الإمام المهدي (عليه السلام) المصلح العالمي المنتظر

الإمام المهدي (عجل الله فرجه) المصلح العالمي المنتظر

المؤلف: الشيخ محمّد جواد الطبسي
نقله إلى العربية: الشيخ عبد السلام الترابي
الناشر: دار الهدى - الطبعة الثانية
تاريخ النشر: 1432 هـ ق

المحتويات

الإهداء..................6
المقدّمة..................7
الفصل الأوّل: الاعتقاد بالمهدويّة..................11
السؤال 1: هل اُشير في الكتب السماويّة لمسألة ظهور المصلح العالمي، أم أنّ هذه العقيدة هي من مختصّات المسلمين؟..................13
السؤال 2: هل إنّ القضيّة المهدويّة ورد ذكرها في القرآن الكريم؟..................15
السؤال 3: هل الاعتقاد بالمهدويّة من مختصّات الشيعة؟..................17
السؤال 4: هل اسم الإمام المهدي (عليه السلام) ورد في الصحاح الستّة؟..................21
السؤال 5: لماذا يجب علينا معرفة الإمام المهدي؟..................24
علل وجوب معرفة الإمام في كلّ زمان..................25
1 - الصون من الانحراف والضلالة..................25
2 - المنع من بطلان العمل..................26
3 - الوصول إلى السعادة الأبديّة..................26
4 - النجاة من الميتة الجاهليّة..................26
الفصل الثاني: ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)..................29
السؤال 6: ما هو رأي السنّة في ولادة المهدي (عليه السلام)؟..................32
السؤال 7: هل رؤي الإمام المهدي (عليه السلام) أيّام طفولته؟..................36
بعض مشاهده (عليه السلام)..................36
1 - حكيمة بنت الإمام الجواد (عليه السلام)..................36
2 - أحمد بن إسحاق الأشعري..................37
3 - يعقوب بن منقوش..................37
4 - مارية خادمة الإمام العسكري..................38
5 - أبو غانم الخادم..................38
6 - كامل بن إبراهيم المدني..................38
7 - أربعون نفراً من الوافدين..................39
8 - نسيم الخادم..................40
9 - إسماعيل النوبختي..................40
10 - الرجل الفارسي..................42
السؤال 8: لماذا أخفى الإمام العسكري (عليه السلام) ولده عن أعين النّاس؟..................42
علل إخفاء الإمام (عليه السلام) قبل الولادة..................43
1 - السعي لقتل الإمام العسكري (عليه السلام)..................43
2 - تفتيش بيت الإمام لإلقاء القبض على المهدي..................43
3 - وشاية جعفر، وإلقاء القبض على صقيل..................44
4 - إرسال جماعة لقتل الإمام المهدي (عليه السلام)..................44
السؤال 9: هل يمكن رؤية الإمام المهدي في زمن غيبته؟..................46
السؤال 10: هل يمكن رؤية الإمام في عالم الرؤيا؟..................47
الفصل الثّالث: سرّ طول العمر الامام المهدي (عليه السلام)..................49
السؤال 11: هل يمكن أن يعيش الإنسان هذا العمر الطويل؟..................51
السؤال 12: هل أشار القرآن الكريم إلى مسألة طول عمر البشر؟..................52
السؤال 13: هل سبق المهدي (عليه السلام) أحدٌ من النّاس بطول العمر؟..................54
الفصل الرّابع: فلسفة الغيبة..................57
السؤال 14: هل وقعت غيبة قبل الإمام المهدي؟..................59
السؤال 15: ما هي علّة غيبة الإمام المهدي (عليه السلام)؟..................60
1 - حتّى تجري عليه سنن الأنبياء الماضين..................61
2 - اختبار الشيعة وتمييزهم..................62
3 - تأديب النّاس..................63
4 - حتّى لا يكون في عنقه بيعة لأحد..................64
5 - الخوف من القتل..................65
6 - حتّى يخرج المؤمنون من صلب الكافرين..................67
السؤال 16: ما هو وجه الانتفاع بالمهدي في زمن الغيبة؟..................68
السؤال 17: لماذا اُلزمت الشيعة أن تهيّأ نفسها لظهور الإمام المهدي (عليه السلام)؟..................71
1 - مواجهة البدع والانحرافات..................73
2 - بيان أهداف الإمام الحجّة (عليه السلام)..................74
3 - انتظار الفرج..................74
4 - معرفة الوظائف والعمل بها..................75
 السؤال 18: ما المقصود من انتظار الفرج؟..................76
الفصل الخامس: علامات الظهور..................79
السؤال 19: هل حصل تنبّؤ عن أوضاع العالم قبل الظهور؟..................81
السؤال 20: مع العلم بانتشار الظلم والجور في كلّ أنحاء العالم، فلماذا لا يظهر المهدي المنتظر (عليه السلام)؟..................83
السؤال 21: ما هي علامات الظهور؟..................84
1 - خروج السفياني..................84
2 - قتل النفس الزكيّة..................85
3 - النداء من السماء..................85
4 - خسف بالبيداء..................87
5 - ظهور يد في السماء..................87
السؤال 22: هل حدّدت الفترة الزمنيّة بين العلامات الحتميّة وظهور المهدي (عليه السلام)؟..................90
1 - أقلّ من سنة..................90
2 - خمسة عشر ليلة..................91
3 - ليلتين قبل الظهور..................91
4 - الفاصلة قليلة جدّاً..................92
السؤال 23: من هم أهل المشرق؟ وما هو دورهم في زمن غيبة المهدي وحضوره؟..................92
1 - الدفاع عن الإسلام والقرآن..................93
2 - التمهيد لدولة الإمام المهدي (عليه السلام)..................94
3 - أصحاب الإمام المهدي..................96
4 - تعليم القرآن في عاصمة الدولة..................98
الفصل السّادس: مميّزات الإمام المهدي (عليه السلام)..................99
السؤال 24: لماذا يقوم النّاس حينما يسمعون باسم قائم آل محمّد (عج)؟..................101
السؤال 25: هل يحرم التصريح باسم الإمام المهدي (عليه السلام)؟..................103
السؤال 26: لماذا لقّب الإمام المهدي بالمنتقم؟..................107
السؤال 27: ممّن سينتقم الإمام المهدي (عليه السلام) حينما يظهر؟..................109
السؤال 28: لماذا لقّب الإمام المهدي (عليه السلام) بقائم آل محمّد (عليهم السلام)؟..................111
1 - لقد خصّه الله بذلك اللقب..................112
2 - يقوم لحماية الدين..................113
3 - يقوم بالسيف..................114
4 - لأنّه يقوم بعد موت ذكره..................114
السؤال 29: ما هي صفات الأنبياء التي تتواجد في الإمام المهدي (عليه السلام)؟..................115
1 - العمر الطويل..................116
2 - خفاء الولادة..................116
3 - مجهوليّة يوسف..................119
4 - الامتحان الصعب لأيّوب (عليه السلام)..................120
5 - الشباب ليونس بن متي (عليه السلام)..................120
6 - صفة من عيسى (عليه السلام)..................120
7 - صفة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)..................121
السؤال 30: لماذا يقوم المهدي (عليه السلام) بالسيف؟..................121
السؤال 31: ما هي مواريث الأنبياء الموجودة عند الإمام المهدي (عليه السلام)؟..................122
1 - عمامة رسول الله وقميصه..................122
2 - درع الرسول وذو فقاره..................123
3 - راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)..................123
4 - عصى موسى (عليه السلام)..................124
5 - حَجر موسى (عليه السلام)..................124
6 - تابوت السكينة..................125
7 - مجموعة اُخرى من آثار الأنبياء..................125
8 - الكتب السماويّة..................127
9 - القرآن الذي جمعه عليّ (عليه السلام)..................128
الفصل السّابع: دولة الإمام المهدي (عليه السلام)..................131
السؤال 32: هل إنّ حكومة المهدي (عليه السلام) عالميّة؟..................133
السؤال 33: ما هو اليوم الذي سيظهر فيه الإمام المهدي (عليه السلام)؟..................135
القول الأول: يوم الجمعة..................135
القول الثاني: يوم السبت..................135
القول الثالث: يوم عاشوراء..................135
السؤال 34: كم يعيش المهدي (عليه السلام) عندما يظهر؟..................136
السؤال 35: أين يسكن الإمام المهدي (عليه السلام)؟..................138
1 - الفترة التي قبل غيبته..................138
2 - فترة الغيبة الصغرى..................139
3 - فترة الغيبة الكبرى..................141
- طيبة (المدينة المنوّرة)..................142
- جبل رضوى..................142
- ذي طوى..................143
الجزيرة الخضراء..................143
4 - فترة الظهور..................145
السؤال 36: ماهي الرجعة، وما هي أدلّتها؟..................146
الرجعة من معتقدات الشيعة..................149
كلام الشيخ الصدوق..................149
كلام الشيخ المفيد..................150
كلام الشيخ الطبرسي..................150
كلام العلاّمة المجلسي..................151
السؤال 37: من الذي يرجع عند ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)؟..................153
1 - من كان مثل سلمان الفارسي..................155
2 - من قرأ دعاء العهد أربعين صباحاً..................155
3 - من قرأ سورة الأسراء كلّ ليلة جمعة..................156
4 - الشهداء..................156
5 - المؤمنون..................156
السؤال 38: هل للأنبياء دور في دولة الإمام المهدي (عليه السلام)؟..................157
1 - عيسى بن مريم (عليهما السلام)..................159
2 - النبي إلياس (عليه السلام)..................159
3 و 4 - دانيال ويونس (عليهما السلام)..................160
السؤال 39: ما هي التغييرات التي ستحصل في عصر الإمام المهدي (عليه السلام)؟..................160
السؤال 40: هل يأتي الإمام المهدي (عليه السلام) بدين جديد؟..................162
السؤال 41: أي بلدة ستكون عاصمة دولة الإمام المهدي (عليه السلام)؟..................163
السؤال 42: ما هو تعامل المهدي مع اليهود والنصارى؟..................165
الفصل الثامن: أنصار المهدي (عليه السلام) في زمن الغيبة والظهور..................169
السؤال 43: من هو الخضر (عليه السلام)؟ وما هو دوره في زمن غيبة الإمام المهدي (عليه السلام)؟..................171
السؤال 44: هل حُدِّدَ أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) في الأحاديث الإسلاميّة؟..................173
السؤال 45: ما هو المقصود من قول الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي بصير: «فذلك ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدد أهل بدر، يجمعهم الله إلى مكّة في ليلة واحدة»، فهل ينحصر أصحاب المهدي وأعوانه في العدد المذكور أم يتجاوزه؟..................178
السؤال 46: ما هو دور العلماء في ظلّ الحكومة الإلهيّة بقيادة المهدي (عليه السلام)؟..................179
السؤال 47: من هم الأبدال؟ وكم عددهم؟ وما هي ميزاتهم؟ وأين يعيشون؟..................181
الفصل التاسع أعداء الإمام المهدي (عليه السلام)..................187
السؤال 48: من هم أعداء الإمام المهدي (عليه السلام)؟..................189
السؤال 49: هل الإمام المهدي يموت أو يُقتل؟..................193
المصادر..................203

بسم الله الرحمن الرحيم
اَللّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِه في هذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَة وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْنا حَتّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويلاً
الإهداء

أهدي هذا الكتاب إلى:
مدمّر عروش الظالمين والمنتقم من أعداء أئمة الأُمّة ومنقذ الإنسان من الحيرة والضلالة باسط الأمن والعدالة على وجه الأرض، الإمام المهدي (عجل الله فرجه) الحجة بن الحسن العسكري (عجل الله فرجه) الشريف مولاي تفضّل عليَّ بالقبول.

المؤلّف

(٦)

المُقدّمةُ

إنّ جميع الأديان السماويّة، وحتّى النظم الماديّة، تمتلك اُصولاً وعقائداً خاصّة للوصول إلى الأهداف المطلوبة، وهذه الاُصول والعقائد من أجل إيصالها إلى النّاس للحصول علي تلك الأهداف والمتطلّبات المرسومة لا بد من اُسلوب وطريقة. وهناك عدّة أساليب في ذلك، ومنها التبليغ والدعاية، حيث من خلاله استطاعت الأديان السماويّة - وحتّى الأنظمة السياسيّة الحديثة والقديمة - من استخدام اُسلوب الدعاية والتبليغ، حتّي أصبح لهم أتباع وجيوش واُمم، وبذلك استطاعوا بسط نفوذهم وسيطرتهم، ووصلوا إلى ما يريدون، ومهما يمرّ التاريخ علي الاُمم والشعوب تجد آثار هذه الاُصول والعقائد موجودة وموروثة إلى يومنا هذا، فظهر أنّ الذي يبقى هو الفكر والعقيدة، سواء كانت سماويّة أو من الأنظمة الوضعيّة.
لذا اعتبر اُسلوب الدعاية أو ما يعبّر عنه اليوم عند المتشرّعة (بالتبليغ) يعتبر من الأساليب المؤثرة والنافذة في مجتمعاتنا اليوم. ولقد كان هذا الاُسلوب قديماً يقتصر على اُمور بسيطة إن كانت في غاية الأهمّية، لكن بسبب التطوّر والرقي الحاصل في العالم اليوم، والذي يسمّى بعصر الكترونيات، تطوّر اُسلوب التبليغ أيضاً، وخرج عن اُسلوبه التقليدي القديم، وأصبح علماً وتكنولوجيا حديثة.
واليوم نرى كثير من الجامعات والمؤسّسات الكبيرة والمعقّدة في العالم، والتي تمتلك قدرات هائلة تقوم بهذا الدور التبليغي، سواء كان التبليغ سياسياً أو تجارياً أو عقائدياً، فقام أصحاب هذه المؤسّسات باستخدام الأجهزة المتطوّرة الحديثة لنشر

(٧)

ثقافهم، ومن جملتها المؤسّسات المعادية للإسلام، والتي تستخدم الأجهزة الحديثة في الدعاية ونشر الثقافة المضادّة للإسلام، والهجوم على معتقدات المسلمين الموروثة ومحاربتها.
من هنا تصدّي المرابطون على ثغور الإسلام من أجل حماية وحراسة الثقافة الإسلامية، فاستخدمت أيضاً الأساليب الحديثة في نشر الإسلام وتبليغ قيمه ومبادئه الأصليّة (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ)(1).
وفي هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها الشعوب الإسلامية، وبالخصوص الشعب الإيراني المسلم، وما يتوجّه له من هجمات معادية شرسة، قام هذا الشعب الثوري بتحصين المجتمع الإسلامي على أساس عقائدي وفكر إسلامي، مستلهماً ذلك من القيم والمبادئ الإلهيّة الإسلاميّة، فاستخدم جميع الأساليب التبليغيّة والمتطوّرة من أجل الدفاع عن الإسلام، أو نشر الثقافة الإسلاميّة الأصليّة، وبذل العلماء والمفكّرون غاية جهدهم من أجل نشر الدين المحمّدي الأصيل، والتمهيد لظهور منقذ البشريّة الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).
هذا وممّا يؤسف له فإنّ كثيراً من الخرافات والمعتقدات الخاطئة ما زالت تعشعش في أذهان كثير من المسلمين، فكان من الواجب على علماء الدين أن يرفعوا هذه المخلّفات الخاطئة والشبهات التي دخلت إلى مجتمعاتنا حتّى تظهر صورة الإسلام الأصلية المترقيّة في العالم.
وأمّا الفكرة المهدويّة.
فهي إحدى المعتقدات المهمّة لدى المسلمين، والتي تعتبر فكرة إسلاميّة خالصة مأخوذة من القرآن الكريم، حيث أخبر في عدة آيات عن ذلك من خلال الوعد الإلهي بوراثة الصالحين للأرض ودولتهم العالميّة، وأنّ ذلك سيكون على يد المنقذ والقائد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأحزاب (33): 39.

(٨)

الإلهي، حيث فسّر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) هذا الأمر وبيّنوه مفصلاً بأنّ ذلك القائد الإلهي هو الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، ودعوا النّاس للاستعداد والتهيئة من أجل تشكيل تلك الدولة الإلهيّة التي تجسّد المدينة الفاضلة، وأخبروا بأنّ انتظاره من أفضل العبادات. يقول الله تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)(2).
لا شكّ أنّ دولة الإمام مهدي (عليه السلام) سوف تدمّر عروش الظالمين، وتنشر العدالة في العالم، وتقوم بتطهير الأذهان من الشبهات والعقائد المنحرفة، وتمحو الشرك، وتجعل الإسلام والأمن حاكمان في ربوع العالم.
أمّا المهدي المنتظر الذي هو الهادي والقائد للبشريّة، فهو مظهر لعبوديّة الله الحقّة، والمثال الأعلى للإنسان الكامل، مهدي آل محمّد (عليه السلام)، قائد طاهر من نسل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ومن سلالة الطاهرين الصالحين، آبائه نسلاً عن نسل هم أئمّة الحقّ والعدل، الذين بذلوا كلّ ما بوسعهم من أجل الدفاع عن الإسلام والمسلمين، ولم يقصّروا لحظة في ذلك، وكانت نتيجة أمرهم أن قُتلوا على يد جلاوزة عصورهم، ونالوا وسام الشرف والشهادة. فالإمام المهدي (عليه السلام) هو وارث تلك الدماء الزاكية المقدّسة، وأنّه سوف يأتي ليثأر دماء آبائه التي اُريقت ظلماً.
وأمّا هذا الكتاب الذي بين يديك: فهو يحكي عن القضيّة المهدويّة وملابساتها، فلقد شمّرت ساعد الجدّ قبل عدّة أعوام من أجل معرفة هذا الرجل الإلهي، حيث ذكرت فيه اُموراً قد تعلمتها في سنّي عمري من أساتذتي العلماء المتّقين، وبالخصوص والدي آية الله الشيخ محمّد رضا الطبسي، والذي تبنّى تربيتي ورعايتي العلميّة، فقمت بمراجعتها وملاحظتها، وأضفت إلهيا مسائل اُخرى، وجعلت هذا المجود على شكل سؤال وجواب ليسهل مطالعتها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) القصص (28): 5.

(٩)

متمنّياً من الله العليّ القدير أن يكون هذا الجهد القليل مقبولاً عند الإمام المهدي - أرواحنا له الفداء -.
وختاماً اُقدّم خالص شكري إلى أخي في الله العلاّمة الجليل الشيخ عبدالسلام الترابي، حيث بذل غاية الجهد في ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربيّة.
ربّنا تقبّل منه ومنّا بكرمك

قم المقدّسة - محمّد جواد الطبسي
1 / شعبان المعظَم / 1426

(١٠)

إنّ من المسلّمات الفطريّة السلمية، والتي اُشير إليه في الكتب السماويّة المقدّسة، هو الاعتقاد بظهور مصلح عالمي، الذي يصل في ظلّ حكومته جميع البشريّة إلى السعادة الواقعيّة، وأنّ جميع أتباع الكتب السماويّة بانتظار رجل يُنهي جميع الظلم، ويجعل المحبّة والسلام حاكمَين في جميع العالم. فكلّ المستضعفين في العالم بانتظار ظهور ذلك المصلح العالمي، وأنّ الاعتقاد بذلك لا يختصّ بأهل الأديان السماويّة فسحب، بل الإنسان بفطرته يطلب ظهور المصلح الذي يمتلك القدرة الغيبيّة الإلهيّة، والذي يستطيع أن يقيم حكومة عادلة.
فبعض الحكّام الظالمين اليوم يبذلون جهدهم حتّى يعرِّفوا أنفسهم بأنّهم ذلك المصلح، حتّى يستطيعوا - بتصوّرهم - أن يخدعوا النّاس في عقيدتهم الفطريّة هذه، ولأجل ذلك أرسلوا الجيوش إلي الدول الضعيفة، وقتلوا الأبرياء العزّل، زاعمين أنّهم يدافعون عن حقوق البشر.
وسيوافيك في هذا الفصل عدّة أسئلة تتلّق بهذا الاعتقاد.
السؤال الأوّل: هل اُشير في الكتب السماويّة لمسألة ظهور المصلح العالمي، أم أنّ هذه العقيدة هي من مختصّات المسلمين؟
الجواب: لا تختصّ هذه العقيدة بالمسلمين فقط، بل أنّ جميع الأديان والكتب

(١٣)

الإلهيّة - حتّى بعض النظم - بشّرت بمنجي العالم في آخر الزمان، والذي سيجعل الدنيا مليئة بالعدل والإنصاف.
كما ورد في القرآن الكريم: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(3).
اختلف المفّسرون للقرآن الكريم في كلمة (الذِّكْرِ)، فمنهم من قال: «إنّها تطلق علي جميع الكتب السماويّة النازلة من قِبل الله (عزّ وجلّ) على الأنبياء»(4).
وقال آخرون: «بأنّ المراد منها هو التوراة»(5).
وعلى كلّ حال، فإنّ الكتب السماويّة بشّرت بأنّ الصالحين وأولياء الله في نهاية سيحكمون كلّ العالم.
وكتب الاُستاذ محمّد رضا الحكيمي: «بأنّ فكرة ظهور المصلح في آخر الزمان من الاُصول الأساسية منذ العصور القديمة، وكانوا يذكرونها بشكل دائم، ونحن اليوم وبعد مرور عدّة قرون نجد ما يدلّ على ذلك من خلال الآثار التي تركها الماضون»(6).
وكتب أحد العلماء المعاصرين يقول: «الفتوريسم في الحقيقة تعني الاعتقاد بفترة آخر الزمان وانتظار ظهور المنجي، عقيدة ثابتة ومسلّمة ومقبولة لدى الأديان السماويّة، كاليهوديّة والزرادشتية والمسيحيّة بمذاهبها الأصليّة الثلاثة - الكاثوليك والبروتستانت والارتذوكس - وكلّ الأديان السماويّة بشكل عام،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) الأنبياء (21): 105.
(4) تفسير الميزان: 14 / 337.
(5) المصدر المتقدّم: 329.
(6) خورشيد مغرب: 66.

(١٤)

والدين الإسلامي بشكل خاصّ. وقد تمّ بيانها بشكل كامل، وبسط البحث بهذا الصدد في أبحاث علم الأديان قسم دراسة الكتب السماويّة»(7).
ويقول الاُستاذ الحكيمي: «إنّ في الكتب وآثار زرادشت والزرادشتيّة ذكرت مسائل كثيرة حول آخر الزمان وظهور الموعود، من جملتها: كتاب اوستا، وكتاب زند، وكتاب رسالة جاماسب، وداتستان دينيك ورسالة زردشت.
وهكذا ورد في الكتب المحرّفة لليهود والعهد القديم ومثل كتاب النبيّ دانيال (عليه السلام)، وإنجيل لوقا، وانجيل مرقس، وإنجيل برنابا، ومكاشفات يوحنّا، فهي مع كونها محرّفة فقد ورد فيها أحاديث حول المنجي الموعود(8).
ولا شكّ هذه الكتب لو لم تحرّف لذكر فيها حقائق أوضح وأكثر من ذلك حول المصلح العالمي، ورغم ذلك نقول: لو لم يذكر في الكتب السماويّة السابقة أي إسم وعلامة عن الموعود، لقلنا أيضاً: إنّ الله (عزّ وجلّ) تحدّث عن المهدي المنتظر في كلّ الكتب السماويّة؛ لأنّ القرآن الكريم صرّح بأنّ المصلح العالمي ومنجي البشريّة قد ذكر في الكتب السماويّة السابقة، كما مرّ عليك.
السؤال الثاني: هل إنّ القضيّة المهدويّة ورد ذكرها في القرآن الكريم؟
الجواب: في الحقيقة الكلّ يعلم أنّ القرآن الكريم هو أصل لكلّ المعارف والقوانين الإسلاميّة، وهو بمنزلة الأساس لكلّ القوانين، فكما أنّ الأهداف والأحكام ومسؤوليّات الأنظمة قد ذكرت بصورة مجملة وبدون بيان كامل في القوانين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) خورشيد مغرب: 66.
(8) المصدر المتقدّم: 67.

(١٥)

الأساسية لكلّ دولة، وبقى تفصيل ذلك على عاتق القوى المقنّنة، فكذلك في القرآن الكريم، حيث ورد في هذا الدستور العظيم بعض المعارف الإلهيّة والأحكام الإسلاميّة بصورة مجملة وكلّية، وبقي بيانها وشرحها على عاتق النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، كما شرح وبيّن أحكام الصلاة والزكاة والحجّ وغير ذلك من الأحكام، وقضيّة المهدي (عليه السلام) من هذا القبيل، فإنّ جذر هذه القضيّة مذكورة في القرآن العظيم، حيث ذكر في عدّة آيات بالقضاء على الظلم، والبشارة بوراثة الأرض لهم، وبانتصار المتّقين والصالحين والمستضعفين علي المستكبرين، وأنّهم سيحكمون العالم في آخر الدهر.
وقد وردت عدّة آيات في القرآن، وورد عن النبيّ والأئمّة في تفسير ذلك وشرحها بأنّ دولة المهدي (عليه السلام) هي التي بشّر بها القرآن الكريم في آخر الزمان، هي دولة المستضعفين والصالحين. وقد جمعنا هذه الآيات بمعونة ثلّة من المؤلّفين من ثمانين سورة من القرآن في (365) آية مباركة.
وقد تحدّثت هذه الآيات بشكل عامّ عن القضيّة المهدويّة، ووردت أكثر من 500 رواية عن النبيّ والأئمّة في تفسير هذه الآيات(9)، وأمّا الآيات كما يلي:
1 - قال الله تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)(10).
روي سلمان فارسي قال: «قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله لم يبعث نبيّاً ولا رسولاً إلاّ جعل له إثني عشر نقيباً، ثمّ ذكر أسماء هم إلى قوله: ثمّ إبنه محمّد بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(9) راجع معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): الجزء الخامس، لجمع من المؤلّفين، ومنهم المؤلّف.
(10) القصص (28): 5.

(١٦)

الحسن المهدي القائم بأمر الله»(11).
2 - وقال الله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(12).
فورد في تفسير هذه الآية، عن محمّد بن عبد الله بن الحسن، عن الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «القائم وأصحابه»(13).
3 - وقال تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ)(14).
بيّن الباقر (عليه السلام) - ضمن حديث طويل - تفسير هذه الآية، وذكر خطبة المهدي (عليه السلام) عند ظهوره في مكّة يقول فيه: «فيكون أوّل خلق يبايعه جبرئيل، ويبايعه الثلاثمائة والبضعة العشر رجلاً...»(15).
السؤال الثالث: هل الاعتقاد بالمهدويّة من مختصّات الشيعة؟
الجواب: لقد مرّ عليك في المقدّمة أنّ الاعتقاد بظهور مصلح عالمي مسألة قرآنيّة، ولهذا فإنّ جميع المسلمين - سنّة وشيعة - يعتقدون بهذا الأمر، ويعدّ أيضاً من المعتقدات الأساسيّة للمسلمين، حيث يعتقد الشيعة نظراً للروايات الكثيرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(11) دلائل الإمامة: 237.
(12) الأنبياء (21): 105.
(13) تأويل الآيات: 332. معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): 5 / 262.
(14) النمل (27): 62.
(15) تفسير العيّاشي: 2 / 56.

(١٧)

المرويّة عن النبيّ والأئمّة الطاهرين بأنّ المهدي هو الإمام الثاني عشر، ويعتقدون أيضاً أنّه من الذريّة الطاهرة لفاطمة الزهراء، وهو الإبن التاسع للإمام الحسين (عليه السلام)، ولأجل هذه العقيدة الراسخة فقد بذل الشيعة جهوداً كبيرة لحفظها وتكريمها.
ولقد قام الشيعة على مدى التاريخ من أجل الحفاظ على هذا المعتقد ببحثه وتحليله، سواءً من الجهة العلميّة أو الروائيّة، وهكذا من الناحية التفسيريّة والكلاميّة، وكتبوا كتاباً كثيرة على هذا الصعيد. وقد بذلت هذه الجهود من قبل ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، ولا زالت مستمرّة إلى يومنا هذا. وكتب أيضاً كبار العلماء من العامّة منذ أزمنة بعيدة وذلك لشدّة عنايتهم بهذه العقيدة.
فعقدوا لذلك فصولاً في كتبهم وأشاروا إلى ما ورد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، حيث نقلوا عنه ما يقارب من 400 رواية حول المهدي المنتظر (عليه السلام)، فلو جمعنا ما رواه الشيعة والسنّة عن النبيّ وسائر المعصومين لوصل إلى 6000 رواية(16).
وإليك قائمة بأسماء مجموعة من الكتب العلميّة والتاريخيّة والروائيّة لدى العامّة، والتي ذكرت ضمن فصول حول القضيّة المهدويّة، وهي:
1 - مسند أحمد: 3 / 36.
2 - مسند أبي يعلى: 3 / 274.
3 - سنن الترمذي: 2 / 274.
4 - سنن أبي داود: 4 / 107.
5 - سنن ابن ماجة: 2 / 1368.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(16) نور المهدي: 37.

(١٨)

6 - المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري: 4 / 577.
7 - ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة: 273.
8 - القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة: 241.
9 - الشبلنجي في نور الأبصار: 186.
10 - ابن الصبان المصري في إسعاف الراغبين: 140.
11 - دستور العلماء للنگري: 3 / 291.
12 - ابن خلّكان في تاريخه: 2 / 451.
13 - ابن الأثير الجزري في النهاية: 1 / 174.
14 - محمّد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤل: الباب 12.
15 - سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ: 378.
16 - السيّد أحمد زيني دحلان في الفتوحات: 322.
17 - ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة: 205.
18 - محبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى: 136.
وتعرّض أيضاً عشرات من كتّاب العامّة إلى خصوصيّات الإمام المهدي (عليه السلام) وكيفيّة ظهوره(17).
ومنهم من كتب كتاباً مستقلاًّ حول الإمام المهدي (عليه السلام)، وكتب عن خصائصه من ولادته إلى ظهوره، وإليك أسماءهم بالتفصيل:
1 - البرهان للعلاّمة المتّقي الهندي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(17) راجع معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): 1 / 5.

(١٩)

2 - تحديق النظر لمحمّد بن عبدالعزيز.
3 - تلخيص البيان لابن كمال باشا.
4 - العرف الوردي لجلال الدين السيوطي.
5 - العطر الوردي لمحمّد بن محمّد الحسيني.
6 - عقد الدرر ليوسف بن يحيى الشافعي.
7 - علامات المهدي لجلال الدين السيوطي.
8 - فرائد فوائد الفكر لمرعي بن يوسف الحنبلي.
9 - القطر الشهدي لشهاب الدين الحلواني.
10 - القول المختصر لأحمد بن عليّ الهيثمي.
11 - المشرب الوردي للملاّ سلطان الحنفي.
12 - مناقب المهدي لأبي نعيم الأصبهاني.
13 - نعت المهدي لأبي نعيم الأصبهاني.
14 - البيان في أخبار صاحب الزمان لمحمّد بن يوسف الكنجي الشافعي.
وبهذا اتّضح أنّ الاعتقاد بخروج رجل من نسل فاطمة في آخر الزمان، ويكون القضاء على الظلم والجور على يديه لا يختصّ بالشيعة فحسب، بل هو اعتقاد عامّ يعترف به جميع المسلمين، بل - كما مرّ عليك - أنّه يعتبر اعتقاد عالمي وعامّ موجود لدى جميع الديانات والمذاهب، وأنّه ما زال باقياً إلى اليوم.
فكلّ الديانات بشّرت أتباعها بظهور مصلح عظيم في آخر الزمان، حتّى النظم الإلحاديّة، فإنها أخبرت بوصول المجتمع إلى مستوي تنعدم فيه الطبقيّة والتمايز الاجتماعي، ومع هذا كلّه فإنّ الإسلام الحنيف، والمذهب الشيعي،

(٢٠)

بالخصوص ذكر القضيّة المهدويّة وبيّن فلسفة ذلك ما لم تبيّن في دين آخر.
السؤال الرابع: هل اسم الإمام المهدي (عليه السلام) ورد في الصحاح الستّة؟
الجواب: لاشكّ أنّه قد ورد اسم الإمام المهدي في جميع الصحاح ما عدا صحيح البخاري، فقد ورد في صحيح الترمذي(18)، وسنن ابن ماجة(19)، وسنن أبي داود(20) إسم المهدي (عليه السلام)، وما ورد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بشأنه.
وأمّا بالنسبة إلى صحيح مسلم وسنن النسائي، فقد حذف ما فيهما من إسم المهدي (عليه السلام)، والشاهد على ذلك أنّ تلك الأحاديث كانت موجودة سابقاً في صحيح مسلم، حيث أنّ ابن حجر العسقلاني في الصواعق المحرقة(21)، وابن الصبان في إسعاف الراغبين(22)، والمتّقي الهندي في كنز العمّال(23)، والحمزاوي في مشارق الأنوار(24)، نقلوا حديث «المهدي حقّ، وهو من ولد فاطمة (عليهما السلام)» من كتب صحيح مسلم، لكنّ هذا الحديث غير موجود حالياً في النسخ التي بأيدينا، ويشهد بذلك أيضاً وجود حديث النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) حول الإمام المهدي (عليه السلام) في سنن النسائي، ونقل السلّمي في عقد الدرر(25) عنه حديث «المهدي منّي»، وهكذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(18) سنن الترمذي: 2 / 505.
(19) سنن ابن ماجة: 2 / 1368.
(20) سنن أبي داود: 2 / 367.
(21) الصواعق المحرقة: 63.
(22) إسعاف الراغبين: 145.
(23) كنز العمّال: 14 / 264.
(24) مشارق الأنوار: 112.
(25) عقد الدرر: 33.

(٢١)

نقل ابن الصبان(26)، وعبدالمحسن العباد(27)، وابن حجر العسقلاني(28)، والحمزاوي(29)، والشيخ منصور علي ناصف(30): حديث «المهدي حقّ، وهو من ولد فاطمة» عن سنن النسائي، ولكنّه غير موجود في النسخ التي بأيدينا.
فلابدّ إمّا أن نّتهم هؤلاء الذين نقلوا هذه الأحاديث من صحيح مسلم وسنن النسائي بالكذب، أو أنّ ذلك حذف من الكتابين المذكور. هذا أوّلاً.
وثانياّ: أنّ في النسخة الموجودة حالياً لصحيح مسلم، وإن لم يصرّح باسم الإمام المهدي (عليه السلام)، ولكنّه ذكر حديثين حول مجيء خليفة في آخر الزمان(31)، ونزول عيسى (عليه السلام) من السماء(32)، وصلاته خلف الإمام (عليه السلام)، حيث يلزمنا أن نسأل صاحب هذا الصحيح بأنّه: من هذا الخليفة الذي يصلّي عيسى خلفه؟ فما هو الجواب؟ فهل هذا الخليفة الذي يصلّي عيسى خلفه غير المهدي الذي بشّر به النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟
وثالثاً: وعلى فرض أنّهما لم يذكرا أحاديث النبيّ حول المهدي (عليه السلام)، ولكن تخلّفا عن شرطهما في نقل الراوية، فإنّ أحاديث المهدي صحيحة على شرطهما ولم يخرجاه.
وقد جمع الحاكم النيسابوري في كتبه المستدرك علي الصحيحين هذه الأحاديث التي لم يذكرها مسلم والبخاري، وكان من حقّها أن يخرجاه. وذكر في ختام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(26) إسعاف الراغبين: 145.
(27) عقيدة أهل السنّة والأثر: 18.
(28) الصواعق المحرقة: 18.
(29) مشارق الأنوار: 112.
(30) التاج الجامع للأُصول: 5 / 343.
(31) صحيح مسلم: 2 / 701.
(32) المصدر المتقدّم: 4 / 2266.

(٢٢)

كلّ حديث نقله: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، فمن جملة الأحاديث الصحيحة على شرط الشيخين ولم يخرجاه أحاديث المهدي (عليه السلام)، ونشير إلى خمسة روايات، فمنها:
1 - عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: «المهدي منّا، رجل من أهل البيت»(33).
2 - وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): «نحن ولد عبدالمطّلب... والمهدي»(34).
3 - وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): «المهدي منّي، أجلى الجبهة، أقني الأنف»(35).
4 - وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): «... ثمّ يخرج رجل من عترتي»(36).
5 - وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): «إذا رأيتم الرايات السود، فإنّ فيها خليفة الله المهدي»(37).
ورابعاً: هل أن صحيح الترمذي وسنن إبن ماجة وسنن أبي داود تعدّ من الصحاح الستّة أم لا؟
فإذا قلنا إنّها من الصحاح، فلا داعي أنّ كلّ الأحاديث تذكر في كلّ الصحاح بحيث إذا لم تكن صحيحة. وهذا ابن تيميّة الذي ضعّف كثير من الروايات والأحاديث، ونسب ظلماً اُموراً إلى الشيعة الإماميّة، فقد صحّح أحاديث المهدي (عليه السلام) وقال في كتابه: «إنّ الأحاديث التي يحتجّ بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواه أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم عن طريق ابن مسعود وغيره»(38).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(33) المستدرك علي الصحيحين: 4 / 557.
(34) المصدر المتقدّم: 3 / 211.
(35) المصدر المتقدّم: 4 / 558.
(36) المصدر المتقدّم: 4 / 558.
(37) المصدر المتقدّم: 463.
(38) منهاج السنّة: 4 / 211.

(٢٣)

وأمّا البخاري فهو وإن لم ينقل أحاديث المهدي (عليه السلام) في صحيحه، ولكنّه ذكر في تاريخه إسم الإمام المهدي في عدّة أماكن، فقد نقل حديث «المهدي من أهل البيت»(39) عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وهكذا أشار في تاريخه إلى حديث: «المهدي حقّ، من ولد فاطمة»(40).
السؤال الخامس: لماذا يجب علينا معرفة الإمام المهدي؟
الجواب: لو فتّشنا الكتب الروائيّة والكلاميّة لعثرنا على روايات كثيرة في كتب الشيعة والسنّة تدلّ على وجوب معرفة الإمام وحجّة الله على الأرض، ثمّ متابعته والاقتداء به، وإن فسّر كثير من علماء العامّة هذه الروايات الواردة عن النبيّ بالخلفاء والحكّام.
ولكنّ الشيعة تعتقد بأنّ المقصود من الإمام في هذه الروايات هم الأئمّة المعصومون (عليهم السلام)، ولهذا يعتقدون بلزوم معرفته، حيث أنّ معرفته (عليه السلام) هو جزء من معرفة الأئمّة الإثني عشر، كما أشار النبيّ إلى عددهم قائلاً لسلمان الفارسي: «الأئمّة بعدي إثنا عشر»، ثمّ قال: «كلّهم من قريش، ثمّ يخرج قائمنا فيشفي صدور قوم مؤمنين، ألا أنّهم أعلم منكم، فلا تعلّموهم ألا أنّهم عترتي، من لحمي ودمي، ما بال أقوام يؤذوني فيهم، لا أنالهم الله شفاعتي»(41).
وكان الإمام الحسن (عليه السلام) يقول: «الأئمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إثنا عشر، تسعة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(39) تاريخ البخاري: 1 / 317.
(40) المصدر المتقدّم: 3 / 346.
(41) كفاية الأثر: 44.

(٢٤)

من صلب أخي الحسين، ومنه مهدي هذه الاُمّة»(42).
إذاً فالمراد من الإمام والأئمّة هم المعصومون (عليهم السلام)، وأمّا علّة وجوب معرفة الإمام في كلّ زمان فكما يلي:
1 - الصون من الانحراف والضلالة
إنّ معرفة الإمام المهدي - أرواحنا فداه - تأخذ أهمّيتها في الوقت الذي يشعر به النّاس ابتلاءهم بالفساد والضلالة علي إثر الابتعاد عن إمامهم، وأنّ الخلاص من هذا المأزق الخطر سوف لن يكون إلاّ عن طريق الاقتداء بالإمام (عليه السلام).
قال الإمام الكاظم (عليه السلام): «ما ترك (عزّ وجلّ) الأرض بغير إمام قطّ منذ قبض آدم (عليه السلام)، يُهتدي به إلى الله (عزّ وجلّ)، وهو الحجّة على العباد، من تركه ضلّ، ومن لزمه نجا، حقّاً على الله (عزّ وجلّ)»(43).
وكتب العمري إلى أبي عليّ بن محمّد بن همام ما يبيّن ضرورة هذه المعرفة، قائلاً:
«اللّهُمَّ عَرِّفْني نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْني نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ، اللّهُمَّ عَرِّفْني رَسُولَكَ فَإنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْني رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، اللّهُمَّ عَرَّفْني حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْني حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِيني»(44).
وقد أمر الإمام الصادق (عليه السلام) زرارة أن يلتزم بهذا الدعاء في زمان الغيبة(45).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(42) كفاية الأثر: 23.
(43) معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): 4 / 148.
(44) مصباح الزائر: 312.
(45) بحار الأنوار: 52 / 146.

(٢٥)

2 - المنع من بطلان العمل
لا ريب أنّ قبول الأعمال والمنع من بطلانها يكون في قبول ولاية الأئمّة المعصومين (عليهم السلام). قال الباقر (عليه السلام) لزارة: (بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحجّ، والصوم، والولاية.
قال زرارة: فقلت: وأيّ شيء من ذلك أفضل؟
فقال: الولاية أفضل؛ لأنّها مفتاحهنّ، والوالي هو الدليل عليهنّ... أما لو أنّ رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدّق بجميع ماله، وحجّ جميع دهره، ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته اليه، ما كان له على الله جلّ وعزّ حقّ في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان»(46).
3 - الوصول إلى السعادة الأبديّة
لا شكّ أنّ حياة النبيّ وموته من الاُمور الهامّة التي لا ينال البشر إلى معرفتها، فكم ترك النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في أيّام حياته وبعد مماته من الخيرات والبركات للمسلمين، فطلب منّا إن اردنا أن نصل الى هذه الحياة المعنويّة أن نتولّ الإمام أمير المؤمنين والأئمّة من بعده.
فكان (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول: «معاشر النّاس، من أراد أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، فليتولّ عليّ بن أبي طالب، وليقتد بالأئمّة من بعده»(47).
4 - النجاة من الميتة الجاهليّة
وجاء التصريح في عدد كثير من الروايات والأحاديث الإسلاميّة عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(46) الكافي: 2 / 182.
(47) مناقب آل أبي طالب: 1 / 301.

(٢٦)

أنّ كلّ من لا يعرف إمام زمانه سوف يموت ميتة جاهليّة، ولا ريب أنّ المقصود من الميتة الجاهليّة أن يكون حاله حال من مات قبل الإسلام من أهل الجاهليّة، حيث كانوا على الشرك والكفر والضلالة.
وقد ورد هذا الحديث في الصحاح والسنن والمسانيد عند السنّة، ورواه أيضاً علماءنا في كتبهم بألفاظ مختلفة عن النبيّ والعترة الطاهرة، فنقل الطيالسي(48)، والبخاري(49)، وابن أبي شيبة(50)، والهيثمي(51)، وابن سعد(52)، والطبراني(53)، والكليني(54)، والبرقي(55)، والعيّاشي(56)، وغيرهم عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): «من مات بغير إمام مات ميتة جاهليّة»(57).
وعن الباقر (عليه السلام)، قال: «من مات وليس له إمام فموته ميتة جاهليّة، ولا يعذر النّاس حتّى يعرفوا إمامهم»(58).
وعن الصادق (عليه السلام)، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، قال: «من مات وليس عليه إمام فميتته جاهليّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(48) مسند الطيالسي: 1259.
(49) تاريخ البخاري: 6 / 445.
(50) مسند ابن أبي شيبة: 15 / 38.
(51) مجمع الزوائد: 5 / 223.
(52) الطبقات: 5 / 144.
(53) المعجم الكبير: 7 / 350.
(54) الكافي: 1 / 376.
(55) المحاسن: 1 / 153.
(56) تفسير العيّاشي: 1 / 252.
(57) مسند الطيالسي: 1259.
(58) المحاسن: 155.

(٢٧)

فقلت: قال ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟
فقال: إي والله قد قال.
قلت: فكلّ من مات وليس له إمام فميتته جاهليّة؟!
قال: نعم»(59).
فاستناداً إلى ما سبق وما روي عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بأنّه: «من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته فمات، فقد مات ميتة جاهليّة»(60).
نقول: لا نجاة من الميتة الجاهليّة إلاّ بمعرفة الإمام المهدي (عليه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(59) الكافي: 1 / 153.
(60) كمال الدين: 2 / 412.

(٢٨)

ضيّق الخلفاء العبّاسيّين على الإمامين الهمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام)، وبذلوا جهوداً كبيرة لمنع ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، فسجنوا الإمام العسكري (عليه السلام) غير مرّة، حيث قضى أكثر أيّام إمامته في سجن الخلفاء العبّاسيّين.
وقاموا بمؤامرات خطرة ضدّ الإمام، ولكنّ الظروف الطارئة كانت تمنعهم من قتله (عليه السلام)، ولقد أشار الإمام في بعض كلماته إلى هذه المضايقات قائلاً: «زعم الظلمة أنّهم يقتلونني، ويقطعوا هذا النسل»(61)، ولكن أبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون.
حتّي ولد الإمام المهدي (عليه السلام) في نصف من شعبان سنة 255 ه‍. ق(62) في ظروف صعبة وحسّاسة للغاية.
أخبر النبيّ عن هذا المولود وعن إسمه وكنيته، فقال: «إسمه إسمي، وكنيته كنيتي»(63).
لقّب الإمام المهدي (عليه السلام) بـ: بقيّة الله، حجّة الله، وقائم آل محمّد (عليهم السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(61) الغيبة: 134. حياة الإمام العسكري: 312.
(62) الفصول المهمّة: 274.
(63) كمال الدّين: 286. بحار الأنوار: 51 / 73.كفاية الأثر: 67. وروي عن الإمام الصّادق (عليه السلام) باختلاف يسير وزيادة في الإمامة والتّبصرة: 119، وفي كمال الدّين: 286.

(٣١)

وقد أخفى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ولادة عن أعين الحكّام لأجل الحفاظ على حياة ولده (عليه السلام). وكان يحضره أحياناً في بعض لقاءاته ليزيل الشبهة عنه، وكان الإمام المهدي (عليه السلام) يتحدّث بأمر من والده حتّى يتعرّف الشيعة عليه.
يعتقد كلّ علماء الشيعة - وكثير من أعلام السنّة - أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) قد ولد وهو حيّ وغائب، وأنّ هذه الغيبة قد بدأت بعد استشهاد أبيه العسكري (عليه السلام) سنة 260 ه‍، وهي مستمرّة إلى الآن.
وإليك بعض الأسئلة حول ولادته (عليه السلام):
السؤال السادس: ما هو رأي السنّة في ولادة المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: يوجد خلاف بين السنّة، فبعضهم يرى رأي الشيعة، حيث يقولون: إنّ الإمام المهدي (عليه السلام) قد ولد في سامراء سنة 255 هجريّة، وليس عددهم بالقليل.
ولا يسعنا أيضاً ذكر أسماءهم وأقوالهم في هذا المختصر، ولكن نشير إلى كلمات بعضهم:
1 - يقول ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة:
«ولد أبو القاسم محمّد بن الحجّة بن الحسن الخالص بسرّ من رأى، ليلة النصف من شعبان، سنة 255 هجريّة»(64).
وقال أيضاً عن سبب أمر ولادته عن النّاس:
«خلف أبو محمّد الحسن من الوالد إبنه الحجّة القائم المنتظر لدولة الحقّ، وكان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(64) الفصول المهمّة: 274.

(٣٢)

أخفى مولده، وستر أمره لصعوبة الوقت، وخوف السلطان، وتطلبه الشيعة، وحبسهم والقبض عليهم»(65).
2 - كتب الكنجي الشافعي في البيان في أخبار صاحب الزمان بعد أن اعتقد بولادة المهدي (عليه السلام)، وأجاب على شبهات منكري بقائه هذه المدّة الطويلة، وردّهم بأدلّة بليغة، حيث عقد فصلاً تحت عنوان «في الدلالة على كون المهدي حيّاً باقياً مذ غيبته إلى الآن» قائلاً:
«ولا امتناع في بقاءه بدليل بقاء عيسى والياس والخضر من أولياء الله تعالى، وبقاء الدجّال وإبليس الملعونَين أعداء الله تعالى، وهؤلاء قد ثبت بقاءهم بالكتاب والسنّة، وقد اتّفقوا عليه، ثمّ أنكروا جواز بقاء المهدي. وها أنا اُبيّن بقاء كلّ واحد منهم، فلا يسمع بعد هذا لعاقل إنكار جواز بقاء المهدي (عليه السلام)»(66).
3 - وقال سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرة الخواصّ:
«هو محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ ابن أبي طالب (عليهم السلام)، وكنيته أبو عبد الله، وأبو القاسم، وخلف الحجّة، صاحب الزمان، القائم، والمنتظر، والتالي، وهو آخر الأئمّة»(67).
ثمّ إنّ شيخنا الوالد المرحوم آية الشيخ محمّد رضا الطبسي - بعد ما نقل أسماء أربعين شخصاً من كبار السنّة، اعتماداً على نقل صاحب كشف الأستار للمحدّث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(65) الفصول المهمّة: 272.
(66) البيان في أخبار صاحب الزمان: 521.
(67) تذكرة الخواصّ: 325.

(٣٣)

النوري - قال: «ثمّ إنّ الحقير تتبّعت في بعض الكتب المعتبرة عند القوم تتميماً للحجّة، فعثرت على مقدار عشرين رجلاً، بل أزيد، من المعترفين أيضاً، فأضفتهم...»(68)، ثمّ أسماء القائلين بولادته (عليه السلام) كما يلي:
1 - المولى حسين الكاشفي في روضة الأحباب.
2 - إبن خلّكان في تاريخه.
3 - الحافظ البيهقي الشافعي في شعب الإيمان.
4 - السيّد أحمد زيني دحلان في الفتوحات الإسلاميّة.
5 - إبن حجر في الصواعق المحرقة.
6 - إبن الأثير الجزري في الكامل في التاريخ.
7 - أبو الفداء في تاريخه.
8 - أحمد النگري في دستور العلماء.
9 - الياقوت الحموي في معجم البلدان.
10 - الشبراوي في الإتحاف بحبّ الأشراف.
11 - الحمزاوي في مشارق الأنوار.
12 - الذهبي في دول الإسلام.
13 - اليافعي في مرآة الجنان.
14 - الشيخ عبدالوهاب في كشف الغمّة.
15 - إبن سعد في الطبقات الكبرى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(68) الشيعة والرجعة: 1 / 120.

(٣٤)

16 - شمس الدين القاضي المالكي في تاريخ الخميس.
17 - الملاّ عليّ المتّقي في البرهان.
18 - جمال الدين في روضة الأحباب.
19 - القرماني في أخبار الدول.
20 - إبن الصبان في إسعاف الراغبين(69).
وبهذا البيان: إتّضح أنّ ولادة المهدي المنتظر (عليه السلام) من القطعيّات التاريخيّة، وأن الشيعة والسنّة قد ذكروا تاريخ ولادته.
وخالف جماعة من أعلام السنّة هذا الرأي واعتقدوا بأن المهدي (عليه السلام) لم يولد بعد، وأنّه سيولد في آخر الزمان.
فقال إبن أبي الحديد المعتزلي في شرحه على نهج البلاغة عند بيان خطبة الإمام أمير المؤمنين التي فيها «بأبي خيرة الإماء»:
«أمّا الإماميّة فيزعمون أنّه إمامهم الثاني عشر، وأنّه إبن أمة إسمها نرجس، وأمّا أصحابنا فيزعمون أنّه فاطمي، يولد في مستقبل الزمان لاُمّ ولد، وليس بموجود الآن.. وأنّه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وينتقم من الظالمين، وينكّل بهم أشدّ النكال»(70).
أقول: إنّ إبن أبي الحديد وإن أصاب في بعض بحوثه، ولكن أخطأ في هذه المسألة، فماذا يجيب هؤلاء الذين مرّت أسماءهم عليك، المعترفون بولادته (عليه السلام)، وثانياً: كيف يمكن أن نطبّق الروايات الواردة حول الإمام المهدي (عليه السلام) المتّفق عليها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(69) الشيعة والرجعة: 1 / 122.
(70) شرح نهج البلاغة: 2 / 179.

(٣٥)

عند الشيعة والسنّة على رجل مجهول لا يعلم إبن من هو؟ وفي أي زمان سيولد؟ وعلى قول الكنجي الشافعي: «لماذا أنكرنا أصل ولادته فراراً من طول عمره؟».
السؤال السابع: هل رؤي الإمام المهدي (عليه السلام) أيّام طفولته؟
الجواب: لقد رأى الإمام (عليه السلام) عدّة لا يستهان بهم منذ ولد، وهكذا رأوه في حياة أبيه وبعد موته إلى أن غاب في الغيبة الكبرى، وقد ألّف علمائنا الكبار كتباً ورسائلاً فيمن فاز بلقائه (عليه السلام)، منهم المحدّث الكبير السيّد هاشم البحراني.

وإليك أسماء بعض من شاهده (عليه السلام):
1 - حكيمة بنت الإمام الجواد (عليه السلام)، وعمّة الإمام الحسن العسكري، التي زارت إبن أخيها في ليلة ميلاد الإمام المهدي (عليه السلام)، وطلب الإمام منها أن تبيت عنده لتحضر ولادة المهدي (عليه السلام)، فباتت تلك الليلة إلى أن ولد (عليه السلام)، ورأت جماله البهيّ(71)، وقصّتها معروفة ومشهورة.
ورأته أيضاً في اليوم الثالث من ولادته (عليه السلام)، كما رواه لنا الشيخ الطوسي عنها، أنّها قالت: «فلمّا كان في اليوم الثالث إشتدّ شوقي إلى وليّ الله، فأتيتهم عائدة، فبدأت بالحجرة التي فيها الجارية، فإذا أنا بها جالسة في مجلس المرأة النفساء، وعليها أثواب صفر، وهي معصبة الرأس، فسلّمت عليها والتفت إلى جانب البيت وإذا بمهد عليه أثواب خضر، فعدلت إلى المهد ورفعت عنه الأثواب، فإذا أنا بوليّ الله نائم على قفاه غير محزوم ولا مقموط، ففتح عينيه وجعل يضحك ويناجيني بإصبعه، فتناولته وأدنيته إلى فمي لأُقبّله، فشممت منه رائحة ما شممت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(71) بحار الأنوار: 51 / 17.

(٣٦)

قطّ أطيب منها...»(72).
2 - أحمد بن إسحاق الأشعري: «قال دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) وأنا اُريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق، إنّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام)، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزّل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض.
قال: فقلت له: يا بن رسول الله، فمن الإمام والخليفة بعدك؟
فنهض (عليه السلام) مسرعاً فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء الثلاث سنين، فقال: يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله (عزّ وجلّ) وعلى حججه ما عرضت عليك إبني هذا...»(73).
3 - يعقوب بن منقوش، يقول: «دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) وهو جالس على دكّان في الدار، وعن يميينه بيت عليه ستر مسبل، فقلت له: يا سيّدي، مَن صاحب هذا الأمر؟
فقال: إرفع الستر، فرفعته، فخرج إلينا غلام خماسي، له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، درّي المقلتين، شثن الكفّين، معطوف الكريمتين، في خدّه الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمّد (عليه السلام)، ثمّ قال لي: هذا صاحبكم»(74).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(72) كتاب الغيبة: 143.
(73) كمال الدين: 2 / 384.
(74) إعلام الورى: 413.

(٣٧)

4 - مارية خادمة الإمام العسكري
وعن الشيخ الطوسي، قال: «عن نسيم وماريّة قالت: لمّا خرج صاحب الزمان من بطن اُمّه سقط جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبّابته نحو السماء، ثمّ عطس، فقال: الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله عبداً داخراً، غير مستنكف، ولا مستكبر، ثمّ قال: زعمت الظلمة أنّ حجّة الله داحضة، ولو أذن لنا في الكلام لزال الشكّ»(75).
5 - أبو غانم الخادم، قال: «ولد لأبي محمّد (عليه السلام) ولد فسمّاه محمّداً، فعرضه على أصحابه يوم الثالث، وقال: هذا صاحبكم من بعدي، وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتدّ إليه الأعناق بانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً»(76).
6 - كامل بن إبراهيم المدني، قال: «قلت في نفسي لمّا دخلت عليه - الإمام العسكري - أسأله عن الحديث المروي عنه (عليه السلام): لا يدخل الجنّة إلاّ من عرف معرفتي، وكنت جلست إلى باب عليه ستر مرخيً، فجاءت الريح فكشفت طرفه، فإذا أنا بفتى كأنّه فلقة قمر، من أبناء أربع سنين أو مثلها، فقال لي: يا كامل بن إبراهيم، فاقشعررت من ذلك، واُلهمت أن قلت: لبّيك يا سيّدي.
فقال: جئت إلى وليّ الله تسأله لا يدخل الجنّة إلاّ من عرف معرفتك، وقال بمقالتك؟ قلت: إي والله.
قال: إذن والله يقلّ داخلها، والله إنّه ليدخلها قوم يقال لهم الحقّيّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(75) كتاب الغيبة / الطوسي: 147.
(76) كمال الدين2 / 431.

(٣٨)

قلت: ومن هم؟
قال: قوم من حبّهم لعليّ بن أبي طالب يحلفون بحقّه، وما يدرون ما حقّه وفضله، أي قوم يعرفون ما يجب عليهم معرفته جملة لا تفصيلاً من معرفة الله ورسوله والأئمّة ونحوها.
ثمّ قال: وجئت تسأل عن مقالة المفوّضة؟ كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله (عزّ وجلّ) فإذا شاء الله تعالى شئنا، والله يقول: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ)(77).
فقال لي أبو محمّد (عليه السلام): ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك، قم، فقمت»(78).
7 - أربعون نفراً من الوافدين
روي الشيخ الطوسي عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري البزّاز، عن جماعة من الشيعة، منهم: عليّ بن بلال، وأحمد بن هلال، ومحمّد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيّوب بن نوح... قالوا جميعاً: «اجتمعنا إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) نسأله عن الحجّة من بعده، وفي مجلسه (عليه السلام) أربعون رجلاً، فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال له: يا بن رسول الله، اُريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به منّي.
فقال: اجلس يا عثمان.
فقام مغضباً ليخرج، فقال: لا يخرجنّ أحد.
فلم يخرج أحد إلى أن كان بعد ساعة، فصاح (عليه السلام) بعثمان فقام على قدميه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(77) الإنسان (76): 30.
(78) الخرائج والجرائح: 1 / 458.

(٣٩)

فقال: اُخبركم بما جئتم؟
قالوا: نعم يا بن رسول الله.
قال: جئتم تسألوني عن الحجّة من بعدي.
قالو: نعم.
فإذا غلام كأنّه قطعة قمر أشبه النّاس بأبي محمّد.
فقال: هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتّى يتمّ له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم، والأمر إليه...»(79).
8 - نسيم الخادم
وعنه أيضاً قال: «وروي محمّد بن يعقوب رفعه عن نسيم الخادم (خادم أبي محمّد (عليه السلام)) قال: دخلت على صاحب الزمان بعد مولده بعشر ليالٍ فعطست عنده، فقال: يرحمك الله، ففرحت بذلك، فقال: ألا اُبشّرك في العطاس؟ هو أمان من الموت ثلاثة أيّام»(80).
9 - إسماعيل النوبختي
وعنه أيضاً بسنده عن إسماعيل النوبختي، قال: «دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) في المرضة التي مات فيها - وأنا عنده - إذ قال لخادمه عقيد، وكان أخادم نوبيّاً قد خدم من قبله عليّ بن محمّد (عليه السلام)، وهو ربّي الحسن (عليه السلام) فقال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(79) كتاب الغيبة: 217.
(80) الغيبة / الطوسي: 139.

(٤٠)

يا عقيد، اغِل لي ماءاً بمصطكي، فأغلى له، ثمّ جاءت به صيقل الجارية، اُمّ الخلف (عليه السلام)، فلمّا صار القدح في يديه وهمّ بشربه فجعلت يده تر تعد حتّى ضرب القدح ثنايا الحسن (عليه السلام) فتركه من يده وقال لعقيد: ادخل البيت فإنّك ترى صبيّاً ساجداً فأتني به.
قال أبو سهل: قال عقيد: فدخلت أتحرّى، فإذا أنا بصبي ساجد رافع سبّابته نحو السماء، فسلّمت عليه، فأوجز في صلاته، فقلت: إنّ سيّدي يأمرك بالخروج إليه إذ جاءت اُمّه صقيل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن (عليه السلام).
قال أبو سهل: فلمّا مثل الصبي بين يديه سلّم، وإذا هو درّي اللون، وفي شعر رأسه قطط، مفلج الأسنان، فلمّا رآه الحسن بكى، وقال: يا سيّد أهل بيته، إسقني الماء، فإنّي ذاهب إلى ربّي، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده، ثمّ حرّك شفتيه، ثمّ سقاه فلمّا شربه قال: هيّئوني للصلاة، فطرح في حجره منديل، فوضّئه الصبي واحدة واحدة، ومسح على رأسه وقدميه.
فقال له أبو محمّد (عليه السلام): أبشر يا بنيّ، فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجّة الله على أرضه، وأنت ولدي، ووصيّي، وأنا ولدتك، وأنت محمّد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، ولّدك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأنت خاتم الأئمّة الطاهرين، وبشّر بك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وسمّاك وكنّاك بكذلك عهد إليَّ أبي عن آباءك الطاهرين صلّى الله على أهل البيت ربّنا إنّه حميد مجيد.
ومات الحسن بن عليّ من وقته»(81).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(81) كتاب الغيبة: 165.

(٤١)

10 - الرجل الفارسي
روى الكليني في الكافي بسنده عن ضوء بن عليّ العجلي، عن رجل من أهل فارس سمّاه، قال: «أتيت سر من رأي ولزمت باب أبي محمّد (عليه السلام) فدعاني، فدخلت عليه وسلّمت، فقال: ما الذي أقدمك؟ قال: قلت: رغبة في خدمتك. قال فقال لي: فألزم الباب.
قال: فكنت في الدار مع الخدم ثمّ صرت اشتري لهم الحوائج من السوق، وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في الدار رجال.
قال: فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال، فسمعت حركة في البيت فناداني: مكانك لا تبرح، فلم أجسر أدخل ولا أخرج، فخرجت علَيَّ جارية ومعها شيء مغطّى.
ثم ناداني: ادخل، فدخلت، ونادى الجارية فرجعت إليه، فقال لها: أكشفي عمّا معك، فكشفت عن غلام أبيض، حسن الوجه، وكشفت عن بطنه فإذا شعر نابت من لبته إلى سرته، أخضر ليس بأسود، فقال: هذا صاحبكم، ثمّ أمرها فحملته، فما رأيته بعد ذلك حتّى مضى أبو محمّد (عليه السلام)»(82).
السؤال الثامن: لماذا أخفى الإمام العسكري (عليه السلام) ولده عن أعين الناس؟
الجواب: لقد كان الخلفاء العبّاسيّون في قلق وخوف على دولتهم، وخصوصاً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(82) تبصرة الوليّ فيمن رأى القائم المهدي: 51، عن الكافي: 1 / 329.

(٤٢)

المعتزّ والمهتدي والمعتمد من مولود سيحطّم عرش الظلم، ولذلك شدّدوا الحصار، وجعلوا الإمام تحت المراقبة الشديدة على نفس المنهج الذي سلكه فرعون لمنع حصول ولادة موسى (عليه السلام) وكانوا يختارون من جلاوزتهم مّمن يراقب بيوت الهاشميّين، وعلى الخصوص بيت الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وحاولوا مراراً القضاء على حياة الإمام، والعثور على الإمام المهدي وقتله، ولذلك كان يخفيه عنهم.

وأمّا محاولاتهم الفاشلة فهي كما يلي:
1 - السعي لقتل الإمام العسكري (عليه السلام)
حاول كلٌّ من: المعتزّ والمهتدي والمعتمد العبّاسي مراراً القضاء على حياة الإمام الحسن العسكري في داره أو في السجن لمنع ولادة المهدي المنتظر (عليه السلام)، فقال (عليه السلام) حينما ولد الحجّة: «زعم الظلمة أنّهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل، فكيف رأوا قدرة الله»(83).
2 - تفتيش بيت الإمام لإلقاء القبض على المهدي
لم يمرّ على رحيل الإمام العسكري (عليه السلام) إلاّ لحظات حتّى حوصر بيت الإمام بأمر من المعتمد العبّاسي، وقام الشرطة بالتفتيش الدقيق في بيت الإمام والبحث عن إبنه.
قال الصدوق: «وجاءوا بنساء يعرفن بالحبل، فدخلن على جواريه، فنظرن إليهنّ، فذكر بعضهنّ أنّ هناك جارية بها حمل، فأمر بها، فجعلت في حجرة ووكّل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم»(84).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(83) كفاية الأثر: 289.
(84) كمال الدين: 1 / 43.

(٤٣)

3 - وشاية جعفر، وإلقاء القبض على صقيل

لمّا جهّزوا الإمام العسكري للصلاة عليه تقدّم جعفر بن عليّ ليصلّي على أخيه، فلمّا همّ بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب رداء جعفر وقال: «يا عمّ، أنا أحقّ بالصلاة على أبي...»(85)، ووشى جعفر إلى الخليفة العبّاسي بوجود طفل في بيت الإمام العسكري (عليه السلام)، فبعث المعتمد إثر وشايته جلاوزته ليبحثوا عن صقيل جارية الإمام (عليه السلام) حتّى تدلّهم على ذلك الطفل، فأنكرت صقيل ذلك، وادّعت أنّ بها حمل من الإمام العسكري (عليه السلام) حفظاً على الإمام المهدي من تعرّض الأعداء، لذلك حبسوها في بيت حتّى تضع حملها ويقتلوا وليدها، وفي هذه الآونة فوجئوا بموت وزير الخليفة العبّاسي (عبد الله بن يحيى)، وبخروج صاحب الزنج بالبصرة، واضطراب الأوضاع السياسيّة، وكثرة الفوضى، فاستفادت صقيل من هذه الظروف وعادت إلى بيتها(86).
4 - إرسال جماعة لقتل الإمام المهدي (عليه السلام)
ويشهد علي ذلك من أنّهم كانوا في طلبه ليقتلوه (عليه السلام) ما حدّثه لنا رشيق صاحب المادراي قال: «بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر، فأمرنا أن يركب كلّ واحد منّا فرساً ونجنب آخر ونخرج مخفين لا يكون معنا قليل ولا كثير إلاّ على السرج مصلى وقال لنا: إلحقوا بسامرة، ووصف لنا محلّة وداراً وقال: إذا أتيتموها تجدون على الباب خدماً أسود، فاكبسوا الدار، ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(85) حياة الإمام العسكري (عليه السلام): 317.
(86) حقّ اليقين: 320.

(٤٤)

فوافينا سامرة فوجدنا الأمر كما وصفه، وفي الدهليز خادم أسود وفي يده تكّة ينسجها، فسألناه عن الدار ومن فيها، فقال: صاحبها، فوالله ما التفت إلينا وقلّ اكتراثه بنا.
فكسبنا الدار كما أمرنا فوجدناه داراً سرية ومقابل الدار ستر ما نظرت قطّ إلى أنبل منه، كأنّ الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت، ولم يكن في الدار أحد، فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كأنّ بحراً فيه ماء، وفي أقصى البيت حصير قد علمنا أنّه على الماء، وفوقه رجل من أحسن النّاس هيئة قائم يصلّي، فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا.
فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطّى البيت فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتّى مددت يدي إليه فخلّصته وأخرجته وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل، فناله مثل ذلك، وبقيت مبهوتاً.
فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلى الله وإليك، فوالله ما علمت كيف الخبر، ولا إلى من اُجيئ، وأنا تائب إلى الله، فما التفت إلى شيء ممّا قلنا، وما انفتل عمّا كان فيه، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه، وقد كان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدّم إلى الحجّاب إذا وافينا أن ندخل عليه في أي وقت كان، فوافيناه في بعض الليل، فأدخلنا عليه، فسألنا عن الخبر، فحكينا له ما رأينا، فقال: ويحكم لقيكم أحد قبلي وجرى منكم إلى أحد سبب أو قول؟
قلنا: لا، فقال: أنا نفي من جدّي، وحلف بأشد أيمان له أنّه رجل إن بلغه هذا الخبر ليضربنّ أعناقنا، فما جسرنا أن نتحدّث به إلاّ بعد موته»(87).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(87) كتاب الغيبة: 149.

(٤٥)

وممّا يدّل أيضاً على أنّ الخلفاء العبّاسيّين قد عزموا على قتله إن عثروا عليه، ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) لجماعة من شيعته قوله: «بنو اُميّة وبنو العبّاس لمّا أن وقفوا على أنّ زوال مملكة الاُمراء والجبابرة منهم على يدي القائم منّا، ناصبونا للعداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى قتل القائم، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون...»(88).
السؤال التاسع: هل يمكن رؤية الإمام المهدي في زمن غيبته؟
الجواب: نعم، ولماذا لا يمكن، فإنّ الإمام المهدي يعيش على هذه الأرض، بين النّاس، والنّاس تراه ويراهم، ولكن لا يعرفه إلاّ من له حظّ الرؤية. فهذا عليّ بن مهزيار، وإسماعيل الهرقلي، ومحمد بن عيسى البحريني، والعلاّمة الحلّي، والمقدّس الأردبيلي، والسيّد مهدي الطباطبائي الملقّب بـ بحر العلوم، وعشرات من المتّقين الذين فازوا بلقاء الحجّة، وصرّحوا بأنّهم شاهدوه، ونقلوا عنه اُموراً(89).
ولو فرضنا أنّنا شككنا في صحّة قسم من هذه اللقاءات، فإنّه لا يمكننا إنكارها جميعاً. وأمّا ما روي أنّه لمّا دنت وفاة الشيخ أبي الحسن عليّ بن محمّد السمري - آخر النواب الأربعة للإمام المهدي في عصر الغيبة الصغرى - خرج توقيع عن الإمام المهدي (عليه السلام) إليه:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(88) كتاب الغيبة: 106.
(89) انظر كتاب حقّ اليقين: 325. منتهي الآمال: 2 / 508.

(٤٦)

«بسم الله الرحمن الرحيم يا عليّ بن محمّد السُّمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنّك مّيت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك، ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة،... وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفترٍ»(90)، فيقول العلاّمة المجلسي: «لعلّه محمول على من يدّعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه (عليه السلام) إلى الشيعة على مثال السفراء(91).
ولعلّ الإمام المهدي أراد بهذه الرسالة إيقاظ الشيعة عن مؤامرات الأعداء ضدّهم، الذين يريدون بالإسلام كيداً للتلاعب بأحكام الإسلام أو بتغيير ما ثبت بدعوى التشرّف بلقاء الإمام الحجّة الغائب (عليه السلام)، ولذلك سدّ هذا الباب حتّى لا يدّعي أحد - كائناً من كان - أنّه سفير، ونائب خاصّ عنه (عليه السلام).
السؤال العاشر: هل يمكن رؤية الإمام في عالم الرؤيا؟
الجواب: نعم يمكن ذلك، بل ثبت ذلك في عصر حضور النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام)؛ لأن ّ الشيطان لا يمكنه أن يتمثّل بصورة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أو أحد المعصومين كما دلّت الروايات على ذلك.
ولقد رأى بعض الصاحبة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته كأمير المؤمنين (عليه السلام) وبلال الحبشي، وهكذا رأى بعض أصحاب الأئمّة أئمّتهم، وتحدّثوا بذلك ولم ينكروا ذلك عليهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(90) منتهى الآمال: 2 / 508.
(91) بحار الأنوار: 52 / 151.

(٤٧)

ولقد حدّثنا الصادق (عليه السلام) عن أبيه، عن جدّه، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من رآني في منانه فقد رآني، فإنّ الشيطان لا بتمثّل في صورتي ولا في صورة أحدٍ من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم»(92).
قال العلاّمة المجلسي في تفسير هذا الحديث أنّه: «يدلّ الخبر على عدم تمثّل الشيطان في المنام بصورة النبيّ والأئمّة، بل بصورة شيعتهم أيضاً، ولعلّه محمول على خلّص شيعتهم، كسلمان وأبي ذرّ والمقداد وأضرابهم»(93).
وقال الشيخ الصدوق مؤيّداً الأحاديث الرؤية: «وروي في الأخبار الصحيحة عن أئمّتنا (عليهم السلام) أنّ من رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أو واحداً من الأئمّة صلوات الله عليهم قد دخل مدينة أو قرية في منامه، فإنّه أمن لأهل تلك المدينة أو القرية ممّا يخافون ويحذرون، وبلوغ لما يألمون ويرجون»(94).
فتحصّل ممّا سبق أنّه يمكن رؤية الإمام المهدي في المنام لأنّه أحد الأئمّة الهداة، والشيطان لا يتمثّل به، وأنّ رؤيته (عليه السلام) في المنام خير ويسر إن شاء الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(92) البحار الأنوار: 58 / 176.
(93) المصدر المتقدّم: 234.
(94) كمال الدين: 1 / 210.

(٤٨)

طبق الروايات الصحيحة الواردة، أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) ولد في سنة 255 هجريّة، وعلى هذا يكون عمره الشريف حالياً (1171) سنة، فهذا العمر الطويل المبارك أثار تساؤلات وشبهات في أذهان بعض المسلمين بأنّه هل يمكن أن يعمّر الإنسان هذا العمر الطويل، هل لهذا العمر الطويل سابقة سبق بها الأنبياء أو النّاس العاديّين أو لا يمكن؟
وخُصّص هذا الفصل للإجابة على هذه الأسئلة.
السؤال الحادي عشر: هل يمكن أن يعيش الإنسان هذا العمر الطويل؟
الجواب: طول العمر ليس أمراً محالاً، ولكنّه ليس أمراً عاديّاً في الحقيقة، وغير العادي يقال للحوادث التي لا يعتبر وقوعها محالاً، ولكنّها نادرة الوقوع، فإنّ شفاء الأمراض الصعبة علاجها إثر الدعاء أو التوسّل بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أو بالأئمّة المعصومين (عليه السلام)، أو سقوط إنسان من مكان مرتفع وبقاءه حيّاً لا يمكن أن نقول إنّه محال، بل هو أمر عادي.
فكذلك مسألة طول العمر في الإنسان، ليس أمراً محالاً، ولكنّه أمراً غير عادي، ومن هذا الباب أيضاً معجزات الأنبياء، وكرامات الأئمّة الهداة، فإنّها اُمور غير عادية.

(٥١)

وأمّا علم الطب الحديث لم يستطع لحدّ الآن أن يكتشف سرّ الموت، أو أن ينفي إمكان طول العمر، أو يحدّد ذلك، بل اعتقد علماء الغرب اليوم أنّ البشر يمكنهم أن يعمّروا مئات السنين.
يقول الدكتور الأميركي كيلورد: «إنّ علم الطب في هذا اليوم بمعونة علم التغذية رفع الموانع والحدود التي تمنع البشر من أن يعمّروا، ونحن اليوم على خلاف ما كان عليه أجدادنا وآبائنا، نأمل أن نعيش أعماراً طويلة»(95).
وكذلك الدكتور جورج رئيس الجامعات في ألمانيا، حيث قام بالتحقيق على نبات يسمّى باللاتينيّة: «سابرولينا مسكتا»، وهو يعيش على ظهر الذباب الأزرق، ولا يعيش أكثر من أسبوعين، وقام بزرعه بعد ما وفّر له ظروف خاصّة، فعاش ستّ سنين بدل أسبوعين، وهذه التجربة تساعدنا في تشبيه عمر الإنسان حالياً إلى 10920 سنة»(96).
يعني لو كان بإمكان البشر أن يطوّل عمر النبات من أسبوعين إلى ستّ سنوات، فكيف لا يمكن أن يعيش الإنسان بهذه النسبة من عمره إلى عشرة آلاف سنة وأكثر.
السؤال الثاني عشر: هل أشار القرآن الكريم إلى مسألة طول عمر البشر؟
الجواب: نعم ورد في القرآن الكريم آيات تدلّ على طول العمر بين الجنّ والإنس، فمنها:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(95) پاسخ ما: 17.
(96) المصدر المتقدّم: 20.

(٥٢)

1 - قول الله تبارك وتعالى للشيطان: (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)(97).
فلو تأمّلنا في هذه الآية الشريفة، وما جرى بين الشيطان وخالقه من كبره على الله، وعدم الائتمار بأمره، وطرده من رحمته، طلب من الباري جلّ وعزّ أن يمهله إلى يوم الوقت المعلوم، الذي فسّر بيوم ظهور المهدي (عليه السلام)، فإنّنا لو فرضنا أنّه حان وقت ظهوره (عليه السلام) لكان عمر الشيطان من بداية خلق آدم حوالي ثمانية آلاف سنة، فما يكون إذاً لو أضفنا عمره قبل خلق آدم وإلى ظهور المهدي الذي لا يعلم ذلك إلاّ الله.
2 - وذكر القرآن الكريم في قصّة نوح (عليه السلام)، وما جرى بينه وبين قومه في أداء رسالته الإلهيّة، وما تحمّل من الأذى، فقال عزّ من قائل: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا)(98).(99)
3 - وأشار أيضاً إلى قصّة يونس: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)(100)، أي لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، وبما أنّ يوم القيامة غير معيّن من حيث الزمان، عرفنا أنّ القرآن الكريم أشار إلى مسألة طول عمر يونس من كونه حيّاً وباقياً في بطن الحوت إلى يوم القيامة إذا ما كان من المسبّحين.
4 - وأشار أيضاً إلى قصّة أصحاب الكهف، ونومهم أكثر من ثلاثمائة سنة بقوله:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(97) الحجر (15): 37 و 38.
(98) العنكبوت (29): 14.
(99) نور الثقلين: 4 / 154.
(100) الصافّات (37): 143 و 144.

(٥٣)

(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا)(101)، فلا شكّ أنّ هذا العمر طويل، ولا شكّ أيضاً أنّ الذي يعيش ثلاثمائة سنة سيعيش أكثر من ذلك لو قدّر الله له ذلك.
فلو أضفنا سنين حياتهم قبل النوم وبقاءهم بعد اليقظة إلى زمان المهدي (عليه السلام)، كما سنشير إليه في أصحابه، نستنتج ما أشار إليه القرآن الكريم في مسألة طول العمر بالنسبة إلى الإنسان، ومنه إمكان هذا العمر الطويل بالنسبة إلى الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).
السؤال الثالث عشر: هل سبق المهدي (عليه السلام) أحدٌ من النّاس بطول العمر؟
الجواب: إنّ مسألة طول العمر تعتبر من المسلّمات في تاريخ البشريّة، ولو راجعنا بعض الكتب لعثرنا على أسماء كثير من النّاس ممّن عمّروا، وطول العمر أيضاً لا يختصّ بالصالحين فقط؛ لأنّ كثيراً من الكفرة والظلمة كان لهم عمراً طويلاً، فمثلاً: عاش شدّاد بن عاد 900 سنة، وعمر بن عامر 800، وزهير بن عباب 300 سنة، وابن هبل بن عبد الله 600 سنة، ومستوعر بن ربيعة 330 سنة، ودريد بن زيد 450 سنة، وقس بن عبادة 600 سنة(102).
وأمّا من بين الصالحين، فعاش لقمان بن عاد 3500 سنة(103)، وعاش عليّ بن عثمان المعروف بابن أبي الدنيا 309 سنة(104).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(101) كهف (18): 25.
(102) راجع بحار الأنوار: 51 / 255 - 288.
(103) الشيعة والرجعة: 1 / 295. فردوس الأخبار: 3 / 86.
(104) الشيعة والرجعة: 1 / 295. فردوس الأخبار: 3 / 86.

(٥٤)

وأمّا مسألة طول العمر بين الأنبياء العظام، فكانت من الاُمور الطبيعيّة والعادية فيهم، وقد اُشير إلى ذلك في كثير من الروايات.
فمن الذين عمّر طويلاً نوح النبيّ (عليه السلام)، فقيل: إنّه عاش 1000 أو 1400 أو 1450 أو 1470 أو 2300 أو 2500 سنة، ولقد مرّ عليك أنّ القرآن صرّح أنّ فترة دعوته في قومه كانت 950 سنة، وثبت أيضاً هذا العمر الطويل بالنسبة إلى سائر الأنبياء، مثلاً: سيّدنا آدم (عليه السلام) عمّر 930 سنة، وعمّر سليمان (عليه السلام) 712، أو 1000 سنة، وهكذا شيث (عليه السلام) عمّر 920 سنة، وهود (عليه السلام) عاش 670 سنة.
هذا بالنسبة إلى الأنبياء الذين عاشورا وماتوا، وأمّا بالنسبة إلى الياس النبيّ أو إدريس أو عيسى أو الخضر (عليهم السلام)(105)، الذين هم أحياء إلى يومنا هذا، فحدّث ولا حرج من طول عمرهم، وقد خصّص الشيخ الوالد رحمه الله في كتابه الشيعة والرجعة فصلاً خاصّاً عن هؤلاء المعمّرون من الأنبياء وغيرهم، فراجع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(105) راجع: الشيعة والرجعة: 293 - 300.

(٥٥)

إنّ مسألة غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) من المسائل المهمّة الغامضة، ولا يهتدي أحد إلى أسرارها، فلا شكّ أنّ الله جعل ذلك لأسباب ومصالح، وأخفاها علينا، ولا تظهر تلك الأسرار إلاّ بعد ظهوره (عليه السلام)، وقد يختلج في الأذهان بعض الأسئلة، فمنها:
ما هي علل هذه الغيبة؟ وهل حصلت الغيبة لنبيّ أو وصيّ قبل الإمام المهدي؟ وما هو معني انتظار الفرج؟ ولماذا يجب علينا أن نهيّأ أنفسنا ليوم ظهوره (عليه السلام)؟ وما الآثار المترتّبة على انتظار الفرج، وغير ذلك ممّا سنبحث عنه في هذا الفصل.
السؤال الرابع عشر: هل وقعت غيبة قبل الإمام المهدي؟
الجواب: إنّ مسألة الغيبة كما قلنا هي من الأسرار الإلهيّة، ولا تختصّ بالحجّة بن الحسن (عليه السلام) فقط، وقد حصل ما يشابه هذه الغيبة لبعض أنبياء الله العظام، كآدم ونوح وإدريس وصالح وإبراهيم ويوسف وموسى وشعيب وإسماعيل وإلياس ولوط ودانيال وعزير وعيسى ونبيّ الإسلام محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وعليهم أجمعين.
فكان لبعضهم غيبة صغرى، وبعضهم غاب ولا يزال غائباً إلى الآن،

(٥٩)

فنبيّ الله صالح (عليه السلام) غاب عن قومه فترة من الزمن ثمّ رجع إليهم، فافترق النّاس فيه إلى ثلاثة فِرق: فرقة أنكروا نبوّته، وفرقة ما زالت في الشكّ، وفرقة بقيت على الوفاء بعدها وإيمانها به.
وأمّا إدريس، فغاب عن قومه بعد مواجهة طاغوت عصره ما يقارب عشرين سنة. فقال لعشرة من أتباعه قبل غيبته: «لقد دعوت الله (عزّ وجلّ) أن يحبس قطر السماء عن هذه البلدة فأخرجوها أنتم منها أيضاً. وهكذا إلياس (عليه السلام) الذي خرج إلى الصحاري والقفاز، وغاب عن قومه سبع سنين. وهكذا موسى (عليه السلام) غاب سبع وعشرون سنة، ودانيال (عليه السلام) غاب تسعين سنة»(106).
فتحصّل أنّ المسألة لم تنحصر في الإمام المهدي فقط، بل سبقه جمع من الأنبياء عليهم صلوات الله الملك العلاّم.
السؤال الخامس عشر: ما هي علّة غيبة الإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: قلنا إنّ مسألة الغيبة تعتبر من الأسرار الإلهيّة، ولا يعرف سرّها إلى اليوم غير المعصومين (عليهم السلام)، ومن هنا لما طرحت مسألة الغيبة قبل ولادة المهدي (عليه السلام) كثرت الأسئلة عنها، ولمّا لم يؤذنوا بإفشاء هذا السرّ، جهل النّاس علّة ذلك.
يقول عبد الله بن الفضل الهاشمي: «سمعت الإمام الصادق (عليه السلام) يقول - لمّا سألته عن وجه الحكمة في غيبته: - وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدّمة من حجج الله تعالى، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(106) راجع كتاب الشيعة والرجعة: 1 / 329.

(٦٠)

كما لم ينكشف وجه الحكمة لمّا اَتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة، وقتل الغلام، واقامة الجدار، إلاّ بعد افتراقهما. يا بن الفضل، إنّ هذا الأمر أمر من الله، وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنّه (عزّ وجلّ) حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا»(107).
فالمعصومون (عليه السلام) وإن سكتوا عن بيان العلّة الأصليّة للغيبة للنّاس، ولكنّهم أشاروا إلى بعض حكم الغيبة، فمنها:
1 - حتّى تجري عليه سنن الأنبياء الماضين
إنّ الله (عزّ وجلّ) أجرى بعض سننه في أنبياءه، ومن المفروض أن يجري شبيه هذه السنن في قائم آل محمّد (عليه السلام)، ومن جملة هذه السنن مسألة غيبة الأنبياء، فكان اللازم عليهم طبقاً للمصالح والعلل أن يغيبوا مدّة عن قومهم، وكانت هذه الغيبات تطول أحياناً وتقصر اُخرى. وفي اُمّة الإسلام اختصّت هذه المسألة بالإمام المهدي (عليه السلام).
يقول سدير الصيرفي: «قال الصادق (عليه السلام): إنّ للقائم (عليه السلام) منّا غيبة يطول أمدها.
فقلت: ولِمَ ذلك يا بن رسول الله؟
قال: إنّ الله (عزّ وجلّ) أبي إلاّ أن يُجري منه سنن الأنبياء في غيباتهم، وأنّه لا بدّ له - يا سدير - من استيفاء مدد غيباتهم. قال الله تعالى: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ)(108)، أي سنناً على سنن من كان قبلكم»(109).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(107) بحار الأنوار: 52 / 91.
(108) الانشقاق (84): 19.
(109) بحار الأنوار: 52 / 90.

(٦١)

2 - اختبار الشيعة وتمييزهم
لعلّ من أهمّ الحكم في غيبة المهدي (عليه السلام) هو اختيار الشيعة وامتحانهم في غيبة إمامهم، وما أصعب هذا الاختبار حتّى يتميّز فيه الخلّص من غيرهم، والجيّد من الرديء.
قال الصادق (عليه السلام): «والله لا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تميّزوا وتمحّصوا، ثمّ يذهب من كلّ عشرة شيء، ولا يبقى منكم إلاّ الأندر، ثمّ تلا هذه الآية: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)(110)»(111).
وروي عن جابر الجعفي، قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): متى يكون فرجكم؟
فقال: هيهات لا يكون فرجنا حتّى تغربلوا، ثمّ تغربلوا، ثم تغربلوا، يقولها ثلاثاً حتّى يذهب الله تعالى الكدر ويبقى الصفو»(112).
وورد أيضاً في عدّة من الروايات تعابير مختلفة عن هذا التمييز والتمحيص والاختبار بقولهم إلاّ بعد إياس، أو حتّى يشقى من شقي، أو إنّما هي محنة من الله، أو حتّى يذهب ثلثا النّاس، أو كمخيض الكحل في العين، أو لتكسرنّ كسر الزجاج، أو لتكسرنّ كسر الفخار.
فعن الطوسي بسنده عن محمّد بن منصور، عن أبيه، قال: «كنّا عند أبي عبد الله جماعة نتحدّث، فالتفت إلينا فقال: في أي شيء أنتم أيهات أيهات، لا والله لا يكون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(110) آل عمران (3): 142.
(111) معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): 5 / 64.
(112) كتاب الغيبة: 206.

(٦٢)

ما تمدّون إليه أعينكم حتّى تغربلوا، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى تميّزوا، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم إلاّ بعد أياس، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى يشقى من شقي ويسعد سعد»(113).
وعنه أيضاً عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: «إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمّة فالله الله في أديانكم، لا يزيلنّكم عنها أحد.
يا بنيّ، لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنّما هي محنّة من الله إمتحن الله تعالى بها خلقه»(114).
وعنه أيضاً عن الربيع بن محمّد المسلمي، قال: «قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): والله لتكسرنّ كسر الزجاج، وأنّ الزجاج يعاد فيعود كما كان، والله لتكسرنّ كسر الفخار وأنّ الفخار لا يعود كما كان، والله لتميزنّ، والله لتمحصنّ، والله لتغربلنّ كما يغربل الزوان من القمح»(115).
3 - تأديب النّاس
ومن سنن الله (عزّ وجلّ): تأديب النّاس إذا كفروا بالنعم الإلهيّة، ولم يؤدّوا شكره، ومن أفضل الأساليب النّاس سلب النعمة منهم ممّا يسبّب انتباههم، وتغيير ما بأنفسهم، فيعودوا إلى التضرّع والابتهال إلى الله تعالى حتّى يعيد عليهم تلك النعم التي سلبت منهم لكفرهم. وأيّ نعمة أعظم وأكثر بركة من وجود النبيّ والمعصومين عليه وعليهم السلام، فهم الذين عاشوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(113) كتاب الغيبة: 203.
(114) المصدر المتقدّم: 204.
(115) المصدر المتقدّم: 206.

(٦٣)

قرابة 273 سنة بين النّاس، أي من بداية البعثة النبويّة إلى استشهاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، ولكنّ النّاس لم يعرفوا منزلتهم، فأخذ الله (عزّ وجلّ) هذه النعم منهم.
ولقد حاربتهم الحكومات الظالمة، وزجّتهم في السجون، واستهانت بهم، وقتلتهم واحداً تلو الآخر، فلو عرف النّاس منزلة هذه النعم لما أصابنا اليوم حرقة فراق الإمام المهدي (عليه السلام).
فعلينا أن نبحث عن هذه النعمة، ونطلب من الباري جلّ وعلا أن يردّه علينا كي نستظلّ بظلّ وجوده في أيّام ظهوره (عليه السلام).
روي الشيخ الصدوق في علله بسنده عن مروان الأنباري، قال: «خرج من أبي جعفر (عليه السلام): إنّ الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم»(116).
4 - حتّى لا يكون في عنقه بيعة لأحد
ومن الحكم المشار إليها في الروايات والأحاديث الإسلاميّة أن لا تكون لأحد في عنقه بيعة: لأنّ الإمام المهدي - كما أشارت الروايات بذلك - تختلف ظروفه تماماً مع سائر المعصومين (عليهم السلام)، فهو لا يخضع لأي سلطة، فلو ظهر قبل تحقّق شروط ظهوره كاملة، فإمّا أن يكون تابعاً لحكومة معيّنة وخاضعاً لها، وهذا الأمر مخالف لما روي، فعليه أن يكون غائباً حتّى لا يكون في عنقه بيعة لأحد من الخلق.
روى عليّ بن الحسن الفضّال، عن أبيه، عن الرضا (عليه السلام)، قال: «كأنّي بالشيعة عند فقدانهم الثالث من ولدي يطلبون المرعى فلا يجدونه.
قلت له: ولِمَ ذلك يا بن رسول الله؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(116) علل الشرائع: 1 / 234. بحار الأنوار: 2 / 90.

(٦٤)

قال: لأنّ إمامهم يغيب عنهم.
فقلت: ولِمَ؟
قال: لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف»(117).
5 - الخوف من القتل
ورد في عدّة من الروايات عن الباقر والصادق (عليهما السلام) حكمة اُخرى لغيبة
الإمام المهدي (عليه السلام)، وهي الخوف من القتل، فعن زرارة عن الباقر (عليه السلام)، قال: «إنّ للغلام غيبة قبل ظهوره.
قلت: لِمَ؟
قال: يخاف، وأومأ بيده إلى بطنه.
قال زرارة: يعني القتل»(118).
فلو قيل: ألم يكن بقيّة المعصومين (عليهم السلام) قد عاشوا بين النّاس رغم أنّهم كانوا عرضة للقتل؟
قلنا: مع علم الجبابرة بأن المعصومين لم يقصدوا الخلافة، ولكن كانوا بانتظار حكومة تطيح بالجبارة، وهي حكومة المهدي (عليه السلام)، خلقوا لهم مشاكل من التضييق والتهمة والحبس والقتل، فكيف بالمهدي الذي يقوم بالسيف، وينكس المستكبرين من على عروشهم، فهل يمكنه أن يعيش بكلّ حريّة بين النّاس من دون أي مضايقة وشدّة من قِبل الخلفاء، فلا شكّ أنّه مهدّد بالقتل أينما وجد، وإن رأوه معلّقاً بأستار الكعبة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(117) كمال الدين: 2 / 480.
(118) الغيبة / النعماني: 176.

(٦٥)

ومن جهة اُخرى: قلنا إنّ الشرائط تختلف بينه وبينهم، فإنّه لو قتل أحدهم كان آخر يقوم مقامه، فإذا قتل الإمام المهدي فمن الذي يقوم مقامه ويملأ الأرض عدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، فخوفاً من قتله قبل ظهوره وجبت غيبته.
وأمّا الخوف المصرّح به في الروايات فلا يكون على نفسه كخوفنا على أنفسنا؛ لأنّ الشهادة والقتل في سبيل الله هي إحدى الكرامات التي يفتخر بها الأئمّة (عليهم السلام)، والمهدي أيضاً سوف يستشهد في النهاية على ما قيل، ولكن علينا أن نعرف ما هو سبب خوفه؟
فنقول: إذا قُتل (عليه السلام) قبل أن يظهر، فإنّ الأرض ستخلو من الحجّة، وهذا غير ممكن، وستبقي أيضاً دولة الحقّ بدون قائدها، وهو غير ممكن أيضاً.
روى الشيخ الطوسي بسنده عن ضريس الكناسي، عن أبي خالد الكابلي، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) أن يسمّي القائم حتّى أعرفه، فقال: يا أبا خالد، سألتني عن أمر لو أنّ بني فاطمة عرفوه لحرصوا على أن يقطوه بضعة بضعة»(119).
وقال الصادق (عليه السلام) لبعض أصحابه: «أمّا مولد موسى (عليه السلام)، فإنّ فرعون لمّا وقف على زوال ملكه على يده أمر إحضار الكهنة فدلّوا على نسبه، وأنّه يكون من بني إسرائيل، فلم يزل يأمر أصحابه بشقّ بطن الحوامل من نساء بني إسرائيل حتّى قتل في طلبه نيف وعشرون ألف مولود، وتعذّر عليه الوصول إلى قتل موسى (عليه السلام) بحفظ الله تعالى إياّه، كذلك بنو اُميّة وبنو العّباس، لمّا أن وقفوا على أنّ زوال مملكة الاُمراء والجبابرة منهم على يدي القائم ناصبونا للعداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلى قتل القائم،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(119) كتاب الغيبة / الطوسي: 202.

(٦٦)

فأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة، إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون»(120).
6 - حتّى يخرج المؤمنون من صلب الكافرين
لا شكّ أنّ في كثير من أصلاب الكفّار رجال مؤمنون، ولا يظهر المهدي إلاّ بعد تفريغ هذه الأصلاب؛ لأنّه لما يظهر سوف لا يساوم مع أعدائه، لا يقضي عليهم إن لم يدخلوا في السلم كافّة، فلو لم تفرغ هذه الأصلاب قبل الظهور ومن كان من حقّه أن يعيش ويستضيئ بنور الإمام الهادي (عليه السلام)، ومن هنا فإنّ الإرادة الإلهيّة قد اقتضت أن تطول غيبة الإمام الغائب حتّى يأتي إلى الدنيا جميع المؤمنين ممّن لا بدّ أن يولدوا.
روى القمّي عن أحمد بن عليّ، قال: «حدّثنا الحسين بن عبد الله السعدي، قال: حدّثنا الحسن بن موسى الخشّاب، عن عبد الله بن الحسين، عن بعض أصحابه، عن فلان الكرخي، قال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام): ألم يكن عليّ قوياً في بدنه، قويّاً في أمر الله؟
قال له أبو عبد الله (عليه السلام): بلى.
قال له: فما منعه أن يدفع أو يمتنع؟
قال: قد سألت فافهم الجواب، منع عليّاً من ذلك آية من كتاب الله.
فقال: وأيّ آية؟
فقرأ: (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)(121)، إنّه كان لله ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن عليّ (عليه السلام) ليقتل الآباء حتّى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(120) كتاب الغيبة / الطوسي: 106.
(121) الفتح (48): 25.

(٦٧)

تخرج الودائع، فلمّا خرج ظهر على من ظهر وقتله، وكذلك قائمنا أهل البيت، لم يظهر أبداً حتّى تخرج ودائع الله، فإذا خرجت يظهر على من يظهر فيقتله»(122).
السؤال السادس عشر: ما هو وجه الانتفاع بالمهدي في زمن الغيبة؟
الجواب: انتفاع النّاس بالمهدي (عليه السلام) كالانتفاع بسائر الأئمّة الهداة في حياتهم، فلولاهم لما عُبِدَ الله، ولساخت - أو لماجت - الأرض بأهلها، ولمّا لم يكن فرق بين حضور الإمام وغيبته في هذا التأثير كان مثاله (عليه السلام) مثال الشمس أن جلّلها السحاب، فكما ينتفع النّاس به، وتستضيئ بنوره في غيبته.
وهذا ممّا أجاب به النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) والإمام الصادق والإمام المهدي (عليهما السلام) لمن سئل ذلك.
وإليك ما روي في هذا السؤال:
1 - روى الصدوق بسنده عن جابر الجعفي، عن جابر الأنصاري، أنّه سأل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): «هل ينتفع الشيعة بالقائم (عليه السلام) في غيبته؟
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): إي والذي بعثني بالنبوّة إنّهم لينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع النّاس بالشمس وإن جلّلها السحاب»(123).
2 - وروى الصدوق أيضاً عن السنائي، عن ابن زكريّا، عن ابن حبيب، عن الفضل بن الصقر، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن الصادق (عليه السلام)، قال: «لم تخلو الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها، ظاهر مشهور أو غائب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(122) تفسير القمّي: 2 / 316. علل الشرائع: 147.
(123) بحار الأنوار: 52 / 92، عن كمال الدين.

(٦٨)

مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله.
قال سليمان: فقلت للصادق (عليه السلام): فكيف ينتفع النّاس بالحجّة الغائب المستور؟
قال: كما يتفعون بالشمس إذا سترها السحاب»(124).
3 - وكتب الإمام المهدي إلى إسحاق بن يعقوب في زمن الغيبة الصغرى، وخرج ذلك على يد محمّد بن عثمان، وقال فيه:
«وأمّا علّة ما وقع من الغيبة، فإنّ الله (عزّ وجلّ) يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)(125) إنّه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي، وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، فاغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم، ولا تتكلّفوا على ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلك فرجكم، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب، وعلى من اتّبع الهدى»(126).
قلت: بيّن العلاّمة المجلسي وجه التشبيه بالشمس ضمن اُمور نذكرها تتميماً للفائدة، فقال:
«التشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب يومئ إلى اُمور:
الأوّل: أنّ نور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه (عليه السلام)؛ إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنّهم العلل الغائيّة لإيجاد الخلق، فلولاهم لم يصل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(124) أمالي الصدوق: 186. بحار الأنوار: 52 / 92.
(125) المائدة (5): 101.
(126) الاحتجاج: 2 / 469. بحار الأنوار: 52 / 92.

(٦٩)

نور الوجود إلى غيرهم، وببركتهم والاستشفاع بهم، والتوسّل إليهم يظهر العلوم والمعارف على الخلق، ويكشف البلايا عنهم، فلولاهم لاستحقّ الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب، كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ)(127)، ولقد جرّبنا مراراً لا نحصيها أنّ عند انغلاق الاُمور، وإعضال المسائل، والبعد عن جناب الحقّ تعالى، وانسداد أبواب الفيض، لما استشفعنا بهم وتوسّلنا بأنوارهم، فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت، فتنكشف تلك الاُمور الصعبة، وهذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الإيمان، وقد مضى توضيح ذلك في كتاب الإمامة.
الثاني: كما أنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع النّاس بها ينتظرون في كلّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها، ليكون انتفاعهم بها أكثر، فكذلك في أيّام غيبته (عليه السلام)، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كلّ وقت وزمان، ولا ييأسون منه.
الثالث: أنّ منكر وجوده (عليه السلام) مع وفور ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.
الرابع: أنّ الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب، فذلك غيبته (عليه السلام) أصلح لهم في تلك الأزمان، فلذا غاب عنهم.
الخامس: أنّ الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب، وربّما عمي بالنظر إليها لضعف الباصرة عن الإحاطة بها، فكذلك شمس ذاته المقدّسة ربّما يكون ظهوره أضرّ لبصائرهم، ويكون سبباً لعماهم عن الحقّ، وتحتمل بصائرهم الإيمان به في غيبته، ينظر الإنسان إلى الشمس من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(127) الأنفال (8): 33.

(٧٠)

تحت السحاب ولا يتضرّر بذلك.
السادس: أنّ الشمس قد تخرج من السحاب وينظر إليها واحد دون واحد، فكذلك يمكن أن يظهر (عليه السلام) في أيّام غيبته لبعض الخلق دون البعض.
السابع: أنّهم (عليهم السلام) كالشمس في عموم النفع، وإنّما لا ينتفع بهم كان أعمى كما فسّر به في الأخبار قوله تعالى: (وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا)(128).
الثامن: أن الشمس كما أنّ شعاعها يدخل البيوت، بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع، فكذلك الخلق أنّما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانيّة، والعلائق الجسمانيّة، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولائيّة إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.
فقد فتحت لك من هذه الجنّة الروحانيّة ثمانية أبواب، ولقد فتح الله علَيَّ بفضله ثمانية اُخرى تضيق العبارة عن ذكرها، عسى الله أن يفتح علينا وعليك في معرفتهم ألف باب، يفتح من كلّ باب ألف باب»(129).
السؤال السابع عشر: لماذا اُلزمت الشيعة أن تهيّأ نفسها لظهور الإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: لا شكّ أنّ للحصول على أهداف كلّ ثورة بحاجة إلى معرفة الثورة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(128) الإسراء (17): 72.
(129) بحار الأنوار: 52 / 93.

(٧١)

وقائدها، وللوصول إلى أهداف ثورة الإمام المهدي المقدّسة علينا أن نعرفه أوّلاً، ثمّ نتأمّل في نهضته ودولته وأهدافه السامية، وما يريد منّا قبل ذلك، فهذه التأمّلات تدفعنا أن نمهّد لأنفسنا ونتهيّأ لذلك، ومهّد القرآن الكريم والنبيّ والأئمّة الطاهرين وبيّنوا أبعاد نهضة الإمام الغائب بشتّى الطرق، فكما مرّ عليك أنّ القرآن الكريم ذكر في عدّة آيات وراثة الصالحين للأرض، فقال: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(130).
وقال: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)(131).
وقال: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)(132).
ومن هنا اُلزم النّاس أن يفكّروا بالصالحين الذين سيرثون الأرض من هم هؤلاء؟ وما هي ميزاتهم؟ ولماذا اختاروا هؤلاء دون الآخرين؟ وكيف يحكمون الأرض؟ وكيف يحكِّمون القرآن والإسلام في العالم؟ وما هي أساليب استخدام ذلك؟ ومن هنا تبدأ التساؤلات حول هذه القضيّة.
ولمّا نزلت هذه الآيات أخبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) المسلمين منذ البداية بالحكومة العالميّة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(130) الأنبياء (21): 105.
(131) القصص (28): 5.
(132) النور (24): 55.

(٧٢)

بقيادة قائد عظيم من أبنائه، والذي إسمه على إسمه، وكنيته مثل كنيته(133)، ونقلت عنه روايات كثيرة في ذلك، حيث عرّفت النّاس بهذا الوجه المقدّس، وهذه الحكومة الإلهيّة، وما يلزم عليهم قبل ذلك.
ولقد بيّنت العترة الطاهرة (عليهم السلام) إثر ما بيّنه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أكثر ممّا سبق عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ووضّحوا جميع أبعادها بشكل تكون جميع تلك الروايات والأحاديث الإسلاميّة متحدّثة عن مسألة التمهيد والتهيئة لدولة الإمام المهدي (عليه السلام).
وأمّا كيفيّة التمهيد لظهوره فهي كثيرة نشير إلى بعضها:
1 - مواجهة البدع والانحرافات
قلنا قبل ذلك إنّ أحد أسباب غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) هو الذنوب التي تحطّ من قيمة المجتمع، وأنّ مواجهة هذه الاُمور تعتبر من عوامل التمهيد لظهور الإمام (عليه السلام)؛ لأن دولة المهدي دولة المواجهة ضدّ الفساد والبدع والانحراف، ومن أهدافه السامية، فقد قال النبيّ في ذلك: «يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(134)، فمن أراد أن يهيّأ نفسه لدولة الإمام المهدي (عليه السلام) فعليه أن يعمل عمل الإمام، ويواجه البدع، ويتعاون معه في هذا السبيل.
فلقائل يقول: إذا أردنا أن نسرع في ظهور المهدي علينا أن ننشر الفساد أو فعلى الأقلّ أن نسكت أمام الفساد والانحراف حتّى يعمّ الفساد في المجتمع ويظهر المهدي عند ذلك.
قلنا: مع العلم بأنّ هذه النظريّة فاسدة ولا أساس لها، فإنّ الإمام المهدي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(133) تذكرة الخواصّ: 263. عقد الدرر: 32.منهاج السنّة: 4 / 211.
(134) الغيبة / النعماني: 81.

(٧٣)

لمّا يظهر يملأ الأرض عدلاً، لا أنّه لن يظهر حتّى تمتلأ الأرض ظلماً وجوراً.
والدليل على ذلك: أنّ الأرض ملئت ظلماً، فلماذا لا يظهر الإمام إذن.
2 - بيان أهداف الإمام الحجّة (عليه السلام)
وعلينا تثقيف المجتمع الإسلامي، بل البشري، بعد الوصول إلى معرفته (عليه السلام) بما سيقدّمه تحت ظلّ الدولة الإسلامية إلى النّار بأنّ من أهداف الإمام (عليه السلام) تطبيق القرآن والدين على جميع النّاس في العالم، وأنّه ينشر الأمن والسلام، ويؤكّد على ذلك في دولته، فحكومته إذن لبسط العدالة في الأرض، وهي حكومة الأخلاق والقيم الإسلاميّة والإنسانيّة، والإمام (عليه السلام) هو الذي يحقّق في النهاية أهداف الأنبياء العظام التي دعوا إليها ولم تحقّق إلى الآن.
فمعرفة كلّ ذلك، ثمّ نقله إلى الآخرين للتعرّف عليه وعلى حكومته، تعدّ من طريق التمهيد لظهوره (عليه السلام)، وتلخص من جميع ذلك: أنّ الإمام سيقوم بعمل لم يقم أحد في مرّ التاريخ، لا الأنبياء ولا أيّ حاكم على وجه الأرض، حيث يحقّق كلّ الأماني.
فالاعتقاد بهذه الاُمور يدعونا إلى العمل من أجل الوصول إلى هذه الحكومة، ونرفع عن طريقنا ما يمنعنا من الوصول إلى ذلك، بل نقوم أيضاً بترغيب الآخرين، وكلّ هذه الأعمال سوف تحقّق الأرضيّة للظهور.
3 - انتظار الفرج
ومن جملة الاُمور التي تمهّد لظهور الإمام المهدي (عليه السلام) انتظار الفرج، ذاك الانتظار الذي دعانا إليه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومين، والذي عبّرت عنه الروايات والأحاديث بانّه أفضل عبادة للمؤمنين. قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «أفضل أعمال اُمّتي

(٧٤)

انتظار فرج الله عز وجلّ»(135).
وعن الصادق (عليه السلام): «من مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم»(136).
4 - معرفة الوظائف والعمل بها
إنّ علمائنا قد ذكروا وظائفاً وأعمالاً للمؤمنين في أيّام غيبته الكبرى؛ وذلك استناداً إلى الروايات والأحاديث ووصايا الرسول والأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، وكلّ واحد منهم يعتبر تمهيداً لظهور المهدي (عليه السلام)، ولقد أشار المحدّث القمّي إلى بعضها كما يلي:
«1 - الاغتمام له (عليه السلام) بسبب غيبته.
2 - الدعاء لحفظ وجوده المقدّس من شياطين الإنس والجنّ، وهكذا لتعجيل فرجه الشريف، والدعاء له بالنصر على أعدائه.
3 - التصدّق عنه بقدر الاستطاعة لدفع البلاء عنه (عليه السلام).
4 - الحجّ عنه نيابة، كما كان معروفاً بين الشيعة سالفاً.
5 - القيام تعظيماً له عند سماع إسمه الشريف، وعلى الخصوص عند سماع لقب القائم (عجّل الله تعالى فرجه شريف).
6 - التضرّع والابتهال إلى الله تعالى لحفظ الدين والإيمان من مكر الشياطين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(135) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2 / 36. بحار الأنوار: 52 / 122.
(136) المحاسن: 1 / 173. بحار الأنوار: 52 / 125، كما أنّه اُشير أيضاً إلى مسألة انتظار الفرج في كتب أهل السنّة، راجع المعجم الكبير / الطبراني: 10 / 124. مسند شهاب: 1 / 62. تاريخ بغداد: 2 / 154.

(٧٥)

والنجاة من الشبهات.
7 - الاستغاثة والاستعانة به في الشدائد، والأهوال، والبلايا، والأمراض، وحلول الشبهات، والفتن»(137).
وقد تحدّث العلاّمة الكبير السيّد محمّد تقي الموسوي الأصفهاني رحمه الله عليه في مؤلّفه حول هذه الوظائف، وقد أنها إلى خمسين وظيفة، فمن أراد ذلك فليراجع كتابه وظيفة الأنام(138).
السؤال الثامن عشر: ما المقصود من انتظار الفرج؟
الجواب: إنّ من الوظائف المسلّمة في عصر الغيبة الكبرى هو انتظار الفرج، وعقد العلّامة المجلسي فصلاً خاصّاً في بحار الأنوار حول هذه الوظيفة، وذكر سبعين رواية عن المعصومين في ذلك، وعدّ الانتظار في هذه الأحاديث من دين الأئمّة وأفضل الأعمال، وأحبّ الأعمال، وأفضل العبادة.
فالمنتظر هو كالمتشحّط بدمه في سبيل الله، وهو بمنزلة من كان مع القائم في فسطاطه، وبمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله، وكمن استشهد مع رسول الله، وكالشاهر سيفه بين يدي رسول الله يذبّ عنه، وكان له مثل أجر من قتل معه، وعند الله أفضل كثير ممّن شهد بدراً واُحداً.
وورد عن عليّ بن الحسين (عليه السلام) أنّه قال: «إنّ أهل زمان غيبته، القائلون بإمامته،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(137) منتهى الآمال (المعرّب): 2 / 815.
(138) طبع هذا الكتاب أخيراً في مركز الدراسات التخصّصيّة في الإمام المهدي (عليه السلام).

(٧٦)

المنتظرون لظهوره، أفضل أهل كلّ زمان؛ لأنّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت له الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالسيف، اُولئك المخلصون حقّاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً»(139).
ولهذا إهتمّ أهل البيت (عليهم السلام) غاية الاهتمام بمسألة الانتظار، وأصبحت هذه المسألة سبباً لهجوم الأعداء، حتّى عرّفوه تارة بأنّه فكرة وليدة الخوف، واُخرى بتفاسير ما يناسب ميولهم وآراءهم، ومالوا إلى اليمين واليسار في مفهوم الانتظار.
قال الاُستاذ مكارم الشيرازي موضّحاً لمفهوم الانتظار وآثاره البنّاءة: «إنّ الجيش الذي ينتظر الجهاد من أجل الحريّة سيكون في حالة استعداد كامل، فيأتي بالسلاح المناسب ويصلح ما عنده من سلاح، ويهيّأ المتاريس، ويعدّ لهم ما استطاع من قوّة، ويقوّي المعنويات.
فالجيش الذي لا يعيش في هذه الحالة، ولا يكون بهذا الاستعداد، لا يعدّ منتظراً للجهاد والدفاع عن الوطن، فلو قال: أنا منتظر، فهو كاذب»(140).
وقال أيضاً: «إنّ الذين ينتظرون مصلحاً عالميّاً إنّما ينتظرون ثورة وتغييراً وتحوّلاً، وهي من أوسع الثورات وأهمّها عبر التاريخ البشري على وجه الأرض»(141).
فحقيقة الانتظار إذن تتركّب من عنصرين: نفي وإثبات، فالنفي يعني القضاء على العوامل والأسباب التي تؤدّي إلى الاختلاف والتفرقة والإثبات، أي جعل عوامل التطوّر والرقيّ مكان العوامل السلبيّة. فعلينا بإصلاح أنفسنا،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(139) بحار الأنوار: 52 / 122.
(140) كرّاس لدروس الاُستاذ حول علل ظهور المذاهب: 47 و 48.
(141) كرّاس لدروس الاُستاذ حول علل ظهور المذاهب: 47 و 48.

(٧٧)

 وتحرير أذهاننا من الأفكار المنحرفة، وقلوبنا من الحقد والحسد وسائر الأمراض القلبيّة الاُخرى التي تسبّب الانحطاط حتّى يقال لنا: نحن منتظرون، وإلاّ فلو بقيت هذه العيوب فينا فكيف يصدق علينا الانتظار لحكومة أساسها الجهاد ضدّ هذه العيوب. وبالإضافة إلى ما سبق أن نفكّر بإصلاح المجتمع أيضاً، وأن نكون مجدّين في ذلك حتّى نكون ممّن شملتهم هذه الآية الشريفة: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)(142).
فتلخّص أنّ الانتظار الذي يكون دين الأئمّة، وأفضل العبادة، وأحبّ الأعمال لا يلائم تفسير بعض النّاس البسطاء عنه، حيث ظنّوا أنّ ترويج الباطل والفساد والفحشاء بين النّاس من مصاديق الانتظار، أو بالسكوت أمام الفتن والضلالات حتّى ينتشر الفساد والفحشاء ليظهر الحجّة (عليه السلام). فلا ريب أنّ التمسّك بهذه الآراء المنحرفة عن مفهوم الانتظار ذنب لا يتسامح به.
قال الصادق (عليه السلام) لأبي بصير: «يا أبا محمّد، إنّ الميّت على هذه الأمر شهيد.
قلت: جعلت فداك، وإن مات على فراشه؟
قال: وإن مات على فراشه فإنّه حيّ يرزق»(143).
فكيف يعدّ شهيداً من نشر الفحشاء والفساد في المجتمع بحجّة الإسراع بظهور المهدي؟! وهل هذا إلاّ الجهل بأهدافه (عليه السلام)؟ وكيف يمكن لمن يتسامح في المنكرات أن يكون كمن قارع من النبيّ؟! أو يكون أفضل من شهداء بدر واُحد؟! وكيف يمكن لمن نشر الفساد والفحشاء أن يكون مصداقاً لمن قاتل في سبيل الله بسيفه؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(142) العصر (103): 3.
(143) الشيعة والرجعة: 1 / 432.

(٧٨)

إنّ الحديث عن الإمام المنتظر عن لسان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وإن فتح الأبواب من النّاس لمعرفة هدا الإمام العظيم، بحيث كثر السؤال عنه، وعن صفاته ومناقبه ودولته الكريمة ووقت ظهوره، ولكن كان فيهم من هيّأ نفسه لإغواء النّاس تحت ستار أنّه المهدي، فلذلك دعا النبيّ وأهل البيت إلى أن يذكروا علامات ظهور المهدي (عليه السلام) كي يسدّوا باب الأدعياء بالمهدويّة الذين كانوا سبباً لإضلال كثير من المسلمين.
وأمّا العلامات لظهور المهدي فكثيرة، منها ما وردت عن لسان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ومنها عن لسان المعصومين، فما هي هذه العلامات؟ هل تحقّقت هذه العلامات إلى الآن أو لم تحقّق بعد؟ وهل هذه العلامات حتميّة أو غير حتميّة؟ وهل تتحقّق قبل الظهور، أو مقارناً للظهور، أو بعد الظهور؟ هذا ما سنجيب عليه في هذا الفصل إن شاء الله.
السؤال التاسع عشر: هل حصل تنبّؤ عن أوضاع العالم قبل الظهور؟
الجواب: لقد وردت إخبارات غيبيّة كثيرة حول ما يحدث في العالم قبل ظهور المهدي (عليه السلام)، ويستفاد من مجموعها أنّ الدنيا ستتحوّل قبل الظهور إلى قاعدة للرعب والمأساة، وسيبتلى النّاس بالضياع والحيرة والضلالة، ولا يمكنهم

(٨١)

الخلاص منها أبداً.
فالعالم قبل الظهور ستحدث فيه حروب شعواء وتدمير، على شكل حرب دوليّة وعالميّة بعضها مع بعض، وكما أشارت روايات الفتن والملاحم: يقتل من كلّ سبعة خمسة، وسيتعادى اليهود والمسيحيّون مع بعضهم، وسيسعى كلّ واحد منهم لإبادة الآخر بكلّ ما لديه من الوسائل المدمّرة، وسيملأ الطغيان كلّ المدن والدول، والثورات المتعاقبة ستزيد من أمواج الرعب والخوف، سيقتل كثير من العلماء وحرّاس الدين بسبب أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وستحدث حروب دامية بين الشرق والغرب(144)، وسيحصل اختلاف بين العرب والعجم(145).
ومن جهة ثانية، فإنّ تأثير هذه الخلافات والحروب المدمّرة سوف تجرّ البشر إلى المسكنة والفقر والشقاء، بالإضافة إلى هجوم الجراد على المزارع، وحدوث الصواعق، والطوفان الذي يدمّر المدن والقرى، وحصول الأمراض الصعبة التي لا علاج لها، كالطاعون وغيرها من الأمراض المسرية وغير المعروفة التي تسبّب موت كثير من النّاس في كلّ يوم، وهكذا ابتعاد النّاس عن المعارف الإسلاميّة والقيم الأخلاقيّة وثقافة أهل البيت (عليهم السلام) كلّ البعد.
فعلى أساس الروايات، فإنّ سوق الدين سوف يصاب بالكساد، ويتخلّى النّاس عن الصلاة، ويخونوا في الأمانات، ويستحلّوا المحرّمات، ويستولي مال الربا على كثير من النّاس، إلى غير ذلك، كبيع النّاس دينهم بدنياهم، وافتخارهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(144) راجع بشارة الإسلام: 28.
(145) إلزام الناصب: 288.

(٨٢)

بالظلم والتعدّي على الآخرين(146).
أمّا الحكّام فسيكونون فجرة، والوزراء ظلمة، والوجهاء خونة، وقرّاء القرآن فسقة، وفي ذلك اليوم يصدّق الكاذب، ويحسب الخائن أميناً، وتتشبّه النساء بالرجال، والرجال بالنساء(147).
السؤال العشرون: مع العلم بانتشار الظلم والجور في كلّ أنحاء العالم، فلماذا لا يظهر المهدي المنتظر (عليه السلام)؟
الجواب: أخبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ضمن عشرات من الأحاديث حول المهدي (عليه السلام) بأنّه: «يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(148)، فبالنظر إلى هذا الحديث إذا ظهر المهدي (عليه السلام) فإنّه سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً، لا أنّ الدنيا إذا امتلأت ظلماً وجوراً فإنّه سوف يظهر.
فإنّك لا تجد ولو في حديث واحد ممّا يعتقده بعض الجهّال بأنّه إذا انتشر الظلم والجور فسيظهر المهدي (عليه السلام)، وممّا يشهد بأنّ ظهور المهدي غير مرهون بانتشار الظلم والفساد هو: إنّنا نرى أنّ الظلم والجور قد انتشر في كلّ مكان، فإذا كان كذلك فلماذا لم يظهر (عليه السلام)؟
وذكر شيخنا الاُستاذ مكارم الشيرازي في حديثه حول علل ظهور المذاهب، الذي كان يلقيه علينا في ليالي الخميس بقوله: «ليس الفساد هدفاً، وإنّما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(146) بشارة الإسلام: 28.
(147) بحار الأنوار: 52 / 193.
(148) مصدر المتقدّم: 51 / 73.

(٨٣)

التهيّؤ هدفاً، وهذا على خلاف ما يتصوّره البعض، فإنّ الذي يسرع بظهور المهدي (عليه السلام) ليس هو وجود الظلم والفساد في كلّ العالم، بل الاستعداد والتعطّش (لوجود المصلح العالمي) يسرع في الظهور، ولكن مع ذلك لا يمكننا أن ننكر أنّ انتشار الظلم والفساد سيكون إحدى العوامل للتهيّؤ والتعطّش؛ لأنّ النّاس في العالم إذا ذاقوا الثمرة المرّة للعنصريّة والظلم سوف يتألّمون، ويقومون بالبحث عن طريق الإصلاح والمصلح العالمي.
وفي النهاية نقول: إنّ النواة الأصليّة، والأرضيّة للظهور هو الاستعداد والوعي من عواقب الأوضاع المتردّية في العالم، لا أن يكون وجود الظلم والفساد هدفاً أصليّاً.
السؤال الحادي والعشرون: ما هي علامات الظهور؟
لقد امتلأت الكتب، قديماً وحديثاً، بالحديث عن علامات الظهور، وهي على قسمين:
القسم الأوّل: علائم حتميّة، والمقصود بتلك العلائم هي علائم حتميّة يجب وقوعها قبل ظهور المهدي (عليه السلام)، فهي خمسة:
1 - خروج السفياني
السفياني رجل من نسل خالد بن يزيد بن أبي سفيان، وإسمه عثمان بن عنبسة (149)، ويخرج من دمشق من مكان يسميّ بالوادي اليابس، وهو الذي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(149) بحار الأنوار: 52 / 205.

(٨٤)

يسبّب الخوف والرعب في قلوب النّاس، فكلّ من يرى رايته فسوف يهرب وإن كان بعيداً عنه(150).
السفياني سوف يهجم على كثير من المدن، من جملتها الكوفة والبصرة، ويهجم على المدينة أيضاً، ويكثر القتل فيها، وأنّه سيهتك رمات الإسلام واحدة تلو الاُخرى، ثمّ يقتل العلماء، ويحرق المصاحف، ويهدم المساجد، ويحلّل الحرام، ويزداد فسقه وفجوره وطغيانه وعتوّه يوماً بعد يوم، ويقتل كلّ من كان إسمه محمّد أو أحمد أو عليّ أو جعفر أو حمزة أو حسن أو حسين أو فاطمة أو زينب أو رقية أو اُمّ كلثوم أو خديجة(151) حقداً منه لأهل البيت (عليهم السلام). وهذه الحالة تستمرّ إلى ظهور الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام).
2 - قتل النفس الزكيّة
ومن العلائم الحتميّة أيضاً غلام من آل محمّد إسمه محمّد بن الحسن، معروف بالنفس الزكيّة، يُقتل في المسجد الحرام بين الركن والمقام(152)، كما أشار إليه الإمام الباقر (عليه السلام).
3 - النداء من السماء
ومن العلائم الحتميّة أيضاً النداء من السماء باسم الإمام المهدي (عليه السلام) وإسم أبيه، حتّى يسمعه أهل الشرق والغرب.
فعن شرحبيل، قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام) - وقد سألته عن القائم (عليه السلام) فقال: -

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(150) عقد الدرر: 72.
(151) المصدر المتقدّم: 90.
(152) بحار الأنوار: 52 / 192.

(٨٥)

إنّه لا يكون حتّى ينادي منادٍ من السماء يسمع أهل المشرق والمغرب، حتّى تسمعه الفتاة في خدرها»(153).
وفسّر لنا الإمام الصادق هذا النداء باسم الإمام المهدي وإسم أبيه، فقال لزياد القندي حينما سأله عن النداء الذي من المحتوم، فقال: منادٍ ينادي باسم القائم وإسم أبيه (عليهما السلام)»(154).
وعلى ما روى الإمام الباقر لنا أنّ هذا النداء يكون من قِبل جبرئيل، وذلك في الثلاث والعشرين من شهر رمضان المبارك، في ليلة الجمعة، قال (عليه السلام): «الصيحة لا تكون إلاّ في شهر رمضان؛ لأنّ شهر رمضان شهر الله، الصيحة فيه هي صيحة جبرئيل (عليه السلام) إلى هذا الخلق.
ثمّ ينادي منادٍ من السماء باسم القائم (عليه السلام)، فيسمع مَن بالمشرق ومَن بالمغرب، لا يبقى راقد إلاّ استيقظ، ولا قائم إلاّ قعد، ولا قاعد إلاّ قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فإنّ الصوت الأوّل هو صوت جبرئيل الروح الأمين (عليه السلام).
ثمّ قال (عليه السلام): يكون الصوت في شهر رمضان، في ليلة الجمعة ليلة ثلاث وعشرين، فلا تشكّوا في ذلك، واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس ينادي: ألا أنّ فلاناً قُتل مظلوماً ليشكّك النّاس ويفتنهم، فكم في ذلك اليوم من شاكّ متحيّر قد هوى في النّار، فإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان فلا تشكّوا فيه، إنّه صوت جبرئيل...»(155).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(153) الغيبة / النعماني: 257.
(154) الغيبة / النعماني: 257.
(155) معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): 3 / 253.

(٨٦)

4 - خسف بالبيداء
ومن العلائم الحتميّة أيضاً: الخسف بالبيداء، والبيداء موضع بين مكّة والمدينة، فإنّ السفياني عندما يسمع بخروج المهدي يرسل جيشاً إلى المدينة، ولمّا يصلون إلى البيداء تخسف بهم الأرض.
قال الباقر (عليه السلام) في حديث طويل: «ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة، فينفر المهدي منها إلى مكّة، فيبلغ أمير جيش السفياني أنّ المهدي (عليه السلام) قد خرج إلى مكّة، فيبعث جيشاً على أثره فلا يدركه حتّى يدخل مكّة خائفاً يترقّب سنّة موسى بن عمران.
قال: وينزل أمير جيش السفياني البيداء، فينادي منادٍ من السماء: يا بيداء، أبيدي القوم، فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلاّ ثلاثة نفر يحوّل الله وجوههم إلى أقفيتهم، وهم من كلب، وفيهم نزلت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا)(156)»(157).
5 - ظهور يد في السماء
وأمّا الخامس من العلائم الحتميّة: كفّ من السماء، كما أشار الإمام الصادق (عليه السلام) إلى ذلك حيث قال: «وكفّ تطلع من السماء من المحتوم»(158).
وقفة قصيرة: اختلفت الروايات في ذكر هذه العلامات الحتميّة، ففي بعضها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(156) النساء (4): 47.
(157) بحار الأنوار: 52 / 238.
(158) الغيبة / النعماني: 252، الباب 14.

(٨٧)

ذكرت خمس علامات، وفي بعضها أربعة، وفي بعضها ستّة من دون ذكر العدد، وفي بعضها ذكرت عدد الخمس.
فرواية الخمسة من دون ذكر العدد ما رواه النعماني بسنده عن الصادق، قال: «النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم، واليماني من المحتوم، وقتل النفس الزكيّة من المحتوم، وكفّ يطلع من السماء من المحتوم»(159).
وأمّا رواية العلائم الأربع، فعنه أيضاً أنّه قال: «من المحتوم... خروج السفياني، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكيّة، والمنادي من السماء»(160).
وأمّا روايات العلائم الحتميّة المصرّحة فيها عدد الخمس، فأكثر ممّ سبق، كما صرّح به الصادق (عليه السلام) قائلاً: «خمس قبل قيام القائم من العلامات: الصيحة، والسفياني، والخسف بالبيداء، وخروج اليماني، وقتل النفس الزكيّة»(161).
وروى الصدوق نفس هذه الرواية بتقديم وتأخير في العلامات، ولكن أضاف الصادق فيها كلمة محتويات، فقال: «قبل قيام القائم خمس علامات محتومات...»(162).
ويمكن أن نجمع بين روايات الأربع والخمس بما يلي: أنّ الإمام الصادق لم يكن بصدد ذكر جميع العلامات في رواية الأربع، فقال: «من المحتوم كذا...»، وأمّا في رواية العلائم الخمس فالإمام أنهى العلائم إلى خمس وذكر العدد، وهكذا أشار إلى المحتومات الخمس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(159) الغيبة / النعماني: 252، الباب14.
(160) المصدر المتقدّم: 264.
(161) بحار الأنوار: 52 / 209.
(162) كمال الدين: 2 / 650. بحار الأنوار: 52 / 204.

(٨٨)

بقي شيء واحد، وهو أنّه اُشير في بعض هذه الروايات إلى حتميّات اُخر، كخروج اليماني(163)، وكاختلاف أولاد بني العبّاس(164)، وفي بعضها إضافة: القائم من المحتوم.
أمّا حتميّة خروج القائم وإن كان لا ريب فيه، ولكن ليس من العلائم المبحوث عنها.
القسم الثاني: العلائم غير الحتميّة
وأمّا العلائم غير الحتميّة فكثيرة، ووردت في عشرات من الروايات والأحاديث الإسلاميّة عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام).
يقول المحدّث القمّي عن هذه العلامات: «وأمّا العلامات الغير حتميّة فهي كثيرة، بعضها وقع وبعضها لم يقع بعد، ونحن نشير إليها هنا على نحو الإجمال:
1 - تخريب حائط مسجد الكوفة.
2 - جريان نهر من شطّ الفرات في أزقّة الكوفة.
3 - بناء مدينة الكوفة بعد خرابها.
4 - ظهور الماء من بحر النجف.
5 - جريان نهر من الفرات إلى الغريّ.
6 - ظهور مذنّب بالقرب من نجمة الجدي.
7 - حصول قحط شديد قبل الظهور.
8 - وقوع الزلزلة والطاعون الشديدَين في كثير المدن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(163) الغيبة / النعماني: 256.
(164) المصدر المتقدّم: 206.

(٨٩)

9 - القتل البيوح، أي القتل الكثير الذي لا ينقطع.
10 - هدم مسجد براثا.
11 - ظهور نار بين الأرض والسماء من الشرق إلى ثلاثة أو سبعة أيّام، وتكون سبباً لخوف النّاس ودهشتهم.
12 - ظهور حمرة شديدة تنتشر في السماء حتّى تملأه.
13 - هطول أمطار غزيرة في شهر جمادي الثانية وشهر رجب لم يرَ مثلها.
14 - طلوع نجم من الشرق تزهر كالقمر، وهيأتها كغرّة القمر، ولطرفيها إنحنا يوشك أن يتّصلا، ولها نور شديد يدهش الأبصار.
15 - امتلاء العالم بالظلم والكفر والفسوق والمعاصي.
السؤال الثاني والعشرون: هل حدّدت الفترة الزمنيّة بين العلامات الحتميّة وظهور المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: ذكرت أربع فواصل بين بعض العلامات، حتميّة وغير حتميّة، وبين ظهور الإمام الغائب (عليه السلام).
1 - أقلّ من سنة
لا توجد فاصلة زمنيّة بين خروج السفياني وظهور الإمام المهدي إلاّ سنة واحدة، بل كلاهما يخرجان في سنة واحدة. وهذا ممّا حدّثنا به الإمام الباقر (عليه السلام)، حيث قال: «السفياني والقائم في سنة واحدة»(165).
وورد عنه أيضاً، قال: «إذا استولى السفياني على الكور الخمس فعدّواله تسعة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(165) الغيبة / النعماني: 267.

(٩٠)

أشهر، يعني ثمّ يظهر المهدي»(166).
قال السلمي: «وزعم هشام أنّ الكور الخمس: دمشق وفلسطين والأردن وحمص وحلب»(167).
2 - خمسة عشر ليلة
وهذه الفاصلة الزمنيّة تكون بين قتل النفس الزكيّة في المسجد الحرام بين الركن والمقام، وظهور الحجّة القائم المهدي (عجّل الله تعالى فرجه شريف).
قال الصادق (عليه السلام): «ليس بين قيام قائم آل محمّد وبين قتل النفس الزكيّة إلاّ خمسة عشر ليلة»(168).
3 - ليلتين قبل الظهور
روى العيّاشي عن عبد الأعلى الجبلي، قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام): يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب.
ثمّ أومأ بيده إلى ناحية ذي طوى، حتّى إذا كان قبل خروجه بليلتين انتهى المولى الذي يكون بين يديه حتّى يلقى بعض أصحابه، فيقول: كم أنتم هاهنا؟
فيقولون: نحو من أربعين رجلاً، فيقول: كيف أنتم لو قد رأيتم صاحبكم؟
فيقولون: والله لو يأوى بنا الجبال لآويناها معه، ثمّ يأتيهم من القابلة فيقول لهم: أشيروا إلى ذوي أسنانكم وأخياركم عشيرة، فيشيرون له إليهم، فينطلق بهم حتّى يأتون صاحبهم ويعدهم إلى الليلة التي تليها»(169).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(166) عقد الدرر: 86.
(167) عقد الدرر: 86.
(168) بحار الأنوار: 52 / 192.
(169) تفسير العيّاشي: 2 / 56.

(٩١)

4 - الفاصلة قليلة جدّاً
وعن النعماني عن ابن عقدة، عن أحمد بن يوسف، عن إسماعيل بن مهران، عن إبن البطائني، عن أبيه ووهيب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «بينا النّاس وقوفاً بعرفات إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة يخبرهم بموت خليفة، عند موته فرج آل محمّد (عليهم السلام)، وفرج النّاس جميعاً. وقال (عليه السلام): إذا رأيتم علامة في السماء: ناراً عظيمة من قِبل المشرق تطلع ليالٍ فعندها فرج النّاس، وهي قدّام القائم بقليل»(170).
السؤال الثالث والعشرون: من هم أهل المشرق؟ وما هو دورهم في زمن غيبة المهدي وحضوره؟
الجواب: لقد صدرت روايات كثيرة عن النبيّ وأهل البيت في أهل المشرق، وما يقدّمون من خدمات عظيمة إلى الإسلام والمسلمين في غيبة المهدي (عليه السلام) وأيّام حضوره، حتّى قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في شأنهم بأنّهم يوطّئون للمهدي سلطانه، وقال الباقر (عليه السلام) حينما ذكر أهل المشرق وخروجهم لطلب الحقّ: «أما إنّي لو أدركت ذلك لأبقيت لصاحب هذا الأمر».
وقبل الحديث عن جهاهم المقدّس، علينا أوّلاً أن نعرف من هم أهل المشرق، وفي أي بلاد يسكنون، وما تقول الروايات والأحاديث الإسلاميّة عنهم، فنقول:
لا شكّ أنّ أهل المشرق الذي تخرج الرايات السود من بينهم، والذين يؤدّون الطاعة للمهدي هم أهل خراسان لما ورد عن الباقر (عليه السلام)، قال: تنزل الرايات السود

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(170) بحار الأنوار: 52 / 240.

 

(٩٢)

التي تخرج من خراسان إلى الكوفة، فإذا ظهر المهدي (عليه السلام) بعث إليه البيعة»(171).
وبما أنّ خراسان قديماً وحديثاً، وخصوصاً في وقت صدور الروايات كانت تعدّ من بلاد فارس، فلا ريب أنّ المقصود من أهل المشرق هم الإيرانيّون، وهكذا بملاحظة ما ورد في قم وأهل قم، والطالقان وكنوزها، نستنتج أنّ الفرس لهم دور عظيم في حركة الإمام المهدي (عليه السلام)، بل لهم دور عظيم في أيّام غيبته، فكان النبيّ والأئمّة الطاهرين يفتخرون بهم، وبتعاطفهم مع العترة (عليهم السلام)، رغم كراهة بعض المنافقين، كالأشعث بن قيس وغيره، من حضور هؤلاء بجانب الإمام أمير المؤمنين، وتعظيم الإمام لهم، وأمّا دورهم فكما يلي:
1 - الدفاع عن الإسلام والقرآن
لقد ورد في بعض ما روي عن العترة الطاهرة أنّ الإيرانيّين هم الفئة الوحيدة التي تدافع عن الدين والقرآن في زمن غربة الإسلام، كما صرّح الإمام عليّ (عليه السلام) في خطبته في مسجد الكوفة.
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: «جاء الأشعث إليه - إلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) - فجعل يتخطّى حتّى قرب منه، ثمّ قال له:
يا أمير المؤمنين، غلبتنا هذه الحمراء على قربك، يعني العجم، فركض المنبر برجله حتّى قال صعصعة بن صوحان: ما لنا وللأشعث ليقولنّ أمير المؤمنين اليوم في العرب قولاً لا يزال يذكر.
فقال (عليه السلام): مَن عذيري من هؤلاء الضياطِرة، يتمرّغ أحدهم على فراشه تمرّغ الحمار، ويهجر قوماً للذكر! أفتأمرني أن أطردهم؟! ما كنت لأطردهم فأكون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(171) بحار الأنوار: 52 / 217.

(٩٣)

من الجاهلين، أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ليضربنّكم على الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءاً»(172).
وفسّر الإمام الصادق (عليه السلام) قول الله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا)(173)، قال: «قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم فلا يدعون وتِراً لآل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلاّ قتلوه»(174).
وعنه (عليه السلام): «أنّه قرأ هذه الآية... فقلنا: جعلنا فداك، من هؤلاء؟
فقال ثلاثاً: هم والله أهل قم، هم والله أهل قم، هم والله أهل قم»(175).
ويستمرّ هذا الدفاع المقدّس بشتّى أساليبه في طول الغيبة إلى ظهوره (عليه السلام).
2 - التمهيد لدولة الإمام المهدي (عليه السلام)
ومن أهمّ نشاطاتهم في عصر الغيبة هو الجهاد والقتال ضدّ أعداء الإسلام وفتح حصونهم وستبدأ هذه الحرب والجهاد من قم المقدّسة، وتنتهي بثورة أهل خراسان براياتهم السود، وحربهم الدامية ضدّ السفياني، وخروجهم إلى الكوفة، وببيعتهم للمهدي المنتظر (عليه السلام).
وقد أسفر الإمام الصادق عن هذه الحقيقة بقوله: «سيأتي زمان تكون قم وأهلها حجّة على الخلائق، وذلك في زمان غيبة قائمنا إلى ظهوره»(176).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(172) شرح نهج البلاغة: 20 / 284.
(173) الإسراء (17): 5.
(174) نور الثقلين: 3 / 138.
(175) عصر الظهور: 199.
(176) بحار الأنوار: 60 / 213.

(٩٤)

وعلى أساس هذه الروايات، فإنّ هذه النهضة العلميّة، والجهاد الثقافي الكبير سيكون عند الغيبة، ويستمرّ ذلك إلى ظهور القائم المهدي (عليه السلام)، فإنّ صوت الإسلام الأصيل الذي يكون حجر بناء الدولة الكريمة للمهدي، سينطلق من قم، ويقرع أسماع العالم حتّى ينتشر الإسلام في كلّ أنحاء العالم، ولا نشكّ في يومنا هذا أنّ هذا الجهاد بدأ من المطالبة بالحقّ، ثمّ حمل السيوف على العواتق، وتأسيس الدولة الكريمة بقيادة الإمام الخميني قدس‌ سره تمهيداً لدولة الإمام المهدي (عليه السلام).
قال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «رجل من قم يدعو النّاس إلى الحقّ، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلّهم الرياح العواصف، لا يملّون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكّلون، والعاقبة للمتّقين»(177).
وأخبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن هذه الدولة الممهّدة كما عن الحاكم في المستدرك على الصحيحين، عن عبد الله بن مسعود، قال: «أتينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فخرج إلينا مستبشراً يُعرف السرور في وجهه، فما سألناه عن شيء إلاّ أخبرنا به... حتّى مرّت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين، فلمّا رآهم إلتزمهم وانهملت عيناه... فقلنا يا رسول الله، ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه! فقال: إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وأنّه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد.. حتّى ترتفع رايات سود في المشرق فيسألون الحقّ فلا يعطونه، ثمّ يسألونه فلا يعطونه، ثمّ يسألونه فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون.. فمن أدركه
منكم ومن أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبواً على الثلج، فإنّها رايات هدى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي يواطئ إسمه اسمي، وإسم أبيه إسم أبي،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(177) بحار الأنوار: 60 / 216.

(٩٥)

فيملك الأرض فيملؤها وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(178).
ولا شكّ أنّ هذا الجهاد العظيم لا ينتج إلاّ في ظلّ دولة كريمة يؤسّسها أهل المشرق، يقول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): «يخرج ناس من المشرق، فيوطّئون للمهدي سلطانه»(179).
وتنبئنا هذه الروايات أيضاً عن أصحاب هذه الرايات السود من شجاعتهم وقوّتهم وعدم خوفهم وغلبتهم على اليهود، كما جاء النصّ بذلك من أنّه: «تخرج من خراسان رايات سود فلا يردّها شيء حتّى تنصب بإيلياء»(180)، والمقصود من إيليا هم بيت المقدس(181).
3 - أصحاب الإمام المهدي
ومن أعظم منن الله على هذه الفئة المسلمة أن جعل أكثر أصحاب المهدي (عليه السلام) من بلدانهم، فقد ذكرت بعض البلدان الإيرانيّة حينما أشارت الروايات إلى البلدان التي فيها أصحاب المهدي (عليه السلام)، كمرورود، ومرو، وطوس، ومغان، وجابروان، وقرمس، واصطخر، وفارياب، وطالقان، وسجستان، ونيسابور، وطبرستان، وقم، وجرجان، وأهواز، وسيراف، وري، وكرمان(182).
قال عليّ (عليه السلام) حول أصحاب المهدي الذين هم من الطالقان: «بخ بخ للطالقان، فإنّ لله (عزّ وجلّ) بها كنوزاً ليست من ذهب ولا فضّة، ولكنّ بها رجالاً عرفوا الله حقّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(178) عصر الظهور: 219.
(179) سنن ابن ماجة: 2 / 24. التذكرة في أحوال الموتى والآخرة: 53. فرائد السمطين: 2 / 91.
(180) عصر الظهور: 227.
(181) المصدر المتقدّم: 228.
(182) دلائل الإمامة: 314.

(٩٦)

معرفته، وهم أنصار المهدي آخر الزمان»(183).
ووصفهم الإمام الصادق (عليه السلام)، وقال: «له كنز بالطالقان، ما هو بذهب ولا فضّة، وراية لم تنشر منذ طويت، ورجال كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شكّ في ذات الله، أشدّ من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدة إلاّ خرّبوها، كأنّ على خيولهم العقبان، يتمسّحون بسرج الإمام (عليه السلام) يطلبون بذلك البركة، ويحفّون به يقونه بأنفسهم في الحرب، ويكفونه ما يريد، فيهم رجال لا ينامون الليل، لهم دويّ في صلاتهم كدويّ النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأمة لسيّدها، كالمصابيح كأنّ قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة، ويتمنّون أن يقتلوا في سبيل الله، شعارهم يا لثارات الحسين، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى إرسالاً، بهم ينصر الله إمام الحقّ»(184).
وقد مرّ عليك أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) فسّر قوله تعالى: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)(185)، وقال: «هم والله أهل قم، هم والله أهل قم، هم والله أهل قم»(186).
وممّا يدلّ أيضاً إنّ كثيراً منهم من أنصار القائم المهدي (عليه السلام) وأصحابه ما أشار إليه الباقر (عليه السلام)، قال: «أصحاب القائم (عليه السلام) ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً أولاد العجم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(183) ينابيع المودّة: 449.
(184) بحار الأنوار: 52 / 307.
(185) الإسراء (17): 5.
(186) المصدر المتقدّم: 60 / 216.

(٩٧)

بعضهم يحمل في السحاب نهاراً يعرف باسمه وإسم أبيه ونسبه وحليته، وبعضهم نائم على فراشه، فيرى في مكّة على غير ميعاد»(187).
ذكر الإمام الصادق (عليه السلام) أهل قم وقال لعفّان البصري: «أتدري لِمَ سمّي قم؟ قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: إنّما سُمّي قم لأنّ أهله يجتمعون مع قائم آل محمّد صلوات الله عليه، ويقومون معه، ويستقيمون عليه وينصرونه»(188).
4 - تعليم القرآن في عاصمة الدولة
فعن اصبغ بن نباتة، قال: «سمعت عليّاً يقول: كأنّي بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلّمون النّاس كما اُنزل»(189).
فطوبى لهم، ثمّ طوبى لهم من هذه الهمّة العالية، والخدمات السامية، فأي مكانة أعلى من هذه بأنّهم سيكونون في دولة الإمام المهدي، وخصوصاً في عاصمته (عليه السلام) من المعلّمين لكتاب الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(187) سفينة البحار: 2 / 165.
(188) بحار الأنوار: 60 / 216.
(189) سفينة البحار: 2 / 165.

(٩٨)

لا ريب أنّ الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) غنيّ عن تعريفنا أو تعريف أحد من الخلق غير المعصومين، حيث وصفوه بأحسن ما يكون، فالذي يكون أكثر إشراقاً من الشمس، وأضوءَ من السماء المظلمة لا يحتاج إلى توصيفه بعد أن وصفه الله بأنّه بقيّة الله، وحجّته على الأرض، وخليفته على خلقه، وذخيرته على عباده.
فهذه الشخصيّة العظيمة لها مميّزاتها الذاتيّة الخاصّة بها، والتي قد لا توجد في غيرة من المعصومين (عليهم السلام)، ويختصّ هذا الفصل بذكر هذه المميّزات.
السؤال الرابع والعشرون: لماذا يقوم النّاس حينما يسمعون باسم قائم آل محمّد (عج)؟
الجواب: لا شكّ أنّ هذه السيرة الحسنة الموجودة والمتداولة بين الشيعة الإماميّة وما زالت مستمرّة إلى الآن متّخذة عن المعصومين (عليهم السلام)، فإنّهم عملوا ذلك تعظيماً لبقيّة الله وحجّته، وإن لم يولد بعد، وطلبوا منّا كذلك تعظيماً واحتراماً له، وعلى رأي الميرزا النوري رحمه الله، هذا يكشف عن وجود مأخذ لذلك، وإن لم نعثر عليه.
ثمّ قال: لقد ذكر بعض العلماء نقلاً عن العالم المتبحّر السيّد عبد الله سبط المحدّث الجزائري، حيث سئل عنه، وقد أجاب عن ذلك في بعض تصانيفه قائلاً:

(١٠١)

ففي خبر ورد عن الصادق (عليه السلام) أنّه ذكر إسم المهدي في مجلس كان فيه، فقام الإمام (عليه السلام) احتراماً وتعظيماً له(190).
وأيضاً ورد في بعض الروايات: «أنّ دعبل بن عليّ الخزاعي لما دخل على الإمام الرضا (عليه السلام) وقرأ عليه التائيّة المعروفة، ووصل إلى أبياته التي قالها في المهدي (عليه السلام)(191)، وسمع ذلك منه قام الرضا (عليه السلام) قائماً على قدميه، وطأطأ رأسه منحنياً به إلى الأرض بعد أن وضع كفّه اليمنى على هامته»(192).
وأضاف الميرزا النوري: «وروي أنّه لما ذكر إسم الحجّة بن الحسن عند الرضا (عليه السلام) قام ووضع كلتا يديه على رأسه، وقال: اللّهمّ عجّل فرجه، وسهّل مخرجه»(193).
وسئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن سبب القيام عند ذكر لفظ القائم من ألقاب الحجّة (عليه السلام)، قال: «لأنّ له غيبة طويلة، ومن شدّة الرأفة بأحبّته ينظر إلى كلّ من يذكره بهذا اللقب، فعلى العبد الخاضع لصاحبه أن يقوم عندما ينظر المولى الجليل إليه، فليقم وليطلب من الله جلّ ذكره وتعجيل فرجه»(194).
ألّف بعض الأعلام كتباً في هذا الموضوع، واعتبروه من الاُمور المستحبّة، ومن جملتهم والدنا المرحوم آية الله الشيخ محمّد رضا الطبسي رحمه الله في رسالته (السيف المشتهر في استحباب القيام عند سماع القائم المنتظر).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(190) النجم الثاقب: 444.
(191) قال دعبل:

خروج إمام لا محالة خارج * * * يقوم على إسم الله والبركات
يميّز فينا كلّ حقّ وباطل * * * ويجزي على النعماء والنقمات

(192) منتخب الأثر: 505.
(193) منتخب الأثر: 505.
(194) منتخب الأثر: 505.

(١٠٢)

السؤال الخامس والعشرون: هل يحرم التصريح باسم الإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: ذكر العلاّمة المجلسي رحمه الله في باب خصّه بالنهي عن التسمية ثلاثة عشر رواية عن تسعة من الأئمّة المعصومين في النهي عن تسمية الإمام المهدي باسمه الشريف.
وفي هذه الروايات تصريح لا ينكر على هذا النهي، حيث قال عليّ (عليه السلام) لعمر بن الخطّاب: «لا اُحدّث باسمه»، وقال الصادق (عليه السلام): «لا يحلّ لكم تسميته»، وقال الكاظم (عليه السلام): «يحلّ لهم تسميته»، وقال الرضا (عليه السلام): «لا يسمّى باسمه»، وقال الجواد (عليه السلام): «ويحرم عليهم تسميته»، وقال الهادي (عليه السلام): «لا يحلّ ذكره باسمه»، وقال العسكري (عليه السلام): «ولا يحلّ لكم ذكره»، وقال الحجّة القائم (عليه السلام): «من سمّاني في مجمع من النّاس باسمي فعليه لعنة الله».
وكما ترى أنّ أكثر هذه الروايات منعت الشيعة من التصريح باسم الإمام المهدي (عليه السلام)، ففي بعضها لا يحلّ، وفي بعضها يحرم، وخصوصاً بملاحظة ما ورد عن الصادق (عليه السلام) حيث قال: «لا يسمّيه باسمه إلا كافر»، لا نشكّ في عدم جواز ذكر إسمه الصريح، إن صحّ الإسناد.
ولكن بملاحظة روايات اُخرى التي تصرّح باسم الإمام المهدي المذكور عن لسان المعصومين (عليهم السلام) علينا التأمّل في ذلك.
وأمّا ما روي في النهي عن ذكر إسمه فإليك بعضها:
روي الصدوق عن أبيه وابن الوليد معاً، عن سعد، عن اليقطيني، عن إسماعيل بن أبان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: «سأل عمر

(١٠٣)

أمير المؤمنين (عليه السلام) عن المهدي، فقال: يا بن أبي طالب، أخبرني عن المهدي ما اسمه؟ قال: أمّا اسمه فلا إن حبيبي وخليلي عهد إليَّ أن لا اُحدّث باسمه حتّى يبعثه الله عز وجلّ، وهو ممّا استودع الله (عزّ وجلّ) رسوله في علمه»(195).
وعن النعماني بسنه عن أبي خالد الكابلي، قال: «لما مضي عليّ بن الحسين دخلت على محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام)، فقلت: جعلت فداك، قد عرفت إنقطاعي إلى أبيك، واُنسي به، ووحشتي من النّاس.
قال: صدقت يا أبا خالد، تريد ماذا؟
قلت: جعلت فداك، قد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفة لو رأيته في بعض الطرق لأخذت بيده.
قال: فتريد ماذا يا أبا خالد؟
قال: اُريد أن تسمّيه لي حتّى أعرفه باسمه.
فقال: سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد، ولقد سألتني عن أمر ما لو كنت محدّثاً به أحداً لحدّثتك، ولقد سألتني عن أمر لو أنّ بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة»(196).
وعن الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) أنّه قال: «المهدي من ولدي، الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه، ولا يحلّ لكم تسميته»(197).
وقال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «يخفى على النّاس ولادته، ولا يحلّ لهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(195) بحار الأنوار: 51 / 33.
(196) المصدر المتقدّم: 31.
(197) المصدر المتقدّم: 32.

(١٠٤)

تسميته حتّى يظهره الله (عزّ وجلّ)، فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(198).
وعن المهدي (عليه السلام) كما في توقيع خرج عنه: «ملعون ملعون من سمّاني في محفل من النّاس»(199).
فعلى أساس ما مرّ عليك، علينا أن نعرف ما هو هدف المعصومين (عليهم السلام) من النهي عن ذكر إسم المهدي (عليه السلام)، فهل كان نظر هم يختصّ بزمان معيّن وضمن شروط خاصّة؟
فبعض الأعلام مثل الشيخ الصدوق والعلاّمة المجلسي رحمه الله قد نهوا عن التصريح باسم الإمام (عليه السلام) اعتماداً على ما سبق من الأحاديث، من دون اختصاصهم بزمان دون زمان.
فقال الصدوق عند ذكر أخبار اللوح المصرّح باسم المهدي: «جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم (عليه السلام)، والذي أذهب إليه النهي عن تسميته (عليه السلام)»(200).
وقال مجلسي رحمه الله في شرحه لرواية الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «هذه التحديدات مصرّحة في قول من خصّ ذلك بزمان الغيبة الصغرى تعويلاً على بعض العلل المستنبطة والاستبعادات الوهميّة(201).
ولعلّ منع الأئمّة من ذكر اسم المهدي (عليه السلام) يرجع إلى زمان خاصّ، حيث أرادوا من ستر إسم المهدي أن يحفظوا شيعتهم من خطر الحوادث، وعلى الأقلّ حفظ النوّاب الأربعة من تعرّض الأعداء، ويستشهد بالتوقيع الذي خرج عنه (عليه السلام) بقوله:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(198) بحار الأنوار: 51 / 32
(199) المصدر المتقدّم: 33.
(200) المصدر المتقدّم: 33.
(201) المصدر المتقدّم: 33.

(١٠٥)

«ملعون ملعون من سمّاني في محفل من النّاس»(202)، فمن الممكن أنّ كلمة النّاس في هذا التوقيع الصادر عنه (عليه السلام) هو أعداء أهل البيت.
نعم، لو كانت هذه المكاتبة صدرت عنه في الغيبة الكبرى، كالتوقيع الذي صدر من الناحية المقدّسة إلى المفيد رحمه الله لقلنا بمقالة الشيخ الصدوق والمجلسي في النهي عن التصريح بذكر اسمه المبارك، ولكن كما تعلم أنّ هذه المكاتبة صدرت في الغيبة الصغرى. فمع غضّ النظر عن كلّ هذه الاحتمالات نقول: إنّ هذه الروايات وإن صدرت قبل ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، ولكن هي ناظرة إلى زمان خاصّ وهي الغيبة الصغرى.
فإن كان الأمر غير ذلك، فلماذا جاء التصريح باسم الإمام المهدي في روايات الأئمّة الإثني عشر، وعلى الخصوص الحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله الأنصاري عن فاطمة بنت رسول الله، المعروف بحديث اللوح(203)، حيث ذكر في هذا الحديث أسماء الأئمّة الاثني عشر، ومن جملتهم ذكر إسم الإمام المهدي (عليه السلام)، منها: ما قاله النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) لسلمان الفارسي، فقال: «ثمّ ابنه محمّد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله»(204).
وهكذا صرّح بعض أئمّة أهل البيت باسم الإمام المهدي، ومنهم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، حيث قال لجاريته: «ستحملين ذكراً، واسمه محمّد، وهو القائم من بعدي»(205)، أو لمّا سئل عنه (عليه السلام): فمن الحجّة والإمام بعدك؟ فقال: «ابني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(202) بحار الأنوار: 51 / 33.
(203) كمال الدين: 1 / 423.
(204) دلائل الإمامة: 237.
(205) بحار الأنوار: 51 / 2.

(١٠٦)

محمّد، وهو الإمام والحجّة بعدي»(206).
ممّا يقوّي الظنّ أنّ هذا النهي ورد في إفشاء السرّ بولادته في زمان خاصّ، فلو كان هذا التصريح غير جائز فلماذا صرّح النبيّ في عدد كثير من الروايات كما سبق، ولماذا قال: «اسمه اسمي»، ولعلّ الهدف كان من ذلك أن نستخدم ألقاب الإمام فقط، كالمهدي وحجّة والقائم وبقيّة الله وغير ذلك، كما صرّح به الإمام الحسن العسكري لأبي هاشم الجعفري لمّا قال له: فكيف نذكره؟
فقال: «قولوا: الحجّة من آل محمّد صلوات الله عليهم»(207).
السؤال السادس والعشرون: لماذا لقّب الإمام المهدي بالمنتقم؟
الجواب: لقد اشتهر كلّ واحد من المعصومين (عليهم السلام) بلقب خاصّ، مثلاً:
لقّب الإمام عليّ بن أبي طالب بأمير المؤمنين، اشتهر الإمام الحسين (عليه السلام) بسيّد الشهداء، ولهذه الألقاب أصل روائي، وأطلق الأئمّة في بعض الأحاديث لقب المنتقم على المهدي المنتظر (عليه السلام)، بل الله (عزّ وجلّ) لقّب وليّه بهذا اللقب، كما ورد في حديث المعراج عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): «قال (عزّ وجلّ): إرفع رأسك، فرفعت رأسي، فإذا بأنوار عليّ وفاطمة والحسن والحسين، وعليّ بن حسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، ومحمّد بن الحسن القائم في وسطهم كأنّه كوكب درّيّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(206) كمال الدين: 2 / 409.
(207) مستدرك الوسائل: 12 / 284.

(١٠٧)

فقلت: يا ربّ، من هؤلاء؟
قال: هؤلاء الأئمّة، وهذا القائم الذي يحلّ حلالي، ويحرّم حرامي، وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين»(208).
قالت عائشة: «كانت لنا مشربة، وكان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) إذا أراد لقاء جبرئيل (عليه السلام) لقيه فيها، فلقيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) مرّة فيها، وأمرني أن لا يصعد إليه أحد، فدخل عليه الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، فقال جبرئيل: من هذا؟
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): ابني، فأخذه النبيّ فأجلسه على فخذه.
فقال له جبرئيل: أما إنّه سيُقتل.
فقال رسول الله: ومن يقتله؟ قال: اُمّتك تقتله.
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): تقتله؟!
قال: نعم، وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يُقتل فيها، وأشار إلى الطفّ
بالعراق، وأخذ منه تربة حمراء فأراه إيّاها، وقال: هذه من مصرعه، فبكى
رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فقال له جبرئيل: يا رسول الله، لا تبك، فسوف ينتقم الله منهم بقائمكم أهل البيت.
فقال رسول الله: حبيبي جبرئيل، ومن قائمنا أهل البيت؟
قال: هو التاسع من ولد الحسين»(209).
وقال الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(208) كفاية الأثر: 153. كمال الدين: 1 / 253. عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1 / 58. إثبات الهداة: 1 / 648.
(209) كفاية الأثر: 187.

(١٠٨)

فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا)(210)، قال: «هو الحسين بن عليّ (عليه السلام) قتل مظلوماً، ونحن أولياؤه، والقائم منّا قام منّا طلب بثأر الحسين، فيقتل حتّى يقال: قد أسرف في القتل والقرآن يقول: (فلا يسرف في القتل)»(211).
فتلخّص أنّ الإمام إنّما سمّي منتقماً لأنّه ينتقم من أعداء الله ورسوله والأئمّة، وخصوصاً من قاتلي الإمام الحسين (عليه السلام).
قال الصادق في تفسير الآية المشار إليها: «إنّما نزلت في الحسين (عليه السلام) لو قتل وليّه أهل الأرض به ما كان سرفاً»(212).
السؤال السابع والعشرون: ممّن سينتقم الإمام المهدي (عليه السلام) حينما يظهر؟
الجواب: لقد اتّضح ممّا سبق أنّ الإمام الحجّة (عليه السلام) سوف ينتقم من أعداء الله والرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام)، وعلى الخصوص من قتلة الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، أمّا كيف يمكن أن نتصوّر هكذا انتقام، مع العلم أنّ قتلة جدّة الحسين قد مرّ على موتهم مئات من السنين.
ومن الممكن ان نتصوّر هذا الانتقام بالبيان الآتي:
1 - إنّ الله تعالى سوف يحييهم ثمّ ينتقم منهم.
2 - إنّ الإمام المهدي سينتقم من أحفاد قتلة الإمام الحسين (عليه السلام)، وإن كان
بينهم وبين أجدادهم الذين قتلوا الحسين عشرات الأظهر، ولكن ذلك الانتقام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(210) الإسراء (17): 33.
(211) تفسير العيّاشي: 2 / 290.
(212) الكافي: 8 / 255.تأول الآيات: 1 / 280.كامل الزيارات: 63.

(١٠٩)

سيكون بدليل: أنّ هؤلاء راضون بأفعال أجدادهم، فلهذه العلّة سيشملهم انتقام الحجّة (عليه السلام)، وإن مضى على واقعة كربلاء أكثر من ألف سنة مثلاً.
قال الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ)، قال: «ذلك قائم آل محمّد يخرج فيقتل بدم الحسين بن عليّ...، ثمّ قال أبو عبد الله (عليه السلام): يقتل والله ذراري قتلة الحسين بفعال آباءهم»(213).
وعن الصدوق في العلل والعيون، عن عليّ، عن أبيه، عن الهروي، قال: «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، ما تقول في حديث روي عن الصادق أنّه قال: إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها؟
فقال: هو كذلك.
فقلت: وقول الله (عزّ وجلّ): (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)(214)؟!
قال: صدق الله في جميع أقواله، ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم، ويفتخرون بها، ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه، ولو أنّ رجلاً قتل بالمشرق فرضى بقتله رجل في المغرب، لكان الراضي عند الله (عزّ وجلّ) شريك القاتل، وإنّما يقتلهم القائم (عليه السلام) إذا خرج لرضاهم بفعل آباءهم.
قال: قلت له: بأي شيء يبدأ القائم منكم إذا قام؟
قال: يبده ببني شيبة، فيقطع أيديهم؛ لأنّهم سرّاق بيت الله (عزّ وجلّ)»(215).
وممّا يشهد بأنّه (عليه السلام) ينتقم من الجبّارين ما روي عن الصادق (عليه السلام) في ذيل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(213) كامل الزيارة: 63. بحار الأنوار: 45 / 298.
(214) الأنعام (6): 164. الإسراء (17): 15، فاطر (35): 18. الزمر (39): 7.
(215) بحار الأنوار: 52 / 312.عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2 / 347.

(١١٠)

قوله تعالى: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا)(216)، قال: «ما له قوّة يقوى بها على خالقه، ولا ناصر من الله ينصره إن أراد سوءاً.
قلت: إنّهم يكيدون كيداً؟
قال: كادوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وكادوا (عليه السلام)، وكادوا فاطمة (عليها السلام)، فقال الله: يا محمّد، إنّهم يكيدون كيداً، وأكيداً كيداً، فمهّل الكافرين - يا محمّد - أمهلهم رويداً لوقت بعث القائم (عليه السلام)، فينتقم لي من الجبّارين والطواغيت من قريش وبني اُميّة وسائر النّاس»(217).
السؤال الثامن والعشرون: لماذا لقّب الإمام المهدي (عليه السلام) بقائم آل محمّد (عليهم السلام)؟
الجواب: لا شكّ أنّ كلّ الأئمّة (عليهم السلام) هم القائمون بالحقّ وبأمر الله تعالى، كما أشارت به عدّة روايات، ولكنّ هذا اللقب يختصّ بالمهدي (عجل الله فرجه) الشريف.
وأمّا أنّهم قائمون بالحقّ، فهو ممّا أجاب به الإمام موسى بن جعفر ليونس بن عبدالرحمن، قال: «دخلت على موسى بن جعفر (عليهما السلام) فقلت: يا بن رسول الله، أنت القائم بالحقّ؟
قال: أنا القائم بالحقّ، ولكنّ القائم الذي يطهّر الأرض من أعداء الله، ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً، هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(216) الطارق (86): 15 - 17.
(217) تفسير القمّي: 2 / 416.

(١١١)

نفسه، يرتدّ فيها أقوام، ويثبت فيها آخرون»(218).
وقال عبد العظيم بن عبد الله الحسني: «قلت لمحمّد بن عليّ بن موسى: إنّي لأرجوك أن تكون القائم من أهل بيت محمّد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
فقال (عليه السلام): يا أبا القاسم، ما منّا إلاّ قائم بأمر الله، وهادي إلى دين الله، ولكنّ القائم الذي يطهّر الله (عزّ وجلّ) به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً، هو الذي يخفى على النّاس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سميّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وكنيّه...»(219).
وأمّا لماذا لقّب الإمام بهذا اللقب، فذكر في ذلك عدّة أقوال، نذكر بعضها على نحو الاختصار:
1 - لقد خصّه الله بذلك اللقب
روي الصدوق بسنده عن أبي حمزة ثابت بن دينار، قال: «سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام): يا بن رسول الله، لِمَ سمّي عليّ (عليه السلام) أمير المؤمنين، وهو إسم ما سمّي به أحد قبله ولا يحلّ لأحد من بعده؟
قال: لأنّه ميرة العلم، يمتار منه ولا يمتار من أحد غيره.
قال: فقلت: يا بن رسول الله، فلِمَ سُمّي سيفه ذا الفقار؟
فقال (عليه السلام): لأنّه ما ضرب به أحد من خلق الله إلّا أفقره من هذه الدنيا من أهله وولده، وأفقره في الآخرة من الجنّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(218) كفاية الأثر: 265.
(219) المصدر المتقدّم: 278.

(١١٢)

قال: فقلت: يا بن رسول الله، فلستم كلّكم قائمين بالحقّ؟
قال: بلى.
قلت: فلِمَ سمّي القائم قائماً؟
قال: لمّا قتل جدّي الحسين (عليه السلام) ضجّت الملائكة إلى الله تعالى بالبكاء والنحيب وقالوا: إلهنا وسيّدنا، أتغفل عمّن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك؟
فأوحى الله (عزّ وجلّ) إليهم: قِرّوا ملائكتي، فوعزّتي وجلالي لأنتقمنّ منهم ولو بعد حين.
ثمّ كشف الله (عزّ وجلّ) عن الأئمّة من ولد الحسين (عليه السلام) للملائكة، فسُرّت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلّي، فقال الله (عزّ وجلّ): بذلك القائم أنتقم منهم»(220).
2 - يقوم لحماية الدين
عن الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، قال: «دخل أعرابي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يريد الإسلام، ومعه ضبّ قد اصطاده في البريّة وجعله في كمّه، فجعل النبيّ يعرض (عليه السلام).
فقال: لا اُؤمن بك يا محمّد، أو يؤمن بك هذا الضبّ، ورمي الضبّ من كمّه، فخرج الضبّ من المسجد يهرب، فقال النبيّ: يا ضبّ، من أنا؟
قال: أنت محمّد بن عبد الله بن عبدالمطّلب بن هاشم بن عبد مناف.
قال يا ضبّ من تعبد؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(220) علل الشرائع: 160.

(١١٣)

قال: أعبد الذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، واتّخذ إبراهيم خليلاً، وناجى موسى كليماً، واصطفاك يا محمّد.
فقال الأعرابي: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّك رسول الله حقّاً، فأخبرني يا رسول الله هل يكون بعدك نبيّ؟
قال: لا أنا خاتم النبيّين، ولكن يكون بعدي أئمّة من ذرّيّتي، قوّامون بالقسط، كعدد نقباء بني إسرائيل، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، فهو الإمام والخليفة بعدي، وتسعة من الأئمّة من صلب هذا - ووضع يده على صدري - والقائم تاسعهم، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت في أوّله...»(221).
3 - يقوم بالسيف
وعن علقمة بن محمّد الحضرمي، عن الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): يا عليّ، إنّ قائمنا إذا خرج يجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدد رجال بدر، فإذا كان وقت خروجه يكون له سيف مغمود، ناداه السيف: قم يا وليّ الله فاقتل أعداء الله»(222).
4 - لأنّه يقوم بعد موت ذكره
وعن الصقر بن أبي دلف، قال: «سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: الإمام بعدي إبني عليّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده إبنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثمّ سكت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(221) كفاية الأثر: 172.
(222) المصدر المتقدّم: 262.

(١١٤)

فقلت له: يا بن رسول الله، فمن الإمام بعد الحسن؟
فبكى (عليه السلام) بكاءً شديداً، ثمّ قال: إنّ بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر.
فقلت له: يا بن رسول الله، ولِمَ سمّي القائم؟
قال: لأنّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته.
فقلت له: ولِمَ سمّي المنتظر؟
قال: لأنّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ به الجاحدون، ويكذب فيها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون»(223).
ونجد في روايات اُخرى تعابير اُخرى يشبه بعضها بعضاً، كالقائم بأمر الله، القائم بالقسط، القائم بالحقّ، وغيره(224).
السؤال التاسع والعشرون: ما هي صفات الأنبياء التي تتواجد في الإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: لقد ورد في كثير من الروايات عن وجود صفات الأنبياء في المهدي المنتظر (عليه السلام)، فهو (عليه السلام) وارث النبيّ وعليّ؛ لأنّ عليّاً قد ورث ألف سنةٍ من سنن الأنبياء والمرسلين(225).
وأمّا الصفات الموجودة في المهدي من الأنبياء فكثيرة، منها:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(223) كفاية الأثر: 279.
(224) المصدر المتقدّم: 145.
(225) بصائر الدرجات: 114.

(١١٥)

1 - العمر الطويل
لقج عاش سيّدنا آدم (عليه السلام) 1000 سنة(226)، ونوح (عليه السلام) 2500 سنة(227).
وورث الإمام المهدي (عليه السلام) هذا العمر الطويل منهما، ولا يعلم كم يعمّر إلى وقت ظهوره، والعلم عند الله.
2 - خفاء الولادة
كانت ولادة سيّدنا إبراهيم وموسى (عليهما السلام) سرّاً، فعلى ما روي: «أنّ اُمّ إبراهيم (عليها السلام) وضعت ولدها في غار خوفاً من نمرود، وأنّ اُمّ موسى (عليها السلام) كذلك وضعت ولدها في النيل خوفاً من فرعون، فالصفة التي يحملها قائم آل محمّد (عليه السلام) من هذين الرسولَين من اُولي العزم هي الخفاء في الولادة؛ لأنّ خلفاء بني العبّاس كانوا يترقّبون ولادته لكي يقتلوه.
فالإمام الحسن العسكري (عليه السلام) خوفاً من معرفة أجهزة النظام بذلك أخفى حمل زوجته حتّى عن الخواصّ وأقربائه من أهل بيته، ولم يطلع على هذا السرّ إلاّ السيّدة حكيمة بنت الإمام الجواد عمّة الإمام العسكري (عليه السلام)، وذلك في ليلة ولادة المهدي (عليه السلام)، فإنّه أخبرها، وأراد منها أن تبقى لتحضر وقت الولادة.
تقول حكيمة: «بعث إليَّ أبو محمّد (عليه السلام) سنة خمس وخمسين ومائتين، في النصف من شعبان، وقال: يا عمّة، إجعلي الليلة إفطارك عندي، فإنّ الله (عزّ وجلّ) سيسرّك بوليّه، وحجّة على خلقه، خليفتي من بعدي.
قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد، وأخذت ثيابي عليَّ وخرجت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(226) المستدرك على الصحيحين: 4 / 588.
(227) الشيعة والرجعة: 1 / 295.

(١١٦)

من ساعتي حتّى انتهيت إلى أبي محمّد (عليه السلام) وهو جالس في صحن داره وجواريه حوله، فقلت: جعلت فداك يا سيّدي، الخلف ممّن هو؟
قال: من سوسن، فأدرت طرفي فيهنّ فلم أرَ جارية عليها أثر غير سوسن...»(228).
وممّا يدلّ على خفاء ولادة الإمام المهدي ما رواه الشيخ الطوسي رحمه الله في كتاب الغيبة عن أحمد بن عليّ الرازي، عن محمّد بن عليّ، عن حنظلة بن زكريّا، قال: «حدّثني أحمد بن بلال بن داود الكاتب، وكان عاميّاً بمحلّ من النصب لأهل البيت (عليهم السلام)، يظهر ذلك ولا يكتمه، وكان صديقاً لي يظهر مودّة بما فيه من طبع أهل العراق، فيقول - كلّما لقيني - لك خبر تفرح به، ولا اُخبرك به، فأتغافل عنه، إلى أن جمعني وإيّاه موضع خلوة، فاستقصيت عنه وسألته أن يخبرني به، فقال: كانت دورنا بسر من رأى مقابل دار ابن الرضا - يعني أبا محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) - فغبت عنها دهراً طويلاً إلى قزوين وغيرها، ثمّ قضى لي الرجوع إليها، فلمّا وافيتها، وقد كنت فقدت جميع من خلّفته من أهلي وقراباتي، إلاّ عجوزاً كانت ربّتني، ولها بنت معها، وكانت مع طبع الاُول مستورة صائنة، لا تحسن الكذب، وكذلك مواليات لنا بقين في الدار، فأقمت عندهنّ أيّاماً، ثمّ عزمت الخروج، فقالت العجوزة: كيف تستعجل الانصراف وقد غبت زماناً؟ فأقم عندنا لنفرح بمكانك.
فقلت لها على جهة الهزؤ: اُريد أن أصير إلى كربلاء، وكان النّاس للخروج في النصف من شعبان أو ليوم عرفة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(228) كتاب الغيبة: 141.

(١١٧)

فقالت: يا بنيّ، اُعيذك بالله أن تستهين ما ذكرت أو تقوله على وجه الهزؤ، فإنّي اُحدّثك بما رأيته - يعني بعد خروجك من عندنا بسنتين - كنت في هذا البيت نائمة بالقرب من الدهليز، ومعي إبنتي، وأنا بين النائمة واليقظانة، إذ دخل رجل حسن الوجه، نظيف الثياب، طيّب الرائحة، فقال: يا فلانة، يجيئك الساعة من يدعوك في الجيران، فلا تمتنعي من الذهاب معه، ولا تخافي، ففزعت.
فناديت إبنتي وقلت لها: هل شعرت بأحد دخل البيت، فقالت: لا، فذكرت الله، وقرأت ونمت، فجاء الرجل بعينه وقال لي مثل قوله، ففزعت وصحت يإبنتي، فقالت: لم يدخل البيت، فاذكري الله ولا تفزعي، فقرأت ونمت، فلمّا كان في الثلاثة جاء الرجل وقال: يا فلانة، قد جاءك من يدعوك ويقرع الباب، فاذهبي معه، وسمعت دقّ الباب، فقمت وراء الباب وقلت: من هذا؟
فقال: إفتحي ولا تخافي، فعرفت كلامه، وفتحت الباب، فإذا خادم معه إزار، فقال: يحتاج إليك بعض الجيران لحاجة مهمّة فادخلي، ولفّ رأسي بالملاءة وأدخلني الدار، وأنا أعرفها، فإذا بشقاق مشدودة وسط الدار، ورجل قاعد بجنب الشقاق، فرفع الخادم طرفه فدخلت، وإذا امرأة قد أخذها الطلق وامرأة قاعدة خلفها كأنّها تقبّلها.
فقالت المرأة: تعيننا فيما نحن فيه، فعالجتها بما يعالج به مثلها، فما كانت إلاّ قليلاً حتّى سقط غلام، فأخذته على كفّي وصحت غلام غلام، وأخرجت رأسي من طرف الشقاق اُبشّر الرجل القاعد، فقيل لي: لا تصيحي، فلمّا رددت وجهي إلى الغلام قد كنت فقدته من كفّي، فقالت لي المرأة القاعدة: لا تصيحي، وأخذ الخادم بيدي ولفّ رأسي بالملاءة وأخرجني من الدار، وردّني إلى داري، وناولني صرّة، وقال: لا تخبري بما رأيت أحداً، فدخلت الدار ورجعت إلى

(١١٨)

فراشي في هذا البيت، وابنتي نائمة فأنبهتها، وسألتها هل علمت بخروجي
ورجوعي؟
فقالت: لا، وفتحت الصّرة في ذلك الوقت وإذا فيها عشرة دنانير عدداً، وما أخبرت بهذا أحداً إلاّ في هذا الوقت لما تكلّمت بهذا الكلام على حدّ الهزؤ، فحدّثتك إشفاقاً عليك، فإنّ لهؤلاء القوم عند الله (عزّ وجلّ) شأناً ومنزلة، وكلّ ما يدّعونه حقّ.
قال: فعجبت من قولها وصرفته إلى السخرية والهزؤ، ولم أسألها عن الوقت غير أنّي أعلم يقيناً أنّي غبت عنهم في سنة نيف وخمسين ومائتين، ورجعت إلى سرّ من رأى في وقت أخبرتني العجوزة بهذا الخبر في سنة إحدى وثمانين ومائتين في وزارة عبد الله بن سليمان لمّا قصدته.
قال حنظلة: فدعوت بأبي الفرج المظفّر بن أحمد حتّى سمع معي هذا الخبر»(229).
وأضاف الباقر (عليه السلام) إلى شبه آخر من موسى (عليه السلام) وقال: «وأمّا شبهه من موسى، فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده بما لقوا من الأذى والهوان»(230).
3 - مجهوليّة يوسف
لقد غاب يوسف (عليه السلام) مدّة من الزمن لبعض العلل والأسباب، فقد ألقاه إخوته في البئر، وكان طفلاً صغيراً، ولمّا نجا من البئر بقى غائباً عن الأنظار، حيث كان يعيش بين النّاس ولا يعرفه أحد، فكان النّاس يرونه ولكن لا يعرفونه شخصيّاً،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(229) كتاب الغيبة: 145.
(230) بحار الأنوار: 51 / 218.

(١١٩)


وكذلك شأن الإمام المهدي (عليه السلام)، فالنّاس يرونه ولكنّهم لا يعرفونه شخصيّاً.
قال الصادق (عليه السلام): «وأمّا سنّة من يوسف فالستر، جعل الله بينه وبين الخلق حجاباً يرونه ولا يعرفونه»(231).
4 - الامتحان الصعب لأيّوب (عليه السلام)
ابتلى أيّوب (عليه السلام) ابتلاءً شديداً، وخرج منها مرفوع الرأس، وغمرته الرحمة الإلهيّة الواسعة، وارتفعت عنه الهموم، وكذلك الإمام المهدي (عليه السلام)، فإنّه سوف يحصل له الفرج، ويظهر بعد ذلك الامتحان الكبير.
قال الإمام السجّاد (عليه السلام): «وأمّا من أيّوب، فالفرج بعد البلوى»(232).
5 - الشباب ليونس بن متي (عليه السلام)
رجع يونس بن متي (عليه السلام) إلى قومه بعدما غاب عنهم سنين طويلة، وهو ما زال في سنّ الشباب، وكان يظنّ النّاس أنّه أصبح شيخاً كبيراً، والحجّة القائم (عليه السلام) أيضاً سيظهر بعد غيبة طويلة لا يعرف مقدارها، على صفة شاب في الأربعين.
قال الإمام الباقر (عليه السلام) لمحمّد بن مسلم: «فأمّا شبهه من يونس، فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السنّ»(233).
6 - صفة من عيسى (عليه السلام)
اختلف النّاس في نبيّ الله عيسى، فقال قوم: إنّه لم يولد، وقال الآخرون: إنّه مات، وهكذا قيل أيضاً في الإمام المهدي (عليه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(231) بحار الأنوار: 51 / 224.
(232) كمال الدين: 1 / 322.
(233) بحار الأنوار: 51 / 218.

(١٢٠)

قال الباقر (عليه السلام) لمحمّد بن مسلم: «وأمًا شبهه من عيسى، فاختلاف من اختلف فيه، حتّى قالت طائفة منهم: ما ولد، وقالت طائفة: مات، وقالت طائفة: قُتل وصُلب»(234).
7 - صفة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)
وذكرت الروايات عن المهدي (عليه السلام): «أنّه يهتدي بهداه، ويسير بسيرته»(235)، أي يسير بسيرة رسول الله، ويهدي النّاس بطريقة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم).
قال الإمام الباقر (عليه السلام): «وأمّا شبهه من جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فخر وجه بالسيف، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله، والجبّارين والطواغيت، وأنّه ينصر بالسيف والرعب...»(236).
وقال أيضاً: «وسمع منه أبو بصير: وأمّا من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فالقيام بسيرته، وتبيين آثاره»(237).
السؤال الثلاثون: لماذا يقوم المهدي (عليه السلام) بالسيف؟
لا شكّ أنّ الإمام المهدي هو الذي يقوم بالسيف، وقد مرّ عليك أنّ فيه (عليه السلام) شبهاً من جدّه المصطفى، حيث يقوم بالسيف، وأنّه سوف ينتصر على أعداء الله بالسيف.
فإن قيل: لماذا بالسيف وقد ملأ العالم بالأسلحة الحديثة؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(234) بحار الأنوار: 51 / 218.
(235) كمال الدين: 2 / 350.
(236) بحار الأنوار: 51 / 218.
(237) بحار الأنوار: 51 / 218.

(١٢١)

قلنا: من المحتمل أن تقع حروب ذرّيّة قبل الظهور، ممّا يسبّب زوال التكنولوجيا الحديثة، ومن هنا لا تجد سلاحاً غير السيف في عصر الظهور.
ومن المحتمل أيضاً أن يكون السيف هو رمز القدرة، بمعنى أنّه يحارب الأعداء لا أنّه يحارب أعدائه حقيقة بالسيف.
السؤال الحادي الثلاثون: ما هي مواريث الأنبياء الموجودة عند الإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: إنّ حكومة المهدي (عليه السلام) هي مظهر القدرة الإلهيّة اللامتناهية، فإنّ الإرادة الإلهيّة اقتضت أن يعطي عبده الصالح بما أعطى أنبياءه من الصفات العالية، حتّى يحيي ذكرى جميع الأنبياء والمرسلين من الأوّلين والآخرين، وورث أيضاً ما بقى عنهم من المواريث، وإليك المواريث الموجودة عند الإمام المهدي (عليه السلام):
1 - عمامة رسول الله وقميصه
روي: «أنّ الإمام المهدي عندما يظهر يكون على رأسه عمامة جدّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) البيضاء»(238)، وهكذا يرتدي قميص جدّه الملطّخ بالدماء في معركة اُحد.
كما أشار الإمام الصادق (عليه السلام) إلى ذلك وقال ليعقوب بن شعيب: «ألا اُريك قميص القائم الذي يقوم به؟
فقلت: بلى.
قال: فدعا بقَمطر ففتحه، وأخرج منه قميص كرابيس، فنشره فإذا في كمّه الأيسر دمٌ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(238) عقد الدرر: 277.

(١٢٢)

فقال: هذا قميص رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) الذي عليه يوم ضربت رباعيته، وفيه يقوم القائم.
فقبّلت الدم ووضعته على وجهي، ثمّ طواه أبو عبد الله (عليه السلام) ورفعه»(239).
2 - درع الرسول وذو فقاره
وأشار الصادق (عليه السلام) إلى أنّ وراثة سلاح الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) من علامات الإمامة. قال الحارث بن المغيرة النصري: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بأي شيء يُعرف الإمام؟
قال: بالسكينة والوقار.
قلت: وبأيّ شيء؟
قال: وتعرفه بالحلال والحرام، وبحاجة النّاس إليه، ولا يحتاج إلى أحد، ويكون عنده سلاح رسول الله...»(240).
3 - راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)
وعنده أيضاً راية النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) التي جاء بها جبرئيل إليه في يوم بدر، ولمّا رفعت انتصر المسلمون، ولقد حمل الإمام أمير المؤمنين ونشرها يوم الجمل، وفقأ عين الفتنة، وأصرّ جماعة من الصحابة على رفع تلك الراية يوم صفّين، فلم يقبل ذلك، فقال للحسن:
«يا بنيّ، إنّ للقوم مدّة يبلغونها، وإنّ هذه الراية لا ينشرها بعدي إلاّ القائم صلوات الله عليه»(241).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(239) الغيبة: 243.
(240) الغيبة: 242.
(241) معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): 3 / 386.

(١٢٣)

قال أبو خالد الكابلي: «قال لي عليّ بن الحسين... كأنّي بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، وإسرافيل أمامه، معه راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد نشرها، لا يهوى بها إلى قوم إلاّ أهلكم الله (عزّ وجلّ)»(242).
4 - عصى موسى (عليه السلام)
روى الصفّار بسنده عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: «كانت عصى موسى لآدم، فصارت إلى شعيب، ثمّ صارت إلى موسى بن عمران، وإنّها لعندنا، وإنّ عهدي بها آنفاً، وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرها، وإنّها لتنطق إذا استُنطقت، اُعدّت لقائمنا ليصنع كما كان موسى يصنع بها، وإنّها لتروّع وتلقف، قال: إنّ رسول الله لما أراد الله أن يقبضه أورث عليّاً علمه وسلاحه، وما هناك،
ثمّ صار إلى الحسن والحسين، ثمّ حين قتل الحسين استودعه اُمّ سلمة، ثمّ قبض بعد ذلك منها.
قال: فقلت: ثمّ صار إلى عليّ بن الحسين، ثمّ انتهى إليك؟
قال: نعم»(243).
5 - حَجر موسى (عليه السلام)
أمّا الصخرة التي ضرب عليها موسى وخرج منها ماءً معيناً، فهي عند الإمام المهدي (عليه السلام).
قال الباقر (عليه السلام): «إذا قام القائم بمكّة وأراد أن يتوجّه إلى الكوفة نادى مناديه:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(242) أمالي المفيد: 45. معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): 3 / 201.
(243) بصائر الدرجات: 183.

(١٢٤)

ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً، ويجمل حجر موسى بن عمران، وهو وقر بعير، ولا ينزل منزلاً إلاّ انبعث عين منه، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان ظمآن روي، فهو زادهم حتّى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة»(244).
6 - تابوت السكينة
وهذا هو ذلك الصندوق الذي أرسله الله تعالى إلى اُمّ موسى، فوضعت فيه رضيعها وأقته في البحر، وفي هذا الصندوق وضع فيه موسى (عليه السلام) في آخر أيّام حياته الألواح والسلاح، وكلّ آثار نبوّته(245).
فعلى قول بعض الأعلام: «كان في ذلك الصندوق صور أنبياء الله، وكان يحمله بنو إسرائيل في حروبهم، وكانوا يرزقون الشهادة ببركته»(246).
والحجّة القائم (عليه السلام) عندما يظهر يذهب إلى بيت المقدس، يخرج ذلك التابوت وخاتم سليمان وألواح موسى (عليه السلام)(247).
7 - مجموعة اُخرى من آثار الأنبياء
روى الصفّار القمّي عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن سعيد السماك، قال: «كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)؛ إذ دخل عليه رجلان من الزيديّة، فقالا: أفيكم إمام مفترض طاعته؟
فقال: لا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(244) بصائر الدرجات: 188.
(245) الشيعة والرجعة: 1 / 164.
(246) المصدر المتقدّم: 163.
(247) بصائر الدرجات: 175.

(١٢٥)

فقالا له: فأخبرنا عنك الثقات إنّك تعرفه، ونسمّيهم لك، وهم فلان وفلان، وهم أصحاب ورع وتشمير، وهم ممّن لا يكذّبون.
فغضب أبو عبد الله (عليه السلام) وقال: ما أمرتهم بهذا، فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا.
فقال لي: أتعرف هذين؟
قلت: نعم، هما من أهل سوقنا من الزيديّة، وهما يزعمان أنّ سيف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) عند عبد الله بن الحسن.
فقال: كذبا لعنهما الله، ولا والله ما رآه عبد الله بعينه، ولا بواحد من عينيه، ولا رآه أبوه، إلاّ أن راه عند عليّ بن الحسين بن عليّ، وإن كانا صادقَين فما علامة في مقبضه، وما لا ترى في موضع مضربه، وإنّ عندي لسيف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ودرعه ولامته ومغفره، فإن كانا صادقَين فما علامة في درعة، وإنّ عندي لراية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) المغلبة، وإنّ عندي ألواح موسى وعصاه، وإنّ عندي لخاتم سليمان بن داود، وإنّ عندي الطست الذي كان يقرّب بها موسى القربان، وإنّ عندي الإسم الذي كان إذا أراد رسول الله أن يضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشّابة، وإنّ عندي التابوت التي جاءت به
الملائكة تحمله، ومثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل أهل بيت وقف التابوت على باب دارهم اُوتوا النبوّة كذلك، ومن صار إليه السلاح منّا اُوتي الإمامة، ولقد لبس أبي درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فخطّت على أرض خطيطاً، ولبستها أنا فكانت، وقائمنا ممّن إذا لبسها ملأها إن شاء الله»(248).
واُشير أيضاً في بعض الأحاديث إلى آثار اُخرى، كما عن الصادق وغيره من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(248) بصائر الدرجات: 174.

(١٢٦)

المعصومين، مثل: درع رسول الله ولواه(249)، وقميص آدم(250)، وكتب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)(251)، ونعل رسول الله(252)، وخاتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)(253)، والجفنة التي اُهديت إلى رسول الله ملأ لحم وثريد(254)، وقميص إبراهيم ويوسف(255)، وإن كلّ ذلك موجود ومذخور عند قائم آل محمّد (عليهم السلام).
8 - الكتب السماويّة
لقد وصلت جميع الكتب السماويّة إلى يد العترة الطاهرة عن طريق الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وجميعها موجودة الآن عند آخر الذخائر الإلهيّة، أي الحجّة القائم المهدي (عليه السلام).
وسيأتي بكلّ ذلك عندما يخرج من وراء ستار الغيبة.
قال الصادق (عليه السلام) لأبي بصير: «يا أبا محمّد، إنّ الله لم يعط الأنبياء شيئاً إلاّ وقد أعطى محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) جميع ما أعطى الأنبياء، وعندنا الصحف التي قال الله: (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى)(256).
قلت: جعلت فداك، وهي الألواح؟
قال: نعم»(257).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(249) بصائر الدرجات: 178.
(250) بصائر الدرجات: 178.
(251) المصدر المتقدّم: 180.
(252) المصدر المتقدّم: 182.
(253) المصدر المتقدّم: 182.
(254) المصدر المتقدّم: 185.
(255) المصدر المتقدّم: 189.
(256) الأعلى (87): 19.
(257) بصائر الدرجات: 136.

(١٢٧)

9 - القرآن الذي جمعه عليّ (عليه السلام)
لمّا ارتحل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بقي عليّ (عليه السلام) حليف البيت يجمع القرآن بأمر منه، ولمّا فرغ من جمعه حمل القرآن إلى المسجد وعرضه على أبي بكر، فقال له عمر: يا عليّ، اردده فلا حاجة لنا به، فأخذه (عليه السلام) وانصرف... فلمّا استخلف عمر سأل عليّاً أن يدفع إليهم القرآن... فقال: يا أبا الحسن، إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتّى نجتمع عليه.
فقال (عليه السلام): هيهات، ليس إلى ذلك سبيل، إنّما جئت به ليقوم الحجّة عليكم، ولا تقولوا يوم القيامة: إنّا كنّا عن هذا غافلين، أو تقولوا: ما جئتنا به، إنّ القرآن الذي عنده لا يمسّه إلاّ المطهّرون والأوصياء من ولدي.
قال عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم؟
فقال: نعم، إذا قام القائم من ولدي يظهر ويحمل النّاس عليه فتجري السنّة...»(258).
وعنده أيضاً جميع آثار المعصومين وكتبهم، كالصحيفة الجامعة(259) التي هي بإملاء رسول الله، وخطّ الإمام أمير المؤمنين، وكتاب عليّ(260)، ومصحف فاطمة(261)، والجفر الأبيض(262)، والجفر الأحمر(263)، والصحيفة التي فيها أسماء جميع الأنبياء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(258) الشيعة والرجعة: 1 / 418.
(259) بصائر الدرجات: 142.
(260) المصدر المتقدّم: 147.
(261) المصدر المتقدّم: 151.
(262) معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام).
(263) المصدر المتقدّم: 151.

(١٢٨)

والملوك(264)، وأتباع أهل البيت، وغير ذلك(265)، وقد تصدّى الصفّار القمّي رحمه الله لجمع هذه الروايات والأحاديث عن النبيّ وأهل البيت في كتابه بصائر الدرجات، فراجع.
وقفة قصيرة: فإن قيل: فما فائدة هذه المواريث التي عند الإمام المهدي (عليه السلام)؟
قلنا: لقد مرّ عليك أنّ بعض هذه المواريث يستخدمه القائم (عليه السلام) عندما يظهر للغلبة والنصر على الأعداء كما استخدمه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) للغلبة على الأعداء في بدر، ولإطفاء نار الحرب في الجمل، وهي الراية التي جاء بها جبرئيل إلى رسول الله في غزوة بدر. وهكذا شأن تابوت السكينة الذي كان مع بني إسرائيل للغلبة على الأعداء، وحجر موسى (عليه السلام).
وتدلّ هذه المواريث أيضاً على إمامته، حيث كانت كلّها بيد من تقدّمه من الأئمّة الهداة، تدلّ أيضاً تقدّمه على سائر النّاس في زمانه. فلو علم اليهود - مثلاً - أنّ عنده عصا موسى وألواحه وتابوت السكينة وغيرها من آثار الأنبياء، وخصوصاً آثار موسى (عليه السلام) لآمنوا به، وتركوا الحرب والتخاصم معه.
وهكذا لو علمت النصارى بنزول عيسى إلى الأرض، وكسره الصليب، وصلاته خلف المهدي (عليه السلام) لآمن به أكثرهم إلاّ ما شذّ وندر.
ولو قيل: إنّه مرّ علينا أنّ عصا موسى عند الإمام المهدي (عليه السلام)، وهي خضراء كهيئتها، فكيف يمكن أن تبقى هذه العصا خضراء وقد مرّ عليها آلاف من السنين ولم تتغيّر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(264) معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): 169.
(265) المصدر المتقدّم: 171.

(١٢٩)

قلنا: إنّ الله لمّا أمات الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها، فقال: أنّى يحيي هذه الله بعد موتها، وأحياه الله بعد مائة عام، قال له: فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه، أي لقد مرّ على طعامك وشرابك هذه الأعوام ولم يتغيّر طعمه ولا لونه ولا رائحته.
فما هو جوابك في هذا المقام، فكان الجواب هو الجواب.

(١٣٠)

تتميّز حكومة الإمام المهدي الكريمة بمميّزات خاصّة كما صرّحت بذلك الروايات، وأنّه لا توجد دولة إلى الآن، سواء كانت على حقّ أو باطل، فيها هذه المميّزات، وأنّ لله (عزّ وجلّ) قد جعل كلّ مظاهر الجمال في حكومة ذخيرته في آخر الزمان.
وسنبحث في هذا الفصل حول التغييرات العظيمة في ذلك اليوم، وما يحصل في ذلك اليوم من أحداث غريبة، ومعاجز عجيبة على يد المهدي (عليه السلام)، من نزول عيسى من السماء وكشفه عن خزائن الدنيا، ورجوع الأنبياء، وإحياء بعض الأموات إلى الدنيا.
السؤال الثاني والثلاثون: هل إنّ حكومة المهدي (عليه السلام) عالميّة؟
الجواب: تحدّث القرآن الكريم عن عالميّة الدين الإسلامي بقوله: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(266).
والجدير بالذكر أنّ الإسلام إلى اليوم لم يظهر على كلّ الأديان، وأنّ الوعد الإلهي لمّا لم يتخلّف سوف يأتي ذلك اليوم الذي يعم هذا الدين على كلّ العالم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(266) التوبة (9): 33.

(١٣٣)

ولا يتحقّق هذا الوعد إلاّ بظهور المنتظر (عج) عندما يؤسّس الحكومة العالميّة، ويطبّق الدين الإسلامي في أنحاء العالم، كما وعد الله (عزّ وجلّ).
وورد أيضاً في القرآن الكريم حول وراثة الصالحين من عباده للأرض فقال: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(267).
فمع العلم أنّ هذا الوعد لم يتحقّق بعد، ستكون هذه الوراثة على يد الإمام المهدي كما نبّهت بذلك الأحاديث الإسلاميّة(268).
قال الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا)(269): «إذا قام القائم لا تبقى أرض إلاّ نودي فيها شهادة أن لا إله إلاّ الله»(270).
تظافرت الروايات عن النبيّ والأئمّة على أنّ المهدي (عليه السلام) سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، حيث أكّد على كلمة الأرض لا غير.
فبالنتيجة: أنّ الآيات تؤكّد على حكومته العالميّة من خلال تطبيق الدين ووراثة الصالحين على جميع الأرض، وروايات الخاصّة والعامّة تؤكّد على هذا المعنى.
قال الباقر (عليه السلام) مؤكّداً هذا المعنى: «يفتح الله له شرق الأرض وغربها»(271)، ويشهد بذلك أيضاً ما ورد من شمول دولته (عليه السلام) بلاد الحجاز، وايران، والعراق، والشام، والروم، وقسطنطينيّة، وأرمينية والصين وغيرها من دول العالم، فلا شكّ أنّ هذه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(267) الأنبياء (21): 105.
(268) تفسير القمّي: 2 / 77.
(269) آل عمران (3): 83.
(270) تفسير العيّاشي: 1 / 183. بحار الأنوار: 53 / 340.
(271) بحار الأنوار: 52 / 291.

(١٣٤)

الدول الكبرى كانت تشكّل ثلاثة أرباع العالم في عصر الروايات.
السؤال الثالث والثلاثون: ما هو اليوم الذي سيظهر فيه الإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: فيه ثلاثة أقوال، وإن كان من المعروف أنّه سيظهر في يوم الجمعة.
القول الأوّل: يوم الجمعة، فروى الصدوق في الخصال عن الصادق (عليه السلام)، قال: «يخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة»(272).
القول الثاني: يوم السبت، روى الصدوق في كمال الدين عن الباقر (عليه السلام)، قال: «يخرج القائم يوم السبت، يوم عاشوراء، اليوم الذي قُتل فيه الحسين»(273).
القول الثالث: يوم عاشوراء، روى الطوسي بسنده عن الصادق (عليه السلام): «إنّ القائم صلوات الله عليه ينادي باسمه ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم يوم عاشوراء، يوم قُتل فيه الحسين بن عليّ (عليهما السلام)»(274).
فيمكن الجمع بين ما تقدم من الروايات بأنّ الإمام المهدي (عليه السلام) سيظهر في يوم الجمعة، ويقوم في يوم السبت، ويشهد بذلك ما روي من أنّ الإمام بعد ما يظهر بمكّة يذهب إلى المدينة، فلمّا يسمع السفياني بخروج الإمام يرسل جيشاً لمحاربة الإمام، فيخرج منها خائفاً قاصداً إلى مكّة، ثمّ تبدأ نهضته (عليه السلام) وإن لم يصرّح بأنّه متى يخرج للمرّة الثانية، وفي أي يوم يكون.
هذا إذا لم نرجّح ظهور الإمام في يوم عاشوراء، وإلاّ فعلينا أن نعرف في أيّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(272) الخصال: 2 / 394.
(273) كمال الدين: 2 / 653. تهذيب الأحكام: 4 / 333.
(274) بحار الأنوار: 52 / 290، عن الطوسي في الغيبة.

(١٣٥)

يوم استشهد الإمام الحسين (عليه السلام)، وعلى أساس ذلك يمكن التعيين في أنّه يوم الجمعة أو يوم السبت، ويبدو في نظري القاصر أنّ ظهور الإمام سيكون يوم السبت؛ لأنّ الإمام (عليه السلام) قُتل في يوم السبت.
وثانياً إنّ الذين صرّحوا على أنّه يكون في يوم السبت، والذين قالوا بيوم عاشوراء يعتقدون أنّ خروجه سيكون في يوم السبت.
ويشهد بذلك تطبيق الإمام يوم عاشوراء وهو يوم خروج الإمام المهدي (عليه السلام) على يوم السبت.
قال الباقر (عليه السلام): «كأنّي بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن والمقام، بين يديه جبرئيل وينادي البيعة لله، فيملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(275).
وقال الصادق (عليه السلام): «ويقوم يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قُتل فيه الحسين بن عليّ، لكأنّي في يوم السبت العاشر من المحرّم»(276).
السؤال الرابع والثلاثون: كم يعيش المهدي (عليه السلام) عندما يظهر؟
الجواب: اختلف الروايات في مدّة بقاء المهدي بعد الظهور، فهذه المدّة غير معلومة بالضبط، فقيل أربعين يوماً(277)، وقيل: سبع سنوات(278)، وقيل:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(275) كتاب الغيبة: 453.
(276) الإرشاد: 241. إعلام الورى: 431.
(277) الفتوحات المكّيّة: 3 / 31.
(278) ينابيع المودّة: 331.

(١٣٦)

ثماني سنوات(279)، وقيل: تسع سنوات(280)، وقيل: عشر سنوات(281)، وقيل: إحدى عشر سنة(282)، وقيل: تسعة عشر سنة(283)، وقيل: عشرون سنة(284)، وقيل: ثلاثمائة وتسع سنين(285).
قال بعض الأعلام: «وهذه الأقوال بظاهرها متناقضة لا يعتمد على شيء منها»(286).
وربّما ترجّح رواية السبع على بقيّة الأقوال لكونها مكرّرة في روايات السنّة والشيعة، ومطابقة لما ورد عن الباقر والصادق من التأكيد على قول السبع سنوات، وتأييد بعض الأعلام، كالمفيد في الإرشاد، على أظهريّة رواية السبع على بقيّة الروايات.
قال الصادق (عليه السلام): «يملك القائم سبع سنين تكون سبعين سنة من سنيّكم هذه»(287).
ربّما يستغرب القارئ من إطالة السبع سنين إلى سبعين سنة، ولكم لا غرابة بعد أن عرفنا بأن هذه الأمر غيبي.
وقد ذكر ذلك الإمام الباقر (عليه السلام) لأبي بصير حينما استغرب أبو بصير وتعجّب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(279) الشيعة والرجعة: 1 / 224.
(280) الشيعة والرجعة: 1 / 224.
(281) الشيعة والرجعة: 1 / 224.
(282) الغيبة: 331.
(283) الإرشاد: 345.
(284) الغيبة: 181.
(285) بحار الأنوار: 52 / 291.
(286) الشيعة والرجعة: 1 / 225.
(287) منتخب الأنوار المضيئة: 195.

(١٣٧)

لما قال (عليه السلام): «إنّ كلّ سنة يمكث مقدار عشر سنوات، وقال: كيف تطول السنون؟
قال (عليه السلام): يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلّة الحركة.
قال: قالت له: إنّهم يقولون: إنّ الفلك إن تغيّر فسد؟
قال (عليه السلام): ذاك قول الزنادقة، وأمّا المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك، وقد شقّ الله القمر لنبيّه، وردّ الشمس ليوشع بن نون، وأخبر بطول القيامة، وأنّه كألف سنة ممّا تعدوّن»(288).
وأجاب الشيخ المفيد على بعض الشبهات بعد تأييده لرواية السبع قائلاً: لقد روي أنّ مدّة حكومة القائم (عليه السلام) تسعة عشر سنة، ولكنّها سنين طويلة أيّامها وأشهرها، وهذا أمرٌ غيبي لا يمكننا الإحاطة به، ولكم كذا وردت الروايات عندنا، ولهذا لا يمكننا أن نجزم ونقطع شيء واحد، وإن كانت رواية السبع سنين أظهر(289).
السؤال الخامس والثلاثون: أين يسكن الإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: سكن الإمام (عليه السلام) من حين ولد إلى اليوم وحين الظهور في أماكن خاصّة، وإليك ما وصل إلينا حول سكنه بحسب الفترات الزمنيّة التي عاش فيها:
1 - الفترة التي قبل غيبته
لا شكّ أنّ الحجّة القائم المهدي (عليه السلام) ولد في مدينة سامراء، ولقد بقي هناك إلى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(288) الشيعة والرجعة: 1 / 225.
(289) الإرشاد: 345.

(١٣٨)

يوم استشهاد والده الكريم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام). وقد رأته حكيمة عمّة الإمام العسكري في نفس الدار التي ولد فيها، ورآه أحمد بن إسحاق(290) وغيره(291) هناك، ورآه أيضاً أبو الأديان وجعفر الكذّاب في نفس الدار بعد استشهاد الإمام العسكري (عليه السلام)، حيث صلّى على والده الكريم.
وإنّ طلب الإمام (عليه السلام) من والدته المعروفة بالجدّة أن تذهب به إلى المدينة بسنة قبل وفاته (عليه السلام)(292).
2 - فترة الغيبة الصغرى
لم نعثر في رواياتنا على سكن معروف بعينه للإمام المهدي (عليه السلام) في هذه الفترة، أي الغيبة الصغرى، التي استمرّت حوالي 74 سنة، رغم وجود بيت والده الكريم الإمام العسكري (عليه السلام) في سامراء.
فالإمام المهدي وإن شوهد في الدار ولكن لم يدلّ أي دليل على أنّه كان ساكناً بها. روى الشيخ الطوسي عن جماعة، عن جعفر بن محمّد بن قولويه وغيره، عن محمّد بن يعقوب الكليني، عن عليّ بن قيس، عن بعض جلاوزة السواد، قال: «شهدت نسيماً آنفاً بسرّ من رأى وقد كسر باب الدار، فخرج إليه وبيده طبرزين، فقال: ما تصنع في داري؟
قال نسيم: إنّ جعفراً زعم أنّ أباك مضى ولا ولد له، فإن كانت دارك فقد انصرفت عنك، فخرج عن الدار»(293)، ويبدو أنّه كان يسكن في العراق وإن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(290) بشارة الإسلام: 167.
(291) كتال الغيبة: 165.
(292) راجع: حياة الإمام العسكري (عليه السلام): 242.
(293) كتاب الغيبة: 161.

(١٣٩)

لم يثبت ذلك أيضاً: لأنّ نوّابه الأربعة كانوا على اتّصال دائم معه، وحيث أنّهم كانوا يسكنون في العراق، وعلى الخصوص مدينة بغداد، ومن استلامهم لرسائل النّاس وحملها إلى الإمام، والحصول على أجوبتها يمكن الحدس بأنّ سكنه كان في مكان بحيث يسهل على نوّابه اللقاء به، فلهذا كان مكانه معروفاً لدى النوّاب الأربعة فقط لا غير.
فعن إسحاق بن عمّار، قال: «سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول: للقائم غيبتان، احداهما طويلة والأخرى قصيرة، فالأُولى يعلم بمكانه فيها خاصّة من شيعته، والاُخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصّة مواليه في دينه»(294).
ويشهد أيضاً أنّه لم يختار سكناً معيّناً في الغيبة الصغرى، ما رواه الكليني مرفوعاً عن الزهري، قال: «طلبت هذا الأمر طلباً شاقّاً حتّى ذهب لي فيه مال صالح، فرفعت إلى العمري وخدمته ولزمته وسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان، فقال لي: ليس إلى ذلك وصول، فخضعت فقال لي: بكّر بالغداة، فوافيت فاستقبلني معه شاب من أحسن النّاس وجهاً، وأطيبهم رائحة بهيئة التجّار، وفي كمّه شيء كهيئة التجّار، فلمّا نظرت إليه دنوت من العمري فأومأ إليَّ فعدلت إليه وسألته، فأجابني عن كلّ ما أردت، ثمّ مرّ ليدخل الدار - وكانت من الدور التي لا يكترث لها - فقال العمري: إن أردت أن تسأل سل، فإنّك لا تراه بعد ذا، فذهبت لأسأل فلم يسمع، ودخل الدار، وما كلّمني بأكثر من أن قال: ملعون ملعون من أخّر العشاء إلى أن تشتبك النجوم، ملعون من أخّر الغداة إلى أن تنقضي النجوم ودخل الدار»(295)، وعدم الاكتراث، أي عدم الاعتناء بها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(294) بحار الأنوار: 52 / 155.
(295) كتاب الغيبة: 164.

(١٤٠)

ويستفاد من هذا اللقاء أنّه لم يقابله في داره المعروفة بسرّ من رأى ولا في دار العمري ولا غيره، بل في خارج دار غير معروفة ولا معتناً به.
3 - فترة الغيبة الكبرى
وأمّا سكن الإمام (عليه السلام) في فترة الغيبة فغير معلوم أيضاً؛ لأنّ الاهتداء إلى مكانه ينافي الغيبة، وقد قال الصادق (عليه السلام): «للقائم غيبتان إحداهما طويلة، والاُخرى قصيرة، فالأُولى يعلم بمكانه فيها خاصّة من شيعته، والاُخرى لا يعلم بمكانه فيها، إلاّ خاصّة مواليه في دينه»(296).
وأشار الإمام المهدي إلى علّة خفاء سكناه لإبراهيم بن مهزيار في لقاء كان معه: «إنّ أبي عهد إليَّ أن لا اُوطّن من الأرض إلّا أخفاها وأقصاها، إسراراً لأمري، وتحصيناً لمحلّي، لمكائد أهل الضلال والمردة من أحداث الاُمم الضوالّ، فنبذني إلى عالية الرمال، وجبت صرائم الأرض»(297).
فالإمام (عليه السلام) وإن كان سكناه على هذه الكرة الأرضيّة، ولكن لا يعرف أحد مكانه ولا يهتدي إليها إلاّ الذي يلي خدمته، كما يقال الصادق (عليه السلام) أنّه: «لا يطلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره إلاّ المولى الذي يلي أمره»(298).
نعم، اُشير في بعض الروايات المرويّة عن الباقر والصادق إلى بعض الأمكنة داخل المدينة وخارجها، كطيبة أو جبل رضوى أو جبل طوى وغير ذلك، ولكن لم يثبت ذلك فهي كما يلي:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(296) بحار الأنوار: 52 / 155.
(297) كمال الدين: 2 / 445.
(298) بحار الأنوار: 52 / 153.

(١٤١)

1 - طيبة (المدينة المنوّرة)
روي عن الباقر (عليه السلام) أنه قال لأبي بصير: «لا بدّ لصاحب هذا الأمر من عزلة، ولا بدّ في عزلته من قوّة، وما بثلاثين من وحشة، ونِعم المنزل طيبة»(299).
ويستفاد من هذا الحديث أنّ الإمام المهدي يتواجد في أغلب الأوقات في المدينة المنّورة لكن في أيّ نقطة فهو غير معلوم أبداً، فمن الممكن أنّه يدور في البلدان ومن جملتها طيبة من دون اختيار مكان ثابت له لئلا يهتدوا إلى مكانه.
2 - جبل رضوى
وقيل: إنّه يسكن في رضوى، وهو جبل مطلّ على الروحاء(300)، كما أشار إليه الإمام الصادق (عليه السلام)، فعن الطوسي عن ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن ابن معروف، عن عبد الله بن حمدويه بن البراء، عن ثابت، عن إسماعيل، عن عبد الأعلى مولى آل سام، قال: «خرجت مع أبي عبد الله (عليه السلام)، فلمّا نزل الروحاء نظر إلى جبلها مطلاًّ عليها، فقال لي: ترى هذا الجبل؟ هذا جبل يدعى رضوى من جبال فارس أحبّنا فنقله الله إلينا، أما إنّ فيه كلّ شجر مطعم، ونعم أمانَ للخائف (مرّتين) أما إنّ لصاحب هذا
الأمر فيه غيبتين واحدة قصيرة، والاُخرى طويلة»(301).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(299) بحار الأنوار: 52 / 153.
(300) بين مكّة والمدينة على نحو أربعين ميلاً من المدينة، وهو الموضع الذي نزل به تبع حين رجع من قتال أهل المدينة يريد مكّة، فأقام بها وأراح فسمّاها الروحاء - معجم البلدان: 4 / 236.
(301) كتاب الغيبة: 103.

(١٤٢)

3 - ذي طوى
وقيل أيضاً: يسكن المهدي المنتظر (عليه السلام) أيّام غيبته في ذي طوى، وهذا ممّا أشار إليه الباقر (عليه السلام)، وقال: «يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب، ثمّ أومأ بيده إلى ناحية ذي طوى حتّى إذا كان قبل خروجه بليلتين انتهى المولى الذي يكون بين يديه حتّى يلقى بعض أصحابه، فيقول: كم أنتم هاهنا؟
فيقولون: نحو من أربعين رجلاً.
فيقول: كيف أنتم لو قد رأيتم صاحبكم.
فيقولون: والله لو يأوي بنا الجبال لأويناها معه...»(302).
4 - الجزيرة الخضراء
واعتقد البعض بأنّ سكنى الإمام المهدي (عليه السلام) في جزيرة تسمّى الخضراء، وهذا القول والاعتقاد لم يرجع إلى أصل روائي، وإنّما دخل في كتبنا من القرن الثاني عشر في بعض كتب العلاّمة المجلسي رحمه الله، حيث نقل قصّة طويلة عن دخول رجل يسمّى بعليّ بن فاضل المازندراني إلى هذه الجزيرة، وما جرى له فيها، وإنّما ذكره لما فيه من الغرائب وإن لم يظفر به في الاُصول المعتبرة، فقال في أوّله: «وجدت رسالة مشتهرة بقصّة الجزيرة الخضراء في البحر الأبيض أحببت إيرادها لاشتمالها على ذلك من رآه، ولما فيه من الغرائب، وإنّما أفردت لها باباً لأنّي لم أظفر به في الاُصول المعتبرة»(303).
فاعتقد البعض - اعتماداً على هذه القضيّة المشكوكة - بأنّ سكنى الإمام المهدي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(302) تفسير العيّاشي: 2 / 56.
(303) بحار الأنوار: 52 / 159.

(١٤٣)

في هذه الجزيرة، وجزم بعضهم على أنّ مثلث برمودا هو المكان الذي يسكن فيه الإمام المهدي، حيث طبّقوا الجزيرة على هذا المثلث من دون أي دليل وبرهان.
واستدلّ أحدهم على ما يعتقده بأنّه ما استطاعت الدول العظمى الوصول إلى هذا المكان رغم محاولاتهم في الوصول إليه وذهبت أتعابهم أدراج الرياح(304).
ولكن كما عرفت أنّ هذه النظريّة غير صحيحة؛ لأنّه - كما قلنا سابقاً - لا يعرف أحد سكن الإمام، ولا التقى به عليّ بن فاضل في هذا المكان حتّى يستنتج أحدهم بأن هذا المكان هو سكن الإمام (عليه السلام).
وثانياً: أنّ أصل القصّة مشكوكة وليس لها أصل معتبر بسبب التناقضات الموجودة فيها، فكيف تصل النوبة إلى تطبيق هذه الجزيرة على مثلث برموداً(305).
وثالثاً: فلو كان ملاك السكني عند هؤلاء هو اللقاء والمشاهدة لزم عليهم أن يعينّوا مئات الدور في عشرات من الأمكنة والبقاع في شرق الأرض وغربها للإمام (عليه السلام)، حيث رآه كثير من النّاس في هذه الفترة في أماكن مختلفة، ولا أراهم يلتزمون بهذا المعنى.
أماكن الحضور مع الاستتار ومع ذلك فيحضر الإمام المهدي (عليه السلام) في كثير من الأماكن، كما عن الصادق (عليه السلام) حيث شبّه القائم (عليه السلام) بيوسف (عليه السلام) فقال في حديث له: «فما تنكر هذه الاُمّة أن يكون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(304) راجع الجزيرة الخضراء واقع أم خيال؟: 47، نقلاً عن ناجي النجّار.
(305) مزيد الاطّلاع راجع: الجزيرة الخضراء واقع أم خيال؟ تحقيق وترجمة: أبو الفضل طريقه دار.

(١٤٤)

الله يفعل بحجّته ما فعل بيوسف أن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقّه، صاحب هذا الأمر يتردّد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه حتّى يأذن الله له أن يعرّفهم نفسه، كما أذن ليوسف حتّى قال له إخوته: إنّك لأنت يوسف، قال: أنا يوسف»(306).
ويحضر (عليه السلام) موسم الحجّ في كلّ سنة، قال الصادق (عليه السلام): «يفقد النّاس إمامهم فيشهدهم الموسم فيراهم ولا يرونه»(307).
أقسم العمري بالله على أنّه (عليه السلام) يحضر الموسم كلّ سنة، فيرى النّاس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه(308).
فتلخّص ممّا تقدّم: أنّ الإمام المهدي يتواجد في كلّ مكان من دون أن يهتدي أحد لمكانه وسكناه في فترة الغيبة الكبرى.
4 - فترة الظهور
أمّا في زمن الظهور سيقيم في مسجد بالقرب من الكوفة يسمّى بمسجد السهلة، وهذا هو المسجد الذي صلّى فيه عشرات الآلاف من الأنبياء.
فعن أبي بصير، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه أنّه قال: «يا أبا محمّد، كأنّي أرى نزول القائم في السهلة بأهله وعياله.
قلت: يكون منزله؟
قال: نعم، هو منزل إدريس (عليه السلام)، وما بعث الله نبيّاً إلّا وقد صلّى فيه، والمقيم فيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(306) الغيبة: 163.
(307) بحار الأنوار: 52 / 151.
(308) المصدر المتقدّم: 152.

(١٤٥)

 كالمقيم في فسطاط رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلاّ وقلبه يحنّ إليه، وما من يوم ولا ليلة إلاّ والملائكة يأوون إلى هذا المسجد، يعبدون الله فيه.
يا أبا محمّد، أما إنّي لو كنت بالقرب منكم ما صلّيت صلاة إلاّ فيه، ثمّ إذا قام قائمنا انتقم الله لرسوله ولنا أجمعين»(309).
السؤال السادس والثلاثون: ما هي الرجعة، وما هي أدلّتها؟
الجواب: لقد تحدّثت روايات الأئمّة (عليهم السلام) من رجوع مجموعة من الأموات عند ظهور المهدي (عليه السلام) إلى هذه الدنيا منّة على المؤمنين، وكرامة على المهدي (عليه السلام)، فيحيي الله بعض المؤمنين ليتمتّعوا في ظلّ دولة الإمام المهدي (عليه السلام)، ويحيي بعض الكافرين والظالمين لينتقم الله منهم على يدي المهدي، حيث عدّ هذا اليوم من أيّام الله(310).
فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل إحياء الموتى أمر ممكن أم لا؟ وهل رجع ميّتاً إلى الدنيا قبل القيامة؟ وما هي علّة إحياء هؤلاء؟
فنقول: إنّ إحياء الموتى ليس من المستحيلات العقليّة، بل محال عادة، وقد حدث ذلك في الاُمم السالفة، كما أخبر بذلك القرآن الكريم في عدّة آيات من جملتها:
1 - (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(309) بحار الأنوار: 52 / 317.
(310) بحار الأنوار: 53 / 63.

(١٤٦)

اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)(311).
قال في المجمع: «قيل هم قوم من بني إسرائيل فرّوا من طاعون وقع بأرضهم، وقيل: فرّوا من الجهاد وقد كتب عليهم»(312).
وقال السيوطي في ذيل الآية الشريفة: «مقتهم الله على فرارهم من الموت، فأماتهم الله عقوبة لهم، ثمّ بعثهم إلى بقيّة آجالهم ليستوفها...»(313).
2 - (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(314).
قال عليّ (عليه السلام): «خرج عزير نبيّ الله من مدينته وهو شاب، فمرّ على قرية خربة وهي خاوية على عروشها، فقال: أنّى يحيي هذه الله بعد موتها، فأماته الله مائة عام ثمّ بعثه، فأوّل ما خلق منه عيناه، فجعل ينظر إلى عظامه، وينظم بعضها إلى بعض، ثمّ كسيت لحماً، ثمّ نفخ فيه الروح، فقيل له: كم لبثت؟ قال: لبثت يوماً أو بعض يوم، قال: بل لبثت مئة عام، فأتى مدينته وقد ترك جاراً له إسكافاً شاباً فجاء وهو شيخ كبير»(315).
3 - وقوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(311) البقرة (2): 243.
(312) مجمع البيان: 2 / 346.
(313) الدرّ المنثور: 1 / 131.
(314) البقرة (2): 243.
(315) الشيعة والرجعة: 2 / 76.

(١٤٧)

تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(316).
فعن الصادق (عليه السلام): «أنّه رأى جيفة تمزّقها السباع فيأكل منها سباع البرّ والبحر، فسأل الله إبراهيم فقال: يا ربّ، قد علمت أنكّ تجمعها من بطون السباع ودواب البحر، فأرني كيف تحييها لأُعاين ذلك»(317).
4 - وقوله تعالى: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(318).
وهذه الآية الشريفة تدلّ دلالة واضحة على إحياء الميّت قبل القيامة، والقصّة معروفة ومذكورة في التفاسير ذيل هذه الآية.
فعن ابن عبّاس: أنّه كان القتيل شيخاً مثرياً قتله بنو أخيه وألقوه على باب بعض الأسباط ثمّ ادّعوا عليهم القتل، فاحتكموا إلى موسى، فسأل من عنده في ذلك عنهم، فقالوا: أنت نبيّ الله وأنت أعلم منّا، فأوحى الله تعالى إليه أن يأمرهم بذبح بقرة، فأمرهم موسى أن يذبحوا بقرة ويضرب القتيل ببعضها، فيحيي الله القتيل فيبين من قتله»(319).
5 - وقوله تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(316) البقرة (2): 259.
(317) مجمع البيان: 2 / 37.
(318) البقرة (2): 73.
(319) الشيعة والرجعة: 2 / 58.

(١٤٨)

مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ)(320).
وهذه الآية الشريفة تدلّ على إحياء جمع من النّاس بعد الموت، وهم أبناء أيّوب النبيّ (عليه السلام).
قال في المجمع: «وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنّ الله تعالى أحيا له أهله الذين كانوا معه قبل البليّة، وأحيّا له أهله الذين ماتوا وهو في البليّة»(321).
فهذه خمس آيات قدّمناها لك، وهي صريحة في إحياء جمع من الأموات، أحياهم الله قبل القيامة لعلل مذكورة في التفاسير، فثبت ذلك أنّه لو كان هذا الأمر محالاً لما تطرّق إليه القرآن الكريم، ولو كان محالاً عقليّاً لما أخبر الله تعالى نبيّه في القرآن الكريم بوقوع ذلك في الاُمم السالفة.
الرجعة من معتقدات الشيعة
فعلى أساس ما ذكر من الآيات، وما ورد من الروايات، حول الرجعة، صارت الرجعة من جملة معتقدات الشيعة، وأشار إليها الأعلام قديماً وحديثناً في كتبهم، كالشيخ الصدوق والسيّد المرتضى والشيخ المفيد والطبرسي والحرّ العاملي، ومن المعاصرين: والدنا المرحوم آية الله الشيخ محمّد رضا الطبسي وغيرهم.
كلام الشيخ الصدوق:
قال الصدوق عليه الرحمة في كتاب الاعتقادات حول الرجعة: «اعتقادنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(320) ص (38): 41 - 43.
(321) مجمع البيان: 8 / 478.

(١٤٩)

بالرجعة أنّها حقّ»(322).
ونقل السيّد المرتضى إجماع الإماميّة على رجعة عدّة من المؤمنين يحييهم الله عند ظهور المهدي (عليه السلام) قائلاً: «إنّ الذي تعتقد به الشيعة الإماميّة، ولا يشكّ به عاقل، إنّ هذا الفعل مقدور لله تعالى وليس من المستحيلات»(323).
كلام الشيخ المفيد:
وقال الشيخ المفيد رحمه الله: «إنّ الله تعالى قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعزّ منهم فريقاً ويذلّ فريقاً، ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين، منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمّد (عليه السلام)... وقد جاء القرآن بصحّة ذلك، وتظاهرت به الأخبار والإماميّة لأجمعها عليه إلاّ شذاذ منهم تأوّلوا ما ورد فيه ممّا ذكرناه على وجه يخالف ما وصفناه»(324).
كلام الشيخ الطبرسي:
وقال الطبرسي في مجمع البيان في ذيل قوله تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ)(325).
«واستدلّ بهذه الآية على صحّة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الإماميّة بأن قال: إنّ دخول من في الكلام يوجب التبعيض، فدلّ ذلك على أنّ اليوم المشار إليه في الآية يحشر فيه قوم دون قوم، وليس ذلك صفة يوم القيامة الذي يقول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(322) عقائد الصدوق: 82، المطبوع مع الباب الحادي عشر.
(323) الشيعة والرجعة: 2 / 258.
(324) أوائل المقالات: 89.
(325) النمل (27): 27 / 83.

(١٥٠)

فيه سبحانه: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا)(326)، وقد تظاهرت الأخبار عن أئمّة الهدى من آل محمّد (عليهم السلام) في أنّ الله تعالى سيعيد عند قيام المهدي قوماً ممّن تقدّم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ويبتهجوا بظهور دولته، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم، وينالوا بعض ما يستحقّونه من العذاب في القتل على أيدي شيعته، والذلّ والخزي بما يشاهدون من علوّ كلمته، ولا يشكّ عاقل أنّ هذا مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه، وقد فعل الله ذلك في الاُمم الخالية، ونطق القرآن بذلك في عدّة مواضع، مثل قصّة عزير وغيره على ما فسّرناه في موضعه، وصحّ عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قوله: «سيكون في اُمّتي كلّ ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، حتّى لو أنّ أحدهم دخل جحر ضبّ لدخلتموه، على أنّ جماعة من الإماميّة تأوّلوا ما ورد من الأخبار في الرجعة على رجوع الدولة والأمر والنهي دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات، وأوّلوا الأخبار الواردة في ذلك لمّا ظنّوا أنّ الرجعة تنافي التكليف وليس كذلك؛ لأنّه ليس فيها ما يلجئ إلى فعل الواجب والامتناع من القبيح والتكليف يصحّ معها كما يصّح مع ظهور المعجزات الباهرة والآيات القاهرة، كفلق البحر وقلب العصا ثعباناً وما أشبه ذلك؛ ولأنّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرّق التأويل عليها، وإنّما المعول في ذلك على إجماع الشيعة الإماميّة، وإن كانت الأخبار تعضده ويؤيّده»(327).
كلام العلاّمة المجلسي:
وتحدّث العلاّمة المجلسي رحمه الله عن الرجعة وقال: «اعلم يا أخي أني لأظنّك ترتاب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(326) الكهف (18): 47.
(327) مجمع البيان: 7 / 366.

(١٥١)

بعد ما مهّدت وأوضحت في القول بالرجعة التي أجمعت الشيعة عليها في جميع الأعصار، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار، حتّى نظموها في أشعارهم، واحتجّوا بها على المخالفين في جميع أمصارهم، وشنّع المخالفون عليهم في ذلك وأثبتوه في كتبهم وأسفارهم منهم: الرازي، والنيسابوري وغيرهما...
وكيف يشكّ مؤمن بحقيقة الأئمّة الأطهار فيما ورد عنهم في قريب من مأتي حديث صريح رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلّفاتهم، كثقة الإسلام الكليني، والصدوق، ومحمّد بن بابويه، والشيخ أبو جعفر الطوسي، والسيّد المرتضى، والنجاشي، والكشّي، والعيّاشي، وعليّ بن إبراهيم، وسليم بن قيس الهلالي، والشيخ المفيد، والكراجكي، والنعماني، والصفّار، وسعد بن عبد الله، وابن قولويه، وعليّ بن عبدالحميد، والسيّد ابن طاووس، وولده صاحب زوائد الفوائد، ومحمّد بن عليّ بن إبراهيم، ومؤلّف كتاب التنزيل والتحريف، وأبي الفضل الطبرسي، وإبراهيم بن محمّد الثقفي، ومحمّد بن العبّاس بن مروان، والبرقي، وابن شهر آشوب، والحسن بن سليمان، والقطب الراوندي، والعلاّمة الحلّي، والسيّد بهاء الدين بن عليّ بن عبدالكريم، وأحمد بن داود بن سعيد، والحسن بن عليّ بن أبي حمزة، والفضل بن شاذان، والشيخ الشهيد محمّد بن مكّي، والحسين بن مهران، والحسن بن محمّد بن جمهور القمّي، والحسن بن محبوب، وجعفر بن محمّد بن مالك، وطهر بن عبد الله، وشاذان بن جبرئيل... وغيره.
وإذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أي شيء يمكن دعوى التواتر مع ما روته كافّة الشيعة خلفاً عن سلف، وظنّي أنّ من يشكّ في أمثالها فهو شاكّ في أئمّة الدين...(328).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(328) الشيعة والرجعة: 2 / 395، نقلاً عن بحار الأنوار.

(١٥٢)

فإن قيل: فما فائدة هذا الرجوع.
قلنا: لقد عرفت في مطاوي البحث عن الرجعة من أنّها تكريم لبقيّة الله، وتعظيم لدولته من قِبل الله جلّ وعلا، ووفاءٌ بالعهد لمن كان على العهد، ومشاركة المؤمن في ثواب نصرته (عليه السلام)، والفرح بدولته صلوات الله عليه، فيرجع المؤمن حتّى يستظلّ تحت أعلامه ويحشر في زمرته، وتقرّ عينه، وليبلغ من طاعة المهدي مراده، ويشفي من أعدائه فؤاده.
السؤال السابع الثلاثون: من الذي يرجع عند ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: إنّ الذين يرجعون من أجل نيل السعادة في ظلّ الحكومة الإلهيّة بقيادة الإمام المهدي (عليه السلام) ومن أجل نصرته، على قسمين:
المجموعة الاُولى: هم الذين وردت أسماءهم في الأحاديث الإسلاميّة، كأصحاب موسى، وأصحاب الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان الفارسي، وأبي دجانة الأنصاري، والمقداد بن الأسود، ومالك الأشتر، والمفضّل بن عمر، وداود الرقّي، وشهدا الطفّ، وقنواء بنت رشيد الهجري، واُمّ أيمن، وحبابة الوالبيّة، وسميّة اُم عمّار بن ياسر، وزبيدة، واُمّ خالد الأحمسيّة، واُمّ سعيد الحنفيّة، وصيانة الماشطة، واُمّ خالد الجهنية، وغيرهم.
وإليك ما روي عن مجيء هؤلاء عند ظهور الإمام المهدي (عليه السلام):
1 - قال الصادق (عليه السلام) لمفضّل بن عمر: «يخرج مع القائم (عليه السلام) من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً؛ خمسة عشر من قوم موسى (عليه السلام) الذين كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبو دجانة

(١٥٣)

الأنصاري، والمقداد، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكّاماً»(329).
2 - وقال أيضاً لمفضّل: «يا مفضّل، أنت وأربعون رجلاً تحشرون مع القائم، أنت على يمين القائم تأمر وتنهى النّاس إذ ذاك أطوع لك منهم اليوم»(330).
نظر الصادق (عليه السلام) إلى داود الرقّي وقد ولّى، فقال: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أصحاب القائم (عليه السلام) فلينظر إلى هذا»(331).
3 - وتحدّث أيضاً عن رجوع الحسن مع سبعين من أصحابه، فقال: «يخرج في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهّبة، لكلّ بيضة وجهان، يؤذّن المؤذّنون إلى النّاس: إنّ هذا الحسين (عليه السلام) قد خرج»(332).
4 - روى الطبري بسنده عن المفضّل بن عمر، قال: «سمعت أبا عبد الله يقول: يكن مع القائم ثلاثة عشر امرأة.
قلت وما يصنع بهنّ؟
قال: يداوين الجرحى، ويقمن على المرضى، كما كان مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
قلت: فسمّهنّ لي؟
قال: القنواء بنت رشيد، واُمّ أيمن، وحبّابة الوالبيّة، وسميّة اُمّ عمّار بن ياسر، وزبيدة، واُم خالد الأحمسيّة، واُمّ سعيد الحنفيّة، وصيانة الماشطة، واُمّ خالد الجهنيّة»(333).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(329) الإرشاد: 344.
(330) دلائل الإمامة: 248.
(331) رجال الكشّي: 402.
(332) مختصر بصائر الدرجات: 48.
(333) دلائل الإمامة: 260.

(١٥٤)

5 - روى الحسن بن سليمان بسنده عن ابن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كأنّي بحمران بن أعين وميسّر بن عبدالعزيز يخبطان النّاس بأسيافهما بين الصفا والمروة»(334).
6 - وفي الكشّي عن أبي صالح خلف بن حمّاد، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن المغيرة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «كأنّي بعبد الله بن شريك العامري عليه عمامة سوداء، وذؤابتان بين كتفيه، مصعداً في لحف الجبل بين قائمنا أهل البيت في أربعة آلاف مكبّرون ومكرون»(335).
المجموعة الثانية: هم الذين لم ترد أسماءهم في الروايات، ولكن ذكرت أوصافهم، وهم:
1 - من كان مثل سلمان الفارسي
جاء في حديث النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) مع سلمان الفارسي، فقال له بعد ما ذكر له أسماء الأئمّة (عليهم السلام): «يا سلمان، إنّك مدركه، ومن كان مثلك، ومن تولاّه على هذه المعرفة»(336).
2 - من قرأ دعاء العهد أربعين صباحاً
وفي الاستبصار عن جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا، فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(334) بحار الأنوار: 53 / 40.
(335) رجال الكشّي: 217.
(336) دلائل الإمامة: 237.

(١٥٥)

وأعطاه بكلّ كلمة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيّئة، وهو هذا: اللَّهمَّ ربَّ النُّورِ الْعَظِيمِ، وَرَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ، وَرَبَّ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ، وَمُنْزِلَ التَّوْراةِ وَالإِنْجِيلِ والزَّبُورِ، وَربَّ الظِّلِّ وَالْحَرُورِ، وَمُنْزِلَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...»(337).
3 - من قرأ سورة الأسراء كلّ ليلة جمعة
وفي العيّاشي عن الصادق (عليه السلام)، قال: «من قرأ سورة بني إسرائيل في كلّ ليلة جمعة لم يمت حتّى يدرك القائم، ويكون من أصحابه»(338).
4 - الشهداء
ومن الذين يرجعون إلى الدنيا في أيّام ظهور المهدي (عليه السلام) هم الشهداء الذين جعلوا أجسادهم هدفاً لسهام أعداء الله، ولاقوا المعبود بأجساد مضرّجة بالدماء، فهؤلاء سوف يرجعون حتّى يدركوا عصر الإمام المهدي (عليه السلام) ثمّ يموتوا بعد ذلك موتاً طبيعيّاً.
وفي حديث الإمام الباقر (عليه السلام) مع زرارة - بعد ما ذكر الفرق بين الموت الطبيعي والقتل في سبيل الله - قال له: «ليس من قتل بالسيف كمن مات على فراشه، إنّ من قتل لا بدّ أن يرجع إلى الدنيا يذوق الموت»(339).
5 - المؤمنون
لمّا سمع سلمان الفارسي من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنّه مدرك القائم (عليه السلام) قال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(337) بحار الأنوار: 53 / 95.
(338) تفسير العيّاشي: 2 / 276.
(339) المصدر المتقدّم: 112.

(١٥٦)

«فاشتدّ بكائي وشوقي وقلت: يا رسول الله، أبعهد منك؟
فقال: إي والله الذي أرسلني بالحق منّي ومن عليّ وفاطمة والحسن والحسين والتسعة، وكلّ من هو منّا ومعنا ومضام فينا، إي والله وليحضرنّ إبليس له جنوده، وكلّ من محض الإيمان محضاً، حتّى يؤخذ له بالقصاص والأوتار ولا يظلم ربّك أحداً، وذلك تأويل هذه الآية: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ)(340).
قال: فقمت من بين يديه وما اُبالي لقيت الموت أو لقيني»(341).
وعن الصادق (عليه السلام)، قال: «إنّما يرجع إلى الدنيا عند قيام القائم (عليه السلام) من محض الإيمان محضاً، أو محض الكفر محضاً، فأمّا سوى هذين فلا رجوع لهم إلى يوم المآب»(342).
السؤال الثامن والثلاثون: هل للأنبياء دور في دولة الإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: من الوعود الإلهيّة الكبيرة للأنبياء هي نصرتهم على أعدائهم، ولمّا ثبت أنّ كثيراً منهم قتلوا ظلماً وعدواناً على يد طواغيت عصرهم، فلابدّ من مجيء يوم لنصرة الأنبياء والرسل، فلا شكّ أنّ ذلك اليوم هو الرجعة، أي رجعة أنبياء الله في دولة المهدي (عليه السلام)، حيث يرجعون وينتقمون من أعداءهم،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(340) القصص (28): 5 و 6.
(341) دلائل الإمامة: 238.
(342) معجم أحاديث الإمام المهدي: 4 / 83.

(١٥٧)

وينتصرون على أعدائهم. وهذا هو تفسير قول الله تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)(343).
فعن القمّي في تفسيره بسنده عن جميل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قلت: قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، قال: ذلك والله في الرجعة، أما علمت أنّ أنبياء كثيرة لم ينصروا في الدنيا وقتلوا، والأئمّة بعدهم قتلوا ولم ينصروا، ذلك في الرجعة»(344).
وفي رواية عنه (عليه السلام) قال: «ويقبل الحسين في أصحابه الذين قتلوا معه، ومعه سبعون نبيّاً كما بعثوا مع موسى بن عمران...»(345).
يستفاد من رواية الإمام الباقر عن أمير المؤمنين (عليهما السلام) في تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ)(346) أنً جميع الأنبياء سوف يحييهم الله حتّى يجاهدوا ويقاتلوا بين يدي الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث قال: «إي، ولتنصرون وصيّه، وسينصرونه جميعاً، وأنّ الله أخذ ميثاقي وميثاق محمّد بنصرة
بعضنا لبعض، لقد نصرت محمّداً، وجاهدت بين يديه، وقتلت عدوّه، ووفيت لله بما أخذ علَيَّ من الميثاق والعهد والنصرة لمحمّد ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله، وذلك لمّا قبضهم إليه، وسوف ينصرونني ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها، ليبعثهم الله أحياء من آدم إلى محمّد، كلّ نبيّ مرسل يضربون بين يدي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(343) غافر (40): 51.
(344) تفسير القمّي: 2 / 258.
(345) معجم الإمام المهدي (عليه السلام): 4 / 89.
(346) آل عمران (3): 81.

(١٥٨)

بالسيف هام الأموات والأحياء والثقلين جميعاً»(347).
والظاهر أنّ الأنبياء يرجعون شيئاً فشيئاً، فقسم منهم يرجع مع الحسين، وقسم ينزل من السماء وبعضهم يرجع مع أمير المؤمنين (عليه السلام).
ذكرت الروايات أسماء بعض الأنبياء الذين يرجعون في دولة القائم، منهم:
1 - عيسى بن مريم (عليهما السلام)
لقد صرّحت الروايات الكثيرة من الشيعة والسنّة بنزول عيسى من السماء بعد ما عرج به إلى السماء فإنّه (عليه السلام)، من أكبر أنصار المهدي (عليه السلام)، وأعزّهم عليه، وهو الذي يقتدي بالإمام، ويكون وزيراً له (عليه السلام)، وهو الذي ينزل إلى الدنيا مع ثمانمائة رجل وأربعمائة امرأة(348)، وهو الذي يكسر الصليب، ويقتل الدجّال، ويأخذ أموال القائم ويقسّمها بين النّاس.
2 - النبي إلياس (عليه السلام)
من الأنبياء الذين سوف يرجعون هو إلياس النبيّ، فقد إنّه جعل اليسع خليفته في بين إسرائيل، ثمّ رفعه الله إلى السماء، وأنّه يحضر في كل عام في يوم عرفة مع الخضر (عليه السلام) ويكونا معاً في عرفات(349).
ويستفاد من كلام الإمام الصادق ومن لقاءه بإلياس عند الكعبة، أنّه (عليه السلام) من جملة الأنبياء الذين سوف يرجعون ويكونون مع المهدي (عليه السلام)، حيث أظهر في ضمن حديثه مع الصادق (عليه السلام) سيفه، ثمّ رفع القناع عن وجهه، وقال: أنا إلياس(350).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(347) الشيعة والرجعة: 2 / 93.
(348) الشيعة والرجعة: 2 / 93.
(349) مجمع البحرين: 216.
(350) الكافي: 1 / 242.

(١٥٩)

3 و 4 - دانيال ويونس (عليهما السلام)
قال الحسين بن عليّ (عليهما السلام) لأصحابه قبل أن يُقتل حول رجعة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مع عدّة من الأنبياء، منهم نبيّ الله دانيال ويونس (عليهما السلام)، قائلاً: «وإنّ دانيال ويونس يخرجان إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يقولان: صدق الله ورسوله، ويبعث معهما إلى البصرة سبعين رجلاً فيقتلون مقاتلهم، ويبعث بعثاً إلى الروم فيفتح الله لهم»(351).
السؤال التاسع والثلاثون: ما هي التغييرات التي ستحصل في عصر الإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: لقد أخبر المعصومون (عليهم السلام) ضمن روايات كثيرة عن التطوّرات والتغييرات العظيمة في زمن المهدي (عليه السلام)، فإنّه بعد ما يقوم بعملين أساسيّين يعتبران أساس لإصلاحاته، وهما:
1 - سيحطّم دولة الكفر، كما قال الصادق (عليه السلام): «إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل»(352).
2 - يملأ العالم بالقسط والعدل، ويقضي على الظلم، فلن يتجرّأ أحد أن يظلم الآخرين في دولته (عليه السلام). وتصل عقول البشر إلى أعلى مستوياتها، ويذهب المرض والعاهات، والحيرة والضياع، في دولته (عليه السلام)، ويستفاد النّاس من كلّ الخيرات، وتظهر كنوز الأرض على يديه، ويتنعّم النّاس بنعمة الرفاه والراحة، والأمن والعدالة، والصلح والصفاء، وتظهر الحريّة ولذّة العيش،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(351) الخرائج والجرائح: 2 / 849.
(352) الكافي: 8 / 287.

(١٦٠)

والوحدة والاخوّة والمساواة في ظلّ هذه الدولة العالميّة بقيادة الإمام المهدي (عليه السلام).
ولا بأس بالإشارة إلى بعض المنجزات التي يحقّقها الإمام (عليه السلام) في زمن حكومته:
1 - يقطع أيدي سرّاق أموال الكعبة، وهم من بني شيبة.
2 - يقتل أعداء أمير المؤمنين إذا لم يقبلوا الإسلام المحمّدي الأصيل.
3 - ينتقم من أعداء الله وأنبياءه.
4 - يقضي على جميع القوانين والعادات الجاهليّة.
5 - يحطّم الصليب.
6 - يجعل الرفاه والأمن والعدل والتساوي في أعلى مستوياتها.
7 - يقسّم بيت المال على النّاس في العام مرّتين، ويعطي الراتب في الشهر مرّتين.
8 - يقضي على الظلم والجور نهائياً.
9 - يقسّم الأموال بين النّاس بالسويّة(353).
10 - يمسح بيده على رؤوس النّاس فتكمل عقولهم.
11 - يظهر العلوم التي خفيت على البشر.
12 - ينشر التعاليم القرآنيّة والعلوم المودعة فيه في كلّ مكان.
13 - يُخرج جميع كنوز الأرض ويستخدمها.
14 - يبني مسجداً في النجف له ألف باب.
15 - يوسّع الطرق العامّة فيصير ذراعاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(353) راجع بحاد الأنوار: 52 / 313.

(١٦١)

16 - يحفر من خلف قبر الحسين نهراً يجري إلى الغريّين(354).
17 - وأوّل ما يظهر من العدل أن ينادي مناديه: أن يسلّم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف(355).
قال الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ قائمنا إذا قام دعا النّاس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء»(356).
السؤال الأربعون: هل يأتي الإمام المهدي (عليه السلام) بدين جديد؟
الجواب: ورد في بعض الروايات أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) عندما يظهر يأتي بأمر جديد، كما أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) حينما بعث جاء بأمر جديد.
فلا شكّ أنّه لا يراد بالأمر الجديد الأحكام الخارجة عن الإسلام والقرآن؛ لأنّ أحكام الإسلام كانت موجودة منذ زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وإن كان بعضها لم تبيّن لمصالح لحدّ الآن، أو لم تصل بعد إلى مرحلة التطبيق، فلعلّ المراد بالأمر الجديد ما كان جديداً بنظر النّاس في ذلك اليوم، فإنّه قد ورد في بعض الروايات أنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً(357)، وأنّ ابتعاد النّاس عن الإسلام والقرآن سيجعلهما في غربة، وعلى هذا فإنّ النّاس في عصر الظهور سيكونون بعيدين عن القرآن والإسلام، فمع مجيء بقية الله سوف يظنّون أنّه جاء بأحكام جديدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(354) راجع بحار الأنوار: 52 / 313.
(355) الكافي: 4 / 427.
(356) المصدر المتقدّم: 366.
(357) الغيبة: 321.

(١٦٢)

وعن النعماني بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء.
فقلت: اشرح لي هذا أصلحك الله؟
فقال: يستأنف الداعي منّا دعاء جديداً كما دعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)»(358).
ويستفاد من قول الإمام الصادق (عليه السلام) حيث يقول: «وهداهم إلى أمر قد دثر»(359)، أنّهم لما كانوا بعيدين عن القرآن وأحكام الإسلام سيخفى عليهم كلّ شيء فيهديهم الحجّة (عليه السلام) إلى ما قد خفي عليهم.
السؤال الحادي والأربعون: في أي بلدة ستكون عاصمة الدولة الإسلاميّة في زمن الإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: لا ريب أنّ عاصمة الإمام (عليه السلام) في قلب كلّ البشر في ذلك اليوم، حيث لا يبقى الإمام في مكان واحد ولا بلدة معيّنة، وإن أشرنا قبل ذلك أنّه يسكن في أيّام ظهوره مع أهله وأولاده في مسجد السهلة التي هي بقرب من مسجد الكوفة، ولكن بملاحظة القرائن والشواهد الموجودة من أنّه لا يبقى لا بمكّة ولا بالمدينة، بل سيخرج مع أنصاره وأعوانه إلى مدينة الكوفة من المظنون قوياً أنّ عاصمته ستكون في الكوفة أو حواليها، وممّا يدلّ على ذلك ترغيب المعصومين على أنّه من كان عنده دار بالكوفة فليتمسّك بها أو يبني مسجداً له ألف باب.
وأمّا ما روي في ترغيب المؤمنين: ما في كتاب الفضل بن شاذان رفعه عن سعد، عن أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، قال: «لموضع في الكوفة أحبُّ إليَّ من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(358) الغيبة: 321.
(359) إعلام الورى: 431.

(١٦٣)

دار في المدينة»(360).
وعنه: عن سعد بن الأصبغ، قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من كانت له دار بالكوفة فليتمسّك بها»(361).
روى الشيخ المفيد في الإرشاد أنّه جاء في الأثر بأنّه عليه وعلى آبائه السلام: يسير من مكّة حتّى يأتي الكوفة، فينزل على نجفها، ثمّ يفرّق الجنود منها في الأمصار(362).
وقال: روى الجمّال عن ثعلبة، عن أبي بكر الحضرمي، عن ابي جعفر، قال: «كأنّي بالقائم (عليه السلام) على نجف الكوفة قد سار إليها من مكّة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في البلاد»(363).
وعن المفضّل بن عمر، قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا قام قائم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب»(364).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه ذكر المهدي فقال: «يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت، فتصفو له، ويدخل حتّى يأتي المنبر، فلا يدري النّاس ما يقول من البكاء، فإذا كانت الجمعة الثانية سأله النّاس أن يصلّي بهم الجمعة، فيأمر أن يخطّ له مسجد على الغري ويصلّي بهم هناك»(365).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(360) بحار الأنوار: 52 / 386.
(361) بحار الأنوار: 52 / 386.
(362) الإرشاد / المفيد: 341.
(363) الإرشاد / المفيد: 341.
(364) الإرشاد / المفيد: 342.
(365) المصدر المتقدّم: 341.

(١٦٤)

السؤال الثاني والأربعون: ما هو تعامل المهدي مع اليهود والنصارى؟
الجواب: إنّ من أحد الوعود الإلهيّة التي سوف تتحقّق في ظلّ حكومة قائم آل محمّد (عليه السلام) هو زوال الكفر والشرك، بل طبقاً للآية الكريمة: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(366)، فإنّ صوت التوحيد سوف يغطّي العالم كلّه، وعلى حدّ قول الباقر (عليه السلام): «لا يبقى أحد إلاّ أقرّ بمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)»(367).
وهكذا مفاد قوله تعالى: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(368) أنّه لم يبقَ أهل دين حتّى يظهروا الإسلام، فعن الصادق (عليه السلام): «إذا قام القائم (عليه السلام) لا تبقى أرض إلاّ نودي فيها بشهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله»(369).
ومع ذلك فالروايات في هذه المسألة على طائفتين، وإن كانت الطائفة الثانية أكثر وأصرح وأقرب إلى الآيتين، وخصوصاً الآية الثانية المتقدّم ذكرها.
الطائفة الأولى: ويستفاد منها أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) يصالحهم على إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون، فقد سأل أبو بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن ذلك فقال:
«قلت: فنا يكون من أهل الذمّة عنده؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(366) التوبة (9): 33. الفتح (48): 28. (61): 9.
(367) تفسير العيّاشي: 2 / 87.
(368) آل عمران (3): 83.
(369) تفسير الصافي: 1 / 183.

(١٦٥)

قال: يسالمهم كما سالمهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ويؤدّون الجزيّة عن يد وهم صاغرون»(370).
الطائفة الثانية: روايات تدلّ على أنّه لا يقبل من أحد إلاّ الإسلام، فإنّه (عليه السلام) سيقضي عليهم بعد إتمام الحجّة وعدم قبولهم الحقّ؛ لأنّ بعد نزول عيسى من السماء وحضوره في الصلاة خلف الإمام المهدي (عليه السلام) وتبليغه للإسلام وكسره للصليب فهو إبطال للنصرانيّة، فلا يبقى مجال للاعتذار أو لمخالفة عيسى (عليه السلام).
قال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) عند قوله تعالى: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا): «نزلت في القائم إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردّة والكفّار في شرق الأرض وغربها فعرض (عليهم السلام)، فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتّى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلاّ وحّد الله.
قلت له: جعلت فداك، إنّ الخلق أكثر من ذلك؟
فقال: إنّ الله إذا أراد أمراً قلّل الكثير وكثّر القليل»(371).
وروى المفيد عن عليّ بن عقبة بأنّه: «لم يبقى أهل دين حتّى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان»(372).
وفي سنن أبي داود عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في حديث له، قال: «فيقاتل النّاس على الإسلام فيدقّ الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(370) بحار الأنوار: 52 / 376.
(371) معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): 5 / 60.
(372) الإرشاد: 344.

(١٦٦)

الملل كلّها إلاّ الإسلام...»(373).
تلخّص أنّه لا يقبل في زمن المهدي (عليه السلام) من أحد غير الإسلام، ويؤيّد ذلك أيضاً ما عن الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ)(374)، قال: «لم يجئ تأويل هذه الآية بعد، إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) رخّص لهم لحاجته وحاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها لم يقبل منهم، ولكنّهم يقتلون حتّى يوحّد الله (عزّ وجلّ) وحتّى لا يكون شرك»(375).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(373) سنن أبي داود: 2 / 342.
(374) البقرة (2): 193.
(375) بحار الأنوار: 52 / 378.

(١٦٧)

لقد تحدّثت كثير من الروايات عن أنصار المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) الشريف وعن منزلتهم.
ولابدّ أن تسأل من هم هؤلاء؟ وكم عددهم؟ ومن أي بلد؟ ومن أي طائفة؟ وفي أيّ مدينة يعيشون؟ فهل ولدوا أم سيولدوا قرب ظهوره؟ وما يصنعون في عهد الغيبة؟ وما هو دورهم في ظلّ حكومة الإمام المهدي (عليه السلام)؟ وسنبحث في هذا الفصل عن هذه الأسئلة.
السؤال الثالث والأربعون: من هو الخضر (عليه السلام)؟ وما هو دوره في زمن غيبة الإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: الخضر هو عبد من عباد الله الصالحين، أو نبيّ من أنبياء الله الكرام، آتاه الله العلم والحكمة، وقد صاحب سيّدنا موسى بن عمران (عليه السلام) في سفره البحري المشار إليه في القرآن الكريم.
كان من أكبر أنصار «ذو القرنين»، ولقد أعطاه الله عمراً طويلاً حتّى يكون دليلاً قويّاً على طول عمر الحجّة القائم المنتظر (عليه السلام)، ويكون مؤنساً للمهدي في زمن غيبته.
وذكر بعض مميزّاته في بعض الكتب الروائيّة أو التفسيريّة، فنشير إلى بعضها:
1 - قال الرضا (عليه السلام): «إنّ الخضر شرب من ماء الحياة، فهو حيّ لا يموت حتّى

(١٧١)

ينفخ في الصور»(376).
2 - وفي تفسير القمّي: «أعطاه الله من القدرة على أن يتصوّر كيف شاء، وكان على مقدّمة جيش ذي القرنين»(377).
3 - عبّر القرآن الكريم عنه بالعالم، فقال في سورة الكهف: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا)(378).
4 - متى ما ذكر اسمه في مكان فإنّه يحضر في الحال، كما قال الرضا (عليه السلام): «وإنّه ليحضر حيث ما ذكر، فمن ذكره منكم فليسلّم عليه»(379).
5 - يحضر كلّ عام في موسم الحجّ، يقول الرضا (عليه السلام): «وإنّه ليحضر الموسم كلّ سنة، فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة فيؤمّن على دعاء المؤمنين»(380).
ولقد كان له دور مهمّ أيّام حياة المعصومين (عليهم السلام)، وإن لم تصل أكثر أخباره إلينا، وله أيضاً دور مهمّ في أيّام غيبة المهدي المنتظر (عج)، كما حدّث الرضا (عليه السلام) بذلك، فقال: «وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته، ويصِلَ به وحدته»(381).
6 - مضافاً إلى الأعمال التي أوكلت إليه من قبيل إغاثة الملهوفين في الصحارى، وإعانة المفقودين.
روى سدير الصيرفي عن أبي عبد الله في حديث طويل، قال: «أمّا العبد الصالح، أعني الخضر، فإنّ الله (عزّ وجلّ) طوّل عمره لا لنبوّةٍ قدّرها له، ولا لكتاب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(376) سفينة البحار: 1 / 389.
(377) مجمع البحرين: 246.
(378) الكهف (18): 65.
(379) كمال الدين: 2 / 390.
(380) كمال الدين: 2 / 390.
(381) كمال الدين: 2 / 390.

(١٧٢)

ينزل فيه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة فرضها له، بل إنّ الله تعالى لمّا كان في سابق علمه أن يُقدّر من عمر القائم في أيّام غيبة ما يُقدِّر، وعلم ما يكون من إنكار الاُمّة له، أراد أن يطول عمره ذلك الطول طول عمر عبده الصالح من غير سبب أوجب ذلك، إلاّ لأجل الاستدلال به على القائم وليقطع بذلك حجّة المعاندين لئلا يكون للنّاس حجّة»(382).
السؤال الرابع والأربعون: هل حُدِّدَ أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) في الأحاديث الإسلاميّة؟
الجواب: لقد اُشير في عدّة من الروايات إلى أصحابه (عليه السلام)، وأنّ عدد هم 313 نفراً، ويمكن تصنيف أنصاره إلى عدّة أصناف:
1 - الأنصار الذين يبدأ الإمام معهم نهضته.
2 - الأنصار الذين يقومون من قبورهم ببركة ظهوره (عليه السلام).
3 - الأنصار الذين ينزلون من السماء مع عيسى (عليه السلام).
فالصنف الأوّل عددهم - كما قيل - 313 شخصاً، ولقد شخّصت الروايات محلّ سكناهم، وعددهم من كلّ بلد، ووضّح الصادق (عليه السلام) بطلب من أبي بصير بما يلي:
قال (عليه السلام): «إذا كان يوم الجمعة بعد الصلاة فائتني، قال: فلمّا كان يوم الجمعة أتيته.
فقال: يا أبا بصير، أتيتنا لمّا سألتنا عنه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(382) إعلام الورى: 406.

(١٧٣)

قلت: نعم، جعلت فداك.
قال: إنّك لا تحفظ، فأين صاحبك الذي يكتب لك؟
فقلت أظنّ شَغَلَهُ شاغِل، وكرهت أن أتأخّر عن وقت حاجتي.
فقال للرجل في مجلسه: اكتب له: هذا ما أملاه رسول الله على أمير المؤمنين وأودعه إيّاه من تسمية أصحاب المهدي وعدّة من يوافيه من المفقودين عن فرشهم وقبائلهم والسائرين في ليلهم ونهارهم إلى مكّة، وذلك عند استماع الصوت في السنة التي يظهر فيها أمر الله (عزّ وجلّ)، وهم النجباء والقضاة والحكّام على النّاس»(383).
فهم:
- رجل من أسوان
- رجل من باغه
- رجل من بافاد
- رجل من بدا
- رجل من بدو
- رجل من بلبيس
- رجل من بيرم
- رجل من جوقان
- رجل من حار
- رجل من حران
- رجل من حيوان
- رجل من خلاط
- رجل من خيبر
- رجل من دبيلة
- رجل من دمياط
- رجل من الريّ
- رجل من سيمسياط
- رجل من سيراف (شيراز)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(383) دلائل الإمامة: 307.

(١٧٤)

- رجل من صيدائيل
- رجل من طازبند الشرقي
- رجل من طالقان
- رجل من طبرية
- رجل من طهر
- رجل من عبثة
- رجل من عكبرا
- رجل من فرغانة
- رجل من قابس
- رجل من قارب
- رجل من كوثا
- رجل من نسوى
- رجل من نصيبين
- رجل من وادي القرى
- رجل مفقود في السلاهط
- رجل وهو المتخلى بصقيلية
- رجل وهو الطواف الحقّ من يخشب
- رجل وهو الهارب من عشيرته
- والمحتجّ بكتاب الله على النصاب من سرخس
- رجلان من إصطخر
- رجلان من الأهواز
- رجلان من بريد
- رجلان من حلوان
-­ رجلان من الرافقة
- رجلان من صامغان
- رجلان من طرابلس
- رجلان من صنعاء
- رجلان من قريات
- رجلان من قرمس
- رجلان من قزوين
- رجلان من قلزم
- رجلان من القيروان
- رجلان من المدينة
- رجلان: النازلان بسرانديب
- رجلان من مروالروذ
- رجلان من موليان
- رجلان هما الهاربان إلى السروانيّة من الشعب

(١٧٥)

- ثلاثة من البصرة
- ثلاثة من جابروان
- ثلاثة من حلب
- ثلاثة من الرقّة
- ثلاثة من سجستان
- ثلاثة من كوركرمان
ثلاثة، وهم التاجران الخارجان من عانة إلى أنطاكية وغلامهما
- أربعة من الديلم
- أربعة من سمند
- أربعة من سنجار
- أربعة من فسطاط
- أربعة من بوشنج
- أربعة من همدان
- أربعة من سلمية
- خمسة من طوس
- سبعة، وهم أصحاب الكهف
- سبعة من الريّ
- ثمانية من جبل غرر
- ثمانية من المدائن
- تسعة من بيروت
- تسعة من طبرستان
إحدى عشر، وهم المستأمنون إلى الروم
- اثنا عشر من جرجان
- اثنا عشر من مرو
- اثنا عشر من الهرات
- أربعة عشر من الكوفة
- ثمانية عشر من قم
- ثمانية عشر من نيسابور
أربعون وعشرون ممن طالقان»(384).
وقفة للتأمّل
ولنا على ما مرّ من أصحابه (عليه السلام) وبلدانهم ملاحظات لا بأس بالتنبيه عليها:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(384) راجع الملاحم والفتن: 202. دلائل الإمامة: 307. المهدي الموعود المنتظر: 2 / 201.

(١٧٦)

1 - من المحتمل سقوط بعض البلدان والأماكن من هذا الحديث، حيث لم يصل عدد هؤلاء إلى 313 رجلاً، فما ذكر لا يبلغ الثلاثمائة.
2 - ويشهد بذلك وجود أسماء اُخرى من هذه المناطق في روايات اُخرى، كالصاغان وقرغانه والشام وترمذ وموعود وترقعة ودمشق وفلسطين وبعلبك ونوغان والحائر ونور وقاليقا وبروجرد ورها ومراغه وفالس وقبّة وتربده وخبوان وطهى وارم وسردانه وقرية صويقان والصانعان وسكنة ودانشاه وبارود والواد وفارياب ويافا وقومس وتيس وبالسين وملزن وأيلة والجيزة وريدار والربذة والحيرة(385).
فيحتمل تكميل هذا العدد من هذه المدن.
3 - واُشير في بعض الروايات(386) إلى اسماء أنصار الإمام المهدي (عليه السلام)، ولم يُشر إلى أسماءهم في هذه الرواية.
4 - وأشارت إلى بعض المدن، وأنّه سيكون منها سبعة، وفي بعضها الآخر تشير إلى رجل واحد، كالريّ مثلاً(387).
5 - تكرّرت في هذه الروايات بعض المدن، مثل: الريّ والطالقان(388).
6 - وهكذا ذكرت أسماء مشابهة لأسماء بعض المدن، ويحتمل كونها مدينة واحدة، مثل: قرغانه وفرغانه(389)، وصامغان وصاغان(390).
7 - إنّ أسماء المدن التي وردت هي محلّ سكنى أنصار المهدي قبل الظهور،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(385) دلائل الإمامة: 308 و 309.
(386) بشارة الإسلام: 209.
(387) دلائل الإمامة: 307.
(388) المصدر المتقدّم: 309.
(389) بشارة الإسلام: 209.
(390) دلائل الإمامة: 307.

(١٧٧)

فمن الممكن أن لا يكونوا من سكّانها الأصليّين؛ إذ لعلّهم يكونون فيها فقط في زمان ظهوره (عليه السلام).
8 - لقد ورد في ضمن أسماء المدن المذكورة حوالي ثلاثون مدينة أو أكثر من المدن الإيرانيّة.
9 - إذا قسّمنا أسماء المدن المذكورة مع عدد الأشخاص الذين يأتون لنصرة المهدي المنتظر (عليه السلام)، نجد أنّ أكثر أنصاره هم من الفرس.
10 - واُشير في بعض الروايات إلى حضور عدد من النساء، فقيل: عددهنّ خمسون امرأة، ولكن لم يأت ذكر هنّ في هذه الرواية ولا في الحديث الذي ذكر أسماءهم، حيث نرى الأغلب ذكر بعنوان رجل ورجلان وغير ذلك ممّا يطلق على الرجال، فقد قال الباقر (عليه السلام): «يجيء والله ثلاث مئة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة»(391).
وأمّا الصنف الثاني والثلاث، فقد مرّ ذكرهما في الرجعة والكلام فيها، فراجع ولا نعيد.
السؤال الخامس والأربعون: ما هو المقصود من قول الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي بصير: «فذلك ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدد أهل بدر، يجمعهم الله إلى مكّة في ليلة واحدة»، فهل ينحصر أصحاب المهدي وأعوانه في العدد المذكور أم يتجاوزه؟
الجواب: لا ريب في أنّ عدد أنصاره لا ينحصر بهذا العدد، فلقد ورد في روايات اُخرى بأعداد اُخر، مثلاً: قيل إنّ عدد أنصاره خمسة آلاف، أو عشرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(391) معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): 1 / 500.

(١٧٨)

آلاف، إثني عشر ألف، خمسة عشر ألف رجل(392)، بالإضافة إلى ذلك، فإنّه سينزل مع عيسى (عليه السلام) من السماء ثمانمائة رجل وأربعمائة امرأة(393).
بالإضافة إلى سبعين ألف صدِّيق يرجعون إلى الدنيا، وينضمّون إلى الإمام المهدي أرواحنا فداه في الكوفة، وهذا يعتبر أفضل دليل على أنّ أنصار المهدي (عليه السلام) هم أكثر من 313.
ويوجد احتمالان لتوجيه العدد الوارد في الأخبار:
1 - قال العلاّمة المجلسي: «إنّ عدد أنصار المهدي عند ظهوره هو ثلاثمائة عشر رجل، وهذا لا ينافي أنّ جماعة آخرين سوف يلتحقون به بعد ظهوره»(394).
2 - ومن الممكن أنّ هذا العدد (313) هم قادة الجيش وأصحاب الرُّتب العالية في حكومة المهدي (عليه السلام)، قال الصادق (عليه السلام) لمفضّل بن عمر: «كأنّي أنظر إلى القائم على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثة مائة وثلاثة عشر رجلاً، عدّة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية، وهم حكّام الله في أرضه على خلقه»(395).
السؤال السادس والأربعون: ما هو دور العلماء في ظلّ الحكومة الإلهيّة بقيادة المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: لأجل توضيح هذا السؤال علينا في البداية أن نبحث عن دور العلماء في زمن حضور الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، ثمّ في عصر الغيبة، ثمّ في زمن ظهور

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(392) الغيبة / النعماني: 307. بحار الأنوار: 52 / 323.جوانان ياران مهدي: 16.
(393) معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): 1 / 534. زنان در حكومت امام زمان: 20.
(394) حقّ اليقين: 352.
(395) بحار الأنوار: 52 / 326.

(١٧٩)

الحجّة القائم المهدي (عليه السلام)، فنقول: لقد استمرّ عصر المعصومين حوالي 260 سنة، ثمّ جاء من بعدهم العلماء، حيث قاموا بدورهم الرسالي في العالم الإسلامي، فكانوا حرّاس القيم الدينيّة بالنيابة عن المعصومين (عليهم السلام)، وكانوا في الحقيقة يقومون بدور الرابط بين المعصومين والنّاس.
ومن جهة اُخرى، قام الأئمّة (عليهم السلام) بتأييدهم وحمايتهم وإرجاع النّاس إليهم، كإرجاع النّاس إلى عثمان بن سعيد وغيره في عهد الحضور وفترة الغيبة الصغرى، وبتأييد الأعلام في الغيبة الكبرى كما قال الإمام الهادي (عليه السلام): «لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه، والدالّين عليه، والذابّين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شِباك إبليس ومردته، ومن فخاج النواصب، لما بقي أحد إلاّ ارتدّ عن دين الله، ولكنّهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها، اُولئك هم الأفضلون عند الله (عزّ وجلّ)»(396).
فهذا الحديث يشمل كلّ أعلام الشيعة من الكليني إلى الخميني وما بعده، حيث قاموا بدور عظيم في نشر مذهب العترة الطاهرة (عليهم السلام)، وهيّئوا الأرضيّة لظهور الإمام المهدي (عليه السلام).
ولا ريب أنّ أنصاره هم العلماء والقضاة والفقهاء، كما صرّح الصادق (عليه السلام) بذلك قائلاً: «وهم النجباء والقضاة والحكّام والفقهاء في الدين»(397)، وهؤلاء سوف ينتشرون في أنحاء العالم بأمر الإمام (عليه السلام)، ويقومون بتطبيق حكومته (عليه السلام) في المجتمعات.
وعلى هذا فإنً العلماء الأعلام لهم السهم الأوفر في تشكيل حكومة الإمام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(396) الاحتجاج: 2 / 260.
(397) دلائل الإمامة: 360.

(١٨٠)

المهدي (عليه السلام)، وإن كان من بينهم من يدّعي العلم لكنّه غير ملتزم أو منحرفٌ أو محبُّ للدنيا أو من الفرقة البتريّة(398) التي تدّعي العلم، وتعلن الحرب على الإمام المهدي عند الظهور، ويكون عددهم ستّة عشر ألف، ويخرجون لمحاربته يظهر الكوفة، فيمهلهم الإمام (عليه السلام) ثلاثة أيّام حتّى يتوبوا ويرجعوا، فلا يقبلون
ذلك، ثمّ يضع السيف فيهم ويقتلهم جميعاً(399).
فإنّنا لم نتحدّث عن هؤلاء المنحرفون، ولم ندافع عنهم، فهو خارجون عن نطاق البحث.
السؤال السابع والأربعون: من هم الأبدال؟ وكم عددهم؟ وما هي ميزاتهم؟ وأين يعيشون؟
الجواب: لقد تحدّثت الروايات الواردة من طرق الشيعة والسنّة بكثرة عن الأبدال، ولقد سئل المعصومون عن هؤلاء، ولبيان هذا الأمر نشير إلى هذه المحادثات، وما قيل في ذلك.
المقصود بالأبدال؟
قال العلّامة الطريحي: (الأبدال قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم، إذا مات واحد بدّل الله مكانه آخر)(400).
وقال أيضاً: (لا يموت أحدهم إلّا قام مقامه آخر من سائر النّاس)(401).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(398) فرقة من الزيديّة، ينسبون إلى المغيرة بن سعد الملقّب بالأبتر، وذكر الحسن بن سليمان: إنّ عددهم أربعون ألف شخص - راجع مختصر بصائر الدرجات: 190.
(399) دلائل الإمامة: 242.
(400) مجمع البحرين: 425.
(401) مجمع البحرين: 425.

(١٨١)

وفيه احتمالات اُخر من أنّ المقصود بالأبدال هم العترة الطاهرة المعصومون الإثني عشر (عليهم السلام)، كما روى الخالد بن الهيثم الفارسي، قال: «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): إنّ النّاس يزعمون أنّ في الأرض أبدالاً، فمن هؤلاء الأبدال؟
قال: صدقوا، الأبدال الأوصياء، جعلهم (عزّ وجلّ) بدل الأنبياء، إذ رفع الأنبياء وختمهم بمحمّد...»(402).
ومن المحتمل أنّهم الأنصار الخواصّ للأئمّة (عليهم السلام)، كما احتمله الشيخ القمّي في السفينة، وقال: «ويحتمل أن يكون المراد به في الدعاء خواصّ أصحاب الأئمّة»(403)، والدعاء كما يلي:
«اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى الأَبْدالِ وَالأَوْتادِ وَالسُّيّاحِ وَالعُبّادِ وَالمُخْلِصينَ وَالزُّهّادِ وَأَهْلِ الجِدِّ والاِجْتِهادِ وَاخْصُصْ مُحَمَّداً وَأهْلَ بَيْتِهِ بِأفْضَلِ صَلَواتِكَ، وَأجْزَلِ كَراماتِكَ»(404).
وضعّف المحدّث القمّي أيضاً أن يكون المراد من الأبدال هم المعصومون، فقال: «ظاهر الدعاء المرويّ عن اُمّ دواد عن الصادق (عليه السلام) في النصف من رجب يدلّ على مغايرة الأبدال للأئمّة (عليهم السلام)، ولكن ليس بصريح فيها، فيمكن حمله على التأكيد»(405).
والذي يؤيّد رأي المرحوم المحدّث القمّي على أنّ المراد من الأبدال غير المعصومين ما ورد في بعض الروايات من عدّ بعض النساء من الأبدال(406)، أو كما قيل: «كلّ من كان فيه هذه المميزات فهو من الأبدال»(407).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(402) سفينة البحار: 1 / 64.
(403) سفينة البحار: 1 / 64.
(404) مفاتيح الجنان: 264.
(405) سفينة البحار: 1 / 64.
(406) فردوس الأخبار: 1 / 119.
(407) المصدر المتقدّم: 2 / 84.

(١٨٢)

ومن المحتمل أيضاً أن ينطبق ذلك في الوقت الحاضر على خدم الإمام الحجّة (عليه السلام)، وهم الثلاثون شخصاً من الملازمين للمهدي (عليه السلام)، فكلّما مات منهم واحد اُبدل بآخر مكانه، كما جاء في البحار عن الإمام الباقر (عليه السلام): «لا بدّ لصاحب هذا الأمر من عزلة، ولا بدّ في عزلته من قوّة، وما بثلاثين من وحشة»(408).
كم هو عددهم؟
لا بدّ من القول بأنّه يوجد اختلاف في الروايات حول عدد الأبدال، وأنّه بين الثلاثين إلى الثمانين، ونشير إليهم آنفاً:
1 - ثلاثون شخصاً
فروى أحمد بن حنبل في مسنده عن عبادة بن الصامت، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، قال: «الأبدال في هذه الاُمّة ثلاثون، مثل: إبراهيم خليل الرحمن، كلّما مات رجل أبدل الله تبارك وتعالى مكانه رجلاً»(409).
2 - أربعون شخصاً
روى الطبراني في المعجم الكبير عن ابن مسعود، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «لا يزال أربعون رجلاً من اُمّتي، قلوبهم على قلب إبراهيم، يدفع الله بهم عن أهل الأرض، يقال لهم الأبدال»(410).
3 - ستّون شخصاً
روى المحدّث القمّي عن الثعلبي، عن رجل من أهل عسقلان: (أنّه كان يمشي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(408) بحار الأنوار: 52 / 153.
(409) مسند أحمد بن حنبل: 5 / 322.
(410) المعجم الكبير: 10 / 224.

(١٨٣)

 بالأردن عند نصف النهار فرأى إلياس النبيّ، فسأله: كم من الأنبياء أحياء اليوم؟
قال: أربعة: إثنان في الأرض، وإثنان في السماء، ففي السماء عيسى وإدريس، وفي الأرض إلياس وخضر.
قلت: كم الأبدال؟
قال: ستّون رجلاً...»(411).
4 - سبعون شخصاً
ونقل العلاّمة فخر الدين الطريحي: «بأنّ الأبدال قوم يقيم الله بهم الأرض، وهم سبعون»(412).
5 - ثمانون شخصاً
وورد في فرودس الأخبار مرسلاً عن أنس بن مالك: «الأبدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة، كلّما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلاً، وكلّما ماتت امرأة أبدل الله مكانها امرأة»(413).
ما هي المميّزات التي يتميّز بها الأبدال؟
وصف النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) الأبدال ببعض الصفات، منها ما يلي:
1 - أنّ قلوب الأبدال كقلب إبراهيم الخليل (عليه السلام): فروى عبادة بن الصامت عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قوله: «الأبدال ثلاثون رجلاً، قلوبهم على قلب إبراهيم (عليه السلام)»(414).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(411) سفينة البحار: 1 / 28.
(412) مجمع البحرين: 425.
(413) فردوس الأخبار: 1 / 119.
(414) فرائد السمطين: 69.

(١٨٤)

ولعلّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أراد بهذا التشبيه أنّ هؤلاء لشدّتهم وصلابتهم وصبرهم ومقاومتهم ضدّ الباطل، كإبراهيم (عليه السلام)، حيث أنّه قد وقف ضدّ الباطل وأظهر الصلابة.
2 - جُنّة البلاء: روى ابن مسعود عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قوله: «يدفع الله بهم عن أهل الأرض»(415).
3 - الرضا بالقضاء: ومن المميّزات أيضاً ما قاله النبيّ في شأنهم: «الرضا بالقضاء، والصبر عن محارم الله، والغضب في ذات الله»(416).
4 - المواساة والإحسان والعفو: من جملة الاُمور التي يتحلّى بها الأبدال ما ذكرها النبيّ أيضاً بأنّهم: «يعفون عمّن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويتواسون فيما آتاهم الله (عزّ وجلّ)»(417).
5 - الجود والسخاء وحبّ الخير: وروى ابن مسعود عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): «لا يزال أربعون رجلاً من اُمّتي قلوبهم على قلب إبراهيم، يدفع الله بهم عن أهل الأرض، يقال لهم: الأبدال.
قال رسول الله: إنّهم لم يدركوها بصلاة ولا بصوم ولا صدقة.
قالوا: يا رسول الله، فيم أدركوها؟
قال: بالسخاء والنصيحة للمسلمين»(418).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(415) المعجم الكبير: 1 / 224.
(416) فردوس الأخبار: 2 / 84.
(417) حلية الأولياء: 1 / 8.
(418) المعجم الكبير: 10 / 224.

(١٨٥)

أين يسكن الأبدال؟
ليس الأبدال من طائفة واُمّة خاصّة، وليسوا أيضاً من مدينة معيّنة، بل يحتمل أن يكون بعضهم من بلد واحد، ويمكن أيضاً أن يكون كلّ واحد منهم من منطقة أو مدينة، فعلى نقل الطريحي في مجمع البحرين أنّ أكثرهم من أهل الشام، حيث قال: «إنّ الأبدال قوم يُقيم الله بهم الأرض، وهم سبعون: أربعون بالشام وثلاثون بغيرها»(419).
هل يمكن أن نكون من الأبدال؟
نقول: فمع التسليم بأنّ الأبدال موجودون في كلّ الأزمنة والأماكن، فلا ريب ولا شبهة أنّه يمكن أن نكون من جملتهم، كما أشار النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى هذه المسألة بأنّ هؤلاء: «لم يدركوها بصلاة ولا صوم ولا صدقة، بل أدركوها بالسخاء والنصيحة للمسلمين»، وهكذا أجاب جماعة اُخرى عندما سألوه عن الأبدال وعن صفاتهم فقال: «يعفون عمّن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويتواسون فيما آتاهم الله (عزّ وجلّ)».
وهناك صفات اُخرى إذا وجدت في شخص فإنّه سوف يكون واحداً منهم، كما قرأت ذلك عنهم، فكلّ ذلك دليل أنّ من يحمل هذه الصفات فإنّه يكون من الأبدال، ولكن أين الوصول إلى هذه الصفات العالية، وقلّ ما يجد ذلك إلاّ الأوحديّ من النّاس، وخصوصاً إذا قلنا إنّ الأبدال هم خدم الإمام المهدي، فالأمر أشكل وأصعب.
اللّهمّ اجعلنا من أنصاره، وأعوانه، والذابّين عنه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(419) مجمع البحرين: 425.

(١٨٦)

إنّ جميع الأنبياء والأوصياء عندما دعوا النّاس إلى عبادة الخالق وترك الأوثان، واجهوا الجهلة والأعداء، فبلغ قمّة هذا العداء بالنسبة إلى الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، كما قال: «ما اُوذي نبيّ مثل ما اُوذيت».
وكذلك فإنّ الإمام المهدي (عليه السلام) كان له أعداءً كثيرون، وسيكون له أيضاً أعداء عند ظهوره؛ لأنّه (عليه السلام) سوف تواجهه بالحرب جميع القوى المعادية والظالمة، ومن هنا فإنّ جميع القوى والطوائف والقبائل والشعوب والجماعات والديانات المنحرفة سوف تعلن الحرب عليه، ولكنّه (عليه السلام) بعد ما يتمّ الحجّة على هؤلاء سوف يطهّر الأرض منهم.
وخصّصنا هذا الفصل بأعدائه، والأسئلة الموجودة حوله:
السؤال الثامن والأربعون: من هم أعداء الإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب: يعادي الإمام (عليه السلام) كثير من الفِرق الضالّة، فمنهم:
1 - المنحرفون فكريّاً
وهؤلاء إحدى الفرق التي تقاتل الإمام (عليه السلام)، وهم جماعة ممّن يفسّر القرآن برأيه الباطل، ويحتجّ عليه بكتاب الله، فعن النعماني عن ابن عقدة، عن محمّد بن

(١٨٩)

المفضل، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة، عن محمّد بن مروان، عن الفضيل، قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنّ قائمنا إذا قام استقبل من جهلة النّاس أشدّ ممّا استقبله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) من جهّال الجاهليّة.
فقلت: وكيف ذلك؟
قال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أتى النّاس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإنّ قائمنا إذا قام أتى النّاس وكلّهم يتأوّل عليه كتاب الله، ويحتجّ عليه به.
ثمّ قال: أما والله ليدخلنّ عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحرُّ والقرّ»(420).
2 - البتريّة
فرقة من الزيديّة، ينسبون إلى المغيرة بن سعد.
وقال آخرون: إنّ البتريّة هم أصحاب كثير النوى، وهم الحسن بن أبي صالح، وسالم بن أي حفصة، والحكم بن عيينة، وسلمة بن كهيل، وأبو المقدام ثابت بن حداد، وهم الذين دعوا إلى ولاية عليّ فخلطوها بولاية أبي بكر وعمر، ويثبتون لهم الإمامة، ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة، ويرون الخروج مع ولد عليّ (عليه السلام)(421).
روى الحسن بن سليمان، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ عدّتهم أربعة آلاف»(422).
وذكر الشيخ المفيد: «أنّ عددهم بضعة عشر آلاف أنفس يدعون البتريّة، عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(420) بحار الأنوار: 52 / 263.
(421) بحار الأنوار: 52 / 263.
(422) مختصر بصائر الدرجات: 190.

(١٩٠)

فيهم السيف حتّى يأتي على آخرهم»(423).
ويستفاد من عبارة المفيد أنّهم أكثر من عشرين ألف نفراً.
وقال ابن رستم الطبري: «إنّ عددهم ستّة عشر ألف شخص»(424).
قال الصادق (عليه السلام) في حديث طويل لمفضّل: «فيقول الحسين (عليه السلام): الله أكبر يا بن رسول الله، مدّ يدك حتّى اُبايعك، فيبايعه الحسين (عليه السلام) وسائر عسكره، إلاّ أربعة آلاف أصحاب المصاحف والمسوح الشعر، المعروفون بالزيديّة، فإنّهم يقولون: ما هذا إلاّ سحر عظيم، فيختلط العسكران، ويقبل المهدي (عليه السلام) على الطائفة المنحرفة فيعظهم ويؤخّرهم إلى ثلاثة أيّام، فلا يزدادون إلاّ طغياناً وكفراً، فيأمر المهدي (عليه السلام) بقتلهم، فكأنّي أنظر إليهم قد ذبحوا على مصاحفهم كلّهم يتمرّغون في دمائهم، وتتمرّغ المصاحف، فيقبل بعض أصحاب المهدي (عليه السلام) فيأخذ تلك المصاحف فيقول المهدي (عليه السلام): دعوها تكون عليهم حسرة، كما بدّلوها وغيّروها وحرّفوها ولك يعملوا بما حكم الله فيها...»(425).
وقال الباقر في حديث طويل لأبي الجارود: «ويسير (المهدي (عليه السلام)) إلى الكوفة، فيخرج منها ستّة عشر ألفاً من البتريّة شاكّين في السلاح، قرّاء القرآن، فقهاء في الدين، قد قرّحوا جباههم، وسمروا ساماتهم، وعمّهم النفاق، وكلّهم يقولون: يا بن فاطمة، ارجع لا حاجة لنا فيك، فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشيّة الإثنين من العصر إلى العشاء، فيقتلهم أسرع من جزر جزور، فلا يفوت منهم رجل، ولا يصاب من أصحابه أحد...»(426).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(423) الإرشاد: 343. بحار الأنوار: 52 / 338.
(424) دلائل الإمامة: 242.
(425) مختصر بصائر الدرجات: 190.
(426) دلائل الإمامة: 242.

(١٩١)

3 - المرجئة
وهم من الفرق التي سيحاربها المهدي (عليه السلام) عند ظهوره، الذين ابتعدوا عن الإسلام غاية البعد بسبب عقائدهم المنحرفة، وارتكبوا الذنوب الكبيرة بلا خوف أو حذر.
كتب العلاّمة الطريحي رحمه الله عن هذه الفرقة الضالّة: «وقد اختلف في المرجئة، فقيل: هم فرقة من فِرق الإسلام يعتقدون أنّه لا يضرّ مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، سمّوا مرجئة لاعتقادهم أنّ الله تعالى أرجأ تعذيبهم عن المعاصي، أي أخّره عنهم»(427).
وعن ابن قتيبة أنّه قال: «هم الذين يقولون الإيمان قول بلا عمل؛ لأنّهم يقدّمون القول ويؤخّرون العمل»(428).
وقال بعض أهل المعرفة بالملل: «إنّ المرجئة هم الفرقة الجبريّة الذين يقولون: إنّ العبد لا فعل له...»(429).
وعن الكليني بسنده عن عبدالحميد الواسطي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «قلت له: أصلحك الله، لقد تركنا أسواقنا انتظار لهذا الأمر حتّى ليوشك الرجل منّا أن يسأل في يده؟
فقال: يا أبا عبدالحميد، أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل الله له مخرجاً؟ بلى والله ليجعلنّ الله له مخرجاً، رحم الله عبداً أحيا أمرنا.
قلت: أصلحك الله، إنّ هؤلاء المرجئة يقولون: ما علينا أن نكون على الذي نحن عليه حتّى إذا جاء ما تقولون كنّا نحن وأنتم سواء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(427) مجمع البحرين: 35.
(428) مجمع البحرين: 35.
(429) مجمع البحرين: 35.

(١٩٢)

فقال: يا عبدالحميد، صدقوا، من تاب الله عليه، ومن أسرّ نفاقاً فلا يرغم الله إلاّ أنفه، ومن أظهر أمرنا أهرق الله دمه يذبحهم الله على الإسلام كما يذبح القصّاب شاته...»(430).
حرب المهدي مع بقيّة الطوائف
ويحارب الإمام المهدي كثير من الطوائف وأهل المدن المعادية له، كأهل كلاب(431)، والعرب(432)، وبني اُميّة(433)، وبني ضبّة(434)، وغنى، وباهلة، والأزد(435)، وأرمينيّة(436)، والكوفة(437)، وأهل المكّة، وأهل المدينة، والبصرة، ودميسان، والشام، والريّ(438)، وقريش(439).
السؤال التاسع والأربعون: هل الإمام المهدي يموت أو يُقتل؟
الجواب: يبدو في النظر أنّه (عليه السلام) يموت؛ لأنّ كثيراً من الروايات تصرّح بأنّه يسلّم الأمر إلى جدّه الحسين بن عليّ ثمّ يموت.
وهذا ممّا قال به الصادق (عليه السلام) بأنّه: «يقبل الحسين في أصحابه الذين قتلوا معه،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(430) الكافي: 8 / 80.
(431) الشيعة والرجعة: 1 / 160.
(432) بحار الأنوار: 52 / 355.
(433) المصدر المتقدّم: 363.
(434) المصدر المتقدّم: 363.
(435) المصدر المتقدّم: 363.
(436) الشيعة والرجعة: 1 / 162.
(437) بحار الأنوار: 52 / 387.
(438) المصدر المتقدّم: 363.
(439) المصدر المتقدّم: 338.

(١٩٣)

ومعه سبعون نبيّاً، كما بقوا مع موسى بن عمران، فيدفع إليه القائم، فيكون الحسين هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويوارى به في حفرته»(440).
فلو قيل: من الذي يغسّل الحسين (عليه السلام) إذا مات؟
قلنا: قد أجاب العلاّمة المجلسي على هذا السؤال بقوله: «إذا سأل شخص: من الذي يغسّل الإمام الحسين؟ لقلنا في جوابه: إنّ الإمام الحسين قتل شهيداً، لذلك لا يحتاج إلى غسل، أو لعلّ الأئمّة (عليهم السلام) من بعد الحسين سيرجعون إلى الدنيا ويقومون بتغسيله والصلاة عليه»(441).
وهناك قول آخر: بأنه (عليه السلام) يقتل كما قتل آباءه (عليهم السلام) من قبله، وهذا القول لم يرد في الكتب المعتبرة.
نعم، علّق الشيخ أحمد الاحسائي في كتابه شرح الزيارة ذيل قول الإمام (عليه السلام): «مُؤْمِنٌ بِإِيابِكُمْ مُصَدِّقٌ بِرَجْعَتِكُمْ»: «لقد وردت بعض الروايات في منتخب البصائر: إنّ الإمام يقتل على يد امرأة من تميم، واسمها سعيدة، وهي تشبه الرجال، حيث ترمي صخرة على رأس الإمام عندما يكون مارّاً من أحد الأزقّة»(442).
ويؤيّد هذا النقل ما روي عن الإمام الحسن والإمام الصادق والإمام الرضا (عليهم السلام) أنّهم قالوا: «ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول»(443).
على أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) يكون منهم، وإن لك يثبت هذا القول بالنسبة إليه (عليه السلام).

* تمّ بعون الله *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(440) منتخب بصائر الدرجات: 48.
(441) حق اليقين: 352.
(442) راجع: شرح الزيارة: 3 / 53.
(443) حياة الإمام العسكري (عليه السلام): 242.

(١٩٤)

المصادر

1 - إثبات الوصيّة - عليّ بن الحسين المسعودي
2 - إثبات الهداة - محمّد بن الحسن الحرّ العاملي
3 - الاحتجاج - الطبرسي
4 - الإرشاد - محمّد بن محمّد بن النعمان
5 - إسعاف الراغبين - ابن الصبان
6 - إعلام الورى - الفضل بن الحسن الطبرسي
7 - إلزام الناصب - الشيخ علي اليزدي
8 - أمالي الصدوق - محمّد بن عليّ بن بابويه
9 - أمالي المفيد - محمّد بن محمّد بن النعمان
10 - الإمامة والتبصرة - علي بن بابويه القمّي
11 - أوائل المقالات - محمّد بن محمّد بن النعمان
12 - بحار الأنوار – محمّد باقر المجلسي
13 - بشارة الإسلام - السيّد مصطفى الكاظمي
14 - بصائر الدرجات - محمّد بن الحسن الصفّار القمّي
15 - البيان في أخبار صاحب الزمان - محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي
16 - التاج الجامع للأُصول - منصور علي ناصف
17 - تاريخ البخاري - محمّد بن إسماعيل البخاري
18 - تأويل الآيات - شرف الدين النجفي

(٢٠٣)

19 - تبصرة الوليّ فيمن رأى القائم المهدي - السيّد هاشم البحراني
20 - تذكرة الخواصّ - سبط ابن الجوزي
21 - التذكرة في أحوال الموتى والآخرة - محمّد أحمد بن القرطبي
22 - تفسير الصافي - الفيض الكاشاني
23 - تفسير العيّاشي - محمّد بن مسعود العيّاشي
24 - تفسير القمّي - عليّ بن إبراهيم
25 - تقريب المعارف - أبو الصلاح الحلبي
26 - تهذيب الأحكام - محمّد بن الحسن الطوسي
27 - الثقات - ابن حبّان
28 - الجامع الصحيح - محمّد بن عيسى الترمذي
29 - الجزيرة الخضراء حقيقة أم خيال؟ - أبو الفضل طريقه دار
30 - حقّ اليقين - محمّد باقر المجلسي
31 - حلية الأبرار - السيّد هاشم البحراني
32 - حياة الإمام العسكري (عليه السلام) – محمّد جواد الطبسي
33 - الخرائج والجرائح - القطب الراوندي
34 - الخصال - محمّد بن عليّ بن بابويه
35 - الدرّ المنثور - جلال الدين السيوطي
36 - دلائل الإمامة - محمّد بن جرير بن رستم الطبري
37 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة - آقا بزرك الطهراني
38 - رجال الكشّي - أبو عمر الكشّي
39 - سفينة البحار - الشيخ عبّاس القمّي
40 - سنن ابن ماجة - ابن ماجة القزويني
41 - سنن أبي داود - سليمان بن أشعث السجستاني
42 - شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد

(٢٠٤)

43 - الشيعة والرجعة – محمّد رضا الطبسي
44 - صحيح مسلم - الحجّاج بن مسلم القشيري
45 - الصواعق المحرقة - ابن حجر العسقلاني
46 - الطبقات الكبرى - ابن سعد الواقدي
47 - عصر الظهور - علي الكوراني
48 - عقائد الصدوق - محمّد بن عليّ بن بابويه
49 - عقد الدرر - السلمي
50 - عقيدة أهل السنّة والأثر - عبدالمحسن العباد
51 - علل الشرائع - الشيخ الصدوق
52 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) - الشيخ الصدوق
53 - غاية المرام - السيّد هاشم البحراني
54 - الغيبة - محمّد بن إبراهيم النعماني
55 - الفتوحات المكّيّة - ابن العربي
56 - فرائد السمطين - إبراهيم بن محمّد الحمويني
57 - فردوس الأخبار - الديلمي
58 - الفصول المهمّة - ابن الصباغ المالكي
59 - قصص الأنبياء - ابن كثير الدمشقي
60 - الكافي - محمّد بن يعقوب الكليني
61 - كمال الزيارات - جعفر بن محمّد بن قولويه
62 - كتاب الغيبة - محمّد بن الحسن الطوسي
63 - كفاية الأثر - محمّد بن عليّ الخزاز
64 - كمال الدين - الشيخ الصدوق
65 - كنز العمّال - المتّقي الهندي
66 - مجمع البحرين - فخر الدين الطريحي

(٢٠٥)

67 - مجمع البيان - الشيخ الطبرسي
68 - مجمع الزوائد - الهيثمي
69 - المحاسن - أبو عبد الله البرقي
70 - مختصر بصائر الدرجات - محمّد بن سليمان الحلّي
71 - المستدرك على الصحيحين - الحاكم النيسابوري
72 - مستدرك الوسائل - الميرزا حسين النوري
73 - مسند ابن أبي شيبة - ابن أبي شيبة
74 - مسند أحمد - أحمد بن حنبل
75 - مسند الطيالسي - الطيالسي
76 - مشارق الأنوار - الحمزاوي
77 - مشكاة الأنوار - الطبرسي
78 - مصباح الزائر - إبراهيم بن عليّ الكفعمي
79 - معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) – محمّد جواد الطبسي وجمع من المؤلّفين
80 - معجم البلدان - ياقوت الحموي
81 - المعجم الكبير - سليمان بن أحمد الطبراني
82 - مفاتيح الجنان - الشيخ عبّاس القمّي
83 - الملاحم والفتن - ابن طاووس الحلّي
84 - مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب
85 - منتخب الأثر - لطف الله الصافي
86 - منتخب الأنوار المضيئة - السيّد علي بن عبد الحميد
87 - منتهى الآمال - الشيخ عبّاس القمّي
88 - منهاج السنّة - ابن تيميّة
89 - المهدي الموعود المنتظر - نجم الدين العسكري
90 - الميزان في تفسير القرآن - محمّد حسين الطباطبائي

(٢٠٦)

91 - النجم الثاقب - الميرزا حسين الطبرسي
92 - نور الثقلين - الشيخ جمعة العروسي
93 - وظيفة الأنام - السيّد محمّد تقي الموسوي
94 - ينابيع المودّة - محمّد بن سليمان القندوزي
المصادر الفارسيّة
95 - پاسخ ما - جمع من المؤلّفين
96 - جوانان ياور مهدي – محمّد باقر الأميني
97 - خورشيد مغرب – محمّد رضا الحكيمي
98 - دادگستر جهان - إبراهيم الأميني
99 - نقش زنان در حكومت امام زمان – محمّد جواد الطبسي
100 - نور مهدي - جماعة من المؤلّفين

(٢٠٧)