من كتابنا هذا الامام المنتظر (عليه السلام).
وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي(455)، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء(456)، فأغلقوا باب السؤال عمّا لا يعنيكم، ولا تتكلّفوا علم ما قد كفيتم(457)، وأكثروا الدُّعاء بتعجيل الفرج فإنَّ ذلك فرجكم(458)، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(455) وما ألطفه وأبلغه من بيان يكشف عن فائدة وجوده المقدس في أيام الغيبة. فشبّه الانتفاع به (عليه السلام) بالانتفاع بالشمس الغائبة بالسحاب. فان للشمس الدور المركزي القيادي لجميع الكواكب الكونية، وكذلك دور الامام المهدي (عليه السلام). وللشمس إنفاع الموجودات. فكل موجود يستوفي انتفاعه منه في كلتا الحالتين: الظهور بالإشراق والاستتار بالسحاب، وكذلك الامام المهدي (عليه السلام) في الظهور والغيبة. وللشمس تنوير العالم من الظلمات. وكذلك الامام المهدي (عليه السلام)، هو نور العوالم وبدونه تكون الظلمات. الى غير ذلك من الوجوه التي بينّاها بالتفصيل في فصل الغيبة.
(456) ففي حديث الرسول الاعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الارض. فاذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون، واذا ذهبت أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون». (البحار: ج 23 ص 19 ب 1 ح 14).
(457) وفي حديث الامام الرضا (عليه السلام): لو «خَلَت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها».
فان معرفة علة الغيبة ليست من الفرائض المأمور بها حتى يُعاقب على تركها. (البحار: ج 23 ص 29 ب 1 ح 43).
(458) والدعاء أفضل العبادة، كما في حديث الامام الباقر (عليه السلام). (الكافي: ج 2 ص 466).
كما وأن فرجه بظهوره هو تفريج وخيرٌ لجميع العالم، وللشيعة بالخصوص، وتلاحظ أدعية الفرج المأثورة مجموعة في آخر فصل الغيبة من هذا الكتاب.
وعلى من اتّبع الهدى»(459).
التوقيع السابع (460)
الشيخ الصدوق ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، قال: حدَّثنا محمّد بن أحمد الشيبانيّ وعليّ بن أحمد بن محمّد الدَّقّاق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدِّب وعليّ بن عبد الله الورَّاق رضي الله عنهم، قالوا: حدَّثنا أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسديّ رضي الله عنه، قال: كان فيما ورد عليّ من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان (قدَّس الله روحه) في جواب مسائلي إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(459) هذا آخر التوقيع، وقد ختم بالسلام وسلام الختام الذي هو من أجل الآداب الرفيعة في الاسلام.
(460) جاء هذا التوقيع الشريف في: اكمال الدين: ص 520 ب 45 ص 520 ح 49، والاحتجاج (للطبرسي): ج 2 ص 298، والبحار ج 53 ب 31 ص 182 ح 11. وواسطة التوقيع هو الشيخ الجليل والنائب الثاني من النواب الأربعة محمد بن عثمان العمري، الذي تقدّمت الاشارة الى جلالة قدره وعلوّ شأنه.
وراوي التوقيع هو محمد بن جعفر بن محمد بن عون الاسدي، الذي هو موثق بتوثيق النجاشي والشيخ.
قال النجاشي: محمد بن جعفر بن محمد عون الأسدي، أبو الحسين الكوفي، ساكن الري. يقال له: محمد بن أبي عبد الله، كان ثقة، صحيح الحديث.... (رجال النجاشي: ص 264).
وقال شيخ الطائفة: وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات، ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل، منهم ابو الحسين محمد بن جعفر الأسدي رحمه الله...، ومات الأسدي على ظاهر العدالة، لم يتغير لم يُطعن عليه. في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة. (الغيبة: ص 257).
وقال في رجاله أيضاً: محمد بن جعفر الأسدي، يكنى أبا الحسين الرازي، كان أحد الابواب. (رجال الشيخ: ص 496).
كما وان الرواة الآخرين: الشيباني والدقاق والمؤدب والورّاق، هم مشايخ الصدوق، المترضّى عليهم والمستحسن حالهم. فالتوقيع معتبر السند، مضافاً الى كونه قويّ المتن.
صاحب الزَّمان (عليه السلام):
«أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها(461).
فلئن كان كما يقولون إنَّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان فما أرغم أنف الشيطان أفضل من الصلاة. فصلّها وأرغم أنف الشيطان(462).
وأمّا ما سألت عنه من أمر الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا ثمَّ يحتاج إليه صاحبه.
فكلُّ ما لم يسلّم فصاحبه فيه بالخيار(463)، وكلّ ما سلّم فلا خيار فيه لصاحبه، احتاج إليه صاحبه أو لم يحتج، افتقر إليه أو استغنى عنه.
وأمّا ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنا ويتصرَّف فيه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(461) اعلم أن العامة لا يجوّزون الصلاة بعد فريضة الصبح الى شروق الشمس وبعد فريضة العصر الى غروب الشمس، ويزعمون أنهما لا يصلحان للصلاة استدلالاً منهم بالنهي النبوي عنها لطلوع وغروب الشمس بين قرني الشيطان. كما هو المحكي عن بعض صحاحهم. (صحيح مسلم: ج 2 ص 210).
(462) جاءت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في: الوسائل: ج 3 ص 172 ب 38 ح 8، ضمن بعض الروايات النهى.
ثم حكى المحدث الحر العاملي في آخر الباب عن شيخ الطائفة حمل روايات النهي على الكراهة أو التقية، ثم استقرب هذا التوقيع الشريف في مسألة صلاة النافلة بعد صلاة العصر وبعد صلاة الصبح.
(463) افاد في الكلمة ان هذا ناظرٌ الى وقف المعاطاة على ما هو المعروف بين الفقهاء من عدم لزومه، باعتبار أن اكثر الناس لا يوفقون الا بالمعاطاة وهي لا تتم الا التسليم، او لاشتراط القبض في الوقف.
واما الوقف بالصيغة فلا يصح العدول عنه. (كلمة الامام المهدي (عليه السلام): ص 163).
ولاحظ الاحاديث في باب عدم جواز الرجوع في الوقف بعد القبض ولا في الصدقة بعده في: الوسائل: ج 13 ص 315 ب 11 الاحاديث، ومنها حديث الامام الباقر (عليه السلام): «لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى بها وجه الله (عزَّ وجلَّ)». (الوسائل: ج 13 ص 317 ب 11 ح 7).
تصرُّفه في ماله من غير أمرنا(464).
فمن فعل ذلك فهو ملعونٌ(465) ونحن خصماؤه يوم القيامة(466).
فقد قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): المستحلُّ من عترتي ما حرَّم الله ملعونٌ على لساني ولسان كلِّ نبيٍّ. فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين، وكان لعنة الله عليه(467) لقوله تعالى: (ألا لَعنةُ اللهِ على الظالمين)(468).
وأمّا ما سألت عنه من أمر المولود الّذي تنبت غلفته(469) بعدما يختن، هل يختن مرَّة اُخرى؟
فإنّه يجب أن يقطع غلفته، فإنَّ الأرض تضجُّ إلى الله (عزَّ وجلَّ) من بول الأغلف أربعين صباحاً(470).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(464) أي بدون أمرنا اياه وإذننا له بالتصرف.
(465) فانه من أشد الحرام، وغصب لحق وليّ النعمة، ويستحق به اللعن.
(466) وويلٌ لمن كان شفعاؤه خصماؤه يوم القيامة.
(467) واللعن هو الهلاك والطرد عن الرحمة الالهية، والعياذ بالله.
(468) سورة الهود: الآية 18.
(469) «الغُلفة» بالغين و«القُلفة» بالقاف، هي الجلدة التي تُقطع في الختان، و«الأغلف» و«الاقلف»، هو الصبي غير المختون. (مجمع البحرين: ص 418).
(470) وردت هذه الفقرة من التوقيع الشريف في الوسائل: ج 15 ص 167 ب 57 ح 1. وقد جاءت أحاديث الختان في ابواب عديدة من العنوان المتقدم.
ففي حديث ابي بصير، عن الامام الصادق (عليه السلام)، انه قال: «من سنن المرسلين الاستنجاء والختان». (الوسائل: ج 15 ص 161 ب 52 ح 2).
وفي حديث مسعدة بن صدقة، عن الامام الصادق (عليه السلام)، انه قال: «اختنوا أولادكم لسبعة أيام، فانه أطهر واسرع لنبات اللحم، وإن الأرض لتكره بول الأغلف». (الوسائل: ج 15 ص 161 ب 52 ح 5).
ويمكن تفسير كراهة الارض لبول الاغلف أو ضجته من ذلك بالاعتبار الروحي، لما ثبت بالكتاب والسنة ان للجمادات كافة الارواح والمشاعر، وان كانت ارواحها ومشاعرها مختلفة عن ارواح ومشاعر الانسان والحيوان والنبات. (كلمة الامام المهدي (عليه السلام): ص 164).
وأمّا ما سألت عنه من أمر المصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه، هل تجوز صلاته، فإنَّ الناس اختلفوا في ذلك قِبَلك؟
فإنّه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام أو عبدة النيران أن يصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه، ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأصنام والنيران(471).
وأمّا ما سألت عنه من أمر الضياع الّتي لناحيتنا، هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج(472) منها وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية، احتساباً للأجر وتقرّباً إلينا(473)؟
فلا يحلُّ لأحد أن يتصرَّف من مال غيره بغير إذنه(474)، فكيف يحلُّ ذلك في مالنا. من فعل شيئاً من ذلك من غير أمرنا فقد استحلَّ منّا ما حرَّم عليه، ومن أكل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(471) جاءت هذه الفقرة من التوقيع المبارك في: الوسائل: ج 3 ص 460 ب 30 ح 5 باب كراهة استقبال المصلي النار، مما يظهر أن النهي هنا محمول على الكراهة.
ولعل من حكمة النهي بالنسبة الى أولاد عبدة الاصنام والنيران هو دفع التوهّم، يعني دفع توهم الناظر اليهم أنهم كآبائهم في الطباع والتقاليد، ولذلك لم يكن هذا النهي بالنسبة الى أولاد المؤمنين لعدم المجال لهذا التوهم في حقهم.
(472) «الخَراج». بفتح الخاء، ما يحصل من غلة الارض، وقيل: يقع اسم الخراج على الضريبة والفيء والجزية والغلة. (مجمع البحرين: ص 163).
(473) في بعض النسخ: «اليكم».
(474) فانه من أظهر مصاديق الغصب الذي هو محرّم بالأدلة الأربعة، كما هو ثابت في محله.
من أموالنا شيئاً فإنّما يأكل في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً(475).
وأمّا ما سألت عنه من أمر الرَّجل الّذي يجعل لناحيتنا ضيعة ويسلّمها من قيّم يقوم بها ويعمرها ويؤدِّي من دخلها خراجها ومؤونتها ويجعل ما يبقى من الدَّخل لناحيتنا.
فإنَّ ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيّماً عليها. إنّما لا يجوز ذلك لغيره.
وأمّا ما سألت عنه من أمر الثمار من أموالنا يمرُّ بها المارُّ فيتناول منه ويأكله، هل يجوز ذلك له؟
فإنّه يحلُّ له أكله ويحرم عليه حمله».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(475) وقد تقدم الحديث الصادقي الشريف، أن من أكل من مال أخيه ظلماً ولم يردّه اليه أكل جذوه من النار ويوم القيامة. (كنز الدقائق: ج 3 ص 343).
وردت هذه الفقرة من التوقيع الشريف في الوسائل: ج 3 ص 16 ب 8 ح 9 باب جواز أكل المار من الثمار وإن اشتراها التجار مالم يقصُد أو يُفسد أو يحمل. وهي مسألة التي عبر عنها في الفقه بحقّ المارة.
قال في الجواهر من مسائل لواحق البيع:
المسألة الثامنة: إذا مرّ الانسان بشيء من النخل أو شجر الفواكه أو الزرع أو قريبٍ منها، بحيث لا يُعد قاصداً عرفاً بل كان ذلك منه إتفاقاً، جاز أن يأكل من غير إفساد مع العلم والظن بالكراهة، على المشهور بين الاصحاب نقلاً وتحصيلاً.
ثم حكى الاجماع على ذلك عن ابن ادريس، وشيخ الطائفة في الخلاف، وحكى عن الرياض عدم الوقوف على خلاف فيه من قدماء الأصحاب، الا ما يحكى عن السيد المرتضى في المسائل الصيداوية. (الجواهر: ج 24 ص 127).
هذا تمام الكلام في هذا التوقيع المبارك، وبه يتم المرام في البيان نبذه من المآثر الشريفة الفاخرة المروية عن الناحية المقدسة الزاهرة.
لا شكّ في أن من أرقى السعادات وأعلى الدرجات، التشرف بخدمة بقية الله تعالى الامام المهدي ارواحنا فداه، والفوز برؤية طلعته الرشيدة وغرّته الحميدة. فهي الزيارة القريبة لخاتم الوصيين، والبلسم الشافي لقلوب المؤمنين. وحكمة الغيبة وإن دعت الى استتاره عن الأبصار، الا أن اللطف والكرامة شملت جملة كثيرة من الأخيار، ممن تشرفوا بخدمته وسعدوا برؤيته.
كما دلّ على ذلك الإخبارات الموثقة المتواترة والتشرفات الصادقة المتظافرة، التي هي من أقوى الأدلة على وقوع التشرف، فضلاً عن إمكانه.
مضافاً الى الأدعية الشريفة الواردة لسؤال رؤيته التي تكشف عن امكان وقوعه وتحققه، والا فانه لا يمكن أن يؤمر العبد بالدعاء بالمحال.
فترى ذلك في مثل زيارة الامام الحجة (عليه السلام): «اللهم أرِنا وجهَ وليّك الميمونَ، في حياتنا وبعد المنون».
وفي دعاء العهد المروي عن الامام الصادق (عليه السلام):
«اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة، واكحُل ناظري بنظرةٍ منّي إليه».
مضافاً الى أدعية الاستغاثة بأن يدركنا الامام المهدي ارواحنا فداه، فانها دعوة ودعاء لحضوره (عليه السلام) عادةً لتفريج الكرب والكربة. وحضوره عندنا يقتضي تشرفنا بخدمته. كما في دعاء الكفعمي المروي عن صاحب الأمر (عليه السلام) الذي ورد فيه:
«يا مولانا يا صاحب الزمان، الغوث الغوث الغوث، أدركني أدركني أدركني...».
كل هذا يكشف ويدل على ان التشرف بخدمته (عليه السلام) من الحقائق الثابتة.
وإن من أوضح الاُمور الوجدانيّة والمفاهيم الحسيّة، حقيقة التشرف بالخدمة التي حصلت فوق حدّ الاحصاء، وانكشفت للاُمة جمعاء، وفاقت تواتر المخبرين، وبلغت حدّ القطع واليقين، بحيث صارت كالنور على المنار والشمس في رائعة النهار، وهي ذا دامت الى يومنا هذا.
ويكفيك في هذا المجال، ملاحظة ما أخبر به ثقات الرجال في المصادر والكتب التي أشرنا اليها في فصل من رآه (عليه السلام) في الغيبة الكبرى.
ونتبرك بالتلميح الى نبذة التشرفات فيما يلي:
1 - تشرف مبعوث الشيخ الأقدم ابن قولويه (قدّس سرّه)، قال:
«لمّا وصلت بغداد في سنة سبع وثلاثين للحجِّ [بعد الثلاثمائة] - وهي السّنة الّتي ردَّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت - كان أكبر همّي مَن ينصب الحجر، لأنّه مضى في أثناء الكتب قصّة أخذه، و[أنّه] إنّما ينصبه في مكانه الحجّة في الزَّمان؛ كما في زمان الحجّاج وضعه زين العابدين في مكانه واستقرَّ.
فاعتللت علّة صعبة خفت منها على نفسي ولم يتهيّأ لي ما قصدته. فاستنبت المعروف بابن هشام وأعطيته رقعة مختومة، أسأل فيها عن مدَّة عمري وهل يكون الموت في هذه العلّة أم لا، وقلت: همّي إيصال هذه الرُّقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه وإنّما أندبك لهذا.
قال: فقال المعروف بابن هشام: لمّا حصلت بمكّة وعُزم على إعادة الحجر، بذلتُ لسدنة البيت جملة تمكّنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه. فأقمت معي منهم من يمنع عنّي ازدحام النّاس؛ فكلّما عمد
إنسان لوضعه اضطراب ولم يستقم.
فأقبل غلام أسمر اللّون حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه. فاستقام كأنّه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات. فانصرف خارجاً من الباب.
فنهضت من مكاني أتبعه وأدفع الناس عنّي يميناً وشمالاً حتّى ظُنَّ بي الاختلاط في العقل، والنّاس يفرجون لي وعيني لا تفارقه حتّى انقطع عن الناس، فكنت أسرع الشدَّ خلفه وهو يمشي على تؤدة السير ولا اُدركه.
فلمّا حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف والتفت إليَّ فقال: «هات ما معك. فناولته الرُّقعة. فقال من غير أن ينظر إليها: «قل له: لا خوف عليك في هذه العلّة ويكون ما لابدَّ منه بعد ثلاثين سنة». قال: فوقع عليَّ الدَّمع حتّى لم أطق حراكاً، وتركني وانصرف. قال أبو القاسم: فأعلَمَني بهذه الجملة. فلمّا كان سنة سبع وستّين - يعني في سنة ثلاثين بعد ذلك -، اعتلَّ أبو القاسم وأخذ ينظر في أمره وتحصيل جهازه إلى قبره. فكتب وصيّته واستعمل الجدَّ في ذلك.
فقيل له: ما هذا الخوف؟ ونرجو أن يتفضّل الله بالسّلامة؛ ما عليك مخوفة. فقال: هذه السنة الّتي خوِّفت فيها. فمات في علّته»(476).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(476) بحار الأنوار: ج 52 ص 58 ب 18 ح 41.
2 - تشرف العلامة الحلي اعلى الله مقامه، فيما ذكر المحدث الفاضل الميثمي في كتابه دار السلام، عن السيد السند السيد محمد صاحب المفاتيح ابن صاحب الرياض، نقلاً عن خط آية الله العلامة في حاشية بعض كتبه ما ترجمته بالعربية:
انه خرج ذات ليلة من ليالي الجمعة من بلدة الحلة الى زيارة قبر ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ابي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وهو على حمار له وبيده سوط يسوق به دابته. فعرض له في أثناء الطريق رجل في زي الاعراب، فتصاحبا والرجل يمشي بين يديه. فافتتحا بالكلام وساق معه الكلام من كل مقام، واذا به عالم خبير نحرير. فاختبره عن بعض المعضلات وما استصعب عليه علمها، فما استتم عن كل من ذلك الا وكشف الحجاب عن وجهها وافتتح عن مغلقاتها.
الى ان انجر الكلام في مسألة أفتى به بخلاف ما عليه العلامة. فانكره عليه قائلاً ان هذه الفتوى خلاف الأصل والقاعدة، ولابد لنا في خلافهما من دليل وارد عليهما مخصص لهما.
فقال العربي: الدليل عليه حديث ذكره الشيخ الطوسي في تهذيبه.
فقال العلامة: اني لم أعهد بهذا الحديث في التهذيب، ولم يذكره الشيخ ولا غيره.
فقال العربي: ارجع الى نسخة التهذيب التي عندك الآن وعد منها اوراقاً كذا وسطوراً كذا فتجذه.
فلما سمع العلامة بذلك ورأى ان هذا اخبار عن المغيبات، تحير في أمر الرجل تحيراً شديداً واندهش في معرفته وقال في نفسه: ولعل هذا الرجل الذي يمشي بين يديّ منذ كذا وأنا في ركوبي، هو الذي بوجوده تدور رحي
الموجودات وبه قيام الارضين والسماوات.
فبينما العلامة كذلك، اذ وقع السوط من يده من شدة التفكر والتحير. فاخذ ليستخبر عن هذه المسألة استخبارا منه واستظهاراً عنه، ان في زمن الغيبة الكبرى هل يمكن التشرف الى لقاء سيدنا ومولانا صاحب الزمان.
فهوى الرجل وأخذ السوط من الارض ووضعه في كفّ العلامة وقال:
«لم لا يمكن وكفه في كفك».
فأوقع العلامة نفسه من على الدابة منكباً على قدميه، واغمي عليه من فرط الرغبة وشدة الاشتياق. فلما أفاق لم يجد احداً؛ فاهتم بذلك هما شديداً وتكدر.
ورجع الى أهله وتصفح عن نسخة تهذيبه، فوجد الحديث المعلوم كما اخبره الامام (عليه السلام) في حاشية تلك النسخة، فكتب بخطه الشريف في ذلك الموضع:
هذا حديث اخبرني به سيدي ومولاي في ورق كذا وسطر كذا.
ثم نقل الفاضل الميثمي عن السيد المزبور طاب ثراه، انه قدر رأي تلك النسخة بخط العلامة في حاشيته(477).
3 - تشرف ياقوت الدهان فيما نقله المحدث النوري، قال:
«حدَّثني العالم الجليل، والحبر النبيل، مجمع الفضائل والفواضل، الصفيُّ الوفيّ المولى عليّ الرشتي طاب ثراه، وكان عالماً برّاً تقيّاً زاهداً حاوياً لأنواع العلم، بصيراً ناقداً من تلامذة السيّد السّند الاُستاذ الأعظم دام ظلّه:
ولمّا طال شكوى أهل الأرض، حدود فارس ومن والاه إليه من عدم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(477) الزام الناصب: ج 2 ص 32.
وجود عالم عامل كامل نافذ الحكم فيهم، أرسله إليهم، عاش فيهم سعيداً ومات هناك حميداً رحمه الله، وقد صاحبتُه مدَّةً سفراً وحضراً ولم أجد في خلقه وفضله نظيراً إلّا يسيراً.
قال: رجعت مرَّة من زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) عازماً للنجف الأشرف من طريق الفرات. فلمّا ركبنا في بعض السّفن الصغار الّتي كانت بين كربلاء وطويرج، رأيت أهلها من أهل حلّة، ومن طويرج تفترق طريق الحلّة والنجف.
واشتغل الجماعة باللّهو واللّعب والمزاح، ورأيت واحداً منهم لا يدخل في عملهم. عليه آثار السكينة والوقار، لا يمازح ولا يضاحك، وكانوا يعيبون على مذهبه ويقدحون فيه، ومع ذلك كان شريكاً في أكلهم وشربهم. فتعجّبت منه إلى أن وصلنا إلى محلّ كان الماء قليلاً، فأخرَجَنا صاحب السفينة فكنّا نمشي على شاطئ النّهر.
فاتّفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق، فسألته عن سبب مجانبته عن أصحابه وذمّهم إيّاه وقدحهم فيه.
فقال: هؤلاء من أقاربي من أهل السنّة، وأبي منهم واُمّي من أهل الايمان، وكنت أيضاً منهم، ولكنَّ الله منَّ عليَّ بالتشيّع ببركة الحجّة صاحب الزَّمان (عليه السلام).
فسألت عن كيفيّة إيمانه، فقال: اسمي ياقوت وأنا أبيع الدُّهن عند جسر الحلّة. فخرجت في بعض السّنين لجلب الدهن، من البراري خارج الحلّة. فبعدت عنها بمراحل، إلى أن قضيت وطري من شراء ما كنت اُريده منه، وحملته على حماري ورجعت مع جماعة من أهل الحلة، ونزلنا في بعض المنازل ونمنا، وانتبهت فما رأيت أحداً منهم وقد ذهبوا جميعاً وكان طريقنا في بريّة قفر، ذات سباع كثيرة، ليس في أطرافها معمورة إلّا بعد فراسخ كثيرة.
فقمت وجعلت الحمل على الحمار ومشيت خلفهم، فضلَّ عنّي الطريق، وبقيت متحيّراً خائفاً من السباع والعطش في يومه.
فأخذت أستغيث بالخلفاء والمشايخ وأسألهم الاعانة وجعلتهم شفعاء عند الله تعالى وتضرَّعت كثيراً، فلم يظهر منهم شيء.
فقلت في نفسي: إنّي سمعت من اُمّي أنّها كانت تقول: إنَّ لنا إماماً حيّاً يكنّى أبا صالح، يرشد الضَّالَّ ويغيث الملهوف ويعين الضّعيف. فعاهدت الله تعالى إن استغثت به فأغاثني أن أدخل في دين اُمّي.
فناديته واستغثت به، فإذا بشخص في جنبي، وهو يمشي معي وعليه عمامة خضراء....
ثمَّ دلَّني على الطريق، وأمرني بالدُّخول في دين اُمّي، وذكر كلمات نسيتها وقال: ستصل عن قريب إلى قرية أهلها جميعاً من الشيعة.
قال: فقلت: يا سيدي، أنت لا تجيء معي إلى هذه القرية؟
فقال ما معناه: لا، لأنّه استغاث بي الف نفس في أطراف البلاد، اُريد أن اُغيثهم، ثمَّ غاب عنّي. فما مشيت إلّا قليلاً حتّى وصلت إلى القرية، وكان في مسافة بعيدة، ووصل الجماعة إليها بعدي بيوم.
فلمّا دخلت الحلّة ذهبت إلى سيّد الفقهاء السيّد مهدي القزويني طاب ثراه، وذكرت له القصّة، فعلّمني معالم ديني.
فسألت عنه عملاً أتوصّل به إلى لقائه (عليه السلام) مرَّة اُخرى فقال: زُر أبا عبد الله (عليه السلام) أربعين ليلة الجمعة.
قال: فكنت أزوره (عليه السلام) من الحلّة في ليالي الجُمع، إلى أن بقي واحدة.
فذهبت من الحلّة في يوم الخميس، فلمّا وصلت إلى باب البلد، فإذا جماعة من
أعوان الظّلمة يطالبون الواردين التذكرة، وما كان عندي تذكرة ولا قيمتها.
فبقيت متحيّراً والنّاس متزاحمون على الباب، فأردت مراراً أن أتخفّى وأجوز عنهم فما تيسّر لي، وإذا بصاحبي صاحب الأمر (عليه السلام) في زيّ لباس طلبة الأعاجم، عليه عمامة بيضاء في داخل البلد. فلمّا رأيته استغثت به، فخرج وأخذني معه، وأدخلني من الباب فما رآني أحد.
فلمّا دخلت البلد افتقدته من بين النّاس، وبقيت متحيّراً على فراقه (عليه السلام)»(478).
4 - تشرف الشيخ النمازي، فيما حكاه هو دام ظلّه. نقتطف منه معرّباً ما حاصله:
أفاد أنه في سنة 1336 شمسية (المصادف لسنة 1378 هجرية قمرية)، تشرفنا الى بيت الله الحرام مع حملة صدر الأشراف من طهران، وكنت أنا مرشد الحملة للمرة الرابعة عشرة.
وبعد اكمال مراسم الحج وانتهاء الزيارة، بنينا على المراجعة على طريق العراق - كما كان هو المقرر آنذاك في الرجوع من هناك - في قوافل منظّمة، ومتشكلة كل قافلة من مأة سيارة، مع دوريّة الشرطة، وسيارة الحاجات الاحتياطية، حسب قانون الدولة في ذلك الوقت.
وكان لسيارتنا سائقان باسم محمود واصغر يتعاونان في السياقة من طهران الى مكة.
لكن في الرجوع، أصرّ الحاج أصغر على أن يسير متقدّماً على سيارات القافلة، لأنه كان في المجيء متأخراً عن السيارات ومعانياً للغبار والتراب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(478) جنّة المأوى: ص 292.
وعجاج الطريق.
لذلك أسرع الحاج أصغر في السير في طريق الرجوع حتى يتقدم على السيارات، ثم يستريح برهةً من الزمان الى أن تلتحق به سيارات القافلة، ثم يقطع الطريق بهذا الترتيب.
وبما اني كنت قد سافرت الى الحج كثيراً، وكنت أعرف أن صحاري الحجاز واسعة ورملية ولا يمكن السير فيها بدون دليل، أصررت على الحاج أصغر بأن لا يسبق القافلة بل يبقى معها ولا يفارقها، حتى لا يصيبنا الضياع.
لكن للأسف لم يستجب لكلامي، بل قال أن لنا من الماء والبنزين ما نسير كثيراً ثم نلتحق بالقافلة، والحجاج الذين كانوا معنا أيضاً لم يؤازروني على مطلبي.
فتجرّأ الحاج أصغر على السير السريع حتى جنَّ علينا الليل وقد ضيّعنا الطريق.
فصحنا به أنا والحجاج حتى يتوقف عن السير الى الصباح ولا يتوغّل في الضياع علّنا نرجع صباحاً في نور الشمس الى الطريق الأصيل.
فبقينا الى الصباح، وعزمنا على الرجوع من الطريق الذي أتينا فيه، لكن العواصف الرملية كانت قد غطّت ذلك الطريق فلم نستطع الرجوع منه.
وسرنا يميناً وشمالاً فراسخ دون جدوى، وبدون ان نصل الى قافلتنا، حتى صار الليل ونفد عندنا الماء والبنزين، فأصبحنا ولم يبق لدينا منهما قطرة واحدة.
وما أوحشها من حالة مؤلمة ويأس من الحياة حين ارتفع النهار وعلت الشمس واحترّ الجوّ واصابنا العطش، ونحن في تيه الصحراء. فلم أر بُدّاً إلا أن أجمع أصحابي وأقول لهم:
انه كان من الأمر ما كان بالذنب الذي ارتكبه السائق حاج أصغر، وجَعَلَنا في هذه المهلكة والمصيبة والمحنة.
ولا خلاص لنا الّا أن نتوسّل بمولانا وسيدنا الامام المهدي صلوات الله عليه. فان مَنّ علينا بالنجاة فهو المطلوب، وإلّا فالأصلح لنا أن نحفر قبورنا الآن ما دام لم يستول علينا الضعف، حتى إذا صَرَعنا العطش اضطجعنا فيها كي نموت هناك وتسترنا الرمال، حذراً من أن نصير طعمة لوحوش الصحراء.
وقلت لهم أن ينذروا إنفاق جميع ما لديهم من أموالهم في سبيل الله تعالى ان نجّاهم الله.
فاستجاب أصحابي لهذا الطلب وحفرنا قبورنا وتهيّأنا للموت، لكن أملنا في امام العصر ليغيثنا في هذه الشدّة.
فتوسلنا بالمعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) واحداً بعد واحد الى الامام الحجة (عليه السلام) بكل بكاء وخشوع وتوجّه والحاح.
وناديناه: «يا فارس الحجاز، يا أبا صالح المهدي أدركنا، يا صاحب الزمان ادركنا».
وأخذتُ أنا جانباً من الصحراء، وحَصَلَت لي حالة انقطاع كامل الى الله تعالى وتوسّل حقيقي بامام الزمان (عليه السلام) للنجاة من هذه المهلكة والرجوع الى وطننا بالسلامة.
وفي هذا الحال فوجئت براكبٍ في زيّ عربي مع جِمالٍ محمّلة، تخيّلت انه جمّالٌ، عابر للصحراء مسافر الى مقصدٍ له.
لكنّي رأيت أنه توجّه اليّ، فقمت اليه واستقبلته بكل فرح وبشاشة واطمئنان قلب، فسلّمت عليه، فردّ عليّ السلام قائلاً: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ثم قبّلت وجهه الكريم، وكان ما اجمله وأنوره وأبهاه من وجهٍ. فالتفت اليّ بكل لطف وقال: ضيّعتم الطريق.
قلت: نعم ضيّعنا الطريق. قال: جئت لاُريكم الطريق.. تسلكون هذا الطريق المستقيم وتعبرون عن ذينك الجبلين، فيظهر لكم جبلان آخران؛ تسلكون من وسطهما، فتظهر لكم الجادة - طريق العراق - أمامكم، فسيروا الى الطرف الأيسر تصلون الى الحدود العراقية الحجازية، «جرية».
ثم قال: النذر الذي نذر تم ليس بصحيح، لأنه مرجوح. فانكم اذا انفقتم جميع ما لديكم، لم يبق لديكم شيء وانتم باقون في العراق أربعين يوماً، فتحتاجون الى السؤال والتگدّي، وهو حرام.
احسبوا أموالكم واعرفوا مقداره، ثم حينما تصلون الى وطنكم انفقوا في سبيل الله تعالى بذلك المقدار.
ثم قال لي: اجمع رفاقك واركبوا السيارة وتحرّكوا حتى تصلون الجرية في اول المغرب.
فناديت أصحابي، وجاؤوا واحداً واحداً، سلّموا عليه وقبّلوا يده.
وقلت لهم: اركبوا، فقد دلّاني على الطريق، وذكر لي ان النذر الذي نذرتموه غير صحيح.
وأضاف هو قوله: أنا ادري أن الذي معكم يكفيكم، وإلّا أنا أعطيكم.
ثم تقدّمتُ اليه أنا - حرصاً على أن لا نضيّع الطريق مرة أخرى - وأخرجتُ قرآناً كان في جيبي وأقسمت عليه: بحق هذا القرآن الكريم أن يكون معنا في السيارة ويوصلنا الى الجرية.
فقال: لِمَ أقسمتَ عليّ بالقرآن؟ والآن حيث أقسمت أجيء معكم.
ثم قال: المقصّر أصغر، محمود يسوق، أنا أقعد في الوسط وأنت تقعد بصفّي.
كلّ هذا، وأنا غير منتبه أبداً أنه كيف عرف نذرنا، ومن اين علم ببقائنا في العراق أربعين يوماً، ومن اين عرف ان السائق اسمه اصغر وانه المقصّر في هذا الضياع، وكيف عرف اننا نكون اول المغرب في الجرية؟
فان هذه الاشياء كانت من الغيب، ولا يعرفها الّا من هو متصل بعلّام الغيوب. لكننا كنّا محجوبين عن معرفته سلام الله عليه.
ركبنا السيارة، وجلس محمود في مكان السياقة.
فقال (عليه السلام): قل له يسوق.
فقلت لمحمود يسوق السيارة.
فقام محمود بتشغيل السيارة، من غير أن نلتفت الى ان السيارة لم تكن فيها قطرة من البنزين والماء. لكن تحركت السيارة وقطعت الطريق الرملي بكل سرعة، حتى وصلنا الى وسط الجبلين.
فنظر (عليه السلام) الى السماء وقال: الآن أول الظهر، قل له يتوقف. صلّوا وأنا أصلّي، وبعد الصلاة نركب. مَلّوا قِرَبكم، ومَلّوا سيارتكم.
فتوقفنا عن المسير ونزلنا في ذلك المكان.
وأشار (عليه السلام) في ذلك المكان القفر الى شجرة نابتة وبجنبها بئر ماءٍ زلال، ماؤها قريب من سطح الارض على شبر ونصف؛ تصل اليد الى الماء بكل سهولة، مع أن الماء في تلك الصحراء القاحلة لو وجد تحت الارض كان على عمق كبير عن سطح الارض.
فشربنا من ذلك الماء روياً، وملأنا القرب والسيارة، وتوضّأنا وصلّينا.
فجاءنا هو (عليه السلام) بعد أن اكمل صلاتيه الظهر والعصر، وأمر بأن يتغدّى كل
واحدٍ منّا بما عنده في داخل السيارة.
فركبنا وتحرّكت السيارة، من غير أن يحس أحدٌ منا كيف تسير السيارة بدون البنزين.
وأكل كلّ واحد من الزوّار طعامه، وأتيت أنا أيضاً بما عندي من الكرزات والخبز وقدّمت له منها، فلم يقبل شيئاً من الكرزات وأخذ شيئاً من الخبز الذي كنت قد هيأته من بلدي شاهرود، لكني لم أر أكله ذلك. وكان الحديث دائراً بيننا مدة مسير الطريق، وكنت اُبيّن له النعم الوافرة في ايران ورُخص الأسعار هناك، فكان هو يقول: كلها من بركات الأئمة، كلها من بركاتنا، النعم وافرة في جميع ايران وكلها من بركاتنا أهل البيت.
وبالرغم من هذا البيان الصريح الذي يتضح من خلاله شخصيته (عليه السلام)، لم أشعر أنا بأنه مولانا الامام المهدي (عليه السلام).
واستمر هو (عليه السلام) في مدح بعض بلاد ايران وبعض علمائها وبعض علماء النجف الأشرف، الى أن وصلنا الى الحدود العراقية «الجرية» في اول المغرب كما كان قد بيّنه هو (عليه السلام).
وكان في كثير من وقته مشتغلاً بذكر الله تعالى، الى أن نزلنا الى الحدود، ونزل هو (عليه السلام) من السيارة.
وأوصانا أن نبيت الليل هنا في الجرية ولا نسير وحدنا، وأنه ستصل يوم غد قافلة من مكة فسيروا معها الى العراق.
ثم قال (عليه السلام): إني مفارقكم، واودعكم الله تعالى. وقد أصررت عليه كثيراً بأن يبقى معنا تلك الليلة ونتناول بخدمته طعام العشاء.
لكن قال لي: ياشيخ اسماعيل، لي شغل كثير ويلزم عليّ أن أذهب، وقد
أقسمتَ عليَّ بالقرآن الكريم فأجبتك.
ثم وادعني، فالتفتُّ في آن واحد، انّي لم أره وهو غائب عنّي. فشعرت آنذاك أنه كان مولانا الامام الحجة (عليه السلام).
وبدأتُ بالبكاء والتحسّر وناديت أصحابي بأنّا قد كنّا متشرفين الى الآن بخدمة إمامنا الذي فرّج الله تعالى عنا ونجّانا ببركته، وللأسف لم نحظَ بمعرفته.
فاجتمعنا في الخيمة بالبكاء والعويل، حتى سمع صوتنا شرطة الحدود فأسرعوا الينا وقالوا: منو ميّت، منو ميّت؟
قلنا: لم يمت أحد، ولكنا كنا قد ضيعنا الطريق، فبكينا الآن حين وجدناه.
وفي هذا الحال سمعنا صوت المؤذن بأذان المغرب، وحمدنا الله (عزَّ وجلَّ) على نعمة ملاقاة وليّ النعم، والسلامة وحسن العاقبة بلطف الله ذي الجود والكرم، والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين(479).
5 - تشرف الشيخ الكعبي طاب ثراه، فيما حكاه الثقات الاجلاء ونقله الشيخ الغروي دام بقاه في كتابه، وحاصله:
ان المرحوم الحاج الشيخ عبد الزهراء الكعبي (قدّس سرّه) الذي كان من كبار خطباء المنبر الحسيني الشريف - المتوفى سنة 1395 هجريّة -، ذكر ان في عصر بعض الأيام دخلت صحن الامام الحسين (عليه السلام)، وكان في احدى حجرات الصحن المقدس على جهة باب القبلة الشيخ مهدي والد الشيخ هادي الكتبي، وكان لي معه صحبة قديمة.
فلما أبصرني ناداني وقال لي: عندي كتاب صغير لعله ينفعك، وفيه أشعار المرحوم ابن العرندس الحلي وهي قصيدته الرائية، وثمن هذا الكتاب هو أن تقرأ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(479) مجالس حضرت مهدي (عليه السلام): ص 308.
عليّ هذه الاشعار مرة واحدة.
علماً بأن ابن العرندس هو الشيخ الجليل صالح بن عبد الوهاب الحلي، من أعلام الشيعة في القرن التاسع، ومن مؤلفي علمائها في الفقه والأصول، ومن مُجيدي شعرها المقبول، الذي قال عنه العلامة الأميني اعلى الله مقامه:
«ومن شعر شيخنا الصالح رائيّة، اشتهر بين الأصحاب أنّها لم تُقرأ في مجلس الّا وحضره الامام الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه)»(480).
قال الشيخ الكعبي رحمه الله تعالى: فتوجهت الى جانب الضريح الحسيني المبارك ومعي الشيخ مهدي، وجلسنا في الصحن مقابل الضريح، وشرعت بقراءة رائية ابن العرندس التي طال ما كنت اطلبها منذ زمن بعيد.
فاذا بسيد بهيئة السادة الأعراب الذي يسكنون خارج البلد، وقف بجنبي ينصت للقراءة ويبكي، فلما وصلت الى قوله:
أيُقتل ضمآناً حسينٌ بكربلا * * * وفي كلّ عضوٍ من أنامِله بحرُ
اشتدّ بكاؤه، وقام يضرب بيده على رجله متوجهاً نحو ضريح جده الامام الحسين (عليه السلام) ويكرّر البيت:
أيُقتل؟! أيُقتل؟!
وبعد ما انتهيت عن آخر القصيدة، نظرتُ اطلب السيد فلم أجده بالرغم من إتساع ذلك الصحن الشريف وعدم ازدحامه آنذاك، وخرجت خارج الصحن فلم أره، وكلما حاولت رؤيته لم اظفر به وكأنه غاب عن ساعته، وعلمت أنه الحجة المنتظر أرواحنا فداه.
ولهذه المزية الفائقة والمحل الرفيع، احببنا بمناسبة مبحث التشرّف ايراد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(480) الغدير: ج 7 ص 14.
هذه القصيدة في هذا الكتاب ليحظى بقراءتها المؤمنون الأطياب، وهي مطابقةً لكتاب المختار(481) كما يلي:
طوايا نظامي في الزمان لها نشرُ(482) * * * يعطِّرها من طيب ذكراكم نَشرُ
قصائدُ ما خابت لهنَّ مقاصدُ * * * بواطنُها حمدٌ ظواهرُها شُكرُ
مطالعُها تحكي النجومَ طوالِعاً * * * فأخلاقُها زُهرٌ وأنوارُها زَهرُ
عرائسُ تجلى حين تُجلي قلوبنا * * * أكاليلها دُرٌّ وتيجانُها تبرُ
حِسانٌ لها حَسّانُ بالفضل شاهدٌ * * * على وجهها تِبرّ يُزان بها التبرُ
اُنظّمها نظم اللآلي وأسهر الليا * * * لي ليُحيى لي بها وبكم ذِكرُ
فيا ساكني أرضَ الطفوفِ عليكم * * * سلامُ محبٍّ مالَهُ عنكُم صَبرُ
نشرتُ دواوين الثنا بعدَ طيِّها * * * وفي كلّ طرس من مديحي لكم سَطرُ
فطابَقَ شِعرِي فيكُمُ دَمعَ ناظِري * * * فَمُبيَضُّ ذا نظمٌ ومُحمَرُّ ذا نَثرُ
فلا تَتهموني بالسلُوّ فإنّما * * * مواعيد سلواني وَحقِّكُم حَشرُ
فَذُلّي بكم عِزُّ وفَقري بِكم غنىً * * * وعسري بكم يُسرٌ وكَسري بكم جَبرُ
تَرقّ بروق السُحب لي من ديارِكُم * * * فينهلّ من دمعي لبارِقه القَطرُ
فعيناي كالخنساء(483) تجري دموعها * * * وقلبي شديدٌ في محبّتِكم صخرُ
وقفتُ على الدار الّتي كنتُم بها * * * فمغناكُمُ من بَعد معناكُم قَفرُ(484)
وقد دَرَسَت منها الدروسُ وطالما * * * بها دُرِسَ العِلمُ الإلهي والذكرُ
وسالت عليها من دموعي سحائبٌ * * * إلى أن تروّى البان بالدمع والسِّدرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(481) المختار من كلمات الامام المهدي (عليه السلام): ج 1 ص 421.
(482) هكذا في: الغدير، لكن في: المنتخب: ج 2 ص 352: نثر.
(483) الخنساء بنت عمرو بن الحارث، له رثاء لأخيها من أبيها صخر، وقد قتله بنو أسد.
(484) صححت كما في: المنتخب: 352، وفي الأصل: فقر.
فَراقَ فِراقُ الروحِ مِن بَعدِ بُعدِكم * * * ودارَ برسمِ الداِر في خاطِريَ الفِكرُ
وقد أقلَعَت عنها السحابُ ولم يُجِد * * * ولا دَرَّ مِن بعدِ الحسين لها دَرُّ
إمامُ الهُدى سِبطُ النبوّةِ والدُ الأئمّـ * * * ـةِ رَبُّ النَهي مَولىً له الأمرُ
إمامٌ أبوه المرتضى عَلَم الهدى * * * وصيُّ رسول الله والصَّنوُ والصِّهرُ
إمامٌ بكتهُ الانسُ والجنُّ والسما * * * ووحشُ الفَلا والطيرُ والبرُّ والبحرُ
له القبّةُ البيضاء(485) بالطفِّ لم تزل * * * تطوفُ بها طوعاً ملائكةٌ غرُّ
وفيه رسولُ الله قال وقولهُ * * * صحيحٌ صريحٌ ليس في ذلكم نُكرُ
حُبي بثلاث ما أحاط بمِثلها * * * وليٌّ فمَن زيدٌ هناك ومَن عَمرُو؟
له تربةٌ فيها الشفاءُ وقبّةٌ * * * يجاب بها الداعي إذا مسّه الضرُّ
وذريّةٌ درِّيّةٌ منه تسعةٌ * * * أئمّة حقٍّ لا ثمانٍ ولا عشرُ
أيُقتلُ ظمآناً حسينٌ بكربلا؟! * * * وفي كلّ عضوٍ من أنامله بَحرُ
ووالدُه الساقي على الحوضِ في غدٍ * * * وفاطمةُ ماءُ الفراتِ لها مَهرُ
فوالهفَ نفسي للحسين وما جنى * * * عليه غداهَ الطفِّ في حربه الشّمرُ
رماهُ بجيش كالظلام قِسِيُّهُ الأ * * * هِلّةِ والخرصانُ أنجُمه الزُهرُ
لراياتِهم نَصبٌ وأسيافِهم جزمٌ * * * وللنقعِ رَفعٌ والرماح لها جَرُّ
تجمّعَ فيها من طغاة اُميّةٍ * * * عصابةُ غَدرٍ لا يقوم لها عُذرُ
وأرسلها الطاغي يزيدُ ليملك الـ * * * ـعراقَ وما أغنَتهُ شامٌ ولا مِصرُ
وَشَدّ لَهُم أزراً سليلُ زيادِها * * * فحلَّ بهِ من شدِّ أزرِهِم الوِزرُ
وأمَّرَ فيهم نجلَ سَعدٍ لنَحسِهِ * * * فما طالَ في الريِّ اللعينِ له عُمرُ
فلمّا التقى الجمعانِ في أرضِ كربلا * * * تباعدَ فعلُ الخيرِ واقتربَ الشَّرُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(485) كانت في تلك القرون بيضاء، وأمّا اليوم فصفراء بصحائف الذهب تسرّ القلب.
فحاطوا به في عَشرِ شهرِ مُحرّمٍ * * * وبيضُ المواضي في الأكُفّ لها شَمرُ
فقامَ الفتى لَمّا تشاجَرتِ القَنا * * * وصال وقد أودى بمهجتِهِ الحَرُّ
وجالَ بطرفٍ في الجمالِ كأنّه * * * دُجى الليل في لألاء غُرَّتِهِ الفَجرُ
له أربعٌ للريح فيهنَّ أربعُ(486) * * * لقد زانَه كَّرٌّ وما شانَهُ الفَرُّ
ففرَّقَ جمعَ القومِ حتّى كأنّهم * * * طيورُ بغاث(487) شتّ شَملَهُم الصَقرُ
فَأَذكَرَهُم لَيلَ الهريرِ فأجمع الكلا * * * بَ على الليثِ الهَزِبرِ وقد هَرّوا(488)
هناك فَدَتهُ الصالحونَ بأنفسٍ * * * يضاعَفُ في يوم الحِسابِ لها الأجرُ
وحادُوا عن الكُفّارِ طوعاً لِنَصرهِ * * * وجادَ لَهُ بالنفسِ مِن سعدهِ حُرُّ(489)
ومدّوا إليه ذُبّلاً سمهريّة(490) * * * لطول حياة السِّبطِ في مدِّها جَزرُ
فغادَرَهُ في مارِقِ الحَربِ مارقٌ * * * بسهمٍ لنحر السبطِ من وقعه نَحرُ
فمال عن الطِرفِ الجوادِ أخو الندى * * * الجوادُ قتيلاً حولَه يصهلُ المُهرُ(491)
سِنانُ سِنانٍ خارقٌ منه في الجشا * * * وصارمُ شِمر في الوريدِ له شَمرُ(492)
تَجُرُّ عليه العاصفاتُ ذيولَها * * * ومن نسج أيدي الصافنات له طِمرُ(493)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(486) يحتمل أن يكون المراد بالأربع: الصبا والدبور والشمال والجنوب.
(487) «البغاث» طائر أبغث أصغر من الرخم، بطيء الطيران؛ جمع بغثان. هامش الغدير: ج 7 ص 16.
(488) ليلة الهرير من ليالي صفّين، قتل فيها ما يقرب من سبعين ألف قتيل، ولأمير المؤمنين (عليه السلام) موقف شجاعة يذكر مع الأبد، والهرير من هرير الكلب سمّيت به صوته دون نباحه، لأجل البرد. هامش الغدير: ج 7 ص 16، مختصراً.
(489) الحرّ بن يزيد الرياحي التميمي، كان شريف قومه جاهلية وإسلاماً، فاز بالشهادة يوم كربلاء رحمه الله.
(490) واحد «الذُبّل»، الذابل: الرقيق، و«السمهري»، الرمح الصلب.
(491) «الطِرف» من الخيل: كريم الطرفين، و«المُهر» ولد الفرس.
(492) «شَمَرَ» مرّ مسرعاً، وأشمره بالسيف: أدرجه.
(493) «العاصفات» الرياح الشديدة، الصافنات من الخيل الصافن: القائم على ثلاث قوائم، مطرقاً حافر الرابعة، و«الطِمر»، الثوب البالي. الغدير ج 7 ص 5، 16.
فَرُجَّت له السَبعُ الطِباقُ وَزُلزِلَت * * * رواسي جبال الأَرضِ والتطم البحرُ
فيالكَ مقتولاً بكتهُ السما دماً * * * فَمُغبَرّ وجه الأرضِ بالدمِ مُحمَرُّ
ملابسُه في الحرب حمرٌ من الدما * * * وَهُنّ غداةَ الحشرِ من سُندسٍ خُضرُ
ولَهفي لزينِ العابدينَ وقد سرى * * * أسيراً عليلاً لا يُفَكُّ له أسرُ
وآلُ رسولِ اللهِ تُسبى نساؤهم * * * ومن حولهنَّ السترُ يُهتكُ والخِدرُ
سبايا بأكوارِ المطايا حواسراً * * * يُلاحِظُهُنَّ العبدُ في الناس والحُرُّ
ورملةُ(494) في ظلِّ القصور مصونة * * * يناطُ على أقراطِها الدُرُّ والتِّبرُ
فويلُ يزيدٍ من عذاب جهنّم * * * إذا أقبلت في الحشرِ فاطمةُ الطُهرُ
ملابُسها ثوبٌ من السُمّ أسودٌ * * * وآخرُ قانٍ من دم السّبطِ مُحمَرُّ
تنادي وأبصار الأنام شواخصٌ * * * وفي كلِّ قلبٍ من مهابتِها ذُعرُ
وتشكو إلى الله العليّ وصوتُها * * * عليٌّ ومولانا عَلِيٌّ لها ظَهرُ
فلا ينطقُ الطاغي يزيدُ بما جنى * * * وأنَّى له عُذرٌ ومَن شَأنه الغَدرُ
فيؤخذُ منه بالقصاص فيُحرمَ النَـ * * * ـعيمَ ويُخلى في الجحيمِ له قَصرُ
ويشدُو له الشادي فيطر به الغنا * * * ويسكب في الكأس النُضار(495) له خمرُ
فذاك الغِنا في البعثِ تصحيفهُ العَنا * * * وتَصحيفُ ذاك الخَمر في قَلبِهِ الجَمرُ
أيُقرعُ جهلاً ثغرُ سِبطِ محمّدٍ؟! * * * وصاحب ذاك الثغرِ يُحمى به الثَغرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(494) رملة بنت معاوية، شبّب بها عبد الرحمن بن حسّان بأبيات أوّلها:
رملُ هل تذكرين يوم غزالٍ * * * إذ قطعنا مسيرنا بالتمنّي
ولهذا التشبيب قصّة توجد في معاجم التراجم. هامش الغدير ج 7 ص 17.
(495) «النُضار»، الذهب والفضّة، وقد غلّب على الذهب. لسان العرب: ج 5 ص 213 «نضر».
فليسَ لأخذِ الثارِ إلّا خليفةٌ * * * يكون لِكَسر الدين مِن عَدلِهِ جَبرُ
تَحُفُّ به الأملاكُ من كلّ جانبٍ * * * ويَقدِمُهُ الإقبالُ والعِزّ والنَصرُ
عوامِلُهُ في الدارِ عينَ شوارعٌ * * * وحاجبُهُ عيسى وناظِرُهُ الخِضرُ
تُظَلِّلُهُ حَقّاً عمامَةُ جَدِّهِ * * * إذا ما ملوكُ الصِّيدِ ظَلَّلَها الجَبرُ
محيطٌ على عِلم النبوّةِ صَدرُهُ * * * فطوبى لعلمٍ ضمَّهُ ذلكَ الصَدرُ
هو ابن الإمام العسكريّ محمّد التـ * * * ـقيّ النقيّ الطاهِرُ العَلمُ الحَبرُ
سليلُ علي الهادي ونجلُ محمّد الجـ * * * ـواد وَمَن في أرض طُوسٍ له قَبرُ
عليّ الرضا وهو ابن موسى الذي قضى * * * ففاحَ على بغداد مِن نَشرِهِ عِطرُ
وصادقُ وعدٍ إنّه نجلُ صادقٍ * * * إمامٌ به في العِلمِ يفتخرُ الفَخرُ
وبهجةُ مولانا الإمام محمدٍ * * * إمامٌ لِعِلمِ الأنبياء لَهُ بَقرُ
سلالةُ زينِ العابدين الذي بكى * * * فمِن دَمعهِ يُبسُ الأعاشِبِ مخضَرُّ
سليلُ حسينِ الفاطمي وحيدر الـ * * * ـوصيِّ فمِن طُهرٍ نمى ذلكَ الطُهرُ
له الحسن المسمومُ عَمٌّ فَحَبِّذا الإ * * * مامَ الذي عَمَّ الوَرى جُودُهُ الغَمرُ
سَمِيُّ رسولِ الله وارثُ علمِهِ * * * إمامٌ على آبائِهِ نَزَل الذِكرُ
هُم النّورُ نورُ الله جلّ جلالُهُ * * * هُم التّينُ والزيتونُ والشَفعُ والوِترُ
مهابِطُ وحي الله خُزّانُ علمِهِ * * * ميامينٌ في أبياتهم نَزَل الذِكرُ
وأسماؤهم مكتوبةٌ فوق عَرشِهِ * * * ومكنونَةٌ مِن قَبلِ أن يُخلَقَ الذَرُّ
ولولاهُمُ لم يَخلقِ الله آدماً * * * ولا كان زَيدٌ في الأنامِ ولا عَمرُو
ولا سُطِحَت أرضٌ ولا رُفِعَت سَما * * * ولا طَلَعَت شَمسٌ ولا أشرقَ البدرُ
ونُوحٌ به في الفُلكِ لَمّا دَعا نَجا * * * وَغِيضَ به طُوفانُه وقُضِيَ الأمرُ
ولولاهُمُ نارُ الخليل لَما غَدَت * * * سلاماً وبَرداً وانطفى ذلك الجَمرُ
ولولاهُمُ يعقوبُ ما زالَ حُزنُهُ * * * ولا كانَ عَن أيُّوبَ ينكشفُ الضُرُ
وَلانَ لداودَ الحديدُ بسرِّهِم * * * فَقدَّرَ في سَردِ يَحيرُ به الفِكرُ
وَلَمّا سُليمانُ البساطُ به سرى * * * أُسِيلت لَهُ عينٌ يفيضُ له القِطرُ
وَسُخِّرَتِ الرِّيحُ الرُّخاءُ بأمرهِ * * * فَغَدوَتُها شَهرٌ ورَوحَتُها شَهرُ
وَهُم سِرّ موسى والعصا عندما عصى * * * أوامِرَهُ فرعونُ والتَقَفَ السِّحرُ
ولولاهُمُ ما كان عيسى بن مريمَ * * * لِعازِرَ من طيّ اللّحودِ له نَشرُ
علابِهمُ قَدري وفخري بهم غلا * * * ولولاهم ما كان في الناس لي ذِكرُ
مُصابكُمُ يا آل طه مُصيبةٌ * * * ورزءٌ على الإسلام أحدثَهُ الكُفرُ
سأندُبُكم يا عُدَّتي عند شدّتي * * * وأبكيكُمُ بعدي المراثي والشعرُ
عرائسُ فِكرِ الصالحِ بن ِعَرَندسٍ * * * قبولُكُمُ يا آلَ طه لَها مَهرُ
وكيفَ يحيط الواصفون بمدحكم * * * وفي مدح آيات الكتابِ لكم ذكرُ
ومَولِدُكُم بطحاء مَكّةَ والصَّفا * * * وزمزمُ والبيت المحرّم والحِجرُ
جعلتُكُمُ يوم المعادِ وَسيلتي * * * فطُوبى لِمَن أمسى وأنتم لَهُ ذُخرُ
سَيُبلي الجديدانِ الجديدَ وحُبُّكم * * * جديدٌ بقلبي ليس يُخلِقُهُ الدَهرُ
عليكم سلامُ الله ما لاحَ بارِقٌ * * * وَحَلَّت عُقودُ المُزنٍ وانتشَرَ القَطرُ
هذا تمام القصيدة ذات الشرف، التي يؤمل بقراءتها التشرف.
والسؤال المطروح في المقام هو أنه كيف تُدرَك هذه السعادة العظمى والفضيلة الكبرى؟
مع العلم بأن الحكمة البالغة تقتضي غيبة الامام (عليه السلام)، والّا لم يغب. فالبناء على الغيبة لا على الرؤية أساساً.
لذلك لم يكن عدم تشرف المؤمن بخدمته (عليه السلام) كاشفاً عن عدم كونه انساناً صالحاً، بل لعله من أجل عدم كون المصلحة مقتضيه.
الا أن تشرفه توفيق وفيض حقيق، ونعمة عظيمة بالتحقيق.
لذلك اُمرنا أن ندعوا بأن يرزقنا الله تعالى ذلك، والرزق يكون في النعم.
ففي الدعاء الشريف من حرز الامام زين العابدين (عليه السلام): «وارزقني رؤية قائم آل محمد»(496).
والطريق الى نعمة التشرف ورؤية صاحب الشرف الامام الحجة (عليه السلام)، هو الطريق الذي بيّنه هو وأرشد اليه سلام الله عليه في توقيعه المبارك الى شيخ الشيعة المفيد اعلى الله مقامه في حديث الاحتجاج(497) في قوله:
«ولو أن أشياعنا - وفقهم الله لطاعته - على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخّر عنهم الُيمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا، على حق المعرفة وصدقها منهم بنا. فما يحبسنا عنهم الا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم...».
ويظهر من هذا التوقيع الشريف بوضوح بكلمة واحدة أن طريق التشرف بخدمته ورؤيته، ووصول المؤمنين اليه هو الوفاء بعهد الله علينا، والعزم على ذلك بقلوبنا.
فما هو هذا الوفاء؟
الجواب: أن الوفاء بعهد الله تعالى يلزم أن يستفاد من أدلة الوفاء المذكورة في لسان الشرع، في مثل:
قوله تعالى: (الذينَ ينقُضُونَ عهدَ اللهِ من بعدِ ميثاقِهِ)(498).
قوله تعالى: (وأوفُوا بعهدي اُوفِ بعهدِكم)(499).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(496) مهج الدعوات: ص 24.
(497) الاحتجاج: ح 2 ص 325.
(498) سورة البقرة: الآية 27.
(499) سورة البقرة: الآية 41.
قوله تعالى: (مَن أوفى بعهدِه واتّقى فانّ اللهَ يحبُّ المتقين)(500).
قوله تعالى: (وأَوفُوا بالعهد إنّ العهدَ كانَ مسئولا)(501).
قوله تعالى: (ألَم أعهَد إليكُم يا بني آدَمَ أن لا تعبدوا الشيطان)(502).
والمستفاد من المذكور من تفسيرها، أن الوفاء بالعهد هي الأمور العشرة الآتية:
1 - الإقرار لله تعالى بالربوبيّة، ولمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالنبوة، ولعليّ (عليه السلام) بالإمامة ولشيعتهم بالجنة والكرامة.
2 - عدم إخفاء شرافة أهل البيت (عليهم السلام)، وعدم وضع أسمائهم الشريفة على من لا يستحقها من المقصّرين والمسرفين والضالّين والمضلّين.
3 - الوفاء بالعهد الذي أخذه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على الناس في مودة أهل البيت وطاعتهم، وأن لا يخالفوا أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولا يتقدموا عليه، ولا يقطعوا رَحِمَه.
4 - الوفاء بالميثاق المأخوذ في الدين يوم الغدير بولاية علي بن أبي طالب والأئمة من بعده (عليهم السلام).
5 - الوفاء بأهل البيت (عليهم السلام) والبقاء عليه وعدم نقضه وخفره.
6 - التفكر في مصنوعات الله تعالى التي هي من دلائل توحيده.
7 - أداء الأمانات وعدم الخيانة فيها.
8 - ملازمة العدل وتأدية أحكام الشرع وعدم ارتكاب الظلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(500) سورة آل عمران: الآية 76.
(501) سورة الإسراء: الآية 34.
(502) سورة يس: الآية 60.
9 - امتثال تكاليف الله، من فعل الواجبات وترك المحرّمات.
10 - عدم عبادة الشيطان ومتابعته(503).
نسأل الله التوفيق للوفاء بعهد الله وما يريده، والمنّ علينا بالتجنّب عما يكرهه، والتفضّل علينا برؤية محيّاه الأمجد ووجهه الأسعد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(503) لاحظ لاستفادة الامور العشرة: مرآة الأنوار: ص 158، عن تفسير الامام العسكري (عليه السلام). كنز الدقائق: ج 1 ص 309، وج 3 ص 133، وج 4 ص 481، وج 7 ص 405.
النُّدبة في اللغة هي الدعوة، يقال: ندبتُه الى الأمر ندباً اي دعوته، وَندَبه الى الأمر: دعاه وحثّه عليه، والنُّدبة هي: الدعوة بحُزن مع تعديد المحاسن.
وندبة الامام المهدي (عليه السلام) من أحسن انحاء الدعاء والتوجّه الى الله في الشدّة والرّخاء، وفضل الدعاء والتوجّه أمرٌ معلوم(504).
في حين هي ابراز المحبة الى ساحة قدس الامام (عليه السلام)، وإظهار الاشتياق اليه، ودعاء بتعجيل فرجه، وسؤال الى الله في ظهور دولته، وهو أمر مرغوب(505).
وهي أيضاً سؤال الى الله تعالى في مثل فقرة: «وهَب لنا رأفته ورحمته ودعاءه» بان يدعو لنا الامام المهدي (عليه السلام)، وهو صاحب الدعاء المستجاب والوسيلة الى الله الوهاب.
والقدوة والأسوة في ندبته (عليه السلام) - حيث يلزم أن نتأسّى به - هو مولانا الامام الصادق (عليه السلام)، حيث نَدَبَه قبل ولادته، فيما تلاحظه في حديث سدير الصيرفي قال:
فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري...، وهو يبكي الواله الثكلى ذات الكبد الحرّى...، وهو يقول:
«سيدي، غيبتك نفت رقادي، وضيّقت عليّ مهادي، وابتزّت منّي راحة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(504) لاحظ فضل الدعاء والحث عليه في الكتاب الكريم والأحاديث الشريفة: عدة الداعي: ص 11.
(505) خصوصاً الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام) وتعجيل فرجه الذي اُمرنا بالإكثار منه: كمال الدين: ص 485.
فؤادي» الخ(506).
ونُدبته (عليه السلام) مرغوبة، حتى في زيارته التي اُمِر بتلاوتها؛ اعني زيارة آل يس المعروفة بزيارة الندبة.
قال السيد ابن طاووس:
«زيارة ثانية لمولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه، وهي المعروفة بالندبة. خرجت من الناحية المحفوفة بالقدس الى ابي جعفر محمد بن عبد الله الحميري رحمه الله، وأمر أن تتلى...».
ثم ذكر صورة زيارة سلامٌ على آل يس المباركة(507).
ودعاء الندبة الشريفة الممثِّلة للمحاسن الجليلة للامام الحجة (عليه السلام) من الأدعية المعتبرة سنداً ودلالةً، الوارد قراءتها في الأعياد الاسلامية الأربعة: الغدير، والفطر والأضحى، والجمعة.
وقد جاء هذا الدعاء في مصباح الزائر للسيد ابن طاووس(508)، وبحار الانوار للعلامة المجلسي(509).
سند الدعاء الشريف
مصدر دعاء الندبة الشريف هو الكتاب المعتمد «المزار الكبير» محمد بن المشهدي(510). جاء فيه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(506) كمال الدين: ص 354 ح 50.
(507) مصباح الزائر: ص 430.
(508) مصباح الزائر (للسيد ابن طاووس): ص 446.
(509) بحار الانوار (للعلامة المجلسي): ج 102 ص 104 ب 7، زيارات الامام الحجة (عليه السلام).
(510) له ثلاث نسخ خطية في مكتبة امير المؤمنين (عليه السلام)، ومكتبة السيد الحكيم، ومكتبة السيد المرعشي، كما حكى.
«قال محمد بن علي بن أبي قُرّة: نقلت من كتاب ابي جعفر محمد بن الحسين البزوفري (رضي الله عنه) دعاء الندبة، وذكر انه الدعاء لصاحب الزمان صلوات الله عليه، ويستحب أن يُدعى به في الأعياد الأربعة، وهو: الحمد لله رب العالمين...».
وفي بيان تحليل هذا السند المعتبر بجميع رجاله نقول:
كتاب المزار الكبير من المصادر المعتبرة عند اصحابنا الابرار، حيث ذكره عند توثيق المصادر المولى المجلسي في مقدمة البحار(511)، وحقق اعتباره الميرزا النوري في خاتمة المستدرك(512)، ونقله الشيخ الطهراني في الذريعة(513).
ومؤلفة الشيخ ابي عبد الله محمد بن جعفر المشهدي الحائري.
قال فيه الشيخ منتجب الدين في الفهرست:
«ابو البركات محمد بن اسماعيل المشهدي، فقيه، محدث، ثقة»(514).
وهو من كبار محدّثي الاماميّة ما بين القرن السادس والسابع(515).
وهو الشيخ الجليل السعيد المتبحّر، عظيم المنزلة والمقدار(516).
فهو رحمه الله تعالى مورد الوثوق والمدح، وقد وثّق جميع رواته في كتاب مزاره حيث قال في مقدمته:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(511) مقدمة البحار: ج 1 ص 35.
(512) خاتمة المستدرك: ج 3 ص 368.
(513) الذريعة: ج 20 ص 324.
(514) المستدرك: ج 3 ص 368.
(515) ريحانة الادب: ج 8 ص 208.
(516) الكنى والألقاب: ج 1 ص 396.
«فاني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات للمشاهد، وما ورد في الترغيب في المساجد المباركات، والأدعية المختارات، وما يُدعى به عقيب الصلوات، وما يُناجى به القديم تعالى من لذيذ الدعوات في الخلوات، وما يُلجأ اليه من الأدعية عند المهمات، ممّا اتّصَلَت من ثُقات الرواة الى السادات».
وعليه فكتاب المزار معتمد، وصاحبه موثوق، ورواته موثقون بتوثيقه العام.
وأما ابن ابي قرة، فهو الشيخ الثقة الجليل ابو الفرج محمد بن علي بن يعقوب بن اسحاق بن أبي قرة القناني الكاتب.
ويكفي فيه - مضافاً الى التوثيق العام من ابن المشهدي - توثيق النجاشي له بقوله:
«كان ثقة وسمع كثيراً وكتب كثيراً، وكان يورّق لأصحابنا ومعنا في المجالس، له كتب منها كتاب عمل يوم الجمعة، كتاب عمل الشهور، كتاب معجم رجال ابي المفضل، كتاب التهجد. أخبرني وأجازني جميع كتبه»(517).
وأما البزوفري، فهو الشيخ الأجل ابو جعفر محمد بن الحسين بن سفيان البزوفري، وهو من مشايخ الشيخ المفيد الذي روى مكرراً عنه مع الترحّم عليه(518). فيستفاد الوثوق به والاعتماد عليه، مضافاً الى التوثيق العام من ابن المشهدي فيما تقدم عن كلامه.
فالسند تام في جميع رواته الى قوله في المزار:
«وذكر (يعني البزوفري) أنه الدعاء لصاحب الزمان صلوات الله عليه».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مما يستفاد انه يروي هذا الدعاء عن صاحب الأمر أرواحنا فداه ومن جانبه، كما ترى هكذا تعبير في نسبة الأدعية والخطب للمعصومين (عليهم السلام) حين يقال: ومن دعاء له او من خطبة له، لا أنه دعاء يُدعى به لوجود صاحب الأمر (عليه السلام).
وذلك لقرينتين تفيدان كون هذا الدعاء من المعصوم (عليه السلام):
الاولى: قوله: «يُستحب أن يُدعى به»، فان الاستحباب من الاحكام التكليفية التوقيفية التي لا يقول بها علماؤنا الّا اذا ثبتت عن المعصوم (عليه السلام).
الثانية: قوله: «يدعى به في الاعياد الأربعة»، فان تعيين الزمان الخاص لدعاءٍ لا يكون الّا في المأثور، والّا فغير المأثور لا يمكن تعيين زمانٍ خاصٍ له ولا يختص بزمان.
فيستفاد من هاتين القرينتين وبالسند المعتمد في البين، انه دعاء مأثور عن المعصوم (عليه السلام).
متن الدعاء الشريف
دراسة خاطفة في متن دعاء الندبة الشريفة، تعطينا نور المعرفة بأنه أجلّ الأدعية المباركة، التي يشهد متنها بعلو قدرها والاستغناء عن سندها.
فان فقراتها الفصيحة مبتنية على أصول الدين القويم، ومنسجمة مع آيات الذكر الحكيم، وأحاديث الوحي الكريم مما توسمها بقوّة المتن مضافاً الى اعتبار السند.
فنرى أنها تبتدي ببيان الربوبية الالهية المحمودة، وإظهار كمال المحمود في أول فقرةٍ من متنها يعني:
«الحمد لله ربّ العالمين».
ثم تبيّن عدالة الله تعالى في خلقه بارسال رُسله في فقرة:
«إقامة لدينك وحجة على عبادك، ولئلا يزول الحق عن مقرّه، ولا يغلب الباطل على أهله».
ثم تهدي الى النبوّة المقدسة ورسالة خاتم الانبياء (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقوله:
«الى أن انتهيت بالأمر الى حبيبك ونجيبك محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فكان كما انتجبته سيد من خلقته، وصفوة من اصطفيته، وأفضل من اجتبيته، واكرم من اعتمدته. قدّمته على انبيائك، وبعثته الى الثقلين من عبادك».
ثم تصرّح بالامامة الحقّة والخلافة الصادقة ببيانها:
«فلما انقضت أيّامُه أقام وليَّه علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما وآلهما هادياً، إذ كان هو المنذر ولكلّ قوم هاد. فقال والملأُ أمامه: من كنتُ مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ مَن عاداه، وانصر من نصره اخذل من خذله...».
ثم تختم الدعاء بالمعاد والقيامة الكبرى ومشاهدها العظمى:
«واسقنا من حوض جدّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بكأسه وبيده ريّاً رويّاً سائغاً لا ظمأ بعده يا أرحم الراحمين».
كل ذلك مشحوناً بالآيات القرآنية والكلمات الالهيّة في مثل:
«ووعدته أن تُظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون...، وجعلت له ولهم أوّلَ بيت وضع للناس، للذي ببكّة مباركاً وهدى للعالمين، فيه آيات بيّنات، مقام ابراهيم ومن دخله كان آمناً، وقلت: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً.... فقلت: قل لا أسألكم عليه أجراً الّا المودة في القربى».
بالإضافة الى أنها مسندة في طيّها ضمناً بالاحاديث النبوية المتفق عليها
بين الفريقين: مثل حديث الغدير: «من كنت مولاه فعليّ مولاه».
وحديث المنزلة: «انت منّي بمنزلة هارون من موسى».
وحديث مدينة العلم: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها».
هذا مع اشتمال فصل الامامة فيها على أبرز معاني الحقيقة الصادعة والفضيلة الصادقة مثل:
1 - مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام): «وكان بعده هدىً من الضلال، ونوراً من العمى، وحبل الله المتين، وصراطه المستقيم. لا يُسبق بقرابة في رَحِم، ولا بسابقةٍ في دين، ولا يُلحق في منقبةٍ من مناقبه».
2 - التفجّع على أهل البيت (عليهم السلام):
«لم يمتثل أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الهادين بعد الهادين... فقتل من قُتل، وسُبي من سبي، وأقصى من اُقصى» الخ.
3 - ندبة الامام المهدي (عليه السلام):
«أين بقية الله التي لا تخلو من العترة الهادية. أين المُعدّ لقطع دابر الظلمة. أين المنتظر لإقامة الأمت والعوج. اين المرتجى لإزالة الجور والعدوان. اين المدّخر لتجديد الفرائض والسنن» الخ.
4 - الاستغاثة بالإمام المهدي (عليه السلام): «يا بن السادة المقربين، يا بن النجباء الأكرمين، يا بن الهداة المهديّين، يا بن الخيرة المهذّبين» الخ.
5 - التحبب واظهار الحب للإمام المهدي (عليه السلام):
«بنفسي أنت من مغيّب لم يخلُ منّا. بنفسي أنت من نازحٍ ما نَزَح عنّا. بنفسي أنت اُمنيّة شائقٍ يتمنّى» الخ.
6 - الدعاء الى الله تعالى:
«اللهم أنت كشّاف الكرب والبلوى، واليك أستعدي فعندك العدوى،
وأنت ربّ الآخرة والدنيا. فاغث يا غياث المستغيثين. عبيدك المبتلى» الخ.
7 - الصلاة على أهل البيت (عليهم السلام):
«اللهم صل على محمد وآل محمد وصلّ على محمد جده ورسولك السيد الاكبر، وعلى عليّ أبيه السيد الأصغر، وجدّته الصديقة الكبرى فاطمة بنت محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعلى من اصطفيت من آبائه البررة، وعليه...».
8 - التوسل الى الله تعالى وطلب الدولة الحقة: «اللهم وأقم به الحق، وأدحض به الباطل، وأدل به أوليائك، وأذلل به أعدائك، وصِلِ اللهم بيننا وبينه وُصلةً تؤدّى الى مرافقة سلفه، واجعلنا ممن يأخذ بحُجزتهم ويمكث في ظلّهم».
فتلاحظ أن كلّ ذلك في مضامين هذا الدعاء الشريف في أكمل درجات جلالة القدر وعظمة الشأن، وقوّة المتن، وجميعها مطابقة للحق الحقيق، رزقنا الله تعالى لتلاوته أتم التوفيق.
عرفت في البحث الثاني أن الظهور مقابلٌ للغيبة التي هي بمعنى الخفاء لا عدم الحضور.
وظهر الشيء ظهوراً أي برز بعد الخفاء(519).
وظهور الامام المهدي (عليه السلام) هي تلك الأمنية الكبرى والأنشودة العظمى، التي انتظرتها الأجيال، وعقدت عليها الآمال.
وهي تلك البشرى السارّة التي تؤذن بنهاية دور الغيبة، وبداية الدولة الحقة التي بشّرت بها الانبياء، ووعدتها كتب السماء.
(ولَقد كتبنا في الزبورِ من بعدِ الذِّكر أنَّ الأرضَ يرثُها عبادِيَ الصالحُون) سورة الانبياء: الآية 106.
ولا يخفى في المقام وجود الفرق بين ظهور الامام المهدي (عليه السلام) وبين قيامه.
فالظهور هو الخروج عن الاستتار، والقيام هي النهضة والابتداء بالعمل، ويكون الظهور أولاً، ثم القيام بعد الخطبة والبيعة ثانياً.
ويكون مبدأ ظهوره (عليه السلام) في المدينة، ثم يتوجّه الى مكة ليظهر فيها كاملاً، ويكون القيام من مكة بعدما يجتمع الأصحاب والأنصار(520).
فلنفصل بحث هذا الفصل في مرحلتين:
1 - ظهوره سلام الله عليه.
2 - قيامه أرواحنا فداه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(519) مجمع البحرين: ص 280.
(520) الامام المهدي من المهد الى الظهور: ص 463.
المرحلة الأولى: الظهور
إقتضت الحكمة الالهية البارعة أن يكون وقت ظهور الامام المهدي (عليه السلام) مجهولاً عند الناس.
لكن الى جنب ذلك جُعلَت له علامات يتم بها موعد البشارات.
لذلك وردت أحاديث عديدة في عدم توقيت أو تحديد ظهوره (عليه السلام) مثل:
1 - حديث الفضيل (قال): سألت أبا جعفر (عليه السلام) هل لهذا الأمر وقت؟
فقال: «كذب الوقاتون، كذب الوقاتون، كذب الوقاتون».
2 - حديث منذر الجواز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال):
«كذب الموقتون؛ ما وقّتنا فيما مضى، ولا نوقت فيما يستقبل».
3 - حديث محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال):
«من وقّت لك من الناس شيئاً، فلا تهابن أن تكذبه، فلسنا نوقت لأحد وقتاً»(521).
فمن الحكمة أن يكون وقت الظهور مكتوماً مخفياً كخفاء الأمور الأخرى، مثل ليلة القدر، أو وقت الموت.
ولعل من حِكَم خفاء وقت ظهوره (عليه السلام):
أولاً: درك فضيلة انتظار الفرج(522)، الذي هو من أفضل الأعمال وأهم الخصال.
فلو كان وقت ظهوره المبارك موقتاً ومحدداً معلوماً، لكان الانتظار مبدّلاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(521) الغيبة: ص 262.
(522) «الفَرَج» هو في اللغة بمعنى إنكشاف الغم والهم. يقال: فرّج الله عنك غمّك أو همّك، يعني: كشفه، كما في: مجمع البحرين: ص 168، وإنكشاف الغم والهمّ في هذه الأمة يكون بظهور وليّها الإمام المنتظر (عليه السلام).
الى اليأس عند الملايين من المؤمنين الماضين والحاضرين، ممن لم يكونوا قريبي العصر مع وقت الظهور. فلم تحصل لهم ولم ينالوا حالة الانتظار مع تلك الأهمية الفائقة لها التي بيّنتها الأحاديث المتظافرة مثل:
1 - حديث ابي بصير عن الامام الصادق (عليه السلام) أنّه قال ذات يوم:
«ألا اُخبركم بما لا يقبل الله (عزَّ وجلَّ) من العباد عملاً إلّا به؟
فقلت: بلى.
فقال: شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنَّ محمّداً عبده [ورسوله]، والاقرار بما أمر الله، والولاية لنا (يعني الأئمّة خاصّة)، والبراءة من أعدائنا والتسليم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنينة، والانتظار للقائم (عليه السلام).
ثمَّ قال: إنَّ لنا دولةً يجيء الله بها إذا شاء.
ثمَّ قال: من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر. فان مات وقام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه. فجدّوا وانتظروا(523) هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة»(524).
2 - حديث ابي الجارود، عن الامام الباقر (عليه السلام). قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): يا بن رسول الله، هَل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إيّاكم؟
قال: فقال:
«نعم. قال: فقلت: فإني أسألك مسألة تجيبني فيها، فإنِّي مكفوف البصر، قليل المشي، ولا أستطيع زيارتكم كلَّ حين.
قال: هات حاجتك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(523) في بعض النسخ «فجدوا تعطوا، هنيئاً هنيئاً».
(524) الغيبة (للشيخ النعماني): ص 200 ب 11 ح 16.
قلت: أخبرني بدينك الذي تدين الله (عزَّ وجلَّ) به أنت وأهل بيتك، لأدينَ الله (عزَّ وجلَّ) به.
قال: إن كنت أقصرت الخطبة(525) فقد أعظمت المسألة. والله لاُعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين الله عزَّ وجلّ به.
شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والإقرار بما جاء به من عند الله، والولاية لوليّنا، والبراءة مِن عذوِّنا، والتسليم لأمرنا، وانتظار قائمنا والاجتهاد والورع»(526).
3 - حديث البزنطي، عن الامام الرضا (عليه السلام) أنه قال:
«ما أحسن الصبر وانتظار الفرج. أما سمعت قول الله (عزَّ وجلَّ): (وارتقبوا إنّي معكم رقيب)(527)، (فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين)؟
فعليكم بالصبر، فإنّه إنّما يجيء الفرج على اليأس، فقد كان الّذين من قبلكم أصبر منكم»(528).
4 - حديث الأربعمائة الشريف جاء فيه:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
«انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله، فانَّ أحبَّ الأعمال إلى الله (عزَّ وجلَّ) انتظار الفرج».
وقال (عليه السلام): «مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة ملك مؤجَّل، واستعينوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(525) الظاهر أن الخطبة بضم الخاء بمعني ما يتقدم من الكلام المناسب قبل اظهار المطلوب، كما في مرآة العقول.
(526) اصول الكافي: ج 2 ص 21 ح 10.
(527) تمام الآية في: سورة هود: الآية 93: (يا قوم اعملوا على مكانتكم اني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا اني معكم رقيب).
(528) كمال الدين: ص 645 ب 55 ح 5.
بالله واصبروا.
إنَّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين. لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، ولا يطولنَّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم».
وقال (عليه السلام): «الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس، والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله»(529).
فنلاحظ وتعرف من خلال هذه الاحاديث الشريفة أن انتظار الفرج الالهي من الأسس الدينية التي جعلها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أفضل أعمال اُمته.
إذ به فاز الاسلام منذ بدئه، حينما لم يكن الا هو (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وابن عمه (عليه السلام) وناصراه سيدنا أبو طالب والسيدة خديجة.
وبه دام الاسلام ببركة جهاد وجهود اوصياءه وعترته.
وبه يظهر الاسلام على الدين كله والكون جميعه بظهور مُصلحه وصاحبه.
فانتظار الفرج الحقيقي هي العُدّة والعَدد والحفاظ في قبال الصدمات والكوارث والمخططات، التي يريد بها الاعداء أن يطفئوا نور الله: (ويأبى الله الا أن يتم نوره ولو كره المشركون).
لذلك يحق أن يكون انتظار الفرج وعدم اليأس هو الأصل الاصيل لبقاء العقيدة الاسلامية الخالصة، المتجسدة في ظهور الامام المهدي (عليه السلام) ودولته الحقّة.
ثانياً: ما في انتظاره (عليه السلام) من التهيؤ لمقدمه الشريف واصلاح النفس لقدومه المبارك(530).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(529) البحار: ج 52 ص 122 ب 22 ح 7.
(530) ظهور حضرت مهدي (عليه السلام).: ص 203.
وهذا الانتظار الشريف يوجب إصلاح النفس وقابلية الشخص، بل درجات الفضل والكمال.
كما نلاحظه وجداناً فيمن اتصف به حقيقةً من المؤمنين المنتظرين الذين حازوا الكرامات ونالوا المكرمات.
ثالثاً: حكمة الامتحان واختبار الخلق.
كيف يكون تصديق الناس وتسليمهم لظهور الامام المهدي (عليه السلام) الذي لم يعرفوا وقته، ولم يعلموا زمانه.
وكيف يكون ثُباتهم وصبرهم على أمرٍ لم يطّلعوا على حين تحققه.
فيُمتحنون به (أحسبَ الناسُ أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهُم لا يُفتَنون ولقد فتنّا الذين من قبلِهم فَلَيعلمَنَّ الله الذين صدقوا ولَيَعلمَنَّ الكاذبين)(531).
وعند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان، وبه يتبيّن الحال وحقائق الرجال. فالحكمة البالغة إذن تقتضي خفاء زمان الظهور وعدم توقيته.
لكن قلنا: أن للظهور علائمه التي تُعلن عن بشارة تحققه، وقد ورد ذكرها في الأحاديث المباركة.
وقد قُسّمت هذه العلائم الى أقسام ثلاثة:
القسم الأول: العلائم العامة التي تحدث في زمان غيبة الامام المهدي (عليه السلام).
القسم الثاني: العلائم التي تحدث قبل ظهور الامام المهدي (عليه السلام) بسنوات غير كثيرة.
القسم الثالث: العلائم التي هي قريبة من الظهور، في سنتها أو قبلها.
والقسم الثالث هذا على نوعين: المحتومة وغير المحتومة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(531) سورة العنكبوت: الآية 3.
ونشير الى هذه الأقسام باختصار:
القسم الاول: العلائم العامة
وهي علامات كثيرة وحوادث متكاثرة، تحدث في الغيبة الكبرى قبل الظهور، مثل خروج الدجال ونحوه، وقد جاءت في روايات عديدة مثل:
1 - حديث النزال بن سبرة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: خَطَبَنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فحمد الله (عزَّ وجلَّ) وأثنى عليه وصلّى على محمّد وآله، ثمَّ قال:
«سلوني أيّها النّاس قبل أن تفقدوني - ثلاثاً -.
فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال: يا أمير المؤمنين، متى يخرج الدجّال؟
... فقال (عليه السلام): احفظ، فانَّ علامة ذلك، إذا أمات النّاس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلّوا الكذب، وأكلوا الرِّبا، وأخذوا الرُّشا، وشيّدوا البنيان، وباعوا الدِّين بالدُّنيا، واستعملوا السفهاء، وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتّبعوا الأهواء، واستخفّوا بالدِّماء.
وكان الحلم ضعفاً، والظلم فخراً، وكانت الاُمراء فجرة، والوزراء ظلمة، والعرفاء خونة، والقرَّاء فسقة، وظهرت شهادة الزُّور، واستعلن الفجور، وقول البهتان، والإثم والطغيان، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطوّلت المنارات، واُكرمت الأشرار، وازدحمت الصفوف، واختلفت القلوب، ونقضت العهود، واقترب الموعود، وشارك النساء أزواجهنَّ في التّجارة حرصاً على الدّنيا، وعلت أصوات الفسّاق واستمع منهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، واتُّقي الفاجر مخافة شرِّه، وصُدِّق الكاذب، وائتُمن الخائن.
واتُّخذت القيان والمعازف(532)، ولعن آخر هذه الاُمّة أوَّلها، وركب ذوات الفروج السروج، وتشبّه النساء بالرِّجال والرِّجال بالنساء، وشهد الشاهد من غير أن يُستشهد، وشهد الآخر قضاء لذمام بغير حقٍّ عرفه، وتُفقّه لغير الدِّين، وآثروا عمل الدُّنيا على الآخرة، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذِّئاب، وقلوبهم أنتن من الجيف وأمرُّ من الصبر...»(533).
2 - الحديث العلوي الشريف:
«يظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة - وهو شرّ الازمنة - نسوةٌ كاشفات عاريات متبرجات، من الدين [خارجات خ ل]، داخلات في الفتن، مائلات الى الشهوات، مسرعات الى اللذات، مستحلّات للمحرمات، في جهنّم [داخلات خ ل] خالدات»(534).
3 - الحديث الصادقي الشريف المفصّل، جاء فيه:
«ألا تعلم أنَّ من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف، هو غداً في زمرتنا.
فاذا رأيت الحقَّ قد مات وذهب أهله، ورأيت الجور قد شمل البلاد، ورأيت القرآن قد خلق، واُحدث فيه ما ليس فيه، ووُجّه على الأهواء، ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفئ الاناء(535).
ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحقِّ، ورأيت الشرَّ ظاهراً لا ينهي عنه ويعذَّر أصحابه، ورأيت الفسق قد ظهر، واكتفى الرِّجال بالرِّجال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(532) جميع قينة: الاماء المغنيات.
(533) كمال الدين: ص 525 ب 47 ح 1.
(534) منتخب الأثر: ص 426.
(535) «الماء»، خ ل.
والنساء بالنساء، ورأيت المؤمن صامتاً لا يقبل قوله، ورأيت الفاسق يكذب ولا يردُّ عليه كذبه وفريته، ورأيت الصغير يستحقر بالكبير، ورأيت الأرحام قد تقطّعت، ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يردُّ عليه قوله.
ورأيت الغلام يعطى ما تعطى المرأة، ورأيت النساء يتزوَّجن النساء، ورأيت الثناء قد كثر، ورأيت الرَّجل ينفق المال في غير طاعة الله فلا ينهي ولا يؤخذ على يديه، ورأيت الناظر يتعوَّذ بالله ممّا يرى المؤمن فيه من الاجتهاد، ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع.
ورأيت الكافر فرحاً لما يرى في المؤمن، مرحاً لما يرى في الأرض من الفساد، ورأيت الخمور تشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله (عزَّ وجلَّ)، ورأيت الآمر بالمعروف ذليلاً، ورأيت الفاسق فيما لا يحبُّ الله قويّاً محموداً، ورأيت أصحاب الآيات يحقَّرون ويحتقر من يحبّهم، ورأيت سبيل الخير منقطعاً وسبيل الشرِّ مسلوكاً، ورأيت بيت الله قد عُطّل ويؤمر بتركه، ورأيت الرَّجل يقول ما لا يفعله.
ورأيت الرِّجال يتسمّنون للرِّجال والنساء للنساء، ورأيت الرَّجل معيشته من دبره، ومعيشة المرأة من فرجها، ورأيت النساء يتّخذن المجالس كما يتّخذها الرِّجال.
ورأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر، وأظهروا الخضاب، وامتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها، وأعطوا الرِّجال الأموال على فروجهم، وتنوفس في الرَّجل وتغاير عليه الرِّجال، وكان صاحب المال أعزَّ من المؤمن، وكان الرِّبا ظاهراً لا يعيّر، وكان الزنا تمتدح به النساء.
ورأيت المرأة تصانع زوجها على نكاح الرِّجال، ورأيت أكثر الناس وخير بيت من يساعد النساء على فسقهنَّ، ورأيت المؤمن محزوناً محتقراً ذليلاً،
ورأيت البدع والزِّنا قد ظهر، ورأيت الناس يعتدُّون بشاهد الزُّور، ورأيت الحرام يحلّل، ورأيت الحلال يحرَّم، ورأيت الدِّين بالرأي، وعُطّل الكتاب وأحكامه، ورأيت اللّيل لا يستخفي به من الجرأة على الله.
ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلّا بقلبه، ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط الله (عزَّ وجلَّ).
ورأيت الولاة يقرِّبون أهل الكفر ويباعدون أهل الخير، ورأيت الولاة يرتشون في الحكم، ورأيت الولاية قبالة لمن زاد.
ورأيت ذوات الأرحام ينكحن ويكتفي بهنَّ، ورأيت الرَّجل يقتل على [التهمة وعلى] الظنّة، ويتغاير على الرَّجل الذكر فيبذل له نفسه وماله، ورأيت الرَّجل يعيّر على إتيان النساء، ورأيت الرَّجل يأكل من كسب امرأته من الفجور، يعلم ذلك ويقيم عليه، ورأيت المرأة تقهر زوجها. وتعمل ما لا يشتهي وتنفق على زوجها.
ورأيت الرَّجل يكري امرأته وجاريته، يرضى بالدَّنيّ من الطعام والشرب، ورأيت الأيمان بالله (عزَّ وجلَّ) كثيرة على الزُّور، ورأيت القمار قد ظهر، ورأيت الشراب تباع ظاهراً ليس عليه مانع، ورأيت النساء يبذلن أنفسهنَّ لأهل الكفر، ورأيت الملاهي قد ظهرت يمرُّ بها لا يمنعها أحد أحداً ولا يجترئ أحد على منعها، ورأيت الشريف يستذلّه الذي يخاف سُلطانه.
ورأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت، ورأيت من يحبّنا يزوَّر ولا يقبل شهادته، ورأيت الزور من القول يتنافس فيه.
ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه، وخفَّ على الناس استماع الباطل، ورأيت الجار يكرم الجار خوفاً من لسانه، ورأيت الحدود قد عطّلت
وعُمل فيها بالأهواء، ورأيت المساجد قد زخرفت، ورأيت أصدق الناس عند
الناس المفترى الكذب، ورأيت الشرَّ قد ظهر والسعي بالنميمة، ورأيت البغي قد فشا، ورأيت الغيبة تُستملح ويبشّر بها الناس بعضهم بعضاً.
ورأيت طلب الحجِّ والجهاد لغير الله، ورأيت السلطان يُذلّ للكافر والمؤمن، ورأيت الخراب قد اُديل من العمران، ورأيت الرَّجل معيشته من بخس المكيال والميزان، ورأيت سفك الدِّماء يستخفُّ بها.
ورأيت الرَّجل يطلب الرئاسة لعَرض الدُّنيا، ويشهّر نفسه بخبث اللسان ليتّقي وتسند إليه الاُمور، ورأيت الصلاة قد استخفَّ بها، ورأيت الرَّجل عنده المال الكثير لم يزكّه منذ ملكه، ورأيت الميت ينشر من قبره ويؤذى وتباع أكفانه، ورأيت الهرج قد كثر.
ورأيت الرَّجل يمسي نشوان ويصبح سكران لا يهتمُّ بما [يقول] الناس فيه، ورأيت البهائم تنكح، ورأيت البهائم تفرس بعضها بعضاً، ورأيت الرَّجل يخرج إلى مصلّاه ويرجع وليس عليه شيء من ثيابه، ورأيت قلوب الناس قد قست وجمدت أعينهم، وثقل الذِّكر عليهم، ورأيت السُّحت قد ظهر يتنافس فيه، ورأيت المصلى إنّما يصلّي ليراه الناس، ورأيت الفقيه يتفقّه لغير الدِّين يطلب الدُّنيا والرئاسة.
ورأيت الناس مع من غلب، ورأيت طالب الحلال يُذمُّ ويعيّر، وطالب الحرام يمدح ويعظّم، ورأيت الحرمين يعمل فيهما بما لا يحبُّ الله، لا يمنعهم مانع، ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد، ورأيت المعازف ظاهرة في الحرمين.
ورأيت الرَّجل يتكلّم بشيء من الحقِّ ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول: هذا عنك موضوع، ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض، ويقتدون بأهل الشرور، ورأيت مسلك الخير وطريقة خالياً لا
يسلكه أحد، ورأيت الميت يهزَّ[ء] به فلا يفزع له أحد.
ورأيت كلّ عام يحدث فيه من البدعة والشرِّ أكثر ممّا كان، ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلّا الأغنياء، ورأيت المحتاج يعطى على الضحك به، ويرحم لغير وجه الله، ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد، ورأيت الناس يتسافدون كما تسافد البهائم [اي علانية]، لا ينكر أحد منكراً تخوُّفاً من الناس، ورأيت الرَّجل ينفق الكثير في غير طاعة الله، ويمنع اليسير في طاعة الله.
ورأيت النساء قد غلبن على الملك، وغلبن على كلِّ أمر، لا يؤتى إلّا مالهنَّ فيه هوى، ورأيت ابن الرَّجل يفتري على أبيه، ويدعو على والديه، ويفرح بموتهما، ورأيت الرَّجل إذا مرَّ به يوم ولم يكسب فيه الذَّنب العظيم، من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر، كئيباً حزيناً يحسب أنَّ ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره.
ورأيت السلطان يحتكر الطعام، ورأيت أموال ذوي القربى تقسم في الزُّور ويتقامر بها ويشرب بها الخمور، ورأيت الخمر يتداوى بها وتوصف للمريض ويستشفى بها، ورأيت الناس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك التديّن به، ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق دائمة، ورياح أهل الحقِّ لا تحرك.
ورأيت الأذان بالأجر والصّلاة بالأجر، ورأيت المساجد محتشيةً ممّن لا يخاف الله، مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحقِّ، ويتواصفون فيها شراب المسكر، ورأيت السكران يصلّي بالناس فهو لا يعقل، ولا يشان بالسكر، وإذا سكر اُكرم واتّقي وخيف وترك لا يعاقب ويعذَّر بسكره.
ورأيت من أكل أموال اليتامى يحدَّث(536) بصلاحه، ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله، ورأيت الولاة يأتمنون الخوَنة للطمع، ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق والجرأة على الله، يأخذون منهم ويخلّونهم وما يشتهون ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى، ولا يعمل القائل بما يأمر.
ورأيت الصلاة قد استخفَّ بأوقاتها، ورأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه الله وتعطى لطلب الناس، ورأيت الناس همّهم بطونهم وفروجهم، لا يبالون بما أكلوا وبما نكحوا، ورأيت الدّنيا مقبلة عليهم، ورأيت أعلام الحقِّ قد درست.
فكن على حذر، واطلب من الله (عزَّ وجلَّ) النجاة، واعلم أنَّ الناس في سخط الله (عزَّ وجلَّ) [وإنّما يمهلهم لأمر يراد بهم. فكن مترقّباً! واجتهد ليراك الله (عزَّ وجلَّ)](537) في خلاف ما هم عليه.
فان نزل بهم العذاب وكنت فيهم، عجّلت إلى رحمة الله، وإن اُخّرت ابتلوا وكنت قد خرجت ممّا هم فيه من الجرأة على الله (عزَّ وجلَّ).
واعلم أنَّ الله لا يضيع أجر المحسنين وأنَّ رحمة الله قريبٌ من المحسنين»(538).
القسم الثاني: العلائم القريبة
وهي علامات كثيرة أيضاً تحدث قريباً من الظهور. ذكرتها الاحاديث الشريفة التي جمعها شيخ الشيعة المفيد (قدّس سرّه) في باب ذكر علامات قيام الامام المهدي (عليه السلام)، ولخَّص (قدّس سرّه) تلك العلامات في أول الباب، وعدّ منها:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(536) «يحمد»، خ ل.
(537) ما بين العلامتين ساقط من الاصل المطبوع، راجع: روضة الكافي: ص 42.
(538) بحار الأنوار: ج 52 ص 256 ب 25 ح 147، وفي: روضة الكافي: ج 8 ص 36 - 42، ذكره تحت عنوان حديث ابي عبد الله (عليه السلام) مع منصور في موكبه.
كسوفُ الشمسِ في النصفِ من شهرِ رمضان، وخسوفُ القمرِ في آخره على خلافِ العاداتِ، وخَسفٌ بالمغربِ، وخَسفٌ بالمشرقِ، ورُكودُ الشمسِ من عندِ الزوالِ إلى وسطِ أوقاتِ العصرِ وطلوعُها من المغربِ، وقَتلُ نفسٍ زكيةٍ بظَهرِ الكوفةِ في سبعينَ من الصالحينَ، وهَدمُ سورِ الكوفة، وإقبالُ راياتٍ سُودٍ من قِبَلِ خراسان.
وظُهور المغربي بمصرَ وتَمَلُّكُه للشاماتِ، ونزول التُركِ الجزيرةَ، ونُزولُ الرومِ الرملةَ، وطلوعُ نَجمٍ بالمشرِق يُضيءُ كما يُضيءُ القَمَرُ ثم يَنعطفُ حتى يكادُ يلتقيَ طَرَفاه، وحُمرَةٌ تَظهرُ في السماءِ وتَنتَشِرُ في آفاقِها، ونارٌ تَظهَرُ بالمشرِق طُولاً وتَبقى في الجَوِّ ثلاثة أيّامٍ أو سبعة أيّامٍ، وخَلعُ العربِ أعنَّتَها وتملُّكها البلادَ وخُروجُها عن سلطانِ العجمِ.
وقَتلُ أهل مصر أميرَهم، وخَرابُ الشامِ واختِلافُ ثلاثةِ راياتٍ فيه، ودخولُ راياتِ قيس والعرب إلى مصرَ وراياتِ كندة إلى خراسان، ووُرودُ خيلٍ من قِبَل المغربِ حتى تُربَط بفَناءِ الحيرةِ، وإقبالُ راياتٍ سُود من المشرقِ نحوَها.
وبَثقٌ في الفراتِ - اي انفجار وجريٌ فيه - حتى يَدخُل الماءُ أزِقَّةَ الكوفةِ، وخُروجُ ستينَ كذّاباً كُلّهم يَدَّعي النبوّةَ، وخُروجُ اثنَي عَشَرَ من آلِ أبي طالب كُلُّهم يَدَّعي الإمامةَ لنَفسِهِ، وإحراقُ رجلٍ عظيمِ القدرِ من شيعة بني العباس بين جلولاء وخانقين، وعَقدُ الجسرِ ممّا يلي الكَرخَ بمدينةِ السلامِ، وارتفاعُ ريحٍ سوداءَ بها في أوّل النهارِ؛ وزلزلةٌ حتى يَنخسفَ كثيرٌ منها.
وخوفٌ يَشمَلُ أهلَ العراقِ، وموتٌ ذريعٌ فيه، ونَقصٌ من الأنفسِ والأَموالِ والثمراتِ، وجرادٌ يَظهرُ في أوانِه وفي غير أوانِهِ حتى يأتيَ على الزرعِ والغلّاتِ، وقلّةُ رَيعٍ لما يَزرَعَه الناسُ، واختلافُ صنفينِ من العجمِ وسَفكُ دماءٍ كثيرةٍ فيما بينهم، وخروجُ العبيدِ عن طاعةِ ساداتِهم وقَتلُهم مَواليَهم.
[ومَسخٌ لقومٍ] من أهلِ البِدَعِ حتى يصيروا قردةً وخنازير، وغَلبةُ العبيدِ على بلادِ الساداتِ، ووجهٌ وصدرٌ يظهرانِ من السماءِ للناسِ في عين الشمسِ، وأمواتٌ يُنشَرونَ من القبورِ حتى يَرجِعوا إلى الدنيا فيتعارَفونَ فيها ويَتزاوَرُونَ.
ثم يُختَمُ ذلك بأربع وعشرين مَطرَةً تَتَّصِلُ فتَحيى بها الأرضُ من بعد مَوتِها وتُعرفُ بَرَكاتُها، وتَزُولُ بعد ذلك كلُّ عاهةٍ عن مُعتقدي الحقِّ من شيعةِ المهدي (عليه السلام).
فيَعرِفونَ عند ذلك ظُهورَه بمكةَ، فيَتَوَجَّهونَ نَحوَه لنُصرتِه، كما جاءتْ بذلك الأخبارُ(539).
وتفصيل العلامات تلاحظها في خطبة البيان المروية عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)(540).
القسم الثالث: العلائم المقترنة
وهي علامات خاصة قريبة جداً من الظهور المبارك؛ تحدث في نفس سنة الظهور أو السنة السابقة عليه.
وهي كما تقدم على نوعين:
علائم محتومة.
وعلائم غير محتومة.
بالبيان التالي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(539) الارشاد: ج 2 ص 368، وذكرت أيضاً في حديث الشيخ الصدوق في: كمال الدين: ص 330 ب 32 ح 16.
(540) الزام الناصب: ج 2 ص 178.
أما العلائم المحتومة
فهي في حديث الامام الصادق (عليه السلام):
«قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكيّة، والخسف بالبيداء»(541).
فلنشير الى شيء من بيان العلائم الحتمية الخمسة للظهور المبارك:
1 - الصيحة السماوية
وهي النداء السماوي الذي ينادي به جبرئيل (عليه السلام) في ليلة الجمعة، ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك:
«يا عباد الله! اسمعوا ما اقول: إنّ هذا مهدي آل محمد خارج من أرض مكة فأجيبوه»، كما في خطبة البيان(542).
وهذا من ابرز الآيات وأوضح العلامات على ظهوره الشريف. ويكون بصوت مفهوم ومسموع يسمعه جميع أهل العالم، كلّ قوم بلسانهم؛ كما في حديث زرارة عن الامام الصادق (عليه السلام)(543).
وتكون هذه الصيحة أعظم بشرى وسرور للمؤمنين، حتى تسمعه العذراء من خدرها فتحرّض أباها وأخاها على الخروج لنصرة الامام المهدي (عليه السلام).
في حين هي أكبر تهديد وانذار للظالمين والمتكبرين، حيث يأخذهم الفزع والخوف كما قد يستفاد من حديث الامام الباقر (عليه السلام)(544).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(541) كمال الدين: ص 650 ب 57 ح 7.
(542) الزام الناصب: ج 2 ص 200.
(543) كمال الدين: ص 650 ب 57 ح 8.
(544) الغيبة النعماني: 254 ب 14 ح 13.
2 - خروج السفياني
وهو رجل سفّاك للدماء، أمويّ النسب، حقود على أهل البيت (عليهم السلام)، اسمه عثمان بن عنسبة من وُلد ابي سفيان.
وهو وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري، يخرج من الوادي اليابس بالشام، كما في حديث أمير المؤمنين (عليه السلام)(545).
وله محنة كبرى وبلاءٌ عظيم وقتل ذريع وهتك للحرمات، يفعلها هو وجيشه الذي يكون في الشام ويبعثه الى العراق والى المدينة، كما يستفاد من خطبة البيان(546).
ويكون خروجه في رجب، ورايته حمراء، كما في حديث البحار(547).
أما جيشه الى العراق فيرجع الى الشام بعد إفساد كثير، وأما جيشه الى المدينة فيُخسف بهم في البيداء كما يأتي في العلامة الثالثة.
ونهاية أمره هو الخسران المبين، كما تلاحظ مفصل بيانه في كتاب الامام المهدى(548) وحاصله:
توجه الامام المهدي (عليه السلام) بعد الكوفة الى الشام وقضاءه على السفياني وأصحابه، ويريح الله العباد من شرّه.
3 - خسف البيداء
البيداء اسم للمفازة التي لا شيء فيها، وهي اسم أرض خاصة بين مكة والمدينة، على ميلٍ - أي 1860 متراً - من ذي الحليفة نحو مكة، وكأنها مأخوذة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(545) كمال الدين: ص 651 ح 9.
(546) الزام الناصب: ج 2 ص 188.
(547) البحار: ج 52 ص 248 ح 131، ص 273 ح 167.
(548) الامام المهدي من المهد الى الظهور: ص 433.
من الإبادة أي الاهلاك.
وفي الحديث نُهي عن الصلاة فيها، وعلل بأنها من الاماكن المغضوب عليها، كما في مجمع البحرين(549).
ومن العلامات الحتمية انخساف هذه الارض بجيش السفياني وابتلاعها لهم. فان السفياني يبعث جيشة الى المدينة - كما عرفت - فيبغي فيها الظلم والفساد.
ويخرج الامام المهدي (عليه السلام) من المدينة الى مكة على سُنّة موسى بن عمران. فيبلغ قائد جيش السفياني ان الامام المهدي (عليه السلام) قد خرج الى مكة.
فيبعث جيشة على أثره ليهدم الكعبة.
وينزل الجيش البيداء، فتبيدهم الأرض، كما يشير اليه حديث الامام الباقر (عليه السلام)(550).
وينجو من هذا الخسف رجلان، احدهما يبشر الامام المهدي بهلاك الظالمين، والآخر ينذر السفياني بهلاك جيشه، كما في حديث المفضل جاء فيه:
«ثمَّ يقبل على القائم (عليه السلام) رجل وجهه إلى قفاه وقفاه إلى صدره، ويقف بين يديه فيقول: يا سيّدي، أنا بشير أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك واُبشّرك بهلاك جيش السفيانيِّ بالبيداء.
فيقول له القائم (عليه السلام): بيّن قصّتك وقصّة أخيك.
فيقول الرَّجل: كنت وأخي في جيش السفيانيِّ وخرجنا الدُّنيا من دمشق إلى الزوراء وتركناها جمّاء، وخربنا الكوفة وخربنا المدينة...، وخرجنا منها،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(549) مجمع البحرين: ص 198.
(550) البحار: ج 52 ص 238 ح 25 ح 105.
وعددنا ثلاثمائة ألف رجل نريد إخراب البيت وقتل أهله. فلمّا صرنا في البيداء، عرَّسنا فيها. فصاح بنا صائح: يا بيداء أبيدي القوم الظالمين.
فانفرجت الأرض وابتلعت كلَّ الجيش. فوالله ما بقي على وجه الأرض عقال ناقة فما سواه غيري وغير أخي.
فاذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا، فصارت إلى ورائنا كما ترى، فقال لأخي:
ويلك يا نذير! امض إلى الملعون السفيانيِّ بدمشق فأنذره بظهور المهديِّ من آل محمّد (عليه السلام)، وعرِّفه أنَّ الله قد أهلك جيشه بالبيداء.
وقال لي: يا بشير، الحق بالمهدي بمكّة وبشّره بهلاك الظالمين، وتب على يده فانّه يقبل توبتك.
فيمرُّ القائم (عليه السلام) يده على وجهه فيردُّه سويّاً كما كان، ويبايعه ويكون معه»(551).
4 - خروج اليماني
من العلائم المحتومة خروج اليماني الذي يدعو الى الحق والى الطريق المستقيم، كما صرّحت به الاحاديث، مثل:
حديث الامام الباقر (عليه السلام): «وليس في الرايات أهدى من راية اليمانيِّ. هي راية هدى لأنّه يدعو إلى صاحبكم. فاذا خرج اليمانيّ، حرم بيع السّلاح على [الناس و] كلِّ مسلم.
وإذا خرج اليمانيّ فانهض إليه، فإنَّ رايته راية هدى، ولا يحلُّ لمسلم أن يلتوي عليه. فمن فعل فهو من أهل النّار، لأنّه يدعو إلى الحقِّ وإلى طريق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(551) البحار: ج 53 ص 10 ب 25 ح 1.
مستقيم»(552).
واستفيد من بعض الأخبار الشريفة أن خروجه من صنعاء اليمن(553).
كما جاء في بعض الأحاديث انه من ذرية زيد الشهيد (عليه السلام)(554).
5 - قتل النفس الزكيّة
وهو غلام من آل محمد (عليهم السلام)، اسمه محمد بن الحسن النفس الزكيّة. يُقتل بين الركن والمقام بدون ايّ ذنب، كما يستفاد من حديث الامام الباقر (عليه السلام)(555).
يرسله الامام المهدي (عليه السلام) الى أهل مكة - قبل وصوله اليها - إتماماً للحجة واستنصاراً لمظلومية أهل البيت (عليهم السلام)، كما يستفاد من حديث الامام الباقر (عليه السلام) جاء فيه:
«يقول القائم (عليه السلام) لأصحابه: يا قوم، إنَّ أهل مكّة لا يريدونني، ولكنّي مرسل إليهم لأحتجَّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتجَّ عليهم.
فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: امض إلى أهل مكّة فقل:
يا أهل مكّة! أنا رسول فلان إليكم وهو يقول لكم: إنّا أهل بيت الرحمة ومعدن الرِّسالة والخلافة، ونحن ذريّة محمّد وسلالة النبيّين، وإنا قد ظُلمنا واضطُهدنا وقُهرنا وابتُزَّ منّا حقّنا منذ قبض نبيّنا إلى يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا.
فإذا تكلّم هذا الفتى بهذا الكلام، أتوا إليه فذبحوه بين الرُّكن والمقام، وهي النفس الزكيّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(552) البحار: ج 52 ص 232 ب 25 ح 96.
(553) مهدي منتظر: ص 157.
(554) بشارة الاسلام: ص 175.
(555) البحار: ج 52 ص 192 ب 25 ح 24.
فإذا بلغ ذلك الامام قال لأصحابه: ألا أخبرتكم أنَّ أهل مكّة لا يريدوننا.
فلا يَدَعونه حتّى يخرج فيهبط من عقبة طوى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً - عدَّة أهل بدر -، حتّى يأتي المسجد الحرام. فيصلّي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات، ويسند ظهره إلى الحجر الأسود، ثمَّ يحمد الله ويثني عليه، ويذكر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويصلّي عليه ويتكلّم بكلام لم يتكلّم به أحد من النّاس...»(556).
وهذه العلائم الخمسة من علامات الظهور المحتّمات - كما تقدم - تكون في سنة الظهور ويكون بعده القيام(557).
وأما العلائم غير المحتومة
فهي علامات عديدة منها:
1 - خروج راية السيد الحسني الهاشمي.
يشير اليه حديث الامام الباقر (عليه السلام):
«يخرج شاب من بني هاشم، بكفّه اليميني خال، ويأتي من خراسان برايات سود. بين يديه شعيب بن صالح، يقاتل أصحاب السفياني فيهزموهم»(558).
وكذلك حديث خطبة البيان التي ورد فيها:
«فيلحقه (اي الامام المهدي (عليه السلام)) رجل من اولاد الحسن في اثنا عشر الف فارس، ويقول: يا بن العم، أنا أحق منك بهذا الامر لأني من ولد الحسن وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(556) البحار: ج 52 ص 307 ب 26 ح 18.
(557) كمال الدين: ص 655 ب 57 ح 25.
(558) الملاحم والفتن (للسيد ابن طاووس): ص 77.
أكبر من الحسين.
فيقول المهدي: اني أنا المهدي.
فيقول له: هل عندك آية أو معجزة أو علامة؟
فينظر المهدي الى طير في الهواء فيومئ اليه فيسقط في كفه، فينطق بقدرة الله تعالى ويشهد له بالامامة. ثم يغرس قضيباً يابساً في بقعة من الارض ليس فيها ماء، فيخضر ويورق، ويأخذ جلموداً كان في الارض من الصخر، فيفركه بيده ويعجنه مثل الشمع.
فيقول الحسني: الامر لك. فيسلم وتسلم جنوده»(559).
وفي حديث المفضل:
«ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح الّذي نحو الدَّيلم، يصيح بصوت له فصيح: يا آل أحمد! أجيبوا الملهوف، والمنادي من حول الضريح.
فتجيبه كنوز الله بالطالقان؛ كنوزٌ وأيُّ كنوز. ليست من فضّة ولا ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد، على البراذين الشهب، بأيديهم الحراب، ولم يزل يقتل الظّلمة حتّى يرد الكوفة وقد صفا أكثر الأرض، فيجعلها له معقلاً.
فيتّصل به وبأصحابه خبر المهديِّ (عليه السلام)، ويقولون: يا بن رسول الله، من هذا الّذي قد نزل بساحتنا؟
فيقول: اخرجوا بنا إليه حتّى ننظر من هو وما يريد؟ وهو والله يعلم أنّه المهديّ وأنّه ليعرفه، ولم يرد بذلك الأمر إلّا ليعرِّف أصحابه من هو.
فيخرج الحسنيُّ فيقول: إن كنت مهديّ آل محمّد فأين هراوة جدِّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وخاتمه، وبردته، ودرعه الفاضل، وعمامته السحاب، وفرسه اليربوع،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(559) الزام الناصب: ج 2 ص 205.
وناقته العضباء، وبغلته الدُّلدل، وحماره اليعفور، ونجيبه البراق، ومصحف أمير المؤمنين (عليه السلام)؟
فيخرج له ذلك، ثمَّ يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق، ولم يرد ذلك إلّا أن يري أصحابه فضل المهديِّ (عليه السلام) حتّى يبايعوه.
فيقول الحسنيّ: الله أكبر! مدَّ يدك يا بن رسول الله حتّى نبايعك.
فيمدُّ يده فيبايعه ويبايعه سائر العسكر الّذي مع الحسنيِّ إلّا أربعين ألفاً، أصحاب المصاحف المعروفون بالزيديّة، فانّهم يقولون: ما هذا إلّا سحر عظيم؟
فيختلط العسكران، فيقبل المهدي (عليه السلام) على الطائفة المنحرفة، فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيّام، فلا يزدادون إلّا طغياناً وكفراً، فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعاً»(560).
2 - خسوف القمر لخمسٍ بقين، وكسوف الشمس لخمس عشرة مضين من شهر رمضان.
وهذه ظاهرة كونية خارقة للنظام الفلكي، يشير اليها حديث الامام الباقر (عليه السلام):
«آيتان (اثنان) بين يدي هذا الأمر: خسوف القمر لخمس وكسوف الشمس عشرة، [و] لم يكن ذلك منذ هبط آدم (عليه السلام) الى الأرض، وعند ذلك يسقط حساب المنجمين»(561).
3 - كثرة الامطار في جمادي الآخرة وعشرة أيام من رجب.
ويشير اليها حديث الامام الصادق (عليه السلام):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(560) البحار: ج 53 ص 15.
(561) كمال الدين: ص 655 ب 57 ح 25، ونحوه في: الغيبة (للشيخ الطوسي): ص 270.
«اذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة الايام من رجب مطراً لم تر الخلائق مثله»(562).
ولعل يشير اليه أيضاً حديث سعيد بن جبير(563).
4 - الموت الاحمر والموت الابيض بذهاب ثلثي أهل العالم.
ويشير اليها حديث الامام الصادق (عليه السلام):
1. عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
«قدَّام القائم موتتان: موت أحمر وموت أبيض، حتّى يذهب من كلِّ سبعة خمسة. الموت الأحمر السيف، والموت الأبيض الطاعون.
2. عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم، قالا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
«لا يكون هذا الأمر حتّى يذهب ثلث النّاس.
فقيل له: إذا ذهب ثلث [ثلثا] الناس فما يبقى؟
فقال (عليه السلام): أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي»(564).
الى غير ذلك من العلائم الاخرى التي وردت في أحاديث كثيرة تلاحظها في باب علائم الظهور من الغيبتين.
مثل ما حديث ابي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله (عزَّ وجلَّ): (عذاب الخزي في الحيوة الدّنيا...)(565)، ما هو عذاب خزي الدّنيا؟
فقال: «وأيُّ خزي أخزى - يا أبا بصير - من أن يكون الرَّجل في بيته وحجاله وعلى إخوانه وسط عياله، إذ شقَّ أهله الجيوب عليه وصرخوا. فيقول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(562) الزام الناصب: ج 2 ص 159.
(563) الارشاد: ج 2 ص 373.
(564) كمال الدين: ص 655 ب 75 ح 27 - 29.
(565) سورة فصلت: الآية 16.
الناس: ما هذا؟ فيقال: مُسخَ فلان الساعة.
فقلت: قبل قيام القائم (عليه السلام) أو بعده؟
قال: لا، بل قبله»(566).
ومن المناسب في المقام ذكر ما يكون من الحوادث عند ظهوره (عليه السلام) في رواية المفضّل البيانية المفصلة، ويأتي بيانها.
المرحلة الثانية: القيام
عرفت ان قيام الامام المهدي (عليه السلام) ونهضته الإلهية المباركة، يكون بعد خطبته الشريفة عند بيت الله الحرام، والبيعة معه بين الركن والمقام.
فانه (عليه السلام) بعد ظهوره يُسند ظهره الى الكعبة المعظمة، مستجيراً بربّ العظمة. فيُلقى خطبته العصماء، المبدوّة بحمد وثناء ربّ السماء، والصلاة والسلام على سيد الانبياء وآله الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين.
ثم تتم البيعة الكريمة، بيعة جنود الرحمن لصاحب الزمان.
ثم يكون القيام بالسيف لاستئصال المعاندين والمتكبّرين الظالمين.
فلنبين هذه المراحل الثلاثة فيما يلي:
1 - الخطبة
في بداية القيام، يورد (عليه السلام) خطبته البليغة التي يستنصر الله تعالى فيها، ويتبين مقامه الالهي منها، واول ما ينطق به قوله تعالى:
(بقيّةُ اللهِ خيرٌ لكُم إن كنتم مؤمنين)(567).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(566) الغيبة (للشيخ النعماني): ص 269.
(567) البحار: ج 52 ص 192.
وفي حديث جابر الجعفي، عن الامام الباقر (عليه السلام) في بيان الخطبة:
«والقائم يومئذ بمكّة، قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً به، فينادي: يا أيّها الناس! إنّا نستنصر الله، فمن أجابنا من الناس فإنّا أهل بيت نبيّكم محمّد، ونحن أولى الناس بالله وبمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فمن حاجّني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجّني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجّني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجّني في محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأنا أولى الناس بمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومن حاجّني في النّبيين فأنا أولى الناس بالنبيّين.
أليس الله يقول في محكم كتابه: (إنَّ الله اصطفى آدمَ ونوحاً وآلَ إبراهيمَ وآلَ عمرانَ على العالمين ذريّةً بعضُها من بَعض والله سميع عليم)(568)؟
فأنا بقيّة من آدم، وخيرة من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمّد صلّى الله عليهم أجمعين.
ألا فمن حاجّني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، ألا ومن حاجّني في سنّة رسول الله فأنا أولى الناس بسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فأنشد الله: من سمع كلامي اليوم لمّا [أ] بلغ الشاهد [منكم] الغائب، وأسألكم بحقِّ الله وحقِّ رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبحقّي - فإنَّ لي عليكم حقَّ القربى من رسول الله - إلّا أعنتمونا(569) ومنعتمونا ممّن يظلمنا؛ فقد اُخفنا وظُلمنا، وطُردنا من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(568) سورة آل عمران: الآية 34.
(569) في النسخ: «لما أعنتمونا».
ديارنا وأبنائنا، وبُغي علينا، دُفعنا عن حقّنا، وافترى أهل الباطل علينا(570). فالله الله فينا، لا تخذلونا وانصرونا ينصركم الله تعالى»(571).
وفي حديث المفضل في البحار(572):
«وسيّدنا القائم (عليه السلام) مسند ظهره إلى الكعبة ويقول: يا معشر الخلائق! ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث. فها أنا ذا آدم
وشيث، ألا ومن أراد أن ينظر إلى نوح وولده سام، فها أنا ذا نوح وسام. ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل، فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل. ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع. فها أنا ذا موسى ويوشع، ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون، فها أنا ذا عيسى وشمعون.
ألا ومن أراد أن ينظر إلى محمّد وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما، فها أنا ذا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السلام). ألا ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين (عليهما السلام)، فها أنا ذا الحسن والحسين. ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمّة من ولد الحسين (عليهم السلام)، فها أنا ذا الأئمة (عليهم السلام). أجيبوا إلى مسألتي، فانّي اُنبّئكم بما نبّئتم به وما لم تنبّئوا به، ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع منّي.
ثمَّ يبتدئ بالصحف الّتي أنزلها الله على آدم وشيث (عليهما السلام)، ويقول اُمّة آدم وشيث هبة الله: هذه والله هي الصحف حقّاً، ولقد أرانا مالم نكن نعلمه فيها، وما كان خفي علينا، وما كان اُسقط منها وبدِّل وحرِّف.
ثمَّ يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(570) في البحار طبعة الكمباني: «فأوثر أهل الباطل علينا»، وفي الاختصاص: «واثر علينا أهل الباطل»، وما في البحار أنسب.
(571) الغيبة (للنعمان): ص 281 ب 14 ح 67.
(572) البحار: ج 53 ص 9.
فيقول أهل التوراة والإنجيل والزبور: هذه والله صحف نوح وإبراهيم (عليهما السلام) حقّاً، وما اُسقط منها وبدِّل وحرِّف منها. هذه والله التوراة الجامعة والزَّبور التامُّ والإنجيل الكامل وإنّها أضعاف ما قرأنا منها.
ثمَّ يتلو القرآن، فيقول المسلمون: هذا والله القرآن حقّاً الّذي أنزله الله على محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)...»(573).
وفي الحديث الشريف:
«يدعو الناس الى كتاب الله، وسُنّة نبيّه، والولاية لعلي بن أبي طالب، والبراءة من عدوه»(574).
2 - البيعة
بعد خطبته (عليه السلام) تتم البيعة معه، بيعة أهل السماء والأرض؛ بيعةٌ يبدؤها أمين وحي الله جبرئيل (عليه السلام)، ثم المؤمنون الكرام.
ففي حديث الامام الصادق (عليه السلام):
«إنّ أول من يبايع القائم (عليه السلام) جبرئيل (عليه السلام)...»(575).
وفي الحديث الآخر:
«فيبعث الله جلَّ جلاله جبرئيل (عليه السلام) حتّى يأتيه فينزل على الحطيم، ثمَّ يقول له: إلى أيِّ شيء تدعو؟
فيخبره القائم (عليه السلام)، فيقول جبرئيل (عليه السلام): أنا أوَّل من يبايعك، ابسط يدك.
فيمسح على يده، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيبايعونه، ويقيم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(573) البحار: ج 53 ص 9، وتلاحظ خطبته في حديث الامام الباقر (عليه السلام) ايضاً في تفسير العياشي: ج 2 ص 56.
(574) بحار الأنوار: ج 52 ص 343 ب 27 ح 91.
(575) البحار: ج 52 ص 285 ب 26 ح 18.
بمكّة حتّى يتم أصحابه عشرة آلاف أنفس، ثم يسير منها الى المدينة»(576).
وفي الحديث الآخر:
«يا مفضّل، كلّ بيعة قبل ظهور القائم (عليه السلام) فبيعته كفر ونفاق وخديعة. لعن الله المبايع لها والمبايع له.
بل يا مفضّل يسند القائم (عليه السلام) ظهره إلى الحرم ويمدُّ يده، فتُرى بيضاء من غير سوء ويقول: هذه يد الله، وعن الله، وبأمر الله.
ثمَّ يتلو هذه الآية: (إنَّ الّذين يُبايعونَك إنّما يبايعونَ اللهَ يدُ اللهِ فَوق أيديهم فمن نكثَ فإنّما ينكُثُ على نفسه)(577) الآية.
فيكون أوَّل من يقبّل يده جبرئيل (عليه السلام)، ثمَّ يبايعه، وتبايعه الملائكة ونجباء الجنِّ، ثمَّ النقباء»(578).
فتتم البيعة والمعاهدة معه على الطاعة، ويكون السلام عليه بنحو: «السلام عليك يا بقية الله»، كما في الحديث(579).
وتكون بيعة أنصاره معه على الامور التالية:
«على أن لا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يسبّوا مسلماً، ولا يقتلوا محرّماً، ولا يهتكوا حريماً محرماً، ولا يهجموا منزلاً، ولا يضربوا احداً الّا بالحقّ، ولا يكنزوا ذهباً ولا فضّة ولا بُرّاً ولا شعيراً، ولا يأكلوا مال اليتيم، ولا يشهدوا بما لا يعلمون، ولا يخربوا مسجداً، ولا يشربوا مسكراً، ولا يلبسوا الخزَّ ولا الحرير، ولا يتمنطقوا بالذهب، ولا يقطعوا طريقاً، ولا يخيفوا سبيلاً، ولا يفسقوا بغلام،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(576) البحار: ج 52 ص 337 ب 27 ح 78.
(577) سورة الفتح: الآية 10.
(578) البحار: ج 53 ص 8 ب 25 ح 1.
(579) الوسائل: ج 10 ص 470 ب 106 ح 2.
ولا يحبسوا طعاماً من بُرّ او شعير، ويرضون بالقليل، ولا يشتمون، ويكرهون النجاسة، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويلبسون الخشن من الثياب، ويتوسّدون التراب على الخدود، ويجاهدون في الله حق جهاده، ويشترط على نفسه لهم ان يمشي حيث يمشون، ويلبس كما يلبسون، ويركب كما يركبون، ويكون من حيث يريدون، ويرضى بالقليل، ويملأ الأرض بعون الله عدلاً كما ملئت جوراً، يعبد الله حق عبادته، ولا يتخذ حاجباً ولا بوّاباً»(580).
3 - القيام
يقوم الامام المهدي (عليه السلام) بإذن الله تعالى قيامه الحق الذي يُظهره الله على الدين كلّه وعلى وجه الأرض جميعه، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما مُلئت ظلماً وجوراً.
ويكون القيام في يوم عاشوراء، كما في حديث الامام الباقر (عليه السلام) في هذا الباب(581).
ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص كما في حديث الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(582).
ينهض (عليه السلام) في خمسة آلاف من الملائكة؛ جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرّق الجنود في البلاد كما في الحديث(583).
ويكون قيامه مع عمامة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودرعه، وسيف ذي الفقار، مع اصحابه الذين هم رجال كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات الله أشدُّ من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدة إلاّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(580) منتخب الأثر: ص 469 وعقد الدرر ص 133.
(581) البحار: ج 52 ص 290 ب 26 ح 30.
(582) البحار: ج 51 ص 81 ب 1 ح 37.
(583) الارشاد: ج 1 ص 380.
خرَّبوها، كأنَّ على خيولهم العقبان، يتمسّحون بسرج الامام (عليه السلام) يطلبون بذلك البركة، ويحفّون به يقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد فيهم.
رجال لا ينامون الليل، لهم دويٌّ في صلاتهم كدويِّ النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأمة لسيّدها، كالمصابيح كأنَّ قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة ويتمنّون أن يقتلوا في سبيل الله، شعارهم: «يا لثارات الحسين»، كما في حديث الامام الصادق (عليه السلام)(584).
وفي حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) في جيش الغضب:
«اُولئك قوم يأتون في آخر الزمان، فزع كقزع الخريف، والرجل والرجلان والثلاثة من كلِّ قيلة حتى يبلغ تسعة. أما والله إنّي لأعرف أميرهم واسمه ومناخ ركابهم»(585).
وفي حديث الامام الصادق (عليه السلام):
«اذا اذن الامام دعا الله باسمه العبرانيّ، فأتيحت له صحابته الثلاثمائة وثلاثة عشر، قزع كقزع الخريف، فهم أصحاب الالوية. منهم من يفقد من فراشه ليلاً فيصبح بمكّة، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه.
قلت: جعلت فداك، أيّهم أعظم إيماناً؟
قال: الذي يسير في السحاب نهاراً، وهم المفقودون، وفيهم نزلت هذه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(584) البحار: ج 52 ص 308 ب 26 ج 81 - 82.
(585) الغيبة (للنعماني): ص 312 ب 20 ح 1.
الآية: (اين ما تكونوا يأتِ بكم اللهُ جميعاً)(586)»(587).
وهو (عليه السلام) مزوّدٌ بالقوة الالهية القاهرة، والمدد السماوي المظفّر، والميراث النبوي الباهر، وبها يخضع له الكل، ويهيمن على الجميع، ويغلب على العالم.
1 - فله الاسم الأعظم الالهي الذي هو معدن القُدرات، اثنان وسبعون منه(588).
2 - وله الاسم الالهي الخاص الذي كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اذا جعله بين المسلمين والمشركين، لم تصل من المشركين الى المسلمين نشابةٌ قط(589).
3 - وله عصى موسى (عليه السلام) التي تأتي بالعجب العجاب(590).
4 - وله خاتم سليمان الذي كان اذا لبسه سخر الله تعالى له الملائكة والانس والجن والطير والريح(591).
5 - وله تابوت بني اسرائيل التي فيها السكينة والعلم والحكمة ويدور معها العلم والنبوة والمُلك(592).
6 - وله امتلاك الرعب في قلوب الاعداء، يسير معه أمامه وخلفه وعن يمينه وشماله، ولا يخفى شدّة تأثير هذا الرعب في دهشة العدو، وعدم تسلطه على استعمال السلاح أساساً(593).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(586) سورة البقرة: الآية 148.
(587) الغيبة (للنعماني): ص 313 ب 20 ح 3.
(588) اصول الكافي: ج 1 ص 230، الاحاديث.
(589) الارشاد: ج 2 ص 188.
(590) الكافي: ج 1 ص 231 ح 1. بحار الانوار: ج 13 ص 60.
(591) اصول الكافي: ج 1 ص 231 ح 4.
(592) بحار الانوار: ج 26 ص 203 ح 3.
(593) الغيبة (للنعماني): ص 307 ح 2.
7 - وله نصرة الله تعالى التي لا يفوقها شيء: (إن ينصُركُم الله فلا غالبَ لكُم)(594) فان الله تعالى ينصره حتى بزلازل الارض وصواعق السماء.
8 - وله الولاية الإلهية العظمى التي جعلها الله تعالى لهم تكويناً وتشريعا، كما ثبت بالأدلة المتواترة(595).
9 - وله الاحتجاجات والحجج الكاملة التي يحتج بها بأوصافه وعلائمه الموجودة في التوراة والألواح التي تقدمت الإشارة إليها. ثم اقتداء النبي عيسى (عليه السلام) به في الصلاة التي توجب خضوع كثير من اليهود والنصارى له(596).
10 - واخيراً وليس بآخر إرادة الله تعالى القادر القهّار الذي اذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون.
وقد أراد ذلك بصريح قوله تعالى: (ونُريدُ أَن نَمُنَّ على الذينَ استُضعِفُوا في الأرضِ ونجعَلَهُم أئمة ونجعلَهُم الوارثين)(597).
وبهذا تعرف أن الامام المهدي (عليه السلام) يقوم بالقوّة الإلهية التي لا تقاومها القوة البشريّة مهما بلغت وتطوّرت.
بل لا قدرة للبشرية أمام قدرة الله الغالبة، حتى يتردد أحدٌ بأنه كيف يتغلب الامام المهدي (عليه السلام) على الأسلحة العصريّة.
وهل في الكون قدرة تقف أمام إله الكون؟!
وهل للمخلوق قدرة تقوم أمام قدرة الخالق؟!
فبمثل هذه القوى الالهية يقوم الامام المنتظر (عليه السلام) بأمر الله، ويقيم دولة الله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(594) سورة آل عمران: الآية 160.
(595) لاحظها في شرح زيارة الجامعة: فقرة «والسادة الولاة».
(596) لاحظ احاديثه المتظافرة من طريق الفريقين في: منتخب الاثر: ص 306 وص 479.
(597) سورة القصص: الآية 5.
فيرث الأرض عباده الصالحون.
وهو من المحتومات الالهية التي لا تبديل لها عند الله تعالى، كما صرحت به أحاديثنا الشريفة، مثل حديث ابي حمزة الثمالي:
قال: كنت عند أبي جعفر محمد الباقر (عليه السلام) ذات يوم، فلما تفرق من كان عنده قال لي:
«يا ابا حمزة. من المحتوم الذي لا تبديل له عند الله قيام قائمنا، فمن شك فيما أقول لقى الله وهو به كافر وله جاحد....
يا ابا حمزة، من أدركه فلم يسلم له فما سلّم لمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعلي (عليه السلام)، وقد حرّم الله عليه الجنّة، ومأواه النار وبئس مثوى الظالمين»(598).
فيقوم الامام الحق، ويبسط الحق، ويسير بالحق، وهي سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، كما صرحت به الأحاديث المعتبرة(599).
وينبغي أن نشير هنا الى مسيره المبارك في قيامه الأغرّ الذي يخطّط بالأحاديث الشريفة في المراحل الثلاثة التالية:
1 - اصلاحاته (عليه السلام) في مكّة المكرّمة.
2 - التوجّه الى المدينة المنوّرة.
3 - السير الى الكوفة، عاصمته المباركة.
المرحلة الاولى: مكّة المكرّمة
المستفاد من بعض الأحاديث، أن مكّة تستسلم له (عليه السلام) ويسيطر الامام على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(598) بحار الانوار: ج 36 ص 363 ب 45 ح 9.
(599) بحار الانوار: ج 52 ص 354 ب 27 ح 112، ص 381 ح 192، ج 47 ص 54 ب 4 ح 92، ولاحظ بيان ذلك في: منتخب الأثر: ص 305.
البلدة بكاملها.
ويستفاد هذا من قوله (عليه السلام) في النص الذي عبّر بالإطاعة بعد سؤال الراوي: فما يصنع بأهل مكّة؟
قال:
«يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة فيطيعونه، ويستخلف فيهم رجلاً من أهل بيته»(600).
ويدل الحديث الصادقي على أنه (عليه السلام) يردّ المسجد الحرام الى أساسه الذي حدّه النبي ابراهيم (عليه السلام)، وهو الى الحزوَرَة(601).
ويردّ المقام الى الموضع الذي كان فيه بجوار الكعبة(602).
كما ينادى مناديه أن يسلّم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف كما في الحديث الشريف(603).
فيفسح صاحب الطواف المستحب المجال لصاحب الطواف الواجب، ويتقدم ذلك لطوافه واستلام الحجر، في سبيل راحة الطواف وعدم الازدحام وسهولة إنجاز مناسك الحج.
ثم بعد انجازاته الموفّقة في مكة المكرمة ونصب والٍ من قبله هناك،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(600) بحار الانوار: ج 53 ص 11 ب 25 ح 1.
(601) اسم الموضع المعلوم بين الصفا والمروة.
ويستفاد من بعض الأحاديث ان الذي خطّة النبي ابراهيم (عليه السلام) للمسجد الحرام، هو ما بين الحزورة الى المسعى. الكافي: ج 4 ص 527 ح 10.
(602) الارشاد: ج 2 ص 383.
(603) الكافي: ج 4 ص 427 ح 1.
يتوجه الى مدينة جدّه الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(604).
المرحلة الثانية: المدينة المنوّرة
للإمام المهدي (عليه السلام) شأنٌ عظيم في المدينة المنوّرة، نشير اليه بحديث المفضّل الجعفي عن الامام الصادق (عليه السلام) الذي يبين سرور المؤمنين، وخزي الكافرين، وأخذ الثأر من الظالمين، في مُقامه (عليه السلام) هناك.
جاء فيه:
قال المفضّل: يا سيّدي، ثم يسير المهدي الى أين؟
قال (عليه السلام): «الى مدينة جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). فاذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهر فيه سرور المؤمنين، وخزي الكافرين.
قال المفضّل: يا سيّدي ما هو ذاك؟
قال: يرد الى قبر جدّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فيقول:
يا معاشر الخلائق! هذا قبر جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
فيقولون: نعم، يا مهديّ آل محمد.
فيقول: ومن معه في القبر؟
فيقولون: صاحباه وضجيعاه أبوبكر وعمر.
فيقول - وهو (عليه السلام) أعلم بهما والخلائق كلّهم جميعاً يسمعون -: من أبوبكر وعمر، وكيف دُفنا من بين الخلق مع جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ وعسى المدفون غيرهما.
فيقول الناس: يا مهدي آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ما ههنا غيرهما. إنّهما دفنا معه لأنّهما خليفتا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأبوا زوجتيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(604) بحار الانوار: ج 53 ص 11 ب 25 ح 1.
فيقول للخلق بعد ثلاث: أخرجوهما من قبريهما.
فيُخرجان غضّين طريّين لم يتغيّر خلقهما، ولم يشحب لونهما.
فيقول: هل فيكم من يعرفهما؟
فيقولون: نعرفهما بالصفة، وليس ضجيعا جدّك غيرهما.
فيقول: هل فيكم أحد يقول غير هذا أو يشكّ فيهما؟
فيقولون: لا.
فيؤخّر إخراجهما ثلاثة أيّام. ثم ينتشر الخبر في الناس ويحضر المهدي ويكشف الجدران عن القبرين، ويقول للنقباء: ابحثوا عنهما وانبشوهما.
فيبحثون بأيديهم حتى يصلون اليهما. فيخرجان غضّين طريّين كصورتهما. فيكشف عنهما أكفانهما ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة، فيصلبهما عليها. فتحيى الشجرة وتورق ويطول فرعها.
فيقول المرتابون من أهل ولايتهما: هذا والله الشرف حقّاً، ولقد فزنا بمحبّتهما وولايتهما.
ويُخبِرُ من أخفى نفسه ممّن في نفسه مقياس حبّة من محبّتهما وولايتهما.
فيحضرونهما ويرونهما ويفتنون بهما.
وينادي منادي المهدي (عليه السلام): كلّ من أحبَّ صاحبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وضجيعيه فليفرد جانباً. فتتجزّأ الخلق جزءين: أحدهما موال، والآخر متبرّئ منهما.
فيعرض المهدي (عليه السلام) على أوليائهما البراءة منهما.
فيقولون: يا مهدي آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، نحن لم نتبرأ منهما، ولسنا نعلم أنَّ لهما عند الله وعندك هذه المنزلة، وهذا الذي بدالنا من فضلهما، أنتبرّأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من نضارتهما وغضاضتهما وحياة
الشجرة بهما؟ بل والله نتبرأ منك وممّن آمن بك ومن لا يؤمن بهما ومن صلبهما وأخرجهما وفعل بهما ما فعل.
فيأمر المهدي (عليه السلام) ريحاً سوداء، فتهبّ عليهم فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية.
ثمّ يأمر بإنزالهما، فيُنزَلان اليه فيحييهما بإذن الله تعالى ويأمر الخلائق بالاجتماع.
ثمّ يقصّ عليهم قصص فعالهما في كلّ كَور ودَور.
وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) لإحراقهم بها.
وضرب يد الصدّيقة الكبرى فاطمة بالسوط، ورفس بطنها وإسقاطها محسناً.
وسمَّ الحسن (عليه السلام)، وقتل الحسين (عليه السلام) وذبح أطفاله وبني عمّه وأنصاره، وسبي ذراري رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وإراقة دماء آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكلَّ دم سفك، وكلّ فرج نكح حراماً، وكلّ رين وخبث وفاحشة واثم وظلم وجور وغشم.
كلّ ذلك يعدّده (عليه السلام) عليهما ويلزمهما إيّاه، فيعترفان به.
ثمّ يأمر بهما فيقتصّ منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر. ثمّ يصلبهما على الشجرة ويأمر ناراً تخرج من الأرض فتحرقهما والشجرة. ثمّ يأمر ريحاً فتنسفهما في اليمّ نسفاً....
ثمّ لكأنّي أنظر - يا مفضّل - الينا معاشر الأئمّة بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نشكو إليه ما نزل بنا من الاُمّه بعده، وما نالنا من التكذيب والردّ علينا وسبينا ولعننا وتخويفنا بالقتل، وقصد طواغيتهم الولاة لأُمورهم من دون الاُمّة بترحيلنا
عن الحرمة الى دار ملكهم، وقتلهم إيّانا بالسمّ والحبس.
فيبكي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويقول: يا بنيّ، ما نزل بكم إلاّ ما نزل بجدّكم قبلكم.
ثمّ تبتدئ فاطمة (عليها السلام) وتشكو ما نالها من أبي بكر وعمر، وأخذ فدك منها ومشيها اليه في مجمع من المهاجرين والأنصار، وخطابها له في أمر فدك، وما ردّ عليها من قوله: إنّ الأنبياء لا تورّث، واحتجاجها بقول زكرّيا ويحيى (عليهما السلام) وقصّة داود وسليمان (عليهما السلام).
وقول عمر: هاتي صحيفتك التي ذكرتِ أنّ أباك كتبها لك، وإخراجها الصحيفة وأخذه إيّاها منها، ونشرة لها على رؤوس الأشهاد من قريش والمهاجرين والأنصار وسائر العرب، وتفله فيها، وتمزيقه إيّاها، وبكائها ورجوعها الى قبر أبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) باكية حزينة تمشي على الرمضاء قد أقلقتها، واستغاثتها بالله وبأبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وتمثّلها بقول رُقيقة بنت صيفي:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة * * * لو كنت شاهدها لم يكبر الخطب
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها * * * واختل أهلك فاشهدهم فقد لعبوا
ابدت رجال لنا فحوى صدورهم * * * لمّا نأيت وحالت دونك الحجب
لكلّ قوم لهم قرب ومنزلة * * * عند الاله عن الأدنين مقترب
يا ليت قبلك كان الموت حلّ بنا * * * أملوا اُناس ففازوا بالذي طلبوا
وتقصُّ عليه قصّه أبي بكر وإنفاذه خالد بن الوليد، وقنفذاً وعمر بن الخطاب، وجمعه الناس لإخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) من بيته الى البيعة في سقيفة بني ساعدة، واشتغال أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بضمّ أزواجه وقبره وتعزيتهم وجمع القرآن وقضاء دينه وإنجاز عداته، وهي ثمانون ألف درهم، باع فيها تليده وطارفه وقضاها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وقول عمر: اخرج يا عليّ الى ما أجمع عليه المسلمون وإلاّ قتلناك.
وقول فضّة جارية فاطمة: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) مشغول والحقُّ له، إن أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه.
وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وامّ كلثوم وفضّة، وإضرامهم النار على الباب، وخروج فاطمة اليهم وخطابها لهم من وراء الباب وقولها:
ويحك يا عمر! ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله؟ والله متمُّ نوره.
وانتهاره لها وقوله: كفّي يا فاطمة، فليس محمد حاضراً ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله، وما عليٌّ إلاّ كأحد المسلمين، فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعاً.
فقالت وهي باكية: اللهم إليك نشكو فقد نبيّك ورسولك وصفيّك، وارتداد اُمّته علينا، ومنعهم إيّانا حقّنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيّك المرسل.
فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حمقات النساء! فلم يكن الله ليجمع لكم النبوّة والخلافة.
وأخذت النار في خشب الباب.
وإدخال قنفذ يده - لعنه الله - يروم فتح الباب.
وضرب عمر لها بالسوط على عضدها، حتّى صار كالدملج الأسود، وركل الباب برجله، حتى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستّة أشهر وإسقاطها إيّاه.
وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد، وصفقه خدّها حتى بدا قُرطاها تحت
خمارها، وهي تجهر بالبكاء وتقول: وا أبتاه، وا رسول الله، ابنتك فاطمة تكذَّب وتُضرب، ويقتل جنين في بطنها.
وخروج أمير المؤمنين (عليه السلام) من داخل الدار محمَّر العين حاسراً، حتى ألقى ملاءته عليها، وضمّها الى صدره وقوله لها: يا بنت رسول الله، قد علمتي أنَّ أباك بعثه الله رحمة للعالمين، فالله الله أن تكشفي خمارك وترفعي ناصيتك، فو الله يا فاطمة، لئن فعلت ذلك لا ابقى الله على الأرض من يشهد أنَّ محمداً رسول الله ولا موسى ولا عيسى ولا ابراهيم ولا نوح ولا آدم، [ولا] دابّة تمشي على الأرض ولا طائراً في السماء إلاّ أهلكه الله.
ثمّ قال: يا بن الخطّاب! لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه. اخرج قبل أن اُشهّر سيفي فاُفني غابر الاُمّة.
فخرج عمر، وخالد بن الوليد، وقنفذ، وعبد الرحمن بن أبي بكر، فصاروا من خارج الدار.
وصاح أمير المؤمنين بفضّه: يا فضّة! مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء، فقد جاءها المخاض من الرفسة وردّ الباب، فأسقطت محسناً.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): فانّه - يعني المحسن - لا حق بجدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيشكو إليه....
ثمّ يقوم الحسين (عليه السلام) مخضّباً بدمه هو وجميع من قتل معه. فاذا رآه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بكى، وبكى أهل السماوات والأرض لبكائه، وتصرخ فاطمة (عليها السلام) فتزلزل الأرض ومن عليها، ويقف أمير المؤمنين والحسن (عليهما السلام) عن يمينه، وفاطمة عن شماله.
ويقبّل الحسين (عليه السلام) فيضمّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الى صدره، ويقول: يا حسين! فديتك، قرَّت عيناك وعيناي فيك.
وعن يمين الحسين حمزة أسد الله في أرضه، وعن شماله جعفر بن أبي طالب الطيّار.
ويأتي محسن، تحمله خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهنَّ صارخات، واُمّه فاطمة تقول: (هذا يومُكُم الذي كنتُم توعَدون)(605)، اليوم (تجدُ كلُّ نفسٍ ما عَمِلَت من خيرٍ مُحضَراً وما عملت من سُوءٍ تودُّ لو أنَّ بينها وبينه أمداً بعيداً)(606).
قال: فبكى الصادق (عليه السلام) حتى اخضلّت لحيته بالدموع، ثمّ قال:
لا قرَّت عين لا تبكي عند هذا الذكر.
قال: وبكى المفضّل بكاءً طويلاً، ثمَّ قال: يا مولاي، ما في الدموع يا مولاي؟
فقال: ما لا يحصى إذا كان من محقّ...»(607).
المرحلة الثالثة: الكوفة العاصمة
بعد مُقام المدينة، يخرج الامام المهدي (عليه السلام) الى حرم أمير المؤمنين (عليه السلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(605) سورة الأنبياء: الآية 103.
(606) سورة آل عمران: الآية 30.
(607) بحار الانوار: ج 3 ص 12 - 14، 17 - 19، 23 ب 25 ح 1.
وجاء هذا الحديث في: كتاب الرجعة (للاسترابادي): ص 100، مسنداً عن الحسين بن حمدان، عن محمد بن اسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيّين، عن ابي شعيب محمد بن نصير، عن عمر بن الفرات، عن محمد بن المفضل، عن المفضل بن عمر.
وحكاه في: هامش الرجعة: ص 134، عن: حلية الابرار: ج 2 ص 652، واثبات الهداة: ج 3 ص 523، والايقاظ من الهجمة: ص 286.
وذكر في الهداية الكبرى (للحضيني): ص 74، من النسخة المخطوطة.
وجاء قطعة من الحديث في: الصراط المستقيم: ص 257.
الكوفة بعد أن يستعمل عليها رجلاً من أصحابه، كما في الحديث(608).
وفي حديث الامام الباقر (عليه السلام):
«... ويسير نحو الكوفة، وينزل على سرير النبي سليمان (عليه السلام)، وبيمينه عصا موسى، وجليسه الروح الأمين، وعيسى بن مريم، متّشحاً ببرد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، متقلّداً بذي الفقار، ووجهه كدائرة القمر في ليالي كماله، يخرج من بين ثناياه نورٌ كالبرق الساطع، على رأسه تاجٌ من نور»(609).
وللكوفة يومئذٍ شأنٌ عظيم ومجد كريم، حيث تكون عاصمة حكومته ودار خلافته ومركز شيعته.
فيتجلى فيها السموّ والرفعة، وتصير مهد الحياة الزاهرة في دولة العترة الطاهرة ببركة الامام المهدي ارواحنا فداه.
ففي حديث المفضل: قلت: يا سيدي، فأين تكون دار المهديّ ومجتمع المؤمنين؟
قال: «دار ملكه الكوفة، ومجلس حكمه جامعها، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة، وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريّين.
قال المفضّل: يا مولاي كلُّ المؤمنين يكونون بالكوفة؟
قال: إي والله، لا يبقى مؤمن إلاّ كان بها أو حواليها، وليبلغنّ مجالة فرس منها ألفي درهم....
وليصيّرنّ الكوفة أربعة وخمسين ميلاً(610)، ويجاوزن قصورها كربلاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(608) بحار الانوار: ج 52 ص 308 ب 26 ح 82.
(609) روزگار رهائي: ج 1 ص 495، نقلاً عن: الزام الناصب (ط طهران): ص 208.
(610) «الميل» يساوي 1860 متر، كما في: الاوزان والمقادير: ص 132، وعليه فامتداد الكوفة آنذاك 54 ميل يساوي 440 / 100 متر. فتمتد البلدة أكثر من 100 كيلو متر، لذلك تجاور قصورها كربلاء المقدّسة.
وليصيّرنّ الله كربلاء معقلاً ومقاماً تختلف فيه الملائكة والمؤمنون، وليكوننّ لها شأن من الشأن، وليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربّه بدعوة لأعطاه الله بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا الف مرّة»(611).
وفي الحديث العلوي الشريف:
«ثم يقبل الى الكوفة، فيكون منزله بها. فلا يترك عبداً مسلماً الا اشتراه واعتقه، ولا غارماً الا قضى دينه، ولا مظلمة لاحد من الناس الا ردّها، ولا يُقتل منهم عبد الا أدّى ثمنه دية مسلَّمة الى أهلها، ولا يُقتل قتيل الا قضى عنه دينه، وألحق عياله في العطاء حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً.
ويسكنه هو وأهل بيته الرحبة، والرحبة انما كانت مسكن نوح وهي أرض طيبة، ولا يسكن رجل من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا يقتل الا بأرض طيّبة زاكية، فهم الاوصياء الطيّبون»(612).
وأنه ليكثر فيها الخيرات والبركات حتى تمطر السماء فيها ذَهباً، كما تلاحظه في الحديث الصادقي:
«وتمطر السماء بها جراداً من ذهب»(613).
هذا، مضافاً الى مرغوبية نفس الكوفة في حدّ ذاتها، كما تلاحظها في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(611) بحار الانوار: ج 53 ص 11 ب 25 ح 1.
(612) تفسير العياشي: ج 1 ص 66.
(613) بحار الانوار: ج 53 ص 34 ب 25 ح 1.
احاديث فضلها وعظيم منزلتها(614).
وأنه يكون مسجدها اكبر مسجد في العالم، حتى يُبنى مسجدها الأعظم ويكون له الف باب(615).
ولا بأس بالمناسبة بيان ما لهذا المسجد من فضل عظيم وشرف كبير:
1 - ففي حديث أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«مسجد كوفان روضة من رياض الجنّة، صلّى فيه ألف نبيّ وسبعون نبيّاً، وميمنته رحمة، وميسرته مكرمة.
فيه عصا موسى وشجرة يقطين وخاتم سليمان، ومنه فار التنّور ونجرت السفينة، وهي صرة بابل(616) ومجمع الأنبياء»(617).
2 - وفي حديث الأصبغ بن نباتة، قال: بينا نحن ذات يوم حول أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد الكوفة، إذ قال:
«يا أهل الكوفة! لقد حباكم الله (عزَّ وجلَّ) بما لم يَحبُ به أحداً. ففضّل مصلّاكم وهو بيت آدم، وبيت نوح، وبيت إدريس، ومصلّى إبراهيم الخليل، ومصلّى أخي الخضر (عليهم السلام)، ومصلّاي.
وإنّ مسجدكم هذا أحدُ الأربع المساجد التي اختارها الله (عزَّ وجلَّ) لأهلها، وكأنّي به يوم القيامة في ثوبين أبيضين شبيه بالمحرم، يشفع لأهله ولمن صلّى فيه، فلا تُردّ شفاعته، ولا تذهب الأيّام حتّى ينصب الحجر الأسود فيه(618).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(614) بحار الانوار: ج 100 ص 396 ب 6 ح 33. سفينة البحار: ج 7 ص 456، 457.
(615) بحار الانوار: ج 52 ص 330، 336 ب 27 ح 76.
(616) في بيان البحار هنا: صرة بابل أي أشرف أجزاءها، لأن الصرة مجمع النقود التي هي أفضل الأموال.
(617) بحار الانوار: ج 100 ص 389 ب 6 ح 13.
(618) في بيان البحار هنا: نصب الحجر الاسود فيه كان في زمن القرامطة، حيث خرّبوا الكعبة ونقلوا الحجر الى مسجد الكوفة. ثم ردوه الى موضعه ونصبه القائم (عليه السلام) بحيث لم يعرفه الناس، كما مرّ ذكره عن كتاب الغيبة.
وليأتينَّ عليه زمان يكون مصلّى المهدي من ولدي ومصلّى كلّ مؤمن، ولا ويبقى على الأرض مؤمن إلاّ كان به أو حنّ قلبه إليه.
فلا تهجرنّ، وتقرّبوا الى الله (عزَّ وجلَّ) بالصلاة فيه، وارغبوا اليه في قضاء حوائجكم. فلو يعلم الناس ما فيه من البركة، لأتوه من أقطار الأرض ولو حبواً على الثلج»(619).
3 - وفي حديث عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
«يا بن مسعود، لما اُسري بي الى السماء الدنيا، أراني مسجد كوفان، فقلت: يا جبرئيل، ما هذا؟ قال: مسجد مبارك، كثير الخير، عظيم البركة. اختار الله لأهله، وهو يشفع لهم يوم القيامة»(620).
4 - وفي حديث محمد بن سنان، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول:
«الصلاة في مسجد الكوفة فرادى أفضل من سبعين صلاة في غير جماعة»(621).
5 - وفي حديث المفضل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
«صلاة في مسجد الكوفة تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد»(622).
وأما مسجد السهلة بالكوفة، فهو أيضاً من المساجد العظمى، ذات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(619) بحار الانوار: ج 100 ص 389 ب 6 ح 14.
(620) بحار الانوار: ج 100 ص 394 ب 6 ح 27.
(621) بحار الانوار: ج 100 ص 397 ب 6 ح 34.
(622) بحار الانوار: ج 100 ص 397 ب 6 ح 36.
الفضيلة الكبرى:
1 - ففي حديث أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال لي:
«يا أبا محمد، كأني أرى نزول القائم (عليه السلام) في مسجد السهلة بأهله وعياله.
قلت: يكون منزله جعلت فداك؟
قال: نعم، كان فيه منزل إدريس، وكان منزل إبراهيم خليل الرحمان، وما بعث الله نبيّاً إلاّ وقد صلّى فيه، وفيه مسكن الخضر، والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلاّ وقلبه يحنّ اليه، وفيه صخرة فيها صورة كلّ نبي.
وما صلّى فيه أحد فدعا الله بنيّة صادقة إلاّ صرفه الله بقضاء حاجته.
وما من أحد استجاره إلّا أجاره الله مما يخاف.
قلت: هذا لهو الفضل.
قال: نزيدك؟
قلت: نعم.
قال: هو من البقاع التي احبّ الله أن يدعى فيها، وما من يوم ولا ليلة إلاّ والملائكة تزور هذا المسجد، يعبدون الله فيه. أما إنّي لو كنت بالقرب منكم ما صلّيت صلاة إلاّ فيه.
يا أبا محمد، وما لم أصف أكثر.
قلت: جعلت فداك، لا يزال القائم فيه أبداً؟
قال: نعم.
قلت: فمن بعده؟
قال: هكذا من بعده الى انقضاء الخلق(623).
2 - وفي حديث العلاء، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
«تصلّي في المسجد الذي عندكم الذي تسمّونه مسجد السهلة، ونحن نسميه مسجد الشرى؟
قلت: إنّي لأصلي فيه جعلت فداك.
قال: ائته، فانّه لم يأته مكروب إلاّ فرّج الله كربته، أو قال: قضى حاجته، وفيه زبر جدة فيها صورة كلّ نبيّ وكلّ وصي»(624).
3 - وفي حديث الحضرمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) او عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: أيُّ بقاع الله أفضل بعد حرم الله جلّ وعزّ وحرم رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
فقال: «الكوفة يا أبابكر. هي الزكيّة الطاهرة؛ فيها قبور النبيّين المرسلين وغير المرسلين والأوصياء الصادقين.
وفيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبيّاً إلاّ وقد صلّى فيه، ومنه يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه والقوّام من بعده، وهي منازل النبيّين والأوصياء والصالحين»(625).
وفي هذا المسجد المبارك دعا الامام الصادق (عليه السلام) لخلاص المرأة الصالحة في حديث بشار المكاري المعروف(626).
وفي هذا المسجد حصلت التشرفات الشريفة للأولياء والمؤمنين، وعباد الله الصالحين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(623) بحار الانوار: ج 100 ص 436 ب 7 ح 7.
(624) بحار الانوار: ج 100 ص 437 ب 7 ح 9.
(625) بحار الانوار: ج 100 ص 440 ب 7 ح 17.
(626) بحار الانوار: ج 47 ص 379 ب 11 ح 101.
هي هي دولة الله تعالى، ودولة أهل البيت (عليهم السلام)، والدولة الكريمة، والدولة الشريفة، ودولة الحق، كما جاء تسميتها بها في الأحاديث المباركة.
ففي حديث الامام الصادق (عليه السلام):
«فأين دولة الله؟ اما هو قائم واحد»(627).
وفي الحديث الآخر عنه (عليه السلام):
«ودولتنا في آخر الدهر تظهر»(628).
وفي دعاء الافتتاح الشريف كما في الحديث أيضاً:
«اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة»(629).
وفي الزيارة المباركة للإمام المهدي (عليه السلام):
«السلام عليك ايها المؤمّل لإحياء الدولة الشريفة»(630).
وفي حديث توصيف أصحابه (عليه السلام):
«منتظرون لدولة الحق»(631).
وبدراستها تعرف أنها دولة السماء في الأرض، وأفضل دول العالم منذ خلق الله تعالى آدم (عليه السلام).
في هذه الدولة يتبدل الخوف الى الأمن، والفقر الى الغنى، والحزن إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(627) البحار: ج 51 ص 54 ب 5 ح 38.
(628) البحار: ج 51 ص 143 ب 6 ح 3.
(629) البحار: ج 91 ص 6 ب 2 ح 2.
(630) البحار: ج 102 ص 86 ب 7 ح 1.
(631) البحار: ج 52 ص 126 ب 22 ح 20.
السرور، والجحيم الى النعيم، والظلم الى العدل، والجهل الى العلم، والفساد الى الصلاح، والضعف الى القوّة، والذبول الى النضارة، ويكون فيها كل الخيرات والخيرات كلها.
وما أجمل ما جاء من وصفها في الحديث:
«وفي أيام دولته تطيب الدنيا واهلها»(632).
طيباً لا كدر فيه، وصلاحاً لا فساد فيه، وسَعداً لا نحس فيه.
فهي الحَريّة بأن يكون عصرها أفضل العصور، عصر النور، عصر العلم، عصر القدرة، عصر السعادة، عصر السلامة، عصر المعجزات، عصر الخير وخير عصر.
وفي الحديث:
«يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً»(633).
كل ذلك ببركة دولة الامام المهدي (عليه السلام) في قيادته الالهية الحكيمة. تلك القيادة التي يهيمن بها من عاصمته العصماء على جميع الاماكن والأرجاء؛ هيمنةً تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته.
ففي حديث أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
«إنه إذا تناهت الاُمور إلى صاحب هذا الأمر، رفع الله تبارك وتعالى له كلَّ منخفض من الأرض، وخفّض له كلَّ مرتفع حتّى تكون الدُّنيا عنده بمنزلة راحته، فأيّكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها»(634).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(632) المهدي: ص 226.
(633) الغيبة (للنعماني): ص 237.
(634) البحار: ج 52 ص 328 ب 27 ح 46.
وفي الحديث الآخر:
«إن الدنيا تمتثل للإمام مثل فلقة الجوز فلا يعزب عنه منها شيء، وانه يتناولها من اطرافها كما يتناول احدكم من فوق مائدته ما يشاء»(635).
وفي الحديث العلوي قال:
«قد أعطانا ربّنا (عزَّ وجلَّ) علمنا للاسم الأعظم الّذي لو شئنا خرقت السماوات والأرض والجنّة والنّار، ونعرج به إلى السماء ونهبط به الأرض، ونغرّب ونشرّق، وننتهي به إلى العرش فنجلس(636) عليه بين يدي الله (عزَّ وجلَّ)، ويطيعنا كلّ شيء، حتّى السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدّوابّ والبحار والجنّة والنار؛ أعطانا الله ذلك كلّه بالاسم الاعظم الّذي علّمنا وخصّنا به.
ومع هذا كلّه نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق، ونعمل هذه الاشياء بأمر ربّنا، ونحن عباد الله المكرمون الّذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون»(637).
فقيادة هذه الدولة، يمدها رب الأرض والسماء بأفضل ما كان يمدّ به الاولياء في ولايتهم التكوينية وقدرتهم الربّانية.
ولا شك أن الله تعالى قادر على كل شيء، وتنفذ قدرته في كل شيء.
وَهَب يسيراً من قدرته لسليمان بن داود (عليهما السلام)، فسخّر بها المخلوقات.
وأعطى حرفاً من إسمه الأعظم لآصف بن برخياء فأتى بعرش بلقيس من سبأ بلمح البصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(635) الاختصاص: ص 217.
(636) هذا كناية عن شدة قربهم المعنوي وعظم منزلتهم عند الله، أو كناية عن احاطتهم العلمية بأمور السماوات والارضين بإفاضة الله تعالى اياهم أو قدرتهم بها ومطاعيتهم عندها.
(637) البحار: ج 26 ص 7 ب 13 ح 1.
والامام المهدي (عليه السلام) منحه الله تعالى ما فوق ذلك، وخصّه بأعظم ما هنالك. متّعنا الله تعالى بدولته، وأقرّ عيوننا بطلعته.
فلنشر الى غيضٍ من فيض سِمات تلك الدولة السامية في الصحائف الآتية:
1 - نظام الدولة
نظام دولة الامام المهدي (عليه السلام) نظام فريدٌ في نوعه، قِمّةٌ في سموّه، موفّق في جميع المجالات، متقنٌ في كافّة المهمات.
نظام يقوده إمام معصوم، لا زلل فيه ولا خطل، متصلٌ بربّ السماء، ومُلهم بأصح الآراء، يؤيّده روح القدس والروح الأمين، ويُرافقه ملائكة الله المقرّبين.
نظامٌ لا مثيل له، بل هو خلافة الله في أرضه، وحكومة الله في خلقه، عظيمٌ كعظمة السماء، وثابت كثُبات الأرض، في أتمّ التقدير وأكمل التدبير.
وذلك لأنه النظام الالهي الأمثل الذي نظّمه له الله الحكيم الذي أتقن كل شيء صُنعَه، وعرف ما يُصلح خلقَه، ورسمه له الله الخبير الذي أحاط بكل شيء علماً، ونفذ في كل شيء قدرةً وحُكما.
ويكفيك دليلاً على إتقان هذا النظام وصدوره من الله العلّام، أحاديث ربّانيّة علم الامام وبيان ما رسمه الله له من المهام، وروايات دولته، ونصوص الوصية الواصلة اليه من جدّه، مثل: حديث الامام الصادق (عليه السلام) قال:
«إنّ الله (عزَّ وجلَّ) أنزل على نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كتاباً قبل وفاته، فقال: يا محمّد! هذه وصيّتك إلى النجبة من أهلك.
قال: وما النجبة يا جبرئيل؟
فقال: عليّ بن أبي طالب وولده (عليهم السلام)، وكان على الكتاب خواتيم من ذهب.
فدفعه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأمره أن يفكَّ خاتماً منه ويعمل بما فيه.
ففكَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) خاتماً وعمل بما فيه.
ثمَّ دفعه إلى ابنه الحسن (عليه السلام)، ففكَّ خاتماً وعمل بما فيه.
ثمَّ دفعه إلى الحسين (عليه السلام)، ففكّ خاتماً(638) فوجد فيه أن اخرج بقوم إلى الشهادة، فلا شهادة لهم إلّا معك وإشرِ نفسك (أي بعها) لله (عزَّ وجلَّ)، ففعل.
ثمَّ دفعه إلى عليّ بن الحسين (عليه السلام)، ففكَّ خاتماً فوجد فيه أن اطرق واصمت وألزم منزلك واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين، ففعل.
ثمَّ دفعه إلى محمّد بن عليّ (عليه السلام)، ففكَّ خاتماً فوجد فيه: حدِّث الناس وافتهم ولا تخافنَّ إلّا الله (عزَّ وجلَّ)، فإنَّه لا سبيل لأحد عليك [ففعل].
ثمَّ دفعه إلى ابنه جعفر، ففكَّ خاتماً فوجد فيه: حدِّث الناس وافتهم وانشر علوم أهل بيتك وصدِّق آبائك الصالحين ولا تخافنَّ إلّا الله (عزَّ وجلَّ) وأنت في حرز وأمان، ففعل.
ثمَّ دفعه إلى ابنه موسى، وكذلك يدفعه موسى إلى الذي بعده، ثمَّ كذلك إلى قيام المهدي صلّى الله عليه»(639).
وأضاف في الحديث الرابع من الباب:
فقلت لأبي الحسن (عليه السلام): بأبي أنت وامّي، ألا تذكرُ ما كان في الوصية؟
فقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(638) لعل الخواتيم كانت متفرقة في مطاوي الكتاب، بحيث كلما نشرت طائفة من مطاويه انتهى النشر الى خاتم يمنع من نشر ما بعدها من المطاوي إلّا أن يفض الخاتم، كما في هامش الكافي.
(639) اصول الكافي: ج 1 ص 280 ح 2.
«سنن الله وسنن رسوله.
فقلت: أكان في الوصيّة توثبهم(640) وخلافهم على أمير المؤمنين (عليه السلام)؟
فقال: نعم، والله شيئاً شيئاً وحرفاً حرفاً.
أما سمعت قول الله (عزَّ وجلَّ): (إنّا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدّموا وآثارهم وكلّ شيء أحصيناه في إمام مبين)(641)؟»(642).
وهذا كتاب دستوري كامل للإمام المعصوم في أعماله وأقواله وافعاله وسيرته وفي نظام دولته.
مضافاً الى عمود النور الالهي الذي به يسمع الامام (عليه السلام) ويرى ما يحتاج اليه من أمور عوالمه، مما تلاحظه في أحاديثه مثل أحاديث البصائر:
1 - اسحاق الحريري(643)، قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فسمعته وهو يقول:
«انّ لله عموداً من نور، حجبه الله عن جميع الخلايق. طرفه عند الله وطرفه الاخر في اذن الامام، فاذا اراد الله شيئاً اوحاه في اذن الامام».
2 - الحسن بن العبّاس بن جريش عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام):
«... نور كهيئة العين على راس النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والاوصياء، لا يريد احد منّا علم امر من امر الارض او امر من امر السّماء الى الحجب الّتي بين الله وبين العرش الّا رفع طرفه الى ذلك النّور، فرأى تفسير الّذي أراد فيه مكتوباً».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(640) «التوثب»، الاستيلاء على الشيء ظلماً.
(641) سورة يس: الآية 12.
(642) اصول الكافي: ج 1 ص 283 ح 4.
(643) الجريري، هكذا في البحار.
3 - اسحاق القمّي، قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك، ما قدر الامام؟
قال: «يسمع في بطن امّه، فاذا وصل الى الارض كان على منكبه الايمن مكتوباً: (وتمّت كلمة ربّك صدقاً وعدلاً لا مبدّل لكلماته وهو السّميع العليم)(644).
ثمّ يبعث ايضاً له عموداً من نور تحت بطنان العرش الى الارض، يرى فيه اعمال الخلائق كلّها.
ثمّ يتشعّب له عمود آخر من عند الله الى اذن الامام كلّما احتاج الى مزيد افرغ فيه افراغاً»(645).
وعليه فالقانون الأساسي والنظام الحكومي لدولة الامام المهدي (عليه السلام)، قانون ونظام الهي حكيم خالص، في جميع أرجاء الكون ومجالات الحياة.
وقد عرفت من آيات البشائر المتقدمة أنه مبنيٌ على عظيم النعم والتمكّن الأتم، حيث قال عز اسمه: (ونُريد أن نَمُنَّ...)(646).
وقال عز من قائل: (ولَيمكننَّ لهم دينَهم الذي ارتضى لهم...)(647).
فتكون الحياة في دولته الشريفة هي الحياة الطيبة، حياة الجنّة وعيشة السعادة، بنظام الله وتدبيره، وببركة قيادة الامام المهدي (عليه السلام) الذي وجوده لطفٌ وتصرفه لطف آخر.
ولا عجب في ذلك فإنّ أهل البيت (عليهم السلام) «مساكن بركة الله»، كما في الزيارة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(644) سورة الأنعام: الآية 115.
(645) بصائر الدرجات: ص 439 ب 12 ح 1، 5، 6.
(646) سورة القصص: الآية 5.
(647) سورة النور: الآية 56.
الجامعة، أي محل استقرار البركة التي هي كثرة النعمة والخير والكرم، وزيادة التشريف والكرامة والنماء والسعادة.
وفي حديث الامام الصادق (عليه السلام):
«نحن أهل بيت الرحمة، وبيت النعمة، وبيت البركة»(648).
بارك الله تعالى في كل ما يخصهم ويختص بهم، والشواهد ظاهرة باهرة.
2 - قضاء الدولة
قضاء دولة الامام المهدي (عليه السلام)، قضاءٌ عادل حق، ومصيبٌ كبد الحقيقة. فانه (عليه السلام) يقضي ويحكم بعلم الامامة وبما يلهمه الله تعالى، المطلع على الحقائق والضمائر، والواقف على جميع الافعال في الظواهر والسرائر.
ومن الثابت انه (عليه السلام) يقضي بعلمه الالهي وتوسّمه الربّاني. فيعطي كلَّ نفسٍ حقها من غير حاجة الى انتظار شهادة الشهود أو وسائل الاثبات.
ومن الواضح في حكمة الحُكم، أنه (عليه السلام) حيث يريد أن يملأ الارض قسطاً وعدلاً، ويقضي على كل ظلم وجور، ويأخذ حق المظلوم من الظالم لا يُتوقّع منه، بل لا يناسبه أن ينتظر حتى يرفع المظلوم اليه شكواه ويقدم له دعواه، أو يأتي الشهود ليشهدوا بحقٍ مجحود، ولعل هناك من لا يستطيع إثبات حقه أو يعجز عن ردّ ظالمه.
بل من تمام الحكمة أن يحكم هو بما أراه الله تعالى بإلهامه ونوّره بعلمه، ليطهّر جميع البلاد من لوث الظلم والفساد.
وقد أمدّه الله القدير بكفايته، وتولّاه برعايته، وأوضح له الحقّ الباهر كالصبح الزاهر، بل أوضح ذلك ببركته (عليه السلام) لولاته والقضاة المبعوثين من قِبَله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(648) البحار: ج 26 ص 254 ب 4 ح 27.
ايضاً، كما يستفاد ذلك من الأحاديث المباركة.
ففي تفسير قوله تعالى: (إنّ في ذلك لآياتٍ للمتوسّمين)(649)، المفسّر بأهل البيت (عليهم السلام)(650)، قد جاء في أحاديث تفسيره كيفية حكم الامام المهدي (عليه السلام).
ففي حديث الامام الصادق (عليه السلام):
«اذا قام قائم آل محمّد (عليه السلام)، حكم بين النّاس بحكم داود، لا يحتاج إلى بيّنة. يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كلّ قوم ما استنبطوه، ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسّم. قال الله (عزَّ وجلَّ): (إنّ في ذلك لآياتٍ للمتوسّمين وإنّها لبسبيلٍ مقيم)(651).
وفي حديثه الآخر:
«اذا قام القائم (عليه السلام)، لم يقم بين يديه أحد من خلق الرّحمن إلّا عرفه، صالح هو أو(652) طالح، و[لأنّ](653) فيه آية للمتوسّمين، وهي السّبيل(654) المقيم»(655).
وفي النهج الشريف:
«فيريكم كيف عدل السيرة، ويحي ميّت الكتاب والسنّة»(656)،(657). وفي الحديث الآخر:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(649) سورة الحجر: الآية 75.
(650) اُصول الكافي: ج 1 ص 218 ح 1.
(651) كنز الدقائق: ج 7 ص 150.
(652) في المصدر: «أم».
(653) من المصدر.
(654) في المصدر: «بسبيل».
(655) كنز الدقائق: ج 7 ص 151.
(656) نهج البلاغة: الخطبة 138.
(657) منهاج البراعة: ج 8 ص 346.
«لا يذهب الدنيا حتى يخرج رجل منّي، يحكم بحكومة آل داود؛ لا يسأل عن بيّنة، يعطى كل نفس حكمها»(658).
وفي الحديث الآخر:
«وانما سمي المهدي مهديّاً لأنّه يهدي إلى أمر خفيّ.
ويستخرج التوراة وسائر كتب الله (عزَّ وجلَّ) من غار بأنطاكية(659).
ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل وبين أهل الزَّبور بالزَّبور وبين أهل القرآن بالقرآن.
وتجمع إليه أموال الدُّنيا من بطن الأرض وظهرها.
فيقول للنّاس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدِّماء الحرام، وركبتم فيه ما حرَّم الله (عزَّ وجلَّ).
فيعطي شيئاً لم يعطه أحدٌ كان قبله، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً، كما ملئت ظلماً وجوراً وشراً(660).
وفي الحديث الآخر: «اذا قام القائم، بعث في أقاليم الأرض، في كل إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفّك، فاذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه، فانظر الى كفّك واعمل بما فيها»(661).
ولا يخفى أنه لا تخالف بين هذا القضاء وبين قضاء الإسلام، لأنه من القضاء بالعلم الذي هو من صميم الدين ومن الحكم بالحق.
قال تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(658) البحار: ج 52 ص 320 ب 27 ح 22.
(659) في بعض النسخ: «اخوانك المسلمين».
(660) الغيبة (للنعماني): ص 237 ح 26.
(661) الغيبة (للنعماني): ص 319 ح 8.
بالحق)(662).
فيكون قضاءه (عليه السلام) على هُدى سنّة الله تعالى وسنّة رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
لذلك أفاد في الجواهر بعد الاستدلال له بالكتاب والسنة:
«أن للإمام (عليه السلام) أن يقضي بعلمه مطلقاً، في حق الله، وحق الناس، بالإجماع.
بل للقاضي ذلك في حق الناس قطعاً، وفي حق الله على الأصح، بل الإجماع»(663).
وقال أمين الاسلام الطبرسي:
«واذا علم الامام أو الحاكم أمراً من الأمور، فعليه أن يحكم بعلمه ولا يسأل البيّنة، وليس في هذا نسخٌ للشريعة...، لأن النسخ هو ما تأخر دليله على حكم المنسوخ ولم يكن مصاحباً له، واما إذا اصطحب الدليلان، فلا يكون أحدهما ناسخاً لصاحبه...»(664).
ويوضح لنا ذلك حديث الامام العسكري (عليه السلام):
«فاذا قام يقضي بين الناس بعلمه، كقضاء داود (عليه السلام)»(665).
3 - ثقافة الدولة
من الواضح أن أسمى ازدهار ايّ دولة وايّ اُمة، انما يكون بثقافتها وعلمها، وأعظم الحضارات في المجتمعات، هي الحضارة العلمية. فبالعلم حياتها وقوّتها، وبالحكمة ازدهارها ورقيّها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(662) سورة ص: الآية 26.
(663) الجواهر: ج 40 ص 86.
(664) إعلام الورى: ص 477.
(665) البحار: ح 52 ص 320 ب 27 ح 25.
وهذه الحضارة العلمية والكيان الثقافي تبلغ القمة وتصل الى أعلى مرتبة في دولة الامام المهدي (عليه السلام)، حتى تكمل عقول العباد ويُبلغ معالي السداد.
ففي الحديث الباقري (عليه السلام):
«اذا قام قائمنا، وضع يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت بها أحلامهم»(666).
وفي الحديث الشريف الآخر:
«وتؤتَون الحكمة في زمانه، حتى أن المرأة لتقضى في بيتها بكتاب الله تعالى وسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(667).
وما أعظمها من فضيلة وما اعلاها من مرتبة. إيتاء الحكمة، ثم عموم الحكمة حتى الى المخدرات في بيوتها.
وقد فسرت الحكمة في اللغة بانها هي:
«العلم الذي يرفع الانسان ويمنعه عن فعل القبيح»(668).
وعرفت من كلمات علماءنا بانها هي:
«العلوم الحقيقية الالهية»(669).
(ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً).
تلك الحكمة التي آتاها الله صفوة عباده الصالحين.
فقال عز اسمه فيما اقتص عن اولياءه المقربين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(666) البحار: ج 52 ص 328 ب 27 ح 47.
(667) الغيبة (للنعماني): ص 239 ح 30.
(668) مجمع البحرين: ص 511.
(669) الانوار اللامعة: ص 77.
(فقد آتينا آلَ ابراهيمَ الكتابَ والحكمة)(670)؛ (ولقد آتينا لقمانَ الحكمة)(671).
وقال تعالى عن النبي سليمان (عليه السلام): (وشددنا مُلكَه وآتيناهُ الحكمةَ وفصلَ الخطاب)(672).
فتمتاز دولة الإمام المهدي (عليه السلام) على الصعيد الثقافي بمنح فضيلة الحكمة لجميع أفراد الاُمّة. والقرآن الكريم الذي مصدر النور والهدى تعرفه الأمة الاسلامية آنذاك حق المعرفة وبالمعرفة الحقّة.
ففي الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام):
«كأنّي أنظر الى شيعتنا بمسجد الكوفة، قد ضربوا الفساطيط، يعلّمون الناس القران كما اُنزل»(673).
وفي ظلّ الامام المهدي (عليه السلام) يستضيء المؤمنون بنور العلم الأكمل، ويُعطون العرفان الأفضل.
ففي حديث الامام الصادق (عليه السلام):
«العلم سبعة وعشرون حرفاً. فجميع ما جاءت به الرُّسل حرفان، فلم يعرف الناس حتّى اليوم غير الحرفين. فاذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثّها في الناس، وضمَّ إليها الحرفين. حتّى يبثّها سبعة وعشرين حرفاً»(674).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(670) سورة النساء: الآية 54.
(671) سورة لقمان: الآية 12.
(672) سورة ص: الآية 34.
(673) الغيبة (للنعماني): ص 318 ح 3.
(674) البحار: ج 52 ص 336 ب 27 ح 73.
وهذا أرقى مستوى العلم يكون في دولته الكريمة وقيادته الحكيمة، ولا غرو في ذلك بعد تلك القابلية العقلية والكمال العقلي.
فيقذف ويُلقى نور العلم في قلوب المؤمنين، كما تلاحظه في خطبة المخزون لأمير المؤمنين (عليه السلام) التي جاء فيها:
«ويسير الصدِّيق الأكبر براية الهدى، والسيف ذي الفقار، والِمخصرة(675) حتّى ينزل أرض الهجرة مرَّتين وهي الكوفة.
فتستبشر الأرض بالعدل، وتعطي السماء قطرها، والشجر ثمرها، والأرض نباتها وتتزيّن لأهلها، وتأمن الوحوش حتّى ترتعي في طرق الأرض كأنعامهم، ويُقذف في قلوب المؤمنين العلم فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من علم.
فيومئذ تأويل هذه الآية: (يُغنِ الله كلّاً من سعته)(676)»(677).
ولا عجب في هذا القذف العلمي من أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم مظاهر القدرة الالهيّة والكرامة الربّانيّة، كما تلاحظ نظائره في موارده.
مثل القذف والإلقاء، في قضية زاذان ابو عمرو الفارسي في حديث سعد الخفاف، عن زاذان أبي عمرو، قلت له: يا زاذان، إنّك لتقرأ القرآن فتحسن قراءته؛ فعلى من قرأت؟
قال: فتبسّم ثمّ قال: إنّ أمير المؤمنين مرَّ بي وأنا أنشد الشعر، وكان لي خلق حسن. فأعجبه صوتي، فقال: فقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(675) «المخصرة»، شيء كالسوط، وما يتوكأ عليه كالعصاء، وما يأخذ الملك بيده يشير به اذا خاطب والخطيب إذا خطب.
(676) سورة النساء: الآية 130.
(677) البحار: ج 53 ص 86 ب 29 ح 86.
«يا زاذان! فهلّا بالقرآن؟
قلت: يا أمير المؤمنين، وكيف لي بالقرآن؟ فو الله ما أقرأ منه إلّا بقدر ما اُصلّي به.
قال: فادنُ منّي.
فدنوت منه، فتكلّم في اُذني بكلام ما عرفته ولا علمت ما يقول.
ثمّ قال: افتح فاك، فتفل في فيَّ، فو الله ما زالت قدميّ من عنده حتّى حفظت القرآن بإعرابه وهمزه، وما احتجت أن أسأل عنه أحداً بعد موقفي ذلك.
قال سعد: فقصصت قصّة زاذان على أبي جعفر (عليه السلام)، قال: صدق زاذان؛ إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) دعا لزاذان بالاسم الأعظم الّذي لا يردّ»(678).
فالقرآن الكريم ومعالم أهل البيت (عليهم السلام) الطيّبين تقسمان تلك الدولة الحقّة بالعلم والحكمة.
4 - اقتصاد الدولة
لا شك أن من أهم العروق الحيوية للتعايش، هو الجانب الاقتصادي بجميع انحاءه من التجارة والصناعة والمصادر المالية.
وهي بمعناها الصحيح ومستواها الرفيع ومحتواها الخالي عن المشاكل والمستجمع للفضائل، لا تكون الا في دولة الامام المهدي (عليه السلام)، كما تُفصح عنها الأحاديث الشريفة.
ففي حديث ابي سعيد الخدري، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال:
«اُبشركم بالمهدي يُبعَثُ فِي اُمَّتِي عَلَى اختِلافٍ مِنَ النَّاس وزِلزَالٍ، فَيَملَأُ الأَرضَ قِسطاً وعَدلاً كَمَا مَلِئَت جَوراً وظُلماً. يَرضَى عَنهُ ساكِنُ السَّمَاءِ وسَاكِنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(678) البحار: ج 41 ص 195 ب ح 6.
الأَرضِ. يَقسِمُ المَالَ صِحَاحاً.
فقال له رجلٌ: ما صِحَاحاً؟
قال: بالسَّوِيَّةِ بين النَّاسِ، قال:
«ويَملاُ اللهُ قُلُوبَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ غنًى ويَسَعُهُم عَدلُهُ، حَتَّى يَأمُرَ مُنَادِياً، فَيُنَادِي فَيَقُولُ: مَن لَهُ في المَالِ حاجَةٌ؟
فَمَا يَقُومُ مِنَ النَّاسِ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَيَقُولُ: أَنَا.
فَيُقَالُ لَهُ: إِيتِ السَّادِن (يَعنِي الخَازِنَ) فَقُل لَهُ: إنَّ المَهدِيَّ يَأمُرُكَ أن تُعطِيَني مَالاً.
فَيقُولُ لَهُ: احثُ. فَيَحثِي، حَتَّى إذَا جَعله في حِجره وأبرزه في حجره ندم، فيقول: كنتُ أجشع اُمة محمد نفساً، أوَ عجز عنّي ما وسعهم، فيردّه فلا يُقبل منه.
فيقال له: انا لا نأخذ شيئاً أعطيناه.
وفي حديثه الآخر: ويُطاف بالمال في أهل الحِواء (أي البيوت المجتمعة من الناس)، فلا يوجد أحدٌ يقبله»(679).
وهذه الأحاديث الشريفة ترشدنا الى أعظم غناءٍ اقتصادي رشيد في ذلك المجتمع البشري السعيد.
5 - زراعة الدولة
لا ريب في أن من أعظم اركان الحياة في كل ذي روح وحياة، هي أقواته ومآكله في غذاءه ودواءه، في سفره وحضره، وفي صغره وكبره.
ومن المعلوم أنها لا تحصل الا من الحقل الزراعي والنماء الأرضي الذي يشكّل أعظم جانبٍ من غذاء الانسان ورخاءه، الى جانب مصادر مالِه وثروته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(679) عقد الدرر: ص 219.
وهذا الحقل الحياتي ان تحسّن حسنت الحياة وطاب العيش، وان تدهور - والعياذ بالله - ساءت الحياة وانكدر العيش وعقّب القحط والشدة، وكانت ضحاياه الأرواح والأنفس.
والمستوى الأرقى لتحسّن الحقل الزراعي الطبيعي، لم يحصل بعدُ، ولم يكن الّا في عهد دولة الامام المهدي (عليه السلام) المباركة.
حيث تبلغ فيها بركات الأرض والسماء الغاية والنهاية، ويعيش الناس فيها العيش الرغيد والسعيد.
ويكفينا لمعرفة ذلك، مراجعة الاحاديث الشريفة الواردة في هذا المقام، مثل:
1 - حديث الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال:
«تُنعَمُ اُمَّتي فِي زَمَن المَهدِيِّ نِعمَةً لَم يَتَنَعَّمُوا مِثلَهَا قَطُّ؛ تُرسَلُ السَّمَاءُ عَلَيهِم مِدرَاراً، ولَا تَدَعُ الأَرضُ شَيئاً مِن نَبَاتِهَا إلَّا أخرَجتهُ»(680).
2 - حديث أمير المؤمنين، قال:
«فيَبعَثُ المهدِيُّ (عليه السلام) إلى أُمَرَاِئِه بسائرِ الأمصارِ بالعَدلِ بينَ النَّاسِ، ويذهَب الشَّرُّ ويبقَى الخيرُ، ويزرعُ الإنسانُ مُدّاً يخرُج له سبعمائة مُدٍّ، كما قال اللهُ تعالى:
(كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَت سبعَ سَنَابِلَ في كُلِّ سُنبُلَة مَائَةُ حَبَّة، واللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يشَاءُ)(681)،(682).
3 - حديث الأربعمائة، قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه:
«بنا يفتح الله، وبنا يختم الله، وبنا يمحو ما يشاء وبنا يثبت، وبنا يدفع الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(680) عقد الدرر: ب 7 ص 195.
(681) سورة البقرة: الآية 261.
(682) عقد الدرر: ب 7 ص 211.
الزَّمان الكلِب، وبنا ينزِّل الغيث، فلا يغرَّنّكم بالله الغرور.
ما أنزلت السماء قطرة من ماء منذ حبسه الله عزَّ وجلّ، ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتّى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام، لا تضع قدميها إلّا على النّبات، وعلى رأسها زبيلها، لا يهيّجها سبع ولا تخافه»(683).
وهذه الروايات الشريفة تعطينا بوضوح بلوغ النماء الزراعي الى أقصى قمته الزاهرة في تلك الدولة المظفرة.
هذه جوانب موجزة من شؤون دولة الامام المهدي (عليه السلام) التي تعم خيرها جميع البلاد والعباد، ويسود أمنها جميع البقاع والاصقاع، ولا يدركها ذو عاهة الا برئ ولا ذو ضعفٍ الا قوي، ويظهر فيها أرقى العمران، وتتجلى فيها كرامة الانسان.
كرامةً لا يرافقها مشكلة، ولا ينغّصها معضلة؛ كرامةً تدعمها المعنويات، وتساندها أسمى الدرجات؛ كرامةً في رفاهٍ كامل وعيش فاضل وعُمر مديد وفكر سديد، مع الاتسام بسعادة الحياة الدنيا المتعقبة بخلود سعادة الأخرى، كما بينته الاحاديث المتظافرة عن العترة الطاهرة (عليهم السلام)؛ من ذلك:
1 - حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في وصف الامام المهدي (عليه السلام)، جاء فيه:
«يا اُبيُّ! طوبى لمن لقيه، وطوبى لمن أحبّه، وطوبى لمن قال به. ينجّيهم من الهلكة.
وبالإقرار بالله وبرسوله وبجميع الأئمة، يفتح الله لهم الجنّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(683) البحار: ج 5 ص 316 ب 27 ح 11.
مثلهم في الأرض كمثل المسك الذي يسطع ريحه فلا يتغيّر أبداً، ومثلهم في السّماء كمثل القمر المنير الّذي لا يطفأ نوره أبداً»(684).
2 - حديث الامام السجاد (عليه السلام)، قال:
«إذا قام قائمنا، أذهب الله (عزَّ وجلَّ) عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزبر الحديد، وجعل قوَّة الرَّجل منهم قوَّة أربعين رجلاً، ويكونون حكّام الأرض وسنامها»(685).
3 - حديث الامام الباقر (عليه السلام):
«فاذا وقع أمرنا وجاء مهديّنا، كان الرَّجل من شيعتنا أجرأ من ليث وأمضى من سنان، يطأ عدوَّنا برجليه ويضربه بكفّيه، وذلك عند نزول رحمة الله وفرجه على العباد»(686).
4 - حديث الامام الصادق (عليه السلام):
«إنَّ قائمنا إذا قام، مدَّ الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم، حتّى [لا] يكون بينهم وبين القائم بريد(687)؛ يكلّمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه»(688).
5 - حديث الامام الباقر (عليه السلام):
«... ولا يبقى على وجه الارض اعمى ولا مقعد ولا مبتلى الاكشف الله عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(684) البحار: ج 52 ب 27 ص 31 ح 4.
(685) البحار: ج 52 ص 317 ب 27 ح 12.
(686) البحار: ج 52 ص 318 ب 27 ح 17.
(687) «البريد»، أربعة فراسخ، والبريد أيضاً الفيج والرسول وما يسمي بالفارسية «پيك» و«پست»، والحديث في: روضة الكافي: ص 241.
(688) البحار: ج 52 ص 336 ب 27 ح 72.
بلاؤه بنا أهل البيت.
ولتنزلن البركة من السماء إلى الارض، حتى ان الشجرة لتقصف مما يزيد الله فيها من الثمرة، ولتؤكل ثمرة الشتاء في الصيف في الشتاء.
وذلك قوله تعالى: (ولو أنَّ اهلَ القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماءِ والأرضِ ولكن كذّبوا فأخذناهُم بما كانوا يكسِبون)»(689).
ويردف الله تعالى مع الكرم كرماً ومع الفضل فضلاً، فتدوم هذه الدولة الكريمة بالرجعة العظيمة رجعة أهل البيت (عليهم السلام) الى الدنيا، وتبقى الى مئات السنين وآلاف السنوات، والى ما قدّر الله تعالى في الدنيا من الحياة.
ففي الحديث القدسي الشريف:
«ولاُملكنّه مشارق الأرض ومغاربها، ولاسخرنّ له الرياح، ولاُذلّلنَّ له الرِّقاب الصعاب، ولاُرقينّه في الأسباب، ولأنصرنّه بجندي، ولاُمدَّنّه بملائكتي حتّى يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي. ثمَّ لاُديمنَّ مُلكه ولاُداولنَّ الأيّام بين أوليائي إلى يوم القيامة»(690).
وقد عقدنا باباً خاصاً في بيان الرجعة في كتاب العقائد الحقة، فلاحظ ان شئت التفصيل وبيان الدليل، ولنا انشاء الله تعالى بحث مستقل في ذلك.
ونذكر هنا حديثاً واحداً في الختام، مسكاً نتبرك به، وكرامةً نأملها في رجعة المعصومين (عليهم السلام) ورجوع سيد الشهداء الحسين (عليه السلام).
وهو ما رواه الشيخ الجليل الحسن بن سليمان الحلي - تلميذ الشهيد الاول - في كتابه، قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(689) مختصر بصائر الدرجات: ص 51.
(690) كمال الدين: ص 254 ب 23 ح 4.
رويت عن جعفر بن محمد، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن المعلى بن محمد البصري، قال: حدثني أبو الفضل، عن ابن صدقة، عن المفضل بن عمر قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام):
«كأني والله بالملائكة قد زاحموا المؤمنين على قبر الحسين (عليه السلام).
قال: قلت فيتراءون لهم؟
قال: هيهات هيهات؛ لزماء والله المؤمنين، حتى انهم ليمسحون وجوههم بأيديهم.
قال: وينزل الله على زوار الحسين (عليه السلام) غدوة وعشية من طعام الجنة، وخدامهم الملائكة.
لا يسأل الله عبد حاجة من حوائج الدنيا والاخرة الا أعطاه اياها.
قال: قلت: هذه والله الكرامة.
قال: المفضل: قال لي ابو عبد الله (عليه السلام): ازيدك؟
قلت: نعم يا سيدي.
قال: كأني بسرير من نور قد وضع، وقد ضُربت عليه قبة من ياقوتة حمراء مكللة بالجوهر، وكأني بالحسين (عليه السلام) جالساً على ذلك السرير وحوله تسعون الف قبة خضراء، وكأني بالمؤمنين يزورونه ويسلمون عليه، فيقول الله (عزَّ وجلَّ) لهم:
اوليائي سلوني، فطال ما اوذيتم وذللتم واضطهدتم، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والاخرة الا قضيتها لكم.
فيكون اكلهم وشربهم من الجنة. فهذه والله الكرامة التي لا يشبهها
شيء»(691).
هذا تمام الكلام باختصار المرام في الاشارة الى دولة الامام المهدي (عليه السلام) المباركة، وبه يتم بحثنا في هذا الموضوع السامي من معارف الامامية ومعالم المدرسة الشيعية، والله تعالى وليّ التوفيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(691) مختصر بصائر الدرجات: ص 193.
1 - القرآن الكريم.
2 - نهج البلاغة.
* * *
3 - أبواب الهدى، للميرزا الاصفهاني، طبعة مشهد المقدّس.
4 - أثبات الهداة، للمحدّث الحرّ العاملي، طبعة العلمية، قم المشرّفة.
5 - الاحتجاج، للشيخ الطبرسي، طبعة النجف الأشرف، 1386.
6 - إحقاق الحقّ، للسيد القاضي التستري، طبعة قم المشرّفة.
7 - أحكام الحجّ وأسراره، للحاج بيگلري، طبعة طهران.
8 - الاختصاص، لفخر الشيعة المفيد، طبعة قم المشرّفة.
9 - الإرشاد، لشيخ الشيعة المفيد، طبعة آل البيت (عليهم السلام).
10 - اساس البلاغة، للزمخشري، طبعة دار المصادر - بيروت.
11 - إعراب القرآن الكريم، لمحي الدين الدرويش، الطبعة الرابعة.
12 - إعلام الورى، للشيخ الطبرسي، طبعة النجف الأشرف.
13 - إكمال الدين، للشيخ الأقدم الصدوق، طبعة قم المشرّفة.
14 - إلزام الناصب، للشيخ الحائري اليزدي طبعة النجف الأشرف.
15 - الأمالي، للخليلي، طبعة بيروت.
16 - امامت ومهدويّت، للشيخ الصافي، طبعة قم المشرّفة.
17 - الامام المهدي (عليه السلام) من المهد إلى الظهور، للسيد القزويني، طبعة بيروت.
18 - الانتظار، مجلة فصلية، طبعة قم المشرّفة.
19 - الأنوار اللامعة، للسيّد شبّر، طبعة بيروت.
20 - الأوزان والمقادير، للشيخ البيّاضي، طبعة لبنان - صور.
21 - الايقاظ من الهجعة، للمحدث الحرّ العاملي، طبعة العلمية، قم المشرّفة.
22 - بحار الأنوار، لشيخ الاسلام العلامة المجلسي، طبعة الاسلامية، طهران.
23 - بداية المجتهد، للقرطبي، طبعة مصر - القاهرة.
24 - البرهان، للسيد العلامة البحراني، الطبعة الحجرية.
25 - بشارة الإسلام، للكاظمي، طبعة النجف الأشرف.
26 - بصائر الدرجات، لشيخ القميين الصفار، طبعة الصدوق، طهران.
27 - البيان، للكنجي الشافعي، طبعة النجف الأشرف.
28 - تاج العروس، للزبيدي، الطبعة المصريّة.
29 - تبصرة الولي، للسيد الجليل البحراني، الطبعة الاولى.
30 - التبيان، لشيخ الطائفة الطوسي، طبعة النجف الأشرف.
31 - تتمة المنتهى، للمحدث القمي، طبعة طهران.
32 - ترتيب العين، لشيخ اللغويين الخليل بن أحمد الفراهيدي، طبعة الاُسوة.
33 - تفسير العياشي، للشيخ الاقدم العياشي، طبعة طهران.
34 - تفسير القمّي، لعليّ بن إبراهيم، طبعة النجف الأشرف.
35 - تقريب المعارف، للشيخ أبي الصلاح الحلبي، طبعة ايران.
36 - تنقيح المقال، للمحقق المامقاني، الطبعة الحجرية.
37 - التوراة، طبعة الموصل.
38 - التهذيب، لشيخ الطائفة الطوسي، طبعة النجف الأشرف.
39 - ثواب الأعمال، للشيخ الأقدم الصدوق، طبعة طهران.
40 - جمال الأسبوع، للسيد ابن طاووس، طبعة مؤسسة الآفاق.
41 - الجماهر لمعرفة الجواهر، لابي ريحان البيروتي، طبعة حيدرآباد.
42 - جنّة المأوى، للشيخ المحدث النوري، طبعة الاسلامية، طهران.
43 - جوامع الجامع، للشيخ الطبرسي، الطبعة الحجرية.
44 - جواهر الكلام، للشيخ الفقيه النجفي، طبعة دار الكتب النجفي.
45 - الحدائق الناضرة، للمحدث البحراني، طبعة النجف الأشرف.
46 - حلية الأبرار، للسيد الجليل البحراني، طبعة قم المشرّفة.
47 - الخطوط العريضة، للخطيب، الطبعة الاولى.
48 - الخلاصة، للعلامة الحلي، طبعة النجف الأشرف.
49 - الذكرى، للشهيد الاول، الطبعة الحجرية.
50 - رجال الشيخ، لشيخ الطائفة الطوسي، طبعة النجف الأشرف.
51 - رجال الكشّي، للشيخ الأقدم الكشي، طبعة النجف الأشرف.
52 - رجال النجاشي، للشيخ النجاشي، طبعة قم المشرّفة.
53 - الرجعة، للاسترآبادي، طبعة قم المشرّفة.
54 - رسالة الغيبة، للشيخ الاقدم المفيد، طبعة المؤتمر العالمي.
55 - روزگار رهائي، لكامل سليمان، ترجمة الشيخ مهدي پور، طبعة طهران.
56 - ريحانة الأدب، للشيخ المدرس، طبعة تبريز.
57 - سبائك الذهب، للسويدي، طبعة بيروت.
58 - سفينة البحار، للمحدث القمي، طبعة الاُسوة.
59 - شرح نهج البلاغة، للمعتزلي، الطبعة المصريّة.
60 - شواهد التنزيل، للحسكاني، طبعة بيروت.
61 - ظهور حضرت مهدي (عليه السلام)، للسيد الشهيدي، طبعة قم المشرّفة.
62 - العبقري الحسان، للشيخ النهاوندي، الطبعة الحجرية.
63 - عدّة الداعي، للشيخ ابن فهد الحلي، طبعة قم المشرّفة.
64 - العروة الوثقى، للسيد الطباطبائي اليزدي، طبعة بيروت.
65 - العقائد الحقّة، للحسيني الصدر، طبعة قم المشرّفة.
66 - عقد الدرر، للشافعي، طبعة قم المشرّفة.
67 - عيون الأخبار، للشيخ الاقدم الصدوق طبعة النجف الأشرف.
68 - غاية المأمول، للناصف، الطبعة الاولى.
69 - غاية المرام، للسيد الجليل البحراني، الطبعة الحجرية.
70 - الغدير في الكتاب والسنة والأدب، للعلامة الأميني، طبعة بيروت.
71 - الغيبة، لشيخ الطائفة الطوسي، طبعة النجف الأشرف.
72 - الغيبة، للشيخ الأقدم النعماني، طبعة طهران.
73 - فرج المهموم، للسيد ابن طاووس، طبعة قم المشرفة.
74 - الفصول العشرة، لشيخ الشيعة المفيد، طبعة المؤتمر العالمي.
75 - الفصول المهمة، لابن الصباغ المالكي، طبعة النجف الأشرف.
76 - الفوائد الرجاليّة، للحسيني الصدر، طبعة قم المشرّفة.
77 - الفهرست، لشيخ الطائفة الطوسي، طبعة النجف الأشرف.
78 - فهرس إحقاق الحقّ، للشيخ فرج پور، طبعة قم المشرّفة.
79 - القاموس المحيط، للفيروزآبادي، الطبعة المصرية.
80 - القرابادين، للعقيلي، الطبعة الحجرية.
81 - الكافي، لثقة الاسلام الكليني، طبعة الحيدرية، طهران.
82 - كامل الزيارات، للشيخ الاقدم ابن قولويه القمي، الطبعة الحجرية.
83 - كشف الغمّة، للشيخ الاربلي، طبعة طهران.
84 - الكشّاف، للزمخشري، طبعة بيروت.
85 - كفاية الاثر، للخزّاز، طبعة قم المشرّفة.
86 - كلمة الإمام المهدي (عليه السلام)، للسيد الشيرازي، طبعة بيروت.
87 - كمال الدين، للشيخ الاقدم الصدوق، طبعة قم المشرّفة.
88 - كنز الدقائق، للشيخ المشهدي القمي، طبعة قم المشرّفة.
89 - كنز العمال، للمتقي الهندي، طبعة بيروت.
90 - كنز الفوائد، للشيخ الكراكجي، الطبعة الحجرية، قم المشرّفة.
91 - الكنى والألقاب، للمحدث القمي، طبعة العرفان، صيدا.
92 - لسان العرب، لابن منظور الافريقي، طبعة دار صادر، بيروت.
93 - المجازات النبويّة، للسيد الرضي، طبعة مصر.
94 - مجالس حضرت مهدي (عليه السلام)، من الشيخ الحلبي، الطبعة الاولى.
95 - مجمع البحرين، للشيخ الطريحي، الطبعة الحجريّة.
96 - مجمع البيان، للشيخ الطبرسي، طبعة الاسلامية، طهران.
97 - المحجة فيما نزل في القائم الحجة، للسيد الجليل البحراني، طبعة بيروت.
98 - المحيط في اللغة، للصاحب بن عباد، طبعة عالم الكتب، بيروت.
99 - المختار من كلمات الأمام المهدي (عليه السلام)، للشيخ الغروي، الطبعة الاولى.
100 - مختصر بصائر الدرجات، للحسن بن سليمان، الطبعة الاولى.
101 - مرأة الأنوار، للشيخ الكازراني، الطبعة الحجرية.
102 - مرأة العقول، لشيخ الاسلام المجلسي، طبعة الاسلامية، طهران.
103 - مستدرك الوسائل، للمحدث النوري، طبعة آل البيت (عليهم السلام).
104 - مستمسك العروة الوثقى، للسيد الحكيم، طبعة النجف الأشرف.
105 - المستند، للفاضل النراقي، الطبعة الحجرية.
106 - المصباح، للشيخ الكفعمي، طبعة طهران.
107 - مصباح الزائر، للسيد ابن طاووس، طبعة آل البيت (عليهم السلام).
108 - مصباح الفقيه، للفقيه الهمداني، الطبعة الحجرية.
109 - المعالم الزلفى، للسيد الجليل البحراني، الطبعة الحجرية.
110 - معالي السبطين، للشيخ الواعظ المازندراني، الطبعة الحجرية.
111 - معاني الأخبار، للشيخ الأقدم الصدوق، طبعة مكتبة الصدوق، طهران.
112 - معجم رجال الحديث، للسيد الخوئي، طبعة بيروت.
113 - معجم البلدان، لياقوت الحموي، طبعة دار صادر، بيروت.
114 - المعجم الوسيط، لجماعة المؤلفين، طبعة دار المعارف، مصر.
115 - المعرّب، للجواليقي، طبعة دار الكتب، مصر.
116 - مفتاح الكرامة، للسيد الجواد العاملي، طبعة آل البيت (عليهم السلام).
117 - المفردات، للراغب، طبعة المكتبة المرتضويّة، طهران.
118 - المقتطف، مجلّة، لهيئتها الادارية، طبعة مصر.
119 - مقتنيات الدرر، للسيد المفسّر، طبعة طهران.
120 - مقدمة ابن خلدون، طبعة المثنى، بغداد.
121 - مكيال المكارم، للسيد الاصفهاني، طبعة مؤسسة الامام المهدي (عليه السلام) قم المشرّفة.
122 - الملاحم والفتن، للسيد ابن طاووس، طبعة النجف الأشرف.
123 - المنتخب، للشيخ الطريحي، طبعة النجف الأشرف.
124 - منتخب الأثر، للشيخ الصافي، طبعة الصدوق، طهران.
125 - منتهى الدراية، للسيد المروّج، طبعة قم المشرّفة.
126 - من لا يحضره الفقيه، للشيخ الأقدم الصدوق، طبعة قم المشرّفة.
127 - منهاج البراعة، للسيد الميرزا الخوئي، طبعة الاسلامية، طهران.
128 - مهج الدعوات، للسيد ابن طاووس، الطبعة اللبنانية.
129 - المهدي، للسيد الصدر، طبعة قم المشرّفة.
130 - المهدي في القرآن، للسيد الشيرازي، الطبعة بيروت.
131 - المهدي المنتظر، للشيخ العسكري، طبعة بيروت.
132 - مهدي منتظر، للشيخ الخراساني، طبعة قم المشرّفة.
133 - النهاية، لابن الأثير، طبعة بيروت.
134 - وسائل الشيعة، للمحدث الحر العاملي، طبعة طهران.
135 - ينابيع المودّة، للقندوزي، طبعة النجف الأشرف.