أربع رسالات في الغيبة (الرسالة الثانية)

أربع رسالات في الغيبة
الرسالة الثانية في الغيبة

تأليف: الإمام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان

ابن المعلم ابي عبد الله، العكبري، البغدادي (٣٣٦ - ٤١٣ هـ)
تحقيق: علاء آل جعفر

الدليل على وجود صاحب الزمان (عليه السلام) في الغيبة
بسم الله الرحمن الرحيم

يأتي البحث في موضوع (وجود الامام المهدي (عليه السلام)) الذي تعتقد الشيعة الامامية بغيبته، بعد البحث عن وجوب الاعتقاد بإمام، ولزوم معرفته.
وقد فصل الشيخ المفيد الكلام في البحث الاول، في الرسالة السابقة حول حديث (من مات...).
ولذلك وضع البحث عن هذه الرسالة، بعد تلك.
وهذه الرسالة تحتوى على حوار بين الشيخ وبين من سأله عن الدليل المقنع على وجود الامام صاحب الزمان (عليه السلام)؟ ضمن أسئلة اخرى، يتوصل الشيخ من الاجابة عليها إلى الحق.
السؤال الاول: ما الدليل على وجود الامام صاحب الغيبة (عليه السلام)؟ مع اختلاف الناس في وجوده!؟
أجاب الشيخ: الدليل على ذلك: نقل الشيعة الامامية، نقلا متواترا، والاخبار بغيبته كذلك، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أن الثاني عشر من الائمة (عليهم السلام) يغيب، وأن الغيبة قد وقعت على ما أخبروا به.
وقد وجدنا الشيعة الامامية قد طبقت الارض شرقا وغربا، مختلفي

(٣)

الآراء والهمم، متباعدي الديار، لا يتعارفون، وكلهم متدينون بتحريم الكذب وقول الزور، وعالمون بقبحه، ومثل هؤلاء يستحيل عليهم الاجتماع على الكذب في هذه الاخبار، إذ لو جاز عليهم ذلك، واحتمل فيهم، لجاز على سائر الامم والفرق، حتى لا يصح خبر في الدنيا، وذلك إبطال للشرائع كلها، وهو أمر واضح الفساد والبطلان.
السؤال الثاني: لعل جماعة تواطأت في الاصل على وضع تلك الاخبار، ثم نقلتها الشيعة وتعلقت بها، وهي غير عالمة بالأصل كيف حصل؟
واجاب الشيخ عن هذا:
أولا: إن هذا الاحتمال يأتي في جميع الا خبار المتواترة، وهو الطريق إلى ابطال الشرائع، كما قلنا.
وثانيا: لو كان أمر هذا الاحتمال صحيحا، وما ذكر فيه واقعا، لظهر واشتهر على ألسن المعارضين للشيعة، وهم يطلبون نقص مذهبهم، ويتتبعون عثراث عقيدتهم، وكان ذلك أظهر وأشهر من أن يخفى.
وفي عدم معروفيته، وعدم العلم به ما يدل على بطلانه وفساده.
ثم ان الشيخ المفيد أورد بعض الا خبار المنبئة عن صاحب الزمان (عليه السلام) وغيبته، المرفوعة إلى أمير المؤمنين والباقر والصادق (عليهم السلام).
ونقل عن السيد محمد الحميري شعرا في قصيدة قالها قبل الغيبة ب (مائة وخمسين سنة) وفيه:

له غيبة لابد أن سيغيبها * * * فصلى عليه الله من متغيب

وعلّق الشيخ عليه بقوله: فانظروا - رحمكم الله - قول السيد هذا، وهو

(٤)

في الغيبة - كيف وقع له أن يقوله، لولا انه سمعه من أئمته (عليهم السلام)، وأئمته سمعوه من النبي (صلى الله عليه وآله).
وإلا، فهل يجوز لقائل أن يقول قولا، فيقع كما قال بعد (١٥٠) عاما ما يخرم منه حرف!
السؤال الثالث: من اللازم أن تنقل هذه الاخبار من طريق غير الشيعة أيضا، لو كانت ثابتة؟
أجاب الشيخ: هذا غير لازم ولا واجب!
وإلا، لوجب أن لا يصح خبر لا ينقله المؤالف والخالف، ولبطلت الاخبار، إذ لو لم يقبل خبر إلا إذا نقله المعارضون، سهل إنكار الاخبار من كلا الطرفين، ولم يتم الاحتجاج بشيء من الاخبار. وهذا الجواب موجود في كلام ابن قبة المنقول في إكمال الدين (ص ٢٣).
السؤال الرابع: إذا كان الامام (عليه السلام) غائبا طول هذه المدة، فهو لا ينتفع به، فما الفرق بين وجوده وعدمه؟!
أجاب الشيخ: إن الله نصبه (عليه السلام) دليلا وحجة، لكن الظالمين هم الذين أخافوه، فمنعوا من الاستفادة منه، فهم المسؤولون عن ذلك، وإذا لم يوجده الله أو أعدمه لكانت العلة في عدم الاستفادة منه صنع الله تعالى. والفرق بين الامرين واضح.
السؤال الخامس: ألا رفعه الله إلى السماء؟
أجاب الشيخ: إن الامام حجة على أهل الارض، والحجة لابد أن يتواجد بين المحجوجين، والارض لا تخلو من حجة، فلم يجز أن يرفعه إلى السماء.

(٥)

وبما أن الحجة لا بد أن يكون على صفات معينة، منها أن يكون معصوما، ولم نر في ولد العباس، ولا ولد علي (عليه السلام)، ولا في كل قريش قاطبة، من يتصف بتلك الصفات، فلابد ان يكون المعصوم هو الامام (عليه السلام).
وإذا سلم كل ذلك، كانت الغيبة لازمة.
وهذا الاستدلال بعينه هو الذي بنى السيد الشريف المرتضى عليه كتابه (المقنع في الغيبة).
ويظهر من قول المعترض: (إن المعتقد منكم يقول: إن له - أي لصاحب الزمان (عليه السلام) - خمسة وأربعون ومائة سنة) أن الاعتراض كان سنة (٤٠٠) هجرية.
والله الموفق للصواب.

وكتب السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

(٦)

m-mahdi.com

(٧)

m-mahdi.com

(٨)

m-mahdi.com
الصفحة الاولى من النسخة (ق)

(٩)

m-mahdi.com
الصفحة الاخيرة من النسخة (ق)

(١٠)

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد والله وسلم تسليما.
سأل سائل الشيخ المفيد رضي الله عنه فقال: ما الدليل على وجود الامام صاحب الغيبة (عليه السلام)، فقد اختلف الناس في وجوده اختلافا ظاهرا؟
فقال له الشيخ: الدليل على ذلك إنا وجدنا الشيعة الامامية فرقة قد طبقت الارض شرقا وغربا مختلفي الآراء والهمم، متباعدي الديار لا يتعارفون، متدينين بتحريم الكذب، عالمين بقبحه، ينقلون نقلا متواترا عن ائمتهم (عليهم السلام) عن امير المؤمنين صلوات الله عليه: ان الثاني عشر يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون(1) ويحكون ان الغيبة تقع على ما هي عليه، فليس تخلوا هذه الاخبار ان تكون صدقا أو كذبا، فان كانت صدقا فقد صح ما نقول، وان كانت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر: كمال الدين: 302 / 9 و303 / 14، 15، 16 و304 / 17، ارشاد المفيد: 154، الغيبة (للنعماني): 156 / 18.

(١١)

كذبا استحال ذلك، لأنه لو جاز على الامامية وهم على ما هم عليه لجاز على سائر المسلمين في نقلهم معجزات النبي صلى الله وعليه والله مثل ذلك، ولجاز على سائر الامم والفرق مثله، حتى لا يصح خبر في الدنيا، وكان ذلك ابطال الشرائع كلها.
قال السائل: فلعل قوما تواطئوا في الاصل فوضعوا هذه الاخبار ونقلتها الشيعة وتدينت بها وهي غير عالمة بالأصل كيف كان.
قال له الشيخ رضي الله عنه: اول ما في هذا انه طعن في جميع الاخبار، لان قائلا لو قال للمسلمين في نقلهم لمعجزات النبي (صلى الله عليه وآله) لعلها في الاصل موضوعة، ولعل قوما تواطئوا عليها فنقلها من لا يعلم حالها في الاصل، وهذا طريق إلى ابطال الشرائع، وايضا فلو كان الامر على ما ذكره السائل لظهر وانتشر على ألسن المخالفين - مع طلبهم لعيوبهم وطلب الحيلة في كسر مذاهبهم - وكان ذلك اظهر واشهر مما يخفى، وفي عدم العلم بذلك ما يدل على بطلان هذه المعارضة.
قال: فأرنا طرق هذه الاخبار، وما وجهها ووجه دلالتها.
قال: الاول ما في هذا الخبر الذى روته العامة والخاصة وهو خبر كميل ابن زياد قال: دخلت على أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهو ينكث في الاض فقلت له: يا مولاي مالك تنكث الارض أرغبة فيها؟
فقال: والله ما رغبت فيها ساعة قط، ولكني افكر في التاسع من ولد الحسين هو الذي يملا الارض قسطا وعدلا كما ملات ظلما وجورا، تكون له غيبة يرتاب فيها المبطلون، يا كميل بن زياد لابد لله في ارضه من حجة، اما ظاهر مشهور شخصه، واما باطن مغمور لكيلا تبطل حجج

(١٢)

الله(2). والخبر طويل، وانما اقتصرنا على موضع الدلالة.
وما روي عن الباقر (ع): ان الشيعة قالت له يوما: انت صاحبنا الذى يقوم بالسيف؟
قال: لست بصاحبكم، انظروا من خفيت ولادته فيقول قوم ولد ويقول قوم ما ولد، فهو صاحبكم(3).
وما روي عن الصادق (ع) انه قال: كيف بكم إذا التفتتم يمينا فلم تروا احدا، والتفتتم شمالا فلم تروا احدا، واستولت اقوام بني عبد المطلب، ورجع عن هذا الامر كثير ممن يعتقده، يمسي احدكم مؤمنا ويصبح كافرا، فالله الله في اديانكم هنالك فانتظروا الفرج.
وما روي عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) انه قال: إذا توالت ثلاثة اسماء محمد وعلي والحسن فالرابع هو القائم صلوات الله عليه وعليهم(4).
ولو ذهبنا إلى ما روي في هذا المعنى لطال به الشرح، وهذا السيد ابن محمد الحميري يقول في قصيدة له قبل الغيبة وبخمسين ومائة سنة:

وكذا(5) روينا عن وصي محمد * * * وما كان(6) فيما قاله بالمتكذب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) كمال الدين: 289 / 2، الكافي 1: 273، الغيبة (للطوسي): 154 و254 (وفي الاخيرين: الاصبغ بن نباتة بدلا عن كميل بن زياد).
(3) كمال الدين: 325 / 2.
(4) كمال الدين: 334 / 3، الغيبة للنعماني: 179 / 26 (وفيهما عن ابي عبد الله (عليه السلام)).
(5) في نسخة (م) و(ث): وكنا، وفي الاكمال: ولكن.
(6) في نسخة (ق): ولم يك.

(١٣)

بأن ولي الامر يفقد لا يرى * * * ستيرا(7) كفعل الخائف المترقب
فيقسم اموال الفقيد(8) كأنما * * * تغيبة(9) تحت الصفيح المنصب
فيمكث حيا ثم ينبع نبعة * * * كنبعة درى من الارض يوهب
له غيبة لابد من ان يغيبها * * * فصلى عليه الله من متغيب(10)

فانظروا رحمكم الله قول السيد هذا القول وهو (الغيبة) كيف وقع له ان يقوله لولا ان سمعه من ائمته، وائمته سمعوه من النبي (صلى الله عليه وآله)، والا فهل يجوز لقائل ان يقول قولا فيقع كما قال ما يخرم منه حرف؟! عصمنا الله واياكم من الهوى، وبه نستعين، وعليه نتوكل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) في نسخة (ق) و(م): سنين.
(8) في نسخة (ق): العقود.
(9) في نسخة (ق): تضمنه.
(10) القصيدة طويلة ومطلعها:

ايا راكبا نحو المدينة جسرة * * * عدافرة يطوى بها كل سبسب
إذا ما هداك الله عاينت جعفرا * * * فقل لولي الله وابن المهذب
الا يا امين الله وابن امينه * * * اتوب إلى الرحمن ثم تأوبي
اليك في الامر الذي كنت مطنبا * * * معاندة مني لنسل المطيب
ولكن روينا عن وصي محمد * * * وما كان فيما قال بالمتكذب

واسترسل بالقصيدة كما وردت اعلاه.
ولهذا القصيدة قصة يرويها الصدوق في كمال الدين (33) حول اعتقاد السيد رحمه الله اول الامر بمذهب الكيسانية التي تدعي الغيبة لمحمد بن الحنفية قدس الله روحه، حيث قال السيد في ذلك:

الا ان الائمة من قريش * * * ولاة الامر اربعة سواء

إلى اخر ابياته الشعرية. وبقي على ذلك ردحا من الزمن حتى التقى الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) ورأى منه علامات الامامة وشاهد فيه دلالات الوصية، فسأله عن الغيبة، فذكر له انها حق، ولكنها نقع في الثاني عشر من الائمة (عليهم السلام)، واخبره. بموت محمد بن الحنفية وان اباه شاهد دفنه، فرجع السيد عن مقالته واستغفر من اعتقاد، ورجع إلى الحق عند اتضاحه له، ودان بالإمامة.
وهكذا فالأمر يوضح بلا ادنى ريبة اعتقاد المسلمين بالغيبة وتواتر الاخبار عنها تجل وقوعها سواء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو عن اهل بيته علبهم السلام، أو حتى من الخالفين لهم، ولقد افرد علماء الشيعة الامامية ورجالاتها مؤلفات ضخمة في هذا الامر اقاموا فيه الحجج البينة والشواهد الثابتة التي لا تدع للتساؤل منفذا.

(١٤)

قال السائل: فقد كان يجب ان ينقل هذه الاخبار مع الشيعة غيرهم.
فقال له: هذا غير لازم ولا واجب، ولو وجب وجب ان لا يصح خبر لا ينقله المؤالف والمخالف وبطلت الاخبار كلها.
فقال السائل: فإذا كان الامام (ع) غائبا طول هذه المدة لا ينتفع به، فما الفرق بين وجوده وعدمه.
قال له: ان الله سبحانه إذا نصب دليلا وحجة على سائر خلقه فأخافه الظالمون كانت الحجة على من اخافه لا على الله سبحانه، ولو اعدمه الله كانت الحجة على الله لا على الظالمين، وهذا الفرق بين وجوده وعدمه.
قال السائل: الا رفعه الله إلى السماء فإذا ان قيامه انزله؟
فقال له: ليس هو حجة على اهل السماء، انما هو حجة على اهل الارض، والحجة لا تكون الا بين المحجوجين به، وايضا فقد كان هذا لا يمتنع في العقل لو لا الاخبار الواردة ان الارض لا تخلو من حجة، فلهذا لم يجز كونه في السماء،

(١٥)

واوجبنا كونه في الارض وبالله التوفيق.
فقام انسان من المعتزلة وقال للشيخ المفيد: كيف يجوز ذلك منك وانت نظار منهم قائل بالعدل والتوحيد، وقائل باحكام العقول، تعتقد امامة رجل ما صحت ولادته لون امامته، ولا وجوده لون عدمه، وقد تطاولت السنون حتى ان المعتقد منكم يقول ان له منذ ولد خمسا واربعين ومائة سنة فهل يجوز هذا في عقل أو سمع؟
قال له الشيخ: قد قلت فافهم، اعلم: ان الدلالة عندنا قامت على ان الارض لا تخلو من حجة.
قال السائل: مسلّم لك ذلك ثم ايش؟
قال له الشيخ: ثم أن الحجة على صفات، ومن لا يكون عليها لم تكن فيه.
قال له السائل: هذا عندي، ولم أر في ولد العباس ولا في ولد علي ولا في قريش قاطبة من هو بتلك الصفات، فعلمت بدليل العقل أن الحجة غيرهم ولو غاب ألف سنة، وهذا كلام جيد في معناه إذا تفكرت فيه، لأنه إذا قامت الدلالة بأن الأرض   لا تخلو من حجة، وأن الحجة لا يكون إلا معصوماً من الخطأ والزلل، لا يجوز عليه ما يجوز على الأمة، وكانت المنازعة فيه لا في الغيبة، فإذا سلّم ذلك كانت الحجة لازمة في الغيبة.

* * *

(١٦)