إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب - الجزء الأول
تأليف: الشيخ علي اليزدي الحائري
المحتويات
الفرع الأول: في أنّ الأرض لا تخلو من حجّة وفيمن مات ولم يعرف إمام زمانه وعلامات الإمام ومعرفته وجوامع صفاته
الثمرة الأولى: في أنّ الأرض لا تخلو من حجّة
الثمرة الثانية: فيمن مات ولم يعرف إمام زمانه ودان الله بغير إمام
الثمرة الثالثة: في حالات الإمام وكيفيّاته وعلاماته
الثمرة الرابعة: في جامع صفاتهم (صلوات الله عليهم)
الثمرة الخامسة: في معرفة الإمام (عليه السلام)
الفرع الثاني: في أنّ الإمامة في الأعقاب وأنّها لا تعود في عمّ ولا أخ إلّا الحسن والحسين (عليهما السلام)
الفرع الثالث: في عدم مدخلية البلوغ في الإمامة ولا يضرّها صغر السن
الغصن الثاني إخبار الله تعالى بقيام القائم (عليه السلام):
الفرع الأول: إخبار الله تعالى بوجود القائم وغيبته وعلامات ظهوره وقيامه في آخر الزمان والآيات المؤوّلة به
الفرع الثاني إخبار الله عزّ وجلّ في كتب أنبيائه السلف وبشاراته بقيام القائم (عليه السلام):
الغصن الثالث في إخبار النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة من طرق الخاصة والعامة بقيام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان من ولد فاطمة (عليهما السلام) مع عيسى، وأخبار الدجّال وما جرى مع الدجّال:
الفرع الأوّل: إخبار النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) بقيام المهدي (عليه السلام) من ولد فاطمة (عليهما السلام) من طرق العامّة
الفرع الثاني: إخبار النبي والأئمّة (عليهم السلام) بقيامه من طرق الخاصّة
الفرع الثالث: في الآيات القرآنية المفسّرة بأعيان الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام)
الفرع الرابع: إخبار النبي والأئمّة بأعيان الأئمّة من طريق أهل السنّة
الفرع الخامس: إخبار النبي والأئمّة بأعيان الأئمّة وأسمائهم من طرق الخاصّة
الفرع السادس: في ذكر كتاب وجد عند صخرة تحت أرض الكعبة
الفرع السابع: إخبار أهل الجفر والحساب بأعيان الأئمّة (عليهم السلام)
الفرع الثامن: إخبار الكهنة والسابقين بأعيان الأئمّة وقيام القائم (عجّل الله فرجه)
الفرع التاسع: في ذكر الدجّال وبعض أخباره وحالاته
الفرع العاشر: في أن اثني عشر لا ينطبق في بني اميّة كما زعم ولا في بني العبّاس بل في بني فاطمة (عليها السلام)
الفرع الحادي عشر: في كراهية التوقيت وظهوره بعد الإياس والنهي عن التسمية ووجوب القيام عند ذكر لقب القائم:
الثمرة الاولى: في كراهية التوقيت
الثمرة الثانية: في القيام عند ذكر لقب القائم (عليه السلام)
الثمرة الثالثة: في النهي عن التسمية
الغصن الرابع في إمكان الغيبة وعدم استبعادها ومن اتّفقت لهم الغيبة من الأنبياء والأولياء والأوصياء وذكر جمع من المعمّرين
الفرع الأوّل: في إمكان الغيبة ومن اتّفقت لهم
الفرع الثاني: في ذكر جمع من المعمّرين
الغصن الخامس في أخبار أمّه وتولّده والمعترفين بولادته من أهل السنّة والجماعة ومن رآه في حياة أبيه (عليه السلام) وبعد وفاته في غيبته الصغرى والكبرى ومعاجزه وسفرائه وتوقيعاته:
الفرع الأوّل: أخبار أمّه
الفرع الثاني: أخبار تولّده (عجّل الله فرجه)
الفرع الثالث: في ذكر بعض المعترفين بولادته من أهل السنّة والجماعة
الفرع الرابع: من رآه في حياة أبيه
الفرع الخامس: فيمن رآه بعد أبيه في غيبته الصغرى
الفرع السادس: في ذكر جملة من معاجزه ودلائله
ريحانة معطّرة من ثمرة هذا الفرع جعلتها التحفة لمن زار الرضا (عليه السلام)
الفرع السابع: في بيان نوّابه وسفرائه الممدوحين الذين كانوا في زمان غيبته الصغرى وسائط بين الشيعة وبينه عليه الصلاة والسلام
الفرع الثامن: في علّة الغيبة وكيفية انتفاع الناس به في غيبته (عليه السلام)
الفرع التاسع: في توقيعاته الشريفة التي صدرت من الناحية المقدّسة
الفرع العاشر: انتظار الفرج ومدح الشيعة في زمان الغيبة وما ينبغي فعله في ذلك الزمان
الفرع الحادي عشر: في شمائله وأوصافه وخصائصه وأسمائه وألقابه وكناه:
الثمرة الاولى: في شمائله وأوصافه (عليه السلام)
الثمرة الثانية: في خصائصه (عليه السلام)
الثمرة الثالثة: في أسمائه وألقابه وكناه (سلام الله عليه وعلى آبائه)
نسخة مصوّرة للصفحة الأولى من المخطوطة
نسخة مصوّرة للصفحة الأخيرة من المخطوطة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
ترجمة المصنف:
هو الشيخ علي بن زين العابدين البارجيني(1)، اليزدي الحائري، المعروف بشهرنوي(2).
نشأ وترعرع (رحمه الله) في قرية صغيرة من قرى أردكان في محافظة يزد، وأكمل دراسته البدائية في مسقط رأسه بارجين القرية الصغيرة، واستمر في دراسته مواظبا عليها حتى أنهاها بتفوق ونجاح، ولكنه من عائلة ذات أصول دينة عرفت بالالتزام والمحافظة فاستهوته دراسة الحديث والفقه والأصول والخوض في مضاميرها لخدمة الدين الإسلامي والمذهب الحنيف، فشد الرحال الى كربلاء - وهي من المراكز العلمية يوم ذاك - ومنها لقّب بالحائري، لأنّ كربلاء كانت تسمى بالحائر الحسيني، فدرس المقدمات والسطوح على يد أساتيذ هذا الفن، حتى شرع بدراسة البحوث العالية.
أساتذته:
درس المؤلف البارجيني (رحمه الله) تحت أساتذة معروفين وعلماء مرموقين حتى احتل هذه المنزلة في المجتمع الإسلامي.
ومن أساتذته:
1 - العلامة السيد زين العابدين الطباطبائي الحائري، درس عنده الفقه والأصول والحديث وبرع على يديه.
2 - العلامة الحاج الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري، صاحب كتاب (ذخيرة المعاد) في الفروع الفقهية.
3 - العلامة الحجة الحاج الميرزا محمد حسين الحسيني المرعشي الشهرستاني الحائري.
وغيرهم من أساطين الفقه والأصول والحديث في كربلاء آنذاك.
وكان الحائري (قدس سره) فقيها فاضلا مفتيا متوقد الذهن سريع الحافظة، بل أوحد زمانه في الحفظ، وفرد أقرانه في الاتقان والضبط كما نقل عنه أصحاب التراجم.
وتدرج به الحال حتى حصل على إجازة الحديث والرواية عن علماء كثيرين منهم أساتذته الذين مرّ ذكرهم، وكذلك عن العلامة جمال السالكين السيد المرتضى الرضوي الكشميري النجفي، وعن العلامة الآية خاتم المحدثين الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي، والعلامة الآية الحاج ميرزا فتح الله شيخ الشريعة الأصفهاني النمازي النجفي.
وغيرهم من العلماء الأعلام والثقات الأفذاذ، الذي كان (رحمه الله) محطّ ثقتهم وموضع صدقهم، وهو التلميذ البار الغيور على الإسلام وأهله.
حتى أصبح الشيخ البارجيني (رحمه الله) من العلماء المشار إليهم بالبنان وآية من آيات الله في المرجعية والتقليد، وإلقاء البحوث العالية لدرس الخارج في الفقه والأصول في الحوزة العلمية.
واستجاز منه جماعة في نقل الحديث والرواية عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بالواسطة السلسلية الشريفة.
فممن روى عنه: السيد شمس الدين محمود الحسيني المرعشي النجفي والد العلامة المرجع السيد شمس الدين شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي المتوفى سنة 1338 ه ق، وتلميذه العلامة الحجة نظر علي بن إسماعيل الكرماني الواعظ، صاحب أنيس الأنام المتوفى سنة 1348 ه ق.
وغيرهم من الأعلام الثقات.
وكان (رحمه الله) من أرباب الفضل ورواد العلم والأدب، وكان يتّصف بالتواضع والسماحة، ويشجع على طلب العلم ويحث عليه، حتى جعل هذه المفاهيم مصاديقه عملية حيث كانت داره محط طلاب العلم والفضيلة، فأسس فيها مكتبة عامرة بألوان وأصناف العلوم الفقهية والأصولية والحديثية والأدبية، والكلامية وغيرها.
حتى أن معاصره العلامة آغا بزرك الطهراني عند ما كان يأتي إلى كربلاء فإنه يقضي أكثر أوقاته في مطالعة مكتبة العلامة البارجيني، وهذا يدلّ على عظمة المترجم (رحمه الله) ومدى حبه للعلم والعلماء وخدمة الإسلام والمسلمين.
أقوال العلماء في حقه:
ترجم له معاصره العلامة المحقق والآية المدقق الشيخ آغا بزرك الطهراني في أكثر من كتاب وموضوع بقوله: هو الشيخ علي بن زين العابدين البارجيني اليزدي الحائري المعروف بشهرنوي، عالم متضلع، وفاضل متتبع.
كان من الأجلاء المشهورين في كربلاء، كانت له مكتبة كبيرة فتح لها بابا من خارج بيته، وعرضها لفائدة الناس وأهل الفضل، فكانوا يرتادونها ويستفيدون منها، وقد كنت أطيل المكث فيها لدى تشرّفي بزيارة الحسين (عليه السلام)(3).
وقال عمر رضا كحالة في ضمن ترجمته للمؤلف (رحمه الله):
علي بن زين العابدين البارجيني اليزدي الحائري المعروف بالشهرنوي، من الأجلاء في كربلاء، توفي سنة 1333 ه ق.
ثم سرد آثار المؤلف وذكر منها كتابه هذا (إلزام الناصب في أحوال الإمام الغائب)(4).
مصنفات المؤلف (رحمه الله):
لقد اغنى المؤلف (رحمه الله) المكتبة الإسلامية بمؤلفاته وكتاباته وأفاض على المذهب الحق من مداد قلمه الشريف أنوار كلماته، فرغم جهوده المبذولة في الدرس والتدريس، وأمور العامة، والتصدي للفتوى والمرجعية، كان مترجمنا (رحمه الله) يخصص بعض الوقت للكتابة والتأليف ما يسعفه وقته الشريف.
وفي المقام نذكر ما وصل إلينا من مؤلفات العلامة الحائري (قدس سره) في كتب التراجم وهي كالتالي:
1 - كتاب تبصرة المتهجدين في آداب صلاة الليل، وقد طبع في سنة 1331 ه ق(5).
2 - كتاب السعادة الأبدية في الأخبار العددية، لم يطبع(6).
3 - كتاب روح السعادة، وهو مختصر السعادة الأبدية وقد طبع في سنة 1330 ه ق(7).
4 - منظومة في الفقه(8).
5 - تواريخ الأنبياء والأئمة، لم يطبع(9).
6 - كتاب حدائق الجنان، لم يطبع، وقيل أن إلزام الناصب ضمن كتاب حديقة الجنان(10).
7 - بحر الغموم في مقتل سيدنا الإمام أبي عبد الله الحسين السبط الشهيد (عليه السلام)(11).
8 - كتاب إلزام الناصب في أحوال الإمام الغائب.
وهو هذا الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ الكريم وقد طبع عدة مرات(12)، فرغ من تأليفه المصنف سنة 1326 ه ق، وقد أوصى المؤلف المولى محمد حسين القمشهي الصغير أن يطبع كتابه من ثلث ماله، وقد نشر في سنة 1352 ه ق وترجم له ولده الميرزا علي أكبر الحائري، وذكر أنه فرغ من تأليفه في سنة 1326 ه ق(13).
وفاته:
توفي العلامة البارجيني (رحمه الله) في سنة 1333 ه ق، في مدينة كربلاء المقدسة في العراق، وكان يوم تشييعه مشهودا في المحافل والحوزات الدينية بفقد هذا العالم والمرجع الكبير.
ودفن (رحمه الله) في حرم سيدنا العباس بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالتحديد قريبا من جهة الرجلين، ف (سلام الله عليه) يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا.
[مقدمة الناشر]
هو الله تعالى شأنه
بسم الله الرّحمن الرحيم
هذا كتاب إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب (عجّل الله تعالى فرجه)، أحد مجلّدات حدائق الجنان في ذكر ما ينبغي أن يطلع عليه الإنسان ممّا ألّفه وصنّفه المرحوم المبرور حضرة شيخ الفقهاء والمجتهدين حجّة الإسلام والمسلمين آية الله الكبرى في الأرضين الحاج الشيخ علي اليزدي الحائري أعلى الله مقامه ونوّر الله مرقده، الذي انتهت إليه الرئاسة العلمية والقضاوة الشرعية وتوفي سنة 1333 في الحائر المقدّسة بعد إقامته خمسا وستّين سنة في تلك البلدة الشريفة ودفن في تلك البلدة عند رجلي العبّاس بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد ألّف وصنّف كتبا كثيرة منها السعادة الأبدية في ذكر الأخبار العددية، ومنها روح السعادة التي هي فذلكة السعادة الأبدية وخلاصة الأخبار العددية التي طبعها (رحمه الله) في حياته، ومنها إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب (عجّل الله تعالى فرجه)، ومنها منظومة في علم الفقه من الطهارة إلى الزكاة مشتملة على المدارك والاستدلالات.
هذه النسخة الموسومة بالشجرة المباركة المشتهرة بإلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب (عجّل الله تعالى فرجه وسهّل الله مخرجه)
بسم الله الرّحمن الرحيم
وبه نستعين
نحمدك اللهمّ يا من خصّنا بحججه البالغة ونعمه السابغة الذين بهم رزق الورى وبيمنهم ثبتت الأرض والسماء، ولولاهم لساخت الأرض بأهلها، نشكرك اللهمّ يا من حبانا بخاتم الأوصياء وخاتم الأصفياء وفتننا بغيبته التامّة الإلهية الكبرى والطامة العظمى ومنّ على المؤمنين المنتظرين لدولته ووصفهم بالذكر بقوله (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(14)، والصلاة والسلام على خاتم صحيفة النبوّة والمبعوث على الأمّة بالهداية والرحمة، المبشّر برجعته والمنذر لغيبته ودولته والمذكّر لقيامه وسلطنته حيث أمره الله بقوله (وذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ)(15)، وعلى آله وعترته الهداة البررة الكرام، واللعنة على أعاديهم من الآن إلى يوم القيام.
أمّا بعد فيقول العبد الراجي عفو ربّه الغني ابن المرحوم زين العابدين البارجيني اليزدي الحائري علي: إنّي بعد إقامتي في الحائر المقدّسة على ساكنيه آلاف التحية كنت كثيرا ما عازما أن أمهّد صحيفة جامعة في أحوال سيّدنا وإمامنا النجم الثاقب والإمام الغائب حجّة الله المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه) ولا يسعني الزمان من تقلّب الدهر الخوان واختلال البال وكثرة الاشتغال، إلى أن كاد الفراغ من كتابنا الجامع الموسوم ب (حدائق الجنان في ذكر ما ينبغي أن يطّلع عليه الإنسان) وقد خرج منه مجلدات وقد سنح ببالي أن أمهّد شجرة منها في ذلك واجعل كراريس في ترجمة الإمام وقطب رحى الإسلام (عجّل الله فرجه).
فبينما أنا فيه وإذا بسانحة عظيمة وعويصة فخيمة وداهية قد أوقعتني في محبس الاعتزال ومسجن الإخمال والإجمال، وغلقت عليّ الباب ولم يكن لي أنيسا سوى ربّ الأرباب فاحتصرت في فسحة الدار ممنوعا من مراجعة الأخيار، فأتى على ذلك أيّام وضاق بي المقام واشتدّ عليّ الأمر وبلغت روحي التراق والتفت الساق بالساق، فسألت الله في ذلك وتوسّلت إلى محيط مركز الامّة وشمس فلك الإمامة، وعاهدت الله أن أكتب لاستخلاصي منها شرحا مستقلّا يحتوي جلّ ما يتعلّق بأحواله وصحيفة جامعة تفوق الصحف الممهّدة له، فهاجت نفسي فأخذت فيها قبل أن تلمح المناص وتفوح ريح الاستخلاص.
فحاشا المنتظر المهدي نجل الحجّة العسكري (عجّل الله فرجه) أن يحجبني دونه الحجاب قبل أوان فراغ غصون هذا الكتاب، فشرعت فيه على المعهود وصرفت إليه عنان المقصود وعكفت عنان الهمّة إلى اجتماع فصول المهمّة فها هو قد أتى، كتاب جامع وبرهان قاطع وصحيفة حاولت النمط الأوفى ومعالم الزلفى وجنّة المأوى، ولعمري قد تضمّن هذه السطور كنوزا من لآلئ المنثور وكتاب مسطور في رقّ منشور، كاشف الغمّة عن المنتظرين، والكافي عن عمدة ما أهمّ المسترشدين لإكمال الدين، بحيرة تضمن بحار الأنوار وعجائب الآثار وينابيع الأخبار بل عيون الأخبار وكشف الأستار عن وجه الغيبة الإلهية النوراء، وشاخص الأبصار نحو البحر الأبيض والجزيرة الخضراء، هداة لإرشاد الصراط المستقيم مبرهنا، براهين إحقاق الحقّ ودر النظيم سيفا لفتوحات عوالم الغيبة، وحساما لقطع حبائل الناصب عن الشيعة، فروعه أبواب دار السلام وفي ثمراته غاية المرام وفاكهة الأنام، ولاشتمالها على أغصان أنواره الزاهرة وأثمار وجوده الباهرة سمّيتها بالشجرة المباركة، ولما تضمّن من خرق ما نسجته العامّة العمياء وقلع ما أسسته أمّة الطواغيت الطغيا من النقض والإبرام في وجوده وتصرّفاته سمّيتها ب (إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب) ورتبته على أغصان.
ثمّ إنّي اقتصرت فيه على لباب الأخبار بطرح المكررات اللفظية والمعنوية؛ بإلغاء الأسانيد والرجال من الأخبار المروية، اعتمادا على الصحاح المشهورة المنقولة واتّكالا على الثقات من الرجال المقبولة، وأحمد الله تعالى سبحانه أوّلا وآخرا وصلّى الله على خاتم أنبيائه وأشرف سفرائه محمّد وعترته الطاهرين الأنجبين الغرّ الميامين.
في أنّ الأرض لا تخلو من حجّة وفيمن مات ولم يعرف إمام زمانه وعلامات الإمام ومعرفته وجوامع صفاته وأنّ الإمامة في الأعقاب ولا تعود في أخ ولا عمّ إلّا الحسن والحسين (عليه السلام) وعدم مدخلية البلوغ في الإمامة ولا يضرّها صغر السنّ وفيه فروع:
الفرع الأوّل: في أنّ الأرض لا تخلو من حجّة وفيمن مات ولم يعرف إمام زمانه وعلائم الإمام ومعرفته وجوامع صفاته، وفيه ثمرات:
الثمرة الأولى: في أنّ الأرض لا تخلو من حجّة
قال الله تعالى في سورة الرعد (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)(16) وقال الله تعالى في سورة القصص (ولَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(17).
في معالم الزلفى عن أبي عبد الله (عليه السلام): لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام.
وقال (عليه السلام): آخر من يموت الإمام لئلّا يحتجّ أحد على الله عزّ وجلّ أنّه تركه بغير حجّة لله عليه(18). وبهذا المضمون أخبار كثيرة بطرق مختلفة.
وفي الأربعين عن أبي جعفر (عليه السلام): لو بقيت الأرض يوما بلا إمام منّا لساخت بأهلها ولعذّبهم الله بأشدّ عذابه، إنّ الله تبارك وتعالى جعلنا حجّة في أرضه وأمانا في الأرض لأهل الأرض، لن يزالوا في أمان من أن تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم، فإذا أراد الله أن يهلكهم ولا ينظرهم ذهب بنا من بينهم ورفعنا الله ثمّ يفعل ما شاء وأحب(19).
وفي البحار عن أبي عبد الله (عليه السلام): لما انقضت نبوّة آدم وانقطع أكله أوحى الله عزّ وجلّ إليه يا آدم قد انقضت نبوّتك وانقطع أكلك فانظر إلى ما عندك من العلم والإيمان وميراث النبوّة وأثرة العلم والاسم الأعظم فاجعله في العقب من ذريتك عند هبة الله، فإنّي لم أدع الأرض بغير عالم يعرف طاعتي وديني ويكون نجاة لمن أطاعه(20).
وفيه عن علي (عليه السلام): لا تخلو الأرض من قائم بحجّة الله إمّا ظاهر مشهور وإمّا خائف مغمور لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته(21).
وفيه عن أبي جعفر (عليه السلام): والله ما ترك الله الأرض منذ قبض الله آدم إلّا وفيها إمام يهتدى به إلى الله وهو حجّة الله على عباده(22).
وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنّ الأرض لن تخلو إلّا وفيها عالم(23) كلّما زاد المؤمنون شيئا ردّهم، وإذا نقصوا أكملهم، فقال: خذوه كاملا، ولو لا ذلك لالتبس على المؤمنين أمورهم ولم يفرّقوا بين الحقّ والباطل(24).
وفيه عن رسول (صلّى الله عليه وآله): إنّما مثل أهل بيتي في هذه الامّة كمثل نجوم السماء كلّما غاب نجم طلع نجم(25).
وفي الكافي عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال للزنديق الذي سأله: من أين أثبت الأنبياء والرسل؟ قال: إنّا لما أنّ لما أثبتنا أنّ لنا خالقا صانعا متعاليا عنّا وعن جميع ما خلق الله وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجّهم ويحاجوه ثبت أنّ له سفراء في خلقه يعبرون عنه إلى خلقه وعباده ويدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبّرون عنه عزّ وجلّ وهم الأنبياء وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس على مشاركتهم في الخلق والتركيب في شيء من أحوالهم مؤيّدين عند الحكيم العليم بالحكمة.
ثمّ ثبت في كلّ دهر وزمان ممّا أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين لكي لا تخلو أرض الله من حجّة يكون معه علم يدلّ على صدق مقالته وجواز عدالته(26).
وفيه عنه (عليه السلام): إنّ الحجّة لا يقوم لله على خلقه إلّا بإمام حيّ حتّى يعرف(27).
وفيه عنه (عليه السلام): الحجّة قبل الخلق [آدم] ومع الخلق وبعد الخلق [صاحب الأمر] (عليه السلام)(28).
وفيه سئل أبو عبد الله: تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: لا، قلت: يكون إمامان؟ قال: لا إلّا وأحدهما صامت(29).
وفيه عنه (عليه السلام): إنّ الأرض لا تخلو إلّا وفيها إمام كيما إن زاد المؤمنون شيئا ردّهم وإن نقصوا شيئا أتمّه لهم(30).
وفيه عنه (عليه السلام): ما زالت الأرض إلا ولله فيها الحجّة يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله(31).
وفيه عن أحدهما (عليه السلام): إنّ الله لم يدع الأرض بغير عالم، ولو لا ذلك لم يعرف الحقّ من الباطل(32).
وقال: إنّ الله أجلّ وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل(33).
وفيه عن أبي جعفر (عليه السلام): والله ما ترك الله أرضا منذ قبض الله آدم إلّا وفيها إمام يهتدى به إلى الله عزّ وجلّ وهو حجّته على عباده ولا تبقى الأرض بغير إمام حجّة لله على عباده(34).
وفيه عن أبي الحسن (عليه السلام): إنّ الأرض لا تخلو من حجّة وأنا والله ذلك الحجّة(35).
وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام): لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت(36).
وفيه عن أبي جعفر (عليه السلام): لو أنّ الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله(37).
وفيه سئل أبو الحسن الرضا (عليه السلام): هل تبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لا. قيل: إنّا نروي أنّها لا تبقى إلّا أن يسخط الله عزّ وجلّ على العباد. فقال: لا تبقى إذا لساخت(38).
الثمرة الثانية فيمن مات ولم يعرف إمام زمانه ودان الله بغير إمام
في الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) لمحمّد بن مسلم: من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضالّ متحيّر والله شانئ لأعماله فمثله كمثل شاة ضلّت عن راعيها وقطيعها فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلما جنّها الليل بصرت بقطيع غنم بغير راعيها فحنّت إليها واغترت بها فباتت معها في مربضها فلمّا أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها فهجمت متحيّرة تطلب راعيها وقطيعها وبصرت بغنم مع راعيها فحنّت إليها واغترت بها فصاح بها الراعي: الحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيّرة عن راعيك وقطيعك فهجمت ذعرة متحيّرة نادة(39) ولا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردّها فبينا هي كذلك إذا اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الامّة لا إمام له من الله جلّ وعزّ ظاهرا عادلا أصبح ضالّا تائها، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق. واعلم يا محمّد أنّ أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلّوا وأضلّوا فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون ممّا كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد(40).
وفيه عن عبد الله بن أبي يعفور قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّي اخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولّونكم ويتولّون فلانا وفلانا، لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولّونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق. قال: فاستوى أبو عبد الله (عليه السلام) جالسا فأقبل عليّ كالغضبان ثمّ قال: لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله، ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله. قلت: لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء! قال: نعم لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء. ثمّ قال: ألا تسمع لقول الله عزّ وجلّ (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)(41) يعني ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كلّ إمام عادل من الله عزّ وجلّ وقال (والَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ)(42) إنّما عنى بهذا أنّهم كانوا على نور الإسلام فلمّا أن تولّوا كلّ إمام جائر ليس من الله خرجوا بولايتهم إيّاه من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر فأوجب الله لهم النار مع الكفّار (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(43).(44)
وفيه عنه (عليه السلام): إنّ الله لا يستحي أن يعذّب أمّة دانت بإمام ليس من الله، وإن كانت في أعمالها برّة تقيّة. وإنّ الله ليستحي أن يعذّب أمّة دانت بإمام وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة(45).
وفيه عن فضيل بن يسار: ابتدأنا أبو عبد الله يوما وقال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية. قلت: قال ذلك رسول الله!؟ فقال: إي والله قد قال. قلت: فكلّ من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية؟ قال: نعم(46).
وفيه عن ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية، قال: فقلت: ميتة كفر؟ قال: ميتة ضلال. قلت: فمن مات اليوم وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية؟ قال: نعم(47).
وفيه قال أبو عبد الله (عليه السلام): من دان الله بغير سماع عن صادق ألزمه الله تعالى العناء، ومن ادّعى سماعا من غير الباب الذي فتحه الله تعالى فهو مشرك، وذلك الباب المأمون على سرّ الله المكنون(48).
وفيه سئل أبو الحسن الرضا (عليه السلام) أخبرني عمّن عاندك ولم يعرف حقّك من ولد فاطمة هو وسائر الناس سواء في العقاب [فقال: كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: عليهم ضعفا العذاب](49).
وفيه عن ابن أبي نصر سألته (عليه السلام) الجاحد منكم ومن غيركم سواء؟ فقال: الجاحد منّا له ذنبان والمحسن له حسنتان(50).
الثمرة الثالثة في حالات الإمام وكيفيّاته وعلاماته
في الكافي عن الحكم بن عتيبة(51) قال: دخلت على علي بن الحسين (عليه السلام) يوما فقال: يا حكم هل تدري ما الآية التي كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يعرف قاتله بها ويعرف بها الامور العظام التي كان يحدّث بها الناس.؟ قال الحكم فقلت في نفسي: قد وقعت على علم من علم علي بن الحسين (عليهما السلام) أعلم بذلك تلك الامور العظام. قال: فقلت: لا والله لا أعلم، ثمّ قلت الآية تخبرني بها يا بن رسول الله. قال: هو والله قول الله (وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍ)(52) ولا محدّث وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) محدثا. فقال رجل يقال له عبد الله بن زيد كان أخا لعلي لامّة: سبحان الله محدثا! كأنه ينكر ذلك. فأقبل عليه أبو جعفر فقال: أما والله إن ابن أمّك بعد قد كان يعرف ذلك. قال: فلمّا قال ذلك سكت الرجل، فقال: هي التي هلك فيها أبو الخطّاب(53) فلم يدر ما تأويل المحدّث والنبي(54).
وفي البحار عن أبي عبد الله (عليه السلام): كان علي محدّثا وكان سلمان محدثا. قبل فما آية المحدث؟ قال: يأتيه ملك فينكت كيت وكيت(55).
وفيه عن أبي جعفر (عليه السلام): إنّ عليّا كان محدّثا. فخرجت إلى أصحابي فقلت لهم: جئتكم بعجيبة. قالوا: ما هي؟ قلت: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كان علي محدّثا. فقالوا: ما صنعت شيئا، ألا سألته من يحدثه.؟ فرجعت إليه فقلت له: إنّي حدّثت أصحابي بما حدثتني فقالوا:
ما صنعت شيئا ألا سألته من يحدثه؟ فقال لي: يحدثه ملك. قلت: فنقول إنّه نبي. قال: فحرّك يده هكذا ثمّ قال أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين، أو ما بلغكم أنّه (عليه السلام) قال: وفيكم مثله(56).
في الكافي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) يقول: لو لا أن نزداد لأنفدنا. قال: قلت: تزدادون شيئا لا يعلمه رسول الله. قال: أما إنّه إذا كان ذلك عرض على رسول الله ثمّ على الأئمّة ثمّ انتهى الأمر إلينا(57).
وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنّ لله تعالى علمين علما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فقد علمناه، وعلما استأثر به، فإذا بدا الله في شيء منه أعلمنا ذلك وعرض على الأئمّة الذين كانوا من قبلنا(58).
وفي البحار عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنّا لنزداد في الليل والنهار ولو لم نزدد لنفد ما عندنا(59).
وفيه عنه (عليه السلام) ليحيى الصنعاني(60): يا يحيى في ليالي الجمعة لشأن من الشأن. قال: فقلت له: جعلت فداك وما ذلك الشأن؟ قال: يؤذن لأرواح الأنبياء الموتى وأرواح الأوصياء الموتى وروح الوصي الذي بين ظهرانيكم يعرج بها إلى السماء حتّى توافي عرش ربّها فتطوف بها اسبوعا وتصلّي عند كلّ قائمة من قوائم العرش ركعتين، ثمّ تردّ إلى الأبدان التي كانت فيها فتصبح الأنبياء والأوصياء قد ملئوا وأعطوا سرورا ويصبح الوصي الذي بين ظهرانيكم وقد زيد في علمه مثل جم الغفير(61).
وفي الكافي عن سيف التمّار: كنّا مع أبي عبد الله (عليه السلام) جماعة من الشيعة في الحجر فقال:
علينا عين. فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا فقلنا: ليس علينا عين. فقال: وربّ الكعبة وربّ البيّنة - ثلاث مرّات - لو كنت بين موسى والخضر [لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما؛ لأنّ موسى والخضر (عليهما السلام)](62)، أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتّى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله وراثة(63).
وفيه عنه (عليه السلام) يقول: إنّي لأعلم ما في السماوات وما في الأرض ولأعلم ما في الجنّة وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وأعلم ما يكون. قال: ثمّ مكث هنيئة فرأى أنّ ذلك كبر على من سمعه منه فقال: علمت ذلك من كتاب الله إنّ الله عزّ وجلّ يقول (فيه تبيان كلّ شيء)(64).
وفي البحار عن أبي جعفر (عليه السلام) سئل علي عن علم النبي فقال (عليه السلام): علم النبي علم جميع النبيّين وعلم ما كان وما هو كائن إلى قيام الساعة. ثمّ قال: والذي نفسي بيده إنّي لأعلم علم النبي وعلم ما كان وعلم ما هو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة(65).
وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام): والله إنّي لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وما في الجنّة والنار وما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة، ثمّ قال: أعلمه من كتاب الله، أنظر إليه هكذا ثمّ بسط كفّيه ثمّ قال: إنّ الله يقول (وأنزلنا إليك الكتاب فيه تبيان كلّ شيء)(66).
وفيه عن مفضل عن الصادق (عليه السلام) قال: يا مفضّل هل عرفت محمّدا وعليّا وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) كنه معرفتهم؟ قال: يا مفضل من عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمنا في السنام الأعلى(67). قال: قلت: عرفني يا سيّدي؟ قال: يا مفضّل تعلم أنّهم علموا ما خلق الله عزّ وجلّ وذرأه وبرأه وأنّهم كلمة التقوى وخزّان السماوات والأرضين والجبال والرمال والبحار، وعلموا كم في السماء من نجم وملك وكم وزان الجبال وكيل ماء البحر وأنهارها وعيونها وما تسقط من ورقة إلّا علموها ولا حبّة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلّا في كتاب مبين، وهو في علمهم وقد علموا ذلك. فقلت: يا سيدي قد علمت ذلك وأقررت به وآمنت، قال: نعم يا مفضّل نعم يا مكرم يا محبور نعم يا طيّب، طبت وطابت لك الجنّة ولكلّ مؤمن بها(68).
في البحار عن أصبغ بن نباتة: كنت جالسا عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إنّي لاحبّك في السرّ كما احبّك في العلانية. قال: فنكت أمير المؤمنين (عليه السلام) بعود كان في يده في الأرض ساعة ثمّ رفع رأسه فقال: كذبت والله ما أعرف وجهك في الوجوه ولا اسمك في الأسماء. قال الأصبغ: فعجبت من ذلك عجبا شديدا فلم أبرح حتّى أتاه رجل آخر فقال: والله يا أمير المؤمنين لاحبّك في السّر كما أحبّك في العلانية. قال: فنكت بعوده ذلك في الأرض طويلا ثمّ رفع رأسه فقال: صدقت إنّ طينتنا طينة مرحومة أخذ الله ميثاقها يوم أخذ الميثاق فلا يشذّ منها شاذ ولا يدخل فيها داخل إلى يوم القيامة أما إنّه فاتخذ للفاقة جلبابا فإنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: الفاقة إلى محبيك أسرع من السيل من أعلى الوادي إلى أسفله(69).
وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو مع أصحابه فسلّم عليه ثمّ قال: أنا والله أحبّك وأتولّاك. فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ما أنت كما قلت: إنّ الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ثمّ عرض علينا المحبّ لنا، فو الله ما رأيت روحك فيمن عرض علينا فأين كنت؟ فسكت الرجل عند ذلك ولم يراجعه(70).
في البحار عنه (عليه السلام): إنّ الله أكرم وأحكم وأجمل وأعظم وأعدل من أن يحتجّ بحجّة ثمّ يغيّب عنه شيئا من امورهم(71).
وفيه عنه (عليه السلام): من زعم أنّ الله يحتجّ بعبده في بلاده ثمّ يستر عنه جميع ما يحتاج إليه فقد افترى على الله(72).
وفيه عنه عن أبيه (عليهما السلام) لجماعة من أصحابه: والله لو أنّ على أفواههم أوكية لأخبرت كلّ رجل منهم ما لا يستوحش إلى شيء، ولكن فيكم الإذاعة والله بالغ أمره(73).
وفيه عن أبيه سعيد الخدري عن رميلة قال: وعكت وعكا شديدا في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدت من نفسي خفة في يوم الجمعة وقلت: لا أعرف شيئا أفضل من أن أفيض على نفسي من الماء واصلّي خلف أمير المؤمنين (عليه السلام)، ففعلت ثمّ جئت إلى المسجد فلمّا صعد أمير المؤمنين (عليه السلام) المنبر عاد علي ذلك الوعك فلمّا انصرف أمير المؤمنين (عليه السلام) ودخل القصر دخلت معه فقال: يا رميلة رأيتك وأنت متشبّك بعضك في بعض. فقلت: نعم وقصصت عليه القصة التي كنت فيها والذي حملني على الرغبة في الصلاة خلفه، فقال: يا رميلة ليس من مؤمن يمرض إلّا مرضنا بمرضه ولا يحزن إلّا حزنا بحزنه ولا يدعو إلّا أمّنا بدعائه ولا يسكت إلّا دعونا له. فقلت له: يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك هذا لمن معك في القصر أرأيت من كان في أطراف الأرض. قال: يا رميلة ليس يغيب عنّا مؤمن في شرق الأرض ولا في غربها(74).
وفي الكافي عن مفضل بن عمر قال: أتينا إلى باب أبي عبد الله (عليه السلام) ونحن نريد الإذن عليه فسمعناه يتكلّم بكلام ليس بالعربية فتوهّمنا أنّه بالسريانية ثمّ بكى فبكينا لبكائه ثمّ خرج إلينا الغلام فأذن لنا فدخلنا عليه فقلت: أصلحك الله أتيناك ونريد الإذن عليك فسمعناك تتكلّم بكلام ليس بالعربية فتوهّمنا أنّه بالسريانية ثمّ بكيت فبكينا لبكائك. فقال (عليه السلام): نعم ذكرت إلياس النبي (عليه السلام) وكان من عبّاد أنبياء بني إسرائيل فقلت كما يقول في سجوده، ثمّ اندفع فيه بالسريانية. فلا والله ما رأينا قسّا ولا جاثليقا أفصح لهجة منه ثمّ فسّره لنا بالعربية فقال: كان يقول في سجوده أتراك معذّبي وقد أظمأت لك هو اجري، أتراك معذّبي وقد عفّرت لك في التراب وجهي، أتراك معذّبي وقد اجتنبت لك المعاصي، أتراك معذّبي وقد أسهرت لك ليلي، قال: فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإنّي غير معذّبك. قال: فقال: إن قلت لا أعذّبك ثمّ عذبتني كان ما ذا ألست عبدك وأنت ربّي. قال: فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإنّي غير معذّبك فإنّي إذا وعدت وعدا وفيت به(75).
وفي البحار عن الثمالي عن علي (عليه السلام): لو ثنيت لي وسادة لحكمت بين أهل القرآن بالقرآن حتّى يزهر إلى الله ولحكمت بين أهل التوراة بالتوراة حتّى يزهر إلى الله ولحكمت بين أهل الإنجيل بالإنجيل حتّى يزهر إلى الله ولحكمت بين أهل الزبور بالزبور حتّى يزهر إلى الله، ولو لا آية في كتاب الله لأنبئنّكم بما يكون حتّى تقوم الساعة(76).
وفيه عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ الله تعالى لمّا أنزل ألواح موسى (عليه السلام) أنزلها عليه وفيها تبيان كلّ شيء وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة. فلمّا انقضت أيّام موسى (عليه السلام) أوحى الله إليه أن استودع الألواح وهي زبرجدة من جبل الجنّة، فأتى موسى الجبل فانشق له الجبل فجعل فيه الألواح ملفوفة، فلمّا جعلها فيه انطبق الجبل عليها فلم تزل في الجبل حتّى بعث الله محمّدا (صلّى الله عليه وآله) نبيّه، فأقبل ركب من اليمن يريدون النبي (صلّى الله عليه وآله) فلمّا انتهوا إلى الجبل انفرج الجبل وخرجت الألواح ملفوفة كما وصفها موسى فأخذها القوم فلمّا وقعت في أيديهم ألقي في قلوبهم أن لا ينظروا إليها وهابوها حتّى يأتوا بها إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأنزل الله جبرئيل على نبيّه وأخبره بأمر القوم وبالذي أصابوا، فلمّا قدموا على النبي (صلّى الله عليه وآله) ابتدأهم النبي (صلّى الله عليه وآله) فسألهم عمّا وجدوا. فقالوا: وما علمك بما وجدنا؟ فقال (صلّى الله عليه وآله):
أخبرني به ربّي وهي الألواح. فقالوا: نشهد أنّك رسول الله، فأخرجوها ودفعوها إليه، فنظر إليها وقرأها وكتابها بالعبراني، ثمّ دعا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: دونك هذه ففيها علم الأوّلين وعلم الآخرين وهي ألواح موسى وقد أمرني ربّي أن أدفعها إليك قال: يا رسول الله لست احسن قراءتها. قال: إنّ جبرئيل أمرني أن آمرك أن تضعها تحت رأسك ليلتك هذه فإنّك تصبح وقد علمت قراءتها، فجعلها تحت رأسه فأصبح وقد علّمه الله كلّ شيء فيها، فأمره رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن ينسخها في جلد شاة، وهو الجفر وفيه علم الأوّلين والآخرين وهو عندنا والألواح، وعصا موسى عندنا ونحن ورثنا النبي(77).
في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): نحن شجرة النبوّة وبيت الرحمة ومفاتيح الحكمة ومعدن العلم وموضوع الرسالة ومختلف الملائكة وموضوع سرّ الله، ونحن وديعة الله في عباده ونحن حرم الله الأكبر ونحن ذمّة الله ونحن عهد الله، فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله ومن خفرها(78) فقد خفر ذمّة الله وعهده(79).
في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: والله إنّي لأعلم كتاب الله من أوّله إلى آخره كأنّه في كفّي، فيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر ما كان وخبر ما هو كائن، قال الله عزّ وجلّ: (فيه تبيان كلّ شيء)(80).
في الكافي عن عبد الرّحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)(81) ففرج أبو عبد الله بين أصابعه فوضعها في صدره ثمّ قال: وعندنا علم الكتاب كلّه(82).
وفيه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا وإنّما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلّم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتّى تناول السرير بيده ثمّ عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين، ونحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفا، وحرف عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم(83).
في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول: ألواح موسى عندنا وعصا موسى عندنا ونحن ورثة النبيّين(84).
وفيه عن أبي جعفر (عليه السلام): إنّ القائم إذا قام بمكّة وأراد أن يتوجّه إلى الكوفة نادى مناديه:
ألا لا يحمل أحد منكم طعاما ولا شرابا، ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير فلا ينزل منزلا إلّا انبعث عين منه فمن كان جائعا شبع ومن كان ظامئا روي فهو زادهم حتّى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة(85).
في الكافي عن سعيد السمان قال: كنت عند أبي عبد الله إذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا له: أفيكم إمام مفترض الطاعة؟ قال فقال: لا(86).
فقالا له: قد أخبرنا عنك الثقات أنّك تفتي وتقرّ وتقول به وتسميتهم لك فلان وفلان وهم أصحاب ورع وتشمير(87)، وهم ممّن لا يكذب، فغضب أبو عبد الله (عليه السلام) وقال: ما أمرتهم بهذا، فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا. فقال لي: أتعرف هذين؟ قلت: نعم هما من أهل سوقنا وهما من الزيدية وهما يزعمان أنّ سيف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عند عبد الله بن الحسن. فقال: كذبا لعنهم الله والله ما رآه عبد الله بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ولا رآه أبوه، اللهمّ إلّا أن يكون رآه عند علي بن الحسين (عليهما السلام) فإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه؟ وما أثر في موضع مضربه؟ وإنّ عندي لسيف رسول الله وإنّ عندي لراية رسول الله ودرعه ولامته ومغفره(88)، وإن كانا صادقين فما علامة درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ وإنّ عندي لراية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المغلبة، وإنّ عندي ألواح موسى وعصاه وإنّ عندي لخاتم سليمان بن داود (عليهما السلام)، وإنّ عندي الطست الذي كان موسى يقرب بها القربان، وإنّ عندي الاسم الذي كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة، وإنّ عندي كمثل الذي جاءت به الملائكة(89)، ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل، كانت بنو إسرائيل في أي أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم اوتوا النبوّة، ومن صار إليه السلاح منّا اوتي الإمامة وقد لبس أبي درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فخطت على الأرض خطيطا ولبستها أنا فكانت وكانت، وقائمنا إذا لبسها ملأها إن شاء الله(90).
وفيه عن أبي جعفر (عليه السلام): إنّما مثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل أينما دار التابوت دار الملك وأينما دار السلاح فينا دار العلم(91).
وفيه سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الجعفر قال: هو جلد ثور مملوء علما. قال له: فالجامعة؟ قال:
تلك الصحيفة طولها سبعون ذراعا في عرض الأديم مثل فخذ الفالج(92)، فبها كلّ ما يحتاج الناس إليه وليس من قضية إلّا وهي فيها حتّى أرش الخدش. قال: فمصحف فاطمة (عليها السلام)؟ قال:
فسكت طويلا ثمّ قال: إنّكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لا تريدون، إنّ فاطمة (عليها السلام) مكثت بعد رسول الله سبعين يوما كان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيل (عليه السلام) يأتيها ويحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ويخبرها بما يكون بعدها في ذريّتها فكان علي يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة(93).
في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): أي إمام لا يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير فليس ذلك بحجّة الله على خلقه(94).
وفيه عن حسن بن جهم، قلت للرضا: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد عرف قاتله والليلة التي يقتل فيها والموضع الذي يقتل فيه وقوله لمّا سمع صياح الإوز في الدار: صوائح تتبعها نوائح، وقول أمّ كلثوم: لو صلّيت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلّي بالناس فأبى عليها، وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح وقد عرف أنّ ابن ملجم قاتله بالسيف، كان هذا ممّا لم يجز تعرّضه. فقال: ذلك كان ولكنّه خيّر في تلك الليلة لتمضي مقادير الله عزّ وجلّ(95).
وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كنت عند أبي في اليوم الذي قبض فيه فأوصاني بأشياء في غسله وفي كفنه ودخوله في قبره قلت: يا أباه والله ما رأيتك منذ اشتكيت بأحسن منك اليوم، ما رأيت عليك أثر الموت فقال: يا بني أما سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) ينادي من وراء الجدار: يا محمّد، تعال عجّل(96).
في الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) نزل جبرئيل برمّانتين من الجنّة من الجنّة فلقيه علي (عليه السلام) فقال: ما هاتان الرمّانتان اللتان في يدك؟ فقال: أمّا هذه فالنبوّة ليس لك فيها نصيب وأمّا هذه فالعلم ثمّ فلقها رسول الله بنصفين فأعطاه نصفها وأخذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نصفها ثمّ قال: أنت شريكي فيه. قال: فلم يعلم والله رسول الله حرفا ممّا علّمه الله إلّا وقد علّمه عليّا ثمّ انتهى العلم إلينا ثمّ وضع يده على صدره(97).
الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنّ علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع.
فقال: أمّا الغابر فما تقدّم من علمنا وأمّا المزبور فما يأتينا وأمّا النكت في القلوب فإلهام وأمّا النقر في الأسماع فأمر الملك(98).
الكافي عن أبي بصير قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): من أين أصاب أصحاب علي ما أصابهم مع علمهم بمناياهم وبلاياهم؟ قال: فأجابني شبه المغضب: ممّن ذلك الأمر إلّا منهم. فقلت: ما يمنعك جعلت فداك. قال: ذلك باب أغلق إلّا أن الحسين بن علي (عليهما السلام) فتح منه شيئا يسيرا.
ثمّ قال: يا أبا محمّد إنّ اولئك كان على أفواههم أوكية(99).
الكافي عن سدير قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّ قوما يزعمون أنّكم آلهة يتلون علينا بذلك قرآنا (وهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وفِي الْأَرْضِ إِلهٌ)(100) فقال: يا سدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء برآء، وبرئ الله منهم ورسوله، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلّا وهو ساخط عليهم. قال: قلت:
وعندنا قوم يزعمون أنّكم رسل يقرءون علينا بذلك قرآنا (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ واعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)(101) فقال: يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء برآء وبرئ الله منهم ورسوله، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلّا وهو ساخط عليهم قال: قلت: فما أنتم؟
قال: نحن خزّان علم الله نحن تراجمة أمر الله نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا، نحن الحجّة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض(102).
وفيه عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن علم العالم. قال لي: يا جابر إنّ في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح روح القدس وروح الايمان وروح الحياة وروح القوّة وروح الشهوة، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى. ثمّ قال: يا جابر إنّ هذه الأربعة يصيبها الحدثان إلّا روح القدس فإنّها لا تلهو ولا تلعب(103).
وفيه عن مفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره. قال: يا مفضّل إنّ الله تبارك وتعالى جعل في النبي خمسة أرواح روح الحياة فبه دبّ ودرج، وروح القوّة فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال وروح الإيمان فبه آمن وعدل، وروح القدس فبه حمل النبوّة فإذا قبض النبي (صلّى الله عليه وآله) انتقل روح القدس فصار إلى الإمام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو، والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتلهو وتزهو، وروح القدس كان يرى به(104).
الكافي: سئل أبو عبد الله عن قول الله عزّ وجلّ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)(105) قال: خلق أعظم من جبرائيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممّن مضى غير محمّد وهو مع الأئمّة يسدّدهم وليس كلّما طلب وجد(106).
الكافي: عن أبي عبد الله (عليه السلام) حين سئل عن الإمام متى يعرف إمامته وينتهي الأمر إليه، قال: في آخر دقيقة تبقى من حياة الأوّل(107).
الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (الَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شيء)(108) قال: الذين آمنوا النبي (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وذريّته الأئمّة والأوصياء ألحقنا بهم ولم ينقص ذريتهم الحجّة التي جاء بها محمّد (صلّى الله عليه وآله) في علي وحجّتهم واحدة وطاعتهم واحدة(109).
الكافي عن بريد العجلي: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله الله عزّ وجلّ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)(110)،(111) قال: إيّانا عنى أن يؤدّوا الأوّل إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الذي في أيديكم. ثمّ قال للناس (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(112) إيّانا عنى خاصّة، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا فإن خفتم تنازعا في أمر فردّوه إلى الله وإلى الرسول وأولي الأمر منكم، كذا نزلت، وكيف يأمرهم الله عزّ وجلّ بطاعة ولاة الأمر ويرخص في منازعتهم إنّما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم (أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(113).
الكافي عن أبي بصير: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فذكروا الأوصياء وذكرت إسماعيل فقال: لا، والله يا أبا محمّد ما ذاك إلينا وما هو إلّا إلى الله عزّ وجلّ ينزل واحدا بعد واحد(114).
وفيه عنه (عليه السلام): أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد لا والله ولكن عهد من الله ورسوله لرجل فرجل حتّى ينتهي الأمر إلى صاحبه(115).
وفيه عنه (عليه السلام): إنّ الإمامة عهد من الله عزّ وجلّ معهود لرجال مسمّين ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون من بعده، إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود (عليه السلام) أن اتخذ وصيّا من أهلك فإنّه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبيّا إلّا وله وصي من أهله، وكان لداود (عليه السلام) أولاد عدّة فيهم غلام كانت أمّة عند داود وكان لها محبّا فدخل داود (عليه السلام) عليها حين أتاه الوحي فقال لها: إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إليّ يأمرني أن أتّخذ وصيّا من أهلي. فقالت له امرأته: فليكن ابني. قال: ذاك اريد. وكان السابق في علم الله المحتوم عنده أنّه سليمان فأوحى الله تبارك وتعالى لداود أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري فلم يلبث داود (عليه السلام) أن ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم فأوحى الله عزّ وجلّ إلى داود أن اجمع ولدك فمن قضى بهذه القضية فأصاب فهو وصيّك من بعدك فجمع داود (عليه السلام) ولده فلمّا أن قصّ الخصمان قال سليمان: يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك؟ قال: دخلته ليلا، قال: قد قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا. ثمّ قال له داود:
فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوّم ذلك علماء بني إسرائيل فكان ثمن الكرم قيمة الغنم؟
فقال سليمان (عليه السلام): إنّ الكرم لم يجتثّ من أصله وإنّما أكل حمله وهو عائد في قابل فأوحى الله عزّ وجلّ إلى داود أنّ القضاء في هذه القضية ما قضى سليمان به، يا داود أردت أمرا وأردنا أمرا غيره، فدخل داود على امرأته فقال: أردنا أمرا وأراد الله أمرا غيره، لم يكن إلّا ما أراد الله عزّ وجلّ فقد رضينا بأمر الله عزّ وجلّ وسلّمنا. وكذلك الأوصياء ليس لهم أن يتعدوا بهذه فيتجاوزون صاحبه إلى غيره.
قال الكليني (رحمه الله): معنى الحديث الأوّل أن الغنم لو دخلت الكرم نهارا لم يكن على صاحب الغنم شيء لأنّ لصاحب الغنم أن يسرح غنمه بالنهار ترعى وعلى صاحب الكرم حفظه، وعلى صاحب الغنم أن يربط غنمه ليلا ولصاحب الكرم أن ينام في بيته(116).
وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام): أترون أن الموصي منّا يوصي إلى من يريد؟ لا والله ولكنّه عهد رسول الله إلى رجل فرجل حتّى انتهى إلى نفسه(117).
الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنّ الوصية نزلت من السماء على محمّد (صلّى الله عليه وآله) كتابا، لم ينزل على محمّد كتاب محتوم إلّا الوصيّة، فقال جبرئيل: يا محمّد هذه وصيّتك في أمّتك عند أهل بيتك، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أي أهل بيتي يا جبرئيل؟ قال: نجيب الله منهم وذريته ليرثك علم النبوّة كما ورّثه إبراهيم وميراثه لعلي وذريّتك من صلبه. قال: وكان عليها خواتيم قال: ففتح علي (عليه السلام) الخاتم الأوّل ومضى لما فيها، ثمّ فتح الحسن الخاتم الثاني ومضى لما امر به ونهي، فلمّا توفّي الحسن (عليه السلام) ومضى فتح الحسين (عليه السلام) الخاتم الثالث فوجدها: أن قاتل فاقتل وتقتل واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلّا معك. قال: فأفعل ففعل (عليه السلام). فلمّا مضى دفعها إلى علي بن الحسين قبل ذلك ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها: أن اصمت وأطرق لما حجب العلم، فلمّا توفّي ومضى دفعها إلى محمّد بن علي (عليه السلام) وفتح الخامس فوجد فيها: أن فسّر كتاب الله وصدق أباك وورث ابنك واصطنع الامّة وقم بحق الله عزّ وجلّ وقل الحقّ في الخوف والأمن ولا تخش إلّا الله ففعل، ثمّ دفعها إلى الذي يليه. قال: قلت له: جعلت فداك فأنت هو؟ قال: فقال: ما بي إلّا أن تذهب يا معاذ فتروي عنّي. قال: فقلت: أسأل الله الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات. قال: قد فعل الله ذلك يا معاذ. قال: فقلت: فمن هو جعلت فداك؟ قال: هذا الراقد، وأشار بيده إلى العبد الصالح وهو راقد(118).
وفي رواية وكذلك يدفعه موسى إلى الذي بعده ثمّ كذلك إلى قيام المهدي (عليه السلام)(119).
الثمرة الرابعة في جامع صفاتهم (صلوات الله عليهم)
في البحار عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام): للإمام علامات، يكون أعلم الناس وأحكم الناس وأتقى الناس وأحلم الناس وأشجع الناس وأسخى الناس وأعبد الناس، ويولد مختونا ويكون مطهرا ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظلّ، وإذا وقع إلى الأرض من بطن أمّه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين، ولا يحتلم، وتنام عيناه ولا ينام قلبه، ويكون محدّثا، ويستوى عليه درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولا يرى له بول ولا غائط؛ لأنّ الله عزّ وجلّ قد وكّل الأرض بابتلاع ما يخرج منه وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك، ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم وأشفق عليهم من آبائهم وأمّهاتهم ويكون أشدّ تواضعا لله عزّ وجلّ ويكون آخذ الناس بما يأمر به وأكفّ الناس عمّا ينهى عنه، ويكون دعاؤه مستجابا حتّى إنّه لو دعا على صخرة لانشقّت بنصفين ويكون عنده سلاح رسول الله وسيفه ذو الفقار وتكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة ويكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر، إهاب ماعز وإهاب كبش فيها جميع العلوم حتّى أرش الخدش وحتّى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة، ويكون عنده مصحف فاطمة (عليها السلام)(120).
وفيه في حديث آخر: إنّ الإمام مؤيّد بروح القدس وبينه وبين الله عزّ وجلّ عمود من نور يرى فيه أعمال العباد، وكلّما احتاج إليه لدلالة اطّلع عليه ويبسط له فيعلم ويقبض عنه فلا يعلم، والإمام يولد ويلد ويصحّ ويمرض ويأكل ويشرب ويبول ويتغوّط وينكح وينام وينسّى ويسهو(121) ويفرح ويحزن ويضحك ويبكي ويحيى ويموت ويقبر فيزار ويحشر ويوقف ويعرض ويسأل ويتاب ويكرم ويشفع، ودلالته في الخصلتين: في العلم واستجابة الدعوة، وكلّما أخبر به من الحوادث التي تحدث قبل كونها فذلك بعهد معهود إليه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) توارثه عن آبائه عنهم ويكون ذلك ممّا عهده إلى جبرئيل عن علّام الغيوب عزّ وجلّ، وجميع الأئمّة الأحد عشر بعد النبي قتلوا، منهم بالسيف وهو أمير المؤمنين والحسين والباقون قتلوا بالسّم، قتل كلّ واحد منهم طاغية زمانه وجرى ذلك عليهم على الحقيقة والصحّة لا كما تقوله الغلاة والمفوّضة لعنهم الله، فإنّهم يقولون: إنّهم (عليهم السلام) لم يقتلوا على الحقيقة وأنّه شبّه للناس أمرهم، وكذبوا عليهم غضب الله، فإنّه ما شبه أمر أحد من أنبياء الله وحججه للناس إلّا أمر عيسى ابن مريم وحده لأنّه رفع من الأرض حيّا وقبض روحه بين السماء والأرض، ثمّ رفع إلى السماء وردّ عليه روحه وذلك قول الله عزّ وجلّ (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ورافِعُكَ إِلَيَ)(122) وقال عزّ وجلّ حكاية لقول عيسى يوم القيامة (وكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وأَنْتَ عَلى كُلِّ شيء شَهِيدٌ)(123).
ويقول المتجاوزون للحدّ في أمر الأئمّة: إنّه جاز أن يشبه أمر عيسى للناس فلم لا يجوز أن يشبه أمرهم (عليهم السلام) أيضا؟ والذي يجب أن يقال لهم: إنّ عيسى مولود من غير أب فلم لا يجوز أن يكونوا مولودين من غير آباء، فإنّهم لا يجسرون على إظهار مذهبهم لعنهم الله في ذلك، ومتى جاز أن يكون جميع أنبياء الله ورسله وحججه بعد آدم (عليه السلام) مولودين من الآباء والامّهات وكان عيسى مولودا من غير أب جاز أن يتشبّه للناس أمره دون أمر غيره من الأنبياء والحجج، كما جاز أن يولد من غير أب دونهم وإنّما أراد الله عزّ وجلّ أن يجعل أمره آية وعلامة ليعلم بذلك أنّه على كلّ شيء قدير(124).
وفي البحار عن مشارق البرسي عن طارق بن شهاب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: يا طارق الإمام كلمة الله وحجّة الله ووجه الله ونور الله وحجاب الله وآية الله، يختاره الله ويجعل فيه ما يشاء ويوجب بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه، فهو وليّه في سماواته وأرضه أخذ له بذلك العهد على جميع عباده، فمن تقدّم عليه كفر بالله من فوق عرشه، فهو يفعل ما يشاء وإذا شاء الله شاء، ويكتب على عضده (وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وعَدْلًا)(125) فهو الصدق والعدل، وينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء يرى فيه أعمال العباد، ويلبس الهيبة وعلم الضمير ويطّلع على الغيب، ويرى ما بين المشرق والمغرب فلا يخفى عليه شيء من عالم الملك والملكوت، ويعطى منطق الطير عند ولايته فهذا الذي يختاره الله لوحيه ويرتضيه لغيبه ويؤيّده بكلمته ويلقنه حكمته ويجعل قلبه مكان مشيئته وينادى له بالسلطنة ويذعن له بالإمرة ويحكم له بالطاعة، وذلك لأنّ الإمامة ميراث الأنبياء ومنزلة الأصفياء وخلافة الله وخلافة رسل الله، فهي عصمة وولاية وسلطنة وهداية، لأنّها تمام الدين ورجح الموازين.
الإمام دليل القاصدين ومنار للمجتهدين وسبيل السالكين وشمس مشرقة في قلوب العارفين، ولايته سبب للنجاة وطاعته مفترضة في الحياة وعدة بعد الممات، وعزّ المؤمنين وشفاعة المذنبين ونجاة المحبّين وفوز التابعين، لأنّها رأس الإسلام وكمال الإيمان ومعرفة الحدود والأحكام وحدّ سنن الحلال من الحرام فهي مرتبة لا ينالها إلّا من اختاره الله وقدّمه وولّاه وحكمه، فالولاية هي حفظ الثغور وتدبير الامور وتعديد الأيّام والشهور.
الإمام الماء العذب على الظمأ والدالّ على الهدى.
الإمام المطهّر من الذنوب المطّلع على الغيوب.
الإمام هو الشمس الطالعة على العباد بالأنوار فلا تناله الأيدي والأبصار، وإليه الإشارة بقوله تعالى (وللهِ الْعِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ)(126) والمؤمنون علي وعترته فالعزّة للنبي والعترة لا يفترقان في العزّة إلى آخر الدهر، فهم رأس دارة الايمان وقطب الوجود وسماء الجود وشرف الموجود وضوء شمس الشرف ونور قمره وأصل العزّ والمجد ومبدأه ومعناه ومبناه، فالإمام هو السراج الوهّاج والسبيل والمنهاج والماء الثجاج والبحر العجاج(127) والبدر المشرق والغدير المغدق والمنهج الواضح المسالك والدليل إذا عميت المهالك والسحاب الهاطل والغيث الهائل والبدر الكامل والدليل الفاضل والسماء الظليلة والنعمة الجليلة، والبحر الذي لا ينزف والشرف الذي لا يوصف والعين الغزيرة والروضة المطيرة والزهر الأريج والبدر البهيج والنير اللائح والطيب الفائح والعمل الصالح والمتجر الرابح والمنهج الواضح والطيّب الرفيق والأب الشفيق، مفزع العباد في الدواهي والحاكم والآمر والناهي، مهيمن الله على الخلائق وأمينه على الحقائق، حجّة الله على عباده ومحجّته في أرضه وبلاده، مطهّر من الذنوب مبرّأ من العيوب مطّلع على الغيوب، ظاهره أمر لا يملك وباطنه غيب لا يدرك، واحد دهره وخليفة الله في نهيه وأمره، لا يوجد له مثيل ولا يقوم له بديل، فمن ذا ينال معرفتنا أو يعرف درجتنا ويشهد كرامتنا أو يدرك منزلتنا، حارت الألباب والعقول وتاهت الأفهام فيما أقول، تصاغرت العظماء وتفاخرت العلماء وكلّت الشعراء وخرست البلغاء ولكنت الخطباء وعجزت الفصحاء وتواضعت الأرض والسماء عن وصف شأن الأوصياء، وهل يعرف أو يوصف أو يعلم أو يفهم أو يدرك أو يملك من هو شعاع جلال الكبرياء وشرف الأرض والسماء؟ جلّ مقام آل محمّد عن وصف الواصفين ونعت الناعتين، وأن يقاس بهم أحد من العالمين، كيف وهم الكلمة العليا والتسمية البيضاء والوحدانية الكبرى التي أعرض عنها من أدبر وتولّى وحجاب الله الأعظم الأعلى، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول من هذا؟ ومن ذا عرف أو وصف من وصفت؟ ظنّوا أنّ ذلك في غير آل محمّد، كذبوا وزلّت أقدامهم، اتّخذوا العجل ربّا والشياطين حزبا وكلّ ذلك بغضة لبيت الصفوة ودار العصمة وحسدا لمعدن الرسالة والحكمة، وزيّن لهم الشيطان أعمالهم، فتبّا لهم وسحقا، كيف اختاروا إماما جاهلا عابد الأصنام، جبانا يوم الزحام، والإمام يجب أن يكون عالما لا يجهل وشجاعا لا ينكل لا يعلو عليه حسب ولا يدانيه نسب، فهو في الذروة من قريش والشرف من هاشم والبقية من إبراهيم والمتمتع من النبع الكريم، والنفس من الرسول والرضا من الله والقول عن الله، فهو شرف الأشراف والفرع من عبد مناف، عالم بالسياسة قائم بالرئاسة مفترض الطاعة إلى يوم الساعة، أودع الله قلبه سرّه وأطلق به لسانه فهو معصوم موفّق ليس بجبان ولا جاهل فتركوه يا طارق واتّبعوا أهواءهم ومن أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدى من الله، والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد سماوي وأمر إلهي وروح قدسي ومقام عليّ ونور جليّ وسرّ خفيّ، فهو ملكي الذات إلهي الصفات زائد الحسنات. عالم بالمغيبات مدحضا من ربّ العالمين ونصّا من الصادق الأمين جبرئيل، وهذا كلّه لآل محمّد لا يشاركهم فيه مشارك، لأنّهم معدن التنزيل ومعنى التأويل وخاصّة الربّ الجليل ومهبط الأمين جبرئيل، صفوة الله وسرّه وكلمته، شجرة النبوّة ومعدن الصفوة، عين المقالة ومنتهى الدلالة ومحكم الرسالة ونور الجلالة وجنب الله ووديعته وموضع خلفاء النبي الكريم وأبناء الرءوف الرحيم وأمناء العليّ العظيم، (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ واللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(128) السنام الأعظم والطريق الأقوم من عرفهم وأخذ عنهم فهو منهم، وإليه الإشارة بقوله (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي)(129) خلقهم الله من نور عظمته وولّاهم أمر مملكته فهم سرّ الله المخزون وأولياؤه المقرّبون وأمرهم بين الكاف والنون، لا بل هم الكاف والنون، إلى الله يدعون وعنه يقولون وبأمره يعملون، علم الأنبياء في علمهم وسرّ الأوصياء في سرّهم وعزّ الأولياء في عزّهم، كالقطرة في البحر والذرّة في القفر. والسماوات والأرض عند الإمام كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها ويعلم برّها من فاجرها ورطبها من يابسها، لأنّ الله علّم نبيّه علم ما كان وما يكون وورث ذلك السرّ المصون الأوصياء المنتجبون ومن أنكر ذلك فهو شقيّ ملعون يلعنه الله ويلعنه اللاعنون.
وكيف يفرض الله على عباده طاعة من يحجب عنه ملكوت السماوات والأرض وإنّ الكلمة من آل محمّد تنصرف إلى سبعين وجها وكلّ ما في الذكر الحكيم والكتاب الكريم والكلام القديم من آية تذكر فيها العين والوجه واليد والجنب فالمراد منها الولي، لأنّه جنب الله ووجه الله نعني حقّ الله وعلم الله وعين الله ويد الله، فهم الجنب العلي والوجه الرضي والمنهل الروي والصراط السويّ والوسيلة إلى الله والوصلة إلى عفوه ورضاه، سرّ الواحد والأحد فلا يقاس بهم من الخلق أحد، فهم خاصّة الله وخالصته وسرّ الديّان وكلمته وباب الإيمان وكعبته وحجّة الله ومحجّته وأعلام الهدى ورايته [وفضل الله. كلمة الله ومفتاح حكمته، مصابيح رحمته وينابيع نعمته، السبيل إلى الله والسلسبيل والقسطاس المستقيم والمنهاج القويم والذكر الحكيم والوجه الكريم والنور القديم، أهل التشريف والتقويم والتقديم والتعظيم والتفضيل](130) ورحمته، وعين اليقين وحقيقته وصراط الحقّ وعصمته ومبدأ الوجود وغايته وقدرة الربّ ومشيئته، وأمّ الكتاب وخاتمته وفصل الخطاب ودلالته وخزنة الوحي وحفظته، آية الذكر وتراجمته ومعدن التنزيل ونهايته، فهم الكواكب العلوية والأنوار العلوية المشرقة من شمس العصمة الفاطمية في سماء العظمة المحمّدية والأغصان النبوية النابتة في الدوحة الأحمدية والأسرار الإلهية المودعة في الهياكل البشرية، والذرية الزكية والعترة الهاشمية الهادية المهدية، أولئك هم خير البرية فهم الأئمّة الطاهرون والعترة المعصومون والذرية الأكرمون والخلفاء الراشدون والكبراء الصدّيقون والأوصياء المنتخبون والأسباط المرضيون والهداة المهديون والغرّ الميامين من آل طه ويس وحجج الله على الأوّلين والآخرين، واسمهم مكتوب على الأحجار وعلى أوراق الأشجار وعلى أجنحة الأطيار وعلى أبواب الجنّة والنار وعلى العرش والأفلاك وعلى أجنحة الأملاك وعلى حجب الجلال وسرادقات العزّ والجمال وباسمهم تسبّح الأطيار وتستغفر لشيعتهم الحيتان في لجج البحار، وإنّ الله لم يخلق أحدا إلّا وأخذ عليه الإقرار بالوحدانية والولاية للذرية الزكية والبراءة من أعدائهم، وإنّ العرش لم يستقرّ حتّى كتب عليه بالنور: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي وليّ الله(131).
الثمرة الخامسة في معرفة الإمام (عليه السلام)
في البحار عن محمّد بن صدقة سأل أبو ذرّ الغفاري سلمان الفارسي (رحمه الله) وقال: يا أبا عبد الله ما معرفة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنورانية؟ قال جندب: فامض بنا حتّى نسأله عن ذلك.
قال: فأتينا فلم نجده فانتظرناه حتّى جاء. قال (صلوات الله عليه): ما جاء بكما؟ قالا: جئناك يا أمير المؤمنين نسألك عن معرفتك بالنورانية. قال (عليه السلام): مرحبا بكما من وليّين متعاهدين لدينه لستما بمقصّرين، لعمري إنّ ذلك الواجب على كلّ مؤمن ومؤمنة. ثمّ قال: يا سلمان ويا جندب.
قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين، قال: إنّه لا يستكمل أحد الإيمان حتّى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وصار عارفا مستبصرا، ومن قصّر عن معرفة ذلك فهو شاكّ ومرتاب. يا سلمان ويا جندب قالا:
لبّيك يا أمير المؤمنين، قال (عليه السلام): معرفتي بالنورانية معرفة الله عزّ وجلّ ومعرفة الله عزّ وجلّ معرفتي بالنورانية وهو الدين الخالص الذي قال الله تعالى (وما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكاةَ وذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)(132) يقول: ما أمروا إلّا بنبوّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) وهو دين الحنيفية المحمّدية السمحة، وقوله: ويُقِيمُوا الصَّلاةَ فمن أقام ولايتي فقد أقام الصلاة، وإقامة ولايتي صعب مستصعب لا يحتمله إلّا ملك مقرّب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، فالملك إذا لم يكن مقرّبا لم يحتمله والنبي إذا لم يكن مرسلا لم يحتمله والمؤمن إذا لم يكن ممتحنا لم يحتمله. قلت: يا أمير المؤمنين من المؤمن؟ وما نهايته؟ وما حدّه حتّى أعرفه؟ قال: يا أبا عبد الله. قلت: لبّيك يا أخا رسول الله.
قال: المؤمن الممتحن هو الذي لا يردّ من أمرنا إليه شيء إلّا شرح صدره لقبوله ولم يشكّ ولم يرتد. اعلم يا أبا ذرّ: أنا عبد الله عزّ وجلّ وخليفته على عباده لا تجعلونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنّكم لم تبلغوا كنه ما فينا ولا نهايته، فإنّ الله عزّ وجلّ قد أعطانا أكبر وأعظم ممّا يصفه واصفكم أو يخطر على قلب أحدكم، إذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون. قال سلمان: قلت: يا أخا رسول الله ومن أقام الصلاة أقام ولايتك؟ قال: نعم يا سلمان تصديق ذلك قوله تعالى في الكتاب العزيز (واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ وإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ)(133) فالصبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والصلاة إقامة ولايتي فمنها قال الله تعالى وإِنَّها لَكَبِيرَةٌ ولم يقل وإنّهما لكبيرة لأنّ الولاية كبير حملها إلّا على الخاشعين، والخاشعون هم الشيعة المستبصرون بفضلي لأنّ أهل الأقاويل من المرجئة والقدرية والخوارج وغيرهم من الناصبية يقرّون لمحمّد (صلّى الله عليه وآله) ليس بينهم خلاف، وهم مختلفون في ولايتي منكرون لذلك جاحدون بها إلّا القليل، وهم الذين وصفهم الله في كتابه العزيز فقال وإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ.
وقال الله تعالى في موضع آخر في كتابه العزيز في نبوّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) وفي ولايتي فقال عزّ وجلّ (وبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وقَصْرٍ مَشِيدٍ)(134) فالقصر محمّد (صلّى الله عليه وآله) والبئر المعطّلة ولايتي عطّلوها وجحدوها، ومن لم لم يقرّ بولايتي لم ينفعه الإقرار بنبوّة محمّد (صلّى الله عليه وآله)، ألا إنّهما مقرونان، وذلك أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) نبي مرسل وهو إمام الخلق ووصيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) كما قال النبي (صلّى الله عليه وآله): أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي مرسل بعدي، وأوّلنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد فمن استكمل معرفتي فهو على الدين القيّم كما قال الله تعالى ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ وسأبين ذلك بعون الله تعالى وتوفيقه.
يا سلمان ويا جندب! قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين (صلوات الله عليك)، قال: كنت أنا ومحمّد (صلّى الله عليه وآله) نورا واحدا من نور الله عزّ وجلّ فأمر الله تبارك وتعالى ذلك النور أن يشقّ فقال للنصف: كنّ محمّدا وقال للنصف: كنّ عليّا، فمنها قال رسول الله: علي منّي وأنا من علي ولا يؤدّي عنّي إلّا علي، وقد وجّه أبا بكر ببراءة إلى مكّة فنزل جبرئيل فقال: يا محمّد. قال:
لبّيك. قال: إنّ الله يأمرك أن تؤدّيها أنت أو رجل منك، فوجّهني في استرداد أبي بكر فرددته فوجد في نفسه وقال: يا رسول الله أنزله في القرآن؟ قال: لا ولكن لا يؤدّي إلّا أنا أو علي. يا سلمان ويا جندب. قالا: لبيك يا أخا رسول الله. قال: من لا يصلح لحمل صحيفة يؤدّيها عن رسول الله كيف يصلح للإمامة؟ يا سلمان ويا جندب فأنا ورسول الله نور واحد صار رسول الله محمّد المصطفى وصرت أنا وصيّه المرتضى، وصار محمّد الناطق وصرت أنا الصامت، وإنّه لا بدّ في كلّ عصر من الأعصار أن يكون فيه ناطق وصامت. يا سلمان صار محمّد المنذر وصرت أنا الهادي وذلك قوله عزّ وجلّ (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)(135) فرسول الله المنذر وأنا الهادي (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وما تَزْدادُ وكُلُّ شيء عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ. عالِمُ الْغَيْبِ والشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ. سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ ومَنْ جَهَرَ بِهِ ومَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وسارِبٌ بِالنَّهارِ. لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ)(136).
قال: فضرب بيده على الأخرى وقال: صار محمّد (صلّى الله عليه وآله) صاحب الجمع وصرت أنا صاحب النشر وصار محمّد صاحب الجنّة وصرت أنا صاحب النار، أقول لها خذي هذا وذري هذا، وصار محمّد صاحب الرجفة وصرت أنا صاحب الهدة وأنا صاحب اللوح المحفوظ، ألهمني الله عزّ وجلّ علم ما فيه، نعم يا سلمان ويا جندب صار محمّد (يس والْقُرْآنِ الْحَكِيمِ)(137) وصار محمد (ن والْقَلَمِ)(138) وصار محمد طه (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى)(139) وصار محمّد صاحب الدلالات، وصرت أنا صاحب المعجزات والآيات وصار محمد خاتم النبيّين وصرت أنا خاتم الوصيّين، وأنا الصراط المستقيم وأنا النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ولا أحد اختلف إلّا في ولايتي، وصار محمد صاحب الدعوة وصرت أنا صاحب السيف وصار محمّد نبيّا مرسلا وصرت أنا صاحب أمر النبيّ، قال الله عزّ وجلّ (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ)(140) وهو روح الله لا يعطيه ولا يلقي هذا الروح إلّا على ملك مقرّب أو نبي مرسل أو وصي منتجب فمن أعطاه الله هذا الروح فقد أبانه من الناس وفوّض إليه القدرة وأحيى الموتى وعلم بما كان وما يكون وسار من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق في لحظة عين وعلم ما في الضمائر والقلوب وعلم ما في السماوات والأرض. يا سلمان ويا جندب وصار محمد الذكر الذي قال الله عزّ وجلّ (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ)(141) إنّي أعطيت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب واستودعت علم القرآن وما هو كائن إلى يوم القيامة ومحمّد (صلّى الله عليه وآله) أقام الحجّة حجّة للناس وصرت أنا حجّة الله عزّ وجلّ، جعل الله لي ما لم يجعل لأحد من الأولين والآخرين لا لنبي مرسل ولا لملك مقرّب.
يا سلمان ويا جندب، قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: أنا الذي حملت نوحا في السفينة بأمر ربّي(142)، وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربّي، وأنا الذي جاوزت بموسى ابن عمران البحر بإذن ربّي، وأنا الذي أخرجت إبراهيم من النار بإذن ربّي، وأنا الذي أجريت أنهارها وفجّرت عيونها وغرست أشجارها بإذن ربّي، وأنا عذاب يوم الظلمة(143) وأنا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان الجنّ والإنس وفهمه قوم إنّي لأسمع كلّ قوم؛ الجبّارين والمنافقين بلغاتهم، وأنا الخضر معلّم موسى وأنا معلّم سليمان بن داود وأنا ذو القرنين وأنا قدرة الله عزّ وجلّ. يا سلمان ويا جندب أنا محمّد ومحمّد أنا وأنا من محمّد ومحمّد منّي. قال الله (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ)(144). يا سلمان ويا جندب، قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين، قال: إنّ ميّتنا لم يمت وغائبنا لم يغب وإن قتلانا لم يقتلوا. يا سلمان ويا جندب، قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين (صلوات الله عليك)، قال: أنا أمير كلّ مؤمن ومؤمنة ممّن مضى وممّن بقي وأيّدت بروح العظمة، وإنّما أنا عبد من عبيد الله لا تسمّونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنّكم لم تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله الله لنا ولا معشار العشر، لأنّا آيات الله ودلائله وحجج الله وخلفاؤه وأمناء الله وأئمّته ووجه الله وعين الله ولسان الله، بنا يعذّب الله عباده وبنا يثيب، ومن بين خلقه طهّرنا واختارنا واصطفانا ولو قال قائل لم وكيف وفيم كفر وأشرك، لأنّه لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون. يا سلمان ويا جندب. قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين (صلوات الله عليك)، قال (عليه السلام): من آمن بما قلت وصدّق بما بيّنت وفسّرت وشرحت وأوضحت ونورت وبرهنت فهو مؤمن ممتحن امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وهو عارف مستبصر قد انتهى وبلغ وكمل، ومن شك وعند وجحد ووقف وتحيّر وارتاب فهو مقصّر وناصب. يا سلمان ويا جندب، قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين (صلوات الله عليك).
قال: أنا احيي واميت بإذن ربّي وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم بإذن ربّي، وأنا عالم بضمائر قلوبكم، والأئمّة من أولادي يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبّوا وأرادوا إنّا كلّنا واحد؛ أوّلنا محمّد وآخرنا محمّد وأوسطنا محمّد وكلّنا محمّد، فلا تفرّقوا بيننا، ونحن إذا شئنا شاء الله وإذا كرهنا كره الله(145)، الويل كلّ الويل لمن أنكر فضلنا وخصوصيتنا وما أعطانا الله ربّنا؛ لأنّ من أنكر شيئا ممّا أعطانا الله فقد أنكر قدرة الله عزّ وجلّ ومشيئته فينا. يا سلمان ويا جندب. قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين (صلوات الله عليك). قال: لقد أعطانا الله ربّنا ما هو أجلّ وأعظم وأعلى وأكبر من هذا كلّه.
قلنا: يا أمير المؤمنين ما الذي أعطاكم ما هو أجلّ وأعظم من هذا كلّه؟ قال (عليه السلام): قد أعطانا ربّنا عزّ وجلّ، علمنا الاسم الأعظم الذي لو شئنا خرقنا السماوات والأرض والجنّة والنار ونعرج به إلى السماء ونهبط به الأرض ونغرّب ونشرّق وننتهي به إلى العرش فنجلس عليه بين يدي الله عزّ وجلّ ويطيعنا كلّ شيء حتّى السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والبحار والجنّة والنار، أعطانا الله ذلك كلّه بالاسم الأعظم الذي علّمنا وخصّنا به، ومع هذا كلّه نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق نعمل هذه الأشياء بأمر ربّنا ونحن عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وجعلنا معصومين مطهّرين وفضّلنا على كثير من عباده المؤمنين فنحن نقول الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله وحقّت كلمة العذاب على الكافرين، أعني الجاحدين بكلّ ما أعطانا الله من الفضل والإحسان. يا سلمان ويا جندب فهذا معرفتي بالنورانية فتمسّك بها راشدا مهديّا فإنّه لا يبلغ أحد من شيعتنا حدّ الاستبصار حتى يعرفني بالنورانية فإذا عرفني بها كان مستبصرا بالغا كاملا قد خاض بحرا من العلم وارتقى درجة من الفضل واطّلع على سرّ من أسرار الله ومكنون خزائنه(146).
وفيه عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: لما أفضيت الخلافة إلى بني اميّة سفكوا فيها الدم الحرام ولعنوا فيها أمير المؤمنين على المنابر ألف شهر وتبرّءوا منه واغتالوا الشيعة في كلّ بلدة واستأصلوا بنيانهم من الدنيا لحطام دنياهم، فخوّفوا الناس في البلدان وكلّ من لم يلعن أمير المؤمنين ولم يتبرّأ منه قتلوه كائنا من كان. قال جابر بن يزيد الجعفي: فشكوت من بني امية وأشياعهم إلى الإمام المبين أطهر الطاهرين زين العابدين وسيّد الزهّاد وخليفة الله على العباد علي بن الحسين (عليه السلام) فقلت: يا بن رسول الله قد قتلونا تحت كلّ حجر ومدر واستأصلوا شأفتنا وأعلنوا لعن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر والمنارات والأسواق والطرقات وتبرّءوا منه، حتّى إنّهم ليجتمعون في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيلعنون عليّا علانية لا ينكر ذلك أحد ولا ينهر، فإن أنكر ذلك أحد منّا حملوا عليه بأجمعهم وقالوا: هذا رافضي أبو ترابي، وأخذوه إلى سلطانهم وقالوا: هذا ذكر أبا تراب بخير، فضربوه ثمّ حبسوه ثمّ بعد ذلك قتلوه. فلمّا سمع الإمام (صلوات الله عليه) ذلك منّي نظر إلى السماء فقال: سبحانك اللهمّ سيّدي ما أحلمك وأعظم شأنك في حلمك وأعلى سلطانك يا ربّ قد أمهلت عبادك في بلادك حتّى ظنّوا أنّك أمهلتهم أبدا وهذا كلّه بعينك، لا يغالب قضاؤك ولا يردّ المحتوم من تدبيرك كيف شئت وأنّى شئت وأنت أعلم به منّا. قال: ثمّ دعا ابنه محمدا، قال: يا بني، قال:
لبّيك يا سيدي. قال: إذا كان غدا فاغد إلى مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خذ معك الخيط الذي أنزل مع جبرئيل على جدّنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فحرّكه تحريكا ليّنا ولا تحرّكه تحريكا شديدا، الله الله فتهلك الناس كلّهم.
قال جابر: فبقيت متفكّرا متعجّبا من قوله (عليه السلام) فما أدري ما أقول لمولاي، فغدوت إلى محمّد وقد بقي عليّ ليل حرصا على أن أنظر إلى الخيط وتحريكه فبينما أنا على الباب إذ خرج الإمام فقمت وسلّمت عليه فردّ عليّ السلام وقال: ما غدا بك؟ فلم تكن تأتينا في هذا الوقت فقلت: يا ابن رسول الله سمعت أباك يقول بالأمس خذ الخيط وصر إلى مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فحرّكه تحريكا ليّنا ولا تحرّكه تحريكا شديدا فتهلك الناس كلّهم. فقال: يا جابر لو لا الوقت المعلوم والأجل المحتوم والقدر المقدور لخسفت والله بهذا المخلوق المنكوس في طرفة عين، لا بل في لحظة، لا بل في لمحة، ولكنّنا عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون. قال: قلت له: يا سيّدي ولم تفعل هذا بهم؟ قال: ما حضرت أبي بالأمس والشيعة يشكون إليه ما يلقونه من الناصبية الملاعين والقدرية المقصّرين؟ فقلت: بلى يا سيدي. قال: فإنّي أرعبهم وكنت أحب أن يهلك طائفة منهم ويطهّر الله منهم البلاد ويريح العباد. قلت: يا سيدي فكيف ترعبهم وهم أكثر من أن يحصوا؟ قال: امض بنا إلى المسجد لأريك قدرة من قدرة الله تعالى، قال جابر: فمضيت معه إلى المسجد فصلّى ركعتين ثمّ وضع خدّه على التراب وتكلّم بكلمات ثمّ رفع رأسه وأخرج من كمه خيطا دقيقا يفوح منه رائحة المسك وكان أدقّ في المنظر من خيط المخيط ثمّ قال لي: خذ إليك طرف الخيط وامش رويدا وإيّاك ثمّ إيّاك أن تحرّكه، قال: فأخذت طرف الخيط ومشيت رويدا فقال (عليه السلام):
قف يا جابر، فوقفت فحرّك الخيط تحريكا ليّنا فما ظننت أنّه حرّكه من لينه ثمّ قال: ناولني طرف الخيط. قال: فناولته فقلت: ما فعلت به يا بن رسول الله؟ فقال: ويحك اخرج إلى الناس وانظر ما حالهم. قال: فخرجت من المسجد فإذا صياح وولولة من كلّ ناحية وزاوية وإذا زلزلة وهدّة ورجفة وإذا الهدة أخربت عامّة دور المدينة وهلك تحتها أكثر من ثلاثين ألف رجل وامرأة وإذا بخلق يخرجون من السكك لهم بكاء وعويل وضوضاء ورنّة شديدة وهم يقولون: إنّا لله وإنّا إليه راجعون قد قامت الساعة ووقعت الواقعة وهلك الناس. وآخرون يقولون: الزلزلة والهدة، وآخرون يقولون: الرجفة والقيامة هلك فيها عامّة الناس، وإذا اناس قد أقبلوا يبكون يريدون المسجد وبعضهم يقولون لبعض: لم لا يخسف بنا وقد تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظهر الفسق والفجور وكثر الزنا والربا وشرب الخمر واللواط، والله لينزلن بنا ما هو أشدّ من ذلك وأعظم أو نصلح أنفسنا. قال جابر: فقمت متحيّرا أنظر إلى الناس يبكون ويصيحون ويولولون ويفدون زمرا إلى المسجد فرحمتهم حتّى والله لبكيت لبكائهم، وإذن لا يدرون من أين أتوا واخذوا فانصرفت إلى الإمام الباقر (عليه السلام) وقد اجتمع الناس عليه وهم يقولون: يا بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما ترى ما نزل بنا وبحرم رسول الله قد هلك الناس وماتوا فادع الله عزّ وجلّ لنا، فقال: افزعوا إلى الصلاة والصدقة والدعاء. ثمّ سألني وقال: يا جابر ما حال الناس؟ فقلت: يا سيدي لا تسأل يا بن رسول الله خربت الدور والقصور وهلك الناس ورأيتهم بغير رحمة فرحمتهم. فقال (عليه السلام): لا رحمهم الله أبدا، أما إنّه قد بقي عليك بقية، لو لا ذلك ما رحمت أعداءنا وأعداء أوليائنا. ثمّ قال: سحقا سحقا وبعدا بعدا للقوم الظالمين والله لو حرّكت الخيط أدنى تحريكة لهلكوا أجمعين وجعلوا أعلاها أسفلها ولم يبق دار ولا قصر ولكن أمرني سيّدي ومولاي أن لا أحرّكه شديدا. ثمّ إنّه صعد المنارة والناس لا يرونه وأنا أراه فنادى بأعلى صوته ألا أيّها الضالّون المكذّبون فنظر الناس أنّه صوت من السماء فخرّوا لوجوههم وطارت أفئدتهم وهم يقولون في سجودهم: الأمان الأمان. فإذا هم يسمعون الصيحة بالحقّ ولا يرون الشخص ثمّ أشار بيده (صلوات الله عليه) وأنا أراه والناس لا يرونه فزلزلت المدينة زلزلة خفيفة ليست كالأولى وتهدّمت فيها دور كثيرة ثمّ تلا هذه الآية (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ)(147) ثمّ تلا بعد ما نزل (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وأَمْطَرْنا)(148) (عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ)(149) وتلا (عليه السلام) (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ)(150). قال: وخرجت المخدّرات في الزلزلة الثانية من خدورهنّ مكشفات الرءوس وإذا الأطفال يبكون ويصر خون فلا يلتفت أحد، فلمّا بصر الباقر (عليه السلام) ضرب بيده إلى الخيط فجمعه في كفّه فسكنت الزلزلة ثمّ أخذ بيدي والناس لا يرونه وخرجنا من المسجد فإذا قوم قد اجتمعوا على باب حانوت الحداد وهم خلق كثير يقولون: ما سمعتم في مثل هذه المدرة(151) من الهمهمة، فقال بعضهم: بلى همهمة كثيرة. وقال آخرون: بلى والله صوت وكلام وصياح كثير ولكنّا والله لم نقف على الكلام. قال جابر: فنظر الباقر (عليه السلام) إلى قصتهم ثمّ قال: يا جابر هذا دأبنا ودأبهم في كلّ عصر، إذا بطروا وأشروا وتمرّدوا وبغوا أرعبناهم وخوّفناهم فإذا ارتدعوا وإلّا أذن الله في خسفهم.
قال جابر: يا بن رسول الله فما هذا الخيط الذي فيه الأعجوبة؟ قال: هذه بقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إلينا، يا جابر: إنّ لنا عند الله منزلة ومكانا رفيعا ولو لا نحن لم يخلق الله أرضا ولا سماء ولا جنّة ولا نارا ولا شمسا ولا قمرا ولا برّا ولا بحرا ولا سهلا ولا جبلا ولا رطبا ولا يابسا ولا حلوا ولا مرّا ولا ماء ولا نباتا ولا شجرا، واخترعنا الله من نور ذاته، ولا يقاس بنا بشر، بنا أنقذكم الله عزّ وجلّ وبنا هداكم ونحن والله دللناكم على ربّكم فقفوا عند أمرنا ونهينا ولا تردوا كلّ ما ورد عليكم منّا فإنّا أكبر وأجلّ وأعظم وأرفع من جميع ما يرد عليكم، ما فهمتموه فاحمدوا الله عليه وما جهلتموه فكلوا أمره إلينا وقولوا:
أئمتنا أعلم بما قالوا. قال: ثمّ استقبله أمير المدينة راكبا وحواليه حرّاسه وهم ينادون في الناس: معاشر الناس احضروا إلى ابن رسول الله علي بن الحسين وتقرّبوا إلى الله عزّ وجلّ به لعلّ الله يصرف به عنكم العذاب، فلمّا بصروا بمحمّد بن علي الباقر (عليه السلام) تبادروا نحوه وقالوا له: يا بن رسول الله أما ترى ما نزل بأمّة جدّك محمّد، هلكوا وفنوا عن آخرهم، أين أبوك حتّى نسأله أن يخرج إلى المسجد ونتقرّب به إلى الله ليرفع به عن أمّة جدّك هذا البلاء؟ قال لهم محمّد بن علي (عليه السلام): يفعل الله ما يشاء أصلحوا من أنفسكم وعليكم بالتوبة والتضرّع والورع والنهي عمّا أنتم عليه فإنّه لا يأمن مكر الله إلّا القوم الخاسرون. قال جابر: فأتينا علي بن الحسين وهو يصلّي فانتظرناه حتّى فرغ من صلاته وأقبل علينا فقال: يا محمّد ما خبر الناس؟
فقال: ذلك لقد رأى من قدرة الله عزّ وجلّ ما لا زال متعجّبا منها. قال جابر: فقلت: يا سيدي إنّ سلطانهم سألنا أن نسألك أن تحضر إلى المسجد حتّى يجتمع الناس يدعون ويتضرّعون إلى الله عزّ وجلّ ويسألونه الإقالة. قال: فتبسّم ثمّ تلا (أَولَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ)(152) وقرأ (ولَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شيء قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ولكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)(153) فقلت: يا سيدي العجب أنّهم لا يدرون من أين أتوا. قال: أجل ثمّ تلا (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ)(154) وهي والله آياتنا وهذه إحداها وهي والله ولا يتنا. يا جابر ما تقول في قوم أماتوا سنّتنا وتولّوا أعداءنا وانتهكوا حريمنا فظلمونا وغصبونا وأحيوا سنن الظالمين وساروا بسيرة الفاسقين. قال جابر: الحمد لله الذي منّ عليّ بمعرفتكم وألهمني فضلكم ووفّقني لطاعتكم وموالاة مواليكم ومعاداة أعدائكم.
قال (صلوات الله عليه): يا جابر أتدري ما المعرفة؟ المعرفة إثبات التوحيد أوّلا ثمّ معرفة المعاني ثانيا ثمّ معرفة الأبواب ثالثا ثمّ معرفة الإمام رابعا ثمّ معرفة الأركان خامسا ثمّ معرفة النقباء سادسا ثمّ معرفة النجباء سابعا وهو قوله تعالى (لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي ولَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً)(155) وتلا أيضا (ولَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ والْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(156).
يا جابر: مالك أمركم إثبات التوحيد ومعرفة المعاني، أما إثبات التوحيد معرفة الله القديم الغائب الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير وهو غيب باطن ستدركه كما وصف به نفسه.
أمّا المعاني فنحن معانيه ومظاهره فيكم، اخترعنا من نور ذاته وفوّض إلينا أمور عباده، فنحن نفعل بإذنه ما نشاء ونحن إذا شئنا شاء الله وإذا أردنا أراد الله، ونحن أحلّنا الله هذا المحل واصطفانا من بين عباده وجعلنا حجّة في بلاده، فمن أنكر شيئا من ذلك وردّه فقد ردّ على الله جل اسمه وكفر بأنبيائه ورسله. يا جابر من عرف الله تعالى بهذه الصفات فقد أثبت التوحيد لأنّ هذه الصفة موافقة لما في الكتاب المنزل وذلك قوله تعالى (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(157) وقوله تعالى (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْأَلُونَ)(158) قال جابر: يا سيدي ما أقلّ أصحابي. قال (عليه السلام): هيهات هيهات أتدري كم على وجه الأرض من أصحابك؟ قلت: يا بن رسول الله كنت أظنّ في كل بلدة ما بين المائة إلى المائتين وفي كل إقليم منهم ما بين الألف إلى ألفين، بل كنت أظنّ أكثر من مائة ألف في أطراف الأرض ونواحيها. قال (عليه السلام): يا جابر خالفك ظنّك وقصر رأيك أولئك المقصّرون وليسوا لك بأصحاب. قلت: يا بن رسول الله ومن المقصّر؟ قال: الذين قصّروا في معرفة الأئمّة وعن معرفة ما فرض الله عليهم من أمره وروحه. قلت: يا سيّدي وما معرفة روحه؟
قال (عليه السلام): أن يعرف كلّ من خصّه الله تعالى بالروح فقد فوّض إليه أمره، يخلق بإذنه ويحيي بإذنه ويعلم ما في الضمائر ويعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، ذلك أنّ هذا الروح من أمر الله تعالى فمن خصّه الله تعالى بهذا الروح فهو كامل غير ناقص يفعل ما يشاء بإذن الله، يسير من المشرق إلى المغرب بإذن الله في لحظة واحدة يعرج به إلى السماء وينزل به إلى الأرض يفعل ما شاء وأراد. قلت: يا سيّدي أوجدني بيان هذا الروح من كتاب الله تعالى وأنّه من أمر خصّه الله تعالى بمحمّد وأوصيائه (عليهم السلام). قال: نعم اقرأ هذه الآية (وكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ ولَا الْإِيمانُ ولكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا)(159)، وقوله تعالى (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)(160) قلت: فرّج الله عنك كما فرّجت عنّي ووقفتني على معرفة الروح والأمر. ثمّ قلت: يا سيّدي صلّى الله عليك فأكثر الشيعة مقصّرون وأنا ما أعرف من أصحابي على هذه الصفة واحدا. قال: يا جابر فإن لم تعرف منهم أحدا فإنّي أعرف منهم نفرا قلائل يأتون ويسلمون ويتعلّمون منّي شيئا من سرّنا ومكنوننا وباطن علومنا. قلت: إنّ فلان بن فلان وأصحابه من أهل هذه الصفة إن شاء الله وذلك أنّي سمعت منهم سرّا من أسراركم وباطنا من علومكم ولا أظنّ إلّا وقد كملوا وبلغوا. قال: يا جابر ادعهم غدا وأحضرهم معك. قال: فأحضرتهم من الغد فسلّموا على الإمام وبجّلوه ووقّروه ووقفوا بين يديه.
فقال: يا جابر أما إنّهم إخوانك وقد بقيت عليهم بقية، أتقرّون أيّها النفر أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا معقب لحكمه ولا رادّ لقضائه ولا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون؟
قالوا: نعم إنّ الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. قال جابر: فقلت: الحمد لله قد استبصروا وعرفوا وبلغوا. قال: يا جابر لا تعجل بما لا تعلم، فبقيت متحيّرا. فقال (عليه السلام): هل يقدر علي بن الحسين (عليه السلام) أن يصير بصورة ابنه محمد وهل يقدر ابني محمد أن يصير بصورتي؟ قال جابر:
فسألتهم فأمسكوا وسكتوا. قال: يا جابر سلهم: هل يقدر محمّد أن يكون بصورتي؟ قال جابر: فأسألتهم فأمسكوا وسكتوا. قال: فنظر إليّ الإمام وقال: يا جابر هذا ما أخبرتك به قد بقي عليهم بقيّة. فقلت لهم: ما لكم لا تجيبون إمامكم فسكتوا وشكوا فنظر إليهم وقال: يا جابر هذا ما أخبرتك به، قد بقي عليهم بقيّة. وقال الباقر (عليه السلام): ما لكم لا تنطقون فنظر بعضهم إلى بعض يتساءلون وقالوا: يا بن رسول الله لا علم لنا فعلّمنا. قال: فنظر الإمام سيّد العابدين علي بن الحسين إلى ابنه محمّد الباقر (عليه السلام) وقال لهم: من هذا؟ قالوا: ابنك. فقال لهم: من أنا؟
قالوا: أبوه علي بن الحسين (عليهما السلام). قال: فتكلّم بكلام لم نفهم فإذا محمّد بصورة أبيه علي بن الحسين وعلي بصورة ابنه محمّد، قالوا: لا إله إلّا الله. فقال الإمام: لا تعجبوا من قدرة الله أنا محمّد ومحمّد أنا. وقال محمّد: لا تعجبوا من أمر الله أنا علي وعلي أنا وكلّنا واحد من نور واحد وروحنا من أمر الله أوّلنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد وكلّنا محمّد. قال: فلمّا سمعوا ذلك خرّوا لوجوههم سجدا وهم يقولون: آمنّا بولايتكم وبسرّكم وعلانيتكم وأقررنا بخصائصكم.
فقال الإمام زين العابدين: يا قوم ارفعوا رءوسكم فأنتم الآن العارفون الفائزون المستبصرون وأنتم الكاملون البالغون الله الله لا تطلعوا أحدا من المقصّرين المستضعفين على ما رأيتم منّي ومن محمّد فيشنعوا عليكم ويكذّبوكم. قالوا: سمعنا وأطعنا، قال:
فانصرفوا راشدين كاملين. فانصرفوا. قال جابر: قلت: سيّدي وكلّ من لا يعرف هذا الأمر على الوجه الذي صنعته وبيّنته إلّا أن عنده محبّة ويقول بفضلكم ويتبرّأ من أعدائكم، ما يكون حاله؟ قال (عليه السلام): يكونون في خير إلى أن يبلغوا. قال جابر: قلت: يا بن رسول الله هل بعد ذلك شيء يقصّرهم؟ قال (عليه السلام): نعم إذا قصروا في حقوق إخوانهم ولم يشاركوهم في أموالهم ولم يشاوروهم في سرّ أمورهم وعلانيتهم واستبدّوا بحطام الدنيا دونهم فهنالك تسلب المعروف وتسلخ من دونه سلخا ويصيبه من آفات هذه الدنيا وبلائها ما لا يطيقه ولا يحتمله من الأوجاع في نفسه وذهاب ماله وتشتّت شمله لما قصر في برّ إخوانه.
قال جابر: فاغتممت والله غمّا شديدا وقلت: يا بن رسول الله ما حقّ المؤمن على أخيه المؤمن؟ قال (عليه السلام): يفرح لفرحه ويحزن إذا حزن وينفذ اموره كلّها فيحصلها ولا يغتمّ بشيء من حطام الدنيا الفانية إلّا واساه حتّى يجريا في الخير والشرّ في قرن واحد. قلت: يا سيّدي فكيف أوجب الله كلّ هذا للمؤمن على أخيه المؤمن؟ قال: لأنّ المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمّه على هذا الأمر لا يكون أخاه وهو أحقّ بما يملكه. قال جابر: سبحان الله ومن يقدر على ذلك؟
قال (عليه السلام): من يريد أن يقرع أبواب الجنان ويعانق الحور الحسان ويجتمع معنا في دار السلام. قال جابر: فقلت: هلكت والله يا بن رسول الله لأنّي قصّرت في حقوق إخواني ولم أعلم أنّه يلزمني من التقصير كلّ هذا ولا عشره وأنا أتوب إلى الله تعالى يا بن رسول الله ممّا كان منّي من التقصير في رعاية حقوق إخواني المؤمنين(161).
الفرع الثاني في أنّ الإمامة في الأعقاب وأنّها لا تعود في عمّ ولا أخ إلّا الحسن والحسين (عليهما السلام)
الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبدا إنّما جرت من علي بن الحسين (عليه السلام) كما قال الله تعالى (وأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)(162) فلا تكون بعد علي بن الحسين إلّا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب(163).
وفيه سئل أبو الحسن الرضا (عليه السلام): أتكون الإمامة في عمّ أو خال؟ قال: لا. سئل: ففي أخ؟
فقال: لا. سئل ففيمن؟ قال: في ولدي، وهو يومئذ لا ولد له(164).
وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام): أبى الله أن يجعلها لأخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)(165).
وفيه عنه (عليه السلام): لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين إنّما في الأعقاب وأعقاب الأعقاب(166).
وفيه قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): إن كان كون ولا أراني الله، فبمن ائتم؟ فأومأ إلى ابنه موسى.
قيل: فإن حدث فبمن ائتم؟ قال: بولده. قيل: فإن حدث بولده وترك أخا كبيرا وابنا صغيرا فبمن ائتم؟ قال: بولده ثمّ واحد فواحد(167).
وفي البحار(168) عن هشام بن سالم قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): الحسن أفضل أم الحسين؟ فقال: الحسن أفضل من الحسين. قلت: فكيف صارت الإمامة من بعد الحسين في عقبه دون ولد الحسن؟ فقال: إنّ الله تبارك وتعالى أحبّ أن يجعل سنّة موسى وهارون جارية في الحسن والحسين، ألا ترى أنّهما كانا شريكين في النبوّة، كما كان الحسن والحسن والحسين شريكين في الإمامة، وأنّ الله عزّ وجلّ جعل النبوّة في ولد هارون ولم يجعلها في ولد موسى (عليه السلام) وإن كان موسى أفضل من هارون.
قلت: فهل يكون إمامان في وقت؟ قال: لا، إلّا أن يكون أحدهما صامتا مأموما لصاحبه والآخر إماما ناطقا لصاحبه، وأمّا أن يكونا إمامين ناطقين في وقت واحد فلا. قلت: فهل الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين؟ قال: إنّما هي جارية في عقب الحسين كما قال الله عزّ وجلّ (وجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ)(169) ثمّ هي جارية في الأعقاب وأعقاب الأعقاب إلى يوم القيامة(170).
وفيه عن عبد الرّحمن بن المثنى الهاشمي؛ قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك من أين جاء لولد الحسين الفضل على ولد الحسن وهما يجريان في شرع واحد؟ فقال: لا أراكم تأخذون به، إنّ جبرائيل نزل على محمد وما ولد الحسين بعد فقال له: يولد لك غلام تقتله أمّتك من بعدك. فقال: يا جبرئيل لا حاجة فيه، فخاطبه ثلاثا ثمّ دعا عليّا فقال له: إنّ جبرئيل يخبرني عن الله عزّ وجلّ أنّه يولد لك غلام تقتله أمّتك من بعدك. فقال: لا حاجة لي فيه يا رسول الله، فخاطب عليا ثلاثا ثمّ قال: إنّه يكون فيه وفي ولده الإمامة والوراثة والخزانة فأرسل إلى فاطمة (عليه السلام): إنّ الله يبشّرك بغلام تقتله أمّتي من بعدي. فقالت فاطمة: ليس لي فيه حاجة يا أبه، فخاطبها ثلاثا ثمّ أرسل إليها: لا بدّ أن يكون فيه الإمامة والوراثة والخزانة. فقالت له: رضيت من الله عزّ وجلّ، فعلت وحملت بالحسين فحملت ستّة أشهر ثمّ وضعت ولم يعش مولود قط ستّة أشهر غير الحسين بن علي وعيسى ابن مريم فكفلته أمّ سلمة وكان رسول الله يأتيه في كلّ يوم فيضع لسانه في فم الحسين فيمصّه حتّى يروى، فأنبت الله عزّ وجلّ لحمه من لحم رسول الله ولم يرضع من فاطمة ولا من غيرها لبنا قطّ، فلمّا أنزل الله تبارك وتعالى فيه (وحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي)(171) فلو قال أصلح لي ذريتي كانوا كلّهم أئمّة ولكن خصّ هكذا(172).
وفيه عن العلل: فقال: يا فضيل أتدري في أيّ شيء كنت أنظر؟ فقلت: لا، قال: كنت أنظر في كتاب فاطمة فليس ملك يملك إلّا وهو مكتوب باسمه واسم أبيه فما وجدت لولد الحسن فيه شيئا(173).
وفيه عن محمد بن يعقوب البلخي سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) قلت: لأي علّة صارت الإمامة في ولد الحسين ولم يجعلها في ولد الحسن؟ قال: لأنّ الله عزّ وجلّ جعلها في ولد الحسين ولم يجعلها في ولد الحسن والله لا يسأل عمّا يفعل(174).
وفيه عن عبد الرّحمن بن كثير: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما عنى الله عزّ وجلّ بقوله (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(175) قال: نزلت في النبي وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة فلمّا قبض الله عزّ وجلّ نبيّه كان أمير المؤمنين ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ وقع تأويل هذه الآية (وأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)(176) وكان علي بن الحسين إماما ثمّ جرت في الأئمّة من ولده والأوصياء فطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله(177).
وفيه عن عبد الرحيم القصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) في من أنزلت؟ قال: انزلت في الإمرة، إنّ هذه الآية جرت في الحسين بن علي (عليهما السلام) وفي ولد الحسين من بعده فنحن أولى بالأمر وبرسول الله من المؤمنين والمهاجرين. فقلت: لولد جعفر فيها نصيب؟ قال: لا، فعددت عليه بطون بني عبد المطّلب كلّ ذلك يقول: لا. ونسيت ولد الحسن (عليه السلام) فدخلت عليه بعد ذلك فقلت: هل لولد الحسن فيها نصيب؟ قال: لا يا أبا عبد الرّحمن ما لمحمدي فيها نصيب غيرنا(178).
الفرع الثالث في عدم مدخلية البلوغ في الإمامة ولا يضرّها صغر السن
في الكافي عن يزيد الكناسي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام): أكان عيسى ابن مريم حين تكلّم في المهد حجّة الله على أهل زمانه؟ فقال: كان يومئذ نبيّا حجّة الله غير مرسل أما تسمع لقوله حين قال (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا وجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وأَوْصانِي بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا)(179) قلت: فكان يومئذ حجّة لله على زكريا في تلك الحال وهو في المهد؟ فقال: كان عيسى في تلك الحال آية للناس ورحمة من الله لمريم حين تكلّم فعبّر عنها وكان نبيّا حجّة على من سمع كلامه في تلك الحال، ثمّ صمت فلم يتكلّم حتّى مضت.
له سنتان وكان زكريا الحجّة لله عزّ وجلّ على الناس بعد صمت عيسى سنين(180) ثمّ مات زكريا فورث ابنه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير، أما تسمع لقوله عزّ وجلّ (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(181) فلمّا بلغ عيسى سبع سنين تكلّم بالنبوّة والرسالة حين أوحى الله تعالى إليه فكان عيسى الحجّة على يحيى وعلى الناس أجمعين، وليس تبقى الأرض يا أبا خالد يوما واحدا بغير حجّة لله على الناس منذ يوم خلق الله آدم وأسكنه الأرض فقلت: جعلت فداك أكان علي حجّة من الله ورسوله على هذه الامّة في حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ فقال: نعم يوم أقامه للناس ونصبه علما ودعاهم إلى ولايته وأمرهم بطاعته، قلت:
فكانت طاعة علي واجبة على الناس في حياة رسول الله وبعد وفاته؟ فقال: نعم ولكنّه صمت فلم يتكلّم مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وكانت الطاعة لرسول الله على أمّته وعلى علي في حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وكانت الطاعة من الله ومن رسوله على الناس كلّهم لعلي بعد وفاة رسول الله وكان عليا حكيما عالما(182).
وفيه عن صفوان بن يحيى قلت للرضا (عليه السلام): قد كنّا نسألك أن يهب لك أبا جعفر فكنت تقول يهب لي غلاما فقد وهب الله لك فقرّ عيوننا، فلا أرانا الله يومك، فإن كان كون فإلى من؟
فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه. فقلت: جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين! قال:
وما يضرّه من ذاك شيء، قد قام عيسى بالحجّة وهو ابن ثلاث سنين(183).
وفيه عن بعض الأصحاب قلت لأبي جعفر الثاني: إنّهم يقولون في حداثة سنّك. فقال: إنّ الله تعالى أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان وهو صبي يرعى الغنم فأنكر ذلك عبّاد بني إسرائيل وعلماؤهم، فأوحى الله إلى داود (عليه السلام) أن خذ عصا المتكلّمين وعصا سليمان واجعلهما في بيت واختم عليهما بخواتيم القوم، فإذا كان من الغد فمن كانت عصاه قد أورقت فأثمرت فهو الخليفة، فأخبرهم داود (عليه السلام) فقالوا: رضينا وسلّمنا(184).
وفيه عن محمد بن إسماعيل بن بزيع: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شيء من أمر الإمام فقلت:
يكون الإمام ابن أقلّ من سبع سنين؟ فقال: نعم وأقلّ من خمس سنين(185).
وفيه عن الخيراني عن أبيه كنت واقفا بين يدي أبي الحسن بخراسان فقال له قائل: يا سيدي إن كان كون فإلى من؟
قال: إلى أبي جعفر ابني فكأنّ القائل استصغر سنّ أبي جعفر (عليه السلام). فقال أبو الحسن: إنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى ابن مريم رسولا نبيّا صاحب شريعة مبتدئة في أصغر من السنّ الذي فيه أبو جعفر.
وفيه قال علي بن حسان لأبي جعفر: يا سيّدي إنّ الناس ينكرون عليك حداثة سنّك، فقال: وما ينكرون من ذلك قول الله؟ لقد قال الله لنبيّه (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي)(186) فو الله ما تبعه إلّا علي وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين(187).
وفيه سئل الرضا (عليه السلام) عن الإمام يغسله الإمام قال: سنّة موسى بن عمران(188)، حيث غسل أخاه هارون في التيه(189).
وفيه قيل للرضا: إنّ الإمام لا يغسله إلّا الإمام. فقال: أما تدرون من حضر لعلّه(190) قد حضره خير ممّن غاب عنه الذين حضروا يوسف في الجبّ حين غاب أبواه وأهل بيته(191).
الغصن الثاني إخبار الله تعالى بقيام القائم (عليه السلام)
وفيه فرعان:
الفرع الأوّل: إخبار الله تعالى في كلامه المجيد وفرقانه الحميد بوجود القائم وغيبته وعلامات ظهوره وقيامه في آخر الزمان والآيات المؤوّلة به.
اعلم أنّ الآيات المذكورة في هذا الغصن والروايات المنقولة المأثورة فيها ما كان أسانيدها مقيّدا مذكورا يؤخذ ويسند إلى من أخذنا منه، وما كان منها مطلقا ينصرف إلى المحجّة للسيّد الجليل النبيل المتبحّر المحدّث النحرير السيّد هاشم البحراني (رحمه الله) فمنها:
الآية الاولى:
قوله عزّ وجلّ: (الم. ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)(192) عن الصادق (عليه السلام): المتّقون شيعة علي والغيب هو الحجّة (عليه السلام)(193)، وشاهد ذلك قوله تعالى: (ويَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(194) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محبّتهم أولئك من وصفهم الله في كتابه فقال تعالى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) قال: اولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم الغالبون(195).
الآية الثانية:
قوله تعالى (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)(196) عن أبي عبد الله (عليه السلام): يعني أصحاب القائم (عجّل الله فرجه) الثلاثمائة والبضعة عشر. قال (عليه السلام): هم والله الأمّة المعدودة يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف، فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد توارثته الأبناء عن الآباء(197). وفي ذيل هذه الآية نقل (رحمه الله) عن كتاب مسند فاطمة (سلام الله عليها) أسماء الأصحاب وبلدهم وعددهم ذكرناها في الفرع الرابع من الغصن السابع لا حاجة بذكرهم.
وفي غيبة النعماني: قال الصادق (عليه السلام): نزلت الآية في القائم وأصحابه يجمعون على غير ميعاد(198).
في المجمع عنهم (عليهم السلام): إنّ المراد به أصحاب المهدي في آخر الزمان. وعن الرضا (عليه السلام):
وذلك والله أن لو قام قائمنا يجمع الله جميع شيعتنا من جميع البلدان(199).
الآية الثالثة:
آية أخرى جعلتها رابعة والرابعة خامسة وهكذا قوله تعالى (وإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ)(200) الآية في الخصال عن مفضل بن عمر عن الصادق (عليه السلام) قال:
سألته عن قول الله عزّ وجلّ (وإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) ما هذه الكلمات؟ قال: هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه وهو أنّه قال: يا رب أسألك بحقّ محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت علي، فتاب الله عليه إنّه هو التوّاب الرحيم. فقلت: يا ابن رسول الله فما يعني عزّ وجلّ بقوله (فَأَتَمَّهُنَ)؟ قال: يعني فأتمهنّ إلى القائم اثنا عشر إماما تسعة من ولد الحسين... الحديث(201).
الآية قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ)(202).
في تفسير البرهان عن العياشي عن الفضل بن محمّد الجعفي عن الصادق (عليه السلام) قال: الحبّة فاطمة والسبعة السنابل سبعة من ولدها سابعها قائمهم. قلت: الحسن. قال: إنّ الحسن إمام من الله مفترض الطاعة ولكن ليس من السنابل السبعة أوّلهم الحسين وآخرهم القائم. قلت:
قوله (فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) فقال: يولد للرجل منهم في الكوفة مائة من صلبه وليس ذاك إلّا هؤلاء السبعة(203).
أقول:
ينافي هذا الخبر من أنّ الحسين والتسعة من ولده عشرة وعاشرهم قائمهم: أن يحمل السبعة سبعة أسماء وهم حسين وعليّون ثلاث ومحمّدان اثنان وجعفر وموسى والحسن والقائم.
قوله تعالى: (ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشيء مِنَ الْخَوْفِ والْجُوعِ ونَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ والْأَنْفُسِ والثَّمَراتِ وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(204) عن أبي عبد الله (عليه السلام): لا بدّ وأن يكون قدام قيام القائم سنة يجوع فيها الناس ويصيبهم خوف شديد من القتل ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وإنّ ذلك في كتاب الله لبيّن(205).
وعن أبي جعفر (عليه السلام): الجوع جوع خاصّ وجوع عامّ، فأمّا العام فهو بالشام فإنّه عام، وأمّا الخاص بالكوفة يخصّ ولا يعمّ ولكن يخصّ بالكوفة أعداء آل محمّد فيهلكهم الله بالجوع، وأمّا الخوف فإنّه عام بالشام وذلك الخوف إذا قام القائم وأمّا الجوع فقبل قيام القائم (عليه السلام)(206).
في الإكمال عن محمد بن مسلم سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ لقيام القائم علامات تكون من الله عزّ وجلّ للمؤمنين. قلت: وما هي جعلني الله فداك؟ قال: قول الله عزّ وجلّ (ولَنَبْلُوَنَّكُمْ) يعني المؤمنين قبل خروج القائم (بِشيء مِنَ الْخَوْفِ والْجُوعِ ونَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ والْأَنْفُسِ والثَّمَراتِ وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) قال: نبلوهم بشيء من الْخَوْفِ ملوك بني فلان في آخر سلطانهم والْجُوعِ بغلاء أسعارهم ونَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ قال: كساد التجارات وقلّة الفضل والْأَنْفُسِ قال: موت ذريع(207) (ونَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ قلّة ريع ما يزرع وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) عند ذلك بخروج القائم(208).
الآية الرابعة:
في أواخر سورة البقرة قوله تعالى (مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ)(209) في غيبة النعماني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ أصحاب طالوت ابتلوا بالنهر الذي قال الله تعالى (مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ وإنّ أصحاب القائم (عليه السلام) يبتلون بمثل ذلك(210).
قوله تعالى في سورة آل عمران (ولَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ طَوْعاً وكَرْهاً وإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(211) عن أبي الحسن (عليه السلام): انزلت في القائم إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفّار في شرق الأرض وغربها فعرض (عليه السلام) عليهم الإسلام فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويوحّد الله، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتّى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلّا وحّد الله. قلت: جعلت فداك إنّ الخلق أكثر من ذلك؟
فقال: إنّ الله إذا أراد أمرا قلّل الكثير وكثّر القليل(212).
الآية الخامسة:
قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصابِرُوا ورابِطُوا واتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(213) عن الباقر (عليه السلام): اصبروا على أداء الفرائض وصابروا عدوّكم ورابطوا إمامكم المنتظر(214).
الآية السادسة:
قال الله تعالى (تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ)(215).
في البحار عن أبي عبد الله (عليه السلام): ما زال منذ خلق الله آدم دولة لله ودولة لإبليس فأين دولة الله؟ ما هو إلّا قائم واحد(216).
الآية السابعة:
قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها)(217) عن أبي جعفر (عليه السلام) لجابر الجعفي: الزم الأرض ولا تحرّك يدا ولا رجلا حتّى ترى علامات أذكرها لك وما أراك تدرك ذلك، ولكن حدّث به بعدي.. إلى أن يقول: ولا يفلت منهم إلّا ثلاثة نفر يحوّل الله وجوههم في أقفيتهم وهم من كلب، وفيهم نزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ) الخ(218).
الآية الثامنة:
قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(219) عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: لما أنزل الله على نبيّه محمّد يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الخ قلت: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن اولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال: هم خلفائي يا جابر وأئمّة المسلمين من بعدي؛ أوّلهم علي بن أبي طالب ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ علي بن الحسين ثمّ محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ثمّ موسى بن جعفر ثمّ محمّد بن علي ثمّ علي بن محمّد ثمّ الحسن بن علي ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن علي (عليهم السلام)، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره مشارق الأرض له، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قبله للايمان. قال جابر: قلت له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال (عليه السلام): إي والذي بعثني بالنبوّة إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّاها سحاب. يا جابر هذا من مكنون سرّ الله ومخزون علمه فاكتمه إلّا عن أهله(220).
الآية التاسعة:
قال الله تعالى (ومَنْ يُطِعِ اللهَ والرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ والصَّالِحِينَ وحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً)(221) في الدمعة عن تفسير القمي عن الصادق (عليه السلام): النبيّين رسول الله والصدّيقين علي والشهداء الحسن والحسين والصالحين الأئمّة وحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً القائم من آل محمّد(222).
الآية العاشرة:
قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ - إلى قوله تعالى - لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ)(223) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: والله، الذي صنعه الحسن بن علي كان خيرا لهذه الامّة ممّا طلعت عليه الشمس، فو الله لقد نزلت هذه الآية (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ) إنّما هي طاعة الإمام وطلب القتال فلمّا كتب عليهم القتال مع الحسين (عليه السلام) (قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ ونَتَّبِعِ الرُّسُلَ)(224) أرادوا تأخير ذلك إلى القائم(225).
الآية الحادية عشرة:
قوله تعالى (وإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ويَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً)(226) عن الباقر (عليه السلام): إنّ عيسى قبل القيامة ينزل إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملّة يهودي ولا غيره إلّا آمن به قبل موته ويصلّي خلف المهدي (عليه السلام)(227).
الآية الثانية عشرة:
قوله تعالى (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ)(228). في البحار: يوم يقوم القائم يئس بنو امية فهم الذين كفروا يئسوا من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)(229).
الآية الثالثة عشرة:
قال الله تعالى (ومِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ)(230) عن أبي عبد الله (عليه السلام): لا تشتروا من السودان أحدا فإن كان ولا بدّ فمن النوبة فإنّهم (مِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) أما إنهم سيذكرون ذلك الحظّ وسيخرج مع القائم منّا عصابة منهم، ولا تنكحوا من الأكراد أحدا فإنّهم جنس من الجنّ كشف عنهم الغطاء(231).
الآية الرابعة عشرة:
قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ - إلى قوله - أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ)(232) عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنّ صاحب هذا الأمر محفوظ له، لو ذهب الناس جميعا أتى الله بأصحابه وهم الذين قال الله (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ)(233) وهم الذين قال الله (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ)(234).
الآية الخامسة عشرة:
قوله تعالى (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شيء حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ)(235) عن أبي جعفر (عليه السلام): أمّا قوله (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) يعني دولتهم في الدنيا وما بسط لهم فيها، وأمّا قوله (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) يعني قيام القائم(236).
الآية السادسة عشرة:
قوله تعالى (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ)(237) عن أبي عبد الله (عليه السلام): أهل هذه الآية هم أهل تلك الآية أي قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ إلى أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ)(238).
الآية السابعة عشرة:
قوله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)(239) عن أبي عبد الله (عليه السلام): الآيات الأئمّة والآية المنتظرة القائم فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بما تقدّم من آبائه(240).
الآية الثامنة عشرة:
قوله تعالى (المص)(241) في البحار والدمعة والمحجّة(242) عن أبي جعفر (عليه السلام) لأبي لبيد: إنّه يملك من ولد العبّاس اثنا عشر يقتل بعد الثامن منهم أربعة فتصيب أحدهم الذبحة فتذبحه فئة قصيرة أعمارهم، قليلة مدّتهم، خبيثة سيرتهم منهم الفويسق الملقّب بالهادي والناطق والغاوي. يا أبا لبيد إنّ في حروف القرآن المقطّعة لعلما جمّا، إنّ الله تعالى أنزل (الم ذلِكَ الْكِتابُ)(243) فقام محمد حتّى ظهر نوره وثبتت كلمته، وولد يوم ولد وقد مضى من الألف السابع مائة سنة وثلاث سنين، ثمّ قال: وتبيانه في كتاب الله في الحروف المقطعة إذا عددتها من غير تكرار، وليس من الحروف المقطعة حرف لا ينقضي الأيّام إلّا وقائم من بني هاشم عند انقضائه، ثمّ الألف واحد (واللام) ثلاثون (والميم) أربعون (والصاد) تسعون، فذلك مائة وإحدى وستّون. ثمّ كان بدء خروج الحسين بن علي الم الله فلمّا بلغت مدّته قام قائم ولد العبّاس من عند المص ويقوم قائمنا عند انقضائها ب المر فافهم ذلك وعه واكتمه(244).
فاكهة قال الشيخ الأوحد الشيخ أحمد الأحسائي في بيان الرمز: كان في زماننا رجل من أهل الخلاف يدّعي معرفة الحقيقة والرمز، فاجتمع ببعض إخواننا المعاصرين لنا وهو شيخنا الشيخ موسى بن محمد الصائغ، فكان بينهما كلام في بعض المسائل فأخبرني بمجلسهما وأنّه كثير الدعوى وهو على مذهب أهل الخلاف في أنّ الصاحب (عليه السلام) في الأصلاب، فأشار إليّ أن أكتب مسألة فيها رمز لا يفهمها حتّى ينكسر، وإن فهمها انكسر؛ لأنّها تلزمه مذهب الحقّ ضرورة وعيانا ومشاهدة وكشفا وإشارة ودلالة وحسّا وجفرا وشرعا وغير ذلك حتّى لا يكون له ولمنكره سبيل في أرض أو سماء إلّا الإقرار أو الانكسار وهي:
بسم الله الرّحمن الرحيم.
أقول:
روي أنّه بعد انقضاء المص ب المر يقوم المهدي والألف قد أتى على آخر الصاد والصاد عندكم أوسع من الفخذين فكيف يكون احداهما. وأيضا الواو ثلاثة أحرف ستّة وألف وستّة وقد مضت ستّة الأيام والألف هو التمام ولا كلام فكيف الستّة والأيّام الأخر وإلّا لما حصل العود لأنّه سر التنكيس لرمز الرئيس، فإن حصل من الغير الإقرار بالستّة الباقية تمّ الأمر بالحجّة وظهر الاسم الأعظم بالألفين القائمين بالحرف الذي هو حرفان من الله؛ إذ هما أحد عشر وبهما ثلاثة عشر فظهروا والذي هو هاء فأين الفصل؟ ولكن الواحد ما بين الستّة والستّة مقدر بانقضاء المص ب المر فظهر الستّة والستين في سدسها الذي هو ربعها وتمام السدس الذي هو الربع بالألف المندمجين فيه وسرّه تنزل الألف من النقطة الواسعة بالستّة والستّة الثاني في الليلة المباركة بالأحد عشر وهي هو الذي هو الستر والاسم المستتر الأوّل الظاهر في سرّ يوم الخميس، فيستتم السرّ يوم الجمعة ويجري الماء المعين يوم تأتي السماء بدخان مبين، هذا والكلّ في الواو المنكوسة من الهاء المهموسة فأين الوصل عند مثبت الفصل؟ ليس في الواحد ولا بينه غير وإلّا لكان غير واحد (وتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ)(245) تمّ كلامه(246).
قال بعض الفضلاء في حلّ هذا الرمز: هذا الحديث من أخبارهم الصعبة المستصعبة، هذا واحتمال البداء في أخبارهم من غير الحتمية جار، وهو يرفع إشكال عدم المطابقة في بعض التواريخ كما عرفت بل يمكن أن يخبروا بخبر في رجل فيقع في ولده أو يخبروا في ولده فيقع في ولد ولده، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ الله أوحى إلى عمران إنّي واهب لك ذكرا سويا مباركا يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل، فحدّث عمران بذلك امرأته حنّة وهي أمّ مريم فلمّا حملت بها كان حملها عند نفسها غلاما فلمّا وضعتها قالت: (إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ولَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى)(247) أي لا تكون البنت رسولا، يقول الله عزّ وجلّ (واللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) فلمّا وهب الله لمريم عيسى كان هو الذي بشّر به عمران ووعده إيّاه، فإذا قلنا في الرجل منّا شيئا فكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك(248).
وفي العوالم عن غيبة الطوسي قال أبو عبد الله: كان هذا الأمر فيّ فأخّره الله ويفعل بعد بذريّتي ما يشاء(249). وقال: قد يقوم الرجل بعدل أو يجور وينسب إليه، ولم يكن قام به فيكون ذلك ابنه أو ابن ابنه من بعده وهو(250)، انتهى. فإذا إذا صدر عنهم توقيت على حسب التقدير ذلك اليوم ولم يقع في الموعد ولعلّه يقع بعد أيام أو شهور أو سنين، ولا حرج إذا أخبروا عن مجرى التقدير ولا كذب. وقد قلنا إنّه لا يقع إذا أخبروا حال التحدّي وإقامة الحجّة فإنّ أغلب توقيتاتهم التي أخبروا عنها وتحيّر العلماء في تطبيقها يحمل على ذلك ولا تحير بعد هذا، ويمكن أن يكون العدد عدد الأيّام أو الأسابيع أو الشهور أو السنين أو القرون، ويمكن أن يكون نفس العدد العدد الكبير أو العدد الوسيط أو العدد الصغير أو العدد المجموعي أو عدد الزبر أو عدد البيّنات أو هما معا أو عدد الحروف أو الأبجد المعروف أو أبجد المغاربة أو غيرهم أو عدد كبير الأبجد أو عدد صغير الأبجد أو غير ذلك. ومن كان من أهل الجفر يقدر على تطبيق الأعداد مع الحوادث الماضية بوجه من الوجوه ولكن الحوادث الآتية فلا يحصل منها العلم، لأنّ الإنسان لا يعلم أن يحاسب بأي تلك الأعداد ولا علم عندي في قول الإنسان يحتمل ويحتمل، ولا فضل فيه. وقال الفاضل المذكور عند شرح قوله: وأيضا الواو ثلاثة أحرف ستّة ألف وستّة إلى الرمز الرئيس.
أقول: قد مضت الإشارة إلى شرح ذلك ونزيد بيانا بالستر الجفري أنّ اسم الواو ويكتب واو وألف وواو كما ترى، فالواو الأوّل ستّة وهو إشارة إلى الستّة الأيّام في القوس النزولية أو الغيب أو الدهر والواو الآخر إشارة إلى الستّة الأيّام في الغيب في القوس الصعودية أو الشهادة والزمان. وقد علم أولو الألباب أنّ الاستدلال على ما هنالك لا يعلم إلّا بما هاهنا، فكما أنّ نزول الأشياء لم يكن إلّا في الحدود الستّة، صعودها أيضا لا يكون إلّا في الحدود الستة، والألف القائم في الواوين هو الولي الواقف على الطتنجين الناظر في المغربين والمشرقين، والواو فخذاه وهو قائم بهما قيام ظهور، وهما حيتان قائمتان به، وقد عرفت أنّ الحدود الستّة لا قوام لها بدون جوهر يكون ركن وجودها وقوام شهودها، فلا قوام للواو الأوّل إلّا بالألف بداهة وهو التمام ولا كلام، فإنّه لا يضرّ بالمخالف فإذا كان العود على جهة البدء كما قال سبحانه (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)(251) فلا بدّ وأن يكون للواو الآخر أيضا ألف، ولما كان الألفان واحدا بين الرئيس في رمزه الحرف بالتنكيس ليعود على الأوّل فتبيّن وظهر لمن نظر وأبصر أنّ الواو الثاني يحتاج إلى الألف كما يحتاج إليه الواو الأوّل، فلأجل ذلك نكس الواو الرئيس (عجّل الله فرجه) في رمزه في الاسم الأعظم وهو هذا* 111 مم 1111 ه، فنكس الواو ليدل على دورانه على الألف الأوّل هكذا وا، فأشار بتنكيس الواو إلى دورانه على الألف الذي هو قطبها وعليه يدور رحاهما، ظاهر بهما وبه قوامهما. إلى هنا مقدار حاجتنا.
الآية التاسعة عشرة:
قوله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ)(252)، عن كتاب التحصين لابن فهد الحلّي صاحب العدّة في صفات العارفين في القطب الثالث منه عن كتاب زهد النبي (صلّى الله عليه وآله) بإسناده عن عميرة بن نفيل قال: سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول: وأقبل على اسامة بن زيد فقال: يا اسامة. وساق الحديث إلى أن قال: ثمّ بكى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتّى علا بكاؤه واشتد نحيبه وزفيره وشهيقه، وهاب القوم أن يكلّموه فظنّوا أنّه لأمر قد حدث من السماء، ثمّ إنّه رفع رأسه فتنفّس الصعداء ثمّ قال: اوه اوه، بؤسا لهذه الامّة، ما ذا يلقى منهم من أطاع الله، ويضربون ويكذبون من أجل أنّهم أطاعوا الله فأذلّوهم بطاعة الله، ألا ولا تقوم الساعة حتّى يبغض الناس من أطاع الله ويحبّون من عصى الله، فقال عمر: يا رسول الله والناس يومئذ على الإسلام؟
قال (صلّى الله عليه وآله): وأين الإسلام يومئذ يا عمر، إنّ المسلم كالغريب الشريد، ذلك زمان يذهب فيه الإسلام، ولا يبقى إلّا اسمه، ويندرس فيه القرآن فلا يبقى إلّا رسمه. قال عمر: يا رسول الله وفيما يكذبون من أطاع الله ويطردونهم ويعذّبونهم؟ فقال: يا عمر ترك القوم الطريق وركنوا إلى الدنيا ورفضوا الآخرة وأكلوا الطيّبات ولبسوا الثياب المزيّنات وخدمتهم أبناء فارس والروم، فهم يغتذون في طيب الطعام ولذيذ الشراب وزكي الذبح ومشيد البنيان ومزخرف البيوت ومنجد المجالس، يتبرّج الرجل منهم كما تتبرّج الزوجة لزوجها وتتبرّج النساء بالحلي والحلل المزيّنة، رأيتهم يومئذ ذي الملوك الجبابرة يتباهون بالجاه واللباس، وأولياء الله عليهم الفناء، شجية ألوانهم من السهر، ومنحنية أصلابهم من القيام، قد لصقت بطونهم بظهورهم من طول الصيام، قد أذهلوا أنفسهم وذبحوها بالعطش طلبا لرضى الله وشوقا إلى جزيل ثوابه وخوفا من أليم عقابه، فإذا تكلّم منهم بحق متكلّم أو تفوّه بصدق قيل له:
اسكت فأنت قرين الشيطان ورأس الضلالة، يتأوّلون كتاب الله على غير تأويله ويقولون (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ - إلى قوله تعالى - هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) عن الصادق (عليه السلام) فهو من الآيات التي تأويلها بعد تنزيلها قال: ذلك بعد قيام القائم، ويقول يوم القيامة (يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ أي تركوه قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) قال: هذا يوم القيامة (أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وضَلَّ عَنْهُمْ - أي بطل - ما كانُوا يَفْتَرُونَ)(253).(254)
الآية العشرون:
قوله تعالى (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ واصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ للهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ والْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(255). في الدمعة عن الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) عن كتاب علي: أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض ونحن المتقون والأرض كلها لنا فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها، وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل حتّى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف فيحويها ويمنعها منهم ويخرجهم كما حواها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومنعها إلّا ما كان في أيدي شيعتنا، يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم(256).
الآية الحادية والعشرون:
قوله تعالى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والْإِنْجِيلِ - إلى قوله - الْمُفْلِحُونَ)(257) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والْإِنْجِيلِ يعني النبي والوصي والقائم (عليه السلام)، يأمرهم بالمعروف إذا قام وينهاهم عن المنكر، والمنكر من أنكر فضل الإمام وجحده (ويُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) أخذ العلم من أهله (ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) قول من خالف (ويَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) وهي الذنوب التي كانوا فيها قبل معرفتهم فضل الإمام والأغلال التي كانت عليهم (والْأَغْلالَ) ما كانوا يقولون ممّا لم يكونوا أمروا به من ترك فضل الإمام (فلمّا عرفوا) فضل الإمام (ويَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) والإصر الذنوب ثمّ نسبهم فقال (فَالَّذِينَ آمَنُوا) يعني بالإمام (وعَزَّرُوهُ ونَصَرُوهُ واتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) يعني الذين اجتنبوا الجبت والطاغوت أن يعبدوها، والجبت والطاغوت فلان وفلان وفلان، والعبادة طاعة الناس لهم، ثمّ قال (وأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ)(258) ثمّ جزاهم فقال (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وفِي الْآخِرَةِ)(259) والإمام يبشّرهم بقيام القائم وبظهوره وبقتل أعدائهم وبالنجاة في الآخرة والورود على محمّد - (صلّى الله عليه وآله) الصادقين - على الحوض(260).
الآية الثانية والعشرون:
قوله تعالى (ومِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وبِهِ يَعْدِلُونَ)(261) عن المفضل بن عمر، قال أبو عبد الله (عليه السلام)، إذا ظهر القائم من ظهر هذا البيت(262) بعث الله معه سبعة وعشرين رجلا، منهم أربعة عشر رجلا من قوم موسى وهم الذين قال الله (ومِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وبِهِ يَعْدِلُونَ)، وأصحاب الكهف سبعة والمقداد وجابر الأنصاري ومؤمن آل فرعون ويوشع بن نون وصيّ موسى(263).
الآية الثالثة والعشرون:
قوله تعالى (وقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ)(264) عن أبي جعفر (عليه السلام): لم يجئ تأويل هذه الآية، ولو قام قائمنا بعد سيرى من يدرك ما يكون من تأويل هذه الآية ليبلغن دين محمّد (صلّى الله عليه وآله) ما بلغ الليل حتّى لا يكون شرك على ظهر الأرض(265).
الآية الرابعة والعشرون:
قوله تعالى (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(266).
في البحار: يعني تكذيبه بقائم آل محمد؛ إذ يقول له: لسنا نعرفك ولست من ولد فاطمة كما قال المشركون لمحمّد (صلّى الله عليه وآله)(267).
الآية الخامسة والعشرون:
قوله تعالى (وأَذانٌ مِنَ اللهِ ورَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)(268) في البحار، قال: خروج القائم وأذان دعوته إلى نفسه(269).
الآية السادسة والعشرون:
قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(270) عن أبي عبد الله (عليه السلام): والله ما انزل تأويلها حتّى يخرج القائم، فإذا خرج القائم لم يبق كافر بالله ولا مشرك بالإمام إلّا كره خروجه، حتّى لو كان كافر في بطن صخرة قالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله(271).
الآية السابعة والعشرون:
قوله تعالى (والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والْفِضَّةَ ولا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(272).
في البحار والمحجّة والدمعة عن أبي عبد الله (عليه السلام): موسع على شعيتنا أن ينفقوا ممّا في أيديهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا حرم على كلّ ذي كنز كنزه حتّى يأتيه فيستعين به على عدوّه، وهو قول الله عزّ وجلّ في كتابه (والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والْفِضَّةَ ولا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(273).
الآية الثامنة والعشرون:
قوله تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)(274) عن جابر الجعفي: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن تأويل قول الله عزّ وجلّ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) قال: فنفّس سيدي الصعداء ثمّ قال (عليه السلام): يا جابر أمّا السنة فهي جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وشهورها اثنا عشر شهرا فهو أمير المؤمنين (عليه السلام) وإلى الحسن وإلى الحسين وإلى أبي علي زين العابدين وإليّ وإلى ابني جعفر وابنه موسى وابنه علي وابنه محمد وابنه علي وإلى ابنه الحسن وإلى ابنه محمد الهادي المهدي اثنا عشر إماما، حجج الله على خلقه وأمناؤه على وحيه وعلمه، والأربعة الحرم الذين هم الدين القيم أربعة منهم يخرجون باسم واحد علي أمير المؤمنين وأبي علي بن الحسين وعلي بن موسى وعلي بن محمد، فالإقرار بهؤلاء هو الدين القيم (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)، أي قولوا بهم جميعا تهتدوا(275).
الآية التاسعة والعشرون:
قوله تعالى (وقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً)(276) عن أبي جعفر (عليه السلام): قاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة حتّى لا يكون شرك ويكون الدين كلّه لله. فقال: ولم يجئ تأويل هذه الآية، ولو قد قام قائمنا بعد سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية، وليبلغن دين محمّد ما بلغ الليل حتّى لا يكون شرك على ظهر الأرض كما قال الله تعالى(277).
الآية الثلاثون:
قوله تعالى (ويَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(278) عن الصادق (عليه السلام): المتّقون شيعة علي، والغيب الحجّة القائم(279).
الآية الحادية والثلاثون:
قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ)(280) في الدمعة عن أبي جعفر (عليه السلام): فهو عذاب ينزل في آخر الزمان على فسقة أهل القبلة وهم يجحدون نزول العذاب عليهم(281).
الآية الثانية والثلاثون:
قوله تعالى (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وازَّيَّنَتْ وظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً)(282) عن الصادق (عليه السلام) قال: نزلت في بني فلان ثلاث آيات: قوله عزّ وجلّ (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ إلى أَوْ نَهاراً) يعني القائم بالسيف (فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) وقوله عزّ وجلّ ولو فتحنا عليهم بركات (كُلِّ شيء حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا والْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(283) قال أبو عبد الله (عليه السلام): بالسيف، وقوله عزّ وجلّ (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ) يعني القائم يسأل بني فلان عن كنوز بني امية(284).
الآية الثالثة والثلاثون:
قوله تعالى (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(285) عن عبد الرّحمن بن مسلمة الجريري قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يوبخوننا ويكذّبوننا أنّا نقول: صيحتان يكونان، يقولون: من أين يعرف المحقّة من المبطلة إذا كانتا؟
قال: فما تردّون عليهم؟ قلت: ما نردّ عليهم شيئا. قال: قولوا يصدق بها إذا كان من يؤمن بها من قبل إنّ الله عزّ وجلّ يقول (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(286).
الآية الرابعة والثلاثون:
قوله تعالى في سورة هود (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى والْأَصَمِّ والْبَصِيرِ والسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ)(287) في مجمع النورين وملتقى البحرين للشيخ أبي الحسن المرندي عن عبد الله البشار الأخ الرضاعي للحسين بن علي (عليهما السلام) في حديث طويل له عن الحسين (عليه السلام) قال: اختلاف الصنفين من العجم في لفظ كلمة عدل [إلى أن يقول:] ويسفك فيهم دماء كثيرة ويقتل منهم ألوف ألوف ألوف وخروج الشروس من بلاد الأرومية إلى أذربايجان يسمّى بالتبريز، يريد وراء الري الجبل الأحمر بالجبل الأسود لزيق جبال طالقان - فتكون بين الشروس(288) والمروزي وقعة صيلمانية يشيب منه الصغير ويهرم منه الكبير، الله الله فتوقّعوا خروجه إلى الزوراء وهي بغداد وهي أرض مشئومة، هي أرض ملعونة، ويبعث جيشه إلى الزوراء مائة وثلاثون ألف ويقتل على جسرها إلى مدّة ثلاثة أيّام سبعون ألف نفس ويفتض اثنا عشر ألف بكر، وترى ماء الدجلة محمرا من الدم ومن نتن الأجساد(289).
من سورة الشعراء ومن سورة هود قوله تعالى (ولَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)(290) عن أبي عبد الله (عليه السلام): العذاب خروج القائم والامّة المعدودة أهل بدر وأصحابه(291).
الآية الخامسة والثلاثون:
قوله تعالى (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ)(292) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قوّة القائم والركن الشديد الثلاثمائة والثلاثة عشر أصحابه، وقال (عليه السلام): ما كان قول لوط (عليه السلام) لقومه (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) إلّا تمنيا لقوّة القائم، ولا الركن إلّا شدّة أصحابه فإنّ الرجل منهم يعطى قوّة أربعين رجلا وإنّ قلبه أشدّ من زبر الحديد، لو مروا بالجبال الحديد لتدكدكت، لا يكفون سيوفهم حتّى يرضى الله عزّ وجلّ(293).
الآية السادسة والثلاثون:
قوله تعالى (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا)(294) عن أبي عبد الله (عليه السلام): جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فشكا إليه طول دولة الجور فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): والله لا يكون ما تأملون حتّى يهلك المبطلون ويضمحل الجاهلون ويأمن المتّقون، وقليل ما يكون حتّى لا يكون لأحدكم موضع قدمه، وحتّى تكونوا على الناس أهون من الميتة عند صاحبها، فبينا أنتم كذلك إذا جاء نصر الله والفتح وهو قول ربّي عزّ وجلّ في كتابه (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا)(295).
الآية السابعة والثلاثون:
قوله تعالى (وذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ)(296) عن أبي جعفر (عليه السلام) يقول: أيّام الله ثلاثة؛ يوم القائم ويوم الكرّة ويوم القيامة(297).
الآية الثامنة والثلاثون:
قوله تعالى (قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ)(298) (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ ونَتَّبِعِ الرُّسُلَ)(299) عن أبي جعفر (عليه السلام): أرادوا تأخير ذلك إلى القائم(300).
الآية التاسعة والثلاثون:
قوله تعالى (وسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ)(301) عن غير واحد ممّن حضر عند أبي عبد الله (عليه السلام) رجل يقول: قد بنيت دار صالح ودار عيسى بن علي وذكر دور العباسية، فقال رجل: أرانا الله خرابها أو خرّبها بأيدينا، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام):
لا تقل هكذا، بل يكون مساكن القائم وأصحابه، أما سمعت الله يقول (وسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ)(302).
الآية الأربعون:
قوله تعالى (وإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ)(303)، عن أبي عبد الله (عليه السلام):
إنّ مكر بني العبّاس بالقائم لتزول منه قلوب الرجال(304).
الآية الحادية والأربعون:
قوله تعالى (شَدِيدُ الْمِحالِ)(305)، في غيبة النعماني عن علي (عليه السلام): إن بين يدي القائم سنين خداعة، يكذّب فيها الصادق ويصدّق فيها الكاذب، ويقرّب فيها الماحل وينطق فيها الرويبضة. فقلت: وما الرويبضة؟ وما الماحل؟ قال (عليه السلام): أو ما تقرءون القرآن قوله وهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ قال: يريد المكر، فقلت: وما الماحل؟ قال: يريد المكّار(306).
الآية قوله تعالى (أَولَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها واللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ)(307). عن الطبرسي في المجمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نقصانها ذهاب عالمها(308). وعن القمي قال: موت علمائها(309). وعن الكافي عن الصادق (عليه السلام) نَنْقُصُها يعني بالموت من العلماء، قال: نقصانها ذهاب عالمها(310).
وعن الجوامع: يريد أرض الكفر ننقصها من أطرافها بما يفتح على المسلمين من بلادهم فننقص بلاد الحرب ونزيد في بلاد الإسلام(311).
الآية الثانية والأربعون:
قوله تعالى (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)(312) عن الصادق (عليه السلام): أي وقت قيام قائمنا فيأخذ بناصيته ويضرب عنقه، فذلك إلى يوم الوقت المعلوم(313).
الآية الثالثة والأربعون:
قوله تعالى (ولَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي والْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)(314) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن ظاهرها الحمد وباطنها ولد الولد والسابع منها القائم (عليه السلام)(315).
الآية الرابعة والأربعون
من سورة النحل: قوله تعالى (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(316) عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنّ أوّل من يبايع القائم (عليه السلام) جبرئيل، ينزل بصورة طير أبيض فيبايعه، ثمّ يضع رجلا على بيت الله الحرام ورجلا على بيت المقدس، ثمّ ينادي بصوت ذلق فيسمع الخلائق (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ)(317).(318)
وفي غيبة النعماني عن الصادق (عليه السلام) قال: هو أمرنا أمر الله عزّ وجلّ فلا تستعجل به، يؤيّده بثلاثة أجناد: بالملائكة وبالمؤمنين وبالرعب، وخروجه كخروج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وذلك قوله عزّ وجلّ (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ)(319).(320)
الآية الخامسة والأربعون:
قوله تعالى (وأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(321) عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) الخ الآية. فقال لي: يا أبا بصير ما تقول في هذه الآية؟ قلت: إنّ المشركين يزعمون ويحلفون لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن الله لا يبعث الموتى. قال: فقال: تبّا لمن قال هذا، هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللّات والعزّى؟ قال: قلت: جعلت فداك فأوجدنيه. قال:
فقال: يا أبا بصير لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوما من شيعتنا قباع سيوفهم على عواتقهم فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا فيقولون: بعث فلان وفلان وفلان من قبورهم وهم مع القائم (عليه السلام) فبلغ ذلك من عدوّنا فيقولون: يا معشر الشيعة ما أكذبكم، هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب، لا والله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون إلى يوم القيامة. قال: فحكى الله قولهم (وأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ)(322).
الآية السادسة والأربعون:
قوله تعالى (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ)(323) سئل أبو عبد الله عن قول الله في هذه الآية، قال: هم أعداء الله وهم يمسخون(324) ويقذفون ويسيحون في الأرض(325).
الآية السابعة والأربعون:
قوله تعالى (وقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ولَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ - إلى قوله تعالى - وجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)(326) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في هذه الآية (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) قال: قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) وطعن الحسن بن علي (ولَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) قال: قتل الحسين، والكرّة الرجعة(327).
وفي الصافي في ذيل (لكم الكرة) أن في الحديث: هي خروج الحسين في سبعين من أصحابه، عليهم البيض المذهبة لكل بيضة وجهان، يؤدّون إلى الناس أنّ هذا الحسين قد خرج حتّى لا يشكّ المؤمنون فيه، وأنّه ليس بدجّال ولا شيطان، والحجّة القائم بين أظهرهم، فإذا استقرّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنّه الحسين جاء الحجّة الموت فيكون هو الذي يغسّله ويكفّنه ويحنّطه ويلحده في حفرته، ولا يلي الوصي إلّا الوصي (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) قال: إذا جاء نصر الحسين (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) قوم يبعثهم الله قبل قيام القائم (عليه السلام) ثمّ لا يدعون لآل محمّد وترا إلّا أخذوه (وكانَ وَعْداً مَفْعُولًا)(328).
وقد ذكرنا هذه الآية في الثمرة الثالثة من الغصن التاسع في ذكر الآيات المشعرة بالرجعة عموما مفصّلا ذكرناها هنا طردا للباب.
الآية الثامنة والأربعون:
قوله تعالى (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا)(329) عن الصادق (عليه السلام) (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) أن ينصركم على عدوّكم ثمّ خاطب بني امية فقال:
(وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) يعني عدتم بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) (وجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً)(330).
الآية التاسعة والأربعون:
قوله تعالى (ومَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً)(331) سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى (ومَنْ قُتِلَ إلى إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) قال (عليه السلام): ذلك قائم آل محمّد (صلوات الله عليه) يخرج فيقتل بدم الحسين، فلو قتل أهل الأرض لم يكن مسرفا وقوله فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ أي لم يكن ليضيع شيئا فيكون مسرفا، ثمّ قال أبو عبد الله (عليه السلام): يقتل والله ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائهم.
وعنه (عليه السلام): إذا قام القائم (عليه السلام) قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها. فقال: هو كذلك.
قلت: فقول الله عزّ وجلّ (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)(332) ما معناه؟ فقال: صدق الله في جميع أقواله، لكن ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) يرضون أفعال آبائهم ويفتخرون بها، ومن رضي شيئا كمن أتاه، ولو أنّ رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله عزّ وجلّ شريك القاتل، وإنّما يقتلهم بالقائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم. قال: فقلت له:
بأي شيء يبدأ القائم فيكم؟ قال: يبدأ ببني شيبة ويقطع أيديهم لأنّهم سرّاق بيت الله عزّ وجلّ(333).
الآية الخمسون:
سورة بني إسرائيل قوله تعالى (وقُلْ جاءَ الْحَقُّ وزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(334) عن أبي جعفر (عليه السلام): إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل(335).
قوله تعالى (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(336) عن جابر الجعفي عن الصادق (عليه السلام) يقول: الزم الأرض ولا تحرّك يدك ولا رجلك أبدا حتّى ترى علامات أذكرها لك في سنة وتر، وترى مناديا ينادي بدمشق وخسف بقرية من قراها وتسقط طائفة من مسجدها، فإذا رأيت الترك جاوزوها فأقبلت الترك حتّى نزلت الجزيرة وأقبلت الروم حتّى نزلت الرملة، وسنة اختلاف في كلّ أرض من أرض العرب، وأنّ أهل الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات الأصهب والأبقع والسفياني مع بني ذنب الحمار مضر، ومع السفياني أخواله كلب، يظهر السفياني ومن معه على بني ذنب الحمار حتّى يقتلوا قتلا لم يقتله شيئا قط، ويحضر رجل بدمشق فيقتل هو ومن معه قتلا وهو من بني ذنب الحمار وهي الآية التي يقول الله تعالى (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ إلى يَوْمٍ عَظِيمٍ)(337) والحديث طويل فاطلبه في محلّه(338).
الآية الحادية والخمسون:
قوله تعالى (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وأَضْعَفُ جُنْداً)(339) عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ (وإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وأَحْسَنُ نَدِيًّا)(340) قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دعا قريشا إلى ولايتنا فنفروا وأنكروا، فقال الذين كفروا من قريش للذين آمنوا؛ الذين أقرّوا لأمير المؤمنين ولنا أهل البيت: أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديّا تعييرا منهم فقال الله ردّا عليهم: (وكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) من الامم السالفة (هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً ورِءْياً) قلت: قوله (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا)(341) قال: كلّهم كانوا في الضلالة لا يؤمنون بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا بولايتنا فكانوا ضالّين مضلّين، فيمدّ لهم في ضلالتهم وطغيانهم حتّى يموتوا فيصيّرهم الله شرّ مكانا وأَضْعَفُ جُنْداً.
قلت: قوله (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وأَضْعَفُ جُنْداً) قال: أمّا قوله (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) فهو خروج القائم وهو الساعة، فسيعلمون ذلك اليوم وما نزل بهم من الله على يدي وليّه فذلك قوله (مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً) نعني عند القائم (وأَضْعَفُ جُنْداً) قلت: قوله (ويَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً)(342) قال: يزيدهم ذلك اليوم هدى على هدى باتّباعهم القائم حيث لا يجحدونه ولا ينكرونه قلت: قوله (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً)(343) قال: إلّا من دان الله بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمّة من بعده فهو العهد عند الله.
قلت: قوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا)(344) قال: ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الودّ الذي قال الله.
قلت: قوله (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا)(345) قال: إنّما يسّرناه على لسانه حين قام أمير المؤمنين (عليه السلام) علما فبشّر به المؤمنين وأنذر به الكافرين وهم الذين ذكرهم الله في كتابه لُدًّا أي كفّارا(346).
الآية الثانية والخمسون:
قوله تعالى (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ ولا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(347) عن الصادق (عليه السلام) قال: ما بين أيديهم ما مضى من أخبار الأنبياء، وما خلفهم من أخبار القائم(348).
الآية الثالثة والخمسون:
قوله تعالى (ولَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(349) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أخذ الله الميثاق على النبيين وقال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) وأن هذا محمّدا رسولي، وأن عليا أمير المؤمنين والأوصياء من بعده ولاة أمري وخزّان علمي، وأنّ المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي فأنتقم به من أعدائي وأعبد به طوعا وكرها (قالوا أقررنا ربنا وشهدنا) ولم يجحد آدم ولم يقرّ فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم عزيمة على الإقرار وهو قول الله تعالى (ولَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(350).
الآية الرابعة والخمسون:
قوله تعالى (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ ومَنِ اهْتَدى)(351) عن موسى بن جعفر (عليه السلام): سألت أبي عن هذه الآية قال: الصراط هو القائم، والمهدي ومن اهتدى إلى طاعته(352). ومثلها في كتاب الله (وإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى)(353) قال: إلى ولايتنا. وفي كثير من الروايات أنّها في الأئمّة وولايتهم(354).
الآية الخامسة والخمسون:
قوله تعالى (وكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ إلى قوله لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ إلى قوله تعالى خامِدِينَ)(355) عن أبي جعفر (عليه السلام) يقول في قول الله عزّ وجلّ (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ)(356) قال: إذا قام القائم وبعث إلى بني امية بالشام هربوا إلى الروم فيقول لهم الروم: لا ندخلنّكم حتّى تتنصروا فيعلّقون في أعناقهم الصلبان فيدخلونهم، فإذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الأمان والصلح، فيقول أصحاب القائم (عليه السلام): لا نفعل حتّى تدفعوا إلينا من قبلكم. قال: فيدفعونهم إليهم فذلك قوله (ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ) قال: يسألهم عن الكنوز وهو أعلم بها. قال فيقولون: (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ)(357) بالسيف، وهو سعيد بن عبد الملك الأموي صاحب سعيد بالرحبة(358).
الآية السادسة والخمسون:
قوله تعالى (ولَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(359) عن الصادق (عليه السلام): الكتب كلّها ذكر الله (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) قال: القائم (عليه السلام) وأصحابه(360). وعن أبي جعفر (عليه السلام) (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) هم أصحاب المهدي في آخر الزمان(361).
الآية السابعة والخمسون:
قوله تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)(362) عن أبي جعفر (عليه السلام): في القائم (عليه السلام) وأصحابه(363). وعن الصادق (عليه السلام): العامّة يقولون نزلت في رسول الله لما أخرجته قريش من مكة، وإنّما هو القائم (عليه السلام) إذا خرج يطلب بدم الحسين (عليه السلام)، وهو قوله: نحن أولياؤكم في الدم وطلب الدية(364).
الآية الثامنة والخمسون:
قوله تعالى (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ وأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ)(365) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: هذه لآل محمّد (صلّى الله عليه وآله)، المهدي وأصحابه يملّكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ويظهر الدين ويميت الله عزّ وجلّ به وأصحابه البدع والباطل كما أمات السفهة الحقّ حتّى لا يرى أثر من الظلم، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولله عاقبة الامور(366).
الآية التاسعة والخمسون:
قوله تعالى (ويَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ ولَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وإِنَ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(367).
في البحار في باب النصوص من الله ومن آبائهم (عليهم السلام) عن كعب الأحبار قال في الخلفاء:
هم اثنا عشر فإذا كان عند انقضائهم وأتى طبقة صالحة مدّ الله لهم في العمر، كذلك وعد الله هذه الامّة ثمّ قرأ (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)(368) قال: وكذلك فعل الله عزّ وجلّ ببني إسرائيل، وليس بعزيز أن يجمع هذه الامّة يوما أو نصف يوم (وإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(369).
الآية الستّون:
قوله تعالى (ذلِكَ ومَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)(370) في تفسير علي بن إبراهيم هو رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لمّا أخرجته قريش من مكّة وهرب منهم إلى الغار وطلبوه ليقتلوه فعاقبهم الله يوم بدر، فقتل عتبة وشيبة والوليد وأبا جهل وحنظلة بن أبي سفيان وغيرهم فلمّا قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وطلب بدمائهم فقتل الحسين (عليه السلام) وآل محمّد (صلّى الله عليه وآله) بغيا وعدوانا وهو قول يزيد حين تمثّل بهذا الشعر:
ليت أشياخي ببدر شهدوا * * * وقعة(371) الخزرج من وقع الأسل
لأهلّوا واستهلّوا فرحا * * * ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل
لست من خندف إن لم أنتقم * * * من بني أحمد ما كان فعل
قد قتلنا القرم من ساداتهم * * * وعدلناه ببدر فاعتدل
وقال أيضا:
يا ليت أشياخنا الماضين بالحضر * * * حتّى يقيسوا قياسا لا يقاس به
أيّام بدر فكان الوزن بالقدر
فقال الله تعالى (ومَنْ عاقَبَ) يعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) حين أرادوا أن يقتلوه (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) يعني بالقائم (عليه السلام) من ولده(372).
الآية الحادية والستّون:
قوله تعالى (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ولا يَتَساءَلُونَ)(373) عن أبي الحسن موسى (عليه السلام): إنّ الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ثمّ خلق الأبدان بعد ذلك، فما تعارف منها في السماء تعارف في الأرض وما تناكر منها في السماء تناكر في الأرض، فإذا قام القائم ورث الأخ في الدين ولم يورث الأخ في الولادة، وذلك قول الله عزّ وجلّ في كتابه (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ولا يَتَساءَلُونَ)(374).(375)
الآية الثانية والستّون:
قوله تعالى (اللهُ نُورُ السَّماواتِ والْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ إلى قوله تعالى يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ)(376) الآية. عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت إلى مسجد الكوفة وأمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) يكتب بإصبعه وتبسّم، فقلت له: يا أمير المؤمنين ما الذي يضحكك؟ فقال (عليه السلام): عجبت لمن يقرأ هذه الآية ولم يعرفها حقّ معرفتها! فقلت له: أي آية يا أمير المؤمنين؟ فقال (عليه السلام): قوله تعالى (اللهُ نُورُ السَّماواتِ والْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) المشكاة محمّد (صلّى الله عليه وآله) فِيها مِصْباحٌ أنا المصباح فِي زُجاجَةٍ الزجاجة الحسن والحسين (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) هو علي بن الحسين (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) محمّد بن علي (زَيْتُونَةٍ) جعفر بن محمد (لا شَرْقِيَّةٍ) موسى بن جعفر (ولا غَرْبِيَّةٍ) علي بن موسى الرضا (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) محمد بن علي (ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) علي بن محمّد (نُورٌ عَلى نُورٍ) الحسن بن علي (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) القائم المهدي (عليه السلام) (ويَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ واللهُ بِكُلِّ شيء عَلِيمٌ)(377) والروايات في أنّ الآية نزلت في أهل البيت كثيرة(378).
الآية الثالثة والستّون:
قوله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)(379) عن أبي عبد الله (عليه السلام): نزلت في علي ابن أبي طالب (عليه السلام) والأئمّة من ولده (ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) قال: عنى به ظهور القائم(380).
في كنز الواعظين للفاضل المحدّث البرغاني عن غيبة النعماني عن الصادق (عليه السلام): إذا كان ليلة الجمعة أهبط الربّ تعالى ملائكة إلى سماء الدنيا، فإذا طلع الفجر نصب لمحمد وعلي والحسن والحسين منابر من نور عند البيت المعمور فيصعدون عليها ويجمع لهم الملائكة والنبيّين والمؤمنين وتفتح أبواب السماء، فإذا زالت الشمس قال رسول الله: يا ربّ، ميعادك الذي وعدت في كتابك وهو هذه الآية (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الخ. ويقول الملائكة والنبيّون مثل ذلك، ثمّ يخرّ محمّد وعلي والحسن والحسين سجّدا ثمّ يقولون: يا ربّ اغضب فإنّه قد هتك حريمك وقتل أوصياؤك واذلّ عبادك الصالحون، فيفعل الله ما يشاء وذلك وقت معلوم(381).
الآية الرابعة والستّون:
قوله تعالى: (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً)(382) عن مفضّل قلت لأبي عبد الله: ما قول الله في هذه الآية؟ قال: الليل اثنتا عشرة ساعة والشهور اثنا عشر شهرا والأئمّة اثنا عشر إماما والنقباء اثنا عشر نقيبا، وإنّ عليا ساعة من اثنتي عشرة ساعة وهو قول الله عزّ وجلّ (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً).
وعنه (عليه السلام): إنّ الليل والنهار اثنتا عشرة ساعة وإنّ علي بن أبي طالب أشرف ساعة من اثنتي عشرة ساعة وهو قوله تعالى (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً)(383).
الآية الخامسة والستّون:
قوله تعالى (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً)(384) عن محمّد بن الحسن عن علي بن أسباط قال: روى أصحابنا في قول الله (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ) الخ. قال: الملك للرحمن اليوم وقبل اليوم وبعد اليوم، ولكن إذا قام القائم (عليه السلام) لم يعبد إلّا الله عزّ وجلّ(385).
الآية السادسة والستّون:
قوله تعالى (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)(386) عن عبد الله بن سنان قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسمعت رجلا من همدان يقول: إنّ هؤلاء العامّة يغيّرون ويقولون: إنّكم تزعمون أن مناديا ينادي باسم صاحب هذا الأمر، وكان متّكئا فغضب وجلس، ثمّ قال: لا ترووه عنّي وارووه عن أبي، ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أنّي سمعت أبي يقول: والله إنّ ذلك في كتاب الله عزّ وجلّ لبيّن حيث يقول (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) فلا يبقي في الأرض يومئذ أحد إلّا خضع وذلّت رقبته لها، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء، ألا إنّ الحقّ في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وشيعته.
قال: فإذا كان من الغد صعد إبليس في الهواء حتّى يتوارى عن أهل الأرض ثمّ ينادي ألا إنّ الحقّ في عثمان بن عفّان فإنّه قتل مظلوما فاطلبوا بدمه. قال: (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) على الحقّ وهو النداء الأوّل، ويرتاب يومئذ الذين في قلوبهم مرض، والمرض والله عداوتنا، فعند ذلك يتبرّءون منّا ويتناولوننا ويقولون: إنّ المنادي الأوّل سحر من سحر أهل هذا البيت، ثمّ تلا أبو عبد الله (عليه السلام) (وإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ويَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)(387).(388)
الآية السابعة والستّون:
قوله تعالى (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ)(389) الآية عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: في هذه الامّة خروج القائم (عليه السلام) (ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ)(390) قال: هم بنو امية الذين متّعوا بدنياهم(391).
الآية الثامنة والستّون:
قوله تعالى (وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(392) عن النبي (صلّى الله عليه وآله): من أحبّ أن يتمسّك بديني ويركب سفينة النجاة بعدي فليقتد بعلي بن أبي طالب وليعاد عدوّه وليوال وليّه، فإنّه خليفتي ووصيّي على أمّتي في حياتي وبعد وفاتي، وهو أمير كلّ مسلم وأمير كلّ مؤمن بعدي، قوله قولي وأمره أمري ونهيه نهيي وتابعه تابعي وناصره ناصري وخاذله خاذلي، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): من فارق عليا بعدي لم يرني ولم أره يوم القيامة، ومن خالف عليا حرّم الله عليه الجنّة وجعل مأواه النار، ومن خذل عليّا خذله الله يوم يعرض عليه، ومن نصر عليا نصره الله يوم يلقاه ولقّاه حجّة عند المنازلة، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله):
الحسن والحسين إماما أمّتي بعد أبيهما وسيّدا شباب أهل الجنّة، وأمّهما سيّدة نساء العالمين، وأبوهما سيّد الوصيّين، وولد الحسين (عليه السلام) تسعة أئمّة، تاسعهم القائم (عليه السلام) من ولدي، طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي، إلى الله أشكو المنكرين لفضلهم والمضيّعين لحقّهم بعدي وكفى بالله وليّا وكفى بالله نصيرا لعترتي وأئمّة أمّتي ومنتقما من الجاحدين لحقّهم (وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(393).
الآية التاسعة والستّون:
قوله تعالى (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ)(394) أوّل المضطرّ بالمهدي: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ القائم (عليه السلام) إذا خرج دخل المسجد الحرام فيستقبل القبلة ويجعل ظهره إلى المقام، ثمّ يصلّي ركعتين، ثمّ يقوم فيقول: يا أيّها الناس أنا أولى الناس بآدم، يا أيّها الناس أنا أولى الناس بإبراهيم، يا أيّها الناس أنا أولى الناس بإسماعيل، يا أيّها الناس أنا أولى الناس بمحمّد (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ يرفع يديه إلى السماء ويدعو ويتضرّع حتّى يقع على وجهه وهو قول الله عزّ وجلّ (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ)(395).
الآية السبعون:
قوله تعالى: (ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)(396) عن الباقر والصادق (عليهما السلام): إنّ فرعون وهامان هاهنا، هما شخصان من جبابرة قريش يحييهما الله تعالى عند قيام القائم (عليه السلام) من آل محمّد في آخر الزمان فينتقم منهما بما أسلفا(397).
والروايات في أنّ هذه الآية نزلت في الأئمّة من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) كثيرة، ذكر جلّها السيّد الأجلّ المحدّث البحراني في تفسير البرهان وغيره.
الآية الحادية والسبعون:
قوله تعالى (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ)(398) روى المفيد في الإرشاد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: لا يكون ما تمدّون إليه أعناقكم حتّى تميّزوا وتمحّصوا، فلا يبقى منكم إلّا ندر ثمّ قرأ قوله (الم أَحَسِبَ النَّاسُ) الآية(399).
الآية الثانية والسبعون: قوله تعالى (ولَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ)(400) يعني القائم (عليه السلام) (لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَولَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ)(401).
الآية الثالثة والسبعون: قوله تعالى (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) إلى قوله تعالى (ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ)(402) عن أبي عبد الله (عليه السلام) حين سئل عن تفسير (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) قال (عليه السلام): هم بنو امية وإنّما أنزلها الله عزّ وجلّ: (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) بنو امية (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) عند قيام القائم (عليه السلام). وعن علي (عليه السلام): قوله تعالى:
(الم غُلِبَتِ الرُّومُ) فينا وفي بني امية(403).
الآية الرابعة والسبعون: قوله تعالى (ولَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ)(404) الآية، عن أبي عبد الله (عليه السلام): الأدنى عذاب السقر والأكبر المهدي (عليه السلام) بالسيف في آخر الزمان(405).
الآية الخامسة والسبعون: قوله تعالى (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ ولا هُمْ يُنْظَرُونَ)(406) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يوم الفتح يوم تفتح الدنيا على القائم (عليه السلام)، لا ينفع أحدا تقرّب بالإيمان ما لم يكن قبل ذلك مؤمنا وبعد هذا الفتح موقنا، فذلك الذي ينفعه إيمانه، ويعظم الله عنده قدره وشأنه، ويزخرف له يوم القيامة والبعث جنانه، وتحجب عنه نيرانه، وهذا أجر الموالين لأمير المؤمنين (عليه السلام) ولذرّيته الطيبين(407).
الآية السادسة والسبعون:
في سورة لقمان (وأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وباطِنَةً)(408) في الدمعة عن الكفاية عن محمد بن زياد الأزدي قال: سألت سيّدي موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن هذه الآية قال (عليه السلام): النعمة الظاهرة الإمام الظاهر والباطنة الإمام الغائب. قال: فقلت له: فيكون في الأئمّة من يغيب؟ قال: نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منّا، يسهّل الله تعالى له كلّ عسير، ويذلّل كلّ صعب، ويظهر له كنوز الأرض، ويقرّب عليه كلّ بعيد(409).
الآية السابعة والسبعون:
قوله تعالى (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وقُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا)(410).
في كنز البرغاني عن ابن أبي الحديد في شرح خطبة نهج البلاغة المشتملة على ذكر بني امية ثمّ قال: ومنها: فانظروا أهل بيت نبيّكم، فإن لبدوا فلبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم، ليفرجنّ الله برجل منّا أهل البيت، بأبي ابن خيرة الإماء لا يعطيهم إلّا السيف هرجا هرجا موضوعا على عاتقه ثمانية حتّى تقول قريش لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا، يغريه الله ببني اميّة حتّى يجعلهم حطاما ورفاتا (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وقُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا). ثمّ قال ابن أبي الحديد: فإن قيل: من هذا الرجل الموعود؟ قيل: أمّا الإمامية فيزعمون أنّه إمامهم الثاني عشر وأنه ابن أمة اسمها نرجس. وأمّا أصحابنا فيزعمون أنّه فاطمي يولد في مستقبل الزمان لام ولد وليس موجودا الآن. فإن قيل: فمن يكون من بني امية في ذلك الوقت موجودا حتّى يقول (عليه السلام) في أمرهم ما قال من انتقام هذا الرجل منهم؟ قال: أمّا الإمامية فيقولون بالرجعة ويزعمون أنّه سيعاد قوم بأعيانهم من بني امية وغيرهم إذا ظهر إمامهم المنتظر وأنه يقطع أيدي أقوام وأرجلهم ويسمل عيون بعضهم ويصلب قوما آخرين وينتقم من أعداء آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) المتقدّمين والمتأخّرين إلى آخر كلامه(411).
الآية قوله تعالى (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً)(412) في تفسير مفتاح الجنان عن البحار عن المفضّل عن الصادق (عليه السلام) هل للمأمول المنتظر المهدي من وقت موقت يعلمه الناس؟ فقال: حاش لله أن يوقّت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا. قلت: يا سيدي لم ذلك؟ قال: لأنّه هو الساعة التي قال الله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ) الآية، وهو الساعة التي قال الله تعالى (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ)(413) وقال (وعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)(414) ولم يقل إنّها عند واحد، وقال (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها)(415) وقال (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانْشَقَّ الْقَمَرُ)(416) وقال (ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها والَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها ويَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)(417) قلت: فما معنى يمارون؟ قال: يقولون:
متى ولد؟ ومن رأى؟ وأين يكون؟ ومتى يظهر؟ كلّ ذلك استعجالا لأمر الله وشكّا في قضائه.
الخبر(418).
وعن الكافي مسندا عن الصادق (عليه السلام) في حديث: أمّا قوله (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ)(419) فهو خروج القائم (عليه السلام) وهو الساعة، فسيعلمون ذلك اليوم وما نزل بهم من الله على يدي قائمه - الخبر - (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ لا يعلمها غيره وما يُدْرِيكَ) يا محمّد أي: أي شيء يعلمك عن الساعة متى يكون قيامها، أي أنت لا تعرفه، ثمّ قال (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً)(420) أي قريبا مجيئها(421).
قوله تعالى (وجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وأَيَّاماً آمِنِينَ)(422) عن محمد بن صالح الهمداني كتبت إلى صاحب الزمان: إنّ أهل بيتي يؤذونني ويقرعونني بالحديث الذي روي عن آبائك أنّهم قالوا: خدّامنا وقوّامنا شرار خلق الله. فكتب: ويحكم أما تقرءون ما قال الله (وجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً)(423) فنحن والله القرى التي بارك الله فيها وأنتم القرى الظاهرة(424).
الآية الثامنة والسبعون:
قوله تعالى (ولَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وقالُوا آمَنَّا بِهِ وأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ)(425) إلى آخر السورة، عن أبي جعفر (عليه السلام):
يكون لصاحب هذا الأمر غيبة - وذكر حديثا طويلا يتضمّن غيبة صاحب الأمر وظهوره إلى أن قال - فيدعو الناس - يعني القائم (عليه السلام) - إلى كتاب الله وسنّة نبيّه والولاية لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) والبراءة من عدوّه، ولا يسمّي أحدا حتّى ينتهي إلى البيداء فيخرج إليه جيش السفياني فيأمر الله الأرض فتأخذهم من تحت أقدامهم وهو قول الله تعالى (ولَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وقالُوا آمَنَّا بِهِ) يعني بقائم آل محمّد (وقَدْ كَفَرُوا بِهِ) يعني بقائم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) إلى آخر السورة. فلا يبقى منهم إلّا رجلان يقال لهما: وتر ووتيرة من مراد، وجوههما في أقفيتهما يمشيان القهقرى فيخبران الناس بما فعل بأصحابهم.(426) والحديث طويل اكتفينا بقدر الحاجة.
الآية في سورة يس (وآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ)(427).
عن كتاب الغيبة للسيّد علي عن السجّاد (عليه السلام) قال: يقتل القائم من أهل المدينة حتّى ينتهي إلى الأجفر ويصيبهم مجاعة شديدة، قال (عليه السلام): فيصبحون وقد نبتت لهم ثمرة يأكلون منها ويتزوّدون وهو قوله تعالى (وآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ)(428) الخبر(429).
الآية التاسعة والسبعون:
قوله تعالى (وإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ)(430) سأل جابر بن يزيد الجعفي جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) عن تفسير هذه الآية، فقال: إنّ الله سبحانه لمّا خلق إبراهيم كشف له عن بصره فنظر فرأى نورا إلى جنب العرش فقال: إلهي ما هذا النور؟ فقيل له: هذا نور محمد صفوتي من خلقي، ورأى نورا إلى جنبه فقال: إلهي ما هذا النور؟ فقيل له:
هذا نور علي بن أبي طالب (عليه السلام) ناصر ديني، ورأى إلى جنبهما ثلاثة أنوار فقال: إلهي وما هذه الأنوار؟ فقيل: هذه فاطمة فطمت محبّيها من النار، ونور ولديها الحسن والحسين، فقال:
إلهي وأرى تسعة أنوار قد حفّوا بهم؟ قيل: يا إبراهيم هؤلاء الأئمّة من ولد علي وفاطمة، فقال إبراهيم: بحقّ هؤلاء إلّا ما عرّفتني من التسعة، فقال: يا إبراهيم أوّلهم علي بن الحسين وابنه محمد وابنه جعفر وابنه موسى وابنه علي وابنه محمد وابنه علي وابنه الحسن والحجّة القائم ابنه، فقال إبراهيم: إلهي وسيّدي أرى أنوارا قد أحدقوا بهم لا يحصي عددهم إلّا أنت؟ قيل: يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم، شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال إبراهيم: وبما تعرف شيعتهم؟ قال: بصلاة إحدى وخمسين والجهر ببسم الله الرّحمن الرحيم والقنوت قبل الركوع والتختّم في اليمين، فعند ذلك قال إبراهيم: اللهمّ اجعلني من شيعة أمير المؤمنين، قال: فأخبر الله في كتابه فقال (وإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ)(431).
الآية الثمانون:
قوله تعالى (ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)(432) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: عند خروج القائم(433).
الآية الحادية والثمانون:
قوله تعالى (وأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها)(434) عن مفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام): ربّها أي ربّ الأرض، أي إمام الأرض، قلت: فإذا خرج يكون ما ذا؟ قال: إذن يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويحتظون بنور الإمام(435).
وعنه (عليه السلام): إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها واستغنى العباد عن ضوء الشمس وصار الليل والنهار واحدا وعاش الرجل في زمانه ألف سنة، يولد له كلّ سنة غلام لا يولد له جارية، يكسوه الثوب فيطول عليه كلّما طال، ويكون عليه أي لون شاء(436).
الآية الثانية والثمانون:
قوله تعالى (وأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى)(437) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قوله (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها)(438) قال: ثمود رهط من الشيعة فإنّ الله سبحانه يقول (وأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ)(439) فهو السيف إذا قام القائم(440).
الآية الثالثة والثمانون:
قوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ)(441) عن أبي عبد الله (عليه السلام): أي أنّه القائم (عليه السلام)(442). وسئل أبو جعفر (عليه السلام) عن تفسير قوله عزّ وجلّ سَنُرِيهِمْ آياتِنا إلى أَنَّهُ الْحَقُ فقال (عليه السلام): يريهم الله في أنفسهم المسخ ويريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم، فيرون قدرة الله في أنفسهم وفي الآفاق، وقوله (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) يعني بذلك خروج القائم وهو الحقّ من الله عزّ وجلّ، يراه هذا الخلق لا بدّ منه(443).
الآية الرابعة والثمانون:
قوله تعالى (حم عسق)(444) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (حم عسق) عدد سنيّ القائم وقاف جبل محيط بالدنيا من زمرّد أخضر، وخضرة السماء من ذلك الجبل وعلم كلّ شيء في (عسق)(445).
وعنه (عليه السلام): (حم) حتم وعين عذاب وسين سنون كسني يوسف، وق قذف ومسخ يكون في آخر الزمان بالسفياني وأصحابه، وناس من كلب خال السفياني وبنو كلب وبنو خالد ثلاثون ألفا يخرجون معه وذلك حين يخرج القائم بمكّة، وهو مهدي هذه الأمّة(446).
الآية الخامسة والثمانون:
قوله تعالى (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)(447). في الصافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): ليس له في دولة الحقّ مع القائم نصيب(448).
الآية السادسة والثمانون:
قوله تعالى (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها والَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها ويَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ)(449) عن أبي عبد الله (عليه السلام) لمفضل بن عمر: يا مفضّل كيف يقرأ أهل العراق هذه الآية؟ قال: قلت: يا سيّدي وأي آية؟ قال (عليه السلام): قول الله تعالى (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها والَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها) فقلت: يا سيّدي كذا تقرأ. فقال: كيف تقرأ؟
فقلت: (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها والَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها ويَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ) قال: ويحك أتدري ما هي؟ فقلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم. فقال (عليه السلام): والله ما هي إلّا قيام القائم، فكيف يستعجل به من لا يؤمن به؟ والله ما يستعجل به إلّا المؤمنون ولكنّهم حرّفوها حسدا لكم، فاعلم ذلك يا مفضّل. إلى آخر الحديث(450).
الآية السابعة والثمانون:
قوله تعالى (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ومَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)(451) عن أبي بصير قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ). قال:
ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، قلت: (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ)، قال: معرفة أمير المؤمنين والأئمّة. (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ)، قال: نزيده منها. قال: يستوفي نصيبه من دولتهم (ومَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) قال: ليس له في دولة الحقّ مع القائم (عليه السلام) نصيب(452).
الآية الثامنة والثمانون:
قوله تعالى (ولَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(453) عن أبي جعفر (عليه السلام): لو لا ما تقدّم فيهم من أمر الله عزّ وجلّ ما أبقى منهم القائم واحدا(454).
الآية التاسعة والثمانون:
قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَأِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ ويَمْحُ اللهُ الْباطِلَ ويُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ)(455) عن أبي جعفر (عليه السلام): جاءت الأنصار إلى رسول الله فقالوا: إنّا قد آوينا ونصرنا فخذ طائفة من أموالنا استعن بها على ما أنابك، فأنزل الله (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً يعني على النبوّة إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(456) أي في أهل بيته، ثمّ قال: ألا ترى أن الرجل يكون له صديق، وفي ذلك شيء على أهل بيته فلا يسلم صدره، فأراد الله أن لا يكون في نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شيء على أمّته ففرض عليهم المودّة في القربى، فإن أخذوا أخذوا مفروضا وإن تركوا تركوا مفروضا، قال: فانصرفوا من عنده وبعضهم يقول: عرضنا عليه أموالنا فقال: قاتلوا عن أهل بيتي. وقال طائفة: ما قال هذا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجحدوا وقالوا كما حكى الله (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فقال الله فَإِنْ يَشَأِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) قال: لو افتريت (ويَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) يعني سيبطله (ويُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) يعني بالأئمّة والقائم من آل محمّد (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ثمّ قال (وهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ويَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) إلى قوله (ويَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ)(457) يعني الذين قالوا: القول ما قال رسول الله، ثمّ قال: والكافرون لهم عذاب شديد(458). والروايات من طرق الخاصّة والعامّة كثيرة انّ الآية نزلت في مودّة أهل البيت(459).
الآية التسعون:
قوله تعالى (ولَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ)(460) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (ولَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) يعني القائم وأصحابه (فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) والقائم إذا قام انتصر من بني امية ومن المكذّبين والنصّاب هو وأصحابه، وهو قول الله تبارك وتعالى (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ ويَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(461).(462)
الآية الحادية والتسعون:
قوله تعالى (وتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ)(463) عن أبي جعفر (عليه السلام): (مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ يعني القائم (عليه السلام)(464).
الآية الثانية والتسعون:
قوله تعالى (وجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(465) عن جابر بن يزيد عن الباقر (عليه السلام) قال: قلت له: يا بن رسول الله إنّ قوما يقولون إنّ الله تبارك وتعالى جعل الأئمّة في عقب الحسن دون الحسين (عليهما السلام)، قال: كذبوا والله أولم يسمعوا أنّ الله تعالى ذكره يقول (وجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) فهل جعلها إلّا في عقب الحسين (عليه السلام). فقال: يا جابر إنّ الأئمّة هم الذين نصّ عليهم رسول الله بالإمامة، وهم الذين قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لما اسري بي إلى السماء وجدت أسماءهم مكتوبة على ساق العرش بالنور اثني عشر اسما، منهم علي وسبطاه وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجّة القائم (عليه السلام)، فهذه الأئمّة من أهل بيت الصفوة والطهارة، والله ما يدّعيه أحد غيرنا إلّا حشره الله تعالى مع إبليس وجنوده، ثمّ تنفّس (عليه السلام) وقال: لا رعى حقّ هذه الامّة فإنّها لم ترع حقّ نبيّها، والله لو تركوا الحقّ على أهله لما اختلف في الله اثنان، ثمّ أنشأ يقول:
إنّ اليهود لحبّهم لنبيّهم * * * أمنوا بوائق حادث الأزمان
وذوو الصليب بحبّ عيسى أصبحوا* * * يمشون صحوا في قرى نجران
والمؤمنون بحبّ آل محمّد* * * يرمون في الآفاق بالنيران
قلت: يا سيّدي أليس هذا الأمر لكم؟ قال: نعم. قلت: فلم قعدتم عن حقّكم ودعواكم وقد قال الله تبارك وتعالى (وجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ)(466) فما بال أمير المؤمنين قعد عن حقّه؟ قال: فقال: حيث لم يجد ناصرا، ألم تسمع الله يقول في قصّة لوط قالَ (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ)(467) ويقول حكاية عن نوح (عليه السلام) (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)(468) ويقول في قصّة موسى (عليه السلام) (إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ)(469) فإذا كان النبي هكذا فالوصي أعذر، يا جابر مثل الإمام مثل الكعبة تؤتى ولا تأتي(470).
وعن علي بن أبي طالب (عليه السلام): فينا نزلت هذه الآية (وجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) فالإمامة في عقب الحسين إلى يوم القيامة، وإنّ للغائب منّا غيبتين؛ إحداهما أطول من الاخرى: أمّا الاولى فستّة أيّام أو ستّة أشهر أو ست سنين، وأمّا الاخرى فيطول أمدها حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به، فلا يثبت عليه إلّا من قوى يقينه وصحّت معرفته ولم يجد في نفسه حرجا ممّا قضينا وسلم لنا أهل البيت(471).
الآية الثالثة والتسعون:
قوله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(472) عن أبي جعفر (عليه السلام): هي ساعة القائم تأتيهم بغتة(473).
الآية الرابعة والتسعون:
قوله تعالى (حم والْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)(474) عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام): الليلة المباركة ليلة القدر وأنزل الله القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة، ثمّ نزل من البيت المعمور على النبي (صلّى الله عليه وآله) في طول عشرين سنة (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) يعني في ليلة القدر كلّ أمر حكيم، أي يقدر الله كلّ أمر من الحقّ والباطل، وما يكون في تلك السنة، وله فيها البداء والمشيئة، يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والأمراض، ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء، ويلقيه رسول الله إلى أمير المؤمنين ويلقيه أمير المؤمنين إلى الأئمّة حتّى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان، ويشترط له ما فيه البداء والمشيئة والتقديم والتأخير(475).
الآية الخامسة والتسعون:
قوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ)(476) عن أبي عبد الله (عليه السلام): الأيّام المرجوّة ثلاثة: يوم قيام القائم ويوم الكرّة ويوم القيامة، كما ذكر في ذيل آية (وذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ)(477) في سورة إبراهيم.
الآية في سورة الأحقاف (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ولا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ)(478) عن الكراجكي عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى (واصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) يا محمّد من تكذيبهم إيّاك، فأنا منتقم منهم برجل منك وهو قائمي الذي سلّطته على دماء الظلمة(479).
الآية السادسة والتسعون:
قوله تعالى (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ)(480) عن مفضّل بن عمر: سألت سيّدي أبا عبد الله الصادق (عليه السلام): هل للمأمول المنتظر المهدي وقت موقّت تعلمه الناس؟ فقال: حاش لله أن يوقّت له وقتا. قال: قلت: مولاي ولم ذلك؟ قال: لأنّه الساعة التي قال الله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(481) وقوله (وعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) ولم يقل: عند أحد دونه، وقوله (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ وقوله اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانْشَقَّ الْقَمَرُ)(482) وقوله (وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها والَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها ويَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)(483) قلت: يا مولاي ما معنى يمارون؟ قال: يقولون: متى ولد؟ ومن رآه؟ وأين هو؟ ومتى يظهر؟ كلّ ذلك استعجالا لأمره وشكّا في قضائه وقدرته، أولئك الذين خسروا أنفسهم في الدنيا والآخرة وإنّ للكافرين لشرّ مآب. قال المفضّل: يا مولاي فلا يوقّت له وقت؟.
قال (عليه السلام): يا مفضّل لا توقّت فإنّه من وقّت لمهديّنا وقتا فقد شارك الله في عمله وادّعى أنّه أظهره على علمه وسرّه(484).
الآية السابعة والتسعون:
قوله تعالى (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(485) عن أبي عبد الله (عليه السلام) لرجل قال له: أصلحك الله ألم يكن علي قويّا في دين الله؟ قال: بلى. قال:
فكيف ظهر عليه القوم؟ وكيف لم يدفعهم؟ وما منعه من ذلك؟ قال: آية في كتاب الله عزّ وجلّ منعته. قال: وأيّ آية؟ قال: قوله (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) إنّه كان لله عزّ وجلّ ودائع مؤمنين، في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن علي ليقتل الآباء حتّى تخرج الودائع، فلمّا خرج الودائع ظهر علي على من ظهر وقاتله، وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبدا حتّى تظهر ودائع الله عزّ وجلّ، فإذا ظهرت ظهر على من ظهر فقتله(486).
الآية الثامنة والتسعون:
قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(487) عن الصادق (عليه السلام): هو الإمام الذي يظهره على الدين كلّه، فيملا الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، وهذا من الذي تأويله بعد تنزيله(488).
الآية التاسعة والتسعون:
قوله تعالى (واسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)(489) عن الصادق (عليه السلام): ينادي المنادي باسم القائم واسم أبيه. قوله (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) قال: صيحة القائم من السماء، وذلك يوم الخروج(490).
الآية المائة:
قوله تعالى (وفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وما تُوعَدُونَ)(491) عن ابن عبّاس: هو خروج المهدي(492).
الآية الحادية والمائة:
قوله تعالى (فَوَ رَبِّ السَّماءِ والْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(493) عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قوله: (إِنَّهُ لَحَقٌ قيام القائم (عليه السلام)، وفيه نزلت (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً)(494).(495)
الآية الثانية ومائة:
قوله تعالى (والطُّورِ وكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ)(496) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الليلة التي يقوم فيها قائم آل محمد ينزل رسول الله وأمير المؤمنين وجبرئيل على حراء فيقول له جبرئيل أجب فيخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) رقّا من حجزة إزاره فيدفعه إلى علي فيقول له: اكتب: بسم الله الرّحمن الرحيم. هذا عهد من الله ومن رسوله ومن علي بن أبي طالب لفلان بن فلان باسمه واسم أبيه، وذلك قول الله عزّ وجلّ في كتابه والطُّورِ وكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وهو الكتاب الذي كتبه علي بن أبي طالب (عليه السلام) والرقّ المنشور الذي أخرجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من حجزة إزاره. قلت: والبيت المعمور أهو رسول الله؟ قال: نعم المملي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والكاتب علي (عليه السلام)(497).
الآية الثالثة ومائة:
قوله تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانْشَقَّ الْقَمَرُ)(498) قد مرّ الحديث في ذلك من سورة محمّد (صلّى الله عليه وآله).
الآية الرابعة ومائة:
قوله تعالى (وإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ويَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)(499) قد مرّ الحديث في ذلك من سورة الشعراء، في ذيل آية (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ).
الآية الخامسة ومائة:
قوله تعالى (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي والْأَقْدامِ)(500) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الله يعرفهم، ولكن هذه انزلت في القائم وهو يعرفهم بسيماهم فيخبطهم [بالسيف] هو وأصحابه خبطا(501).
وعن معاوية الدهني عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي والْأَقْدامِ) فقال (عليه السلام): يا معاوية ما يقولون في هذا؟ قلت: يزعمون أنّ الله تبارك وتعالى يعرف المجرمين بسيماهم في القيامة، فيأمر بهم، فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم فيلقون في النار. فقال لي: وكيف يحتاج تبارك وتعالى إلى معرفة خلق أنشأهم وهو خلقهم؟
فقلت: جعلت فداك وما ذلك؟ قال: ذلك لو قام قائمنا أعطاه السيماء فيأمر بالكافر فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم ثمّ يخبط بالسيف خبطا، وقرأ أبو عبد الله (عليه السلام): هذه جهنّم التي كنتما بها تكذبان تصليانها ولا تموتان فيها ولا تحييان(502).
الآية السادسة ومائة:
قوله تعالى (ولا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ)(503) عن أبي عبد الله (عليه السلام): نزلت هذه الآية في أهل زمان الغيبة وأيّامها دون غيرهم، والأمد أمد الغيبة(504).
الآية السابعة ومائة:
قوله تعالى (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها)(505) عن أبي جعفر: (يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها بكفر أهلها، والكافر ميّت فيحييها الله بالقائم (عليه السلام) فيعدل فيها فيحيي الأرض ويحيي أهلها بعد موتهم(506).
وعن ابن عبّاس (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) يعني: يصلح الله الأرض بقائم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) بعد موتها، يعني من بعد جور أهل مملكتها (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ بقائم آل محمّد لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) عن أبي إبراهيم (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ (يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قال: ليس يحييها بالقطر ولكن يبعث الله عزّ وجلّ رجالا فيحيون العدل فتحيى الأرض لإحياء العدل، ولإقامة العدل فيها أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا(507).
الآية الثامنة ومائة:
قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ)(508) عن علي (عليه السلام): العجب كلّ العجب بين جمادى ورجب، فقام رجل وقال: يا أمير المؤمنين ما هذا العجب الذي لا تزال تتعجّب منه؟ فقال (عليه السلام): ثكلتك أمّك وأي العجب أعجب من أموات يضربون كلّ عدوّ لله ولرسوله ولأهل بيته وذلك تأويل هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلى مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) فإذا اشتدّ القتل قلتم: مات وهلك وأي واد سلك؟ وذلك تأويل هذه الآية (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وبَنِينَ وجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)(509).(510)
الآية التاسعة ومائة:
قوله تعالى (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ واللهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(511) عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي قال: سألته عن الآية قال:
يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين بأفواههم. قلت: واللهُ مُتِمُّ نُورِهِ. قال: والله متمّ الإمامة لقوله عزّ وجلّ (فَآمِنُوا بِاللهِ ورَسُولِهِ والنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا)(512) فالنور هو الإمام، قلت:
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى ودِينِ الْحَقِ قال: هو أمر رسوله محمّد بالولاية لوصيّه، والولاية هي دين الحقّ. قلت: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم. قال: يقول الله (واللهُ مُتِمُّ نُورِهِ بولاية القائم ولَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) بولاية علي.
قلت: هذا تنزيل. قال: نعم، أمّا هذا الحرف فتنزيل، أمّا غيره فتأويل(513).
الآية العاشرة ومائة:
قوله تعالى (وأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وفَتْحٌ قَرِيبٌ)(514) في تفسير الإمام يعني في الدنيا بفتح القائم (عليه السلام)(515).
الآية الحادية عشرة ومائة:
قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(516) عن أبي بصير سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الآية فقال:
والله ما نزل تأويلها. قلت: جعلت فداك ومتى ينزل تأويلها؟ قال: حتى يقوم القائم إن شاء الله، فإذا خرج القائم لم يبق كافر ومشرك إلّا كره خروجه، حتّى لو أن كافرا أو مشركا في بطن صخرة لقالت الصخرة: يا مؤمن في بطني كافر أو مشرك فاقتله فيجيئه فيقتله(517).
الآية الثانية عشرة ومائة:
قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)(518) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن هذه الآية، فقال:
إذا فقدتم إمامكم فلم تروه، فما ذا تصنعون؟(519).
وعن عمّار بن ياسر قال: كنت مع رسول الله في بعض غزواته، وقتل علي أصحاب الألوية وفرّق جمعهم وقتل جمعا، أتيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقلت له: يا رسول الله إنّ عليّا قد جاهد في الله حقّ جهاده. فقال (صلّى الله عليه وآله): لأنّه منّي وأنا منه وإنّه وارث علمي وقاضي ديني ومنجز وعدي والخليفة من بعدي، ولولاه لم يعرف المؤمن المحض بعدي، حربه حربي وحربي حرب الله وسلمه سلمي وسلمي سلم الله، ألا إنّه أبو سبطيّ والأئمّة، من صلبه يخرج الله تعالى الأئمّة الراشدين ومنهم مهدي هذه الامّة. فقلت: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله من هذا المهدي؟
قال (صلّى الله عليه وآله): يا عمّار إنّ الله تبارك وتعالى عهد إليّ أنّه يخرج من صلب الحسين أئمّة تسعة والتاسع من ولده يغيب عنهم وذلك قوله عزّ وجلّ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)، يكون له غيبة طويلة يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخرون، فإذا كان في آخر الزمان يخرج فيملأ الدنيا قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، ويقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل، وهو سميّي وأشبه الناس بي.
يا عمّار سيكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فاتبع عليا واصحبه فإنّه مع الحقّ والحقّ معه، يا عمّار إنّك ستقاتل بعدي مع علي صنفين: الناكثين والقاسطين ثمّ تقتلك الفئة الباغية، قال: يا رسول الله أليس ذلك على رضا الله ورضاك؟ قال: نعم على رضا الله ورضاي، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه، فلمّا كان يوم صفّين خرج عمّار بن ياسر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: يا أخار رسول الله أتأذن لي في القتال؟ فقال: مهلا رحمك الله، فلمّا كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام فأجابه بمثله، فأعاد عليه ثالثا فبكى أمير المؤمنين (عليه السلام) فنظر إليه عمّار فقال: يا أمير المؤمنين إنّه اليوم الذي وصفه لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فنزل علي أمير المؤمنين (عليه السلام) عن بغلته وعانق عمّارا وودّعه ثمّ قال: يا أبا اليقظان جزاك الله عن نبيّك وعنّي خيرا، فنعم الأخ كنت ونعم الصاحب كنت ثمّ بكى (عليه السلام) وبكى عمّار ثمّ قال: والله يا أمير المؤمنين ما تبعتك إلّا ببصيرة فإنّي سمعت رسول الله يقول يوم خيبر: يا عمّار ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فاتبع عليا وحزبه فإنّه مع الحقّ والحقّ معه، وستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين، فجزاك الله يا أمير المؤمنين عن الإسلام أفضل الجزاء فلقد أديت وأبلغت ونصحت، ثمّ ركب وركب أمير المؤمنين (عليه السلام) ثمّ برز إلى القتال ثمّ دعا بشرية من ماء، فقيل: ما معنا ماء، فقام إليه رجل من الأنصار وسقاه شربة من لبن فشربه فقال: هكذا عهد إليّ رسول الله أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة لبن، ثمّ حمل على القوم فقتل ثمانية عشر نفسا فخرج إليه رجلان من أهل الشام فطعناه وقتل (رحمه الله)، فلمّا كان في الليل طاف أمير المؤمنين (عليه السلام) في القتلى فوجد عمّارا ملقى بين القتلى فجعل رأسه على فخذه ثمّ بكى عليه وأنشأ يقول:
ألا أيّها الموت الذي ليس تاركي * * * أرحني فقد أفنيت كلّ خليل
أيا موت كم هذا التفرّق عنوة * * * فلست تبقّي خلّة لخليل
أراك بصيرا بالذين أحبّهم * * * كأنّك تمضي نحوهم بدليل(520)
الآية الثالثة عشرة ومائة:
قوله تعالى (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(521) في تفسير الإمام (عليه السلام): إذا تتلى عليه قال كنّى عن الثاني، أساطير الأوّلين أي أكاذيب الأوّلين (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ)(522) قال: في الرجعة إذا رجع(523). وفي الدمعة عن تأويل الآيات (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) يعني تكذيبه بقائم آل محمّد؛ إذ يقول له لسنا نعرفك ولست من ولد فاطمة، كما قال المشركون لمحمّد (صلّى الله عليه وآله)(524).
الآية الرابعة عشرة ومائة:
قوله تعالى (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ)(525) سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن معنى هذا، قال: نار تخرج من المغرب وملك يسوقها من خلفها حتّى تأتي دار سعد بن همام عند مسجدهم، فلا تدع دارا لبني امية إلّا أحرقتها وأهلها، ولا تدع دارا فيها وتر لآل محمّد إلّا أحرقتها وذلك المهدي(526).
الآية الخامسة عشرة ومائة:
قوله تعالى (والَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ)(527) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بخروج القائم(528).
الآية السادسة عشرة ومائة:
قوله تعالى (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ)(529) عن أبي جعفر (عليه السلام): يعني يوم خروج القائم(530).
الآية السابعة عشرة ومائة:
قوله تعالى (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وأَقَلُّ عَدَداً)(531) عن أبي جعفر (عليه السلام): يعني بذلك القائم وأنصاره. وعن الصادق (عليه السلام) إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ قال: القائم وأمير المؤمنين في الرجعة (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وأَقَلُّ عَدَداً) قال: هو قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لزفر: والله يا ابن صهاك لو لا عهد من رسول الله وعهد من الله سبق لعلمت أيّنا أضعف ناصرا وأقلّ عددا، قال: فلمّا أخبرهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما يكون من الرجعة، قالوا: متى يكون هذا؟ قال: قل يا محمّد إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربّي أمدا(532).
الآية الثامنة عشرة ومائة:
قوله تعالى (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ)(533) عن أبي عبد الله (عليه السلام) [وقد سئل] عن هذه الآية قال: إنّ منّا إماما مظفرا مستترا، فإذا أراد الله عزّ وجلّ اظهار أمره نكت في قلبه نكتة فظهر فقام بأمر الله(534).
الآية التاسعة عشرة ومائة:
قوله تعالى (ذَرْنِي ومَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) الآية عن أبي جعفر (عليه السلام): يعني بهذه الآية إبليس اللعين، خلقه وحيدا من غير أب ولا أمّ، وقوله (وجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً) يعني هذه الدولة إلى يوم الوقت المعلوم يوم يقوم القائم (وبَنِينَ شُهُوداً وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً)(535) يقول: معاندا للأئمّة يدعو إلى غير سبيلها ويصدّ الناس عنها وهي آيات الله(536).
الآية العشرون ومائة:
قوله تعالى (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ)(537) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله (ذَرْنِي ومَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) قال: الوحيد ولد الزنا وهو زفر (وجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً) قال: أجل ممدود إلى مدّة (وبَنِينَ شُهُوداً) قال: أصحابه الذين شهدوا أنّ رسول الله لا يورث (ومَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) ملكه الذي ملكته مهّدته له (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) قال: لولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) جاحدا معاندا لرسول الله (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً إِنَّهُ فَكَّرَ وقَدَّرَ) فيما أمر به من الولاية، وقدر أي مضى رسول الله لا يسلم لأمير المؤمنين البيعة الذي بايعه بها على عهد رسول الله (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) قال:
عذاب بعد عذاب يعذّبه القائم، (ثُمَّ نَظَرَ) إلى رسول الله وأمير المؤمنين ف (عَبَسَ وبَسَرَ) ممّا أمر به (ثُمَّ أَدْبَرَ واسْتَكْبَرَ) وقال: (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ).
قال: إنّ زفر قال: إنّ رسول الله سحر الناس لعلي (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) أي ليس بوحي من الله عزّ وجلّ (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) إلى آخر الآية، فيه نزلت(538).
الآية الحادية والعشرون ومائة:
(وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ)(539) المراد بالصبح القائم(540). قوله تعالى (وما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً)(541) لأهل المشرق والمغرب، والملائكة هم الذين يملكون علم آل محمّد. قوله (وما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) قال: يعني المرجئة. وقوله (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) قال: هم الشيعة وهم أهل الكتاب وهم الذين اوتوا الكتاب والحكم والنبوّة. وقوله تعالى (ويَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً ولا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أي لا يشكّ الشيعة في أمر القائم (ولِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعني بذلك الشيعة وضعفاءها والكافرين ماذا (أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلًا) فقال الله عزّ وجلّ لهم: (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ) فالمؤمن يسلّم والكافر يشكّ.
وقوله تعالى (وما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) فجنود ربّك هم الشيعة وهم شهداء الله في الأرض. وقوله (وما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) عنه، وقوله (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) قال: هم أطفال المؤمنين، قال الله تبارك وتعالى (ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) قال: إنّه بالميثاق. وقوله (وكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) قال: بيوم الدين خروج القائم وقولهم (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ).
قال: بالتذكرة ولاية أمير المؤمنين (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال: كأنّهم حمر وحش فرّت من قسورة أي الأسد حين رأته وكذلك المرجئة إذا سمعت بفضل آل محمّد تعرّف عن الحقّ، ثمّ قال الله تعالى (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) قال: يريد كلّ رجل من المخالفين أن ينزّل عليهم كتابا من السماء ثمّ قال الله تعالى (كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) قال: هي دولة القائم، ثمّ قال تعالى بعد أن عرفهم [أنّ] التذكرة هي الولاية (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ وما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) فالتقوى هي النبي والمغفرة علي أمير المؤمنين (عليه السلام)(542).
الآية الثانية والعشرون ومائة:
قوله تعالى (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ)(543) عن أبي جعفر (عليه السلام): الخنّس إمام يخنس في زمانه عند انقطاع عن عمله عند الناس سنة ستّين ومائتين، ثمّ يبدو كالشهاب الثاقب في ظلمة الليل، فإن أدركت ذلك قرّت عيناك(544).
الآية الثالثة والعشرون ومائة:
قوله تعالى (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ)(545) عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها فقلت له: ولم ذلك يا بن رسول الله؟ قال: إنّ الله عزّ وجلّ أبي أن لا يجري فيه سنن الأنبياء في غيباتهم، وإنّه لا بدّ له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله عزّ وجلّ (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) أي على سنن من كان قبلكم(546).
الآية الرابعة والعشرون ومائة:
قوله تعالى (والسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ)(547) عن الأصبغ عن ابن عبّاس عن النبي (صلّى الله عليه وآله): ذكر الله عزّ وجلّ عبادة وذكري عبادة وذكر على عبادة وذكر الأئمّة من ولده عبادة، والذي بعثني بالنبوّة وجعلني خير البرية إن وصيّي لأفضل الأوصياء، وإنّه لحجّة الله على عباده وخليفته على خلقه، ومن ولده الأئمّة الهداة، بهم يحبس الله العذاب عن أهل الأرض، وبهم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه، وبهم يمسك الجبال أن تميد بهم، وبهم يسقي خلقه الغيث، وبهم يخرج النبات، أولئك أولياء الله حقّا وخلفاؤه صدقا، وعدّتهم عدّة الشهور وهي اثنا عشر شهرا، وعدّتهم عدّة نقباء موسى بن عمران ثمّ تلا هذه الآية (والسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) ثمّ قال: أتقدّر يا ابن عبّاس أنّ الله يقسم بالسماء ذات البروج يعني به السماء وبروجها! قلت: يا رسول الله فما ذاك؟ قال (صلّى الله عليه وآله): فأمّا السماء فأنا، وأمّا البروج فالأئمّة بعدي أوّلهم علي وآخرهم المهدي(548).
الآية الخامسة والعشرون ومائة:
قوله تعالى (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً)(549) عن أبي بصير في قوله (فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ ولا ناصِرٍ)(550) قال: ما قوّة يقوى بها على خالقه، ولا ناصر من الله ينصره إن أراد به سوءا. قلت: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وأَكِيدُ كَيْداً)(551)؟ قال: كادوا رسول الله وكادوا عليا وكادوا فاطمة فقال: يا فاطمة إنّهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهّل الكافرين يا محمّد أمهلهم رويدا، الوقت بعد بعث القائم فينتقم من الجبابرة والطواغيت من قريش وبني امية وسائر الناس(552).
الآية السادسة والعشرون ومائة:
قوله تعالى (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً)(553) عن سهل بن محمّد عن أبيه عن أبي عبد الله قال: قلت:
(أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) قال: يغشاهم القائم بالسيف قال: قلت (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) لا تطيق الامتناع. قال: قلت: (عامِلَةٌ) قال: عملت بغير ما أنزل الله، قال: قلت: (ناصِبَةٌ) قال:
نصبت غير ولاة الأمر، قال: قلت: (تَصْلى ناراً حامِيَةً) قال: تصلى نار الحرب في الدنيا على عهد القائم، وفي الآخرة نار جهنّم(554).
الآية السابعة والعشرون ومائة:
قوله تعالى (والْفَجْرِ ولَيالٍ عَشْرٍ والشَّفْعِ والْوَتْرِ واللَّيْلِ إِذا يَسْرِ)(555) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قوله عزّ وجلّ (والْفَجْرِ) الفجر هو القائم والليالي العشر الأئمّة من الحسن إلى الحسن (والشَّفْعِ) أمير المؤمنين وفاطمة (والْوَتْرِ) هو الله وحده لا شريك له (واللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) هي دولة جبت فهي تسري إلى دولة القائم(556).
الآية الثامنة والعشرون ومائة: قوله تعالى (والشَّمْسِ وضُحاها والْقَمَرِ إِذا تَلاها والنَّهارِ إِذا جَلَّاها واللَّيْلِ إِذا يَغْشاها)(557) عن سليمان الديلمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألت عن قول الله عزّ وجلّ والشَّمْسِ وضُحاها.
قال: الشمس رسول الله أوضح للناس دينهم. قلت: (والْقَمَرِ إِذا تَلاها) قال: ذاك أمير المؤمنين تلا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والنَّهارِ إِذا جَلَّاها قال: ذلك الإمام من ذرية فاطمة نسل رسول الله فيجلي ظلام الجور والظلم، فحكى الله سبحانه عنه وقال النَّهارِ إِذا جَلَّاها يعني به القائم (عليه السلام).
قلت: (واللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) قال: ذاك أئمّة الجور الذين استبدّوا بالامور دون آل الرسول (صلّى الله عليه وآله) وجلسوا مجلسا كان الرسول أولى به منهم، فغشوا دين الله بالجور والظلم فحكى الله سبحانه فعلهم فقال (واللَّيْلِ إِذا يَغْشاها)(558).
عن أبي عبد الله (عليه السلام): (والشَّمْسِ وضُحاها) الشمس أمير المؤمنين (عليه السلام) وضحاها قيام القائم (عليه السلام)؛ لأنّ الله سبحانه قال (وأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى)(559) (والْقَمَرِ إِذا تَلاها) الحسن والحسين (عليهما السلام) (والنَّهارِ إِذا جَلَّاها) هو قيام القائم (عليه السلام) (واللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) الجبت ودولته قد غشا عليه الحقّ، وأمّا قوله (والسَّماءِ وما بَناها) قال: هو محمد هو السماء الذي يسيمون إليه الخلق في العلم، وقوله (والْأَرْضِ وما طَحاها) قال: الأرض الشيعة (ونَفْسٍ وما سَوَّاها) قال: هو المؤمن المستوي على الخلق، وقوله (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها) قال:
عرفت الحقّ من الباطل فذلك قوله (ونَفْسٍ وما سَوَّاها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) قد أفلحت نفس زكّاها الله (وقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) وقوله (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) قال: ثمود رهط من الشيعة فإنّ الله تعالى يقول (وأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ) فهو السيف إذا قام القائم (عليه السلام)، وقوله (فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وسُقْياها) قال: الإمام الناقة الذي فهم عن الله، وسقياها أي عنده منتقى العلم (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها) قال: في الرجعة (ولا يَخافُ عُقْباها) قال: لا يخاف من مثلها إذا رجع(560).
الآية التاسعة والعشرون ومائة:
قوله تعالى (واللَّيْلِ إِذا يَغْشى والنَّهارِ إِذا تَجَلَّى)(561) عن أبي عبد الله (عليه السلام) واللَّيْلِ إِذا يَغْشى قال: دولة إبليس لعنه الله إلى يوم القيامة وهو قيام القائم (والنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) وهو القائم إذا قام، وقوله (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى واتَّقى)(562) أعطى نفسه الحقّ واتّقى الباطل (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وأَمَّا مَنْ بَخِلَ واسْتَغْنى)(563) يعني بنفسه عن الحقّ واستغنى بالباطل عن الحقّ، (وكَذَّبَ بِالْحُسْنى) بولاية علي بن أبي طالب والأئمّة من بعده (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) يعني النار، وأمّا قوله (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) يعني إنّ عليّا هو الهدى (وإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ والْأُولى فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) قال: القائم (عليه السلام) إذا قام بالغضب فيقتل من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعين لا (يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) قال: هو عدوّ آل محمّد (وسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) قال: ذاك أمير المؤمنين وشيعته(564).
وعن أبي جعفر قال: الليل في هذا الموضع الثاني يغشى أمير المؤمنين (عليه السلام) في دولته التي جرت له عليه، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يصير في دولتهم حتّى تنقضي قال: والنَّهارِ إِذا تَجَلَّى قال: النهار هو القائم (عليه السلام) منّا أهل البيت إذا قام غلبت دولته الباطل، والقرآن ضرب فيه الأمثال وخاطب نبيّه ونحن، فليس يعلمه غيرنا(565).
الآية الثلاثون ومائة:
قوله تعالى (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)(566) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أبو محمد: قرأ علي بن أبي طالب (عليه السلام) (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(567) وعنده الحسن والحسين فقال الحسنان: يا أبتا كأن بها فيك من حلاوة، قال له: يا ابن رسول الله وابني، اعلم أنّي أعلم فيها ما لم تعلم، إنّها لما أنزلت بعث إليّ جدّك رسول الله فقرأها عليّ فضرب على كتفي الأيمن وقال: يا أخي ووصيّي ووليّي على أمّتي وحرب أعدائي إلى يوم يبعثون، هذه السورة لك من بعدي ولولديك من بعدك، إنّ جبرئيل أخي من الملائكة أحدث إليّ أحداث أمّتي في سنتها وإنّه ليحدث ذلك إليك كأحداث النبوّة، ولها نور ساطع في قلبك وقلوب أوصيائك إلى مطلع فجر القائم. وسئل أبو عبد الله عن ما يفرق في ليلة القدر، هل هو ما يقدر سبحانه وتعالى فيها؟ قال: لا توصف قدرة الله تعالى سبحانه لأنّه يحدث ما يشاء، وأمّا قوله (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)(568) يعني فاطمة، وقوله تعالى (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ والرُّوحُ فِيها)(569) والملائكة في هذا الموضع المؤمنون الذين يملكون علم آل محمّد، والروح روح القدس وهي فاطمة (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ) يقول: كلّ أمر سلّمه حتّى مطلع الفجر يعني حتّى يقوم القائم (عليه السلام)(570).
الآية الحادية والثلاثون ومائة:
قوله تعالى (وذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)(571) عن أبي عبد الله (عليه السلام):
دين القيمة إنما هو ذلك دين القائم (عليه السلام)(572).
الآية الثانية والثلاثون ومائة:
قوله تعالى (والْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)(573) الآيات عن مفضّل: سألت الصادق (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ (والْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) فقال: العصر عصر القائم (عليه السلام) (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) يعني أعداءنا (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا بآياتنا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يعني بمواساة الإخوان (وتَواصَوْا بِالْحَقِ) يعني بالإمامة (وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) يعني في الفترة(574).
الآية الثالثة والثلاثون ومائة:
(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ والْفَتْحُ)(575) من المواضع التي أوّل بزمان قيام القائم (عليه السلام) كما عن كتاب تنزيل وتحريف لأحمد بن محمد السيار في آية (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ والْفَتْحُ) فتح قائم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)(576).
الفاكهة الاولى:
قد ذكر ذيل آية النور تأويل قوله تعالى (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ)(577) إلى الحجّة، ولقد أجاد المحدّث الخوانساري في كتابه الموضوع للزبر والبيّنات المسمّى بمضيء الأعيان قال: زبر هذه الآية يطابق الإمام الحميد محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان، واستخرج وطابق بيّناته: الحميد الزكي محمد بن الحسن المهدي الهادي ومن جمع الزبر والبيّنات: الإمام الماحي والقائم الدائم ابن الحسن محمد المهدي صاحب العصر والزمان، واستخرج من زبر كلمة الغيب في قوله تعالى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(578) الإمام الجامع بالحقّ أبو القاسم محمد بن الحسن المهدي الهادي ومن بيّناته: حبيب ودود محمد مهدي هادي، ومن جمعهما: الإمام بحق مولانا أبو القاسم محمد بن الحسن المهدي الهادي صاحب الزمان (عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه)(579).
الفاكهة الثانية:
في حديث جم الفوائد كثير العوائد حسن السبك جعلتها فاكهة من فرع هذه الشجرة المباركة، وذلك هو الحديث الوارد في تأويل سورة القدر والعصر في شأن اولي الأمر (عليه السلام)، عن السيّد الثقة الجليل الفقيه السيّد نعمة الله الجزائري (رحمه الله) في بعض مؤلّفاته عن ابن عبّاس قال: لمّا صارت الخلافة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيّد الوصيّين وقائد الغرّ المحجّلين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فلمّا كان في اليوم الثالث أقبل رجل في ثياب خضر ووقف على باب المسجد، وكان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) جالسا في المسجد والناس حوله يمينا وشمالا فقال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الحقّ. فقال له أمير المؤمنين: وعليك السلام يا بيهس بن صاف بن حاف بن لامو بن بيهس. فقال: يا خليفة الله في أرضه من أين عرفتني وعرفت اسمي؟ قال (عليه السلام): من علم وتبيان، أليس مسكنك في الجبال والبراري؟ قال: بلى يا خليفة الله. قال: ما الذي جاء بك إلينا؟ قال: جئت أنظر نورك فأستضيء به. قال: كيف علمت أنّ لنا أنوارا؟ قال: يقول الله تعالى (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ...)(580) وأنتم مصابيح الدجى ومفاتيح الهدى وحبل الله المتين.
قال له: صدقت سل عمّا بدا لك؟ قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قول الله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(581) قال (عليه السلام): نعم يا بيهس قد سألت عنه غيري؟ قال: لا كرامة لهم وهذا علم لا يعلمه إلّا نبي أو وصيّ.
قال (عليه السلام): أمّا قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) فنور أنزل على الدنيا. قال: كيف انزل؟
قال (عليه السلام): لمّا استوى الربّ على العرش أراد أن يستضيء ضوء بنورنا وإنّ نورنا من نوره، فأمر الله النور أن ينطق فنطق حول العرش فعلمت الملائكة بذلك فخرّوا له سجّدا لحلاوة كلام نورنا، فلذلك سمّيت القدر فإنّها لنا ولمن يتولّانا، وليس لغيرنا فيه نصيب فكان نورنا عند العرش ناميا صباحا، والملائكة يسلّمون علينا، فلمّا أن خلق الله آدم رفع رأسه فنظر إلى نورنا فقال آدم: إلهي وسيّدي منذ كم نورهم تحت عرشك؟ فقال الله تبارك وتعالى: يا آدم من قبل أن خلقتك وخلقت السماوات والأرض والجبال والبحار والجنّة والنار بأربعة وعشرين ألف عام وأنت في بعض أنوارهم، فلمّا أن هبط آدم (عليه السلام) إلى الدنيا كانت الدنيا مظلمة، فقال آدم (عليه السلام): بإذن ربّهم. أتدري أي إذن كان؟ قال: لا. قال: أنزل الله تعالى إلى جبرائيل يا ربّ بحقّ محمّد وعلي إلّا رددت عليّ النور الذي كان لي، فأهبطه الله تبارك وتعالى إلى الدنيا فكان آدم يستضيء بنورنا، فلذلك سمّي ليلة القدر؛ فلمّا بقي آدم (عليه السلام) في الدنيا وعاش فيها أربعمائة سنة أنزل الله عليه تابوتا من نور له اثنا عشر بابا، لكلّ باب وصي قائم يسير بسيرة الأنبياء.
قال: يا ربّ من هؤلاء؟ قال الله عزّ وجلّ: يا آدم أوّل الأنبياء أنت والثاني نوح والثالث إبراهيم والرابع موسى والخامس عيسى والسادس محمد خاتم الأنبياء. وأمّا الأوصياء أوّلهم شيث ابنك والثاني سام بن نوح والثالث إسماعيل بن إبراهيم والرابع يوشع بن نون والخامس شمعون الصفا والسادس علي بن أبي طالب (عليه السلام) وآخرهم القائم من ولد محمد الذي أظهر به ديني على الدين كلّه ولو كره المشركون. قال: فسلّم آدم التابوت إلى شيث وقبض آدم، فلذلك قال الله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) وإنّ نورنا أنزله الله إلى الدنيا حتى يستضيء بنورنا المؤمنون ويعمى الكافرون.
وأمّا قوله (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) فإنّه لمّا بعث الله محمّدا (صلّى الله عليه وآله) ومعه تابوت من درّ أبيض له اثنا عشر بابا، فيه رقّ أبيض فيه أسامي الاثني عشر فعرضه على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأمره عن ربّه أنّ الحقّ لهم وهم أنوار. قال: ومن هم يا أمير المؤمنين؟ قال: أنا وأولادي الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ومحمد بن الحسن صاحب الزمان (صلوات الله عليهم أجمعين)، وبعدهم أتباعنا وشيعتنا المقرّون بولايتنا المنكرون لولاية أعدائنا.
وقوله (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ) من كلّ من في السماوات ومن في الأرض علينا صباحا ومساء إلى يوم القيامة، هي نور ذرّيتي، تستضاء بنا الدنيا حتّى مطلع الفجر عنّا إلى يوم القيامة، وأوّل ما يسأل العبد في ذلك اليوم يسأل عن ولايتنا فإن كان منّا نجا وإلّا دحي في نار جهنّم.
قال: صدقت يا أمير المؤمنين أشهد أنّك وصي محمّد (صلّى الله عليه وآله) حقّا، فأخبرني عن نوركم ما هو؟
قال: نعم، نور لا يزول ولا ينقص ولا يطفأ فإذا كان ليلة القدر زيد فيه من نور عرش ربّ العالمين فيدخل في نورنا ونور شيعتنا ومحبّينا.
قال: من شيعتك ومحبّوك؟ قال (عليه السلام): المؤمنون والمؤمنات من يتولّانا ولا يتولّى عدوّنا.
قال: يا أمير المؤمنين فبعد ذلك أين يذهب نوركم؟ قال (عليه السلام): يرجع نورنا إلى السماء فإذا كان العام القابل وتأتي ليلة القدر ينزل نورنا إلى الدنيا فمن كان منّا نظر إلى نورنا ومن لم يكن منّا لم ير نورنا ولم يدر. قال: يا أمير المؤمنين ففي أي ليلة نلتمس أنواركم؟ قال: في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان أو سبعة وعشرين وهي أكرم ليلة على الله وأشرفها. قال: يا مولاي أخبرني عن أرواح محبّيكم؟ قال (عليه السلام): أرواح محبّينا إذا أخذوا مضاجعهم تخرج أرواحهم من أبدانهم فيؤتى بها إلى العرش ثمّ ترجع إلينا لا تختلط بأرواح الآخرين، فلذلك يقع حبّنا في قلوبهم، لا يختلط معه حبّ غيرنا.
قال: أخبرني عن قول الله تعالى (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(582) قال: نعم، قوم زعموا أنّهم مؤمنون وليسوا مؤمنين. قال: أخبرني عن قول الله تعالى (ذَرْنِي والْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ ومَهِّلْهُمْ قَلِيلًا)(583) قال: نعم، التيمي والعدوي والأموي الذين لم يصدّقوا رسول الله واتّهموه. فقال: إنّ لدنيا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصّة وعذابا أليما. قال: أخبرني عن قومك؟ قال: نعم قومي الخيّرون الفاضلون غدا في عرض ربّي يكسون إذا كسيت ويحيون اذا حييت. قال: فكيف يقومون؟ قال: بيض الوجوه خضر الثياب بين أيديهم النور حتّى ينتهوا إلى باب الجنّة. قال: فأخبرني عن المنكرين لحقّك؟ قال: يقومون حفاة عراة منكسين الرءوس، بين أيديهم السرادق من الظلم حتّى ينتهوا إلى باب جهنّم. وإنّ الله تعالى آلى على نفسه في ليلة القدر أن يقضي لنا حوائج الدنيا والآخرة.
وليلة القدر ليلة عظيمة شريفة شرّفها الله تعالى في محكم كتابه المنزل على لسان نبيّه الصادق فقال (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى والْفُرْقانِ)(584) فمن اهتدى إلينا وشايعنا كانوا هم السعداء ومن لم يهتد إلينا كانوا هم الأشقياء الذين لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم. قال: بما ذا يكلّم العباد؟ قال: يسألون عن ولايتنا فمن تولّانا دخل الجنّة ومن لم يتولّنا فأولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين.
قال: أخبرني عن سراج أهل الجنّة؟ قال: سراج أهل الجنّة نورنا، بنا يبصرون وبنا يعرفون وبنا يجوزون على الصراط وبنا يدخلون الجنّة. قال: فما يصنع بمذنبيهم؟ قال (عليه السلام): لو أنّ لأحد من شيعتي من الذنوب مثل الجبال الرواسي وزبد البحر وعدد الحصى والرمل ليغفر له تلك الذنوب كلّها، ولو أنّ لأهل البدع والأهواء من الحسنات بقدر ورق الأشجار وقطر الأمطار ولم يتولّنا لم تنفعه حسناته شيئا. قال: فأخبرني عن فاطمة بنت محمّد؟ قال (عليه السلام):
حورية في صورة إنسية خلقت من النور. قال: فالحسن والحسين؟ قال (عليه السلام): نوران مضيئان وسراجان ظاهران، لا يطفأ نورهما ولا ينقض علمهما ولا تفنى خزائنهما. قال: من العلم أم من النور؟ قال: من النور ومن العلم.
قال: أخبرني عن قوله تعالى (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً)(585) قال (عليه السلام): نعم نزوله من السماء على الخلق، عنى بذلك المهدي (عليه السلام). قال: أخبرني عن قول الله تعالى (وبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وقَصْرٍ مَشِيدٍ)(586) فبكى بكاء شديدا وقال (عليه السلام): قد سألتني عن أمر عظيم سمعته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إنّه قال لجبرئيل: أخبرني عن بئر معطّلة وقصر مشيد؟ قال:
لا علم لي بذلك حتّى أرجع إلى ربّي. قال: فرجع جبرائيل قال: أمّا البئر المعطّلة فعلي بن أبي طالب وفي أمّتك قوم يعطّلون ذكرهم يرجون رحمتي يوم القيامة، لا تنالهم رحمتي، هم أشرّ الناس وأبغضهم إليّ، فو عزّتي وجلالي لاذيقنّهم ماء الحميم، لا يموت عبد وفي قلبه من بغض علي إلّا أكبّه الله على منخريه في النار.
قال (صلّى الله عليه وآله): يا جبرئيل وما القصر المشيد؟ قال: أنت يا محمّد أكرمك الله بكرامته واختصك برسالته وعلا ذكرك مع ذكره، فما يذكر اسم الله إلّا وتذكر معه، وأنت يوم القيامة أقرب منزلة إلى الله تعالى وأمّتك أكرم الامم على الله تعالى فطوبى لك يا محمّد.
قال: أخبرني عن قول الله تعالى (والْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)(587) فبكى بكاء شديدا وقال: كم تسألني ولو سألتني عمّا في التوراة والإنجيل والكتب التي أنزل الله على الأنبياء لأجبتك عن ذلك، لا يذهب عليّ حرف منها بقدرة الله تعالى. قال: صدقت يا أمير المؤمنين ولكنّي رسول الجنّ إليك ونحن ممّن آمنوا بمحمّد وصدّقوه وعرفوا أنّك وصيّه ولا بدّ لي من أن أسألك، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أما العصر فمحمّد (صلّى الله عليه وآله) (وإِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) فأهل الشام الذين خسروا (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) هم محبّونا وأهل ولايتنا (وتَواصَوْا بِالْحَقِّ وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) ولداي.
قال: أخبرني عن قول الله تعالى (وذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)(588) قال (عليه السلام): أمره بأن يذكّر المؤمنين أمرنا حتّى ينتفعوا بذلك، وإذا ذكرونا لا يفترقون حتّى تنزل عليهم ملائكة من السماء فيقومون على رءوسهم ويسمعون كلامهم ويباركون عليهم ويقولون: طوبى لأقوام ذكروا هؤلاء القوم، فإذا صعدوا قالت الملائكة بعضهم لبعض: كنّا عند قوم ازداد نورنا من نور كلامهم، فتقول الملائكة: طوبى لهم ولمحبّيهم وطوبى لمن يسلم عليهم، فهذا الذكرى.
قال: أخبرني عن اسمك لم سمّيت عليّا؟ قال: لأنّ الله الأعلى قد أعلى أمري.
قال: أخبرني ما يكون بعدك؟ قال: جور وقهر وظلم وزور وباطل(589). قال علي (عليه السلام): من قال على أولادي وذريتي وأهل بيتي ومحبيّ. قال: وكيف يفعلون ذلك يا ابن عمّ محمّد ويعاندوكم أليس هم من أمّة محمّد؟ قال علي (عليه السلام): بلى ولكنّهم أشدّ خلق الله لنا بغضا لأنّهم لا يرون حبّنا ويرون حبّ غيرنا فريضة، وإنّ الله تعالى فرض حبّنا على كلّ مؤمن بالله ونبيّه، قال الله عزّ وجلّ لنبيّه (صلّى الله عليه وآله): (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ)(590) فنحن الذين عرّفنا في الكتب السالفة ومعرفتنا في التوراة والإنجيل والفرقان، قد سألتك يا بيهس: أليس تعلم أن الجنّ تعرفنا وتعرف أسامينا وحقّنا؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين ما جئت إليك إلّا لمعرفتي بك، فطوبى لك فطوبى لك ثمّ طوبى لمن أحبّك وطوبى لمن أحبّ محبّك، فلقد أخبرتني بعلم الأوّلين وأخبرتني بتفسير القرآن كما انزل على محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وإنّي راجع إلى قومي لا يراني أحد بعدك حتّى يأتي الله بأمره وهم كارهون. ورجع من وقته وساعته ولم يره أحد بعد ذلك، والحمد لله ربّ العالمين(591).
الفرع الثاني إخبار الله عزّ وجلّ في كتب أنبيائه السلف وبشاراته بقيام القائم (عليه السلام)
البشارة الاولى
البشارة الاولى في إقامة الشهود أنّ في التوراة، في سفر التكوين، في الفصل السابع عشر في الآية العشرين ممّا ترجمته بالعربية: يقول الله تعالى مخاطبا لهاجر توصية لإسماعيل: يا إبراهيم إنّا قد سمعنا دعاءك وتضرّعك في إسماعيل فباركت لك فيه وسأرفع له مكانا رفيعا ومقاما عليا، وسأظهر منه اثني عشر نقيبا وستكون له أمّة عظيمة(592).
ولا يخفى أنّ الآية فيها من علائم بيت الوحي والنبوّة والإشعار بوجودهم والبشارة بمقدمهم (صلوات الله عليهم) عدّة امور؛ الأوّل: لفظة بمأدمأد، فإنّ هذه الكلمة موافقة في الجمل بكلمة محمّد (صلّى الله عليه وآله) حيث إن كلّا منهما في العدد اثنان وتسعون. الثاني: وعد الله كثرة ذريّته وانتشار أولاده (صلوات الله عليه)، ومع انحصار عقبه في الزهراء (سلام الله عليها) لم يكن بلد من البلاد، لا مصر ولا صقع من الأصقاع إلّا وقد اشتمل على ذريته الطاهرة والسادة الزكية من ولده، وقد ملأ العالم نورهم، ولم ينعقد اليوم مجلس إلّا ويكون أكثرهم أو نصفهم أو غالبا فردا منهم ومن ذريتهم، ولا أقلّ من واحد ولا يكون خاليا غالبا، وإنّما ببركة دعاء الخليل ووعد الربّ الجليل، وليس الاثنا عشر الموعودون في الآية إلّا الأئمّة (صلوات الله عليهم)، فهم من ولد إسماعيل من قيدار، لا ما توهّمه اليهود خذلهم الله لأنّ أولاده الاثني عشر المسمّون في التوراة في الفصل الخامس والعشرين في الآية الحادية والثلاثين: وهم بنايوت وقيدار وادئيل وميسام وميشماع ودوماه ومسا وحدر وتيما ويطور ونافيش وقيدماه، عدد أسماء قبائلهم واممهم، لم يكن المقصود في الآية هؤلاء البتة، لأنّهم لم ينالوا مرتبة النبوّة ولا الوحي والإلهام والرسالة، فليسوا مقصودين إلّا الأنوار الطاهرة الاثنا عشر من بطن قيدار، وقد فضل الله تعالى ذكرا لقيدار وبيان شرفه في الفصل الثاني والأربعين من كتاب الشعيا في طي آيات.
البشارة الثانية
لا يخفى أنه يناسب بحسب الترتيب ذكر البشارة السادسة والعشرين قبل البشارة الثانية، ما ذكره القاضي جواد الساباطي وكان نصرانيا فأسلم وهو من السنّة والجماعة، وألّف كتابا في رد القسيس الپادري وإثبات حقيقة مذهب الإسلام سمّاه (البراهين الساباطية) وقد طبع ما يقرب [من] خمسين سنة قبل زماننا وهو عندنا موجود. قال: البرهان الأوّل من المقالة الثالثة من التبصرة الثالثة من البراهين الساباطية ما ورد في الفصل الثاني في الآية السابعة من الرؤيا التي ترجمتها بالعربية: من كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس: إنّي سأطعم المظفر من شجرة الحياة التي هي في جنّة الله(593).
وفي الآية الحادية عشرة: من كانت له اذن سامعة فليسمع ما تقول الروح للكنائس: فإنّ المظفر لا تضرّه الموتة الثانية(594).
وفي الآية السابعة عشرة: من كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس: إنّي سأطعم المظفر من المن المكنون وأعطيته حجرة بيضاء مكتوبا عليها اسم مرتجل لا يفهمه إلّا من يناله(595).
وفي الآية السادسة والعشرين: وسأعطي المظفر الذي يحفظ جميع أفعالي سلطانا على الامم، فيرعاهم بقضيب من حديد ويسحقهم كآنية الفخار كما أخذت من أبي واعطيه أيضا نجمة الصبح، فمن كانت له اذن سامعة فليسمع ما تقول الروح للكنائس(596).
وفي الفصل الثالث في الآية الخامسة: المظفر يلبس ثيابا بيضاء، ولا أمحو اسمه من سفر الحياة، وأعترف باسمه أمام أبي وأمام ملائكته، فمن كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس(597).
وفي الآية السادسة عشرة(598) منه: المظفر أجعله عمودا في الهيكل الإلهي، ولا يخرج خارجا، وأكتب عليه اسم إلهي واسم مدينة إلهي أورشليم الجديدة التي نزلت من السماء من عند إلهي، وأكتب عليه اسمي الجديد، فمن كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس(599).
وفي الآية الحادية والعشرين(600) منه: المظفر أهب له الجلوس معي على كرسيّي، كما ظفرت أنا أيضا وجلست مع أبي على كرسيّه، فمن كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس(601).
أقول:
هذه سبعة براهين متواترة مترادفة في الإصحاح الثاني والثالث من رؤيا يوحنا بن زبدي تدلّ دلالة صريحة على بعثة محمّد (صلّى الله عليه وآله) وعلى نبوّته العامّة وقبلته الجديدة وعلوّ درجته، تغافل النصارى عنها وأوّلوها تأويلات ركيكة لا تستقيم على شيء منها حجّة، ولا يثبت برهان، وكان الأحرى بها أن يكتب كلّ واحد منها على حدة لكنّي أعرضت عن ذلك وكتبتها كلّها في برهان واحد، وجعلتها أوّل هذه المقالة وتركت تفصيلها إلى آن خروجي من الهند، وبعد ذلك سأشرحها إن شاء الله تعالى في المطوّل الذي أو عدت به في صدر الكتاب، ولأشرع الآن في بيان معانيها والاستدلال بمبانيها.
فاعلم أيّدك الله بروحه القدسية، وجعلك ممّن يقتفي شريعة سيّد البرية أن يوحنا رضى عنه الله كان في جزيرة أطموس، وهي جزيرة واقعة في طول أربعة وأربعين درجة وخمس عشرة دقيقة من الطول الجديد وعرض سبعة وثلاثين درجة وخمس عشرة دقيقة من الشمال، في يوم الأحد، فأتاه الوحي وحلّ عليه الروح القدس وسمع صوتا عظيما يقول له: إنّي أنا الألف والياء، الأوّل والآخر فاكتب ما تراه وأرسله إلى الكنائس السبع المشهورة، أعني كنيسة افس وكنيسة سمرنا وبير غابوس وشاتيرا وسارديس وفيلادلفيه ولاذقية، ثمّ رأى في رؤيا سبع منائر من ذهب، وفي وسطها إنسان يماثل عيسى (عليه السلام)، وفي يده سبعة كواكب وفي فمه سيف فقال: إنّي أنا الذي كنت حيّا وصرت ميّتا وأنا الآن حيّ إلى الأبد، وعندي مفاتيح جهنّم فاكتب إلى الكنائس السبع ما رأيته وما هو كائن وما سيكون، أعني سرّ الكواكب السبعة التي رأيت في يدي والمنائر السبع، فإنّ النجوم ملائكة الكنائس والمنائر أنفسها، فاكتب إلى ملك كنيسة افس، هذا ما يقول ذو الكواكب السبعة المتمشي بين المنائر السبع:
إنّي قد عرفت جميع أحوالك وامتحانك أنبياءك الكذبة، لكنّك لست كما كنت، فاذكر سقوطك وتب وإلّا فسأجيء وأزيل منارتك من وسطك، من كانت له أذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس:
إنّي سأطعم المظفر من شجرة الحياة التي في جنّة الله فاكتب إلى ملك كنيسة سميرنا، هذا ما يقول الأوّل والآخر الذي مات وحيي: إنّي قد عرفت عملك ومسألتك فلا تخف ممّا يحلّ عليك فإن إبليس سيضطهدكم عشرة أيّام، فاصبر وأنا أعطيك إكليل الحياة.
من كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس: فإنّ المظفر لا تضرّه الموتة الثانية، واكبت إلى ملك كنيسة بئر غاموس، هذا ما يقول ذو السيف الحاد: إنّي قد علمت أنّك لم تنكرني مع أنّك مستقرّ في مقرّ الشيطان لكن بعض قومك متمسّك ببدع بلعم باعور، وبعضهم ببدع النيقولانيين فتب وإلّا حاربتك بسيف فمي.
من كانت له اذن فليستمع ما تقول الروح للكنائس: إنّي سأطعم المظفر من المنّ المكتوم وأعطيه حصاة بيضاء مكتوبا عليها اسم لا يعرفه إلّا من يناله، واكتب إلى ملك كنيسة تياتيرا هذا ما تقول: أين الله الذي عيناه كالنار ورجلاه كالنحاس، إنّي قد اطلعت على حسن إيمانك إلّا أنك قبلت زابيل المتبنية أن تضلّ القوم وترغبهم في الزنا وأكل ذبائح الأوثان فسأقتلها وأولادها، وستعلم الكنائس أني أنا هو، وسأحصي الكلّ وأجازيكم بحسب أعمالكم، ومن تمسّك منكم بشريعتي فلا القي عليه ثقلا آخر، بل سيكون كذلك إلى آن إتياني، وسأعطي المظفر الذي يحفظ أفعالي سلطانا على الامم فيرعاهم بقضيب من حديد، ويسحقهم كآنية الفخار كما أخذت أنا أيضا من أبي وأعطيه نجمة الصبح، فمن كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس.
واكتب إلى ملك كنيسة ساوديس: هذا ما يقول ذو الأرواح السبع الإلهية والكواكب السبعة التي قد عرفت أعمالكم وأنك حيّ بالاسم، إلّا أنك ميّت فتيقّظ، وقوّ أصحابك فإنّ أعمالك لم تكمل أمام الله، فتذكر ما سمعت وتب، وإلّا فسأجيء إليك مجيء اللص، والذين لم يتدنّسوا منكم يستحقّون أن يلبسوا معي البياض، فالمظفر يلبس ثيابا بيضاء ولا أمحو اسمه من سفر الحياة وأعترف باسمه أمام أبي وأمام ملائكة، فمن كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس.
واكتب إلى ملك كنيسة دلفيا هذا ما يقوله المقدس الحقيقي الذي عنده مفتاح داود فيفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح، قد عرفت أعمالك وفتحت لك بابا لا يستطيع أحد أن يغلقه لمحافظتك على كلامي، وسيذلّ لك الذين يقولون: إنّا يهود وليسوا بيهود، ويعلمون أنّي أحبّك وسأحافظ عليك ساعة الامتحان كما حافظت على كلامي فإنّي سريع الإتيان فتمسّك بما عندي لئلّا يؤخذ تاجك، فإنّي سأجعل المظفر عمودا في هيكل إلهي فلا يخرج منها إلى خارج، واكتب عليه اسم إلهي واسم مدينة إلهي أورشليم الجديدة التي نزلت من السماء من عند إلهي، واكتب عليه اسمي الجديد فمن كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس.
واكتب إلى ملك كنيسة لاذقية، هذا ما يقوله أمين الشاهد، الأمين الحقيقي رأس خليقة الله: إنّي قد عرفت أنك لا حارّ ولا بارد، فيا ليتك كنت حارّا أو باردا، وها أنا أتقياك لأنّك فاتر تدّعي الغنى وعدم الاحتياج ولم تعلم بفقرك وشقائك فاشترني الذهب الإبريز لتستغني والبس البياض لتستر وتكحّل لتبصر، فإنّي اؤدّب من أحبّه فتب، فإنّي واقف على الباب فمن يفتح لي الباب أدخل إليه وأسعى معه وسأجلس المظفر معي على كرسيّي كما ظفرت وجلست مع أبي على كرسيه، فمن كانت له اذن سامعة فليستمع ما تقول الروح للكنائس(602).
أقول:
هذا ملخّص الفصول الثلاثة المشتملة على الحجج السبعة وإن أردت الاطّلاع على جميع العبارة فارجع إلى سفر الرؤيا(603).
إذا علمت ذلك فاعلم أن هذه الرؤيا هي، على ما يعتقد النصارى رؤيا رآها يوحنّا (عليه السلام) تشتمل على الأخبار التي حدثت في العالم من ارتفاع المسيح إلى بعثة محمّد (صلّى الله عليه وآله)، ومن وفاته إلى ظهور المهدي (عجّل الله فرجه)، ومن وفاته إلى قيام الساعة. ولا شكّ في أنّها تدلّ على جميع ذلك، وأنّها كلام الله تعالى لكنّي لست بمطمئنّ الخاطر من تحريفها، ومع ذلك إنّ أماكن الاستدلال فيها قائمة على دعائمها الأصلية، فمن جملة ذلك هذه الآيات الشريفة.
وهاهنا أمر يقف عليه البحث وهو معرفة الكلمات التي هي محلّ النزاع، فمن ذلك لفظة:
الاووركمن(604)، يعني المظفر، وهي في الأصل اليوناني تدلّ على الغالب والغازي والقاهر في الحرب، ومنها الموتة الثانية وهي عند النصارى عبارة عن موت الإنسان في الذنب أي انهماكه فيه لا غير، وأمّا البعث فانّهم يعترفون بقيام جميع الناس عند ظهور المسيح وبخلود أهل الجنّة في الجنّة وأهل النار في النار، ولم يتعرّضوا للبحث في هذا المقام، وعند اليهود عبارة عن الموتة التي لا تكون بعدها موتة.
وتقرير ذلك: أنّهم يقولون إنّ مدّة مكث هذه الخليقة على حالتها لا يكون إلّا سبعة آلاف سنة، فمن آدم إلى موسى ألفان وثلاثمائة وثمان وستون سنة، ومن موسى إلى المسيح ثلاثة آلاف وستمائة واثنتان وثلاثون سنة، وإذا ظهر المسيح تبعث جميع الموتى وتستقيم لهم السلطنة ألف سنة، وبعد ذلك يفنى من على وجه الأرض، وتزول هي والسماء ويصير العالم كأن لم يكن، ثمّ يستأنف الصانع صنعته الأخرى، ترادف هذه الصنعة أو تغايرها، وفيه ما فيه من عدم فساد الأنفس؛ إذ الحكماء كلّهم متّفقون على عدم فسادها، لأنّها لو قبلت الفساد لكانت مركّبة من شيء يكون فيها بمنزلة المادّة يقبل الفساد، [و] شيء بمنزلة الصورة يفسد بالفعل، وينبغي للقائل للفساد أن يبقى مع الفساد وللفساد الفاسد بالفعل أن لا يبقى معه، والذي يفسد بالفعل غير الذي يقبل الفساد فتكون مركّبة، وليس الأمر كذلك ولأنّها لو كانت قابلة للفساد لاشير إليها في النواميس، لأنّها ممّا عليه التعويل، ولم يذكر ذلك في شيء من نواميسهم، فليس بشيء.
وقال بعضهم: إنّ أنفس الأتقياء تبقى إلى الأبد وأنفس الأشقياء تهلك.
وعند المسلمين: أمّا أهل السنّة والجماعة فالظاهر أنّهم لا يعترفون بموتة ثانية، ولم يذكروا إلّا الموتة الاولى والحياة الثانية، وبعدها يساق الذين آمنوا إلى الجنّة والذين كفروا إلى النار، وقالوا إنّ الاستثناء في مثل (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى)(605) منقطع.
وأمّا الإمامية فيقولون: إنّه إذا ظهر المهدي (عليه السلام) ونزل عيسى يرجع حينئذ محمّد (صلّى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام)، ويرجع معهم الأبرار والفجّار وتستقلّ لهم المملكة، واستدلّوا بآيات كثيرة منها قوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ)(606) وقالوا: إنّ علي بن إبراهيم وسهل بن عبد الله قد رويا عن الصادق (عليه السلام): أن يوم يقوم الأشهاد يوم رجعة محمّد (صلّى الله عليه وآله)(607)، وبقوله تعالى (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ)(608) وفيه بحث.
ومنها بلعم بن باعور الفاثوري، وفاثور بلد على شاطئ الفرات وقيل قبيلة من أعراب مدين، وكان بالاق بن صفور ملك الموآبيّين لما نزل بنو إسرائيل على شاطئ الأردن، وشاهد ما فعلوا في الامور خاف منهم واستدعى بلعم بن باعور ليدعو عليهم بالهلاك، فاستخار الله فمنعه عن ذلك فخالف حكم الله وسار إليه طمعا في إكرامه، قتله موسى في حرب مدين.
ومنها الحصاة البيضاء وهي حصاة يدفعها عيسى أو الروح القدس (عليهما السلام) إلى المظفر وهو إلى الذي يكون بعده، ولا يفهم ما كتب عليها إلّا من يأخذها، ولا يشابه ذلك في مذاهب أهل السنّة والجماعة، وذهب الإمامية إلى أنّ جبرائيل (عليه السلام) قد أعطى ذلك محمّدا (صلّى الله عليه وآله) وهو دفعه إلى علي (عليه السلام)، وهلم جرّا إلى الحسن بن علي (عليهما السلام) وهو دفعها إلى المهدي (عليه السلام).
ومنها زابيل المتنبئة، وهي زابيل بنت أشبال ملك الزبدانيين، زوجة باشا بن أهيجا ملك إسرائيل فإنّها لمّا تزوّجت بباشا ألجأته إلى عبادة الأوثان، وأفسدتهم حتّى صار أكثر بني إسرائيل يعبدون التماثيل، كما صرّح به في الفصل السادس عشر في الآية الحادية والثلاثين من سفر الملوك الأول.
ومنها اورشليم الجديدة وهي عبارة عن مكة المعظّمة على بادئ الرأي لقوله: النازلة من السماء، لأنّ أهل الإسلام قد ذهبوا إلى أنّ قوله (أُمَّ الْقُرى ومَنْ حَوْلَها)(609) يفيد العموم وقالوا: إنّ الحجر الأسود كان قد نزل من السماء أشدّ بياضا من اللبن فسوّدته خطايا بني آدم.
وقد رواه الترمذي وصحّحه(610).
وذهب الإمامية إلى مثل ذلك(611)، فيكون قوله: اورشليم الجديدة النازلة من السماء، كناية عن مكة وهذا من قبيل إقامة الظرف مقام المظروف، وهي في جزيرة العرب قريب من ساحل البحر الأحمر في محاري طول خمسة وأربعين درجة من الطول الجديد وعرض اثنتين وعشرين درجة من الشمال.
فالأول
قوله: فاكتب إلى كنيسة افس الخ، وهي بلدة في عرض ثمان وثلاثين درجة من الشمال وطول خمس وأربعين درجة وخمس عشرة دقيقة من الطول الجديد، هذا ما يقول المراد بالكواكب الملائكة الموكلة على الكنائس من أنّه لكل كنيسة ملك وبالمنائر نفوس الكنائس، أي هذا ما يقول مولانا.
وقوله: امتحانك الأنبياء الكذبة، يشير به إلى أنّه قد خرج في زمان الفترة نبي كاذب غير بارلسوع بصيغة الجمع. قوله: لكنّك لست كما كنت، يدلّ على عدم استقامة أهل افس في دينهم. قوله: وإلّا أزلت منارتك، إمّا بتخريب البلد أو بتفريق القوم. قوله: من كانت له اذن سامعة الخ، يدلّ على أنّ هذا هو محلّ يجب استماعه. قوله: ما تقول الروح للكنائس، ذهب كافّة النصارى إلى أنّ الفاعل هاهنا هو المسيح مع أنّه مظهر يؤول إلى الروح، وطمسوا على أعين القوم بأدلّة فاسدة، والحقّ أنّ الفاعل هو الروح.
قوله: إنّي ساطعم المظفر من عود الحياة، قال النصارى: إنّ المراد بالمظفر الذي يظفر على الشيطان من أهل كلّ كنيسة فيكون عاما، والعهد الخارجي يمنعه فلا يقوم، والحقّ أنّ مراده محمّد (صلّى الله عليه وآله)؛ لأن تقييد كلا المعنيين يدلّ على أنّ موضوع الثاني غير موضوع الأوّل، ولم يأت بعد عيسى من يقوم بالأمر فيكون المنصوص عليه محمّد (صلّى الله عليه وآله) ولأنّ قوله:
وامتحانك لكذبة الأنبياء واضح الدلالة على إتيان غير الكاذب، وهذا يدلّ على فضيلته.
وفيه أنّك قد كذّبت الكاذبين فيلزمك تصديق الصادقين.
وقوله: لكنّك لست كما كنت أي لست مستعدّا في تصديق الصادق كما كنت في تكذيب الكاذب، فاحذر سقوطك، يحذره بهفوة آدم (عليه السلام) أي اذكر سقوط آدم وكيف حبط علمه لمّا عصى الله وأكل من شجرة العلم، أو منصوب بنزع الخافض: أي احذر من سقوطك وتب عمّا أنت مستهيئ له من تكذيب الصادق وإلّا فسأجيء وازيل منارتك، ثمّ رجع بعد ذلك وقال: من كانت له اذن سامعة الخ، وهذا من بليغ التأكيد، وقد تحقّق أنّ هذه الكنائس السبع قد زالت بعد ظهوره وناهيك به من تنبؤ الصادق ومن بالحقّ ناطق.
والثاني:
قوله واكتب إلى ملك كنيسة سيمرنا الخ، وهي بلد في عرض ثمان وثلاثين وخمس وثلاثين وطول خمس وأربعين من الطول الجديد. قوله هذا ما يقول الأوّل والآخر أي الذي مات وحيي. احتجّ النصارى بذلك على ربوبية المسيح وقالوا: إنّ قوله: الأوّل والآخر، يدلّ على ربوبيته؛ إذ هما من صفات الواجب تعالى، مع أنّ في قوله: مات وحيي، إضافة الموت والحياة إلى نفسه ظاهرة.
والحقّ أنّه يجيز النهوض لأنّه إن كان المراد بالأوّل القديم وبالآخر الحادث، فلا يجتمعان لأنّهما متباينان؛ لأنّ القديم إن كان بالذات فهو ما لا يكون وجدانه من غيره كواجب الوجود تعالى اسمه، وعيسى ابن مريم قد تولّد في أيّام هيروديس من أمّة مريم فليس بقديم الذات، وإن كان بالزمان فالقديم بالزمان ما لا أوّل لزمانه كالأفلاك العلوية، وعيسى متأخّر بالزمان فليس بقديم الزمان. وأمّا إن اريد به المقدّم بالرتبة في أنّه (عليه السلام) أقرب لمبدئه من ملك كنيسة سيمرنا وأنا أثق به وعليه جميع أهل التحقيق، لكن أرادوا بالآخر المتأخّر بالرتبة فمن المحال أن يجتمع المتقدّم بالرتبة والمتأخّر فيها في شخص واحد. وإن أرادوا بهما الأوّل والآخر اللذين هما من صفات الواجب تعالى فينقضهما قوله: الذي مات وحيي، لأنّ الموت من أمارات الحدث. ومن المعلوم أنّ الوجوب مباين للحدث. وأمّا إضافة الموت والحياة لنفسه فمحمول على العرف العام إذ لم يرو أحد من أهل لغة قتل الله أو موّت الله فلانا، بل المطّرد عندهم مات وحيي، فتمسّكه بهذا الدليل ليس إلّا كتمسّك الضرير الساقط في البئر بحدّ السيف الطرير.
قوله إنّي قد عرفت عملك، إلى قوله: فاصبر وأنا أعطيك إكليل الحياة، إشارة إلى وفور الشبهات التي عرضت عليهم في سنيّ الفترة، عبّر فيها باليوم عن خمسين سنة لتصير المدّة بالنظر إلى حدوث الإنسان. وقوله إنّ يوما عند ربّك كألف سنة الخ بالنظر إلى قدم الواجب، فالذي يصبر فيها ولا ينحرف إلى عبادة الأوثان اعطيه إكليل الحياة، وبديهي أن غاية الصبر لا تكون إلّا بلوغ المأمول وهو إكليل الحياة الذي كنّى به عن محمّد (صلّى الله عليه وآله).
قوله اذن الخ، حثّ على الإصغاء لأنّ الذي يأتي بعده هو غاية الكلام. قوله: المظفر لا تضرّه الموتة الثانية، يريد به محمّدا (صلّى الله عليه وآله)، والموتة الثانية مرّ ذكرها في مقدّمة هذا البحث.
والثالث
قوله: واكتب إلى ملك كنيسة بئر غاموس، وهي بلد في عرض تسعة وثلاثين درجة وعشرين دقيقة من الشمال وطول خمسة وأربعين درجة من الطول الجديد. قوله هذا ما يقول ذو السيف الحادّ: إنّي قد عرفت الخ إشارة إلى حسن اعتقادهم وعدم انحرافهم عن دينه في أوان الشبهات، إلّا أنّ بعضهم كانوا يستعملون الرياضات والطلاسم مثل بلعم بن باعور فمنع عن ذلك، وبعضهم النيقوذيمسيين، وهي إضافة إلى نيقوذيمس وهو شماس دهري فمنعهم (عليه السلام) عن اتباع شبهاته، ونيقوذيمس هذا ليس بنيقوذيمس الذي ذكر في الفصل الثالث في الآية الاولى من يوحنا، فإنّ ذلك من مقدّسي النصارى (رحمه الله). ثمّ قال: إن تركت هذين الأمرين وسلكت في سبيل الرشاد الذي أمرتك بسلوكه، وإلّا جئت وحاربتك بسيف فمي. قال بعض النصارى: إنّه يريد بسيف فمه سيف الله أبيه، فعلى هذا التقرير يكون المراد به عليّا (عليه السلام)؛ لأنّه هو سيف الله الذي قاتل مشركي اليهود والنصارى.
ثمّ قال: من كانت له اذن سامعة الخ. حثّ على الإصغاء لأنّ هذا هو مقام البحث والنزاع لا تشتبهوا فيه لما مرّ فيما قبله. قوله: إنّي سأطعم المظفر من المن المكتوم، يريد به محمّدا (صلّى الله عليه وآله) والمن المكتوم هو علم النبوّة، والمن هو ما كان ينزل من الطل على الأشجار لبني إسرائيل في بريته فارو أعطيه حصاة بيضاء. اختلف النصارى في تأويلها فأكثرهم لم يبحث في الرؤيا، والذي بحث في أوّلها قال: هذه كناية عن ما يتفضّل به عليهم من الثواب؛ لأنّ اللذة لا يعرفها إلّا من ينالها، وليس بشيء؛ إذ تشبيه اللذّة بالحصاة أمر ما أبرده، والحقّ ما ذهب إليه الإمامية في مقدّمة هذا البحث.
وقال بعض أهل التحقيق: هذه حصاة نزل بها آدم (عليه السلام) وأعطاها عند وفاته شيثا ولم تزل تنتقل من يد إلى يد حتّى أتت إلى عيسى (عليه السلام) ومنه إلى محمّد (صلّى الله عليه وآله)، ولا شكّ أنّ محمّدا إمّا أن يكون دفعها إلى عليّ (عليه السلام) أو سيدفعها إلى المهدي (عليه السلام)، لا سبيل إلى الثاني؛ لأنّ علماءنا لم يعترفوا بالرجعة وإنّما هي من خصائص مذهب الإمامية، فيكون قد فوّضها إلى عليّ (عليه السلام) وهذا ممّا يؤيّد مذهبهم.
والرابع:
قوله: واكتب إلى ملك كنيسة تاتير الخ. وهي بلد في عرض ثمان وثلاثين درجة وخمس وأربعين دقيقة من الشمال وطول خمس وأربعين درجة وعشرين دقيقة من الطول الجديد. قوله هذا ما يقول الذي عيناه إشارة إلى شدّة غضبه. وقوله رجلاه كالنحاس إشارة إلى استقامة رأيه وعزمه. قوله قد اطلعت يريد به حسن إيمانه الذي ثبت عليه في زمان الفترة، ثمّ جرحه بأنّه قد أهمل يزابيل أن تتصرّف في الكنيسة بفجورها، ولم تكن في ذلك الزمان باغية تسمّى يزابيل، لكنّه كنّى بها عن يزابيل المذكورة في مقدّمة هذا البحث لما اتبعوها في عبادة الأوثان، وأنذرهم بأنّهم إن لم يرتدعوا عمّا هم عليه وإلّا سيجيء إليهم، ويهلكهم ويجزيهم بحسب أعمالهم في زمان الرجعة مع المهدي (عليه السلام)، وإلّا فلا معنى لإتيانه ومجازاتهم. قوله من تمسّك بشريعتي فلا القي عليه ثقلا آخر من البحث فيه في البرهان الثالث عشر من المقالة الثانية من التبصرة الثالثة، أراد بذلك أنّه لا يكلّف باتباع شريعة اخرى، وفوات المشروط يمنع وقوع الشرط، لكنّه سيكلّفه به بعد إتيانه.
قوله وسأعطي المظفر الذي يحفظ أفعالي، وفي بعض التراجم كلامي، وأيّما كان المراد بحفظ أفعاله أو كلامه هو مطلق أوامره، فيرعاهم بقضيب من حديد، وقد رعاهم بحدّ ذي الفقار، وسحقهم سحق آنية الفخار. قوله كما أخذت من أبي، أي اعطيه فكما أعطاني أبي على حسب مرتبة النبوّة اعطيه على حسب مرتبة النبوّة والسلطنة، وأعطيه نجمة الصبح، يريد بذلك المهدي (عليه السلام) لأنّه ظهر في صبح اليوم الأوّل من الشهر الأوّل من السنة الاولى من العشرة الاولى من المائة الاولى من الألف السابع.
ثمّ قال: فمن كانت الخ، يحثّ على امتثال أمره واتباع حكمه إذا بعث، والاستضاءة بضياء نجمة الصبح، جعلني الله وإيّاك ممّن يستضيء ويهتدي بهداه.
والخامس:
قوله: فاكتب إلى ملك كنيسة سارديس، وهي بلدة في عرض سبع وثلاثين درجة وخمس وخمسين دقيقة من الشمال وطول خمس وأربعين درجة وخمسين دقيقة من الطول الجديد. قوله هذا ما يقول ذو الأرواح السبع الإلهية الخ، الأرواح السبع هي أرواح المنائر، هذا كما قال في الأوّل ذو الكواكب السبعة المتمشّي في وسط المنائر السبع. قوله:
قد عرفت أعمالك الصالحة وأنك لتمرّ حيّا مع أنّك ميّت أي أنّ عملك ليس بشيء، ثمّ أخذ يرغّبهم في التهيؤ لاتباع محمّد (صلّى الله عليه وآله) وقال: إنّ الذين لم يتدنسوا منهم بعصيان الإعراض عن اتباعه (صلّى الله عليه وآله) يلبسون معه البياض، أي يدخلون معه تحت ظلال نجمة الصبح، ثمّ قال: فإنّ المظفّر يلبس ثيابا بيضاء أي يدخل تحت راية نجمة الصبح، وهذا مصداق ما ذهب إليه الإمامية من باب الرجعة، فإنّهم قد اتفقوا على أنّ محمّدا وعليا وفاطمة والحسنين (عليهم السلام) يرجعون بالأجسام إذا ظهر المهدي (عليه السلام).
قوله: لا أمحو اسمه، ترغيب آخر لهم في اتباع شريعته حيث قال: إنّه يظهر فضيلتهم أمام الله وأمام ملائكته، أي يعترف بأنّ هؤلاء الذين اتبعوني وامتثلوا أمري ثمّ أزاد الترغيب بالتأكيد والتخصيص، وقال فمن كانت له الخ يريد به أن هذا كلام روح الله ولا شكّ في وقوعه، فاسمعوا وعده فإنّكم مسئولون.
السادس: قوله: واكتب إلى ملك كنيسة دلفية، وهي بلدة في عرض ثمان وثلاثين درجة وعشرين دقيقة من الشمال، وطول ست وأربعين درجة وعشرين دقيقة من الطول الجديد.
قوله هذا ما يقول الخ يريد بالمقدس الحقيقي درجة النبوّة، لأنّ السلطان ملك غير حقيقي أي زائل المملكة، وأمّا النبي فإنّ ملكه حقيقي، وهذا أيضا ممّا يشير إلى عدم احتياج أمّة أحد الأنبياء إلى تقيد الآخر، والمراد بالمفتاح هو الاقتدار الحقيقي كأنّما قال: إنّي أنتهز القاضي والمفتي فأفتي بالإطلاق واطلق وامنّي بالحبس وأحبس، ولم تجمع هاتان الصفتان في شخص واحد، واظهر له أنّه عرفت كيفية أعماله، وأفتح له بابا لن يغلق، وأنه سيذلّ له المتهودون الكذّابون، أي الذين لم يتمسّكوا بتوراة موسى، وقد فعل ذلك وسلّط عليهم اليونانيين والروم فأخذوهم أخذ عزيز مقتدر، وإنّه سيحافظ عليه ساعة الامتحان أي ساعة خروج الدجّال المسيح الكذّاب لعنه الله.
ثمّ أخذ يحذّره وحيث قال: فتمسّك بما عندك لئلّا يؤخذ تاجك إشارة إلى ما يجب على النصراني المشرك إذا لم يعترف بنبوّة ربّ الجنود من أداء الجزية، ثمّ أكّد ذلك وقال: فإنّي سأجعل المظفر الخ العمود الدعامة، وهيكل إلهه هو هيكل إلهنا أعني الكعبة شرّفها الله تعالى، ومدينة إلهه أورشليم الجديدة هي مكّة زادها الله شرفا، والمراد بنزولها من السماء هو نزول الحجر الأسود كما مرّ في مقدّمة هذا البحث، ثمّ زاده تأكيدا وقال: وكتب عليه اسمي الجديد، يعني الفار قليطا.
ثم زاد في التأكيد بالتخصيص حيث قال: فمن كانت له اذن الخ، حثّا على ترغيب القوم وتخويفهم بالوعد والوعيد.
السابع: قوله: واكتب إلى ملك كنيسة لاذقية، وهي بلدة في عرض ثلاثين درجة وثلاثين دقيقة من الشمال وطول سبع وأربعين درجة من الطول الجديد. قوله هذه هو ما يقول الخ أي غاية قوله: وأمين عجمة عبرانية بمعنى ليكن كذلك، وتكلّف المفسّرين لها جهل بحت، ونصيرها علما للمتكلّم إشارة إلى نفوذ الكلام، ووصفه نفسه بالشاهد الأمين بيانا لأنّه لم يأت إلّا شاهدا لمحمّد (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ وصف الشاهد بالأمين إخراجا له من الخائن، يريد به أنّه لم يكتم شهادته، بل إنّه أدّاها على سبيل إعلام، وضرب بها الأمثال، والحقيقي الذي يباين المجازي يريد به أنّه ليس بشاهد مجازي يشهد أمام القاضي الحقيقي على الأمر الحقيقي، واتّصافه برأس خليفة الله إشارة إلى فضيلة الأنبياء.
وقوله إنّه قد عرف أنّه فاتر وسيتقياه لفتوره إشارة إلى عدم تعصّب أهل كنيسته في مذهبهم ومداهنتهم مع اليونانيين والملاحدة، ثمّ وصفه بالفقر وأمره بشراء الذهب إشارة إلى تبشيره بالشريعة الغرّاء، ولباس البياض حثّ إلى الإعراض عن سبيل الضلال، والتكحّل أمر بإمعان النظر في معاني كلامه ليحصل له الغنى الحقيقي في الدين، ويستر بالسرور الذي لا زوال له ويشاهد حقائق الأشياء كما هي عليه في نفس الأمر. (وقوله) اؤدّب من أحبّه بيان لكمال اللطف على أهل كنيسته، ثمّ أمره بالتوبة بعد ما هدّده بالتأدّب وأخبره بسرعة إتيانه وقرب زمانه.
ثمّ قال: وسأجلس المظفر معي على كرسيي، تأكيد آخر برجعة محمّد (صلّى الله عليه وآله) زمان ظهور المهدي (عليه السلام) وتأييد لما يزعمه الإمامية من باب الرجعة، فمن كانت له اذن سامعة فليستمع ما يقول الروح للكنائس، ويرغب في آجل الثواب ويحذر من عاجل العقاب ويتهيّأ بشريعة ربّ الجنود ويدلي بحاجته إلى النجاح وينتظم في حزب نجمة الصباح، جعلني الله وإيّاك ممّن يفوز بلقائه ويسلك في سلسلة أوليائه.
البشارة الثالثة
وفيه: البرهان الثالث ما ترجمته: وسيولم ربّ الجنود لجميع الناس في هذا الجنود ويدلي بحاجته إلى النجاح وينتظم في حزب نجمة الصباح. جعلني الله في تأويل هذا النصّ، فقال اليهود: إنّ المراد بربّ الجنود هو المسيح المزمع بالإتيان. وقال النصارى: بل هو عيسى ابن مريم (عليه السلام) لأنّه كان قد صيّر الماء في قانى الجليل خمرا كما حرّر في الفصل الثاني في الآية الاولى من يوحنا، وليس بشيء، لأنّ قوله: ربّ الجنود لا يتناول عيسى ابن مريم لأنّه لم يكن ذا جند، ولأنّ الضيافة المذكورة هاهنا لا بدّ أن تكون لجميع الناس أو لأعظم النصفين، أو أن يكون فيها من كلّ حزب من بني آدم جماعة، وضيافة الجليل لم تكن إلّا وليمة عرس، فلا يصدق عليها.
والمراد بربّ الجنود وهو المهدي (عليه السلام) فيكون هو المقصود من هذا النصّ. فإن قلت: لم لا يكون المقصود محمّدا (صلّى الله عليه وآله)؛ لأنك قد وصفته بربّ الجنود. قلت: ولأني قد صرّحت فيما قبل هذا بأنّه لم يذهب إلى اورشليم إلّا ليلة الإسراء ولم يضيف هناك أحدا، وقد ذكرت لك ما ذهب إليه القوم من مسير المهدي (عليه السلام) إلى اورشليم وتعميرها وإقامة دعائمها فيما مرّ آنفا فتذكّره، فلا يكون إلّا هو.
البشارة الرابعة
لا يخفى أنّه يناسب ذكر البشارة السابعة قبل ذلك، فيه في البرهان الخامس في الفصل الحادي والعشرين في الآية العاشرة من كتاب الرؤيا من كتب العهد الجديد(612) ترجمتها بالعربية: فأخذتني الروح إلى جبل عظيم شامخ، وأرتني المدينة العظيمة اورشليم المقدّسة نازلة من السماء من عند الله وفيها مجد الله، وضوؤها كالحجر الكريم، كحجر اليشم والبلور، وكان لها سور عظيم عال واثنا عشر بابا، وعلى الأبواب اثنا عشر ملكا، وكان قد كتب عليها أسماء أسباط إسرائيل الاثني عشر.
أقول:
لا تأويل لهذا النصّ بحيث أن يدلّ على غير مكّة شرّفها الله تعالى، والمراد بمجد الله بعثته محمّدا (صلّى الله عليه وآله) فيها، والضوء عبارة عن الحجر الأسعد، وتشبيهه باليشم والبلور إشارة إلى صحيح الروايات التي وردت في أنّه لمّا نزل كان أبيض. والمراد بالسور هو ربّ الجنود والأبواب الاثني عشر أولاده الأحد عشر وابن عمّه علي وهم: الحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والقائم المهدي (عليه السلام) محمد، وقوله:
وعلى الأبواب الاثني عشر اثنا عشر ملكا، يدلّ على عظم رتبته وعلى عموم نبوّته وقيام دعوته على انقياد جميع الأسباط له، والأسباط الاثنا عشر عبارة عن أولاد يعقوب (عليه السلام) وهم:
روبين وشمعون ولاوي ويهودا واسحر وزابلون وبنيامين ودان ونفتالى وياد وعاشر ويوسف (عليه السلام) وهذا مصداق لقوله [تعالى] (لولاك لما خلقت الأفلاك)(613).
البشارة الخامسة
فيه: البرهان السادس ما ورد في الفصل الحادي والعشرين أيضا في الآية الرابعة عشرة من كتاب الرؤيا ما ترجمته بالعربية: ولسور المدينة اثنا عشر أساسا، وعليها أسماء رسل الحمل الاثني عشر(614).
أقول:
هذا تأكيد صريح لما قبله، والاثنا عشر الأساس هم الأئمّة الاثنا عشر، ورسل الحمل الاثنا عشر هم الحواريون الاثنا عشر (رض) وهم: شمعون وبطرس واندرياس ويعقوب ويوحنا وفيلبوس وبرتولو وملئوس وتوما ومتى ويعقوب ولباؤس وشمعون القاني وبرلوص على راني انا لأن يهودا الاسخريوطي(615) كان قد خنق نفسه وهلك واقيم برلوص مقامه، وفيه إشارة إلى انقياد جميع المذاهب العيسوية لشريعة خير البرية.
البشارة السادسة
فيه: البرهان السابع ما ورد في الفصل الحادي والعشرين من الآية الحادية والعشرين من الرؤيا من كتب العهد الجديد ما ترجمته بالعربية: والأبواب الاثنا عشر لؤلؤا كلّ واحد من الأبواب كان من لؤلؤة واحدة، وساحة المدينة من الذهب الابريز كالزجاج الشفّاف(616).
أقول:
بيان لما قبله وصفة للأبواب، وكون كل باب من لؤلؤة واحدة فيه إشارة إلى ما يدّعيه الإماميون من عصمة أئمّتهم؛ لأنّ اللؤلؤة كروية، ولا شكّ أنّ الشكل الكروي لا يمكن انشلابه؛ لأنّه لا يباشر الأجسام إلّا على ملتقى نقطة واحدة، كما صرّح به اوقليدس، والأصل في عصمة الإمام أما عند أهل السنّة والجماعة فإن العصمة ليست بشرط، بل العمدة فيه انعقاد الإجماع، وأمّا عند الإمامية فهي واجبة فيه لأنّه لطف، ولأنّ النفوس الزكية الفاضلة تأبى عن اتباع النفوس الدنية المفضولة، وعدم العصمة علّة عدم الفضيلة، ولهما فيها بحث طويل لا يناسب هذا المقام(617).
قوله: وساحة المدينة من الذهب الإبريز كالزجاج الشفاف يريد بذلك أهل ملّته لأنّهم لا ينحرفون عن اعتقادهم ولا ينصرفون عن مذهبهم في حالة العسرة، وأمّا الذين أغواهم قسوس الانكتاريين فمن الجهّال الذين لا معرفة لهم باصول دينهم، وهذا هو مصداق قوله (عليه السلام): (أنا مدينة العلم وعلي بابها)(618).
البشارة السابعة
وفيه: البرهان الرابع في الفصل الحادي عشر في الآية الاولى من كتاب شعيا ما ترجمته بالعربية: وسيخرج من قيس الآس عصا وينبت من عروقه غصن وستستقر عليه روح الرب أعني روح الحكمة والمعرفة، وروح الشورى والعدل، وروح العلم وخشية الله، وتجعله ذا فكرة وقّادة، مستقيما في خشية الربّ، فلا يقضى كذا عجايبات الوجوه ولا يدين بمجرّد السمع(619)، ثمّ ذكر تأويل اليهود والنصارى هذا الكلام وردّه وقال: فيكون المنصوص عليه هو المهدي (عليه السلام) بعينه بصريح قوله: ولا يدين بمجرّد السمع، لأنّ المسلمين أجمعوا على أنّه رضي الله عنه لا يحكم بمجرّد السمع والحاضر، بل لا يلاحظ إلّا الباطن، ولم يتّفق ذلك لأحد من الأنبياء والأوصياء، إلى أن قال: وقد اختلف المسلمون في المهدي (عليه السلام) فقال أصحابنا من أهل السنّة والجماعة: إنّه رجل من أولاد فاطمة يكون اسمه محمّد واسم أبيه عبد الله واسم أمّه آمنة.
وقال الإماميون: بل إنّه هو محمّد بن الحسن العسكري (عليه السلام)، وكان قد تولّد سنة خمس وخمسين بعد المائتين من فتاة للحسن العسكري (عليه السلام) اسمها نرجس في سر من رأى بزمن المعتمد، ثمّ غاب سنة ظهر ثمّ غاب وهي الغيبة الكبرى، ولا يئوب بعدها إلّا إذا شاء الله، ولما كان قولهم أقرب لتناول هذا النص وكان غرضي الذبّ عن ملّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) مع قطع النظر عن التعصّب في المذهب؛ ذكرت لك مطابقة ما يدّعيه الإماميون مع هذا النصّ.
انتهى.
ثمّ ذكر بعد ذلك: إذا علمت ذلك فاعلم أن ما تحقّق عندي هو أنّ عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، فمن خلقة آدم إلى مولد موسى (عليه السلام) ثمان وستّون سنة بعد ثلاثمائة وألفي سنة، ومن مولد موسى إلى مولد عيسى اثنتان وتسعون بعد ثلاثمائة وألف سنة، ومن مولد عيسى إلى مولد محمّد (صلّى الله عليه وآله) ثلاث عشرة وستمائة سنة، ومن ميلاد محمّد إلى بعثته أربعون سنة، يصير الجميع من خلقة آدم إلى ميلاد محمّد (صلّى الله عليه وآله) ثلاثا وسبعين بعد أربعمائة وأربعة آلاف سنة، فينبغي أن يكون من بعثة محمّد (صلّى الله عليه وآله) إلى ظهور المهدي (عليه السلام) مدّة سبع وثمانين بعد خمسمائة وألف سنة مضت منها احدى وأربعون ومائتان وألف سنة وبقيت ست وأربعون وثلاثمائة سنة(620) حتّى تتمّ مدّة ستّة آلاف سنة، فبعد مضي هذه المدّة يظهر المهدي ويملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما، وتسلّط بنو هاشم على جميع المسكونة مدّة ألف سنة، وحينئذ يعلم الظالمون أي منقلب ينقلبون. وأمّا ما ذكره بعض العلماء من أنّ المدّة الفاصلة بين محمّد (صلّى الله عليه وآله) وبين المهدي (عليه السلام) ألف سنة فليس بشيء، برهان ساباطية.
البشارة الثامنة
فيه: البرهان الثامن ما ورد في الفصل الثاني والعشرين في الآية الاولى من كتاب الرؤيا ما ترجمته بالعربية: قوله: وأراني في وسطها نهرا معينا من ماء الحياة، مضيئا كالبلّور خارجا من كرسي الله والحمل، وفي أزقّتها وعلى كلّ طرف من طرفي النهر شجرة الحياة تثمر في كلّ شهر اثنتي عشرة ثمرة، وأوراق الأشجار شفاء الامم(621).
أقول:
هذه كناية ظاهرة في حقّ آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)، والنهر هو شريعة محمّد، وكرسي الله والحمل هو السماء والحمل لقب عيسى (عليه السلام)، والشجرة هي محمّد (صلّى الله عليه وآله)، والثمرات الاثنتا عشرة هم: علي وأولاده الأحد عشر على رأي الإمامية، والتثنية للتأكيد بتكرير الجملة، كما تقول: رأيت زيدا أخاك رأيت زيدا أخاك، وأوراق الأشجار هم السادة الذين هم من ولد فاطمة (رض)، الذين هم شفاء العالم، الذين حرّمت عليهم نار جهنّم، وإنّما قلت: حرّمت عليهم نار جهنّم، لأنّ الجنين يتركّب من كلا الماءين، وليس في الوجود جزء لا يتجزّأ، فإذا تأذّى السيّد يتأذّى ربّ الجنود بأذيته وذلك ممتنع عليه، وفيه بحث طويل لطيف، ولك أن تقول: إنّ النهر نفس محمّد (صلّى الله عليه وآله) والشجرتان فاطمة وعلي، ثمّ تقول والأثمار الاثنتا عشرة هم الأئمّة الاثنا عشر بدخول علي فيهم، والأوراق أولادهم، وهذا المقدار في الأمثال مقنع لمن له اذن واعية وفطنة كافية، وقد فسّرته بهذا التفسير للمطابقة مع ما قبله وإلّا فعليهم أن يفسّروا، وعليّ أن أمنع.
البشارة التاسعة
فيه: البرهان الحادي عشر ما ورد في الفصل الثالث من الآية الرابعة من لوقا(622)، وفي الفصل الخامس والأربعين في الآية الثالثة من كتاب أشعيا(623) [ما] ترجمته بالعربية: صوت صارخ في البرية، أعدّوا طرق الرب وهيّئوا سبله فإنّ كلّ واد سيمتلئ، وكلّ جبل وأكمة(624) ستتضع، وتعتدل المعوجات وتلين الصعاب ويشاهد خلاص الله كلّ ذي جسد.
أقول:
هذا من أوضح البراهين الواردة في شأن محمّد (صلّى الله عليه وآله) وقد تغافل اليهود والنصارى عنه، فأوّله اليهود في شأن مسيحهم الموهوم، وأوّله النصارى في حقّ إلههم المعلوم، والحقّ أنّه لا يدلّ على ذلك، أمّا أنّه لا يدلّ على المسيح الموهوم فلأنّ سياقه في أشعيا: سلوا شيعتي سلوهم، قال إلهكم: سلوا اورشليم وقولوا لها إنّ تعبها قد تمّ وخطيئتها قد غفرت؛ لأنّه قد وقع عليها من يد الرب لخطيئتها ضعفان من العذاب، وهذا صوت صارخ يقول في البرية: يئسوا طريق الرب ووطّئوا لأجل إلهنا في البادية سبيلا مرتفعا، فإن كلّ واد سيرتفع وكلّ جبل وأكمة ستتضع، وسيعتدل المعوج وستلين الصعاب وسيظهر مجد الله ويشاهده كلّ ذي جسم، لأنّ فم الله نطق به فقال الصوت: أصرخ، فقال: بما ذا أصرخ فإنّ جميع الأجسام كلاء وكلّ مجد ماكم هر الحقل ما لكلاء يذبل والزهر يسقط، لأنّ روح الربّ ترف عليه ولا شكّ أن تملأ كلاء فيجفّ الكلاء ويسقط الزهر، وكلمة الله تمكث إلى الأبد.
فمن قوله: سلوا، إلى: من العذاب؛ ظاهر الدلالة على أنّ الواجب تعالى يقول لنبيّه أن يسلي ويخبر أمّته بما هو مزمع الوقوع، وباستقامتكم دعائم اورشليم في آخر الزمان. وفي قوله: ضعفان من العذاب، إشارة إلى أنّها كانت قد أخطأت فانتقم الله منها بما أحدث عليها من الذلّ بعد المسيح (عليه السلام) في أيّام تسلّط الروم والنصارى عليها إلى زمان محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وبعد محمّد أيّام تسلّط العرب عليها، وهي أيامنا هذه إلى زمان ظهور القائم (عليه السلام)، وبعد ذلك تستقيم دعائمها وتعمر رسومها، وقد ذكر بعض المحقّقين أنّ المهدي (عليه السلام) سينطلق إلى اورشليم ويصلّي فيها ويجتمع هناك بالمسيح عند نزوله.
ومن قوله: هذا صوت صارخ، إلى قوله: نطق به، إشارة إلى يحيى بن زكريا (عليه السلام) لما كان يعظ بهذه الجملة على شاطئ شط الأردن، وقوله: وطّئوا له في البادية سبيلا مرتفعا، لا يدلّ على غير السبيل المستقيم من مكة إلى اورشليم البتة؛ لأنّ اورشليم ليست في البادية.
وقوله: فإنّ كلّ واد، يريد به الجهال كأهل السواحل، والارتفاع عبارة عن الصعود على ذروة طود الايمان وكلّ جبل، وأكمة يشير به إلى الجبابرة من الفرس والروم، والاتضاع الانقياد إلى أواخر الدين الحنيف وسيعتدل المعوج، إشارة إلى اليونانيين وحكماء الهند بقبول الشريعة الغرّاء لانحرف طبائعهم عن الانعطاف إلى اتباع النواميس الإلهية. وقوله: تلين الصعاب، كناية عن العرب لأنّهم هم أقوى الناس جنانا وأبعدهم إيمانا، وإلى ذلك أشار بقوله [تعالى] (ولَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ)(625) الخ. وقوله: سيشاهد مجد الله، أي المهدي (عليه السلام) والسين لاستقبال البعيد والمعنى: إنّه إذا كملت جميع هذه الامور وبعث محمّد (صلّى الله عليه وآله) يظهر المهدي (عليه السلام).
وقوله: لأنّ فم الربّ قد نطق به، إشارة إلى وجوب وقوعه، ومن قوله: فقال الصوت اصرخ الخ، ضرب من شديد التأكيد لوجوب وقوعه بلا دلالة لشيء منه على مسيح اليهود الموهوم، اللهمّ إلّا أن يريدوا أنّ المسيح نفس المهدي (عليه السلام)، فحينئذ يلزمهم الاعتراف بنبوّة عيسى ومحمّد (صلّى الله عليه وآله) وأمّا أنّه لا يدلّ على عيسى ابن مريم (عليهما السلام) فلأنّ سياقه في أشعيا قد مرّ بيانه ولا محتمل له غيره، ولأن لوقا لم يذكره مستدلّا به عليه ولا قرينة هناك يؤول إليها الضمير، بل إنّه جملة مستأنفة في أوّل الإصحاح، ومضمون الإصحاح على الإجمال أن لوقا أخبر أنه في زمان كذا جاء يحيى بن زكريا إلى البرية ويصرخ ويقول كذا، وهذا لا يدلّ على المسيح ابن مريم بوجه من الوجوه، لكنّه يدلّ على بعثة محمّد (صلّى الله عليه وآله) وقيام المهدي (عليه السلام)؛ لأنّ الجملة مستأنفة والقاعدة في المستأنفات أن تحمل على ما يناسبها فيكون ما ذكره لوقا ضربا من التأكيد لكلام أشعيا لا غير، فعليك أن تتأمّل في هذا البرهان فإنّه في غاية اللطافة.
البشارة العاشرة
في الدمعة الساكبة عن المقتضب عن حاجب بن سليمان أبو موزج السدوي قال: لقيت ببيت المقدس عمران بن خاقان الوافد إلى المنصور على يهود الجزيرة وغيرها، أسلم على يد أبي جعفر المنصور، وكان قد غلب حجج اليهود ببيانه وعلمه، وكانوا لا يستطيعون جحده لما في التوراة من علامات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والخلفاء من بعده، فقال لي يوما: يا أبا موزج إنّا نجد في التوراة ثلاثة عشر اسما منها محمد واثنا عشر بعده من أهل بيته هم أوصياؤه وخلفاؤه، مذكورون في التوراة، وليس فيهم القائمون بعده من تيم ولا عدي ولا بني امية، وإنّي لأظنّ ما تقول هؤلاء الشيعة حقّا. قلت: فأخبرني به، قال: لتعطيني عهد الله وميثاقه أن لا تخبر الشيعة بشيء من ذلك فيظهروه عليّ. قلت: وما تخاف من ذلك والقوم من بني هاشم؟ قال: ليست أسماؤهم أسماء هؤلاء، بل هم من ولد الأوّل منهم وهم محمد ومن بقيّته في الأرض من بعده، فأعطيته ما أراد من المواثيق، وقال لي: حدّث به بعدي إن تقدمتك وإلّا فلا عليك أن لا تخبر به أحدا: نجدهم في التوراة عبارة ذكر ترجمتها: إن شموعل يخرج من صلبه ابن مبارك - صلواتي عليه - يلد اثني عشر ولدا، يكون ذكرهم باقيا إلى يوم القيامة، وعليهم القيامة تقوم، طوبى لمن عرفهم بحقيقتهم(626).
البشارة الحادية عشرة
فيه: عن الإقبال عن أبي المفضل في حديث طويل: أن علماء نصارى نجران أحضروا صحيفة آدم الكبرى ونقلوا منها كلاما طويلا في الإخبار بالنبي (صلّى الله عليه وآله) ونعته وصفة أهل بيته وأوصيائه ومنازلهم ومرتبتهم عند الله عزّ وجلّ، إلى أن قال: ثمّ صار القوم إلى ما نزل على موسى فألغوا في السفر الثاني من التوراة: إنّي باعث في الاميين من ولد إسماعيل رسولا انزل عليه كتابي وأبعثه بالشريعة القيّمة إلى جميع خلقي، اوتيه حكمي واؤيّده بملائكتي وجنودي، يكون ذريته من ابنة له مباركة باركتها ثمّ من شبلين لها كإسماعيل وإسحاق، أصلين شعبين عظيمين، أكبرهم جدّا جدّا، يكون منهم اثنا عشر قيّما، أكمل لمحمّد (صلّى الله عليه وآله) وبما أرسله به من بلاغ وحكمة ديني، وأختم به أنبيائي ورسلي، فعلى محمّد (صلّى الله عليه وآله) وأمّته تقوم الساعة. الحديث(627).
البشارة الثانية عشرة
فيه: عن علي بن عيسى في كشف الغمّة: حكى لي بعض اليهود ورأيته أنا في توراة معرّبة وقد نقله الرواة أيضا: إسماعيل قبلت صلواته وباركت فيه وأنميته وكثّرت عدده بمادماد، وقيل: معناه محمّد (صلّى الله عليه وآله) وعدد حروفه اثنان وتسعون حرفا، ساخرج اثنا عشر إماما ملكا من نسله وأعطيه قوما كثير العدد. وأوّل هذا الفصل بالعبري: لا شموعيل شمعثخوا. انتهى(628).
البشارة الثالثة عشرة
فيه: عن كتاب إثبات الهداة عن الشيخ المفيد في جواب المسائل السروية: قد بشّر الله عزّ وجلّ بالنبي والأئمّة في الكتب الاولى فقال في بعض كتبه التي أنزلها على أنبيائه وأهل الكتب يقرءونه واليهود يعرفونه: أنه ناجى إبراهيم في مناجاته: إنّي قد عظمتك وباركت عليك وعلى إسماعيل، وجعلت منه اثني عشر عظيما وكبرتهم جدّا جدّا، وجعلت منهم شعبا عظيمة لامّة عظيمة، وأشباه ذلك كثيرة في كتب الله تعالى، انتهى(629). وعن الشيخ زين الدين علي بن محمد بن يونس البياضي في كتاب الصراط المستقيم: في السفر الأوّل من التوراة: نزل الملك على إبراهيم (عليه السلام) وقال: إسماعيل يلد اثني عشر عظيما(630).
البشارة الرابعة عشرة
فيه: عن كتاب الغيبة ما هذا نصّه: فما ثبت في التوراة ممّا يدلّ على الأئمّة الاثني عشر ما ذكر في السفر الأوّل فيها من قصّة إسماعيل بعد انقضاء قصة سارة، وما خاطب الله به إبراهيم في أمرها وولدها قوله عزّ وجلّ: وقد أجبتك دعاءك في إسماعيل وقد سمعتك ما باركته وسأكثره جدّا جدّا، وسيلد اثني عشر عظيما أجعلهم أئمّة كشعب عظيم. ثمّ قال:
و أقرأني عبد الحكيم بن الحسن السمري (رحمه الله) ما أملاه عليه رجل من اليهود بأرجان يقال له الحسن بن سليمان من علماء اليهود، بها من أسماء الأئمّة بالعبرانية وعدّتهم، وقد أثبته على لفظه وكان فيها قراءة: إنّه يبعث من ولد إسماعيل - واسم إسماعيل في التوراة اشموعيل - ميمي ما يد يعني محمّدا، يكون سيّدا ويكون من آله اثنا عشر رجلا أئمّة وسادة يقتدى بهم:
تقوبيث قيذوا دبيرا مغسورا مسموعا دوموه مشبو هذار يثيمو بطور توقس قيذموا. وسئل هذا اليهودي عن هذه الأسماء في أي سورة هي فذكر أنّها في سدّ سليمان، أي في قصّة سليمان، وقرأ منها أيضا كلاما تفسيره وترجمته: إنّه يخرج من صلب إسماعيل ولد مبارك عليه صلواتي وعليه رحمتي يلد منه اثنا عشر رجلا يرتفعون وينجلون، ويرتفع اسم هذا الرجل ويحلو بعلو ذكره، وقرأ هذا الكلام والتفسير على موسى بن عمران بن زكريا اليهودي وقال فيه إسحاق بن إبراهيم يحسبونه اليهودي العيسوي مثل ذلك، وقال سليمان بن داود النوشجاني مثل ذلك. آخر كلام النعماني(631).
البشارة الخامسة عشرة
فيه: عن المقتضب عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب: كنت مع أبي عند كعب الأحبار فسمعته يقول: إنّ الأئمّة من هذه الامّة بعد نبيّها على عدد نقباء بني إسرائيل، وأقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال كعب: هذا المقبل أوّلهم وأحد عشر من ولده، وسمّاهم كعب بأسمائهم في التوراة: تقوبيث قيذوا دبيرا مغسورا مسموعا دوموه مشيو هذاريتيمو(632) بطور توقس قيذموا. قال أبو عامر هشام الدستواني: لقيت يهوديا بالحيرة يقال له: عثوا بن أوسوا(633) وكان حبرا لليهود وعالمهم فسألته عن هذه الأسماء وتلوتها عليه. فقال لي: من أين عرفت هذه النعوت؟ قلت: هي أسماء. قال: ليست أسماء لو كانت أسماء لتطرّزت في تواطؤ الأسماء، ولكنّها نعوت لأقوام وأوصاف بالعبرانية صحيحة نجدها عندنا في التوراة، ولو سألت عنها غيري لعمي عن معرفته أو تعامى. قلت: ولم ذلك؟ قال: أمّا العمى فللجهل بها، وأمّا التعامي لئلّا يكون على دينه ظهيرا وبه خبيرا، وإنّما أقررت لك بهذه النعوت لأني رجل من ولد هارون بن عمران، مؤمن بمحمّد، أسر بذلك عن بطانتي من اليهود الذين لم اظهر لهم الإسلام ولن اظهره لأحد بعدك حتّى أموت.
قلت: ولم ذلك؟ قال: لأنّي أجد في كتب آبائي الماضين من ولد هارون أن لا نؤمن بهذا النبي الذي اسمه محمّد (صلّى الله عليه وآله) ظاهرا ونؤمن به باطنا حتّى يظهر المهدي القائم (عليه السلام) من ولده، فمن أدركه منّا فليؤمن به، وبه نعت الأخير من الأسماء. قلت: وبما نعت به؟ قال: نعت بأنّه يظهر على الدين كلّه، ويخرج إليه المسيح فيدين به ويكون له صاحبا. قال: فانعت لي هذه النعوت لأعلم علمها؟ قال: نعم فعه عنّي وصنه إلّا عن أهله وموضعه: أمّا تقوبيث فهو أول الأوصياء ووصي آخر الأنبياء، أما قيذوا فهو ثاني الأوصياء وأوّل العترة الأصفياء. وأمّا دبيرا فهو ثالث الأوصياء وثاني العترة وسيّد الشهداء، وأمّا مغسورا فهو سيّد عبد الله من عباده، وأما مسموعا فهو وارث علم الأوّلين والآخرين، وأمّا دوموه فهو المدره الناطق عن الله الصادق، وأمّا مشيو فهو خير المسجونين في سجن الظالمين، وأمّا هذار فهو المنخوع(634) بحقّه النازح عن الأوطان الممنوع، وأمّا يثيمو فهو القصير العمر الطويل الأثر، وأمّا بطور فهو رابع أي رابع من سمي بهذا الاسم اسمه، وأمّا توقس فهو سمّي محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وأمّا قيذموا فهو المفقود من أبيه وأمّه، الغائب بأمر الله بعلمه والقائم بحكمه(635).
البشارة السادسة عشرة
فيه: عن كتاب ضياء العالمين عن الشيخ محمد بن علي الكراجكيّ وبعض علماء اليهود بعد إسلامه، في رسالته التي ألّفها في بشارات الله وأنبيائه بمجيء نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ قال:
وقد صرّح جمع بأنّها في السفر الأوّل من التوراة، في ذكر البشارة لإبراهيم في قبول دعائه في حقّ إسماعيل، ثمّ ذكر العبارة ولغته ملخّص ما فيه: وفي إسماعيل سمعت دعاءك، ها أنا باركته وأثمرته وكثرته بعظيم عظيم أو بمحمّد واثني عشر شريفا يولدون منه، وأعطيته لقوم عظيم كبير(636).
البشارة السابعة عشرة
في قوام الأمّة عن مكاشفات يوحنا في الباب الثاني عشر في الآية الاولى ما ترجمته: إنّه ظهر في السماء علامة وهي امرأة لبست الشمس، وتحت رجليها القمر، وعلى رأسها تاج من اثني عشر كوكبا، فبينما هي حامل وإذا بثعبان سيمتلئ، وكلّ جبل وأكمة ستتضع وتعتدل المعوجات وتلين الصعاب، تلك الكواكب على الأرض والثعبان واقفة عند المرأة الحاملة على الوضع لتأخذ مولودها بعد وضعها، فوضعت ذكرا سويا يحكم على جميع الطوائف بعصا من حديد، فاجتلب وأخذ إلى الله وبلغ إلى مقرره وسريره، انتهى(637).
قال المؤلّف: المراد بالمرأة هي فاطمة الزهراء حيث غلبت نورها الشمس، والقمر تحت رجلها وهي أعلى وأجلّ، بل نوره جزء من آلاف جزء من أجزاء نورها ومكتسب منها، والتاج المشتمل على البروج الاثني عشر الأئمّة الاثنا عشر (سلام الله عليهم أجمعين)، والمراد من تلك الثعبان شجرة بني أمية، الشجرة الخبيثة، قتلت الكواكب المعنوية المشرقة، والمراد من الطفل هو الإمام القائم (عليه السلام) الغائب، حيث أراد الأعداء قتله فاختفى وحجب عن الأبصار، والعصا الحديد كناية عن السيف، فيقاتل من على وجه الأرض من الطوائف بالسيف ويملأ الأرض قسطا وعدلا ويضمحل وينهدم بنيان الكفر والضلال والظلم، وليس مراد اليسوع المسيح لأنّه (عليه السلام) لم يقاتل قط، وإنّما كان المسيح مظهرا للرحمة، ويمكن أن يكون المراد من النجوم الاثني عشر محمّدا (صلّى الله عليه وآله) وعليا والعشرة من أولاده، والقمر كناية عن القائم (عليه السلام)، ولا ينطبق على مريم واليسوع والحواريين؛ لأنّهم وإن كانوا اثني عشر إلّا أنّه ارتدّ واحد منهم فينافي العدد المعلوم.
وما فسّره بعض علماء النصارى من أنّ المراد من المرأة هي المعبد والكنيسة، والنجوم الاثني عشر عبارة عن الحوراء الملازمة لها الحافات حولها، وذلك حيث ذكر في الباب الثاني من المكاشفات أن اكتب للحوراء الموكّلة بكنيسة أقس أنّ من بيده النجوم السبع يسير في المصابيح السبعة المذهبة، ففيه أن الكنائس لا تشتمل على الحور ولا يناسب ذكر النجم لها أيضا وبعيد جدّا، والتعبير عن الخادم والحارث والحفظة مع ما هم عليه من الظلمة بالنورانية والبهاء أبعد خطأ عند العقلاء.
البشارة الثامنة عشرة
في حسام الشيعة(638) عن الفصل العاشر من كتاب عزير(639) أن أهل سامراء يشردون سلطانهم ورئيسهم على وجه الماء كزبد البحر. والمسيحية يؤوّلون هذه الآية ويطبقونها على المسيح ولا نسبة للمسيح وسامراء بوجه من الوجوه أبدا وعدم المناسبة ظاهر، كما أن انطباقه على القائم (عليه السلام) ظاهر وصريح لما رأوه في سرداب داره منهزما مستترا عن أبصار الظلمة على البحر الذي ظهر هناك بإعجازه (عليه السلام) فغاب عنهم، والسرداب ذاك حينئذ مقام معروف، مزار للشيعة مع أنّهم لم يذكروا ولم ير في تواريخهم شيء من فرار المسيح أو مروره على هذا الطريق والأراضي، فلا ينطبق عليه قطعا، هذا مع ما في ذلك الفصل من الكتاب المذكور حيث يقول الله سبحانه إغضابا لتلك البلدة ما حاصله وترجمته: إنّه يهجم بهم سامراء لأنّ أهلها أغضبوا ربّهم، ويقطّع أطفالهم إربا إربا ويشقّ بطون نسائهم الحبليات، والمواعيد المعلومة كناية عن هجمها، وقد وقع جميع ذلك بعد غيبته.
البشارة التاسعة عشرة
فيه: ما ناجى الله داود في السفر الحادي والسبعين من الزبور قوله: اللهمّ أعط قيامتك للسلطان وحجّتك لذريته، إلى أن يقول: وسيظهر في دولته حجّة ويزيد العدل والقسط إلى أن يزول القمر، ويحكم من البحر إلى البحر، ومن الوادي إلى جميع ما على وجه البسيطة، وتنعطف له العالم، وتقبّل رجله الجيش، وتلعس الأرض عنده الأعداء، وتهدى إليه الهدايا من سلاطين الجزائر ويقدم له من سلاطين العرب واليمن التقديمات ويسجدون له ويثنى عنده جميع سلاطين الأرض وملوك العجم عنده(640)، والنصارى يطبقون هذه البشارات على المسيح. وفساده ظاهر لعدم سلطنته، ولو سلم أنّ المراد به السلطنة الواقعية المعنوية فلم يكن له عقب من ذريته له سلطنته، واقتدار، ثمّ المراد بزوال القمر لا شكّ أنّه القيامة فيلزم أن يكون العدل والقسط مبسوطان في العالم من زمان المسيح إلى القيامة، وخلافه ظاهر، وكذا سائر الإخبارات من تقبيل الجيش وذلّ الأعداء واهداء السلاطين وملوك الجزائر، وكذا إهداء ملوك العرب واليمن وسجود جميع السلاطين وتثنية ملوك العجم عنده وحضورهم لديه، ولم يذكر أحد منهم شيئا من هذه الامور بالنسبة إلى المسيح مع اهتمامهم بتواريخهم من الضبط، ولما كانت السلطنة العامة القاهرة لنبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله) ثابتا باتّفاق المؤرخين في هذه النشأة، والموهبة العظيمة والسلطنة الرفيعة والشفاعة الكبرى للعصاة في يوم القيامة، وتقدّمه على جميع الأنبياء في ذلك اليوم وبيده مفاتيح أبواب الجنان الثمانية، فيكون هو المراد بالسلطان، وأولاده وذريته وعترته فهم السلطنة، ولما تواتر(641) في الأخبار انطباق جميع الإخبارات المعلومة في الرجعة من طرق الشيعة بالقائم (عليه السلام)؛ فالمراد به هو ليس إلّا لأنّه الملقّب بالحجّة وهو المظهر حجّته بعد ظهوره للعالمين، ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، ويبقى عدله إلى القيامة وينفذ حكمه على العالمين، وتذلّ له جميع السلاطين وتخضع له رقاب الجبابرة والطاغين.
البشارة العشرون
فيه: عن الفصل الأوّل من كتاب ميلكيس(642) وهو الذي يقول بنو إسرائيل بنبوّته، يقول الله سبحانه: إنّه يأتي زمان كالتنور المسجرة، والظلمة فيه كالذرة فتحترق فيه أهل الظلم بحيث لا يبقى منهم عرق، وسيطلع عليكم أيها الخائفين عن اسمي من تحت جناحه شمس العدالة والشفاء، إلى أن يقول عزّ وجلّ: إنّا سنبعث عليكم قبله الإيليا. هذا ولم ينقل النصارى محو آثار الظلمة في زمان عيسى، وكيف يختص هذا الخبر من قطع عرق الظلم ومحو آثاره بزمانه مع اتّفاقهم على شيوعه في ذلك الزمان خاصة واجتماعهم على قتل المسيح وصلبه وهكذا بعده من الأزمنة؟ واتفقت الكلمة وتواتر الأخبار على محوه في زمان القائم وامتلاء العالم من العدل والقسط، ولم ينقطع ولم يمح في زمان نبي من الأنبياء، فتعيّن أنّه المعتبر بشمس العدالة والشفاء حتّى يملأ الأرض بوجوده قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا.
والمراد من أنّ الشفاء يكون تحت جناحه حتّى يشتفي به مرض جميع الكفّار والمخالفين ولا يبقى من مرض الكفر والشرك على وجه الأرض قط أبدا. والمراد بإيليا هو قطب الأولياء أمير المؤمنين (عليه السلام) لأن إيليا على اصطلاحهم الإلياس، وليس المراد إلياس النبي لأنّ هذه العبارة الصادرة من ميلكيس وإنّما هو في زمان المسيح، وإلياس في عصر داود فالإلياس قبل ميلكيس بأزمنة بعيدة فلا ينطبق على إلياس نفسه. وليس المراد به يحيى لأنّه ذكر في الفصل الأوّل من انجيل يوحنا أنّ اليهود أرسلوا علماءهم إلى يحيى وسألوه:
أنّك الإيلياء الموعود؟ فأجابهم: إنّي لست بإيلياء الموعود وإنّما أنا يحيى، فيظهر أنّ اليهود كانوا ينتظرونه إلى زمان يحيى، على أن ما استظهر من الفصول الإنجيلية هو أنّ المسيح ويحيى كانا معاصرين، فظهر ممّا ذكر أنّ البشارة السابقة من قوله: إنّا نبعث قبل ذلك اليوم المهول الإلياء لا ينطبق على ما ذكر وأنّ المراد به هو أمير المؤمنين (عليه السلام).
ويؤيّده ما تواتر به الإخبار من أنّ اسمه (عليه السلام) في التوراة إيليا(643).
وفي باب علامات ظهور القائم (عليه السلام) الحجّة ابن الحسن (عليه السلام) بارز عند [زوال] الشمس والمراد به هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإنّه سيظهر في أوان الظهور عندها، وتقف الشمس في مركزها عن المسير ساعة فيظهر وجهه وبهاؤه بحيث يعرفه الناس وينادي أن بعث الله باقيا يعني الصاحب لهلاك الظلمة(644). وفي الحديث: إنّ خروج الدابة إنّما هو بعد الدجّال وخروجها من جبل صفا في مكة، ومعه خاتم سليمان وعصا موسى فيضع الخاتم على المؤمن والكافر فيوسمهم فيعرفون به(645). وسئل رأس الجالوت عن دابة الأرض فقال: إنّ اسمه إيليا(646). فصدق ما في الأخبار أنّ خروج إيليا إنّما يكون قبل خروج القائم (عليه السلام) بيسير.
البشارة الحادية والعشرون
فيه: عن الفصل السابع والثلاثين من كتاب زكيال النبي(647) قوله: إني أجمع أهل الإسلام وألمّ شعثهم وآتي بهم على الأرض، ويحكم على جميعهم سلطان حاكم، فلا ينقادون بعد ذلك لسلطانين، ولا يذلّون ولا يكرهون من سوء اختيارهم وفعالهم وعصيانهم بعبادة الأصنام قط، وسأطهّرهم من رجسها، وأنا الله ربّهم وعبدي داود نبيّهم وسلطانهم، وينفرد الراعي على جميعهم، فيمشون في حججي ويحفظون أحكامي. ولمّا كان زكيال هو على اعتقاد النصارى بعد داود بمنزلة داود (عليه السلام) وأبا لسليمان (عليه السلام) فلا يمكن أن يقال المراد هو داود، وكذا لا ينطبق على المسيح من تأويلهم أنّ المسيح كان يعبّر عنه داود (عليه السلام)؛ لأنّ التعبير هذا بهم خاصة، وليس من الله ولا في الكتب السماوية، وباتفاق النصارى أنّ المسلمين من بني إسرائيل ما اجتمعوا في زمان المسيح ولم يأتوا أرضهم وديارهم، وإنّما كانوا متفرّقين مشرّدين، بل إنّما اشتدّ تفرّقهم في تلك الأزمنة، وليس في التواريخ من كان فيهم (ح) مسمّى بداود (عليه السلام) حاكما على جميع بني إسرائيل، وليس المراد بالسلطان المسيح لعدم اقتداره وسلطنته، وكذا لم يتعرّض مؤرّخ اجتناب أحد من عبدة الأصنام في ذلك الزمان عمّا هو عليه، وانهدام معابدهم وإعدام أصنامهم، وإنّما يتوجّه النصارى بالطعن على بني إسرائيل لعدم إيمانهم بالمسيح، ولما يعتقدونه من انتساب قتل المسيح إليهم؛ فظهر ممّا ذكر عدم انطباقه على المسيح (عليه السلام) أيضا، فتعيّن انطباقه على القائم المنتظر (عليه السلام).
ويؤيّده ما ذكر في الأخبار من وقوفه بعد ظهوره بين الركن والمقام وندائه بأعلى الصوت:
ألا أيّتها الجماعة المخصوصة بي والمدّخرة المحفوظة المنتصرة من الله لي من قبلي على وجه الأرض، أسرعوا إليّ، فيقرع الله بذلك النداء أسماعهم حيث ما كانوا من المشرق والمغرب، فيأتونه طرفة عين ويحضرون حوله ويجتمعون لديه(648).
وهذا هو المراد بالآية والبشارة من اجتماعهم بعد تفرّقهم، ولمّهم بعد شعثهم، وإتيانهم أرض مكّة وقبلة الإسلام، ولما اتفقت الكلمة من أصحابنا على إعلائه على ملوك الأرض وجميع السلاطين ومحو آثارهم وانحصار السلطنة به، فهو المراد من الحاكم على الجميع، فلا ينقادون حينئذ لأحد غيره، ولا لسلطانين لأنّه ماحي أثر الكفر والشرك عن الأرض، والاختلاف عن الملل والأديان، ويتّحد الأديان كما وعد الرّحمن في القرآن بقوله (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(649) وفي الاخرى (وقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ)(650) فيحتمل على هذا أن يكون الدار محرّفا من مهدي، وإلّا فيكون إشارة إلى الخبر المروي فيه (عليه السلام) من أنّه يحكم بحكم داود(651)، أي يحكم في الناس على الواقع كما كان يحكم داود (عليه السلام)، وما ذكر من أنّهم يمشون في حججي ويحفظون أحكامي، يشعر بالحديث المروي فيه من رفعه (عليه السلام) الاختلاف من بين الناس، ويرفع العالم أمنا، ويطيع الناس إيّاه ومحمّدا (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام)(652).
البشارة الثانية والعشرون
فيه: عن الفصل الثاني من كتاب (حول النبي)(653) أن ارفعوا أصواتكم في جبلي المقدس لأنّه إلى يوم الصاحب وقرب يوم الظلمة ويوم العجاج والمطر، وفيه تنتشر كثير من الامّة والشجعان، لم يكن مثلهم في الأوّلين ولا يأتي كمثلهم في الآخرين، ينتشرون في الجبال وتكون بين أعينهم نار محرقة [و] من ورائهم نار موقدة ذات زفير وشهيق، وتكون بين عينيه الأرض كالبساتين المخضرة، ومن ورائه الأرض القفراء ولا يقدر أحد على الانهزام منه.
ويتراكض جنده كالخيل القوي المسرع، وأصواتهم يرى كصوت الجنود العظيمة المرتفعة في قلل الجبال، وهم كالنار المحرقة للقشاش، وهم مستعدّون للحرب بين يديه كالامّة القوية والشجعان العلية، وتبتلى الامّة بغضبة وتسودّ به الوجوه، وأمّة الصاحب يركضون كالشجعان ويعلون الحيطان، آخذين طريقهم نصب أعينهم، غير تاركيه يوم يفرّ المرء من أخيه ولا ينجيه، وتتزلزل به الأراضي وتتحرك به السماوات وتظلم الشمس والقمر. إلى أن يقول: فيصيح الصاحب قبالة جنده لأنّهم كثيرون وهم الشجعان وهم مطيعوه، فيوم الصاحب يوم عظيم مهول ومن يطيق على ذلك اليوم، انتهى.
والنصارى يأخذون هذه الآيات برهانا على خاتمية المسيح مع أنّه لم ينقل فيه ظهور صوت ممتاز عنه حين تولّده أو بعثته قط، وباتّفاق جميع النصارى أنّ أمّته لم تكن كثيرة ولا شجاعة ممتازة، وكذا جميع ما ذكر من العلامات، وكما يظهر من الأسفار الإنجيلية أنّ المسيح لم يزل شاردا منهزما من اليهود ومختفيا عنهم في البراري والصحاري، ولما ظهر من الإشارة إلى اللقلب الصاحب المخصوص بالقائم المهدي (عليه السلام) كما هو المبيّن أيضا من العلامات المذكورة والبشارات المسطورة في المقام؛ فلا يخفى على من له أدنى مسكة انطباقها عليه لا المسيح، وينادي المنادي مقارنا لظهوره حين طلوع الشمس عند قرصها بصوت جلي يسمعه أهل السماوات والأرضين، فيعيد نسبه الشريف إلى جدّه الحسين (عليه السلام).
ثمّ المراد بيوم الظلمة ويوم تموّج الهواء والعجاج والمطر والريح، إشارة إلى إتيانه بعد ظهوره بمدينة، فيمتحن الناس في الجبت والطاغوت ويأمر الناس بالبراءة منهما ويتوعّد العذاب على من لم يتبرّأ منهما، فيأبى محبّوهما وشيعتهما ذلك، فيأمر القائم الريح الأسود فيهلكهم جميعا(654)، وعدد الامّة وأصحابه يكون ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من الأتقياء، ويكون رجوع الشيعة الخاص وخروج السيّد الحسني مع جمع كثير، ونزول عيسى (عليه السلام) وأصحاب الكهف ورجعة الأنبياء والأوصياء، ومعاونة جمع كثير من الملائكة والشجعان، وذلك على ما في الحديث من أنّه يعطى يومئذ لكلّ أحد من الشيعة قوّة أربعين شجاعا، وقلوبهم أقوى من الحديد(655) ولو شاءوا لقلعوا الجبال الحديد الرواسي، والخوف عن قلوبهم زائل، وإلى قتال الأعداء مائل ويسحقون أعادي الله سحقا، وينشرهم في الجبال والقفار انتشارا، وإذا طاف بجنوده العالم لا يبقى على الأرض من الكافرين ديّارا ولو التجأ إلى شجر أو كنف حجر فينادونه أن عدوّ الله التجأ إلى كنفي ومختف عندي، فخذوه واقتلوه(656).
والمراد بقوله: وتكون نار محرقة ونار موقدة، أن المخالف والطاغي عن إطاعته يبتلى بالنار الموقدة من ضربه بين أيديه أو ورائه. ومن قوله: بين يديه البساتين المخضرة، إلى ما روي فيه وفي زمانه من أنّ الله عزّ وجلّ ينزل حينئذ بركاته من السماء حتّى أن كلّ شجرة تثمر ما شاء الله، وتثقل أغصانها من ثمرتها حتّى تنكسر، وتوجد ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء وتمطر السماء بمطر الرحمة(657) وقد قطع عن العالمين من يوم السقيفة وغصب خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلو أن أحدا خرج من العراق إلى الشام لم يضع قدما ويرفع إلّا على العشب والخضر، كما ذكر في الفصل التاسع من كتاب (امس النبي) أنّ الجبال حينئذ تقطر ويجري منها السمن، وتجري من دار الصاحب عين عذب.
والمراد من داره مسجد الكوفة، وقد ورد في الحديث أنّ العيون الجارية من المسجد يومئذ أربعة؛ عين السمن وعين الحليب وعين ماء الطهور وعين ماء. والمراد من قوله: ومن ورائه الأرض القفراء، إشارة إلى انهدام العالم؛ وعماراتها. والمراد من الركض كالخيل ما ورد من طي الأرض تحته وتحت جنده، وتقطع المسافة البعيدة بأسرع ما يكون(658). والمراد من ركضهم كالشجعان واعتلائهم الحيطان ما ورد من طي رجله أو رجل أصحابه حتّى يقطعوا المسافة البعيدة بزمان قليل(659).
والمراد من ابتلاء الامم بغضبة خسف الأرض بمخالفيه من السفياني(660) وجنده وهم ثلاثمائة ألف نفر والخسف الواقع بخراسان، وخراب كثير من البلدان فيأخذ كل ذي طريق طريقه ولا يتخلّف عنه ولا يؤذي أحد أحدا، وهذا إشارة إلى الحديث المروي من تصفية القلوب حينئذ من الحقد والعدوان، والمعز والذئب في المرعى يرعيان سيّان، حتّى أن المرأة تخرج بزينتها وحليها من العراق إلى الشام تمشي على أراضي الخضرة المعشوشبة ولا يعارضها أحد، ولا يؤذيها مفترس(661).
والمراد بحركة السماء حركة ملائكتها لنصرته. والمراد من ظلمة الشمس والقمر ظلمتهما خلاف العادة، فظلمة القمر في آخر رمضان، والشمس في نصفه. والمراد من صيحة الصاحب قبالة الجند، إلى آخر الآية والأحاديث المروية في كثرة جنده وكمال شجاعتهم وغاية إطاعتهم له (عليه السلام)، ويومه أيضا يوم عظيم مهول لا يطيق المخالف عليه، وهذا ظاهر لمن له أدنى تتبّع في حالاته وأيّام ظهوره(662).
البشارة الثالثة والعشرون
في حسام الشيعة عن الفصل الأوّل من كتاب صفنيا النبي من قوله: قرب زمان الصاحب، ويكون ذلك اليوم يوم مرّ تهرب منه الشجعان ويوم ضيق القلب واضطراب الحال، والظلمة والعجة والرياح العاصفة والصوت العظيم في البلاد المعمورة والأماكن والغرف العالية، فيضطرب الناس فيمشون مشي الأعمى لعصيانهم بالصاحب، وتهرق دماؤهم وتطحن أجسادهم، فلا ينجيهم ذهبهم وفضّتهم يوم غضب الصاحب؛ لأنّه حين غضبه تحرق جميع وجه الأرض(663). والنصارى زعموا انطباق هذه العلائم بالمسيح مع أنّ المعلوم من تواريخهم أنّ شيئا منها لا يلائم زمانه، وكيف والمذكور في الآية قرب يوم الصاحب. إلى أن يقول: وذلك لعصيانهم بالصاحب.
ثمّ قوله: لا ينجيهم ذهبهم وفضّتهم يوم غضب الصاحب، واتّفقوا على أن المسيح لم يكن غضوبا وما غضب قط، ويظهر من العبارة صحّة انطباقه على القائم (عليه السلام) لا غير، وذلك لأنّه لا شك في أن المراد بالصاحب غير قائلها المخبر عن وجوده ومجيئه، وأنّ النصارى يزعمون في المسيح الألوهية، فباعتقادهم هو قائلها والمخبر بمجيئه والمبشّر لظهوره، فيكون الصاحب غيره، ولا يكون ذلك الغير إلّا القائم (عليه السلام) بدلالة لفظ الصاحب لظهوره واقتداره على المخالفين والمعاندين، واستعلائه على الجبابرة الطاغين وتضييقه على الامراء والسلاطين، فيكون يومئذ على كفّار والمعاندين يوما عبوسا قمطريرا وعذابا صبا، أو المراد ما يقع في القلوب من الخوف والهول والاضطراب بنداء يناديه جبرائيل، وذكره إيّاه باسمه ونسبه يفزع ويقوم النائم ويجلس القائم ويقوم الجالس لما دهاه من الاضطراب والاندهاش.
والمراد من الظلمة والعجة والأرياح العاصفة ما ورد في الأحاديث مع كسوف الشمس وخسوف القمر يومئذ، وهبوب الريح السوداء حين إتيانه إلى المدينة وامتحانهم في الجبت والطاغوت فيهلكهم جميعا(664)، والمراد من الصيحة العظيمة هي الصيحة التي ترتفع حين ظهوره عند قرص الشمس، فيسمعها أهل السماوات والأرضين: ألا يا أهل العالم هذا مهدي آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)، بايعوه تهتدوا. وقوله: فاضطرب حتّى أدعهم يمشون عميانا لأنّهم عصوا بالصاحب، فالمعنى أن اضطرابهم يكون من اقتدار الصاحب وسلطنته عليهم وهم خائفون، وفيما هم عليه عمون، ويدلّ على هذا ما في الفصل الأوّل والثاني من هذا الكتاب بعيد هذه العبارة أن آمنوا واجتمعوا أيّتها الامّة الذليلة الخفيفة قبل انقضاء الفرصة، واتبعوه قبل يوم التعب والانتقام، والمراد من هرق الدماء وسحق الأجساد ما يشير إليه الإمام سيّد الشهداء (عليه السلام) في خطبته من إخباره بظهوره، وسلّه سيف الانتقام في أيّام رجعته وأخذ ثأره(665).
البشارة الرابعة والعشرون
في سيف الامّة(666) عن يوحنا في الفصل الحادي والعشرين من كتاب ابكليس(667) ما ترجمته: إنّ للجنّة اثني عشر بابا من ألوان الجواهر، مكتوب على الأبواب الأسماء الاثنا عشر المنسوبون من عند من سبقوا العالمين في طاعتهم إيّاه، وتشبّه بعض منهم بقتله في سبيل طاعته بالشاة.
البشارة الخامسة والعشرون
فيه: عن شعيا النبي في كتابه في السيمان السادس والعشرين والسابع والعشرين، في بيان إخباره بالمهدي الموعود، ففي السيمان السادس والعشرين(668) قوله في عدة باسوق بحذف الزوائد: إنّه يقرأ في أرض يهودا، أي في البيت المقدس وتوابعه، تسبيحك وتقديسك وشكرك، وستقول أنّك شافعنا فيبقى في تلك الحصن، افتحوا الأبواب لدخول الأخيار فإنّهم أهل الخير وحافظو الخير، إلى قوله: إنّي مدمّر ساكني أعاليكم والبلد التي أعلا بلدانكم، وتطأها أقدام الفقراء والمساكين لاستقامة طريق المتنسكين وطريقة للمشاءين فيها مستقيم.
ثمّ يقول شعيا: يا نور الله إن ذكرك واسمك أقصى مقاصدنا، وظهورك لنا في الليالي أسنى مرامنا، ولأجله استيقظت في طلوع الصبح أرواحنا، يا نور الله؛ إذ قلعت من على الأرض المجانين، تعلّم العدل منك ساكنيها، ولذلك لم ترحم المنافق لأنّه حينئذ لا يتعلّم العدل منك مع ذلك لمعصية في أرض يسكنها المقدسون، فيا نور الله تعلو يدك القاهرة إن شاء الله، فلا يرون يرون، وتندم حسّادك وتحرق أعاديك نار غضبك، فيا نور الله كنّا في غيبتك وعدم حضورك واستتارك مأسورا متصرّفا، ومع ذلك كنّا نسلّي قلوبنا بذكرك فلا ترجع أهل النار فتنكسر وتنعدم من كنّا في تصرّفه وأذاه، حيث يمحى عن الأرض ذكره واسمه.
يا نور الله ليست جلالتك بديعة، بل إنّما هي قديمة، وتابعوك تفحّصوا عنك في ضيقهم، وحديثك دينهم وطريقتهم في الشدّة، وسيقولون في رخائهم: إنّا كنّا في غيبتك كالمرأة الحامل المتحملة لضيق المخاض ووجع الارتياض، ونقرّ بسوء أعمالنا وإن بسببه وإدبارنا عن العدل أصابنا ما أصابنا، ولم ينقطع آثار الجبّارين عنّا، فلو أنا سمعنا ما أقرعت أسماعنا من كلام ربّنا ووعينا لقطعت عنّا أذى الجبّارين من قبل، ولأدركنا زمان الفرج والراحة، فما جرعناها من أذاهم ليست إلّا بما كسبت أيدينا، فإنّا لم نخلص أعمالنا فأخّرنا ظهورك، فنحن السبب في استتارك. إلى قوله في السيمان السابع والعشرون في الباسوق السابع والعشرون في خطاب شعيا لقومه: يا قوم ادخلوا مساكنكم وأغلقوا عليكم أبوابكم مدّة انقضاء الغضب، فإنّ هذا نور الله سيظهر لديوان العاصين وقلعهم من الأرض رادا عصيانهم إليهم، وستظهر الأرض حينئذ دماءها وقتلاها وسينتقم يومئذ نور الله منهم، أي الجبابرة والقتلة بسيفه القوي الشديد، وفي العبارة: وينتقم من ليوياتان، وليوياتان يطلق في اصطلاحهم بالعبري تارة على: بالإجماع والاتّفاق، وتارة على: التحالف والتواخي في الخدعة والاحتيال، مأخوذ من ليوتان وهي الآلة الملتفة طرفاها بها تجذب الأشياء من العالي إلى السافل، محتوية بالعقد وزيادة الاعوجاج، والمراد انتقامه من هؤلاء، إلى قوله: وسيطلب نور الله بستانه وحديقة مهره وصداقه إلى باسوق آخر بعده، وإني أحافظها وأتعوض بها ما غصبته واجتلبته الليوياتان(669).
أقول:
فالمنصف لو تأمّل فيما ذكرت من الآيات يرى أنّ ما أخبر به نبيّنا في ولده وقضية ليوياتان صريح في اتّفاقهم وعهدهم ومؤاخاتهم في غصب حقوق آباء الحجّة المنتقم (عجّل الله فرجه)، وطلبه البستان والحديقة في فدك التي غصبها وحازها الليوياتان الآخرين صريح في المقصود، سيما بعد ضميمة ما يظهر من كلام شعيا في السيمان الثاني والثلاثين(670) من كتاب من أوّل الباسوق إلى آخره ما خلاصته ومحصّله: إنّه يقوم في سلطنته بالعدل، وأبناء السلاطين أقرب من بحضرته، ويكون يومئذ يوما يكون فيه ذلك الرجل - ولعلّ المراد بالرجل هو الليوياتان - كالمنهزم من الطوفان، ينهزم من مكان إلى مكان مختفيا هاربا من الرعد والبرق وما نزل من الحدثان، ويكون ذلك السلطان منقذا كالشط الجاري للظامئين في العطش الشديد، أو كظل شجرة عظيمة في القفر، فلا ينصدع يومئذ العيون وتقرب الآذان بالسماع والقلوب بالإدراك، ويتكلّم ويفصح الأخرس ولا يأتم الجاهل الغبي ولا يستعظم المنافق الشقي، إلى قوله: فيمهد للمنافق بئس الأوقات وأسوأ الساعات؛ لأنّ فكره دائما لإضاعة الحقوق وتكلّمه بكلمات لأذيّة المظلوم.
فانظر أيّها المنصف بما صرّح في المقام من قرب أولاد السلاطين بمحضره وديوانه، من أنّ ذلك اليوم رجعة الأئمّة الاثني عشر وفرار الليوياتان، فإنّه وصف المنافقين به ومن كونه باتّفاق رفيقه منبعثا لإضاعة حقوق المظلومين، ومصاديق هذه البشارات كلّها ظاهرة ومنطبقة على الأوّل والثاني، وائتلافهما شدّة الائتلاف وما سنح منها. وكذا ما ذكر في آخر السيمان الحادي عشر(671) بعد اخباره عن آخر الزمان من قوله: إنّ نور الله يقوم لديوان المساكين وينتقم للمظلومين، متحزم بالايمان ومستظهر بالعدل، يرعى في زمانه الذئب والشاة على المرعى، والنمر والمعز يتراكضان معا، والأسد والبقر يأكلان معا، ويدخل الرضيع يده في جحر الحشرات والحيات(672).
البشارة السادسة والعشرون
فيه: ما أخبر به شعيا في آخر السيمان الثاني والأربعين من كتابه: ألا أنبئكم بحدث الأخبار وأعلمكم بها قبل وقوعها، ستقرون وتثنون لنور الله ثناء جديدا، ومنتهى الأرض في البحر والجزائر عند سكنة تلك الجزائر(673)، والمراد من الجزائر والبحر ما في أخبار الشيعة من كون القائم في منتهى الأرض في بحر المغرب وجزائر الخضراء.
البشارة السابعة والعشرون
فيه: ما أخبر به شعيا في السيمان التاسع والأربعين من قوله: ولقد سمع الله دعاءك وقد حميتك وأوثقتك لامّة لإحيائك، وتصرّفك المواريث المنتهية وإخراجك المحبوسين المقيّدين، وبشائرك بظهور من كان مبتلى بظلمة الغيبة(674).
البشارة الثامنة والعشرون
في سيف الامّة عن كتاب جاماسب بعد ذكر نبذة من أحوال النبي (صلّى الله عليه وآله) من أنّ سبطه من بنته المسمّاة بخورشيد جهان وشاه زنان يصير ملكا بحكم اليزدان، يكون وصي ذلك النبي وتتصل دولته بالقيامة، فتتمّ الدنيا بعد سلطنته وتنطبق السماوات بعد دولته، وتخسف الأرض في الماء وتزول الجبال وتقيد، وتحبس الاهرمن الذي هو بضد اليزدان، والعبد العاصي للإله الديان، ويأخذ السمندع وقزح وعبائل وقنفذ من رؤساء الاهرمن، ويكون اسمه ومذهبه برهان القاطع فيحضر عنده البشر والسروش والاسمان، والمراد بهم ميكائيل وجبرائيل وعزرائيل، وينزل عليه البهرام وهو الملك الموكل بالمسافرين وفرخ زاد الموكّل بالأرض وبهمن الموكّل بالثيران والشاة وآذر الملك الموكّل بأوّل يوم من شهر مهر ماه وآذركشسب الموكّل بالنار. وكذا ينزل روان بخش والمراد منه روح القدس.
ويحيي كثيرا من الخلائق من السعداء والأشقياء، وكثيرا من الأنبياء كملكان ومهراس والدي الخضر، والإلياس ولغوماس والدارسطاليس ويحيي آصف بن برخيا وزير حوسب وهو سليمان، وكذا يحيي أرسطو الماقدوني وسام بن فريدون وهو نوح وشمسون العابد، وكذا سولان وشادول وشموئل وبحذقل وسيينا وشعيا وحيو أوّل وحوقوق وزخويا، ويحضر عنده رخ.
ومن الطلحاء والأشقياء يحيي سورپوس وهو النمرود فيحرقه بالنار، وپرع وقرح وهما الفرعون وقارون ويحيي هامان وزير فرعون فيصلبه حيّا، ويخرج الضحاك من البئر ويكافيه بسوء ظلامته، ويحرق بخت النصر الذي يخرب الهجة وهو البيت المقدس، ويحيي الشمامو مخرّب دين البهلويين، وكذا سدوم قاضي قوم لوط وأسقف قاضى مجوس واود وباغ مبدع عمل قوم لوط، وكذا زردون من أكابر الفرس، ويحيي شيذرنكر أو صائب اللذين أبدعا عبادة النجوم، وكذا الكيوان فيحرقهم جميعا، ثمّ يحيي سلاطين الجور والفتن من عشيرته وبني عمومته الذين أطفئوا السنن وأظهروا البدع وقتلوا الصالحين.
ومن الشجعان يحيي رستم بن زال وكيخسرو ويكون اسم هذا السلطان بهرام، وهو من بطن خورشيد جهان، وشاه زنان بنت السنين، والسنين بالبهلوي اسم محمّد (صلّى الله عليه وآله) ومن ذلك قوله تعالى مخاطبا لنبيّه (عليه السلام) يس، وظهوره إنّما هو في الدنيا ويكون عمره بقدر عمر سبعة نسور ويكون يوم ظهوره وخروجه قاضيا ثلاثين قرنا، ويقتل في أيّام خروجه الوردر يعني الدجّال وهو رجل أعمى، راكب على حمار له، يدّعي الألوهية ويكون معه ذو حياء وهو عيسى أو اسكندر بن دارا وهو ذو القرنين، ويفتح القسطنطينية والهند وينشر فيها أعلام الإسلام، ومعه عصا سرخ شبان باهودار يعني موسى، ومعه خاتم ذهب يعني سليمان وهو من ولد زمان العظيم، والمراد به إبراهيم وهو آذرگشب يعني به المطيع لله، وهو الاتابك العظيم، وهو الكياوند والشيروية يعني صاحب عظمة وابّهة وهو من بنت السنين.
إلى قوله: ويدوم سلطنته وملكه في مدةاند وهو عبارة عن خمسمائة قرن، ويمضي إلى مقدونية دار الفيلقوس، ويخيم في ساحل بحر أقيانوس الذي هو آخر الدنيا ويتّحد به أديان العالمين، فلا يبقى من المجوس وطريقته أثر، ثمّ يرجع من المغرب ويدخل الظلمات ويخرب جزيرة النسناس(675).
البشارة التاسعة والعشرون
وفيه أيضا: إنّي رأيت في كتاب جاماسب بعض السوانح المستقبلة والأخبار الآتية، فممّا شاهدت فيه تعبيره عن موسى بسرخ شبان باهودار، وكتب: إنّ النبي الخاتم يخرج من صلب هاشم دوال پشت، وذكر بعض أوصافه فمنها: إنّه ليس له عقب من ذكور، ومنها أنّه يغصب حق وصيّه، وذكر في آخرها: إنّ ابنه (عليه السلام) يظهر وتخضر الدنيا بوجوده.
البشارة الثلاثون
فيه: عن كتاب پاتنكل وهو من أعظم كتب كفرة الهند في باب عمر الدنيا: إنّ عمر الدنيا أربعة أطوار، كلّ طور أربعة أكوار، كلّ كور أربعة أدوار، كل دور أربعة آلاف سنة، فإذا انقضى الدورة واستكملت العدّة وتمام المدّة يأتي صاحب الملك وهو من ولد مقتداءين، أحدهما ناموس خاتم النبيّين (صلّى الله عليه وآله) والآخر وصيّه وخليفته الأكبر الذي اسمه بش، فيكون ملكا بحق ويحكم في البرية في مقام الأنبياء كإبراهيم وخضر الحي، ويكون كثير المعجزات والآيات، من اعتصم به واختار دين آبائه يكون محمرّ اللون، فتطول دولته وعمره أكثر من سائر ولد الناموس الأكبر، وبه تختم الدنيا ويسخر من ساحل بحر المحيط وقبر آدم وجبال القمر وشمال هيكل الزهرة إلى سيف البحر(676).
البشارة الحادية والثلاثون
فيه: عن كتاب الشاكيوني تزعم كفرة هند أنّه نبي، صاحب كتاب، مبعوث على الخطا والختن، ومولده بلدة كيلواس ما ملخّصه: إنّ زوال الدنيا ودولتها وحكومتها إنّما يكون بابن سيّد الخلائق ومميت العالم، السيّد العظيم وهو الحاكم على أعالي جبال المشرق والمغرب، ويركب السحاب وعمّاله الملائكة، ويتصرّف من السودان الذي هو تحت خط الاستواء إلى عرض فلسطين الذي هو تحت خط قطب الشمال، وما وراء الاقليم السابع وجنّة الإرم، وبه يتّحد دين الله(677).
البشارة الثانية والثلاثون
فيه: عن كتاب ناسك أحد أنبياء كفرة هند وهم يزعمون أنّ الإنسان حاله كالنبت ينبت فيخضر ثمّ يصفرّ ويذبل فييبس ويبلى، لعنهم الله، وهو أنّ زوال الدنيا بملك في آخر الزمان يكون إمام الملائكة والإنس وهو من أولاد خاتم النبيين (صلّى الله عليه وآله) ومعه الحق والصدق، ويخرج ما في الجبال والبحار والأرضين(678).
البشارة الثالثة والثلاثون
فيه: عن ماهي شور أحد أنبياء كفرة هند في كتابه في باب خراب الدنيا وزوالها أنّه سيظهر في آخر الزمان ملك يؤمّ الخلائق، ويملك الدنيا ويتصرّف في العالم ويدخلهم في دينه من المؤمن والكافر، يعرفه الجميع ويعطيه الله تعالى ما سأله(679).
البشارة الرابعة والثلاثون
فيه: ما ذكره صاحب الوش المسمّى يحوك: إنّ اليوم الآخر من الدنيا تدور بمن يحب الله، وهو من المقرّبين إلى الله وإمام الخلق بالحق، يحيي الخلق بحكم من الجائن أي بحكم الله، ويحيي المبتدعين الضالّين ومن أضاع حقوق النبيّين فيحرقهم أجمعين، فيجدّد الدنيا، ودولته الملك والكرور، وبه وبعشيرته تدور السلطنة والملك(680).
البشارة الخامسة والثلاثون
في العوالم: عن عبد الله بن سليمان وكان قارئا للكتب قال: قرأت في الإنجيل، وذكر أوصاف النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى أن قال تعالى لعيسى: أرفعك إليّ ثمّ اهبطك في آخر الزمان؛ لترى من أمّة ذلك النبي العجائب، ولتعينهم على اللعين الدجّال، اهبطك في وقت الصلاة لتصلّي معهم، إنّهم أمّة مرحومة(681).
مائدة:
في أوائل البراهين الساباطية من قاضي جواد الساباطي الذي مضت ترجمته في أوّل هذا الفرع من إخبار الله تعالى من كتب أنبياء السلف: (اعلم) أنّ العهد العتيق عبارة عن جميع رسائل الأنبياء التي كتبت قبل المسيح (عليه السلام)، والعهد الجديد عبارة عمّا كتب بعده، فاليهود لا يعتقدون إلّا بالعتيق، والنصارى يعتقدون بالعتيق وبالجديد معا، وكتب العهد العتيق هي سفر الخليقة وسفر الخروج وسفر الأخبار وسفر العدد وسفر الاستثناء، ثمّ صحيفة يوشع بن نون وراعوث، وصحائف احمويل(682) والملوك والاحبار وعزرا ونحميا واستير وأيوب وزبور داود وأمثال سليمان والجامعة، ونشيد الانشاد وصحيفة أشعيا وأرميا ومراثيه(683)، وصحيفة خرقيال(684) ودانيال وهوشع ويونيل(685) وعاموس وعوبديا ويونس(686) وميخا وناحوم وحبقوق وصفونيا(687) ويحيى وزكريا وملاخيا(688) (عليهم السلام).
وكتب العهد الجديد هي إنجيل متى ومرقس ولوقا ويوحنا، وأعمال الرسل ورسائل بولوس إلى أهل الرومية وقورنثيه(689)، ورسائله إلى أهل غلاطية وأفس والفيلبين(690) والكولوصائيين(691)، ورسالتاه إلى التسالونيعيين(692)، ورسالتاه إلى طيموطاؤس(693)، ورسالته إلى طيطوس(694). وفليمون والعبرانيين، ورسالة يعقوب ورسالتا بطرس ورسائل يوحنا ورسالة يهوذا ورؤيا يوحنا(695).
البشارة السادسة والثلاثون
وفيه: البرهان الرابع عشر من المقالة الثانية من التبصرة الثالثة ما ورد في الفصل التاسع في الآية الثالثة والثلاثين من رومية، وفي الفصل الثامن في الآية الرابعة عشرة من أشعيا ما ترجمته بالعربية: ها أنا واضع في صهيون حجرة عثرة وصخرة شك وكلّ من يؤمن بها لا يخجل.
أقول:
تقييد عدم الخجالة بالإيمان بها دليل على صحّة نبوّته وأخذه النصارى، واستدلّوا به على ربوبية المسيح، وليس بشيء لما مرّ آنفا.
وصهيون جبل في اورشليم وقيل: بل عقبة اسست عليها اورشليم، والحجرة والصخرة والعثرة والشك من المترادفات، وسياق الكلام في رومية أنّ بولوس كان يعظ بعيسى (عليه السلام) ويوبخ اليهود على عدم إيمانهم به إلى أن يقول: وأمّا إسرائيل فإنّه قد طلب شريعة العدل ولم يظفر بشريعة العدل، لم لم يظفر بها؟ لأنّهم لم يطلبوها بالإيمان، بل بأعمال الشريعة إلى أن يقول: ولسكنة اورشليم مصيدة وسيعثرون ويسقطون وينكسرون ويقيّدون ويؤسرون، فاطووا الشهادة واختموا الصحف التي عند تلاميذي، وأنا سأنتظر الربّ الذي يغطي وجهه عن أهل بيت إسرائيل والرقبة، وها أنا والأولاد الذين وهب لي ربّي علامة عجيبة في إسرائيل لرب الجنود الذي يسكن في صهيون(696)، وهذا لا دلالة فيه على عيسى ابن مريم لأنّ أوّل صفاته ربّ الجنود ولم يكن المسيح ابن مريم كذلك والصفة الثانية كونه حجرة عثرة.
فإن قلت: إنّهم قد عثروا بالمسيح أي شكّوا فيه. قلت: إنّ مطلق الشك لا يكفي في صدقه عليه لقوله: يعثرون ويسقطون الخ، والصفة الثالثة كونه يغطي وجهه عن إسرائيل، وابن مريم كان مختصّا بدعوتهم، كما صرّح به في الفصل الخامس عشر في الآية الثانية والأربعين من متى فلا يصدق عليه. والصفة الرابعة كونه ناسخا لما قبله من الشرائع كلّها لقوله: أطووا الشهادة واختموا الصحف، وعيسى ابن مريم (عليه السلام) يقول في الفصل العاشر في الآية الخامسة من متى ما ترجمته: هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم عيسى وأمرهم وهو يقول: لا تنطلقوا إلى طريق العوام، ولا تدخلوا في أحد أمصار السامريين، بل اذهبوا إلى غنم بيت إسرائيل الضالة. ويقول في الفصل التاسع عشر في الآية السابعة عشرة من متى ما ترجمته: لكنك إن أردت أن تلج الحياة فحافظ على الأحكام الخ(697). وهذه كلّها صريحة في خصوصية نبوّته وعدم نسخ ناموس موسى فلا يصدق عليه، فلا دلالة له عليه.
إذا فهمت هذا فاعلم أنّ غاية هذا الفصل التبشير ببعثة محمّد (صلّى الله عليه وآله) والإخبار بعد بعثته بظهور المهدي (عليه السلام). إلى أن يقول بعد كلام طويل: ولربّ الجنود الذي يسكن في صهيون، إشارة إلى المهدي (عليه السلام) لأنّه وصف محمّدا (صلّى الله عليه وآله) بربّ الجنود الذي يغطي وجهه عن إسرائيل، فإذا كان كذلك لا يمكن أن يسكن في صهيون، وإلى هذا ذهب أكثر العلماء وصرّحوا بأنّ المهدي (عليه السلام) يستقرّ في اورشليم ويعمرها بأموال الهند، وفي هذا البرهان إقناع كامل لليهود والنصارى والمسلمين معا.
من ولد فاطمة (عليها السلام) مع عيسى، وأخبار الدجّال وما جرى مع الدجّال وهو مشتمل على فروع:
الفرع الأوّل إخبار النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) بقيام المهدي (عليه السلام) من ولد فاطمة (عليها السلام) من طرق العامّة.
في غاية المرام عن أبي سعيد عن النبي (صلّى الله عليه وآله): يكون في أمّتي المهدي (عليه السلام) إن قصر عمره فسبع وإلّا فثمان وإلّا فتسع، تتنعّم أمّتي في زمانه نعيما لم يتنعّم مثله قط البرّ والفاجر، ترسل السماء مدرارا ولا تدّخر الأرض شيئا من نبات(698).
وفي الفصول المهمّة لابن صباغ عن النبي (صلّى الله عليه وآله): يخرج المهدي (عجّل الله فرجه) وعلى رأسه غمامة فيها ملك ينادي هذا خليفة الله المهدي فاتبعوه(699).
وعن أبي أمامة الباهلي عن النبي (صلّى الله عليه وآله): بينكم وبين الروم أربع هدن، تتم الرابعة على يد رجل من أهل هرقل، تدوم سبع سنين، فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستور بن غيلان: يا رسول الله من إمام الناس يومئذ؟ قال: المهدي من ولدي، ابن أربعين سنة، كأنّ وجهه كوكب درّيّ، في خدّه الأيمن خال أسود، عليه عبايتان قطوانيتان، كأنّه من رجال بني إسرائيل، يستخرج الكنوز ويفتح مدائن الشرك(700).
وفيه عنه (عليه السلام): لا تقوم الساعة حتّى يملك رجل من أهل بيتي القسطنطينية وجبل الديلم، ولو لم يبق إلّا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يفتحها(701).
وفيه عنه (عليه السلام): سيكون بعدي الخلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الامراء ملوك جبابرة، ثمّ يخرج المهدي (عليه السلام) من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا(702).
وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله): تتنعّم أمّتي في زمن المهدي (عليه السلام) نعمة لم تتنعّم مثلها قط، يرسل السماء عليهم مدرارا، ولا تدع الأرض شيئا من نباتها إلّا أخرجته(703).
وفيه عن هارون العبدي قال: أتيت أبا سعيد الخدري فقلت له: هل شهدت بدرا؟ قال:
نعم، قلت: أفلا تحدّثني بما سمعت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في على (عليه السلام) وفضله؟ قال: بلى اخبرك أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مرض مرضه الذي فقد منه، فدخلت عليه فاطمة (عليها السلام) وأنا جالس عن يمين النبي (صلّى الله عليه وآله)، فلمّا رأت فاطمة (عليهما السلام) ما برسول الله من الضعف خنقتها العبرة حتّى بدت دموعها على خدّها فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ما يبكيك يا فاطمة؟
قالت: أخشى الضيعة يا رسول الله.
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا فاطمة إنّ الله اطلع على الأرض اطلاعة على خلقه فاختار منهم أباك فبعثه نبيّا، ثمّ اطلع ثانية فاختار منهم بعلك فأوحى إليّ أن أنكحه فاطمة فأنكحته إيّاك واتخذته وصيّا، أما علمت أنك بكرامة الله إيّاك زوّجك أغزرهم علما وأكثرهم حلما وأقومهم سلما فاستبشرت، فأراد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن يزيدها عن مزيد الخير الذي قسمه الله تعالى لمحمّد (صلّى الله عليه وآله) فقال لها: يا فاطمة، ولعليّ ثمانية أضراس يعني مناقب: إيمانه بالله ورسوله وحكمته وزوجته وسبطاه الحسن والحسين وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
يا فاطمة إنّا أهل بيت اعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الأوّلين، ولم يدركها أحد من الآخرين غيرنا، نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوك ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك، ومنّا من له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث يشاء وهو جعفر، ومنّا سبطا هذه الامّة وهما ابناك، ومنّا مهدي هذه الامّة الذي يصلّي خلفه عيسى ابن مريم (عليه السلام)، ثمّ ضرب على منكب الحسين وقال: من هذا مهدي هذه الامّة(704).
وفي عمدة ابن بطريق عن صحيح مسلم وغيره عن أبي نضرة قال: كنّا عند جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم. قلنا: من أين؟
قال: من قبل العجم، يمنعون ذلك، ثمّ قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدّ.
قلنا: من أين؟ قال: من قبل الروم، ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يكون في آخر أمّتي خليفة يحثو المال حثوا لا يعدّه عدّا. قلنا: أترى أنه عمر بن عبد العزيز، قال: لا.
وعنه (صلّى الله عليه وآله): يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعدّه(705).
وفيه عن تفسير الثعلبي في تفسير (حم. عسق)(706) قال سين سناء المهدي (عليه السلام)، قاف قوّة عيسى حين ينزل فيقتل النصارى ويخرب البيع(707).
وفيه أيضا عن الثعلبي في تفسير قوله تعالى: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ)(708) وذكر حديث البساط ومسيرهم إلى الكهف ويقظتهم ثمّ قال: قال: وأخذوا مضاجعهم فصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي (عليه السلام) فقال: إنّ المهدي يسلّم عليهم فيحييهم الله عزّ وجلّ، ثمّ يرجعون إلى رقدتهم ولا يقومون إلى يوم القيامة(709).
وفيه عن أمّ سلمة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): المهدي من عترتي من ولد فاطمة(710).
وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله): المهدي منّي وهو أجلى الجبهة، أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، يملك سبع سنين(711).
وفيه عنه (عليه السلام): يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكّة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليهم بعثا إلى الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكّة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال [الشام] وعصائب أهل العراق فيبايعونه، ثمّ ينشأ رجل أخواله كلب فيبعث إليه بعثا فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال ويعمل بسنّتي - أو قال بسنّة نبيّهم - ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض فيثبت سبع سنين، وعن بعض الرواة تسع سنين(712).
وفيه عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في قصة المهدي: فيجيء إليه الرجل فيقول يا مهدي أعطني، فيجبي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله(713).
وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله): المهدي طاوس أهل الجنّة(714).
وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله): المهدي من ولدي، وجهه كالقمر الدريّ، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، يرضى بخلافته أهل السماوات والأرض والطير في الجو، يملك عشرين سنة.
وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله): يصيب هذه الامّة بلاء حتّى لا يجد الرجل ملجأ إليه من الظلم، فيبعث إليه رجلا من عترتي فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، يرضى عنه ساكن السماوات والأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئا إلّا صبّته مدرارا ولا تدع الأرض من نباتها شيئا إلّا أخرجته حتّى يتمنّى الأحياء للأموات، تعيش في ذلك سبع سنين أو تسع سنين(715).
وفيه عن الصحاح من قول النبي (صلّى الله عليه وآله): كيف تهلك أمّة أنا أوّلها والمهدي أوسطها والمسيح آخرها(716). ولا يتوهّم أن عيسى يبقى بعد المهدي، وذلك لا يجوز؛ لأنّ المهدي إذا كان إمام آخر الزمان ومات فلا إمام بعده. مذكور في رواية أحد من الأئمّة، فقد بقيت الامّة بغير إمام، وهذا ما لا يمكن أنّ الخلق تبقى بغير إمام، فإن قيل: إنّ عيسى (عليه السلام) يبقى بعده وتقتدي الامّة به، فغير ممكن أيضا لأنّ عيسى لا يجوز أن يكون إماما لامّة محمّد (صلّى الله عليه وآله)، ولو كان ذلك جائزا لانتقلت الملة المحمّدية إلى ملّة عيسى، فلا يمكن أن يكون ذلك.
وذلك لا يقوله عاقل ولا محصل، بل للخبر معنى صحيح يحمل عليه وهو أنّه قد تقدّم معنى من الأخبار في هذا الباب أنّ عيسى ينزل وقد صلّى الإمام - وهو المهدي - بالناس العصر وقيل: الصبح، فيتأخّر فيقدّمه عيسى ويصلّى عيسى خلفه. وما نزل عيسى على مقتضى هذه الأخبار إلّا بعد نفوذ دعوة الإمام واجتماع الناس عليه، فيكون مصدّقا لدعوة الإمام دعواه، وقوّة له وعونا إلّا أنّه لا يغيّر شيئا ممّا جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله)، فيكون فائدة الخبر أنّ النبي أولها لأنّه هو الداعي إلى الإسلام، والمهدي أوسطها وإن كان آخر الأئمّة فجعله وسطا إذ ظهوره قبل نزول عيسى فيكون في نزوله آخر المصدّقين بهذه الملّة، والمهدي (عليه السلام) قبله صدّق بهذه الملّة قبل نزوله، والنبي فهو صاحب الملة لا بدّ أن يكون أولا، فعلى هذا يكون آخر المصدّقين والمعتنين لأنّه آخر الامّة.
يشهد بصحّة هذا التأويل لفظ الخبر لأنّه قال: كيف تهلك أمّة أنا أوّلها والمهدي أوسطها والمسيح آخرها، والمسيح ليس من أمّتنا هذه وإنّما نبيّها منها بلا خلاف لأنّه إمام آخر الزمان، ومن ولد رسول الله، ومن ولد علي وفاطمة، والمسيح ليس من النبي (صلّى الله عليه وآله) ولا من علي وفاطمة، ولا من أمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله)، بل هو آخر من ينزل لنصرة ملّة محمّد وآخر من يدعو إليها، لأنّ المهدي يكون قبل نزوله وقد تبعت الامّة وقد دخلت تحت أمره ونهيه، بدليل ما ورد في هذه الأخبار الصحاح أن المسيح يصلّي خلفه، إمّا صلاة الصبح أو صلاة العصر كما تقدّمت الرواية، فصار آخر هذه الامّة داعيا ومصدّقا، لأنّه منفرد ببقاء الدولة، والنبي أوّل داع إلى ملّة الإسلام والمهدي أوسط داع والمسيح آخر داع، معنى هذا الخبر، فللّه الحمد والمنّة.
وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله): لا تذهب الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما(717).
أقول:
اورد أنّ بعض هذه الصفات لا ينطق عليه (عليه السلام)، فإنّ اسم أبيه (عليه السلام) لا يوافق اسم والد النبي (صلّى الله عليه وآله)، ويمكن أن يجاب شيوع إطلاق لفظ الأب على الجدّ الأعلى كقوله تعالى: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ)(718)، وفي حديث الإسراء أنّ جبرئيل قال: هذا أبوك إبراهيم(719). ويمكن أن يجاب: إطلاق الاسم على الكنية واللقب كما سمّي علي أبو تراب فكان كنية أبيه أبو محمد كما كان كنية أب النبي (صلّى الله عليه وآله) أبو محمد، ويمكن أن يكون أبي مصحّف ابني كما هو الظاهر.
وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله): المهدي من عترتي ومن ولد فاطمة(720). وقال (صلّى الله عليه وآله): المهدي منّا أهل البيت، يصلحه الله عزّ وجلّ في ليلة(721).
وعن الحمويني عن ابن عبّاس: قال رسول الله: إنّ علي بن أبي طالب إمام أمّتي وخليفتي عليها بعدي، ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، والذي بعثني بالحقّ بشيرا ونذيرا الثابتون على القول بإمامته في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر. فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة؟ قال: إي وربّي ليمحص الذين آمنوا ويمحق الكافرين، يا جابر إنّ هذا الأمر من أمر الله وسرّ من سرّ الله علّته مطوية عن عباده فإيّاك والشكّ، فإنّ الشكّ في أمر الله عزّ وجلّ كفر(722).
وعنه أيضا عن حسن بن خالد عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام): لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له، وإنّ أكرمكم عند الله أتقاكم، أي أعملكم بالتقيّة، فقيل: إلى متى يا ابن رسول الله؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منّا. فقيل له: يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال: الرابع من ولدي، ابن سيّدة الإماء، يطهّر الله به الأرض من كلّ جور ويقدّسها من كلّ ظلم، وهو الذي يشكّ الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحدا، وهو الذي تطوى له الأرض ولا يكون له ظلّ، وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض للدعاء إليه يقول: ألا إنّ حجّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه فإنّ الحقّ فيه ومعه، وهو قول الله (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)(723).(724)
وعن تفسير الثعلبي في تفسير قوله تعالى: (وإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ)(725) قال: ذاك عيسى ابن مريم(726). وروى ذلك جماعة. قال: وقرأ ابن عبّاس وأبو هريرة وقتادة ومالك بن دينار وضحاك: وإنّه لعلم للساعة، أي أمارة وعلامة(727).
في الحديث: أنّ عيسى ينزل بثوبين مهرودين أو مصبوغين بالهرد وهو الزعفران(728). وفي الحديث: ينزل عيسى في ثنية من الأرض المقدّسة يقال لها: اثبني وعليه ممصرتان وشعر رأسه دهين وبيده حربة وهي التي يقتل بها الدجّال، فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر والإمام يؤمّ بهم فيتأخّر الإمام فيقدّمه عيسى ويصلّي خلفه على شريعة محمّد (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرّب البيع والكنائس ويقتل النصارى إلّا من آمن به(729).
وبرواية: ويقبض أموال القائم ويمشي خلفه أهل الكهف، وهو الوزير الأيمن للقائم وحاجبه ونائبه ويبسط في المشرق والمغرب الأمن كرامة الحجّة بن الحسن (عليه السلام)(730).
أقول:
فإن قال معترض: هذه الأحاديث النبويّة متّفق على صحّتها ومجمع على نقلها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهي صحيحة صريحة في كون المهدي (عليه السلام) من ولد فاطمة (عليها السلام) وأنّه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأنّه من عترته وأنّه من أهل بيته وأنّ اسمه يواطئ اسمه وأنّه يملأ الأرض قسطا وعدلا وأنّه من ولد عبد المطلب وأنّه سادات الجنّة وذلك ممّا لا نزاع فيه، غير أنّ ذلك لا يدلّ على أنّ المهدي الموصوف بما ذكر من الصفات والعلامات هو هذا أبو القاسم محمد بن الحسن الحجّة الخلف الصالح، فإنّ ولد فاطمة كثيرة، وكل من يولد من ذريتها إلى يوم القيامة يصدق عليه أنّه من ولد فاطمة وأنّه من العترة الطاهرة وأنّه من أهل البيت، فيحتاجون مع هذه الأحاديث المذكورة إلى زيادة دليل يدلّ على أنّ المهدي المراد هو الحجّة المذكور ليتمّ مرامكم.
فجوابه أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لمّا وصف المهدي (عليه السلام) بصفات متعدّدة من ذكر اسمه ونسبه ومرجعه إلى فاطمة وإلى عبد المطلب، وأنّه أجلى الجبهة أقنى الأنف، وعدّد من الأوصاف الكثيرة التي جمعتها الأحاديث المذكورة آنفا، وجعلها علامة ودلالة على أنّ الشخص الذي يسمّى بالمهدي وثبتت له الأحكام المذكورة هو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه، ثمّ وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمد الخلف الصالح دون غيره فيلزم القول بثبوت تلك الأحكام وأنّه صاحبها، وإلّا فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل ولا يثبت ما هو مدلوله قدح ذلك في تعينها علامة ودلالة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وذلك ممتنع.
ثمّ أقول:
سلّمنا لكن مع انضمام الأخبار الآتية عن النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) بأعيان الأئمّة في الفرع الرابع من طرق أهل السنّة والجماعة يثبت المدّعى والمطلوب.
الفرع الثاني إخبار النبي والأئمّة (عليهم السلام) بقيامه من طرق الخاصّة
في البحار عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتّى يقوم القائم الحق منّا، وذلك حين يأذن الله عزّ وجلّ له، من تبعه نجا ومن تخلّف عنه هلك، الله الله عباد الله فأتوه ولو [حبوا] على الثلج فإنّه خليفة الله عزّ وجلّ وخليفتي(731).
وفيه عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لمّا عرج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى ومن السدرة إلى حجب النور ناداني ربّي جل جلاله: يا محمد أنت عبدي وأنا ربك، فلي فاخضع وإيّاي فاعبد وعليّ فتوكّل وبي فثق، فإنّي قد رضيت بك عبدا وحبيبا ورسولا ونبيّا، وبأخيك علي خليفة وبابا، فهو حجّتي على عبادي وإمام لخلقي، به يعرف أوليائي من أعدائي وبه يميّز حزب الشيطان من حزبي، وبه يقام ديني وتحفظ حدودي وتنفذ أحكامي، وبك وبه وبالأئمّة من ولدك أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتقديسي وتهليلي وتكبيري وتمجيدي، وبه اطهّر الأرض من أعدائي واورثها أوليائي، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى وكلمتي العليا، وبه احيي عبادي وبلادي بعلمي، وله اظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي، وإيّاه اظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي، وأمدّه بملائكتي ليؤيّدوه على إنفاذ أمري وإعلان ديني، ذلك وليي حقّا ومهدي عبادي صدقا(732).
وفيه عن النبي (صلّى الله عليه وآله): لا تذهب الدنيا حتّى يقوم بأمر أمّتي رجل من ولد الحسين يملؤها عدلا كما ملئت ظلما وجورا(733).
وفيه قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه لفاطمة: والذي نفسي بيده لا بدّ لهذه الامّة من مهدي وهو والله من ولدك(734).
وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام): لمّا كان من أمر الحسين بن علي ما كان ضجّت الملائكة إلى الله تعالى وقالت: يا ربّ يفعل هذا بالحسين صفيك وابن نبيّك، قال: فأقام الله لهم ظلّ القائم، قال: بهذا أنتقم له من ظالميه(735).
وفيه عن الحكم بن الحكم قال: أتيت أبا جعفر (عليه السلام) وهو بالمدينة فقلت: عليّ نذر بين الركن والمقام إذا أنا لاقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنك قائم آل محمّد أم لا، فلم يجبني بشيء فأقمت ثلاثين يوما ثمّ استقبلني في طريق فقال (عليه السلام): يا حكم وإنّك لهاهنا بعد، فقلت: إنّي أخبرتك بما جعلت لله علي، فلم تأمرني ولم تنهني عن شيء ولم تجبني بشيء.
فقال (عليه السلام): بكّر عليّ غدوة المنزل، فغدوت عليه فقال (عليه السلام): سل عن حاجتك؟ فقلت: إني جعلت لله عليّ نذرا وصياما وصدقة بين الركن والمقام إن لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنك قائم آل محمّد أم لا، فإن كنت أنت رابطتك، وإن لم تكن أنت سرت في الأرض فطلبت المعاش. فقال: يا حكم كلّنا قائم بأمر الله. قلت: فأنت المهدي؟ فقال: كلّنا يهدي إلى الله.
قلت: فأنت صاحب السيف؟ قال: كلّنا صاحب السيف ووارث السيف. قلت: فأنت الذي تقتل أعداء الله ويعزّ بك أولياء الله ويظهر بك دين الله؟ فقال: يا حكم كيف أكون أنا وقد بلغت خمسا وأربعين، وإنّ صاحب هذا أقرب عهدا باللبن منّي، وأخفّ على ظهر الدابة(736).
بيان: أقرب عهدا باللبن منّي أي بحسب المرئي والنظر، أي يحسبه الناس شابّا بكمال قوّته، وعدم ظهور أثر الكهولة والشيخوخة فيه.
وفيه عن جبوا بن نوف قال: قلت لأبي سعيد الخدري: والله ما يأتي علينا عام إلّا وهو شرّ من الماضي، ولا أمير إلّا وهو شرّ ممّن كان قبله، فقال أبو سعيد: سمعته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول ما تقول، ولكن سمعت رسول الله يقول: لا يزال بكم الأمر حتّى يولد في الفتنة والجور من لا يعرف عندها، حتّى تملأ الأرض جورا فلا يقدر أحد يقول: الله، ثمّ يبعث الله عزّ وجلّ رجلا منّي ومن عترتي فيملأ الأرض عدلا كما ملأها من كان قبله جورا، وتخرج له الأرض أفلاذ كبدها ويحثو المال حثوا ولا يعدّه عدّا، وذلك حتّى يضرب الإسلام بجرانه(737).
الجران:
باطن العنق، يقال للشيء إذا قرّ واستقرّ.
وفيه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقا وخلقا، تكون له غيبة وحيرة تضلّ فيه الامم، ثمّ يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا(738).
وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه، يأتم به وبأئمة الهدى من قبله، وبرئ إلى الله من عدوّهم، اولئك رفقائي وأكرم أمّتي عليّ(739).
وفي غيبة النعماني عن الباقر (عليه السلام) قال: إذا قام قائم أهل البيت قسّم بالسوية وعدل في الرعية، فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله، إنّما سمّي المهدي مهديا لأنّه يهدي إلى أمر خفي، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله عزّ وجلّ من غار بأنطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن، ويجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها فيقول للناس، تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء الحرام وركبتم فيه ما حرّم الله عزّ وجلّ، فيعطي شيئا لم يعطه أحد كان قبله، ويملأ الأرض عدلا وقسطا ونورا كما ملئت ظلما وجورا وشرّا(740).
وفي كتاب كنز الواعظين للفاضل المحدّث البرغاني عن غيبة النعماني مسندا عن أبان ابن عثمان عن الصادق (عليه السلام): بينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات يوم بالبقيع فأتاه علي فسلّم عليه فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): اجلس، فأجلسه عن يمينه، ثمّ جاء جعفر بن أبي طالب (عليه السلام)، فسأل عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقيل له هو بالبقيع فأتاه فسلّم عليه فأجلسه عن يساره، ثمّ جاء العبّاس فسأل عنه فقيل هو بالبقيع، فأتاه فسلّم عليه وأجلسه أمامه، ثمّ التفت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) فقال: ألا أبشّرك، ألا اخبرك يا علي؟ فقال: بلى يا رسول الله فقال: كان جبرئيل عندي آنفا وأخبرني أنّ القائم الذي يخرج في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا، من ذريتك، من ولد الحسين (عليه السلام)، فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله: ما أصابنا خير قط من الله إلّا على يدك.
ثمّ التفت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: يا جعفر ألا أبشّرك؟ قال: بلى يا رسول الله. فقال: كان جبرئيل عندي آنفا فأخبرني أنّ الذي يدفعها إلى القائم هو من ذريتك، أتدري من هو؟ قال:
لا قال: ذلك الذي وجهه كالدينار، وأسنانه كالمنشار وسيفه كحريق النار، يدخل الجبل ذليلا ويخرج منه عزيزا، يكتنفه جبرائيل وميكائيل، ثمّ التفت إلى العبّاس فقال: يا عمّ النبي ألا أخبرك بما أخبرني به جبرئيل؟ فقال: بلى يا رسول الله. قال: قال لي: ويل لذريتك من ولد العبّاس. فقال: يا رسول الله أجتنب النساء. قال له: قد فرغ الله ممّا هو كائن(741).
وفي إثبات الهداة للشيخ حرّ العاملي (رحمه الله) عن الأصبغ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، يكون لغيبته حيرة يضلّ فيها أقوام ويهتدي آخرون. إلى أن قال: أولئك خيار هذه الامّة مع خيار أبرار هذه العترة. انتهى(742).
وفيه أيضا عن الصادق (عليه السلام) قال: في القائم سنّة من موسى وسنّة من يوسف وسنّة من عيسى وسنّة من محمّد فأمّا سنّة موسى فخائف يترقّب، وأمّا سنّة يوسف فإنّ إخوته كانوا يبايعونه ويخاطبونه ولا يعرفونه، وأمّا سنّة عيسى فالسياحة، وأمّا سنّة محمّد فالسيف(743).
وفي العيون في حديث الرضا (عليه السلام) عن أبي الصلت الهروي بشهادته ومحل قبره وظهور الحيتان الصغار، ثمّ خروج حوتة كبيرة والتقاطها الحيتان الصغار إشعار وإخبار بقيامه (عليه السلام)، يناسب ذكر تمام الخبر لليمن والبركة ومزيد البصيرة.
عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن أبي الصلت الهروي قال: بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن الرضا (عليه السلام) إذ قال: يا أبا الصلت ادخل هذه القبّة التي فيها قبر هارون، وائتني بتراب من أربعة جوانبها. قال: فمضيت فأتيت به فلمّا مثل بين يديه قال لي: ناولني هذا التراب، وهو من عند الباب فناولته فأخذه وشمّه ثمّ رمى به ثمّ قال: سيحفر لي هاهنا فتظهر صخرة لو جمع عليها كلّ معول بخراسان لم يتهيّأ قلعها، ثمّ قال في الذي عند الرجل والذي عند الرأس مثل ذلك، ثمّ قال: ناولني هذا التراب فهو من تربتي.
ثمّ قال: سيحفر لي في هذا الموضوع فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل، وأن يشق ضريحه لي فإن أبوا أن يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبرا، فإنّ الله تعالى سيوسعه ما يشاء، فإذا فعلوا ذلك فإنّك ترى عند رأسي نداوة فتكلّم بالكلام الذي اعلمك، فإنّه ينبع الماء حتّى يمتلئ اللحد وترى فيه حيتانا صغارا ففتّ لها الخبز الذي اعطيك فإنّها تلتقطه، فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتّى لا يبقى منها شيء، ثمّ تغيب فإذا غابت فضع يدك على الماء ثمّ تكلّم بالكلام الذي اعلمك، فإنّه يغيض الماء ولا يبقى منه شيء، ولا تفعل ذلك إلّا بحضرة المأمون، ثمّ قال: يا أبا الصلت غدا أدخل إلى هذا الفاجر فإن أنا خرجت مكشوف الرأس فتكلّم أكلمك وإن خرجت وأنا مغطّى الرأس فلا تكلّمني.
قال أبو الصلت: فلمّا أصبحنا من الغد لبس ثيابه وجلس فجعل في محرابه ينتظر، فبينا هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون فقال له: أجب أمير المؤمنين فلبس نعله ورداءه وقام يمشي وأنا أتبعه حتّى دخل على المأمون وبين يديه طبق عليه عنب وأطباق فاكهة، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه، فلمّا أبصر الرضا وثب إليه فعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه معه، ثمّ ناوله العنقود وقال له: يا ابن رسول الله ما رأيت عنبا أحسن من هذا.
قال له الرضا (عليه السلام): ربّما يكون عنبا حسنا يكون من الجنّة. فقال له: كل منه. فقال له الرضا:
تعفيني منه. فقال: لا بدّ من ذلك وما يمنعك منه لعلّك تتّهمنا بشيء، فتناول العنقود فأكل منه ثمّ ناوله فأكل منه الرضا (عليه السلام) ثلاث حبّات ثمّ رمى به وقام. فقال المأمون: إلى أين؟
فقال (عليه السلام): إلى حيث وجهتني، وخرج مغطّى الرأس فلم اكلّمه حتّى دخل الدار، فأمر أن يغلق الباب فغلقت ثمّ نام (عليه السلام) على فراشه، ومكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا، فبينا أنا كذلك إذ دخل علي شاب حسن الوجه، قطط الشعر أشبه الناس بالرضا فبادرت إليه فقلت له: من أين دخلت الدار والباب مغلق. فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق. فقلت له: ومن أنت؟
قال لي: أنّا حجّة الله عليك يا أبا الصلت أنا محمد بن علي، ثمّ مضى نحو أبيه (عليهما السلام) فدخل وأمرني بالدخول معه، فلمّا نظر إليه الرضا (عليه السلام) وثب إليه فعانقه وضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه ثمّ سحبه سحبا في فراشه، وأكبّ على محمّد بن علي (عليه السلام) يقبّله ويسارّه بشيء لم أفهمه فرأيت على شفتي الرضا (عليه السلام) زبدا أشدّ بياضا من الثلج، ورأيت أبا جعفر (عليه السلام) يلحسه بلسانه ثمّ أدخل يده بين ثوبيه وصدره فاستخرج شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر (عليه السلام)، ومضى الرضا (عليه السلام)، فقال أبو جعفر: قم يا أبا الصلت فأتني بالمغتسل والماء من الخزانة.
فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء. فقال (عليه السلام): انته إلى ما أمرتك به، فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء، فأخرجته وشمرت ثيابي لأغسله فقال لي: تنحّ يا أبا الصلت فإنّ لي من يعينني غيرك، فغسله ثمّ قال لي: ادخل الخزانة فأخرج لي السفط الذي فيه كفنه وحنوطه، فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه فكفّنه وصلّى عليه ثمّ قال: ائتني بالتابوت، فقلت: أمضي إلى النجّار حتّى يصلح التابوت. قال: قم فإنّ في الخزانة تابوتا فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم أره قط، فأتيته به فأخذ الرضا (عليه السلام) بعد ما صلّى عليه فوضعه في التابوت، وصفّ قدميه وصلّى ركعتين لم يفرغ منهما حتّى علا التابوت، فانشق السقف فخرج منها التابوت ومضى. فقلت: يا ابن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون ويطالبنا بالرضا (عليه السلام) فما نصنع؟ فقال لي: اسكت فإنّه سيعود يا أبا الصلت، ما من نبي يموت بالمشرق ويموت وصيّه بالمغرب إلّا جمع الله تعالى بين أرواحهما وأجسادهما، فما أتمّ الحديث حتّى انشق السقف فنزل التابوت فقام (عليه السلام) واستخرج الرضا (عليه السلام) من التابوت ووضعه على فراشه كأنّه لم يغسل ولم يكفّن.
ثم قال لي: يا أبا الصلت قم فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب فإذا المأمون والغلمان بالباب، فدخل باكيا حزينا قد شقّ جيبه ولطم رأسه وهو يقول: يا سيداه فجعت بك يا سيدي، ثمّ دخل وجلس عند رأسه وقال: خذوا في تجهيزه، فأمر بحفر القبر فحفرت الموضع فظهر كلّ شيء كما وصفه الرضا (عليه السلام)، فقال له بعض جلسائه: ألست تزعم أنّه إمام؟
قال: بلى. قال: لا يكون الإمام إلّا مقدم الناس، فأمر له أن يحفر له في القبلة، فقلت: أمرني أن أحفر له سبع مراقي وأن أشق له ضريحه، فقال: انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح، ولكن يحفر له ويلحد، فلمّا رأى ما ظهر من النداوة والحيتان وغير ذلك قال المأمون: لم يزل الرضا (عليه السلام) يرينا عجائبه في حياته حتّى أراناها بعد وفاته أيضا.
فقال له وزير كان معه: أتدري ما أخبرك به الرضا (عليه السلام)؟ قال: لا. قال: إنّه أخبرك أن ملككم يا بني عبّاس مع كثرتكم وطول مدّتكم مثل هذه الحيتان، حتّى إذا فنيت آجالكم وانقطعت آثاركم وذهبت دولتكم سلّط الله عليكم رجلا منّا فأفناكم عن آخركم. قال له: صدقت. ثمّ قال لي يا أبا الصلت علّمني الكلام الذي تكلّمت به. قلت: والله لقد نسيت الكلام من ساعتي وقد كنت صدقت، فأمر بحبسي ودفن الرضا (عليه السلام) فحبست سنة فضاق علي الحبس وسهرت الليلة ودعوت الله بدعاء ذكرت فيه محمّدا وآل محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وسألت الله تعالى بحقّهم أن يفرّج عنّي، فلم أستتم الدعاء حتّى دخل عليّ أبو جعفر محمّد بن علي (عليهما السلام) فقال لي: يا أبا الصلت لقد ضاق صدرك؟ فقلت: إي والله. قال: قم فاخرج ثمّ ضرب يده إلى القيود التي كانت علي ففكّها، وأخذ بيدي وأخرجني من الدار والحرسة والغلمة يرونني فلم يستطيعوا أن يكلّموني فخرجت من باب الدار، ثمّ قال لي: امض في ودائع الله فإنك لن تصل إليه ولن يصل إليك أبدا. فقال أبو الصلت: فلم ألتق مع المأمون إلى هذا الوقت(744).
ورويت كيفية غسله وكفنه ودفنه (عليه السلام) وخروج الحيتان من طرق أهل السنّة عن هرثمة باختلاف يسير(745).
وفي الخصال عن أبي عبد الله (عليه السلام): سيأتي مسجدكم هذا - يعني مكة - ثلاثمائة وثلاثة عشر يعلم أهل مكة أنّهم لم يلدهم آباؤهم ولا أجدادهم، عليهم السيوف، مكتوب على كلّ سيف كلمة تفتح ألف كلمة طلعت(746) الريح فتنادي بكل واد: هذا المهدي يقضي بقضاء آل داود، ولا يسأل عليه بيّنة(747).
وفي العوالم عن أبي سعيد الخراساني قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المهدي والقائم واحد؟ فقال: نعم. فقلت: لأي شيء سمّي المهدي؟ قال: لأنّه يهدي إلى أمر خفي، وسمّي القائم لأنّه يقوم بعد ما يموت، إنّه يقوم بأمر عظيم(748).
أقول:
قوله: بعد ما يموت، أي يموت ذكره أو بزعم الناس.
الفرع الثالث في الآيات القرآنية المفسّرة بأعيان الأئمّة الاثني عشر:
الآية الاولى:
قوله تعالى في سورة البقرة (وإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ ومِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(749).
في الدمعة عن تأويل الآيات عن مفضّل قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ (وإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) ما هذه الكلمات؟ قال: هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، وهو أنّه قال: يا ربّ بحقّ محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت علي، فتاب عليه إنّه هو التوّاب الرحيم. قال: فقلت: يا ابن رسول الله فما معنى قوله (فَأَتَمَّهُنَ) قال: أتمهنّ إلى القائم اثني عشر إماما: علي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين. وأما قوله: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ... أي إماما يقتدى به في أقواله وأفعاله ويقوم بتدبير الامّة وسياستها، فلمّا بشّره ربّه بذلك قال فرحا واستبشارا (ومِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) والعهد هو الإمامة، والظالم هو الكافر بقوله تعالى: (والْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ولذلك انّ الظالم لا يكون إماما(750).
الآية الثانية:
قوله تعالى (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ والْمُؤْمِنُونَ)(751).
في الدمعة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لما اسري بي إلى السماء قال لي العزيز: آمن الرسول بما انزل إليه من ربّه. قلت: والمؤمنون. قال: صدقت يا محمد عليك السلام، من خلفت لامّتك من بعدك؟ قلت: خيرها لأهلها. قال: علي بن أبي طالب. قلت: نعم يا رب. قال: يا محمّد إنّي اطلعت على الأرض اطلاعة فاخترتك منها، واشتققت لك اسما من أسمائي، لا أذكر في مكان إلّا وذكرت معي فأنا المحمود وأنت محمّد.
ثمّ اطلعت ثانية فاخترت عليا واشتققت له اسما من أسمائي فأنا الأعلى وهو علي، يا محمد إنّي خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والحسين أشباح نور من نوري، وعرضت ولايتكم على السماوات وأهلها وعلى الأرضين ومن فيهنّ، فمن قبل ولايتكم كان عندي من المقرّبين ومن جحدها كان عندي من الكفّار الضالّين.
يا محمّد لو أنّ عبدا عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثمّ أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم. يا محمد تحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب، قال: التفت عن يمين العرش فالتفتّ فإذا أنا بأشباح علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة كلّهم، حتّى بلغ المهدي في ضحضاح من نور قيام يصلّون، المهدي في وسطهم كأنّه كوكب درّي. فقال لي:
يا محمد هؤلاء الحجج، وهو الثائر من عترتك، فو عزّتي وجلالي إنّه الحجّة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي(752).
الآية الثالثة:
في سورة الأنفال قوله تعالى (وأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شيء عَلِيمٌ)(753).
في الدمعة عن حسين بن علي (عليهما السلام): لما أنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية سألت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن تأويلها فقال (صلّى الله عليه وآله): ما عنى بها غيركم، فأنتم أولو الأرحام، فإذا متّ فأبوك علي أولى بي وبمكاني، فإذا مضى أبوك فأخوك الحسن أولى به، فإذا مضى الحسن فأنت أولى به. قلت: يا رسول الله فمن أولى بي من بعدي؟ فقال: ابنك علي أولى بك من بعدك، فإذا مضى فابنه محمّد أولى به، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر أولى به من بعده، فإذا مضى جعفر فابنه موسى أولى به من بعده، فإذا مضى موسى فابنه علي أولى به من بعده، فإذا مضى علي فابنه محمّد أولى به من بعده، فإذا مضى محمّد فابنه علي أولى به من بعده، فإذا مضى علي فابنه الحسن أولى به من بعده، فإذا مضى الحسن وقعت الغيبة في التاسع من ولدك، فهذه الأئمّة التسعة من صلبك، أعطاهم الله علمي وفهمي، طينتهم من طينتي، ما لقوم يؤذونني فيهم، لا أنالهم الله شفاعتي(754).
الآية الرابعة:
قوله تعالى (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(755).
في الدمعة عن الحسن بن مسعود ومحمد بن خليل قالا: دخلنا على سيّدنا أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) بسامراء وعنده جماعة من شيعته، فسألناه عن الأيام سعدها ونحسها فقال (عليه السلام): لا تعادوا الأيّام فتعاديكم. وسألناه عن معنى الحديث فقال (عليه السلام): له معنيان: ظاهر وباطن، فالظاهر أن السبت لنا والأحد لشيعتنا والاثنين لبني امية والثلاثاء لشيعتهم والأربعاء لبني العبّاس والخميس لشيعتهم والجمعة للمسلمين عيد. والباطن: السبت جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والأحد أمير المؤمنين (عليه السلام)، والاثنين الحسن والحسين، والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد (عليهم السلام)، والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد ابن علي وأنا، والخميس ابني الحسن، والجمعة ابنه الذي به يجمع الكلم ويتم النعم ويحق الله الحقّ ويزهق الباطل، وهو مهديكم المنتظر، ثمّ قرأ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) قال: هو والله بقية الله(756).
الآية الخامسة:
قوله تعالى (ولَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ)(757) في الخرائج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتدري ما كان قميص يوسف؟ قلت: لا.
قال: إنّ إبراهيم لمّا أو قد له النار أتاه جبرئيل بثوب من الجنة فألبسه إيّاه فلم يضرّه معه حرّ ولا برد، فلمّا حضر إبراهيم الموت جعله في تميمة وعلقها على إسحاق، وعلقه إسحاق على يعقوب، فلمّا ولد يوسف علّقه عليه فكان في عضده حتّى كان من أمره ما كان، فلما أخرجه يوسف من التميمة بمصر وجد يعقوب ريحه، وهو قوله تعالى حاكيا عنه (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) فهو ذلك القميص الذي أنزل من الجنّة.
قلت له: جعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص؟ قال: إلى أهله، وهو قائمنا إذا خرج يجد المؤمنون ريحه إن شاء الله شرقا وغربا، ثمّ قال: كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى محمّد وآله(758).
الآية السادسة:
قوله تعالى (طُوبى لَهُمْ وحُسْنُ مَآبٍ)(759) في الإكمال عن أبي بصير: قال الصادق (عليه السلام): طوبى لمن تمسّك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية. فقلت له:
جعلت فداك وما طوبى؟ قال (عليه السلام): شجرة في الجنّة أصلها في دار علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وليس من مؤمن إلّا وفي داره غصن من أغصانها، وذلك قول الله عزّ وجلّ (طُوبى لَهُمْ وحُسْنُ مَآبٍ)(760).
الآية السابعة:
قوله تعالى في سورة الحجر (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ. وإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ)(761).
عن المفيد في الإرشاد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام قائم آل محمّد يحكم بين الناس بحكم داود (عليه السلام)، لا يحتاج إلى بيّنة، يلهمه الله فيحكم بعلمه ويخبر كلّ قوم بما استنبطوه، ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسم، قال الله عزّ وجلّ: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)(762).
الآية الثامنة:
قوله تعالى في سورة الأنبياء (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إلى قوله لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ)(763).
في الدمعة عن القمي: فلمّا أحسّوا بأسنا يعني بني امية إذا أحسّوا بالقائم من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) (إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ) يعني الكنوز التي كنزوها. قال: فيدخلون بني امية إلى الروم إذا طلبهم القائم، ثمّ يخرجهم من الروم ويطالبهم بالكنوز التي كنزوها فيقولون كما حكى الله (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ)(764) قال: بالسيف وتحت ظلال السيوف، وهذا كلّه ممّا لفظه ماض ومعناه مستقبل(765).
الآية التاسعة:
قوله تعالى في سورة الشعراء (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ)(766).
في البحار عن الباقر (عليه السلام) قال: إذا ظهر قائمنا أهل البيت قال فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً أي خفتكم على نفسي وجئتكم لما أذن لي ربي وأصلح لي أمري(767).
الآية العاشرة:
قوله تعالى في سورة ص هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(768).
عن بصائر الدرجات عن أبي عبيدة الحذاء قال: كنّا زمان أبي جعفر (عليه السلام) مضى حين نردد كالغنم لا راعي لها، فلقينا سالم بن أبي حفصة فقال: يا أبا عبيدة من إمامك؟ قال: قلت:
أئمّتي آل محمّد (صلّى الله عليه وآله). قال: هلكت وأهلكت أما سمعت أنا وأنت أبا جعفر وهو يقول: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية. قلت: بلى لعمري لقد كان ذلك.
ثمّ بعد ذلك بثلاث أو نحوها دخلنا على أبي عبد الله فرزق الله لنا المعرفة فدخلت عليه فقلت له: لقيت سالما فقال لي كذا وكذا وقلت له كذا وكذا. فقال أبو عبد الله: يا ويل لسالم ثلاث مرّات أما يدري سالم ما منزلة الإمام، الإمام أعظم ممّا يذهب إليه سالم والناس أجمعين، يا أبا عبيدة إنّه لم يمت منّا ميّت حتّى يخلف من بعده من يعمل بمثل عمله، ويسير بمثل سيرته ويدعو إلى مثل الذي دعا إليه، يا أبا عبيدة إنّه لم يمنع الله ما أعطى داود أن يعطي سليمان أفضل ممّا أعطى داود، ثمّ قال: (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ). قال: قلت: ما أعطاه الله جعلت فداك؟ قال: نعم يا أبا عبيدة إنّه إذا قام قائم آل محمّد حكم بحكم داود وسليمان لا يسأل الناس البيّنة(769).
الآية الحادية عشرة:
قوله تعالى في سورة الواقعة (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)(770).
في الدمعة عن غيبة النعماني عن داود بن كثير الرقي قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام): جعلت فداك أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) قال: نطق الله بهذا يوم ذرأ الخلق في الميثاق، وقبل أن يخلق الخلق بألفي عام.
فقلت: فسّر لي ذلك؟ فقال: إنّ الله جلّ وعزّ لمّا أراد أن يخلق الخلق خلقهم من طين ورفع لهم نارا فقال ادخلوها فكان أوّل من دخلها محمد (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والحسن والحسين وتسعة من الأئمّة، إمام بعد إمام ثمّ أتبعهم بشيعتهم، فهم والله السابقون(771).
الآية الثانية عشرة:
قوله تعالى في سورة الصف (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ)(772).
في الدمعة عن ابن أبي يعفور قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده نفر من أصحابه فقال لي: يا ابن أبي يعفور هل قرأت القرآن؟ قال: قلت: نعم، هذه القراءة. قال: عنها سألتك لبس عن غيرها. قال: فقلت: نعم جعلت فداك ولم؟ قال: لأنّ موسى (عليه السلام) حدّث قومه بحديث لم يحتملوه عنه، فخرجوا عليه بمصر فقاتلوه فقتلهم وهو قوله عزّ وجلّ (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) وإنّه أوّل قائم يقوم منّا أهل البيت يحدّثكم بحديث لا تحتملونه، فتخرجون عليه برميلة الدسكرة(773) فتقاتلونه فيقاتلكم، فيقتلكم، وهي آخر خارجة تكون(774).
الفرع الرابع إخبار النبي والأئمّة بأعيان الأئمّة من طريق أهل السنّة
في غاية المرام عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): حدّثني جبرئيل عن ربّ العزّة جل جلاله أنّه قال: من علم أنّه لا إله إلّا أنا وحدي، وأنّ محمدا عبدي ورسولي، وأنّ علي بن أبي طالب خليفتي، وأنّ الأئمّة من ولده حججي، أدخلته الجنّة برحمتي ونجيته من النار بعفوي وأبحت له جواري وأوجبت له كرامتي وأتممت عليه نعمتي وجعلته من خاصّتي وخالصتي، إن ناداني لبّيته وإن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وإن سكت ابتدأته وإن أساء رحمته وإن فرّ منّي دعوته وإن رجع إلي قبلته وإن قرع بابي فتحته، ومن لم يشهد أن لا إله إلّا أنا وحدي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ محمّدا عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ علي بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ الأئمّة من ولده حججي، فقد جحد نعمتي وصغّر عظمتي وكفر بآياتي وكتبي ورسلي، إن قصدني حجبته وإن سألني حرمته وإن ناداني لم أسمع نداءه وإن دعاني لم أستجب دعاءه وإن رجاني خيّبت رجاءه منّى وما أنا بظلّام للعبيد.
فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله ومن الأئمّة من ولد علي بن أبي طالب؟ قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة، ثمّ سيّد العابدين في زمانه علي بن الحسين، ثمّ الباقر محمد بن علي ستدركه يا جابر فإذا أدركته فأقرئه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمد ثمّ الكاظم موسى بن جعفر ثمّ الرضا علي بن موسى ثمّ التقي محمد بن علي ثمّ النقي علي بن محمد ثمّ الزكي الحسن بن علي ثمّ ابنه القائم محمد بالحق، مهدي أمّتي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي، من أطاعهم فقد أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني ومن أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني، وبهم يمسك الله السماء أن تقع على الأرض، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها(775).
وفيه عن أخطب الخطباء، خطيب خوارزم موفق بن أحمد المكي من أعيان علماء العامة عن النبي (صلّى الله عليه وآله): لمّا اسري بي إلى السماء أوحى إلي ربّي جل جلاله فقال: يا محمّد إنّي اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها وجعلتك نبيّا وشققت لك اسما من اسمي، فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا وجعلته وصيك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريتك وشققت له اسما من أسمائي، فأنا العلي الأعلى وهو علي، وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة فمن قبلها كان عندي من المقرّبين.
يا محمد لو أنّ عبدا عبدني حتّى ينقطع ويصير كالشن البالي، ثمّ أتاني جاحدا لولايتهم ما أسكنته جنّتي ولا أظللته تحت عرشي. يا محمد تحبّ أن تراهم؟ قلت: نعم يا ربّ. فقال عزّ وجلّ: ارفع رأسك، فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي ابن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد ابن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي، وم ح م د بن الحسن القائم في وسطهم كأنّه كوكب دري. فقلت: ومن هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمّة وهذا القائم في وسطهم كأنه كوكب دري، الذي يحلّ حلالي ويحرّم حرامي وبه أنتقم من أعدائي(776).
أقول:
وهكذا عن طرق الخاصة بزيادة: وهو راحة الأولياء وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللات والعزى طريين فيحرقهما، فلفتنة الناس بهما يومئذ أشدّ من فتنة العجل والسامري(777).
وفيه عن الحمويني عن أصبغ عن عبد الله بن عبّاس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثنا عشر أوّلهم أخي وآخرهم ولدي. قيل:
يا رسول الله من أخوك؟ قال: علي بن أبي طالب. قيل: فمن ولدك؟ قال: المهدي الذي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلّي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربّها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب(778).
وفيه عن الحمويني: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أنا سيّد النبيّين، وعلي بن أبي طالب سيّد الوصيّين، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر؛ أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم المهدي(779).
وفيه عنه عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله قال: يخرج المهدي في أمّتي، يبعثه الله عيانا للناس، تنعم الامّة وتعيش الماشية وتخرج الأرض نباتها ويعطى المال صحاحا(780).
وفيه عن سلمان المحمّدي: دخلت على النبي وإذا الحسين على فخذه وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه وهو يقول: أنت السيّد ابن السيّد أبو السادة، أنت الإمام أخو الإمام ابن الإمام أبو الأئمّة، أنت الحجّة ابن الحجّة أخو الحجّة أبو الحجج التسعة، من صلبك تاسعهم قائمهم(781).
وفيه عن أخطب الخطباء موفق بن أحمد الخوارزمي في مناقبه عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أنا واردكم على الحوض وأنت يا علي الساقي والحسن الذائد والحسين الآمر وعلي بن الحسين القارض ومحمد بن علي الناشر وجعفر بن محمد السائق وموسى بن جعفر محصي المحبّين والمبغضين وقامع المنافقين، وعلي بن موسى زين المؤمنين ومحمد بن علي منزل أهل الجنّة في درجاتهم وعلي بن محمد خطيب شيعته ومزوّجهم الحور العين، والحسن بن علي سراج أهل الجنّة يستضيئون به، والمهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن الله إلّا أن يشاء ويرضى(782).
وفي أعلام الورى عن ابن عبّاس: سألت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حين حضرته وفاته فقلت: إذا كان ما نعوذ بالله منه فإلى من؟ فأشار إلى علي فقال: إلى هذا فإنّه مع الحقّ والحقّ معه، ثمّ يكون من بعده أحد عشر إماما، مفترضة طاعتهم كطاعتي(783).
وفيه عن عبّاس بن عبد المطّلب أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال له: يا عم يملك من ولدي اثنا عشر خليفة، ثمّ تكون امور كريهة شديدة عظيمة، ثمّ يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة، فيملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا ويمكث في الأرض ما شاء الله، ثمّ يخرج الدجّال(784).
وفي الخصال وعمدة ابن بطريق وأعلام الورى عن صحاح أهل السنّة عن جابر بن سمرة:
جئت مع أبي إلى المسجد ورسول الله يخطب فسمعته يقول: يكون من بعدي اثنا عشر أميرا، ثمّ خفض من صوته فلم أدر ما قال فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلّهم من قريش(785).
وبهذا المضمون أخبار كثيرة بطرق مختلفة وفي بعضها: فقالوا له: ثمّ يكون ما ذا؟ قال: ثمّ يكون النفث والنفاث(786).
وفي العمدة بطرق متعدّدة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش. وسمعته يقول: عصبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض، بيت كسرى وآل كسرى. وسمعته يقول: إنّ بين يدي الساعة كذّابين فاحذروهم(787).
وفي الخصال عن مسروق قال: بينا نحن نعرض مصاحفنا على ابن مسعود إذ قال له فتى شاب: هل عهد إليكم نبيّكم كم يكون من بعده خليفة؟ قال: إنّك لحدث السن وإنّ هذا شيء ما سألني عنه أحد قبلك. قال: نعم عهد إلينا نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل(788).
وفيه عنه بهذا المضمون من طرق متعدّدة كثيرة(789).
وفي الينابيع عن بعض المحقّقين أنّ الأحاديث الدالّة على كون الخلفاء بعده (صلّى الله عليه وآله) اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون علم أنّ مراد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من حديثه هذا الأئمّة الاثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عشر، ولا يمكن أن يحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ولظلمهم الفاحش إلّا عمر بن عبد العزيز (رحمه الله)، ولكونهم عين بني هاشم لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: كلّهم من بني هاشم، لأنّ النبي في رواية عبد الملك عن جابر وإخفاء صوته في هذا القول يرجح هذه الرواية، لأنّهم لا يحسنون خلافة بني هاشم.
ولا يمكن أن يحمل على الملوك العبّاسية لزيادتهم على العدد المذكور ولقلّة رعايتهم.
الآية (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(790) وحديث الكساء، فلا بدّ من أن يحمل هذا الحديث على الأئمّة الاثني عشر من أهل بيته وعترته؛ لأنّهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلّهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسبا وأفضلهم حسبا وأكرمهم عند الله، وكانت علومهم عن آبائهم متصلا بجدّهم (صلوات الله عليه وعليهم) وبالوراثة واللدنية(791).
في الينابيع عن النبي (صلّى الله عليه وآله): من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما انزل على محمد، ومن أنكر نزول عيسى فقد كفر، ومن أنكر خروج الدجّال فقد كفر(792).
وفيه قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثنا عشر؛ أوّلهم علي وآخرهم ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلّي خلف المهدي، وتشرق الأرض بنور ربّها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب(793).
وفيه عن فرائد السمطين عن مجاهد عن ابن عبّاس قال: قدم يهودي يقال له نعثل فقال:
يا محمّد أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين فإن أجبتني عنها أسلمت على يديك، قال (صلّى الله عليه وآله): سل يا أبا عمارة. فقال: يا محمد صف لي ربّك؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): لا يوصف إلّا بما وصف به نفسه، وكيف يوصف الخالق الذي تعجز العقول أن تدركه والأوهام أن تناله والخطرات أن تحدّه والأبصار أن تحيط به، جل وعلا عمّا يصفه الواصفون، ناء في قربه وقريب في نأيه، هو كيّف الكيف وأيّن الأين فلا يقال له أين هو، وهو منقطع الكيفية والأينونية، فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
قال: صدقت يا محمد فأخبرني عن قولك: إنّه واحد لا شبيه له، أليس الله واحدا والإنسان واحد؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): الله عزّ وعلا واحد حقيقي أحدي المعنى، أي لا جزء ولا تركّب له، والإنسان واحد ثنائي المعنى مركّب من روح وبدن. قال: صدقت، فأخبرني عن وصيّك من هو، فما من نبي إلّا وله وصي وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى [إلى] يوشع بن نون.
فقال (صلّى الله عليه وآله): إنّ وصيّي علي بن أبي طالب وبعده سبطاي الحسن والحسين تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين. قال: يا محمّد: فسمّهم لي؟ قال (صلّى الله عليه وآله): إذا مضى الحسين فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد فإذا مضى محمد فابنه جعفر فإذا مضى جعفر فابنه موسى فإذا مضى موسى فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد فإذا مضى محمد فابنه علي فإذا مضى علي فابنه الحسن فإذا مضى الحسن فابنه الحجّة محمّد المهدي (عجّل الله فرجه)، فهؤلاء اثنا عشرة إلى هنا محلّ الحاجة(794).
وما ذكرنا يعدّ إتماما للخبر المؤلفة. قال: أخبرني عن كيفية موت علي والحسن والحسين؟ قال (صلّى الله عليه وآله): يقتل علي بضربة على قرنه والحسن يقتل بالسمّ والحسين بالذبح. قال:
فأين مكانهم؟ قال (صلّى الله عليه وآله): في الجنّة في درجتي. قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله، وأشهد أنّهم الأوصياء بعدك، ولقد وجدت في كتب الأنبياء المتقدّمة وفيما عهد إلينا موسى ابن عمران أنّه إذا كان آخر الزمان يخرج نبي يقال له أحمد ومحمّد وهو خاتم الأنبياء، لا نبي بعده فيكون أوصياؤه بعده اثني عشر أوّلهم ابن عمّه وختنه والثاني والثالث كانا أخوين من ولده، ويقتل أمّة النبي الأوّل بالسيف والثاني بالسمّ والثالث مع جماعة من أهل بيته بالسيف وبالعطش في موضع الغربة، فهو كولد الغنم يذبح ويصبر على القتل، يرفع درجاته ودرجات أهل بيته وذريّته ولإخراج محبّيه وأتباعه من النار، والتسعة الأوصياء منهم من أولاد الثالث، فهؤلاء الاثنا عشر عدد الأسباط.
قال (صلّى الله عليه وآله): أتعرف الأسباط؟ قال: نعم إنّهم كانوا اثني عشر أوّلهم لاوي بن برخيا وهو الذي غاب عن بني إسرائيل غيبة، ثمّ عاد فأظهر الله به شريعته بعد اندراسها، وقاتل قرسطيا الملك حتّى قتل الملك. قال: كائن في أمّتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وإنّ الثاني عشر من ولدي يغيب حتّى لا يرى، ويأتي على أمّتي بزمن لا يبقى من الإسلام إلّا اسمه ولا يبقى من القرآن إلّا رسمه، فحينئذ يأذن الله تعالى له بالخروج فيظهر الله الإسلام به ويجدّده، طوبى لمن أحبّهم وتبعهم والويل لمن أبغضهم وخالفهم، وطوبى لمن تمسّك بهداهم(795).
أقول:
كذا في كتاب الدر النظيم باختلاف يسير وفي آخره فانتفض نعثل فقام بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأنشأ يقول:
صلّى العلي ذو العلى * * * عليك يا خير البشر
أنت النبي المصطفى * * * والهاشمي المفتخر
بك قد هدانا ربّنا * * * وفيك نرجو ما أمر
ومعشر سمّيتهم * * * أئمة اثني عشر
حباهم ربّ العلى * * * ثمّ صفاهم من كدر
قد فاز من والاهم * * * وخاب من عادى الزهر
آخرهم يشفي الظما * * * وهو الإمام المنتظر
عترتك الأخيار لي * * * والتابعون ما أمر
من كان عنهم معرضا * * * فسوف يصلاه سقر(796)
وفيه: عن المناقب عن واثلة عن جابر بن عبد الله الأنصاري: دخل جندل بن جنادة بن جبير اليهودي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: يا محمّد أخبرني عمّا ليس لله وعمّا ليس عند الله وعمّا لا يعلمه الله، فقال (صلّى الله عليه وآله): أما ما ليس لله فليس لله شريك، وأمّا ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، وأمّا ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود: إنّ عزيزا ابن الله، والله لا يعلم أنّ له ولدا، بل يعلم أنّه مخلوقه وعبده. فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله حقّا وصدقا.
ثمّ قال: إنّي رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران فقال: يا جندل أسلم على يد محمّد خاتم الأنبياء واستمسك بأوصيائه من بعده. فقلت: أسلم! فللّه الحمد أسلمت وهداني بك. ثمّ قال: أخبرني يا رسول الله عن أوصيائك من بعدك لأتمسّك بهم، قال:
أوصيائي الاثنا عشر؟ قال جندل: هكذا وجدناهم في التوراة وقال: يا رسول الله سمّهم لي؟
فقال: أوّلهم سيّد الأوصياء أبو الأئمّة علي، ثمّ ابناه الحسن والحسين فاستمسك بهم، ولا يغرنّك جهل الجاهلين، فإذا ولد علي بن الحسين زين العابدين يقضي الله عليك، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن تشربه.
فقال جندل: وجدناه في التوراة وفي كتب الأنبياء: إيليا وشبر وشبير فهذه اسماء علي والحسن والحسين. فمن بعد الحسين ما أساميهم؟ قال (صلّى الله عليه وآله): إذا انقضت مدّة الحسين فالإمام ابنه علي ويلقّب بزين العابدين (عليه السلام)، فبعده ابنه محمد يلقب بالباقر، فبعده ابنه جعفر يدعى بالصادق، فبعده ابنه موسى يدعى بالكاظم، فبعده ابنه علي يدعى بالرضا، فبعده ابنه محمد يدعى بالتقي والزكي، فبعده علي يدعى بالنقي والهادي، فبعده ابنه الحسن يدعى بالعسكري، فبعده ابنه محمد يدعى بالمهدي والقائم والحجة فيغيب ثمّ يخرج، فإذا خرج يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محبّتهم، أولئك الذين وصفهم الله في كتابه وقال: (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(797) ثمّ قال تعالى: (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(798) فقال جندل: الحمد لله الذي وفّقني بمعرفتهم. ثمّ عاش إلى أن كانت ولادة علي بن الحسين (عليهما السلام) فخرج إلى الطائف، ومرض وشرب لبنا وقال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة لبن، ومات ودفن بالطائف بالموضع المعروف بالكوزارة(799).
في الدمعة عن كتاب سليم بن قيس الهلالي قال: أقبلنا من صفين مع أمير المؤمنين (عليه السلام) فنزل العسكر قريبا من دير النصارى فنزل إلينا من الدير شيخ حسن الوجه، حسن الهيئة والسمة، معه كتاب في يده حتّى أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فسلّم عليه بالخلافة. فقال له علي:
مرحبا يا أخي شمعون بن حمون، كيف حالك رحمك الله؟
قال: بخير يا أمير المؤمنين وسيّد المسلمين ووصي رسول ربّ العالمين، أنا من حواري أخيك عيسى ابن مريم (عليه السلام)، وأنا من نسل شمعون بن يوحنا وصي عيسى ابن مريم، وإليه دفع كتبه وعلمه، فلم يزل أهل بيته على دينه مستمسكين بملّته، لم يكفروا ولم يبدّلوا ولم يغيّروا، وتلك الكتب عندي، إملاء عيسى وخط أبينا، وفيه كلّ شيء يفعل الناس من بعده، كل ملك ملك وكم يملك، وما يكون في زمان كلّ ملك منهم حتّى يبعث الله رجلا من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله من أرض تهامة يقال له أحمد، الأنجل العينين المقرون الحاجبين، صاحب الناقة والحمار والقضيب والتاج يعني العمامة.
ثمّ ذكر مبعثه ومولده وهجرته (صلّى الله عليه وآله) ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه وكم يعيش وما تلقى أمّته بعده، إلى أن ينزل عيسى ابن مريم من السماء(800)، فذكر في ذلك الكتاب ثلاثة عشر رجلا من ولد إسماعيل، هم خير خلق الله وأحبّ من خلق الله إلى الله، وأن الله وليّ من والاهم وعدوّ من عاداهم، من أطاعهم اهتدى ومن عصاهم ضلّ، طاعتهم لله طاعة ومعصيتهم لله معصية، مكتوب بأسمائهم وأنسابهم ونعتهم، وكم يعيش كلّ رجل منهم، وكم رجل منهم يستتر بدينه ويكتمه من قومه، ومن يظهر حتّى ينزل عيسى على آخرهم فيصلّي خلفه ويقول: إنّكم الأئمّة لا ينبغي لأحد أن يتقدّمكم، فيتقدّم فيصلّي بالناس وعيسى خلفه في الصف الأوّل، وهو أفضلهم وأخيرهم، له مثل اجورهم ونور من أطاعهم واهتدى بهم:
بسم الله الرّحمن الرحيم أحمد رسول الله وهو محمد ويس والفتاح والخاتم والحاشر والعاقب والماحي والقائد هو نبي الله وخليل الله وحبيب الله وصفيّ الله وخيرته يرى تقلّبه في الساجدين، يعني في أصلاب النبيّين، هو أكرم خلق الله على الله وأحبّهم إليه لم يخلق الله خلقا ملكا مقرّبا ولا نبيّا مرسلا آدم فمن سواه خيرا عند الله منه ولا أحب إلى الله منه، يقعده الله يوم القيامة على عرشه ويشفّعه في كلّ من يشفع فيه، باسمه جرى القلم في اللوح المحفوظ.
ثمّ أخوه ووزيره وخليفته وأحبّ من خلق الله إلى الله بعده، ابن عمّه علي بن أبي طالب ولي كلّ مؤمن بعده، ثمّ أحد عشر رجلا من ولده وولد ولده؛ أوّلهم شبر والثاني شبير وتسعة من ولد شبير واحدا بعد واحد، آخرهم الذي يصلّي عيسى خلفه يسمّيه من يملك منهم ومن يستتر بدينه ومن يظهر، فأوّل من يظهر منهم يملأ جميع بلاد الله قسطا وعدلا، ويملك ما بين الشرق والغرب حتّى يظهره الله على الأديان كلّها، فبعث النبي وأبي حي فصدّق به وآمن به وشهد أنّه رسول الله، وكان شيخا كبيرا، لم يكن به شخوص فمات وقال: يا بني إنّ وصي محمّد وخليفته الذي اسمه في هذا الكتاب ونعته سيمرّ بك، إذا مضى ثلاثة من أئمّة الضلالة والمسمّين بأسمائهم وقبائلهم، فإذا مرّ بك فاخرج إليه فبايعه وقاتل معه عدوّه فإنّ الجهاد معه كالجهاد مع محمّد، والموالي له كالموالي لمحمد والمعادي له كالمعادي لمحمد.
وفي هذا الكتاب اثنا عشر إماما من أئمة الضلالة من قريش من قومه، يعادون أهل بيته ويمنعونهم حقّهم ويقتلونهم ويطردونهم ويحرمونهم ويخنقونهم، مسمّين واحدا واحدا بأسمائهم ونعتهم، وكم يملك كلّ رجل منهم وما يلقى من قومه ولدك وأنصارك وشيعتك من القتل والخوف والبلاء، وكيف يديلكم منهم ومن أوليائهم وأنصارهم، وما يلقون من الذل والخزي والقتل والخوف منكم أهل البيت.
ثمّ قال: ابسط يدك يا أمير المؤمنين ابايعك، فإنّي أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله، وأشهد أنّك وصيّه وخليفته في بيعته وشاهده على خلقه وحجّته في أرضه، وأنّ الإسلام دين الله الذي اصطفاه لنفسه ورضيه لأوليائه، وأنّه دين عيسى ومن كان قبله من أنبياء الله ورسله، وهو الدين الذي دان به من مضى من آبائي، وإنّي أتولّاك وأتولّى أولياءك وأبرأ من أعدائك، وأتولّى الأئمّة من ولدك وأبرأ من عدوّهم وممّن خالفهم وبرئ منهم، وادّعى حقّهم وظلمهم من الأوّلين والآخرين، فتناول يد أمير المؤمنين (عليه السلام) فبايعه، ثمّ قال له أمير المؤمنين: أرني كتابك فناوله إيّاه فقال لرجل من أصحابه: قم مع الرجل فانظر ترجمانا يفهم كلامه فلينسخه لك بالعربية، فلمّا انتسخه، أتاه به فقال للحسن: يا بني ائتني بالكتاب الذي دفعته إليك، واقرأ أنت يا بني وانظر أنت يا فلان في نسخة هذا الكتاب فإنّه خطي وإملاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقرأه فما خالف حرفا واحدا فكأنّه إملاء رجل واحد، فحمد الله أمير المؤمنين وقال: الحمد لله الذي لو شاء لم تختلف الامّة ولم تفترق، والحمد لله الذي لم ينسني ولم يضع أمري ولم يخمد(801) ذكري عنده وعند أوليائه؛ إذ صغر وخمل عند أولياء الشيطان وحزبه(802). انتهى(803).
وفي الينابيع عن الحمويني الشافعي في فرائد السمطين عن دعبل الخزاعي: أنشدت قصيدة لمولاي الرضا (عليه السلام) أوّلها:
مدارس آيات خلت من تلاوة * * * ومنزل وحي مقفر العرصات
وقبر ببغداد لنفس زكية * * * تضمّنها الرّحمن في الغرفات
قال: قال لي الرضا: أفلا الحق البيتين بقصيدتك؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله، فقال (عليه السلام):
وقبر بطوس يا لها من مصيبة * * * توقد في الأحشاء بالحرقات
إلى الحشر حتّى يبعث الله قائما * * * يفرّج عنّا الهمّ والكربات
قال دعبل: ثمّ قرأت بواقي القصيدة عنده فلما انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة واقع * * * يقوم على اسم الله والبركات
يميّز فينا كلّ حقّ وباطل * * * ويجزي على النعماء والنقمات
بكى الرضا (عليه السلام) بكاء شديدا ثمّ قال: يا دعبل نطق روح القدس بلسانك، أتعرف من هذا الإمام؟ ومتى يقوم؟ قلت: لا إلّا أني سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطا وعدلا.
فقال: إنّ الإمام بعدي ابني محمد وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم، وهو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، وأما متى يقوم فإخبار عن الوقت(804).
وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) من طرق الشيعة هكذا، إلّا أن فيه: لقد حدّثني أبي عن أبيه عن آبائه عن علي عن النبي قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك؟ فقال: مثله مثل الساعة لا يجلّيها لوقتها إلّا هو ثقلت في الأرض لا تأتيكم إلّا بغتة(805).
أقول:
ولما انجرّ الكلام إلى هذا فلا ضير أن نذكر بقية حال دعبل من بركة هذه القصيدة فتكون على بصيرة من أمرك.
في إكمال الدين: نهض الرضا (عليه السلام) بعد فراغ دعبل من إنشاده القصيدة، وأمره أن لا يبرح من موضعه فدخل الدار، فلمّا كان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية، فقال له:
يقول لك مولاي اجعلها في نفقتك. فقال: والله ما لهذا جئت ولا قلت هذه القصيدة طمعا في شيء يصل إلي، وردّ الصرّة وسأل ثوبا من ثياب الرضا (عليه السلام) ليتبرّك به ويتشرّف، وأنفذ إليه الرضا بجبّة خزّ مع الصرّة وقال للخادم: قل له يقول لك مولاي خذ هذه الصرّة فإنّك ستحتاج إليها ولا تراجعني فيها.
فأخذ دعبل الصرّة والجبة وانصرف، وسار من مرو في قافلة فلما أتوا ميان (بلد بقرب نيسابور قوهان) وقع عليهم اللصوص وأخذوا القافلة بأسرها وكتّفوا أهلها، وكان دعبل فيمن كتف، وملك اللصوص القافلة وجعلوا يقتسمونها بينهم، فقال رجل من اللصوص متمثّلا بقول دعبل من قصيدة:
أرى فيئهم في غيرهم متقسّما * * * وأيديهم من فيئهم صفرات
فسمعه دعبل فقال: لمن هذا البيت؟ قال: لرجل من خزاعة يقال له دعبل بن علي. قال دعبل: أنا دعبل بن علي قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت، فوثب الرجل إلى رئيسهم وكان يصلّي على رأس تل وكان من الشيعة فأخبره، فجاء بنفسه حتّى وقف على دعبل فقال له: أنت دعبل؟ فقال: نعم. قال: أنشد القصيدة، فأنشدها فحل كتافه وكتاف جميع أهل القافلة وردّ إليهم جميع ما اخذ منهم لكرامة دعبل.
وسار دعبل حتّى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة فأمرهم أن يجتمعوا في مسجد الجامع، فلما اجتمعوا صعد دعبل المنبر فأنشدهم القصيدة، فوصله الناس من المال والخلع بشيء كثير واتصل بهم خبر الجبّة فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار فامتنع من ذلك، فقالوا له: بعنا شيئا منها بألف دينار فأبي عليهم، وسار عن قم فلمّا خرج عن رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب وأخذوا الجبّة منه، فرجع دعبل إلى قم وسألهم ردّ الجبّة عليه فامتنع الأحداث من ذلك وعصوا المشايخ في أمرها فقالوا لدعبل: لا سبيل لك إلى الجبّة فخذ ثمنها ألف دينار، فأبى عليهم فلما يئس من ردّهم الجبّة فسألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها فأجابوه إلى ذلك، فأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار، وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله، فباع المائة دينار التي كان الرضا (عليه السلام) وصله بها من الشيعة، كل دينار بمائة درهم فحصل في يده عشرة آلاف درهم، فتذكّر قول الرضا (عليه السلام) إنّك ستحتاج إلى الدنانير.
وكانت له جارية لها من قلبه محل، فرمدت رمدا عظيما فأدخل أهل الطب عليها فنظروا إليها فقالوا: أمّا العين اليمنى فليس فيها لنا علاج ولا حيلة، قد ذهبت، وأمّا اليسرى فنحن نعالجها ونجتهد ولا نرى أن تسلم، فاغتمّ لذلك غمّا شديدا وجزع عليها جزعا عظيما، ثمّ إنّه ذكر ما معه من فضلة الجبّة فمسحها على عيني الجارية وعصبها بعصابة من أوّل الليل فأصبحت وعيناها أضحّ ممّا كانتا، وكأنّه ليس لها أثر رمد قط ببركة مولانا أبي الحسن الرضا (عليه السلام)(806).
وفي العيون عن علي بن دعبل الخزاعي، يقول: لمّا أن حضرت أبي الوفاة تغيّر لونه وانعقد لسانه واسودّ وجهه فكدّت الرجوع من مذهبه، فرأيته بعد ثلاث فيما يرى النائم وعليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء فقلت: يا أبه ما فعل الله بك؟ فقال: يا بني إنّ الذي رأيته من اسوداد وجهي وانعقاد لساني كان من شرب الخمر في دار الدنيا، ولم أزل كذلك حتّى لقيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء فقال لي: أنت دعبل؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: فأنشدني قولك في أولادي فأنشدته قولي:
لا أضحك الله سنّ الدهر إن ضحكت * * * وآل أحمد مظلومون قد قهروا
مشرّدون نفوا عن عقر دارهم * * * كأنّهم قد جنوا ما ليس يغتفر
قال: فقال لي: أحسنت فشفع وأعطاني ثيابه وها هي وأشار إلى ثياب بدنه(807).
وفي العيون: سمعت أبا نصر بن الحسن الكرخي الكاتب يقول: رأيت على قبر دعبل بن علي الخزاعي:
أعد لله يوم يلقاه * * * دعبل أن لا إله إلّا هو
يقولها مخلصا عساه بها * * * يرحمه في القيامة الله
الله مولاه والرسول ومن * * * بعدهما فالوصي مولاه(808).
الفرع الخامس إخبار النبي والأئمّة بأعيان الأئمّة وأسمائهم (عليهم السلام) من طرق الخاصّة
في أعلام الورى أنّ رسول الله يقول: إنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثمّ علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فأخوه الحسين بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابنه علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا علي، ثمّ ابنه محمد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا حسين ثمّ تكملة اثني عشر إماما تسعة من ولد الحسين(809).
وفيه سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى قول رسول الله: (إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي) من العترة؟ قال: أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديّهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يردوا على رسول الله حوضه(810).
وفيه عن النبي (صلّى الله عليه وآله): أنا وعلي والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون(811).
وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله): أنا سيّد النبيّين وعلي سيّد الوصيّين، وإنّ أوصيائي من بعدي اثنا عشر وصيّا؛ أوّلهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وآخرهم القائم(812).
وفيه عن جابر بن عبد الله الأنصاري: لمّا أنزل الله تعالى على نبيّه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(813) قلت: يا رسول الله قد عرفنا الله ورسوله فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعته؟ فقال: هم خلفائي يا جابر وأئمّة المسلمين بعدي؛ أوّلهم علي بن أبي طالب ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ علي بن الحسين ثمّ محمد بن علي المعروف بالتوراة بالباقر وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمد ثمّ موسى بن جعفر ثمّ علي بن موسى ثمّ محمّد بن علي ثمّ علي بن محمّد ثمّ الحسن بن علي ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه وبقيته في عباده محمد بن الحسن ابن علي (عليهم السلام)، ذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان.
قال جابر: فقلت: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال: إي والذي بعثني بالنبوّة، إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب، يا جابر: هذا من مكنون سرّ الله ومخزون علم الله فاكتمه إلّا عن أهله، الحديث. فليطلب تمامه في محلّه(814).
وفيه: عن عبد الله بن عبّاس عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّ الله تعالى اطلع على الأرض اطلاعة فاختارني منها فجعلني نبيّا، ثمّ اطلع الثانية فاختار منها عليا فجعله إماما، ثمّ أمرني أن أتخذه أخا ووصيّا وخليفة ووزيرا، فعلي منّي وأنا من علي، وهو زوج ابنتي وأبو سبطيّ الحسن والحسين، ألا وإنّ الله تبارك وتعالى جعلني وإيّاه حججا على عباده، وجعل من صلب الحسين أئمّة يقومون بأمري ويحفظون وصيتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمّتي أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مظلمة، فيعلن أمر الله ويظهر دين الله ويؤيّد ينصر الله وينصر بملائكة الله، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا(815).
وفيه عن حسين بن علي قال: دخلت على رسول الله وعنده أبي بن كعب فقال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): مرحبا يا أبا عبد الله يا زين السماوات والأرض. قال له أبي: وكيف يكون يا رسول الله زين السماوات والأرض أحد غيرك؟ فقال: والذي بعثني بالحقّ نبيّا إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض، وإنّه لمكتوب على يمين عرش الله مصباح هدى وسفينة نجاة وإمام غير وهن وعزّ وفخر وعلم وذخر، وإنّ الله عزّ وجلّ ركب في صلبه نطفة طيّبة مباركة زكية، خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام أو يجري ماء في الأصلاب أو يكون ليل أو نهار، ولقد لقن دعوات ما يدعو بهن مخلوق إلّا حشره الله عزّ وجلّ معه وكان شفيعه في آخرته، وفرّج الله عنه كربه، وقضى بها دينه ويسّر أمره وأوضح سبيله وقوي على عدوّه ولم يهتك ستره. فقال له أبي: وما هذه الدعوات يا رسول الله؟ قال: تقول إذا فرغت من صلاتك وأنت قاعد: اللهمّ إنّي أسألك بكلماتك ومعاقد عزّك وسكّان سماواتك وأنبيائك ورسلك أن تستجيب لي، فقد رهقني من أمري عسرا، فأسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تجعل لي فرجا من عسري ويسرا ومخرجا، فإنّ الله عزّ وجلّ يسهّل أمرك ويشرح صدرك ويلقنك شهادة أن لا إله إلّا الله عند خروج نفسك.
قال له أبي: يا رسول الله فما هذه النطفة في صلب الحسين (عليه السلام)؟ قال (صلّى الله عليه وآله): مثل هذه النطفة كمثل القمر وهي نطفة تبيين وبيان(816)، يكون من اتّبعه رشيدا ومن ضلّ عنه غويا. قال:
فما اسمه وما دعاؤه؟ قال: اسمه علي ودعاؤه: يا دائم يا ديموم يا حي يا قيوم يا كاشف الغمّ ويا فارج الهمّ ويا باعث الرسل ويا صادق الوعد، من دعا بهذا الدعاء حشره الله مع علي بن الحسين وكان قائده إلى الجنّة. قال له أبي: يا رسول الله فهل له من خلف ووصي؟ قال (صلّى الله عليه وآله):
نعم له مواريث السماوات والأرض. قال: وما معنى مواريث السماوات والأرض؟ قال (صلّى الله عليه وآله):
القضاء بالحق والحكم بالديانة وتأويل الأحكام وبيان ما يكون. قال: فما اسمه؟
قال: محمد وإنّ الملائكة لتستأنس به في السماوات ويقول في دعائه: اللهم إن كان لي عندك رضوان وود فاغفر لي ولمن تبعني من إخواني وشيعتي وطيّب ما في صلبي، فركّب الله عزّ وجلّ في صلبه نطفة مباركة زكية، وأخبرني أنّ الله طيّب هذه النطفة وسمّاها عنده جعفرا وجعله هاديا وراضيا ومرضيا، يدعو ربّه فيقول في دعائه: يا ديّان غير متوان يا أرحم الراحمين، اجعل لشيعتي من النار وقاء، ولهم عندك رضى واغفر ذنوبهم واستر عيوبهم ويسّر امورهم واقض ديونهم واستر عوراتهم، وهب لهم الكبائر التي بينك وبينهم، يا من لا يخاف الضيم، ولا تأخذه سنة ولا نوم، اجعل لي من كلّ غمّ فرجا. من دعا بهذا الدعاء حشره الله أبيض الوجه مع جعفر بن محمد إلى الجنّة.
يا أبي إنّ الله ركب على هذه النطفة نطفة زكية مباركة طيّبة أنزل عليهما الرحمة وسمّاها عنده موسى. فقال له أبي يا رسول الله كأنّهم يتواصفون ويتناسلون ويتوارثون ويصف بعضهم بعضا، قال: وصفهم لي جبرئيل عن ربّ العالمين جل جلاله، قال: فهل لموسى من دعوة يدعو بها سوى دعاء آبائه؟ قال: نعم يقول في دعائه: يا خالق الخلق ويا باسط الرزق وفالق الحب وبارئ النسم ومحيي الأموات ومميت الأحياء ودائم الثبات ومخرج النبات افعل بي ما أنت أهله. من دعا بهذا الدعاء قضى الله حوائجه وحشره يوم القيامة مع موسى ابن جعفر.
وإنّ الله عزّ وجلّ ركّب في صلبه نطفة مباركة زكية مرضية وسمّاها عنده عليا وكان لله في خلقه رضيا في علمه وحكمه، وجعله حجّة على خلقه إلى يوم القيامة، وله دعاء يدعو به فيقول: اللهمّ اعطني الهدى وثبّتني عليه، واحشرني مع الذين لا خوف عليهم ولا حزن ولا جزع، إنّك أهل التقوى وأهل المغفرة.
وإنّ الله عزّ وجلّ ركّب في صلبه نطفة مباركة طيّبة زكية مرضية، وسمّاها محمد بن علي فهو شفيع شيعته ووارث علم جدّه، له علامة بيّنة وحجّة ظاهرة إذا ولد، يقول: لا إله إلّا الله ويقول في دعائه: يا من لا شبيه له ولا مثال، أنت الله لا إله إلّا أنت، ولا خالق إلّا أنت، تغني المخلوقين وتبقى، أنت حلمت عمّن عصاك وفي المغفرة رضاك، من دعا بهذا الدعاء كان محمد بن علي شفيعه يوم القيامة.
وإنّ الله تبارك وتعالى ركّب في صلبه نطفة لا باغية ولا طاغية، بارّة مباركة طيّبة طاهرة سمّاها عنده علي بن محمد، فألبسها السكينة والوقار، وأودعها العلوم وكلّ سرّ مكتوم، من لقيه وفي صدره شيء أنبأه به وحذّره من عدوّه، ويقول في دعائه: يا نور يا برهان يا مبين يا منير يا رب اكفني شرّ الشرور، وآفات الدهور، وأسألك النجاة يوم ينفخ في الصور، من دعا بهذا الدعاء كان علي بن محمد شفيعه وقائده إلى الجنّة.
وإنّ الله قد ركّب في صلبه نطفة وسمّاها عنده الحسن فجعله نورا في بلاده وخليفة في أرضه وعزّا لامّته وهاديا لشيعته وشفيعا لهم عند ربّهم، ونقمة على من خالفه وحجّة لمن والاه وبرهانا لمن اتخذه إماما، يقول في دعائه: يا عزيز العزّ في عزّه يا عزيزا أعزّني بعزّتك وأيّدني بنصرك، وأبعد عنّي همزات الشيطان وادفع عنّي بدفعك وامنع عنّي بمنعك واجعلني من خيار خلقك، يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد، من دعا بهذا الدعاء حشره الله عزّ وجلّ معه ونجّاه من النار ولو وجبت عليه.
وإنّ الله تعالى ركّب في صلبه نطفة زكية طيّبة طاهرة مطهّرة يرضى بها كلّ مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ممّن قد أخذ الله ميثاقه في الولاية، ويكفر بها كلّ جاحد، فهو إمام تقي نقي سار مرضيّ هادي مهدي، يحكم بالعدل ويأمر به ويصدق الله ويصدقه الله في قوله، يخرج من تهامة حتّى يظهر الدلائل والعلامات، وله بالطالقان كنوز لا ذهب ولا فضّة إلّا خيول مطهمة ورجال مسومة، يجمع الله له من أقاصي البلاد على عدد أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا مع صحيفة مختومة، فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وطبائعهم وخلقهم، وكدادون مجدّون في طاعته. فقال له أبي: وما دلائله وعلامته يا رسول الله؟
قال (صلّى الله عليه وآله): له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه، وأنطقه الله عزّ وجلّ فناداه العلم: أخرج يا ولي الله واقتل أعداء الله، وله رايتان وعلامتان، وله سيف مغمد، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عزّ وجلّ فناداه السيف: اخرج يا ولي الله وأمرني بأمرك يا حجّة الله فلا يحلّ لك أن تقعد من أعداء الله حيث ثقفتهم، ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله، ويكون جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يسرته، وشعيب وصالح على مقدّمته، وسوف تذكرون ما أقول لكم وافوّض أمري إلى الله تعالى ولو بعد حين.
يا أبي طوبى لمن لقيه وطوبى لمن أحبّه وطوبى لمن قال به، ينجيهم الله من الهلكة وبالإقرار به وبرسول الله وبجميع الأئمّة تفتح لهم الجنّة، مثلهم في الأرض كمثل المسك الذي تسطع ريحه فلا يتغيّر أبدا، ومثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يطفأ أبدا نوره. قال أبي: يا رسول الله كيف حال هؤلاء الأئمّة عن الله عزّ وجلّ؟ قال (صلّى الله عليه وآله): إنّ الله عزّ وجلّ أنزل عليّ اثنتي عشرة صحيفة باثني عشر خاتما اسم كلّ إمام على خاتمه وصفته في صحيفته(817).
وفيه: عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال لأصحابه: آمنوا بليلة القدر فإنّها تكون من بعدي لعلي بن أبي طالب وولده وهم أحد عشر من بعده(818).
وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله): اثنا عشر من أهل بيتي أعطاهم الله فهمي وعلمي وحكمتي، وخلقهم من طينتي، فويل للمتكبّرين عليهم بعدي، القاطعين فيهم صلتي، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي(819).
وعنه (صلّى الله عليه وآله): الأئمّة بعدي اثنا عشر أوّلهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها(820).
وعنه (صلّى الله عليه وآله): الأئمّة بعدي اثنا عشر أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي وحجج الله على أمّتي بعدي، المقرّ لهم مؤمن والمنكر لهم كافر(821).
وفيه: عنه (صلّى الله عليه وآله): إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثنا عشر أوّلهم أخي وآخرهم ولدي. قيل: يا رسول الله ومن أخوك؟ قال (صلّى الله عليه وآله): علي بن أبي طالب. قيل: فمن ولدك؟ قال: المهدي الذي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، والذي بعثني بالحقّ بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلّي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربّها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب(822).
وفي أربعين الخوئي عن ابن عبّاس: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّه لما عرج بي ربي جل جلاله أتاني النداء: يا محمد. قلت: لبيك ربّ العظمة لبيك، فأوحى الله عزّ وجلّ إلي: يا محمد فيم اختصم به الملأ الأعلى؟ قلت: إلهي لا علم لي. فقال لي: يا محمد هل اتخذت من الآدميين وزيرا وأخا ووصيّا من بعدك؟ فقلت: إلهي ومن أتخذ؟ تخيّر لي أنت يا إلهي، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى: يا محمّد قد اخترت لك من الآدميين عليا فقلت: إلهى ابن عمّي فأوحى الله لي: يا محمد إنّ عليا وارثك ووارث العلم من بعدك، وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة، وصاحب حوضك يسقي من ورد عليه من بريتي من أمّتك، ثمّ أوحى الله عزّ وجلّ إلي، يا محمد إنّي قد أقسمت على نفسي قسما حقّا لا يشرب من ذلك الحوض مبغض لك ولأهل بيتك وذريتك الطيبين الطاهرين حقّا حقّا، أقول يا محمّد لأدخلن جميع أمّتك الجنّة إلّا من أبي.
فقلت: إلهي وأحد يأبى دخول الجنّة؟ فأوحى الله عزّ وجلّ إلي: بلى. فقلت: وكيف يا ربي؟ فأوحى الله عزّ وجلّ إلي: يا محمّد اخترتك من خلقي واخترت لك وصيّا من بعدك، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدك، وألقيت محبته في قلبك، وجعلته أبا لولديك، فحقّه بعدك على امتك كحقّك عليهم في حياتك، فمن جحد حقّه جحد حقّك ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك، ومن أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنّة.
فخررت لله عزّ وجلّ ساجدا شاكرا لما أنعم علي، فإذا مناد ينادي: ارفع يا محمّد رأسك واسألني أعطك. فقلت: إلهي اجمع أمّتي من بعدي على علي بن أبي طالب ليردوا علي جميعا حوضي يوم القيامة، فأوحى الله عزّ وجلّ إلي يا محمد إنّي قد قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم، وقضائي ماض فيهم، لاهلك به من أشاء وأهدي به من أشاء، وقد آتيته علمك من بعدك وجعلته وزيرك وخليفتك من بعدك على أهلك وأمّتك، عزيمة منّي ولا يدخل الجنّة من عاداه وأبغضه وأنكر ولايته بعدك، فمن أبغضه أبغضك ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن عاداه فقد عاداك ومن عاداك فقد عاداني ومن أحبّه فقد أحبّك ومن أحبّك فقد أحبّني، وقد جعلت لك هذه الفضيلة، وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهديّا، كلّهم من ذريتك من البكر البتول، وآخر رجل منهم يصلّي خلفه عيسى ابن مريم يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا، انجي به من الهلكة وأهدي به من الضلالة وأبرئ به الأعمى وأشفي به المريض، فقلت: إلهي وسيّدي متى يكون ذلك؟
فأوحى الله عزّ وجلّ: يكون ذلك إذا رفع العلم وظهر الجهل وكثر القرّاء وقلّ العمل وكثر القتل وقل الفقهاء الهادون وكثر فقهاء الضلالة والخئونة، وكثر الشعراء، واتخذت أمّتك قبورهم مساجد وحليت المصاحف وزخرفت المساجد وكثر الجور والفساد وظهر المنكر وأمرت أمّتك به، ونهي عن المعروف واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وصارت الامراء كفرة وأولياؤهم فجرة وأعوانهم ظلمة وذوو الرأي منهم فسقة، وعند ثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وخراب البصرة على يد رجل من ذريتك تتبعه الزنوج، وخروج رجل من ولد الحسين بن علي، وظهور الدجّال، يخرج بالمشرق من سجستان وظهور السفياني.
فقلت: إلهي وما يكون بعدي من الفتن؟ فأوحى الله إلي وأخبرني ببلاء بني امية وفتنة ولد عمّي، وما هو كائن إلى يوم القيامة، فأوصيت بذلك ابن عمّي حين هبطت إلى الأرض، وأديت الرسالة ولله الحمد على ذلك كما حمده النبيّون، وكما حمده كلّ شيء قبل وما هو خالقه إلى يوم القيامة(823).
وفي أعلام الورى: سئل أمير المؤمنين عن معنى قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، من العترة؟ قال: أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديّهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يردوا على رسول الله حوضه(824).
وفي أعلام الورى عن أصبغ بن نباتة قال: خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم، ووضع يده في يد ابنه الحسن (عليه السلام) وهو يقول: خرج علينا رسول الله ذات يوم ويده في يدي هكذا وهو يقول: خير الخلق بعدي وسيّدهم أخي هذا، وهو إمام كلّ مسلم وأمير كل مؤمن بعد وفاتي، ألا وإنّي أقول: إنّ خير الخلق بعدي وسيّدهم ابني هذا، إمام كلّ مسلم، وولي كلّ مؤمن بعد وفاتي، ألا وإنّه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
وخير الخلق وسيّدهم بعد الحسن ابني الحسين المظلوم بعد أخيه، المقتول بأرض كربلاء، أما إنّه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة، ومن بعد الحسين تسعة من صلبه، خلفاء الله في أرضه وحججه على عباده وأمناؤه على خزائنه، وهم أئمّة المسلمين وقادة المؤمنين وسادة المتّقين، وتاسعهم القائم الذي يملأ الله به الأرض نورا بعد ظلمتها، وعدلا بعد جورها، وعلما بعد جهلها، والذي بعث أخي محمدا بالنبوّة واختصّني بالإمامة لقد نزل بذلك الوحي من السماء على لسان الروح الأمين جبرئيل، ولقد سئل رسول الله وأنا عنده:
من الأئمّة بعده؟ فقال للسائل: والسماء ذات البروج إنّ عددهم كعدد البروج، ورب الليالي والأيّام والشهور إنّ عدّتهم كعدّة الشهور.
قال السائل: فمن هم يا رسول الله؟ فوضع رسول الله يده على رأسي فقال: أوّلهم هذا وآخرهم المهدي من والاهم فقد والاني ومن عاداهم فقد عاداني، ومن أحبّهم فقد أحبّني ومن أبغضهم فقد أبغضني، ومن أنكرهم فقد أنكرني ومن عرفهم فقد عرفني، بهم يحفظ الله دينه وبهم يعمر بلاده وبهم يرزق عباده، وبهم ينزل القطر من السماء وبهم يخرج بركات الأرض، هؤلاء أوصيائي وخلفائي وأئمّة المسلمين وموالي المؤمنين(825).
وفيه: لمّا مات أبو بكر وبويع عمر وعلي جالس ناحية، إذ أقبل يهودي عليه ثياب حسان وهو من ولد هارون حتّى قام على رأس عمر بن الخطّاب فقال: يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الامّة بكتابهم وأمر نبيّهم، فطأطأ عمر رأسه، فأعاد عليه القول فقال له عمر: ولم ذلك؟
فقال: إنّي جئت مرتاد النفس، شاكّا في ديني اريد الحجّة وأطلب البرهان. فقال له عمر:
دونك هذا الشاب، وأشار إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام). فقال الغلام: ومن هذا؟ قال عمر: هذا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله وأبو الحسن وأبو الحسين ابني رسول الله، وزوج فاطمة بنت رسول الله، وأعلم الناس بالكتاب والسنّة. قال: فقام الغلام إلى علي (عليه السلام) فقال:
أنت كذلك؟ فقال (عليه السلام) له: نعم.
قال الغلام: اريد أن أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة، فتبسّم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا هاروني ما منعك أن تقول عن سبع؟ فقال: اريد أن أسألك عن ثلاث فإن علمتهنّ سألتك عمّا بعدهنّ، وإن لم تعلمهن علمت أنّه ليس فيكم علم. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): فإنّي أسألك بالإله الذي تعبده لئن أجبتك عن ما تسألني لتدعن دينك ولتدخلن في ديني؟ قال: ما جئت إلّا لذلك. قال: فسل. قال: فأخبرني عن أوّل قطرة دم قطرت على وجه الأرض، أي قطرة دم هي؟ وأوّل عين فاضت على وجه الأرض أي عين هي؟ وأوّل شجرة اهتزّت على وجه الأرض أي شجرة هي؟
فقال (عليه السلام): يا هاروني أما أنتم فتقولون: أوّل قطرة دم قطرت على وجه الأرض حيث قتل أحد ابني آدم، وليس كذلك ولكنّه حيث طمثت حوّاء، وذلك قبل أن تلد ابنيها. وأمّا أنتم فتقولون: أوّل عين فاضت على وجه الأرض العين التي ببيت المقدس، وليس هو كذلك ولكنّها عين الحياة التي وقف عليها موسى وفتاه ومعهما النون المالح، فسقط فيها فحيي وهذا الماء لا يصيب ميتا إلّا وحيي. وأمّا أنتم فتقولون: أوّل شجرة اهتزت على وجه الأرض الشجرة التي كانت منها سفينة نوح، وليس كذلك ولكنّها النخلة التي اهبطت من الجنّة، وهي العجوة، ومنها تفرع كلّ ما ترى من أنواع النخل.
فقال: صدقت والله الذي لا إله إلّا هو، إنّي لأجد هذا في كتب أبي هارون، كتابته بيده واملاء عمّي موسى، ثمّ قال: أخبرني عن الثلاث الأخر، عن أوصياء محمّد كم بعده من أئمّة عدل وعن منزله في الجنة ومن يكون ساكنا معه في الجنّة وفي منزله؟ فقال (عليه السلام): يا هاروني إنّ لمحمّد اثني عشر وصيّا أئمّة عدل لا يضرّهم خذلان من خذلهم، ولا يستوحشون خلاف من خالفهم، وإنّهم أرسب في الدين من الجبال الرواسي في الأرض، ومسكن محمّد في جنّة عدن التي ذكرها الله عزّ وجلّ وغرسها بيده، ومعه في مسكنه فيه الأئمّة الاثنا عشر العدول. فقال: صدقت والله الذي لا إله إلّا هو، إنّي لأجد ذلك في كتب أبي هارون، كتابته بيده وإملاء عمّي موسى (عليه السلام). قال: فأخبرني عن الواحدة: كم يعيش وصيّ محمّد بعده؟
وهل يموت أو يقتل؟ فقال (عليه السلام): يا هاروني يعيش بعده ثلاثين سنة لا يزيد يوما ولا ينقص يوما، ثمّ يضرب ضربة هاهنا، ووضع يده على قرنه وأومأ إلى لحيته، فتخضب هذه من هذه.
قال: فصاح الهاروني وقطع كستيجه(826) وقال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، وأنّك وصي رسول الله، ينبغي أن تفوق ولا تفاق وأن تعظم ولا تستضعف، ثمّ مضى به علي إلى منزله فعلّمه معالم الدين(827).
أقول:
قد ورد هذا الخبر بطرق مختلفة باختلاف يسير تركناها خوفا من الإطالة.
وفي أعلام الورى عن أبي جعفر محمد بن علي الثاني قال (عليه السلام): أقبل أمير المؤمنين ذات يوم ومعه الحسن بن علي وسلمان الفارسي، وأمير المؤمنين متكئ على يد سلمان فدخل المسجد الحرام فجلس؛ إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس فسلّم على أمير المؤمنين (عليه السلام) فرد، فجلس ثمّ قال: يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهنّ علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما أقضي عليهم أنهم ليسوا بمأمونين في دنياهم، ولا في آخرتهم، وإن تكن الاخرى علمت أنك وهم شرع سواء.
فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): سلني عمّا بدا لك. فقال: أسألك عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟
فالتفت أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الحسن (عليه السلام) فقال: يا أبا محمد أجبه. فقال (عليه السلام): أمّا ما سألت عنه من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه، فإنّ روحه متعلّقة بالريح، والريح متعلّقة بالهواء إلى وقت ما يتحرّك صاحبها لليقظة، فإن أذن الله بردّ تلك الروح على صاحبها جذبت تلك الريح الروح، وجذبت تلك الروح الهواء فرجعت الروح فأسكنت في بدن صاحبها، وإن لم يأذن الله عزّ وجلّ بردّ تلك على صاحبها جذبت الهواء، وجذبت الريح الروح فلم ترد على صاحبها إلى وقت ما يبعث.
وأمّا ما ذكرت من الذكر والنسيان فإن قلب الرجل في حقّ، وعلى الحقّ طبق، فإن صلّى عند ذلك على محمّد وآل محمّد صلاة تامّة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق فأضاء القلب وذكّر الرجل ما كان نسي، وإن لم يصلّ على محمّد وآل محمّد أو انتقص من الصلوات عليهم طبق ذلك الطبق على ذلك الحقّ وأظلم القلب ونسي الرجل.
وأمّا ما ذكرت من أمر المولود الذي يشبه أعمامه وأخواله، فإنّ الرجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مضطرب، فأسكنت بذلك تلك النطفة جوف الرحم خرج الولد يشبه أباه وأمّه، وإذا أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب اضطربت تلك النطفة، فوقعت في حال اضطرابها على بعض العروق فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام يشبه الولد أعمامه، وإن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله.
فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلّا الله ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أنّك وصي رسول الله والقائم بحجّته وأشار إلى أمير المؤمنين، ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أنّك وصيّه القائم بحجّته، وأشار إلى الحسن بن علي، وأشهد أنّ الحسين بن علي أخيك وصي أبيك والقائم بحجّته بعدك، وأشهد على علي بن الحسين أنه القائم بأمر الحسين من بعده، وأشهد على محمد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن الحسين من بعده، وأشهد على جعفر بن محمد أنّه القائم بأمر محمد بن علي، وأشهد على موسى بن جعفر أنّه القائم بأمر جعفر بن محمد، وأشهد على علي بن موسى أنّه القائم بأمر موسى بن جعفر، وأشهد على محمّد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن موسى، وأشهد على علي بن محمد أنّه القائم بأمر محمد بن علي، وأشهد على الحسن بن علي أنّه القائم بأمر علي بن محمد وأشهد على رجل من ولد الحسن بن علي لا يكنّى ولا يوصف أنّه يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، أنّه القائم بأمر الحسن بن علي، والسلام عليكم أيّها المؤمنون ورحمة الله وبركاته. ثمّ قام ومضى.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا محمد اتبعه فانظر أين يقصد، فخرج الحسن بن علي (عليهما السلام)، قال: فما كان إلّا أن وضع رجله خارج المسجد فما رأيت أين أخذ من أرض الله فرجعت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأعلمته، فقال: يا أبا محمّد أتعرفه؟ فقلت: الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم، فقال: هو الخضر(828).
في أعلام الورى عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري: إنّ لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ فقال له جابر:
في أي الأوقات شئت، فخلا به أبي فقال له: أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمّي فاطمة بنت رسول الله، وما أخبرتك به أمّي أنّ في ذلك اللوح مكتوبا؟ فقال له جابر: أشهد بالله أني دخلت على أمّك فاطمة (سلام الله عليها) في حياة رسول الله اهنيها بولادة الحسن، فرأيت في يدها لوحا أخضر ظننت أنّه زمرد، ورأيت فيه كتابا أبيض شبيه نور الشمس فقلت لها:
بأبي أنت وأمّي يا بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما هذا اللوح؟ فقالت (عليها السلام): هذا اللوح أهداه الله إلى رسول الله فيه اسم أبي (صلّى الله عليه وآله) واسم بعلي (عليه السلام) واسم ابنيّ واسم الأوصياء من ولدي، فأعطانيه أبي ليسرني بذلك. قال جابر: فأعطتنيه أمّك فاطمة فقرأته وانتسخته.
فقال أبي: فهل لك أن تعرضه علي؟ قال: نعم، فمشى معه أبي حتّى انتهى إلى منزل جابر وأخرج إلى أبي صحيفة من رق، قال جابر: فأشهد بالله أني رأيته هكذا في اللوح مكتوبا:
بسم الله الرّحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز العليم لمحمد بن عبد الله نوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين، عظّم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، إني أنا الله الذي لا إله إلّا أنا قاصم الجبّارين ومذلّ الظالمين ومبيد المتكبّرين وديّان يوم الدين.
إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا فمن رجا غير فضلي وخاف غير عدلي عذّبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، فإيّاي فاعبد وعليّ فتوكّل إني لم أبعث نبيّا فأكملت أيّامه وانقضت مدّته إلّا جعلت له وصيّا، وإنّي فضّلتك على الأنبياء وفضّلت وصيّك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك بعده وبسبطيك الحسن والحسين، فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه، وجعلت حسينا خازن وحيي وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامة معه والحجّة البالغة عنده وبعترته اثيب واعاقب، أوّلهم سيّد العابدين وزين أوليائي الماضين، وابنه شبيه جدّه المحمود محمد الباقر لعلمي، والمعدن لحكمي، سيهلك المرتابون في جعفر، الرادّ عليه كالرادّ عليّ، حقّ القول منّي لاكرمن مثوى جعفر ولأسرّنّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، وانتجبت بعده موسى وارتجيت بعده فتنة عمياء حندس(829)، ألا إنّ خيط فرجي لا ينقطع وحجّتي لا تخفى وإنّ أوليائي لا يشقون ألا من جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي من غير آية من كتابي فقد افترى عليّ، وويل للمفترين الجاحدين، فعند انقضاء مدّة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي، إنّ المكذّب بالثامن مكذّب بكلّ أوليائي، وعلي وليّي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوّة وأمنحه بالاضطلاع، يقتله عفريت مستكبر، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شرّ خلقي، حق القول منّي لاقرّنّ عينيه بمحمّد ابنه وخليفته من بعده، فهو وارث علمي ومعدن حكمي وموضع سرّي وحجّتي على خلقي، وجعلت الجنّة مثواه، وشفعته في سبعين من أهل بيته قد استوجبوا النار، وأختم بالسعادة لابنه علي وليّي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، اخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن العسكري، ثمّ أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيّوب، ستذلّ أوليائي في زمانه، ويتهادون رءوسهم كما تتهادى رءوس الترك والديلم، فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم ويغشو الويل والرنين في نسائهم، أولئك أوليائي حقّا، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل وأرفع الآصار والأغلال، اولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة واولئك هم المهتدون. قال أبو بصير لو لم تسمع في دهرك إلّا هذا الحديث لكفاك فصنه إلّا عن أهله(830).
وعن إسحاق بن عمّار مثله بتفاوت يسير.
وعن محمد بن جعفر (عليه السلام) عن أبيه جعفر بن محمد (عليه السلام) أنّ أباه محمد بن علي جمع ولده وفيهم عمّهم زيد بن علي، وأخرج اللوح المذكور وفيه ما ذكر(831).
وفيه عن جابر بن عبد الله: دخلت على فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقدّامها لوح يكاد ضوؤه يعشي الأبصار فيه اثنا عشر اسما، ثلاثة في ظاهره وثلاثة في باطنه وثلاثة أسماء في آخره وثلاثة أسماء في طرفه فعددتها فإذا هي اثنا عشر، فقلت: أسماء من هؤلاء؟ قالت:
هذه أسماء الأوصياء، أوّلهم ابن عمّي وأحد عشر من ولدي آخرهم القائم. قال جابر: فرأيت فيها محمّدا محمدا محمّدا في ثلاثة مواضع وعليا عليا عليا في أربعة مواضع، بشهادة جمع عند معاوية(832).
في الأربعين: لمّا صالح الحسن بن علي (عليهما السلام) معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته فقال (عليه السلام): ويحكم ما تدرون ما عملت، والله الذي عملت خير لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت، ألا تعلمون أني إمامكم، مفترض الطاعة عليكم وأحد سيدي شباب أهل الجنّة بنصّ رسول الله؟ قالوا: بلى. قال: أما علمتم أنّ الخضر لما خرق السفينة وقتل وأقام الجدار كان ذلك سخطا لموسى بن عمران؛ إذ خفي عليه وجه الحكم فيه، وكان ذلك عند الله حكمة وصوابا؟ أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلّا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلّا القائم الذي يصلّي روح الله عيسى ابن مريم خلفه؟ فإنّ الله عزّ وجلّ يخفي ولادته ويغيّب شخصه لئلّا يكون في عنقه بيعة، إذا خرج التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيّدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته ثمّ يظهر بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير(833).
وفي الأربعين قال الحسين بن علي (عليهما السلام): في التاسع من ولدي سنّة من يوسف وسنّة من موسى بن عمران، وهو قائمنا أهل البيت، يصلح الله تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة(834).
وفيه عنه (عليه السلام): قائم هذه الامّة هو التاسع من ولدي وهو صاحب الغيبة، وهو الذي يقسم ميراثه وهو حيّ(835).
وعنه (عليه السلام): منّا اثنا عشر مهديا أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم التاسع من ولدي وهو الإمام القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق على الدين كلّه ولو كره المشركون، وله غيبة يرتدّ فيها أقوام ويثبت على الدين فيها آخرون فيؤذون ويقال: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين، أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله.
وفيه عنه (عليه السلام): لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتّى يخرج رجل من ولدي، فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا، كذلك سمعت رسول الله(836).
وفيه عن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على سيدي علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) فقلت له: يا ابن رسول الله أخبرني بالذين فرض الله طاعتهم ومودّتهم، وأوجب على عباده الاقتداء بهم بعد رسول الله، فقال (عليه السلام): يا كنكر إنّ اولي الأمر الذين جعلهم الله أئمّة للناس وأوجب عليهم طاعتهم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثمّ الحسن ثمّ الحسين ابنا علي ابن أبي طالب، ثمّ انتهى الأمر إلينا وسكت. فقلت له: يا سيدي روي لنا عن أمير المؤمنين أن الأرض لا تخلو من حجّة لله على عباده، فمن الحجّة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمد، فاسمه في التوراة باقر يبقر العلم بقرا، هو الحجّة والإمام بعدي ومن بعد محمّد ابنه جعفر واسمه عند أهل السماء الصادق.
فقلت: يا سيدي فكيف صار اسمه الصادق وكلّكم الصادقون؟ فقال (عليه السلام): حدّثني أبي عن أبيه أنّ رسول الله قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسمّوه الصادق لأنّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة افتراء على الله وكذبا عليه، فسمّوه جعفر الكذّاب المفتري على الله والمدّعي بما ليس بأهل، المخالف على أبيه والحاسد لأخيه ذلك اليوم الذي يروم كشف سرّ الله عند غيبة ولي الله، ثمّ بكى علي بن الحسين (عليه السلام) بكاء شديدا، ثمّ قال: كأنّي بجعفر الكذّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله والمغيب في حفظ الله، والتوكيل بحرم أبيه جهلا منه بولادته، وحرصا على قتله إن ظفر به طمعا في ميراث أبيه حتّى يأخذه بغير حقّه.
فقال أبو خالد: فقلت له: يا ابن رسول الله وإنّ ذلك لكائن؟ فقال: إي وربّي إنّ ذلك لمكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله. قال:
فقلت له: يا ابن رسول الله ثمّ يكون ما ذا؟ قال: ثمّ تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله والأئمّة بعده، يا أبا خالد إنّ أهل زمان غيبته والقائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان؛ لأنّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف، أولئك المخلصون حقّا وشيعتنا صدقا والدعاة إلى الله سرّا وجهرا(837).
وفي أعلام الورى عن أبي جعفر (عليه السلام): إنّ الله تعالى أرسل محمّدا إلى الجنّ والإنس وجعل من بعده اثني عشر وصيّا، منهم من سبق ومنهم من بقي، وكلّ وصي جرت به سنّة الأوصياء الذين من بعد محمّد على سنّة أوصياء عيسى، وكانوا اثني عشر(838).
وفي الأربعين عن أبي بصير: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء: سنّة من موسى وسنّة من عيسى وسنّة من يوسف وسنّة من محمّد، أمّا من موسى فخائف يترقّب، وأمّا من يوسف فالحبس، وأمّا من عيسى فيقال: إنّه مات ولم يمت، وأمّا من محمّد فالسيف(839).
وفيه عن محمد بن مسلم: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) وأنا اريد أن أسأله عن القائم من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) فقال لي مبتدئا: يا محمد بن مسلم إنّ في القائم من آل محمّد شبه من خمسة من الرسل: يونس بن متى ويوسف بن يعقوب وموسى وعيسى ومحمد، فأمّا شبهه من يونس فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن، وأمّا شبهه من يوسف بن يعقوب فالغيبة من خاصة وعامة، واختفاؤه من اخوته، وإشكال أمره على أبيه يعقوب مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته، وأمّا شبهه من موسى فدوام خوفه وطول غيبته وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده ممّا لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله عزّ وجلّ في ظهوره ونصره وأيّده على عدوّه، وأمّا شبهه من عيسى فاختلاف من اختلف فيه حتّى قالت طائفة منهم: ما ولد، وقالت طائفة: مات وقالت طائفة قتل وصلب. وأمّا شبهه من جدّه المصطفى فخروجه بالسيف وقتل أعداء الله وأعداء رسوله والجبّارين والطواغيت، وأنّه ينصر بالسيف وبالرعب، وأنّه لا تردّ له راية. وإنّ من علامات خروجه، خروج السفياني من الشام وخروج اليماني وصيحة من السماء في شهر رمضان، ومناد ينادي باسمه من السماء واسم أبيه(840).
وفيه عن الصادق (عليه السلام): من أقرّ بجميع الأئمّة وجحد المهدي كان كمن أقرّ بجميع الأنبياء وجحد محمّدا نبوّته، فقيل له: يا ابن رسول الله فمن المهدي من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه؛ ولا تحلّ لكم تسميته(841).
وفيه عنه (عليه السلام): إذا توالت ثلاثة أسماء محمد وعلي والحسن كان رابعهم قائمهم(842).
وفيه عن مفضل: دخلت على الصادق (عليه السلام) قلت: يا سيدي لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك؟ فقال لي: يا مفضل الإمام من بعدي ابني موسى والخلف المأمول المنتظر م ح م د ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى(843).
وفي أعلام الورى عن مفضل عنه (عليه السلام): إنّ الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نورا قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا. فقيل له: يا ابن رسول الله ومن الأربعة عشر؟
فقال: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته، ويطهّر الأرض من كلّ جور وظلم(844).
وفيه عن الحميري في حديث طويل: قلت للصادق (عليه السلام): يا ابن رسول الله روي لنا أخبار عن آبائك في الغيبة وصحّة كونها، فأخبرني بمن تقع؟ فقال: إنّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمّة الهداة بعد رسول الله؛ أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحقّ بقيّة الله في الأرض وصاحب الزمان، وبقي من غيبته ما بقي نوح في قومه، لم يخرج من الدنيا حتّى يظهر فيخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما(845).
وفي الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنّ الله عزّ وجلّ أنزل على نبيّه كتابا قبل وفاته وقال: يا محمد هذه وصيتك إلى النجبة من أهلك. قال: وما النجبة يا جبرئيل؟ قال: علي بن أبي طالب وولده، وكان على الكتاب خواتم من ذهب، ودفعه النبي إلى أمير المؤمنين وأمره أن يفك خاتما منه ويعمل بما فيه، ففك أمير المؤمنين خاتما وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى ابنه الحسن ففكّ خاتما وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى الحسين ففكّ خاتما فوجد فيه: أن اخرج بقوم إلى الشهادة، فلا شهادة لهم إلّا معك واشر نفسك لله ففعل، ثمّ دفعه إلى علي بن الحسين ففك خاتما فوجد فيه: أن أطرق واصمت إلى منزلك، واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين ففعل، ثمّ دفعه إلى محمّد بن علي ففك خاتما فوجد فيه: حدّث الناس وأفتهم ولا تخافنّ إلّا الله عزّ وجلّ فإنّه لا سبيل لأحد عليك، ثمّ دفعه إلى ابنه جعفر ففك خاتما فوجد فيه: حدّث الناس وأفتهم وانشر علوم أهل بيتك، وصدّق آباءك الصالحين، ولا تخافن إلّا الله عزّ وجلّ وأنت في حرز وأمان ففعل، ثمّ دفعه إلى ابنه موسى وكذلك يدفعه موسى إلى الذي بعده، ثمّ كذلك إلى قيام المهدي(846).
وفي الأربعين عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام): إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم، لا يزيلنّكم أحد عنها، يا بني إنّه لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنّما هي محنة من الله عزّ وجلّ امتحن بها خلقه، ولو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصحّ من هذا لاتّبعوه. فقلت: يا سيدي من الخامس من ولد السابع؟ فقال: يا بني عقولكم تصغر من هذا، وأخلاقكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه(847).
وفيه عن يونس بن عبد الرّحمن قال: دخلت على موسى بن جعفر (عليه السلام) فقلت له: يا ابن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال: أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهّر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلا كما ملئت جورا هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه، يرتدّ فيها أقوام ويثبت فيها آخرون، ثمّ قال: طوبى لشيعتنا المتمسّكين بحبلنا في غيبة قائمنا الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، اولئك منّا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمّة ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم ثمّ طوبى لهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة(848).
قال الناقل لهذا الحديث الفاضل المحقّق الحاج ميرزا إبراهيم الخوئي في أربعينه: أحد العلل التي من أجلها وقعت الغيبة الخوف كما ذكر في هذا الحديث، وقد كان موسى بن جعفر (عليهما السلام) في ظهوره كاتما لأمره وكان شيعته لا يجترءون على الإشارة إليه خوفا من طاغية زمانهم، حتّى أنّ هشام بن الحكم لما سئل في مجلس يحيى بن خالد عن الدلالة على الإمام أخبر بها، فلمّا قيل له: فمن هذا الموصوف؟ قال: صاحب أمير المؤمنين هارون الرشيد، وكان هو خلف الستر قد سمع كلامه، فقال: أعطانا والله من جراب النورة، فلمّا علم هشام أنّه قد أتى هرب، فطلب فلم يقدر عليه فخرج إلى الكوفة ومات بها عند بعض الشيعة فلم يكف عنه الطلب حتّى وضع ميتا بالكناسة وكتب رقعة معه: هذا هشام بن الحكم الذي يطلبه أمير المؤمنين حتّى نظر إليه القاضي والعدول وصاحب المعونة والعامل، فحينئذ كفّ الطاغية عنه(849).
وفي الأربعين عن علي بن موسى (عليه السلام) لحسن بن محبوب: لا بدّ من فتنة صمّاء صيلم(850)، يسقط منها كل بطانة ووليجة وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض، وكل حيرى وحيران وكل حزين ولهفان، ثمّ قال: بأبي وأمّي سمي جدّي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران عليه حتوب(851) النور ويتوقّد من شعاع ضياء القدس، يحزن لموته أهل الأرض والسماء، وكم من مؤمنة وكم من مؤمن متأسّف حيران حزين عند فقدان الماء المعين، كأني بهم آيس ما كانوا وقد نودوا نداء يسمع من بعد كما يسمع من قرب، يكون رحمة على المؤمنين وعذابا على الكافرين(852).
وفيه عن عبد العظيم بن عبد الله عن زيد بن حسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: دخلت على سيدي محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) وأنا أريد أن أسأله عن القائم أهو المهدي أو غيره، فابتدأني فقال: يا أبا القاسم إنّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، والذي بعث محمّدا بالنبوّة وخصّنا بالإمامة إنّه لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، وإنّ الله تبارك وتعالى يصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى، إذ ذهب ليقتبس لأهله نارا فرجع وهو رسول نبي، ثمّ قال (عليه السلام): أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج(853).
وفيه عن صغير بن دلف قال: سمعت أبا جعفر الثاني يقول: إنّ الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري وقوله قولي وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه وطاعته طاعة أبيه، ثمّ سكت فقلت له: يا ابن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن؟
فبكى (عليه السلام) بكاء شديدا ثمّ قال (عليه السلام): إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر، فقلت له:
يا ابن رسول الله ولم سمّي القائم؟ قال: لأنّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته.
فقلت له: ولم سمّي المنتظر؟ قال (عليه السلام): لأنّ له غيبة تكثر أيّامها ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون ويكذّب فيها الوقّاتون ويهلك فيها المستعجلون وينجو فيها المسلمون(854).
وفيه عن محمد بن عبد الله الحسيني: قلت لمحمد بن علي بن موسى (عليهم السلام): إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد (صلّى الله عليه وآله) الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.
فقال: يا أبا القاسم ما منّا إلّا قائم بأمر الله عزّ وجلّ وهاد إلى دينه، ولكن القائم الذي يطهّر الله به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها قسطا وعدلا هو الذي يخفى عن الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سمّي رسول الله وكنيّه وهو الذي تطوى له الأرض ويذلّ له كلّ صعب، يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض وذلك قول الله عزّ وجلّ (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شيء قَدِيرٌ)(855) فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر أمره، فإذا أكمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عزّ وجلّ فلا يزال يقتل أعداء الله حتّى يرضى الله عزّ وجلّ.
قال عبد العظيم: فقلت: يا سيدي وكيف يعلم أنّ الله قد رضي؟ قال: يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزّى وأحرقهما(856).
وفيه عن علي بن مهزيار كتبت إلى أبي الحسن أسأله عن الفرج فكتب: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقّعوا الفرج(857).
وفيه عن داود بن قاسم الجعفري: سمعت أبا الحسن صاحب العسكر يقول: الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف، فقلت: لم جعلني الله فداك؟ فقال:
لأنّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه. قلت: فكيف نذكره؟ قال: قولوا الحجّة من آل محمّد(858).
وفيه عن عبد العظيم الحسني، ابن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي ابن أبي طالب (عليه السلام): دخلت على سيدي علي بن محمد قال: فبصر بي وقال: مرحبا بك يا أبا القاسم أنت وليّنا حقّا. قال: فقلت له: يا ابن رسول الله إنّي اريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضيا أثبت عليه حتّى ألقى الله عزّ وجلّ. فقال: هات يا أبا القاسم. فقلت: إنّي أقول: إنّ الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء خارج عن الحدّين حدّ التشبيه وحدّ الإبطال، وإنّه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسّم الأجسام ومصوّر الصور وخالق الأعراض والجواهر وربّ كلّ شيء ومالكه وجاعله ومحدثه، وإنّ محمّدا عبده ورسوله خاتم النبيّين فلا نبي بعده إلى يوم القيامة، وإنّ شريعته خاتم الشرائع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة.
وأقول إنّ الإمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ علي بن الحسين ثمّ محمد بن علي ثمّ جعفر بن محمّد ثمّ موسى بن جعفر ثمّ علي بن موسى ثمّ محمّد بن علي ثمّ أنت يا مولاي. فقال (عليه السلام): ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف بعده؟ قال: فقلت: وكيف ذلك يا مولاي؟ قال: لأنّه لا يرى شخصه ولا يحلّ ذكره باسمه حتّى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. قال: فقلت: أقررت. وأقول: بأنّ وليّهم ولي الله وعدوّهم عدوّ الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله عزّ وجلّ. الحديث، إلى هنا محلّ الحاجة(859).
وفيه عن سعد بن عبد الله دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال مبتدئا: يا أحمد بن إسحاق إنّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم إلى يوم القيامة من حجّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض وبه ينزل الغيث وبه يخرج بركات الأرض. فقلت له: يا ابن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك فنهض (عليه السلام) مسرعا فدخل البيت ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين فقال (عليه السلام): يا أحمد بن إسحاق لو لا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنّه سمّي رسول الله وكنيّه الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الامّة مثل الخضر، ومثله مثل ذي القرنين والله ليغيبن غيبة لا ينجو منها من الهلكة إلّا من ثبّته الله على القول بإمامته ووفّقه للدعاء بتعجيل فرجه.
قال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي فهل من علامة يطمئن بها قلبي؟ فنطق الغلام بلسان عربي فصيح فقال (عجّل الله فرجه): أنا بقيّة الله في أرضه والمنتقم من أعدائه فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق. قال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسرورا فرحا فلمّا كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا ابن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت عليّ، فما السنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: طول الغيبة يا أحمد. فقلت: يا ابن رسول الله فإنّ غيبته لتطول؟ قال: إي وربّي حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، فلا يبقى إلّا من أخذ الله عهده بولايتنا وكتب في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه، يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من أمر الله وسرّ من سرّ الله وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غدا في عليين(860).
الفرع السادس في ذكر كتاب وجد عند صخرة تحت أرض الكعبة في زمان عبد الله بن الزبير، وفيه أخبار عن النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام).
في الدمعة عن المقتضب عن عبد الله بن ربيعة - رجل من أهل مكّة - قال: قال لي: إنّي محدّثك الحديث فاحفظه عنّي واكتمه علي ما دمت حيّا، أو يأذن الله فيه بما يشاء: كنت مع من عمل مع ابن الزبير في الكعبة قال: حدّثني أنّ ابن الزبير أمر العمّال أن يبلغوا في الأرض.
قال: فبلغنا صخورا أمثال الإبل، فوجدت على بعض تلك الصخور كتابا موضوعا، فتناولته وسترت أمره فلمّا صرت إلى منزلي تأمّلته فرأيته كتابا لا أدري من أي شيء هو، ولا أدري الذي كتب به ما هو إلّا أنه ينطوي الكتاب فقرأت فيه:
باسم الأوّل لا شيء قبله، لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم، ولا تعطوها غير مستحقيها فتظلموها، إنّ الله يصيب بنوره من يشاء، والله يهدي من يشاء، والله ضالّ لمن يريد. باسم الأوّل لا نهاية له القائم على كلّ نفس بما كسبت، وكان عرشه على الماء، ثمّ خلق الخلق بقدرته وصوّرهم بحكمته وميّزهم بمشيئته كيف شاء، وجعلهم شعوبا وقبائل وبيوتا لعلمه السابق فيهم، ثمّ جعل من تلك القبائل قبيلة مكرمة سمّاها قريشا وهي أهل الإمامة، ثمّ جعل من تلك القبيلة بيتا خصّه الله بالبناء والرفعة، وهم ولد عبد المطّلب حفظة هذا البيت وعمّاره وولاته وسكّانه.
ثمّ اختار من ذلك البيت نبيّا يقال له محمّد ويدعى في السماء أحمد، يبعثه الله في آخر الزمان نبيّا، وبرسالته مبلغا وللعباد إلى دينه داعيا منعوتا في الكتب، تبشّر به الأنبياء ويرث علمه خير الأوصياء، يبعثه الله وهو ابن أربعين عند ظهور الشرك وانقطاع الوحي وظهور الفتن؛ ليظهر الله به دين الإسلام ويدحر به الشيطان ويعبد به الرّحمن، قوله فصل وحكمه عدل يعطيه الله النبوّة بمكّة والسلطان بطيبة، له مهاجرة من مكة إلى طيبة وبها موضع قبره، يشهر سيفه ويقاتل من خالفه ويقيم الحدود فيمن اتبعه، هو على الامّة شهيد ولهم يوم القيامة شفيع، يؤيّده بنصره ويعضده بأخيه وابن عمّه وصهره وزوج ابنته ووصيّه في أمّته من بعده، وحجّة الله على خلقه، ينصبه لهم علما عند اقتراب أجله، هو باب الله فمن أتى الله من غير الباب ضلّ، يقبضه الله وقد خلف في أمّته عمودا بعد أن يبيّن لهم، يقول بقوله فيهم ويبيّنه لهم، هو القائم من بعده والإمام والخليفة في أمّته، فلا يزال مبغضا محسودا مخذولا ومن حقّه ممنوعا، لأحقاد في القلوب وضغائن في الصدور ولعلوّ مرتبته وعظم منزلته وعلمه وحلمه، وهو وارث العلم ومفسّره، مسئول غير سائل، عالم غير جاهل، كريم غير لئيم، كرّار غير فرّار، لا تأخذه في الله لومة لائم، يقبضه الله عزّ وجلّ شهيدا بالسيف مقتولا هو(861) يتولّى قبض روحه، ويدفن في الموضع المعروف بالغري، يجمع الله بينه وبين النبي (صلّى الله عليه وآله).
ثمّ القائم من بعده ابنه الحسن سيّد الشباب وزين الفتيان، يقتل مسموما، يدفن بأرض طيبة في الموضع المعروف بالبقيع، ثمّ يكون بعده الحسين (عليه السلام) إمام عدل يضرب بالسيف ويقري الضيف، يقتل بالسيف على شاطئ الفرات في الأيّام الزاكيات، يقتله بنو الطوامث والبغيات، يدفن بكربلاء، قبره للناس نور وضياء وعلم، ثمّ يكون القائم من بعده ابنه سيّد العابدين وسراج المؤمنين، يموت موتا، يدفن في أرض طيبة في الموضع المعروف بالبقيع، ثمّ يكون الإمام القائم بعده المحمود فعاله محمد باقر العلم ومعدنه وناشره ومفسّره، يموت موتا يدفن بالبقيع من أرض طيبة، ثمّ يكون الإمام جعفر، وهو الصادق وبالحكمة ناطق، مظهر كلّ معجزة وسراج الامّة، يموت موتا بأرض طيبة، موضع قبره بالبقيع.
ثمّ الإمام بعده المختلف دفنه، سمي المناجي ربّه موسى بن جعفر يقتل بالسمّ في محبسه، يدفن في الأرض المعروفة بالزوراء، ثمّ القائم بعده ابنه الإمام علي الرضا المرتضى لدين الله إمام الحق، يقتل بالسمّ في أرض العجم، ثمّ القائم الإمام بعده ابنه محمد، يموت موتا، يدفن بالأرض المعروفة بالزوراء، ثمّ القائم بعده ابنه علي لله ناصر ويموت موتا ويدفن في المدينة المحدثة، ثمّ القائم بعده ابنه الحسن وارث علم النبوّة ومعدن الحكمة، يستضاء به من الظلم، يموت موتا يدفن في المدينة المحدثة.
ثمّ المنتظر بعده اسمه اسم النبي يأمر بالعدل ويفعله وينهى عن المنكر ويجتنبه، يكشف الله به الظلم ويجلو به الشك والعمى، ويرعى الذئب في أيّامه مع الغنم، ويرضى عنه ساكن السماء والطير في الجوّ والحيتان في البحار، يا له من عبد ما أكرمه على الله، طوبى لمن أطاعه وويل لمن عصاه، طوبى لمن قاتل بين يديه فقتل وقتل، اولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة واولئك هم المهتدون، واولئك هم المفلحون(862).
زهرتان
الزهرة الأولى
في الدر النظيم عن الجارود بن منذر العبدي وكان نصرانيا، أسلم عام الحديبية وأنشد في رسول الله (صلّى الله عليه وآله):
أنبأ الأولون باسمك فينا * * * وبأسماء أوصياء كرام
فقال رسول الله: أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الأيادي؟ فقال الجارود: كلّنا نعرف يا رسول الله، غير أني من بينهم عارف بخبره، واقف على أثره. فقال سلمان: أخبرنا؟ فقال: يا رسول الله لقد شهدت قسا وقد خرج من ناد من أندية أياد إلى ضحضح ذي قتاد وسمر وعتاد، وهو مشتمل بنجاد، فوقف في أضحيان ليل كالشمس، رافعا في السماء وجهه وإصبعه، فدنوت منه فسمعته يقول: اللهم ربّ السماوات الأرفعة والأرضين الممرعة، بحق محمّد والثلاثة المحاميد معه والعليين الأربعة، وفاطمة والحسنين الأربعة، وجعفر وموسى التبعة، وسمي الكليم الضرعة، اولئك النقباء الشفعة، والطريق المهيعة، درسة الأناجيل ونفاة الأباطيل والصادقوا القيل، عدد النقباء من بني إسرائيل، فهم أوّل البداية وعليهم تقوم الساعة، وبهم تنال الشفاعة، ولهم من الله فرض الطاعة، اسقنا غيثا مغيثا، ثمّ قال: ليتني ادركهم ولو بعد لأي(863) من عمري ومحياي، ثمّ أنشأ يقول:
أقسم قس قسما * * * ليس به مكتتما
لو عاش ألفي سنة * * * لم يلق منها سأما
حتّى يلاقي أحمدا * * * والنجباء الحكماء
هم أوصياء أحمد * * * أفضل من تحت السما
يعمى الأنام عنهم * * * وهم ضياء للعمى
لست بناس ذكرهم * * * حتّى احلّ الرجما
قال الجارود: فقلت: يا رسول الله أنبئني أنبأك الله بخير هذه الأسماء التي لم نشهدها وأشهدنا قس ذكرها؟ فقال رسول الله: يا جارود ليلة اسري بي إلى السماء أوحى الله عزّ وجلّ إليّ أن سل من أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا. قلت: على ما بعثوا؟ قال: بعثتهم على نبوّتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمّة منكما، ثمّ عرفني الله تعالى بهم وبأسمائهم، ثمّ ذكر رسول الله للجارود أسماءهم واحدا واحدا إلى المهدي (عليه السلام)، ثمّ قال: قال لي الرب:
هؤلاء أوليائي وهذا المنتقم من أعدائي، يعني المهدي(864).
وقد ذكر صاحب الروضة أنّ هذا الاستسقاء كان قبل النبوّة بعشر سنين، وشهادة سلمان بمثل ذلك مشهورة.
الزهرة الثانية
اعلم أنّ انحصار عدد الأئمّة في اثني عشر بوجوه:
الأوّل:
أن الإيمان والإسلام مبني على أصلين أحدهما: لا إله إلّا الله، والثاني: محمّد رسول الله، وكلّ واحد من هذين الأصلين مركّب من اثني عشر حرفا، والإمامة فرع الإيمان المتأصل والإسلام المقرر، فيكون عدّة القائمين بها اثنا عشر كعدد كلّ واحد من الأصلين المذكورين.
الثاني:
أنّ الله تعالى أنزل في كتابه العزيز (ولَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً)(865) فجعل عدّة القائمين بفضيلة الإمامة والتقدمة بها مختصّة به، ولهذا لما بايع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الأنصار ليلة العقبة قال لهم: أخرجوا لي منكم اثني عشر نقيبا كنقباء بني إسرائيل، ففعلوا فصار ذلك طريقا متبعا وعددا مطلوبا.
الوجه الثالث:
قال الله تعالى (ومِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وبِهِ يَعْدِلُونَ وقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً)(866) فجعل الأسباط الهداة في الإسلام اثني عشر.
الوجه الرابع:
أنّ مصالح العالم في تصرّفاتهم لمّا كانت في حصولها مفتقرة إلى الزمان؛ لاستحالة انتظام مصالح الأعمال وإدخالها في الوجود الدنياوي بغير الزمان، وكان الزمان عبارة عن الليل والنهار، وكلّ واحد منهما حال الاعتدال مركّب من اثني عشر جزءا يسمّى ساعات، فكانت مصالح العالم مفتقرة إلى ما هو بهذا العدد، وكانت مصالح الأنام مفتقرة إلى الأئمّة وإرشادها، فجعل عددهم كعدد أجزاء كلّ واحد من جزئي الزمان للافتقار إليه كما تقدّم.
الوجه الخامس:
أنّ نور الإمامة يهدي القلوب والعقول إلى سلوك طريق الحق، ويوضح لها المقاصد في سلوك سبيل النجاة كما يهدي نور الشمس والقمر أبصار الخلائق إلى سلوك الطرق، ويوضح لهم المناهج السهلة ليسلكوها، والمسالك الوعرة ليتركوها، فهما نوران هاديان: أحدهما يهدي البصائر وهو نور الإمامة والآخر يهدي الأبصار وهو نور الشمس والقمر، ولكلّ واحد من هذين النورين محال يتناقلها، فمحل ذلك النور الهادي الأبصار البروج الاثنا عشر التي أوّلها الحمل وآخرها المنتهى إليه الحوت، فينقل من واحد إلى آخر، فيكون محال النور الثاني الهادي للبصائر وهو نور الإمامة منحصرا في اثني عشر أيضا.
لطيفة:
قد ورد في الحديث النبوي أنّ الأرض بما عليها محمولة على الحوت(867).
وفي هذا إشارة لطيفة وحكمة شريفة وهو أنّ محال ذلك النور لمّا كان آخرها الحوت، والحوت حامل لأثقال هذا الوجود وقصر العالم في الدنيا، فآخر محال هذا النور وهو نور الإمامة أيضا حال انتقال مصالح أديانهم، وهو المهدي (عجّل الله فرجه)(868).
الوجه السادس: أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: الأئمّة من قريش(869). فلا يجوز أن تكون الإمامة في غير قرشي وإن كان عربيا، والذي عليه محققو علماء النسب أنّ كل من ولده النضر بن كنانة، فهو قرشي، فمردّ كلّ قرشي إلى النضر بن كنانة، والنضر هو دوحة متفرّع صفة الشرف عليها، وتنبعث منها وترجع إليها، وهذه القبيلة الشريفة كمل شرفها وعظم قدرها واشتهر ذكرها، واستحقّت التقدّم على بقية القبائل وسائر البطون من العرب وغيرها برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فنسب قريش انحدر من النضر بن كنانة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فرسول الله في الشرف بمنزلة مركز الدائرة بالنسبة إلى محيطها، فمنه يرقى الشرف.
فإذا فرضت الشرف خطا متصاعدا متراقيا متّصلا إلى المحيط، مركّبا من نقط هي آباؤه أبا فأبا، وجدته محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ابن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر، فالمركز الذي انبعث منه الشرف متصاعدا هو رسول الله (صلّى الله عليه وآله). ووجدت المحيط الذي تنتهي الصفة الشريفة القرشية إليه هو النضر بن كنانة، فالخط المتصاعد الذي بين المركز وبين المنتهى المحيط اثنا عشر جزءا.
فإذا كانت درجات الشرف المعدودة متصاعدة اثني عشر، لاستحالة أن يكون الخطّان الخارجان من المركز إلى المحيط متفاوتين، فالنبي منبع الشرف الذي الإمامة منه بنفسه متصاعدا، وهو منبع الشرف الذي هو محل الإمامة متنازلا، فيلزم أن يكون الأئمّة اثني عشر، فكما أن الخط المتصاعد اثنا عشر فالخط المتنازل اثنا عشر، وهم: علي، الحسن، الحسين، علي، محمد، جعفر، موسى، علي، محمد، علي، الحسن، محمد (عليهم السلام) جميعا، فأوّل من ثبتت له الصفة بأنّه قرشي مالك بن نضر ولا يتعداه صاعدا وهو الثاني عشر، وكذلك المنتهي تثبت له الإمامة ولا تتعدّاه نازلا واستقرّت في محمد بن الحسن المهدي وهو الثاني عشر (عليه السلام).
الفرع السابع إخبار أهل الجفر والحساب بأعيان الأئمّة (صلوات الله عليهم أجمعين)
في الينابيع عن الشيخ عبد الرّحمن بن محمد علي بن أحمد البسطامي - كان أعلم زمانه في علم الحروف - : أمّا آدم (عليه السلام) فهو نبي مرسل خلقه الله تعالى بيده ونفخ فيه من روحه فأنزل عليه عشر صحائف، وهو أوّل من تكلّم في علم الحروف، وله كتاب سفر الخفايا، وهو أوّل كتاب كان في الدنيا في علم الحروف، وذكر فيه أسرار غريبة وامور عجيبة، وله كتاب الملكوت وهو ثاني كتاب كان في الدنيا في علم الحروف وصاحب الهيكل الأحمر قد أخذ من شيث (عليه السلام) كتاب الملكوت وكتاب السفر المستقيم، وهو ثالث كتاب كان في الدنيا في علم الحروف عاش تسعمائة وثلاثين سنة شمسية.
عن ابن عبّاس عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: خلق الله الأحرف وجعل لها سرّا، فلمّا خلق آدم (عليه السلام) بثّ فيه السرّ ولم يبثّه في الملائكة، فجرت الأحرف على لسان آدم بفنون الجريان وفنون اللغات، وقد اطلع الله على أسرار أولاده وما يحدث بينهم إلى يوم القيامة، ومن هذه الكتب تفرّعت سائر العلوم الحرفية والأسرار العددية إلى يومنا هذا وإلى ما شاء الله.
ثمّ بعده ورث علم أسرار الحروف ابنه أغاناذيمون وهو نبي الله شيث (عليه السلام)، وهو نبي مرسل أنزل الله عليه خمسين صحيفة، وهو وصي آدم (عليه السلام) وولي عهده، وهو الذي بنى الكعبة المعظّمة بالطين والحجر، وله سفر جليل الشأن في علم الحروف، وهو رابع كتاب في الدنيا في علم الحروف، وعاش تسعمائة سنة شمسية، ثم ورث علم الحروف ابنه أنوش، ثمّ ابنه قينا وإليه ينسب القلم القيناوي، ثمّ ابنه مهلائيل ثمّ ابنه بارد، وفي زمانه عبدت الأصنام
ثمّ ابنه هرمس وهو نبي الله إدريس وهو نبي مرسل أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة، وإليه انتهت الرئاسة في العلوم الحرفية والأسرار الحكمية واللطائف العددية والإشارات الفلكية، وقد ازدحم على بابه سائر الحكماء، واقتبس من مشكاة أنواره سائر العلماء، وقد صنّف كتاب كنز الأسرار وذخائر الأبرار، وهو خامس كتاب كان في الدنيا في علم الحروف، وعلّمه جبرائيل علم الرمل، وبه أظهر الله نبوّته وقد بني اثنين وسبعين مدينة، وتعلّم منه علم الحروف الهرامسة وهم أربعون رجلا، وكان أمهرهم اسقلينوس الذي هو أبو الحكماء والأطبّاء، وهو أوّل من أظهر الطب، وهو خادم نبي الله إدريس (عليه السلام) وتلميذه، ثمّ ابنه متوشلخ ثمّ ابنه لامك ثمّ ابنه نوح (عليه السلام)، وهو نبي مرسل وله سفر جليل القدر، وهو سادس كتاب كان في الدنيا في علم الحروف، ثمّ ابنه سام ثمّ ابنه أرفخشد ثمّ ابنه شالخ ثمّ ابنه عابر، وهو نبي الله هود (عليه السلام) ثمّ ابنه فالغ ثمّ ابنه يقطر وهو قاسم الأرض بين الناس، ثمّ ابنه صالح نبي الله ورث علم الحروف، ثمّ ارغوا بن فالغ المذكور ورث علم الحروف، ثمّ ابنه اسردع ثمّ ابنه ناحود ثمّ ابنه تارخ ثمّ ابنه إبراهيم (عليه السلام)، وهو نبي مرسل أنزل الله عليه عشرين صحيفة، وهو أوّل من تكلّم في علم الوفق(870).
وقيل: إنّه وفق القاف في أساس الكعبة المكرمة، وله سفر عظيم القدر، وهو سابع كتاب كان في علم الحروف، ثمّ ابناه إسماعيل وإسحاق ثمّ ابنه يعقوب ثمّ ابنه يوسف ثمّ موسى (عليه السلام)، وهو نبي مرسل أنزل الله عليه التوراة وعلّمه علم الكيمياء، وكان أعلم الناس في عصره بأسرار الأوفاق وبالوفق المسدس، استخرج تابوت يوسف من النيل، ثمّ وصيّه يوشع ابن نون ثمّ إلياس (عليه السلام) ثمّ حزقيل، وقيل زردشت الآذربيجاني أخذ علم أسرار الحروف عن أصحاب موسى، ثمّ أخذ عن زردشت جاماسب الحكيم وهو أكبر أصحابه، ثمّ داود (عليه السلام) ثمّ ابنه سليمان (عليه السلام) ثمّ آصف بن برخيا وهو وزير سليمان ثمّ أشعيا (عليهم السلام) ثمّ أرميا، ثمّ عيسى (عليه السلام) ورث علم الحروف، ثمّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) ورث علم الحروف.
وقال الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام): العلم الذي دعي إليه المصطفى (صلّى الله عليه وآله) علم الحروف، وعلم الحروف في لام الألف وعلم لام ألف في الألف وعلم الألف في النقطة وعلم النقطة في المعرفة الأصلية وعلم المعرفة الأصلية في علم الأزل وعلم الأزل في المشيئة - أي المعلوم - وعلم المشيئة في غيب الهوية، وهو الذي دعا الله إليه نبيّه بقوله: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ)(871)، والهاء في (أنّه) راجع إلى غيب الهوية، ثمّ إنّ الإمام عليا (عليه السلام) ورث علم أسرار الحروف من سيّدنا ومولانا محمّد (صلّى الله عليه وآله) وإليه الإشارة بقوله (صلّى الله عليه وآله): أنا مدينة العلم وعلي بابها.
وهو أوّل من وضع وفق مائة في مائة في الإسلام، ثمّ الإمامان الحسن والحسين ورثا علم أسرار الحروف من أبيها، ثمّ ابنه الإمام زين العابدين ورث من أبيه علم أسرار الحروف ثمّ ابنه الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، ثمّ ابنه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وهو الذي حلّ معاقد رموزه وفك طلاسم كنوزه.
وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): علمنا غابر ومزبور وكتاب مسطور في رقّ منشور، ونكت في القلوب ومفاتيح أسرار الغيوب، ونقر في الأسماع ولا تنفر منه الطباع، وعندنا الجفر الأبيض والجفر الأحمر والجفر الأكبر والجفر الأصغر، والجامعة والصحيفة وكتاب علي، قال: لسان الحروف ومشكاة أنوار الظروف [قال] أبو عبد الله زين الكافي: أمّا قوله: (علمنا غابر) فإنّه أشار به إلى العلم بما مضى من القرون والأنبياء، وكلّما كان من الحوادث في الدنيا، وأمّا المزبور فإنّه أشار إلى المسطور في الكتب الإلهية والأسرار الفرقانية المنزلة من السماء على المرسلين والأنبياء (صلوات الله وسلامه عليهم)، وأمّا الكتاب المسطور فإنّه أشار به إلى أنّه مرقوم في اللوح المحفوظ.
أمّا قوله: (نقر في الأسماع) فإنّه أشار به إلى أنّه كلام عليّ وخطاب جليّ، لا ينفر منه الطبع ولا يكرهه السمع، لأنّه كلام عذب، يسمعونه ولا يرون قائله فيؤمنون بالغيب. وأمّا الجفر الأبيض فإنّه أشار به إلى أنّه وعاء فيه كتب الله المنزلة وأسرارها المكنونة وتأويلاتها. وأمّا الجفر الأحمر فإنّه أشار به إلى أنّه وعاء فيه سلاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهو عند من له الأمر، ولا يظهر حتّى يقوم رجل من أهل البيت.
وأمّا الجفر الأكبر فإنّه أشار به إلى المصادر الوفقية التي هي من ألف با تا ثا إلى آخرها، وهي ألف وفق. وأمّا الجفر الأصغر فإنّه أشار به إلى المصادر الوفقية التي هي مركّبة من أبجد إلى قرشت، وهي سبعمائة وفق. وأمّا الجامعة فإنّه أشار به إلى كتاب فيه علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. وأمّا الصحيفة فهي صحيفة فاطمة (عليها السلام)، فإنّه أشار بها إلى ذكر الوقائع والفتن والملاحم وما هو كائن إلى يوم القيامة. وأمّا كتاب علي فإنّه أشار إلى كتاب أملاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من فلق فيه - أي من شقّ فمه ولسانه المبارك - وكتب علي، وأثبت فيه كلّما يحتاج إليه من الشرائع الدينية والأحكام والقضايا حتى فيه جلدة ونصف الجلدة. والجفر من حيث اللغة فإنّه رق الجدي.
وقال جعفر الصادق (عليه السلام) أيضا: منّا الفرس الغواص والفارس القناص. وقيل: إنّه يظهر في آخر الزمان مع محمّد المهدي (عجّل الله فرجه) ولا يعرفه على الحقيقة إلّا هو رضي الله عنه وقيل: إنّ المهدي (عجّل الله فرجه) يستخرج كتبا من غار أنطاكية ويستخرج الزبور من بحيرة طبرية، فيها ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة وفيها الألواح وعصا موسى.
والمهدي (عجّل الله فرجه) أكثر الناس علما وحلما، وعلى خدّه الأيمن خال أسود، هو من ولد الحسين بن علي (عليهما السلام). وأمّا الجامعة فهو عبارة عن سفر آدم (عليه السلام) وسفر الشيث (عليه السلام) وسفر إدريس وسفر نوح وسفر إبراهيم (عليهم السلام)، وقد تناقله أهل البصائر كابرا عن كابر إلى زماننا وإلى ما شاء الله.
قال بعض العارفين: إنّ الحروف سرّ من أسرار الله تعالى، والعمل بها من أشرف العلوم المخزونة، وهو من العلم المكنون المخصوص به أهل القلوب الطاهرة من الأنبياء والأولياء، وهو الذي يقول فيه محمد بن علي الحكيم الترمذي: علم الأولياء فافهم.
ولا بدّ للشارع في علم الحروف من معرفة علم التصحيف.
كتب علي (عليه السلام): خراب البصرة بالريح، يعني بالزنج.
قال الحافظ الذهبي: ما علم التصحيف في هذه الكلمة إلّا بعد المائتين من الهجرة؛ لأنّ بالقرمط الزنجي خربت البصرة، واعلم أنّ الله تبارك وتعالى قال: (وعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها)(872) يعني الحروف المحيطة بكل نطق، وهي اثنان وثلاثون حرفا تحوي جميع لغات الناطقين في الموجودات كلّها مع اختلاف ألسنتهم ولغاتهم، فمنها ثمانية وعشرون عربية بعدد منازل القمر، ومنها أربعة عجمية وهي پ چ ژ گ.
قال جعفر الصادق (عليه السلام): علّم الله آدم الأسماء بالقلم الذي في اللوح المحفوظ، وقيل: إنّ الحروف كانت تتشكّل لآدم (عليه السلام) في قوالب نورانية عند إرادة مسمّاها، وهي خاصته التي اختصّه الله تعالى بها، وعلّمه الله سبعين ألف باب من العلم، وعلّمه ألف حرفة، وأنزل عليه تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، وأنزل عليه حروف المعجم في إحدى وعشرين ورقة وهي أوّل كتاب كان في الدنيا، وكونها في إحدى وعشرين ورقة إشارة إلى أن الدنيا سبعة أدوار - أي سبعة آلاف سنة - وأنزل عليه عشر صحائف وفيها ألف لغة، وقد بيّن الله فيها أخبار الدنيا وما يكون فيها في أهل كل زمان، وذكر صورهم وسيرهم مع أنبيائهم واممهم وملوكهم وعبيدهم ورعاياهم، وما يحدث في الأرض(873).
روي عن أبي ذرّ الغفاري (رحمه الله): قلت: يا رسول الله أي كتاب أنزل الله تعالى على آدم؟
قال (صلّى الله عليه وآله): كتاب الحروف المعجم: ا ب ت ث الخ، فهي تسعة وعشرون حرفا. قلت: يا رسول الله عددت ثمانية وعشرين حرفا. فغضب (صلّى الله عليه وآله) حتّى احمرّت عيناه فقال (صلّى الله عليه وآله): يا أبا ذر والذي بعثني بالحق نبيّا ما أنزل الله على آدم في اللغة العربية إلّا تسعة وعشرين حرفا. قلت: يا رسول الله أليس فيها لام وألف؟ قال: لام وألف حرف واحد، قد أنزله الله تعالى على آدم في صحيفة واحدة ومعه سبعون ألف ملك، من خالف لام ألف فقد كفر بما أنزل الله تعالى علي.
قال تعالى: (ولَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وسُلَيْمانَ عِلْماً)(874).
قال بعض المفسّرين: ذلك هو الاسم الأعظم تركّب من الحروف الواردة في فواتح السور، وكان مكتوبا على خاتم سليمان بن داود (عليهما السلام)، وبه لان الحديد لداود (عليه السلام)، وسخّر الجنّ لسليمان وطوى الأرض للخضر، وبه تعلّم العلم اللدني وبه اوتي عرش بلقيس وبه يحيي عيسى الطير، وكان مكتوبا على عصا موسى (عليه السلام) وسيف علي (عليه السلام)، وكما بلغنا عن الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) سأله رجل عن معنى كهيعص(875) فقال له: لو فسّرتها لك لمشيت على الماء.
فأوّل الأقلام قلم السرياني ومنه تفرّعت سائر الأقلام وهو أوّل قلم كان في الدنيا وبه كان آدم (عليه السلام) قد وضع سفره(876).
الفرع الثامن إخبار الكهنة والسابقين بأعيان الأئمّة (عليهم السلام) وقيام القائم (عجّل الله فرجه)
في البحار عن كتاب المقتضب: أجلي الفرس عن القادسية وبلغ يزدجرد بن شهريار ما كان من رستم وإدالة العرب عليه، وظنّ أنّ رستم قد هلك والفرس جميعا، وجاء مبادرا وأخبره بيوم القادسية وانجلائها عن خمسين ألف قتيل، فخرج يزدجرد هاربا في أهل بيته ووقف بباب الإيوان وقال: السلام عليك أيّها الإيوان، ها أنا ذا منصرف عنك وراجع إليك أنا أو رجل من ولدي لم يدن زمانه ولا آن أوانه.
قال سليمان الديلمي فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسألته عن ذلك وقلت له ما قوله: (أو رجل من ولدي)؟ قال: ذلك صاحبكم القائم بأمر الله عزّ وجلّ السادس من ولدي قد ولده يزدجرد فهو ولده(877).
في إثبات الهداة للشيخ حرّ العاملي (رحمه الله) عن هشام بن سعد الرجال قال: إنّا وجدنا حجرا بالإسكندرية مكتوبا فيه: أنا شداد بن عاد، أنا الذي شيد عماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، إلى أن قال: وكنزت كنزا في البحر على اثني عشر ميلا لن يخرجه أحد حتّى يخرجه قائم آل محمّد(878).
وفي البحار عن الشعبي: إنّ عبد الملك بن مروان دعاني فقال: يا أبا عمرو إنّ موسى بن نصير العبدي كتب إليّ - وكان عامله على المغرب - يقول: إنّ مدينة من صفر كان ابتناها نبي الله سليمان بن داود، أمر الجن أن يبنوها له فاجتمعت العفاريت من الجن على بنائها، وإنّها من عين القطر التي ألانها الله لسليمان بن داود، وإنّها في مفازة الأندلس، وإنّ فيها من الكنوز التي استودعها سليمان، وقد أردت أن أتعاطى الارتحال إليها، فأعلمني الغلام بهذا الطريق أنّه صعب لا يتمطى إلّا بالاستعداد من الظهور والأزواد الكثيرة مع بعد المسافة وصعوبتها، وإنّ أحدا لم يهتمّ بها إلّا قصر عن بلوغها، إلّا دارا بن دارا، فلما قتله الاسكندر قال: والله لقد جئت الأرض والأقاليم كلّها ودان لي أهلها، وما أرض إلّا وقد وطئتها إلّا هذه الأرض من الأندلس، فقد أدركها دارا بن دارا وإنّي لجدير بقصدها كي لا اقصر عن غاية بلغها دارا، فتجهّز الإسكندر واستعد للخروج عاما كاملا، فلمّا ظنّ أنّه قد استعدّ لذلك وقد كان بعث روّاده فأعلموه أنّ موانع دونها، فكتب عبد الملك إلى موسى بن نصير يأمره بالاستعداد والاستخلاف على عمله، فاستعدّ وخرج فرآها وذكر أحوالها.
فلمّا رجع كتب إلى عبد الملك بحالها وقال في آخر الكتاب: فلمّا مضت الأيّام وفنيت الأزواد سرنا نحو بحيرة ذات شجر، وسرت مع سور البلد فصرت إلى مكان من السور فيه كتاب بالعربية فوقفت على قراءته وأمرت بانتساخه فإذا هو:
ليعلم المرء ذو العزّ المنيع ومن * * * يرجو الخلود وما حيّ بمخلود
لو أنّ خلقا ينال الخلد في مهل * * * لنال ذاك سليمان بن داود
سالت له القطر عين القطر فائضة * * * بالقطر منه عطاء غير مصدود
فقال للجن ابنوا لي به أثرا * * * يبقى إلى الحشر لا يبلى ولا يؤدي
فصيّروه صفاحا ثمّ هيل له * * * إلى السماء بإحكام وتجويد
وأفرغ القطر فوق السور منصلتا * * * فصار صلب من الصماء صيخود
وبثّ فيه كنوز الأرض قاطبة * * * وسوف يظهر يوما غير محدود
وصار في قعر بطن الأرض مضطجعا * * * مصمّدا بطوابيق الجلاميد
لم يبق من بعده للملك سابقة * * * حتّى يضمّن رمسا غير اخدود
هذا ليعلم أنّ الملك منقطع * * * إلّا من الله ذي النعماء والجود
حتّى إذا ولدت عدنان صاحبها* * * من هاشم كان منها خير مولود
وخصّه الله بالآيات منبعثا * * * إلى الخليفة منها البيض والسود
له مقاليد أهل الأرض قاطبة * * * والأوصياء به أهل المقاليد
هم الخلائف اثنا عشرة حججا * * * من بعدها الأوصياء السادة الصيد
حتّى يقوم بأمر الله قائمهم * * * من السماء إذا ما باسمه نودي
فلمّا قرأ عبد الملك الكتاب وأخبره طالب بن مدرك - وكان رسوله إليه - بما عاين من ذلك، وعنده محمد بن شهاب الزهري قال: ما ترى في هذا الأمر العجيب؟ فقال الزهري:
أرى وأظنّ أنّ جنّا كانوا موكلين بما في تلك المدينة، حفظة لها، يخيلون إلى من كان صعدها، قال عبد الملك: فهل علمت من أمر المنادي من السماء شيئا؟ قال: أله عن هذا يا أمير المؤمنين. قال عبد الملك: كيف ألهو عن ذلك وهو أكبر أقطاري؟ لتقولن بأشد ما عندك في ذلك ساءني أم سرّني. فقال الزهري: أخبرني علي بن الحسين (عليه السلام) أنّ هذا المهدي (عجّل الله فرجه) من ولد فاطمة بنت رسول الله، فقال عبد الملك: كذبتما لا تزالان ترحضان في بولكما وتكذبان في قولكما، ذلك رجل منّا.
قال الزهري: أما أنا فرويته لك عن علي بن الحسين (عليه السلام)، فإن شئت فاسأله عن ذلك ولا لوم علي فيما قلته لك، فإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يقول.
فقال عبد الملك: لا حاجة بي إلى سؤال بني أبي تراب، فخفض عليك يا زهري بعض هذا القول فلا يسمعه منك أحد. قال الزهري: لك عليّ ذلك(879).
الفرع التاسع في ذكر الدجّال وبعض أخباره وحالاته
وهو المسيح الكذّاب والقبيح المرتاب الذي استحق بسوء اختياره أليم العذاب، واستوجب شديد العقاب، المعروف بالأعور الدجّال عليه من الله اللعنة على الدوام والاتصال.
في الدمعة الساكبة عن مشكاة المصابيح عن أبي بكرة: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يمكث أبوا الدجّال ثلاثين عاما لا يولد لهما ولد، ثمّ يولد لهما غلام أعور أخرس - أي عظيم السن - وأقلّه منفعة - تنام عيناه ولا ينام قلبه، ثمّ نعت لنا رسول الله أبويه فقال: أبوه طويل ضرب اللحم(880)، كأنّ أنفه منقار، وأمّة امرأة فرضاخية(881) طويلة اليدين، فقال أبو بكرة: فسمعنا بمولود في اليهود بالمدينة فذهبت أنا والزبير بن العوّام حتّى دخلنا على أبويه، فإذا نعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيهما، فقلنا: هل لكما ولد؟ فقالا: مكثنا ثلاثين عاما لا يولد لنا ولد ثمّ ولد لنا غلام أعور أخرس وأقلّه منفعة، تنام عيناه ولا ينام قلبه. قال: فخرجنا من عندهما فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة وله همهمة فكشف عن رأسه فقال: ما قلتما؟ قلنا: وهل سمعت ما قلنا؟ قال: نعم تنام عيناي ولا ينام قلبي(882).
في الكافي عن ابن عمر: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) صلّى ذات يوم بأصحابه الفجر، ثمّ قام مع أصحابه حتّى أتى باب دار المدينة، فطرق الباب فخرجت إليه امرأة فقالت: ما تريد يا أبا القاسم؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا أمّ عبد الله استأذني لي على عبد الله، فقالت: يا أبا القاسم، وما تصنع بعبد الله فو الله إنّه لمجهود(883) في عقله، يحدث في ثوبه، وإنّه ليراودني على الأمر العظيم. فقال: استأذني لي عليه، فقالت: أعلى ذمتك؟ قال: نعم. قالت: ادخل فدخل فإذا هو في قطيفة يهينم(884) فيها. فقالت أمّه: اسكت واجلس، هذا محمّد أتاك، فسكت، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): ما لها لعنها الله، لو تركتني لأخبرتكم أهو هو، ثمّ قال النبي (صلّى الله عليه وآله): ما ترى؟
قال: أرى حقّا وباطلا وأرى عرشا على الماء، فقال: اشهد أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله، فقال: بل تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله، فما جعلك الله بذلك أحقّ منّي. فلمّا كان في اليوم الثاني صلّى بأصحابه الفجر ثمّ نهض فنهضوا معه حتّى طرق الباب، فقالت أمّه: ادخل فدخل فإذا هو في نخلة يفرد فيها، فقالت له أمّه: اسكت وانزل هذا محمّد قد أتاك، فسكت، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهو هو، فلمّا كان في اليوم الثالث صلّى بأصحابه الفجر، ثمّ نهض فنهضوا معه حتّى أتى ذلك المكان فإذا هو في غنم ينعق بها، فقالت له أمّه: اسكت واجلس هذا محمّد قد أتاك، وقد كانت نزلت في ذلك اليوم آيات من سورة الدخان، فقرأها لهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في صلاة الغداة ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): اشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله فقال: بل تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله، وما جعلك الله بذلك أحقّ منّي، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): إنّي قد خبّأت لك خبيئا، فقال: الدخ الدخ، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): اخسأ فإنّك لن تعدو أجلك ولن تبلغ أملك ولن تنال إلّا ما قدّر لك، ثمّ قال لأصحابه: أيّها الناس ما بعث الله نبيّا إلّا وقد أنذر قومه الدجّال، وإنّ الله عزّ وجلّ ادخره إلى يومكم هذا، فمهما تشابه عليكم من أمره فإنّ ربّكم ليس بأعور، إنّه يخرج على حمار، عرض ما بين أذنيه ميل، يخرج ومعه جنّة ونار وجبل من خبز ونهر من ماء، أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب، يدخل آفاق الأرض كلّها إلّا مكة وبيتها، ولا المدينة ولا أبنيتها(885).
أقول:
الهينمة صوت خفي. أهو أهو: أي أما تقولون ألوهية إله أم لا. أرى عرشا على الماء: أي عرش إبليس على البحر. قد خبأت لك خبيئا: أي أضمرت لك شيئا فأخبرني.
الدخ: بالضم والفتح الدخان أراد بذلك (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ)(886).
وفي عمدة ابن بطريق: انطلق عمر مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في رهط إلى ابن صياد حتّى وجده يلعب مع الصبيان عند أطم(887) بني مغالة، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم فلم يشعر حتّى ضرب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على ظهره بيده، ثمّ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لابن صياد: اشهد أنّي رسول الله، فنظر إليه ابن صياد قال: أشهد أنك رسول الاميين، فقال ابن صياد لرسول الله: اشهد أنّي لرسول الله، فقال: آمنت بالله وبرسوله، ثمّ قال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ما ذا ترى؟ قال ابن صياد:
يأتيني صادق وكاذب، فقال رسول الله: خلط عليك الأمر، ثمّ قال له رسول الله: إنّي خبأت لك خبيئا فقال ابن الصياد: هو الدخ، فقال له رسول الله: اخسأ فلن تعدو قدرك، فقال عمر بن الخطّاب: ذرني يا رسول الله أضرب عنقه؟ فقال رسول الله: إن يكن هو فلن تسلّط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله(888).
وفيه: انطلق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعد ذلك وأبي بن كعب إلى النخلة التي فيها ابن صياد شيئا حتّى إذا دخل رسول الله طفق يتقي بجذوع النخل، وهو يحتال أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه ابن صياد، فرآه رسول الله وهو مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها زمزمة، فرأت أمّ ابن صياد رسول الله وهو يتّقي بجذوع النخل، فقالت لابن صياد: يا صاف - وهو اسم ابن صياد - هذا محمد، فثار ابن صياد فقال رسول الله: لو تركته بين، فقام رسول الله في الناس فأثنى على الله تعالى بما هو أهله ثمّ ذكر الدجّال فقال: لانذركموه، وما من نبي إلّا وقد أنذر قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكن أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلّموا أنّه أعور وإنّ الله ليس بأعور(889).
وفيه إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان حذّر الناس الدجّال أنه مكتوب بين عينيه: كافر، يقرأه كلّ من كره عمله، أو يقرأه كلّ مؤمن. وقال: هلموا إنّه لن يرى أحد منكم ربّه حتّى يموت، وابن صياد هو الدجّال(890).
وفيه إنّ جابر بن عبد الله يحلف بالله أنّ ابن صياد هو الدجّال. فقيل: تحلف بالله! قال:
سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي (صلّى الله عليه وآله) فلم ينكره النبي (صلّى الله عليه وآله)(891).
(في البيان) روي عن عامر بن شراحيل الشعبي: شعب شمذان دخل على فاطمة بنت قيس اخت الضحّاك بن قيس وكانت من المهاجرات الاول فقال: حدّثيني حديثا سمعته عن رسول الله لا يسند إلى أحد غيره؟ فقالت: لئن شئت لأفعلن. فقال لها: أجل حدّثيني. فقالت:
نكحت ابن المغيرة، وكان من خيار شباب قريش يومئذ فأصيب في أوّل الجهاد مع رسول الله، ولما تأيّمت(892) خطبني عبد الرّحمن بن عوف في نفر من أصحاب محمد، وخطبني رسول الله على مولاه اسامة بن زيد وكنت حدثت أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: من أحبّني فليحبّ اسامة، فلمّا كلّمني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قلت: أمري بيدك فأنكحني من شئت. فقال: انتقلي إلى بيت أمّ شريك، وأمّ شريك امرأة غنية عظيمة النفقة في سبيل الله تنزل عليه الضيفان، فقلت:
سأفعل، قال: لا تفعلي إنّ أمّ شريك كثيرة الضيفان فإنّي أكره أن يسقط عنك خمارك، وينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمّك عبد الله بن عمرو بن أمّ مكتوم، وهو رجل من بني فهر قريش وهو من البطن الذي هي منه، فانتقلت إليه فلما انقضت عدّتي سمعت نداء المنادي، منادي رسول الله ينادي: الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد فصلّيت مع رسول الله، فكنت في الصفّ الذي يلي ظهور القوم.
فلمّا فرغ رسول الله من صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: ليلزم كلّ إنسان مصلّاه ثمّ قال: هل تدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال: إنّي والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأنّ تميما كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم، وحدّثني حديثا وافق الذي احدّثكم عن مسيح الدجال، حدّثني أنّه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهرا في البحر ثم أرفئوا إلى جزيرة في البحر حين مغرب الشمس، فجلسوا في ما يقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة، أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره لكثرة الشعر فقالوا: ويلك من أنت؟ قالت: أنا الجسّاسة.
قالوا: وما الجسّاسة؟ قالت: أيّها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنّه إلى خبركم بالأشواق. قال: سمت لنا رجلا فزعنا منها أن تكون شيطانة.
قال: انطلقنا سريعا حتّى دخلنا الدير فإذا أعظم إنسان ما رأيناه قط خلقا وأشدّه وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم؟ قلنا: نحن اناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم فلعب بنا الموج شهرا ثمّ أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقينا دابة أهلب كثيرة الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر فقلنا: ويلك ما أنت؟
قالت: أنا الجساسة. قلنا: ما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنّه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعا وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال: أخبروني عن هزبيسان؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ فقلنا له: نعم، فقال: أما إنّه يوشك أن لا يثمر، قال: أخبرونا عن بحيرة طبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟
قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إنّ ماءها يوشك إن يذهب. قال: أخبروني عن عين زعز؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الاميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج مهاجرا من مكّة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ قال: فأخبرناه أنّه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذاك؟
قلنا: نعم. قال: أما إنّ ذاك خير لهم أن يطيعوه وإنّي أخبركم عنّي: إنّي أنا المسيح الدجّال، وإنّي اوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلّا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرّمتان علي كلتاهما، كلّما أردت أن أدخل واحدة - أو واحدا - منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدّني عنها، وإنّ على كلّ نقب منها ملائكة يحرسونها.
قالت: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وطعن بمخصرته في المنبر: هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة يعني المدينة. ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم، [قال:] فإنّه أعجبني حديث تميم إنّه وافق الذي كنت أحدّثكم عنه وعن مكة والمدينة، ألا إنّه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق، ما هو من المشرق ما هو، وأومى بيده، قالت: فحفظت هذا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(893).
الفرع العاشر في أن اثني عشر لا ينطبق في بني أميّة كما زعم ولا في بني العبّاس، بل في بني فاطمة (عليهم السلام)
اعلم أنّه إذا تأمّل المنصف عرف أنّ الأحاديث الشريفة النبوية في خصوص الاثني عشر لا تنطبق إلّا على مذهب الإمامية لقرائن كثيرة منها: أنّ خليفة النبي (صلّى الله عليه وآله) لا بدّ وأن يكون عالما عاملا عاقلا ورعا تقيّا حاويا للخصال الحميدة ومنزها عن الصفات القبيحة، تاركا لما يجب وينبغي تركه، بصيرا حاذقا، إلى غير ذلك ممّا هو من لوازم خلافة مثله (صلّى الله عليه وآله) المبعوث لهداية الخلق وتهذيبهم وتكميلهم وتزكيتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة، فمن خلفه وجلس مجلسه لا بدّ وأن يكون له حظّ وافر من ذلك حتّى يصدق عليه الخلافة التي أخبر بها من جهة نبوّته ورسالته، لا من حيث سلطنته وملكيّته وغلبته على البلاد والعباد، مع أنّ في طرق بعض الأخبار المذكورة: يعمل بالهدى ودين الحقّ، وجعلهم بمنزلة نقباء بني إسرائيل وحواريي عيسى (عليه السلام) وقيام الدين وعزّته بهم، وعزّة الدين بصلاح أهله لا بسعة الملك وكثرة المال وإن لم يكن لهم حظّ من الدين إلّا الإقرار باللسان، وهذا المعنى في هذا العدد من هذه القبيلة لم يتّفق بالاتّفاق إلّا في الاثني عشر الذين اتخذهم الإمامية، فإنّهم عند جمع من أهل السنّة علماء حكماء صلحاء عبّاد زاهدون جامعون لكلّ ما ينبغي أن يكون في الخليفة، كما لا يخفى على المتتبّع في الأخبار.
وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء: قال القاضي عياض: لعلّ المراد بالاثني عشر في الأحاديث وما شابهها أنّهم يكونون في مدّة عزّة الخلافة وقوّة الإسلام واستقامة اموره، والاجتماع على من يقوم بالخلافة، وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني امية، ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد، فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العبّاسية فاستأصلوا أمرهم.
وأيّده ابن حجر في شرح البخاري قال: كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث وأرجحه؛ لأنّ في بعض طرق الحديث: (كلّهم يجتمع عليه الناس) وهو انقيادهم لبيعته، والذي وقع أنّ الناس اجتمعوا على أبي بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ علي إلى أن وقع أمر الحكمين في صفّين فتسمّى معاوية يومئذ بالخلافة، ثمّ اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ثمّ اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك، ثمّ لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثمّ اجتمعوا على أولاده الأربعة الوليد ثمّ سليمان ثمّ يزيد ثمّ هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين.
والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك اجتمع الناس عليه لما مات عمّه هشام فولي نحو أربع سنين، ثمّ قاموا عليه فقتلوه وانتشرت الفتن وتغيّرت الأحوال من يومئذ، ولم يتّفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك؛ لأنّ يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمّه الوليد بن يزيد لم تطل مدّته، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عمّ أبيه مروان بن محمد بن مروان، ولمّا مات يزيد ولي أخوه إبراهيم فقتله مروان ثمّ ثار على مروان بنو العبّاس إلى أن قتل، ثمّ كان أوّل خلفاء بني العبّاس السفاح ولم تطل مدّته مع كثرة من ثار عليه، ثمّ ولي عليه أخوه المنصور فطالت مدّته لكن خرج عليهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس، واستمرّت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسمّوا بالخلافة بعد ذلك، وانفرط الأمر إلى أن لم يبق من الخلافة إلّا الاسم في البلاد، بعد أن كان في أيّام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع الأقطار من الأرض، شرقا وغربا، يمينا وشمالا ممّا غلب عليه المسلمون، ولا يتولّى أحد في بلد من البلاد كلّها الإمارة على شيء منها إلّا بأمر الخليفة.
ومن انفراط الأمر أنّه كان في المائة الخامسة بالأندلس وحدها ستّة أنفس، كلّهم يتسمّى بالخلافة ومعهم صاحب مصر العبيدي والعبّاس ببغداد خارجا عمّن كان يدّعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج. انتهى(894).
وحاصل كلامه: أنّ المراد بالخلفاء الاثني عشر الذين أخبر بهم النبي (صلّى الله عليه وآله) وأنّهم سبب عزّ الدين، وكلّهم يعملون بالهدى ودين الحقّ هم الخلفاء الأربعة ومعاوية وولده يزيد وعبد الملك بن مروان ووليد بن عبد الملك وأخوه سليمان وأخوه يزيد وأخوه هشام بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز (رحمه الله) والوليد بن يزيد بن عبد الملك الملقّب بالزنديق والفاسق.
والمستند أنّ الناس اجتمعوا عليهم دون غيرهم واقتصروا من شروط الخلافة بما انفرد به بعضهم في بعض طرق الحديث: وكلّهم يجتمع عليه الناس، فمع الاجتماع يصير مصداقا للحديث النبوي الشريف سواء كان فيه العلم والهداية والعدالة والعمل بالحق، أو كان فاقدا لجميعها(895).
ويردّ على هذا الكلام بوجوه:
الوجه الأوّل:
أنّه كما قد قيد الأخبار المطلقة بما في بعض الطرق من قوله: ويعمل بالهدى ودين الحق، فلا بدّ من تقييدها أيضا بقوله (صلّى الله عليه وآله) في بعض طرقها: (وكلّهم يعمل بالهدى ودين الحقّ)(896) وعليه فيخرج بعض هؤلاء ممّا لا خلاف في عدم عمله بهما.
الوجه الثاني:
كيف أخرج الحسن بن علي (عليهما السلام) من هذا العدد مع أنّه صرّح به في الأوّل، وعن سفينة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): الخلافة ثلاثون عاما ثمّ يكون بعد ذلك الملك(897). وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أوّل دينكم بدأ نبوّة ورحمة، ثمّ يكون الخلافة والرحمة، ثمّ يكون ملكا وجبرية، حديث حسن. انتهى(898). فالحسن خليفة(899) بنص منه، فإن عدّ الخلفاء الأربعة من الاثني عشر فلا بدّ من عدّه أيضا فيها، وما تشبّث به من الاجتماع على فرض التسليم، لا يعارض النصّ الصريح الصحيح، مع أنّه لو بنى على إخراجه بعدم الاجتماع أهل الشام عليه، يلزم إخراج والده أمير المؤمنين (عليه السلام) منها أيضا لعدم اجتماعهم عليه من أوّل خلافته إلى آخرها، بل إخراجه (عليه السلام) منها أولى من إخراج المنصور منها لعدم اجتماع أهل الأندلس عليه، وهم في أقصى المغرب، ونصارى هذه المملكة أضعاف المسلمين بخلاف الشام الواقع في بحبوحة بلاد المسلمين. ومن ذلك يعلم أنّ قوله: وكلّهم يجتمع الخ من زيادة الراوي لا تصلح لتقييد الأخبار المطلقة.
الوجه الثالث:
أنّ ظاهر نسبة الفعل إلى أحد صدوره منه قاصدا اختيارا من غير جبر ولا إكراه، فقوله: يجتمع على فرض التسليم أي باختيارهم ورضاهم، وغير خفيّ أنّ اجتماع الناس على ملوك بني امية كان للقهر والغلبة والخوف منهم، وأخذهم البيعة على الناس بسيفهم، كما هو مشروح في السير والتواريخ، وهل يمكن أن ينسب أحد إلى أهل مكة والمدينة وفيهم وجوه الفقهاء والمحدّثين وبقيّة الصحابة والمشايخ من أولاد المهاجرين والأنصار أنهم باختيارهم اجتمعوا على يزيد بن معاوية واختاروه لخلافة الامّة، وهل هو إلّا لما رأوا من قهره وغلبته وتجرّيه على سفك الدماء، فحفظوا أنفسهم ولم يلقوها إلى التهلكة فبايعه من بايع وتخلّف من تخلّف؟
الوجه الرابع:
كيف جوّزوا الخلافة المنعوتة على لسان النبي (صلّى الله عليه وآله) في جمع من بني امية وقد رووا فيهم من الذموم ما رووا؟ ففي كشف الأستار عن الإمام الثعلبي في قوله تعالى:
(وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)(900) قال: رأى بني امية على المنابر فساءه ذلك.
فقيل له: إنّها الدنيا يعطونها فنزل عليه (صلّى الله عليه وآله): (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) قال: بلاء للناس(901).
وفيه عن سهل بن سعد عن أبيه قال: رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بني امية ينزون على منبره نزو القردة فساءه، فما استجمع ضاحكا حتّى مات فأنزل الله عزّ وجلّ في ذلك (وما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ والشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)(902).
وفيه عن عمر بن الخطاب في قوله تعالى: (الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وبِئْسَ الْقَرارُ)(903) قال: هما الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو امية، فأمّا بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأمّا بنو امية فتمتعوا إلى حين(904).
وعن الثعلبي في قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ)(905) نزلت في امية وبني هاشم. انتهى(906).
أترى النبي (صلّى الله عليه وآله) يراهم كالقردة، ويرى أنّ الله تعالى كنّى عنهم بالشجرة الملعونة ثمّ يقول في سبعة منهم أنهم خلفاء يهدون بالحق ويعملون به ويعزّ في عصرهم الدين، حاشا أفعاله وأقواله من التناقض.
وفيه عن ابن مسعود: قال لنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله): احذّركم سبع فتن تكون بعدي: فتنة تقبل من المدينة وفتنة تقبل من مكة وفتنة تقبل من اليمن وفتنة تقبل من الشام وفتنة تقبل من المشرق وفتنة تقبل من المغرب وفتنة من المغرب إلى بطن الشام وهي السفياني. قال ابن مسعود: فمنكم من يدرك أوّلها ومنكم من يدرك آخرها، فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير وفتنة مكّة من قبل عبد الله بن الزبير وفتنة الشام من قبل بني امية وفتنة بطن الشام من قبل هؤلاء(907).
الوجه الخامس:
ثمّ كيف جوّزوا في خصوص بني مروان منهم أن يكون فيهم خلفاء هادون وقد لعنهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وكان لا يولد لأحد مولود إلّا أتى به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيدعو له، فادخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون(908).
وفيه عن عمر بن يحيى قال: أخبرني جدّي [قال:] كنت جالسا مع أبي هريرة في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوما بالمدينة ومعنا مروان فقال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدّق يقول:
هلاك امتي على يدي غلمة من قريش قال: مروان لعنه الله غلمة(909).
وعن زيد بن وهب أنّه كان عند معاوية ودخل عليه مروان في حوائجه فقال: اقض حوائجي يا أمير المؤمنين فإنّي أصبحت أبا عشرة وأخا عشرة، وقضى حوائجه، ثمّ خرج فلمّا أدبر قال معاوية لابن عبّاس وهو معه على السرير: أنشدك بالله يا ابن عبّاس أما تعلم أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال ذات يوم: إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين اتخذوا مال الله عليهم دولا وعباد الله خولا وكتابه دخلا، فإذا بلغوا تسعا وتسعين وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من أوّل؟ فقال ابن عبّاس: اللهمّ نعم. ثمّ إنّ مروان ذكر حاجته لما حصل في بيته فوجّه ابنه عبد الملك إلى معاوية فكلّمه فيها فقضاها، فلمّا أدبر عبد الملك قال معاوية لابن عبّاس: أنشدك الله يا ابن عبّاس أما تعلم أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذكر هذا فقال: هذا أبو الجبابرة الأربعة؟ فقال ابن عبّاس:
اللهمّ نعم، فعند ذلك ادّعى معاوية زيادا(910).
وفي حديث أبي هريرة: إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلا كان مال الله دولا وعباده خولا.
ونشأ للحكم بن العاص أحد وعشرون ابنا وولد لمروان بن الحكم تسعة بنين. انتهى(911).
ومع ذلك كلّه كيف رضي هؤلاء الأعلام أن يجعلوا الذين لعنهم رسول الله وعدّهم من الجبابرة من خلفاء الاثني عشر الذين يعملون بالهدى ودين الحق، وكان الإسلام في عهدهم عزيزا منيعا مع ما وقع في عهدهم من سفك الدماء المحرّمة وهتك الفروج المحرّمة حتّى المحارم، وحلّ الأموال المعتصمة ما لا يحصى، والتجاهر بشرب الخمور واللعب بالقمار وغيرها بما لم يقع في عصر، فكان الإسلام بهم ذليلا مهانا(912).
الوجه السادس:
أنّ هؤلاء الأجلّة كيف استحسنوا أن يكون يزيد بن معاوية من الخلفاء الاثني عشر العاملين بالحقّ مع ما كان عليه من الفساد، وما صدر منه ممّا بكت وتبكي منه السبع الشداد: من وقعة الطف(913) ومن وقعة الحرّة(914) وهتك بيت الحرام(915)، وقد ألف فيها بالانفراد كتب ورسائل سوى ما في التواريخ والسير.
في كشف الأستار عن صالح بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي: إنّ قوما ينسبونني إلى تولي يزيد. فقال: يا بني هل يتولّى يزيد أحد يؤمن بالله؟ فقلت: فلم لا تلعنه؟ فقال: ومتى رأيتني ألعن شيئا؟ ولم لا تلعن من لعنه الله في كتابه؟ فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه، فقرأ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وأَعْمى أَبْصارَهُمْ)(916) فهل يكون فساد أعظم من القتل(917)؟
وعن ابن حنظلة غسيل الملائكة الذي بايعه أهل المدينة قال: والله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء، إنّ رجلا ينكح الامّهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت الله فيه بلاء حسنا.
وعن الزهري أنّه قال: كان القتلى يوم الحرّة سبعمائة من وجوه الناس من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي، وممّن لا يعرف من عبد وحرّ وامرأة عشرة آلاف(918).
وعن تاريخ عبد الملك العصامي: أنّ رجلا من أهل الشام وقع على امرأة في مسجد النبي (صلّى الله عليه وآله)، ولم يجد خرقة ينظف بها، ووجد ورقة من القرآن المجيد فنظف نفسه بها، فسبحان من لم يهلكهم بصاعقة من السماء أو بحجارة من سجيل وإنّما يعجل من يخاف الفوت(919).
وفيه عن أبي عبيدة: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا يزال أمر أمّتي قائما بالقسط حتّى يكون أوّل من يثلمه رجل يقال له يزيد(920).
وكفاك الاستعجاب من هؤلاء الأعلام الذين عدّوه من الخلفاء الاثني عشر العاملين بالحق مع هذه المفاسد العظيمة والرزايا الجليلة التي اصيب بها الإسلام في زمانه ولم يصب بعشر معشاره بعده، وبعد الخلفاء الذين عدّوهم من الاثني عشر الذين قام بهم الدين وأخبر النبي (صلّى الله عليه وآله) بأن بعدهم هرج. وأعجب من ذلك إخراجهم الحسن بن علي (عليهما السلام) من العدد مع ما عرفت من نصّه بخلافته، بل انقضائها به، وأنّ الذين يلون الأمر بعده ملوك جبّارون لا خلفاء هادون، وما كان عليه من الفضل والعلم والتقي والسخاء والسيادة والشرافة والنسب الذي لا يدانيه أحد، والمناقب التي لا يحصيها عدد.
الوجه السابع:
أنّهم لم يذكروا المهدي في هذا العدد مع نصّ النبي (صلّى الله عليه وآله) عليه بالخلافة، فإن عدّ في قبال الاثني عشر يزيد في عدد الخلفاء، وظاهر تمام النصوص السابقة حصر العدد فيها وإلّا فيلزم دخوله فيبطل ما عيّنوه بالحدس. وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعدّه(921).
وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها ملك ينادي: هذا هو المهدي خليفة الله فاتّبعوه(922). إلى غير ذلك، وحيث إنّهم لم يشترطوا التوالي وجوّزوا تخلّل زمان بلا خليفة من الاثني عشر المنصوصة كما بين يزيد وعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، فاللازم عليهم أن يخرجوا يزيد بن معاوية منهم ويتمّوا العدد بالمهدي صونا للأخبار النبوية عن الاختلاف والمعارضة.
الوجه الثامن:
عدّهم عبد الملك بن مروان من الخلفاء الاثني عشر العاملين بالحق الذين بعد انقضائهم يصير الهرج، وفي عصرهم يكون الدين قائما عزيزا، وهذا موضع التعجّب، أليس في عهدهم هدم الحجّاج وأصحابه الكعبة الشريفة ورموها بالمنجنيق وفعلوا ما فعلوا في حرم الله تعالى من الهتك(923)؟ أليس في عهده استخفّوا بأهل المدينة وختموا في أعناق بقيّة الصحابة وأيديهم، كجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وسهل بن سعد الساعدي ليذلّوهم بذلك وجعلوهم بمنزلة العبيد، بل المواشي والأنعام؟(924) ومن عظم هذه المصيبة الفادحة قال السيوطي(925) بعد نقلها: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. أليس في عهده ولي الحجاج العراق وما والاها في عشرين سنة وفعل ما فعل من القتل والحبس والنهب والهدم وغيرها من الامور الفظيعة الشنيعة ما لا يدانيه أحد قبله ولا بعده. قال عمر بن عبد العزيز: لو أنّ الامم تخابثت يوم القيامة فأخرجت كلّ أمّة خبيثها ثمّ أخرجنا الحجّاج لغلبناهم.
روي: لمّا ولي عمر بن عبد العزيز جعل لا يدع شيئا ممّا كان في يده وفي يد أهل بيته من المظالم إلّا ردّها مظلمة مظلمة، فبلغ ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك فكتب إليه: إنّك ازدريت على من قبلك من الخلفاء وسرت بغير سيرتهم وخصصت أهل قرابتك بالظلم والجور. فكتب إليه عمر: أمّا أوّل شأنك يا ابن الوليد كما تزعم وأمّك بنانة تطوف في سوق حمص والله أعلم بها، اشتراها ذيبان من فيء المسلمين، ثمّ أهداها لأبيك فحملت بك فبئس المحمول وبئس المولود، ثمّ نشأت فكنت جبّارا عنيدا تزعم أنّي من الظالمين.
وإنّ أظلم منّي وأترك لعهد الله من استعملك صبيا سفيها على جند المسلمين، تحكم فيهم برأيك، فويل لك وويل لأبيك، ما أكثر خصماء كما يوم القيامة، وكيف ينجو أبوك من خصمائه، وإنّ أظلم منّي وأترك لعهد الله من استعمل الحجّاج بن يوسف ليسفك الدم الحرام ويأخذ المال الحرام، وإنّ أظلم منّي وأترك لعهد الله من استعمل قرة بن شريك أعرابيا جافيا على مصر، أذن له في المعازف واللهو والشرب، وإنّ أظلم منّي وأترك لعهد الله من جعل للغالية البربرية سهما في خمس العرب، فرويدا، لو تفرّغت لك ولأهل بيتك لحملتهم على المحجّة البيضاء، فطال ما تركتم الحقّ وأخذتم في تيهات الطريق وما وراء هذا ما أرجو أن أكون رائده أبيع رقبتك وأقسّم الثمن بين اليتامى والمساكين والأرامل، فإنّ لكلّ فيك حقّا.
وعن تفسير النيسابوري في قوله تعالى: (ولا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ)(926) أنّ الحجّاج قتل مائة ألف وعشرين ألف رجل صبرا وأنّه وجد في سجنه ثمانون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة، منهم ثلاثة وثلاثون ألفا ما يجب عليهم قطع ولا صلب(927).
وعن تاريخ الخميس وتوفي في حبوسه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة، منهم ثلاثة وثلاثون ألفا ما يجب عليهم قطع ولا صلب(928). قتل بسببه في الحروب أضعاف ذلك، وفضائح أعماله وشنائع أفعاله التي هلكت بها العباد وخربت بها البلاد مشروحة في السير(929).
وعن الفقهاء والمؤرخين(930) أنّه كان ارتفاع العراق بعد الفتح إلى زمان الحجّاج ثلاثمائة وستّين ألف ألف درهم ورجع ارتفاعها في زمان الحجّاج إلى ثمانية عشر ألف ألف درهم، وليت شعري بأي خصلة استحق بها الخلافة المعهودة؛ بصلاحه وعلمه وزهده في نفسه أو بنشره وترويجه معالم الإسلام، أو بحفظه وحراسته نفوس المسلمين وقد بلغت قتلاه ما بلغت، أو بعمارته وإحيائه الأرضين؟ فإذا كان تعيين الخلفاء المنصوصة بالميل والجزاف لا بشواهد من الكتاب والسنّة، وسقط شرط التوالي فيما بينهم، فكان ينبغي أن يخرجوا هؤلاء الملعونين على لسان النبي (صلّى الله عليه وآله) ويجعلوا بدلهم من بني العبّاس خصوصا بعد ما رووا في حقّهم ما يقتضي ذلك.
وعن تاريخ الخلفاء للسيوطي عن الطبراني عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): رأيت بني مروان يتعاورون على منبري فساءني ذلك، ورأيت بني العبّاس يتعاورون على منبري فسرّني ذلك(931). فلا أقل من إخراج بني مروان منهم وعدّ بعض العبّاسيين الذين بالغوا في مدحهم وحسن سيرتهم وسياستهم، مثل المهتدي بالله الذي هو في بني عبّاس كعمر بن عبد العزيز في بني امية، وأحمد الناصر الذي قال الذهبي: ولم يل الخلافة أحد أطول مدّة منه، فإنّه أقام فيها سبعة وأربعين سنة، ولم يزل مدّة حياته في عزّ وجلالة وقمع الأعداء واستظهار على الملوك، ولم يجد ضيما ولا خرج عليه خارجي إلّا قمعه، ولا مخالف إلّا دفعه، وكلّ من أضمر له سوءا رماه الله بالخذلان، وكان مع سعادة جدّه شديد الاهتمام بمصالح الملك، لا يخفى عليه شيء من أحوال رعيّته كبارهم وصغارهم(932).
الوجه التاسع:
أنّ مقتضى كلام هؤلاء المشايخ العظام انقضاء مدّة خلافة الخلفاء الاثني عشر المنصوصة بهلاك الثاني عشر منهم، وهو الوليد بن يزيد بن عبد الملك الذي قال السيوطي في تاريخه: كان فاسقا شاربا للخمر، منتهكا حرمات الله، أراد أن يشرب فوق ظهر الكعبة فمقته الناس لفسقه، وخرجوا عليه فقتل(933).
ونقل عن تاريخ الخميس أنّه ولد لأخي أمّ سلمة ولد سمّوه الوليد، فقال (صلّى الله عليه وآله): سمّيتموه باسم فراعنتكم، ليكونن في هذه الامّة رجل يقال له الوليد لهو أشدّ لهذه الامّة من فرعون لقومه(934).
ونقل في التاريخ المذكور عنه من كفرياته كثيرا، من ذلك أنّه دخل يوما فوجد ابنته جالسة مع دادتها فبرك عليها وأزال بكارتها. فقالت له الدادة: هذا دين المجوس فأنشد:
من راقب الناس مات غمّا* * * وفاز باللذة الجسور(935)
وأخذ يوما المصحف فأوّل ما طلع: (واسْتَفْتَحُوا وخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)(936) قال: أتهدّدني، ثمّ أغلق المصحف، ولا زال يضربه بالنشاب حتّى مزّقه ثمّ أنشد:
أتوعد كلّ جبّار عنيد * * * فها أنا ذاك جبّار عنيد
إذا لاقيت ربّك يوم حشر* * * فقل يا ربّ مزّقني الوليد(937)
واذّن للصبح مرّة وعنده جارية يشرب الخمر معها فقام فوطئها وحلف لا يصلّي بالناس غيرها فخرجت وهي جنب سكرانة، فلبست ثيابه وتنكّرت وصلّت بالناس. ونكح أمّهات أولاد أبيه، انتهى(938).
إلى غير ذلك من شنائع الأعمال المذكورة في التواريخ، ومع ذلك كيف يكون من الخلفاء الذين كان الدين في زمنهم عزيزا منيفا، وبمدتهم وهلاك آخرهم في سنة ست وعشرين ومائة صار الإسلام ذليلا والدين مهينا ووقع الهرج والفتن، مع أنّه خلاف الحس والوجدان، فإن قوّة الدين وعزّه بعزّ حملته ونقلته وسدنته وكثرتهم، وعزّ من يرعاهم ويحرسهم ويعينهم.
ولا شكّ أنّ في دولة بني العبّاس إلى أن يرجع الأمر إلى سلاطين آل عثمان حماة الدين وحفظة الإسلام ملء الآفاق من العلماء والفقهاء والمحدّثين والادباء والقرّاء الجامعين للسنن والحافظين للقرآن، المؤلفين في العلوم الشرعية والمعالم الدينية بما لا يحصى عدّه، وهم مع ذلك فارغو البال من هموم تهيئة امور المعاش باهتمام ولاة الامور في إصلاح شئونهم ويدخلنهم شيعتهم، لا هتك بيت الله الحرام في عصرهم، ولا صلّت الجنب السكرانة بالناس في مسجد دار خلافتهم، ولا مزّق المصحف من نشاب خليفتهم، فأي عزّ كان في عصر بني امية فقد بعدهم، وأي ذلّ ورد على الدين الحنيف بعدهم أفظع وأشنع ممّا فعلوا. ومن جميع ذلك يظهر أنّ ما ورد في الأخبار النبوية الشريفة من ذكر الخلفاء الاثني عشر بمعزل عمّا ذكروا ورجحوا وصححوا.
الوجه العاشر:
ظاهر جملة من الأخبار وصريح بعضها أن بانقضاء الثاني عشر منهم ينقضي أمر الدين وتظهر علامات الساعة، وتقوم أشراط القيامة ويصير الهرج وينخرم نظام الامور. فلا آمر ولا مأمور ولا إمام ولا مأموم: عن أنس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر من قريش فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها(939).
وفي نسخة ماجت(940). ونظيره أخبار اخر.
ومن تأمّل في هذه الأخبار ودوام قيام الدين وظهوره وغلبته وسكون الأرض وقرارها بوجود الخلفاء الاثني عشر، وبانقضاء خاتمهم تقوم الساعة فيكون الثاني عشر هو المهدي (عليه السلام) بالاتفاق، إذ هو الخليفة المنصوص الذي بانقضاء مدّته تظهر أعلام القيامة، بل ظهور وجوده المقدّس عدّ منها، فلو فرض خلو زمانه بعد النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى زمان ظهوره (عجّل الله فرجه) من خليفة منهم لزم عدم قيام الدين وذلّته واضطراب الأرض وظهور الفتن والهرج قبل انقضاء الاثني عشر؛ وهو خلاف صريح هذه الأخبار الصحيحة فيكون زمان وجودهم منطبقا على زمان رحلته إلى زمان ظهور أعلام الساعة.
الفرع الحادي عشر في كراهية التوقيت وظهوره بعد الإياس والنهي عن التسمية ووجوب القيام عند ذكر لقب القائم:
وفيه ثمرات:
الثمرة الاولى: في كراهيّة التوقيت
في الكافي عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: يا ثابت إنّ الله تبارك وتعالى قد كان وقّت هذا الأمر في السبعين، فلما أن قتل الحسين (عليه السلام) اشتد غضب الله على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين ومائة، فحدّثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم قناع الستر، ولم يجعل الله بعد ذلك وقتا عندنا (ويَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ وعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)(941).(942)
وفيه عن عبد الرّحمن بن كثير: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه مهزم فقال له:
جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظره متى هو؟ فقال: يا مهزم كذب الوقّاتون وهلك المستعجلون ونجا المسلمون(943).
وعن أبي بصير سألت الصادق (عليه السلام) عن القائم (عليه السلام) قال: أبى الله إلّا أن يخالف وقت الموقّتين(944).
وفيه عن فضيل بن يسار: سألت أبا جعفر (عليه السلام): ألهذا الأمر وقت؟ فقال: كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، إنّ موسى لما خرج وافدا إلى ربّه واعدهم ثلاثين يوما، فلما زاده الله على الثلاثين عشرا قال قومه: قد اخلفنا موسى فصنعوا ما صنعوا، فإذا حدّثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدّثناكم به فقولوا صدق الله تؤجروا مرّتين(945).
وفيه عن إبراهيم بن مهزم عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ذكرنا عنده ملوك آل بني عباس فقال: إنّما هلك الناس من استعجالهم لهذا الأمر - أي دولة الحق - إنّ الله لا يعجل لعجلة العباد، إنّ لهذا الأمر غاية ينتهي إليها، فلو قد بلغوها لم يستقدموا ساعة ولم يستأخروا(946).
وفي إثبات الهداة للحرّ العاملي (رحمه الله) في وصية النبي (صلّى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) قال: يا علي أعجب الناس إيمانا وأعظمهم يقينا قوم يكونون في آخر الزمان، لم يروا النبي، وحجب عنهم الحجّة فآمنوا بسواد على بياض(947).
وفي الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر وخطب بخطبة ذكرها، يقول فيها: ألا إنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيّه، والذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة ولتغربلن غربلة حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم، وليسبقنّ سبّاقون كانوا قصروا، وليقصرنّ سباقون كانوا سبقوا، والله ما كتمت وسمة ولا كذبت كذبة، ولقد نبّئت بهذا المقام وهذا اليوم(948).
وفيه عن أبي يعفور: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ويل لطغاة العرب من أمر قد اقترب.
قلت: جعلت فداك كم مع القائم من العرب؟ قال: نفر يسير. قلت: والله إنّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير. قال: لأنه للناس أن يمحصوا ويميّزوا ويغربلوا، ويستخرج بالغربال خلق كثير(949).
وفيه عن منصور عن أبي عبد الله (عليه السلام): يا منصور إنّ هذا الأمر لا يأتيكم إلّا بعد إياس، لا والله حتى يميّزوا، ولا والله حتى يمحصوا، ولا والله حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد(950).
وفيه عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن (عليه السلام) (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ)(951) ثمّ قال لي: ما الفتنة؟ قلت: جعلت فداك الذي عندنا الفتنة في الدين.
فقال: يفتنون كما يفتن الذهب، ثمّ قال: يخلصون كما يخلص الذهب(952).
وفيه عن أبي جعفر (عليه السلام): إن حديثكم هذا لتشمئزّ منه قلوب الرجال فمن أقرّ به فزيدوه ومن أنكره فذروه، إنّه لا بدّ من أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة حتّى يسقط فيها من يشق الشعر بشعرتين، حتى لا يبقى إلّا نحن وشيعتنا(953).
وفيه عن منصور الصيقل قال: كنت أنا والحارث بن مغيرة وجماعة من أصحابنا جلوسا، وأبو عبد الله يسمع كلامنا فقال لنا: في أي شيء أنتم؟ هيهات هيهات لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتّى تغربلوا، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى تمحّصوا، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى تميّزوا، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم إلّا بعد إياس، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد(954).
أقول: والشاهد على كلامه (عليه السلام) حكاية نوح في إكمال الدين عن جعفر بن محمد: لمّا أظهر الله نبوّة نوح وأيقن الشيعة بالفرج واشتدّت البلوى وعظمت العزيمة، إلى أن آل الأمر إلى شدّة شديدة نالت الشيعة، والوثوب على نوح بالضرب المبرح حتّى مكث (عليه السلام) في بعض الأوقات مغشيا عليه ثلاثة أيّام، يجري الدم من اذنه ثمّ أفاق، وذلك بعد ثلاثمائة سنة من مبعثه، وهو في خلال ذلك يدعوهم ليلا ونهارا فيهربون، ويدعوهم سرّا فلا يجيبون، ويدعوهم علانية فيولّون، فهمّ بعد ثلاثمائة سنة بالدعاء عليهم، وجلس بعد صلاة الفجر للدعاء فهبط إليه وفد من السماء السابعة وهم ثلاثة أملاك فسلّموا عليه ثمّ قالوا: يا نبي الله لنا حاجة. قال: وما هي؟ قالوا: تؤخّر الدعاء على قومك فإنّها أوّل سطوة لله عزّ وجلّ في الأرض. قال: أخّرت الدعاء عليهم ثلاثمائة سنة اخرى.
وعاد إليهم فصنع ما كان يصنع ويفعلون ما كانوا يفعلون حتّى انقضت ثلاثمائة سنة، ويئس من إيمانهم جلس وقت الضحى والنهار للدعاء فهبط إليه وفد من السماء السادسة وهم ثلاثة أملاك فسلّموا عليه فقالوا: نحن وفد من السماء السادسة خرجنا بكرة وجئناك ضحوة، ثمّ سألوه ما سأله وفد السماء السابعة، فأجابهم مثل ما أجاب اولئك إليه وعاد (عليه السلام) إلى قومه يدعوهم فلا يزيدهم دعاؤه إلّا فرارا، حتّى انقضت ثلاثمائة سنة اخرى فتمّت تسعمائة سنة.
فصارت إليه الشيعة وشكوا ما ينالهم من العامّة والطواغيت، وسألوه الدعاء بالفرج فأجابهم إلى ذلك وصلّى ودعا فهبط جبرئيل فقال له: إنّ الله تبارك وتعالى أجاب دعوتك فقل للشيعة يأكلون التمر ويغرسون النوى ويراعونه حتّى يثمر فإذا أثمر خرجت عنهم، فحمد الله وأثنى عليه فعرّفهم ذلك فاستبشروا به، فأكلوا التمر وغرسوا النوى وراعوه حتّى أثمر، ثمّ صاروا إلى نوح بالثمر وسألوه أن ينجز لهم الوعد، فسأل الله عزّ وجلّ في ذلك فأوحى الله إليه: قل لهم: كلوا هذا التمر واغرسوا النوى فإذا أثمر فرجت عنكم، فلمّا ظنّوا أنّ الخلف قد وقع عليهم ارتدّ منهم الثلث وثبت الثلثان، فأكلوا التمر وغرسوا النوى حتّى إذا أثمر أتوا به نوحا فأخبروه وسألوه أن ينجز لهم الوعد، فسأل الله عزّ وجلّ في ذلك فأوحى الله إليه: قل لهم: كلوا هذا الثمرة واغرسوا النوى، فارتدّ الثلث الآخر وبقي الثلث، فأكلوا التمر وغرسوا النوى فلمّا أثمر أتوا به نوحا (عليه السلام) فقالوا: لم يبق منّا إلّا القليل ونحن نتخوّف على أنفسنا بتأخّر الفرج أن نهلك، فصلّى نوح (عليه السلام) فقال: يا ربّ لم يبق من أصحابي إلّا هذه العصابة، وإنّي أخاف عليهم الهلاك إن تأخّر عنهم الفرج، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه قد أجبت دعاءك فاصنع الفلك، وكان بين إجابة الدعاء وبين الطوفان خمسون سنة(955).
وفي إثبات الهداة عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: إنّ للقائم (عجّل الله فرجه) منّا غيبتين إحداهما أطول من الاخرى - إلى أن قال: وأمّا الاخرى فيطول أمدها حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به، فلا يثبت عليه إلّا من قوي يقينه وصحّت معرفته، ولم يجد في نفسه حرجا ممّا قضينا وسلّم لنا أهل البيت(956).
وفي العوالم: والذي نفسي بيده ما ترون ما تحبّون حتّى يتفل بعضكم في وجوه بعض وحتّى يسمّي بعضكم بعضا كذّابين(957).
وفي غيبة النعماني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لتكسّرن تكسّر الزجاج وإنّ الزجاج ليعاد فيعود، والله لتكسّرن تكسّر الفخار وإنّ الفخار ليتكسرن ولا يعود كما كان، وو الله لتغربلن وو الله لتميزن وو الله لتمحصن حتّى لا يبقى منكم إلّا الأقلّ، وصفر كفّه(958).
فتبيّنوا يا معشر الشيعة هذه الأحاديث المروية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن بعده الأئمّة واحذروا ما حذروكم وتأمّلوا ما جاء عنهم تأمّلا شافيا وتفكّروا فيه تفكّرا، فلو لم يكن في التحذير شيء أبلغ من قولهم: إنّ الرجل يصبح على شريعة من أمرنا ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها، أليس هذا دليلا على خروج من نظام الإمامة وترك ما كان يعتقد منها إلى بنيّات الطريق؟ وفي قوله (عليه السلام): والله لتكسّرن تكسّر الزجاج، وإنّ الزجاج ليعاد فيعود كما كان، والله لتكسّرن تكسّر الفخار فإنّ الفخار ليكسّر فلا يعود كما كان، فضرب ذلك مثلا لمن يكون على مذهب الإمامية فيعدل عنه إلى غيره بالفتنة التي تعرض له، ثمّ تلحقه السعادة بنظرة من الله فيتبيّن ظلمة ما دخل فيه وصفيّ ما خرج منه، فيبادر قبل موته بالتوبة والرجوع إلى الحقّ، فيتوب الله عليه ويعيده إلى حاله في الهدى، كالزجاج الذي يعاد بعد تكسيره فيعود كما كان. ولمن يكون على هذا الأمر فيخرج عنه ويتمّ على الشقاء بأن يدركه الموت وهو على ما هو عليه غير تائب منه، [وغير] عائد إلى الحقّ فيكون مثله كمثل الفخار الذي يكسر فلا يعاد إلى حاله؛ لأنّه لا توبة له بعد الموت ولا في ساعته. نسأل الله الثبات على ما منّ به علينا وأن يزيد في إحسانه إلينا فإنّما نحن له ومنه.
وفيه عن أبي جعفر (عليه السلام): لتمحصن يا شيعة آل محمّد تمحيص الكحل في العين، وإنّ صاحب الكحل يدري متى ما يقع الكحل في عينه، ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها(959).
وفيه عن إبراهيم بن هليل قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك مات أبي على هذا الأمر وقد بلغت من السنين ما قد ترى، أموت ولا تخبرني بشيء، فقال: يا أبا إسحاق أنت تعجل.
فقلت: إي والله أعجل، وما لي لا أعجل وقد بلغت أنا من السن ما قد ترى؟ قال: أما والله يا أبا إسحاق ما يكون ذلك حتّى تميّزوا وتمحّصوا وحتى لا يبقى منكم إلّا الأقل ثمّ صفر كفّه(960).
وفيه عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتّى تمحّصوا
وتميّزوا وحتّى لا يبقى منكم إلّا الأندر(961).
وفي إثبات الهداة للشيخ الحرّ العاملي عامله الله بالخير عن الرضا (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): والذي بعثني بالحقّ بشيرا ليغيبنّ القائم من ولدي بعهد معهود إليه منّي حتّى يقول أكثر الناس: ما لله في آل محمّد حاجة، ويشكّ آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسّك بدينه ولا يجعل للشيطان عليه سبيلا بشكّه فيزيله عن ملّتي ويخرجه عن ديني، فقد أخرج أبويكم من الجنّة من قبل، وإنّ الله عزّ وجلّ جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون(962).
في العوالم عن أبي عبد الله (عليه السلام): أما إنّه لو قد قام لقال الناس: أنّى يكون هذا وقد بليت عظامه، هذا كذا وكذا(963).
وفي الغيبة النعمانية عن أصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: كونوا كالنحل في الطير، ليس شيء من الطير إلّا وهو يستضعفها، ولو علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك، خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم، فو الذي نفسي بيده ما ترون ما تحبّون حتّى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتّى يسمّي بعضكم بعضا كذّابين وحتّى لا يبقى منكم - أو قال: من شيعتي - إلّا كالكحل في العين والملح في الطعام، وسأضرب لكم مثلا وهو مثل رجل كان له طعام فنقّاه وطيّبه ثمّ أدخله بيتا وتركه فيه ما شاء الله، ثمّ عاد إليه فإذا هو قد أصابه السوس فأخرجه ونقاه وطيّبه ثمّ أعاده إلى البيت فتركه ما شاء الله، ثمّ عاد إليه فإذا هو قد أصابته طائفة من السوس فأخرجه ونقّاه وطيّبه وأعاده، ولم يزل كذلك حتّى بقيت رزمة كرزمة الأندر، لا يضرّه السوس شيئا، وكذلك أنتم تميّزون حتّى لا يبقى منكم إلّا عصابة لا تضرّها الفتنة شيئا(964).
وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: لو قد قام القائم لأنكره الناس؛ لأنّه يرجع إليهم شابّا موفقا، لا يثبت عليه إلّا مؤمن قد أخذ الله ميثاقه في الذرّ الأوّل(965).
وفي هذا الحديث عبرة للمعتبر وذكرى للمتذكّر المتبصّر وهو قوله: يخرج إليهم شابّا موفقا لا يثبت عليه إلّا مؤمن قد أخذ الله ميثاقه في الذرّ الأوّل. فهل يدلّ هذا إلّا على أنّ الناس يستبعدون مدّة العمر، ويستطيلون المدى في ظهوره وينكرون تأخّره وييأسون منه، فيطيرون يمينا وشمالا كما قالوا: تتفرّق بهم المذاهب وتنشعب لهم طرق الفتن، ويغترّون بلمع السراب من كلام المفتونين، فإذا ظهر بعد السنّ الذي يوجب مثلها فيمن بلغه الشيخوخة والكبر وحنوّ الظهر وضعف القوى، شابّا موفقا أنكره من كان في قلبه مرض وثبت عليه من سبقت له من الله الحسنى، بما وفّقه الله إليه وقدّمه إليه من العلم بحاله وأوصله إلى هذه الروايات من قول الصادقين (عليهم السلام) فصدقها وعمل بها، وتقدّم علمه بما يأتي من أمر الله وتدبيره فارتقبه غير شاكّ ولا مرتاب ولا متحيّر ولا مغترّ بزخارف إبليس وأشياعه؟
والحمد لله الذي جعلنا ممّن أحسن إليه وأنعم عليه، وأوصله من العلم إلى ما لا يوصل إليه غيره إيجابا للمنّة واختصاصا بالموهبة، حمدا يكون لنعمه كفاء ولحقه أداء(966).
وفي البحار عن محمد بن الحنفية في حديث: إنّ لبني فلان ملكا مؤجّلا حتّى إذا أمنوا واطمأنوا، وظنّوا أنّ ملكهم لا يزول صيح فيهم صيحة فلم يبق لهم راع يجمعهم ولا داع يسمعهم وذلك قول الله عزّ وجلّ (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وازَّيَّنَتْ وظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(967) قلت: جعلت فداك هل لذلك وقت؟ قال: لا، لأنّ علم الله غلب علم الموقّتين، إنّ الله وعد موسى ثلاثين ليلة وأتمّها بعشر لم يعلمها موسى ولم يعلمها بنو إسرائيل، فلمّا جاز الوقت قالوا: غرّنا موسى فعبدوا العجل، ولكن إذا كثرت الحاجة والفاقة في الناس وأنكر بعضهم بعضا فعند ذلك توقّعوا أمر الله صباحا ومساء(968).
وفيه عن مفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام): أما والله ليغيبنّ إمامكم سنينا من دهركم، وليمحصن حتّى يقال: مات أو قتل وهلك، بأيّ واد سلك؟ ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلّا من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه ولترفعنّ اثنا عشر راية مشتبهة لا يدرى أي من أي. قال: فبكيت ثمّ قلت: فكيف نصنع؟ قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصفة قال: يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس؟ قلت: نعم، فقال: والله لأمرنا أبين من هذه الشمس(969).
وفيه عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ للغلام غيبة قبل أن يقوم، قلت: فلم؟
قال: يخاف، وأومى بيده - يعني القتل - إلى بطنه، ثمّ قال: يا زرارة وهو المنتظر وهو الذي يشكّ في ولادته منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: إنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين وهو المنتظر، غير أنّ الله يحبّ أن يمتحن الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة قلت: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟
قال: يا زرارة إذا أدركت ذلك الزمان فادع بهذا الدعاء: اللهمّ عرّفني نفسك فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللهمّ عرفني رسولك فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني، ثمّ قال (عليه السلام): يا زرارة لا بدّ من قتل غلام بالمدينة، قلت: جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني؟ قال: لا، ولكن يقتله جيش آل بني فلان، أي بني الحسن، يجيء حتّى يدخل المدينة فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغيا وعدوانا وظلما لا يمهلون فعند ذلك توقّع الفرج إن شاء الله(970).
وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام): يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم - أي موسم الحج - فيراهم ولا يرونه(971).
عن الأصبغ بن نباتة قال: أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدته متفكّرا ينكت في الأرض فقلت: يا أمير المؤمنين ما لي أراك متفكّرا تنكت في الأرض، رغبة منك فيها؟ فقال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوما قط، ولكن فكّرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، يكون له غيبة وحيرة، تضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. فقلت: يا أمير المؤمنين وكم تكون الحيرة والغيبة؟ قال: ستّة أيّام أو ستّة أشهر أو ست سنين، فقلت: وإنّ هذا لكائن؟ قال: نعم، كما أنّه مخلوق، وأنّى لك بهذا الأمر يا أصبغ؟ اولئك خيار هذه الأمّة مع خيار أبرار هذه العترة.
فقلت: ثمّ ما يكون بعد ذلك؟ فقال: ثمّ يفعل الله ما يشاء فإنّ له بداءات وإرادات وغايات ونهايات(972).
يمكن أن يكون المراد أنّ آحاد مدّة الغيبة هذا القدر، وكان ظهوره في السابع سواء كان مع العشرات أو المئات أو الالوف، ويمكن أن يكون المراد هذا القدر محتوما، وربّما يزيده الله تعالى بالبداء ويمكن أن يكون هذا القدر الذي قدره الله تعالى للغيبة الصغرى.
وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام): للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة والاخرى طويلة، والاولى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة شيعته، والاخرى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصة مواليه(973).
وفيه عنه (عليه السلام): لصاحب هذا الأمر غيبتان: إحداهما يرجع منها إلى أهله والاخرى يقال:
هلك، في أيّ واد سلك؟ قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: إذا ادّعاها مدّع فاسألوه عن أشياء يخيب فيها مثله(974).
وفيه عن أبي حمزة: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت: أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال:
لا، فقلت: فولدك؟ فقال: لا، فقلت له: فولد ولدك هو؟ فقال: لا. فقلت: فولد ولد ولدك؟
فقال: لا. فقلت: من هو؟ قال: الذي يملأها عدلا كما ملئت ظلما وجورا على فترة من الأئمّة، إنّ رسول الله بعث على فترة من الرسل(975).
في غيبة النعماني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأل نوح ربّه أن ينزل على قومه العذاب، فأوحى الله إليه أن يغرس نواة من النخل فإذا بلغت وأثمرت وأكل منها أهلك قومه وأنزل عليهم العذاب، فغرس نوح النواة وأخبر أصحابه بذلك فلما بلغت النخلة وأثمرت واجتنى نوح منها وأكل وأطعم أصحابه قالوا له: يا نبي الله، الوعد الذي وعدتنا، فدعا نوح ربّه وسأل الوعد الذي وعده فأوحى إليه أن يعيد الغرس ثانية حتّى إذا بلغ النخل وأثمر وأكل منه أنزل عليهم العذاب، فأخبر نوح أصحابه بذلك فصاروا ثلاث فرق: فرقة ارتدت وفرقة نافقت وفرقة ثبتت، ففعل نوح، حتّى إذا بلغت النخلة وأثمرت وأكل منها وأطعم أصحابه قالوا: يا نبي الله، الوعد الذي وعدتنا، فدعا نوح ربّه فأوحى الله إليه أن يغرس ثالثة فإذا بلغ وأثمر أهلك قومه فأخبر أصحابه، فافترقت الفرقتان ثلاث فرق: فرقة ارتدّت وفرقة نافقت وفرقة ثبتت معه، حتّى فعل ذلك نوح (عليه السلام) عشر مرّات، وفعل الله ذلك بأصحابه الذين يبقون معه فيفترقون كلّ فرقة ثلاث فرق على ذلك، فلمّا كان في العاشرة جاء إليه رجال من أصحابه الخلّص المؤمنين فقالوا: يا نبي الله فعلت بنا ما وعدت أو لم تفعل فأنت صادق نبي مرسل لا نشكّ فيك، ولو فعلت ذلك بنا. قال: فعند ذلك أهلكهم الله لقول نوح، وأدخل الخاص معه في السفينة فنجّاهم الله تعالى ونجّى نوحا معهم بعد ما صفّوا وهذّبوا وذهب الكدر منهم(976).
وفيه عن سليمان بن صالح رفعه إلى أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: إنّ حديثكم هذا لتشمئزّ منه قلوب الرجال فانبذوه إليهم نبذا، فمن أقرّ به فزيدوه ومن أنكره فذروه، إنّه لا بدّ أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة حتّى يسقط من يشقّ الشعرة بشعرتين حتّى لا يبقى إلّا نحن وشيعتنا(977).
وفيه أنّه دخل على أبي عبد الله بعض أصحابه فقال له: جعلت فداك، إنّي والله احبّك واحبّ من يحبّك يا سيدي ما أكثر شيعتكم. فقال (عليه السلام): اذكرهم؟ فقال: كثير. فقال: تحصيهم؟
فقال: هم أكثر من ذلك. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أما لو كملت العدّة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه ولا شجاؤه(978)، ولا يمدح بنا غاليا ولا يخاصم بنا واليا ولا يجالس لنا عائبا ولا يحدث لنا ثالبا ولا يحبّ لنا مبغضا ولا يبغض لنا محبّا. فقلت: فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنّهم يتشيّعون؟
فقال: فيهم التمييز وفيهم التمحيص وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم وسيف يقتلهم واختلاف يبددهم، إنّما شيعتنا من لا يهرّ هرير الكلب ولا يطمع طمع الغراب ولا يسأل الناس بكفّه وإن مات جوعا. قلت: جعلت فداك، فأين أطلب هؤلاء الموصوفين بهذه الصفة؟ فقال: اطلبهم في أطراف الأرض، اولئك الخشن عيشهم، المنتقلة دارهم، الذين إن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يعادوا وإن خطبوا لم يزوّجوا وإن ماتوا لم يشهدوا، اولئك الذين في أموالهم يتواسون وفي قبورهم يتزاورون، ولا تختلف أهواؤهم وإن اختلفت بهم البلدان(979).
الثمرة الثانية في القيام عند ذكر لقب القائم (عليه السلام)
عن تنزيه الخواطر: سئل الصادق (عليه السلام) عن سبب القيام عند ذكر لفظ القائم من ألقاب الحجّة. قال: لأنّ له غيبة طولانية، ومن شدّة الرأفة إلى أحبّته ينظر إلى كلّ من يذكره بهذا اللقب المشعر بدولته والحسرة بغربته، ومن تعظيمه أن يقوم العبد الخاضع لصاحبه عند نظر المولى الجليل إليه بعينه الشريفة، فليقم وليطلب من الله جل ذكره تعجيل فرجه.
وروي أيضا عن الرضا (عليه السلام) في مجلسه بخراسان أنّه قام عند ذكر لفظة القائم، ووضع يديه على رأسه الشريف وقال: اللهمّ عجّل فرجه وسهّل مخرجه. وذكر من خصائص دولته(980).
ذكر المحدّث النوري طاب ثراه في كتابه النجم الثاقب ما ترجمته بالعربية: هذا القيام والتعظيم خصوصا عند ذكر ذلك اللقب المخصوص سيرة تمام أبناء الشيعة في كل البلاد من العرب والعجم والترك والهند والديلم وغيرها، بل وعند أبناء أهل السنّة والجماعة أيضا(981).
وعن العالم المتبحّر الجليل السيّد عبد الله سبط المرحوم العلّامة الجزائري في بعض تصانيفه أنّه رأى هذه الرواية المنسوبة إلى الصادق (عليه السلام)، وعند أهل السنّة هذه السنّة جارية(982). وروى أنّه اجتمع عند الإمام السبكي جمع من علماء عصره فإذا قرأ أحد الشعراء:
قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب * * * على ورق من خط أحسن من كتب
وأن نهض(983) الأشراف عند سماعه * * * قياما صفوفا أو جثيّا على الركب
فإذا قاموا كلّهم تعظيما(984).
وفي علل الشرائع: سئل الباقر (عليه السلام): يا بن رسول الله أفلستم كلّكم قائمين بالحقّ؟ قال: بلى.
قيل: فلم سمّي القائم قائما؟ قال: لمّا قتل جدّي الحسين ضجّت الملائكة إلى الله عزّ وجلّ بالبكاء والنحيب قالوا: إلهنا وسيّدنا أتغفل عمّن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك؟ فأوحى الله عزّ وجلّ إليهم: قرّوا ملائكتي، فو عزّتي وجلالي لأنتقمنّ منهم ولو بعد حين، ثمّ كشف الله عزّ وجلّ عن الأئمّة من ولد الحسين للملائكة فسرّت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلّي فقال الله عزّ وجلّ: بذلك القائم أنتقم منهم(985).
الثمرة الثالثة في النهي عن التسمية
في الكافي عن أبي الحسن العسكري (عليه السلام) يقول: الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ قال: إنّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه. فقلت: وكيف نذكره؟ فقال: قولوا الحجّة من آل محمّد(986).
وفيه عن أبي عبد الله الصالحي قال: سألني أصحابنا بعد مضيّ أبي محمد أن أسأل عن الاسم والمكان، فخرج الجواب: إن دللتهم على الاسم أذاعوه وإن عرفوا المكان دلّوا عليه(987).
وفيه سئل الرضا (عليه السلام) عن القائم فقال: لا يرى جسمه ولا يسمّى اسمه(988).
وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صاحب هذا الأمر لا يسمّيه باسمه إلّا كافر(989).
وفيه عن محمد بن عثمان العمري قدّس روحه: خرج توقيع بخط أعرفه: من سمّاني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله(990).
وفي البحار: خرج في توقيعات صاحب الزمان: ملعون ملعون من سمّاني في محفل من الناس(991).
وفيه عن موسى بن جعفر (عليه السلام) أنّه قال عند ذكر القائم (عجّل الله فرجه): يخفى على الناس ولادته، ولا تحلّ لهم تسميته حتّى يظهره الله عزّ وجلّ فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما(992).
مشتمل على فرعين:
الفرع الأوّل في إمكان الغيبة ومن اتّفقت لهم
الأوّل:
إدريس النبي (عليه السلام)، فقد غاب عن شيعته حتّى آل الأمر إلى أن تعذّر عليهم القوت، وقتل الجبّار من قتل منهم وأفقر وأخاف باقيهم، ثمّ ظهر فوعد شيعته بالفرج وبقيام القائم من ولده وهو نوح، ثمّ رفع الله عزّ وجلّ إدريس فلم تزل الشيعة يتوقّعون قيام نوح قرنا بعد قرن وخلفا عن سلف، صابرين من الطواغيت على العذاب المهين حتّى ظهرت نبوّة نوح(993).
الثاني:
صالح (عليه السلام) فقد غاب عن قومه زمانا وكان يوم غاب عنهم كهلا، فلمّا رجع إليهم لم يعرفوه من طول المدّة(994).
الثالث:
إبراهيم (عليه السلام) فإنّ غيبته تشبه غيبة مولانا القائم (عليه السلام)، لأنّ الله سبحانه قد غيّب أثر إبراهيم وهو في بطن أمّه حتّى حوّله عزّ وجلّ بقدرته من بطنها إلى ظهرها، ثمّ أخفى أمر ولادته إلى وقت بلوغ الكتاب أجله، وذلك أنّ منجم نمرود أخبره بأنّ مولودا يولد في أرضنا فيكون هلاكنا على يده وكان فيما اوتي المنجم من العلم: سيحرق بالنار ولم يكن اوتي أنّ الله سينجيه، فحجب النساء عن الرجال، فلمّا حملت أمّ إبراهيم به بعث القوابل إليها فلم يعرفن شيئا من الحمل، فلمّا ولد ذهبت به أمّه إلى غار ثمّ وضعته وجعلت على الباب صخرة ثمّ انصرفت عنه، فجعل الله عزّ وجلّ رزقه في إبهامه فجعل يمصّها ويشرب لبنا، وجعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة، فجعل يكبر في الغار ويشبّ حتّى قام بأمر الله تعالى. وقد غاب غيبة اخرى سار فيها في البلاد بعد نجاته من النار. ونقل أنّه كانت له غيبة اخرى حين هاجر إلى الشام.
وكذا ورد أنّ لموسى غيبة اخرى في التيه. وغيبة يونس بن متى حين التقطه الحوت.
وكذا غاب سليمان حين أخذ الماء خاتمه. ونقل بعض أهل التواريخ أنّ مريم هربت بعيسى عن اليهود إلى مصر اثنتي عشرة سنة(995).
وفي نهج المحجّة روي عن الصادق (عليه السلام): غيبة إلياس في الجبل عن الملك أجب سبع سنين إلى أن رفعه الله إليه واستخلف اليسع على بني إسرائيل(996).
الرابع:
غيبة يوسف (عليه السلام) فإنّها كانت عشرين سنة، وكان هو بمصر ويعقوب (عليه السلام) بفلسطين وبينهما مسيرة تسعة أيّام فاختلفت الأحوال عليه في غيبته حتّى إنّه روي عن الصادق (عليه السلام) أنّه قدم أعرابي على يوسف يشتري منه طعاما فباعه فلمّا فرغ قال له يوسف: أين منزلك؟
قال: بموضع كذا. فقال له: إذا مررت بوادي كذا وكذا فقف فناد: يا يعقوب يا يعقوب، فإنّه سيخرج إليك رجل عظيم جميل جسيم وسيم فقل له: رأيت رجلا بمصر وهو يقرئك السلام ويقول لك: إنّ وديعتك عند الله عزّ وجلّ لن تضيع. قال: فمضى الأعرابي حتّى انتهى إلى الموضع فقال لغلمانه: احفظوا عليّ الإبل ثمّ نادى: يا يعقوب يا يعقوب، فخرج إليه رجل أعمى طويل جميل يتّقي الحائط بيده حتّى أقبل فقال الرجل: أنت يعقوب؟ فقال:
نعم، فأبلغه ما قال يوسف، فسقط مغشيا عليه ثمّ أفاق فقال: يا أعرابي ألك حاجة إلى الله تعالى عزّ وجلّ؟ فقال: نعم، إنّي رجل كثير المال ولي بنت عمّ وليس لي ولد منها فاحبّ أن تدعوا الله عزّ وجلّ يرزقني ولدا، فتوضّأ يعقوب وصلّى ركعتين ثمّ دعا الله عزّ وجلّ فرزقه الله أربعة أبطن أو قال: ستّة أبطن في كلّ بطن ابنان. وكان يعقوب يعلم أنّ يوسف حيّ لا يموت وأنّ الله تعالى ذكره سيظهره له بعد غيبته.
والدليل عليه: أنّه لمّا رجع إليه بنوه يبكون قال لهم: يا بني ما لكم تبكون وتدعون بالويل والثبور؟ وما لي لا أرى فيكم حبيبي يوسف؟ قالوا: يا أبانا إنّا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنّا صادقين، وهذا قميصه قد أتيناك به. قال: ألقوه إلي، فألقوه على وجهه فخرّ مغشيّا عليه، فلمّا أفاق قال لهم: يا بنيّ ألستم تزعمون أنّ الذئب أكل حبيبي يوسف؟ قالوا: نعم، قال: ما لي لا أشمّ ريح لحمه وما لي أراه صحيحا، هبوا أنّ القميص انكشف من أسفله، أرأيتم ما كان في منكبه وعنقه كيف خلص عنه الذئب من غير أن يخرقه؟ إنّ هذا الذئب مكذوب عليه، وإنّ ابني لمظلوم، بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، فتولّى عنهم ليلتهم تلك لا يكلّمهم وأقبل يرثي يوسف ويقول: حبيبي يوسف الذي كنت أؤثره على جميع أولادي فاختلس منّي، حبيبي يوسف الذي كنت أرجوه من بين أولادي، فاختلس منّي، حبيبي يوسف الذي كنت أوسده يميني وأدثّره بشمالي، فاختلس منّي، حبيبي يوسف الذي كنت أؤمن به وحشتي وأصل به وحدتي، فاختلس منّي، حبيبي يوسف، ليت شعري في أيّ الجبال طرحوك؟ أو في أيّ البحار أغرقوك؟ حبيبي يوسف ليتني كنت معك فيصيبني الذي أصابك(997).
وقال الصادق (عليه السلام): قال يعقوب (عليه السلام) لملك الموت: الأرواح تقبضها مجتمعة أو متفرّقة؟
فقال: بل متفرّقة. فقال: هل قبضت روح يوسف في جملة ما قبضت من الأرواح؟ قال: لا.
فعند ذلك قال لبنيه(998): (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وأَخِيهِ)(999).
فحال العارفين في وقتنا هذا بصاحب الزمان حال يعقوب في معرفته بيوسف وغيبته، وحال الجاهلين به وبغيبته والمعاندين في أمره حال اخوة يوسف الذين من جهلهم بأمر يوسف وغيبته قالوا لأبيهم يعقوب (تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ)(1000).
الخامس:
غيبة موسى فقد روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله): لما حضرت يوسف الوفاة جمع شيعته وأهل بيته، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ حدّثهم شدّة تنالهم، يقتل فيها الرجال وتشقّ فيها بطون الحبالى وتذبح الأطفال حتّى يظهر الحقّ من ولد لاوي بن يعقوب، وهو رجل أسمر طويل، ونعته لهم بنعته، فتمسّكوا بذلك، ووقعت الغيبة والشدّة على بني إسرائيل وهم منتظرون قيام القائم أربعمائة سنة حتّى إذا بشّروا بولادته ورأوا علامات ظهوره واشتدّت البلوى عليهم وحمل عليهم بالحجارة والخشب، وطلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر، فراسلوه وقالوا: كنّا مع الشدّة نستريح إلى حديثك، فخرج بهم إلى بعض الصحاري وجعل يحدّثهم حديث القائم ونعته وقرب الأمر وكانت له فترة، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم موسى، وكان في ذلك الوقت حدث السنّ، وخرج من عند فرعون يظهر النزهة فعدل عن موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خزّ، فلمّا رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه وأكبّ على قدمه ثمّ قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتّى رأيتك، فلمّا رأى الشيعة ذلك علموا أنّه صاحبهم فأكبّوا على الأرض شكرا لله عزّ وجلّ، فلم يزدهم على أن قال: أرجو أن يعجّل الله فرجكم، ثمّ غاب بعد ذلك وخرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما أقام، فكانت الغيبة الثانية أشدّ من الأولى، وكانت نيفا وخمسين سنة، اشتدّت البلوى عليهم واستتر الفقيه، فبعثوا إليه بأنّه لا صبر لنا على استتارك عنّا، فخرج إلى بعض الصحاري واستدعاهم وطيّب نفوسهم وأعلمهم أنّ الله عزّ وجلّ أوحى إليه أنّه مفرّج عنهم بعد أربعين سنة، فقالوا بأجمعهم: الحمد لله. فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: قل لهم قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم الحمد لله.
فقالوا: كلّ نعمة من الله، فأوحى الله: قد جعلتها عشرين سنة. فقالوا: لا يأتي بالخير إلّا الله، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: قل لهم لا يرجعوا، فقد أذنت في فرجهم، فبينما هم كذلك إذ طلع موسى راكبا حمارا فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به فيه، وجاء موسى حتّى وقف عليهم فسلّم فقال الفقيه: ما اسمك؟ قال: موسى، فقال: ابن من؟ فقال: ابن عمران.
قال: ابن من؟ قال: ابن قاهب بن لاوي بن يعقوب. قال: بما ذا جئت؟ قال: بالرسالة من عند الله عزّ وجلّ. فقام إليه فقبّل يده ثمّ جلس بينهم وطيّب نفوسهم ثمّ أمرهم ثمّ فرّقهم، وكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم لغرق فرعون لعنه الله أربعون سنة(1001).
السادس:
غيبة أوصياء موسى: أوّلهم يوشع بن نون فإنّه قام بالأمر بعد موته صابرا من طواغيت زمانه على الجهد والبلاء حتّى مضى منه ثلاث طواغيت فقوي بعدهم أمره، فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى بصفراء بنت شعيب امرأة موسى في مائة ألف رجل فقاتلوا يوشع بن نون فغلبهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم الباقين بإذن الله تعالى، وأسر صفراء بنت شعيب ثمّ قال لها: قد عفوت عنك في الدنيا إلى أن تلقي نبي الله موسى فأشكو ما لقيت منك ومن قومك. فقالت صفراء: وا ويلاه والله لو ابيحت لي الجنّة لاستحييت أن أرى فيها رسول الله وقد هتك حجابه علي وخرجت على وصيّه بعده(1002).
واعلم أنّه قد وقع مثل هذا في هذه الامّة حذو النعل بالنعل، فإنّ وصي نبي هذه الامّة إنّما استقلّ بالأمر بعد مضي الثلاثة، ولمّا استقل خرجت عليه اخت صفيراء - وهي حميراء - أخرجها المنافقان إلى أن أسرها علي (عليه السلام) في حرب البصرة، ولكن الفرق بين الامرأتين أنّ الاولى ندمت على ما فعلته والثانية لم تندم.
ثمّ إنّ الأئمّة قد استتروا بعد يوشع إلى زمان داود أربعمائة سنة وكانوا أحد عشر، فكان قوم كلّ واحد منهم يختلفون إليهم ويأخذون معالم دينهم حتّى انتهى الأمر إلى آخرهم، فغاب عنهم ثمّ ظهر وبشّرهم بداود وأخبرهم أنّ داود هو الذي يأخذ الملك من جالوت وجنوده، ويكون فرجهم في ظهوره وكانوا ينتظرونه، فلمّا كان زمان داود كان له أربعة اخوة، وكان لهم أب شيخ كبير، وكان داود من بينهم خامل الذكر وهو أصغرهم، فخرجوا إلى قتال جالوت وخلفوا داود يرعى الغنم تحقيرا لشأنه فلمّا اشتدّت الحرب وأصاب الناس جهد رجع أبوه وقال لداود (عليه السلام): احمل إلى إخوتك طعاما، فخرج داود والقوم متقاربون فمرّ داود على حجر فناداه: يا داود خذني واقتل بي جالوت فإنّي خلقت لقتله، فأخذه ووضعه في مخلاته التي كانت فيها حجارته التي يرعى بها غنمه، فلمّا دخل العسكر رآهم يعظمون أمر جالوت فقال: تعظمون من أمره فو الله لئن أتيته لأقتلنّه، فأدخلوه على طالوت فقال له: يا بني ما عندك من القوّة؟ قال: قد كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه وأفكّ لحييه عن الشاة واخلّصها من فيه، وكان أوحى الله إلى طالوت أنّه لا يقتل جالوت إلّا من لبس درعك فملأها، فدعا بدرعه فلبسها داود فاستوى عليه فراع ذلك طالوت ومن حضره من بني إسرائيل، فلمّا أصبحوا والتقى الناس قال داود (عليه السلام): أروني جالوت، فلمّا رآه أخذ الحجر فرماه فصك بين عينيه وقتله وقال الناس: قتل داود (عليه السلام) جالوت، فاجتمعت عليه بنو إسرائيل وأنزل الله عليه الزبور وليّن له الحديد وأمر الجبال والطير أن تسبّح معه، وأعطاه صوتا لم يسمع بمثله حسنا وأقام في بني إسرائيل نبيّا(1003).
وهكذا يكون سبيل القائم (عجّل الله فرجه) فإنّ له سيفا مغمدا، إذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عزّ وجلّ فناداه السيف: اخرج يا ولي الله فلا يحلّ لك أن تقعد عن أعداء الله، فيخرج فيقتلهم.
ثمّ إنّ داود أراد أن يستخلف سليمان لأنّ الله عزّ وجلّ أوحى إليه يأمره بذلك، فلمّا أخبر بني إسرائيل ضجّوا من ذلك وقالوا: تستخلف علينا حدثا وفينا من هو أكبر منه، فدعا أسباط بني إسرائيل وقال لهم: قد بلغتني مقالتكم فأروني عصيّكم فأيّ عصا أثمرت فصاحبها ولي الأمر من بعدي. فقالوا: رضينا. قال: ليكتب كلّ واحد منكم اسمه على عصاه، فكتبوا، ثمّ جاء سليمان بعصاه فكتب عليها اسمه، ثمّ ادخلت بيتا واغلق الباب وحرسته رءوس أسباط بني إسرائيل، فلمّا أصبح فتح الباب فأخرج عصيهم وقد أورقت عصا سليمان وأثمرت فسلّموا ذلك لداود فقال: إنّ هذا خليفتي من بعدي.
ثم اخفي سليمان بعد ذلك وتزوّج بامرأة استتر في بيتها عن شيعته ما شاء الله، ثمّ إنّ امرأته قالت له ذات يوم: بأبي أنت وأمّي ما أكمل خصالك وأطيب ريحك، ولا أعلم لك خصلة أكرهها إلّا أنّك في مئونة أبي، فلو دخلت السوق فتعرّضت لرزق الله رجوت أن لا يخيبك. فقال لها سليمان: إنّي والله ما عملت عملا قط ولا احسنه، فدخل السوق يومه ذلك فرجع ولم يصب شيئا فقال لها: ما أصبت شيئا؟ قالت: لا عليك إن لم يكن اليوم كان غدا.
فلمّا كان من الغد خرج إلى السوق فجال يومه فلم يقدر على شيء فرجع فأخبرها فقالت:
غدا يكون إن شاء الله، فلمّا كان اليوم الثالث مضى حتّى انتهى إلى ساحل البحر فإذا هو بصيّاد فقال له: هل لك أن أعينك وتعطيني شيئا؟ قال: نعم، فأعانه فلمّا فرغ أعطاه الصياد سمكتين. فأخذهما وحمد الله، ثمّ إنّه شقّ بطن إحداهما فإذا هو بخاتم في بطنها فأخذه وصيّره في ثوبه، وحمد الله عزّ وجلّ وأصلح السمكتين وجاء بهما إلى منزله وفرحت امرأته بذلك فرحا شديدا وقالت له: إنّي أريد أن تدعو والديّ حتّى يعلما أنّك قد كسبت، فدعاهما فأكلا معه فلمّا فرغوا قال لهم: هل تعرفوني؟ قالوا: لا والله إلّا أنّا لم نر منك إلّا خيرا.
قال: فأخرج خاتمه فلبسه وخرّ عليه الطير والريح وغشيه الملك، وحمل الجارية ووالديها إلى بلاد اصطخر واجتمعت إليه الشيعة واستبشروا به، ففرّج الله عنهم ممّا كانوا فيه من حيرة غيبته، فلمّا حضرته الوفاة أوحى إلى آصف بن برخيا بأمر الله تعالى، فلم يزل بينهم تختلف إليه الشيعة ويأخذون منه معالم دينهم.
ثمّ غيّب الله تعالى آصف غيبة طال أمدها، ثمّ ظهر لهم فبقي بين قومه ما شاء الله، ثمّ إنّه ودّعهم فقالوا له: أين الملتقى؟ قال: على الصراط، فغاب عنهم ما شاء الله فاشتدّت البلوى على بني إسرائيل بغيبته، وتسلّط عليهم بخت نصر فجعل يقتل من يظفر به منهم ويطلب من يهرب ويسبي ذراريهم، فاصطفى من السبي من أهل بيت يهودا أربعة نفر فيهم دانيال، واصطفى من ولد هارون عزيرا، وهم حينئذ صبية صغار فمكثوا في يده، وبنو إسرائيل في العذاب المهين، والحجّة دانيال اسر في يد بخت نصر لعنه الله تسعين سنة، فلمّا عرف فضله وسمع أنّ بني إسرائيل ينتظرون خروجه ويرجون الفرج من ظهوره وعلى يده، أمر أن يجعل في جبّ عظيم واسع ويجعل معه أسد ليأكله، فلم يقربه وأمر أن لا يطعم، وكان الله تبارك وتعالى يأتيه بطعامه وشرابه على يدي نبي من أنبيائه، فكان دانيال يصوم النهار ويفطر بالليل على ما يدلى إليه من الطعام.
واشتدّت البلوى على شيعته وقومه المنتظرين لظهوره وشكّ أكثرهم في الدين لطول الأمد، فلمّا تناهى البلاء بدانيال وقومه رأى بخت نصر لعنه الله في المنام كأنّ ملائكة السماء هبطت إلى الأرض أفواجا إلى الجبّ الذي فيه دانيال مسلّمين عليه يبشّرونه بالفرج، فلمّا أصبح ندم على ما أتى إلى دانيال، فأمر بأن يخرج من الجبّ فلمّا أخرج اعتذر إليه ممّا ارتكب منه، ثمّ فوّض إليه النظر في امور ممالكه والقضاء بين الناس، فظهر من كان مستترا من بني إسرائيل، ورفعوا رءوسهم واجتمعوا إلى دانيال موقنين بالفرج، فلم يثبت إلّا القليل على ذلك الحال حتّى مات، وأفضى الأمر بعده إلى عزير فكانوا يجتمعون إليه ويأنسون به ويأخذون منه معالم دينهم، فغيّب الله تعالى عنهم شخصه مائة عام ثمّ بعثه وغابت الحجج بعده واشتدّت البلوى على بني إسرائيل حتّى ولد يحيى بن زكريا وترعرع، فظهر وله تسع سنين فقام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكّرهم بأيّام الله عزّ وجلّ، وأخبرهم أنّ محن الصالحين إنّما كانت لذنوب بني إسرائيل وأنّ العاقبة للمتّقين، ووعدهم الفرج بقيام المسيح بعد نيف وعشرين سنة من هذا القول، فلمّا ولد المسيح أخفى الله ولادته وغيّب الله شخصه؛ لأنّ مريم لما حملته انتبذت به مكانا قصيا، ثمّ إنّ زكريا وخالتها أقبلا يقصّان أمرها حتّى هجما عليها وقد وضعت ما في بطنها وهي تقول: (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا)(1004) فأطلق الله تعالى ذكره لسانه بعذرها وإظهار حجّتها، فلمّا ظهر اشتدّت البلوى والطلب على بني إسرائيل وأكبّ الجبابرة والطواغيت عليهم حتّى كان من أمر المسيح ما قد أخبر الله تعالى به.
واستتر شمعون بن حمون والشيعة، ثمّ أفضى بهم الاستتار إلى جزيرة من جزائر البحر فأقاموا بها ففجّر الله لهم فيها العيون العذبة، وأخرج لهم من كل الثمرات وجعل لهم فيها الماشية، وبعث إليهم سمكة تدعى القمل لا لحم لها ولا عظم وإنّما هي جلد ودم فخرجت من البحر، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى النحل أن يركبها فركبها فأتت بالنحل إلى تلك الجزيرة، ونهض النحل وتعلّق بالشجر فعرس وبنى وكثر العسل، ولم يكونوا يفقدون من أخبار المسيح شيئا(1005).
فقد روي أنّ له غيبات يسيح فيها في الأرض فلا يعرف قومه وشيعته خبره، ثمّ ظهر فأوحى إلى شمعون بن حمون، فلمّا مضى شمعون غاب الحجج بعده واشتدّ الطلب وعظمت البلوى ودرس الدين واميتت الفروض والسنن، وذهب الناس يمينا وشمالا لا يعرفون أيّا من أي، فكانت الغيبة مائتين وخمسين سنة(1006).
وعن الصادق (عليه السلام): كان بين عيسى وبين محمّد خمسمائة عام، منها مائتان وخمسون عاما ليس فيها نبي ولا عالم ظاهر. قيل: فما كانوا؟ قال: كانوا متمسّكين بدين عيسى(1007).
وأمّا النبي (صلّى الله عليه وآله) فغيبته المشهورة كانت في الغار وكل المسلمين أطبقوا على أنّ غيبته في الغار إنّما كانت تقية عن المشركين وخوفا على نفسه، حتّى أنّه لو لم يذهب إلى الغار لقتلوه؛ لأنّهم مهّدوا له القتل وسوّل لهم الشيطان وعلّمهم لطائف الحيل في قتله، وأخذ معه أبا بكر خوفا منه أيضا لئلّا يدلّ الناس عليه كما قالوه في كتبهم، واستشهد العامّة بهذا بأنّه فوق الصحابة، وجوابه هو الذي أجاب به إمام زماننا في سؤالات سعد بن عبد الله وذكرناه بعيد هذا في الفرع التاسع من الغصن الخامس في عداد التوقيعات.
أقول: الثامن ممّن غاب سليمان بن داود.
والتاسع آصف بن برخيا غاب عن قومه مدّة طال أمدها ثمّ رجع إليهم.
والعاشر دانيال.
والحادي عشر عزير.
والثاني عشر مسيح(1008).
وغيبة نبيّنا ثلاث سنين في شعب أبي طالب حين حاصر قريش بني هاشم، وله غيبة اخرى قبلها، بمعنى اختفائه بالدعوة خمس سنين وذلك بعد البعثة حتّى أنزل الله عزّ وجلّ (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)(1009) وله (صلّى الله عليه وآله) غيبة اخرى في الغار(1010).
الفرع الثاني: في ذكر جمع من المعمّرين
قال محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان: من الدلالة على كون المهدي (عجّل الله فرجه) حيّا باقيا منذ غيبته وإلى الآن أنّه لا امتناع في بقائه كبقاء عيسى ابن مريم والخضر وإلياس من أولياء الله، وبقاء الأعور الدجّال وإبليس اللعين من أعداء الله، وقد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنّة(1011).
أمّا عيسى فالدليل على بقائه قوله تعالى: (وإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)(1012) ولم يؤمن منذ نزول هذه وإلى يومنا هذا أحد، فلا بدّ أن يكون هذا في آخر الزمان.
وأمّا السنّة: كما رواه مسلم وغيره في قصّة الدجّال فينزل عيسى ابن مريم (عليه السلام) عند المنارة البيضاء بين مهرودتين واضعا كفّيه على أجنحة ملكين(1013). وأيضا قول النبي (صلّى الله عليه وآله): كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم(1014).
وأمّا الخضر (عليه السلام) وإلياس فعن ابن جرير الطبري: الخضر وإلياس باقيان يسيران في الأرض(1015). وما روي في صحيح مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري: حدّثنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حديثا طويلا عن الدجّال وكان فيما حدّثنا أنّه قال: يأتي وهو محرّم عليه أن يدخل بقباب(1016) المدينة فينتهي إلى بعض السباخ(1017) التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس - أو من خير الناس - فيقول الدجّال: إن قتلت هذا ثمّ أحييته أتشكّون في الأمر؟
فيقولون: لا، قال: فيقتله ثمّ يحييه فيقول حين يحييه: والله ما كنت فيك قط أشدّ بصيرة منّي الآن، فيريد الدجّال أن يقتله فلن يسلّط عليه. وقال إبراهيم بن سعد: يقال إنّ الرجل هو الخضر. هذا لفظ مسلم في صحيحه كما سقناه سواء(1018). والدليل على بقاء إبليس اللعين (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)(1019).
وأمّا بقاء المهدي
(عجّل الله فرجه) فقد جاء في الكتاب والسنّة: أمّا الكتاب فقد قال سعيد ابن جبير في تفسير قوله تعالى: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(1020) قال: هو المهدي (عليه السلام) من ولد فاطمة (عليها السلام)(1021). وأمّا من قال إنّه عيسى، فلا تنافي بين القولين إذ هو مساعد للمهدي (عجّل الله فرجه) على ما تقدّم. وعن مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسّرين في تفسير قوله تعالى: (وإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ)(1022) قال: هو المهدي يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون أمارات ودلالات الساعة وقيامها(1023).
وفي الينابيع عن سدير الصير في قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) فرأيناه جالسا على التراب وهو يبكي بكاء شديدا ويقول: سيّدي غيبتك نفت رقادي وابتزّت منّي راحة فؤادي. قال سدير:
تصدّعت قلوبنا جزعا فقلنا: لا أبكى الله - يا ابن خير الورى - عينيك، فزفر زفرة انتفخ منها جوفه قال: نظرت في كتاب الجفر الجامع صبيحة هذا اليوم - وهو الكتاب المشتمل على علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وهو الذي خصّ الله به محمّدا (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة من بعده (صلوات الله عليه وعليهم) - وتأمّلت فيه مولد قائمنا المهدي (عجّل الله فرجه) فطول غيبته وطول عمره وبلوى المؤمنين في زمان غيبته وتولّد الشكوك في قلوبهم من إبطاء ظهوره وخلعهم ربقة الإسلام عن أعناقهم، قال الله عزّ وجلّ (وكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)(1024) يعني ولاية الإمام؛ فأخذتني الرقّة واستعلت علي الأحزان. وقال: قدّر الله مولده تقدير مولد موسى وقدّر غيبته تقدير غيبة عيسى، وأبطأ كإبطاء نوح وجعل عمر العبد الصالح الخضر دليلا على عمره.
وأمّا مولد موسى فإنّ فرعون لمّا وقف على أنّ زوال ملكه بيد مولود من بني إسرائيل أمر بقتل كلّ مولود ذكر من بني إسرائيل حتّى قتل نيفا وعشرين ألف مولود فحفظ الله موسى، كذلك بنو امية وبنو العبّاس لما وقفوا على أنّ زوال الجبابرة على يد القائم منّا قصدوا قتله، ويأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلّا أن يتمّ نوره.
وأمّا غيبته كغيبة عيسى فإنّ اليهود والنصارى اتّفقت على أنّه قتل فكذّبهم الله عزّ وجلّ ذكره بقوله (وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ ولكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)(1025) كذلك غيبة القائم فإنّ الناس استنكروها لطولها؛ فمن قائل بغير هدى بأنّه لم يولد، وقائل يقول: إنّه ولد ومات، وقائل يقول: إنّ حادي عشرنا كان عقيما، وقائل يقول: يتعدّى إلى ثالث عشر وما عدا، وقائل: إنّ روح القائم ينطق في هيكل غيره، وكلّها باطل.
وأمّا إبطاؤه كإبطاء نوح (عليه السلام) فإنّه لما استنزل العقوبة على قومه بعث الله الروح الأمين فقال: يا نبي الله إنّ الله يقول لك: إنّ هؤلاء خلائقي وعبادي لست اهلكهم إلّا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجّة، فاغرس النوى واصبر واجتهد، وأخبر بذلك الذين آمنوا به فارتدّ منهم ثلاثمائة رجل، ثمّ إنّ الله يأمر عند ثمرها كلّ مرّة بأن يغرسها مرّة بعد اخرى إلى أن غرسها سبع مرّات، فما زال منهم يرتدّ إلى أن بقي بالايمان نيف وسبعون رجلا فأوحى الله إليه: الآن صفى الحقّ عن الكدر بارتداد من كانت طينته خبيثة، فكذلك القائم - (عجّل الله فرجه) - منّا فإنّه تمتدّ غيبته ثمّ تلا (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا)(1026).
وأمّا الخضر ما طوّل الله عمره لنبوّة قدرها له، ولا لكتاب ينزل عليه ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله، ولا لامّة يلزم اقتداؤهم به ولا لطاعة يعرضها له، بل طوّل عمره للاستدلال به على طول عمر القائم (عجّل الله فرجه) ولتنقطع بذلك حجّة المعاندين؛ لئلّا يكون للناس على الله حجّة(1027).
زهرة:
في القاموس في باب الدال وفصل العين عن حديث مفصل: إنّ أوّل الناس دخولا الجنّة عبد أسود يقال له عبود، وذلك أنّ الله تعالى بعث نبيّا إلى أهل قرية فلم يؤمن به أحد إلّا ذلك الأسود، وإنّ قومه احتفروا له بئرا فصيّروه فيها وأطبقوا عليه صخرة عظيمة، وكان ذلك الأسود يخرج فيحتطب فيبيع الحطب ويشتري به طعاما وشرابا ثمّ يأتي تلك الحفرة فيعينه الله عزّ وجلّ على تلك الصخرة فيرفعها ويدلي إليه ذلك الطعام والشراب، وإنّ الأسود احتطب يوما ثمّ جلس ليستريح، فضرب بنفسه شقّه الأيسر فنام سبع سنين، ثمّ هبّ من نومته وهو لا يرى إلّا أنّه نام ساعة من نهار فاحتمل حزمته فأتى القرية فباع حطبه، ثمّ أتى الحفرة فلم يجد النبي فيها، وقد كان بدا للقوم فيه فأخرجوه، فكان يسأل عن الأسود فيقولون: لا ندري أين هو، فضرب به المثل لمن نام طويلا.
وهذه الحكاية جواب لاستبعاداتهم بقاء الحجّة في طول الزمان؛ لأنّ بقاء أسود سبع سنين بلا ماء ولا طعام في الشمس والمطر وسائر الحوادث في معبر الدواب والحيوانات، أعجب من بقاء من يأكل ويشرب ويسير كما هو مذهب الإمامية، وأعجب من هذا أيضا خفاء هذا الأسود على أهالي تلك القرية في تلك المدّة مع أنّه نام في مكان مخصوص، كيف يمكن عدم عبور أحد في تلك المدّة من ذلك المكان وما احتاجوا إلى الحطب، وأعجب من هذا نوم أصحاب الكهف ثلاثمائة وتسع سنين فافهم وتأمّل.
يستدلّون مخالفونا(1028) على بقاء عيسى بالآيات والأخبار ولا يستبعدون، وينكرون بقاء المهدي (عجّل الله فرجه). ومن أعجب العجب أنّهم يروون أن عيسى ابن مريم مرّ بأرض كربلاء فرأى عدّة من الظباء هناك مجتمعة فأقبلت إليه وهي تبكي، وأنّه جلس وجلس الحواريون فبكى وبكى الحواريون وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى فقالوا: يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال (عليه السلام): أتعلمون أي أرض هذه؟ قالوا: لا، قال: هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد وفرخ الخيرة الطاهرة البتول شبيهة أمّي، ويلحد فيها وهي أطيب من المسك لأنّها طينة الفرخ المستشهد، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، وهذه الظباء كلّمتني وتقول إنّها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك، وزعمت أنّها آمنة في هذه الأرض، ثمّ ضرب بيده إلى بعر تلك الظباء فشمّها وقال: اللهمّ أبقها أبدا حتّى يشمّها أبوه (عليه السلام) فتكون له عزاء وسلوة، وإنّها بقيت إلى أيّام أمير المؤمنين (عليه السلام) حتّى شمّها وبكى وأبكى وأخبر بقصّتها لمّا مرّ بكربلاء(1029).
فهم يصدقون بأن بعر تلك الظباء تبقى زيادة على خمسمائة سنة، لم تغيّرها الأمطار والرياح ومرور الأيّام والليالي والسنين، ولا يصدّقون بأنّ القائم (عليه السلام) من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) يبقى حتّى يخرج بالسيف فيبيد أعداء الله ويظهر دين الله، مع الأخبار الواردة عن النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة بالنصّ عليه باسمه ونسبه وغيبته المدّة الطويلة وجري سنن الأوّلين فيه، هل هذا إلّا عناد وجحود الحقّ؟
ولمّا كان بناء هذا الفرع على ذكر بعض المعمّرين ينبغي ذكرهم هنا، وإن ذكرهم علماء السلف في كتبهم(1030)، والصدوق عليه الرحمة في كتاب كمال الدين(1031)، والمحقّق المجلسي(1032) طاب ثراه، ولذلك تركنا كثيرا منهم خوفا من الإطالة.
من المعمّرين: أوّل الناس: آدم
عمره تسعمائة وثلاثون سنة.
الثاني: شيث
وعمره تسعمائة واثنتا عشرة سنة.
الثالث: نوح
وعمره ألفان وخمسمائة سنة.
الرابع: إدريس
وعمره تسعمائة وخمس وستّون سنة.
الخامس: سليمان بن داود
وعمره سبعمائة واثنتا عشرة سنة.
السادس: عوج بن عنقا
وعمره ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، وعمر أمّه عنق بنت آدم أزيد من ثلاثة آلاف سنة.
في غيبة الطوسي(1033): أفريدون العادل عاش فوق ألف سنة، ويقولون: إنّ الملك الذي أحدث المهرجان عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة استتر منها عن قومه ستمائة سنة، ومنهم عمرو بن عامر مزيقيا عاش ثمانمائة سنة أربعمائة سنة في حياة أبيه وأربعمائة سنة ملكا، وكان في سني ملكه يلبس في كل يوم حلتين، فإذا كان بالعشيّ مزّقت الحلّتان عنه لئلّا يلبسها غيره فسمّي مزيقيا.
السابع: أصحاب الكهف
بعمرهم الله أعلم(1034).
الثامن: الخضر (عليه السلام)
وبعمره الله أعلم.
التاسع: إلياس
وبعمره الله أعلم.
العاشر: سلمان الفارسي
عمره على المشهور أربعمائة سنة. وفي رواية العوالم لقي عيسى ابن مريم(1035).
الحادي عشر: ذو القرنين
وبعمره الله أعلم.
الثاني عشر: ضحاك
وعمره ألف سنة.
الثالث عشر: كرشاسب
وعمره خمس وسبعمائة سنة.
الرابع عشر: رستم
وعمره ستمائة سنة.
الخامس عشر: زال
وعمره خمسون وستمائة سنة.
السادس عشر: حبيب
الذي استدعى من النبي (صلّى الله عليه وآله) معجزة شق القمر وعمره.....
السابع عشر: رئيس نصارى نجران
.....
الثامن عشر: دقيانوس
.....
التاسع عشر: فرعون
.....
العشرون: شداد بن عاد
وعمره سبعمائة سنة.
الحادي والعشرون: لقمان بن عاد
وعمره ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة.
الثاني والعشرون: عزيز مصر
وعمره سبعمائة سنة.
الثالث والعشرون: ريان بن دومغ
والد عزيز مصر وعمره ألف وسبعمائة سنة.
الرابع والعشرون: دومغ
والد ريان وعمره ثلاثة آلاف سنة.
عن الصدوق: أنّ أبا الحسن حمّادويه بن أحمد بن طولون كان قد فتح عليه من كنوز مصر ما لم يرزق أحد قبله، فأغري بالهرمين، فأشار إليه ثقاته وحاشيته وبطانته أن لا يتعرّض لهدم الأهرام فإنّه ما تعرض أحد لها فطال عمره، فلجّ في ذلك وأمر ألفا من الفعلة أن يطلبوا الباب، وكانوا يعملون سنة حواليه حتّى ضجروا وكلّوا، فلمّا همّوا بالانصراف بعد الإياس منه وترك العمل وجدوا سربا فقدروا أنّه الباب الذي يطلبونه، فلمّا بلغوا آخره وجدوا بلاطة قائمة من مرمر فقدروا أنّها الباب فاحتالوا فيها إلى أن قلعوها وأخرجوها فإذا عليها كتابة يونانية، فجمعوا حكماء مصر وعلماءها فلم يهتدوا لها، وكان في القوم رجل يعرف بأبي عبد الله المديني أحد حفّاظ الدنيا وعلمائها فقال لأبي الحسن حمّادويه بن أحمد: أعرف في بلد الحبشة أسقفا قد عمّر وأتى عليه ثلاثمائة وستّون سنة يعرف هذا الخط، وقد كان عزم على أن يعلّمنيه فلحرصي على علم العرب لم أقم عليه وهو باق، فكتب أبو الحسن إلى ملك الحبشة يسأله أن يحمل هذا الأسقف إليه فأجابه أنّ هذا قد طعن في السن وحطمه الزمان، وإنّما يحفظه هذا الهواء، ويخاف عليه إن نقل إلى هواء آخر وإقليم آخر ولحقته حركة وتعب ومشقّة السفر أن يتلف، وفي بقائه لنا شرف وفرج وسكينة، فإن كان لكم شيء يقرأه ويفسّره ومسألة تسألونه كاتبوه بذلك، فحملت البلاطة في قارب إلى بلد أسوان من الصعيد الأعلى، وحملت من أسوان على العجلة إلى بلاد الحبشة وهي قرية من أسوان، فلمّا وصلت قرأها الأسقف وفسّر ما فيها بالحبشية ثمّ نقلت إلى العربية فإذا فيها مكتوب: أنا الريان بن دومغ - فسأله أبو عبد الله عن الريان من هو كان.
قال: هو والد العزيز ملك يوسف واسمه الريان بن دومغ وقد كان عمر العزيز سبعمائة سنة والريان والده ألف وسبعمائة سنة، وعمر دومغ ثلاثة آلاف سنة فإذا فيها: أنا الريان بن دومغ خرجت في طلب علم النيل لأعلم فيضه ومنبعه إذ كنت أرى مفيضه ومنبعه فخرجت ومعي ممّن صحبت أربعة آلاف ألف رجل فسرت ثمانين سنة إلى أن انتهيت إلى الظلمات والبحر المحيط بالدنيا، فرأيت النيل يقطع البحر المحيط ويعبر فيه ولم يكن له منفذ، وتماوت أصحابي وبقيت في أربعة آلاف رجل فخشيت على ملكي، فرجعت إلى مصر وبنيت الأهرام والبرابي وبنيت الهرمين وأودعتهما كنوزي وذخائري(1036) وقلت في ذلك شعرا:
وأدرك علمي بعض ما هو كائن * * * ولا علم لي بالغيب والله أعلم
وأتقنت ما حاولت إتقان صنعه * * * وأحكمته والله أقوى وأحكم
وحاولت علم النيل من بدء فيضه * * * فأعجزني والمرء بالعجز ملجم
ثمانين شاهورا قطعت مسايحا * * * وحولي بنو حجر وجيش عرمرم
إلى أن قطعت الجن والإنس كلّهم * * * وعارضني لج من البحر مظلم
فأيقنت أن لا منفذا بعد منزلي * * * لدى هيبة بعدي ولا متقدّم
فأبت(1037) إلى ملكي وأرسيت ناديا * * * بمصر وللأيّام بؤس وأنعم
أنا صاحب الأهرام في المصر كلّها * * * وباني برابيها بها والمقدم
تركت بها آثار كفي وحكمتي * * * على الدهر لا تبلى ولا تتهدم
وفيها كنوز جمّة وعجائب * * * وللدهر أمر مرّة وتهجّم
سيفتح أقفالي ويبدي عجائبي * * * ولي ولربّي آخر الدهر ينجم
بأكناف بيت الله تبدو اموره * * * ولا بدّ أن يعلو ويسمو به السم
ثمان وتسع واثنتان وأربع * * * وتسعون اخرى من قتيل وملجم
ومن بعد هذا كر تسعون تسعة * * * وتلك البرابي تستخر وتهدم
وتبدي كنوزي كلّها غير أنني * * * أرى كلّ هذا أن يفرقها الدم
رمزت مقالي في صخور قطعتها * * * ستبقى وأفنى بعدها ثمّ اعدم
قال أبو الحسن حمّادويه بن أحمد: هذا شيء ليس لأحد فيها حيلة إلّا للقائم (عجّل الله فرجه) من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وردت البلاطة كما كانت مكانها، ثمّ إنّ أبا الحسن بعد ذلك بسنة قتله طاهر الخادم على فراشه وهو سكران، ومن ذلك الوقت عرف خبر الهرمين ومن بناهما، فهذا أصحّ ما يقال في خبر النيل والهرمين ومن بناهما(1038).
الخامس والعشرون: عبيد بن شريد الجرهمي(1039)، في الإكمال أنّه معروف وعاش ثلاثمائة وخمسين سنة فأدرك النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وحسن إسلامه وعمّر بعد ما قبض النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) حتى قدم على معاوية في أيام تغلبه وملكه فقال معاوية: أخبرني يا عبيد عمّا رأيت وسمعت وأدركت وكيف رأيت الدهر؟ فقال: أمّا الدهر فرأيت ليلا يشبه ليلا، ونهارا يشبه نهارا، ومولودا يولد وميتا يموت ولم أدرك أهل زمان إلّا وهم يذمّون زمانهم، وأدركت من قد عاش ألف سنة وحدّثني عمّن كان قبله عاش ألفي سنة.
وأمّا ما سمعت فإنّه حدّثني ملك من ملوك حمير أنّ بعض الملوك السابقة ممّن قد دانت له البلاد وكان يقال له ذو سرح، اعطي الملك في عنفوان شبابه، وكان حسن السيرة في أهل مملكته، سخيا فيهم مطاعا وملكهم سبعمائة سنة وكان كثيرا [ما] يخرج في خاصّته إلى الصيد والنزهة، فخرج يوما في بعض نزهه فأتى على حيّتين: إحداهما بيضاء كأنها سبيكة فضة والاخرى سوداء كأنّها فحمة، وهما يقتتلان وقد غلبت السوداء على البيضاء فكادت تأتي على نفسها فأمر الملك بالسوداء فقتلت وأمر بالبيضاء فاحتملت حتى انتهى بها إلى عين من ماء تفيء عليها شجرة فأمر بصب الماء عليها وسقيت حتى رجعت إليها نفسها فقامت فخلّى سبيلها فانسابت الحية ومضت لسبيلها، ومكث الملك يومئذ في تصيّد ونزهة، فلما أمسى ورجع إلى منزله فجلس على سريره في موضع لا يصل إليه حاجب ولا أحد، فبينا هو كذلك إذ رأى شابا أخذ بعضادتي الباب وبه من الشباب والجمال شيء لا يوصف، فسلم عليه فذعر منه الملك فقال له: من أنت؟ ومن أذن لك في الدخول إليّ في هذا الموضع الذي لا يصل إليّ فيه حاجب ولا غيره؟
فقال له الفتى: لا ترع أيّها الملك إنّي لست بإنسي ولكن فتى من الجن أتيتك لاجازيك ببلائك الحسن الجميل عندي. قال الملك: وما بلائي عندك؟ قال: أنا الحية التي أحييتني في يومك هذا، والأسود الذي قتلته وخلّصتني منه كان غلاما لنا تمرّد علينا، وقد قتل من أهل بيتي عدّة، كان إذا خلي بواحد منّا قتله، فقتلت عدوّي وأحييتني وجئتك لاكافيك ببلائك عندي، ونحن أيّها الملك الجن لا الجن. قال له الملك: وما الفرق بين الجن والجنّ.
إلى هنا مذكور ثمّ بعد هذا الخبر مقطوع(1040).
السادس والعشرون من المعمّرين ربيع بن ضبيع الفراوي، في الإكمال: لمّا وفد الناس على عبد الملك بن مروان قدم في من قدم عليه الربيع بن ضبيع الفراوي، وكان أحد المعمّرين ومعه ابن ابنه وهب بن عبد الله بن الربيع شيخا فانيا، قد سقطت حاجباه على عينيه وقد عصبهما فلمّا رآه الآذن يأذنون الناس على أصنافهم قال له: ادخل أيّها الشيخ، فدخل يدق على العصا يقيم بها صلبه وكشحه، ولحيته على ركبتيه، فلمّا رآه عبد الملك رقّ له وقال له: اجلس أيّها الشيخ، فقال: يا أمير المؤمنين أيجلس الشيخ وجدّه على الباب. قال:
فأنت إذن من ولد الربيع بن ضبيع؟ قال: نعم أنا وهب بن عبد الله بن الربيع. قال للآذن: ارجع، فأدخل الربيع، فخرج الآذن فلم يعرفه حتّى نادى: أين الربيع؟ قال: ها أنا ذا فقام يتطرق في مشيته، فلما دخل على عبد الملك سلّم فقال عبد الملك لجلسائه: ويلكم إنّه لأشيب الرجلين، يا ربيع أخبرني عمّا أدركت من العمر، والذي رأيت من الخطوب الماضية؟ قال:
أنا الذي قلت الشعر هذا:
أنا ذا آمل الخلود وقد * * * أدرك عمري مولدي حجرا
أنا امرأ القيس قد سمعت به * * * هيهات هيهات طال ذا عمرا
فقال عبد الملك: قد رويت هذا من شعرك وأنا صبي. قال: وأنا أقول شعرا:
إذا عاش الفتى مائتين عاما * * * فقد ذهب اللذاذة والبهاء
قال عبد الملك: وقد رويت هذا أيضا وأنا غلام، يا ربيع لقد طلبك جد غير عاثر(1041) ففصّل لي عمرك؟ فقال: عشت مائتين سنة في الفترة بين عيسى ومحمّد ومائة وعشرين في الجاهلية، وستّين في الإسلام. قال: أخبرني عن الفترة في القريش المتواطي الأسماء؟ قال:
سل عن أيّهم شئت؟ قال: أخبرني عن عبد الله بن عبّاس؟ قال: فهم وعلم وعطاء وحلم ومقرئ ضخم. قال: فأخبرني عن عبد الله بن عمر؟ قال: حلم وعلم وطول وكظم وبعد من الظلم. قال: فأخبرني عن عبد الله بن جعفر؟ قال: ريحانة طيّب ريحها، ليّن مسّها، قليل على المسلمين ضرّها. قال: فأخبرني عن عبد الله بن زبير؟ قال: جبل وعر ينحدر منه الصخرة.
قال: لله درك ما أخبرك بهم؟ قال: قرب جواري وكثرة استخباري(1042).
السابع والعشرون من المعمّرين: علي بن عثمان بن خطاب بن مرّة بن مؤيّد المعروف بأبي الدنيا، في الإكمال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بن نصر السجزيّ قال:
حدّثنا أبو بكر محمد بن الفتح المزكّى وأبو الحسن علي بن حسن بن حمكا الملاشكي ختن أبي بكر قالا: لقينا بمكّة رجلا من أهل المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممّن كان حضر الموسم في تلك السنة، وهي سنة تسع وثلاثمائة، فرأيناه رجلا أسود الرأس واللحية كأنه شن باب، وحوله جماعة من أولاده وأولاد أولاده ومشايخ من أهل بلده ذكروا أنّهم من أقصى بلاد المغرب تعرف باهرة العليا، وشهد هؤلاء المشايخ أنّهم سمعوا آباءهم حكوا عن آبائهم وأجدادهم أنّهم عهدوا هذا الشيخ المعروف بأبي الدنيا معمرا واسمه علي بن عثمان بن خطاب بن مرّة بن مؤيّد، وذكر أنّه همداني وأنّ أصله من صنعاء اليمن. فقلت له: أنت رأيت علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ فقال بيده: نعم، ففتح عينيه، وقد كان وقعت حاجباه على عينيه ففتحهما كأنّهما سراجان فقال: رأيته بعيني هاتين، وكنت خادما له وكنت معه في وقعة صفّين، وهذه الشجة من دابة علي (عليه السلام)، وأرانا أثره على حاجبه الأيمن.
وشهد الجماعة الذين كانوا حوله من المشايخ ومن حفدته وأسباطه بطول العمر، وأنّهم منذ ولدوا عهدوه على هذه الحالة، وكذا سمعنا من آبائنا وأجدادنا، ثمّ إنّا فاتحناه وسألناه عن قصّته وحاله وسبب طول عمره فوجدناه ثابت العقل، يفهم ما يقال له ويجيب عنه بلبّ وعقل، فذكر أنّه كان له والد قد نظر في كتب الأوائل وقرأها وقد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان، وأنّها تجري في الظلمات، وأنّه من شرب منها طال عمره فحمله الحرص على دخول الظلمات، وتزود وحمل حسب ما قدّر أنّه يكتفي في مسيره به، وأخرجني معه وأخرج معنا خادمين بازلين وعدّة جمال لبون وروايا وزادا، وأنا يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة، فسار بنا إلى أن وافانا طرف الظلمات.
ثمّ دخلنا الظلمات فسرنا فيها نحو ستّة أيّام بلياليها وكنّا نميز بين الليل والنهار بأنّ النهار كان يكون أضوأ قليلا وأقل ظلمة من الليل. فنزلنا بين جبال وأودية وربوات، وقد كان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر؛ لأنّه وجد في الكتب التي قرأها أنّ مجرى نهر الحيوان في ذلك الموضع، فأقمنا في تلك البقعة أيّاما حتّى فني الماء الذي كان معنا وأسقيناه جمالنا، ولو لا أنّ جمالنا كانت لبونا لهلكنا وتلفنا عطشا، وكان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر ويأمرنا أن نوقد نارا ليهتدي بضوئها إذا أراد الرجوع إلينا، فكنّا في تلك البقعة نحو خمسة أيّام ووالدي يطلب النهر فلم يجده، وبعد الإياس عزم على الانصراف حذرا من التلف لفناء الزاد والماء والخدم الذين كانوا معنا، فأوجسوا في أنفسهم خيفة من التلف فألحّوا على والدي بالخروج من الظلمات، فقمت يوما من الرحل لحاجتي فتباعدت من الرحل قدر رمية سهم فعثرت بنهر ماء أبيض اللون عذب لذيذ، لا بالصغير من الأنهار ولا بالكبير، يجري جريا ليّنا فدنوت منه وغرفت منه بيدي غرفتين أو ثلاثا فوجدته عذبا باردا لذيذ فبادرت مسرعا إلى الرحل فبشّرت الخدم بأنّي قد وجدت الماء، فحملوا ما كان معنا من القرب والأدوات لنملأها ولما أتى والدي في طلب النهر، فلم نهتد إليه حتّى أنّ الخدم كذّبوني وقالوا لم تصدق.
فلمّا انصرف الرجل وانصرف والدي أخبرته بالقصّة فقال لي: يا بني، الذي أخرجني إلى ذلك المكان وتحمّل الخطر كان لذلك النهر ولم ارزق أنا، وأنت رزقته وسوف يطول عمرك حتّى تملّ الحياة، ورحلنا منصرفين وعدنا إلى أوطاننا وبلادنا وعاش والدي بعد ذلك سنيّا ثمّ مات (رحمه الله)، فلمّا بلغ سنّي قريبا من ثلاثين سنة، وكان قد اتصل بنا وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ووفاة الخليفتين بعده خرجت حاجّا فلحقت آخر أيّام عثمان، فمال قلبي من بين جماعة أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأقمت معه أخدمه وشهدت معه وقائع، وفي وقعة صفّين أصابتني هذه الشجة من دابته، فما زلت مقيما معه إلى أن مضى لسبيله فألحّ عليّ أولاده وحرمه أن اقيم معهم فلم أقم، وانصرفت إلى بلدي وخرجت أيام بني مروان حاجّا وانصرفت مع أهل بلدي إلى هذه الغاية، وما خرجت إلّا ما كان الملوك في بلاد المغرب يبلغهم خبري وطول عمري فشخصوني إلى حضرتهم ليروني ويسألوني عن سبب طول عمري وعمّا شاهدت، وكنت أتمنّى واشتهي أن أحجّ حجّة اخرى فحملني هؤلاء حفدتي وأسباطي الذين ترونهم حولي. وذكر أن أسنانه سقطت مرّتين أو ثلاثة.
فسألناه أن يحدّثنا بما سمع من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فذكر أنّه لم يكن حرص ولا همّ في طلب العلم وقت صحبته لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، والصحابة أيضا كانوا متوافرين، فمن فرط ميلي إلى علي (عليه السلام) ومحبّتي له لم أشتغل بشيء سوى خدمته وصحبته، والذي كنت أتذكّره ممّا كنت سمعت منه قد سمعه منّي عالم كثير من الناس ببلاد المغرب ومصر والحجاز وقد انقرضوا وتفانوا، وهؤلاء أهل بلدي وحفدتي قد دوّنوه، فأخرجوا إلينا النسخة وأخذ يملي علينا من خطّه: حدّثنا علي بن عثمان بن خطاب بن مرّة بن مؤيّد الهمداني المعروف بأبي الدنيا المعمّر المغربي رضي الله عنه حيّا وميّتا قال: حدّثنا علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (من أحبّ أهل اليمن فقد أحبّني ومن أبغض أهل اليمن فقد أبغضني).
وحدّثنا أبو الدنيا المعمر قال: حدّثني علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم):
من أعان ملهوفا كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيّئات، ورفع له عشر درجات ثمّ قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): من سعى في حاجة أخيه المسلم ولله فيها رضا وله فيها صلاح فكأنّما خدم الله ألف سنة ولم يقع في معصيته طرفة عين.
حدّثنا أبو الدنيا المعمّر المغربي قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: أصاب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) جوع شديد وهو في منزل فاطمة (عليها السلام) قال علي: فقال لي النبي (صلّى الله عليه وآله): يا علي هات المائدة، فقدمت المائدة فإذا عليها خبز ولحم مشوي.
حدّثنا أبو الدنيا المعمّر قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول:
جرحت في وقعة خيبر خمسا وعشرين جراحة، فجئت إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فلمّا رأى ما بي بكى وأخذ من دموع عينيه فجعلها على الجراحات، فاسترحت من ساعتي.
وحدّثنا أبو الدنيا قال: حدّثني علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من قرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) فكأنّما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرّتين فكأنّما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث مرّات فكأنّما قرأ القرآن كلّه.
وحدّثنا أبو الدنيا: قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): كنت أرعى الغنم فإذا أنا بذئب على قارعة الطريق، فقلت ما تصنع هاهنا؟ فقال لي: وأنت ما تصنع هاهنا؟ قلت: أرعى الغنم. قال: مرّ أو قال: ذا الطريق. قال: فسقت الغنم فلمّا توسّط الذئب الغنم إذا أنا به قد شدّ على شاة، قال: فجئت حتّى أخذت بقفاه فذبحته وجعلته على يدي، وجعلت أسوق الغنم، فلمّا سرت غير بعيد وإذا أنا بثلاثة أملاك جبرئيل وميكائيل وملك الموت فلمّا رأوني قالوا هذا محمّد بارك الله فيه، فاحتملوني وأضجعوني وشقّوا جوفي بسكين كان معهم وأخرجوا قلبي من موضعه وغسلوا جوفي بماء بارد كان معهم في قارورة حتّى نقى من الدم، ثمّ ردّوا قلبي إلى موضعه وأمرّوا أيديهم على جوفي فالتحم الشقّ بإذن الله تعالى فما أحسست بسكين ولا وجع. قال: وخرجت أغدو إلى أمّي - يعني حليمة داية النبي (صلّى الله عليه وآله) - فقالت لي: أين الغنم؟ فخبرتها بالخبر فقالت: سوف تكون لك في الجنّة منزلة عظيمة(1043).
أقول:
ذكروا حال المعمر أبي الدنيا المغربي بطريق آخر يطول الكلام، ومقصودنا ذكر المعمّرين، يكفينا هذا المقدار.
وقال الفاضل المحدّث الجزائري (رحمه الله) في كتابه الأنوار النعمانية: حدّثني أوثق مشايخي السيّد هاشم الأحسائي في شيراز في مدرسة الأمير محمد، عن شيخنا العادل الثقة الورع الشيخ محمد الحرفوشي أعلى الله مقامه في دار المقامة، أنّه دخل يوما مسجدا من مساجد الشام وكان مسجدا عتيقا مهجورا فرأى رجلا حسن الهيئة في ذلك المسجد فأخذ الشيخ في المطالعة في كتاب الحديث، ثمّ إنّ ذلك الرجل سأل الشيخ عن أحواله وعمّن نقل الحديث فأخبره الشيخ، ثمّ إنّ الشيخ سأله عن أحواله وعن مشايخه، فقال ذلك الرجل: أنا المعمر أبو الدنيا وأخذت العلم عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعن الأئمّة الطاهرين، وأخذت فنون العلم عن أربابها وسمعت وكتبت من مصنّفيها، فاستجازه الشيخ في كتب الأحاديث والاصول وغيرها وفي كتب العربية والاصول فأجازه، وقرأ عليه الشيخ بعض الأخبار في ذلك المسجد توثيقا للإجازة.
فمن ثم كان شيخنا الثقة (قدّس الله روحه) يقول لي: يا بني إن سندي إلى المحدثين الثلاثة وغيرهم من أهل الكتب قصير، فإنّي أروي عن الفاضل الحرفوشي عن المعمّر أبي الدنيا عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكذا إلى الصادق والكاظم إلى آخر الأئمّة، وكذلك روايتي لكتب الاصول مثل الكافي والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه، وأجزتك أن تروي عنّي بهذه الإجازة، فنحن نروي الكتب الأربعة عن مصنّفيها بهذا الطريق(1044).
الثامن والعشرون
في كنز الفوائد للكراجكي وفي البحار: وكذلك حال المعمر الآخر المشرقي ووجوده بمدينة من أرض المشرق يقال لها سهرورد إلى الآن، ورأينا جماعة رأوه وحدّثوا حديثه، وأنّه كان أيضا خادما لأمير المؤمنين، والشيعة تقول أنّهما يجتمعان عند ظهور الإمام المهدي عليه وعلى آبائه أفضل السلام. وقال: هذا رجل مقيم ببلاد العجم من أرض الجبل، يذكر أنّه رأى أمير المؤمنين (عليه السلام)، يعرفه الناس بذلك على مرّ السنين والأعوام، ويقول أنّه لحقه ما لحق المغربي من الشجة في وجهه، وأنّه صحب أمير المؤمنين (عليه السلام) وخدمه.
وحدّثني جماعة مختلفو المذاهب بحديثه، وأنّهم رأوه وسمعوا كلامه: منهم أبو العبّاس أحمد بن نوح بن محمد الحنبلي الشافعي، فحدّثني بمدينة الرملة في سنة إحدى عشرة وأربعمائة قال: كنت متوجّها إلى العراق للتفقّه فعبرت بمدينة يقال لها شهرود من أعمال الجبل، قريبة من زنجان، وذلك في سنة خمسة وأربعمائة فقيل لي: إنّ هاهنا شيخا يزعم أنّه رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلو صرت إليه فرأيته لكان في ذلك فائدة عظيمة.
قال: فدخلنا عليه فإذا هو في بيته يعمل النوار، وإذا هو شيخ نحيف الجسم مدوّر اللحية كبيرها وله ولد صغير ولد له منذ سنة فقيل له: إنّ هؤلاء قوم من أهل العلم متوجّهون إلى العراق يحبّون أن يسمعوا من الشيخ ما قد لقي من أمير المؤمنين. فقال: نعم، كان السبب في لقائي له أنّي كنت قائما في موضع من المواضع فإذا أنا بفارس مجتاز فرفعت رأسي فجعل الفارس يمرّ يده على رأسي ويدعو لي، فلمّا أن غبر أخبرت بأنّه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فهرولت حتّى لحقته وصاحبته، وذكر أنّه كان معه في تكريت وموضع من العراق يقال له: تل فلان بعد ذلك، وكان بين يديه يخدمه إلى أن قبض (عليه السلام) فخدم أولاده.
قال لي أحمد بن نوح: رأيت جماعة من أهل البلد ذكروا ذلك عنه قالوا: إنّا سمعنا آباءنا يخبرون عن أجدادنا بحال هذا الرجل وأنّه على هذه الصفة، وكان قد مضى فأقام بالأهواز ثمّ انتقل إليها لأذية الديلم له وهو مقيم بشهرود، وحدّثني بحديثه أيضا قوم من أهل شهرود ووصفوا الوصفة وقالوا هو يعمل الزنانير. انتهى(1045).
التاسع والعشرون من المعمّرين:
وفي البحار عن مكي بن أحمد قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم الطوسي يقول: وقد أتى عليه سبع وتسعون سنة على باب يحيى بن منصور قال:
رأيت سربايك ملك الهند في بلاد تسمّى صوح، فسألناه: كم أتى عليك من السنين؟ قال:
تسعمائة سنة وخمس وعشرون سنة، وهو مسلم فزعم أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) أنفذ إليه عشرة من أصحابه منهم حذيفة بن اليمان وعمرو بن العاص واسامة بن زيد وأبو موسى الأشعري وصهيب الرومي وسفينة وغيرهم يدعونه إلى الإسلام فأجاب وأسلم، وقبّل كتاب النبي (صلّى الله عليه وآله).
فقلت له: كيف تصلّي مع هذا الضعف؟ فقال لي: قال الله عزّ وجلّ (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وقُعُوداً وعَلى جُنُوبِهِمْ)(1046) الآية، فقلت له: ما طعامك؟ فقال لي: آكل ماء اللحم والكرّاث، وسألته: هل يخرج منك شيء؟ فقال: في كل اسبوع مرّة شيء يسير، وسألته عن أسنانه فقال: أبدلتها عشرين مرّة، ورأيت له في اسطبله شيئا من الدواب أكبر من الفيل يقال له زند فيل فقلت له: ما تصنع بهذا؟
قال: يحمل ثياب الخدم إلى القصار ومملكته مسيرة أربع سنين في مثلها، ومدينته طولها خمسون فرسخا في مثلها، وعلى كلّ باب منها عسكر مائة ألف وعشرين ألفا، إذا وقع في أحد الأبواب حدث خرجت تلك الفرقة إلى الحرب لا تستعين بغيرها وهو في وسط المدينة. وسمعته يقول: دخلت العرب فبلغت إلى الرمل، رمل عالج، وصرت إلى قوم موسى فرأيت سطوح بيوتهم مستوية وبيدر الطعام خارج القرية، يأخذون منه القوت والباقي يتركونه هناك، وقبورهم في دورهم وبساتينهم من المدينة على فرسخين ليس فيهم شيخ ولا شيخة، ولم أر فيهم علّة ولا يعتلون إلى أن يموتوا، ولهم أسواق إذا أراد الإنسان منهم شراء شيء صار إلى السوق فوزن لنفسه وأخذ ما يصيبه وصاحبه غير حاضر، وإذا أراد الصلاة حضروا فصلّوا وانصرفوا، لا يكون بينهم خصومة ولا كلام يكره إلّا ذكر الله عزّ وجلّ والصلاة وذكر الموت(1047).
قال الصدوق (رحمه الله): إذا كان عند مخالفينا مثل هذا الحال لسربايك ملك الهند فينبغي أن يحيلوا مثل ذلك في حجّة الله من التعمير، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم(1048).
الثلاثون من المعمّرين:
في الدمعة عن كنز الكراجكيّ عن معاوية بن فضلة: كنت في الوفد الذين وجّههم عمر بن الخطاب وفتحنا مدينة حلوان، وطلبنا المشركين في الشعب فلم نقدر(1049) عليهم، فحضرت الصلاة فانتهيت إلى ماء فنزلت عن فرسي، وأخذت بعنانه وتوضّأت وأذّنت فقلت: الله أكبر، فأجابني شيء من الجبل وهو يقول: كبرت تكبيرا، ففزعت لذلك فزعا شديدا ونظرت يمينا وشمالا فلم أر شيئا فقلت: أشهد أن لا إله إلّا الله، فأجابني وهو يقول: الآن حين أخلصت، فقلت: أشهد أنّ محمّدا رسول الله، فقال: نبي بعث، فقلت:
حي على الصلاة، فقال: فريضة افترضت، فقلت: حي على الفلاح، فقال: قد أفلح من أجابها واستجاب لها، فقلت: قد قامت الصلاة، فقال: البقاء لامّة محمّد وعلى رأسها تقوم الساعة.
فلمّا فرغت من أذاني ناديت بأعلى صوتي حتّى أسمعت ما بين لابتي الجبل فقلت: إنسي أم جنّي؟
قال: فأطلع رأسه من كهف الجبل فقال: ما أنا بجنّي ولكنّي إنسي، فقلت له: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا رزيب بن ثملا من حواريي عيسى ابن مريم، أشهد أنّ صاحبكم نبيّ وهو الذي بشّر به عيسى ابن مريم، ولقد أردت الوصول إليه فحالت فيما بيني وبينه فارس وكسرى وأصحابه، ثمّ أدخل رأسه في كهف الجبل فركبت دابتي ولحقت بالناس وسعد بن أبي وقاص أميرنا فأخبرته بالخبر فكتب بذلك إلى عمر بن الخطّاب فجاء كتاب عمر يقول:
الحق الرجل، فركب سعد وركبت معه حتّى انتهينا إلى الجبل فلم نترك كهفا ولا شعبا ولا واديا إلّا التمسناه فيه ولم نقدر عليه، وحضرت الصلاة.
فلمّا فرغت من صلاتي ناديت: يا صاحب الصوت الحسن والوجه الجميل قد سمعنا منك كلاما حسنا فأخبرنا من أنت يرحمك الله، أقررت بالله تعالى ووحدانيته فأنا عبد الله ووفد نبيّه. قال: فأطلع رأسه من كهف الجبل فإذا شيخ أبيض الرأس واللحية، له هامة كأنّه رحى فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. قلت: وعليك السلام ورحمة الله، من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا رزيب بن ثملا وصي العبد الصالح عيسى ابن مريم (عليه السلام)، كان سأل ربّه لي البقاء إلى نزوله من السماء، وقراري في هذا الجبل، وأنا موصيكم، سددوا وقاربوا، وإيّاكم وخصال لا تظهر في أمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) فإن ظهرت فالهرب الهرب، ليقوم أحدكم على نار جهنّم حتّى يطفأ عنه خير من البقاء في ذلك الزمان. الخبر(1050).
الحادي والثلاثون رجل معمّر ذو قلاقل، ذكر السيّد النسابة العلّامة علي بن عبد الحميد الحسيني النجفي (قدّس الله روحه) في كتابه المسمّى بالأنوار المضيئة في الحكمة الشرعية:
روى الجدّ السعيد عبد الحميد يرفعه إلى الرئيس أبي الحسن الكاتب البصري وكان من الأشدّاء الأدباء قال: سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة أشنت(1051) البرّ سنين عدّة وبعثت السماء درّها في أكناف البصرة وتسامع العرب بذلك، فوردوها من الأقطار البعيدة والبلاد النائية على اختلاف لغاتهم وتباين فطرهم، فخرجت مع جماعة من الكبار ووجوه التجار نتصفّح أحوالهم ولغاتهم ونلتمس فائدة ربّما وجدناها عند أحدهم، فارتفع لنا بيت عال فقصدناه فوجدنا في كسره شيخا جالسا قد سقطت حاجباه على عينيه كبرا، وحوله جماعة من عبيده وأصحابه فسلمنا عليه فردّ التحية وأحسن التلقية فقال له رجل منّا: هذا السيد - وأشار إليّ - هو الناظر في معاملة الدرب، وهو من الفصحاء وأولاد العرب وكذلك الجماعة، ما منهم إلا من ينتسب إلى قبيلة ويختص بسداد وفصاحة، وقد خرج وخرجنا معه حين ورد ثمّ نلتمس الفائدة المستطرفة من أحدكم، وحين شاهدناك رجونا ما نبغيه عندك لعلوّ سنك. فقال الشيخ: والله يا بني أخي: حيّاكم الله، إنّ الدنيا شغلتنا عمّا تبغونه منّي فإن أردتم الفائدة فاطلبوها عند أبي وهابيته، وأشار إلى بيت كبير بإزائه، فقلنا النظر إلى مثل والد هذا الشيخ أهم فائدة فلنتعجّل، فقصدنا ذلك البيت فوجدنا خباء في كسره شيخ مضطجع وحوله من الخدم والأمراء.
وفي ما شاهدناه أوّلا ورأينا عليه من آثار السن ما يجوز أن يكون والد ذلك الشيخ، فدنونا منه وسلّمنا عليه وأحسن الردّ وأكرم الجواب، فقلنا له مثل ما قلنا لابنه وما كان من جوابه، وأنّه دلّنا عليك فعرجنا بالقصد إليك فقال: يا بني أخي حيّاكم الله إنّ الذي شغل ابني عمّا التمستموه هو الذي شغلني عمّا هذه سبيلي، ولكن الفائدة تجدونها عند والدي وها هو بيته، وأشار إلى بيت منيف بنحوه منه، فقلنا فيما بيننا: حسبنا من الفوائد مشاهدة والد هذا الشيخ الفاني فإن كانت منه فائدة بعد ذلك فهي ربح لم تحتسب، فقصدنا ذلك الخباء فوجدنا حوله عددا كثيرا من الإماء والعبيد، فحين رأونا تسرعوا إلينا وبدءوا بالسلام علينا فقالوا: ما تبغون حيّاكم الله؟ فقلنا: نبغي السلام على سيّدكم وطلب الفائدة من عنده ببركتكم.
فقالوا: الفوائد كلّها عند سيّدنا ودخل منهم من يستأذن ثمّ خرج بالإذن لنا فدخلنا فإذا سرير في صدر البيت وعليه مخاد من جانبيه ووسادة في أوّله، على الوسادة رأس شيخ قد بلي وطار شعره، والإزار على المخاد التي من جانبي السرير لتستره ولا شغل منها عليه، فجهرنا بالسلام فأحسن الرد، وقال قائلنا مثل ما قال لولد ولده وأعلمناه أنّه أرشدنا إلى أبيه فحجنا بما احتج به وأنّ أباه أرشدنا إليك وبشّرنا بالفائدة منك، ففتح الشيخ عينين قد غارتا في أمّ رأسه وقال للخدم: أجلسوني، فلم تزل أيديهم تتهاداه بلطف إلى أن جلس وستر بالأزر التي طرحت على المخاد.
ثمّ قال لنا: يا بني أخي لاحدّثنّكم بخبر تحفظونه عنّي وتفيدون منه ما يكون فيه ثواب لي: كان والدي لا يعيش له ولد ويحب أن يكون له عاقبة، فولدت له على كبر ففرح بي وابتهج بمولدي ثمّ قضى ولي سبع سنين، فكفلني عمّي بعده وكان مثله في الحذر علي، فدخل بي يوما على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال له: يا رسول الله إنّ هذا ابن أخي وقد مضى أبوه لسبيله وأنا كفيل بتربيته، وإنّني أنفس به على الموت فعلّمني عوذة أعوذه بها ليسلم ببركتها.
فقال (صلّى الله عليه وآله): أين أنت عن ذات القلاقل. فقال: يا رسول الله وما ذات القلاقل؟ قال (صلّى الله عليه وآله): أن تعوذه فتقرأ عليه سورة الجحد (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) إلى آخرها، وسورة الاخلاص (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) الخ، وسورة الفلق (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) الخ، وسورة الناس (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) الخ.
وأنا إلى اليوم أتعوّذ بها كل غداة فما أصبت بولد ولا اصيب لي مال ولا مرضت ولا افتقرت، وقد انتهى بي السن إلى ما ترون فحافظوا عليها واستكثروا من التعوّذ بها، فسمعنا ذلك منه وانصرفنا من عنده.
وإذا كان شخص من بعض أمّة محمّد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ولع على التعوّذ بأربع سور من قصيرات أحد أجزاء القرآن فعمّر هذا العمر الطويل وبلغ ببركتها ما بلغ كما قيل، فما ظنّك بولد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الذي قد انتهى هذا القرآن وحكمه وفهمه وفوائده وعلمه إليه وهو القائم بإيضاحه وبيانه، أليس هو ولي المسلمين والإسلام وصاحب زمانه؟ فما المانع أن يكون قد أعطاه الله تعالى من الخاصية وجعل له من المزية طول التعمير والبقاء على مرّ الدهور والأعوام، ليقوم بما وجب في القرآن على المكلّفين من شرائع الإسلام وملّة جدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله)؟ وهل يجحد ذلك إلّا من طبع على قلبه فكان من أصحاب الشيطان وحزبه، اولئك الذين طبع الله على قلوبهم فأصمّهم وأعمى أبصارهم(1052).(1053)؟
الثاني والثلاثون: في العوالم عن عوالي اللئالي عن الشيخ جمال الدين حسن بن يوسف ابن مطهر قال: رويت عن مولانا شرف الدين إسحاق بن محمود اليماني القاضي بقم عن خاله مولانا عماد الدين محمد بن محمد بن فتحان القمي عن الشيخ صدر الدين السلوي قال: دخلت على الشيخ بابارتن وقد سقطت حاجباه على عينيه من الكبر فرفعهما عن عينيه فنظر إليّ وقال: ترى عينيّ هاتين، طال ما نظرتا إلى وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد رأيته يوم حفر الخندق وكان يحمل على ظهره التراب مع الناس وسمعته يقول في ذلك اليوم: اللهمّ إنّي أسألك عيشة هنيئة وميتة سوية ومردّا غير مخز ولا فاضح(1054).
وعن السيد الجليل صدر الدين السيد علي في صنوة الغريب(1055) عن قاضي القضاة نور الدين علي بن شريف محمد بن الحسين الحسيني الأثري الحنفي قال: حكى لي جدّي حسين بن محمد الحسيني في سنة إحدى وسبعمائة من الهجرة ما ترجمته بالعربية: إنّه مضى من عمري سبع أو ثماني عشرة سنة، فسافرت مع أبي وعمّي من خراسان إلى بلاد الهند للتجارة، فلمّا وصلنا إلى أوائل ملك هند وردنا مزرعة فقيل: إنّ هذه المزرعة للشيخ رتن بن كزبال بن رتن المترندي، فحططنا رحالنا عند شجرة يكفي ظلّها لأن يستظلّ فيه جماعة كثيرة، فاجتمع أهل المزرعة كلّهم عندنا وسلّمنا عليهم فردوا علينا السلام، فنظرنا بالفروع وأغصان هذه الشجرة فإذا بغصن من أغصانها زنفيل كبير معلّق فسألتهم عن الزنفيل وعمّا فيه وكيفيّته، قالوا: هذا مسكن الشيخ رتن وهو الذي أدرك زمان النبي (صلّى الله عليه وآله) وتشرّف بخدمته ودعا (صلّى الله عليه وآله) له بطول العمر ست مرّات، فالتمسنا منهم أن ينزلوا الزنفيل فأنزله من بينهم رجل هرم فرأيناه مملوءا من القطن، وفي وسطه الشيخ رتن قاعد مثل الدجاجة، فجعل هذا الرجل الهرم فمه عند اذنه وقال: يا جدّ إن جمعا من أهل خراسان وفيهم الشرفاء وولد النبي (صلّى الله عليه وآله) يسألونك كيف رأيت النبي (صلّى الله عليه وآله) وما قال لك، ثمّ تأوه وتكلّم بالفارسية وصوته كصوت النحل ونحن نسمع كلامه ونتميزه وترجمته بالعربية:
قال: سافرت مع أبي من هذه البلاد إلى الحجاز للتجارة، فلمّا وصلنا بواد من أودية مكّة وفيها ماء السبيل الكثير الغزير فرأينا شابّا وجيها كأنّ وجهه فلقة القمر وهو أسمر اللون، عمره عشرة أو اثنتا عشرة سنة، كان يرعى الإبل وقد حال الماء بينه وبين إبله وهو يريد العبور عن الماء وهو خائف على نفسه من ذلك، فلمّا وقفت بحاله أركبته على كتفي وجاوزته عن الماء وألحقته بإبله فنظر إليّ وقال لي بلسانه على ثلاث مرّات: بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، ثمّ اشتغلت بشغلي وتجارتي ورجعت إلى وطني ومضت عليّ سنون عديدة فإذا بليلة من الليالي وكانت ليلة إكمال القمر من الليالي البيض، كنت في مزرعتي هذه فإذا بالقمر انشق نصفين، وصار نصفه إلى المشرق ونصفه الآخر إلى المغرب، وعادا في محلّهما والتصقا فصارا قمرا كالأوّل، فتعجبنا من ذلك وما عرفنا كيف الحال إلى أن جاءت القوافل من سمت الحجاز، وأخبرونا بأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الذي ظهر في الحجاز طلبوا منه هذه المعجزة وصار كما طلبوا وأرادوا، فصرت مشتاقا لزيارة ذلك النبيّ (صلّى الله عليه وآله) المبعوث وسافرت إليه، فلمّا وصلت مكّة واستأذنت للدخول عليه، فدخلت عليه ورأيته وقد سطع النور من وجهه إلى السماء، وهو (صلّى الله عليه وآله) يأكل الرطب فسلّمت عليه وردّ عليّ، فبقيت من هيبته واقفا في مقامي ثمّ قال لي: كل الرطب فإنّ من المروّة الموافقة وإنّ من النفاق الزندقة، فقعدت وأكلت الرطب، وناولني بيده الشريفة رطبة واحدة ثمّ رطبة واحدة حتّى ناولني ستّا غير ما أخذته بيدي وأكلت، ثمّ نظر إليّ وتبسّم وقال (صلّى الله عليه وآله): لعلّك ما عرفتني، أنا ذلك الصبي الذي نجيته من ماء السيل الذي حال بيني وبين إبلي، فعرفته بتلك العلامة وقلت: نعم عرفتك يا حسن الوجه، ثمّ قال: مدّ يدك فمددت يدي وصافحته، فقال: قل: أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله، فقلت ذلك وأسلمت، ففرح بإسلامي فلمّا أردت الرجوع إلى بلدي واستأذنته به وأذن لي دعا لي وقال (صلّى الله عليه وآله) لي ثلاث مرّات: بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، فودّعته وفرحت بمحبّته إيّاي، واستجاب الله دعاءه لي وبارك في عمري ومضى من عمري أزيد من ستمائة سنة، وكل من كان في هذه المزرعة من نسلي وأولادي، وبدعائه (صلّى الله عليه وآله) تفضّل الله لي ولهم بكل الخير والبركة(1056).
أقول: لما ذكر قصّة شق القمر في ترجمة الشيخ رتن لا ضير بذكر بعض أخبار شقّ القمر:
وهو أن جناب المولوي محمد صاحب الحبشي ذكر في تصديق المسيح في جواب الپادري عند سؤاله عن شقّ القمر وكيفية وقوعه، نقلا عن سوانح الحرمين وكتب بالهندية ما ترجمته بالعربية وهو: أنّ رجلا هنديا كافرا يعبد الصنم وكان كبيرا في قومه، وصاحب الاقتدار في بلد دهار المتصلة ببحر چنبل صوبه مالون كان قاعدا في محلّه، وإذا قد صار القمر نصفين وتفرّق والتصق بعد ساعة، فسأل علماء مذهبه عن هذه الكيفية قالوا: في كتبنا مذكور أن نبيّا يظهر في العرب ومعجزته شقّ القمر، ثمّ أرسل هذا الرجل أمينه ومن هو في اموره العظيمة عميده، واستكشف حاله فآمن به، وسمّاه النبي (صلّى الله عليه وآله) عبد الله وله قبر معروف ومزار عام.
قصّة اخرى أيضا في تصديق المسيح عن المقالة الحادية عشرة من تاريخ فرشته: أنّ في مملكة مليپار كان يهودي من أولاد السامري الذي أبدع عبادة العجل في زمن موسى، وهو رأى شقّ القمر فتعجّب من هذه الواقعة العجيبة العظيمة، فاستعلم عن جمع من المعتمدين فعلم أنّه من معاجز النبي (صلّى الله عليه وآله) الامّي، فسافر إلى الحجاز وتشرّف بخدمته وآمن به ورجع إلى أن بلغ بلد ظفار فمات وقبره معلوم ومزاره عام.
الثالث والثلاثون:
سمعت من جمع أنّ من المعمّرين رجلا يسمّى نردوول في الكهف الذي من حوالي كابل من بلاد الأفاغنة من أهل السنّة والجماعة، فأردت كشف النقاب ورفع الحجاب عن هذا الأمر العجاب، واستفسرت عمّن له من علم السياحة والتواريخ سائغ وشراب، من الشيخ والشاب، والرعية والأرباب، والأدنين والأنجاب، والضبّاط والنوّاب، فأخبروني وصار بحيث ما بقي مجال شك ولا ارتياب أنّ بقدر ثمانية أو تسعة منازل إلى كابل كفّار، وأهل كابل يأخذون العبيد والإماء من أهل ذلك البلد، وهم معروفون بكفّار، سود اللباس مأكولهم لحم المعز ولبسهم جلد المعز، ويحرم عندهم نكاح الأرحام، وتمامهم من أولاد نردوول ونتائجه، وهو في كهف جبل من جبال ذلك البلد.
ونردوول هذا كان في عصر علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحضر غزوة من الغزوات، وجرح علي (عليه السلام) رأسه بضربته، وكلّما قرب أن يندمل جراحته يخرج من الكهف فإذا طير يسيح في الهواء ويعود جراحته ودائما مبتل بهذا البلاء ومأكوله كل يوم معزان؛ معز في النهار ومعز في العشاء، ويعطيه أهل البلد لكونهم من نتائجه، وحكى لي واحد من السيّاحين: إنّي حضرت عند باب الكهف لأراه وأعرف حاله وأنّه كيف هو، فرأيته جالسا جلسة القرفصاء بحيث كانت ركبتاه بحذاء صدره، وكان رأسي قائما محاذي ركبتيه، وهو في الكهف دائما يأكل وينام ويتغوّط فيه.
الرابع والثلاثون:
في المجمع الرائق تصنيف السيّد هبة الله الموسوي عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: إنّ داود (عليه السلام) خرج يقرأ الزبور، وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر إلّا أجابه، فانتهى إلى جبل فإذا على ذلك الجبل نبيّ عابد يقال له حزقيل، فلمّا سمع دويّ الجبال وأصوات السباع والطير علم أنّه داود (عليه السلام)، فقال داود: يا حزقيل تأذن لي فأصعد إليك؟
قال: لا. فبكى داود فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: يا حزقيل لا تعير داود وسلني العافية. قال:
فأخذ حزقيل بيد داود ورفعه إليه. فقال داود: يا حزقيل هل هممت بخطيئة قط؟ قال: لا.
قال: فهل دخلك العجب ممّا أنت من عبادة الله عزّ وجلّ؟ قال: لا. قال: فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت أن تأخذ من شهوتها ولذّتها؟ قال: بلى ربّما عرض ذلك بقلبي. قال: فما تصنع إذا كان ذلك؟ قال: أدخل هذا الشعب فأعتبر بما فيه. قال: فدخل داود الشعب فإذا سرير من حديد عليه جمجمة بالية وعظام فانية، وإذا لوح من حديد فيه كتابة فقرأها داود (عليه السلام) فإذا فيها: أنا ملكت ألف سنة وبنيت ألف مدينة وافتضضت ألف بكر، فكان آخر عمري أن صار التراب فراشي والحجارة وسادي والديدان والهوام جيراني، فمن رآني فلا يغترّ بالدنيا(1057).
في العوالم عن عوالي اللئالي بالإسناد إلى أحمد بن فهد عن بهاء الدين علي بن عبد الحميد عن يحيى بن نجل الكوفي عن صالح بن عبد الله اليمني وكان قدم الكوفة، قال يحيى: ورأيته بها سنة أربع وثلاثين وسبعمائة عن أبيه عبد الله اليمني، وأنّه كان من المعمّرين وأدرك سلمان الفارسي رضى الله عنه، وأنه روى عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة، ورأس العبادة حسن الظنّ بالله(1058).
روى أبو رواحة الأنصاري عن المغربي قال: كنت عند أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد أراد حرب معاوية، فنظر إلى جمجمة في جانب الفرات وقد أتت عليه، فمرّ عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) فدعاها فأجابته بالتلبية، وقد خرجت بين يديه وتكلّمت بكلام فصيح فأمرها بالرجوع فرجعت إلى مكانها كما كانت.
ولمّا فرغ من حرب نهروان أبصرنا جمجمة نخرة بالية فقال: هاتوها، فحرّكها بسوطه وقال: أخبرني من أنت فقير أم غني، شقيّ أم سعيد، ملك أم رعية؟ فقالت بلسان فصيح: يا أمير المؤمنين أنا كنت ملكا ظالما، فأنا پرويز بن هرمز ملك الملوك، ملكت مشارق الأرض ومغاربها وسهلها وجبلها وبحرها وبرّها، أنا الذي أخذت ألف مدينة في الدنيا وقتلت ألف ملك من ملوكها، يا أمير المؤمنين أنا الذي بنيت خمسين مدينة وفضضت خمسمائة ألف جارية بكر، واشتريت ألف عبد تركي وأرمني، وتزوّجت سبعين ألفا من بنات الملوك، وما من ملك في الأرض إلّا غلبته وظلمت أهله، فلمّا جاءني ملك الموت قال: يا ظالم يا طاغي خالفت الحقّ، فتزلزلت أعضائي وارتعدت فرائصي وعرض علي أهل حبسي فإذا هم سبعون ألفا من أولاد الملوك قد شقوا من حبسي، فلمّا رفع ملك الموت روحي سكن أهل الأرض من ظلمي، فأنا معذّب في النار أبد الآبدين، فوكّل الله لي سبعين ألف ألف من الزبانية، في يد كلّ واحد منهم مرزبة من نار لو ضربت على جبال أهل الأرض لاحترقت الجبال فتدكدكت، وكلّما ضربني الملك بواحدة من تلك المرازيب تشتعل فيّ النار فيحييني الله تعالى ويعذّبني بظلمي على عباده أبد الآبدين، وكذلك وكلّ الله تعالى بعدد كلّ شعرة في بدني حيّة تنهشني وعقربة تلدغني، وكلّ ذلك أحسّ به كالحيّ في دنياه فتقول لي الحيّات والعقارب: هذا جزاء ظلمك على عباده. فسكتت الجمجمة فبكى جميع عسكر أمير المؤمنين (عليه السلام) وضربوا على رءوسهم(1059).
وهو مشتمل على فروع:
الفرع الأوّل: أخبار أمّه.
في البحار عن بشر بن سليمان النحاس وهو من ولد أبي أيّوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد وجارهما بسر من رأى قال: أتاني كافور الخادم فقال: مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري يدعوك إليه فأتيته، فلمّا جلست بين يديه قال (عليه السلام) لي: يا بشر إنّك من ولد الأنصار وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مزكيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بسرّ أطلعك عليه وانفذك في ابتياع أمة، فكتب كتابا لطيفا بخطّ رومي ولغة رومية وطبع عليه خاتمه وأخرج شقّة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا فقال (عليه السلام): خذها وتوجّه إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وترى الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العبّاس وشرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك فأشرف من العبد على المسمّى عمر بن يزيد النخاس عامّة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين صفيفين(1060)، تمتنع من العرض ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها، وتسمع صرخة رومية من وراء ستر رقيق فاعلم أنّها تقول واهتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين عليّ ثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة فتقول بالعربية: لو برزت في زي سليمان بن داود وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك، فيقول النخاس: وما الحيلة ولا بدّ من بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس وقل له: إنّ معي كتابا ملطفا لبعض الأشراف كتب بلغة رومية وخط رومي ووصف فيه كرمه ووفاءه وسخاءه فناولها إيّاه لتتأمّل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.
قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية، فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا وقالت لعمر بن يزيد بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة والمغلظة أنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحّه في ثمنها حتّى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي من الدنانير، فاستوفاه وتسلّمت الجارية ضاحكة مستبشرة وانصرفت بها إلى الحجرة التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولانا (عليه السلام) من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدّها وتمسحه على بدنها، فقلت تعجّبا منها: تلثمين كتابا لا تعرفين صاحبه؟
فقالت: أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء، أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك:
أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم وأمّي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون، انبئك بالعجب أنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقوّاد العسكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهيّ ملكه عرشا مصاغا من أصناف الجواهر ورفعه فوق أربعين مرقاة، فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت الصلب وقامت الأساقفة عكفا ونشرت أسفار الإنجيل، تسافلت الصلب من الأعلى فلصقت الأرض وتقوّضت أعمدة العرش، فانهارت إلى القرار وخرّ الصاعد من العرش مغشيا عليه، فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم.
فقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني، فتطيّر جدّي من ذلك تطيرا شديدا وقال للأساقفة:
أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان وأحضروا أخا هذا المدبر العاهر المنكوس جدّه لازوّجه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، ولمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الأوّل وتفرّق الناس، وقام جدّي قيصر مغتمّا فدخل منزل النساء وارخيت الستور، ورأيت في تلك الليلة كأنّ المسيح (عليه السلام) وشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبرا من نور يباري السماء علوّا وارتفاعا في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه، ودخل عليه محمّد (صلّى الله عليه وآله) وختنه ووصيّه (عليه السلام) وعدّة من أبنائه فتقدّم المسيح إليه فاعتنقه، فقال له محمد (صلّى الله عليه وآله): يا روح الله إنّي جئتك خاطبا من وصيك شمعون فتاته مليكة لا بني هذا، وأومأ بيده إلى أبي محمد ابن صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلى شمعون وقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك إلى رحم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله).
قال: قد فعلت، فصعد ذلك المنبر فخطب محمّد (صلّى الله عليه وآله) وزوّجني من ابنه وشهد المسيح وشهد أبناء محمّد والحواريون، فلمّا استيقظت أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل، فكنت أسرّها ولا ابديها لهم وضرب صدري بمحبّة أبي محمد (عليه السلام) حتى امتنعت من الطعام والشراب فضعفت نفسي ودقّ شخصي ومرضت مرضا شديدا، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلّا أحضره جدّي وسأله عن دوائي، فلمّا برح به اليأس قال:
يا قرّة عيني هل يخطر ببالك شهوة فأزودكها في هذه الدنيا؟
فقلت: يا جدّي أرى أبواب الفرج علي مغلقة فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككت عنهم الأغلال وتصدّقت عليهم ومنيتهم الخلاص، رجوت أن يهب المسيح وأمّه عافية، فلمّا فعل ذلك تجلّدت في إظهار الصحّة من بدني قليلا وتناولت يسيرا من الطعام، فسر بذلك وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم، فرأيت أيضا بعد أربع عشرة ليلة كأنّ سيّدة نساء العالمين قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف من وصائف الجنان فتقول لي مريم: هذه سيّدة النساء (عليها السلام) أمّ زوجك أبي محمّد (عليه السلام)، فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد من زيارتي، فقالت سيّدة النساء (عليها السلام): إنّ ابني أبا محمّد لا يزورك وأنت مشركة بالله على مذهب النصارى، وهذه اختي مريم بنت عمران تبرأ إلى الله من دينك فإن ملت إلى رضاء الله تعالى ورضا المسيح وزيارة أبي محمّد إيّاك فقولي: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ أبي محمّدا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني إلى صدرها سيّدة نساء العالمين، وطيّبت نفسي وقالت: الآن توقعي زيارة أبي محمّد وإنّي منفذة إليك، فانتبهت وأنا أقول وأتوقّع لقاء أبي محمّد، فلمّا نمت من الليلة القابلة رأيت أبا محمّد (عليه السلام) وكأنّي أقول: قد جفوتني يا حبيبي بعد أن أتلفت نفسي معالجة حبّك، فقال: ما كان تأخّري عنك إلّا لشركك، فقد أسلمت وأنا زائرك في كلّ ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.
قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الأسارى؟ فقالت: أخبرني أبو محمّد (عليه السلام) ليلة من الليالي أنّ جدّك سيسيّر جيشا إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا ثمّ يتبعهم فعليك باللحاق بهم متنكّرة في زي الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا، ففعلت ذلك فوقفت علينا طلائع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وشاهدت، وما شعر بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك وذلك بإطلاعي إيّاك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت: نرجس اسم الجواري. قلت: العجب أنّك رومية ولسانك عربي! قالت: نعم من ولع جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمانة له في الاختلاف إليّ، وكانت تقصدني صباحا ومساء وتفيدني العربية حتّى استمر لساني عليها واستقام.
قال بشر: فلمّا انكفأت بها إلى سرّ من رأى دخلت على مولاي أبي الحسن (عليه السلام) فقال: أراك الله عزّ الإسلام وذلّ النصرانية وشرف محمّد وأهل بيته. قالت: كيف أصف لك يا بن رسول الله ما أنت أعلم به منّي. قال (عليه السلام): فإنّي احبّ أن اكرمك فأيّما أحبّ إليك أصف لك يا بن رسول الله ما أنت أعلم به منّي. قال (عليه السلام): فإنّي احبّ أن اكرمك فأيّما أحبّ إليك عشرة آلاف دينار أم بشرى لك بشرف الأبد؟ قالت: بشرى بولد لي. قال لها: أبشري بولد يملك الدنيا شرقا وغربا ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. قالت: ممن؟ قال: ممّن خطبك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) له ليلة كذا في شهر كذا من سنة كذا بالرومية، قال لها: ممّن زوّجك المسيح ووصيّه؟ قالت: من ابنك أبي محمّد (عليه السلام). فقال: هل تعرفينه؟ قالت: وهل خلت ليلة لم يزرني فيها، منذ الليلة التي أسلمت على يد سيّدة النساء (عليها السلام). قال: فقال مولانا: يا كافور ادع اختي حكيمة (رض)، فلمّا دخلت قال لها: ها هيه واعتنقتها طويلا ومالت بها كثيرا، فقال لها أبو الحسن: يا بنت رسول الله خذيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن، فإنّها زوجة أبي محمّد وأمّ القائم (عجّل الله فرجه)(1061).
الفرع الثاني أخبار تولّده (عجّل الله فرجه)
في إرشاد المفيد: كان الإمام القائم (عليه السلام) بعد أبي محمد ابنه المسمّى باسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المكنّى بكنيته، ولم يخلف أبوه ولدا ظاهرا ولا باطنا غيره، وخلّفه غائبا مستترا وكان مولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وأمّه أمّ ولد يقال لها نرجس، وكان سنّه عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة وفصل الخطاب وجعله آية للعالمين، وآتاه الله الحكمة كما آتاها يحيى صبيا، وجعله إماما في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسى ابن مريم في المهد نبيّا، وله قبل قيامه غيبتان: إحداهما أطول من الاخرى كما جاءت بذلك الأخبار؛ فأمّا القصرى منهما منذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة، وأمّا الطولى فهي بعد الاولى وفي آخرها يقوم بالسيف، قال الله عزّ وجلّ (ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ونُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ونُرِيَ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(1062) وقال جلّ اسمه (ولَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(1063) وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لن تنقضي الأيّام والليالي حتّى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطي اسمه اسمي يملؤها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا(1064).
وفي البحار عن محمّد بن عبد الله المطهري قال: قصدت حكيمة بنت محمد بعد مضيّ أبي محمد أسألها عن الحجّة وما قد اختلفت فيه الناس من الحيرة التي هم فيها. فقالت لي:
اجلس، فجلست، ثمّ قالت لي: يا محمد إنّ الله تبارك وتعالى لا يخلي الأرض من حجّة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام) تفضيلا للحسن والحسين وتمييزا لهما أن يكون في الأرض عديلهما، إلّا أنّ الله تبارك وتعالى خصّ ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن كما خصّ ولد هارون على ولد موسى وإن كان موسى حجّة على هارون والفضل لولده إلى يوم القيامة. ولا بدّ للامّة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقّقون لئلّا يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل، وإنّ الحيرة لا بدّ واقعة بعد مضيّ أبي محمّد الحسن (عليه السلام).
فقلت: يا مولاتي هل كان للحسن ولد؟ فتبسّمت ثمّ قالت: إذا لم يكن للحسن عقب فمن الحجّة من بعده، وقد أخبرتك أنّ الإمامة لا تكون للأخوين بعد الحسن والحسين. فقلت: يا سيّدتي حدّثيني بولادة مولاي وغيبته؟ قالت: نعم، كانت لي جارية يقال لها نرجس فزارني ابن أخي وأقبل يحدّ النظر إليها فقلت له: يا سيدي لعلّك هويتها فأرسلها إليك؟ فقال: لا يا عمّة لكن أتعجّب منها. فقلت: وما أعجبك؟ فقال (عليه السلام): سيخرج منها ولد كريم على الله عزّ وجلّ الذي يملأ الله به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما. قلت: فأرسلها إليك يا سيّدي؟ فقال: استأذني في ذلك أبي (عليه السلام).
قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن فسلّمت وجلست فبدأني وقال: حكيمة ابعثي بنرجس إلى ابني أبي محمّد. قالت: فقلت: يا سيدي على هذا قصدتك أن أستأذنك في ذلك، فقال: يا مباركة إنّ الله تبارك وتعالى أحبّ أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيبا. قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزيّنتها ووهبتها لأبي محمّد وجمعت بينه وبينها في منزلي، فأقام عندي أيّاما ثمّ مضى إلى والده ووجّهت بها معه، قالت حكيمة: فمضى أبو الحسن وجلس أبو محمد مكان والده، وكنت أزوره كما كنت أزور والده فجاءتني نرجس يوما تخلع خفي وقالت: يا مولاتي ناوليني خفك.
فقلت: بل أنت سيدتي ومولاتي، والله ما رفعت إليك خفّي لتخلعيه لا خدمتني، بل أخدمك على بصري، فسمع أبو محمد ذلك، فقال: جزاك الله خيرا يا عمّة، فجلست عنده إلى غروب الشمس فصحت بالجارية وقلت: ناوليني ثيابي لأنصرف، فقال: يا عمّتاه بيتي الليلة عندنا فإنّه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عزّ وجلّ، الذي يحيي الله عزّ وجلّ به الأرض بعد موتها، قلت: ممّن يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئا من أثر الحمل؟ فقال: من نرجس لا من غيرها. قالت: فوثبت إلى نرجس فقلبتها ظهرا لبطن فلم أر بها أثرا من حمل، فعدت إليه فأخبرته بما فعلت، فتبسّم ثمّ قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحمل؛ لأنّ مثلها مثل أمّ موسى لم يظهر بها الحمل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها؛ لأنّ فرعون كان يشقّ بطون الحبالى في طلب موسى وهذا نظير موسى.
قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلب جنبا إلى جنب، حتّى إذا كان في آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبت فزعة فضممتها إلى صدري وسمّيت عليها فصاح أبو محمد وقال: اقرئي عليها: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وقلت لها: ما حالك؟ قالت: ظهر الأمر الذي أخبرك به مولاي، فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ كما أقرأ وسلّم علي.
قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت، فصاح لي أبو محمد: لا تعجبي من أمر الله عزّ وجلّ، إنّ الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغارا ويجعلنا حجّة في أرضه كبارا، فلم يستتم الكلام حتّى غيّبت عنّي نرجس فلم أرها، كأنّه ضرب بيني وبينها حجاب، فعدوت نحو أبي محمّد وأنا صارخة فقال لي: ارجعي يا عمّة فإنّك ستجدينها في مكانها.
قالت: فرجعت فلم ألبث أن كشف الحجاب بيني وبينها وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشّى بصري، وإذا أنا بالصبي ساجدا على وجهه جاثيا على ركبتيه رافعا سبابتيه نحو السماء وهو يقول: (أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ جدّي رسول الله وأنّ أبي أمير المؤمنين،) ثمّ عدّ إماما إماما إلى أن بلغ إلى نفسه فقال (عجّل الله فرجه): اللهمّ أنجز لي وعدي وأتمم لي أمري وثبّت وطأتي واملأ الأرض بي عدلا وقسطا. فصاح أبو محمّد الحسن (عليه السلام) فقال: يا عمّة تناوليه فهاتيه، فتناولته وأتيت به نحوه، فلمّا مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي، سلّم على أبيه فتناوله الحسن والطير ترفرف على رأسه فصاح بطير منها فقال له:
احمله واحفظه وردّه إلينا في كل أربعين يوما فتناوله الطائر وطار به في جوّ السماء، واتبعه سائر الطير، وسمعت أبا محمد يقول: استودعتك الذي استودعته أمّ موسى موسى، فبكت نرجس فقال لها: اسكتي فإنّ الرضاع محرم عليه إلّا من ثديك وسيعاد إليك كما ردّ موسى إلى أمّه، وذلك قوله عزّ وجلّ: (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها ولا تَحْزَنَ)(1065).
قالت حكيمة: فقلت: ما هذا الطائر؟ قال: هذا روح القدس الموكّل بالأئمّة، يوفقهم ويسدّدهم ويربيهم بالعلم. قالت حكيمة: فلمّا أن كان بعد أربعين يوما ردّ الغلام ووجّه إليّ ابن أخي فدعاني فدخلت عليه فإذا أنا بصبي متحرّك يمشي بين يديه فقلت: سيدي هذا ابن سنتين؟ فتبسّم (عليه السلام) ثمّ قال: إنّ أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمّة ينشئون بخلاف ما ينشأ غيرهم، وإنّ الصبي منّا إذا أتى عليه شهر كان كمن يأتي عليه سنة، وإنّ الصبي منّا ليتكلّم في بطن أمّه ويقرأ القرآن ويعبد ربّه عزّ وجلّ، وعند الرضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليهم صباحا ومساء.
قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبي كلّ أربعين يوما إلى أن رأيته رجلا قبل مضيّ أبي محمّد (عليه السلام) بأيّام قلائل فلم أعرفه فقلت لأبي محمّد: من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال: ابن نرجس وخليفتي من بعدي وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي. قالت حكيمة: فمضى أبو محمّد بأيّام قلائل وافترق الناس كما ترى، والله إنّي لأراه صباحا ومساء وإنّه لينبئني عمّا تسألونني عنه فأخبركم، وو الله إنّي لاريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني به، وإنّه ليرد عليّ الأمر فيخرج إليّ منه جوابه من ساعته من غير مسألتي، وقد أخبرني البارحة بمجيئك إليّ وأمرني أن اخبرك بالحقّ. قال محمّد بن عبد الله: فو الله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطّلع عليها إلّا الله عزّ وجلّ، فعلمت أنّ ذلك صدق وعدل من الله تعالى، وأنّ الله عزّ وجلّ قد أطلعه على ما لم يطلع عليه أحدا من خلقه(1066).
الفرع الثالث في ذكر بعض المعترفين بولادته من أهل السنّة والجماعة
اعلم أيّها الطالب للحقّ والإنصاف أنّ في خصوص تولّده (عجّل الله فرجه) في سر من رأى أنّه وهو ابن الحسن العسكري لا يكاد يوجد منكر من طرف الخاصّة. وأمّا من طرف أهل السنّة فالمعترفون بولادته في سر من رأى من نرجس في سنة خمس وخمسين ومائتين، بل غيبته في السرداب من المعروفين الموثقين كثير بحيث لا يكاد يحصى عددهم، ونحن نذكر جلّا منهم:
الأوّل:
أبو سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي النصيبي: ولا يكاد يوجد منكر من أهل السنّة والجماعة لنفسه ولكتابه المسمّى بمطالب السئول، قال في كتابه: الباب الثاني عشر في أبي القاسم م ح م د بن الحسن الخالص بن علي المتوكّل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين (عليه السلام) بن أبي طالب، المهدي الحجّة الخلف الصالح المنتظر (عجّل الله فرجه) ورحمة الله وبركاته:
فهذا الخلف الحجّة قد أيّده الله * * * هدانا منهج الحق وآتاه سجاياه
وأعلاه ذرى العليا وبالتأييد رقّاه * * * وآتاه حلى فضل عظيم فتحلاه
وقد قال رسول الله قولا قد رويناه * * * وذو العلم بما قال إذا أدركت معناه
يرى الأخبار في المهدي جاءت بمسمّاه * * * وقد أبداه بالنسبة والوصف وسمّاه
ويكفي قوله: مني لإشراق محياه * * * ومن بضعته الزهراء مجراه ومرساه
ولن يبلغ ما اوتيه أمثال وأشباه * * * فإن قالوا هو المهدي ما ماتوا بما فاهوا
قد وقع من النبوّة في أكناف عناصرها ورضع من الرسالة أخلاف أواصرها وترع من القرابة بسجال معاصرها، وبرع في صفات الشرف فعقدت عليه بخناصرها، فاقتنى من الأنساب شرف نصابها، واعتلا عند الانتساب على شرف أحسابها، واجتنى جنا الهداية من معادنها وأسبابها؛ فهو من ولد الطهر البتول، المجزوم بكونها بضعة من الرسول (صلّى الله عليه وآله)، فالرسالة أصلها وإنّها لأشرف العناصر والاصول، فأمّا مولده فبسرّ من رأى في الثالث والعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة. وأمّا نسبه أبا وامّا فأبوه الحسن الخالص بن علي المتوكّل - إلى أن قال: ابن علي المرتضى أمير المؤمنين - إلى أن قال: وأمّا اسمه فمحمّد وكنيته أبو القاسم ولقبه الحجّة والخلف الصالح، وقيل: المنتظر(1067).
الثاني:
أبو عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي الذي يعبّر عنه ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة: بالإمام الحافظ، ووثّقه وبجّله جمع من العلماء، ولا يوجد له معارض في أهل السنّة والجماعة قال في كتابه كفاية الطالب بعد ذكر تاريخ ولادة أبي محمّد (عليه السلام) ووفاته: وخلّف ابنه، وهو الإمام المنتظر(1068).
وفي كتابه البيان بعد ذكر الأئمّة من ولد أمير المؤمنين (عليه السلام) ما لفظه: وخلّف - يعني علي الهادي - من الولد أبا محمد الحسن ابنه. ثمّ ذكر تاريخ ولادته ووفاته وقال: ابنه وهو الحجّة الإمام المنتظر، وكان قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وخوف السلطان. والباب الرابع والعشرون منه في الدلالة على جواز بقاء المهدي (عجّل الله فرجه) منذ غيبته(1069).
الثالث:
نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي، ووثّقه وبجّله جلّ من العلماء منهم محمد بن عبد الرّحمن السخاوي البصري تلميذ الحافظ ابن حجر العسقلاني، قال في الفصول المهمّة: الفصل الثاني عشر في ذكر أبي القاسم الحجّة الخلف الصالح ابن أبي محمد الحسن الخالص، وهو الإمام الثاني عشر وتاريخ ولادته ودلائل إمامته(1070).
الرابع:
شمس الدين يوسف بن قزأغلي بن عبد الله البغدادي الحنفي، سبط العالم الواعظ أبي الفرج عبد الرّحمن بن جوزي في آخر كتابه الموسوم بتذكرة خواص الامّة بعد ترجمة العسكري (عليه السلام): ذكر أولاده منهم (م ح م د) الإمام فقال هو (م ح م د) بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم، وهو الخلف الحجّة صاحب الزمان القائم والمنتظر والتالي، وهو آخر الأئمّة(1071).
الخامس:
الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي في الباب السادس والستّين وثلاثمائة من الفتوحات: واعلموا أنّه لا بدّ من خروج المهدي (عجّل الله فرجه) لكن لا يخرج حتّى تمتلئ الأرض جورا وظلما فيملأها قسطا وعدلا، ولو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد طوّل الله ذلك اليوم حتّى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من ولد فاطمة (عليها السلام)، جدّه الحسين ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ووالده الحسن العسكري بن الإمام علي النقي - بالنون - بن الإمام محمد التقي - بالتاء - بن الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، يبايعه المسلمون ما بين الركن والمقام، يشبه رسول الله في الخلق - بفتح الخاء - وينزل عنه في الخلق - بضمّها - إذ لا يكون أحد مثل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أخلاقه، والله تعالى يقول: (وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(1072) وهو أجلى الجبهة، أقنى الأنف، أسعد الناس به أهل الكوفة يقسم المال بالسوية ويعدل في الرعية، يمشي الخضر بين يديه، يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا، يقفو أثر رسول الله، له ملك يسدّده من حيث لا يراه، يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألفا من المسلمين، يعزّ الله به الإسلام بعد ذلّه، ويحييه بعد موته، ويضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف فمن أبى قتل ومن نازعه خذل، يحكم بالدين الخالص عن الرأي. إلى آخر كلامه(1073).
السادس:
الشيخ العارف عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني في كتابه المسمّى باليواقيت، وهو بمنزلة الشرح لتعلّقات الفتوحات، وهذا كتابه تلقّاه العلماء بالقبول. قال في المبحث الخامس والستّين من الجزء الثاني من الكتاب المذكور: في بيان أنّ جميع أشراط الساعة التي أخبرنا بها الشارع حقّ لا بدّ أن تقع كلّها قبل قيام الساعة، وذلك لخروج المهدي (عجّل الله فرجه) ثمّ الدجّال ثمّ نزول عيسى - إلى أن قال - إلى انتهاء الألف، ثمّ تأخذ في ابتداء الاضمحلال إلى أن يصير الدين غريبا كما بدأ، وذلك الاضمحلال يكون بدايته من مضي ثلاثين سنة من القرن الحادي عشر، فهناك يترقّب خروج المهدي (عجّل الله فرجه)، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى ابن مريم فيكون عمره إلى وقتنا هذا - وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة - سبعمائة وثلاث سنين(1074).
السابع:
نور الدين عبد الرّحمن بن قوام الدين الدشتي الجامي الحنفي في شواهد النبوّة(1075)، وهو كتاب جليل معتمد، وفي هذا الكتاب جعل الحجّة ابن الحسن (عليه السلام) الإمام الثاني عشر، ذكر غرائب حالات ولادته وبعض معاجزه وأنّه الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا، وروى عن حكيمة عمّة أبي محمّد الزكي أنّها قالت: كنت يوما عند أبي محمّد (عليه السلام) فقال: يا عمّة بيتي الليلة فإنّ الله يعطينا خلفا. فقلت: ممّن؟ فإنّي لا أرى في نرجس أثر الحمل. فقال (عليه السلام): يا عمّة مثل نرجس مثل أمّ موسى لا يظهر حملها إلّا في وقت الولادة(1076)، إلى آخر حال تولّده كما ذكر في غصن تولّده (عجّل الله فرجه) باختلاف ما روي عن غير واحد رؤيتهم إيّاه في حال حياة أبي محمّد (عليه السلام)، وحكاية المبعوثين من قبل المعتمد على قتله (عليه السلام).
الثامن:
الحافظ محمد بن محمد بن محمود البخاري المعروف بخواجة پارسا من أعيان علماء الحنفية في كتابه فصل الخطاب: ولمّا زعم أبو عبد الله جعفر بن أبي الحسن علي الهادي رضى الله عنه أنّه لا ولد لأخيه أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) وادّعى أنّ أخاه الحسن العسكري جعل الإمامة فيه سمّي الكذّاب، وهو معروف بذلك، والعقب من ولد جعفر بن علي هذا في علي بن جعفر، وعقب علي هذا ثلاثة: عبد الله وجعفر وإسماعيل، وأبو محمد الحسن العسكري ولده م ح م د (عليه السلام) معلوم عند خاصّة خواص أصحابه وثقات أهله. ثمّ جر الكلام في ذكر رواية تولّده عن حكيمة بنت أبي جعفر محمد الجواد كما في ترجمة عبد الرّحمن الجامي قبيل ذلك باختلاف يسير(1077).
التاسع:
الحافظ أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس في أربعينه(1078) المعروف في الحديث الرابع عن أحمد بن نافع البصري قال: حدّثني أبي وكان خادما للإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: حدّثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر قال: حدّثني أبي جعفر الصادق (عليه السلام) قال: حدّثني أبي باقر علوم الأنبياء محمّد بن علي قال: حدّثني أبي سيّد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) قال: حدّثني أبي سيّد الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام) قال:
حدّثني سيّد الأوصياء علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه قال: قال لي أخي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ وهو مقبل عليه غير معرض عنه فليتولّ عليا، ومن سرّه أن يلقى الله وهو راض عنه فليتولّ ابنك الحسن، ومن أحب أن يلقى الله عزّ وجلّ ولا خوف عليه فليتولّ ابنك الحسين، ومن أحب أن يلقى الله وهو يحطّ عنه ذنوبه فليتولّ علي بن الحسين (عليه السلام) فإنّه كما قال الله تعالى: (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)(1079) من أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ وهو قرير العين فليتولّ محمد بن علي (عليه السلام)، ومن أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ فيعطيه كتابه بيمينه فليتولّ جعفر بن محمد، ومن أحبّ أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتولّ موسى بن جعفر النور الكاظم، ومن أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ وهو ضاحك فليتولّ علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ومن أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ وقد رفعت درجاته وبدّلت سيّئاته حسنات فليتولّ ابنه محمدا، ومن أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ فيحاسبه حسابا يسيرا، ويدخله جنّة عرضها السموات والأرض فليتولّ ابنه عليّا، ومن أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ وهو من الفائزين فليتولّ ابنه الحسن العسكري، ومن أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ وقد كمل إيمانه وحسن إسلامه فليتولّ ابنه صاحب الزمان المهدي (عجّل الله فرجه)؛ فهؤلاء مصابيح الدجى وأئمّة الهدى وأعلام التقى فمن أحبّهم وتولّاهم كنت ضامنا له على الله الجنّة(1080).
العاشر:
أبو المجد عبد الحقّ الدهلوي البخاري قال في رسالته في المناقب وأحوال الأئمّة الأطهار بعد ذكر أمير المؤمنين والحسنين والسجّاد والباقر والصادق: وهؤلاء من أهل البيت وقع لهم ذكر في الكتاب - إلى أن قال - ولقد تشرّفا بذكرهم جميعا في الرسالة المنفردة الخ. فقال في الرسالة: وأبو محمد العسكري، ولده (م ح م د) معلوم عند خواص أصحابه وثقاته. ثمّ نقل قصّة الولادة بالفارسية على طبق ما مرّ عن فصل الخطاب للخواجة محمّد پارسا(1081).
الحادي عشر:
السيّد جمال الدين عطاء الله بن السّيد غياث الدين فضل الله بن السيّد عبد الرّحمن المحدث المعروف صاحب كتاب: روضة الأحباب بالفارسية: إمام دوازدهم (م ح م د) بن الحسن (عليه السلام) تولد همايون آن در درج ولايت وجوهر معدن هدايت در منتصف شعبان سنة دويست وپنجاه وپنج در سامره اتفاق افتاد وگفته شده در بيست وسيم از شهر رمضان سنة دويست وپنجاه وهشت ومادر آن عالى عالى گهر امّ ولد بوده ومسماة بصيقل يا سوسن وقيل: نرجس وقيل: حكيمة، وآن إمام ذو الاحترام در كنيت با حضرت خير الأنام عليه وآله تحف السلام موافقت دارد ومهدي منتظر والخلف الصالح وصاحب الزمان در ألقاب أو منتظم است در وقت وفات پدر (عليه السلام) بزرگوار خود بروايتى كه بصحت اقربست پنجساله بود وبقول ثانى دوساله وحضرت واهب العطايا آن شكوفه گلزار را مانند يحيى بن زكريا (سلام الله عليهما) در حالت طفوليت حكمت كرامت فرموده ودر وقت صبا به مرتبه بلند إمامت رسانيده وصاحب الزمان يعنى مهدى دوران در زمان معتمد خليفه در سنه دويست وشصت وپنج يا شصت وشش على اختلاف القولين در سردابه سر من رأى أز نظر فرق برا يا غائب شد، وبعد ذكر كلماتى چند درباره آن جناب ونقل بعضى روايات صريحه در آنكه مهدى موعود همان حجة بن الحسن العسكري است(1082).
الثاني عشر:
الحافظ بن محمد أحمد بن إبراهيم بن هاشم الطوسي البلاذري في مسلسلاته: أخبرني فريد عصره الشيخ حسن بن علي العجمي، أنا(1083) حافظ عصره جمال الدين الباهلي، أنا مسند وقته محمد الحجازي الواعظ، أنا صوفي زمانه الشيخ عبد الوهاب الشعراني، أنا مجتهد عصره الجلال السيوطي، أنا حفظ عصره أبو نعيم رضوان العقبي، أنا معرفي زمانه الشيخ محمد بن الجوزي، أنا الإمام جلال الدين محمد بن محمد بن الجمال زاهد عصره، أنا الإمام محمد بن مسعود محدث بلاد فارس في زمانه، أنا شيخنا إسماعيل ابن مظفر الشيرازي عالم وقته، أنا عبد السلام بن أبي الربيع الحنفي محدّث زمانه، أنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن شابور القلانسي شيخ عصره، أنا عبد العزيز، حدثنا(1084) محمد الأمّي إمام أوانه، أنا سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان نادرة عصره، حدثنا أحمد بن محمد بن هاشم البلاذري حافظ زمانه، حدثنا (م ح م د) بن الحسن المحجوب إمام عصره، حدثنا الحسن بن علي عن أبيه عن جدّه عن أبي جدّه علي بن موسى الرضا، حدثنا موسى الكاظم قال: حدثنا أبي جعفر الصادق، حدثنا أبي محمد الباقر بن علي، حدثنا علي بن الحسين زين العابدين السجّاد، حدثنا أبي الحسين سيّد الشهداء (عليه السلام)، حدثنا أبي علي بن أبي طالب سيّد الأولياء، قال: أخبرنا سيّد الأنبياء محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) قال: أخبرني جبرئيل سيّد الملائكة قال: قال الله تعالى سيّد السادات: إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا، من أقرّ لي بالتوحيد دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي.
الثالث عشر:
الشيخ العالم الأريب الأوحد أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن الخشّاب عن صدقة بن موسى، حدّثنا أبي شهاب الدين المعروف بملك العلماء عن الرضا (عليه السلام) الخلف الصالح من ولد أبي محمد الحسن بن علي، وهو صاحب الزمان وهو المهدي. وعن هارون بن موسى عن أبيه موسى قال: قال سيّدي جعفر بن محمّد (عليه السلام):
الخلف الصالح من ولدي هو المهدي، اسمه م ح م د وكنيته أبو القاسم يخرج في آخر الزمان يقال لامّه صيقل، وفي رواية، بل أمّه حكيمة، وفي رواية اخرى ثالثة يقال لها:
نرجس، ويقال بل سوسن، والله أعلم بذلك(1085).
الرابع عشر:
شهاب الدين بن شمس(1086) الدين بن عمر الهندي المعروف بملك العلماء، صاحب التفسير الموسوم بالبحر المواج قال في كتابه الموسوم ب (هداية السعداء)(1087):
ويقول أهل السنّة: إنّ خلافة الخلفاء الأربعة ثابتة بالنص، كذا في عقيدة الحافظية، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): خلافتي ثلاثون سنة، وقد تمّت بعلي وكذا خلافة الأئمّة الاثني عشر أوّلهم:
الإمام علي كرّم الله وجهه، وفي خلافته ورد حديث: الخلافة ثلاثون سنة، والثاني: الإمام الشاه حسن رضي الله عنه، قال (صلّى الله عليه وآله): هذا ابني سيّد سيصلح بين المسلمين، والثالث: الإمام الشاه حسين (عليه السلام)، قال (صلّى الله عليه وآله): هذا ابني ستقتله الباغية، وتسعة من ولد الشاه حسين، قال (صلّى الله عليه وآله): بعد الحسين بن علي كانوا من أبنائه تسعة أئمّة آخرهم القائم.
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: دخلت على فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبين يديها ألواح فيها أسماء أئمّة من ولدها فعددت أحد عشر اسما آخرهم القائم. ثمّ أورد على نفسه سؤالا أنّه لم يدّع زين العابدين الخلافة فأجاب عنه بكلام طويل حاصله: أنّه رأى ما فعل بجدّه أمير المؤمنين وأبيه (عليها السلام) من الخروج والقتل والظلم، وسمع أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) رأى في منامه أن أجرية الكلاب تصعد على منبره وتعوي فحزن فنزل عليه جبرئيل بالآية (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) وهي مدّة ملك بني امية وتسلّطهم على عباد الله، فخاف وسكت إلى أن يظهر المهدي من ولده فيرفع الألوية ويخرج السيف فيملأ الأرض عدلا وقسطا إلى أن قال:
وأوّلهم الإمام زين العابدين والثاني الإمام محمد الباقر والثالث الإمام جعفر الصادق (عليهم السلام) والرابع الإمام موسى الكاظم ابنه، والخامس علي الرضا ابنه، والسادس الإمام محمّد التقي ابنه، والسابع الإمام علي النقي ابنه، والثامن الإمام الحسن العسكري ابنه، والتاسع الإمام حجّة الله القائم الإمام المهدي ابنه، وهو غائب وله عمر طويل، كما بين المؤمنين عيسى وإلياس وخضر، وفي الكافرين الدجّال والسامري(1088).
الخامس عشر:
الشيخ العالم المحدّث علي المتقي ابن حسام الدين ابن القاضي عبد الملك بن قاضي خان القرشي من كبار العلماء، وقد مدحوه في التراجم ووصفوه بكل جميل قال في كتاب المرقاة في شرح المشكاة بعد ذكر حديث اثني عشرية الخلفاء؛ قلت:
وقد حملت الشيعة الاثني عشر على أنّهم من أهل بيت النبوّة متوالية أعمّ من أن بهم خلافة حقيقة، يعني ظاهرا أو استحقاقا؛ فأوّلهم علي ثمّ الحسن والحسين فزين العابدين فمحمد الباقر فجعفر الصادق فموسى الكاظم فعليّ الرضا فمحمّد التقي فعليّ النقي فحسن العسكري (عليهم السلام)، فمحمّد المهدي (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين)، على ما ذكرهم صاحب زبدة الأولياء خواجه محمد پارسا في كتاب فصل الخطاب مفصّلا، وتبعه مولانا نور الدين عبد الرّحمن الجامي في أواخر شواهد النبوّة، وذكر فضائلهم ومناقبهم وكراماتهم مجملة، وفيه ردّ على الروافض حيث يظنّون بأهل السنّة بأنّهم يبغضون أهل البيت باعتقادهم الفاسد وفهمهم الكاسد. وأوّل كلامه وإن كان نقدا لمذهب الشيعة، إلّا أنّ آخره صريح في التصديق بما قالوا(1089).
(وقال أيضا) في كتابه البرهان(1090) في علامات مهدي آخر الزمان: عن أبي عبد الله الحسين ابن علي (عليه السلام) قال: لصاحب هذا الأمر - يعني المهدي (عجّل الله فرجه) - غيبتان: إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم: مات، وبعضهم: ذهب لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلّا المولى الذي يلي أمره(1091).
وعن أبي جعفر محمد بن علي قال: يكون لصاحب هذا الأمر - يعني المهدي (عجّل الله فرجه) - غيبة في بعض هذا الشعاب، وأومى بيده إلى ناحية ذي طوى، حتّى إذا كان قبل خروجه أتى المولى الذي يكون معه حتّى يلقى بعض أصحابه فيقول: كم أنتم؟ فيقولون:
نحوا من أربعين رجلا، فيقول: كيف أنتم لو رأيتم صاحبكم؟ فيقولون: والله لو يأوي الجبال لنأوينّها، ثمّ يأتيهم من المقابلة فيقول: استبرءوا من رؤسائكم عشرة فيستبرءون فينطلق حتّى يلقى صاحبهم ويعدهم الليلة التي تليها.
السادس عشر: العالم المعروف فضل بن روزبهان شارح الشمائل للترمذي، قال في أوّله:
يقول الفقير إلى الله تعالى مؤلّف هذا الشرح، أبو الخير فضل الله ابن أبي محمد روزبهان محمد إسماعيل بن علي، الأنصاري أصلا وتبارا، الحنفي محتدا، الشيرازي مولدا، الاصبهاني دارا، المدني موتا، وأتبارا: أخبرنا بكتاب الشمائل الخ، وهو الذي تصدّى لرد كتاب نهج الحق للعلّامة الحلّي حسن بن يوسف بن المطهر وسمّاه: إبطال الباطل، وهو مع شدّة تعصّبه وإنكاره لجملة من الأخبار الصحيحة الصريحة، بل بعض ما هو كالمحسوس، وافق الإمامية في هذا المطلب فقال في شرح قول العلّامة: المطلب الثاني في زوجته وأولاده (عليه السلام): كانت فاطمة سيّدة نساء العالمين (عليها السلام) زوجته، وساق بعض فضائلها وفضائل الأئمّة من ولدها. قال الفضل:
أقول: ما ذكر من فضائل فاطمة صلوات الله على أبيها وعليها وعلى سائر آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) والسلام أمر لا ينكر فإنّ الإنكار على البحر برحمته وعلى البرّ بسعته وعلى الشمس بنورها وعلى الأنوار بظهورها وعلى الحساب بجودها وعلى الملك بسجوده؛ إنكار لا يزيد المنكر إلّا الاستهزاء به، ومن هو قادر على أن ينكر على جماعة هم أهل السداد، وخزّان معدن النبوّة، وحفّاظ آداب الفتوة (صلوات الله وسلامه عليهم)، ونعم ما قلت فيهم منظوما:
سلام على المصطفى المجتبى * * * سلام على السيّد المرتضى
سلام على ستنا فاطمة * * * من اختارها الله خير النسا
سلام من المسك أنفاسه * * * على الحسن الألمعي الرضا
سلام على الأورعي الحسين * * * شهيد يرى جسمه كربلاء
سلام على سيّد العابدين * * * على ابن الحسين المجتبى
سلام على الباقر المهتدى * * * سلام على الصادق المقتدى
سلام على الكاظم الممتحن * * * رضي السجايا إمام التقى
سلام على الثامن المؤتمن * * * علي الرضا سيّد الأصفيا
سلام على المتّقي التقي * * * محمد الطيب المرتجى
سلام على الأريحي النقي * * * علي المكرّم هادي الورى
سلام على السيّد العسكري * * * إمام يجهز جيش الصفا
سلام على القائم المنتظر * * * أبي القاسم العرم نور الهدى
سيطلع كالشمس في غاسق * * * ينجيه من سيفه المنتقى
قوي يملأ الأرض من عدله * * * كما ملئت جور أهل الهوى
سلام عليه وآبائه * * * وأنصاره ما تدوم السما(1092)
فنصّ من غير تردّد أنّ المهدي الموعود القائم المنتظر هو الثاني عشر من هؤلاء الأئمّة الغرّ الميامين الدرر، والحمد لله.
السابع عشر:
الناصر لدين الله أحمد ابن المستضيء بنور الله من الخلفاء العبّاسية، وهو الذي أمر بعمارة السرداب الشريف وجعل الصفة التي فيه شباكا من خشب صاج منقوش عليه: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ومَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)(1093) هذا ما أمر بعمله سيّدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على جميع الأنام أبو العبّاس أحمد الناصر لدين الله، أمير المؤمنين وخليفة ربّ العالمين، الذي طبق البلاد إحسانه وعدله وعمّ البلاد رأفته وفضله، قرّب الله أوامره الشريفة باستمرار البحح والنشر وناطها بالتأييد والنصر، وجعل لأيّامه المخلدة حدّا لا يكبو جواده ولآرائه الممجدة سعدا لا يخبو زناده، في عز تخضع له الأقدار فيطيعه عواميها، وملك خشع له الملوك فيملكه نواصيها بتولي الملوك معد بن الحسين بن معد الموسوي الذي يرجو الحياة في أيّامه المخلدة، ويتمنّى إنفاق عمره في الدعاء لدولته المؤيّدة، استجاب الله أدعيته وبلغه في أيّامه الشريفة امنيته من سنة ست وستمائة الهلالية، وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلّى الله على سيّدنا خاتم النبيّين وعلى آله الطاهرين وعترته وسلّم تسليما. ونقش أيضا في الخشب الساج داخل الصفة في دائر الحائط: بسم الله الرّحمن الرحيم محمّد رسول الله، أمير المؤمنين علي ولي الله، فاطمة، الحسن بن علي، الحسين بن علي، علي بن الحسين، محمد بن علي، جعفر بن محمد، موسى بن جعفر، علي بن موسى، محمد بن علي، علي بن محمد، الحسن بن علي القائم بالحق (عجّل الله فرجه). هذا عمل علي بن محمد ولي آل محمد رضى الله عنه. ولو لا اعتقاد الناصر بانتساب السرداب إلى المهدي (عجّل الله فرجه) وبكونه محل ولادته أو موضع غيبته أو مقام بروز كرامته لإمكان إقامته في طول غيبته، كما نسبه بعض من لا خبرة له إلى الإمامية، وليس في كتبهم قديما وحديثا منه أثر أصلا، لما أمر بعمارته وتزيينه، ولو كانت كلمات علماء عصره متّفقة على نفيه وعدم ولادته لكان إقدامه عليه بحسب العادة صعبا أو ممتنعا، فلا محالة فهم من وافقه في معتقده الموافق لمعتقد جملة ممّن سبقت إليهم الإشارة وهو المطلوب، وإنّما أدخلنا الناصر في سلك هؤلاء لامتيازه عن أقرانه بالفضل والعلم وعداده من المحدّثين.
الثامن عشر:
العالم العابد العارف الورع البارّ الألمعي الشيخ سليمان ابن خواجة كلان الحسين القندوزي البلخي صاحب كتاب (ينابيع المودّة) قد بالغ فيه في إثبات كون المهدي الموعود هو الحجّة بن الحسن العسكري (عليه السلام) في طي أبواب فلا حاجة لذكر كلماته(1094).
التاسع عشر:
العارف المشهور بشيخ الإسلام الشيخ أحمد الجامي قال: قال عبد الرّحمن الجامي في كتابه النفحات: إنّه دخل في غار جبل قرب بلد جام بجذب قوي من الله جلّ شأنه، وكان أمّيا لا يعرف الحروف ولا الكتاب، وسنّه كان اثنين وعشرين، واستقام في الغار ثماني عشرة سنة من غير طعام، ويأكل أوراق الأشجار وعروقها، وعبد الله فيه إلى أن بلغ سنّه أربعين سنة، ثمّ أمره الله بإرشاد الناس، وصنّف كتابا قدره ألف ورقة تحيّر فيه العلماء والحكماء من غموض معانيه، وهو عجيب في هذه الامّة وبلغ عدد من دخل في طريقته من المريدين ستمائة ألف، ومن كلماته كما في الينابيع:
من زمر حيدرم هر * * * لحظه اندر دل صفاست
از پى حيدر حسن * * * ما رام إمام ورهنماست
إلى أن قال:
عسكري نور دو چشم عالمست وآدم است * * * همچه يك مهدي سپهسالار در عالم كجاست(1095)
العشرون:
العارف عبد الرّحمن من مشايخ الصوفية في (مرآة الأسرار): ذكر آن آفتاب دين ودولت آن هادى جميع ملت ودولت آن قائم مقام پاك أحمدى إمام بر حق أبو القاسم م ح م د بن الحسن المهدي (صلوات الله وسلامه عليه) وى إمام دوازدهم است أز ائمه أهل بيت مادرش أم ولد بود نرجس نام داشت ولادتش شب جمعه پانزدهم ماه شعبان سنه خمس وخمسين ومأتين وبروايت شواهد النبوة بتاريخ ثلاث وعشرين شهر رمضان سنه ثمان وخمسين در سر من رأى معروف سامره واقع گرديد وإمام دوازدهم در كنيت ونام حضرت رسالت پناهي موافقت دارد، ألقاب شريفش مهدي وحجة وقائم ومنتظر وصاحب الزمان وخاتم اثنى عشر، وصاحب الزمان در وقت وفات پدر خود إمام حسن عسكرى (عليه السلام) پنج ساله بوده كه بر مسند إمامت نشست چنانچه حق تعالى حضرت يحيى بن زكريا را در حال طفوليت حكمت كرامت فرمود وعيسى ابن مريم را در وقت صبا به مرتبه بلند رسانيد وهمچنين أو را در صغر سن إمام گردانيد وخوارق عادات أو نه چندانست كه در اين مختصر گنجايش دارد.
الحادي والعشرون:
عن عبد الله بن محمد المطري عن الإمام جمال الدين السيوطي في رسالة (إحياء الميت بفضائل أهل البيت): إنّ من ذرية الحسين بن علي المهدي المبعوث في آخر الزمان - إلى أن قال - : وجميع نسل الحسين (عليه السلام) وذريته يعودون إلى إمام الأئمّة المحقّق المجمع على جلالته وغزارة علمه وزهده وورعه وكماله سلالة الأنبياء والمرسلين، وسلالة خير المخلوقين زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) - إلى أن قال - : فالإمام الأوّل علي ابن أبي طالب (عليه السلام). وساق أسامي الأئمّة، ثمّ قال: الحادي عشر ابنه الحسن العسكري، الثاني عشر ابنه محمد القائم المهدي، وقد سبق النص عليه في ملّة الإسلام من النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله) وكذا من جدّه علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن بقية آبائه أهل الشرف والمراتب، وهو صاحب السيف القائم المنتظر. إلى آخر ما قال(1096).
الثاني والعشرون:
أبو المعالي محمد سراج الدين الرفاعي ثمّ المخزومي الشريف الكبير في كتابه الموسوم ب (صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار) في ترجمة أبي الحسن الهادي ما لفظه: وأمّا الإمام علي الهادي بن الإمام محمّد الجواد ولقبه النقي والعالم والفقيه والأمير والدليل والعسكري والنجيب، ولد في المدينة سنة اثنتي عشرة ومائتين من الهجرة، وتوفي شهيدا بالسمّ في خلافة المعتزّ العبّاسي يوم الاثنين في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، وكان له خمسة أولاد: الإمام الحسن العسكري والحسين ومحمّد وجعفر وعائشة، فأمّا الحسن العسكري فأعقب صاحب السرداب الحجّة المنتظر، ولي الله الإمام محمد المهدي، وأمّا محمد فلم يذكر له ذيل. إلى آخر ما قال.
وقال في موضع آخر في الإمامة: وروى العارفون من سلف أهل العلم أنّ الإمام الحسين لما انكشف له في سرّه أنّ الخلافة الروحية - التي هي الغوثية والإمامة الجامعة - فيه وفي بنيه على الغالب استبشر بذلك وباع في الله نفسه لنيل هذه النعمة المقدّسة، فمنّ الله عليه بأن جعل بيته كبكبة الإمامة وختم ببيته هذا الشأن، على أنّ الحجّة المنتظر الإمام المهدي من ذريّته الطاهرة وعصابته الزاهرة. انتهى.
الثالث والعشرون:
قال أحمد بن حجر الشافعي المصري في كتاب الصواعق المحرقة في الردّ على الرافضة: الآية الثانية عشرة قوله (وإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ)(1097) قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسّرين: إنّ هذه الآية نزلت في المهدي. وسيأتي التصريح بأنّه من أهل البيت النبوي، ففي الآية دلالة على البركة في نسل فاطمة وعلي (عليهما السلام)، وأنّ الله يخرج منهما كثيرا طيّبا، وأن يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة ومعادن الرحمة، وسرّ ذلك أنّه تعالى أعاذها وذريّتها من الشيطان الرجيم ودعا لعلي بمثل ذلك.
ثمّ ذكر بعد ترجمة أبي محمد الحسن العسكري: ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجّة وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن آتاه فيها الحكمة، ويسمّى القائم المنتظر.
وقيل: لأنّه تستّر بالمدينة وغاب فلم يدر أين ذهب. ومرّ في الآية الثانية عشرة قول الرافضة فيه إنّه المهدي. إلى أن يقول: وممّا وردت من الأحاديث في حقّ المهدي ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي وآخرون: المهدي من عترتي من ولد فاطمة. وعنهم:
لو لم يبق من الدهر إلّا يوم لبعث الله فيه رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا. وأيضا:
المهدي منّا أهل البيت يصلحه الله في ليلة. إلى أن يقول: إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: المهدي هو الذي يصلّي ابن مريم خلفه. وعنه أيضا: لن تهلك أمّة أنا أوّلها وعيسى ابن مريم آخرها والمهدي وسطها. إلى أن يقول: وأخرج الحاكم عن ثوبان أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال: إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان فاتبعوها فإنّ فيها خليفة الله المهدي. إلى أن يقول: واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى بخروجه، وأنّه من أهل بيته، وأنّه يملك سبع سنين، وأنّه يملأ الأرض عدلا، وأنّه يخرج معه عيسى فيساعده على قتل دجّال بباب لد بأرض فلسطين، وأنّه يؤمّ هذه الامّة، ويصلّي عيسى خلفه(1098).
الرابع والعشرون:
يوسف بن يحيى بن علي الشافعي قال في كتابه المسمّى بعقد الدرر في ظهور المنتظر على ما نقل عنه بعض الثقات: وقد بشّرت بظهور المهدي أحاديث جمّة دوّنها في كتبهم علماء الامّة. ثمّ ذكر أحاديث تقدّمت ثمّ قال: وعن أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتّى تملأ الأرض ظلما وعدوانا ثمّ يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا. إلى آخر ما قال.
الخامس والعشرون:
العالم الألمعي القاضي أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان في تاريخه المعروف: أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد المذكور قبله، ثاني عشر الأئمّة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية المعروف بالحجّة، وهو الذي تزعم الشيعة أنّه المنتظر والقائم والمهدي وهو صاحب السرداب عندهم وأقاويلهم فيه كثيرة، وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب بسر من رأى، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولمّا توفي أبوه - وقد سبق ذكره في حرف الحاء - كان عمره خمس سنين، واسم أمّه خمط وقيل نرجس.
إلى أن قال: وذكر ابن الأزرق في تاريخ ميافارقين: أنّ الحجّة المذكور ولد في تاسع شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وخمسين ومائتين، وقيل: في ثامن من شعبان سنة ست وخمسين وهو الأصحّ، وأنّه لما دخل السرداب كان عمره أربع سنين وقيل: خمس سنين، وقيل: إنّه دخل السرداب سنة خمس وسبعين ومائتين وعمره سبع عشرة سنة والله أعلم أيّ ذلك كان، (سلام الله ورحمته عليه)(1099).
السادس والعشرون:
عن الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الزرندي في كتاب معراج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول: الإمام الثاني عشر، صاحب الكرامات المشتهر، الذي عظم قدره بالعلم واتباع الحقّ والأثر القائم - مولده على ما نقلته الشيعة ليلة الجمعة للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين - بالحقّ والداعي إلى منهج الحقّ الإمام أبو القاسم محمد ابن الحسن، وكان بسر من رأى في زمان المعتمد وأمّه نرجس بنت قيصر الرومية أمّ ولد.
انتهى.
السابع والعشرون:
عن الشيخ محمد بن محمود الحافظ البخاري في كتابه ما لفظه: وأبو محمد الحسن العسكري، ولده محمد معلوم عند خاصّة أصحابه وثقات أهله. ثمّ قال:
ويروى أنّ حكيمة بنت أبي جعفر محمد الجواد، عمّة أبي محمد الحسن العسكري كانت تحبّه وتدعو له وتتضرّع أن ترى له ولدا، وكان أبو محمد الحسن العسكري اصطفى جارية يقال لها: نرجس، فلمّا كان ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين دخلت حكيمة فدعت لأبي محمد الحسن العسكري فقال لها: يا عمّة كوني الليلة عندنا. إلى آخر تاريخ تولّده كما شرحناه في الفرع الثاني من الغصن الخامس في أخبار تولّده باختلاف يسير(1100).
الثامن والعشرون:
عن الشيخ عبد الله بن محمد المطيري الشافعي في الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وعترته الطاهرة: ولد أبو القاسم محمّد الحجّة ابن الحسن الخالص بسرّ من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة.
التاسع والعشرون:
عن كتاب الهداية للحسين بن حمدان الخصيبي قال: ومضى أبو محمد الحادي عشر الحسن بن علي في سبع وعشرين سنة، يوم الجمعة لثمان ليال خلون من ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين من الهجرة.
إلى أن قال: ولده الخلف المهدي الثاني عشر صاحب الزمان، ولد يوم الجمعة عند طلوع الفجر لثمان ليال خلون من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة قبل مضيّ أبيه بسنتين وسبعة أشهر.
الفرع الرابع من رآه في حياة أبيه
الأوّل:
ممن رآه حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) عمّة الحسن العسكري، فإنّها رأت القائم ليلة مولده وبعد ذلك عن نسيم ومارية قالتا: لمّا خرج صاحب الزمان من بطن أمّه سقط جاثيا على ركبتيه رافعا بسبابتيه نحو السماء فعطس فقال: الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله عبد الله أوّلا وآخرا غير مستنكف ولا مستكبر، ثمّ قال: زعمت الظلمة أنّ حجّة الله داحضة ولو أذن الله لنا لزال الشكّ(1101).
الثاني:
ممّن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): في كشف الغمّة عن أبي بصير الخادم قال: دخلت على صاحب الزمان وهو في المهد فقال لي: عليّ بالصندل الأحمر، فأتيته به فقال:
أتعرفني؟ قلت: نعم، أنت سيّدي وابن سيّدي، فقال: ليس عن هذا سألتك، فقلت: فسّر لي.
فقال. أنا خاتم الأوصياء، وبي يرفع الله البلاء عن أهل شيعتي(1102).
الثالث:
ممّن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): وفيه عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري قال:
وجّه قوم من المفوضة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد قال: فقلت في نفسي: لئن دخلت عليه أسأله عن الحديث المروي عنه: لا يدخل الجنّة إلّا من عرف معرفتي، وكنت جلست إلى باب عليه ستر مسبل، فجاءت الريح فكشفت طرفه وإذا أنا بفتى كأنّه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها فقال لي: يا كامل بن إبراهيم، فاقشعررت من ذلك فقلت: لبيك يا سيّدي. قال: جئت إلى ولي الله تسأله: لا يدخل الجنّة إلّا من عرف معرفتك وقال بمقالتك؟
قلت: إي والله. قال: إذا والله يقلّ داخلها والله إنّه ليدخلنّها قوم يقال لهم (الحقّية). قلت: ومن هم؟ قال: هم قوم من حبّهم لعلي يحلفون بحقّه ولا يدرون ما حقّه وفضله، إنّهم قوم يعرفون ما تجب عليهم معرفته جملة لا تفصيلا من معرفة الله ورسوله والأئمّة ونحوها. ثمّ قال:
وجئت تسأل عن مقالة المفوّضة، كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله فإذا شاء الله شئنا والله يقول (وما تَشاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(1103) فقال لي أبو محمد: ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك(1104).
الرابع:
ممّن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): وفيه عن نسيم خادم أبي محمّد (عليه السلام) قال: دخلت على صاحب الزمان (عليه السلام) بعد مولده بعشرة أيّام فعطست عنده فقال: يرحمك الله. قال: ففرحت بذلك فقال لي: ألا أبشّرك في العطاس، هو أمان من الموت ثلاثة أيّام(1105).
وفيه عن حكيمة قالت: دخلت على أبي محمد بعد أربعين يوما من ولادة نرجس فإذا مولانا صاحب الزمان يمشي في الدار، فلم أر لغة أفصح من لغته فتبسّم أبو محمّد فقال: إنّا معاشر الأئمّة ننشأ في كل يوم كما ينشأ غيرنا في الشهر، وننشأ في الشهر كما ينشأ غيرنا في عصر السنة. قالت: ثمّ كنت بعد ذلك أسأل أبا محمد عنه فقال: استودعناه الذي استودعت أمّ موسى ولدها عنده(1106).
الخامس:
ممّن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): وفي البحار عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال وأحمد بن هلال ومحمد بن معاوية بن حكيم والحسن بن أيوب بن نوح في خبر طويل مشهور قالوا جميعا: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) نسأله عن الحجّة من بعده، وفي مجلسه أربعون رجلا، فقام إليه عثمان بن سعيد العمري فقال له: يا بن رسول الله اريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به منّي. فقال (عليه السلام) له: اجلس يا عثمان، فقام مغضبا ليخرج فقال:
لا يخرجنّ أحد، فلم يخرج منّا أحد إلى أن كان بعد ساعة، فصاح (عليه السلام) بعثمان فقام على قدميه قال: اخبركم لم جئتم؟ قالوا: نعم يا بن رسول الله. قال: جئتم تسألونني عن الحجّة من بعدي. قالوا: نعم. فإذا غلام كأنّه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمّد (عليه السلام) فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتّى يتمّ له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه(1107).
السادس:
ممّن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): في الاحتجاج وتبصرة الولي باختلاف يسير عن سعد بن عبد الله القمي قال: كنت امرأ لهجا بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها، كلفا(1108) باستظهار ما يصحّ من حقائقها، مغرما بحفظ مشتبهها ومستغلقها، شحيحا على ما أظفر به من معاضلها ومشكلاتها، متعصّبا لمذهب الإمامية، راغبا عن الأمن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم والتعدّي إلى التباغض والتشاتم، معيبا للفرق ذوي الخلاف، كاشفا عن مثالب أئمّتهم، هتاكا لحجب قادتهم إلى أن بليت بأشدّ النواصب منازعة وأطولهم مخاصمة وأكثرهم جدلا وأشنفهم سؤالا وأثبتهم على الباطل قدما.
فقال ذات يوم وأنا اناظره: تبّا لك ولأصحابك يا سعد، إنّكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما وتجحدون من رسول الله ولا يتهما وإمامتهما، هذا الصدّيق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته، أما علمتم أنّ رسول الله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلّا علما منه بأنّ الخلافة له من بعده، وأنّه هو المقلّد من أمر التأويل، والملقى إليه أزمّة الامّة، وعليه المعوّل في شعب الصدع ولمّ الشعث وسدّ الخلل وإقامة الحدود وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك، كما أشفق على نبوّته أشفق على خلافته؛ إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة إلى مكان يستخفي فيه؟ ولمّا رأينا النبيّ متوجّها إلى الانجحار(1109)، ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر إلى الغار للعلّة التي شرحناها، وإنّما أبات عليا على فراشه لما لم يكن ليكترث له ولم يحفل به ولاستثقاله، ولعلمه بأنّه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.
قال سعد: فأوردت عليه أجوبة شتّى فما زال يقصد كلّ واحد منها بالنقض والردّ علي ثمّ قال: يا سعد دونكها اخرى بمثلها تحطّم آناف الروافض، ألستم تزعمون أنّ الصدّيق المبرأ من دنس الشكوك، والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام كانا يسرّان النفاق واستدللتم بليلة العقبة، أخبرني عن الصدّيق أسلم طوعا أو كرها. قال سعد: فاحتملت لدفع هذه المسألة عنّي خوفا من الإلزام وحذرا منّي إن أقررت لهما بطواعيتهما، والإسلام احتج بأن بدوّ النفاق ونشوءه في القلب لا يكون إلّا عند هبوب روائح القهر والغلبة وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد له قلبه نحو قول الله عزّ وجلّ (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا)(1110). وإن قلت: أسلما كرها كان يقصدني بالطعن؛ إذ لم يكن ثم سيوف منتضاة كانت تريهما البأس.
قال سعد: فصددت منه مزورا قد انتفخت أحشائي من الغضب، وتقطّع كبدي من الكرب وكنت قد اتخذت طومارا وأثبتّ فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا على أن أسأل فيها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمّد (عليه السلام)، فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصدا نحو مولانا بسرّ من رأى، فلحقته في بعض المناهل فلمّا تصافحنا قال: بخير لحاقك بي. قلت: الشوق ثمّ العادة في الأسئلة. قال: قد تكافينا هذه اللحظة الواحدة فقد برح بي العزم إلى لقاء مولانا أبي محمد، واريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل من التنزيل، فدونكها الصحبة المباركة فإنّها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه ولا تفنى غرائبه وهو إمامنا، فوردنا سر من رأى فانتهينا منها إلى باب سيّدنا فاستأذن فخرج الإذن بالدخول عليه وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطّاه بكساء طبري فيه ستّون ومائة صرّة من الدنانير والدراهم، على كلّ صرّة منها ختم صاحبها.
قال سعد: فما شبهت مولانا أبا محمد حين غشينا نور وجهه إلّا بدرا قد استوفى من لياليه أربعا بعد عشر، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر وعلى رأسه فرق بيّن وقرطين كأنّه ألف بين واوين، وبين يدي مولانا رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض قبض الغلام على أصابعه فكان مولانا يد حرج الرمانة بين يديه ويشغله بردّها لئلّا يصدّه عن كتبه ما أراد، فسلّمنا فألطف في الجواب وأومى إلينا بالجلوس، فلمّا فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه فنظر الهادي إلى الغلام وقال له: يا بني فضّ الخاتم عن هدايا شيعتك.
فقال: يا مولاي أيجوز أن أمدّ يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلّها بأحرمها؟ فقال مولاي: يا بن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميّز بين الأحل والأحرم منها، فأوّل صرّة بدأ أحمد بإخراجها فقال الغلام: هذه لفلان ابن فلان من محلّة كذا بقم تشتمل على اثنين وستين دينارا، فيها من ثمن حجرة باعها صاحبها وكانت إرثا له من أخيه خمسة وأربعون دينارا ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا، وفيها اجرة حوانيت ثلاثة عشر دينارا. فقال مولانا: صدقت يا بني. دلّ الرجل على الحرام منها؟ فقال: فتش على دينار رازي السكة تاريخه السنة كذا قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه، وقراضة آملية وزنها ربع دينار، والعلّة في تحريمها أنّ صاحب هذه الحملة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّا وربع منّ فأتت على ذلك مدّة قيض انتهاؤها لذلك الغزل سارق، فأخبر به الحائك صاحبه فكذبه، واسترد منه بدل ذلك منّا ونصف منّ غزلا أدقّ ممّا كان دفعه إليه، واتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه، فلمّا فتح رأس الصرّة صادفه رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة. ثمّ أخرج صرّة اخرى فقال الغلام: هذه لفلان ابن فلان من محلّة كذا بقم تشتمل على خمسين دينارا لا يحلّ لنا مسّها.
قال: وكيف ذلك؟ قال: لأنّها ثمن حنطة خان صاحبها على أكاره في المقاسمة، وذلك أنّه قبض حصّة منها بكيل واف وكال ما خصّ الأكار بكيل بخس. فقال مولانا (عليه السلام): صدقت يا بني. ثمّ قال: يا ابن إسحاق احملها بأجمعها لتردّها أو توصي بردّها على أربابها، فلا حاجة لنا في شيء منها وائتنا بثوب العجوز. قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي نفيسة فلمّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إلي مولانا أبو محمّد (عليه السلام) فقال: ما جاء بك يا سعد؟ فقال: شوّقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا.
قال: فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها! قلت: على حالها يا مولاي. قال: فسل قرّة عيني - وأومى إلى الغلام - عمّا بدا لك منها. فقلت له: مولانا وابن مولانا إنّا روينا عنكم أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) حتّى أرسل يوم الجمل إلى عائشة إنّك قد أربحت(1111) على الإسلام وأهله بفتنتك، وأوردت بنيك حيّا من الهلاك بجهلك فإن كففت عنّي عززتك وإلّا طلّقتك، ونساء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد كان طلاقهن وفاته قال: ما الطلاق؟ قلت:
تخلية السبيل. قال: فإذا كان طلاقهنّ وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد خلّيت لهنّ السبيل، فلم لا يحلّ لهنّ الأزواج؟ قلت: لأنّ الله تبارك وتعالى حرّم الأزواج عليهنّ. قال: وكيف وقد خلّى الموت سبيلهنّ؟ قلت: فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حكمه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال (عجّل الله فرجه): إنّ الله تبارك وتعالى عظّم شأن نساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فخصّهن بشرف الامّهات، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا أبا الحسن إنّ هذا الشرف باق لهنّ ما دمن لله على الطاعة، فأيّهنّ عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج وأسقطها من شرف امومة المؤمنين.
قلت: فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيّام عدّتها حلّ للزوج أن يخرجها من بيته؟ قال: الفاحشة المبينة هي السحق دون الزنا، فإنّ المرأة إذا زنت واقيم عليها الحدّ ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحدّ، وإذا سحقت وجب عليها الرجم والرجم خزي، ومن قد أمر الله عزّ وجلّ برجمه فقد أخزاه، ومن أخزاه فقد أبعده فليس لأحد أن يقرّبه.
قلت: فأخبرني يا ابن رسول الله عن أمر الله تبارك وتعالى لنبيّه موسى (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً)(1112) فإنّ فقهاء الفريقين يزعمون أنّها كانت من إهاب الميتة. فقال (عليه السلام):
من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوّته؛ لأنّه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين؛ إمّا أن تكون صلاة موسى فيها جائزة أو غير جائزة، فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة، وإن كانت مقدّسة مطهّرة فليست بأقدس وأطهر من الصلاة، وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى أنه لم يعرف الحلال من الحرام، وعلم ما تجوز فيه الصلاة وما لم تجز وهذا كفر. قلت: فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما؟
قال: إنّ موسى ناجى ربّه بالوادي المقدّس فقال: يا ربّ إنّي قد أخلصت لك المحبّة منّي وغسلت قلبي عمّن سواك، وكان شديد الحبّ لأهله فقال الله تعالى (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) أي انزع حبّ أهلك عن قلبك إن كانت محبّتك لي خالصة، وقلبك من الميل من سواي مغسولا.
قلت: فأخبرني يا ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن تأويل (كهيعص)(1113)؟ قال: هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع الله عليها عبده زكريا ثمّ قصّها على محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وذلك أنّ زكريا سأل ربّه أن يعلّمه الأسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرائيل فعلّمه إيّاها فكان زكريا إذا ذكر محمّدا وعليا وفاطمة والحسن سرى عنه همّه وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة، فقال ذات يوم: إلهي ما بالى إذا ذكرت أربعا منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين (عليه السلام) تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تعالى عن قصّته وقال كهيعص فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة، والياء يزيد وهو ظالم الحسين، والعين عطشه، والصاد صبره، فلمّا سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام ومنع فيها الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته: إلهي أتفجع خير خلقك بولده، أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه، أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة، إلهي أتحلّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما، ثمّ كان يقول: إلهي ارزقني ولدا تقرّبه عيني عند الكبر، واجعله لي وارثا ووصيّا واجعل محلّه منّي محلّ الحسين، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ثمّ افجعني به كما تفجع محمّدا حبيبك بولده، فرزقه الله يحيى وفجعه به، وكان حمل يحيى ستّة أشهر وحمل الحسين كذلك وله قصّة طويلة.
قلت: فأخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم؟ قال: مصلح أو مفسد؟ قلت: مصلح. قال: فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى. قال: فهي العلّة أوردتها لك ببرهان يثق به عقلك، أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل الكتب عليهم وأيّدهم بالوحي والعصمة، وهم أعلى الامم وأهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا همّا بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنّان أنّه مؤمن؟ قلت: لا. قال (عليه السلام): فهذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلا ممّن لا يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين، قال الله عزّ وجلّ (واخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا إلى قوله: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ بظلمهم)(1114) فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوّة واقعا على الأفسد دون الأصلح ويظنّ أنّه الأصلح دون الأفسد، علمنا أن لا اختيار إلّا لمن يعلم ما تخفي الصدور وتكنّ الضمائر وتتصرّف عليه السرائر، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح.
ثمّ قال مولانا: يا سعد وحين ادّعى خصمك أنّ رسول الله ما أخرج مع نفسه مختار هذه الامّة إلى الغار إلّا علما منه أنّ الخلافة له من بعده، وأنّه هو المقلّد لامور التأويل والملقى إليه أزمة الامّة، المعول عليه في لمّ الشعث وسدّ الخلل وإقامة الحدود، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق على نبوّته أشفق على خلافته؛ إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه، وإنّما أبات عليا على فراشه لما لم يكن يكترث له ولا يحفل به، ولاستثقاله إيّاه وعلمه بأنّه إن قتل لم يتعذّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها؛ فهلا نقضت عليه دعواه بقولك: أليس قال رسول الله: الخلافة بعدي ثلاثون سنة فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم، وكان لا يجد بدّا من قوله: بلى، فكنت تقول له حينئذ: أليس كما علم رسول الله أنّ الخلافة بعده لأبي بكر علم أنّها من بعد أبي بكر لعمر ومن بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعلي، فكان أيضا لا يجد بدا من قوله لك: نعم، ثمّ كنت تقول له:
فكان الواجب على رسول الله أن يخرجهم جميعا على الترتيب إلى الغار(1115) ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر، ولا يستخفّ بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إيّاهم وتخصيصه أبا بكر بإخراجه مع نفسه دونهم.
ولمّا قال: أخبرني عن الصدّيق والفاروق أسلما طوعا أو كرها لم لم تقل له: بل أسلما طمعا لأنّهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عمّا كانوا يجدون في التوراة وسائر الكتب المتقدّمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصة محمّد ومن عواقب أمره؟ فكانت اليهود تذكر أنّ محمّدا يسلّط على العرب كما كان بخت نصر سلّط على بني إسرائيل، ولا بدّ له من الظفر على العرب كما ظفر بخت نصر ببني إسرائيل، غير أنّه كاذب في دعواه وأنّ هذا نبي. فأتيا محمّدا فساعداه على قول شهادة أن لا إله إلّا الله، وبايعاه طمعا في أن ينال كلّ منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت اموره واستتبت أحواله، فلما أيسا من ذلك تلثما وصعدا العقبة مع عدّة من أمثالهما من المنافقين بغية أن يقتلوه، فدفع الله كيدهم وردّهم بغيظهم لم ينالوا خيرا، كما أتى طلحة والزبير عليا فبايعاه، وطمع كلّ واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد، فلمّا أيسا نكثا بيعته وخرجا عليه، فصرع الله كلّ واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين. قال: ثمّ قام مولانا الحسن بن علي الهادي (عليه السلام) إلى الصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكيا. فقلت: ما أبطأك وأبكاك؟
قال: قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره. فقلت: لا عليك فأخبره، فدخل عليه مسرعا وانصرف من عنده متبسما وهو يصلّي على محمّد وآل محمّد، فقلت: ما الخبر؟
قال: وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا (عليه السلام) يصلّي عليه. قال سعد: فحمدنا الله جل ذكره على ذلك، وجعلنا نختلف بعد ذلك إلى منزل مولانا أيّاما فلا نرى الغلام بين يديه فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما وقال: يا ابن رسول الله قد دنت الرحلة واشتدّت المحنة ونحن نسأل الله أن يصلّي على المصطفى جدّك وعلى المرتضى أبيك وعلى سيّدة النساء أمّك وعلى سيدي شباب أهل الجنّة عمّك وأبيك وعلى الأئمّة الطاهرين من بعدهما آبائك، وأن يصلّي عليك وعلى ولدك، ونرغب إلى الله أن يعلّي كعبك ويكبت عدوّك، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك. قال: فلمّا قال هذه الكلمة استعبر مولانا حتّى استهلت دموعه وتقاطرت عبراته ثمّ قال: يا بن إسحاق لا تكلّف في دعائك شططا فإنّك ملاقي الله في سفرك هذا، فخرّ أحمد مغشيا عليه فلمّا أفاق قال: سألتك بالله وبحرمة جدّك إلّا شرّفتني بخرقة أجعلها كفنا، فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال (عليه السلام): خذها ولا تنفق على نفسك غيرها فإنك لن تعدم ما سألت، وإنّ الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.
قال سعد: فلمّا صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حلوان على ثلاثة فراسخ حمّ أحمد بن إسحاق وصارت عليه علّة صعبة آيس من حياته فيها، فلمّا وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطنا بها، ثمّ قال: تفرّقوا عنّي هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه ورجع كلّ واحد منّا إلى مرقده. قال سعد: فلمّا حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم، خادم مولانا أبي محمّد (عليه السلام) وهو يقول: أحسن الله بالخير عزاكم، وجبر بالمحبوب رزيتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم وتكفينه فقوموا لدفنه فإنّه من أكرمكم محلّا عند سيّدكم، ثمّ غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والنحيب والعويل حتّى قضينا حقّه وفرغنا من أمره (رحمه الله تعالى)(1116).
السابع:
ممّن رآه في حياة أبيه (عليه السلام): في تبصرة الولي عن أبي سهل إسماعيل النوبختي:
دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) في المرضة التي مات فيها، فأنا عنده إذ قال لخادمه عقيد وكان الخادم أسود نوبيّا قد خدم من قبله علي بن محمّد (عليه السلام) وهو ربّى الحسن (عليه السلام) فقال له: يا عقيد اغل لي ماء بالمصطكى، فأغلى له، ثمّ جاءت به صيقل الجارية أمّ الخلف، فلمّا صار القدح قرب ثنايا الحسن (عليه السلام) فتركه في يده وهمّ بشربه فجعلت يده ترتعد حتّى ضرب القدح وقال للعقيد: ادخل البيت فإنّك ترى صبيا ساجدا فائتني به. قال أبو سهل: قال عقيد: فدخلت الحجرة فإذا بالصبي ساجدا رافعا سبابته نحو السماء فسلّمت عليه فأوجز لي صلاته فقلت: إنّ سيدي يدعوك إليه؛ إذ جاءت أمّه صيقل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن (عليه السلام).
قال أبو سهل: فلمّا مثل الصبي بين يديه سلّم فإذا هو دريّ اللون وفي شعر رأسه قطط، مفلج الأسنان، فلمّا رآه الحسن (عليه السلام) بكى وقال: يا سيّد أهل بيته اسقني إنّي ذاهب إلى ربّي، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكى بيده ثمّ حرّك شفتيه ثمّ سقاه، فلمّا شربه قال:
هيئوني للصلاة، فطرح في حجره منديل فوضّأه الصبي واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه فقال له أبو محمّد (عليه السلام): أبشر يا بني فأنت صاحب الزمان وأنت المهدي وأنت الحجّة لله في أرضه وأنت ولدي ووصيي، وأنا ولدتك وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد ابن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولدك رسول الله (صلوات الله عليهم أجمعين) وأنت خاتم الأئمّة الطاهرين، وقد بشّر بك رسول الله وسمّاك وكنّاك، بذلك عهد إليّ أبي عن آبائك الطاهرين صلّى الله على أهل البيت، ربّنا إنّه حميد مجيد، ومات الحسن بن علي (عليه السلام) من وقته(1117).
الثامن:
ممّن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): في البحار عن أحمد بن إسحاق قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي (عليه السلام) وأنا اريد أن أسأله عن الخلف بعده فقال لي مبتدئا: يا أحمد ابن إسحاق إنّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم، ولا تخلو إلى يوم القيامة من حجّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض.
قال: فقلت: يا ابن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) فدخل البيت ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين فقال: يا أحمد بن إسحاق لو لا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنّه سمي رسول الله وكنيّه الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما. يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الامّة مثل الخضر ومثله كمثل ذي القرنين، والله ليغيبنّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلّا من يثبته الله على القول بإمامته، ووفّقه للدعاء بتعجيل فرجه. قال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي هل من علامة يطمئن إليها قلبي؟
فنطق الغلام (عجّل الله فرجه) بلسان عربي فصيح فقال: أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق. قال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسرورا فرحا، فلمّا كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا ابن رسول الله لقد عظم سروري بما أنعمت عليّ، فما السنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: طول الغيبة يا أحمد.
فقلت له: يا ابن رسول الله وإنّ غيبته لتطول؟ قال: إي وربّي حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، فلا يبقى إلّا من أخذ الله عهده بولايتنا وكتب في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه. يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من أمر الله، وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين تكن غدا في العليين(1118).
التاسع:
ممّن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): في تبصرة الولي عن يعقوب بن منفوس: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وهو جالس على دكان في الدار، عن يمينه بيت وعليه ستر مسبل فقلت له: يا سيّدي من صاحب هذا الأمر؟ فقال (عليه السلام): ارفع الستر، فرفعته فخرج إلينا خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض دريّ المقلتين، شثن الكفين معطوف الركبتين، في خدّه الأيمن خال وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمد (عليه السلام) ثمّ قال لي: هذا هو صاحبكم، ثمّ وثب فقال له: يا بني ادخل إلى الوقت المعلوم، فدخل البيت وأنا أنظر إليه ثمّ قال لي: يا يعقوب انظر من في البيت فدخلت فما رأيت أحدا(1119).
العاشر:
ممّن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): فيه عن ظريف أبي نصر قال: دخلت على صاحب الزمان فقال: عليّ بالصندل الأحمر، فأتيته به ثمّ قال: أتعرفني؟ قلت: نعم. قال: من أنا؟
فقلت: أنت سيّدي وابن سيّدي. فقال: ليس عن هذا أسألك. قال ظريف: قلت: جعلني الله فداك فبيّن لي قال: أنا خاتم الأوصياء، بي يدفع الله عزّ وجلّ البلاء عن أهلي وشيعتي(1120).
الحادي عشر:
ممّن رآه في حياة أبيه (عليها السلام): فيه عن عبد الله الستوري قال: صرت إلى بستان بني هاشم فرأيت غلمانا يلعبون في غدير ماء، وفتى جالس على مصلّى واضعا كمه على فيه، فقلت من هذا؟ فقالوا: م ح م د بن الحسن بن علي (عليه السلام) وكان في صورة أبيه(1121).
الثاني عشر:
ممّن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): وفيه عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: كنت مع أحمد بن إسحاق عند العمري رضي الله عنه فقلت للعمري: إنّي أسألك عن مسألة كما قال الله عزّ وجلّ في قصّة إبراهيم (أَولَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى ولكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(1122) هل رأيت صاحبي؟
فقال لي: نعم وله عنق مثل ذي، وأومأ بيده جميعا إلى عنقه. قال: قلت له: فالاسم؟ قال:
إيّاك أن تبحث عن هذا فإنّ عند القوم أنّ هذا النسل قد انقطع(1123).
الثالث عشر:
ممّن رآه هو، أمّه نرجس وهذه في الحقيقة معجزة واضحة: اعلم أنّه لما علم خلفاء بني عبّاس بالأخبار النبوية والآثار المروية عن النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة ما مضمونها: أنّ المهدي المنتظر سيظهر من صلب الحسن العسكري (عليه السلام)، ويملأ الله به الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا، وينتقم من أعداء آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) خصوصا من بني العبّاس وبني امية، فلذلك صاروا في صدد إطفاء نوره، ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره، وقد بالغوا وجدّوا واجتهدوا فلم ينفعهم الجدّ حيث كانت يد الله فوق أيديهم (ومَكَرُوا ومَكَرَ اللهُ واللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ)(1124).
وقد أخفى الله عزّ وجلّ حمل أمّه نرجس بنت يشوعا قيصر الروم عن عامّة الناس كما أخفى حمل أمّ موسى عن فرعون وقومه، مع أنّ الكهنة والمنجّمين قد عيّنوا سنة ولادته إلى أن بعث المعتمد العبّاسي القوابل سرّا وأمرهنّ أن يدخلن دور بني هاشم سيما دار العسكري (عليه السلام) بلا استئذان، وفي أي وقت كان ليفتشن أثره ويتطلعن خبره إلى أن نوّر الكون بقدومه إلى عالم الوجود، وتولد (عجّل الله فرجه) قبل وفاة أبيه بسنتين، وقيل بخمس، في سامراء في منتصف شعبان، كما في نوحة الأحزان من مؤلفات العالم الفاضل محمد يوسف اللاهخوارماني الذي ألف في زمن شاه عباس الثاني (رحمه الله): إنّه كان (عليه السلام) يوما من الأيّام في حجر والدته في صحن الدار إذ أحسّت نرجس بالقوابل فاضطربت اضطرابا شديدا، ولم تجد فرصة حتّى تخفي ذلك النّور، فهتف هاتف بها أن ألقي حجّة الله القهار في البئر التي في صحن الدار، فألقته في البئر وقد سمعت القوابل صوت الطفل فدخلن الدار بسرعة فبالغن في التفحّص فلم يجدن منه أثرا فخرجن والهات حائرات، فلما فرغت الدار عن الأغيار أقبلت نرجس إلى البئر لكي تعلم ما جرى على قرّة عينها، فلمّا أشرفت على البئر رأت الماء يفور إلى أن ساوى أرض الدار، وحجّة الله فوق الماء صحيحا سالما كالبدر الطالع، والقماط(1125) الذي عليه لم يبتل أبدا فتناولته وأرضعته وحمدت الله وسجدت له شكرا فهتف هاتف: أن يا نرجس ألقيه إلى البئر أربعين يوما، فمتى أردت أن تسترضعيه نوصله إليك، فكانت كلّما أرادت إرضاعه تأتي إلى شفير البئر فيفور الماء، وحجّة الله فوقه فتأخذه وترضعه وتقرّ عينها بجماله وترده إلى البئر فينزل الماء إلى قراره، فبقي (عجّل الله فرجه) في البئر في تلك المدّة كما كان يوسف الصدّيق أيضا كذلك، وكان مستورا عن أعين الناس(1126).
الرابع عشر: ممّن رآه في حياة أبيه (عليها السلام): وفيه عن علي بن إبراهيم بن مهزيار الذي كان خادما له (عليه السلام) أنّ الحسن العسكري كان يأمرني بإحضار حجّة الله من السرداب، وأنا أحضره عنده وهو يأخذه ويقبّله ويتكلّم معه، وهو يجاوب أباه بذلك وهو يشير إلي بردّه وأردّه إلى السرداب، حتّى أنّه (عليه السلام) أمرني بإحضاره يوما من الأيّام فقال (عليه السلام): يا ابن مهزيار ائتني بولدي حجّة الله، فأتيت به إليه من السرداب، فأخذه منّي وأجلسه في حجره وقبّل وجهه وتكلّم معه بلغة لا أعرفها وهو يجاوب أباه بتلك اللغة، فأمرني بردّه إلى محلّه ومكانه، فذهبت به ورجعت إلى العسكري (عليه السلام)، ثمّ رأيت أشخاصا من خواصّ المعتمد العبّاسي عند الإمام (عليه السلام) يقولون: إنّ الخليفة يقرئك السلام ويقول: بلغنا أنّ الله عزّ وجلّ أكرمك بولد وكبر فلم لا تخبرنا بذلك لكي نشاركك في الفرح والسرور؟ ولا بدّ لك أن تبعثه إلينا فإنّا مشتاقون إليه.
قال ابن مهزيار: لمّا سمعت منهم هذه المقالة فزعت وتضجرت وتفجرت واضطرب فؤادي فقال الإمام: يا ابن مهزيار اذهب بحجّة الله إلى الخليفة، فزاد اضطرابي وحيرتي؛ لأني كنت متيقّنا أنّه أراد قتله فكنت أتعلّل وأنظر إلى سيّدي ومولاي العسكري (عليه السلام) فتبسّم في وجهي وقال: لا تخف اذهب بحجّة الله إلى الخليفة، فأخذتني الهيبة ورجعت إلى السرداب فرأيته يتلألأ نوره كالشمس المضيئة فما كنت رأيته بذلك الحسن والجمال، وكانت الشامة السوداء في خدّه الأيمن كوكبا دريّا، فحملته على كتفي وكان عليه برقع، فلمّا أخرجته من السرداب تنوّرت سامراء من تلك الطلعة الغرّاء وسطع النور من وجهه إلى عنان السماء واجتمع الناس رجالا ونساء في الطرق والشوارع وصعدوا على السطوح فانسدّ الطريق عليّ، فلم أقدر على المشي إلى أن صار أعوان الخليفة يبعدون الناس من حولي حتّى أدخلوني دار الامارة.
فرفع الحجاب فدخلنا مجلس الخليفة، فلمّا نظر هو وجلساؤه إلى طلعته الغراء وإلى ذلك الجمال والبهاء أخذتهم الهيبة منه فتغيّرت ألوانهم وطاش لبهم وحارت عقولهم وخرست ألسنتهم، فصار الرجل منهم لا يتكلّم ولا يقدر أن يتحرّك من مكانه، فبقيت واقفا والنور الساطع والضياء اللامع على كتفي، فبعد برهة من الزمان قام الوزير وصار يشاور الخليفة، فأحسست أنّه يريد قتله فغلب عليّ الخوف من أجل سيّدي ومولاي، فإذا بالخليفة أشار إلى السيّافين أن اقتلوه، فكل واحد منهم أراد سلّ سيفه من غمده، فلم يقدر عليه ولم يخرج السيف من غمده، وقال الوزير: هذا من سحر بني هاشم، وليس هذا بعجيب ولكن ما أظن أنّ سحرهم يؤثر في السيوف التي في خزانة الخليفة، فأمر بإتيان السيوف من الخزانة فأتيت فلم يقدروا أيضا على إخراجها من أغمادها، وجاءوا بالمواسي والسكاكين فلم يقدروا على فكّها.
ثمّ أمر الخليفة بإشارة من الوزير بالأسود الضارية من بركة السباع، فأتي بثلاثة من الأسود الضارية والسباع العادية فأشار إلى الخليفة وقال: ألقه نحو الاسود، فحار عقلي وطاش لبّي وقلت في نفسي: إنّي لا أفعل ذلك ولو أنّي اقتل، فقرب (عجّل الله فرجه) من اذني فقال لي: لا تخف وألقنى، فلمّا سمعت من سيدي ومولاي ذلك ألقيته نحو الأسود بلا تأمّل، فتبادرت وتسابقت الأسود نحوه وأخذوه بأيديهم في الهواء، ووضعوه على الأرض برفق ولين ورجعوا إليّ القهقرى مؤدّبين كأنّهم العبيد بين يدي الموالي واقفين، ثمّ تكلّم واحد منهم بلسان فصيح، وشهد بوحدانية الباري عزّ شأنه وبرسالة النبي المصطفى (صلّى الله عليه وآله) وبإمامة علي المرتضى والزكي المجتبى والشهيد بكربلاء وعن الأئمّة واحدا واحدا، ثمّ قال: يا ابن رسول الله لي إليك الشكوى فهل تأذن لي؟ فأذن له فقال: إنّي هرم وهذان شابّان فإذا جيء إلينا بطعمة ما يراعياني، ويأكلان الطعمة قبل أن أكمل فأبقى جائعا، قال (عجّل الله فرجه):
مكافأتهما أن يصيرا مثلك وتصير مثلهما، فلمّا قال هذا الكلام فإذا صار كما قال، وصارا كما أراد، فعرض لهما الهرم وعاد له الشباب ما شاء الله، فلمّا رأى الحاضرون كبّروا جميعا من غير اختيار، وفزع الخليفة ومن كان معه وتغيّرت ألوانهم، فأمر بردّه إلى أبيه العسكري (عليه السلام)، فعدت ضاحكا شاكرا لله حامدا له، فأتيت به إلى أبيه وقصصت عليه القصّة فأمرني بردّه إلى السرداب فذهبت به(1127).
الفرع الخامس فيمن رآه بعد أبيه في غيبته الصغرى
الأوّل:
ممّن رآه في الغيبة الصغرى: في البحار عن علي بن سنان الموصلي عن أبيه: لمّا قبض سيّدنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري وفد من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم، ولم يكن عندهم خبر وفاته، فلمّا أن وصلوا إلى سر من رأى سألوا عن سيّدنا الحسن بن علي (عليه السلام) فقيل لهم إنّه قد فقد. قالوا: فمن وارثه؟ قالوا: أخوه جعفر بن علي، فسألوا عنه فقيل لهم قد خرج متنزّها وركب زورقا في الدجلة يشرب ومعه المغنون.
قال: فتشاور القوم وقالوا: ليست هذه صفات الإمام، وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا لنردّ هذه الأموال إلى أصحابها، فقال أبو العبّاس أحمد بن جعفر الحميري القمي: قفوا بنا حتّى ينصرف هذا الرجل ونختبر أمره على الصحّة. قال: فلمّا انصرف دخلوا عليه فسلّموا عليه وقالوا: يا سيّدنا نحن قوم من أهل قم ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها كنّا نحمل إلى سيّدنا أبي محمد الحسن بن علي الأموال، فقال: وأين هي؟ قالوا: معنا قال (لع): احملوها إلي.
قالوا: إنّ لهذه الأموال خبرا طريفا. فقال: وما هو؟ قالوا: إنّ هذه الأموال تجمع ويكون فيها من عامّة الشيعة الدينار والديناران، ثمّ يجعلونها في كيس ويختمون عليها، وكنّا إذا وردنا بالمال قال سيّدنا أبو محمد: جملة المال كذا كذا دينارا؛ من فلان كذا ومن فلان كذا حتى يأتي على أسماء الناس كلّهم ويقول ما على الخواتيم من نقش. فقال جعفر: كذبتم، تقولون على أخي ما لم يفعله هذا علم الغيب. قال: فلمّا سمع القوم كلام جعفر جعل ينظر بعضهم إلى بعض، فقال لهم: احملوا هذا المال إلي. فقالوا: إنّا قوم مستأجرون، وكلاء لأرباب المال ولا نسلّم المال إلّا بالعلامات التي كنّا نعرفها من سيّدنا أبي محمد الحسن بن علي، فإن كنت الإمام فبيّن لنا وإلّا رددناها إلى أصحابها يرون فيها رأيهم.
قال: فدخل جعفر على الخليفة وكان بسر من رأى فاستعدى عليهم فلمّا حضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلى جعفر. قالوا: أصلح الله أمير المؤمنين إنّا قوم مستأجرون، وكلاء لأرباب هذه الأموال وهي لجماعة أمرونا أن لا نسلّمها إلّا بعلامة ودلالة، وقد جرت بهذا العادة مع أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام)، فقال الخليفة: وما الدلالة التي كانت لأبي محمّد (عليه السلام)؟ قال القوم: كان يصف الدنانير وأصحابها والأموال وكم هي، فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه، وقد وفدنا عليه مرارا فكانت هذه علامتنا منه ودلالتنا، وقد مات فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيم لنا أخوه وإلّا رددناها إلى أصحابها. فقال جعفر: يا أمير المؤمنين إنّ هؤلاء قوم كذّابون، يكذبون على أخي وهذا علم الغيب، فقال الخليفة: القوم رسل وما على الرسول إلّا البلاغ المبين. قال: فبهت جعفر ولم يحر جوابا.
فقال القوم: يتطوّل أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى من يبذرقنا(1128) حتّى نخرج من هذه البلدة. قال: فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها، فلمّا أن خرجوا من البلد خرج إليهم غلام أحسن الناس وجها كأنّه خادم فنادى: يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان أجيبوا مولاكم. قال:
فقالوا له: أنت مولانا؟ قال: معاذ الله أنا عبد مولاكم فسيروا إليه، قالوا: فسرنا معه حتّى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي فإذا ولده القائم قاعد على سرير كأنّه فلقة القمر، عليه ثياب خضر فسلّمنا عليه فردّ علينا السلام ثمّ قال: جملة المال كذا وكذا دينارا، حمل فلان كذا وفلان كذا، ولم يزل يصف حتّى وصف الجميع ثمّ وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدواب، فخررنا سجّدا لله عزّ وجلّ شكرا لما عرفنا، وقبّلنا الأرض بين يديه، ثمّ سألناه عمّا أردنا وأجاب، فحملنا إليه الأموال، وأمرنا القائم أن لا نحمل إلى سر من رأى بعدها شيئا فإنّه ينصب لنا ببغداد رجلا نحمل إليه الأموال ويخرج من عنده التوقيعات.
قال: فانصرفنا من عنده ودفع إلى أبي جعفر محمد بن جعفر القمي الحميري شيئا من الحنوط والكفن وقال له: أعظم الله أجرك في نفسك. قال: فما بلغ أبو العبّاس عقبة همدان حتّى توفي (رحمه الله)، وكنّا بعد ذلك نحمل الأموال إلى بغداد، إلى الأبواب المنصوبين ويخرج من عنده التوقيعات(1129).
قال الصدوق: هذا الخبر يدلّ على أنّ الخليفة كان يعرف هذا الأمر، كيف هو وأين موضعه فلهذا كفّ عن القوم وعمّا معهم من الأموال، ودفع جعفر الكذّاب عنهم ولم يأمرهم بتسليمها إليه، إلّا أنّه كان يحبّ أن يخفى هذا الأمر ولا يظهر لئلّا يهتدي إليه الناس فيعرفونه، وقد كان جعفر حمل إلى الخليفة عشرين ألف دينار لمّا توفي الحسن بن علي (عليه السلام) فقال له: يا أمير المؤمنين تجعل لي مرتبة أخي ومنزلته؟ فقال الخليفة: اعلم أنّ منزلة أخيك لم تكن بنا إنّما كانت بالله عزّ وجلّ، نحن كنّا نجتهد في حطّ منزلته والوضع منه، وكان الله عزّ وجلّ يأبى إلّا أن يزيده كل يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة، فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما في أخيك لم نغن عنك في ذلك شيئا(1130).
الثاني:
ممّن رآه في غيبته الصغرى: في تبصرة الولي عن أبي علي محمد بن أحمد المحمودي قال: حججت نيفا وعشرين سنة، كنت جميعها أتعلّق بأستار الكعبة وأقف على الحطيم والحجر الأسود ومقام إبراهيم، وأديم الدعاء في هذه المواضع، وأقف بالموقف وأجعل جلّ دعائي أن يريني مولاي صاحب الزمان، فإنني في بعض السنين قد وقفت بمكّة على أن أبتاع حاجة ومعي غلام في يده مشربة [حليج ملمعة](1131) فدفعت إلى الغلام الثمن وأخذت المشربة من يده، وتشاغل الغلام بمماكسة البيع وأنا واقف أترقّب؛ إذ جذب ردائي جاذب، فحوّلت وجهي إليه فرأيت رجلا ذعرت حين نظرت إليه هيبة له فقال لي:
تبيع المشربة، فلم أستطع ردّ الجواب وغاب عن عيني، فلم يلحقه بصري وظننته مولاي، فإنّني في يوم من الأيّام كنت اصلّي بباب الصفا، فسجدت وجعلت مرفقي في صدري فحرّكني تحرّكا برجله فرفعت رأسي فقال: افتح منكبك عن صدرك، ففتحت عيني فإذا الرجل الذي سألني عن المشربة ولحقني من هيبته ما حار بصري، فغاب عن عيني وأقمت على رجائي ويقيني ومضيت مدّة وأنا أرجح واديم الدعاء في الموقف، فإنّني في آخر سنة جالس في الكعبة ومعي يمان بن الفتح بن دينار ومحمد بن القاسم العلوي وعلان الكناني ونحن نتحدّث إذا أنا بالرجل في الطواف وأشربت بالنظر إليه وقمت أسعى لأتبعه، فطاف حتّى إذا بلغ الحجر رأى سائلا واقفا على الحجر، ويستحلف ويسأل الناس بالله جلّ وعزّ أن يصدّق عليه، فإذا بالرجل قد طلع، فلمّا نظر السائل انكبّ إلى الأرض فأخذ منها شيئا ودفع إلى السائل، فسألته عمّا وهب لك فأبى أن يعلمني، فوهبت له دينارا فقلت له: أرني ما في يدك، ففتح يده فقدّرت أنّ فيها عشرين دينارا، فوقع في قلبي اليقين أنّه مولاي، ورجعت إلى مجلسي الذي كنت فيه وعيني ممدودة إلى الطواف حتّى إذا فرغ من طوافه عدل إلينا فلحقنا له هيبة شديدة وحارت أبصارنا جميعا، قمنا إليه فجلس فقلنا له: ممّن الرجل؟ فقال:
من العرب. فقلت: من أيّ العرب؟ فقال: من بني هاشم. فقلنا: من أيّ بني هاشم؟ فقال: ليس يخفى عليكم، أتدرون ما كان يقول زين العابدين عند فراغه من صلاته في سجدة الشكر؟
قلنا: لا. قال: كان يقول: يا كريم مسكينك بفنائك، يا كريم فقيرك زائرك، حقيرك ببابك يا كريم. ثمّ انصرف عنّا ووقعنا نموج ونتذكّر ونتفكّر ولم نحقّق. ولمّا كان من الغد رأيناه في الطواف فامتدت عيوننا إليه فلمّا فرغ من طوافه خرج إلينا وجلس عندنا وأنس وتحدّث، ثمّ قال: أتدرون ما كان يقول زين العابدين في دعائه بعقب الصلاة؟ قلنا: تعلّمنا. قال: كان يقول:
اللهمّ إنّي أسألك باسمك الذي به تقوم السماء والأرض، وباسمك الذي به تجمع المتفرّق، وبه تفرّق بين المجتمع، وباسمك الذي تفرّق به بين الحقّ والباطل، وباسمك الذي تعلم به كيل البحار وعدد الرمال ووزن الجبال أن تفعل بي كذا وكذا وأقبل عليّ، حتّى إذا صرنا بعرفات وأدمت الدعاء، فلمّا أفضنا وصرنا إلى المزدلفة وبتنا بها فرأيت رسول الله فقال لي:
هل بلغت حاجتك، فتيقّنت عندها(1132).
الثالث:
ممّن رآه في غيبته الصغرى: فيه عن أبي محمد الحسن بن وجنا النصيبي قال:
كنت ساجدا تحت الميزاب في رابع أربع وخمسين حجّة بعد العتمة، وأنا أتضرّع في الدعاء إذ حرّكني محرّك فقال: قم يا حسن بن وجنا. قال: فقمت فإذا جارية صفراء نحيفة البدن
أقول
إنّها من أبناء أربعين فما فوقها، فمشت بين يدي وأنا لا أسألها عن شيء حتّى أتت بي دار خديجة وفيه بيت، بابه في وسط الحائط وله درجة سدج ترتقي إليه، فصعدت فوقفت بالباب فقال لي صاحب الزمان: يا حسن أتراك خفيت عليّ، والله ما من وقت في حجّك إلّا وأنا معك فيه، ثمّ جعل يعدّ عليّ أوقاتي فوقعت مغشيا على وجهي فحسست بيد قد وقعت عليّ فقمت فقال لي: يا حسن الزم دار جعفر بن محمد ولا يهمنك طعامك ولا شرابك ولا ما يستر عورتك، ثمّ دفع إليّ دفترا فيه دعاء الفرج وصلاته عليه، فقال: بهذا فادع وهكذا صلّ عليّ، ولا تعطه إلّا محقّي أوليائي فإنّ الله جلّ جلاله موفّقك. فقلت: يا مولاي أراك بعدها؟
فقال: يا حسن إذا شاء الله.
قال: فانصرفت من حجّتي ولزمت دار جعفر بن محمد فأنا أخرج منها فلا أعود إليها إلّا لثلاث خصال: لتجديد وضوء أو لنوم أو لوقت الإفطار، فأدخل بيتي وقت الإفطار فاصيب رباعيا مملوءا ماء ورغيفا على رأسه وعليه ما تشتهي نفسي بالنهار، فآكل ذلك فهو كفاية لي، وكسوة الشتاء في وقت الشتاء وكسوة الصيف في وقت الصيف، وإنّي لأدخل الماء بالنهار وأرشّ البيت وادخل الكوز فارغا فاوتى بالطعام ولا حاجة لي إليه فأتصدّق به كيلا يعلم بي من معي(1133).
الرابع:
ممّن رآه في غيبته الصغرى عن حبيب بن محمد بن يونس بن شاذان الصنعائي قال: دخلت إلى علي بن مهزيار الأهوازي فسألته عن آل أبي محمّد (عليه السلام) قال: يا أخي لقد سألت عن أمر عظيم، حججت عشرين حجّة كل أطلب به عيان الإمام فلم أجد إلى ذلك سبيلا، فبينا أنا ذات ليلة نائم في مرقدي إذ رأيت قائلا يقول: يا علي بن إبراهيم قد أذن الله لك في الحجّ، فلم أعقل ليلتي حتّى أصبحت فأنا مفكّر في أمري، أرقب الموسم ليلي ونهاري، فلمّا كان وقت الموسم أصلحت أمري وخرجت متوجّها نحو المدينة، فما زلت كذلك حتّى دخلت يثرب فسألت عن آل أبي محمّد (عليه السلام) فلم أجد له أثرا ولا سمعت له خبرا، فأقمت مفكّرا في أمري حتّى خرجت من المدينة اريد مكّة، فدخلت الجحفة وأقمت بها يوما وخرجت متوجّها نحو الغدير، وهو على أربعة أميال من الجحفة فلمّا أن دخلت المسجد صلّيت وعفّرت واجتهدت في الدعاء وابتهلت إلى الله لهم وخرجت اريد عسفان، فما زلت كذلك حتّى دخلت مكّة، فأقمت بها أيّاما أطوف البيت واعتكفت، فبينا أنا ليلة في الطواف إذا أنا بفتى حسن الوجه طيّب الرائحة يتبختر في مشيه، طائف حول البيت فحسّ قلبي به فقمت نحوه فحككته، فقال لي: من أين الرجل؟
فقلت: من أهل العراق، فقال لي: من أي العراق؟ قلت: من الأهواز. فقال لي: أتعرف ابن الخضيب؟ فقلت: (رحمه الله) دعي فأجاب. فقال: (رحمه الله) فما كان أطول ليلته وأكثر تبتله وأغزر دمعته، أفتعرف علي بن إبراهيم المهزيار؟ فقلت: أنا علي بن إبراهيم المهزيار. فقال:
حيّاك الله أبا الحسن، ما فعلت بالعلامة التي بينك وبين أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام)؟
فقلت: معي. قال: أخرجها، فأدخلت يدي في جيبي فاستخرجتها، فلمّا أن رآها لم يتمالك أن غرقت عيناه وبكى منتحبا حتّى بلّ أطماره ثمّ قال: اذن لك الآن يا ابن المهزيار، صر إلى رحلك وكن على أهبة من أمرك حتّى إذا لبس الليل جلبابه وغمر الناس ظلامه صر إلى شعب بني عامر فإنّك ستلقاني هناك، فصرت إلى منزلي فلمّا أحسست بالوقت أصلحت رحلي وقدمت راحلتي وعكمتها شديدا، وحملت وصرت في متنه، وأقبلت مجدّا في السير حتّى وردت الشعب فإذا أنا بالفتى قائم ينادي: إليّ يا أبا الحسن إليّ، فما زلت نحوه فلمّا قربت بدأني بالسلام وقال لي: سر بنا يا أخي فما زال يحدّثني وأحدّثه حتّى تخرقنا جبال عرفات وسرنا إلى جبال منى، وانفجر الفجر الأوّل ونحن قد توسّطنا جبال الطائف فلمّا أن كان هناك أمرني بالنزول وقال لي: انزل فصلّ صلاة الليل، فصلّيت وأمرني بالوتر فأوترت وكانت فائدة منه.
ثمّ أمرني بالسجود والتعقيب ثمّ فرغ من صلاته وركب وأمرني بالركوب، وسار وسرت معه حتّى علا ذروة الطائف فقال: هل ترى شيئا؟ قلت: نعم أرى كثيب رمل عليه بيت شعر يتوقّد البيت نورا، فلمّا أن رأيته طابت نفسي فقال لي: هناك الأمل والرجاء، ثمّ قال: سر بنا يا أخ، فسار وسرت بمسيره إلى أن انحدر من الذروة وسار في أسفله فقال: انزل فهاهنا يذلّ كل صعب ويخضع كلّ جبّار، ثمّ قال: خلّ عن زمام الناقة. قلت: فعلى من أخلفها. فقال: حرم القائم لا يدخله إلّا مؤمن ولا يخرج منه إلّا مؤمن، فخليت عن زمام راحلتي وسار وسرت معه إلى أن دنا من باب الخباء، فسبقني بالدخول وأمرني أن أقف حتّى يخرج إلي، ثمّ قال لي: ادخل هناك السلامة، فدخلت فإذا أنا به جالس قد اتشح ببردة واتّزر باخرى وقد كسر بردته على عاتقه وهو كأقحوانة ارجوانة(1134) قد تكاثف عليها الندى وأصابها ألم الهواء(1135)، وإذا هو كغصن بان أو قضيب ريحان سمحي سخي تقي نقي، ليس بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللاصق، بل مربوع القامة، مدوّر الهامة، صلت الجبين، أزجّ الحاجبين، أقنى الأنف سهل الخدّين، على خدّه الأيمن خال كأنّه فتات مسك على رضاضة العنبر، فلمّا أن رأيته بدرته بالسلام فردّ عليّ أحسن ما سلّمت عليه وشافهني وسألني عن أهل العراق، فقلت:
سيدي قد البسوا جلباب الذلّة وهم بين القوم أذلّاء. فقال لي: يا ابن المهزيار لتملكونهم كما ملكوكم وهم يومئذ أذلّاء. فقلت: سيدي لقد بعد الوطن وطال المطلب. فقال: يا ابن المهزيار أبي أبو محمد عهد إلي أن لا اجاور قوما غضب الله عليهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم، وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلّا وعرها ومن البلاد إلّا قفرها، والله مولاكم أظهر التقية فوكلها بي، فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج. فقلت: يا سيدي متى يكون هذا الأمر؟
فقال: إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع الشمس والتمر واستدار بهما الكواكب والنجوم. فقلت: متى يا ابن رسول الله؟ قال لي: في سنة كذا وكذا يخرج دابّة الأرض من بين الصفا والمروة، ومعه عصا موسى وخاتم سليمان تسوق الناس إلى المحشر.
قال: فأقمت عنده أيّاما وأذن لي بالخروج بعد أن استقصيت لنفسي وخرجت نحو منزلي، والله لقد سرت من مكة إلى الكوفة ومعي غلام يخدمني فلم ير إلّا خيرا وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم(1136).
الخامس:
ممّن رآه في غيبته الصغرى: فيه عن أبي الأديان: كنت أخدم الحسن بن علي ابن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علّته التي توفي فيها فكتب معي كتبا فقال: تمضي بها إلى المدائن، فإنّك ستغيب خمسة عشر يوما فتدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل. قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي. فقلت: زدني؟
فقال: من يصلّي علي فهو القائم بعدي. فقلت: زدني؟ فقال: من أخبر عمّا في الهميان فهو القائم من بعدي. ثمّ منعتني هيبته أن أسأله ما الهميان، وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر كما قال (عليه السلام) لي فإذا الواعية في داره وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة حوله يعزّونه ويهنئونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد حالت الإمامة؛ لأنّي كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور، فتقدّمت وعزّيت وهنيت فلم يسألني عن شيء.
ثمّ خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفن أخوك فقم للصلاة عليه فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن قتيل المعتصم المعروف بسلمة، فلمّا صرنا بالدار إذا نحن بالحسن بن علي (عليه السلام) مكفّنا فتقدّم جعفر بن علي ليصلّي على أخيه، فلمّا همّ بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج فجذب رداء جعفر بن علي وقال: تأخّر يا عمّ فأنا أحقّ بالصلاة على أبي، فتأخّر جعفر وقد أربد وجهه، فتقدّم الصبي فصلّى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه ثمّ قال: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك.
فدفعتها إليه وقلت في نفسي: هذه اثنتان بقي الهميان، ثمّ خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي من الصبي لنقيم عليه الحجّة؟ فقال: والله ما رأيته ولا عرفته، فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي (عليه السلام) فعرفوا موته فقالوا:
فمن؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي فسلّموا عليه وعزّوه وهنّئوه وقالوا: معنا كتب ومال فتقول ممّن الكتب وكم المال، فقام ينفض أثوابه ويقول: يريدون منّا أن نعلم الغيب.
قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان وهميان فيه ألف دينار وعشر دنانير منها مطلسة، فدفعوا الكتب والمال وقالوا: الذي وجّه بك لأجل ذلك هو الإمام، فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك فوجه المعتمد خدمه، فقبضوا على صيقل الجارية وطالبوها بالصبي فأنكرته وادّعت حملا بها لتغطي على حال الصبي، فسلّمت على ابن أبي الشوارب وبلغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم، والحمد لله ربّ العالمين(1137).
السادس:
ممّن رآه في غيبته الصغرى: وفي كشف الغمّة عن رشيق حاجب المادرائي(1138):
بعث إلينا المعتضد وأمرنا أن نركب ونحن ثلاثة نفر ونخرج مخفين السروج ونجنب اخرى(1139) وقال: الحقوا بسامراء واكبسوا دار الحسن بن علي فإنّه توفي، ومن رأيتم في داره فأتوني برأسه، فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدناها دارا سرية كأن الأيدي رفعت عنها في ذلك الوقت، فرفعنا الستر وإذا سرداب في الدار الاخرى فدخلناها وكأن بحرا فيها، وفي أقصاه حصير، وقد علمنا أنّه على الماء وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلّي فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا، فسبق أحمد بن عبد الله ليخطي فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتّى مددت يدي إليه فجلست فخلّصته وأخرجته فغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك فناله مثل ذلك، فبقيت مبهوتا فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلى الله وإليك، فو الله ما علمت كيف الخبر وإلى من نجي ء، وأنا تائب إلى الله، فما التفت إلي بشيء ممّا قلت فانصرفنا إلى المعتضد فقال: اكتموه وإلّا ضربت رقابكم(1140).
السابع:
ممّن رآه في غيبته الصغرى: في البحار عن يعقوب بن يوسف الضراب الغساني في منصرفه من أصفهان قال: حججت في سنة إحدى وثمانين ومائتين، وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلدنا فلمّا قدمنا مكّة تقدّم بعضهم فاكترى لنا دارا في زقاق بين سوق الليل، وهي دار خديجة تسمّى دار الرضا، وفيها عجوز سمراء فسألتها - لما وقفت على أنّها دار الرضا - ما تكونين من أصحاب هذه الدار؟ ولم سمّيت دار الرضا؟ فقالت: أنا من مواليهم وهذه دار الرضا علي بن موسى (عليه السلام)، أسكننيها الحسن بن علي (عليه السلام) فإنّي كنت من خدمه.
فلمّا سمعت ذلك منها أنست بها وأسررت الأمر عن رفقائي المنافقين المخالفين، فكنت إذا انصرفت من الطواف بالليل أنام معهم في رواق الدار، وتغلق الباب ونلقي خلف الباب حجرا كبيرا كنّا نديره خلف الباب، فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنّا فيه شبيها بضوء المشعل، ورأيت الباب قد انفتح ولا أرى أحدا فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلا ربعة أسمر إلى الصفرة مائل، قليل اللحم، في وجهه سجادة، عليه قميصان وإزار رقيق، قد تقنّع به وفي رجله نعل طاق، فصعد إلى الغرفة في الدار حيث كانت العجوز تسكن، وكانت تقول لنا إنّ في الغرفة ابنة لا تدع أحدا يصعد إليها، فكنت أرى الضوء الذي رأيته يضيء في الرواق على الدرجة عند صعود الرجل إلى الغرفة التي يصعدها، ثمّ أراه في الغرفة من غير أن أرى السراج بعينه، وكان الذين معي يرون مثل ما أرى، فتوهّموا أنّ هذا الرجل يختلف إلى ابنة العجوز وأن يكون قد تمتّع بها، فقالوا: هؤلاء البلدية يرون المتعة وهذا حرام لا يحلّ فيما زعموا، وكنّا نراه يدخل ويخرج ويجيء إلى الباب وإذا الحجر على حاله الذي تركناه، وكنّا نغلق هذا الباب خوفا على متاعنا، وكنّا لا نرى أحدا يفتحه أو يغلقه والرجل يدخل ويخرج والحجر خلف الباب إلى وقت ننحيه إذا خرجنا.
فلمّا رأيت هذه الأسباب ضرب على قلبي ووقعت في قلبي فتنة، فتلطّفت العجوز وأحببت أن أقف على خبر الرجل فقلت لها: يا فلانة إنّي أحبّ أن أسألك وافاوضك من غير حضور من معي فلا أقدر عليه، فأنا احبّ إذا رأيتني في الدار وحدي أن تنزلي إلي لأسألك عن أمر، فقالت لي مسرعة: وأنا أريد أن أسرّ إليك شيئا فلم يتهيّأ لي ذلك من أجل من معك، فقلت: ما أردت أن تقولي؟ فقالت: يقول لك - ولم تذكر أحدا - لا تحاشن أصحابك وشركاءك ولا تلاحهم فإنّهم أعداؤك ودارهم. فقلت لها: من يقول؟ فقالت: أنا أقول، فلم أجسر لما دخل قلبي من الهيبة أن اراجعها فقلت: أيّ أصحابي تعنين؟ وظننت أنّها تعني رفقائي الذين كانوا حجّاجا معي.
قالت: شركاؤك الذين في بلدك وفي الدار معك. وكان جرى بيني وبين الذين معي في الدار شركة عنت في الدين، فسعوا إلي حتّى هربت واستترت بذلك السبب، فوقفت على أنّها عنت اولئك، فقلت لها: ما تكونين أنت من الرضا؟ فقالت: كنت خادمة للحسن بن علي (عليه السلام)، فلمّا استيقنت ذلك قلت لأسألها عن النائب فقلت: بالله عليك رأيته بعينك؟
فقالت: يا أخي لم أره بعيني فإنّي خرجت واختي حبلى وبشّرني الحسن بن علي (عليه السلام) بأنّي سوف أراه في آخر عمري، وقال لي: تكونين له كما كنت لي، وأنا اليوم منذ كذا بمصر، وإنّما قدمت الآن بكتابة ونفقة وجّه بها إلي على يد رجل من أهل خراسان لا يفصح بالعربية وهي ثلاثون دينارا، وأمرني أن أحجّ سنتي هذه فخرجت رغبة منّي في أن أراه، فوقع في قلبي أنّ الرجل الذي كنت أراه هو، فأخذت عشرة دراهم صحاحا فيها ستّة رضوية ومن ضرب الرضا (عليه السلام)، قد كنت خبأتها لالقيها في مقام إبراهيم، وكنت نذرت ونويت ذلك فدفعتها إليها وقلت في نفسي: أدفعها إلى قوم من ولد فاطمة أفضل ممّا ألقيها في المقام وأعظم ثوابا، فقلت لها: ادفعي هذه الدراهم إلى من يستحقّها من ولد فاطمة، وكان في نيّتي أنّ الذي رأيته هو الرجل، وإنّما تدفعها إليه فأخذت الدراهم وصعدت وبقيت ساعة ثمّ نزلت وقالت: يقول لك: ليس لنا فيها حقّ اجعلها في الموضع الذي نويت، ولكن هذه الرضوية خذ منّا بدلها وألقها في الموضع الذي نويت، ففعلت وقلت في نفسي: الذي امرت به عن الرجل.
ثمّ كان معي نسخة توقيع خرج إلى القاسم بن العلاء بأذربايجان فقلت لها: تعرضين هذه النسخة على إنسان قد رأى توقيعات الغائب؟ فقالت: ناولني فإنّي أعرفه، فأريتها النسخة وظننت أنّ المرأة تحسن أن تقرأ، فقالت: لا يمكنني أن أقرأ في هذا المكان، فصعدت الغرفة ثمّ أنزلته فقالت: صحيح وفي التوقيع: أبشّركم ببشرى ما بشّرت به غيركم، ثمّ قالت: يقول لك: إذا صلّيت على نبيّك كيف تصلّي؟ فقلت: أقول: اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وبارك على محمّد وآل محمّد كأفضل ما صلّيت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد. فقالت: لا، إذا صلّيت فصلّ عليهم كلّهم وسمّهم. فقلت: نعم، فلمّا كان من الغد نزلت ومعها دفتر صغير فقالت: يقول لك: إذا صلّيت على النبيّ فصلّ عليه وعلى أوصيائه على هذه النسخة، فأخذتها وكنت أعمل بها، ورأيت عدّة ليال قد نزل من الغرفة وضوء السراج قائم وكنت أفتح الباب وأخرج على أثر الضوء، وأنا أراه أعني الضوء ولا أرى أحدا حتّى يدخل المسجد، وأرى جماعة من الرجال من بلدان شتّى يأتون باب هذه الدار، فبعضهم يدفعون إلى العجوز رقاعا معهم، ورأيت العجوز قد دفعت إليهم كذلك الرقاع فيكلّمونها وتكلّمهم ولا أفهم عينهم، ورأيت منهم في منصرفنا جماعة في طريقي إلى أن قدمت بغداد.
ونسخة الدفتر الذي خرج: بسم الله الرّحمن الرحيم اللهمّ صلّ على محمّد سيّد المرسلين وخاتم النبيّين وحجّة ربّ العالمين، المنتخب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهّر من كل آفة، البريء من كلّ عيب، المؤمّل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوّض إليه دين الله. اللهمّ شرّف بنيانه وعظّم برهانه وأفلح حجّته وارفع درجته وأضئ نوره وبيّض وجهه، وأعطه الفضل والفضيلة والدرجة والوسيلة الرفيعة وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأوّلون والآخرون.
وصلّ على أمير المؤمنين ووارث المرسلين وقائد الغرّ المحجّلين وسيّد الوصيّين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على الحسن بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على الحسين بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على علي بن الحسين إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على محمّد بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على جعفر بن محمّد إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على موسى بن جعفر إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على علي بن موسى إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على محمد بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على علي بن محمد إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على الحسن بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على الخلف الصالح الهادي المهدي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين.
اللهمّ صلّ على محمّد وأهل بيته الأئمّة الهادين المهديين العلماء الصادقين الأبرار المتّقين، دعائم دينك وأركان توحيدك وتراجمة وحيك وحجّتك على خلقك وخلفائك في أرضك، الذين اخترتهم لنفسك واصطفيتهم على عبادك وارتضيتهم لدينك وخصصتهم بمعرفتك وجللتهم بكرامتك وغشيتهم برحمتك وربيتهم بنعمتك وغذيتهم بحكمتك وألبستهم نورك ورفعتهم في ملكوتك وحففتهم بملائكتك وشرّفتهم بنبيّك.
اللهمّ صلّ على محمّد وعليهم صلاة كثيرة دائمة طيّبة لا يحيط بها إلّا أنت ولا يسعها إلّا علمك ولا يحصيها أحد غيرك.
اللهمّ وصلّ على وليّك المحيي سنّتك القائم بأمرك الداعي إليك الدليل عليك وحجّتك على خلقك وخليفتك في أرضك وشاهدك على عبادك، اللهمّ أعزّ نصره ومدّ في عمره وزيّن الأرض بطول بقائه، اللهمّ اكفه بغي الحاسدين وأعذه من شرّ الكائدين وازجر عنه إرادة الظالمين وخلّصه من أيدي الجبّارين، اللهمّ أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصّته وعامّته وعدوّه وجميع أهل زمانه ما تقرّبه عينه وتسرّ به نفسه، وبلّغه أفضل أمله في الدنيا والآخرة إنّك على كلّ شيء قدير.
اللهمّ جدّد به ما محي من دينك، وأحي به ما بدّل من كتابك، وأظهر به ما غير من حكمك حتى يعود دينك به وعلى يديه غضّا جديدا خالصا مخلصا لا شكّ فيه ولا شبهة معه ولا باطل عنده ولا بدعة لديه. اللهمّ نوّر بنوره كلّ ظلمة وهدّ بركنه كل بدعة واهدم بعزّته كلّ ضلالة واقسم به كلّ جبّار وأخمد بسيفه كلّ نار وأهلك بعدله كلّ جائر وأجر حكمه على كلّ حكم وأذلّ بسلطانه كلّ سلطان. اللهمّ أذلّ كلّ من ناواه وأهلك كل من عاداه وامكر بمن كاده واستأصل من جحد حقّه واستهان بأمره وسعى في إطفاء نوره وأراد إخماد ذكره.
اللهمّ صلّ على محمّد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن الرضا والحسين المصطفى وجميع الأوصياء مصابيح الدجى وأعلام الهدى ومنار التقى والعروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم، وصل على وليّك وولاة عهده والأئمّة من ولده ومدّ في أعمارهم وزد في آجالهم وبلغهم أقصى آمالهم دينا ودنيا وآخرة إنّك على كلّ شيء قدير(1141).
الثامن:
ممّن رآه في غيبته الصغرى: في الكافي عن أبي سعيد غانم الهندي قال: كنت بمدينة الهند المعروفة بقشمير الداخلة، وأصحاب لي يقعدون على كراسي عن يمين الملك أربعون رجلا، كلّهم يقرأ الكتب الأربعة، التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم، نقضي بين الناس ونفقّههم في دينهم ونفتيهم في حلالهم وحرامهم، يفزع إلينا الملك ومن دونه، فتجارينا ذكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقلنا: هذا النبي المذكور في الكتب قد خفي علينا أمره ويجب علينا الفحص عنه وطلب أثره، واتفق رأينا وتوافقنا على أن أخرج فأرتاد لهم، فخرجت ومعي مال جليل فسرت اثني عشر شهرا حتّى قربت من كابل، فعرض لي قوم من الترك فقطعوا علي وأخذوا مالي وجرحت جراحات شديدة، ودفعت إلى مدينة كابل فأنفذني ملكها لمّا وقف على خبري إلى مدينة بلخ، وعليها إذ ذاك داود بن العباس بن أبي أسود فبلغه خبري وأنّي خرجت مرتادا من الهند، وتعلّمت الفارسية وناظرت الفقهاء وأصحاب الكلام فأرسل إلى داود بن العبّاس فأحضرني مجلسه، وجمع عليّ الفقهاء فناظروني فأعلمتهم أنّي خرجت من بلدي أطلب هذا النبي الذي وجدته في الكتب.
فقال لي: من هو؟ وما اسمه؟ فقلت: محمّد فقال: هو نبيّنا تطلب، فسألتهم عن شرائعه فأعلموني، فقلت لهم: أنا أعلم أنّ محمّدا لنبي ولا أعلمه هذا الذي تصفون أم لا، فأعلموني موضعه لأقصده فأسأله عن علامات عندي ودلالات، فإن كان صاحبي الذي طلبت آمنت به، فقالوا قد مضى (صلّى الله عليه وآله)، قلت: فمن وصيّه وخليفته؟ فقالوا: أبو بكر. قلت: فسمّوه لي فإنّ هذه كنيته؟ قالوا: عبد الله بن عثمان، ونسبوه إلى قريش. قلت: فانسبوا لي محمّدا، وهل لمحمّد قرابة إلى وصيّه وخليفته؟ فنسبوه، فقلت: ليس هذا صاحبي الذي طلبت، صاحبي الذي أطلبه خليفته أخوه في الدين وابن عمّه في النسب وزوج ابنته وأبو ولده، وليس لهذا النبي ذريّة على الأرض غير ولد هذا الرجل الذي هو خليفته.
قال: فوثبوا بي وقالوا: يا أيّها الأمير إنّ هذا قد خرج من الشرك إلى الكفر هذا حلال الدم.
فقلت لهم: يا قوم أنا رجل معي دين متمسّك به لا افارقه حتّى أرى ما هو أقوى منه، إنّي وجدت صفة الرجل في الكتب الذي أنزلها الله عزّ وجلّ على أنبيائه، وإنّما خرجت من بلاد الهند ومن العزّ الذي كنت فيه طلبا له، فلمّا فحصت عن أمر صاحبكم الذي ذكرتم لم يكن النبي الموصوف في الكتب فكفّوا عنّي، وبعث العامل إلى رجل يقال له الحسين بن أسكب فدعاه فقال له: ناظر هذا الرجل الهندي، فقال له الحسين: أصلحك الله عندك الفقهاء والعلماء وهم أعلم وأبصر بمناظرته، فقال له: ناظره كما أقول لك واخل به والطف به، فقال لي الحسين بن إسكيب بعد ما فاوضته: إنّ صاحبك الذي تطلبه هو النبي الذي وصفه هؤلاء وليس الأمر في خليفته كما قالوا، هذا النبيّ محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب ووصيّه علي ابن أبي طالب بن عبد المطّلب وهو زوج فاطمة بنت محمّد (صلّى الله عليه وآله) وأبو الحسن والحسين سبطي محمّد (صلّى الله عليه وآله).
قال غانم أبو سعيد: فقلت: الله أكبر هذا الذي طلبت فانصرفت إلى داود بن العبّاس فقلت له: أيّها الأمير وجدت ما طلبت وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله. قال:
فبرّني ووصلني وقال للحسين تفقده. قال: فمضيت إليه حتّى أنست به وفقّهني فيما احتجت إليه من الصلاة والصيام والفرائض. قال: فقلت له: إنّا نقرأ في كتبنا أنّ محمّدا خاتم النبيّين لا نبي بعده وأنّ الأمر من بعده إلى وصيّه وخليفته من بعده، ثمّ إلى الوصي، لا يزال أمر الله جاريا في أعقابهم حتّى تنقضي الدنيا فمن وصي وصي محمد؟
قال: الحسن ثمّ الحسين (عليهما السلام) ابنا محمّد، ثمّ ساق الأمر في الوصية حتّى انتهى إلى صاحب الزمان (عليه السلام)، ثمّ أعلمني ما حدث فلم يكن لي همّة إلّا طلب الناحية، فوافى قم وفد من أصحابنا في سنة أربع وستّين، وخرج معهم حتى وافى بغداد ومعه رفيق له من أهل السند كان صحبه على المذهب، فحدّثني غانم قال: وأنكرت من رفيقي بعض أخلاقه فهجرته، وخرجت حتّى صرت إلى العبّاسية أتهيّأ للصلاة واصلّي وأنا واقف متفكّرا فيما قصدت لطلبه إذا أنا بآت قد أتاني فقال: أنت فلان - اسمه بالهند - ؟ قلت: نعم، قال: أجب مولاك، فمضيت معه فلم يزل يتخلّد في الطرق حتّى أتى دارا وبستانا فإذا أنا به (عليه السلام) جالس فقال: مرحبا يا فلان - بكلام الهند - كيف حالك وكيف خلفت فلانا وفلانا وفلانا، حتّى عدّ الأربعين كلّهم فسألني عنهم واحدا واحدا، ثمّ أخبرني بما تجاريناه كلّ ذلك بكلام الهند، ثمّ قال: أردت أن تحجّ مع أهل قم؟ قلت: نعم يا سيدي. فقال: لا تحجّ معهم وانصرف سنتك هذه وحجّ في قابل، ثمّ ألقى إليّ صرّة كانت بين يديه فقال لي: اجعلها نفقتك ولا تدخل إلى بغداد إلى فلان - سمّاه - ولا تطلعه على شيء وانصرف إلينا إلى البلد، ثمّ وافانا بعض الفيوج فأعلمونا أنّ أصحابنا انصرفوا من العقبة، ومضى نحو خراسان فلمّا كان في قابل حجّ وأرسل إلينا بهدية من طرف خراسان فأقام بها مدّة ثمّ مات (رحمه الله)(1142).
التاسع:
ممّن رآه في غيبته الصغرى: في البحار عن محمد بن أحمد بن خلف قال: نزلنا مسجدا في المنزل المعروف بالعبّاسية على مرحلتين من فسطاط مصر، وتفرّق غلماني في النزول وبقي معي في المسجد غلام أعجمي، فرأيت في زاويته شيخا كثير التسبيح فلمّا زالت الشمس ركعت وصلّيت الظهر في أوّل وقتها ودعوت بالطعام وسألت الشيخ أن يأكل معي فأجابني، فلمّا طعمنا سألته عن اسمه واسم أبيه وعن بلده وحرفته، فذكر أنّ اسمه محمد بن عبيد الله وأنّه من أهل قم، وذكر أنّه يسيح منذ ثلاثين سنة في طلب الحقّ وينتقل في البلدان والسواحل، وأنّه أوطن مكّة والمدينة نحو عشرين سنة يبحث عن الأخبار ويتتبع الآثار، فلمّا كان في سنة ثلاث وتسعين ومائتين طاف بالبيت، ثمّ صار إلى مقام إبراهيم فركع فيه وغلبته عينه فأنبهه صوت دعاء لم يجر في سمعه مثله.
قال: فتأمّلت الداعي فإذا هو شاب أسمر لم أرقط في حسن صورته واعتدال قامته، ثمّ صلّى فخرج وسعى فتبعته وأوقع الله في نفسي أنّه صاحب الزمان، فلمّا فرغ من سعيه قصد بعض الشعاب فقصدت أثره، فلمّا قربت منه إذا أنا بأسود مثل الفنيق(1143) قد اعترضني فصاح بي بصوت لم أسمع أهول منه: ما تريد عافاك الله؟ فارتعدت ووقفت وزال الشخص عن بصري وبقيت متحيّرا، فلمّا طال بي الوقوف والحيرة انصرفت ألوم نفسي وأعذلها بانصرافي بزجرة الأسود، فخلوت بربّي عزّ وجلّ أدعوه وأسأله بحقّ رسوله وآله أن لا يخيب سعيي، وأن يظهر لي ما يثبّت به قلبي ويزيد في بصري، فلمّا كان بعد سنين زرت قبر المصطفى (صلّى الله عليه وآله)، فبينا أنا في الروضة التي بين القبر والمنبر إذ غلبتني عيني فإذا محرّك يحرّكني فاستيقظت فإذا أنا بالأسود فقال: ما خبرك وكيف كنت؟ فقلت: أحمد الله وأذمّك. فقال: لا تفعل فإنّي امرت بما خاطبتك، به وقد أدركت خيرا كثيرا فطب نفسا وازدد من الشكر لله عزّ وجلّ على ما أدركت وعاينت، ما فعل فلان - وسمّى بعض إخواني المستبصرين - فقلت: ببرقة(1144).
فقال: صدقت ففلان؟ - وسمّى رفيقا لي مجتهدا في العبادة مستبصرا في الديانة، فقلت:
بالاسكندرية، حتّى سمّى لي عدّة من إخواني، ثمّ ذكر اسما غريبا فقال: ما فعل فغفور؟
قلت: لا أعرفه. فقال: كيف لا تعرفه وهو رومي فيهديه الله فيخرج ناصر من قسطنطينة.
ثمّ سألني عن رجل آخر فقلت: لا أعرفه. فقال: هذا رجل من أهل هيت من أنصار مولاي، امض إلى أصحابك فقل لهم: نرجو أن يكون قد أذن الله في الانتصار للمستضعفين وفي الانتقام من الظالمين، وقد لقيت جماعة من أصحابي وأديت إليهم وأبلغتهم ما حملت وأنا منصرف، واشير عليك أن لا تتلبّس بما يثقل به ظهرك وتتعب به جسمك، وأن تحبس نفسك على طاعة ربّك فإنّ الأمر قريب إن شاء الله، فأمرت خازني فأحضر لي خمسين دينارا وسألته قبولها فقال: يا أخي قد حرّم الله علي أن آخذ منك ما أنا مستغن عنه كما أحلّ لي أن آخذ منك الشيء إذا احتجت إليه.
فقلت: هل سمع هذا الكلام منك أحد غيري من أصحاب السلطان؟ فقال: نعم أخوك أحمد بن الحسين الهمداني المدفوع عن نعمته بأذربايجان، وقد استأذن للحج أملا أن يلقى ما لقيت، فحجّ أحمد بن الحسين الهمداني (رحمه الله) في تلك السنة فقتله زكرويه بن مهرويه، وافترقنا وانصرفت إلى الثغر، ثمّ حججت فلقيت بالمدينة رجلا اسمه طاهر من ولد الحسين الأصغر يقال إنّه يعلم من هذا الأمر شيئا، فثابرت عليه حتّى أنس بي وسكن إلي، ووقف على صحّة عقيدتي فقلت له: يا ابن رسول الله بحق آبائك الطاهرين لما جعلتني مثلك في العلم بهذا الأمر، فقد شهد عندي من توثقه بقصد القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب إيّاي بمذهبي واعتقادي، وإنّه غزا بلادي مرارا فسلّمني الله منه. فقال: يا أخي اكتم ما تسمع منّي الخبر في هذه الجبال، وإنّما يرى العجائب الذين يحملون الزاد في الليل ويقصدون به مواضع يعرفونها، فقد نهينا عن الفحص والتفتيش، فودّعته وانصرفت عنه(1145).
العاشر:
ممّن رآه في غيبته الصغرى: في البحار عن يوسف بن أحمد الجعفري قال:
حججت سنة ست وثلاثمائة وجاورت بمكّة تلك السنة وما بعدها إلى سنة تسع وثلاثمائة ثمّ خرجت عنها منصرفا إلى الشام، فبينا أنا في بعض الطريق وقد فاتتني صلاة الفجر فنزلت من المحمل وتهيّأت للصلاة، فرأيت أربعة نفر في محمل فوقفت أعجب منهم فقال أحدهم: مم تعجب، تركت صلاتك وخالفت مذهبك؟ فقلت للذي يخاطبني: وما علمك بمذهبي؟ فقال: تحبّ أن ترى صاحب زمانك؟ فقلت: نعم، فأومى إلى أحد الأربعة. فقلت:
إنّ له دلائل وعلامات، فقال: أيّما أحبّ إليك أن ترى الجمل وما عليه صاعدا إلى السماء، أو ترى المحمل صاعدا إلى السماء؟ فقلت: أيّهما كان فهي دلالة؟ فرأيت الجمل وما عليه يرتفع إلى السماء، وكان الرجل أومى إلى رجل به سمرة وكأن لونه الذهب، بين عينيه سجادة(1146).
الحادي عشر:
ممّن رآه في غيبته الصغرى: عن علي بن إبراهيم الأودي قبل سنة ثلاثمائة: بينا أنا في الطواف قد طفت ستّة وأريد أن أطوف السابعة، فإذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة وشاب حسن الوجه، طيّب الرائحة، هيوب ومع هيبته متقرّب إلى الناس، فلم أر أحسن من كلامه ولا أعذب من منطقه في حسن جلوسه فذهبت اكلّمه فزبرني(1147) الناس، فسألت بعضهم: من هذا؟ فقال: ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يظهر للناس في كلّ سنة يوما لخواصّه فيحدّثهم. فقلت: مسترشدا إيّاك فأرشدني هداك الله.
قال: فناولني حصاة فحوّلت وجهي فقال لي بعض جلسائه: ما الذي دفع إليك ابن رسول الله؟ فقلت: حصاة، فكشفت عن يدي فإذا أنا بسبيكة من ذهب فذهبت، فإذا أنا به قد لحقني فقال: ثبتت عليك الحجّة، وظهر لك الحقّ، وذهب عنك العمى أتعرفني؟ فقلت:
اللهمّ لا. قال: أنا المهدي، أنا قائم الزمان، أنا الذي أملأها عدلا كما ملئت جورا، إنّ الأرض لا تخلو من حجّة، ولا يبقى الناس في فترة أكثر من تيه بني إسرائيل، وقد ظهر أيّام خروجي، فهذه أمانة في رقبتك فحدّث بها إخوانك من أهل الحقّ(1148).
الثاني عشر: ممّن رآه في غيبته الصغرى: في البحار عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري قال: كنت حاضرا عند المستجار بمكّة وجماعة زهاء ثلاثين رجلا، لم يكن منهم مخلص غير محمّد بن القاسم العلوي، فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجّة سنة ثلاث وتسعين ومائتين؛ إذ خرج علينا شاب من الطواف، عليه إزاران محرم بهما وفي يده نعلان، فلمّا رأيناه قمنا جميعا هيبة له، ولم يبق منّا أحد إلّا قام فسلّم علينا وجلس متوسّطا ونحن حوله، ثمّ التفت يمينا وشمالا ثمّ قال: أتدرون ما كان يقول أبو عبد الله (عليه السلام) في دعائه الإلحاح؟ قلنا: وما كان يقول؟
قال: كان يقول: اللهمّ إنّي أسألك باسمك الذي به تقوم السماء وبه تقوم الأرض وبه تفرّق بين الحقّ والباطل وبه تجمع بين المتفرّق وبه تفرّق بين المجتمع، وبه أحصيت عدد الرمال وزنة الجبال وكيل البحار، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تجعل لي من أمري فرجا ومخرجا، ثمّ نهض ودخل الطواف فقمنا لقيامه حتّى انصرف، ونسينا أن نذكر أمره وأن نقول من هو وأي شيء هو إلى الغد في ذلك الوقت، فخرج علينا من الطواف فقمنا له كقيامنا بالأمس وجلس في مجلسه متوسّطا وتوسّطنا، فنظر يمينا وشمالا وقال: أتدرون ما كان يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد صلاة الفريضة؟ فقلنا: وما كان يقول؟
قال: كان يقول إليك رفعت الأصوات ودعيت الدعوة، ولك عنت الوجوه، ولك خضعت الرقاب، وإليك التحاكم في الأعمال، يا خير من سئل ويا خير من أعطى يا صادق يا بارئ، يا من لا يخلف الميعاد يا من أمر بالدعاء ووعد بالإجابة يا من قال (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(1149) يا من قال: (وإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ولْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)(1150) يا من قال: (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(1151) لبيك وسعديك، ها أنا ذا بين يديك المسرف وأنت القائل: (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)(1152) ثمّ نظر يمينا وشمالا بعد هذا الدعاء فقال: أتدرون ما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في سجدة الشكر؟ فقلت: وما كان يقول؟
قال: كان يقول: يا من لا تزيده كثرة العطاء إلّا سعة وعطاء، يا من لا تنفد خزائنه، يا من له خزائن السماوات والأرض، يا من له خزائن ما دق وجل لا تمنعك إساءتي من إحسانك، أنت تفعل بي الذي أنت أهله فأنت أهل الجود والكرم والعفو والتجاوز، يا رب يا الله لا تفعل بي الذي أنا أهله فإنّي أهل العقوبة وقد استحققتها لا حجّة لي ولا عذر لي عندك، أبوء لك بذنوبي كلّها وأعترف بها كي تعفو عنّي وأنت أعلم بها منّي، أبوء لك بكل ذنب أذنبته وكلّ خطيئة احتملتها وكلّ سيّئة عملتها، ربّ اغفر لي وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت الأعزّ الأكرم. وقام فدخل الطواف فقمنا لقيامه، وعاد من الغد في ذلك الوقت فقمنا لإقباله كفعلنا فيما مضى، فجلس متوسطا ونظر يمينا وشمالا فقال: كان علي بن الحسين سيّد العابدين يقول في سجوده في هذا الموضع - وأشار بيده إلى الحجر تحت الميزاب - : عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، فقيرك بفنائك، سائلك بفنائك يسألك ما لا يقدر عليه غيرك.
ثمّ نظر يمينا وشمالا ونظر إلى محمّد بن القاسم من بيننا فقال: يا محمّد بن القاسم أنت على خير إن شاء الله، وكان محمد بن القاسم يقول بهذا الأمر، ثمّ قام فدخل الطواف فما بقي منّا أحد إلّا وقد الهم ما ذكره من الدعاء، ونسينا أن نتذاكر أمره إلّا في آخر يوم، فقال لنا أبو علي المحمودي: يا قوم أتعرفون هذا؟ هذا والله صاحب زمانكم. فقلنا: وكيف علمت يا أبا علي؟ فذكر أنّه مكث سبع سنين يدعو ربّه ويسأله معاينة صاحب الزمان، قال: فبينا نحن يوما عشية عرفة وإذا بالرجل بعينه يدعو بدعاء وعيته، فسألته ممّن هو؟ فقال: من الناس.
قلت: من أيّ الناس؟ قال: من عربها. قلت: من أيّ عربها؟ قال: من أشرفها. قلت: ومن هم؟
قال: بنو هاشم. قلت: من أيّ بني هاشم؟ قال: من أعلاها ذروة وأسناها. قلت: ممّن؟ قال:
ممّن فلق إلهام وأطعم الطعام وصلّى والناس نيام. فقال: فعلمت أنّه علوي فأحببته على العلويّة، ثمّ افتقدته من بين يديّ، فلم أدر كيف مضى، فسألت القوم الذين كانوا حوله تعرفون هذا العلوي؟ قالوا: نعم يحجّ معنا في كلّ سنة ماشيا. فقلت: سبحان الله والله ما أرى به أثر مشي.
قال: فانصرفت إلى المزدلفة كئيبا حزينا على فراقه ونمت من ليلتي تلك فإذا أنا برسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: يا أحمد رأيت طلبتك. فقلت: ومن ذاك يا سيّدي؟ فقال: الذي رأيته في عشيتك هو صاحب زمانك. قال: فلمّا سمعنا ذلك منه عاتبناه أن لا يكون أعلمنا ذلك، فذكر أنّه كان ينسى أمره إلى وقت ما حدثنا به(1153).
الثالث عشر:
ممّن رآه في غيبته الصغرى: في البحار عن الزهري قال: طلبت هذا الأمر طلبا شافيا حتّى ذهب لي فيه مال صالح، فوقعت إلى العمري وخدمته ولزمته وسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان فقال لي: ليس إلى ذلك وصول، فخضعت فقال لي: بكّر بالغداة، فوافيت واستقبلني ومعه شاب من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة بهيئة التجّار، وفي كمّه شيء كهيئة التجّار، فلمّا نظرت إليه دنوت من العمري فأومى إلي فعدلت إليه وسألته فأجابني عن كلّ ما أردت، ثمّ مرّ ليدخل الدار وكانت من الدور التي لا نكترث لها، فقال العمري: إذا أردت أن تسأل سل فإنّك لا تراه بعد ذا، فذهبت لأسأل فلم يسمع ودخل الدار وما كلّمني بأكثر من أن قال: ملعون ملعون من أخّر العشاء إلى أن تشتبك النجوم، ملعون ملعون من أخّر الغداة إلى أن تنقضي النجوم، ودخل الدار(1154).
الرابع عشر:
ممّن رآه في غيبته الصغرى: في الكافي عن بعض أهل المدائن قال: كنت حاجّا مع رفيق لي فوافينا إلى الموقف فإذا شاب قاعد عليه إزار ورداء، وفي رجله نعل صفراء، قوّمت الإزار والرداء بمائة وخمسين دينارا، وليس فيه أثر السفر، فدنا منّا سائل فرددناه فدنا من الشاب فسأله فحمل شيئا من الأرض وناوله، فدعا له السائل واجتهد في الدعاء وأطال فقام الشاب وغاب عنّا، فدنونا من السائل فقلنا له: ويحك ما أعطاك، فأرانا حصاة ذهب مضرسة قدرناها عشرين مثقالا فقلت لصاحبي: مولانا عندنا ونحن لا ندري، ثمّ ذهبنا في طلبه فدرنا الموقف كلّه فلم نقدر عليه، فسألنا من كان حوله من أهل مكّة والمدينة فقالوا: شاب علوي يحجّ في كلّ سنة ماشيا(1155).
الخامس عشر:
ممّن رآه في غيبته الصغرى: في البحار عن أبي ذر أحمد بن أبي سورة وهو محمد بن الحسن بن عبد الله التميمي وكان زيديا قال: سمعت هذه الحكاية من جماعة يروونها عن أبي (رحمه الله) أنّه خرج إلى الحير قال: فلمّا صرت إلى الحير إذا شاب حسن الوجه يصلّي، ثمّ إنّه ودّع وودّعت وخرجنا فجئنا إلى الشرعة فقال لي: يا أبا سورة، أين تريد؟
فقلت: الكوفة. فقال لي: مع من؟ قلت: مع الناس. قال لي: لا تريد نحن جميعا نمضي. قلت:
ومن معنا؟ فقال: ليس نريد معنا أحدا.
قال: فمشينا ليلتنا فإذا نحن على مقابر مسجد السهلة فقال لي: هو ذا منزلك فإن شئت فامض، فسألني الرجل عن حالي فأخبرته بضيقتي وبعيلتي، فلم يزل يماشيني حتى انتهيت إلى النواويس في السحر فجلسنا، ثمّ حفر بيده فإذا الماء قد خرج فتوضّأ ثمّ صلّى ثلاث عشرة ركعة ثمّ قال: امض إلى أبي الحسن علي بن يحيى فأقرئه السلام وقل له: يقول لك الرجل ادفع إلى أبي سورة من السبعمائة دينار التي مدفونة في موضع كذا وكذا مائة دينار، وإنّي مضيت من ساعتي إلى منزله فدققت الباب فقيل: من هذا؟ فقلت قولي لأبي الحسن:
هذا أبو سورة، فسمعته يقول: ما لي ولأبي سورة ثمّ خرج إلي فسلّمت عليه، وقصصت عليه الخبر فدخل وأخرج إليّ مائة دينار فقبضتها فقال: صافحته؟ فقلت: نعم فأخذ يدي فوضعها على عينيه ومسح بها وجهه(1156).
الفرع السادس في ذكر جملة من معاجزه ودلائله
الاولى:
في كشف الغمّة عن أبي الحسن المسترق الضرير قال: كنت يوما في مجلس حسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة فتذاكر لي أمر الناحية قال: كنت أزري عليها إلى أن حضرت مجلس عمّي الحسين يوما فأخذت أتكلّم في ذلك فقال: يا بني قد كنت أقول بمقالتك هذه إلى أن ندبت إلى ولاية قم حين استصعبت على السلطان، وكان كلّ من ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها، فسلم إلي جيش وخرجت نحوها، فلمّا خرجت إلى ناحية طرز وخرجت إلى الصيد ففاتتني طريدة فاتبعتها وأوغلت في أثرها حتّى بلغت إلى نهر فسرت فيه، كلّما سرت يتسع النهر، فبينا أنا كذلك إذ طلع علي فارس تحته شهباء وهو متعمّم بعمامة خزّ خضراء، لا أرى منه سوى سواد عينيه، وفي رجليه خفّان أحمران فقال لي: يا حسين. وما أمرني وما كنّاني فقلت: ما ذا تريد؟ فقال: لم تزري على الناحية؟ ولم تمنع أصحابي خمس مالك؟
وكنت رجلا وقورا لا أخاف شيئا فأرعدت وتهيبته وقلت له: أفعل يا سيّدي ما تأمر به.
فقال: إذا أتيت إلى الموضع الذي أنت متوجّه إليه، فدخلته عفوا وكسبت ما كسبته فيه تحمل خمسه إلى مستحقّه. فقلت: السمع والطاعة. فقال: امض راشدا ولوى عنان دابته وانصرف، فلم أدر أي طريق سلك فطلبته يمينا وشمالا فخفي عليّ أمره، فازددت رعبا وانكفأت راجعا إلى عسكري وتناسيت الحديث.
فلمّا بلغت قم وعندي أنني اريد محاربة القوم خرج إلي أهلها وقالوا: كنّا نحارب من يجيئنا لخلافهم لنا، وأمّا إذ وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك، ادخل البلدة فدبرها كما ترى، فأقمت فيها زمانا وكسبت أموالا زائدة على ما كنت أتوقّع ثمّ وشى القواد بي إلى السلطان، وحسدت على طول مقامي وكثرة ما اكتسبت، فعزلت ورجعت إلى بغداد فابتدأت بدار السلطان فسلّمت وأقبلت إلى منزلي، وجاءني فيمن جاءني محمد بن العثمان العمري فتخطّى رقاب الناس حتّى اتكأ على متكئي، فاغتظت من ذلك، ولم يزل قاعدا لا يبرح والناس يدخلون ويخرجون، وأنا أزداد غيظا فلمّا تصرّم المجلس دنا لي وقال بيني وبينك سرّ فاسمعه. فقلت: قل. فقال: صاحب الشهباء والنهر يقول: قد وفينا بما وعدنا.
فذكرت الحديث وارتعشت من ذلك وقلت: السمع والطاعة، فقمت وأخذت بيده وفتحت الخزائن، فلم يزل يخمسها إلى أن خمّس شيئا قد كنت أنسيته ممّا كنت قد جمعته وانصرف، ولم أشكّ بعد ذلك وتحقّقت الأمر، فأنا منذ سمعت هذا من عمّي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من شكّ(1157).
المعجزة الثانية:
في كشف الغمّة عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال: لمّا وصلت بغداد في سنة سبع وثلاثين للحجّ، وهي السنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت، كان أكبر همّي بمن ينصب الحجر لأنّي مضى عليّ في أثناء الكتب قصّة أخذه وأنّه ينصبه في مكانه الحجّة في الزمان، كما في زمن الحجّاج وضعه زين العابدين في مكانه فاستقرّ، فاعتللت علّة صعبة خفت فيها على نفسي ولم يتهيأ لي ما قصدت له فاستنبت المعروف بابن هشام، وأعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدّة عمري وهل تكون المنية في هذه العلّة أم لا، وقلت: همّي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه وإنّما أندبك لهذا، فقال المعروف بابن هشام: لما حصلت بمكّة وعزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكّنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه، فأقمت معي منهم من يمنع عنّي ازدحام الناس، فكلّما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله ووضعه في مكانه، فاستقام كأنّه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات فانصرف خارجا من الباب فنهضت من مكاني أتبعه وأدفع الناس عنّي يمينا وشمالا حتّى ظنّ بي الاختلاط في العقل، والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه حتّى انقطع عنّي الناس وكنت أسرع الشدّة خلفه وهو يمشي على تؤدة ولا ادركه، فلمّا حصل بحيث لا يراه أحد غيري وقف والتفت إلي فقال: هات ما معك فناولته الرقعة، فقال من غير أن ينظر فيها: قل له لا خوف عليك في هذه العلّة، ويكون ما لا بدّ منه بعد ثلاثين سنة. قال: فوقع علي الزمع حتّى لم أطق حراكا وتركني وانصرف.
قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة فلمّا كانت سنة سبع وستّين اعتل أبو القاسم، فأخذ ينظر في أمره وتحصيل جهازه إلى قبره، وكتب وصيّته واستعمل الجدّ في ذلك فقيل له: ما هذا الخوف ونرجو أن يتفضّل الله بالسلامة فما عليك مخوفة، فقال: هذه السنة التي وعدت وخوفت منها فمات في علّته(1158).
المعجزة الثالثة:
في البحار عن أبي محمد عيسى بن مهدي الجوهري قال: خرجت في سنة ثمان وستّين ومائتين إلى الحجّ، وكان قصدي المدينة حيث صحّ عندنا أنّ صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) قد ظهر، فاعتللت وقد خرجنا من فيل(1159) فتعلّقت نفسي بشهوة السمك والتمر، فلمّا وردت المدينة ولقيت بها إخواننا وبشّروني بظهوره بصابر فصرت إلى صابر فلمّا أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافا، فدخلت القصر فوقفت أرقب الأمر إلى أن صلّيت العشاءين وأنا أدعو وأتضرّع وأسأل، فإذا أنا ببدر الخادم يصيح بي: يا عيسى ابن مهدي الجوهري ادخل، فكبّرت وهلّلت وأكثرت من حمد الله عزّ وجلّ والثناء عليه، فلمّا صرت في صحن القصر رأيت مائدة منصوبة، فمرّ بي الخادم إليها فأجلسني عليها وقال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علّتك وأنت خارج من فيل. فقلت: حسبي بهذا برهانا فكيف آكل ولم أر سيدي ومولاي؟
فصاح: يا عيسى كل من طعامك فإنّك تراني فجلست على المائدة فإذا عليها سمك حار يفور وتمر إلى جانبه أشبه التمور بتمرنا، وبجانب التمر لبن فقلت في نفسي عليل وسمك وتمر ولبن فصاح بي: يا عيسى أتشكّ في أمرنا فأنت أعلم بما ينفعك ويضرّك؟ فبكيت واستغفرت الله تعالى وأكلت من الجميع، وكلّما رفعت يدي منه لم يتبيّن موضعها فيه فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا فأكلت منه كثيرا حتّى استحييت، فصاح بي لا تستحي يا عيسى فإنّه من طعام الجنّة لم تصنعه يد مخلوق، وأكلت فرأيت نفسي لا تنتهي عنه من أكله فقلت: يا مولاي حسبي. فصاح بي أقبل إليّ، فقلت في نفسي: آتي مولاي ولم أغسل يدي، فصاح بي يا عيسى وهل لما أكلت غمر؟ فشممت يدي وإذا هي أعطر من المسك والكافور، فدنوت منه فبدا لي نور غشّى بصري ورهبت حتّى ظننت أنّ عقلي قد اختلط، فقال (عجّل الله فرجه): يا عيسى ما كان لك أن تراني لو لا المكذّبون القائلون: بأين هو؟ ومتى كان؟ وأين ولد؟ ومن رآه؟ وما الذي خرج إليكم منه؟ وبأيّ شيء نبأكم؟ وأي معجز أتاكم؟
أما والله لقد دفعوا أمير المؤمنين (عليه السلام) مع ما رووه وقدّموا عليه وكادوه وقتلوه وكذلك آبائي، ولم يصدقوهم ونسبوهم إلى السحر وخدمة الجنّ إلى ما تبين، يا عيسى فخبّر أولياءنا ما رأيت وإيّاك أن تخبر عدوّنا فتسلبه، فقلت: يا مولاي ادع لي بالثبات، فقال: لو لم يثبتك الله ما رأيتني، وامض بنجحك راشدا، فخرجت أكثر حمدا لله(1160).
المعجزة الرابعة:
في مدينة المعاجز: سئل محمد بن عبد الحميد البزاز ومحمد بن يحيى ومحمد بن ميمون الخراساني وحسين بن مسعود الفزاري عن جعفر الكذّاب وما جرى من أمره قبل غيبة سيّدنا أبي الحسن وأبي محمد صاحبي العسكري (عليه السلام)، وبعد غيبة سيّدنا أبي محمّد (عليه السلام) وما ادّعاه جعفر وما ادعي له. فحدّثوا أنّ سيّدنا أبا الحسن كان يقول: تجنبوا ابني جعفرا فإنّه منّي بمنزلة نمرود من نوح الذي قال الله عزّ وجلّ فيه: قال نوح (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) قال الله (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ)(1161) وأنّ أبا محمّد (عليه السلام) كان يقول لنا بعد أبي الحسن: الله الله أن يظهر لكم أخي جعفر على سرّ، فو الله ما مثلي ومثله إلّا مثل هابيل وقابيل ابني آدم حيث حسد قابيل هابيل على ما أعطاه من فضله فقلته، ولو تهيّأ لجعفر قتلي لفعل ولكنّ الله غالب على أمره، ولقد عهدنا بجعفر وكلّ من في البلد وكل من في العسكر من الحاشية والرجال والنساء والخدم يشكون إلينا إذا وردنا أمر جعفر فيقولون:
إنّه يلبس المضي من النساء(1162) ويضرب له بالعيدان ويشرب الخمر ويبذل الدراهم والخلع لمن في داره على كتمان ذلك عليه، فيأخذون منه ولا يكتمون.
وإنّ الشيعة بعد أبي محمّد (عليه السلام) أرادوا هجره وتركوا السلام عليه، وقالوا: لا تقية بيننا وبينه نتجمل به، وإن نحن لقيناه وسلمنا عليه ودخلنا داره وذكرناه نحن فنضل الناس فيه وعملوا على ما يروننا نفعله فيكون ذلك من أهل النار، وإنّ جعفرا لمّا كان في ليلة وفاة أبي محمد ختم على الخزائن وكلّما في الدار، وأصبح ولم يبق في الخزائن ولا في الدار إلّا شيء يسير نزر وجماعة من الخدم والإماء فقالوا: لا تضربنا فو الله لقد رأينا الأمتعة والذخائر تحمل وتوقر بها جمال في الشارع، ونحن لا نستطيع الكلام ولا الحركة إلى أن سارت الجمال وتغلقت الأبواب كما كانت، فولّى جعفر على رأسه أسفا على ما أخرج من الدار وإنّه بقي يأكل ما كان له معه ويبيع حتّى لم يبق له قوت يوم، وكان له من الولد أربعة وعشرون ولدا، بنين وبنات وأمّهات أولاد، حشم وخدم وغلمان فبلغ به الفقر إلى أن أمر الجدّة وجدّة أمّ أبي محمد أن يجري عليه من مالها الدقيق واللحم والشعير لدوابه وكسوة أولاده وأمّهاتهم وحشمه وغلمانه ونفقاتهم، ولقد ظهرت منه أشياء أكثر ممّا وصفناه، ونسأل الله العصمة والعافية من البلاء في الدنيا والآخرة(1163).
المعجزة الخامسة:
في البحار عن أحمد الدينوري السراج المكنّى بأبي العبّاس الملقّب باستارة قال: انصرفت من أردبيل إلى دينور واريد أن أحجّ، وذلك بعد مضيّ أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) بسنة أو سنتين، وكان الناس في حيرة فاستبشر أهل دينور بموافاتي واجتمع الشيعة عندي فقالوا: اجتمع عندنا ستّة عشر ألف دينار من مال الموالي ونحتاج أن نحملها معك وتسلّمها بحيث يجب تسليمها. قال: فقلت: يا قوم هذه حيرة ولا نعرف الباب في هذا الوقت؟ قال: فقالوا: إنّما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك، فاعمل على أن لا تخرجه من يديك إلّا بحجّة. قال: فحمل إليّ ذلك المال في صرر باسم رجل رجل، فحملت ذلك المال وخرجت، فلمّا وافيت قرميسين كان أحمد بن الحسن بن الحسن مقيما بها فصرت إليه مسلّما، فلمّا لقيني استبشر بي ثمّ أعطاني ألف دينار في كيس وتخوت ثياب ألوان معكمة لم أعرف ما فيها ثمّ قال لي: احمل هذا معك ولا تخرجه عن يدك إلّا بحجّة. قال: فقبضت المال والتخوت بما فيها من الثياب، فلمّا وردت بغداد لم يكن لي همّة غير البحث عمّن اشير إليه بالنيابة فقيل لي: إنّ هاهنا رجلا يعرف بالباقطاني يدّعي النيابة وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدّعي النيابة وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدّعي النيابة.
قال: فبدأت بالباقطاني وصرت إليه فوجدته شيخا مهيبا له مروّة ظاهرة وفرس عربي وغلمان كثير، ويجتمع إليه الناس يتناظرون قال: فدخلت إليه وسلّمت عليه فرحّب وسرّ وقرّب قال: فأطلت القعود إلى أن أخرج أكثر الناس قال: فسألني عن ديني فعرّفته أنّي رجل من أهل دينور وافيت ومعي شيء من المال أحتاج أن اسلّمه، فقال لي: احمله. قال: فقلت:
اريد حجّة. قال: تعود إلي في غد. قال: فعدت إليه من الغد فلم يأت بحجّة وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأت بحجّة.
قال: فصرت إلى إسحاق الأحمر فوجدته شابّا نظيفا منزله أكبر من منزل الباقطاني وفرسه ولباسه ومروته أسرى وغلمانه أكثر من غلمانه ويجتمع عنده من الناس أكثر ممّا يجتمع عند الباقطاني قال: فدخلت وسلّمت فرحّب وقرّب، قال: فصبرت إلى أن خفّ الناس قال:
فسألني عن حاجتي. فقلت له كما قلت للباقطاني وعدت إليه ثلاثة أيّام فلم يأت بحجّة.
قال: فصرت إلى أبي جعفر العمري فوجدته شيخا متواضعا عليه مبطنة بيضاء، قاعد على لبد في بيت صغير ليس له غلمان ولا له من المروة والفرس ما وجدت لغيره، قال: فسلّمت فردّ الجواب وأدناني وبسط منّي ثمّ سألني عن حالي فعرّفته أنّي وافيت من الجبل وحملت مالا، قال: فقال: إن أحببت أن يصل هذا الشيء إلى من يجب أن يصل إليه تخرج إلى سرّ من رأى وتسأل دار ابن الرضا (عليه السلام) وعن فلان بن فلان الوكيل - وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها - فإنّك تجد هناك ما تريد.
قال: فخرجت من عنده ومضيت نحو سرّ من رأى فصرت إلى دار ابن الرضا (عليه السلام)، وسألت عن الوكيل فذكر البوّاب أنّه مشتغل في الدار وأنّه يخرج آنفا، فقعدت على الباب أنتظر خروجه فخرج بعد ساعة، فقمت وسلّمت عليه وأخذ بيدي إلى بيت كان له وسألني عن حالي وما وردت له، فعرّفته أنّي حملت شيئا من المال من ناحية الجبل وأحتاج أن اسلّمه بحجّة، قال: فقال: نعم، ثمّ قدّم إليّ طعاما وقال لي: تغدّ بهذا واسترح فإنّك تعبت فإنّ بيننا وبين الصلاة الاولى ساعة فإنّي أحمل إليك ما تريد.
قال: فأكلت ونمت فلمّا كان وقت الصلاة نهضت وصلّيت وذهبت إلى المشرعة واغتسلت وانصرفت إلى بيت الرجل وسكنت إلى أن مضى من الليل ربعه، فجاءني بعد أن مضى من الليل ربعه ومعه درج فيه: بسم الله الرّحمن الرحيم وافى أحمد بن محمد الدينوري وحمل ستّة عشر ألف دينار في كذا وكذا صرّة فيها صرّة فلان بن فلان كذا وكذا دينار، إلى أن عدّد الصرر كلّها وصرّة فلان بن فلان الزراع ستّة عشر دينارا، قال: فوسوس لي الشيطان فقلت: إنّ سيّدي أعلم بهذا منّي فما زلت أقرأ ذكره صرّة صرّة وذكر صاحبها حتّى أتيت عليها عند آخرها، ثمّ ذكر: قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن المادرائي أخي الصوان كيس ألف دينار وكذا وكذا تختا من الثياب منها ثوب فلان وثوب لونه كذا حتّى نسب الثياب إلى آخرها بأنسابها وألوانها، قال: فحمدت الله وشكرته على ما منّ به عليّ من إزالة الشكّ عن قلبي، فأمر بتسليم جميع ما حملت إلى حيث يأمرك أبو جعفر العمري.
قال: فانصرفت إلى بغداد وصرت إلى أبي جعفر العمري، قال: وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيّام قال: فلمّا بصر بي أبو جعفر العمري، قال: وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيّام قال: فلمّا بصر بي أبو جعفر قال: لم لم تخرج؟ فقلت: يا سيّدي من سرّ من رأى انصرفت، قال: فأنا أحدّث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة على أبي جعفر العمري من مولانا صاحب الأمر ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي، فيه ذكر المال والثياب وامر أن يسلّم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمّد بن أحمد بن جعفر بن القطان القمي، فلبس أبو جعفر العمري ثيابه وقال لي: احمل ما معك إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي قال: فحملت المال والثياب إلى منزل محمد بن أحمد بن القطان وسلّمتها إليه وخرجت إلى الحجّ، فلمّا رجعت إلى دينور اجتمع عندي الناس فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا (عليه السلام) إليّ وقرأته على القوم فلمّا سمع بذكر الصرّة باسم الزراع سقط مغشيا عليه، وما زلنا نعلّله حتّى أفاق، فلمّا أفاق سجد شكرا لله عزّ وجلّ وقال: الحمد لله الذي منّ علينا بالهداية، الآن علمت أنّ الأرض لا تخلو من حجّة، هذه الصرّة دفعها إليّ هذا الزراع، لم يقف على ذلك إلّا الله عزّ وجلّ.
قال: فخرجت ولقيت بعد ذلك أبا الحسن المادرائي وعرّفته الخبر وقرأت عليه الدرج، فقال: يا سبحان الله ما شككت في شيء فلا تشكّ في أنّ الله عزّ وجلّ لا يخلي أرضه من حجّة، اعلم أنّه لما عرك أذكوتكين يزيد بن عبد الله بشهرزور وظفر ببلاده واحتوى على خزائنه، صار إلى رجل وذكر أن يزيد بن عبد الله جعل الفرس الفلاني والسيف الفلاني في باب مولانا، قال: فجعلت أنقل خزائن يزيد بن عبد الله إلى أذكوتكين أولا فأوّلا وكنت ادافع بالفرس والسيف إلى أن لم يبق شيء غيرهما، وكنت أرجو أن أخلص ذلك لمولانا (عليه السلام)، فلمّا اشتدّت مطالبة أذكوتكين إيّاي ولم يمكنّي مدافعته جعلت السيف والفرس في نفسي ألف دينار ووزنتها ودفعتها إلى الخازن وقلت له: ارفع هذه الدنانير في أوثق مكان ولا تخرجنّ إليّ في حال من الأحوال ولو اشتدّت الحاجة إليها، وسلمت الفرس والسيف.
قال: فأنا قاعد في مجلسي بالذي أبرم الامور وأوفي القصص وآمر وأنهى؛ إذ دخل أبو الحسن الأسدي وكان يتعاهدني الوقت بعد الوقت وكنت أقضي حوائجه، فلمّا طال جلوسه وعليه بؤس كثير قلت له: ما حاجتك؟ قال: أحتاج منك إلى خلوة فأمرت الخازن أن يهيّئ لنا مكانا من الخزانة، فدخلنا الخزانة فأخرج إليّ رقعة صغيرة من مولانا فيها: يا أحمد بن الحسن الألف دينار التي عندك ثمن الفرس والسيف سلّمها إلى أبي الحسن الأسدي. قال:
فخررت لله ساجدا شكرا لما منّ به علي، وعرفت أنّه حجّة الله حقّا، لأنّه لم يكن وقف على هذا أحد غيري، فأضفت إلى ذلك المال ثلاثة آلاف دينار اخرى سرورا بما منّ الله عليّ بهذا الأمر(1164).
المعجزة السادسة:
في البحار عن محمد بن أحمد الصفواني قال: رأيت القاسم بن العلاء وقد عمّر مائة سنة وسبع عشرة سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينين، لقي مولانا أبا الحسن وأبا محمد العسكريين وحجب بعد الثمانين وردت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيّام؛ وذلك أنّي كنت مقيما عنده بمدينة ألوان من أرض أذربايجان وكان لا ينقطع توقيعات مولانا صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) على يد أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري، وبعده على يد أبي القاسم الحسين بن روح (قدّس الله أرواحهما)، فانقطعت عنه المكاتبة نحوا من شهرين فقلق (رحمه الله) لذلك، فبينا نحن عنده نأكل إذ دخل البوّاب مستبشرا فقال له: فيج العراق لا يسمّي بغيره، فاستبشر القاسم وحوّل وجهه إلى القبلة فسجد، ودخل كهل قصير يرى أثر الفيوج عليه، وعليه جبّة مضربة وفي رجله نعل محاملي وعلى كتفه مخلاة، فقام القاسم فعانقه ووضع المخلاة عن عنقه ودعا بطست وماء فغسل يده وأجلسه إلى جانبه، فأكلنا وغسلنا أيدينا، فقام الرجل فأخرج كتابا أفضل من نصف المدرج، فناوله القاسم فأخذه وقبّله ودفعه إلى كاتب له يقال له ابن أبي سلمة، فأخذه أبو عبد الله ففضّه وقرأه حتّى أحسّ القاسم بنكاية فقال: يا أبا عبد الله بخير؟ فقال: خير، فقال: ويحك خرج فيّ شيء؟
فقال أبو عبد الله: ما تكره فلا.
قال القاسم: فما هو؟ قال: نعي الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوما وقد حمل إليه سبعة أثواب، فقال القاسم: في سلامة من ديني؟ فقال: في سلامة من دينك، فضحك (رحمه الله) فقال: ما اؤمل بعد هذا العمر، فقام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة ازر وحبرة يمانية حمراء وعمامة وثوبين ومنديلا، وكان عنده قميص خلعه عليه مولانا الرضا أبو الحسن (عليه السلام)، وكان له صديق يقال له عبد الرّحمن بن محمد السنيزي وكان شديد النصب، وكان بينه وبين القاسم نضّر الله وجهه مودّة في امور الدنيا شديدة، وكان القاسم يودّه وقد كان عبد الرّحمن وافى إلى الدار لإصلاح بين أبي جعفر بن حمدون الهمداني وبين ختنه ابن القاسم، فقال القاسم لشيخين من مشايخنا المقيمين معه، أحدهما يقال له أبو حامد عمران المفلس والآخر أبو علي بن جحدر أن أقرئا هذا الكتاب عبد الرّحمن بن محمد فإنّي احبّ هدايته وأرجو أن يهديه الله بقراءة هذا الكتاب. فقال له: الله الله الله فإنّ الكتاب لا يحتمل ما فيه خلق من الشيعة فكيف عبد الرّحمن بن محمد فقال: أنا أعلم أنّي مفش لسرّ لا يجوز لي إعلانه لكن من محبّتي لعبد الرّحمن بن محمد وشهوتي أن يهديه عزّ وجلّ لهذا الأمر هو ذا أقرئه الكتاب.
فلمّا مرّ ذلك اليوم وكان يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من رجب دخل عبد الرّحمن ابن محمّد وسلّم عليه، فأخرج القاسم الكتاب فقال له: اقرأ هذا الكتاب وانظر لنفسك، فقرأ عبد الرّحمن الكتاب فلمّا بلغ إلى موضع النعي رمى الكتاب عن يده وقال للقاسم: يا أبا محمد اتق الله فإنّك رجل فاضل في دينك متمكّن من عقلك، والله عزّ وجلّ يقول: (وما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)(1165) وقال: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً)(1166) فضحك القاسم وقال: أتمّ الآية (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) ومولاي هو الرضا من الرسول، وقال: قد علمت أنّك تقول هذا ولكن أرّخ اليوم، فإن أنا عشت بعد هذا اليوم المؤرّخ في هذا الكتاب فاعلم أنّي لست على شيء، وإن أنا متّ فانظر لنفسك، فأرّخ عبد الرّحمن اليوم وافترقوا.
وحمّ القاسم يوم السابع من ورود الكتاب واشتدّت به في ذلك اليوم العلّة واستند في فراشه إلى الحائط، وكان ابنه الحسن بن القاسم مدمنا على شرب الخمر، وكان متزوّجا إلى أبي عبد الله بن حمدون الهمداني، وكان جالسا ورداؤه مستور على وجهه في ناحية من الدار، وأبو حامد في ناحية، وأبو جعفر بن جحدر وأنا وجماعة من أهل البلد نبكي إذ اتّكى القاسم على يديه إلى خلف وجعل يقول: يا محمد يا علي يا حسن يا حسين يا مواليّ كونوا شفعائي إلى الله عزّ وجلّ وقالها الثانية وقالها الثالثة فلمّا بلغ في الثالثة: يا موسى يا علي تفرقعت أجفان عينيه كما يفرقع الصبيان شقائق النعمان، وانتفخت حدقته وجعل يمسح بكمّه عينيه وخرج من عينيه، شبيه بماء اللحم ثمّ مدّ طرفه إلى ابنه فقال: يا حسن إليّ يا أبا حامد، إليّ يا أبا علي فاجتمعنا حوله ونظرنا إلى الحدقتين صحيحتين.
فقال له أبو حامد: تراني! وجعل يده على كلّ واحد منّا وشاع الخبر في الناس والعامّة.
وأتاه الناس من العوامّ ينظرون إليه وركب القاضي إليه وهو أبو السبائب عتبة بن عبيد الله المسعودي وهو قاضي القضاة ببغداد، فدخل عليه فقال له: يا أبا محمد ما هذا الذي بيدي، وأراه خاتما فصّه فيروزج فقرّبه منه فقال: عليه ثلاثة أسطر فتناوله القاسم (رحمه الله) فلم يمكنه قراءته وخرج الناس متعجّبين يتحدّثون بخبره، والتفت القاسم إلى ابنه الحسن فقال له: إنّ الله منزلك منزلة ومرتبك مرتبة فاقبلها بشكر. فقال له الحسن: يا أبه قد قبلتها. قال القاسم:
على ماذا؟ قال: على ما تأمرني به يا أبه. قال: على أن ترجع عمّا أنت عليه من شرب الخمر.
قال الحسن: يا أبه وحقّ من أنت في ذكره لأرجعن عن شرب الخمر ومع الخمر أشياء لا تعرفها، فرفع القاسم يده إلى السماء وقال: اللهمّ ألهم الحسن طاعتك وجنبه معصيتك، ثلاث مرّات، ثمّ دعا بدرج فكتب وصيّته بيده (رحمه الله)، وكانت الضياع التي في يده لمولانا وقف وقفه أبوه وكان فيما أوصى الحسن أن قال: يا بني إن اهّلت لهذا الأمر - يعني الوكالة لمولانا - فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرجيدة، وسائر ما أملك لمولاي، وإن لم تؤهل له فاطلب خيرك من حيث يتقبّل الله، وقبل الحسن وصيته على ذلك، فلمّا كان في يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسم (رحمه الله) فوافاه عبد الرّحمن يعدو في الأسواق حافيا حاسرا وهو يقول: وا سيداه، فاستعظم الناس ذلك منه وجعل الناس يقولون: ما الذي تفعل بذلك فقال: اسكتوا فقد رأيت ما لم تروه، وتشيّع ورجع عمّا كان عليه ووقف الكثير من ضياعه وتولّى أبو علي بن جحدر غسل القاسم، وأبو حامد يصبّ عليه الماء وكفن في ثمانية أثواب، على بدنه قميص مولاه أبي الحسن (عليه السلام) وما يليه السبعة الأثواب التي جاءته من العراق، فلمّا كان بعد مدّة يسيرة ورد كتاب تعزية على الحسن مولانا في آخره دعاء: ألهمك الله طاعته وجنّبك معصيته، وهو الدعاء الذي كان دعا به أبوه وكان آخره: قد جعلنا أباك إماما لك وفعاله لك مثالا(1167).
المعجزة السابعة:
وفيه عن محمد بن الحسن الصير في المقيم بأرض بلخ: أردت الخروج إلى الحجّ وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضّة، فجعلت ما كان معي من الذهب سبائك، وما كان معي من فضّة نقرا، وكان قد دفع ذلك المال إليّ لاسلّمه إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس سره). قال: فلمّا نزلت سرخس ضربت خيمتي على موضع فيه رمل، وجعلت أميز تلك السبائك والنقر، فسقطت سبيكة من تلك السبائك منّي وغاصت في الرمل وأنا لا أعلم. قال: فلمّا دخلت همدان ميّزت تلك السبائك والنقر مرّة اخرى اهتماما منّي بحفظهما، ففقدت منها سبيكة وزنها مائة مثقال وثلاثة مثاقيل أو قال: ثلاثة وتسعون مثقالا فسبكت مكانها من مالي بوزنها سبيكة وجعلتها بين السبائك.
فلمّا وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح (قدّس الله روحه)، وسلّمت إليه ما كان معي من السبائك والنقر فمدّ يده من بين السبائك إلى السبيكة التي كنت سبكتها من مالي بدلا ممّا ضاع منّي، فرمى بها إليّ وقال لي: ليست هذه السبيكة لنا، سبيكتنا ضيّعتها بسرخس حيث ضربت خيمتك في الرمل، فارجع إلى مكانك وانزل حيث نزلت واطلب السبيكة هناك تحت الرمل فإنّك ستجدها وتعود إليّ هاهنا فلا تراني، فرجعت إلى سرخس ونزلت حيث كنت نزلت ووجدت السبيكة وانصرفت إلى بلدي فلمّا كان بعد ذلك حججت ومعي السبيكة فدخلت مدينة السلام، وقد كان الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) مضى، ولقيت أبا الحسن السمري رضى الله عنه فسلّمت إليه السبيكة(1168).
المعجزة الثامنة:
في البحار عن الحسين بن علي بن محمد القمّي المعروف بأبي علي البغدادي قال: كنت ببخارى فدفع إلي المعروف بابن جاوشير عشر سبائك ذهبا وأمرني أن اسلّمها بمدينة السلام إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس سره)، فحملتها معي فلمّا بلغت أموية ضاعت منّي سبيكة من تلك السبائك، ولم أعلم بذلك حتّى دخلت مدينة السلام، فأخرجت السبائك لاسلّمها فوجدتها ناقصة واحدة منها فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها وأضفتها إلى التسع سبائك، فدخلت على أبي القاسم الروحي (رحمه الله) ووضعت السبائك بين يديه فقال لي: خذ تلك السبيكة التي اشتريتها وأشار إليها بيده، فإنّ السبيكة التي ضيّعتها قد وصلت إلينا وهو ذا هي، ثمّ أخرج إليّ تلك السبيكة التي كانت ضاعت منّي بأمويه فنظرت إليها وعرفتها.
فقال الحسين بن علي المزبور: ورأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة تسألني عن وكيل مولانا (عجّل الله فرجه) من هو؟ فأخبرها بعض القمّيين أنّه أبو القاسم الحسين بن روح (رحمه الله)، وأشار لها إليّ فدخلت عليه وأنا عنده فقالت له: أيّها الشيخ أيّ شيء معي؟ فقال: ما معك فألقيه في دجلة، ثمّ ائتني حتّى أخبرك فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فألقته في دجلة ثمّ رجعت، ودخلت إلى أبي القاسم الروحي (رحمه الله) فقال أبو القاسم لمملوكة له: أخرجي إليّ الحقّة، فأخرجت إليه حقّة فقالت للمرأة: هذه الحقّة التي كانت معك ورميت بها في دجلة اخبرك بما فيها أو تخبرين؟ فقالت له: بل أخبرني. فقال: في هذه الحقّة زوج سوار ذهب وحلقة كبيرة فيها جوهر وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر وخاتمان أحدهما فيروزج والآخر عقيق، وكان الأمر كما ذكر لم يغادر منه شيئا، ثمّ فتح الحقّة فعرض عليّ ما فيها ونظرت المرأة إليه فقالت: هذا الذي حملته بعينه ورميت به في دجلة، فغشي عليّ وعلى المرأة فرحا بما شاهدناه من صدق الدلالة.
قال الحسين لي بعد ما حدّثني بهذا الحديث: أشهد بالله تعالى أنّ هذا الحديث كما ذكرته لم أزد فيه ولم أنقص منه، وحلف بالأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام) لقد صدق فيما حدّث به ما زاد فيه ولا نقص منه(1169).
المعجزة التاسعة:
في البحار عن أحمد بن فارس عن بعض إخوانه: أنّ بهمدان ناسا يعرفون ببني راشد وهم كلّهم يتشيّعون، ومذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألت عن سبب تشيّعهم من بين أهل همدان، فقال لي شيخ منهم رأيت فيه صلاحا وسمتا: إنّ سبب ذلك أنّ جدّنا الذي ننسب إليه خرج حاجّا فقال أنّه لما صدر من الحج وساروا منازل في البادية قال:
فنشطت في النزول والمشي فمشيت طويلا حتّى أعييت وتعبت، وقلت في نفسي: أنام نومة تريحني فإذا جاء أواخر القافلة قمت.
قال: فما انتبهت إلّا بحرّ الشمس، فلم أر أحدا فتوحّشت، ولم أر طريقا، ولا أثرا فتوكّلت على الله عزّ وجلّ وقلت أسير حيث وجّهني، ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضرة كأنّها قريبة عهد بغيث، وإذا تربتها أطيب تربة ونظرت في سواء(1170) تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنّه سيف فقلت: يا ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده ولم أسمع به، فقصدته فلمّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلّمت عليهما فردّا عليّ ردّا جميلا فقالا: اجلس فقد أراد الله بك خيرا، وقام أحدهما فدخل واحتبس غير بعيد ثمّ خرج فقال:
قم فادخل، فدخلت قصرا لم أر بناء أحسن من بنائه ولا أضوأ منه، وتقدّم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه ثمّ قال لي: ادخل فدخلت البيت فإذا فتى جالس في وسط البيت وقد علّق على رأسه من السقف سيف طويل تكاد ظبته تمسّ رأسه، والفتى بدر يلوح في ظلام فسلّمت فردّ السلام بألطف الكلام وأحسنه ثمّ قال لي: أتدري من أنا؟ فقلت: لا والله.
فقال: أنا القائم من آل محمّد أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف - وأشار إليه - فأملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، فسقطت على وجهي وتعفّرت فقال: لا تفعل، ارفع رأسك، أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها همدان. قلت: صدقت يا سيدي ومولاي. قال: فتحبّ أن تئوب إلى أهلك؟ قلت: نعم يا سيدي وأبشّرهم بما أتاح الله عزّ وجلّ لي. فأومى إلى الخادم فأخذ بيدي وناولني صرّة وخرج ومشى معي خطوات، فنظرت إلى أطلال وأشجار ومنارة مسجد فقال: أتعرف هذا البلد؟ قلت: إنّ بقرب بلدنا بلدة تعرف باستاباد وهي تشبهها. قال: فقال هذه استاباد، امض راشدا، فالتفتّ فلم أره ودخلت استاباد وإذا في الصرّة أربعون أو خمسون دينارا، فوردت همدان وجمعت أهلي وبشّرتهم بما أتاح الله لي ويسّره عزّ وجلّ، ولم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير(1171).
أقول:
استاباد هي التي تعرف اليوم بأسدآباد وهي قريب من همدان وبينهما عقبة كئود، وسمعت أنّ قبر هذا الرجل بأسدآباد معروف والله تعالى العالم.
المعجزة العاشرة:
في البحار: لمّا كان بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج جعلوا واليها رجلا من المسلمين ليكون ادعى إلى تعميرها وأصلح بحالها، وكان هذا الوالي من النواصب وله وزير أشدّ نصبا منه، يظهر العداوة لأهل البحرين لحبّهم لأهل البيت (عليهم السلام)، ويحتال في إهلاكهم وإضرارهم بكل حيلة، فلمّا كان في بعض الأيام دخل الوزير على الوالي وبيده رمّانة فأعطاها الوالي فإذا كان مكتوبا عليها: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أبو بكر وعثمان وعمر وعلي خلفاء رسول الله، فتأمّل الوالي ورأى الكتابة من أصل الرمّانة بحيث لا يحتمل عنده أن يكون صناعة بشر فتعجّب من ذلك وقال للوزير: هذه آية بيّنة وحجّة قويّة على إبطال مذهب الرافضة، فما رأيك في أهل البحرين؟ فقال له: أصلحك الله إنّ هؤلاء جماعة متعصّبون ينكرون البراهين، وينبغي لك أن تحضرهم وتريهم هذه الرمّانة فإن قبلوا ورجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك، وإن أبوا إلّا المقام على ضلالتهم فخيّرهم بين ثلاث: إمّا أن يؤدّوا الجزية وهم صاغرون، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البيّنة التي لا محيص لهم عنها، أو تقتل رجالهم وتسبي نساءهم وأولادهم وتأخذ بالغنيمة.
فاستحسن الوالي رأيه وأرسل إلى العلماء والأفاضل الأخيار والنجباء والسادة الأبرار من أهل البحرين، وأحضرهم وأراهم الرمّانة وأخبرهم بما رأى فيهم إن لم يأتوا بجواب شاف من القتل والأسر وأخذ الأموال وأخذ الجزية على وجه الصغار كالكفّار، فتحيّروا في أمرها ولم يقدروا على جواب وتغيّرت وجوههم فارتعدت فرائصهم فقال كبراؤهم: أمهلنا أيّها الأمير ثلاثة أيّام لعلّنا نأتيك بجواب ترتضيه وإلّا فاحكم فينا ما شئت، فأمهلهم فخرجوا من عنده خاشعين مرعوبين متحيّرين، فاجتمعوا في مجلس وأجالوا الرأي في ذلك فاتفق رأيهم على أن يختاروا من صلحاء البحرين وزهّادهم عشرة، ففعلوا ثمّ اختاروا من العشرة ثلاثة فقالوا لأحدهم: اخرج الليلة إلى الصحراء واعبد الله فيها واستغث بإمام زماننا وحجّة الله علينا لعلّه يبيّن لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء، فخرج وبات طول ليلته متعبّدا خاشعا داعيا باكيا يدعو الله ويستغيث بالإمام (عجّل الله فرجه) حتّى أصبح ولم ير شيئا، فأتاهم وأخبرهم. فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم، فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخير.
فازداد قلقهم وجزعهم فأحضروا الثالث وكان تقيّا فاضلا اسمه محمد بن عيسى فخرج الليلة الثالثة حافيا حاسر الرأس إلى الصحراء، وكانت ليلة مظلمة فدعا وبكى وتوسّل إلى الله تعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البلية عنهم، واستغاث بصاحب الزمان، فلمّا كان آخر الليل إذا هو برجل يخاطبه ويقول: يا محمّد بن عيسى ما لي أراك على هذه الحالة ولماذا خرجت إلى هذه البرية؟ فقال له: أيّها الرجل دعني فإنّي خرجت لأمر عظيم وخطب جسيم لا أذكره إلّا لإمامي ولا أشكوه إلّا إلى من يقدر على كشفه عنّي. فقال (عجّل الله فرجه):
يا محمّد بن عيسى أنا صاحب الأمر فاذكر حاجتك؟ فقال: إن كنت هو فأنت تعلم قصّتي ولا تحتاج إلى أن أشرحها لك. فقال: نعم، خرجت لما دهمكم من أمر الرمّانة وما كتب عليها وما أوعدكم الأمير به.
قال: فلمّا سمعت ذلك منه توجّهت إليه وقلت له: نعم يا مولاي قد تعلم ما أصابنا وأنت إمامنا وملاذنا والقادر على كشفه عنّا، فقال (صلوات الله عليه): يا محمّد بن عيسى إنّ الوزير لعنه الله في داره شجرة رمّان فلمّا حملت تلك الشجرة صنع شيئا من الطين على هيئة الرمّانة وجعلها نصفين وكتب في داخل كلّ نصف بعض تلك الكتابة ثمّ وضعها على الرّمانة وشدّها عليها وهي صغيرة فأثّر فيها وصارت هكذا، فإذا مضيتم غدا إلى الوالي فقل له جئتك بالجواب ولكنّي لا أبديه إلّا في دار الوزير، فإذا مضيتم إلى داره فانظر عن يمينك ترى فيها غرفة فقل للوالي: لا اجيبك إلّا في تلك الغرفة، وسيأبى الوزير عن ذلك وأنت بالغ في ذلك ولا ترض إلّا بصعودها فإذا صعد فاصعد معه ولا تتركه وحده يتقدّم عليك، فإذا دخلت الغرفة رأيت كوة فيها كيس أبيض فانهض إليه وخذه، وترى فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة، ثمّ ضعها أمام الوالي وضع الرمّانة فيها لينكشف له جلية الحال.
وأيضا يا محمّد بن عيسى قل للوالي: إنّ لنا معجزة اخرى وهي أنّ هذه الرمّانة ليس فيها إلّا الرماد والدخان وإن أردت صحّة ذلك فأمر الوزير بكسرها فإذا كسرها طار الرماد والدخان على وجهه ولحيته، فلمّا سمع محمد بن عيسى ذلك من الإمام فرح فرحا شديدا وقبّل يدي الإمام (صلوات الله عليه)، وانصرف إلى أهله بالبشارة والسرور، فلمّا أصبحوا مضوا إلى الوالي ففعل محمد بن عيسى كلّما أمره الإمام (عجّل الله فرجه) وظهر كلّ ما أخبره فالتفت الوالي إلى محمد بن عيسى وقال: من أخبرك بهذا؟ فقال: إمام زماننا وحجّة الله علينا. فقال:
ومن إمامكم؟ فأخبره بالأئمّة (عليهم السلام) واحدا بعد واحد إلى أن انتهى إلى صاحب الأمر (صلوات الله عليهم). فقال الوالي: مدّ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله وأنّ الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، ثمّ أقرّ بالأئمّة إلى آخرهم (عليهم السلام) وحسن إيمانه وأمر بقتل الوزير واعتذر إلى أهل بحرين وأحسن إليهم وأكرمهم، قال من قال: وهذه القصّة مشهورة عند أهل البحرين، وقبر محمّد بن عيسى عندهم معروف يزوره الناس(1172).
المعجزة الحادية عشرة:
في البحار: عن أبي الحسن بن أبي البغل الكاتب قال: تقلّدت عملا من أبي منصور بن صالحان، وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري فطلبني وأخافني فمكثت مستترا خائفا، ثمّ قصدت مقابر قريش ليلة الجمعة واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة وكانت ليلة ريح ومطر فسألت أبا جعفر القيم أن يغلق الأبواب، وأن يجتهد في خلوة الموضع لأخلو بما اريده من الدعاء والمسألة، وآمن من دخول إنسان لم آمنه وخفت من لقائي له، ففعل وقفل الأبواب وانتصف الليل وورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع، ومكثت أدعو وأزور واصلّي.
فبينا أنا كذلك إذ سمعت وطئا عند مولانا موسى (عليه السلام) وإذا برجل يزور فسلّم على آدم واولي العزم ثمّ الأئمّة (عليهم السلام) واحدا بعد واحد إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) فلم يذكره، فعجبت من ذلك وقلت: لعلّه نسي أو لم يعرف أو هذا مذهب لهذا الرجل، فلمّا فرغ من زيارته صلّى ركعتين وأقبل إلى عند مولانا أبي جعفر (عليه السلام) فزار مثل تلك الزيارة وذلك السلام وصلّى ركعتين وأنا خائف منه إذ لم أعرفه، ورأيته شابّا تامّا من الرجال، عليه ثياب بيض وعمامة محنك وذؤابة، ورداء على كتفه مسبل فقال: يا أبا الحسن بن أبي البغل أين أنت عن دعاء الفرج؟ فقلت: وما هو يا سيّدي؟
فقال: تصلّي ركعتين وتقول: يا من أظهر الجميل وستر القبيح يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر يا كريم الصفح يا عظيم المنّ يا حسن التجاوز يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة يا منتهى كلّ نجوى ويا غاية كلّ شكوى يا عون كل مستعين يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها يا ربّاه، عشر مرّات، يا سيّداه، عشر مرّات، يا مولاه، عشر مرّات، يا غايتاه، عشر مرّات، يا منتهى غاية رغبتاه، عشر مرّات، أسألك بحقّ هذه الأسماء وبحقّ محمّد وآله الطاهرين إلّا ما كشفت كربي ونفّست همّي وفرّجت غمّي وأصلحت حالي، وتدعو بعد ذلك ما شئت وتسأل حاجتك ثمّ تضع خدّك الأيمن على الأرض وتقول مائة مرّة في سجودك: يا محمّد يا علي يا علي يا محمّد اكفياني فإنّكما كافياي وانصراني فانّكما ناصراي، وتضع خدّك الأيسر على الأرض وتقول مائة مرّة: أدركني، وتكرّرها كثيرا وتقول: الغوث الغوث الغوث، حتّى ينقطع النفس، وترفع رأسك فإنّ الله بكرمه يقضي حاجتك إن شاء الله.
فلمّا شغلت بالصلاة والدعاء خرج فلمّا فرغت خرجت إلى أبي جعفر لأسأله عن الرجل وكيف دخل فرأيت الأبواب على حالها مغلقة مقفلة، فعجبت من ذلك وقلت لعلّه باب هاهنا ولم أعلم فانتهيت إلى أبي جعفر القيّم، فخرج إلى عندي من بيت الزيت فسألته عن الرجل ودخوله، فقال: الأبواب مقفلة كما ترى وما فتحتها، فحدّثته بالحديث فقال: هذا مولانا صاحب الزمان، وقد شاهدته مرارا في مثل هذه الليلة عند خلوّها من الناس، فتأسّفت على ما فاتني منه، وخرجت عند قرب الفجر وقصدت الكرخ إلى الموضع الذي كنت مستترا فيه، فما أضحى النهار إلّا وأصحاب ابن الصالحان يلتمسون لقائي ويسألون عنّي أصدقائي، ومعهم أمان من الوزير ورقعة بخطّه فيها كلّ جميل فحضرته مع ثقة من أصدقائي عنده، فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده منه، وقال: انتهت بك الحال إلى أن تشكوني إلى صاحب الزمان (صلوات الله عليه).
فقلت: قد كان منّي دعاء ومسألة. فقال: ويحك رأيت البارحة مولاي صاحب الزمان (صلوات الله عليه) في النوم، يعني ليلة الجمعة - وهو يأمرني بكلّ جميل ويجفو علي في ذلك جفوة خفتها فقلت: لا إله إلّا الله أشهد أنّهم الحق ومنتهى الحقّ، رأيت البارحة مولانا في اليقظة وقال لي كذا وكذا وشرحت ما رأيته في المشهد فعجب من ذلك وجرت منه امور عظام حسان في هذا المعنى، وبلغت منه غاية ما لم أظنّه ببركة مولانا صاحب الزمان (صلوات الله عليه وسلّم)(1173).
المعجزة الثانية عشرة: في مهج الدعوات عن محمّد بن علي العلوي الحسيني وكان يسكن بمصر قال: دهمني أمر عظيم وهمّ شديد من قبل صاحب مصر، وخشيته على نفسي وكان قد سعى بي إلى أحمد بن طولون، فخرجت من مصر حاجّا وسرت من الحجاز إلى العراق، فقصدت مشهد مولاي الحسين بن علي (عليه السلام) عائذا به ولائذا بقبره ومستجيرا به من سطوة من كنت أخافه، فأقمت في الحائر خمسة عشر يوما أدعو وأتضرّع ليلي ونهاري، فتراءى لي قيّم الزمان وولي الرّحمن وأنا بين النائم واليقظان، فقال لي: يقول لك الحسين يا بني خفت فلانا؟ فقلت: نعم، أراد هلاكي فلجأت إلى سيّدي أشكو إليه عظيم ما أراد بي، فقال: هلّا دعوت الله ربّك وربّ آبائك بالأدعية التي دعا بها من سلف من الأنبياء، فقد كانوا في شدّة فكشف الله عنهم ذلك. قلت: وما ذا أدعوه؟ فقال: إذا كان ليلة الجمعة فاغتسل وصلّ صلاة الليل، فإذا سجدت سجدة الشكر دعوت بهذا الدعاء وأنت بارك على ركبتيك، فذكر لي دعاء.
قال: ورأيته في مثل ذلك الوقت يأتيني وأنا بين النائم واليقظان قال: وكان يأتيني خمس ليال متواليات يكرّر عليّ هذا القول والدعاء حتّى حفظته، وانقطع عنّي مجيئه ليلة الجمعة، فاغتسلت وغيّرت ثيابي وتطيّبت وصلّيت صلاة الليل وسجدت سجدة الشكر، وجثوت على ركبتي ودعوت الله جل وتعالى بهذا الدعاء، فأتاني ليلة السبت فقال: قد اجيبت دعوتك يا محمّد وقتل عدوّك عند فراغك من الدعاء عند من وشى به إليه، فلمّا أصبحت ودّعت سيّدي وخرجت متوجّها إلى مصر، فلمّا بلغت الأردن وأنا متوجّه إلى مصر رأيت رجلا من جيراني بمصر وكان مؤمنا، فحدّثني أنّ خصمي قبض عليه أحمد بن طولون فأمر به فأصبح مذبوحا من قفاه قال: وذلك في ليلة الجمعة وأمر به فطرح في النيل، وكان ذلك فيما أخبرني جماعة من أهلنا وإخواننا الشيعة أنّ ذلك كان فيما بلغهم عند فراغي من الدعاء كما أخبرني مولاي (عليه السلام)(1174).
المعجزة الثالثة عشرة:
في البحار: أنّ الحسن بن نضر وأبا صدام وجماعة تكلّموا بعد مضيّ أبي محمّد (عليه السلام) فيما في أيدي الوكلاء، وأرادوا الفحص فجاء الحسن بن نضر إلى أبي صدام فقال: إنّي اريد الحجّ، فقال أبو صدام: أخّره هذه السنة، فقال له الحسن: إنّي أفزع في المنام ولا بدّ من الخروج، وأوصى إلى أحمد بن يعلى بن حمدان وأوصى للناحية بمال، وأمره أن لا يخرج شيئا من يده إلى يد غيره بعد ظهوره، فقال الحسن: لمّا وافيت بغداد اكتريت دارا فنزلتها فجاءني أحد الوكلاء بثياب ودنانير وخلّفها عندي فقلت له: ما هذا؟
قال: هو ما ترى، ثمّ جاءني آخر بمثلها وآخر حتّى كبسوا الدار ثمّ جاءني أحمد بن إسحاق بجميع ما كان معه فتعجّبت وبقيت متفكّرا فوردت علي رقعة الرجل: إذا مضى من النهار كذا وكذا فاحمل ما معك، فرحلت وحملت ما معي، وفي الطريق صعلوك يقطع الطريق في ستّين رجلا فاجتزت عليه وسلّمني الله منه، فوافيت العسكر ونزلت فوردت عليّ رقعة أن احمل ما معك فصببته في صنان الحمّالين، فلمّا بلغت الدهليز فإذا فيه أسود قائم فقال: أنت الحسن بن النضر؟ فقلت: نعم. قال: ادخل، فدخلت الدار ودخلت بيتا وفرغت ما في صنان الحمّالين، فإذا في زاوية البيت خبز كثير فأعطى كلّ واحد من الحمّالين رغيفين واخرجوا، وإذا بيت على ستر فنوديت منه، يا حسن بن النضر احمد الله على ما منّ به عليك ولا تشكّنّ، فودّ الشيطان أنّك شككت. وأخرج إليّ ثوبين وقيل لي: خذهما فتحتاج إليهما، فأخذتهما. قال سعد بن عبد الله راوي الحديث: فانصرف الحسن بن النضر ومات في شهر رمضان وكفّن في الثوبين(1175).
المعجزة الرابعة عشرة:
في العوالم عن إكمال الدين عن محمد بن عيسى بن أحمد الزوجي قال: رأيت بسر من رأى رجلا شابّا في المسجد المعروف بمسجد زيد، وذكر أنّه هاشمي من ولد موسى بن عيسى فلمّا كلّمني صاح بجارية وقال: يا غزال ويا زلال، فإذا أنا بجارية مسنّة فقال لها: يا جارية حدّثي مولاك بحديث الميل والمولود. فقالت: كان لنا طفل وجع فقالت لي مولاتي ادخلي إلى دار الحسن بن علي (عليه السلام) فقولي لحكيمة تعطينا شيئا نستشفي به مولودنا، فدخلت عليها وسألتها ذلك فقالت حكيمة: ائتوني بالميل الذي كحل به المولود الذي ولد البارحة - يعني ابن الحسن بن علي - فأتيت بالميل فدفعته إليّ وحملته إلى مولاتي فكحلت به المولود فعوفي وبقي عندنا، وكنّا نستشفي به ثمّ فقدناه(1176).
المعجزة الخامسة عشرة:
في البحار عن الخرائج عن أحمد بن أبي روح قال: وجهت إلى امرأة من دينور فأتيتها فقالت: يا ابن أبي روح أنت أوثق من في ناحيتنا دينا وورعا، وإنّي اريد أن اودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤدّيها وتقوم بها، فقلت: أفعل إن شاء الله، فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحلّه ولا تنظر فيه حتّى تؤديه إلى من يخبرك بما فيه، وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير، وفيه ثلاث حبّات تساوي عشرة دنانير، ولي إلى صاحب الزمان حاجة اريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها، فقلت: وما الحاجة؟ قالت: عشرة دنانير استقرضتها أمّي في عرس، ولا أدري ممّن استقرضتها، ولا أدري إلى من أدفعها، قالت: إن أخبرك بها فادفعها إلى من يأمرك بها. قال: [فقلت في نفسي:] وكيف أقول لجعفر بن علي؟
فقلت: هذه المحنة بيني وبين جعفر بن علي، فحملت المال وخرجت حتّى دخلت بغداد، فأتيت حاجز بن يزيد الوشاء فسلّمت عليه وجلست قال: ألك حاجة؟ قلت: هذا مال دفع إلي لا أدفعه إليك حتّى تخبرني كم هو ومن دفعه إلي فإن أخبرتني دفعته إليك.
قال: يا أحمد بن أبي روح توجّه به إلى سرّ من رأى، فقلت: لا إله إلّا الله لهذا أجلّ شيء أردته، فخرجت ووافيت سرّ من رأى فقلت أبدأ بجعفر، ثمّ تنكّرت فقلت: أبدأ بهم فإن كانت المحنة من عندهم وإلّا مضيت إلى جعفر، فدنوت من دار أبي محمّد فخرج إلي خادم فقال: أنت أحمد بن أبي روح؟ قلت: نعم.
قال: هذه الرقعة اقرأها فإذا فيها مكتوب: بسم الله الرّحمن الرحيم يا ابن أبي روح أودعتك عاتكة بنت الديراني كيسا فيه ألف درهم بزعمك، وهو خلاف ما تظنّ وقد أدّيت فيه الأمانة ولم تفتح الكيس ولم تدر ما فيه، وفيه ألف درهم وخمسون دينارا ومعك قرط زعمت المرأة أنّه يساوي عشرة دنانير صدقت مع الفصّين اللذين فيه، وفيه ثلاث حبّات لؤلؤا شراؤها عشرة دنانير ويساوي أكثر، فادفع ذلك إلى خادمتنا فلانة فإنّا قد وهبناه لها، وصر إلى بغداد وادفع المال إلى الحاجز وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك، وأمّا عشرة الدنانير التي زعمت أن أمّها استقرضتها في عرسها وهي لا تدري من صاحبها، بل هي تعلم لمن، هي لكلثوم بنت أحمد وهي ناصبية، فتحرّجت أن تعطيها وأحبّت أن تقسّمها في أخواتها، فاستأذنتنا في ذلك فلتفرّقها في ضعفاء أخواتها، ولا تعودنّ يا ابن أبي روح إلى القول بجعفر والمحنة له، وارجع إلى منزلك فإنّ عمّك قد مات، وقد رزقك الله أهله وماله، فرجعت إلى بغداد وناولت الكيس حاجزا، فوزنه فإذا فيه ألف درهم وخمسون دينارا فناولني ثلاثين دينارا وقال: أمرت بدفعها إليك لنفقتك، فأخذتها وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه، وقد جاءني من يخبرني أنّ عمّي قد مات وأهلي يأمروني بالانصراف إليهم، فرجعت فإذا هو قد مات وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم(1177).
المعجزة السادسة عشرة:
فيه: عن رجل من أهل استراباد قال: صرت إلى العسكر ومعي ثلاثون دينارا في خرقة، منها دينار شامي فوافيت الباب، وإنّي لقاعد إذ خرج إليّ جارية أو غلام - الشكّ من الراوي - قال: هات ما معك؟ قلت: ما معي شيء، فدخل ثمّ خرج وقال: معك ثلاثون دينارا في خرقة خضراء منها دينار شامي، وخاتم كنت نسيته، فأوصلته وأخذت الخاتم(1178).
المعجزة السابعة عشرة:
في الإرشاد عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار: شككت عند مضي أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام)، واجتمع عند أبي مال جليل فحمله وركبت السفينة معه مشيّعا له، فوعك وعكا شديدا فقال: يا بني ردّني فهو الموت وقال لي: اتق الله في هذا المال، وأوصى إلي ومات بعد ثلاثة أيّام فقلت في نفسي: لم يكن أبي يوصي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق وأكتري دارا على الشط ولا أخبر أحدا بشيء فإن وضح لي شيء كوضوحه في أيّام أبي محمد أنفذته، وإلّا أنفقه في ملاذّي وشهواتي، فقدمت العراق واكتريت دارا على الشط، وبقيت أيّاما فإذا أنا برقعة مع رسول فيها: يا محمّد معك كذا وكذا، حتّى قصّ عليّ جميع ما معي، وذكر في جملته شيئا لم أحط به علما فسلّمته إلى الرسول وبقيت أيّاما لا أرفع لي رأسا فاغتممت فخرج إلي: قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله(1179).
المعجزة الثامنة عشرة:
فيه: عن محمد بن عبد الله السياري قال: أوصلت أشياء للمرزباني الحارثي فيها سوار ذهب فقبلت وردّ علي السوار، وامرت بكسره فكسرته فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس وصفر، فأخرجته فأنفذت الذهب بعد ذلك فقبل(1180).
المعجزة التاسعة عشرة:
فيه: عن علي بن محمّد: أوصل رجل من أهل السواد مالا فردّ عليه وقيل له: أخرج حقّ ولد عمّك منه وهو أربعمائة درهم، وكان الرجل في يده ضيعة لولد عمّه فيها شركة، قد حبسها عنهم فنظر فإذا الذي لولد عمّه من ذلك المال أربعمائة درهم فأخرجها وأنفذ الباقي فقبل(1181).
المعجزة العشرون:
فيه: عن أبي عبد الله بن صالح: خرجت سنة من السنين إلى بغداد، فاستأذنت في الخروج فلم يؤذن لي، فأقمت اثنين وعشرين يوما بعد خروج القافلة إلى النهروان، ثمّ اذن لي بالخروج يوم الأربعاء وقيل لي: اخرج فيه، فخرجت وأنا آيس من القافلة بأن ألحقها، فوافيت النهروان والقافلة مقيمة، فما كان إلّا أن علفت جملي حتّى رحلت القافلة فرحلت وقد دعى لي بالسلامة فلم ألق سوءا والحمد لله(1182).
المعجزة الحادية والعشرون:
فيه: عن محمد بن يوسف الشاشي قال: خرج بي ناسور فأريته الأطبّاء وأنفقت عليه مالا فلم يصنع الدواء فيه شيئا، فكتبت رقعة أسأل الدعاء فوقع إلي: ألبسك الله العافية، وجعلك معنا في الدنيا والآخرة، فما أتت علي جمعة حتّى عوفيت، وصار الموضع مثل راحتي فدعوت طبيبا من أصحابنا وأريته إيّاه فقال: ما عرفنا لهذا دواء وما جاءتك العافية إلّا من قبل الله بغير احتساب(1183).
المعجزة الثانية والعشرون:
فيه: عن حسن بن الفضل، قال: وردت العراق وعلمت على أن لا أخرج إلّا عن بيّنة من أمري، ونجاح من حوائجي، ولو احتجت أن اقيم بها حتّى أتصدّق. قال: وفي خلال ذلك تضيق صدري بالمقام وأخاف أن يفوتني الحجّ قال: فجئت يوما إلى محمد بن أحمد - وكان السفير يومئذ - أتقاضاه فقال لي: سر إلى مسجد كذا وكذا فإنّه يلقاك رجل. قال: فصرت إليه فدخل عليّ رجل، فلمّا نظر إلي ضحك وقال لي: لا تغتمّ فإنّك ستحجّ في هذه السنة، وتنصرف إلى أهلك وولدك سالما، فاطمأننت وسكن قلبي وقال: هذا مصداق ذلك.
قال: ثمّ وردت العسكر فخرجت إليّ صرّة فيها دنانير وثوب، فاغتممت وقلت في نفسي: جرى عند القوم هذا واستعملت الجهل فرددتها، ثمّ ندمت بعد ذلك ندامة شديدة وقلت في نفسي: كفرت بردّي على مولاي، وكتبت رقعة أعتذر من فعلي وأبوء بالإثم وأستغفر من زللي، وأنفذتها وقمت أتطهّر للصلاة، وأنا إذ ذاك افكّر في نفسي وأقول: إن ردّت علي الدنانير لم أحلل شدّها، ولم أحدث فيها شيئا حتّى أحملها إلى أبي فإنّه أعلم منّي، فخرج إليّ الرسول الذي حمل الصرّة وقال لي: أقبل أسأت إذ لم تعلم الرجل، إنّا ربّما فعلنا ذلك بموالينا ابتداء، وربّما سألونا ذلك يتبرّكون به، وخرج إليّ: أخطأت في ردّك برّنا، فإذا استغفرت الله فالله تعالى يغفر لك، وإذا كانت عزيمتك وعقد نيّتك فيما حملناه إليك ألّا تحدث فيه حدثا إذا رددناه إليك، ولا تنتفع به في طريقك فقد صرفنا عنك، وأمّا الثوب فخذه لتحرم فيه، قال: وكتبت في معينين وأردت أن أكتب في الثالث، فامتنعت منه مخافة أن يكره ذلك، فورد الجواب: المعينين والثالث الذي طويت مفسّرا والحمد لله.
قال: كنت وافقت جعفر بن إبراهيم النيشابوري بنيشابور على أن أركب معه إلى الحجّ وازامله، فلمّا وافيت بغداد بدا لي وذهبت أطلب عديلا فلقيني ابن الوجناء، وكنت قد صرت إليه وسألته أن يكتري لي فوجدته كارها، فلمّا لقيني قال لي: أنا في طلبك، وقد قيل:
إنّه يصحبك فأحسن عشرته واطلب له عديلا واكتر له(1184).
المعجزة الثالثة والعشرون:
فيه: عن الحسن بن عبد الحميد: شككت في أمر حاجز فجمعت شيئا ثمّ صرت إلى العسكر، فخرج إلي: ليس فينا شكّ ولا فيمن يقوم مقامنا، بأمرنا تردّ ما معك إلى حاجز بن يزيد(1185).
المعجزة الرابعة والعشرون:
فيه: عن محمّد بن صالح: لمّا مات أبي وصار الأمر إليّ كان لأبي على الناس سفاتيج من مال الغريم، يعني صاحب الأمر (عجّل الله فرجه). قال الشيخ المفيد (رحمه الله): وهذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديما بينها، ويكون خطابها عليه للتقية. قال:
فكتبت إليه اعلمه وكتب إليّ: طالبهم واستقض عليهم، فقضاني الناس إلّا رجل واحد، وكان عليه سفتجة بأربعمائة دينار، فجئت إليه أطلبه فمطلني واستخف بي ابنه وسفه علي، فشكوته إلى أبيه فقال: وكان ما ذا! فقبضت على لحيته وأخذت برجله، فسحبته إلى وسط الدار فخرج ابنه مستغيثا بأهل بغداد يقول: قمي رافضي قد قتل والدي، فاجتمع علي منهم خلق كثير فركبت دابتي وقلت: أحسنتم يا أهل بغداد تميلون مع الظالم على الغريب المظلوم، أنا رجل من أهل همدان من أهل السنّة، وهذا ينسبني إلى قم ويرميني بالرفض ليذهب بحقّي ومالي. قال: فمالوا عليه وأرادوا أن يدخلوا إلى حانوته حتّى سكنتهم، وطلب إليّ صاحب السفتجة أن آخذ مالها وحلف بالطلاق أن يوفيني مالي في الحال فاستوفيته منه(1186).
المعجزة الخامسة والعشرون:
فيه: عن أحمد بن الحسن قال: وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة ولا احبّهم جملة، إلى أن مات يزيد بن عبيد الله فأوصى في علّته أن يدفع الشهري الفرس السمند وسيفه ومنطقته إلى مولاه، فخفت إن لم أدفع الشهري(1187) إلى اذكوتكين(1188) نالني منه استخفاف، فقومت الدابة والسيف والمنطقة بسبعمائة دينار في نفسي ولم أطلع عليه أحدا، ودفعت الشهري إلى اذكوتكين، فإذا الكتاب قد ورد علي من العراق: أن وجّه السبعمائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف والمنطقة(1189).
المعجزة السادسة والعشرون:
وفيه: عن حسين بن عيسى العريضي: لمّا مضى أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام)، ورد رجل من أهل مصر بمال إلى مكّة لصاحب الأمر (عجّل الله فرجه) فاختلف عليه وقال بعض الناس: إنّ أبا محمّد (عليه السلام) قد مضى من غير خلف، وقال آخرون:
الخلف من بعده جعفر، وقال آخرون: الخلف من بعده ولده، فبعث رجلا يكنّى أبا طالب إلى العسكر يبحث عن الأمر وصحّته، ومعه كتاب فصار الرجل إلى جعفر وسأله عن برهان فقال له جعفر: لا تتهيّأ في هذا الوقت، فصار الرجل إلى الباب وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا الموسومين بالسفارة فخرج إليه: آجرك الله في صاحبك فقد مات وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة يعمل فيه بما يجب، وأجيب عن كتابه وكان الأمر كما قيل له(1190).
المعجزة السابعة والعشرون:
وفيه: حمل رجل من أهل أبة شيئا يوصله، ونسي سيفا بآبة كان أراد حمله، فلمّا وصل الشيء كتب إليه بوصوله، وقيل في الكتاب: ما خبر السيف الذي انسيته(1191)؟
المعجزة الثامنة والعشرون:
فيه: عن محمد بن شاذان النيشابوري: اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقص عشرون درهما، فلم أحب أن أنفذها ناقصة فوزنت من عندي عشرين درهما، وبعثتها إلى الأسدي ولم أكتب مالي فيها، فورد الجواب: وصلت خمسمائة درهم لك منها عشرون درهما(1192).
المعجزة التاسعة والعشرون:
وفيه: كتب علي بن زياد الصيمري يسأل كفنا، فكتب إليه:
إنّك تحتاج إليه في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته(1193).
المعجزة الثلاثون:
وفيه: عن محمد بن هارون الهمداني: كان للناحية عليّ خمسمائة دينار فضقت بها ذرعا ثمّ قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة وثلاثين دينارا قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار ولم أنطق بذلك، فكتب إلي محمد بن جعفر: اقبض الحوانيت من محمد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عليه(1194).
المعجزة الحادية والثلاثون:
ذكر المحدّث الجليل البارع الفاضل النراقي في خزائنه قال:
حدّثني الشيخ الجليل محمد جعفر النجفي (قدس سره) - وهو من مشايخ إجازتي - في مسافرتي معه إلى زيارة العسكريين والسرداب المقدّس في سرّ من رأى أنّه كان لي في تلك البلدة المشرّفة صاحب من أهلها ولكن أحيانا إذا تشرّفت للزيارة أنزل عنده، فأتيته في بعض الأحيان فوجدته مريضا في غاية الضعف والنقاهة، مشرفا على الموت فسألته عن ذلك، قال لي: إنّه قدم علينا من سرّ من رأى في هذه الأوان جمعا(1195) من الزوّار، وفيهم من أهل تبريز فقمت على عادتنا الخدمة في شراء الزوّار وتزاورنا إيّاهم واكتسابنا منهم، وإذا بشابّ فيهم في غاية الصلاح ونهاية الصفاء والطراوة قد أشرف على الدجلة ونزل واغتسل في الشط، ثمّ لبس الثياب الطيّبة النفيسة وتقدّم إلى الزيارة في غاية الخضوع ونهاية التذلّل والخشوع، حتّى انتهى إلى الروضة المقدّسة ووقف على باب الرواق، وبيده كتابه المزار، فأخذ في الدعاء والاستئذان والدموع تسيل على خدّيه، فأعجبني غاية خشوعه ورقّته وبكاؤه فأتيته وجررت رداءه وقلت: أريد أن أزورك فمدّ يده في جيبه وأخرج دينارا من ذهب، وأشار لي بالرجوع عنه وعدم التعرّض إيّاه، فلمّا نظرت إلى الدنانير طار قلبي وتحرّكت عروق الطمع؛ إذ كنت في أيّام لم يحصل لي من صناعتي عشر من أعشار ذلك المبلغ، فأخذني الطمع أن أتعرّضه أيضا فرجعت إليه ثانية وهو في بكائه وحضور من قلبه فزاحمته، وأعدت إليه ما قلته فدفع إلي نصف دينار، وأشار لي بالرجوع وعدم التعرّض.
فرجعت ونار الطمع تشتعل في جوارحي وأنا أقول: لا يفوتك الرجل فنعم الصيد صيدك، إلى أن رجعت إليه ثالثة وزاحمته وكرّرت عليه الكلام، وأمرته بإلقاء الكتاب وجررت رداءه وهو في عين تخشّعه وبكائه، فدفع إلي في هذه المرّة ريالا واشتغل بما هو فيه، وأنا لم أزل فيما أنا عليه إلى أن أقامني الطمع ذلك المقام رابعا، فانصرف الرجل عمّا هو فيه وتمّ حضور قلبه وطبق كتاب المزار، وخرج من غير زيارة فندمت من ذلك فأتيته وقلت له: ارجع إلى ما كنت عليه فلا أتعرّضك بعد أبدا، فأجابني ودموعه تنحدر أنّه لم يبق لي حال الزيارة وقد زال ما بي من الخشوع، فأسفت على ما فعلت ولمت نفسي ورجعت إلى الدار، فلمّا دخلت الفضاء وإذا بثلاثة واقفين على السطح وهم يحاذونني، والذي بينهم أقصر سنّا وبيده قوس وسهم، ينظر إليّ نظرة الغضب، وقائل: لم منعت زائرنا وصرفته عن حاله، ثمّ وضع السهم في كبد قوسه فما شعرت إلّا وقد اخترق صدري، فغابوا عن بصري واحترق صدري، فجرح بعد يومين وقد زاد الآن كما ترى، فكشف عن صدره وإذا قد أخذ مجموع صدره، فما مضى أيّام إلّا ومات(1196).
المعجزة الثانية والثلاثون:
وفيه: قال (رحمه الله): أخبرني الورع التقي الحاج جواد الصبّاغ، وهو من أعاظم التجّار وثقاتهم وكان ناظرا على تعمير الروضة المقدّسة والسرداب من قبل بانيه جعفر قلي خان الخوئي، أخبرني حين تشرّفي إلى زيارة المشهد المقدّس والسرداب المشرّف وذلك في سنة عشر ومائتين بعد الألف، أيّام مسافرتي إلى بيت الله الحرام فمضيت إلى سرّ من رأى، واتّفق لي مصاحبته في تلك البلدة، فحكى لي عن رجل ناصبي يدعى بسيد علي، وكان مأمورا هناك من والي بغداد وحكومة العثماني، وكان حاكما على أهلها - وذلك في سنة خمس ومائتين بعد الألف - ويأخذ من كلّ زائر ريالا للدخول في الروضة المقدّسة ويسوم ساقهم، ويعلمهم علامة لا يشتبه بغيره بعد ذلك.
فبينما ذات يوم هو جالس على سرير له بباب الصحن وبين يديه المأمورون، وبيده خشبة طويلة يسوق بها الزوّار بعد أخذ الريال منهم وسوم ساقهم إذ أقبل شاب من زوّار العجم ومعه زوجته، وهم من أهل بيت الشرف والعفّة، ودفع إليه ريالين فطبع ساقه وأشار إلى زوجته بالطبع فقال الشاب: دع الامرأة وأنا اعطي لكل دخول لها في الروضة المقدّسة ريالا من غير أن يكشف لها ساق، ولم أرض بهذه الفضيحة، فصاح عليه الناصبي - السيد علي المذكور - وشتمه بالرفض والعصبية وقال: أتغير عليها يا فلان؟ فأجابه الشاب باللين والرفق. فصاح ثانيا بأنّه لا يمكن لها الدخول في الحرم إلّا وأكشف عن ساقها وأطبع عليها، فأخذ الشاب بيدها وقال: ارجعي فقد كفتنا هذه الزيارة، فاغتاظ الناصبي لذلك وصاح عليه قائلا: يا رافضي استثقلت ما أمرتك فيها، ثمّ مدّ يده وأخذ الخشبة الطويلة التي كانت عنده وركنها إلى صدر المرأة وأوقعها على الأرض وجانب بعض ثيابها وكشف عن بدنها، فأقامها الشاب وتوجّه إلى الحرم الشريف ودموعه تنحدر وتجري وقال: يا سيّدي أترضى به فإنّي راض برضاكم - يعني حاشاك أن ترضى - ثمّ أخذ بيدها وعاد إلى منزله.
قال الحاج جواد: كنت حينئذ في الدار إذ طرق عليّ طارق معجلا بعد ثلاث أو أربع ساعات وهو يقول: أجب والدة السيّد علي وأدركه، فقمت مسرعا ولم أخرج ولم أصل إليه إلى أن تواتر عليّ الرسل، فدخلت عليه، فإذا به ملقى على فراشه يتململ تململ السليم وينادي ويشكو من وجع القلب وعياله حوله، فلمّا رأتني أمّه وزوجته وبناته وأخواته اجتمعن حولي بالبكاء، واستدعين منّي الذهاب إلى الشاب المزبور والاسترضاء عنه، هذا وهو ينادي في فراشه ويقول: إلهي أسأت وظلمت وبئس ما صنعت، فأتيت منزل الشابّ وأخبرته بالخبر وسألته الرضا عنه فقال: أمّا أنا فقد رضيت عنه، ولكن أين عنّي ذلك القلب المنكسر والحالة التي كنت فيها؟ فما رجعت إلّا وقد ارتج دار السيد علي بالبكاء، والنساء ناشرات الشعر لاطمات الخدّ مشرفات بالحرم، يردن الشفاء من الضريح المطهّر وأسمع أنين السيّد علي من الدار إلى الصحن الشريف، فحضر فريضة المغرب والعشاء وأتيت وقمت للصلاة فما أتممت صلاتي إلّا ونودي نداء موته، وضجّت عياله بالبكاء عليه فغسل في ساعته وأتي بالجنازة لتوضع في الرواق إلى الصبح.
ولمّا كانت مفاتيح الروضة المقدّسة في تلك الأوقات لتعمير الحرم الشريف عندي وبيدي، فأمرت بسدّ الأبواب والتجسّس في أطراف الحرم والرواق، وبالغنا في التخلية عن جميع من يكون وذلك لحفظ الخزانة والآلات المعلّقات وغيرها حتّى اطمأننا، فوضعت الجنازة في الرواق وانسدّت الأبواب بيدي وأخذت المفاتيح، فلمّا جئت وقت السحر لفتح الأبواب ففتحتها جاء الخدم وعلق الشموع، وإذا بكلب أسود قد خرج من الرواق إلى الصحن فامتلأت غضبا على الخدمة والمأمورين الذين كانوا معي في الرواق بالتجسس فحلفوا، وأنا أعلم أنّهم لم يقصّروا ولم يكن شيء قطّ في الحرم وقالوا: إنّا تفحّصنا غاية التفحّص، فلمّا كان غداة غد اجتمع الناس لدفن السيّد علي وإذا بالتابوت وفيه كفن خال ممّا فيه، فتعجّبت واعتبرت كما تعجّب الناس وتفرّقوا، وهذا ممّا شاهدته بعيني(1197).
ريحانة معطّرة من ثمرة هذا الفرع جعلتها التحفة لمن زار الرضا (عليه السلام) وتمسّك بعروة الله الوثقى
في دار السلام للمحدّث النوري (رحمه الله) عن المعتمد المؤتمن آقا محمد التاجر عن نور الدين محمد قال: لمّا كنت في البندر(1198) المسمّى بريك مشغولا بتجهيز سفر البحر، والسير إلى بندر كنك أحد البنادر المعمورة، حدّثني جماعة كثيرة عن رجل ثقة معتمد من أهل گيلان، وكان يتردّد في البلاد للتجارة قال: دخلت مرّة في سفر الهند وبقيت في البنگالة قريبا من ستّة أشهر، وكان بجنب حجرتي التي كنت فيها حجرة كان فيها رجل غريب، وكان في تمام أوقاته متحيّرا مستغيثا باكيا مهموما متفكّرا، لا يفتر عن حزنه ساعة.
فلمّا رأيت كثرة بكائه وعويله وخروجه عن العادة عزمت على استكشاف حاله، فأنست به بلسان ذلق وكلام ليّن فوجدته ضعيفا نحيفا قد تحلّلت قواه ودقّ عظمه ورقّ جلده، فسألته عن طول حزنه ودوام بكائه وهمومه فأبي فألححت عليه فقال: جمعت في اثنتي عشرة سنة قبل ذلك أموالا وأمتعة نفيسة وحملتها في السفينة مع جماعة عازما على التجارة، فلمّا توسّطنا البحر والسفينة تجري بريح طيّبة ومضى علينا عشرون يوما، إذ أتتنا ريح عاصف وبلاء مبرم فانكسرت السفينة وغرقت الأموال والنفوس، وتعلّقت بلوح من ألواحها والريح تلعب به يمينا وشمالا إلى أن وقع بصري على جزيرة، فسكن خاطري وقرّت عيني، والموج يلطمني لطمة بعد لطمة إلى أن طرحني في الساحل فسجدت لله تعالى شكرا.
ورأيت جزيرة مونقة معشوشبة خالية عن جنس البشر، فبقيت مدّة اعتلف من كلائها في اليوم، وأبيت على الأشجار خوفا من السباع الضارية، ومضى عليّ كذلك سنة فاتفق أنّي كنت يوما مشغولا بالوضوء على عين ماء، فرأيت فيها عكس صورة امرأة، فرفعت رأسي فإذا على بعض أغصان الشجرة امرأة حسناء غراء فرعاء لم أر مثلها، وكانت عريانة فلمّا رأت أنّي أنظر إليها أدلت شعرها على جسدها وتستّرت به عنّي وقالت: أيّها الناظر إلى ما يحرم عليك أما تستحي من الله تعالى ورسوله؟ فاستحيت من كلامها وأطرقت برأسي، وأقسمت عليها بالله تعالى وقلت: أنت من البشر، أو من الملائكة أو من الجنّ؟ فقالت: من البشر والآن قريب من ثلاث سنين أعيش في هذه الجزيرة، أبي كان رجلا من أهل إيران فعزم الرحيل إلى الهند، ولمّا بلغنا قبّة البحر انكسرت سفينتنا ووقعت أنا في هذه الجزيرة.
ولمّا علمت بحالها حكيت لها قصّتي وقلت: لو خطبك أحد ترغبين فيه، فسكتت فعلمت برضاها، فحوّلت وجهي حتّى نزلت من الشجرة فعقدت عليها، وكنت أتمتّع بها وأفرح بها فرزقني الله تعالى هذين الغلامين اللذين تراهما، فكنت أطيب خاطري تارة بمصاحبتها وأتسلّى مرّة بوجودهما والاشتغال بها وكذلك بهما، وكذلك المرأة وكانت عاقلة وكنّا نعيش في الجزيرة كذلك إلى أن بلغ أحدهما تسع سنين والآخر ثماني، ولمّا كنّا عراة وعلى أبداننا شعور طوال قبيحة المنظر قلت يوما لها: ليت كان لنا قطعة لباس نستر بها عوراتنا، ونخرج بها عن هذه الفضيحة، فتعجّب الولدان وقالا: هل بغير هذا الوضع والمكان وضع آخر ومكان وطريقة اخرى؟
فقالت أمّهما: نعم إنّ لله تعالى بلادا ورجالا كثيرة ومأكولات ومشروبات لا تحصى، ولكنّا عزمنا المسافرة وركبنا السفينة فكسرتها الرياح العاصفة، وطرحتنا بوسيلة لوح منها في هذه الجزيرة. فقالا: لم لا ترجعون إلى أوطانكم المألوفة؟ فقالت: لا يمكن العبور من هذا البحر الزخار بلا سفينة مستعدّة، فقالا: نحن نصنع السفينة، فلمّا رأتهما عازمين أشارت إلى شجرة كبيرة كانت في ساحل البحر وقالت: لو قدرتما على نحت وسطها لعلّ الله بعنايته يرحمنا ويوصلنا إلى مكان نستر به عوراتنا، فلمّا سمع الغلامان مقالة أمّهما عمد إلى جبل كان قريبا منّا وأخذا بعض الأحجار التي كانت رءوسها محدّدة، وشرعا في نحت الشجرة وحرّما على أنفسهما الطعام والشراب والنوم ولم يفترا عن العمل في مدّة ستّة أشهر إلى أن صار وسط الشجرة خاليا كهيئة الزوارق وكان يسع اثني عشر نفرا يقعدون فيه.
فلمّا رأينا كذلك شكرنا الله تعالى على هذه النعمة وهداية الغلامين إلى هذا العمل وطاعتهما لنا، وأمّهما كانت في غاية السرور والفرح، والحثّ على إتمامها وترتيبها لما بلغ بها الوحشة وألم العري وفقد المحلّ والمأوى النهاية، ثمّ عمدوا إلى حمل العنبر من صفح جبل قريب كان في حوالي الجزيرة، وكان في غاية الارتفاع، وكان في خلف الجبل غيضة أشجارها قرنفل، وكان النحل تأكل في فصل الربيع من أزهارها ويبادرون إلى قلّة الجبل، فيجتمع لسببها فيها عسل كثير، ثمّ يأتي المطر فيغسله ويجريه إلى البحر فيشربه الحيتان، ومن شمعه يحصل العنبر الأشهب، فإن في وقت الجريان من الجبل يبقى شيئا فشيئا في سفح الجبل، وبإشراق الشمس على تلك الشموع تتفرّق في تمام تلك الصحراء، وكنّا نأتي منه في كلّ يوم أمنان إلى أن جمع مائة منّ، وصنعنا منه في الزورق حوضا، وصنعنا منه ظروفا وحملنا الماء منها إلى الحوض حتى ملئ منه، ثمّ جمعنا لطعامنا من الاصول المعروفة بچيني، وكان كثيرا في الجزيرة ثمّ صنعنا من لحاء الأشجار حبالا وثيقة وشددنا بها رأس الزورق، وربطناه برأسها الأخرى على شجرة عظيمة.
ثمّ انتظرنا أيام مدّ البحر وزيادة مائه إلى أن بلغ وقته، ووقع الزورق فوق الماء فحمدنا الله تعالى وجلسنا فيه فلم يتحرّك من مكانه فتأمّلنا فإذا برأس الجبل مشدود على الشجرة، ونسينا أن نفكّه فأراد أحد الغلامين أن ينزل فنزلت أمّهما قبلهما، وفكّت الحبل وأخذ الموج الحبل من يدها، وأذهب بالزورق إلى وسط البحر، فأخذت المرأة في البكاء والنحيب والصياح والعويل والحركة من طرف إلى طرف، فلمّا بعدنا منها صعدت شجرة تنظر إلينا وتبكي وتتحسّر، فلمّا غبنا طرحت نفسها منها، والغلامان لمّا يئسا منها شرعا في البكاء والأنين والقلق والاضطراب إلى أن وصلنا قبّة البحر، خافا من نفسها فسكتا، فلمّا مضى علينا سبعة أيّام وصلنا إلى الساحل ولمّا كنّا عراة صبرنا حتّى أظلم الليل، فعلوت على مرتفع فرأيت سواد بلاد وضوء نار، فذهبت إليه مهتديا بعلامة النار، فلمّا وصلت إليه رأيت بابا عاليا فدققت الباب فكانت الدار لرجل تاجر من رؤساء اليهود، فخرج فأعطيته قليلا من العنبر الأشهب، وأخذت منه أثوابا وفرشا ورجعت في الليل إلى ولدي وسترنا عوراتنا، فلمّا أصبحنا دخلت البلد، وأخذت هذه الحجرة في هذا الخان، وجئت بولديّ وصيّرت من الفرش جوالق حملت بها في الليل العنبر والچيني من الزورق إلى الحجرة، وبعت منها على التدريج، واشتريت متاع البيت وصرت في زيّ التجّار، والآن قريب سنة أنا في الهمّ والبكاء والقلق من فراق العاجزة الضعيفة المهجورة وكذلك الأولاد.
فلمّا بلغ كلامه هذا المقام عرضتني رقّة فبكيت معه ساعة ثمّ قلت له: لا رادّ لقضاء الله وتدبيره، ولا مغيّر لمقاديره وحكمته، ولكنّي أظنّ أنك لو زرت الإمام الثامن أبا الحسن الرضا (عليه السلام)، وشكوت إليه ما دهاك من هذه المصيبة، وعرضت عليه قصّتك وقصّة زوجتك لأجاب سؤلك وكشف ضرّك ونفّس همّك، فإنّه لم يلجأ إليه أحد إلّا أصلح حاله، ولم يستعن به ضعيف إلّا أعانه، ولم يستغث إليه مضطرّ إلّا أغاثه، فإنّه أبو الأيتام وملجأ الأنام وذخر المفلسين وكهف المظلومين.
فلمّا سمع كلامي أثر في قلبه ووقع في روعه، فعاهد الله تعالى مخلصا في هذا المجلس أن يصنع قنديلا من الذهب الخالص، ويمشي راجلا إلى زيارته، ويشكو إليه ضرّه وفاقته ويطلب منه الاجتماع مع زوجته، ثمّ قام وطلب الذهب من يومه وصنع القنديل وركب السفينة وقطع الفيافي والقفار، إلى أن بلغ مرحلة من المشهد الرضوي، ورأى المتولّي في تلك الليلة الإمام (عليه السلام) في المنام وقال (عليه السلام) له: غدا يدخل علينا زائر لنا فاستقبله، فلمّا أصبح خرج مستقبلا مع جميع أرباب المناصب في الحضرة الرضوية، وأدخلوه في البلد معزّزا مكرّما، وأدخلوا القنديل في الروضة وعلّقوه في محلّه، فلمّا استقرّ به الدار خرج من هيئة المسافر واغتسل ودخل الروضة المنوّرة، وقبّل تلك القبّة الشريفة واشتغل بالزيارة والدعاء إلى أن مضى برهة من الليل، وأخرجوا الخدّام غيره من الزائرين وسدّوا الأبواب ومضوا لشأنهم، فلمّا اختصّ به الحرم ورأى نفسه فريدا سكت ساعة، ثمّ اشتغل بالتضرّع والبكاء والاستغاثة بالإمام (عليه السلام)، وسأل منه الوصول إلى زوجته وألحّ فيه إلى أن بقي ثلث الليل وقد أعيى من كثرة الإلحاح والدعاء، فسجد فغلبه النوم فسمع هاتفا يقول: قم، فلمّا قام من السجدة رأى الإمام الهمام أبا الحسن الرضا (عليه السلام) واقفا فقال له: قم فقد اوتيت بزوجتك وهي الآن واقفة خلف الروضة فاذهب إليها.
فقال: فديتك بنفسي إنّ الأبواب مسدودة. فقال (عليه السلام): الذي أتى بها من ذاك المكان البعيد إلى هنا يتمكّن من فتح الأبواب المغلقة، فخرج فكلّما مرّ بباب انفتح له إلى أن بلغ خلف الروضة، فرأى زوجته على الهيئة التي خلّفها في الجزيرة متحيّرة خائفة، فلمّا رأت بعلها تعلّقت به فقال لها: من أبلغك إلى هذا المقام؟ فقالت: كنت في شاطئ البحر جالسة متفكّرة، وقد أصاب عيني رمد شديد وألم موجع من شدّة البكاء، أتأوّه من شدّته فإذا بشاب قد أضاء بنور وجهه جميع البرّ والبحر في هذا الليل المظلم، فأخذ بيدي وقال: غمضي عينيك فغمضتهما وفتحتهما بعد زمان، فرأيت نفسي في هذا المكان، فذهب بها إلى الحجرة عند ولديه، وجاوروا بعد ذلك في ذاك المكان الشريف إلى أن توفوا.
الفرع السابع في بيان نوّابه وسفرائه الممدوحين الذين كانوا في زمان غيبته الصغرى وسائط بين الشيعة وبينه عليه الصلاة والسلام
أوّلهم:
أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري وكان من نوّاب أبي الحسن وأبي محمّد في الأوّل، وكانت توقيعات إمام العصر تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمد ابن عثمان إلى شيعته وخواصّ أبيه أبي محمّد بالأمر والنهي عنه، والأجوبة عمّا تسأل الشيعة، وترجمه (رحمه الله) في البحار مفصّلا، وقبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في أوّل الموضع المعروف بدرب حيلة(1199).
الثاني:
من السفراء ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري، قام مقام أبيه بنصّ أبي محمد وأبيه عثمان بأمر القائم (عليه السلام)، وخرج التوقيع إليه في التعزية بأبيه رضي الله عنه، وفي فصل من الكتاب: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، تسليما لأمره ورضا بفعله وبقضائه، عاش أبوك سعيدا ومات حميدا ف(رحمه الله) وألحقه بأوليائه ومواليه فلم يزل مجتهدا في أمرهم، ساعيا فيما يقرّبه إلى الله عزّ وجلّ وإليهم، نضّر الله وجهه وأقال عثرته.
وفي فصل آخر: أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء، رزيت وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسرّه الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله ولدا مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه بأمره ويترحّم عليه، وأقول الحمد لله فإنّ الأنفس طيّبة بمكانك وما جعله الله عزّ وجلّ فيك وعندك، وأعانك الله وقوّاك وعضدك، ووفّقك وكان لك وليا وحافظا وراعيا.
وهما رأيا القائم (عجّل الله فرجه)، وقبره عند والدته في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله، وهو الآن في وسط الصحراء(1200).
الثالث
من السفراء: أبو القاسم حسين بن روح النوبختي، أقامه محمد بن عثمان بعد مقامه بأمر الإمام (عجّل الله فرجه) وهو من أعقل الناس عند الموافق والمخالف وكان يستعمل التقية.
في البحار: عن أبي جعفر محمد بن علي بن الأسود قال: كنت أحمل الأموال التي تحصل في باب الوقف إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رحمه الله) فيقبضها منّي، فحملت إليه يوما شيئا من الأموال في آخر أيّامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين، فأمرني بتسليمه إلى أبي القاسم الروحي رضى الله عنه، فكنت اطالبه بالقبوض فشكى ذلك إلى أبي جعفر رضى الله عنه، فأمرني أن لا اطالبه بالقبوض وقال: كلّ ما وصل إلى أبي القاسم فقد وصل إليّ، فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا اطالبه بالقبوض(1201).
وفيه: عن جعفر بن أحمد بن منيل: لمّا حضرت أبا جعفر محمّد بن عثمان العمري الوفاة كنت جالسا عند رأسه أسأله وأحدّثه وأبو القاسم بن روح عند رجليه فالتفت إليّ ثمّ قال:
امرت أن اوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح. قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحوّلت إلى عند رجليه(1202).
وحسين بن روح من أعقل الناس عند الموافق والمخالف وكان يستعمل التقيّة، وقبره (رحمه الله) في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل وإلى الدرب الآخر وإلى قنطرة الشوك. وقد كانت العامّة تعظّمه (رحمه الله) حيّا وميّتا، وقد تناظر اثنان في دار ابن يسار وهو (رحمه الله) حضر تقيّة فزعم واحد أنّ أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ثمّ عمر ثمّ علي، وقال آخر: علي أفضل من أبي بكر وعمر فزاد الكلام بينهما، فقال أبو القاسم رضى الله عنه: الذي اجتمعت عليه الصحابة هو تقديم الصدّيق ثمّ بعده الفاروق ثمّ بعده عثمان ذو النورين ثمّ علي الوصيّ، وأصحاب الحديث على ذلك وهو الصحيح عندنا، فبقي من حضر المجلس متعجّبا من هذا القول وكانت العامّة يرفعونه على رءوسهم، وكثر الدعاء له والطعن على من يرميه بالرفض.
فوقع عليّ الضحك فلم أزل أتصبّر وأمنع نفسي وأدسّ كمي في فمي فخشيت أن أفتضح، فوثبت عن المجلس، ونظر إليّ فتفطّن بي، فلمّا حصلت في منزلي فإذا بالباب يطرق فخرجت مبادرا فإذا بأبي القاسم بن روح راكبا بغلته قد وافاني من المجلس قبل مضيّه إلى داره فقال لي: يا عبد الله أيّدك الله لم ضحك وأردت أن تهتف بي، كأن الذي قلته عندك ليس بحقّ؟ فقلت له: كذاك هو عندي، فقال لي: اتق الله أيّها الشيخ فإنّي لا أجعلك في حلّ أن تستعظم هذا القول منّي. فقلت: يا سيدي رجل يرى بأنّه صاحب الإمام (عجّل الله فرجه) ووكيله يقول ذلك القول لا يتعجّب منه ولا يضحك من قوله هذا! فقال لي: وحياتك لئن عدت لأهجرنّك، وودّعني وانصرف(1203).
الرابع
من السفراء: أبو الحسن علي بن محمد السمري (رحمه الله)، أوصى أبو القاسم الحسين بن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري (رحمه الله) فلمّا حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي قال لله أمر هو بالغه، فالغيبة التامّة هي التي وقعت بعد مضيّ السمري.
في البحار عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري (قدّس الله روحه)، فحضرته قبل وفاته بأيّام فأخرج إلى الناس توقيعا نسخته: بسم الله الرّحمن الرحيم يا علي بن محمّد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة فلا ظهور إلّا بعد إذن الله تعالى، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.
فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه فقيل له: من وصيّك من بعدك؟ فقال:
لله أمر هو بالغه.
وقبره (رحمه الله) في الشارع المعروف بشارع الخلخي من ربع باب المحول، قريب من شاطئ نهر أبي عتاب، ومات (رحمه الله) في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وقد كان في زمان السفراء (رضوان الله عليهم) أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنسوبين للسفارة:
(منهم) أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي، أتى الجواب عن الناحية بعد السؤال عن قبض شيء: فليدفع إليه، من ثقاتنا.
(ومنهم) أحمد بن إسحاق وإبراهيم بن محمد وأحمد بن حمزة، خرج التوقيع في مدحهم.
(ومنهم) إبراهيم بن مهزيار وابنه محمد ووقع التوقيع في حقهما.
(ومنهم) الحسن بن محبوب أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري ومحمد بن علي بن بلال وعمر الأهوازي وأبو محمد الوجناني، وبعض آخر لا حاجة بذكرهم هنا، ثمّ اعلم أنّ الذين ادّعوا البابية كذبا وافتراء كثيرون لعنهم الله، لا حاجة لنا بذكرهم في هذا المقام(1204).
الفرع الثامن في علّة الغيبة وكيفية انتفاع الناس به في غيبته (عليه السلام)
في العوالم والبحار عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق (عليه السلام): إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها، يرتاب فيها كل مبطل، فقلت له: ولم جعلت فداك؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم. قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج الله تعالى ذكره، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلّا وقت افتراقهما. يا ابن الفضل إنّ هذا الأمر أمر من أمر الله، وسرّ من سرّ الله وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنّه عزّ وجلّ حكيم صدقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا(1205).
وفيه: عن الأعمش عن الصادق (عليه السلام) قال: لم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها، ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله فيها، ولو لا ذلك لم يعبد الله. قال سليمان: فقلت للصادق (عليه السلام): فكيف ينتفع بالحجّة الغائب المستور؟
قال (عليه السلام): كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب(1206).
وفيه: عن إسحاق بن يعقوب أنّه ورد عليه من الناحية المقدّسة على يد محمّد بن عثمان: وأمّا علّة ما وقع من الغيبة فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)(1207) إنّه لم يكن أحد من آبائي إلّا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي. وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم، ولا تتكلّفوا على ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتّبع الهدى(1208).
وفيه: عن أبي عبد الله (عليه السلام): أقرب ما يكون العبد إلى الله عزّ وجلّ وأرضى ما يكون عنه إذا افتقدوا حجّة الله فلم يظهر لهم، وحجب عنهم فلم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجج الله ولا بيّناته، فعندها فليتوقّعوا الفرج صباحا ومساء. وإنّ أشدّ ما يكون الله غضبا على أعدائه إذا أفقدهم حجّته فلم يظهر لهم، وقد علم أنّ أولياءه لا يرتابون ولو علم أنّهم يرتابون ما أفقدهم حجّته طرفة عين(1209).
وفيه: عن جابر الجعفي عن جابر الأنصاري أنّه سأل النبيّ (صلّى الله عليه وآله): هل ينتفع الشيعة بالقائم (عجّل الله فرجه) في غيبته؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): إي والذي بعثني بالنبوّة إنّهم لينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جلّلها السحاب(1210).
أقول: التشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب يومئ إلى امور كما يستفاد من كلمات العلّامة المجلسي (رحمه الله)(1211).
الأوّل: أن نور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه (عليه السلام)، إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنّهم العلل الغائية لإيجاد الخلق، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم، وببركتهم والاستشفاع بهم والتوسل إليهم يظهر العلوم والمعارف على الخلق، ويكشف البلايا عنهم، فلولاهم لاستحق الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب، كما قال الله تعالى:
(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ)(1212) ولقد جربنا مرارا لا نحصيها أنّه عند انفلاق الامور وإعضال المسائل والبعد عن جناب الحقّ تعالى وانسداد أبواب الفيض لمّا استشفعنا بهم وتوسّلنا بأنوارهم، فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت تنكشف تلك الامور الصعبة، وهذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الإيمان.
الثاني: كما أنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها، ينتظرون في كلّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ليكون انتفاعهم بها أكثر، فكذلك في أيّام غيبته ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كلّ وقت وزمان ولا ييأسون منه.
الثالث:
أنّ منكر وجوده مع وفور ظهور آثاره، كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.
الرابع:
أنّ الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب، فكذلك غيبته (عجّل الله فرجه) أصلح لهم في تلك الأزمان؛ فلذا غاب عنهم.
الخامس:
أنّ الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب، وربّما عمي بالنظر إليها لضعف الباصرة عن الإحاطة بها، فكذلك شمس ذاته المقدّسة ربّما يكون ظهوره أضرّ لبصائرهم، ويكون سببا لعماهم عن الحقّ، وتحتمل بصائرهم الإيمان به في غيبته كما ينظر الإنسان إلى الشمس من تحت السحاب ولا يتضرّر بذلك.
السادس:
أنّ الشمس قد تخرج من السحاب وينظر إليها واحد دون واحد، فكذلك يمكن أن يظهر (عليه السلام) في أيّام غيبته لبعض الخلق دون بعض.
السابع:
أنّهم كالشمس في عموم النفع وإنّما لا ينتفع بهم من كان أعمى، كما فسّر به في الأخبار قوله تعالى: (ومَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وأَضَلُّ سَبِيلًا)(1213).
الثامن:
أنّ الشمس كما أنّ شعاعها يدخل البيوت بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع، فكذلك الخلق إنّما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانية والعلائق الجسمانية، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانية، إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب. فقد فتحت لك من هذه الجنّة الروحانية ثمانية أبواب، ولقد فتح الله عنّي بفضله ثمانية اخرى تضيق العبارة عن ذكرها، عسى الله أن يفتح علينا وعليك في معرفتهم ألف باب، يفتح من كلّ باب ألف باب(1214).
عن ابن عمير عمّن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت له: ما بال أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقاتل مخالفيه في الأول؟ قال: لآية في كتاب الله عزّ وجلّ (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(1215) قال: قلت: وما يعني بتزيلهم؟ قال: ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين، ومنافقين فلم يكن علي (عليه السلام) ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع فلما خرج ظهر على من ظهر وقتله، فكذلك القائم لن يظهر أبدا حتّى تخرج ودائع الله عزّ وجلّ، فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله عزّ وجلّ جلاله فقتلهم(1216).
وفيه: سأل أبو خالد أبا جعفر (عليه السلام) أن يسمّي القائم حتّى أعرفه باسمه. فقال (عليه السلام): يا أبا خالد سألتني عن أمر لو أنّ بني فاطمة عرفوه لحرصوا على أن يقطّعوه بضعة بضعة(1217).
وفيه: قال الشيخ (رحمه الله): لا علّة تمنع من ظهوره إلّا خوفه على نفسه من القتل(1218)، لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار، وكان يتحمّل المشاق والأذى، فإنّ منازل الأئمّة وكذلك الأنبياء إنّما تعظم لتحمّلهم المشاق العظيمة في ذات الله تعالى(1219).
فإن قيل: هلّا منع الله من قتله بما يحول بينه وبين من يريد قتله؟
قلنا: المنع الذي لا ينافي التكليف هو النهي عن خلافه والأمر بوجوب اتباعه ونصرته وإلزام الانقياد له، وكلّ ذلك فعله تعالى، وأمّا الحيلولة بينهم وبينه فإنّه ينافي التكليف وينقض الغرض، لأنّ الغرض بالتكليف استحقاق الثواب، والحيلولة ينافي ذلك، وربما كان في الحيلولة والمنع من قتله بالقهر مفسدة للخلق فلا يحسن من الله فعلها، وليس هذا كما قال بعض أصحابنا أنّه لا يمتنع أن يكون في ظهوره مفسدة وفي استتاره مصلحة؛ لأنّ الذي قاله يفسد طريق وجوب الرسالة في كلّ حال، ويطرق القول بأنّها تجري مجرى الألطاف التي تتغيّر بالأزمان والأوقات والقهر والحيلولة، ليس كذلك ولا يمتنع أن يقال في ذلك مفسدة ولا يؤدّي إلى فساد وجوب الرئاسة.
فإن قيل: أليس آباؤه كانوا ظاهرين ولم يخافوا ولا صاروا بحيث لا يصل إليهم أحد؟
قلنا: آباؤه (عليهم السلام) حالهم بخلاف حاله لأنّه كان المعلوم من حال آبائه لسلاطين الوقت وغيرهم لا يرون الخروج عليهم، ولا يعتقدون أنّهم يقومون بالسيف ويزيلون الأول، بل كان المعلوم من حالهم أنّهم ينتظرون مهديا وليس يضرّ السلطان اعتقاد من يعتقد إمامتهم إذا أمنوهم على مملكتهم، وليس كذلك صاحب الزمان؛ لأنّ المعلوم منه أن يقوم بالسيف ويزيل الممالك ويقهر كلّ سلطان ويبسط العدل ويميت الجور، فمن هذه صفته يخاف جانبه وتتقى فورته فيتبع ويوصل ويوضع العيون عليه، ويعنى به خوفا من وثبته ورهبة من تمكنه، فيخاف حينئذ ويخرج إلى التحرّز والاستظهار بأن يخفي شخصه عن كلّ من لا يأمنه من وليّ وعدوّ إلى وقت خروجه.
وأيضا فآباؤه إنّما ظهروا لأنّه كان المعلوم أنّه لو حدث بهم حادث لكان هناك من يقوم مقامه ويسدّ مسدّه من أولادهم وليس كذلك صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) لأنّ المعلوم أنّه ليس بعده من يقوم مقامه قبل حضور وقت قيامه بالسيف، فلذلك وجب استتاره وغيبته، وفارق حاله حال آبائه، وهذا واضح بحمد الله.
فإن قيل: بأيّ شيء يعلم زوال الخوف وقت ظهوره، بالوحي من الله فالإمام لا يوحى إليه، أو بعلم ضروري فذلك ينافي التكليف، أو بأمارة توجب غلبة الظنّ ففي ذلك تقرير بالنفس.
قلنا: عن ذلك جوابان:
أحدهما:
أنّ الله أعلمه على لسان نبيّه وأوقفه عليه من جهة آبائه زمان غيبته المخوفة وزمان زوال الخوف عنه، فهو يتبع في ذلك ما شرع له واوقف عليه، وإنّما أخفى ذلك عنّا لما فيه من المصلحة، فأمّا هو فعالم به لا يرجع إلى الظنّ.
والثاني:
أنّه لا يمتنع أن يغلب على ظنّه بقوّة الامارات بحسب العادة قوّة سلطانه، فيظهر عند ذلك ويكون قد اعلم أنّه متى غلب في ظنّه كذلك وجب عليه، ويكون الظنّ شرطا والعمل عنده معلوما، كما تقوله في تنفيذ الحكم عند شهادة الشهود، والعمل على جهات القبلة بحسب الامارات والظنون، وإن كان وجوب التنفيذ للحكم والتوجّه إلى القبلة معلومين وهذا واضح بحمد الله(1220).
وأمّا ما روي من الأخبار من امتحان الشيعة في حال الغيبة، وصعوبة الأمر عليهم واختيارهم للصبر عليه، فالوجه فيها الإخبار عمّا يتّفق من ذلك من الصعوبة والمشاق، لا أن الله تعالى غيّب الإمام ليكون ذلك، وكيف يريد الله وما ينال المؤمنين من جهة الظالمين ظلم منهم لهم ومعصية والله لا يريد ذلك، بل سبب الغيبة هو الخوف على ما قلناه، وأخبروا بما يتّفق في هذه الحال، وما للمؤمن من الثواب على الصبر على ذلك والتمسّك إلى أن يفرّج الله عنهم(1221).
فاكهة:
اعلم أنّ بعض المخالفين يشنعوننا بأنّه إذا لم يمكن التوسّل إلى إمام زمانكم، ولا أخذ المسائل الدينية عنه فأيّ ثمرة تترتّب على مجرّد معرفته حتّى يكون من مات وليس عارفا به فقد مات ميتة الجاهلية؟ والإمامية يقولون: ليست الثمرة منحصرة في مشاهدته وأخذ المسائل عنه، بل نفس التصديق بوجوده وأنّه خليفة الله في الأرض أمر مطلوب لذاته، وركن من أركان الايمان كتصديق من كان في عصر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بوجوده ونبوّته.
وقد روي عن جابر بن عبد الله أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) ذكر المهدي فقال: ذلك الذي يفتح الله عزّ وجلّ على يديه مشارق الأرض ومغاربها، يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت فيها إلّا من امتحن الله قلبه للايمان، فقلت: يا رسول الله هل لشيعته انتفاع به في غيبته؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): إي والذي بعثني بالحقّ إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها السحاب(1222).
ثمّ قالت الإمامية: إنّ تشنيعكم علينا مقلوب عليكم؛ لأنّكم تذهبون إلى أنّ المراد بإمام الزمان في هذا الحديث صاحب الشوكة من ملوك الدنيا كائنا من كان، عالما أو جاهلا عدلا أو فاسقا، وأيّ ثمرة على معرفة الجاهل الفاسق ليكون من مات ولم يعرفه فقد مات ميتة جاهلية؟
فاكهة اخرى:
حكى السيّد صاحب المقام رضيّ الدين علي بن طاوس أنّه اجتمع يوما في بغداد مع بعض فضلائه فانجرّ الكلام بينهما إلى ذكر الإمام محمّد بن الحسن المهدي، (عجّل الله فرجه) وما تدّعيه الإمامية من حياته في هذه المدّة الطويلة، فشنع ذلك الفاضل على من يصدق بوجوده ويعتقد طول عمره إلى ذلك الزمان إنكارا بليغا. قال السيّد (رحمه الله): فقلت له: إنّك تعلم أنّه لو حضر اليوم رجل وادّعى أنه يمشي على الماء لاجتمع لمشاهدته كلّ أهل البلد، فإذا مشى على الماء وعاينوه وقضوا تعجّبهم منه، ثمّ جاء في اليوم الثاني آخر وقال: أنا أمشي على الماء أيضا فشاهدوا مشيه عليه، لكان تعجّبه أقل من الأوّل.
فإذا جاء في اليوم الثالث آخر وادّعى أنّه يمشي على الماء أيضا، فربّما لا يجتمع للنظر إليه إلّا القليل ممّن شاهد الأولين، فإذا مشى سقط التعجّب بالكلية فإذا جاء رابع وقال: أنا أيضا أمشي على الماء كما مشوا، فاجتمع عليه جماعة ممّن شاهدوا الثلاثة الأول، ثمّ أخذوا يتعجّبون منه تعجّبا زائدا على تعجّبهم الأوّل والثاني والثالث لتعجّب العقلاء من نقص عقولهم وخاطبوهم بما يكرهون، وهذا بعينه حال المهدي (عجّل الله فرجه) فإنّكم رويتم أنّ إدريس حيّ موجود في السماء من زمانه إلى الآن ورويتم أنّ الخضر حي موجود من زمان موسى (عليه السلام) أو قبله إلى الآن، ورويتم أن عيسى (عليه السلام) حيّ موجود في السماء وأنّه سيعود إلى الأرض إذا ظهر المهدي (عجّل الله فرجه) ويقتدي به، فهذه ثلاثة نفر من البشر قد طالت أعمارهم زيادة على المهدي (عجّل الله فرجه)، فكيف لا تتعجّبون منهم وتتعجبون من أن يكون لرجل من ذرية النبي (صلّى الله عليه وآله) اسوة بواحد منهم، وتنكرون أن يكون من جملة آياته (صلّى الله عليه وآله) أن يعمر واحد من عترته وذريّته زيادة على المتعارف من الأعمار في هذا الزمان(1223)؟
الفرع التاسع في توقيعاته الشريفة التي صدرت من الناحية المقدّسة
الأول:
في الاحتجاج عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري (رحمه الله): أنّه جاء بعض أصحابنا يعلمه أنّ جعفر بن علي كتب إليه كتابا يعرّفه كتابا نفسه، ويعلمه أنّه القيّم بعد أخيه وأنّ عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه وغير ذلك من العلوم كلّها. قال أحمد ابن إسحاق: فلمّا قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان وصيّرت كتاب جعفر في درجه فخرج إلي الجواب في ذلك: (بسم الله الرّحمن الرحيم آتاني كتابك أبقاك الله والكتاب الذي أنفذت في درجه) وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمّنه على اختلاف ألفاظه وتكرّر الخطأ فيه، ولو تدبّرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه، والحمد لله ربّ العالمين حمدا لا شريك له على إحسانه إلينا وفضله علينا، أبي الله عزّ وجلّ للحقّ إلّا إتماما وللباطل إلّا زهوقا، وهو شاهد عليّ ممّا أذكره، ولي عليكم بما أقوله إذا اجتمعنا لليوم الذي لا ريب فيه ويسألنا عمّا نحن فيه مختلفون، وإنّه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة ولا طاعة ولا ذمّة، وسأبيّن لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله:
يا هذا يرحمك الله إنّ الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا ولا أهملهم سدى، بل خلقهم بقدرته وجعل لهم أسماعا وأبصارا وقلوبا وألبابا، ثمّ بعث إليهم النبيّين مبشّرين ومنذرين يأمرونهم بطاعته، وينهونهم عن معصيته، ويعرّفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم، وأنزل عليهم كتابا وبعث إليهم ملائكة، وباين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعل لهم عليهم، وما آتاهم الله من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة والآيات الغالبة، فمنهم من جعل النار عليه بردا وسلاما واتخذه خليلا، ومنهم من كلّمه تكليما وجعل عصاه ثعبانا مبينا، ومنهم من أحيى الموتى بإذن الله وأبرأ الاكمه والأبرص بإذن الله، ومنهم من علّمه منطق الطير واوتي من كلّ شيء، ثمّ بعث محمّدا (صلّى الله عليه وآله) رحمة للعالمين وتمّم نعمته وختم به أنبياءه، وأرسله إلى الناس كافّة، وأظهر من صدقه ما أظهر، وبيّن من آياته وعلاماته ما بيّن، ثمّ قبضه (صلّى الله عليه وآله) حميدا فقيدا سعيدا، وجعل الأمر من بعده إلى أخيه وابن عمّه ووصيّه ووارثه علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ثمّ إلى الأوصياء من ولده واحدا بعد واحد، أحيى بهم دينه، وأتمّ بهم نوره، وجعل بينهم وبين إخوانهم وبني عمّهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقا بيّنا تعرف به الحجّة من المحجوج والإمام من المأموم، بأن عصمهم من الذنوب وبرأهم من العيوب، وطهّرهم من الدنس ونزّههم من اللبس وجعلهم خزّان علمه ومستودع حكمته وموضع سرّه وأيّدهم بالدلائل، ولو لا ذلك لكان الناس على سواء، ولادّعى أمر الله عزّ وجلّ كلّ أحد، ولما عرف الحقّ من الباطل ولا العلم من الجهل، وقد ادّعى هذا المبطل المدّعي على الله الكذب بما ادّعاه، فلا أدري بأي حالة هي له رجا أن يتمّ دعواه في دين الله، فو الله ما يعرف حلالا من حرام ولا يفرّق بين خطأ وصواب، فما يعلم حقّا من باطل ولا محكما من متشابه، ولا يعرف حدّ الصلاة ولا وقتها، أم بورع فالله شهيد على تركه الصلاة الفريضة أربعين يوما يزعم ذلك لطلب الشعوذة(1224) ولعلّ خبره تأدى إليكم، وهاتيك طروق منكرة منصوبة وآثار عصيانه لله عزّ وجلّ مشهودة قائمة، أم بآية فليأت بها أم بحجّة فليعمّها أم بدلالة فليذكرها قال الله عزّ وجلّ في كتابه بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، (حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، ما خَلَقْنَا السَّماواتِ والْأَرْضَ وما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وأَجَلٍ مُسَمًّى والَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، ومَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ وإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ)(1225).
فالتمس تولّى الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك وامتحنه، واسأله عن آية من كتاب الله يفسّرها أو صلاة يبيّن حدودها وما يجب فيها لتعلم حاله ومقداره، ويظهر لك عواره ونقصانه والله حسيبه، حفظ الله الحقّ على أهله وأقرّه في مستقرّه، وقد أبى الله عزّ وجلّ أن تكون الإمامة في أخوين إلّا في الحسن والحسين (عليها السلام)، وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحقّ واضمحل الباطل وانحسر عنكم، وإلى الله أرغب في الكفاية وجميل الصنع والولاية وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلّى الله على محمّد وآل محمّد(1226).
الثاني:
من التوقيعات وفيه: عن علي بن أحمد الدلّال القمّي قال: اختلف جماعة من الشيعة في أنّ الله عزّ وجلّ فوّض إلى الأئمّة (صلوات الله عليهم) أن يخلقوا ويرزقوا، فقال قوم:
هذا محال لا يجوز على الله تعالى؛ لأنّ الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عزّ وجلّ. وقال آخرون: بل الله عزّ وجلّ أقدر الأئمّة على ذلك، وفوّض إليهم فخلقوا ورزقوا، وتنازعوا في ذلك تنازعا شديدا. قال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان فتسألونه عن ذلك ليوضّح لكم الحقّ فيه، فإنّه الطريق إلى صاحب الأمر (عجّل الله فرجه)، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلّمت وأجابت إلى قوله فكتبوا المسألة وأنفذوها، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته: إنّ الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسّم الأرزاق لأنّه ليس بجسم ولا حالّ في جسم، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأمّا الأئمّة فإنّهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق إيجابا لمسألتهم وإعظاما لحقّهم(1227).
الثالث:
من التوقيعات وفيه: عن أبي عمرو العمري، قال: تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في الخلف وذكر ابن أبي غانم أنّ أبا محمد مضى ولا خلف له، ثمّ إنّهم كتبوا في ذلك كتابا وأنفذوه إلى الناحية وأعلموه بما تشاجروا فيه، فورد جواب كتابهم بخطّه (عليه السلام) وعلى آله وآبائه: بسم الله الرّحمن الرحيم عافانا الله وإيّاكم من الفتن، ووهب لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا وإيّاكم من سوء المنقلب، إنّه أنهي إليّ ارتياب جماعة منكم في الدين وما دخلهم من الشكّ والحيرة في ولاة أمرهم فغمّنا ذلك لكم لا لنا، وساءنا فيكم لا فينا؛ لأنّ الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره، والحقّ معنا فلن يوحشنا من قعد، ونحن صنائع ربّنا والخلق بعد صنائعنا، يا هؤلاء ما لكم في الريب تتردّدون، وفي الحيرة تنعكسون؟
أو ما سمعتم الله عزّ وجلّ يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(1228)؟ أو ما علمتم ما جاءت به الآثار ممّا يكون يحدث في أئمّتكم على الماضين والباقين منهم السلام؟ أو ما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن ظهر الماضي، كلّما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلمّا قبضه الله إليه ظننتم أن الله أبطل دينه وقطع بينه وبين خلقه؟ كلّا ما كان ذلك وما يكون حتّى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون، وإنّ الماضي مضى (عليه السلام) سعيدا فقيدا على منهاج آبائه (عليهم السلام) حذو النعل بالنعل، وفينا وصيّه وعلمه ومنه خلفه ومن يسدّ مسدّه، ولا ينازعنا موضعه إلّا ظالم آثم ولا يدّعيه دوننا إلّا كافر جاحد، ولو لا أنّ أمر الله لا يغلب، وسرّه لا يظهر ولا يعلن لظهر لكم من حقّنا ما تبتز منه عقولكم ويزيد شكوككم، ما شاء الله كان، ولكل أجل كتاب فاتّقوا الله وسلّموا لنا وردوا الأمر إلينا، فعلينا الإصدار كما كان منّا الإيراد، ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم، ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى اليسار، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودّة على السنّة الواضحة فقد نصحت، والله شاهد عليّ وعليكم.
ولو لا ما عندنا من محبّة صاحبكم ورحمتكم والإشفاق عليكم لكنّا عن مخاطبتكم في شغل ممّا قد امتحنّا به من منازعة الظالم العتلّ الضالّ المتتابع في غيّه، المضاد لربّه، المدّعي ما ليس له، الجاحد حقّ من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب، وفي ابنة رسول الله صلّى الله عليه وعليها لي اسوة حسنة وسيردى الجاهل رداء عمله وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار، عصمنا الله وإيّاكم من المهالك والأسواء والآفات والعاهات كلّها برحمته، فإنّه ولي ذلك والقادر على ما يشاء، وكان لنا ولكم وليّا حافظا، والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته، وصلّى الله على محمّد النبي وآله وسلّم تسليما(1229).
الرابعة:
من التوقيعات فيه: عن الكافي عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري (رحمه الله) أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان (عجّل الله فرجه): أمّا ما سألت عنه - أرشدك الله وثبّتك ووقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمّنا - فاعلم أنّه ليس بين الله وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس منّي وسبيله سبيل ابن نوح، أمّا سبيل عمّي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف، وأمّا الفقاع فشربه حرام ولا بأس بالشلماب(1230)، وأمّا أموالكم فلا نقبلها إلّا لتطهروا، فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع، وما آتانا الله خير ممّا آتاكم.
وأمّا ظهور الفرج فإنّه إلى الله، وكذب الوقّاتون، وأمّا قول من زعم أنّ الحسين لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال. وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله، وأمّا محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل فإنّه ثقتي وكتابه كتابي، وأمّا محمّد بن علي بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله قلبه ويزيل عنه شكّه، وأمّا ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلّا لما طاب وطهر، وثمن المغنية حرام، وأمّا محمد ابن شاذان بن نعيم فإنّه رجل من شيعتنا أهل البيت، وأمّا أبو الخطّاب محمد بن أبي زينب الأجذع، فإنّه ملعون وأصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم فإنّي منهم بريء وآبائي منهم برآء، وأمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئا فأكله فإنّما يأكل النيران، وأمّا الخمس فقد ابيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث.
وأمّا ندامة قوم شكّوا في دين الله على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال ولا حاجة لنا إلى صلة الشاكّين، وأمّا علّة ما وقع من الغيبة فإنّ الله عز وجل يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)(1231)، إنّه لم يكن أحد من آبائي إلّا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي، وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم، ولا تتكلّفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإنّ ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتّبع الهدى(1232).
الخامسة:
من التوقيعات فيه: عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال: كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) مع جماعة منهم علي بن عيسى القصري فقام إليه رجل فقال له: إنّي اريد أن أسألك عن شيء، فقال له: سل عمّا بدا لك، فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي (عليه السلام) أهو ولي الله؟ قال: نعم.
قال: أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدوّ لله؟ قال: نعم. قال له الرجل: فهل يجوز أن يسلّط الله عزّ وجلّ عدوّه على وليّه؟ فقال له أبو القاسم (قدّس الله روحه): افهم ما أقول لك: اعلم أنّ الله تعالى لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان ولا يشافههم بالكلام ولكنّه جلّت عظمته يبعث إليهم من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم، ولو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم، فلمّا جاءوهم، وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق قالوا لهم: أنتم مثلنا لا نقبل منكم حتّى تأتونا بشيء نعجز عن أن نأتي بمثله فنعلم أنّكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه، فجعل الله عزّ وجلّ لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها؛ فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإعذار والإنذار فغرق جميع من طغى وتمرّد، ومنهم من القي في النار فكانت عليه بردا وسلاما، ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى من ضرعها لبنا، ومنهم من فلق له البحر وفجّر له من العيون وجعل له العصا اليابسة ثعبانا تلقف ما يأفكون، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله، وأنبأهم بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم، ومنهم من انشق له القمر وكلّمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك.
فلمّا أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من اممهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله جل جلاله ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين واخرى مغلوبين، وفي حال قاهرين واخرى مقهورين، ولو جعلهم الله عزّ وجلّ في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عزّ وجلّ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار، ولكنّه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبّرين، وليعلم العباد أنّ لهم إلها هو خالقهم ومدبّرهم فيعبدونه ويطيعون رسله، وتكون حجّة الله ثابتة على من تجاوز الحدّ فيهم وادّعى لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل (عليهم السلام) ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيي من حيّ عن بيّنة.
قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رحمه الله): فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) في الغد وأنا أقول في نفسي أتراه ذكر لنا ما ذكر يوم أمس من عند نفسه، فابتدأني وقال: يا محمد بن إبراهيم لئن أخرّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحبّ إليّ من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي، بل ذلك عن الأصل ومسموع عن الحجّة (صلوات الله وسلامه عليه)(1233).
السادس:
من التوقيعات في الاحتجاج ممّا خرج من صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) ردّا على الغلات من التوقيع جوابا لكتاب كتب إليه على يدي محمد بن علي بن هلال الكرخي:
يا محمد بن علي تعالى الله عزّ وجلّ عمّا يصفون، سبحانه وبحمده ليس نحن شركاءه في علمه ولا في قدرته، بل لا يعلم الغيب غيره كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ)(1234) وأنا وجميع آبائي من الأوّلين آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من النبيّين، ومن الآخرين محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب والحسنين (عليهم السلام) وغيرهم ممّن مضى من الأئمّة (صلوات الله عليهم أجمعين) إلى مبلغ أيّامي ومنتهى عصري، عبيد لله عزّ وجلّ، يقول الله عزّ وجلّ: (مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ونَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى)(1235).
يا محمد بن علي قد أذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه فاشهد الله الذي لا إله إلّا هو وكفى به شهيدا ورسوله محمّدا وملائكته وأنبياءه ورسله وأولياءه (عليهم السلام)، واشهدك واشهد كلّ من سمع كتابي هذا أنّي بريء إلى الله وإلى رسوله ممّن يقول إنّا نعلم الغيب أو نشاركه في ملكه، أو يحلّنا محلّا سوى المحلّ الذي رضيه الله لنا وخلقنا له، أو يتعدّى بنا عمّا قد فسّرته لك وبيّنته في صدر كتابي، واشهدكم أنّ كلّ من نبرأ منه فإنّ الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياؤه، وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في عنقك وعنق من سمعه أن لا يكتمه عن أحد من مواليّ وشيعتي، حتّى يظهر على هذا التوقيع الكلّ من الموالي، لعلّ الله عزّ وجلّ يتلافاهم فيرجعون إلى دين الله الحقّ، وينتهون عمّا لا يعلمون منتهى أمره ولا يبلغ منتهاه، فكل من فهم كتابي ولا يرجع إلى ما قد أمرته به ونهيته عنه فقد حلّت عليه اللعنة من الله وممّن ذكرت من عباده الصالحين(1236).
السابعة:
من التوقيعات فيه: خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان (قدّس الله سرّه) في التعزية بأبيه (رحمه الله) في فصل من الكتاب: إنّا لله وإنّا إليه راجعون تسليما لأمره ورضا بقضائه، عاش أبوك سعيدا ومات حميدا ف(رحمه الله) وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام)، فلم يزل مجتهدا في أمرهم ساعيا فيما يقرّبه إلى الله عزّ وجلّ، نضّر الله وجهه وأقاله عثرته.
وفي فصل آخر: أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء، رزيت ورزينا وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسرّه الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله ولدا مثلك تخلفه من بعده وتقوم مقامه بأمره وتترحّم عليه، وأقول: الحمد لله فإنّ الأنفس طيّبة بمكانك وما جعله الله عزّ وجلّ فيك وعندك، أعانك الله وقوّاك وعضدك ووفّقك، وكان لك وليّا وحافظا وراعيا وكافيا(1237).
الثامنة:
من التوقيعات فيه: إنّ أبا محمد الحسن السريعي كان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمّد (عليه السلام) ثمّ الحسن بن علي (عليه السلام)، وهو أوّل من ادّعى مقاما لم يجعله الله فيه من قبل صاحب الزمان (عجّل الله فرجه)، وكذب على الله وحججه ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه برآء، ثمّ ظهر منه القول بالكفر والإلحاد، وكذلك كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمّد (عليه السلام)، فلمّا توفي ادّعى البابية لصاحب الزمان ففضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والغلوّ والقول بالتناسخ، وكان يدّعي أنّه رسول نبي أرسله علي بن محمد ويقول فيه بالربوبية ويقول بالإجابة(1238) للخادم، وكان أيضا من جملة الغلاة حمد بن هلال الكرخي وقد كان من قبل في عداد أصحاب أبي محمّد (عليه السلام)، ثمّ تغيّر عمّا كان عليه وأنكر بابية أبي جعفر محمد بن عثمان، فخرج التوقيع بلعنه من قبل صاحب الأمر والزمان وبالبراءة منه في جملة من لعن وتبرأ منه، وكذا كان أبو طاهر محمد بن علي بن بلال والحسين بن منصور الحلاج ومحمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقري لعنهم الله، فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعا على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ونسخته:
عرّف - أطال الله بقاك وعرفك الله الخير كلّه وختم به عملك - من تثق بدينه وتسكن إلى نيّته من إخواننا أدام الله سعادتهم بأنّ محمد بن علي المعروف بالشلمغاني، عجّل الله له النقمة ولا أمهله، قد ارتدّ عن الإسلام وفارقه وألحد في دين الله وادّعى ما كفر معه بالخالق جلّ وتعالى، وافترى كذبا وزورا وقال بهتانا وإثما عظيما، كذب العادلون بالله وضلّوا ضلالا بعيدا وخسروا خسرانا مبينا، وإنّا برئنا إلى الله وإلى رسوله - (صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليه) - منه ولعنّاه، عليه لعائن الله تترى في الظاهر منّا والباطن، في السرّ والجهر وفي كلّ وقت وعلى كلّ حال، وعلى كل من شايعه وتابعه وبلغه هذا القول منّا فأقام على تولّيه بعده، وأعلمه تولاكم الله أننا في التوقي والمحاذرة منه على مثل ما كنّا عليه ممّن تقدّمه من نظرائه من السريعي(1239) والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم، وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة وبه نثق وإيّاه نستعين، وهو حسبنا في كلّ امورنا ونعم الوكيل(1240).
التاسعة:
من التوقيعات فيه: في ذكر طرف ممّا خرج أيضا عن صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) من المسائل الفقهية وغيرها في التوقيعات على أيدي الأبواب الأربعة وغيرهم (رحمهم الله):
عن الزهري قال: طلبت هذا الأمر طلبا شافيا حتّى ذهب لي فيه مال صالح، فرفعت إلى العمري وخدمته ولزمته، فسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) فقال: ليس إلى ذلك وصول، فخضعت له فقال لي: بكّر بالغداة، فوافيته فاستقبلني ومعه شاب من أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا، وفي كمّه شيء كهيئة التجّار، فلمّا نظرت إليه دنوت إلى العمري فأومى إلي، فعدلت إليه وسألته فأجابني عن كلّ ما أردت، ثمّ مرّ ليدخل الدار وكانت الدار التي لا يكترث بها فقال العمري: إن أردت أن تسأل فاسأل فإنّك لا تراه بعد ذا، فذهبت لأسأل فلم يستمع، ودخل الدار وما كلّمني بأكثر من أن قال: ملعون ملعون من أخّر العشاء إلى أن تشتبك النجوم، ملعون ملعون من أخّر الغداة إلى أن تنقضي النجوم، ودخل الدار(1241).
العاشرة:
من التوقيعات وفيه: عن أبي الحسن محمد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد عليّ من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان (قدّس الله روحه) في جواب مسائلي إلى صاحب الزمان (عجّل الله فرجه): أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، فلئن كان كما يقول الناس أنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان فما أرغم أنف الشيطان أفضل من الصلاة مثل صلاة الصبح، فصلّها وأرغم الشيطان أنفه.
وأمّا ما سألت عنه من أمر الوقوف على ناحيتنا، وما يجعل لنا ثمّ يحتاج إليه صاحبه فكلّ ما لم يسلم فصاحبه بالخيار، وكلّ ما سلم فلا خيار لصاحبه فيه احتاج أو لم يحتج، افتقر إليه أو استغنى عنه. وأمّا ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنا، ويتصرّف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه يوم القيامة، وقد قال النبي (صلّى الله عليه وآله): المستحلّ من عترتي ما حرّم الله ملعون على لساني ولسان كلّ شيء يجاب، فمن ظلمنا كان في جملة الظالمين لنا، وكانت عليه لعنة الله لقوله عزّ وجلّ: (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)(1242) أمّا ما سألت عنه من أمر المولود الذي نبتت غلفته بعد ما يختن مرّة اخرى، فإنّه يجب أن يقطع غلفته، فإنّ الأرض تضجّ إلى الله عزّ وجلّ من بول الأغلف أربعين صباحا. وأمّا ما سألت عنه من أمر المصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه، هل تجوز صلاته؟ فإنّ الناس يختلفون في ذلك قبلك، فإنّه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران يصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه، ولا يجوز ذلك لمن يكون من أولاد عبدة الأوثان والنيران(1243).
فأمّا ما سألت من أمر الضياع التي لناحيتنا، هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتسابا للأجر وتقرّبا إليكم؟ فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك في مالنا، من فعل ذلك بغير أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرّم عليه، ومن أكل من أموالنا شيئا فإنّما يأكل في بطنه نارا وسيصلى سعيرا.
وأمّا ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة، ويسلّمها من قيّم يقوم بها ويعمرها ويؤدّي من دخلها خراجها ومئونتها، ويجعل ما يبقى من الدخل لناحيتنا، فإنّ ذلك جائز لمن جعل صاحب الضيعة قيما عليها، إنّما لا يجوز ذلك لغيره. وأمّا ما سألت عنه من الثمار من أموالنا، يمرّ به المارّ فيتناول منه ويأكل، هل يحلّ له ذلك؟ فإنّه يحلّ له أكله ويحرم عليه حمله(1244).
الحادية عشرة:
من التوقيعات فيه: عن أبي الحسن الأسدي أيضا قال: ورد علي توقيع من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (قدس سره) ابتداء لم يتقدّمه سؤال عنه، نسخته: بسم الله الرّحمن الرّحيم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من استحل من أموالنا درهما.
قال أبو الحسن (رحمه الله): فوقع في نفسي أنّ ذلك فيمن استحل من مال الناحية درهما دون من أكل منه غير مستحلّ له، وقلت في نفسي أيضا: إنّ ذلك في جميع من استحلّ محرما فأيّ فضل في ذلك للحجّة على غيره؟ قال: فوالذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا بشيرا لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما كان في نفسي نسخته: بسم الله الرّحمن الرحيم: لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من أكل من مالنا درهما حراما(1245).
الثانية عشرة:
من التوقيعات فيه: أيضا ممّا خرج عن صاحب الزمان من جوابات المسائل الفقهية أيضا ممّا سأله عنها محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري فيما كتب إليه وهو: بسم الله الرّحمن الرّحيم أطال الله بقاك وأدام الله عزّك وتأييدك وسعادتك وسلامتك وأتمّ نعمته عليك وزاد في إحسانه إليك وجميل مواهبه لديك وفضله عندك وجعلني من السوء فداك وقدمني قبلك، الناس يتنافسون في الدرجات فمن قبلتموه كان مقبولا ومن دفعتموه كان وضيعا، والخامل من وضعتموه، ونعوذ بالله من ذلك وببلدنا - أيّدك الله - جماعة من الوجوه يتنافسون في المنزلة، وورد - أيّدك الله - كتابك إلى جماعة منهم في أمر أمرتهم به من معاونة (ص)(1246). وأخرج علي بن محمد بن الحسين بن الملك المعروف بملك بادوكة، وهو ختن (ص) (رحمه الله) من بينهم، فاغتمّ بذلك وسألني - أيّدك الله - أن اعلمك ما ناله من ذلك، فإن كان من ذنب فاستغفر الله منه وإن كان غير ذلك عرّفته ما تسكن نفسه إليه إن شاء الله.
التوقيع: لم نكاتب إلّا من كاتبنا وقد عودتني - أدام الله عزّك - من تفضّلك ما أنت أهل أن تجريني على العادة وقبلك - أعزّك الله - فقهاء قالوا: إنّا محتاجون إلى أشياء تسأل لنا عنها(1247).
روي لنا عن العالم (عليه السلام) أنّه سئل عن إمام قوم صلّى بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال: يؤخّر ويتقدّم بعضهم ويتمّ صلاتهم ويغتسل من مسّه.
التوقيع: ليس على من نحّاه إلّا غسل اليد، وإذا لم تحدث حادثة تقطع الصلاة تمّم صلاته مع القوم(1248).
وروي عن العالم (عليه السلام) أنّ من مسّ ميّتا بحرارته غسل يده، ومن مسّه وقد برد فعليه الغسل، وهذا الإمام في هذه الحالة لا يكون إلّا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو، ولعلّه ينحيه بثيابه ولا يمسّه، فكيف يجب عليه الغسل؟
التوقيع: إذا مسّه على هذه الحال لم يكن عليه إلّا غسل يده(1249).
وعن صلاة جعفر إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود، وذكره في حالة اخرى قد صار فيها من هذه الصلاة، هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكرها أم يتجاوز في صلاته؟
التوقيع: إذا سها في حالة من ذلك ثمّ ذكر في حالة اخرى قضى ما فاته في الحالة التي ذكره(1250).
وعن المرأة يموت زوجها يجوز أن تخرج في جنازته أم لا؟
التوقيع: تخرج في جنازته(1251).
وهل يجوز لها في عدّتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟
التوقيع: تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها(1252).
وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حقّ يلزمها، أم لا تبرح من بيتها وهي في عدّتها؟
التوقيع: إذا كان حقّ خرجت فيه وقضته، وإن كانت لها حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت بها حتّى تقضيها، ولا تبيت إلّا في بيتها(1253).
وروي في ثواب القرآن في الفرائض وغيرها أنّ العالم (عليه السلام) قال: عجبا لمن لم يقرأ في صلاته (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) كيف تقبل صلاته. وروي: ما زكت صلاة لم يقرأ فيها قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وروي أنّ من قرأ في فرائضه الهمزة اعطي من الدنيا، فهل يجوز أن يقرأ الهمزة ويدع هاتين السورتين اللتين ذكرناهما مع ما قد روي أنّه لا تقبل صلاة ولا تزكو إلّا بهما؟
التوقيع: الثواب في السور على ما قد روي، وإذا ترك سورة ممّا فيها الثواب وقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ - وإِنَّا أَنْزَلْناهُ) لفضلهما اعطي ثواب ما قرأ وثواب السورة التي ترك، ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامّة ولكن يكون قد ترك الفضل(1254).
وعن وداع شهر رمضان متى يكون فقد اختلف فيه أصحابنا فبعضهم يقول: يقرأ في آخر ليلة منه، وبعضهم يقول: هو في آخر يوم منه إذا رأى هلال شوّال.
التوقيع: العمل في شهر رمضان في لياليه، والوداع يقع هو في آخر ليلة منه، فإذا خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين(1255).
وعن قول الله عزّ وجلّ (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)(1256) أرسول الله (صلّى الله عليه وآله) المعني به؟ (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) ما هذه القوّة؟ (مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) ما هذه الطاعة؟ وأين هي؟ ما خرج لهذه المسألة جواب، فرأيك - أدام الله عزّك - بالتفضّل علي بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل، وإجابتي عنها منعما، مع ما يشرحه لي من أمر علي بن محمد بن الحسين بن الملك المتقدّم ذكره بما يسكن إليه ويعتدّ بنعمة الله عنده، وتفضّل علي بدعاء جامع لي ولإخواني في الدنيا والآخرة، فعلت مثابا إن شاء الله.
التوقيع: جمع الله لك ولإخوانك خير الدنيا والآخرة(1257).
الثالثة عشرة:
من التوقيعات كتاب آخر لمحمّد بن عبد الله الحميري أيضا إليه عليه الصلاة والسلام في مثل ذلك: فرأيك - أدام الله عزّك - في تأمّل رقعتي والتفضّل بما أسأل من ذلك لأضيفه إلى سائر أياديك عندي ومننك عليّ، واحتجت - أدام الله عزّك - أن تسأل لي بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهّد الأوّل إلى الركعة الثالثة، هل يجب عليه أن يكبّر فإنّ بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه التكبير ويجزيه أن يقول: بحول الله وقوّته أقوم وأقعد.
الجواب: إنّ فيه حديثين؛ أمّا أحدهما فإنّه إذا انتقل من حالة إلى حالة اخرى فعليه التكبير، وأمّا الآخر فإنّه روي أنّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبّر ثمّ جلس ثمّ قام، فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير، وكذلك في التشهّد الأوّل تجري هذا المجرى وبأيّهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا.
وعن فصّ الجوهر، هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في اصبعه؟
الجواب: فيه كراهية أن يصلّي فيه، وفيه إطلاق والعمل على الكراهية.
وعن رجل اشترى هديا لرجل غائب عنه، وسأله أن ينحر عنه هديا بمنى، فلمّا أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل ونحر الهدي ثمّ ذكره بعد ذلك أيجزي عن الرجل أم لا؟
الجواب: لا بأس بذلك وقد أجزأ عن صاحبه.
وعندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة ولا يغتسلون من الجنابة وينسجون لنا ثيابا فهل تجوز الصلاة فيها قبل أن تغسل؟
الجواب: لا بأس بالصلاة فيها.
وعن المصلّي يكون في صلاة الليل في ظلمة، فإذا سجد يغلط بالسجادة ويضع جبهته على مسح أو نطع، فإذا رفع رأسه وجد السجّادة، هل يعتدّ بهذه السجدة أم لا يعتدّ؟
الجواب: ما لم يستو جالسا فلا شيء عليه في رفع رأسه بطلب الجمرة.
وعن المحرم يرفع الظلال، هل يرفع الخشب العمارية أو الكنيسية ويرفع الجناحين أم لا؟
الجواب: لا شيء عليه في تركه ورفع الخشب.
وعن المحرم يستظلّ من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه وما في محمله أن يبتلّ، فهل يجوز ذلك أم لا؟
الجواب: إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم.
وعن الرجل يحجّ عن أحد، هل يحتاج أن يذكر الذي حجّ عنه عند عقد إحرامه أم لا؟
وهل يجب أن يذبح عمّن حجّ عنه وعن نفسه أم يجزيه هدي واحد؟
الجواب: قد يجزيه هدي واحد وإن لم يفعل فلا بأس.
وهل يجوز للرجل أن يحرم في كساء خزّ أم لا؟
الجواب: لا بأس بذلك وقد فعله قوم صالحون.
وهل يجوز للرجل أن يصلّي في بطبط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟
الجواب: جائز.
وعن الرجل يصلّي وفي كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد، هل يجوز ذلك؟
الجواب: جائز.
وعن الرجل يكون معه بعض هؤلاء ويكون متّصلا بهم، يحجّ ويأخذ على الجادّة ولا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخّر إحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز إلّا أن يحرم من المسخ؟
الجواب: يحرم من ميقاته ثمّ يلبس الثياب ويلبّي في نفسه، فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهر.
وعن لبس النعل المبطون، فإنّ بعض أصحابنا يذكر أنّ لبسه كريهة.
الجواب: جائز، وذلك لا بأس به.
وعن الرجل من وكلاء الوقف مستحلّا لما في يده، ولا يرع عن أخذ ماله، ربّما نزلت في قريته وهو فيها إذ أدخل منزله وقد حضر طعامه، فيدعوني إليه فإن لم آكل من طعامه عاداني عليه وقال: فلان لا يستحلّ أن يأكل من طعامنا، فهل يجوز أن آكل من طعامه وأتصدّق بصدقة؟ وكم مقدار الصدقة؟ وإن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر فأحضر فيدعوني إلى أن أنال منها، وأنا أعلم أنّ الوكيل لا يرع، إن اخذ ما في يده، فهل عليّ فيه شيء إن أنا نلت منها؟
الجواب: إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه واقبل برّه وإلّا فلا.
وعن الرجل ممّن يقول بالحقّ ويرى المتعة ويقول بالرجعة إلّا أنّ له أهلا موافقة له في جميع أموره، وقد عاهدها أن لا يتزوّج عليها ولا يتمتّع ولا يتسرّى، وقد فعل هذا منذ تسع عشرة سنة، ووفى بقوله فربّما غاب عن منزله الأشهر فلا يتمتّع ولا تتحرّك نفسه أيضا لذلك، ويرى أنّ وقوف من معه من أخ وولد وغلام ووكيل وحاشية ممّا يقلّله في أعينهم، ويحب المقام على ما هو عليه محبّة لأهله وميلا إليها وصيانة لها ولنفسه لا لتحريم المتعة، بل يدين الله بها، فهل عليه في ترك ذلك مأثم أم لا؟
الجواب: يستحبّ له أن يطيع الله تعالى بالمتعة ليزول عنه الخلف في المعصية ولو مرّة(1258).
الرابعة عشرة:
من التوقيعات في كتاب آخر لمحمّد بن عبد الله الحميري إلى صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) من جوابات مسائله التي سأله عنها في سنة سبع وثلاثمائة: وسأل عن المحرم يجوز أن يشدّ المئزر من خلفه على عقبه بالطول، ويرفع طرفيه إلى حقويه ويجمعهما إلى خاصرته ويعقدهما، ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما إلى خاصرته، ويشدّ طرفيه إلى وركيه فيكون مثل السراويل ويستر ما هناك، فإنّ المئزر الأوّل كنّا نتزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك وهذا أستر.
فأجاب: جاز أن يتّزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض ولا إبرة، يخرجه به عن حدّ المئزر وغزره غزرا ولم يعقده ولم يشدّ بعضه ببعض، وإذا غطّى سرّته وركبتيه علاهما، فإنّ السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرّة والركبتين، والأحبّ إلينا والأفضل لكلّ أحد شدّه على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا إن شاء الله.
وسأل: هل يجوز أن يشدّ عليه مكان العقد تكّة؟
فأجاب: لا يشدّ المئزر بشيء سواه من تكة ولا غيرها.
وسأل عن التوجّه للصلاة أن يقول على ملّة إبراهيم (عليه السلام) ودين محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فإنّ بعض أصحابنا ذكر أنّه إذا قال على دين محمّد (صلّى الله عليه وآله) فقد أبدع؛ لأنّا لم نجده في شيء من كتب الصلاة خلا حديثا في كتاب القاسم بن محمد عن جدّه الحسن بن راشد أنّ الصادق (عليه السلام) قال للحسن: كيف تتوجّه؟ فقال: أقول: لبّيك وسعديك. فقال له الصادق (عليه السلام): ليس عن هذا أسألك كيف تقول وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما؟ قال الحسن:
أقوله، فقال له الصادق (عليه السلام): إذا قلت ذلك فقل على ملّة إبراهيم ودين محمّد (صلّى الله عليه وآله) ومنهاج علي بن أبي طالب (عليه السلام) والائتمام بآل محمّد (صلّى الله عليه وآله) حنيفا مسلما وما أنا من المشركين.
فأجاب: التوجّه كلّه ليس بفريضة والسنّة المؤكّدة فيه التي هي كالإجماع الذي لا خلاف فيه: وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما على ملّة إبراهيم ودين محمّد (صلّى الله عليه وآله) وهدى علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وما أنا من المشركين إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك امرت وأنا من المسلمين، اللهمّ اجعلني من المسلمين، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرّحمن الرحيم، ثمّ يقرأ الحمد. قال الفقيه الذي لا يشكّ في علمه: إنّ الدين لمحمّد (صلّى الله عليه وآله) والهداية لعلي أمير المؤمنين لأنّها له (عليه السلام) وما في عقبه باقية إلى يوم القيامة، فمن كان كذلك فهو من المهتدين، ومن شكّ فلا دين له ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى.
وسأله عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه أن يرد يديه على وجهه وصدره للحديث الذي روي أنّ الله عزّ وجلّ أجلّ من أن يرد يدي عبده صفرا، بل يملأها من رحمته أم لا يجوز فإنّ بعض أصحابنا عمل في الصلاة؟
فأجاب: ردّ اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جائز في الفرائض، والذي عليه العمل فيه إذا أرجع يده في قنوت الفريضة، وفرغ من الدعاء أن يرد بطن راحته على تمهل ويكبّر ويركع، والخبر صحيح وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض والعمل به فيها أفضل.
وسأل عن سجدة الشكر بعد الفريضة، فإنّ بعض أصحابنا ذكر أنّها بدعة، فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة، وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟
فأجاب: سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها، ولم يقل أنّ هذه السجدة بدعة إلّا من أراد أن يحدث في دين الله بدعة، فأمّا الخبر مروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في أنّها بعد الثلاث أو بعد الأربع فإنّ فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعقيب النوافل كفضل الفرائض على النوافل، والسجدة دعاء وتسبيح، والأفضل أن تكون بعد الفرض فإن جعلت بعد النوافل أيضا جاز.
وسأل أنّ لبعض إخواننا ممّن نعرفه ضيعة جديدة بجنب ضيعة خرابة، للسلطان فيها حصّة، واكرته(1259) ربّما زرعوا حدودها، ويؤذيهم عمّال السلطان ويتعرّض في الكلّ من غلّات الضيعة، وليس لها قيمة لخرابها وإنّما هي بائرة منذ عشرين سنة، وهو يتحرّج من شرائها؛ لأنّه يقال إنّ هذه الحصّة من هذه الضيعة كانت قبضت عن الوقف قديما للسلطان، فإن جاز شراؤها من السلطان وكان ذلك صلاحا له وعمارة لضيعته، فإنّه يزرع هذه الحصّة من القرية البائرة لفضل ماء ضيعته العامرة وينحسم عنه طمع أولياء السلطان وإن لم يجز ذلك عمل بما تأمره.
فأجابه: الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا من مالكها أو بأمره ورضا منه.
وسأل عن رجل استحلّ امرأة خارجة من حجابها وكان يتحرّز من أن يقع له ولد، فجاءت بابن فتحرّج الرجل أن لا يقبله فقبله وهو شاكّ فيه، وجعل يجري عليه وعلى أمّه حتّى ماتت الامّ، فهو ذا يجري عليه وهو شاكّ فيه ليس يخلطه بنفسه، فإن كان ممّن يجب أن يخلط بنفسه ويجعله كسائر ولده فعل ذلك، وإن جاز أن يجعل له شيئا من ماله دون حقّه فعل.
فأجاب: الاستحلال بالمرأة يقع على وجوه، والجواب مختلف فيها فليذكر الوجه الذي وقع الاستحلال به مشروحا ليعرف الجواب فيما يسأل عنه من أمر الولد إن شاء الله.
وسأله الدعاء.
فخرج الجواب: جاد الله عليه بما هو جلّ وتعالى أهله، إيجابنا لحقّه ورعايتنا لأبيه (رحمه الله) وقربه منّا، وقد رضينا بما علمناه من جميل نيّته ووقفنا عليه من مخالطة المقربة له من الله التي يرضى الله عزّ وجلّ ورسوله وأولياؤه (عليهم السلام) بما بدأنا نسأل الله بمسألته ما أمّله من كلّ خير عاجل وآجل، وأن يصلح له من أمر دينه ودنياه ممّا يحبّ صلاحه إنّه ولي قدير(1260).
الخامسة عشرة:
من التوقيعات، كتب إليه (صلوات الله عليه) أيضا في سنة ثمان وثلاثمائة كتابا سأله فيه عن مسائل اخرى كتب فيه: بسم الله الرّحمن الرحيم أطال الله بقاك وأدام عزّك وكرامتك وسعادتك وسلامتك وأتمّ نعمته عليك، وزاد في إحسانه إليك وجميل مواهبه لديك وفضله عليك وجزيل قسمه لك، وجعلني من السوء كلّه فداك وقدمني قبلك، إنّ قبلنا مشايخ وعجائز يصومون رجبا منذ ثلاثين سنة وأكثر، ويصلون شعبان بشهر رمضان وروى لهم بعض أصحابنا أنّ صومه معصية.
فأجاب له: قال الفقيه: يصوم منه أيّاما إلى خمسة عشر يوما ثمّ يقطعه، إلّا أن يصومه عن الثلاثة الأيّام الثابتة للحديث: إنّ نعم شهر القضاء رجب.
وسأله عن رجل يكون في محمله والثلج كثير قدر قامة رجل فيتخوّف إن نزل الغوص فيه وربّما يسقط الثلج وهو على تلك الحال، ولا يستوي أن يلبد شيئا منه لكثرته وتهافته، هل يجوز له أن يصلّي في المحمل الفريضة، فقد فعلنا ذلك أيّاما فهل علينا في ذلك إعادة أم لا؟
الجواب: لا بأس به عند الضرورة والشدّة.
وعن الرجل يلحق الإمام وهو راكع فيركع معه ويحتسب بتلك الركعة، فإنّ بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتدّ بتلك الركعة.
فأجاب: إذا لحق الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتدّ بتلك الركعة، وإن لم يسمع تكبيرة الركوع.
وسأل عن رجل صلّى الظهر ركعتين ودخل في صلاة العصر، فلمّا أن صلّى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنّه صلّى الظهر ركعتين، كيف يصنع؟
فأجاب: إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين، وإذا لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمّة لصلاة الظهر بعد ذلك.
وسأل عن أهل الجنّة هل يتوالدون إذا دخلوها أم لا؟
فأجاب: إنّ الجنّة لا حمل فيها للنساء ولا ولادة ولا طمث ولا نفاس ولا شقاء بالطفولية وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين كما قال سبحانه، فإذا اشتهى المؤمن ولدا خلقه الله عزّ وجلّ بغير حمل ولا ولادة على الصورة التي يريد كما خلق آدم عبرة.
وسأل عن رجل تزوّج امرأة بشيء معلوم إلى وقت معلوم وبقي عليها وقت، فجعلها في حلّ ممّا بقي له عليها، وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حلّ من أيّامها بثلاثة أيّام، أيجوز أن يتزوّجها رجل آخر بشيء معلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة أو يستقبل بها حيضة اخرى؟
فأجاب: يستقبل حيضة غير تلك الحيضة لأنّ أقلّ تلك العدّة حيضة وطهرة تامّة.
وسأل عن الأبرص والمجذوم وصاحب الفالج هل تجوز شهادتهم فقد روي لنا أنّهم لا يؤمّون الأصحّاء؟
فأجاب: إن كان ما بهم حادثا جازت شهادتهم وإن كان ولادة لم تجز.
وسأل: هل للرجل أن يتزوّج ابنة امرأته؟
فأجاب: إن كانت ربيت في حجره فلا يجوز وإن لم يكن ربيت في حجره وكانت أمّها في غير عياله فقد روي أنّه جائز.
وسأل: هل يجوز أن يتزوّج بنت ابنة امرأة ثمّ يتزوّج جدّتها بعد ذلك أم لا؟
فأجاب: قد نهي عن ذلك.
وسأل عن رجل ادّعى على رجل ألف درهم وأقام به البيّنة العادلة، وادّعى عليه أيضا خمسمائة درهم في صكّ آخر، وله بذلك كلّه بيّنة عادلة، وادّعى عليه أيضا ثلاثمائة درهم في صكّ آخر ومائتي درهم في صك آخر وله بذلك كلّه بيّنة عادلة، ويزعم المدّعى عليه أنّ هذه الصكوك كلّها قد دخلت في الصك الذي بألف درهم، والمدّعي منكر أن يكون كما زعم، فهل يجب الألف درهم مرّة واحدة أو يجب عليه كلّما يقيم البيّنة به وليس في الصكاك استثناء إنّما هي صكاك على وجهها؟
الجواب: يؤخذ من المدّعى عليه درهم مرّة وهي التي لا شبهة فيها، ويردّ اليمين في الألف الباقي على المدّعي، فإن نكل فلا حقّ له.
وسأل عن طين القبر يوضع مع الميّت في قبره، هل يجوز ذلك أم لا؟
الجواب: يوضع مع الميّت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله.
وسأل فقال: روي لنا عن الصادق (عليه السلام) أنّه كتب على إزار إسماعيل ابنه: إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله. فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟
الجواب: يجوز ذلك.
وسأل: هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر؟ وهل فيه فضل؟
فأجاب: يسبح به فما من شيء من السبح أفضل، ومن فضله أن الرجل ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له التسبيح.
وسأل عن السجدة على لوح من طين القبر وهل فيه فضل؟
فأجاب: يجوز ذلك وفيه الفضل.
وسأل عن الرجل يزور قبور الأئمّة (عليهم السلام) هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلّى عند بعض قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة أو يقوم عند رأسه أو رجليه؟ وهل يجوز أن يتقدّم القبر ويصلّي ويجعل القبر خلفه أم لا؟
فأجاب: أمّا السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة، والذي عليه أن يضع خدّه الأيمن على القبر، وأمّا الصلاة فإنّها خلفه ويجعل القبر أمامه، ولا يجوز أن يصلّي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره لأنّ الإمام لا يتقدّم عليه ولا يساوى.
وسأل فقال: هل يجوز للرجل إذا صلّى الفريضة أو النافلة وبيده السبحة أن يديرها وهو في الصلاة؟
فأجاب: يجوز إذا خاف السهو أو الغلط.
وسأل: هل يجوز أن يدير السبحة بيده اليسرى إذا سبّح أو لا يجوز؟
فأجاب: يجوز ذلك والحمد لله ربّ العالمين.
وسأل فقال: روي عن الفقيه في بيع الوقوف خبر مأثور: إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان ذلك أصلح أن يبيعوه، فهل يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم على ذلك وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟
فأجاب: إذا كان الوقف على إمام المسلمين فيبيع كلّ قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرّقين إن شاء الله.
وسأل: هل يجوز للمحرم أن يصير على إبطه المرتك أو التوية لريح العرق أم لا يجوز؟
فأجاب: يجوز ذلك وبالله التوفيق.
وسأل عن الضرير إذا اشهد في حال صحّته على شهادة ثمّ كفّ بصره ولا يرى خطّه فيعرفه هل تجوز شهادته أم لا؟ وإن ذكر هذا الضرير الشهادة، هل يجوز أن يشهد على شهادته أم لا يجوز؟
فأجاب: إذا حفظ الشهادة وحفظ الوقت جازت شهادته.
وسأل عن الرجل يوقف ضيعة أو دابّة ويشهد على نفسه باسم بعض وكلاء الوقف، ثمّ يموت هذا الوكيل أو يتغيّر أمره ويتولّى غيره، هل يجوز أن يشهد الشاهد لهذا الذي اقيم مقامه إذا كان أصل الوقف لرجل واحد؟
فأجاب: لا يجوز غير ذلك، لأنّ الشهادة لم تقم للوكيل وإنّما قامت للمالك، وقد قال الله تعالى (وأَقِيمُوا الشَّهادَةَ للهِ)(1261).
وسأل عن الركعتين الأخيرتين قد كثرت فيها الروايات فبعض يروي أنّ قراءة الحمد وحدها أفضل، وبعض يروي أنّ التسبيح فيهما أفضل، والفضل لأيّهما نستعمله؟
فأجاب: قد نسخت قراءة أمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، والذي نسخ التسبيح قول العالم: كلّ صلاة لا قراءة فيها فهي خداج، إلّا للعليل أو من يكثر عليه السهو فيتخوّف بطلان الصلاة عليه.
وسأل فقال: يتّخذ عندنا ربّ الجوز لوجع الحلق والبحبحة، يؤخذ الجوز الرطب من قبل أن ينعقد ويدقّ دقّا ناعما ويعصر ماؤه ويصفّى ويطبخ على النصف ويترك يوما وليلة ثمّ ينصب على النار، ويلقى على كلّ ستّة أرطال منه رطل عسل، ويغلى وينزع رغوته ويسحق من النوشادر والشبّ اليماني(1262) من كلّ واحد نصف مثقال، ويداف بذلك الماء ويلقى فيه درهم زعفران مسحوق ويغلى، ويؤخذ رغوته ويطبخ حتّى يصير مثل العسل ثخينا ثمّ ينزل عن النار ويبرد ويشرب منه، فهل يجوز شربه أم لا؟
فأجاب: إن كان كثيره يسكر أو يغيّر فقليله وكثيره حرام، وإن كان لا يسكر فهو حلال.
وسأل عن الرجل تعرض له حاجة ممّا لا يدري أن يفعلها أم لا فيأخذ خاتمين فيكتب في أحدهما: نعم افعل وفي الآخر: لا تفعل، فيستخير الله مرارا ثمّ يرى فيهما فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج، فهل يجوز ذلك أم لا؟ والعامل به والتارك له أهو مثل الاستخارة أم هو سوى ذلك؟
فأجاب: الذي سنّه العالم (عليه السلام) في هذه الاستخارة بالرقاع والصلاة.
وسأل عن صلاة جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) في أيّ أوقاتها أفضل أن يصلّي فيه؟ وهل فيها قنوت؟ وإن كان ففي أيّ ركعة منها؟
فأجاب: أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة ثمّ في أيّ الأيّام شئت، وأيّ وقت صلّيتها من ليل أو نهار فهو جائز، والقنوت فيها مرّتان في الثانية قبل الركوع والرابعة.
وسأل عن الرجل أن ينوي إخراج شيء من ماله وأن يدفعه إلى رجل من إخوانه ثمّ يجد في أقربائه محتاجا، أيصرف ذلك عمّن نواه له في قرابته؟
فأجاب: يصرف إلى أدناهما وأقربهما من مذهبه، فإن ذهب إلى قول العالم: لا يقبل الله الصدقة وذووهم محتاجون، فليقسم بين القرابة وبين الذي نوى حتّى يكون قد أخذ بالفضل كلّه.
وسأل فقال: قد اختلف أصحابنا في مهر المرأة فقال بعضهم: إذا دخل بها سقط عنه المهر ولا شيء لها. وقال بعضهم: هو لازم في الدنيا والآخرة فكيف ذلك؟ وما الذي يجب فيه؟
فأجاب: إن كان عليه بالمهر كتاب فيه ذكر دين فهو لازم له في الدنيا والآخرة، وإن كان عليه كتاب فيه ذكر الصداق سقط إذا دخل بها، وإن لم يكن عليه كتاب فإذا دخل بها سقط باقي الصداق.
وسأل فقال: روي لنا عن صاحب العسكر (عليه السلام) أنّه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغشى بوبر الأرانب، فوقّع: يجوز. وروي عنه أيضا أنّه لا يجوز، فأيّ الأمرين نعمل به؟
فأجاب: إنّما حرم في هذه الأوبار والجلود، وأمّا الأوبار وحدها فحلال، وقد سئل بعض العلماء عن قول الصادق (عليه السلام): لا يصلّى في الثعلب ولا في الأرنب ولا في الثوب الذي يليه فقال: إنّما عنى الجلود دون غيرها.
وسأل فقال: نجد بأصفهان ثيابا عنابية على عمل الوشي من قز أو إبريسم، هل تجوز الصلاة فيها أم لا؟
فأجاب: لا تجوز الصلاة إلّا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتّان.
وسأل عن المسح على الرجلين بأيّهما يبدأ باليمين أو يمسح عليها جميعا معا؟
فأجاب: يمسح عليهما جميعا معا فإن بدأ بإحداهما قبل الاخرى فلا يبتدئ إلّا باليمين.
وسأل عن صلاة جعفر في السفر هل يجوز أن تصلّى أم لا؟
فأجاب: يجوز ذلك.
وسأل عن تسبيح فاطمة من سها فجاوز التكبير أكثر من أربع وثلاثين، هل يرجع إلى أربع وثلاثين أو يستأنف، وإذا سبّح تمام سبعة وستّين هل يرجع إلى ستّة وستّين أو يستأنف وما الذي يجب في ذلك؟
فأجاب: إذا سها في التكبير حتّى تجاوز أربعا وثلاثين عاد إلى ثلاث وثلاثين ويبني عليها، وإذا سها في التسبيح فتجاوز سبعا وستّين تسبيحة عاد إلى ستّة وستّين ويبني عليها، فإذا جاوز التحميد مائة فلا شيء عليه(1263).
السادس عشر
من التوقيعات: وفيه ورد من الناحية المقدّسة حرسها الله ورعاها في أيّام بقيت من صفر سنة عشرة وأربعمائة على الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه من مستودع العهد المأخوذ على العباد:
بسم الله الرّحمن الرحيم أمّا بعد سلام الله عليك أيّها الولي المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين، فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو ونسأله الصلاة على سيّدنا ومولانا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين ونعلمك - أدام الله توفيقك لنصرة الحقّ وأجزل مثوبتك على نطقك عنّا بالصدق - أنّه قد اذن لنا في تشريفك بالمكاتبة وتكليفك ما تؤدّيه عنّا إلى موالينا قبلك أعزّهم الله بطاعته وكفاهم المهمّ برعايته لهم وحراسته، فقف أمدّك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه على ما نذكره، واعمل في ناديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله نحن وإن كنّا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالى من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين؛ فإنّا نحيط علما بأنبائكم ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم ومعرفتنا بالأزل الذي من جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا، ونبذوا العهد المأخوذ منه وراء ظهورهم كأنّهم لا يعلمون أنّا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم، لو لا ذلك لنزل بكم اللأواء(1264) واصطلمكم الأعداء، فاتّقوا الله جلّ جلاله وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم يهلك فيها من حمّ أجله ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي أمارة لازوف حركتنا(1265) ومباينتكم بأمرنا ونهينا والله متمّ نوره ولو كره المشركون.
اعتصموا بالتقيّة من شب نار الجاهلية يحششها عصب اموية تهول بها مهدية، أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن الخفية، وسلك في الطعن منها السبيل المرضية، إذا حل جمادى الاولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيها واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه، سيظهر لكم من السماء آية جلية، ومن الأرض مثلها بالسوية، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق، ويغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مرّاق، تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق، ثمّ تنفرج الغمّة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار، ثمّ يسير بهلاكه المتّقون الأخيار ويتفق لمريدي الحجّ من الآفاق، ما يؤمّلونه منه على توفير غلبة منهم وإنفاق، ولنا في تيسير حجّهم على الاختيار منهم والوفاق، شأن يظهر على نظام واتساق، فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من محبّتنا ويتجنّب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإنّ أمرنا بغتة فجأة حين لا ينفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة، والله يلهمكم الرشد ويلطف لكم في التوفيق برحمته.
التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام: هذا كتابنا إليك أيّها الأخ الولي والمخلص في ودّنا الصفيّ، والناصر لنا الوفيّ، حرسك الله بعينه التي لا تنام، فاحتفظ به ولا تظهر على خطّنا الذي سطّرناه ولا بما فيه ضمنّاه أحدا، وأدّ ما فيه إلى من تسكن إليه، وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين(1266).
السابع عشر
من التوقيعات فيه أيضا: ورد عليه كتاب آخر من قبله (صلوات الله عليه) يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة وأربعمائة نسخته: من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله: بسم الله الرّحمن الرحيم سلام عليك أيّها الناصر للحقّ الداعي إليه بكلمة الصدق، فإنّا نحمد الله إليك الذي لا إله إلّا هو إلهنا وإله آبائنا الأوّلين ونسأله الصلاة على سيّدنا ومولانا محمّد خاتم النبيّين وعلى أهل بيته الطاهرين وبعد: فقد كنّا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه لك من أوليائه وحرسك من كيد أعدائه وشفعنا ذلك الآن من مستقرّ لنا ينصب في شمراخ(1267) من يهمأ، صرنا إليه آنفا من غماليل ألجأنا إليه السباديث(1268) من الإيمان، ويوشك أن يكون هبوطنا إلى ضحضح من غير بعد من الدهر ولا تطاول من الزمان، ويأتيك بناء منّا بما يتجدّد لنا من حال، فتعرف بذلك ما يعتمد من الزلفة إلينا بالأعمال والله موفّقك لذلك برحمته، فلتكن حرسك الله بعينه التي لا تنام، أن تقابل بذلك فتنة تسبل نفوس قوم حرشت(1269) باطلا لاسترهاب المبطلين، يبتهج لدمارها المؤمنون ويحزن لذلك المجرمون، وآية حركتنا من هذه اللوثة(1270) حادثة بالحرم المعظم من رجس منافق مذمم مستحلّ للدم المحرّم، يعمل بكيده أهل الايمان ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم لهم والعدوان؛ لأنّنا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب من ملك الأرض والسماء.
فليطمئنّ بذلك من أوليائنا القلوب، وليتّقوا بالكفاية منه وإن راعتهم به الخطوب، والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب، ونحن نعهده إليك - أيّها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين أيّدك الله بنصره الذي أيّد به السلف من أوليائنا الصالحين - أنّه من اتّقى ربّه من إخوانك في الدين وأخرج ممّا عليه إلى مستحقّيه كان آمنا من الفتنة المبطلة ومحنها المظلمة المضلّة، ومن يبخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من أمره بصلته، فإنّه يكون خاسرا بذلك لاولاه وآخرته، ولو أنّ أشياعنا وفّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد لما تأخّر عنهم العمى بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلّا ما يتّصل بنا ممّا نكره ولا نؤثره منهم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلواته على سيّدنا البشير النذير محمّد وآله الطاهرين وسلّم.
وكتب: في غرّة شوّال من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله على صاحبها: هذا كتابنا إليك أيّها الولي الملهم للحقّ العلي، بإملائنا وخطّ ثقتنا فأخفه عن كلّ أحد واطوه واجعل له نسخة تطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا شملهم الله ببركاتنا إن شاء الله، الحمد لله والصلاة على سيّدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين(1271).
فاكهة
في البحار عن الكافي عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي: ممّن وقف على معجزات صاحب الزمان عليه صلوات الله الملك المنّان، ورآه من الوكلاء ببغداد: العمري وابنه وحاجز والبلالي والعطّار، ومن الكوفة العاصمي، ومن الأهواز محمد بن إبراهيم بن مهزيار، ومن أهل قم أحمد بن إسحاق، ومن أهل همدان محمد بن صالح، ومن أهل الري البسامي الأسدي، ومن أهل أذربايجان القسم بن العلاء، ومن نيشابور محمد بن شاذان.
ومن غير الوكلاء من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي جالس وأبو عبد الله الكندي وأبو عبد الله الجندي وهارون القزّاز والنيلي وأبو القاسم بن دبيس وأبو عبد الله بن فروخ ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن وأحمد ومحمد ابنا الحسن وإسحاق الكاتب من بني نيبخت وصاحب الفرار الصرّة المختومة، ومن همدان محمد بن كشمرد وجعفر بن حمدان ومحمد ابن هارون بن عمران ومن الدينور حسن بن هارون وأحمد ابن أخيه وأبو الحسن، ومن أصفهان ابن بادشاله، ومن الصيمرة زيدان، ومن قم الحسن بن نضر ومحمد بن محمد وعلي ابن محمد بن إسحاق وأبوه والحسن بن يعقوب، ومن أهل الري القاسم بن موسى وابنه وأبو محمد بن هارون وصاحب الحصاة وعلي بن محمد ومحمد بن محمد الكليني وأبو جعفر الرن، ومن قزوين مرداس وعلي بن أحمد ومن قابس رجلان، ومن شهر زور ابن الخال، ومن فارس المجروح، ومن مرو صاحب الألف دينار وصاحب المال والرقعة البيضاء وأبو ثابت، ومن نيسابور محمد بن شعيب بن صالح، ومن اليمن الفضل بن يزيد والحسن ابنه والجعفري وابن الأعجمي والشمشاطي، ومن مصر صاحب المولودين وصاحب المال بمكة وأبو رجا، ومن نصيبين أبو محمد ابن الوجنا، ومن الأهواز الحصيني(1272).
الفرع العاشر انتظار الفرج ومدح الشيعة في زمان الغيبة وما ينبغي فعله في ذلك الزمان
في البحار عن النبي (صلّى الله عليه وآله): أفضل أعمال أمّتي انتظار فرج الله عزّ وجلّ(1273).
وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله): من رضي من الله بالقليل من الرزق رضي الله عنه بالقليل من العمل، وانتظار الفرج عبادة(1274).
وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله): أفضل أعمال امتي انتظار الفرج(1275).
وفيه عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله والأئمّة بعده. يا أبا خالد إنّ أهل زمان غيبته القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل أهل كلّ زمان، لأنّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعونة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالسيف، اولئك المخلصون حقّا وشيعتنا صدقا والدعاة إلى دين الله سرّا وجهرا.
وقال: انتظار الفرج من أعظم الفرج(1276).
وفيه عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): طوبى لمن تمسّك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية، فقلت له: جعلت فداك وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنّة أصلها في دار علي بن أبي طالب وليس من مؤمن إلّا في داره غصن من أغصانها وذلك قول الله عزّ وجلّ (طُوبى لَهُمْ وحُسْنُ مَآبٍ)(1277).(1278)
وفيه سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (الم ذلِكَ الْكِتابُ إلى يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(1279) فقال: المتّقون شيعة علي، والغيب فهو الحجّة الغائب، وشاهد ذلك قول الله عزّ وجلّ: (ويَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(1280) فأخبر عزّ وجلّ أنّ الآية هي الغيب، والغيب هو الحجّة، وتصديق ذلك قول الله عزّ وجلّ: (وجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وأُمَّهُ آيَةً)(1281) يعني حجّة(1282).
وفيه عن النبي (صلّى الله عليه وآله) لعلي: يا علي.. واعلم أنّ أعظم الناس يقينا قوم يكونون في آخر الزمان لم يلحقوا النبي (صلّى الله عليه وآله) وحجب عنهم الحجّة، فآمنوا بسواد في بياض(1283).
وفيه عن سيّد العابدين (عليه السلام): من ثبت على ولايتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر واحد(1284).
وفيه عن أبي عبد الله: من مات منكم على هذا الأمر منتظرا له كان كمن كان في فسطاط القائم(1285).
وفيه عنه (عليه السلام): إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة؛ المتمسّك فيها بدينه كالخارط الشوك القتاد بيده، ثمّ أومى أبو عبد الله بيده هكذا قال: فأيّكم يمسك شوك القتاد بيده، ثمّ أطرق مليا ثمّ قال: لصاحب هذا الأمر غيبة ليتقوا الله عند غيبته(1286) وليتمسّك بدينه(1287).
وفيه عنه عن أبيه (عليهما السلام): لا بدّ لنار من أذربيجان لا يقوم لها شيء، وإذا كان ذلك فكونوا جلاس بيوتكم، والبدوا ما لبدنا فإذا تحرّك متحرّك فاسعوا إليه ولو حبوا، والله لكأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد، على العرب شديد، ويل لطغاة العرب من شرّ قد اقترب(1288).
وفيه عنه (عليه السلام): أوحى الله إلى إبراهيم (عليه السلام) أنّه سيولد لك فقال لسارة فقالت (أَأَلِدُ وأَنَا عَجُوزٌ)(1289) فأوحى إليه: أنّها ستلد ويعذّب أولادها بردّها الكلام عليّ. قال: فلمّا طال على بني إسرائيل العذاب ضجّوا وبكوا إلى الله أربعين صباحا فأوحى الله إلى موسى وهارون ليخلصهم من فرعون فحطّ عنهم سبعين ومائة سنة فقال الصادق (عليه السلام): هكذا أنتم لو فعلتم لفرّج الله عنّا، فأمّا إذا لم تكونوا فإنّ الأمر ينتهي إلى منتهاه(1290).
وفيه قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات يوم: ليتني قد لقيت إخواني. فقال له أبو بكر وعمر: أولسنا إخوانك آمنّا بك وهاجرنا معك؟ قال: قد آمنتم وهاجرتم. وأعادا القول فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):
أنتم أصحابي ولكن إخواني يأتون من بعدكم يؤمنون بي ويحبّونني وينصرونني ويصدّقونني وما رأوني، فيا ليتني قد لقيت إخواني(1291).
في العوالم: عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: والله لا يخرج واحد منّا قبل خروج القائم (عجّل الله فرجه) إلّا كان مثله مثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحا فأخذه الصبيان فعبثوا به(1292).
وفيه عن المحاسن قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول فيمن مات على هذا الأمر منتظرا له؟
قال: هو بمنزلة من كان مع القائم في فسطاطه، ثمّ سكت هنيئة، قال: هو كمن كان مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(1293).
في البحار عن إبراهيم الكوفي: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فكنت عنده إذ دخل أبو الحسن موسى بن جعفر وهو غلام فقمت إليه وقبّلت رأسه وجلست فقال لي أبو عبد الله: يا أبا إبراهيم أما إنّه صاحبك من بعدي، أما ليهلكن فيه أقوام ويسعد آخرون، فلعن الله قاتله وضاعف على روحه العذاب، أما ليخرجنّ الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه بعد عجائب تمرّ به حسدا له، ولكن الله بالغ أمره ولو كره المشركون، يخرج الله تبارك وتعالى من صلبه تكملة اثني عشر إماما مهديا اختصهم الله بكرامته وأحلّهم دار قدسه، المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يذبّ عنه، فدخل رجل من موالي بني امية وانقطع الكلام، وعدت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) خمس عشرة مرّة اريد استتمام الكلام فما قدرت على ذلك، فلمّا كان من قابل دخلت عليه وهو جالس فقال (عليه السلام) لي: يا إبراهيم هو المفرّج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد وبلاء طويل وجوع، فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان وحسبك يا إبراهيم. قال أبو إبراهيم: فما رجعت بشيء أسرّ إليّ من هذا ولا أفرح لقلبي منه(1294).
وفيه عن الحكم بن عيينة: لما قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) الخوارج يوم النهروان قام إليه رجل فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لقد شهدنا في هذا الموقف اناس لم يخلق الله آباءهم ولا أجدادهم بعد. فقال الرجل: وكيف يشهدنا قوم لم يخلقوا؟ قال: بلى قوم يكونون في آخر الزمان يشركوننا فيما نحن فيه ويسلمون لنا فاولئك شركاؤنا فيما كنّا فيه حقّا حقّا(1295).
وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام): إذا أصبحت وأمسيت لا ترى إماما تأتمّ به فأحبب من كنت تحبّ وأبغض من كنت تبغض حتّى يظهره الله عزّ وجلّ(1296).
وفيه عنه (عليه السلام): أقرب ما يكون العباد إلى الله عزّ وجلّ وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجّة الله فلم يظهر لهم ولم يعلموا بمكانه(1297).
وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام): ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى لا ينجو منها إلّا من دعا بدعاء الغريق، قال (عليه السلام) تقول: يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك. قال الراوي فقلت: يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك. فقال:
إنّ الله عزّ وجلّ مقلّب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول: يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك(1298).
وفيه عن علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: الزموا الأرض واصبروا على البلاء ولا تحرّكوا بأيديكم وسيوفكم وهوى ألسنتكم، ولا تستعجلوا بما لم يعجله الله لكم، فإنّه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة ربّه وحقّ رسوله وأهل بيته مات شهيدا، ووقع أجره على الله فاستوجب ثواب ما نرى من صالح عمله وقامت النيّة مقام إصلائه بسيفه فإنّ لكلّ شيء مدّة وأجلا(1299).
وفيه عن عمّار الساباطي قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): العبادة مع الإمام منكم المستتر في السرّ في دولة الباطل أفضل أم العبادة في ظهور الحقّ ودولته مع الإمام الظاهر منكم؟ فقال: يا عمّار الصدقة في السرّ والله أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك عبادتكم في السرّ مع إمامكم المستتر في دولة الباطل أفضل لخوفكم من عدوّكم في دولة الباطل، وحال الهدنة ممّن يعبد الله في ظهور الحقّ مع الإمام الظاهر في دولة الحقّ، وليس العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحقّ، اعلموا أنّ من صلّى منكم صلاة فريضة وحدانا مستترا بها من عدوّه في وقتها فأتمّها كتب الله عزّ وجلّ له بها خمسا وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن صلّى منكم صلاة نافلة في وقتها فأتمّها كتب الله عزّ وجلّ له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله له بها فأتمّها كتب الله عزّ وجلّ له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله تعالى حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله ودان الله بالتقيّة على دينه وعلى إمامه وعلى نفسه، وأمسك من لسانه أضعافا مضاعفة كثيرة إنّ الله عزّ وجلّ كريم.
قال: فقلت: جعلت فداك قد رغبتني في العمل وحثثتني عليه ولكنّي أحبّ أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالا من أصحاب الإمام منكم الظاهر في دولة الحقّ ونحن وهم على دين واحد وهو دين الله عزّ وجلّ؟ فقال: إنّكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله وإلى الصلاة والصوم والحجّ وإلى كلّ فقه وخير وإلى عبادة الله سرّا من عدوّكم مع الإمام المستتر، مطيعون له صابرون معه منتظرون لدولة الحقّ، خائفون على إمامكم وعلى أنفسكم من الملوك، تنظرون إلى حقّ إمامكم وحقّكم في أيدي الظلمة قد منعوكم ذلك، واضطروكم إلى جذب الدنيا وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة ربّكم والخوف من عدوّكم، فبذلك ضاعف الله أعمالكم فهنيئا لكم هنيئا.
قال: فقلت: جعلت فداك وما نتمنّى إذا أن نكون من أصحاب القائم في ظهور الحقّ ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالا صاحب دولة الحقّ؟ فقال:
سبحان الله أما تحبّون أن يظهر الله عزّ وجلّ الحقّ والعدل في البلاد، ويحسن حال عامة الناس، ويجمع الله الكلمة ويؤلّف بين القلوب المختلفة، ولا يعصى الله في أرضه ويقام حدود الله في خلقه، ويرد الحقّ إلى أهله فيظهره حتّى لا يستخفي بشيء من الحقّ مخافة أحد من الخلق. أما والله يا عمّار لا يموت منكم ميّت على الحال التي أنتم عليها إلّا كان أفضل عند الله عزّ وجلّ من كثير ممّن شهد بدرا واحدا فأبشروا(1300).
الفرع الحادي عشر في شمائله وأوصافه وخصائصه وأسمائه وألقابه وكناه (عليه السلام):
وفيه ثمرات:
الثمرة الاولى: في شمائله وأوصافه.
في العلوي: أبيض مشرب حمرة، عن الصادق (عليه السلام): أسمر يعتوره مع سمرته صفرة من سهر الليل. عن أهل السنّة: لونه لون عربي، وجسمه جسم إسرائيلي وجسم إسرائيلي في طول القامة وعظم الجثّة. وفي العلوي: شاب مربوع. في النبوي: أجلى الجبينين(1301).
وعن الصادق: مقرون الحاجبين أقنى الأنف. وعن العلوي: حسن الوجه ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه(1302).
وعن النبي (صلّى الله عليه وآله): وجهه كالدينار، على خدّه الأيمن خال كأنّه كوكب درّي(1303).
وعن علي (عليه السلام): أفلج الثنايا حسن الشعر، يسيل شعره على منكبيه(1304).
وفي خبر سعد بن عبد الله: وعلى رأسه فرق بين وفرتين كأنّه ألف بين واوين(1305).
وعن الباقر (عليه السلام): مشرف الحاجبين، غائر العينين بوجهه أثر(1306).
وعن الصادق (عليه السلام): شامة في رأسه، منتدح البطن(1307).
وعن علي (عليه السلام): مبدح البطن(1308). وأيضا عنه (عليه السلام): ضخيم البطن(1309)، وكلّها متقاربة.
وعن الباقر (عليه السلام): واسع الصدر مترسل المنكبين عريض ما بينهما(1310). وعنه أيضا: عريض ما بين المنكبين(1311).
وعن الصادق (عليه السلام): بعيد ما بين المنكبين.
وعن علي (عليه السلام): عظيم مشاش المنكبين بظهره شامتان؛ شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي (صلّى الله عليه وآله)(1312).
وعن علي (عليه السلام): كثّ اللحية أكحل العينين برّاق الثنايا في وجهه خال في كتفه علائم نبوة النبي (صلّى الله عليه وآله) عريض الفخذين. وعنه (عليه السلام): أذيل الفخذين على فخذه اليمنى شامة.
وعن الصادق (عليه السلام): أحمش الساقين(1313).
وعن الصادق والباقر (عليهما السلام): شامة بين كتفه من جانبه الأيسر، تحت كتفيه ورقة مثل الآس(1314).
وعن النبي (صلّى الله عليه وآله): أسنانه كالمنشار وسيفه كحريق النار(1315).
وعنه (صلّى الله عليه وآله) أيضا: كأنّ وجهه كوكب دريّ، في خدّه الأيمن خال أسود أفرق الثنايا(1316).
وعنه (صلّى الله عليه وآله): المهدي طاوس أهل الجنّة، وجهه كالقمر الدريّ عليه جلابيب النور(1317).
وعن الرضا (عليه السلام): عليه جيوب النور تتوقّد بشعاع ضياء القدس(1318).
وعن علي بن إبراهيم بن مهزيار: كأقحوانة وأرجوان قد تكاثف عليها الندى، وأصابها ألم الهوى كغصن بان أو كقضيب ريحان، ليس بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللازق، مربوع القامة مدوّر الهامة صلت الجبين أزج الحاجبين أقنى الأنف سهل الخدّين، على خدّه الأيمن خال كأنّه فتات مسك على رضاضة عنبر(1319).
وفي خبر آخر عنه: رأيت وجها مثل فلقة قمر، لا بالخرق ولا بالنزق، أدعج العينين(1320).
وفي خبر آخر: واضح الجبين أبيض الوجه دريّ المقلتين شثن الكفين معطوف الركبتين(1321).
وفي خبر إبراهيم بن مهزيار: ناصع اللون واضح الجبين أبلج الحاجب مسنون الخدّ. إن شاء الله(1322).
الثمرة الثانية في خصائصه (عليه السلام)
الأولى:
امتياز ظلّه وشبحه في عالم الأظلّة كما في حديث المعراج.
الثانية:
شرافة نسبه الشريف.
الثالثة:
سيره في أعلى سرادق العرش بعد تولّده، وخطاب الله له.
الرابعة:
له بيت حمل يشتعل السراج فيه من يوم تولّده إلى يوم خروجه.
الخامسة:
ليس لأحد أن يجمع اسم النبي (صلّى الله عليه وآله) وكنيته وحرام له سواه.
السادسة:
حرمة ذكر اسمه الشريف.
السابعة:
هو خاتم الأوصياء.
الثامنة:
غيبته يوم تولّده وتوديعه بروح القدس وتربيته في عالم النور.
التاسعة:
بعده عن الكفّار والمنافقين للخوف.
العاشرة:
غاب ولم يكن لأحد عليه بيعة حتّى يقوم مع السيف.
الحادية عشرة:
على ظهره شامة كما على ظهر النبيّ (صلّى الله عليه وآله).
الثانية عشرة:
اختصّه الله في الكتب السماوية وأخبار المعراج من سائر الأوصياء، وذكره بألقابه تبجيلا بشأنه ومقامه.
الثالثة عشرة:
ظهور العلامات والآيات السماوية والأرضية لتولّده وخروجه كما قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ)(1323).
الرابعة عشرة:
الصيحة السماوية مقارن خروجه (عجّل الله فرجه) كما في تفسير (واسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)(1324) وأشار إلى ذلك ما كتب على جدران المدينة الواقعة في برية الأندلس التي بنيت قبل زمان الإسكندر، ووجدوها في زمان عبد الملك: حتّى يقوم بأمر الله قائمهم من السماء إذا ما باسمه نودي، كما في الفرع الثامن من الغصن الثالث في ذكر أخبار الكهنة والسابقين بأعيان الأئمّة مشروح.
الخامسة عشرة:
توقّف الأفلاك وبطؤها عن السير والحركة، كما في الخبر كلّ سنة من سني زمانه يطول ويكون مقدار عشرة سنين.
السادسة عشرة:
ظهور مصحف علي (عليه السلام) الذي جمعه بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) كما في أخبار زمان ظهوره عن علي (عليه السلام) في غيبة النعماني يقول: كأنّي بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة، يعلّمون الناس القرآن كما انزل. قيل: يا أمير المؤمنين أو ليس هو كما انزل؟ قال: لا، محي عنه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم وما ترك اسم أبي لهب إلّا ازدارء لرسول الله لأنّه عمّه(1325).
السابعة عشرة:
إظلال الغمامة البيضاء على رأسه الشريف.
الثامنة عشرة:
حضور الملائكة والجنّ في عسكره وظهورهم لنصرته.
التاسعة عشرة:
عدم تصرّف الليل والنهار والفلك الدوّار في بنيته الشريفة وجثته المنيفة، ويبقى بصورة أبناء أربعين سنة.
العشرون:
تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها.
الحادية والعشرون:
كثرة الأمطار وثمرات الأشجار في زمانه وظهور تأويل (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ)(1326).
الثانية والعشرون:
تكميل عقول الناس من بركة وجوده.
الثالثة والعشرون:
إحياء جمع من الأموات وحضورهم في ركابه.
الرابعة والعشرون:
طول عمر الرجل حتّى يولد له ألف ولد ذكر.
الخامسة والعشرون:
إذا قام أشرقت الأرض بنورها واستغنى العباد عن ضوء الشمس وذهبت الظلمة.
السادسة والعشرون:
استغنى الناس بما رزقهم الله من فضله حتّى لا يوجد أحد يقبل زكاة مال أخيه، ولا يجد الرجل موضعا لصدقته ولا لبرّه بشمول الغنى جميع المؤمنين.
السابعة والعشرون:
إعطاء كلّ رجل من أصحابه وأنصاره قوّة أربعين رجلا.
الثامنة والعشرون:
نزع حمة كل ذات حمة من الهوام وغيرها وذهاب سمّ كل ما يلدغ.
التاسعة والعشرون:
ترعى الشاة والذئب بمكان واحد ويلعب الصبيان بالحيّات والعقارب لا يضرّهم شيء. وفي رواية ترعى الوحوش والسباع وتلعب بهم الصبيان(1327).
الثلاثون:
تأمن النساء على أنفسهن، ولو أنّ امرأة في العرباء لم تخف على نفسها.
الحادية والثلاثون:
إزالة البلايا والعاهات، كما عن زين العابدين: إذ قام القائم أذهب الله عن كلّ مؤمن العاهة وردّ إليه قوّته(1328).
الثانية والثلاثون:
نشر الأموات من القبور ورجوعهم إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاوجون.
الثالثة والثلاثون:
نشر الراية التي ما نشرت بعد بدر والجمل وهي راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نزل بها جبرئيل يوم بدر كما قال أبو جعفر (عليه السلام) ثمّ قال: والله ما هي قطن ولا كتّان ولا قز ولا حرير.
فقيل: من أي شيء هي؟ قال: من ورق الجنّة، نشرها رسول الله يوم بدر، ثمّ لفّها ودفعها إلى علي فلم تزل عند علي حتّى كان يوم البصرة فنشرها أمير المؤمنين (عليه السلام) ففتح الله عليه، ثمّ لفّها وهي عندنا هناك لا ينشرها أحد حتّى يقوم القائم، فإذا نشرها فلم يبق في المشرق والمغرب أحد إلّا لقيها، ويسير الرعب قدامها شهرا وعن يمينها شهرا وعن يسارها شهرا.
الحديث في غيبة النعماني(1329).
الرابعة والثلاثون:
اعتدال درع الرسول (صلّى الله عليه وآله) على قامته الشريفة.
الخامسة والثلاثون:
له الغمامة التي فيها الرعد والبرق والصواعق كما عن الباقر (عليه السلام): أما إنّ ذا القرنين قد خيّر بين السحابين فاختار الذلول وذخر لصاحبكم الصعب. قيل: وما الصعب؟ قال: ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق لصاحبكم يركبه. الحديث(1330).
السادسة والثلاثون:
زوال الخوف والتقية من المؤمنين عن الكفّار والمنافقين والمشركين، ولا يبقى كافر ولا منافق ولا مشرك، قال الله تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)(1331).
السابعة والثلاثون:
جريان أمره في المشرق والمغرب والبر والبحر (ولَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ طَوْعاً وكَرْهاً)(1332).
الثامنة والثلاثون:
يملأ الأرض قسطا وعدلا.
التاسعة والثلاثون:
يحكم بين الناس بحكم داود ولا يطلب البيّنة.
الأربعون:
جريان الأحكام التي ما جرت إلى زمانه من قبيل رجم المحصن وقتل مانع الزكاة وميراث الأخ من الأخ في الدين.
الحادية والأربعون:
ظهور تمام مراتب العلوم ونشر علوم الأنبياء.
الثانية والأربعون:
هبوط السيوف من السماء لنصرته.
الثالثة والأربعون:
إطاعة الوحوش والطيور والبهائم أنصاره (عجّل الله فرجه).
الرابعة والأربعون:
جريان نهرين وانبعاثهما في ظهر الكوفة بالماء واللبن دائما فمن كان جائعا شبع ومن كان عطشان روي(1333).
الخامسة والأربعون:
معه حجر موسى وأنّه إذا أراد أن يتوجّه إلى الكوفة نادى مناديه: ألا لا يحمل أحد منكم طعاما ولا شرابا، ويحمل حجر موسى الذي انبجست منه اثنتا عشرة عينا فلا ينزل منزلا إلّا نصبه فانبجست منه العيون فمن كان جائعا شبع ومن كان ظمئا روي(1334).
السادسة والأربعون:
امتيازه عن سائر الأئمّة ليلة المعراج بأنّه يحلّل الحلال ويحرم الحرام وينتقم من أعداء آل محمّد (صلّى الله عليه وآله).
السابعة والأربعون:
نزول عيسى إلى الأرض لنصرته (عجّل الله فرجه).
الثامنة والأربعون:
عدم جواز الصلاة بسبع تكبيرات على أحد سوى علي (عليه السلام) والمهدي (عجّل الله فرجه).
التاسعة والأربعون:
قتل الدجال الذي هو عذاب للمؤمنين بيده، يعني بأمره في زمانه.
الخمسون:
انقطاع سلطنة الجبابرة ودولة الظالمين، واتصال دولة آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) بالقيامة ويترنم ويقول [الإمام] الصادق (عليه السلام):
لكلّ اناس دولة يرقبونها * * * ودولتنا في آخر الدهر تظهر(1335)
الثمرة الثالثة في أسمائه وألقابه وكناه (سلام الله عليه وعلى آبائه) (1336)
الاولى: أبو القاسم، كما قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في المستفيضة: سميّي وكنيّي(1337).
الثانية: أبو عبد الله، كما ذكر الكنجي الشافعي في كتابه البيان قال رسول الله: لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لبعث الله فيه رجلا اسمه اسمي وخلقه خلقي يكنّي أبا عبد الله(1338)، وسيأتي أنّه (عجّل الله فرجه) يكنّي بكنية أجداده.
الثالثة: أبو جعفر.
الرابعة: أبو محمّد.
الخامسة: أبو إبراهيم.
السادسة: أبو الحسين.
السابعة: أبو تراب، ككنية جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنّه مربي الأرض.
الثامنة: أبو بكر، وهذا من كنى الرضا (عليه السلام).
التاسعة: أبو صالح، وهذه الكنية معروفة عند الأعراب عند التوسلات والاستغاثات.
العاشرة: الأصل، ومعناه ظاهر، وعند الكسائي الأصل الحسب، ويكون هذا اللقب إشارة إلى نسبه الشريف، وحسبه المنيف كما لا يخفى على ذي لب بأنّ نسبه الذي ينتهي إلى علي (عليه السلام) وفاطمة (عليهما السلام) وخاتم الرسل هو خير الأنساب، ويمكن أن يكون هذا اللقب إشارة بأنّه أصل الهداية، لأنّ بعد غلبة الكفر والنفاق بحيث لا يبقى من الإسلام إلّا اسمه ولا يبقى من القرآن إلّا درسه، وملئت الأرض ظلما وجورا، بوجوده يرجع كلّ شيء إلى أصله وهو الهداية.
الحادية عشرة: أحمد، كما عن الإكمال وهذا من أسمائه المخفية.
الثانية عشرة: أمير الأمراء، كما عن فضل بن شاذان عن الصادق (عليه السلام): ثمّ يخرج أمير الامراء وقاتل الفجرة وسلطان مأمول.
الثالثة عشرة: أيدي وهو جمع اليد وهو النعمة، قال الله تعالى: (وأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وباطِنَةً)(1339) فالنعمة الظاهرة الإمام الظاهر والنعمة الباطنة الإمام الغائب.
الرابعة عشرة: ايزدشناس.
الخامسة عشرة: ايزد نشان، وهذان عند المجوس.
السادسة عشرة: إحسان.
السابعة عشرة: ايستاده، وهذا عندهم أيضا عن كتاب شامكونى.
الثامنة عشرة: بقيّة الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنّ أوّل ما يتكلّم به عند الكعبة يقول: أنا بقيّة الله خير لكم إن كنتم مؤمنين، ثمّ يقول: أنا بقيّة الله وحجّته وخليفته عليكم، فيسلّمون عليه ويقولون:
السلام عليك يا بقيّة الله في أرضه(1340).
التاسعة عشرة: بقيّة الأنبياء(1341)، عن حكيمة بعد تولّده وأمر أبوه بالتكلّم قال: يا حجّة الله وبقيّة الأنبياء ونور الأصفياء وغوث الفقراء وخاتم الأوصياء ونور الأتقياء وصاحب الكرة البيضاء(1342).
العشرون: برهان الله، والبرهان في اللغة الحجّة والدليل.
الحادية والعشرون: الباسط، وهو الذي يبسط العدل كما ذكر في كتاب وجد عند صخرة تحت أرض الكعبة كما ذكرناه في الفرع السادس من الغصن الثالث، وفيه ذكر النبي والأئمّة إلى الإمام الثاني عشر إلى أن يقول: يرعى الذئب في أيّامه مع الغنم، الحديث(1343).
الثانية والعشرون: بئر معطّلة، كما في آية (وبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وقَصْرٍ مَشِيدٍ)(1344) ونعم ما قال من قال ولله درّه:
بئر معطلة وقصر مشرف * * * مثل لآل محمّد مستطرف
فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى * * * والبئر علمهم الذي لا ينزف(1345)
الثالثة والعشرون: بقيّة الأتقياء، كما في المشارق عن حكيمة في قضية حال تولّده (عجّل الله فرجه)(1346).
الرابعة والعشرون: بنده يزدان، ترجمته بالعربية: عبد الله.
الخامسة والعشرون: پرويز بابا، ترجمته بالعربية: أبو الپرويز.
السادسة والعشرون: البهرام.
السابعة والعشرون:
البلد الأمين.
الثامنة والعشرون: التمام، لأنّه تام في جميع الصفات الحميدة والكمال والأفعال وشرافة النسب والحسب والشوكة والسلطنة والقدرة والعبادة والخلق والخلق والعلم والحلم والشجاعة والسخاوة.
التاسعة والعشرون: التأييد، لأنّ المؤمن في زمانه مؤيّد وذو قوّة وشجاعة فإنّه ورد أنّ الرجل منهم يعطى قوّة أربعين رجلا، أو لأنّ الملائكة يؤيّدونه لقوله تعالى (ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ)(1347) وعن أبي عبد الله (عليه السلام): يفرح المؤمنون بنصر الله عند قيام القائم (عجّل الله فرجه)(1348).
الثلاثون: التالي، وعدّه يوسف بن قزأغلي سبط ابن الجوزي من الألقاب(1349).
الحادية والثلاثون: الثائر، وهو الذي لا يبقى على شيء ولا يستقيم حتّى يدرك ويطلب ثأره، لما ثبت في الأخبار أنّه (عجّل الله فرجه) يطالب بدم جدّه السعيد الشهيد بكربلاء.
الثانية والثلاثون: الجمعة، إمّا باعتبار تولّده لأنّه (عجّل الله فرجه) تولّد في الصبح من يوم الجمعة المنتصف من شعبان على المشهور، أو باعتبار خروجه فإنّ خروجه (عجّل الله فرجه) في يوم الجمعة، ففي الزيارة المختصّة له (عجّل الله فرجه): يا مولاي يا صاحب الزمان (صلوات الله عليك) وعلى آل بيتك هذا يوم الجمعة وهو يومك المتوقّع فيه ظهورك والفرج فيه للمؤمنين على يديك.
الثالثة والثلاثون: الجعفر، وعبروه بهذا اللقب خوفا من عمّه يقولون: رأينا جعفرا أو هو إمام أو وقع التوقيع أو هذه الصرّة له (عجّل الله فرجه) وأمثال ذلك حتى لا يطلعوا تابعي عمّه جعفر الكذّاب بحالهم.
الرابعة والثلاثون: الجابر، وسببه معلوم لأنّه شجاع ويجبر القلوب المنكسرة عند ظهوره.
الخامسة والثلاثون: جنب، كما في آية (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ)(1350).
السادسة والثلاثون: الجوار الكنس، وهي النجوم المخفية تحت شعاع الشمس كما في تفسير (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ)(1351).
السابعة والثلاثون: حجّة وحجّة الله، وهو الدليل والبرهان ونقش خاتمه: أنا حجّة الله وخالصته(1352).
الثامنة والثلاثون: الحق، قال الله تعالى (قُلْ جاءَ الْحَقُّ وزَهَقَ الْباطِلُ)(1353) وفسّره بالحجّة القائم، وفي زيارته: السلام على الحقّ الجليل(1354).
التاسعة والثلاثون: الحجاب كما في زيارته: السلام على حجاب الله القديم الأزلي(1355).
الأربعون: الحاشر، في الحديث قال النبي (صلّى الله عليه وآله): إنّ لي أسماء، وعدّ منها: وأنا الحاشر الذي يحشر الناس خلفه وعلى ملّته دون ملّة غيره(1356)، فعلى هذا يمكن أن يكون لقبه بحاشر إشارة إلى أنّه يحشر جمعا من الأخيار والأشرار في زمان ظهوره.
الحادية والأربعون: الحامد.
الثانية والأربعون: الحمد.
الثالثة والأربعون: الخلف، وهو بالتحريك والسكون كلّ من يحيى بعد من مضى إلّا أنّه بالتحريك في الخير وبالتسكين في الشرّ وأنّه خلف جميع الأنبياء والأوصياء وحامل علومهم وصفاتهم وحالاتهم، ويمكن أنّه لما كان أبوه عقيما لا ولد له ويقولون هو عقيم ويعتقدون بذلك فلمّا تولّد (عجّل الله فرجه) بشّر الشيعة بعضهم بعضا بظهور الخلف للحسن العسكري.
الرابعة والأربعون: الخازن، فإنّه خازن جميع علوم الأنبياء والأوصياء ويمكن أن يكون إشارة إلى أنّه مالك خزائن الأرض كلّها وتظهر له جميع خزائن الأرض ولا يبقى فقير ولا محتاج على وجه الأرض حتّى يقبل الزكاة.
الخامسة والأربعون: الخنّس: عن أبي جعفر (عليه السلام):
الخنس إمام يخنس في زمانه عند انقطاع من علمه عن الناس سنة ستّين ومائتين، ثمّ يبدو كالشهاب الثاقب في ظلمه الليل فإن أدركت ذلك قرّت عيناك(1357).
السادسة والأربعون: خليفة الله، ففي البيان لمحمد بن طلحة الشافعي الكنجي عن رسول الله: يخرج المهدي (عجّل الله فرجه) وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادي: هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه(1358).
السابعة والأربعون: خاتم الأصفياء، كما في التاسعة عشرة.
الثامنة والأربعون: خاتم الأوصياء.
التاسعة والأربعون: خاتمة الأئمّة.
الخمسون: خجسته، كما عن كتاب كندرال فرنج.
الحادية والخمسون: خسرو، كما عن كتاب جاويدان مجوس.
الثانية والخمسون: خداشناس، كما عن كتاب شامكونى.
الثالثة والخمسون: خليفة الأتقياء.
الرابعة والخمسون: الخلف الصالح.
الخامسة والخمسون: دابة الأرض، ولا يخفى أنّ ذلك من ألقاب أمير المؤمنين (عليه السلام) واسند ذلك اللقب إليه لأنّه في وقت الظهور يدعو الناس بالايمان مقدار طرفة عين.
السادسة والخمسون: الداعي، فإنّ في زيارته: السلام عليك يا داعي الله(1359)، لأنّه يدعو الخلائق إلى الله.
السابعة والخمسون: رجل، فإنّ الشيعة يتكلّمون بذلك في زمان التقية.
الثامنة والخمسون: ربّ الأرض، كما في تفسير(1360) (وأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها)(1361).
التاسعة والخمسون: راهنما كما عن كتاب باتنكل.
الستون من أسمائه: ناخواه زندا فريس كما عن كتاب مارياقين.
الحادي والستون: السلطان المأمول، كما عن فضل بن شاذان عن الصادق (عليه السلام): بعد خروج الدجّال يظهر أمير الأمرة وقاتل الكفرة والسلطان المأمول(1362).
الثانية والستون: سدرة المنتهى.
الثالثة والستون: السناء.
الرابعة والستون: السبيل.
الخامسة والستون: السيّد، لأنّه يطلق على الربّ والمالك والشريف والفاضل والكريم والحليم والرئيس والكبير والمقدّم والمطاع، ومعلوم أنّ تلك الصفات صادقة في حقّه (عجّل الله فرجه).
السادسة والستون: الساعة، عن الصادق (عليه السلام): أنّه المراد في آية (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها)(1363) وآية (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ)(1364) وآية (وعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)(1365) وآية (وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ)(1366) إلى قوله تعالى: (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)(1367) والمراد بالساعة هو المهدي (عجّل الله فرجه)(1368).
السابعة والستون: سروش إيزد، كما عن كتاب زمزم زردشت.
الثامنة والستون: الشريد، وهو الطريد، ومعلوم أنّه مطرود عن هذا الخلق المنكوس الذين ما عرفوا مقدار نعمة وجوده.
التاسعة والستون: شماطيل، كما عن كتاب ارماطش.
السبعون: صاحب الكرّة البيضاء، كما مرّ في التاسعة عشرة.
الحادية والسبعون: صاحب.
الثانية والسبعون: صاحب الدار.
الثالثة والسبعون: صاحب الرجعة.
الرابعة والسبعون: صاحب الناحية، وهذا يطلق عليه وعلى جدّه وأبيه (عليهم السلام).
الخامسة والسبعون: صاحب الغيبة.
السادسة والسبعون: صاحب الزمان.
السابعة والسبعون: صبح مسفر، وفسر (والصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ)(1369) به (عجّل الله فرجه)(1370).
الثامنة والسبعون: صاحب العصر.
التاسعة والسبعون: صاحب الدولة البيضاء.
الثمانون: صاحب الدولة الزهراء.
الحادية والثمانون: صاحب الأمر.
الثانية والثمانون: صالح.
الثالثة والثمانون: الصدق.
الرابعة والثمانون: الصراط.
الخامسة والثمانون: الصمصام الأكبر، كما عن كتاب كندرال(1371).
السادسة والثمانون: الضياء.
السابعة والثمانون: الضحى في (والشَّمْسِ وضُحاها)(1372) عن أبي عبد الله (عليه السلام): الشمس أمير المؤمنين (عليه السلام)، وضحاها قيام القائم(1373).
الثامنة والثمانون: الطريد، وهذا قريب بشريد في المعنى.
التاسعة والثمانون: طالب التراث، من جنس الوارث.
التسعون: العالم.
الحادية والتسعون: العدل.
الثانية والتسعون: عاقبة الدار.
الثالثة والتسعون: عين، يعني عين الله(1374) كما في زيارته، وإطلاقها على جميع الأئمّة شائع.
الرابعة والتسعون: العصر.
الخامسة والتسعون: عزة.
السادسة والتسعون: الغائب.
السابعة والتسعون: الغلام.
الثامنة والتسعون: الغيب، كما في آية (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(1375) عن الصادق (عليه السلام): المتّقون شيعة علي والغيب الحجّة الغائب(1376)، والشاهد على ذلك (ويَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(1377).
التاسعة والتسعون: الغريم، وهذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديما بينها ويكون خطابها عليه للتقية.
المائة: الغوث.
الحادية ومائة: غاية الطالبين.
الثانية ومائة: الغاية القصوى.
الثالثة ومائة: الغليل.
الرابعة ومائة: غوث الفقراء.
الخامسة ومائة: الفجر، كما في (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ - إلى - حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) أي مطلع فجر القائم (عجّل الله فرجه).
السادسة ومائة: الفتح، عن تفسير علي بن إبراهيم في تفسير (نَصْرٌ مِنَ اللهِ وفَتْحٌ قَرِيبٌ)(1378) أنّ المراد بالفتح هو فتح قائم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)(1379). وعن كتاب تنزيل وتحريف لأحمد بن محمد السياري في آية (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ والْفَتْحُ)(1380) أنّ المراد بالفتح فتح قائم آل محمّد.
السابعة ومائة: الفقيه، كما في التوقيعات التي صدرت من الناحية: قال الفقيه...،
الثامنة ومائة: فرج المؤمنين.
التاسعة ومائة: الفرج الأعظم.
العاشرة ومائة: الفردوس الأكبر، كما عن كتاب قبرس الروم.
الحادية عشرة ومائة: فيروز، كما عن كتاب فرنج.
الثانية عشرة ومائة: فرخنده، كما عن كتاب شعيا النبي.
الثالثة عشرة ومائة: فيذموا، وذلك لقب الثاني عشر من الأئمّة في التوراة، ومعناه المفقود من أبيه وأمّه، الغائب بأمر الله وبعلمه، والقائم بحكمه وتفصيله في البشارة الخامسة عشرة من البشارات السماوية في الفرع الثاني من الغصن الثاني من هذا الكتاب.
الرابعة عشرة ومائة: قائم، وإنّما سمّي بالقائم لقيامه بالحقّ كما عن أبي عبد الله (عليه السلام)(1381).
الخامسة عشرة ومائة: قائم الزمان، كما في (الحادي عشر ممّن رآه)(1382) أنّه قلب الحصاة سبيكة ذهب وسأل عنه أن يعرّفه نفسه، قال: أنا قائم الزمان.
السادسة عشرة ومائة: قيّم الزمان كما في خبر العلوي المصري.
السابعة عشرة ومائة: قاطع.
الثامنة عشرة ومائة: قاتل الكفرة.
التاسعة عشرة ومائة: القوّة.
العشرون ومائة: القابض القيامة.
الحادية والعشرون ومائة: القسط.
الثانية والعشرون ومائة: القطب عند العرفاء والصوفية.
الثالثة والعشرون ومائة: كاشف الغطاء.
الرابعة والعشرون ومائة: الكمال.
الخامسة والعشرون ومائة: كلمة الحقّ.
السادسة والعشرون ومائة: كيقباد دوم، أي العادل عند المجوس.
السابعة والعشرون ومائة: كوكما، وذلك منقول عن كتاب بختا.
الثامنة والعشرون ومائة: كائر، أي يخرج وينتقم.
التاسعة والعشرون ومائة: اللواء الأعظم.
الثلاثون ومائة: لسان الصدق.
الحادية والثلاثون ومائة: لنديطار.
الثانية والثلاثون ومائة: المنتقم، كما في الخطبة الغديرية: ألا إنّه المنتقم من الظالمين(1383). وفي علل الشرائع عن الباقر (عليه السلام): إذا ظهر قائمنا تحيى إحدى الزوجات ليقام عليها الحدّ وينتقم لفاطمة (عليهما السلام)(1384).
وقال (عليه السلام) لأحمد بن إسحاق: أنا بقية الله في أرضه والمنتقم(1385).
الثالثة والثلاثون ومائة: المنتظر، قال الله تعالى (ويَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(1386) وقال الصادق (عليه السلام) في ذيل هذه الآية: الغيب هو الحجّة القائم المنتظر(1387).
الرابعة والثلاثون ومائة: الموعود، قال الله تعالى (وفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وما تُوعَدُونَ)(1388) والموعود الذي وعدتم ووعد الأنبياء اممهم هو المهدي وفي زيارته (عجّل الله فرجه): السلام على المهدي الذي وعد الله به الامم أن يجمع به الكلم(1389). وفي الزيارة الجامعة في أوصافه (عجّل الله فرجه): واليوم الموعود وشاهد ومشهود.
الخامسة والثلاثون ومائة: المنصور كما في تفسير (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً)(1390).
السادسة والثلاثون ومائة: المهدي، عن الصادق (عليه السلام): وإنّما سمّي القائم مهديا لأنّه يهدي إلى أمر مضلول عنه(1391). وفي علل الشرائع عن الباقر (عليه السلام): انّما سمّي المهدي مهديا لأنّه يهدي لأمر خفي، يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار بإنطاكية، فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل وبين أهل الزبور وبين أهل الفرقان بالفرقان، وتجمع إليه أموال الدنيا كلّها ما في بطن الأرض وظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء وركبتم فيه محارم الله، فيعطي شيئا لم يعط أحد ممّن كان قبله(1392).
السابعة والثلاثون ومائة: الماء المعين، عن كتاب الإكمال(1393) في تفسير (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)(1394).
الثامنة والثلاثون ومائة: مبلي السرائر، لأنّه يحكم بالواقع والسرائر عنده ظاهرة حتّى أنّ الرجل قائم ويفعل ويحكم ويأمر فيأمر بقتله.
التاسعة والثلاثون ومائة: مبدي الآيات، فإنّه مظهر آياته بل هو مظهر آياته.
الأربعون ومائة: المفضل، ولا شكّ أنّه (عجّل الله فرجه) مظهر هذا وهو اسم الله.
الحادية والأربعون ومائة: الموتور، لأنّه هو صاحب الوتر الطالب له، يعني طالب دم المقتول أي دم جدّه الحسين (عليه السلام) وآبائه (عليهم السلام).
الثانية والأربعون ومائة: المأمول، عن الصادق (عليه السلام) بعد ذكر جملة من العلامات: ثمّ يقوم القائم المأمول والإمام المجهول(1395). وفي زيارته المأثورة: السلام عليك أيّها الإمام المأمول(1396).
الثالثة والأربعون ومائة: المضطرّ، قال الله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ)(1397) وأوّل المضطرّ بالمهدي (عجّل الله فرجه).
الرابعة والأربعون ومائة: المقتصر، أي اقتصر من الأنصار والأعوان على المؤمنين المخلصين لقوله تعالى (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(1398) ومدحهم الله بقوله (عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)(1399).
الخامسة والأربعون ومائة: المنتصر، كما في تفسير (ولَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ)(1400).
السادسة والأربعون ومائة: الناقور(1401)، كما في تفسير (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ)(1402).
السابعة والأربعون ومائة: الناطق، كما عن خبر طويل: أنّ الحسن بن علي صامت أمين عسكري فابنه حجّة الله ابن الحسن المهدي الناطق القائم بحق الله(1403). وفي زيارة عاشورا:
وأن يرزقني ثاركم مع إمام مهدي ناطق لكم(1404).
الثامنة والأربعون ومائة: النهار، كما في تفسير (واللَّيْلِ إِذا يَغْشى * والنَّهارِ إِذا تَجَلَّى)(1405).
التاسعة والأربعون ومائة: النور، كما في تفسير (واللهُ مُتِمُّ نُورِهِ)(1406) (وأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها)(1407) (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ)(1408).
الخمسون ومائة: نور الأصفياء.
الحادية والخمسون ومائة: نور آل محمّد (صلّى الله عليه وآله).
الثانية والخمسون ومائة: نور الأتقياء، وهذان في التاسعة عشرة.
الثالثة والخمسون ومائة: نجم.
الرابعة والخمسون ومائة: الناحية المقدّسة.
الخامسة والخمسون ومائة: نفس.
السادسة والخمسون ومائة: المجازي بالأعمال.
السابعة والخمسون ومائة: المخبر بما يعلن.
الثامنة والخمسون ومائة: المصباح الشديد الضياء.
التاسعة والخمسون ومائة: من لم يجعل الله له شبيها، وفي بعض بدل شبيها: سميّا.
الستون ومائة: الفرج الأعظم.
الحادية والستون ومائة: المنّان.
الثانية والستون ومائة: المدبر.
الثالثة والستون ومائة: المأمور.
الرابعة والستون ومائة: المقدرة، أي كأنّه عين القدرة.
الخامسة والستون ومائة: مظهر الفضائح.
السادسة والستون ومائة: المحسن.
السابعة والستون ومائة: المنعم
الثامنة والستون ومائة: منية الصابرين.
التاسعة والستون ومائة: ميزان الحق، عن كتاب اژى النبي.
السبعون ومائة: مسيح الزمان، نقل عن كتاب الافرنج.
الحادية والسبعون ومائة: الماشع، كما عن التوراة.
الثانية والسبعون ومائة: مهميد الآخر، كما عن التوراة.
الثالثة والسبعون ومائة: محمّد (عليه السلام).
الرابعة والسبعون ومائة: نور الله.
الخامسة والسبعون ومائة: واقيذ، في الكتب السماوية، أي الغائب.
السادسة والسبعون ومائة: وتر.
السابعة والسبعون ومائة: ولي الله، كما في الخبر ليلة المعراج، قال الله تعالى هو وليي صدقا وإنّ وقت خروجه ينادي سيفه: أخرج يا وليّ الله(1409).
الثامنة والسبعون ومائة: الوجه، كما في زيارته: السلام على وجه الله المتقلّب بين أظهر عباده(1410).
التاسعة والسبعون ومائة: الوارث، كما في الخطبة الغديرية: ألا إنّه وارث كل علم والمحيط به(1411). وما في الأخبار أنّ ميراث الأنبياء وودائعهم عنده.
الثمانون ومائة: وهول كما عن التوراة
الحادية والثمانون ومائة: الهادي
الثانية والثمانون ومائة: اليد الباسطة، في الخبر:
هو يد الله الباسطة.
الثالثة والثمانون ومائة: يمين.
الرابعة والثمانون ومائة: يعسوب الدين
الخامسة والثمانون ومائة: المجدّد
السادسة والثمانون ومائة: المشيّد وهما في دعاء العهد عن الصادق (عليه السلام): ومجدّدا لما عطّل من أحكام كتابك ومشيّدا لما ورد من أعلام دينك(1412).
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(1) البارجين: قرية - زراعية - صغيرة من قرى ميبد التابعة لناحية أردكان من محافظة يزد، ويبلغ عدد نفوسها 456 نسمة (لغة نامة: 3/ 3472).
(2) شهرنو: ناحيتان من نواحي مدينة مشهد، أحدهما كبيرة والأخرى صغيرة، عدد نفوس الأولى 23046 نسمة، والأخرى 2661 نسمة، ويمارس الأهالي فيها مهنة الزراعة (لغة نامة: 9/ 1288).
(3) نقباء البشر: 1442 ترجمة رقم: 1951.
(4) المستدرك على معجم المؤلفين: 488.
(5) الذريعة: 3/ 323، نقباء البشر: 4/ 1442، مستدرك معجم المؤلفين: 488.
(6) الذريعة: 12/ 180، نقباء البشر: 4/ 1442، مستدرك معجم المؤلفين: 488.
(7) الذريعة: 11/ 264، نقباء البشر: 4/ 1442، مستدرك معجم المؤلفين: 488.
(8) الذريعة: 3/ 323، نقباء البشر: 4/ 1442، مستدرك معجم المؤلفين: 488.
(9) الذريعة: 4/ 474، نقباء البشر: 4/ 1442، مستدرك معجم المؤلفين: 488.
(10) الذريعة: 6/ 282، نقباء البشر: 4/ 1442، مستدرك معجم المؤلفين: 488.
(11) الذريعة: 3/ 43، نقباء البشر: 4/ 1442.
(12) طبع في ايران ولبنان مرات عدة جميعها لم تكن مصححة ولا محققة، وقد وجدنا الكثير من الأخطاء العلمية والنحوية والإملائية، بل في كثير من الآيات والأحاديث الشريفة، والتي كان بعضها يؤثر على معنى الحديث.
(13) الذريعة: 2/ 289 و3/ 43 - 323 و4/ 474، مستدرك معجم المؤلفين: 488.
(14) البقرة: 4.
(15) إبراهيم: 5.
(16) الرعد: 7.
(17) الأنعام: 51.
(18) علل الشرائع: 1/ 231 باب 153 ح 6.
(19) بحار الأنوار: 23/ 37 ح 64 عن كمال الدين: 197 باب 21 ح 14.
(20) بحار الأنوار: 23/ 20 ح 15 عن المحاسن: 235.
(21) بحار الأنوار: 23/ 20.
(22) المصدر السابق ص 22.
(23) في البحار والعلل هنا زيادة: يعلم الزيادة والنقصان.
(24) علل الشرائع: 1/ 234 باب 153 ح 22.
(25) بحار الأنوار: 23/ 44 عن كمال الدين: 231.
(26) أصول الكافي: 1/ 168 ح 1 كتاب الحجّة باب الاضطرار إلى الحجّة.
(27) أصول الكافي: 1/ 177 ح 2.
(28) أصول الكافي: 1/ 177 ح 4 وما بين معكوفتين غير موجود فيه.
(29) أصول الكافي: 1/ 178 ح 1.
(30) أصول الكافي: 1/ 178 ح 2.
(31) أصول الكافي: 1/ 178 ح 3.
(32) أصول الكافي: 1/ 178 ح 5.
(33) أصول الكافي: 1/ 178 ح 6.
(34) أصول الكافي: 1/ 179 ح 8.
(35) أصول الكافي: 1/ 179 ح 9.
(36) أصول الكافي: 1/ 179 ح 10.
(37) أصول الكافي: 1/ 179 ح 12.
(38) أصول الكافي: 1/ 179 ح 11.
(39) في نسخة ثانية: نافرة.
(40) أصول الكافي: 1/ 183 ح 8.
(41) سورة البقرة: 257.
(42) سورة البقرة: 257.
(43) البقرة: 257.
(44) الكافي: 1/ 375 ح 3.
(45) الكافي: 1/ 376 ح 4.
(46) الكافي: 1/ 376 ح 5.
(47) الكافي: 1/ 376 ح 2.
(48) الكافي: 1/ 377 ح 4.
(49) الكافي: 1/ 376 ح 4 وما بين المعكوفين زيادة منه.
(50) الكافي: 1/ 378 ح 4.
(51) في المصدر: عتبة وهو وهم.
(52) الحج: 52.
(53) (هو محمد بن مقلاص الأسدي كان غاليا ملعونا، كان يقول إن الأئمة أنبياء لمّا سمع أنهم محدّثون، ولم يفرق بين النبي والمحدّث، ثم عدل عنه وكان يقول إنهم آلهة) عن الملل والنحل للشهرستاني.
(54) الكافي: 1/ 229 باب 54 ح 2.
(55) البحار: 6/ 67 باب 2 ح 4.
(56) البحار: 40/ 142 ح 43 وقال العلامة المجلسي بعد الحديث: و(أو) هنا بمعنى (بل) كما قيل في قوله تعالى: (مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ).
(57) الكافي: 1/ 146 ح 11.
(58) الكافي: 1/ 255 ح 1.
(59) البحار: 18/ 270 ح 33.
(60) في المصدر: أبي يحيى.
(61) البحار: 17/ 151 ح 53.
(62) زيادة لازمة من المصدر.
(63) الكافي: 1/ 260 ح 1.
(64) الآية: (تِبْياناً لِكُلِّ شيء)، النحل: 89 والحديث في الكافي: 1/ 59 ح 1.
(65) البحار: 26/ 110 ح 6 وبصائر الدرجات: 147.
(66) البحار: 26/ 110 ح 7 والكافي: 1/ 261، والآية هكذا: (ونَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شيء).
(67) في السنام الأعلى: أي في أعلى درجات الإيمان، وسنام كل شيء أعلاه.
(68) تأويل الآيات: 2/ 488، والبحار: 26/ 116 ح 22.
(69) البحار: 26/ 117 ح 1، وأمالي الطوسي: 410 ح 921.
(70) البحار: 26/ 119 ح 5، والكافي: 1/ 438.
(71) بصائر الدرجات: 143 والبحار: 26/ 138 ح 5.
(72) البحار: 26/ 139 ح 8، وبصائر الدرجات: 143.
(73) البحار: 26/ 141 ح 13، وأمالي الشيخ: 197 ح 336.
(74) البحار: 26/ 140 ح 11.
(75) الكافي: 1/ 227 ح 2.
(76) البحار: 26/ 182 ح 8 وبصائر الدرجات: 154.
(77) روضة الواعظين: 210، والبصائر: 203، البحار: 26/ 187 ح 25.
(78) خفرها: نقضها.
(79) الكافي: 1/ 221 ح 3.
(80) الكافي: 1/ 61 بتفاوت.
(81) النمل: 40.
(82) الكافي: 1/ 229 ح 5.
(83) الكافي: 1/ 230 ح 1.
(84) الكافي: 1/ 231 ح 2.
(85) الكافي: 1/ 231 ح 3.
(86) قوله (عليه السلام): (لا) تقية، ولعله أراد تورية: ليس فينا إمام لا بد له من الخروج بزعمكم، لأن الزيدية لا يعتقدون بإمامة الإمام إلا إذا خرج بالسيف.
(87) التشمير: بمعنى شمّر ورفع الثوب للصلاة، ويكنى به هنا عن التقوى والطهارة.
(88) اللامة: نوع من الدروع. والمغفر: النسيج يلبس تحت القلنسوة.
(89) المراد التابوت كما في البقرة تحمله الملائكة.
(90) الكافي: 1/ 232 ح 1.
(91) الكافي: 1/ 238 ح 2.
(92) الأديم: الجلد المدبوغ، والفالج: الجمل العظيم ذو السنامين.
(93) الكافي: 1/ 241 ح 5.
(94) الكافي: 1/ 258 ح 1.
(95) الكافي: 1/ 259 ح 4.
(96) الكافي: 1/ 260 ح 7.
(97) الكافي: 1/ 263 ح 3.
(98) الكافي: 1/ 264 ح 3.
(99) الكافي: 1/ 265 ح 2.
(100) الزخرف: 84.
(101) المؤمنون: 51.
(102) الكافي: 1/ 269 ح 6.
(103) الكافي: 1/ 272 ح 2.
(104) الكافي: 1/ 272 ح 3.
(105) الإسراء: 85.
(106) الكافي: 1/ 273 ح 3.
(107) الكافي: 1/ 275 ح 3.
(108) الطور: 21.
(109) الكافي: 1/ 275 ح 1.
(110) النساء: 58.
(111) الكافي: 1/ 275 ح 1.
(112) النساء: 59.
(113) الكافي: 1/ 187 ح 7.
(114) الكافي: 1/ 211 ح 6.
(115) الكافي: 1/ 277 ح 2.
(116) الكافي: 1/ 278 ح 3.
(117) الكافي: 1/ 277 ح 2.
(118) الكافي: 1/ 279 ح 1 ويريد بالعبد الصالح: موسى بن جعفر (عليه السلام).
(119) الكافي: 1/ 280 ح 2.
(120) البحار: 25/ 116 ح 1.
(121) في عيون أخبار الرضا: لا ينسى ولا يسهو.
(122) آل عمران: 55.
(123) المائدة: 117.
(124) البحار: 25/ 119 ح 2.
(125) الأنعام: 115.
(126) المنافقون: 8.
(127) الوهّاج: شديد الاتّقاد. الثجاج: شديد الانصباب. العجاج: الصيّاح.
(128) آل عمران: 34.
(129) إبراهيم: 36.
(130) ما بين معكوفين زيادة من نسخة ثانية.
(131) البحار: 25/ 174 - 169 باب 4 ح 38 ومشارق أنوار اليقين: 114 ط. الأعلمي.
(132) البيّنة: 5.
(133) البقرة: 45.
(134) الحج: 45.
(135) الرعد: 7.
(136) الرعد: 8 - 11.
(137) يس: 1 - 2.
(138) القلم: 1.
(139) طه: 1 - 2.
(140) غافر: 15.
(141) الطلاق: 11.
(142) قال العلامة المجلسي في البحار: قوله: أنا الذي حملت نوحا... لو صح صدور الخبر عنه (عليه السلام) لاحتمل أن يكون المراد به وبأمثاله أن الأنبياء (عليهم السلام) بالاستشفاع بنا والتوسل بأنوارنا رفعت عنهم المكاره والفتن كما دلت عليه الأخبار الصحيحة، انتهى.
وقد أوضحنا ذلك في كتابنا (آل محمد بين قوسي النزول والصعود) ط. دار الهادي.
(143) في المصدر: يوم الظلّة.
(144) الرحمن: 19 - 20.
(145) أي مشيئتهم متعلقة بمشيئة الله، فهم (عليهم السلام) لا يشاءون ما يخالف مشيئة الله تعالى ولا يكرهون إلا ما يكرهه تعالى.
(146) البحار: 26/ 6 ح 1.
(147) الأنعام: 146.
(148) سورة هود: 82.
(149) سورة الذاريات: 33 - 34.
(150) النحل: 26.
(151) في نسخة ثانية: المنارة.
(152) سورة المؤمن: 50.
(153) سورة الأنعام: 111.
(154) سورة الأعراف: 51.
(155) سورة الكهف: 109.
(156) سورة لقمان: 27.
(157) الأنعام 103.
(158) الأنبياء: 23.
(159) الشورى: 52.
(160) المجادلة: 22.
(161) البحار: 26/ 8 ح 2.
(162) الأنفال: 75.
(163) الكافي: 1/ 285 ح 1.
(164) الكافي: 1/ 286 ح 3.
(165) الكافي: 1/ 286 ح 2.
(166) الكافي: 1/ 286 ح 4.
(167) الكافي: 1/ 286 ح 5 وفيه: وفي نسخة الصفواني: ثمّ هكذا أبدا.
(168) نقلا عن كتاب كمال الدين: 383.
(169) الزخرف: 28.
(170) البحار: 25/ 249 باب 8 ح 1.
(171) الاحقاف: 15.
(172) البحار: 25/ 254 ح 15، وكامل الزيارات: 124.
(173) البحار: 25/ 259 ح 21 وعلل الشرائع: 1/ 207 ح 7.
(174) البحار: 25/ 258 ح 19، وعلل الشرائع: 1/ 208.
(175) الأحزاب: 33.
(176) الأنفال: 75.
(177) البحار: 25/ 255 ح 16.
(178) البحار: 25/ 256 ح 17، والكافي: 1/ 288.
(179) مريم: 31.
(180) في المصدر: بسنتين.
(181) مريم: 12.
(182) الكافي: 1/ 383 ح 1.
(183) الكافي: 1/ 321 ح 10.
(184) الكافي: 1/ 383 ح 3.
(185) الكافي: 1/ 384 ح 5.
(186) يوسف: 108.
(187) الكافي: 1/ 385 ح 3.
(188) الكافي: 1/ 385 ح 2.
(189) البحار: 13/ 364.
(190) في نسخة أخرى: حضر لغسله.
(191) الكافي: 1/ 385 ح 3.
(192) البقرة: 1 - 2 - 3.
(193) كمال الدين: 340 ح 20 باب 33.
(194) الأعراف: 71.
(195) ينابيع المودّة: 3/ 285، والبحار: 36/ 306.
(196) البقرة: 148.
(197) تفسير البرهان: 1/ 162 ح 4.
(198) غيبة النعماني: 160.
(199) مجمع البيان: 1/ 429.
(200) البقرة: 124.
(201) الخصال: 304 الكلمات التي ابتلى ابراهيم ربّه فأتمهن ح 84.
(202) البقرة: 261.
(203) تفسير العياشي: 1/ 147.
(204) البقرة: 155.
(205) غيبة النعماني: 168.
(206) المصدر السابق.
(207) الموت الذريع: السريع والفجأة.
(208) كمال الدين: 649 ح 3 باب 57.
(209) البقرة: 249.
(210) غيبة النعماني: 316 ح 13 باب 12.
(211) آل عمران: 83.
(212) تفسير العياشي: 1/ 183 في سورة آل عمران ح 82.
(213) آل عمران: 200.
(214) تأويل الآيات: 133 وغيبة النعماني: 199 ح 13 باب 11.
(215) آل عمران: 140.
(216) البحار: 51/ 54 ح 38.
(217) النساء: 47.
(218) الاختصاص: 255 حديث في زيارة المؤمن لله. وغيبة النعماني: 279.
(219) النساء: 59.
(220) كمال الدين: 253 ح 3 باب نص الله عليه.
(221) النساء: 69.
(222) تفسير القمّي: 2/ 104.
(223) النساء: 77 - 78.
(224) إبراهيم 44.
(225) تفسير العياشي: 1/ 258 ح 196.
(226) النساء: 159.
(227) تفسير القمي: 1/ 158 من سورة النساء.
(228) المائدة: 3.
(229) البحار: 51/ 55 ح 39.
(230) المائدة: 14.
(231) عوالي اللئالي: 3/ 302 باب النكاح.
(232) الحجرات: 54.
(233) الأنعام: 89.
(234) تأويل الآيات: 155.
(235) الأنعام: 44.
(236) تفسير القمي: 1/ 200 مورد الآية من الأنعام.
(237) الأنعام: 89.
(238) تفسير العياشي: 1/ 326 من المائدة ح 135 و369 ح 56.
(239) الأنعام: 158.
(240) كمال الدين: 18.
(241) الأعراف: 1.
(242) بحار الأنوار للمجلسي والدمعة الساكبة للبهبهاني والمحجة البيضاء للكاشاني.
(243) البقرة: 1 - 2.
(244) تفسير العياشي: 2/ 3 في سورة الأعراف ح 3 مع تفاوت.
(245) العنكبوت: 43.
(246) في تفسير العياشي قريب منه: 2/ 203 ح 2.
(247) آل عمران: 36.
(248) تفسير القمي: 1/ 101 في سورة آل عمران.
(249) غيبة الشيخ: 428 فصل في بيان عمره.
(250) الكافي: 1/ 535 ح 3.
(251) الأعراف: 29.
(252) الأعراف: 32.
(253) الأعراف: 53.
(254) الحديث بتفاوت في التحصين لابن فهد: 21 القطب الثالث في فوائدها.
(255) الأعراف: 128.
(256) الكافي: 1/ 407 ح 1 وتأويل الآيات: 184.
(257) الأعراف: 157.
(258) الزمر: 54.
(259) يونس: 64.
(260) الكافي: 1/ 495 باب 108 ح 83 وللحديث صدر.
(261) الأعراف: 159.
(262) أي بيت الله الحرام، الكعبة المشرفة.
(263) دلائل الإمامة: 247 معرفة وجوب القائم.
(264) الأنفال: 39.
(265) تفسير العياشي: 2/ 56 سورة الأنفال ح 48.
(266) القلم: 15 والمطففين 13.
(267) البحار: 24/ 280 ح 6.
(268) التوبة: 3.
(269) البحار: 51/ 55 ح 40.
(270) التوبة: 33.
(271) كمال الدين: 670 ح 16 وتفسير فرات: 481 ح 627.
(272) الحجرات: 34.
(273) تفسير العياشي: 2/ 87 سورة براءة.
(274) التوبة: 36.
(275) البرهان: 2/ 123 ح 5.
(276) التوبة: 36.
(277) تفسير العياشي: 2/ 56 سورة الأنفال.
(278) يونس: 20.
(279) كمال الدين: 340 ح 20 باب ما روي عن الصادق من النصّ على القائم (33).
(280) يونس: 51.
(281) تفسير القمي: 1/ 312 في سورة يونس.
(282) يونس: 24.
(283) الأنعام: 45.
(284) دلائل الإمامة: 469 ح 456 ط. مؤسسة البعثة.
(285) يونس: 35.
(286) البرهان: 2/ 185 ح 3.
(287) هود: 24.
(288) في المصدر: السروسي.
(289) كمال الدين: 469 باب ذكر من شاهد القائم ح 22 بتفاوت.
(290) هود: 8.
(291) غيبة النعماني: 241 ح 36 باب صفته.
(292) هود: 80.
(293) كمال الدين: 673 ح 27 باب في نوادر الكتاب.
(294) يوسف: 110.
(295) دلائل الإمامة: 251 معرفة وجوب القائم.
(296) إبراهيم: 5.
(297) الصراط المستقيم: 2/ 264.
(298) النساء: 77.
(299) إبراهيم: 44.
(300) تفسير العياشي: 1/ 258 مورد الآية.
(301) إبراهيم: 45.
(302) تفسير العياشي: 2/ 235 مورد الآية.
(303) إبراهيم: 46.
(304) تفسير العياشي: 2/ 252 ح 50.
(305) الرعد: 13.
(306) غيبة النعماني: 278 باب 14.
(307) الرعد: 41.
(308) مجمع البيان: 6/ 52.
(309) تفسير القمّي: 1/ 367 مورد الآية.
(310) الكافي: 1/ 38 ح 6.
(311) بحار الأنوار: 3/ 311 عن الطبرسي.
(312) الحجر: 36 - 38.
(313) دلائل الإمامة: 240 معرفة وجوب القائم.
(314) الحجر: 87.
(315) تفسير العياشي: 2/ 270 سورة الحجر.
(316) النحل: 1.
(317) النحل: 1.
(318) البرهان: 2/ 360 ح 3.
(319) الأنفال: 5.
(320) غيبة النعماني: 243 ح 43 باب 13.
(321) النحل: 38.
(322) تأويل الآيات: 258 مورد الآية.
(323) النحل: 45.
(324) الظاهر انّ المراد قوم السفياني.
(325) تفسير العياشي: 2/ 261 سورة النحل.
(326) الاسراء: 4 - 5.
(327) تفسير العياشي: 2/ 281 سورة الاسراء، ح 20.
(328) تفسير الصافي: 3 ح 179.
(329) الاسراء: 8.
(330) تفسير القمي: 2/ 14 مورد الآية.
(331) الاسراء: 33.
(332) الأنعام: 164.
(333) عيون أخبار الرضا: 1/ 273 ح 5 باب 28.
(334) الإسراء: 81.
(335) الفصول العشرة بتفاوت: 74 فصل 4.
(336) مريم: 37.
(337) مريم: 37.
(338) تفسير العيّاشي: 1/ 64 سورة البقرة ح 117.
(339) مريم: 75.
(340) مريم: 73.
(341) مريم: 75.
(342) مريم: 76.
(343) مريم: 87.
(344) مريم: 96.
(345) مريم: 97.
(346) تفسير القمي: 2/ 57 سورة مريم.
(347) طه: 110.
(348) تفسير القمي: 2/ 65 سورة طه.
(349) طه: 115.
(350) تأويل الآيات: 313 سورة طه.
(351) طه: 135.
(352) تأويل الآيات: 317 سورة طه.
(353) طه: 82.
(354) تأويل الآيات: 309 والبصائر: 78 وتفسير فرات: 257 سورة طه.
(355) الأنبياء: 11 - 15.
(356) الأنبياء: 13.
(357) الأنبياء: 14 - 15.
(358) تأويل الآيات بتفاوت: 320 سورة الأنبياء.
(359) الأنبياء: 105.
(360) تفسير القمي: 2/ 77 سورة الأنبياء.
(361) مجمع البيان: 7/ 66 وتأويل الآيات: 1/ 332.
(362) الحج: 39.
(363) تأويل الآيات: 334 سورة الحج.
(364) تفسير القمي: 2/ 84 سورة الحج.
(365) الحج: 41.
(366) تفسير القمي: 2/ 87.
(367) الحج: 47.
(368) النور: 55.
(369) البحار: 25/ 73 ح 63.
(370) الحج: 60.
(371) في المصدر: جزع.
(372) تفسير القمّي: 2/ 87.
(373) المؤمنون: 101.
(374) المؤمنون: 1 و101.
(375) البرهان: 3/ 120 ح 6.
(376) النور: 35.
(377) مصباح الهداية: 250، وغاية المرام: 317 وبصائر الدرجات: 200 ح 19.
(378) تأويل الآيات: 365 مورد الآية.
(379) النور: 55.
(380) تأويل الآيات: 365 مورد الآية.
(381) بحار الأنوار: 52/ 297 وغيبة النعماني: 147.
(382) الفرقان: 11.
(383) الغيبة للنعماني: 54.
(384) الفرقان: 26.
(385) تأويل الآيات: 1/ 173 وتفسير البرهان: 3/ 162.
(386) الشعراء: 4.
(387) القمر: 2.
(388) غيبة النعماني: 173 ح 20.
(389) الشعراء: 206.
(390) الشعراء: 207.
(391) تأويل الآيات: 1/ 393 والبحار: 24/ 372 ح 96.
(392) الشعراء: 227.
(393) كمال الدين: 261 ح 6.
(394) النمل: 62.
(395) البحار: 51/ 59 ح 56، وتفسير البرهان: 3/ 208 ح 5.
(396) القصص: 5.
(397) تفسير البرهان: 3/ 220 ح 1.
(398) العنكبوت: 1 - 2.
(399) الإرشاد: 2/ 375 وفيه: إلّا القليل، وبالهامش: الأندر.
(400) العنكبوت: 10.
(401) البحار: 9/ 229 ح 118.
(402) الروم: 1 - 2 - 3.
(403) تفسير البرهان: 3/ 257 ح 1 وتأويل الآيات: 1/ 434 ح 2.
(404) السجدة: 21.
(405) معجم أحاديث الإمام المهدي: 5/ 342 عن المحجّة: 173 وفيه: الأدنى القحط والجدب.
(406) السجدة: 29.
(407) تأويل الآيات: 2/ 445 ح 9.
(408) لقمان: 20.
(409) بحار الأنوار: 51/ 150 ح 2.
(410) الأحزاب: 62.
(411) شرح النهج لابن أبي الحديد: 7/ 58 الخطبة 97.
(412) الأحزاب: 63.
(413) الأحزاب: 63.
(414) الزخرف: 85.
(415) محمد: 18.
(416) القمر: 1.
(417) الشورى: 18.
(418) البحار: 53/ 2 باب 25، وينابيع المودّة: 3/ 251.
(419) مريم: 75 والجن: 24.
(420) الأحزاب: 63.
(421) أصول الكافي: 1/ 431 ح 90 والبحار: 24/ 332.
(422) سبأ: 18.
(423) سبأ: 18.
(424) كتاب الغيبة للطوسي: 345.
(425) سبأ: 51.
(426) بحار الأنوار: 52/ 342.
(427) يس: 33.
(428) يس: 33.
(429) البحار: 52/ 387 عن الغيبة.
(430) الصافات: 83.
(431) تأويل الآيات: 2/ 495 ومدينة المعاجز: 4/ 40.
(432) ص: 86.
(433) روضة الكافي: 8/ 287.
(434) الزمر: 69.
(435) تفسير القمّي: 2/ 253 سورة الزمر، وفيه: ويجتزون بنور الإمام.
(436) دلائل الإمامة: 454 ح 433.
(437) فصلت: 17.
(438) الشمس: 11.
(439) فصلت: 17.
(440) بحار الأنوار: 24/ 72.
(441) فصلت: 53.
(442) تأويل الآيات: 2/ 541 ح 16 و17.
(443) غيبة النعماني: 269.
(444) الشورى: 2.
(445) تفسير القمي: 2/ 240.
(446) البرهان: 4/ 115 ح 4.
(447) الشورى: 20.
(448) أصول الكافي: 1/ 436 ح 92 وتفسير الصافي: 4/ 371.
(449) الشورى: 18.
(450) دلائل الإمامة: 238 معرفة وجوب القائم.
(451) الشورى: 19 - 20.
(452) تفسير البرهان: 4/ 121 ح 2 عن الكافي كما تقدّم.
(453) الشورى: 21.
(454) روضة الكافي 8: 287 ح 432.
(455) الشورى: 24.
(456) الشورى: 23.
(457) الشورى: 24 - 25.
(458) تفسير القمّي: 2/ 275 سورة الشورى.
(459) ملحق المودّة.
(460) الشورى: 41.
(461) الشورى: 42.
(462) تفسير القميّ: 2/ 278 سورة الشورى.
(463) الشورى: 45.
(464) تأويل الآيات: 535 سورة حم عسق.
(465) الزخرف: 28.
(466) الحج: 78.
(467) هود: 80.
(468) القمر: 10.
(469) المائدة: 25.
(470) كفاية الأثر: 197 باب ما جاء عن فاطمة.
(471) كمال الدين: 323 ح 8 باب 31.
(472) الزخرف: 66.
(473) تأويل الآيات: 552 سورة الزخرف.
(474) الدخان: 2.
(475) تفسير القمّي: 2/ 290 سورة الدخان.
(476) الجاثية: 14.
(477) إبراهيم: 5.
(478) الاحقاف: 35.
(479) تأويل الآيات: 492 سورة ص.
(480) محمد: 18.
(481) الأعراف: 187.
(482) القمر: 1.
(483) الشورى: 17 - 18.
(484) الصراط المستقيم: 2/ 257 فصل علامات القائم (عليه السلام).
(485) الفتح: 25.
(486) علل الشرائع: 147 ح 3 باب 122.
(487) التوبة: 33.
(488) تفسير القمي: 2/ 317 سورة الفتح.
(489) ق: 41 - 42.
(490) تفسير القمي: 2/ 327 سورة ق.
(491) الذاريات: 22.
(492) غيبة الطوسي: 175 الكلام على الواقفة.
(493) الذاريات: 23.
(494) النور: 55.
(495) غيبة النعماني: 269 ح 40 باب ما جاء في العلامات.
(496) الطور: 1 - 3.
(497) البرهان: 4/ 232.
(498) القمر: 1.
(499) القمر: 2.
(500) الرّحمن: 41.
(501) غيبة النعماني: 242 ح 39 باب 13 وما بين معكوفين زيادة من المصدر.
(502) البرهان: 4/ 268.
(503) الحديد: 16.
(504) غيبة النعماني: 24.
(505) الحديد: 17.
(506) تأويل الآيات: 638 سورة الحديد.
(507) تأويل الآيات: 638.
(508) الممتحنة: 13.
(509) الإسراء: 6.
(510) تأويل الآيات: 659 سورة الممتحنة.
(511) الصف: 8.
(512) التغابن: 8.
(513) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 214 دلالة أخرى.
(514) الصف: 13.
(515) مجمع البيان: 7/ 520.
(516) التوبة: 33.
(517) حلية الأبرار: 2/ 648.
(518) الملك: 30.
(519) كمال الدين: 360 ح 3 باب ذكر كلام هشام.
(520) كفاية الأثر: 120 باب ما جاء عن عمّار بن ياسر.
(521) القلم: 15.
(522) القلم: 16.
(523) تفسير القمّي: 2/ 381 سورة القلم.
(524) تأويل الآيات: 2/ 748 سورة المطففين.
(525) المعارج: 1 - 3.
(526) تفسير القمي: 2/ 385 سورة المعارج.
(527) غافر: 27.
(528) الكافي: 8/ 287.
(529) المعارج: 44.
(530) تأويل الآيات: 21/ 726 وتفسير البرهان: 4/ 386 ح 1.
(531) الجن: 34.
(532) تفسير القمّي: 2/ 391 سورة الجنّ.
(533) المدّثر: 8.
(534) غيبة الطوسي: 164 الكلام عن الواقفة.
(535) المدّثر: 11 - 16.
(536) تأويل الآيات: 709 سورة المدّثر.
(537) المدّثر: 20.
(538) تفسير القمّي: 703 ط. القديمة وتأويل الآيات: 2/ 733.
(539) المدّثر: 34.
(540) لم أجده في المصادر.
(541) المدثر: 31.
(542) بطوله في تأويل الآيات: 2/ 735 - 736 سورة المدّثر.
(543) التكوير: 16.
(544) اصول الكافي: 1/ 341 ح 23.
(545) الانشقاق: 19.
(546) علل الشرائع: 1/ 245 ح 7.
(547) البروج: 1.
(548) الاختصاص: 224 حديث في الدعاء وأوقاته - بتفاوت - وإثبات الهداة: 1/ 635 ح 747.
(549) الطارق: 17.
(550) الطارق: 10.
(551) الطارق: 15.
(552) تفسير القمي: 2/ 416.
(553) الغاشية: 4.
(554) الكافي: 8/ 50 ح 13.
(555) الفجر: 1.
(556) تأويل الآيات بتفاوت: 2/ 793.
(557) الشمس: 1 - 4.
(558) روضة الكافي: 8/ 50 ح 12.
(559) طه: 59.
(560) إثبات الهداة: 3/ 566 ح 660 والبرهان: 4/ 467 ح 11.
(561) الليل: 1 - 2.
(562) الليل: 5.
(563) الليل: 8.
(564) تأويل الآيات: 2/ 807 وإثبات الهداة: 3/ 566 ح 662.
(565) وسائل الشيعة: 27/ 205 ح 33611 وفيه: ونحن نعلمه فليس.
(566) القدر: 5.
(567) القدر: 1.
(568) القدر: 3.
(569) القدر: 4.
(570) تفسير البرهان: 4/ 487 ح 24 وتأويل الآيات: 2/ 818.
(571) البيّنة: 5.
(572) المحجّة: 257، تأويل الآيات: 2/ 831.
(573) العصر: 2.
(574) كمال الدين: 656 في نوادر الكتاب ح 1.
(575) النصر: 1.
(576) لم أجده في المصادر بهذه الألفاظ، نعم ورد في تفسير الآية قول النبي: بنا فتح الله وبنا يختم) راجع - ملاحم ابن طاوس: 84 باب 191.
(577) النور: 35.
(578) البقرة: 3.
(579) مضيء الأعيان: الورق 4 والكتاب مخطوط فارسي.
(580) النور: 35.
(581) القدر: 1.
(582) الكهف: 6.
(583) المزمل: 11.
(584) البقرة: 185.
(585) القمر: 11.
(586) الحجّ: 45.
(587) العصر: 1 - 2.
(588) الذاريات: 55.
(589) ثمت سقط في الكلام لم نهتد إليه.
(590) الواقعة: 8.
(591) لم أجده في المصادر المتوفّرة لدينا ولا في الأنوار النعمانية للجزائري.
(592) سفر التكوين: 92، الإصحاح: 17 رقم 20 - 18 ط. دار المشرق بيروت.
(593) العهد الجديد، رؤيا يوحنا: 2، الآية 7 وفيه تفاوت: من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة.
(594) العهد الجديد، رؤيا يوحنا الثانية، وفيه: من يغلب فلا يؤذيه الموت الثاني.
(595) المصدر بتفاوت.
(596) المصدر بتفاوت وفيه: كوكب الصبح.
(597) العهد الجديد، رؤيا يوحنا الثالثة، الآية الخامسة بتفاوت.
(598) في العهد الجديد، الآية الثانية عشرة.
(599) المصدر السابق الآية الثانية عشرة.
(600) المصدر السابق، بتفاوت كبير، وفي اللفظ دون المعنى.
(601) نفحات الأزهار: 10/ 303 ط. قم.
(602) العهد الجديد، رؤيا يوحنا، الاصحاح الأوّل والثاني والثالث.
(603) رؤيا يوحنا في الإنجيل المسمّى بالعهد الجديد.
(604) لفظة عبرية.
(605) الدخان: 56.
(606) غافر: 51.
(607) مختصر البصائر: 18.
(608) غافر: 11.
(609) الأنعام: 92.
(610) سنن الترمذي: 2/ 182 ح 878 ط. دار الفكر.
(611) عوالي اللئالي: 1/ 68.
(612) العهد الجديد، رؤيا يوحنا؛ الفصل 21 أو الرؤية 21، الآية العاشرة، وفيه تفاوت في اللفظ دون المعنى.
(613) بحار الأنوار: 15/ 28 و: 54/ 199 وكشف الخفاء: 2/ 164.
(614) العهد الجديد، رؤيا يوحنا الحادية والعشرون الآية 14 وفيه: وسور المدينة كان له اثنا عشر أساسا وعليها أسماء رسل الحروف الاثني عشر.
(615) كذا ولم نجده.
(616) المصدر السابق، الآية 21، وفيه: وسوق المدينة ذهب نقي كزجاج شفاف.
(617) راجع كتاب الألفين للعلّامة الحلّي فقد ذكر عدّة أدلّة على ذلك.
(618) عيون الأخبار: 1/ 72 والخصال: 574 والبحار: 10/ 120 - 145 وفيض القدير: 3/ 60.
(619) العهد القديم، وهو التوراة، كتاب شعيا الفصل الحادي عشر، الآية الاولى.
(620) هذا إلى زمان المؤلّف وإلى زماننا أي سنة 1420 ه. ق. فيبقى على هذا الحساب مائة وسبع وستون سنة.
(621) العهد الجديد، الرؤيا 22 ليوحنا، الآية الاولى، وعبارته: وأراني نهرا صافيا من ماء حياة، لامعا كبلور، خارجا من عرش الله، والحروف في وسط سوقها، وعلى النهر من هنا ومن هناك شجرة حياة تضع اثنتي عشرة ثمرة وتعطي كلّ شهر ثمرها، وورق الشجرة لشفاء الامم.
(622) إنجيل لوقا من العهد الجديد: 75 الإصحاح الثالث الفصل التاسع، مع تفاوت في المطبوع.
(623) كتاب العهد القديم كتاب أشعياء: 1064 باب 45.
(624) أي الجبابرة.
(625) الشعراء: 198.
(626) مقتضب الأثر: 39 وبحار الأنوار: 36/ 225.
(627) إقبال الأعمال: 2/ 340.
(628) مناقب آل أبي طالب: 1/ 246.
(629) المسائل السروية للمفيد: 43.
(630) الصراط المستقيم: 1/ 55.
(631) غيبة النعماني: 108 ح 38 باب 4.
(632) في البحار: يثمو.
(633) في المقتضب: عتو بن لوسو.
(634) المنخوع: الممنوع.
(635) مقتضب الأثر: 28 - 29، والبحار: 36/ 224 وغيبة النعماني: 109 ح 38.
(636) كتاب الأربعين لمحمّد طاهر القمي: 358 والصراط المستقيم: 2/ 238.
(637) قوام الامّة في رد شياطين الكفرة للشيخ محمد تقي، مخلوط بالفارسية.
(638) للسيّد محمد علي الحسيني السدهي الاصفهاني، الذريعة: 7/ 12.
(639) لم نجد في التوراة اسم هذا الكتاب، نعم يوجد كتاب اسمه: عزرا.
(640) العهد القديم، وهو التوراة، كتاب الزبور السفر الواحد والسبعون، بتفاوت في اللفظ.
(641) راجع مختصر البصائر: 17 - 19 - 20 - 26 - 43، وكتاب الرجعة للأسترآبادي.
(642) لم أجد في العهد القديم والعهد الجديد هذا الاسم.
(643) راجع الاحتجاج: 1/ 308 ومناقب آل أبي طالب: 2/ 100 و: 3/ 67.
(644) مختصر بصائر الدرجات: 206 بتفاوت وتأويل الآيات: 1/ 387.
(645) مختصر البصائر: 208 وتأويل الآيات: 1/ 406 ومجمع الزوائد: 8/ 8.
(646) مختصر البصائر: 208 ضمن حديث طويل.
(647) لم نجد في التوراة هذا الاسم.
(648) كمال الدين: 2/ 370 بتصرّف، والبحار: 52/ 342، وتفسير العياشي: 2/ 56 ح 49.
(649) التوبة: 33.
(650) الأنفال: 39.
(651) بصائر الدرجات: 279 واصول الكافي: 1/ 397.
(652) مسند أحمد: 3/ 37 وسعد السعود: 34 ذكر إدريس.
(653) لم أجد في التوراة هذا الاسم.
(654) مختصر البصائر: 187 ضمن حديث طويل ومفصّل.
(655) راجع مجمع البيان: 4/ 398 والبحار: 52/ 186 - 304 ح 73.
(656) بحار الأنوار: 52/ 188 - 300 ضمن حديث طويل.
(657) مختصر البصائر: 51 الخرائج والجرائح: 2/ 848 ح 63.
(658) كناية عن طي الأرض، راجع إثبات الهداة: 3/ 570 ح 686.
(659) مستدرك الوسائل: 12/ 335 ح 6.
(660) عقد الدرر: 74 الباب الرابع.
(661) سنن ابن ماجة: 2/ 1359 ح 4077، وعقد الدرر: 157 باب 7، وإثبات الهداة: 3/ 599 ح 65 باب 32 فصل 2، ومنتخب الأثر: 461 الباب السابع ح 7.
(662) راجع ما تقدّم من مصادر في الهوامش السابقة.
(663) العهد القديم، التوراة، كتاب صفنيا، الإصحاح الأوّل بتفاوت في اللفظ.
(664) تقدّم ذلك مع مصادره.
(665) راجع معجم أحاديث الإمام المهدي: 3/ 181 انّه (عليه السلام) المنتقم من الظالمين، ومناقب آل أبي طالب: 4/ 85.
(666) سيف الامّة وبرهان الملّة في الردّ على الغادري النصراني، تأليف ملّا أحمد بن مهدي الكاشاني المتوفى 1244 ه، طبع بإيران بالفارسية على الطبع الحجري.
(667) لم نجد هذا الكتاب في التوراة.
(668) كتاب العهد القديم، كتاب أشعيا: 1036 باب 26.
(669) كتاب العهد القديم، كتاب أشعيا: 1038 - 1039 باب 27.
(670) المصدر السابق: 1045 باب 32.
(671) العهد القديم كتاب أشعيا: 1021 باب 11.
(672) كما تقدّم.
(673) العهد القديم، كتاب أشعيا، الباب الثاني والأربعون: 1060 ط. لندن - فارسي. كمال الدين: 158 عن بشارة عيسى. وبحار الأنوار: 53/ 276.
(674) العهد القديم، كتاب أشعيا: 1069 باب 49.
(675) سيف الامة وبرهان الملّة، مخطوط.
(676) سيف الامّة، مخطوط.
(677) المصدر السابق.
(678) المصدر السابق.
(679) المصدر السابق.
(680) سيف الامة، مخطوط.
(681) أعلام الورى: 1/ 60 وكمال الدين: 159 ح 18.
(682) في العهد: صموئيل.
(683) في العهد: مراثي أرميا.
(684) في العهد: حزقيل.
(685) في العهد: يوئيل.
(686) في العهد: يونان.
(687) في العهد: صفنيا.
(688) في العهد: ملاخي.
(689) في العهد: كورنثوس.
(690) في العهد: فيلبي.
(691) في العهد: كولوسي.
(692) في العهد: تسالونيكي.
(693) في العهد: تيموثاوس.
(694) في العهد: تيطس أو تيطوس.
(695) والعهد العتيق هو التوراة والعهد الجديد هو الإنجيل.
(696) رسالة بولس إلى مدينة رومية من العهد الجديد، رومية 9، الآية 33.
(697) إنجيل متى من العهد الجديد، متى 10، الآية 5.
(698) كتاب الفتن لنعيم بن حمّاد: 223 وملاحم ابن طاوس: 69.
(699) تلخيص المتشابه للبغدادي: 1/ 417.
(700) مجمع الزوائد: 7/ 319 وفيه: قطوانيتان وكذا في كنز العمّال: 14/ 268 ح 38681.
(701) كشف الغمة: 3/ 274 وحديث خيثمة: 192 ط. دار الكتاب العربي.
(702) حديث خيثمة: 202 والبحار: 51/ 84.
(703) كتاب الفتن لنعيم: 223 والفصول المهمّة: 298 الفصل 12.
(704) منتخب الأثر: 156 ح 47.
(705) العمدة: 424 ح 885 وصحيح مسلم: 8/ 185 ط. دار الفكر ومسند أحمد: 3/ 317.
(706) الشورى: 1 - 2.
(707) العمدة: 429 ح 898 وإثبات الهداة: 3/ 604 ح 97.
(708) الكهف: 10.
(709) العمدة: 373 ح 733.
(710) العمدة: 433 ح 909، وسنن أبي داود: 2/ 310 ح 4284.
(711) تحفة الأحوذي: 6/ 403.
(712) العمدة: 433 ومسند ابن راهويه: 4/ 170.
(713) كشف الغمة: 3/ 279 وكنز العمّال: 14/ 273 ح 38701 وفيهما وفي بقية المصادر فيحثي.
(714) العمدة: 439 ح 922 والفردوس: 4/ 221 ح 6667.
(715) مصنف عبد الرزاق: 11/ 372 ح 20770.
(716) العمدة: 223، ومسند أبي يعلى: 1/ 165، وصحيح ابن حبان: 9/ 176 ح 7182.
(717) العمدة: 436 ومسند أحمد: 1/ 376 ط الميمنية.
(718) الحج: 78.
(719) روضة الواعظين: 58.
(720) كنز العمال: 14/ 264 ح 38662.
(721) مسند أبي يعلى: 1/ 359 ح 465.
(722) أعلام الورى: 2/ 227، وفرائد السمطين: 2/ 334 ح 589.
(723) الشعراء: 4.
(724) أعلام الورى: 2/ 241 وكفاية الأثر: 270.
(725) الزخرف: 61.
(726) منتخب الأثر: 149 ح 24 والفصول المهمّة: 300.
(727) تفسير الثعلبي، مخطوط، ذيل الآية 61 من الزخرف.
(728) العمدة: 430 ح 901.
(729) المستدرك: 2/ 595 والعمدة: 430 ح 901.
(730) حلية الأبرار: 2/ 620 ب 34.
(731) البحار: 51/ 65 ح 2.
(732) البحار: 18/ 304 ح 8 والأمالي للصدوق: 731 ح 1002.
(733) البحار: 3/ 268 ح 3 وكفاية الأثر: 97.
(734) البحار: 37/ 41 ح 16.
(735) البحار: 45/ 221 ح 3. والأمالي: 418 ح 941.
(736) البحار: 51/ 141 ح 14 واصول الكافي: 1/ 536.
(737) البحار: 28/ 18 ح 25 والمستدرك: 4/ 514.
(738) البحار: 3/ 268 ح 3. وكمال الدين: 287.
(739) كمال الدين: 287 والغيبة: 456.
(740) البحار: 52/ 351 ح 103 وغيبة النعماني: 322.
(741) غيبة النعماني: 247.
(742) الكافي: 1/ 338 ح 7.
(743) الإمامة والتبصرة: 94 وكمال الدين: 152.
(744) عيون أخبار الرضا: 245 باب 63 ح 1 حديث أبي الصلت.
(745) مدينة المعاجز: 7/ 76.
(746) في المصدر: تبعث وبالهامش: في بعض النسخ: طلعت.
(747) الخصال: 649 ح 43 باب علّم رسول الله عليّا ألف باب من أبواب الثمانين وما فوق.
(748) غيبة الطوسي: 471 ح 489.
(749) البقرة: 124.
(750) الخصال: 305 ح 84.
(751) البقرة: 285.
(752) تأويل الآيات: 1/ 98 والمختصر للحلي: 82.
(753) الأنفال: 75.
(754) كفاية الأثر: 176.
(755) هود: 86.
(756) الهداية الكبرى: 363 ومن لا يحضره الفقيه: 1/ 425 ح 1257.
(757) يوسف: 94.
(758) الخرائج والجرائح: 693 فصل في اعلام الإمام محمد بن الحسن المهدي.
(759) الرعد: 29.
(760) كمال الدين: 358 ح 55 باب 33.
(761) الحجر: 74 - 75.
(762) الإرشاد: 2/ 386، وينابيع المعاجز: 90.
(763) الأنبياء: 12 و13.
(764) الأنبياء: 14 - 15.
(765) تفسير القمي: 2/ 68 - 254.
(766) الشعراء: 21.
(767) البحار: 52/ 385 ح 194.
(768) ص: 39.
(769) بصائر الدرجات: 509 باب النوادر ح 11 و15.
(770) الواقعة: 10 - 11.
(771) غيبة النعماني: 90 ح 20.
(772) الصف: 14.
(773) الدسكرة القرية أو الأرض المستوية، وبيوت الأعاجم يكون فيها الشراب والملاهي أو بناء كالقصر حوله بيوت (القاموس).
(774) كتاب الزهد للكوفي: 104 والبحار: 52/ 375.
(775) كمال الدين: 260 وكفاية الأثر: 19.
(776) ينابيع المودة: 3/ 249 ح 44.
(777) المختصر للحلي: 91، والبحار: 52/ 379 ح 185.
(778) ينابيع المودّة: 3/ 295 وكمال الدين: 280.
(779) فرائد السمطين للحمويني: 2/ 313 ح 563.
(780) نور الأبصار: 189 باب 2.
(781) ينابيع المودّة: 2/ 44 ح 401.
(782) مقتل الحسين للخوارزمي: 1/ 145.
(783) أعلام الورى: 385 الفصل الأوّل في النصّ عليهم.
(784) أعلام الورى: 376 الفصل الأوّل في النصّ عليهم.
(785) الخصال: 469 - 472 الخلفاء والأئمّة ح 13 و24.
(786) كفاية الأثر: 50، وكمال الدين: 1/ 272.
(787) غيبة النعماني: 121، والعمدة: 418 ح 866.
(788) عيون أخبار الرضا: 2/ 53.
(789) الأمالي للصدوق: 386 ح 495 وكمال الدين: 270.
(790) الشورى: 23.
(791) ينابيع المودّة: 3/ 292 ح.
(792) ينابيع المودّة: 3/ 295.
(793) المصدر السابق، وفرائد السمطين: 4/ 332 ح 585.
(794) ينابيع المودّة: 3/ 281 وفرائد السمطين: 2/ 132 ح 431.
(795) بحار الأنوار: 36/ 283 بتفاوت.
(796) العدد القوية للحلي: 81.
(797) البقرة: 3.
(798) المجادلة: 22.
(799) ينابيع المودّة: 3/ 285 باب 76.
(800) في المصدر: وما تلقى أمّته من بعده من الفرقة والاختلاف وفيه تسمية كل إمام هدى وإمام ضلالة.
(801) في المصدر: يخمل ذكري.
(802) في المصدر: إذ صغر وخمل ذكر أولياء الشيطان وحزبه.
(803) بطوله في: كتاب سليم بن قيس: 252، والخرائج: 2/ 744.
(804) ينابيع المودّة: 3/ 309 وفرائد السمطين: 2/ 337 ح 591.
(805) عيون أخبار الرضا: 265 - 266 ح 34 باب 66.
(806) كمال الدين: 376 ح 7 باب 35.
(807) عيون أخبار الرضا: 266 ح 36 باب 66 خبر دعبل.
(808) عيون أخبار الرضا: 267 ح 37.
(809) أعلام الورى: 395 الفصل الثاني من النص عليهم.
(810) أعلام الورى: 396 الفصل الثاني من النص عليهم.
(811) أعلام الورى: 396 الفصل الثاني من النص عليهم.
(812) أعلام الورى: 391 الفصل الثاني من النص عليهم.
(813) النساء: 59.
(814) أعلام الورى: 397.
(815) أعلام الورى: 397 الفصل الثاني من النصّ عليهم.
(816) في العيون: وهي نطفة بنين وبنات.
(817) أعلام الورى: 404 الفصل الثاني من النص عليهم.
(818) أعلام الورى: 390 الفصل الثاني من النص عليهم.
(819) أعلام الورى: 390.
(820) أعلام الورى: 391.
(821) أعلام الورى: 391.
(822) أعلام الورى: 391.
(823) كمال الدين: 252 باب نص الله عليه (23) ح 1.
(824) أعلام الورى: 396 الفصل الثاني من النص عليهم.
(825) أعلام الورى: 399 الفصل الثاني من النص عليهم.
(826) الكستيج بالضم: حبل غليظ يشدّه الذمّي فوق ثيابه دون الزنار.
(827) أعلام الورى: 388 الفصل الثاني من النص عليهم.
(828) أعلام الورى: 404 الفصل الثاني من النص عليهم.
(829) أي: شديدة الظلمة.
(830) أعلام الورى: 394 الفصل الثاني من النص عليهم.
(831) عيون أخبار الرضا: 44 باب النصوص على الرضا (6) ح 1. والاختصاص: 212 في إثبات إمامة الأئمّة.
(832) أعلام الورى: 394 الفصل الثاني من النص عليهم.
(833) كمال الدين: 316 ح 27 باب 29.
(834) كشف الغمة: 2/ 522 الفصل الثاني.
(835) أعلام الورى: 2/ 231.
(836) كمال الدين: 577 باب حديث شداد.
(837) كمال الدين: 299 باب 31 ح 2، والبحار: 36/ 386.
(838) أعلام الورى: 386 الفصل الثاني من النص عليهم ط. قم الاولى.
(839) كمال الدين: 327.
(840) كشف الغمة: 3/ 330.
(841) أعلام الورى: 2/ 234 ط. مؤسسة آل البيت.
(842) المصدر السابق.
(843) المصدر السابق.
(844) أعلام الورى: 408 الفصل الثاني من النص عليهم. ط. قم الاولى.
(845) أعلام الورى: 286 الفصل الرابع من النصّ عليهم.
(846) الكافي: 1/ 280 ح 2.
(847) الكافي: 1/ 336 ح 2.
(848) كمال الدين: 361 ح 5 باب 34.
(849) كمال الدين: 368 ح 5.
(850) الفتنة الصماء: هي التي تدع الناس حيارى لا يجدون المخلص منها، والصيلم الشديد من الداهية.
(851) في الإمامة والتبصرة: عليه جيوب.
(852) الإمامة والتبصرة: 114 ومختصر البصائر: 38.
(853) كفاية الأثر: 281.
(854) كمال الدين: 378 وكفاية الأثر: 283.
(855) سورة البقرة: 148.
(856) غيبة النعماني: 165.
(857) الإمامة والتبصرة: 93 والخرائج: 3/ 1172 ح 67.
(858) الإرشاد للمفيد: 2/ 320.
(859) أمالي الصدوق: 419 ح 557.
(860) كمال الدين: 385 ح 1 باب 38.
(861) يعني الله عزّ وجلّ كما ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) راجع.
(862) بطوله في مقتضب الأثر: 12 - 14، والبحار: 36/ 219.
(863) في الصحاح: يقال فعل ذلك بعد لأي، أي: بعد شدة وإبطاء.
(864) مناقب آل أبي طالب: 1/ 247.
(865) المائدة: 12.
(866) الأعراف: 159 - 160.
(867) الصحيفة الصادقية: 232، والاحتجاج: 1/ 100.
(868) هذا الكلام للعلّامة الحلّي في العدد القوية: 79 ذيل حديث 137.
(869) المحاسن للبرقي: 1/ 56 ح 87 والكافي: 8/ 343 ح 541.
(870) من علم الحروف.
(871) محمد: 19.
(872) سورة البقرة: 31.
(873) بطوله في ينابيع المودّة: 3/ 197 الباب 67.
(874) النمل: 15.
(875) مريم: 1.
(876) ينابيع المودّة: 3/ 202.
(877) البحار: 51/ 163، والمقتضب: 40.
(878) كمال الدين: 307.
(879) مقتضب الأثر: 44 والبحار: 51/ 164.
(880) ضرب اللحم: خفيف اللحم المستدق كما في النهاية.
(881) الفرضاخية: الضخمة العظيمة.
(882) مصابيح البغوي: 3/ 514 ح 4257 والمصنف لابن أبي شيبة: 8/ 652 ح 27.
(883) المجهود: المضروب.
(884) الهينمة: الصوت الخفي.
(885) الخرائج والجرائح: 3/ 1141.
(886) الدخان: 10.
(887) الأطم: الحصن كما في غريب الحديث: 2/ 73.
(888) العمدة: 440 بتفاوت وكمال الدين: 528.
(889) كتاب الفتن لنعيم: 317، العمدة: 441.
(890) العمدة: 441 ح 925.
(891) المصدر السابق.
(892) تأيمت: أصبحت من الأيامى.
(893) سنن أبي داود: 2/ 320 ح 4327 وكنز العمال: 14/ 291 ح 38741.
(894) فتح الباري: 13/ 182 ط. دار المعرفة، بيروت.
(895) تاريخ الخلفاء: 10.
(896) فتح الباري: 13/ 184.
(897) مسند الطيالسي: 151 ط. دار المعرفة، ومسند أحمد: 5/ 220.
(898) المعجم الأوسط: 6/ 345 والطرائف: 379.
(899) من الذين نصّوا على خلافة الحسن (عليه السلام) الصولي وابن حجر وغيرهما، راجع تاريخ الخلفاء: 22 الفصل الثامن، والصواعق: 135 ط. مصر و: 208 ط. بيروت.
(900) الإسراء: 60.
(901) كنز العمّال: 14/ 87 ح 38014.
(902) المستدرك للحاكم: 4/ 480.
(903) إبراهيم: 28 - 29.
(904) كنز العمّال: 2/ 444 ح 4452.
(905) محمد: 22.
(906) الكافي: 8/ 103 ح 76.
(907) كتاب الفتن لنعيم: 28.
(908) فيض القدير: 2/ 76 ح 1326.
(909) كنز العمّال: 11/ 128 ح 30899.
(910) كتاب الفتن لنعيم: 73.
(911) مجمع الزوائد: 5/ 243.
(912) راجع ما فصّله المقريزي في كتابه: النزاع والتخاصم.
(913) أعلام الورى: 2/ 205.
(914) شرح النهج لابن أبي الحديد: 2/ 18، وينابيع المودّة: 3/ 33.
(915) مجمع الزوائد: 3/ 290.
(916) سورة محمّد (صلّى الله عليه وآله): 230.
(917) ذكره وذكر أدلّته، ومن جوّز لعن يزيد ابن الجوزي في كتابه: الردّ على المتعصّب العنيد.
(918) ينابيع المودّة: 3/ 33.
(919) النصائح الكافية، لمحمّد بن عقيل: 31 ط. الاولى.
(920) مسند أبي يعلى: 2/ 176 ح 871.
(921) مسند أحمد: 3/ 333 - 338.
(922) كفاية الأثر: 151.
(923) الكافي: 2/ 64، والمصنف لابن أبي شيبة: 1/ 352 و: 7/ 248.
(924) راجع ما له من فضائح في كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطي: 214 و218 خلافة عبد الملك بن مروان.
(925) تاريخ الخلفاء: 220.
(926) الحجرات: 11.
(927) العمدة: 469 ح 987 والبداية والنهاية: 9/ 156.
(928) البداية والنهاية لابن كثير: 9/ 156 ط. دار الاحياء.
(929) الغدير: 10/ 52، وتاريخ الخلفاء: 220.
(930) راجع الصراط المستقيم: 3/ 193.
(931) المعجم الكبير: 2/ 96.
(932) تاريخ الخلفاء: 448 خلافة الناصر.
(933) تاريخ الخلفاء للسيوطي: 250 - 251.
(934) مسند أحمد: 1/ 18، ومجمع الزوائد: 5/ 240 وتاريخ الخميس: 2/ 320.
(935) تاريخ الخميس: 2/ 320 ذكر خلافة الوليد الزنديق بن يزيد.
(936) إبراهيم: 15.
(937) تاريخ الخميس: 2/ 32، وأمالي المرتضى: 90، وتفسير القرطبي: 9: 350.
(938) تاريخ الخميس: 2/ 320 ذكر خلافته.
(939) غيبة النعماني: 119.
(940) مقتضب الأثر: 4.
(941) الرعد: 39.
(942) الكافي: 1/ 368 ح 1.
(943) الكافي: 1/ 368 ح 2.
(944) الكافي: 1/ 368 ح 4.
(945) الكافي: 1/ 368 ح 5.
(946) الكافي: 1/ 369 ح 7.
(947) من لا يحضره الفقيه: 4/ 466.
(948) الكافي: 1/ 369 ح 1.
(949) الكافي: 1/ 370 ح 2.
(950) الكافي: 1/ 370 ح 3.
(951) العنكبوت: 1 - 2.
(952) الكافي: 1/ 370 ح 4.
(953) الكافي: 1/ 370 ح 5.
(954) الكافي: 1/ 370 ح 6.
(955) كمال الدين: 133 ح 2 باب 2.
(956) إثبات الهداة: 3/ 467 ح 128 باب 32، وكمال الدين: 324.
(957) غيبة النعماني: 26.
(958) غيبة النعماني: 208 ح 13 باب 12.
(959) غيبة النعماني: 206 ح 12 باب 12.
(960) غيبة النعماني: 208 ح 14 باب 12.
(961) غيبة النعماني: 208 ح 15 باب 12.
(962) كمال الدين: 51، وإثبات الهداة: 3/ 459 ح 97.
(963) كمال الدين: 326.
(964) غيبة النعماني: 21.
(965) غيبة النعماني: 212 ح 20 باب 12.
(966) غيبة النعماني: 212 ح 20 باب 12.
(967) سورة يونس: 24.
(968) البحار: 52/ 104 وغيبة الطوسي: 427.
(969) الكافي: 1/ 336 ح 3، والبحار: 52/ 281 ح 9.
(970) البحار: 52/ 146 ح 70 والكافي: 1/ 337 ح 5.
(971) كمال الدين: 351 ح 48.
(972) الكافي: 1/ 338 ح 7، والبحار: 51/ 134 ح 1.
(973) البحار: 53/ 324 والكافي: 1/ 340 ح 19.
(974) البحار: 53/ 324 و: 50/ 21 ح 7 والكافي: 1/ 340 ح 20.
(975) الكافي: 1/ 341، البحار: 51/ 39 ح 19.
(976) غيبة النعماني: 286 ح 6 باب 15.
(977) غيبة النعماني: 202 ح 3 باب 12.
(978) في نسخة ثانية: شحناؤه.
(979) غيبة النعماني: 203 ح 4 باب 12.
(980) لم أجد هذا الكتاب ولا الرواية في المصادر المتوفّرة.
(981) النجم الثاقب: 605 باب 9، والنسخة الفارسية.
(982) النجم الثاقب: 605.
(983) في النجم الثاقب: تنهض.
(984) النجم الثاقب: 606.
(985) علل الشرائع: 160 باب العلّة التي سمّي علي أمير المؤمنين باب 129 ح 1.
(986) الكافي: 1/ 328 ح 3.
(987) الكافي: 1/ 333 ح 2.
(988) الكافي: 1/ 333 ح 3.
(989) الكافي: 1/ 333 ح 4.
(990) اعلام الورى: 423 باب 3 فصل 3.
(991) وسائل الشيعة: 11/ 488 باب 33 ح 12 والبحار: 51/ 33.
(992) البحار: 51/ 32 ح 5.
(993) راجع كمال الدين: 127.
(994) كمال الدين: 136 غيبة صالح.
(995) كمال الدين: 137.
(996) غيبة إلياس راجع منار الهدى: 632.
(997) كمال الدين: 141.
(998) روضة الكافي: 8/ 199.
(999) يوسف: 87.
(1000) يوسف: 95.
(1001) كمال الدين: 145.
(1002) راجع كمال الدين: 26.
(1003) بحار الأنوار: 13/ 366 و445.
(1004) مريم: 23.
(1005) بطوله في كمال الدين: 159 ح 17، وبحار الأنوار: 13/ 449.
(1006) كمال الدين: 160.
(1007) كمال الدين: 161.
(1008) راجع لذلك كمال الدين: 136 باب 7 ح 17 وما بعده.
(1009) الحجر: 94.
(1010) كما تقدّم.
(1011) البيان في أخبار صاحب الزمان: 148 الباب الخامس والعشرون.
(1012) النساء: 159.
(1013) كشف الغمة: 3/ 291.
(1014) العمدة: 431 ح 903.
(1015) كشف الغمّة: 3/ 291.
(1016) في صحيح مسلم: نقاب.
(1017) واحدتها سبخة بكسر الباء، وهي أرض ذات نز وملح.
(1018) صحيح مسلم: 8/ 199 ح 2938 صفة الدجّال. ط. دار الفكر.
(1019) الحجر: 38.
(1020) التوبة: 33.
(1021) مناقب آل أبي طالب: 1/ 248، وينابيع المودّة: 2/ 83.
(1022) الزخرف: 61.
(1023) تأويل الآيات: 2/ 570.
(1024) الإسراء: 13.
(1025) النساء: 157.
(1026) سورة يوسف: 110.
(1027) بطوله في كمال الدين: 353، وينابيع المودّة: 3/ 310 باب 80.
(1028) هذا على لغة أكلوني البراغيث، والأولى أن يقال: يستدل مخالفونا، وقد تكرر هذا في أكثر من موضع.
(1029) كمال الدين: 532، والخرائج: 3/ 1143 ح 55.
(1030) راجع كتاب المعمّرين للمبرّد، وكتاب المعمّرين لأبي حاتم السجستاني.
(1031) كمال الدين: 532 ح باب 47.
(1032) البحار: 51/ 225 باب 14 ذكر المعمّرين.
(1033) غيبة الشيخ: 123 الكلام على الواقفة.
(1034) فإنّ القرآن وإن أخبر عن مقدار نومهم لكنه لم يخبرنا عن مقدار عمرهم قبل نومهم.
(1035) بحار الأنوار: 51/ 205.
(1036) كمال الدين: 564، وبحار الأنوار: 51/ 244.
(1037) أي: رجعت.
(1038) المصدر السابق.
(1039) هكذا في بعض النسخ، وهو تصحيف والصحيح عبيد بن شرية.
(1040) كمال الدين: 547 ح 1 باب 51.
(1041) الجد: الحظ والغناء يريد: طلبك حظ عظيم لم يعثر بك.
(1042) كمال الدين: 549 - 551 ح 1 باب 52.
(1043) كمال الدين: 542 ح 7 باب 50، وقصّة شق الصدر من الأمور التي اختلف العلماء في صحّتها؛ فمنهم من أثبتها لروايات، ومنهم من أنكرها لأنّها تنافي طهارة النبي (صلّى الله عليه وآله) تلك الطهارة التي كانت تلازمه منذ عالم الأنوار كما دلّت عليه كثير من الروايات فصلناها في كتابنا: آل محمد بين قوسي النزول والصعود.
(1044) الأنوار النعمانية:، وبحار الأنوار: 53/ 279.
(1045) كنز الفوائد: 267، والبحار: 51/ 260 ح 5.
(1046) سورة آل عمران: 191.
(1047) كمال الدين: 642، والبحار: 14/ 520 ح 5.
(1048) كمال الدين: 642 ح 1 باب 54.
(1049) في نسخة: يردوا.
(1050) كنز الفوائد: 59، ومستدرك الوسائل: 12/ 332.
(1051) أشنت: هجمت وأغارت وحمشت.
(1052) إشارة إلى قوله تعالى: (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وأَعْمى أَبْصارَهُمْ) سورة محمد: الآية 23.
(1053) مستدرك الوسائل: 4/ 389، والبحار: 51/ 258.
(1054) عوالي اللئالي: 1/ 29.
(1055) طبع الكتاب باسم سلوة الغريب واسوة الأديب، وله اسم آخر: رحلة ابن معصوم المدني. ط. عالم الكتب، بيروت 1408 ه.
(1056) سلوة الغريب: 264 - 266 بتفاوت حيث إنّ المصنّف نقلها عن أصل غير عربي، والكتاب المطبوع عربي.
(1057) أمالي الشيخ: 159 ح 157 مجلس 21.
(1058) بحار الأنوار: 51/ 258، وعوالي اللئالي: 1/ 27.
(1059) مدينة المعاجز: 1/ 231، والبحار: 41/ 215.
(1060) ثوب كثير الغزل.
(1061) كمال الدين: 423، وغيبة الشيخ الطوسي: 213 والبحار: 51/ 8 خ 12.
(1062) سورة القصص: 5.
(1063) سورة الأنبياء: 105.
(1064) الإرشاد: 346 باب ذكر الإمام القائم.
(1065) سورة القصص: 13.
(1066) كمال الدين: 429، ومدينة المعاجز: 8/ 68، والبحار: 51/ 12 ح 14.
(1067) مطالب السئول: باب 12 وكشف الغمة: 3/ 233 عنه.
(1068) كفاية الطالب: 458 ذيل الباب الثامن.
(1069) البيان: 148.
(1070) الفصول المهمّة.
(1071) تذكرة الخواص: 325 فصل في ذكر الحجّة المهدي (عليه السلام).
(1072) سورة القلم: 4.
(1073) الفتوحات المكية: 3/ 419 باب 366 ط. بولاق - مصر، اليواقيت والجواهر: 422 - 423.
(1074) اليواقيت والجواهر: 422 المبحث الخامس والستّون.
(1075) راجع غيبة النعماني: 14.
(1076) مدينة المعاجز: 8/ 31. وتقدّم الحديث مفصّلا.
(1077) عنه خاتمة المستدرك: 22/ 487 ح 214.
(1078) راجع مقتضب الأثر: 12.
(1079) سورة الفتح: 29.
(1080) الروضة في المعجزات والفضائل: 155، والصراط المستقيم: 2/ 148.
(1081) راجع كشف الغمة: 2/ 498.
(1082) راجع غيبة النعماني: 14 ومقتضب الأثر: 12.
(1083) أي أخبرنا.
(1084) أي حدّثنا.
(1085) تاريخ مواليد الأئمّة لابن الخشّاب: 45، وكشف الغمة: 3/ 265.
(1086) في المصدر: شهاب.
(1087) غيبة النعماني: 15.
(1088) راجع كشف الغمة: 3/ 246، ومقدمة غيبة النعماني: 15.
(1089) مرقاة المفاتيح: 179.
(1090) في البرهان المطبوع لا يوجد هذا الحديث نعم ذكر عدة أحاديث حول الامام المهدي غير ذلك.
(1091) راجع معجم أحاديث الامام المهدي: 2/ 465.
(1092) راجع: كتاب چهارده معصوم: 31 المقدمة.
(1093) الشورى: 23.
(1094) ينابيع المودّة: 1/ 89 باب 73.
(1095) ينابيع المودّة: 3/ 349، وبالهامش: نفحات الانس: 357 ط. المحمودي.
(1096) في الاحياء المطبوع بهامش الاتحاف لا يوجد أحاديث حول الامام المهدي (عجّل الله فرجه).
(1097) الزخرف: 61.
(1098) الصواعق المحرقة: 162 الباب الحادي عشر، فصل 1.
(1099) الصواعق المحرقة: 314، و247 الآية 12.
(1100) ينابيع المودّة: 3/ 304.
(1101) الإرشاد للمفيد: 2/ 351.
(1102) كمال الدين: 441 والغيبة للطوسي: 246.
(1103) سورة الإنسان: 30.
(1104) دلائل الإمامة: 506.
(1105) كمال الدين: 430.
(1106) الخرائج والجرائح: 1/ 466.
(1107) غيبة الطوسي: 357.
(1108) كلفا: أي مولعا.
(1109) الانجحار: الاستتار.
(1110) سورة غافر: 85.
(1111) أربحت تجارته إذا أربيتها له.
(1112) سورة طه: 12.
(1113) سورة مريم: 1.
(1114) سورة البقرة: 155.
(1115) بتوضيح تأخير هجرة عمر وعثمان وإلّا فإنّهما هاجرا قبل رسول الله إلى المدينة.
(1116) بطوله في الاحتجاج: 466 احتجاج الحجّة القائم (عليه السلام)، وكمال الدين: 454 وتبصرة الولي: 771 ح 37.
(1117) غيبة الطوسي: 273، وتبصرة الولي: 782 ح 69.
(1118) تبصرة الولي: 777 ح 44، وكمال الدين: 385.
(1119) كمال الدين: 407، وتبصرة الولي: 766 ح 24.
(1120) كمال الدين: 441، والهداية الكبرى: 358 وفيه زيادة: القوام بدين الله.
(1121) ينابيع المودّة: 3/ 330 عن كمال الدين: 442.
(1122) سورة البقرة: 260.
(1123) كمال الدين باب 44 ح 14، وأعلام الورى: 396 باب 1.
(1124) سورة آل عمران: 54.
(1125) القماط: خرقة عريضة تلفّ على الصغير إذا شدّ في المهد.
(1126) الأحاديث هذه نقلها المصنّف بالمضمون قد صرّح في أوّل الحديث، راجع غيبة الشيخ وغيبة النعماني، وبعض الأحاديث تقدّم، نعم الحديث الأخير لم أجده.
(1127) لم أجده في المصادر.
(1128) من البذرقة. وهي الجماعة التي تتقدم القافلة وتكون معها تحرسها. (مجمع: 5/ 13).
(1129) كمال الدين: 479 ح 26 باب 43، والبحار: 52/ 48 ح 34.
(1130) كمال الدين: 479 ذيل ح 26 باب 43.
(1131) زيادة من دلائل الإمامة وفيه: المشربة إناء يشرب فيه، والحليج اللبن الذي ينقع فيه التمر ثمّ يماث.
(1132) دلائل الإمامة: 537، ومدينة المعاجز: 8/ 114.
(1133) الخرائج والجرائح: 2/ 961 والثاقب في المناقب: 612.
(1134) أقحوان بابونج، أرجوانة الأحمر.
(1135) إصابة الندى تشبيه لما أصابه من العرق، وأصابه ألم الهواء لانكسار لون الحمرة وعدم اشتدادها.
(1136) غيبة الطوسي: 263.
(1137) كمال الدين: 475، وتبصرة الولي: 776 ح 41.
(1138) في المصدر: المادرائي.
(1139) في المصدر: محفين على السروج ونجنب اخرى.
(1140) كشف الغمّة: 3/ 303، وفرج المهموم: 248 بتفاوت.
(1141) بطوله في غيبة الشيخ: 279 وبحار الأنوار: 52/ 20 ح 14.
(1142) الكافي: 1/ 517 ح 3.
(1143) الفنيق: الفحل من الابل المكرم.
(1144) قرية من قرى قم.
(1145) بحار الأنوار: 52/ 4 ح 2 وغيبة الشيخ: 257.
(1146) بحار الأنوار: 52/ 5 ح 3 وغيبة الشيخ: 258.
(1147) أي: زجرني ومنعني.
(1148) غيبة الشيخ الطوسي: 253 فصل ما روي من الأخبار المتضمّنة لمن رآه وهو لا يعرفه.
(1149) سورة غافر: 60.
(1150) سورة البقرة: 186.
(1151) سورة الزمر: 53.
(1152) الزمر: 53.
(1153) غيبة الشيخ: 259 ح 227، والبحار: 52/ 8 ح 5.
(1154) البحار: 52/ 15 ح 13 والاحتجاج: 2/ 479.
(1155) الكافي: 1/ 332 والخرائج والجرائح: 2/ 694 بتفاوت.
(1156) غيبة الشيخ: 270 والبحار: 52/ 15 ح 12.
(1157) كشف الغمّة: 2/ 501 الباب 25.
(1158) كشف الغمّة: 2/ 502 باب 25 والخرائج: 477.
(1159) في البحار والهداية وإثبات الهداة: فيد، وهي قلعة في طريق مكّة، وفيل هو باب في مسجد الكوفة.
(1160) الهداية الكبرى: 373، وإثبات الهداة: 3/ 700 ح 138، البحار: 52/ 69 ح 54.
(1161) هود: 45 - 46.
(1162) في الهداية: يلبس المصنعات من ثياب النساء، وفي مدينة المعاجز: المصبغات.
(1163) مدينة المعاجز: 7/ 527، والهداية الكبرى للخصيبي: 382.
(1164) بطوله في محاسن البرقي: 1/ 39، وبحار الأنوار: 51/ 300 ح 19.
(1165) سورة لقمان: 34.
(1166) سورة الجنّ: 26.
(1167) بطوله في غيبة الشيخ: 315، وبحار الأنوار: 51/ 315 ح 37.
(1168) البحار: 51/ 340 ح 68.
(1169) كمال الدين: 518، والبحار: 51/ 342 ح 69.
(1170) سواء تلك الأرض: أي وسطها.
(1171) الثاقب في المناقب: 606، والبحار: 52/ 41 ح 30.
(1172) بطوله في بحار الأنوار: 52/ 180 - 181.
(1173) البحار: 51/ 305 ح 19.
(1174) مهج الدعوات: 279.
(1175) البحار: 51/ 308 ح 25.
(1176) كمال الدين: 517 ح 46 باب 45.
(1177) البحار: 51/ 296 ح 11.
(1178) البحار: 51/ 294 ح 6.
(1179) الإرشاد: 2/ 355 باب طرف من دلائل صاحب الزمان (عليه السلام).
(1180) الإرشاد: 2/ 356.
(1181) الإرشاد: 2/ 356.
(1182) الإرشاد: 2/ 357.
(1183) المصدر نفسه.
(1184) الإرشاد: 2/ 360.
(1185) الإرشاد: 2/ 361.
(1186) الإرشاد: 2/ 362.
(1187) الشهري: ضرب من البرذون، وفي المجمع (3/ 357) اسم فرس.
(1188) اسم أحد أمراء الترك من أتباع بني العبّاس.
(1189) الإرشاد: 2/ 363. والمحاسن للبرقي: 1/ 32.
(1190) الإرشاد: 2/ 364.
(1191) الإرشاد: 2/ 365.
(1192) المصدر نفسه.
(1193) الإرشاد: 2/ 366.
(1194) الإرشاد: 2/ 366 باب طرف من دلائل صاحب الزمان.
(1195) الصحيح: جمع.
(1196) الخزائن للنراقي: 427 والكتاب مخطوط بين العربي والفارسي وهذه القصّة مترجمة منه.
(1197) لم أجده في البحار ولا غيره من المصادر.
(1198) كلمة فارسية الأصل تعني المرفأ.
(1199) بحار الأنوار: 51/ 347 وغيبة الطوسي: 358.
(1200) الاحتجاج: 481 ذكر طرف ممّا خرج أيضا عنه من المسائل الفقهية.
(1201) البحار: 51/ 354 ح 4 وكمال الدين: 501.
(1202) الخرائج والجرائح: 3/ 1120 والبحار: 51/ 254 ح 5.
(1203) غيبة الشيخ الطوسي: 385 ح 347 ذكر إقامة أبي جعفر محمد بن عثمان العمري.
(1204) راجع البحار: 51/ 362 ح 10.
(1205) البحار: 52/ 91 ح 4 وكمال الدين: 482.
(1206) البحار: 23/ 5 ح 10 وأمالي الصدوق: 253.
(1207) سورة المائدة: 101.
(1208) الاحتجاج: 284، والبحار: 53/ 181 ح 10.
(1209) البحار: 52/ 94 ح 9، وكمال الدين: 339.
(1210) البحار: 52/ 92 ح 8، والأنوار البهية: 341.
(1211) البحار: 52/ 93 ح 8.
(1212) سورة الأنفال: 33.
(1213) الإسراء: 72.
(1214) الوجوه الثمانية للعلّامة المجلسي في بحاره: 52/ 93، وقد ذكرت في كتابنا قصص أهل البيت ثمانية وجوه اخرى فمن أراد فليرجع إليها.
(1215) سورة الفتح: 25.
(1216) تفسير القمّي: 2/ 292 ط. الأعلمي، وعلل الشرائع: 1/ 147 ح 3، باب 122 بتفاوت فيهما.
(1217) البحار: 52/ 98 ح 21، وغيبة النعماني: 289.
(1218) أقول: مراده (قدس سره) من الخوف على النفس الخوف من انقطاع الحجّة على الناس بقتله، وهذا غير الخوف على النفس المنافي للقاء الله وحبّ الشهادة في سبيله.
(1219) غيبة الشيخ: 329، البحار: 52/ 98 ح 22.
(1220) غيبة الطوسي: 331.
(1221) غيبة الطوسي: 335.
(1222) أمالي الصدوق: 111 المجلس 23 ح 9.
(1223) كشف المحجّة: 55 ط. النجف، وكتاب الأربعين للشيخ الماحوزي: 220 ط. الأولى 1417 ه.
(1224) الشعبذة.
(1225) سورة الأحقاف: الآيات 1 - 6.
(1226) الاحتجاج: 468 احتجاج الحجّة القائم (عليه السلام).
(1227) الاحتجاج: 471 احتجاج الحجّة القائم (عليه السلام).
(1228) النساء: 59.
(1229) الاحتجاج: 466 احتجاج القائم (عليه السلام).
(1230) شراب يتخذ من الشيلم وهو الزوان الذي يكون في البرّ يشبه الشعير، فيه تخدير نظير البنج.
(1231) سورة المائدة: 101.
(1232) لم أجده في الكافي وهو في البحار: 53/ 180 ح 10 عن الكليني، وفي الاحتجاج: 469 احتجاج القائم (عليه السلام).
(1233) غير موجود في الكافي، وهو في البحار: 44/ 273 ح 1 عن الكافي، والاحتجاج: 471 احتجاج القائم (عليه السلام) وعلل الشرائع: 1/ 243 ح 1 علة جعل الأنبياء أئمّة باب 178. وكمال الدين: 509.
(1234) سورة النمل: 65.
(1235) سورة طه: 124 - 126.
(1236) الاحتجاج: 473 احتجاج القائم (عليه السلام).
(1237) الاحتجاج: 481 ذكر طرف ممّا خرج أيضا عن صاحب الزمان (عليه السلام).
(1238) بالإباحة للمحارم.
(1239) في الغيبة: الشريعي.
(1240) الغيبة للطوسي: 411 ح 384، والاحتجاج: 474 احتجاج الحجّة القائم (عليه السلام).
(1241) الاحتجاج: 479 ذكر طرف ممّا خرج أيضا عن صاحب الزمان (عليه السلام).
(1242) سورة هود: 18.
(1243) روحي فداه أحلّ الصلاة لغير أولاد عبدة النيران مع كراهية ذلك كما هو مذكور في محلّه، وحرّمه على من كان سابقا على دينهم أو انتسب إليهم من أجل رفع الشبهة عنهم وخوفا من عودتهم إلى مثله.
(1244) الاحتجاج: 479.
(1245) الاحتجاج: 480 وفيه: من استحلّ من أموالنا درهما.
(1246) هذا تعبير بالرمز للمصلحة.
(1247) الاحتجاج: 481 ذكر طرف ممّا خرج أيضا عن صاحب الزمان.
(1248) الاحتجاج: 481.
(1249) المصدر نفسه.
(1250) المصدر نفسه.
(1251) المصدر نفسه.
(1252) المصدر نفسه.
(1253) المصدر نفسه.
(1254) المصدر نفسه.
(1255) الاحتجاج: 483.
(1256) سورة الحاقة: 40.
(1257) الاحتجاج: 483.
(1258) بطوله في الاحتجاج: 483 ذكر طرف ممّا خرج أيضا عن صاحب الزمان في المسائل الفقهية.
(1259) عمّاله.
(1260) التوقيع بطوله في الاحتجاج: 485 إلى 487 وفيه: ما يجب صلاحه.
(1261) سورة الطلاق: 2.
(1262) في الوسائل: النوشاذر، والشبّ حجارة الزاج يقطر من الجبل وينجمد ويتبخّر، وأحسنها ما يجلب من اليمن.
(1263) التوقيع بطوله في: الاحتجاج: 487 إلى 492 والوسائل: 25/ 383.
(1264) اللأواء: الشدّة.
(1265) أي: هي علامة لاقتراب حركتنا.
(1266) الاحتجاج: 495 ذكر طرف ممّا خرج عن صاحب الزمان من المسائل الفقهية.
(1267) واحد شماريخ النخل وهي العثاكيل التي عليها البسرة، والعثكال ما يكون فيه الرطب، والشمراخ غرة الغرس.
(1268) في الاحتجاج والتهذيب: 1/ 39. من بهماء - اسباريت.
(1269) الاحتراش: أن يقصد الرجل إلى جحر الضبّ فيضربه بكفّه ليحسبه الضب أفعى.
(1270) اللوثة: الجرح والاسترخاء، واللوثة الشرّ والدنس.
(1271) الاحتجاج: 498 وتهذيب الأحكام: 1/ 39.
(1272) غير موجود في الكافي وهو في البحار: 52/ 31 ح 26 عن الكافي.
(1273) عيون أخبار الرضا: 1/ 39 ح 87.
(1274) أمالي الطوسي: 405 ح 907.
(1275) الإمامة والتبصرة: 163.
(1276) البحار: 52/ 31 ح 26 والاحتجاج: 2/ 50.
(1277) سورة الرعد: 29.
(1278) البحار: 52/ 123 ح 6.
(1279) مطلع سورة البقرة: 1 إلى 3.
(1280) سورة يونس: 20.
(1281) سورة المؤمنون: 50.
(1282) كمال الدين: 18.
(1283) من لا يحضره الفقيه: 4/ 366، والبحار: 52/ 125 ح 12.
(1284) اعلام الورى: 402، والبحار: 52/ 125 ح 13.
(1285) محاسن البرقي: 1/ 173 ح 147، البحار: 52/ 125 ح 15.
(1286) في الكافي وغيبة النعماني (169): إن لصاحب هذا الامر غيبة فليتق الله عبد.
(1287) الكافي: 1/ 335، والبحار: 52/ 111 ح 21.
(1288) غيبة النعماني: 194، والبحار: 52/ 293 ح 42.
(1289) سورة هود: 72.
(1290) تفسير العياشي: 2/ 154 سورة هود.
(1291) أمالي المفيد: 63 مجلس 7 ح 9.
(1292) غيبة النعماني: 199 ح 14.
(1293) المحاسن للبرقي: 173 ح 146 باب 38.
(1294) تفسير العياشي: 2/ 20 سورة الأعراف، والبحار: 52/ 130.
(1295) محاسن البرقي: 1/ 262 ح 322.
(1296) الكافي: 1/ 342 ح 28.
(1297) البحار: 52/ 148 ح 71.
(1298) كمال الدين: 352، والبحار: 12/ 277 ح 49.
(1299) نهج البلاغة: 2/ 133 خطبة 190 وفيه تفاوت، والبحار: 52/ 144 ح 63.
(1300) البحار: 52/ 128 ح 20.
(1301) غيبة الطوسي: 226 وفيه: صلت الجبين.
(1302) الإرشاد: 2/ 382 والاختصاص: 45 مسائل عبد الله بن سلام.
(1303) غيبة الشيخ: 266 والخرائج والجرائح: 787 باب 15.
(1304) شرح النهج لابن أبي الحديد: 19/ 130 نبذة من غريب كلامه. ومجموعة ورام: 1/ 19.
(1305) كمال الدين: 457 باب من شاهده ودلائل الإمامة: 275.
(1306) الفتن لنعيم بن حمّاد: 425، ومقتل الحسين لأبي مخنف: 374.
(1307) كمال الدين: 653 واعلام الورى: 465 فصل 4 وفيهما: مبدح.
(1308) المصدر السابق.
(1309) مجموعة ورام: 1/ 19 وفيه: فخم.
(1310) بصائر الدرجات: 188 ح 56 باب ما عند الأئمّة من سلاح وفيه: مسترسل.
(1311) كتاب الفتن لنعيم: 236، والسنن الكبرى النسائي: 5/ 412.
(1312) كمال الدين: 653.
(1313) فلاح السائل: 200 فصل 21.
(1314) غيبة النعماني: 216.
(1315) غيبة النعماني: 247.
(1316) كشف الغمة: 2/ 470 ذكر علاماته.
(1317) الصراط المستقيم: 2/ 241.
(1318) غيبة النعماني: 180.
(1319) الخرائج والجرائح: 787 باب 15.
(1320) كمال الدين: 468.
(1321) كمال الدين: 407 والخرائج والجرائح: 958.
(1322) كمال الدين: 446.
(1323) سورة فصلت: 53.
(1324) سورة ق: 41.
(1325) غيبة النعماني: 318 ح 5 باب 21، ومراده (عليه السلام) ليس إثبات النقص في النصّ القرآني إنّما بشّر أنّه انزل مع تفسيره وشرح مبهمه.
(1326) سورة إبراهيم: 48.
(1327) راجع لذلك: سنن أبي داود: 4/ 117 ح 3424 والمستدرك: 2/ 595، ومقتضب الأثر: 11 - 12، وإثبات الهداة: 1/ 709 ح 149.
(1328) غيبة النعماني: 317 ح 2.
(1329) غيبة النعماني: 307 ح 2 باب 19.
(1330) الاختصاص: 199، مدينة المعاجز: 1/ 543.
(1331) سورة النور: 55.
(1332) سورة آل عمران: 83.
(1333) الكافي: 1/ 231.
(1334) بصائر الدرجات: 208 ح 54، والكافي: 1/ 231.
(1335) روضة الواعظين: 212.
(1336) ذكر المصنّف هنا مائة وستة وثمانين اسما ولقبا للحجّة (عليه السلام) بعضها بيّن الثبوت، وبعضها ورد في الروايات والزيارات، وبعضها في كتب التوراة والإنجيل وغيرها، وبعضها صفات من شيعته.
(1337) تفسير الأصفى: 1/ 217 وتفسير كنز الدقائق: 2/ 506.
(1338) عقد الدرر: 218، وملاحم ابن طاوس: 142.
(1339) لقمان: 2.
(1340) أعلام الورى: 2/ 292، وإثبات الهداة: 3/ 570 ح 686.
(1341) بحار الأنوار: 99/ 293 ضمن حديث طويل.
(1342) مجمع النورين للمرندي: 290 ومشارق أنوار اليقين: 157 بتحقيقنا.
(1343) مقتضب الأثر: 11، والبحار: 36/ 219.
(1344) الحج: 45.
(1345) معاني الأخبار: 112 باب معنى البئر المعطلة ح 3.
(1346) المشارق: 157، وراجع بحار الأنوار؛ 99/ 293 زيارة الحجّة لمحمد العمروي الأسدي.
(1347) سورة الروم: 4 - 5.
(1348) تأويل الآيات: 1/ 434 ح 2 وتفسير البرهان: 3/ 257 ح 2.
(1349) تذكرة الخواص: 325 فصل في ذكر الحجّة المهدي (عليه السلام).
(1350) الزمر: 56.
(1351) سورة التكوير: 15.
(1352) بحار الأنوار: 99/ 215 ضمن زيارته.
(1353) سورة الإسراء: 81.
(1354) في مزار الشهيد الأوّل: السلام على الحق الجديد: 208 وكذا في البحار: 99/ 119، وفي البحار أيضا: 99/ 199: السلام على الحقّ الجلي.
(1355) معجم أحاديث الإمام المهدي: 4/ 489 ح 1433، ومصباح الزائر: 327.
(1356) اعلام الورى: 1/ 49.
(1357) اصول الكافي: 1/ 341 ح 23.
(1358) الأمالي للطوسي: 292 ح 566، والبيان للشافعي: 511 باب 15.
(1359) مزار المشهدي: 569، والاحتجاج: 2/ 316.
(1360) تأويل الآيات: 2/ 524 ح 37.
(1361) سورة الزمر: 69.
(1362) منتخب الأثر: 466 ح 2، ومعجم أحاديث الإمام المهدي: 3/ 24 ح 578.
(1363) الاعراف: 187.
(1364) النازعات: 42.
(1365) الزخرف: 85.
(1366) الشورى: 17.
(1367) الشورى: 18.
(1368) تفسير العياشي: 1/ 334 ح 157 الهامش، وتفسير الصافي: 2/ 72 الهامش.
(1369) المدثر: 34.
(1370) كما تقدّم.
(1371) معجم أحاديث الإمام المهدي: 4/ 494 ح 1435 والبحار: 102/ 83 ح 2.
(1372) الشمس: 1.
(1373) تأويل الآيات: 2/ 803.
(1374) جمال الاسبوع: 41.
(1375) سورة البقرة: 2 - 3.
(1376) تقدّم الحديث مع تخريجه.
(1377) يونس: 20.
(1378) العنكبوت: 10.
(1379) تفسير القمي: 2/ 366.
(1380) النصر: 1.
(1381) كما تقدّم.
(1382) راجع الفرع الخامس من هذا الكتاب: فيمن رآه بعد أبيه في غيبته الصغرى.
(1383) روضة الواعظين: 97.
(1384) علل الشرائع: 2/ 580 ح 10 باب 385 نوادر العلل.
(1385) كمال الدين: 2/ 384 باب 38 ح 1 والخرائج: 3/ 1174 ح 68.
(1386) يونس: 20.
(1387) ينابيع المودّة: 3/ 241 ح 20.
(1388) سورة الذاريات: 22.
(1389) مزار الشهيد الأوّل: 209، والبحار: 99/ 101.
(1390) الإسراء: 33.
(1391) روضة الواعظين: 264 والبحار: 51/ 30.
(1392) عقد الدرر: 39 الباب الثالث، وإثبات الهداة: 3/ 497 ح 268.
(1393) كمال الدين: 326 ح 3.
(1394) الملك: 30.
(1395) غيبة النعماني: 275، والبحار: 52/ 235.
(1396) مزار المشهدي: 570 ومعجم الإمام المهدي: 4/ 503 ح 1436 والبحار: 99/ 94.
(1397) النمل: 62.
(1398) الأنبياء: 105.
(1399) الإسراء: 5.
(1400) الشورى: 41.
(1401) راجع غيبة الطوسي: 164 وتأويل الآيات: 2/ 732.
(1402) المدثر: 8.
(1403) دلائل الإمامة: 449.
(1404) كامل الزيارات: 330.
(1405) الليل: 2.
(1406) الصف: 8.
(1407) الزمر: 69.
(1408) النور: 35.
(1409) كمال الدين: 268 واعلام الورى: 190.
(1410) بحار الأنوار: 99/ 99.
(1411) الاحتجاج: 1/ 61 والصراط المستقيم: 1/ 303 باب 9.
(1412) الإمامة والتبصرة: 154، ومصباح الزائر: 169.