ذلك يوم الخروج

ذلك يوم الخروج

دراسة حول ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)

المؤلف: السيد حسين المدرسي

الفهرس

رسالة إلى الإمام..................1
المقدمة..................9
الفصل الأول: من هو المهدي؟..................11
المهدي من العترة الطاهرة..................13
المهدي من آل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)..................15
المهدي من ولد أمير المؤمنين (عليهما السلام)..................34
المهدي من ولد فاطمة الزهراء (عليهما السلام)..................41
المهدي من ولد الحسين (عليهما السلام)..................46
المهدي من ولد الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام)..................53
القائم من آل محمد (عليهم السلام)..................58
الحجة من آل محمد (عليهم السلام)..................63
المهدي في الآيات القرآنية..................73
أصحاب الإمام المهدي في القرآن..................77
المنتقم من الطغاة الجبارين..................80
الانتصارات الساحقة وحكومة الإسلام العالمية..................83
الابتلاء والفتن قبل الظهور..................86
النداء باسم القائم (عليه السلام)..................88
المهدي والتوسم..................89
الإصلاح قبل الخروج..................93
الفصل الثاني: الإمامة والولاية..................101
الولاية أولاً..................103
كيف نعرف الإمام (عليه السلام)..................123
الفرق بين المعجزة والسحر..................125
عظمة الإمام المهدي (عليه السلام)..................143
اخذ الميثاق من الأنبياء للمهدي المنتظر (عليه السلام)..................157
أنصار الإمام شخصيات عظيمة..................163
الفصل الثالث: أهمية الانتظار..................173
كيف ننتظر الفرج؟..................175
أفضل العبادة انتظار الفرج..................182
انتظار الفرج أفضل الجهاد وأفضل الأعمال..................183
المنتظر للقائم كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)..................183
للمنتظر اجر الصائم..................184
اجر من يقاتل ويستشهد مع القائم (عليه السلام)..................185
المنتظرون هم أفضل أهل كل زمان..................186
جدوا وانتظروا... وهنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة..................187
الفصل الرابع: الثورة أمر محتوم..................189
إرهاصات قيام الإمام (عليه السلام)..................191
الإمام المهدي والرايات السود..................227
يوم النهضة..................233
يوم النداء..................237
يوم الخروج القيامة الصغرى..................247
الفصل الخامس: الانطلاقة والانتصار..................263
من أين تنطلق نهضة الإمام؟..................265
كيف ينتصر الإمام؟..................275
كيف إذا ينتصر الإمام؟..................283
يوم الانتصار..................287
القيام بالسيف..................293
الفصل السادس: أهداف الثورة..................311
السعادة في ظل العدالة الشاملة..................313
الإمام والعودة إلى الأصالة..................327
الفصل السابع: أسئلة حائرة..................337
لماذا قلة الأنصار؟..................339
موقف الناس من الإمام (عليه السلام)..................347
الامتحان الإلهي في عصر الظهور..................353
هل بإمكان أحد أن يتملص من الامتحان الإلهي؟..................353

هدى من القرآن
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (النمل:62)
(وَلَقَدْ كتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكرِ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (القصص:5)
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكمْ خُلَفَاءَ الأرض أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكرُونَ) (الأنبياء:105)

(٥)

رسالة إلى الإمام
الله يا حامي الشريعه * * * أتقرّ وهي كذا مروعة
بك تستغيث وقلبها * * * لك عن جوي يشكو صدوعة
مات التصبر في انتظار * * * ك أيّها المحيي الشريعة
فانهض فما أبقي التحمل * * * غير أحشاء جزوعة
قد مزّقت ثوب الأسى * * * وشكت لواصلها القطيعة
فالسيف أن به شفا * * * ء قلوب شيعتك الوجيعة
كم ذا القعود ودينكم * * * هدمت قواعده الرّفيعة
تنعي الفروع أصوله * * * وأصوله تنعى فروعه
وأطلب به بدم القتيـ * * * ـيل بكربلا في خير شيعة

مختار من شعر السيد حيدر الحلي

(٧)

المقدمة
(بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكمْ) القرآن الكريم

الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وعد الله الأعظم؛ والله تعالى لا يخلف الميعاد.
الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) دعاء الأنبياء الأول؛ والله تعالى لا يبطل دعاء النبيين.
الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) رجاء الصالحين الأكبر؛ والله تعالى لا يخيب رجاء الصالحين
الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أمل المستضعفين الأخير؛ والله تعالى لا يرّد أمل الآملين.
إنه المخلِص، والمخلَص، والمخلّص. إنه المخلَص من الله، والمخلِص لله، والمخلِّص لعباد الله.
إنه بداية ونهاية.
بداية دولة الخير، ونهاية دولة الشر.
بداية سلطان الحق، ونهاية سلطة الباطل.
بداية حاكمية العدل، ونهاية حكومة الظلم.
بداية العودة إلى الله، ونهاية عبادة الطاغوت.
من هو الإمام المهدي؟
من أيّ قوم وقبيلة وطائفة؟
ما هي أوصافه؟

(٩)

ما هي علاماته الشخصية؟
كيف ينهض؟
من أين يبدأ نهضته؟
ما هي أشراطها؟
من هم أصحابه؟ وما هي أوصافهم؟
كيف سيتم له النصر؟
في أين يقيم دولته؟
هذه الأسئلة، وأمثالها يجيب عليها هذا الكتاب الذي بين يديك، مستنداً إلى كتاب الله تعالى والأحاديث والروايات التي وردت على لسان رسول الله وأهل بيته الطاهرين.
حقاً أنّ أمر الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لا يشبهه أي أمر آخر، فرسالته الكونية تطبيق لرسالات الأنبياء جميعاً، ونصره النهائي تطبيق لقول الباري (كتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) ونهضته تحقيق لوعد الباري: (أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ).
وهو - مِنّة- الباري الذي قال: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)
وهو دولة الحق التي وعدها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته بقولهم: (للباطل جولة، وللحق دولة) و (دولتنا في آخر الدهر).
إن الحديث عن الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) حديث يطول بطول دولته ويعظم بعظم نهضته، ومهم بأهمية رسالته.
فطوبى للمؤمنين به، المنتظرين لدولته، المتوسلين به.
وويل للمنكرين والغافلين الذين نسوا ما ذكروا به وكانوا من الخاسرين.
نرجو من الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب المؤمنين، ويعجل بدعائهم فرجه، إنه سميع مجيب.

الناشر

(١٠)

المهدي من العترة الطاهرة
الإمام المهدي المنتظر تلك الشخصية العظيمة المنقذة للبشرية من الهلاك وهاديها إلى سبيل الرشاد هل يمكن لأحد أن يتقمص شخصيته ويحتل مكانته بحيث يكون هو الإمام المهدي القائم بالحق والعدل، ذلك المصلح الرباني الذي طالما ظلت البشرية تنتظره ولا زالت؟! أم أن الإمام المهدي (عليه السلام) شخصية مصطفاة من ربّ العالمين، مذكور بالنسب، موصوف بالعلامات، منعوت بالصفات؟
في الحقيقة إن الإجابة على هذا السؤال ليس بأمر صعب لأنه يمكن لأي منصف باحث أن يعرف الجواب من خلال مراجعة ودراسة الروايات الكثيرة التي تناولت موضوع الإمام المهدي (عليه السلام) من مختلف الزوايا والجوانب المتعلقة بهذه الشخصية العظيمة الفريدة والتي بلغت بعضها إلى حدّ التواتر بل فاقت وفاضت على جميع عناوين الاعتماد عند علماء الحديث.
فالأحاديث الشريفة الواردة عن الرسول الأكرم وأهل البيت الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، تؤكد بشكل قاطع على أن الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، شخصية معينة، عظيمة في الصفات فريدة في المهام مصطفاة من قبل السماء وهو من

(١٣)

أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. فهو من نسل الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، من ولد فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ابن الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وابن الإمام الحسين والإمام السجاد والإمام الباقر والإمام الصادق والإمام الكاظم والإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي والإمام الحسن العسكري (عليهما السلام)، وهذا مما لا شك فيه ولا شبهة تعتريه.
فالإمام المهدي (عليه السلام) موصوف بالعلامات مذكور بالأوصاف والسمات في خلَقه وخُلقه حتى في أدق الملامح المرسومة في جسده، فهو مذخور عند الله لهذا المهام الإصلاحي العالمي، منصور بالرعب ومؤيد بملائكة الرحمن، فلا يمكن لأحد مهما بلغ من العظمة أن يرقي إلى مرتبته أو يحل في مكانه أو يتقمص شخصيته أو يشغل منصبه، أو يحقق مهامه أو يتحمل مسؤولياته.
وقد أجمع كبار علماء المسلمين من مختلف الطوائف والمذاهب على صحة الروايات التي تبين نسبه من رسول الله وأهل بيته الأطهار، حيث توضح أوصافه النبيلة وعلاماته المرسومة وهذه الروايات متواترة صحيحة المتن والسند، قوية الدلالة والبيان، وأي تشكيك في مثل هذه الأحاديث فهو من قبيل التشكيك في وجود الشمس في رابعة النهار، لا يلتفت لصاحبه ولا يُسمع لقائله.
والرسول الأكرم وأهل البيت (عليهما السلام) تحدثوا بالتفصيل عن شخصية الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وأوضحوا للناس خصائص هذه الشخصية الفذة، وأكدوا نسبها وأوصافها وصفاتها، ومهامها ودورها، وسيرتها وكل ما يتعلق بها من قريب أو بعيد، بالرمز والإشارة حيناً، وبالتصريح نصاً في معظم الأحيان، فلم يتركوا مجالاً للشك والطعن في حقيقة شخصية الإمام المهدي (عليه السلام)، وحتمية ظهوره، وفي نسبه وأوصافه، وأنه من الأئمة والأوصياء، وخليفة الله المذخور الذي يرث الأرض ويظهر

(١٤)

دين الله الحق ويقيم دولة العدل والقسط والهدى بإذن الله، ويطهر كل بقاع الأرض من الدنس والرجس ومن كل ظلم وجور وشرك.
والأحاديث الشريفة المتواترة تؤكد حقيقة مهمة للغاية ألا وهي أن المهدي (عجل الله فرجه الشريف) شخصية اصطفاها الله سبحانه من أهل بيت النبوة المطهرين، فهو قائم آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، من ذرية الرسول الأكرم، من ولد أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء (عليها السلام)، ومن ولد الإمام الحسين (عليه السلام)، ومن ولد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام). وقد اتفقت كلمة المسلمين من كبار العلماء ليس من طائفة الشيعة الإمامية الاثني عشرية فحسب، بل من كبار علماء أهل السنة أن هذا هو النسب الصحيح للمهدي (عليه السلام).
وفيما يلي نقدم باقة من الأحاديث الشريفة التي تؤكد على أن المهدي هو حقاً بقية الله المذخور للأمة الإسلامية وللعالم أجمع كما قال ربنا: (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكمْ إِن كنتُم مُؤْمِنِينَ) (هود:86)
المهدي من آل الرسول
1- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً. قال: ثم يخرج رجلٌ من عترتي أو من أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً-.

(١٥)

2- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي-
3- لا تنقضي الأيام ولا يذهب الدَّهر حتى يَمِلك العَرَبَ رجل من أهل بيتي، اسمه يُوَاطِئُ اسمي -.

(١٦)

4- لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً -.

(١٨)

5- لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي.

(١٩)

6- لا تقوم الساعة حتى يملك الناس رجلٌ من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فيملؤها قسطاً وعدلاً-.

(٢٠)

7- فلو لم يبق من الدنيا إلاّ يومٌ واحدٌ لطوّل الله ذلك اليومَ حتى يأتيهم رجلٌ من أهل بيتي، تكون الملائكة بينَ يديه ويظهرُ الإسلام -.
8- طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه، ويتولي أولياءه ويعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودتي، وأكرم أمتي عليّ يوم القيامة-..

(٢١)

9- لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي-.
10- لا تقوم الساعة حتى يملك رجلٌ من أهل بيتي، أجلي أقني، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت قبله ظلماً، يكون سبع سنين-.

(٢٢)

11- يقوم في آخر الزمان رجل من عترتي شاب حسن الوجه أجلي الجبين أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويملك كذا سبع سنين-.
12- إن المهدي من عترتي، من أهل بيتي يخرج في آخر الزمان، ينزل (الله) له من السماء قطرها، ويخرج له (من) الأرض بذرها، فيملأ الأرض عدلاً وقسطا، كما ملأها القوم ظلماً وجورا-.

(٢٣)

13- بل منا، بنا يختم الدين كما بنا فتح، وبنا يستنقذون من ضلالة الفتنة كما استنقذوا من ضلالة الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم في الدين بعد عداوة الفتنة، كما ألف الله بين قلوبهم ودينهم بعد عداوة الشرك-.

(٢٤)

14- المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة-

(٢٥)

15- هو من عترتي-
16- هو من عترة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) -
17- تملأ الأرض ظلماً وجوراً، ثم يخرج رجل من عترتي، يملك سبعاً أو تسعا، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً-.

(٢٦)

18- ليبعثن الله تعالى من عترتي رجلاً، أفرق الثنايا، أجلي الجبهة، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويفيض المال فيضاً-.
19- هو رجل من عترتي يقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي-.

(٢٧)

20- المهدي مولده بالمدينة، من أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، اسمه اسم أبي، ومهاجره بيت المقدس، كث اللحية، أكحل العينين، برَّاق الثنايا، في وجهه خال، أقني أجلي، في كتفه علامة النبي، يخرج، براية النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) من مرط مخملة سوداء، مربعة فيها حجر لم تنشر منذ توفي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولا تنشر حتى يخرج المهدي، يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة يضربون وجوه من خالفهم وأدبارهم، يبعث وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين-.
21- يا علي إني مزوجك فاطمة ابنتي سيدة نساء العالمين، وأحبهن إلى بعدك، وكائن منكما سيدا شباب أهل الجنة، والشهداء المضرجون المقهورون في الأرض من بعدي، والنجباء الزهر الذين يطفئ الله بهم الظلم، ويحيي بهم الحق، ويميت بهم الباطل، عدتهم عدة أشهر السنة، أخرهم يصلي عيسى بن مريم (عليه السلام) خلفه-.

(٢٨)

22- المهدي من ولدي، تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهم السلام)، فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً -.
23- والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي، بعهد معهود إليه مني، حتى يقول أكثر الناس: ما لله في آل محمد حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً بشكه فيزيله عن ملتي، ويخرجه من ديني، فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل، وإن الله (عز وجل) جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون-.
24- أتي يهودي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فقام بين يديه يحد النظر إليه فقال: يا يهودي ما حاجتك؟ قال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله وأنزل عليه التوراة والعصا، وفلق له البحر، وأظله بالغمام؟ فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه، ولكني أقول إن آدم (عليه السلام) لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي، فغفر الله له. وإن نوحاً لما ركب في

(٢٩)

السفينة وخاف الغرق قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق، فنجاه الله عنه. وإن إبراهيم عليه (عليه السلام) لما ألقي في النار قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً. وإن موسى (عليه السلام) لما ألقي عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني، فقال الله جل جلاله: لا تخف إنك أنت الأعلي. يا يهودي إن موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئاً، ولا نفعته النبوة. يا يهودي، ومن ذريتي المهدي، إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته فقدمه ويصلي خلفه-.
25- القائم من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنته سنتي، يقيم الناس على ملتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب ربه (عز وجل)، من أطاعه فقد

(٣٠)

أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني، ومن كذَّبه فقد كذَّبني، ومن صدقه فقد صدَّقني، إلى الله أشكو المكذبين لي في أمره، والجاحدين لقولي في شأنه، والمضلين لأمتي عن طريقته، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون-
26- يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه كاسمي، وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً -.
27- فيلتفت المهدي وقد نزل عيسى (عليه السلام) كأنما يقطر من شعره الماء فيقول المهدي: تقدم صل بالناس. فيقول عيسى: إنما أقيمت الصلاة لك. فيصلي عيسى خلف رجل من ولدي فإذا صليت قام عيسى حتى جلس في المقام فيبايعه، فيمكث أربعين سنة.

(٣١)

28- لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوَّل الله (عز وجل) ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي، فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً-.

(٣٢)

29- لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوَّل الله (عز وجل) ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي. فقام سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال: يا رسول الله من أي ولدك؟ قال من ولدي هذا، وضرب بيده على الحسين-.
هذه تأكيدات من الرسول الأكرم حول الإمام المهدي أنه من ولده ولكن من نسل وذرية من؟!
هذا ما نبيّنه فيما يلي:

(٣٣)

المهدي من ولد أمير المؤمنين (عليهما السلام)
1- عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: - إن علي بن أبي طالب إمام أمتي، وخليفتي عليها من بعدي، ومن ولده القائم المنتظر، الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً. والذي بعثني بالحق بشيراً إن الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر. فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة؟ قال: إي وربي، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين. يا جابر إن هذا الأمر (أمر) من أمر الله، وسرٌّ من سر الله، مطوي عن عباد الله فإياك والشك فيه، فإن الشك في أمر الله (عز وجل) كفر-
2- عنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يا علي، لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من عترتك، يقال له المهدي، يهدي إلى الله (عز وجل) ويهتدي به العرب، كما هديت أنت الكفار والمشركين من الضلالة. ثم قال: ومكتوب على راحتيه بايعوه فإن البيعة لله (عز وجل)-.

(٣٤)

3-... ومن نسل علي القائم المهدي الذي يبدل الأرض غير الأرض وبه يحتج عيسى بن مريم على نصارى الروم والصين. إن القائم المهدي من نسل علي أشبه الناس بعيسى بن مريم خلقاً وخلقاً وسمتاً وهيبة، يعطيه الله (عز وجل) ما أعطي الأنبياء ويزيده ويفضله. إن القائم من ولد علي (عليه السلام) له غيبة كغيبة يوسف، ورجعة كرجعة عيسى بن مريم، ثم يظهر بعد غيبته مع طلوع النجم الأحمر، وخراب الزوراء وهي الري، وخسف المزورة وهي بغداد، وخروج السفياني، وحرب ولد العباس مع فتيان أرمينية وآذربيجان، تلك حرب يقتل فيها ألوف وألوف، كل يقبض على سيف مجلي تخفق عليه رايات سود، تلك حرب يشوبها الموت الأحمر والطاعون الأغبر-.
4- يا علي الأئمة الراشدون المهتدون المعصومون من ولدك أحد عشر إماماً، وأنت أولهم، وأخرهم اسمه اسمي، يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يأتيه الرجل والمال كدس، فيقول يا مهدي أعطني، فيقول: خذ-.

(٣٥)

5- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): -... ومن ولدي مهدي هذه الأمة-
6- وعنه أيضاً (عليه السلام): - الحادي عشر من ولدي، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً-.

(٣٦)

7- وعنه أيضاً (عليه السلام): - يا بني، إني ميت من ليلتي هذه، فإذا أنا مت فغسلني وكفني وحنطني بحنوط جدك، وضعني على سريري، ولا يقربن أحد منكم مقدم السرير، فإنكم تكفونه، فإذا المقدم ذهب فاذهبوا حيث ذهب، فإذا وضع المقدم فضعوا المؤخر، ثم تقدم أي بني فصل علي وكبر سبعاً، فإنها لن تحل لأحد من بعدي إلاّ لرجل من ولدي يخرج في آخر الزمان يقيم اعوجاج الحق، فإذا صليت فخط حول سريري، ثم احفر لي قبراً في موضعه إلى منتهي كذا وكذا، ثم شق لحداً فإنك تقع على ساجة منقورة، ادخرها لي أبي نوح، وضعني في الساجة، ثم ضع على سبع لبنات كبار ثم ارقب هنيهة ثم انظر فإنك لن تراني في لحدي-.
8- عنه أيضاً (عليه السلام): - إن الله حين شاء تقدير الخليقة وذرء البرية وإبداع المبدعات نصب الخلق في صور كالهباء قبل دحو الأرض ورفع السماء، وهو في انفراد ملكوته وتوحد جبروته فأتاح (فأساح) نوراً من نوره فلمع، و(نزع) قبساً من ضيائه فسطع، ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفية فوافق ذلك صورة نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فقال الله عز من قائل: أنت المختار المنتخب، وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي، من أجلك أسطح البطحاء، وأمرج الماء، وأرفع السماء، وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار، وأنصب أهل بيتك للهداية، وأوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل عليهم دقيق ولا يعييهم خفي، وأجعلهم على بريتي، والمنبهين على قدرتي ووحدانيتي، ثم أخذ الله الشهادة عليهم بالربوبية والإخلاص بالوحدانية فبعد أخذ ما أخذ من ذلك شاب ببصائر الخلق

(٣٧)

انتخاب محمد وآله (فقبل أخذ ما أخذ جل شأنه ببصائر الخلق انتخب محمداً وآله) وأراهم أن الهداية معه والنور له والإمامة في آله، تقديماً لسنة العدل، وليكون الإعذار متقدماً، ثم أخفي الله الخليقة في غيبه، وغيبها في مكنون علمه، ثم نصب العوامل وبسط الزمان، ومرج الماء، وأثار الزبد، وأهاج الدخان، فطفا عرشه على الماء، فسطح الأرض على ظهر الماء (وأخرج من الماء دخاناً فجعله السماء) ثم استجلبهما إلى الطاعة فأذعنتا بالاستجابة، ثم أنشأ الله الملائكة من أنوار أبدعها، وأرواح اخترعها، وقرن بتوحيده نبوة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض، فلما خلق آدم أبان فضله للملائكة، وأراهم ما خصه به من سابق العلم من حيث عرَّفه عند استنبائه إياه أسماء الأشياء، فجعل الله آدم محراباً وكعبة وبابا وقبلة أسجد إليها الأبرار والروحانيين الأنوار، ثم نبه آدم على مستودعه، وكشف له (عن) خطر ما ائتمنه عليه، بعد ما سماه إماماً عند الملائكة، فكان حظ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا، ولم يزل الله تعالى يخبئ النور تحت الزمان إلى أن فضل محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) في ظاهر الفترات، فدعا الناس ظاهراً وباطناً، وندبهم سراً وإعلاناً، واستدعي (عليه السلام) التنبيه على العهد الذي قدمه إلى الذر قبل النسل، فمن وافقه وقبس من مصباح النور المقدم اهتدي إلى سره، واستبان واضح أمره، ومن ألبسته الغفلة استحق السخط، ثم انتقل النور إلى غرائزنا، ولمع في أئمتنا، فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض، فبنا النجاة، ومنا مكنون العلم، وإلينا مصير الأمور، وبمهدينا تنقطع الحجج، خاتمة الأئمة، ومنقذ الأمة، وغاية النور، ومصدر الأمور، فنحن أفضل المخلوقين، وأشرف الموحدين، وحجج رب العالمين، فليهنأ بالنعمة من تمسك بولايتنا، وقبض على عروتنا-.

(٣٨)

9- عن الأصبغ بن نباته قال دخلت إلى أمير المؤمنين فوجدته متفكراً ينكث في الأرض فقلت: يا أمير المؤمنين مالي أراك متفكراً تنكث في الأرض أرغبة منك فيها؟ فقال: - لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون-. فقلت: يا أمير المؤمنين وكم تكون الحيرة والغيبة؟ قال: - ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين-. فقلت: وإن هذا لكائن؟ فقال: - نعم كما أنه مخلوق، وأني لك بهذا الأمر يا أصبغ، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة-. فقلت: ثم ما يكون بعد ذلك؟ فقال: - ثم يفعل الله ما يشاء، فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات-

(٣٩)

10- أما والله، لأقتلن أنا وابناي هذان، وليبعثن الله رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليغيبن عنهم تمييزاً لأهل الضلالة حتى يقول الجاهل: ما لله في آل محمد من حاجة-.

(٤٠)

11- صاحب هذا الأمر من ولدي هو الذي يقال مات أو هلك، لا بل في أي واد سلك.
المهدي من ولد فاطمة الزهراء
1- خرج النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وهو مستبشر يضحك سروراً، فقال له الناس: أضحك الله سنك يا رسول الله وزادك سروراً. فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنه ليس من يوم ولا ليلة إلاّ ولي فيهما تحفة من الله، ألا وإن ربي أتحفني في يومي هذا بتحفة لم يتحفني بمثلها فيما مضي، إن جبرئيل أتاني فأقراني من ربي السلام وقال: يا محمد إن الله (عز وجل) اختار من بني هاشم سبعة، لم يخلق مثلهم فيمن مضي ولا يخلق مثلهم فيمن بقي، أنت يا رسول الله سيد النبيين، وعلي بن أبي طالب وصيك سيد الوصيين، والحسن والحسين سبطاك سيدا الأسباط، وحمزة عمك سيد الشهداء، وجعفر بن عمك الطيار في الجنة يطير مع الملائكة حيث يشاء، ومنكم القائم يُصلي

(٤١)

عيسى بن مريم خلفه إذا أهبطه الله إلى الأرض، من ذرية علي وفاطمة، من ولد الحسين-.
2- إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين قبلنا، ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عمك، ومن له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو جعفر بن أبي طالب ابن عمك، ومنا سبطا هذه الأمة، ومهديهم ولدك-.
3- المهدي حق وهو من ولد فاطمة-.

(٤٢)

4- قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام):- المهدي من ولدك-.

(٤٣)

5- المهدي حق هو؟ قال حق. قال قلت: ممن هو؟ قال من قريش. قلت: من أي قريش؟ قال: من بني هاشم. قلت: من أي بني هاشم؟ قال: من بني عبد المطلب. قلت: من أي عبد المطلب؟ قال: من ولد فاطمة-

(٤٤)

6- المهدي رجل منا، من ولد فاطمة رضي الله عنها-.
7- أخبرني علي بن الحسين أن هذا المهدي من ولد فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) -.

(٤٥)

8- والأئمة عدد نقباء بني إسرائيل، ومنا مهدي هذه الأمة-.
9- والله إنه لعهد عهده إلينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد علي وفاطمة (عليها السلام)، ما منا إلاّ مسموم أو مقتول-.
المهدي من ولد الحسين
1- قال علي (عليه السلام) وقد نظر إلى ابنه الحسين (عليه السلام) - إن ابني هذا سيد، كما سماه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) سيداً، وسيخرج الله من صلبه رجلاً باسم نبيكم، يشبهه في الخلق والخلق يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة للحق وإظهار للجور، والله لو لم يخرج

(٤٦)

لضربت عنقه، يفرح بخروجه أهل السماوات وسكانها، وهو رجل أجلي الجبين، أقني الأنف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، بفخذه اليمني شامة، أفلج الثنايا، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً-.

(٤٧)

2- سُئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معني قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إني مخلف فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي. من العترة؟ فقال (عليه السلام): أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حوضه-.
3- الأئمة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) اثنا عشر، تسعة من صلب أخي الحسين، ومنهم مهدي هذه الأمة-.

(٤٨)

4- قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة وهو الذي يقسم ميراثه وهو حي-.
5- في التاسع من ولدي سنة من يوسف وسنة من موسى بن عمران، وهو قائمنا أهل البيت، يصلح الله تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة-
6- إن الله (عز وجل) اختار من كل شيء شيئاً اختار من الأرض مكة، واختار من مكة المسجد، واختار من المسجد الموضع الذي فيه الكعبة، واختار من الأنعام إناثها ومن الغنم الضَّأن واختار من الأيَّام يوم الجمعة، واختار من الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختار من الناس بني هاشم، واختارني وعليّاً من بني هاشم، واختار مني ومن علي الحسن والحسين ويكمله (وتكملة) اثني عشر إماماً

(٤٩)

من ولد الحسين تاسعهم باطنهم وهو ظاهرهم وهو أفضلهم وهو قائمهم ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين-

(٥٠)

7- منا اثنا عشر مهدياً، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق على الدين كله، ولو كره المشركون، له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون، فيؤذون ويقال لهم: (وَيَقُولُونَ متى هَذَا الْوَعْدُ إِن كنتُمْ صَادِقِينَ). أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) -.
8- التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق، المظهر للدين، والباسط للعدل. قال الحسين: فقلت له: يا أمير المؤمنين؛ وإن ذلك لكائن؟ فقال (عليه السلام): إي والذي بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة، واصطفاه على جميع البرية، ولكن بعد غيبة وحيرة، فلا يثبت فيها على دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين الذين أخذ الله (عز وجل) ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه-.

(٥١)

9- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - كذبوا والله، أو لم يسمعوا الله تعالى ذكره يقول:
(وَجَعَلَهَا كلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) (الزخرف:28)، فهل جعلها إلاّ في عقب الحسين؟ ثم قال: يا جابر إن الأئمة هم الذين نص رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) (عليهم) بالإمامة، وهم الأئمة الذين قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): لما أسري بي إلى السماء وجدت أساميهم مكتوبة على ساق العرش بالنور، اثنا عشر اسماً منهم علي وسبطاه، وعلي ومحمد وجعفر وموسي وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة القائم فهذه الأئمة من أهل بيت الصفوة والطهارة والله ما يدّعيه أحد غيرنا إلاّ حشره الله تعالى مع إبليس وجنوده ثم تنفس (عليه السلام) وقال: لا رعي الله هذه الأمة فإنها لم ترع حق نبيها، أما والله لو تركوا الحق على أهله، لما اختلف في الله تعالى اثنان.... إلى أن قال: يا جابر مثل الإمام مثل الكعبة إذ يؤتى ولا يأتي-.

(٥٢)

المهدي من ولد الإمام الحسن العسكري
1-... نعم إنه لعهد عهده إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن الأمر يملكه اثنا عشر إماماً تسعة من صلب الحسين ولقد قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): لما عرج بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش فإذا مكتوب عليه: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته بعلي ورأيت اثني عشر نوراً فقلت: يا رب أنوار من هذه؟ فنوديت يا محمد هذه الأنوار الأئمة من ذريتك. قلت: يا رسول الله أفلا تسميهم لي؟ قال: نعم أنت الإمام والخليفة بعدي تقضي ديني وتنجز عداتي، وبعدك ابناك الحسن والحسين وبعد الحسين ابنه علي زين العابدين وبعد علي ابنه محمد يدعي الباقر، وبعد محمد ابنه جعفر يدعي بالصادق، وبعد جعفر موسى يدعي بالكاظم، وبعد موسى ابنه علي يدعى بالرضا، وبعد علي ابنه محمد يدعي بالزكي، وبعد محمد ابنه علي يدعى بالنقي، وبعده ابنه الحسن يدعي بالأمين، والقائم من ولد الحسن سميي وأشبه الناس بي، يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً-.

(٥٣)

2- قال الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام): - من أقر بجميع الأئمة وجحد المهدي كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء وجحد محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) نبوته. فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن المهدي من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته-.
3- قال الإمام الحسين (عليه السلام): - يظهر الله قائمنا فينتقم من الظالمين. فقيل له: يا بن رسول الله من قائمكم؟ قال: السابع من ولد ابني محمد بن علي، وهو الحجة بن

(٥٤)

الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابني، وهو الذي يغيب مدة طويلة ثم يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلما-
4- يا مفضل: الإمام من بعدي ابني موسى، والخلف المأمول المنتظر ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى-.
5- في جواب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأسئلة جندب اليهودي قال صلي الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): أما ما ليس لله فليس لله شريك، وأما ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، وأما ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود - إنه عزير ابن الله- والله لا يعلم له ولداً. فقال جندب: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنك رسول الله حقاً.
ثم قال: يا رسول الله إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران (عليه السلام) فقال لي: يا جندب أسلم على يد محمد واستمسك بالأوصياء من بعده، فقد أسلمت فرزقني الله ذلك، فأخبرني بالأوصياء بعدك لأتمسك بهم. فقال: يا جندب أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل. فقال: يا رسول الله إنهم كانوا اثني عشر، هكذا وجدنا في التوراة. قال: نعم، الأئمة من بعدي اثنا عشر. فقال: يا رسول الله كلهم في زمن واحد؟ قال: لا ولكنهم خلفٌ بعد خلفٍ، فإنك لا تدرك منهم إلاّ ثلاثة.

(٥٥)

قال: فسمهم لي يا رسول الله. قال: نعم إنَّك تُدرِك سيِّدَ الأوصياء ووارثَ الأنبياء وأبا الأئمة علي بن أبي طالب بعدي، ثم ابنه الحسن، ثم الحسين، فاستمسك بهم من بعدي ولا يغُرنك جهل الجاهلين.
فإذا كانت وقت ولادة ابنه علي بن الحسين سيد العابدين يقضي الله عليه (عليك) ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه. فقال: يا رسول الله هكذا وجدت في التوراة اليانقطة؟ شبراً وشبيراً فلم أعرف أساميهم، فكم بعد الحسين من الأوصياء وما أساميهم؟ فقال: تسعة من صلب الحسين والمهدي منهم، فإذا انقضت مدة الحسين قام بالأمر بعده ابنه علي ويلقب بزين العابدين، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه ويدعي بالباقر، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده ابنه جعفر يدعي بالصادق، فإذا انقضت مدة جعفر قام بالأمر بعده ابنه موسى يدعي بالكاظم، ثم إذا انتهت مدة موسى قام بالأمر بعده ابنه علي يدعي بالرضا، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه يدعي بالزكي، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده علي ابنه يدعي بالنقي، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده الحسن ابنه يدعي بالأمين، ثم يغيب عنهم إمامهم. قال: يا رسول الله هو الحسن يغيب عنهم، قال: لا ولكن ابنه الحجة.
قال يا رسول الله فما اسمه؟ قال: لا يسمي حتى يظهره الله.
قال جندب: يا رسول الله قد وجدنا ذكرهم في التوراة، وقد بشرنا موسى بن عمران بك وبالأوصياء بعدك من ذريتك.
ثم تلا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الاَرْضِ كمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَي لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) (النور:55). فقال جندب: يا رسول الله

(٥٦)

فما خوفهم؟ قال: يا جندب في زمن كل واحد منهم سلطان يعتريه ويؤذيه، فإذا عجل الله خروج قائمنا يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
ثم قال (عليه السلام): طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمتقين على محجتهم، أولئك وصفهم الله في كتابه وقال: (الَّذِينَ ُيؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ) (البقرة:3)، وقال: (أُوْلَئِك حِزْبُ اللَّهِ اَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادِلةِ:22).
6- وفي معرض بيان أسماء الأئمة الأطهار قال الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم): - هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين (من) بعدي أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن والحسين،
ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان. قال جابر: فقلت له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال (عليه السلام): إي والذي

(٥٧)

بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب،. يا جابر هذا من مكنون سر الله ومخزون علمه، فأكتمه إلاّ عن أهله-.
القائم من آل محمد
1- لقائم آل محمد غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى؟ فقال: نعم ولا يكون ذلك حتى يختلف سيف بني فلان، وتضيق الحلقة، ويظهر السفياني، ويشتد البلاء، ويشمل الناس موتٌ وقتل يلجأون فيه إلى حرم الله وحرم رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) -.

(٥٨)

2- يقول الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - لمّا عُرج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهي ومن السدرة إلى حجب النور، ناداني ربي جل جلاله: يا محمد أنت عبدي وأنا ربك فلي فاخضع، وإياي فاعبد، وعلي فتوكل، وبي فثق، فإني قد رضيت بك عبداً وحبيباً ورسولاً ونبياً، وبأخيك علي خليفة وباباً، فهو حجتي على عبادي وإمام لخلقي، به يعرف أوليائي من أعدائي، وبه يميز حزب الشيطان من حزبي، وبه يقام ديني وتحفظ حدودي وتنفذ أحكامي، وبك وبه وبالأئمة من ولده أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي، وبه أطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلي وكلمتي العليا، وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي، وله (به) أظهر الكنوز والذخائر بمشيتي، وإياه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري وإعلان ديني. ذلك وليي حقاً ومهدي عبادي صدقاً-.

(٥٩)

إنّ ما سلف من الأحاديث الشريفة ما هو إلاّ جزء قليل من كم هائل من الأحاديث المروية عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأهل بيته الأطهار، وهي تؤكد بلا لبس أو غموض أن الإمام المهدي  (عجل الله فرجه الشريف) هو من ذرية الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)، من أهل بيته الطاهر وعترته المكرّمة، وأنه من نسل أمير المؤمنين، ومن ولد فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ومن ولد الإمام الحسين، ومن ولد الإمام العسكري (عليه السلام). وسليل الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين. وأنه (عجل الله فرجه الشريف) مُنصّب ومختار من الله سبحانه ومذخور لهذا الأمر العظيم، وأن هذا الاصطفاء والاختيار كان من قبل خلق هذه الدنيا وهذا الخلق في هذا العالم، بل وقد أخذ الله تعالى الميثاق على الأنبياء بالمهدي (عليه السلام) في عالم الذر، قبل أن يبعثهم في هذه الدنيا.
ولكن هل أن هذا التعريف الواضح والقاطع لنسب ولشخصية الإمام (عجل الله فرجه)، سيكون دليلاً مقنعاً للجميع حتى يقبلوا منه ويؤمنوا به عند ظهوره؟
والجواب: إن هناك أحاديث شريفة عن أهل البيت (عليهما السلام) - وسوف نشير لبعضها في مباحث أخري من الكتاب - تبين أن هناك من يرفض الإذعان له (عجل الله فرجه)، فيخرجون عليه، وبعضهم يقول له: ارجع لا حاجة لنا بك، أو لا حاجة لنا في آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وبعضهم يقول: لو كان هذا من آل محمد لرحمنا، ولو كان من ولد فاطمة لرحمنا... وذلك لما يرونه من سيرته بالعدل والحق وشدته على أعدائه وأعداء الله من الظالمين والمشركين. ليس هذا فحسب، بل إن البعض ينكر ويشكك في نسب الإمام المهدي (عليه السلام) بكل صراحة ووقاحة إذ يقول له لسنا نعرفك، ولست من ولد فاطمة (عليها السلام).
إن هذه الأحاديث الدالة على نسب ومكانة الإمام الحجة (عجل الله فرجه) على الرغم من كثرتها وتواترها إلاّ أنه يجحده الجاحدون، وينكره المنكرون ويخرجون على الإمام وبذلك سيكون عقابهم شديداً على يد الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وأصحابه الكرام، وسيكون أشد وأقسي عند الله سبحانه يوم القيامة، فإنكارهم للإمام المهدي (عليه السلام) هو في الحقيقة إنكار لجميع الأئمة الطاهرين وللرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم).

(٦٠)

جاء في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): - من أقر بجميع الأئمة وجحد المهدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) نبوته. فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن المهدي من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته-.
إن هذه الأحاديث المتواترة لا تدع لأحد أدني مجال لأن يشك أو يرتاب في شخصية الإمام المهدي (عليه السلام) أنه رجل مصطفي، من قبل الله (عز وجل) وأنه من أهل بيت الرسول الأكرم وأن شخصيته فريدة أختارها الله (عز وجل) لإصلاح العالم ولا يستطيع أحد أن يرقي إلى علو مرتبته وعظيم درجته وتحقيق مهامه. لما خصه الله بالأصطفاء والكرامة والعلم والمعرفة فهل يحسدونه على ما آتاه الله؟!
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكتَابَ وَالْحِكمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكا عَظِيمًا).

(٦١)

الحجة من آل محمد
من هو الحجة من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ وما هو اسمه المبارك؟ ولماذا حدث الاختلاف بين المسلمين في تحديد اسمه الشريف؟ وكيف نعرف الحقيقة؟
مثل هذه الأسئلة تحوم عادة حول كل شخصية تاريخية بارزة، حيث يقع الاختلاف في ولادتها واسمها وشخصيتها. خصوصاً إذا كان هناك تعمد واضح في إخفاء اسمه وشخصيته العظيمة حفاظاً على حياته ووجوده من كيد الأعداء، بالإضافة إلى وجود اختلاف كبير وتضارب شديد في الأحاديث التي تطرقت إلى اسم الإمام (عليه السلام).
في الحقيقة إذا تصفحنا الكتب الروائية التي تحدثت عن الاسم نجدها قد انقسمت على نفسها مما سبب الاختلاف الكبير بين المسلمين في تحديد اسمه المبارك هل هو محمد بن الحسن العسكري، أم هو أحمد بن عبد الله، أم له اسم آخر يختلف عما هو شائع بين المسلمين؟! هذه الأسئلة تطرح نفسها بقوة على بساط البحث، حيث استدل كل فريق بأدلته الروائية وقدّم كل طائفة أدلتها الخاصة والمعتبرة عندها. وهذا الاختلاف أمر طبيعي لأنه يحدث لكل شخصية عظيمة تاريخية من اختلاف بين الناس في ولادتها ونشأتها وفي سيرتها وحياتها،

(٦٣)

من هنا وقع هذا الاختلاف في اسم الإمام (عليه السلام). ولكن السؤال، هل الحقيقة تنحصر في الشخصية العظيمة بما تحمل من اسم؟ّ أم تتحدد وفق معالمها الروحية وطهارتها النفسية، وعظمتها الفكرية وبمبادئها السامية وجهادها ونضالها المستميت، وأهم من ذلك كله الاصطفاء الرباني الذي يصطفيها ويختارها؟؟
لذا فنحن لا نستطيع أن نعطي أهمية كبيرة للاسم وحده بقدر اهتمامنا بعظمة الشخصية الربانية المصطفاة التي تم تحديد معالمها من قبل الرسول الأكرم وأهل بيته الأطهار، والاختلاف الذي حدث بين المسلمين حول الاسم يعتبر اختلافاً لفظياً يجب أن لا يمس جوهر الحقيقة ولا يكون الاسم المعتقد به عند كل طائفة حاجزاً أمام الإيمان بالشخصية الحقيقية الربانية التي تظهر وتبرز عند الاذن الإلهي له بالخروج وإن كان حاملاً لاسم غير شائع عند الناس مادام عنده الكرامات والمعاجز الإلهية ونترك هذا الاختلاف ليحكم فيه الواقع الخارجي حين قيام الإمام المهدي (عليه السلام) الذي بشر به الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الأطهار (عليهما السلام) وعلى ضوء هذه الرؤية نستعرض عدداً من الأحاديث والروايات المختلفة التي تتحدث عن الاسم المبارك للإمام، وهي كالتالي:
1- عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم): - المهدي من ولدي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً تكون له غيبة وحيرة يضل فيها الأمم يقبل كالشهاب الثاقب يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً-.
2- عن العلاء بن عقبة عن الحسن، إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذكر بلاء يلقاه أهل بيته حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء، من نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله، حتى يأتوا رجلاً اسمه كاسمي فيولوه أمرهم فيؤيده الله وينصره.

(٦٤)

3- يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً-.
4- عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): - لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي-.
5- عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) - لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فيملأها قسطاً وعدلاً-.
6- عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) - يخرج رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي وخلقه خلقي فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً-.
7- عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): - لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي-.
8- عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): - المهدي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي-.

(٦٥)

9- عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: المهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف مولده بالمدينة من أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) واسمه اسم نبي مهاجره بيت المقدس كث اللحية اكحل العين براق الثنايا في وجهه خال في كتفه علامة النبي يخرج براية النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولا تنشر حتى يخرج الإمام المهدي (عليه السلام) يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة يضربون وجوه من خالفهم وأدبارهم يبعث وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين....
10- عن أبي الجارود عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) أنه قال: إن الشريد الطريد الفريد الوحيد المفرد من أهله، الموتور بوالده، المكني بعمه، هو صاحب الرايات، واسمه اسم نبي.
11- الحديث المروي في (دلائل الإمامة) بسند ينتهي إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال: - رأيت ليلة أسري بي إلى السماء قصوراً من ياقوت أحمر...، لشيعة أخيك علي (عليه السلام)...، ولشيعة ابنه الحسن (عليه السلام) من بعده...، لشيعة ابنه الحسن بن علي من بعده، ولشيعة ابنه محمد المهدي من بعده...- الحديث.
12- وفي حديث بسند ينتهي إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: -... فرفعت رأسي وإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين و... و(م ح م د) بن الحسن القائم في وسطهم...- الحديث.
وقد جاء في كتاب تذكرة الأمة في بيان أو لاد أبي محمد الحسن العسكري قال: منهم محمد الإمام هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن

(٦٦)

محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم وهو الخلف الحجة صاحب الزمان القائم والمنتظر والتالي وهو آخر الأئمة. انتهى.
13- ما روي عن الإمام علي (عليه السلام) في حديث مناشدته الناس على المنبر وفيه: فقال الإمام (عليه السلام): - أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قام خطيباً - ولم يخطب بعدها- وقال: يا أيها الناس...، قام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال: يا رسول الله، أكل أهل بيتك؟ فقال لا ولكن أوصيائي، أخي منهم، ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي وأحد عشر من ولده، هذا أولهم وخيرهم ثم ابناي هذان - وأشار بيده إلى الحسن والحسين – ثم وصي...، ثم الحسن بن علي، ثم محمد بن الحسن مهدي الأمة، اسمه كاسمي..-.
14- روي من طريق البزار عن الطبراني عن قرة المزني أنه قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): - لتملأن الأرض ظلماً وجوراً كما ملئت قسطاً وعدلاً حتى يبعث الله رجلاً مني اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فيملؤها قسطاً وعدلاً...-.
15- عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، في حديث ذكر فيه قضية السفياني وما يفعله من الفجور والقتل، قال: - فعند ذلك ينادي من السماء مناد: يا أيها الناس أن

(٦٧)

الله (عز وجل) قطع عنكم مدة الجبارين والمنافقين وأشياعهم وأتباعهم، وولاكم خير أمة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فألحقوه بمكة فإنه المهدي واسمه أحمد بن عبد الله... -. الحديث.
16- لا تنقضي الأيام ولا يذهب الدهر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، اسمه يواطئ اسمي-.
17- حدثنا سفيان بن عيينة عاصم عن زر عن عبد الله عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: - لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي-.
18- عن زر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يخرج رجل من أمتي يواطي اسمه اسمي وخلقه خلقي، فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً-
19- عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت وجوراً.

(٦٨)

20- حدثنا عبد الجبار بن علاء العطار، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: - يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي-.
21- روي الشيخ الصدوق بسنده عن الحسن بن المنذر عن حمزة ابن أبي الفتح قال: جاءني يوماً فقال لي: البشارة! ولد البارحة لأبي محمدً (عليه السلام) وأمر بكتمانه، وأمر أن يعق عنه ثلاثمائة شاة.
قلت: وما اسمه؟
قال: سمي بمحمد، وكني بجعفر.
22- عن تميم الداري قال: قلت: يا رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) ما رأيت للروم مدينة مثل مدينة يقال لها: انطاكية، وما رأيت أكثر مطراً منها. فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): نعم وذلك أن فيها التوراة وعصى موسى ورضراض الألواح ومائدة سليمان في غار... (إلى أن قال): ولا تذهب الأيام ولا الليالي حتى يسكنها رجل من عترتي، اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يشبه خلقه خلقي، وخلقه خلقي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
23- عن عبد الله بن مسعود عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً-.
24- قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): - لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي-.

(٦٩)

25- عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: لا تذهب الدنيا أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.
هذا بعض ما ورد حول اسم الإمام المهدي (عليه السلام)، حيث نلاحظ أن بعضها ذكرت الاسم صريحاً بينما امتنعت عن ذكره البعض الآخر واستخدمت كاف التشبيه مرة وكلمة المواطأة مرة أخري واسم أبيه، بيد أن هناك طائفة من الروايات تتحدث بخلاف ذلك حيث ورد عن أهل البيت (عليهما السلام) التأكيد على إخفاء الاسم المبارك، وعدم جواز التصريح باسم الإمام القائم (عليه السلام) والاكتفاء بذكر الألقاب والصفات وأحاديث أهل البيت الأطهار بهذا الخصوص كثيرة نذكر بعضاً منها كالتالي:
26- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه إلا كافر-.
27- وعن الإمام الباقر (عليه السلام): وقد سأله أبو خالد الكابلي عن اسم الإمام المهدي (عليه السلام) فقال الإمام الباقر (عليه السلام): - سألتني والله عن سؤال مجهد ولقد سألتني عن أمر ما كنت محدثاً به أحداً، ولو كنت محدثاً به أحداً لحدثتك، ولقد سألتني عن أمر لو أن بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة-.
28- وعن الإمام الهادي (عليه السلام) قال: الخلف من بعدي الحسن، فكيف بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ قال: إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه. فقلت: كيف نذكره؟ فقال: قولوا الحجة من آل محمد (عليهما السلام).
29- حدثنا أبي ومحمد بن الحسن قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد عيسى بن عبيد، عن إسماعيل بن إبان، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: - سأل عمر أمير المؤمنين (عليه السلام) عن المهدي فقال: يا ابن أبي طالب أخبرني عن المهدي ما اسمه؟ قال: أما اسمه فلا، إن حبيبي وخليلي عهد

(٧٠)

إلى أن لا أحدث باسمه حتى يبعثه الله (عز وجل)، وهو مما استودع الله (عز وجل) رسوله في علمه-.
هذا التعبير من المولي أمير المؤمنين أبيةٌ عن التخصيص ولا يمكن للرواية النافلة للأسم أن تفتح لنفسها مجالاً من باب انتهاء زمان النقية لأن عبارة الإمام قوية وصريحة على أن الأسم لا يمكن التصريح به إلى زمان خروجه وبعثه وهذا سر لا يجوز اذاعته لأنه من الأسرار المودعة عند الرسول الأكرم فكيف يبح الإمام هذا السّر، أضف إلى ذلك أن الروايات الواردة في يوم النداء لا نذكر أسم الإمام (عليه السلام) بل تكتفي بالقول - فلان ابن فلان- وكان المناسب جداً أن تذكر اسمه المبارك خصوصاً في هذه الفترة الزمنية العصيبة حتى لا يقع الخلاف بين الناس لولا أن أهل البيت (عليهما السلام) حرصوا أشد الحرص في المحافظة على حياة الإمام حتى لكي لا يعرف شخصه الكريم قبل الخروج وذلك بالامتناع عن ذكر اسمه لأن الاسم يدل على المسمى لذا امتنعوا عن التلويح باسمه هذا بعض ما جاء من الأحاديث عن اسم الإمام المهدي (عليه السلام)، وهي كما تري بعضها تصرح باسمه، وبعضها تحرم ذكر اسمه بل وتجعل من يسميه كافراً وبعضها توجب على الناس الاكتفاء بالقول الحجة من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فما هو الحلّ هل نبوح باسمه المبارك إذا توصلنا لمعرفته حقاً، أم نكتمه ونذكر ألقابه وصفاته، أو نخوض في جدل عقيم؟
في الحقيقة إن الحل الأسلم هو العمل بما أمرنا به أهل البيت (عليهما السلام) حيث الاكتفاء بالقول: الحجة من آل محمد هو الحل المناسب في الخروج من زوبعة الأقاويل المتضاربة. خصوصاً بعد أن عرفنا وجود روايات متناقضة مذكورة عن الأئمة الأطهار حتى عن لسان شخصية واحدة من أهل البيت (عليهما السلام) وعلى سبيل المثال تلك الرواية السابقة المنقولة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) التي تصرّح بذكر اسم الإمام المهدي أمام الجمهور في الوقت الذي تذكر الرواية الأخرى من امتناع الإمام علي (عليه السلام) عن التصريح باسمه حتى يبعثه الله (عز وجل) فأي منهما هو الصحيح وأي منهما مفتري؟! خصوصاً وأن أهل البيت (عليهما السلام) يعتبرون كل من يسمي الإمام بالاسم هو كافر فكيف نري روايات منقولة عن أهل البيت تصرح باسم الإمام وهذا أمر غريب ولذلك فنحن لا نستطيع الجزم بأحداها ما دام أهل البيت نصبوا لنا حلاً بضرورة الاكتفاء في ذكر اسمه بالقول (الحجة من آل محمد).

(٧١)

المهدي في الآيات القرآنية
هل تحدث القرآن الكريم عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه)؟
وهل هناك آيات تطرقت إلى قضية الإصلاح العالمي، للمجتمع البشري؟ وهل تحدث القرآن عن مستقبل الرسالة الإسلامية، وما سيؤول إليه مستقبل الإنسانية على وجه الكرة الأرضية؟ هذه الأسئلة وأمثالها تراود الكثيرين، فهل من إجابة قرآنية أو روايات نبوية واضحة؟
لا شك أن كتاب الله تعالى هو تبيان لكل شيء، والرسول الأكرم وأهل البيت الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) هم المفسرون لهذا القرآن الكريم، فهل يمكن في مثل هذه القضية العظيمة، التي تهم البشرية جمعاء وليس المسلمين وحسب، أن لا يتحدث عنها بشيء وهو كتاب هداية وإرشاد وكتاب فكر ونور، بل هو معجزة الرسول الأكرم وأعظم دليل وسند على نبوّته؟ فكيف يمكن أن يسدل الستار على الإمام المهدي (عليه السلام) ولا يتحدث عن مصير البشرية وعن أعظم شخصية أدّخرها الله سبحانه وتعالى لإنقاذها من السقوط في الهاوية، هذه الشخصية التي بشر بها الأنبياء والمرسلون أممهم والذي انتظرته طوال تاريخها بمختلف أديانها ومعتقداتها ومشاربها وألوانها.. فهل

(٧٣)

يعقل أن يختار الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) الصمت والسكوت عن مستقبل رسالته وأمته بل عن مستقبل الإنسانية كلها؟
أم أن الله أخفي هذا الأمر عن نبيه الكريم؟ حاشا لله سبحانه أن يخفي هذا الأمر عن رسوله الأكرم، وحاشا للرسول وأهل بيته الأطهار أن لا يبينوا ويبلغوا عن هذه الشخصية الربانية العظيمة ودورها الرسالي الكبير في آخر الزمان.
أجل لقد تحدث القرآن الكريم، وبيّن الرسول الأمين، وأهل بيته الأطهار بكل إسهاب عن قضية الإمام المهدي (عليه السلام)، وعن مستقبل الرسالة المحمدية وانتشارها وأتساعها لتعم العالم كله وتسود الكرة الأرضية الهداية والسعادة والثقافة السماوية القائمة على العدل والحق والتوحيد الخالص لله سبحانه، وهذه الآيات القرآنية التي بينها وفسرها الرسول والأئمة الطاهرون صلوات الله عليهم أجمعين في العديد من أحاديثهم التي بلغت حد التواتر تعطي صورة واضحة عن هذه الشخصية الفريدة وظهورها في آخر الزمان وإقامتها لدولة التوحيد والعدل والكرامة على سطح المعمورة. نتطرق إلى جانب من تلك الروايات المفسّرة والمؤولة باعتبار أحد المصاديق للآية المباركة وهي كما يلي:
1- عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: - سألت أبي عن قول الله (عز وجل): (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى) (طه:135) قال: الصراط السوي هو القائم (عليه السلام)، والهدى من اهتدي إلى طاعته..-.
2- وعنه أيضاً عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل سُئل فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أقسام النور في القرآن، فقال (عليه السلام) في قوله تعالي: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ) (النور:35). فقال (عليه السلام): -...

(٧٤)

فالمشكاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) والمصباح الوصي والأوصياء (عليهما السلام) والزجاجة فاطمة والشجرة المباركة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) والكوكب الدّري القائم المنتظر (عليه السلام) يملأ الأرض عدلاً-.
3- قال الإمام الباقر (عليه السلام): - هو والله المضطر في كتاب الله، وهو قول الله: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكمْ خُلَفَاءَ الاَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكرُونَ).
4- وعنه أيضاً (عليه السلام) قال: - هذه نزلت في القائم (عليه السلام)، إذا خرج تعمَّمَ وصلي عند المقام وتضرع إلى ربّه فلا تُرد له راية أبداً-.
5- وعن الآية ذاتها أيضاً يقول الإمام الصادق (عليه السلام): - نزلت في القائم من آل محمد (عليهما السلام)، هو والله المضطر إذا صلي في المقام ركعتين ودعا الله فأجابه، ويكشف السوء ويجعله خليفة في الأرض -.
6- وفي قوله تعالي: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) (الزخرف:66). قال الإمام الباقر (عليه السلام): - هي ساعة القائم (عليه السلام) تأتيهم بغتة-.
وهذا التفسير لا ينافي التفسير بيوم القيامة، فكلا الأمرين يأتي بغتة وكلا التفسيرين والتأويلين صحيح وهما من مفردات الساعة المباغتة.
7- وفي قوله تعالي: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) (القلم:15) قال الإمام الصادق (عليه السلام): - يعني تكذيبه بالقائم (عليه السلام) إذ يقول له: لسنا نعرفك ولست من ولد فاطمة (عليها السلام) كما قال المشركون لمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) -.

(٧٥)

8- وفي قوله تعالى في سورة الشمس: (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا) (الشمس:3) قال الإمام الحسين (عليه السلام): - ذلك القائم من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً-.

9- وعن معني كلمة العصر في قوله تعالى في سورة العصر: (وَالْعَصْرِ - إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) (العصر: 1-2) يقول الإمام الصادق (عليه السلام): - العصر: عصر خروج القائم (عليه السلام)..-.
إذن فالقرآن الكريم تطرق إلى قضية الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) في آيات عديدة ذكرنا بعضها وقد قام أهل بيت النبي الأكرم بتفسير وتأويل تلك الآيات بأوضح تعبير وأجمل تفسير وهم الذين آتاهم الله علم الكتاب فجعلهم (الراسخون في العلم) وهم المطهرون الذين باشروا روح الإيمان والعلم واليقين ولا يستطيع أحد غيرهم أن يستوعب جميع معاني الآيات القرآنية غيرهم كما قال عزّ من قائل: (إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كرِيمٌ - فِي كتَابٍ مَكنُونٍ - لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) (الواقِعة:77-79).
ولقد نطق أهل البيت (عليهما السلام) بالحق في تفسير عشرات من الآيات الكريمة التي تتحدث عن الإمام المهدي (عليه السلام)، بإسهاب ليس عن شخص الإمام (عجل الله فرجه الشريف) فحسب، بل أيضاً عن سيرته وأحواله وما يقوم به من إنقاذه للعالم والبشرية من الظلم والطغيان، وانتقامه من أعداء الله والرسول وأعداء أهل بيته الأطهار وإقامته للحق والعدل على ربوع الكرة الأرضية وإظهار دين الله الحق ليعم العالم كله الخير والفضيلة والسعادة، بل وتحدثت الآيات عن أصحابه، وعن الفتن قبل ظهوره، وفتوحاته وانتصاراته، وغير ذلك الكثير مما يتعلق بقضية هذا المنقذ العالمي الأمل الموعود، ولا يسعنا هنا إلاّ أن نشير إلى جانب مما جاء في القرآن الكريم بهذا الخصوص حيث ذكرت:

(٧٦)

أصحاب الإمام المهدي في القرآن
العديد من الآيات عن الإمام (عليه السلام) وأصحابه وأنصاره والتفافهم حول قائدهم، العظيم، وجهادهم في سبيل إعلاء كلمة الله ومحاربة الطغاة والمفسدين في الأرض، نذكر بعضها منها على سبيل المثال.
في قوله تعالي: (وَلِكلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكونُوا يَأْتِ بِكمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ على كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 148).
1- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): -.. فيبعث الله قوماً من أطرافها يجيئون قزعاً كقزع الخريف. والله إني لأعرفهم وأعرف أسماءهم وقبائلهم واسم أميرهم وهم قوم يحملهم الله كيف شاء... فيتوافدون من الآفاق ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر، وهو قول الله (أَيْنَ مَا تَكونُوا يَأْتِ بِكمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ على كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) حتى أن الرجل ليحتبي فلا يَحُلُ حبوته حتى يبلّغه الله ذلك-
2- وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام): - الفقداء قوم يفقدون من فرشهم فيصبحون بمكة وهو قول الله (عز وجل): (أَيْنَ مَا تَكونُوا يَأْتِ بِكمُ اللّهُ جَمِيعاً)، وهم أصحاب القائم (عليه السلام) -.
3- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... ويجيءُ والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة يجتمعون بمكة على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف يتبع بعضهم بعضاً، وهي الآية التي قال الله: (أَيْنَ مَا تَكونُوا يَأْتِ بِكمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)-، وفي رواية: -... فيجمع الله عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ويجمعهم الله على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف، وهي يا جابر الآية التي ذكرها الله في كتابه: (أَيْنَ مَا تَكونُوا يَأْتِ بِكمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)-.

(٧٧)

4- وعن الآية ذاتها قال الإمام الصادق (عليه السلام): - نزلت في القائم وأصحابه يجتمعون على غير ميعاد-.
5- وعن نفس الآية سُئل الإمام الرضا (عليه السلام) فقال: - وذلك والله أن لو قد قام قائمنا يجمع الله إليه شيعتنا من جميع البلدان-. طبعاً المقصود من الشيعة في عبارة الإمام (عليه السلام) ليس كل من أدعي التشيع بل هم الذين شايعوا أهل البيت في أقوالهم وأفعالهم حقاً.
6- عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن صاحب هذا الأمر محفوظ له أصحابه، لو ذهب الناس جميعاً أتي الله له بأصحابه وهم الذين قال الله (عز وجل): (اُولئِك الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكتَابَ وَالْحُكمَ وَالنُّبُوَّةَ فإِن يَكفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكافِرِينَ) (الانعام:89)، وهم الذين قال الله فيهم: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرينَ) (المائدة: 54).
7- وفي قوله تعالي: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إلى اُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُه) (هود:8) قال أمير المؤمنين (عليه السلام): - الأمة المعدودة أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر-.
8- وعن الآية ذاتها قال الإمام الصادق (عليه السلام): - العذاب خروج القائم (عليه السلام)، والأمة المعدودة عدة أهل بدر وأصحابه-.
9- وقال الإمام الباقر (عليه السلام): - أصحاب القائم (عليه السلام) الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً هم والله الأمة المعدودة التي قال الله في كتابه: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إلى اُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ). قال يُجمعون له في ساعة واحدة قزعاً كقزع الخريف-.

(٧٨)

10- وعن قوله تعالي: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكمْ قُوَّةً أَوْ ءَاوِي إِلَى رُكنٍ شَدِيدٍ) (هود:80) قال الإمام الصادق (عليه السلام): - ما كان قول لوط (عليه السلام) لقومه: (لَوْ أَنَّ لِي بِكمْ قُوَّةً أَوْ ءَاوِي إِلَى رُكنٍ شَدِيدٍ)، إلاّ تمنِّياً لقوة القائم (عليه السلام) ولا ذكر إلاّ شدة أصحابه، وإن الرجل منهم ليُعطي قوة أربعين رجلاً وإنّ قلبه لأشدّ من زبر الحديد، ولو مرّوا بجبال الحديد لقلعوها ولا يكفّون سيوفهم حتى يرضي الله (عز وجل)-.
11- وعن محمد بن فضيل أنه سأل الإمام الهادي (عليه السلام) عن قول الله تعالي: (حَتَّى إِذَا رَأوا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَدا) (الجن:24)، فقال (عليه السلام): - يعني بذلك القائم وأنصاره-. وذلك حينما يخرج الإمام وأصحابه لمحاربة الظالمين عندئذ يعلم الطغاة من أضعف ناصراً وأقل عدداً.
12- وعن قوله تعالي: (وَلَقَدْ كتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكرِ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء:105) قال الإمام الباقر (عليه السلام): - الكتب كلها ذكر، وأن الأرض يرثها عبادي الصالحون، قال: القائم وأصحابه-.
13- وعن الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالي: (الَّذِينَ إِنْ مَكنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) (الحج:41) قال (عليه السلام): - وهذه الآية لآل محمد (عليهما السلام) إلى آخر الآية، والمهدي وأصحابه يُملّكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ويُظهرُ الدين ويميت الله به وبأصحابه البدع والباطل كما أمات السَّفَهُ الحق، حتى لا يُري أثر للظلم-.
14- قال الإمام الباقر (عليه السلام): - هي في القائم (عليه السلام) وأصحابه-.
15- وكذا قال الإمام الصادق (عليه السلام): - هي في القائم (عليه السلام) وأصحابه-.

(٧٩)

وهذه الأحاديث التي تفسر الآيات في الإمام المهدي وأصحابه، هي توضيح للأمر من باب الأعم الأغلب لبيان أحد المصاديق للآية الكريمة. أجل نري في بعض الآيات أن تأويلها لم يأتِ بعد ومصاديقها لم تتحقق كالآية الشريفة (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كلِّهِ وَلَوْ كرِهَ الْمُشْرِكونَ) (التوبة:33) وكالآية المباركة (وَلَقَدْ كتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الانبياءِ:105) وكالآية الكريمة (وَلِكلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكونُوا يَأْتِ بِكمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ على كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 148) وكالآية المجيدة (وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص: 5)
فان حكومة الإسلام على الكرة الأرضية كلها لم تتحقق حتى الان وعلُّو الدين الإسلامي على الأديان كلها لم يأتِ زمانه منذ أن بزغ فجر الإسلام وبعث الرسول الأكرم حتى عصرنا الحاضر.
إذن متى يتحقق الوعد الإلهي؟ ومتي يحكم الإسلام العالم كله؟ ومتي يرث الأرض عباد الله الصالحون؟ ومتي يكون حكام الأرض من عباد الله المستضعفين؟ كل هذه الأسئلة ليس لها إجابة واقعية إلاّ بخروج القائم من آل محمد الذي وعد الله أنبيائه من قبل.
المنتقم من الطغاة الجبارين
إن الإمام المهدي (عليه السلام) هو المنتقم لله ولرسوله ولأهل البيت وللإمام الحسين (عليه السلام) بالخصوص ولكل المظلومين والمستضعفين في الأرض حين قيامه وخروجه حيث ينتقم من الظلمة والمجرمين والطواغيت، وقد تحدث القرآن الكريم عن ذلك كما بينه

(٨٠)

الإمام الصادق (عليه السلام)، في قوله تعالي: (وَاصْبِرْ على مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) (المزمل:10) قال: - فاصبر على ما يقولون يا محمد من تكذيبهم إياك، فإنّي منتقم منهم برجل منك، هو قائمي الذي سلّطته على دماء الظلمة-.
1- وعن قوله تعالى في سورة المدّثر: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً - وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً - وَبَنِينَ شُهُوداً - وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً - ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ - كلاَّ إِنَّهُ كانَ لاَيَاتِنَا عَنِيداً - سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً - إِنَّهُ فَكرَ وَقَدَّرَ - فَقُتِلَ كيْفَ قَدَّرَ - ثُمَّ قُتِلَ كيْفَ قَدَّرَ) (المدثر، 11-19) قال الإمام الصادق (عليه السلام): - عذاب بعد عذاب يُعذّبه القائم (عليه السلام) -.
2- وعن الإمام الصادق (عليه السلام)، لمّا سأله أبو بصير عن قول الله تعالى في سورة الطارق: (إِنَّهُمْ يَكيدُونَ كيْداً) (الطَّارق:15) فقال (عليه السلام): - كادوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وكادوا علياً (عليه السلام)، وكادوا فاطمة (عليها السلام)، فقال الله: يا محمد انهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً، فمهّل الكافرين يا محمد أمهلهم رويداً لوقت بعث القائم (عليه السلام) فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش وبني أُمية وسائر الناس-. من الظلمة والطواغيت.
3- وعن سليمان الديلمي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)، قول الله (عز وجل): (هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) (الغاشِية:1)، قال: - يغشاهم القائم بالسيف-. إلى أن قال: قلت: (تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً) (الغاشِية:4)، قال: - تصلي نار الحرب في الدنيا على عهد القائم (عليه السلام) وفي الآخرة نار جهنم-.
4- وقال الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى في سورة الأنعام: (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا اُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُبْلِسُونَ) (الانعام:44)، يعني قيام القائم.

(٨١)

5- وعن الإمام الصادق (عليه السلام) لمّا سأله المفضل عن قول الله تعالى في سورة الكهف: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكاء...) (الكهف:98) قال (عليه السلام): - رَفعُ التقيّة عند الكشف، فينتقم من أعداء الله-.
6- عن الإمام الصادق (عليه السلام) لمّا سأله أبو بصير عن قول الله تعالى في سورة مريم: (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً) (مريم:75) فقال (عليه السلام): -... وأمّا قوله: (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ)، فهو خروج القائم (عليه السلام)، وهو الساعة، فسيعلمون ذلك اليوم وما نزل بهم من الله على يدي قائمه، فذلك قوله: (مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً)، يعني عند القائم، وأضعف جنداً..-.
7- عن الإمام الباقر والإمام الصادق، في قوله تعالى في سورة القصص: (وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القَصَص:5)، روي عنهما: - إنّ هذه مخصوصة بصاحب الأمر الذي يظهر في آخر الزمان ويبيد الجبابرة والفراعنة ويملك الأرض شرقاً وغرباً فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً-.
8- وفي الآية الكريمة ذاتها قال أمير المؤمنين (عليه السلام): - هم آل محمد يبعث الله مهديهم بعد جهدهم فيعزّهم ويذلّ عدّوهم-.
9- وفي قوله تعالى في سورة ص: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص:17)، قال الإمام الصادق (عليه السلام): - فاصبر على ما يقولون يا محمد

(٨٢)

من تكذيبهم إيّاك فإني منتقم منهم برجل منك وهو قائمي الذي سلّطته على دماء الظلمة...-.
10- وفي قوله تعالى في سورة الإسراء: (وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مُظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِف فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنصُوراً) (الاسراء:33) قال الإمام الباقر (عليه السلام): - هو الحسين بن علي (عليه السلام) قُتِلَ مظلوماً ونحن أولياؤه، والقائم منا إذا قام طلب بثأر الحسين فيقتل حتى يُقال قد أسرف في القتل..-.
11- وفي الآية ذاتها يقول الإمام الصادق (عليه السلام): - ذلك قائم آل محمدٍ يخرج فيقتل بدم الحسين (عليه السلام)، فلو قتل أهل الأرض لم يكن مسرفاً. وقوله: (فَلا يُسْرِف فِي الْقَتْلِ)، لم يكن ليصنع شيئاً يكون سَرفاً. ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): يقتل والله ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها-. وذلك لأن الأبناء رضوا بأعمال آبائهم الظلمة وساروا على منهج آبائهم في بغضهم لأهل البيت (عليهما السلام) حيث سفكوا دماء شيعتهم ومحبيهم، فاستحقوا العذاب والبلاء.
الانتصارات الساحقة وحكومة الإسلام العالمية
وأشار أهل البيت (عليهما السلام) بإسهاب إلى ذكر القرآن الكريم للانتصارات التي يحققها الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وأصحابه، وهزيمة الظالمين والمشركين على يديه المباركتين، وأنه يحق الحق والهدى والعدل والقسط في الأرض، ويظهر الإسلام على جميع الأديان ليشمل التوحيد العالم أجمع.
1- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... ولا تبقي أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأن محمداً رسول الله، وهو قوله: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي

(٨٣)

السَّمَاوَاتِ وَاْلأرْضِ طَوْعاً وَكرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (آل عمران:83) ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وهو قول الله: (وَقَاتِلُوهُمْ حتى لا تَكونَ فِتْنَةٌ وَيَكونَ الدِّينُ كلُّهُ للهِ) (الانفال:39).
2- وفي قوله تعالى في سورة آل عمران: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَاْلأرْضِ طَوْعاً وَكرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ). قال الإمام الصادق (عليه السلام): - إذا قام القائم (عليه السلام) لا يبقي أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمد رسول الله-.
3- وفي الآية ذاتها، قال الإمام الكاظم (عليه السلام): - أُنزلت في القائم إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردّة والكفار في شرق الأرض وغربها فعرض (عليهما السلام) فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضَرَبَ عنقه حتى لا يبقي في المشارق والمغارب أحد إلاّ وحَّدَ الله...-.
4- وعن قوله تعالى في سورة الأنفال: (وَقَاتِلُوهُمْ حتى لا تَكونَ فِتْنَةٌ وَيَكونَ الدِّينُ كلُّهُ لِلّهِ فإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ) يقول الإمام الباقر (عليه السلام): - لم يجئ تأويل هذه الآية بعد، إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) رخّص لهم لحاجته وحاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها لم يُقبل منهم، لكنهم يُقتلون حتى يوحّد الله (عز وجل) وحتى لا يكون شرك-.
5- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل قال في جانب منه: -... كل ذلك لتتم النظرة التي أوحاها الله تعالى لعدوه إبليس إلى أن يبلغ الكتاب أجله ويحق القول على الكافرين ويقترب الوعد الحق الذي بيّنه في كتابه بقوله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الاَرْضِ كمَا اسْتَخْلَفَ

(٨٤)

الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) (النور:55). وذلك إذا لم يبقَِ من الإسلام إلاّ اسمه ومن القرآن إلاّ رسمه وغاب صاحب الأمر بإيضاح الغدر له في ذلك لاشتمال الفتنة على القلوب حتى يكون أقرب الناس إليه أشدهم عداوة له، وعند ذلك يؤيده الله بجنود لم تروها ويُظهرُ دين نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلم) على يديه على الدين كله ولو كره المشركون-.
6- وعن قوله تعالى في سورة التوبة: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كلِّهِ وَلَوْ كرِهَ الْمُشْرِكونَ). قال الإمام الصادق (عليه السلام): - إذا خرج القائم لم يبقَ مشرك بالله العظيم ولا كافر إلاّ كرِهَ خروجه، حتى لو كان في بطن صخرة لقالت الصخرة يا مؤمن فِيّ مشرك فاكسرني واقتله-.
7- وعن قوله تعالى في سورة النحل: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ) (النحل:1) قال الإمام الصادق (عليه السلام): - هو أمرنا، أمر الله (عز وجل)؛ ألاّ نستعجل به حتى يؤيده (الله) بثلاثة (أجناد): الملائكة والمؤمنين والرعب، وخروجه كخروج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وذلك قوله (عز وجل): (كمَا اَخْرَجَك رَبُّك مِن بَيْتِك بِالْحَقِّ) (الانفال:5).
8- وعن قول الله تعالى في سورة الإسراء: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كانَ زَهُوقًا) (الاسراء:81) قال الإمام الباقر (عليه السلام): - إذا قام القائم (عليه السلام) ذهبت دولة الباطل-.

(٨٥)

9- وعن قوله تعالى في سورة آل عمران: (وَتِلْك اْلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران:140) قال (عليه السلام): - ما زال مُذ خلق الله آدم، دولة لله ودولة لإبليس، فأين دولة الله؟ أما هو إلاّ قائم واحد-.
10- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كلِّهِ). أظهر بعد ذلك؟ قالوا نعم. قال: كلا، فو الذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلاّ ويُنادي فيها بشهادة أن لا إله إلاّ الله بكرة وعشياً-.
الابتلاء والفتن قبل الظهور
وعن الفتن والابتلاءات التي تصيب الناس قبل ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، بيّن أهل البيت (عليهما السلام) ما جاء بهذا الخصوص في القرآن الكريم، منها على سبيل المثال:
1- عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: - والله لا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا وتمحصوا ثم يذهب من كل عشرة شيء ولا يبقى منكم إلاّ الأندر، ثم تلا هذه الآية: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:142).
2- عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: - إن قدام القائم علامات تكون من الله (عز وجل) للمؤمنين. قلت: ما هي جعلني الله فداك؟ قال: ذلك قول الله (عز وجل): (وَلَنَبْلُوَنَّكمْ - يعني المؤمنين قبل خروج القائم (عليه السلام) - بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالَّثمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة:155)، قال: يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، والجوع بغلاء

(٨٦)

أسعارهم. ونقص من الأموال: قال كساد التجارات وقلة الفضل. ونقص من الأنفس، قال: موت ذريع. ونقص في الثمرات، قال: قلة ريع ما يزرع. وبشر الصابرين، قال: ذلك بتعجيل خروج القائم (عليه السلام). ثم قال لي: يا محمد هنا تأويله، ان الله تعالى يقول: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (آل عمران:7).
3- وعن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام)، انه قال: - لا بد أن يكون قدّام القائم سنة يجوع فيها الناس ويصيبهم خوف شديد من القتل ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، فإن ذلك في كتاب الله لبيّن: (وَلَنَبْلُوَنَّكمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالَّثمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
4- وعن قوله تعالى في سورة الأنعام: (أَوْ يَلْبِسَكمْ شِيَعاً) (الانعام:65) قال الإمام الباقر (عليه السلام): - وهو اختلاف في الدين وطعن بعضكم على بعض، وهو أن يقتل بعضكم بعضاً، وكل هذا في أهل القبلة-.
5- وعن الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين (عليه السلام): - إن بين يديّ القائم سنين خدّاعة، يُكذَّب فيها الصادق ويُصدَّق فيها الكاذب، ويُقرب فيها الماحل -وفي حديث: وينطق الرويبضة- فقلت: وما الرويبضة وما الماحل؟ قال: أو ما تقرؤون القرآن، قوله: (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) (الرعد:13) قال: يريد المكر. فقلت وما الماحل؟ قال: يريد المكار-.
6- وعن قوله تعالى في سورة الأحزاب: (هُنَالِك ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً) (الاحزَاب:11) قال أمير المؤمنين (عليه السلام)، ضمن حديث مفصَّل: -... أما إنّه

(٨٧)

سيأتي على الناس زمان يكون الحق فيه مستوراً والباطل ظاهراً مشهوراً وذلك إذا كان أولي الناس بهم أَعداهم واقترب الوعد الحق، وعظم الإلحاد وظهر الفساد، هنالك أُبتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً. ونَحَلَهُم الكفّار أسماء الأشرار، فيكون جَهد المؤمن أن يحفظ مهجته من أقرب الناس إليه، ثم يُتيح الفرج لأوليائه، ويظهر صاحب الأمر على أعدائه-.
7- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا سُئل عن قول الله تعالى في سورة مريم: (فَاخْتَلَفَ الاَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ) (مريم:37) فقال (عليه السلام): - انتظروا الفرج في ثلاث. فقيل: يا أمير المؤمنين وما هنَّ؟ فقال: اختلاف أهل الشام بينهم والرايات السّود من خراسان والفزعة في شهر رمضان. فقيل: وما الفزعة في شهر رمضان؟ فقال: أو ما سمعتم قول الله (عز وجل) في القرآن: (إِن نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِنَ السَّمَاءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (الشعراء:4)، هي آية تخرج الفتاة من خدرها وتوقظ النائم وتفزع اليقظان-.
النداء باسم القائم
لقد بين أهل البيت (عليهما السلام) ما ورد في القرآن الكريم من الإشارة إلى قضية النداء من السماء باسم الإمام المهدي (عليه السلام) في يوم خروجه المبارك.
1- عن قول الله تعالى في سورة الشعراء (إِن نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِنَ السَّمَاءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) قال الإمام الباقر (عليه السلام): - نزلت في قائم آل محمد صلوات الله عليهم، ينادي باسمه من السماء-.
2- عن فضل بن محمد عن الإمام الصادق (عليه السلام): - أما إنّ النداء من السماء باسم القائم في كتاب الله لبيّن. فقلت: أين هو أصلحك الله؟ فقال: في طسم تلك آيات

(٨٨)

الكتاب المبين قوله: (إِن نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِنَ السَّمَاءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ). قال: إذا سمعوا الصوت أصبحوا وكأنما على رؤوسهم الطير-.
3- وعنه أيضاً (عليه السلام): - إن القائم لا يقوم حتى يُنادي مناد من السماء يُسمعُ الفتاة في خدرها ويُسمعُ أهل المشرق والمغرب، وفيه نزلت هذه الآية: (إِن نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِنَ السَّمَاءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ).
4- عن الإمام الرضا (عليه السلام): -... وهو الذي ينادي منادٍ من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه يقول: ألا إنّ حجَّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه فإن الحق معه وفيه. وهو قول الله (عز وجل): (إِن نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِنَ السَّمَاءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ).
وإذا كان النداء بالاسم من السماء في يوم الخروج وهو اليوم الموعود فإن ذلك الموعد وتلك الساعة يوحي بها للإمام المهدي أيضاً - (عجل الله فرجه)- فيلهمه الله بالخروج.
5- في قوله تعالى في سورة المدّثر (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) (المُدثر:8)، قال الإمام الصادق (عليه السلام): - إنّ منّا إماماً مظفراً مستطراً (مستتراً) فإذا أراد الله عزّ ذكره إظهار أمره نكتَ في قلبه نكتة فظهر فقام بأمر الله تبارك وتعالى-.
وعنه أيضاً (عليه السلام) قال: - إذا نُقر في أُذن الإمام القائم، أُذِنَ له في القيام-.
المهدي والتوسم
بيّن أهل البيت (عليه السلام) على ضوء آيات القرآن الكريم إنّ الإمام المهدي - (عجل الله فرجه)- وأصحابه، يعرفون العدو من الولي والصالح من الطالح من خلال التوسم.

(٨٩)

1- في قول الله تعالى في سورة الحجر: (إِنَّ فِي ذَلِك لاَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (الحِجرِ:75)، قال الإمام الباقر (عليه السلام): - كأني انظر إلى القائم (عليه السلام) وأصحابه في نجف الكوفة كأن على رؤوسهم الطير فنيت أزوادهم وخلِقَت ثيابهم (متنكبين قِسيّهمُ) قد أثرّ السجود بجباههم، ليوث بالنهار ورهبان بالليل كأن قلوبهم زبر الحديد يعطي الرجل منهم قوة أربعين رجلاً ويعطيهم صاحبهم التوّسم لا يَقتُل أحد منهم إلاّ كافراً أو منافقاً فقد وصفهم الله بالتوسم في كتابه: (إِنَّ فِي ذَلِك لاَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ).
2- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): - فكان رسول الله المتوسم، والأئمة من ذريتي المتوسمون إلى يوم القيامة (وإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ) (الحِجرِ: 76). فذلك السبيل المقيم هو الوصي بعد النبي-.
3- وعن الإمام الصادق (عليه السلام): - إذا قام القائم لم يَقُم بين يديه أحد من خلق الرحمن إلاّ عَرفهُ صالح هو أم طالح، لأن فيه آية للمتوسمين وهي بسبيل مقيم-.
4- وعنه أيضاً (عليه السلام): - إذا قام قائم آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) حكم بين الناس بحكم داودً (عليه السلام)، لا يحتاج إلى بيّنة يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كل قوم بما استبطنوه، ويعرف وليّه من عدوه بالتوسم، قال الله سبحانه: (إِنَّ فِي ذَلِك لاَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ - وإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ) (الحِجرِ:75-76).
5- عن معاوية الدهني عن الإمام الصادق (عليه السلام)، في قوله تعالى في سورة الرحمن (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالاَقْدَامِ) (الرحمنِ:41)، يقول (عليه السلام): - يا معاوية ما يقولون في هذا؟ قلت: يزعمون أن الله تبارك وتعالى يَعرفُ المجرمين بسيماهم يوم القيامة فيأمر بهم فيؤخذون بنواصيهم وأقدامهم ويلقون في

(٩٠)

النار. فقال (عليه السلام): وكيف يحتاج الجبار تبارك وتعالى إلى معرفة خلقٍ أنشأهم وهو خلقهم؟
فقلت: فما ذاك جعلت فداك؟ قال (عليه السلام): ذلك لو قد قام قائمنا أعطاه الله السِّيماء، فيأمر بالكافر فيؤخذُ بنواصيهم وأقدامهم، ثم يُخبَط بالسيف خبطاً-.
6- وعنه أيضاً (عليه السلام): - الله يعرفهم، ولكن نزلت في القائم يعرفهم بسيماهم فيخبطهم بالسيف هو وأصحابه خبطاً-.
إن ما أسلفناه من الآيات والأحاديث الشريفة حول ما جاء من ذكر الإمام المهدي (عليه السلام) في القرآن الكريم، لم يكن إلاّ إلماحةً بسيطة وجزءاً يسيراً من العشرات من الآيات الكريمة والمئات من الأحاديث التي تناولت قضية الإمام المهدي (عليه السلام) من مختلف الجوانب، فإن ذكر الإمام المهدي - (عجل الله فرجه)- في القرآن واسع وعميق بيّنه أهل البيت (عليه السلام) في عددٍ كبير من الأحاديث الشريفة التي تفسر تلك الآيات الكريمة، ومنها كيفية التسليم على الإمام (عليه السلام).
7- عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث جاء في جانب منه: - القائم منّا منصور بالرعب مؤيد بالنصر تطوي له الأرض وتظهر له الكنوز يبلغ سلطانه المشرق والمغرب ويُظهر الله (عز وجل) به دينه على الدين كله ولو كره المشركون... واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وأول ما ينطق به هذه الآية: (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكمْ إِن كنتُم مُؤْمِنِينَ) (هود:86). ثم يقول: أنا بقية الله في أرضه وخليفته وحجته عليكم، فلا يسلم عليه مسلم إلاّ قال: السلام عليك يا بقية الله في أرضه...-.
8- عن الإمام الصادق (عليه السلام) وقد سُئِلَ عن القائم (عليه السلام)، يُسلَّم عليه بإمرة المؤمنين؟ فقال (عليه السلام): - لا، ذلك اسم سَمّي الله به أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يُسَمَّ أحد قبله ولا يتسمي

(٩١)

بعده إلاّ كافر قلت: جعلت فداك كيف يُسلم عليه؟ قال: يقولون السلام عليك يا بقية الله. ثم قرأ: (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكمْ إِن كنتُم مُؤْمِنِينَ).
أجل هذه البقيَّة الطاهرة من الشجرة المباركة التي تنشر الفضيلة وتحقق العدل على ربوع الكرة الأرضية هي الخير الحقيقي الذي ادخره الله ليوم عصيب ينذر بهلاك البشرية لولا أن تداركها الرحمة الإلهية بالقائم المنتظر - (عجل الله فرجه)- بقية الله في أرضه وحجتّه على عباده وأمينه على رسالته ذلك هو الإمام المهدي (عليه السلام) فسلام عليه يوم ولد ويوم يقوم بالحق والعدل ويوم يموت شهيداً ويوم يبعث حياً ذلك مهدي آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم).

(٩٢)

الاصلاح قبل الخروج

كثيراً ما وردت كلمة الإصلاح في أمر الإمام المهدي قبل خروجه على لسان الروايات فما المقصود من هذه الكلمة في أحاديث أهل البيت (عليهما السلام)؟
عن الإمام الحسين (عليه السلام): - في التاسع من ولدي سنة من يوسف وسنة من موسى بن عمران، وهو قائمنا أهل البيت يصلح الله تعالى أمره في ليلة واحدة-
عن الإمام الباقر (عليه السلام): - إذا ظهر قائمنا أهل البيت قال (عليهما السلام): (فَفَرَرْتُ مِنكمْ لَمَّا خِفْتُكمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّ حُكماً) (الشعراء:21) خفتكم على نفسي وجئتكم لمّا أذن لي ربي وأصلح أمري-.
عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - المهدي يصلحه الله في ليلة واحدة-.
فما المنظور من كلمة الإصلاح هذه؟!
هل المقصود منها الإصلاح في شخصيته المباركة؟ أم الإصلاح في أمر خروجه وقيامه؟ أم الإصلاح في العالم لتهيئة الأجواء لنهضته الإصلاحية؟

(٩٣)

من المؤكد أن الإمام المهدي (عليه السلام) ليس فيه عيب في شخصيته المباركة، فالإمام ليس بناقص الخلقة حتى يتم إصلاحه، فليس هو بأعمى ليتم إصلاح نظره. ولا هو سيئ الخلق - حاشاه - حتى تجري عليه عملية إصلاحه في تحسين أخلاقه وتصرفاته وسلوكياته الاجتماعية.
فالإمام سالم جسدياً وكامل خلقياً بل هو في قمة الفضائل والأخلاقيات. على ضوء هذا البيان تبين أن المراد من كلمة الإصلاح أمر آخر فهل هو بمعني الإصلاح العالمي في تهيئة الظروف لخروجه (عليه السلام) أم هو إعطاء الأذن الإلهي له في القيام بنهضته الجبارة ومنحه مفاتيح التصرف في الطبيعة وإيتائه مقاليد الأمور؟
في الحقيقة إن كلمة الإصلاح المراد بها في أحاديث أهل البيت ليس بمعني الإصلاح العالمي لأن الإصلاح في القضايا الخارجية بتعديل الأوضاع وتهيئة الأجواء لقيام الإمام وإن كان هذا الأمر سيحقق نتيجة تردي الأوضاع السيئة في المجتمعات البشرية والصراعات الدولية على المصالح والمطامع المادية إلا أن ذلك لا يعبر عنه بالإصلاح بل هو التردي في الأوضاع، وحتى لو أطلق بهذا المعني إلا إنه تبقي العبارات الواردة في الأحاديث لا تنطبق عليها لأن كلمة الإصلاح المذكورة في الروايات نسبت إلى شخص الإمام (عليه السلام) لا إلى نهضته العالمية (يصلحه الله في ليلة) أو (يصلح الله أمره في ليلة)كما في هذه الروايات:
1- عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة عن محمد بن المفضل عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن يزيد الكناسي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) يقول: - إن صاحب هذا الأمر فيه سنة من يوسف... يصلح الله أمره في ليلة-.
2- وروي عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة.

(٩٤)

3- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - المهدي يصلحه الله في ليلة واحدة-.
4- وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: - صاحب هذا الأمر تغيب ولادته عن هذا الخلق لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، فيصلح الله أمره في ليلة-.
5- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... والقائم يا جابر رجل من ولد الحسين يصلح الله أمره في ليلة...-.
6- عن عبد العظيم الحسني قال: دخلت على سيدي محمد بن علي وأنا أريد أن أسأله عن القائم أهو المهدي أو غيره، فابتدأني فقال: يا أبا القاسم إن القائم منا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ويطاع في ظهوره، وهو الثالث، من ولدي، والذي بعث محمداً بالنبوة وخصنا بالإمامة، إنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وإن الله تبارك وتعالى يصلح أمره في ليلة، كما أصلح الله أمر كليمه موسى (عليه السلام) إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً فرجع وهو رسول نبي. ثم قال (عليه السلام) أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج.
7- وفي كتاب البيان الباب (2) ص312، بسنده عن ياسين بن سيار وعن إبراهيم بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة. (ثم قال) هكذا رواه بن ماجة في سننه وأخرج

(٩٥)

أبو نعيم في مناقب المهدي وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير. ثم قال: انضمام هذه الأسانيد بعضها إلى بعض، وإيداع الحفاظ ذلك في كتبهم يوجب القطع بصحتها.
8- أخرج البغوي الحديث في المصابيح ولفظه عن علي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) إنه قال: - المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة. وهذه الأحاديث المتواترة في مسألة إصلاح شأن الإمام (عليه السلام) كما في الرواية الشريفة - ليصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى (عليه السلام) -.
من خلال التعابير المستخدمة في هذه الأحاديث نعرف معني إصلاح الأمر في ليلة بشكل واضح، خصوصاً مع التوضيح المذكور فيها بشأن مقارنة إصلاح أمر الإمام - (عجل الله فرجه)- مع إصلاح أمر النبي موسى (عليه السلام)، فالأمر في الحقيقة يتعلق بأمر التبليغ والإذن بالخروج، وليس بشخصيته (عليه السلام) المباركة، لأنها كاملة ليس فيها عيب كما أنه ليس بمعني الإصلاح بتهيئته الظروف في العالم، بل أنحصر كلمة الإصلاح بمعني الإذن بالقيام والتبليغ والثورة العالمية والخروج من الحيرة والغيبة إلى نور الفرج والظهور كما عبر الإمام الصادق (عليه السلام): - كن لما لا ترجو أرجي منك لما ترجو فإن موسى بن عمران (عليه السلام) خرج ليقتبس لأهله ناراً فرجع إليهم وهو رسول نبي فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيه موسى (عليه السلام) في ليلة، وهكذا يفعل الله تبارك وتعالى بالقائم الثاني عشر من الأئمة (عليهما السلام) يصلح أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيه موسى (عليه السلام)، ويخرجه من الحيرة والغيبة إلى نور الفرج والظهور-.
فكما أن النبي موسى أصلح الله شأنه حينما ذهب ليقتبس لأهله ناراً فرجع وهو نبي مرسل فكذلك الإمام (عليه السلام). فالنبي موسى (عليه السلام) على الرغم من شخصيته المتكاملة إلا

(٩٦)

أنه لم يكن قد بُلّغ بالنبوة ولم يكن بعد قد أعطي القدرات الإلهية من تحويل العصي حية تسعي ومن جعل النور في يده المباركة تخرج بيضاء من غير سوء،.وإنما أعطي له كل هذه القدرات والكرامات والمعاجز وأهم من ذلك الأمر والإذن بالتبليغ في تلك الليلة المباركة. وهكذا يتم الإصلاح للإمام (عليه السلام) حيث تعطي له الصلاحيات كما يظهر من هذه الرواية وأمثالها بالإذن الإلهي له في التصرف في الأمور والقيام بتبليغ الرسالة النبوية الناصعة الأصيلة.
وقد يكون هناك أمور وقضايا لا تزال محجوبة عن الإمام وإنما يرتفع هذا الحجاب عند الإذن بالخروج وقد تفطن إلى هذه الحقيقة سماحة آية الله الشهيد السيد محمد صادق الصدر فقد ذكر في كتابه القيم (موسوعة الإمام المهدي (عليه السلام)).
وحينما يعطي الأذن الإلهي للإمام بالخروج ويمنح مقاليد الأمور بإظهار المعاجز والكرامات للدلالة على صحة مقالته أنه المهدي الموعود حقاً حينئذ لا يجوز لأحد أنكاره ولا يحق لشخص ردّه أو تكذيبه بل في الحقيقة أن المعجزة الإلهية التي تتحقق على يد الأنبياء أو الأوصياء أو على يد الإمام الحجة (عليه السلام) تعتبر نهاية المهلة للناس. فإن آمنوا بها كانوا في أمان الله وإلا فهم يستحقون العذاب الإلهي الشديد، وأي رفض للمعجزة أو محاولة الالتفاف عليها والتمسخر بها أو اعتبارها سحراً وشعوذة يعتبر ظلماً وعدواناً يوجب الغضب الإلهي والعذاب الأبدي. وإلي هذه الحقيقة يذكرنا القرآن الحكيم، ببني إسرائيل حينما طلبوا من النبي عيسى (عليه السلام) مائدة من السماء كمعجزة لصحة دعواه بالنبوة وعند ما طلب النبي عيسى ذلك من الله: قال الله: (إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكمْ فَمَنْ يَكفُرْ بَعْدُ مِنْكمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ) (المائدة:115)..
فالمعجزة إذاً تعتبر نهاية المطاف للرحمة الإلهية لمن طلبها ثم أنكرها وهي أكبر دلالة على صحة مقالة الرسل والأئمة الأطهار، فالذين ينكرون معجزة الإمام المهدي أو يعتبرونها سحراً فإنه لا يكون مصيرهم بأفضل من مصير الذين تحدث

(٩٧)

عنهم القرآن الحكيم من الأمم السالفة التي استكبرت على أنبيائها وسخرت بمعاجزهم فأذاقهم الله عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة، (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأخذنا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كانُوا يَفْسُقُونَ) (الأعراف:165).
حيث نشاهد في القرآن الكريم وفي سورة الأعراف بالذات ذكر أنواع العذاب والبلايا التي نزلت على الأمم التي كذبت برُسل الله فأخذهم الطوفان كما في قصة النبي نوح (عليه السلام) فأغرقهم الله عن بكرة أبيهم، ما عدى الذين كانوا في السفينة مع النبي نوح (عليه السلام) وعن قوم عاد حينما جاءت العواصف العاتية فقلعتهم من مواقعهم ودكتهم بالجبال الرواسي، حيث سخرها عليهم الله سبحانه وتعالى في قوله تعالي: (وَأما عَادٌ فَأُهْلِكوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) (الحاقة:6-7). وقوم صالح وشعيب أخذتهم الرجفة والزلزال فأهلكوا جميعاً، وقصة فرعون وقومه حينما أطبقت عليهم المياه الهائلة ودفنتهم في قعر البحر.
إذن؛ فالمعجزة دليل واضح وبرهان قاطع تدعم مقالة الأنبياء والرسل لا يمكن إنكارها والتلاعب بها أو الاستهزاء بها وهي الخط الفاصل بين الإيمان والكفر، والخط النهائي للرحمة الإلهية للمنكرين.
وبعد المعجزة لا يكون إلا العذاب والعقاب الأبدي لمن أنكرها، والرحمة والعناية الربانية لمن آمن بها وبصاحبها. والإمام المهدي كسائر الأئمة والأنبياء تثبت إمامته بالمعجزة ويدل على أنه هو المنظور في أحاديث الرسول الأكرم وأهل بيته الأطهار، بما يأتي من آيات ومعاجز، فمن أنكر أنه المهدي مع هذه الأدلة والمعاجز فلينتظر العقاب الإلهي الأبدي ولا يقبل منه أي عذر أو اعتذار أو التشبث بأحاديث كاذبة وموضوعة في مجابهة مقالة الإمام المهدي (عليه السلام). ومن الطبيعي في هذه الصورة أن يحاول

(٩٨)

المنكرون للإمام (عليه السلام) وبالأخص من فئة الذين يدعون العلم المنكرين لإمامته الذين وصفهم الأئمة الأطهار بأنهم ألد أعداء الإمام المهدي (عليه السلام) حيث يحاول هؤلاء أن يأتوا بالأحاديث الموضوعة في قبال معاجزه وآياته ليلبسوا على الناس دينهم وليبرروا إنكارهم لإمامة المهدي (عليه السلام) بالقول أن المنظور بالمهدي الموعود هو غير هذا الفرد وأن الإمام المهدي شخص آخر لم يأتِ بعد وإنما يأتي في وقت آخر كما قالت اليهود والنصارى حينما أنكروا نبوة الرسول الأكرم وادعوا أن النبي الموعود عندهم لم يأتِ بعد وإنما يأتي في آخر الزمان، ورغم كل المعاجز التي أتى بها الرسول الأكرم لهم على صحة دعواه فلم يؤمنوا به واعتبروا معاجزه شعوذة وسحراً وافتراءات على الله (عز وجل) ولكن الله لم يمهلهم إلا أياماً معدودة حيث بدأ هجوم الجيش الإسلامي على مواقعهم المحصنة بقيادة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ودمر معاقلهم، واحتل حصونهم وأخذهم أسري بين يدي الرسول الأعظم بعد أن قتل الإمام
علي (عليه السلام) قائدهم مرحب، ومن كان معه من الظلمة بسيفه الصارم. وهذا كان هو الجزاء الطبيعي لكل من ينكر المعجزة ويستهزئ بها، وعلى هذا الأساس سيكون جزاء كل من ينكر معجزة الإمام المهدي (عليه السلام) أن يقتَّل، أو يعيش ذليلاً صاغراً حسب ما يحكم عليه الإمام سواء كان من علماء السوء أو من الناس العاديين لأن من يقف أمام حكم الله وإرادته وينكر بيناته ومعاجزه التي يؤتيها الحجة (عليه السلام) لا يكون مصيره بأحسن من ذلك، هذا في عالم الدنيا وأما في الآخرة فيرد إلى أشد العذاب ومأواه جهنم وبئس المهاد...
إذن وعلى ضوء هذا البيان اتضح معني الإصلاح الذي ورد في الأحاديث الشريفة بشأن الإمام الحجة  (عجل الله فرجه الشريف)، حيث بدى جلياً أن الإصلاح يعني هذين الأمرين المرتبط أحدهما بالآخر بشكل كامل، ألا وهما الإذن الإلهي للإمام (عليه السلام) بالخروج وإعلان دعوته ونهضته المباركة، ومن ثم - وتبعاً لذلك-

(٩٩)

إعطاء القدرات الخارقة للإمام (عليه السلام) والإذن له بإظهار المعاجز التي تؤيد دعوته وتؤكد إمامته وولايته الربانية المباركة.
وهذه المعاجز مذخورة له ليوم الإعلان عن إمامته وولايته ذلك اليوم الذي هو يوم مصيري لمن يدعي أنه مسلم وأنه الموالي وإذا أعلن الإمام عن نفسه وإذا ظهرت المعاجز من الإمام بإحياء الموتى وشفاء المرضي فعلى الجميع الخضوع له وتسليم الأمر إليه فهو الإمام المفترض الطاعة ولا يحق لأحد أن يتشبث بأعذار يعتقد أنها راسخة وهي في الأساس واهية كالقول إنني لازلت أشك في أمره وأنه هل هو حقاً هو ذلك المهدي المبشر به في الأحاديث أو القول أن الشخصية الماثلة أمامه لا تتطابق مع الأحاديث التي ترامت إليه.. لأن هذه التشكيك هو من قبيل ذر الرماد في العيون، فالإمام هو القرآن الناطق والحق المتكلم وكل الأحاديث يجب أن توضع في ميزان الشخصية الربانية التي ظهرت المعاجز على يديه الكريمتين فهو ميزان الحق وهو الذي يفسر القرآن وهو الذي يبين صحة الأحاديث المروية ويميز الصحيحة عن الموضوعة والمكذوبة.
والميزان الصحيح في ومعرفة الإمام الحقيقي عن المدعي بالإمامة هو في المعاجز التي يُظهرها الإمام (عليه السلام) كما كان الأنبياء (عليهما السلام) الذين كانوا يبينون صدق نبوتهم بما يظهرون للناس من المعاجز والكرامات.
ونحن مع هذه الفاصلة الزمنية الكبيرة بيننا وبين النبي الأكرم وأهل بيته الأطهار لا نستطيع أن نعرف بالدقة الكاملة الحديث الصحيح عن الموضوع مئة في المئة خصوصاً مع علمنا أن الأعداء كانوا يضعون الأحاديث على لسان الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) في حياته، فما بالك بعد مماته، خصوصاً مع تعاقب الحكومات الظالمة التي كانت تصدر الأحاديث يومياً بأعداد كثيرة من هيئة علماء السلاطين لتقوية أركان حكومتها الجائرة. ومن هنا يتضح ان الإصلاح في أمر الإمام هو الإذن الإلهي له بالخروج وإظهار المعاجز لأن المعجزة تمثل كلمة الفصل في ذلك ومن هنا فالمعاجز التي تظهر على يد الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

تكون هي كلمة الفصل في الدلالة على شخصيته الربانية المصطفاة.

(١٠٠)

الولاية أولا
ما معنى الولاية، ولماذا الولاية؟
هل هي المحبة والإخاء، أم المشايعة والإتباع، أم الأولوية والحاكمية؟
قد تكون كل هذه المعاني مكنونة في كلمة الولاية، إلا أن المعني البارز والظاهر من هذه الكلمة هو الأولوية والحاكمية، كما جاء في الآية الكريمة: (إنما وَلِيُّكمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ رَاكعُونَ) (المائدة:55) والآية الكريمة (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُوا الاَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكم مَّعْرُوفاً كانَ ذَلِك فِي الْكتَابِ مَسْطُورًا).(الاحزاب:6) وهذا يعني إن الرسول حاكم على النفوس وله الحكومة الإلهية على جميع الناس. ومن هذا المنطلق جاءت الأحاديث لتؤكد معنى الحكومة في كلمة الولاية:
- عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): - أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب من تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولى الله حيث

(١٠٣)

يعتمد الإيمان على ولاية الله (عز وجل)، والرسول وأهل بيته الأطهار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. كما جاء في الآية السابقة.
وفي بيان تعيين الأوصياء والأولياء من بعد النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) روي المجلسي في البحار عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهما السلام) عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: -.. أولهم علي بن أبي طالب وأخرهم مهدي أمتي، فقلت يا رب هؤلاء أوصيائي، فنوديت يا محمد هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريتي وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني ولأعلين بهم كلمتي ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي ولأملكنه مشارق الأرض ومغاربها ولأسخرن له الرياح ولأذللن له السحاب الصعاب ولأرقينه في الأسباب ولأنصرنه بجندي ولأمدنه بملائكتي حتى يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي، ثم لأديمن ملكه...).
1- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي إثنا عشر أولهم أخي وآخرهم ولدي.
قيل: يا رسول الله ومن أخوك؟
قال: علي بن أبي طالب.
قيل: فمن ولدك؟
قال: المهدي الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً-.
2- وعنه إنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: - المقرّ بهم مؤمن والمنكر لهم كافر-.
3- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - ومن أبغضنا ورَدَّنا أو رَدَّ واحداً منا فهو كافر بالله وآياته-.

(١٠٤)

4- عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وهو يتحدث عن الإمام القائم - (عجل الله فرجه)-: - ويكون أولي بالناس منهم بأنفسهم-.
ومن دون الولاية ترفض جميع الأعمال مهما كانت صالحة. فكما لا يقبل الله أي عمل من الذي يرفض الإيمان بوحدانيتهِ، كذلك لا يقبل إذا لم يكن الفرد مؤمناً برسالة الرسول الأكرم. بنص الآية الشريفة: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85).
وكذلك أيضاً يرفض الله (عز وجل) جميع أعمال الفرد الذي يرفض الانصياع لطاعة أولي الأمر من آل الرسول الأكرم، الذين فرض الله طاعتهم في القرآن الكريم بعد أن أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، حيث يخاطب المؤمنين في كتابه الحكيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُولِي الأمر مِنْكمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآخر ذَلِك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء:59).
وإن أي تجزئة بين أولي الأمر من آل الرسول الأكرم وبين النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أو بين أحد منهم مرفوضة نهائياً، فلا يمكن قبول طاعة أي شخص إذا لم يكن مؤمناً بولاية أهل البيت المعصومين جميعهم. فالتجزئة بقبول ولاية بعضهم دون البعض الآخر يعتبر رفضاً للجميع. وقد جاء في الحديث الشريف عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): - أما إن المقر بالأئمة بعد رسول الله المنكر لولدي، كمن أقرَّ بجميع أنبياء الله ورسله ثم أنكر نبوة محمد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) والمنكر لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كمن أنكر جميع الأنبياء، لان طاعة آخرنا كطاعة أولنا والمنكر لأخرنا كالمنكر لأولنا-.

(١٠٥)

والإمام الحجة (عليه السلام) هو أحد الأئمة الذين فرض الله طاعتهم على الناس، فرفض قبول ولايته هو في الحقيقة رفض لولاية الأئمة الأطهار، وقبول ولايته قبول لولايتهم جميعاً.
وبما أن هناك طوائف من الناس ترفض ولاية الإمام المهدي (عليه السلام) حين قيامه وخروجه، ومن بينهم علماء السوء، لذا ركزت أحاديث أهل البيت على أن أي نوع من الإنكار لإمامة وولاية الإمام المهدي هو بمثابة إنكار جميع الأئمة السابقين، وإن من يفعل ذلك ترد أعماله حتى ولو كان الفرد يعترف ببقية الأئمة الأطهار. ومن قبل حذَّر القرآن الحكيم مراراً من أية عملية تفرقة بين الأنبياء والرسل حيث تعتبر بمثابة كفر برسالة الله بنص الآية الشديدة التحذير:
(إِنَّ الَّذِينَ يَكفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِك سَبِيلاً - اُوْلَئِك هُمُ الْكافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً) (النساء:150-151)
وعلى هذا الأساس كان أمر الله بطاعته وإطاعة رسوله، والذين أمنوا من باب واحد. والإيمان يجب أن يكون بجميعهم دون التفريق بينهم، لأنّ أي تفريق بينهم يعتبر رفضاً للكل. ورفضهم يكون العصيان الحقيقي لأمر الطاعة الذي أوجبته الآية الكريمة السابقة الذكر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُولِي الأمر مِنْكمْ) (النساء، 59)
والذين يرفضون الإمام المهدي (عليه السلام) حكمهم حكم الذين رفضوا ولاية الإمام الرضا (عليه السلام) أو ولاية الإمام الكاظم (عليه السلام)، أو ولاية الإمام زين العابدين (عليه السلام)، حيث تكون أعمالهم غير مقبولة عند الله سبحانه وتعالي، ويعتبرون كالخوارج الذين رفضوا ولاية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ فهؤلاء حكمهم واحد، ومصيرهم واحد، ويحشرون إلى جهنم وبئس الورد المورود.

(١٠٦)

وقد جاء في الحديث النبوي الشريف عن الرسول الكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - لما أسري بي إلى السماء أوحي إلى ربي جل جلاله فقال: يا محمد.. لو أن عبداً عبدني حتى ينقطع ويصير كالشن البالي، ثم أتاني جاحداً لولايتهم ما أسكنته جنتي، ولا أظللته تحت عرشي-.
وتأكيداً لهذه الحقيقة خاطب الإمام الرضا (عليه السلام) يوم أراد الحركة من نيشابور وهو على هودجه خاطب الجماهير الحاشدة حول مركبه ناقلاً لهم حديثاً قدسياً من الله (عز وجل): - كلمة لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي.. وأضاف: بشرطها وشروطها وأنا من شروطها-.
وعلى ضوء هذا التصريح الرضوي الصريح فقبول ولاية كل إمام معصوم من أهل البيت (عليهما السلام) شرط أساسي لدخول حصن الله سبحانه وتعالي، وشرط أساسي في قبول توحيد الموحدين، وإلاّ فلا يعتبر موحداً وقابلاً لولاية الله من يكون رافضاً لولاية من أوجب الله ولايتهم (عليهما السلام) بنص الآية الشريفة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُولِي الأمر مِنْكمْ) (النساء:59)
ومن هنا نقول أن عدم قبول ولاية الإمام الحجة حين قيامه وخروجه يكون رفضاً لولاية جميع الأئمة الأطهار، تحت أي عنوان من العناوين كان ذلك الإنكار. وذلك لأن الأحاديث الشريفة لم تدع لأحد مجالاً للشك والترديد حيث بينت شخصَّية الإمام المهدي وعظمته بكل وضوح.
ومن تلك الأحاديث التي تطرقت لولاية الأئمة المعصومين (عليهما السلام) هذه المجموعة التالية:
1- عن جعفر، عن أبيه: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): - منا سبعة خلقهم الله (عز وجل) لم يخلق في الأرض مثلهم؛ منا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) سيد الأولين والآخرين وخاتم

(١٠٧)

النبيين، ووصيه خير الوصيين، وسبطاه خير الأسباط حسناً وحسيناً (كذا) وسيد الشهداء حمزة عمه، ومن قد طاف مع الملائكة جعفر، والقائم-.
2- عن الأصبغ بن نباته قال: كنا مع علي (عليه السلام) بالبصرة، وهو على بغلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وقد اجتمع هو وأصحاب محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال: - ألا أخبركم بأفضل خلق الله عند الله يوم يجمع الرسل-؟ قلنا: بلي يا أمير المؤمنين. قال: - أفضل الرسل محمد، وإن أفضل الخلق بعدهم الأوصياء، وأفضل الأوصياء أنا، وأفضل الناس بعد الرسل والأوصياء الأسباط، وإن خير الأسباط سبطا نبيكم يعني الحسن والحسين، وإن أفضل الخلق بعد الأسباط الشهداء، وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، قال ذلك النبي وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين، مخضبان بكرامةٍ خص الله (عز وجل) بها نبيكم، والمهدي منا في آخر الزمان لم يكن في أمة من الأمم مهدي ينتظر غيره-.
3- عن الأصبغ بن نباته قال: رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم أفتتح البصرة وركب بغلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).... (ثم) قال: - أيها الناس ألا أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم الله-؟ فقام إليه أبو أيوب الأنصاري، فقال: بلي، يا أمير المؤمنين، حدثنا فإنك كنت تشهد ونغيب. فقال: - إن خير الخلق يوم يجمعهم الله سبعة من ولد عبد المطلب لا ينكر فضلهم إلا كافر ولا يجحد به إلا جاحد-. فقام عمار بن ياسر رحمه الله فقال: يا أمير المؤمنين سمهم لنا لنعرفهم. فقال: - إن خير الخلق يوم يجمعهم الله الرسل، وإن أفضل الرسل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وإن أفضل كل أمة بعد نبيها وصي نبيها، حتى يدركه نبي، ألا وإن أفضل الأوصياء وصي محمد (عليه وآله السلام)، ألا وإن أفضل الخلق بعد

(١٠٨)

الأوصياء الشهداء، ألا وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب له جناحان يطير بهما في الجنة لم ينحل أحد من هذه الأمة جناحان غيره، شيء كرم الله به محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) وشرفه والسبطان الحسن والحسين والمهدي (عليهما السلام) يجعله الله متى شاء منا أهل البيت. ثم تلا هذه الآية: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأوْلَئِك مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أولئِك رَفِيقاً - ذَلِك الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكفَي بِاللَّهِ عَلِيماً) (النساء:67-70).
4- وفي بيان شيق وتفصيل جميل جذاب عن بداية الخليقة والأفضلية جاء في الحديث الشريف، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال:
- إن الله حين شاء تقدير الخليقة وذرء البرية وإبداع المبدعات نصب الخلق في صور كالهباء قبل دحو الأرض ورفع السماء وهو في انفراد ملكوته وتوحد جبروته فأتاح (فأساح) نوراً من نوره فلمع، و(نزع) قبساً من ضيائه فسطع، ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفية فوافق ذلك صور نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال الله عز من قائل: أنت المختار المنتخب وعندك مستودع نوري، وكنوز هدايتي من أجلك أسطح البطحاء، وأمرج الماء، وأرفع السماء، وأجعل الثواب والعقاب، والجنة والنار، وأنصب أهل بيتك للهداية حجتي على بريتي، والمنبهين على قدرتي ووحدانيتي. ثم أخذ الله الشهادة عليهم بالربوبية، والإخلاص بالوحدانية فبعد أخذ ما أخذ من ذلك شاء ببصائر الخلق انتخب محمداً وآله (فقبل أخذ ما أخذ جل شأنه ببصائر الخلق أنتخب محمداً وآله) وأراهم أن الهداية معه والنور له والإمامة في آله، تقديماً لسنة العدل وليكون الإعذار متقدماً، ثم أخفي الله الخليقة في غيبه وغيبها في مكنون علمه، ثم نصب العوامل وبسط الزمان، ومرج الماء وأثار الزبد، وأهاج الدخان فطفا عرشه على الماء، فسطح

(١٠٩)

الأرض على ظهر الماء (وأخرج من الماء دخاناً فجعله السماء) ثم استجلبهما إلى الطاعة فأذعنتا بالاستجابة، ثم أنشأ الله الملائكة من أنوار أبدعها، وأرواح اخترعها، وقرن بتوحيده نبوة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فشُهرت في السماء قبل بعثه في الأرض. فلما خلق آدم أبانَ فضله للملائكة، وأراهم ما خصه به من سابق العلم من حيث عرفه عند استنبائه إياه أسماء الأشياء فجعل الله آدم محراباً، وكعبة، وباباً، وقبلة، وأسجدَ إليها الأبرار والروحانيين والأنوار. ثم نبه آدم على مستودعه، وكشف له (عن) خطر ما ائتمنه عليه، بعد ما سماه إماماً عند الملائكة، فكان آدم من الخير ما اراه من مستودع نورنا ولم يزل الله تعالى يخبئ النور تحت الزمان إلى أن فضل محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) في ظاهر الفترات فدعا الناس ظاهراً وباطناً وندبهم سراً وإعلاناً واستدعي (عليه السلام) التنبيه على العهد الذي قدمه إلى الذر قبل النسل. فمن وافقه وقبس من مصباح النور المقدم اهتدي إلى سرّه، واستبان واضح أمره، ومن ألبسته الغفلة استحق السخط، ثم انتقل النور إلى غرائزنا، ولمع في أئمتنا فنحن أنوار السماء، وأنوار الأرض، فبنا النجاء ومنا مكنون العلم وإلينا مصير الأمور وبمهدينا تتقطع الحجج، خاتمة الأئمة ومنقذ الأمة، وغاية النور ومصدر الأمور. فنحن أفضل المخلوقين وأشرف الموحدين وحجج رب العالمين فليهنأ بالنعمة من تمسك بولايتنا وقبض على عروتنا-.
5- ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن الحرث، بن يزيد، عن ابن زرين الغافقي، سمع علياً (عليه السلام) يقول: - هو من عترة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) -.

(١١٠)

6- عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، وسعد بن عبد اله، عن عبد الله بن محمد الطيالستي، عن منذر بن محمد بن قابوس، عن النصر بن أبي السري، عن أبي داود سليمان بن سفيان المسترق، عن ثعلبة ميمون، عن مالك الجهني، عن الحارث بن المغيرة النصري، عن الأصبغ بن نباته، قال: أتيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فوجدته متفكراً ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين مالي أراك متفكراً تنكت في الأرض أرغبت فيها؟ فقال: - لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكن فكرت في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر من ولدي، وهو المهدي الذي يملؤ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له غيبة وحيرة، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون-.
فقلت: يا أمير المؤمنين وكم تكون الحيرة والغيبة؟
قال: - ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين-.
فقلت: وإن هذا لكائن؟
فقال: - نعم، كما أنه مخلوق وأني لك بهذا الأمر يا أصبغ، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة-.
فقلت: ثم ما يكون بعد ذلك؟
قال: - ثم يفعل الله ما يشاء فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات-.
7- عن الأصبغ بن نباته قال: خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم، ويده في يد ابنه الحسن (عليه السلام)، وهو يقول: خرج علينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذات

(١١١)

يوم ويدي في يده هكذا، وهو يقول: خير الخلق بعدي وسيدهم أخي هذا، وهو إمام كل مسلم، ومولي كل مؤمن بعد وفاتي.
ألا وإني أقول: خير الخلف بعدي وسيدهم ابني هذا، وهو إمام كل مؤمن، ومولي كل مؤمن بعد وفاتي، ألا وإنه سيُظلم بعدي كما ظُلمت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وخير الخلق وسيدهم بعد الحسن إبني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه، المقتول في أرض كربلاء، أما إنه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة. ومن بعد الحسين تسعة من صلبه خلفاء الله في أرضه وحججه على عباده، وأمناؤه على وحيه وأئمة المسلمين، وقادة المؤمنين وسادة المتقين، تاسعهم القائم الذي يملأ الله (عز وجل) به الأرض نوراً بعد ظلمتها، وعدلاً بعد جورها، وعلماً بعد جهلها. والذي بعث أخي محمداً بالنبوة، واختصني بالإمامة، لقد نزل بذلك الوحي من السماء على لسان الروح الأمين جبرئيل، ولقد سأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) -وأنا عنده- عن الأئمة بعده، فقال للسائل: والسماء ذات البروج إن عددهم بعدد البروج، ورب الليالي والأيام والشهور، وإن عددهم كعدد الشهور، فقال السائل: فمن هم يا رسول الله؟ فوضع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يده على رأسي. فقال: أولهم هذا وأخرهم المهدي، من عاداهم فقد عاداني، ومن أحبهم فقد أحبني، ومن أبغضهم فقد أبغضني، ومن أنكرهم فقد أنكرني، ومن عرفهم فقد عرفني. بهم يحفظ الله (عز وجل) دينه، وبهم يعمر بلاده، وبهم يرزق عباده، وبهم ينزل القطر من السماء، وبهم يخرج بركات الأرض، هؤلاء أصفيائي وخلفائي وأئمة المسلمين وموالي المؤمنين-.

(١١٢)

8- عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي (عليهما السلام). قال: - سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معني قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، من العترة؟ فقال (عليه السلام): أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديهم لا يفارقون كتاب الله، ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حوضه-.
9- عن أبي الحسين محمد بن هارون، عن أبيه قال: حدثنا أبو علي الحسن بن محمد النهاوندي قال: حدثنا العباس بن مطر الهمداني قال: حدثنا إسماعيل بن علي المقرئ قال حدثنا محمد بن سليمان قال حدثني أبو جعفر العرجي، عن محمد بن يزيد، عن سعيد بن عباية، عن سلمان الفارسي قال خطبنا أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمدينة، وقد ذكر الفتنة وقربها، ثم ذكر قيام القائم من ولده وأنه يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً. قال سلمان: فأتيته خالياً فقلت: يا أمير المؤمنين! متى يظهر القائم من ولدك؟ فتنفس الصعداء وقال: - لا يظهر القائم حتى يكون أمور الصبيان، وتضييع حقوق الرحمن، ويتغني بالقرآن بالتطريب والألحان، فإذا قتلت ملوك بني العباس أولي الغمار والالتباس أصحاب الرمي عن الأقواس بوجوه كالتراس، وخربت البصرة، وظهرت العشرة... هناك يقوم المهدي من ولد الحسين لا ابن مثله...-.
10- عن أمير المؤمنين (عليه السلام) - التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق، المظهر للدين، والباسط للعدل. قال الحسين: فقلت له: يا أمير المؤمنين، وإن ذلك لكائن؟

(١١٣)

فقال (عليه السلام): أي والذي بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة، واصطفاه على جميع البرية، ولكن بعد غيبة وحيرة، فلا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون لروح اليقين الذين أخذ الله (عز وجل) ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه-
لقد ظهر بوضوح من خلال هذه الروايات أن الولاية شرط أساسي لقبول الأعمال، كما تبين أن المؤمنين بالإمام المهدي (عليه السلام) حين قيامه وخروجه عددهم قليل وإنهم آمنوا به في عالم الميثاق قبل المجيء إلى عالم الدنيا بأزمان متمادية وإن الثابتين على ولايته مع كثرة المعارضين له يعتبرون من الأوائل الذين باشروا روح الإيمان واليقين وأنهم من المخلصين المؤيدين بملائكة الرحمن وهذه القلة في الأنصار والأصحاب قد تكون أيضاً بسبب وجود طائفة من الناس تروج لحالة التشكيك بشخصية الإمام من قبل الأعداء بإشاعة الأحاديث والروايات الموضوعة التي طالما استفادوا منها لأغراضهم الشخصية والمصلحية.
11- جاء في الحديث عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: - يا سليم قد سألت فافهم الجواب. إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وخاصاً وعاماً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كذب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) على عهده حتى قام خطيباً فقال: أيها الناس قد كثرت عليّ الكذابة، فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. ثم كذب عليه من بعده حين توفي رحمة الله على نبي الرحمة (صلّى الله عليه وآله وسلم). وإنما يأتيك بالحديث أربعة نفر ليس لهم خامس: (رجل) منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام، لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله متعمداً، فلو علم المسلمون أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه، ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا هذا صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) راه وسمع منه وهو لا يكذب ولا يستحل

(١١٤)

الكذب على رسول الله، وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبر ووصفهم بما وصفهم فقال الله (عز وجل): (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُك أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) (المنافِقون:4). ثم بقوا بعده وتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان، فولوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله، فهذا أول الأربعة. ورجل سمع من رسول الله فلم يحفظه على وجهه ووهم فيه ولم يتعمد كذباً، وهو في يده يرويه ويعمل به ويقول أنا سمعته من رسول الله، فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوا، ولو علم هو أنه وهم لرفضه. ورجل ثالث سمع من رسول الله شيئاً أمر به، ثم نهي عنه وهو لا يعلم، أو سمعه نهي عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم، حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون أنه منسوخ لرفضوه، ورجل رابع لم يكذب على الله ولا على رسول الله، بغضاً للكذب وتخوفاً من الله وتعظيماً لرسوله (عليه السلام) ولم يوهم، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمعه ولم يزد فيه ولم ينقص، وحفظ الناسخ من المنسوخ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ. وإن أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ونهيه مثل القرآن ناسخ ومنسوخ وعام وخاص ومحكم ومتشابه، وقد كان يكون من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) الكلام له وجهان: كلام خاص وكلام عام مثل القرآن يسمعه من لا يعرف ما عني الله وما عني به رسول الله. وليس كل أصحاب رسول الله كان يسأله فيفهم، وكان منهم من يسأله ولا يستفهم، حتى أن كانوا يحبون أن يحئ الطارئ والأعرابي فيسأل رسول الله حتى يسمعوا منه، وكنت أدخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة، فيخليني فيها أدور معه حيث دار وقد علم أصحاب رسول الله أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد غيري، وربما كان ذلك في منزلي فإذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي وأقام نساءه فلم يبق غيري

(١١٥)

وغيره، وإذا أتاني للخلوة في بيتي لم تقم من عندنا فاطمة ولا أحد من أبني، إذا أسأله أجابني، وإذا سكت أو نفدت مسائلي ابتدأني، فما نزلت عليه آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها عليّ فكتبتها بخطي، ودعا الله أن يفهمني إياها ويحفظني، فما نسيت آية من كتاب الله منذ حفظتها، وعلمني تأويلها فحفظته وأملاه عليّ فكتبته، وما ترك شيئاً علمه الله من حلال وحرام، أو أمر ونهي أو طاعة ومعصية كان أو يكون إلى يوم القيامة إلا وقد علمنيه وحفظته، ولم أنس منه حرفاً واحداً، ثم وضع يده على صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علماً وفهماً وفقهاً وحكماً ونوراً، وأن يعلمني فلا أجهل، وأن يحفظني فلا أنسي، فقلت له ذات يوم: يا نبي الله إنك منذ يوم دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئاً مما علمتني، فلم تمليه عليّ وتأمرني بكتابته، أتتخوف عليّ النسيان؟ فقال: يا أخي لست أتخوف عليك النسيان ولا الجهل، وقد أخبرني الله أنه قد استجاب لي فيك، وفي شركائك الذين يكونون من بعدك. قلت يا نبي الله ومن شركائي؟ قال الذين قرنهم الله بنفسه وبي معه، الذي قال في حقهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُولِي الأمْرِ مِنْكمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (النساء:59). قلت: يا نبي الله ومن هم (.....) الأوصياء إلى أن يردوا على حوضي، كلهم هاد مهتد، ولا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم ولا يفارقونه ولا يفارقهم، بهم ينصر الله أمتي وبهم يمطرون ويدفع عنهم بمستجاب دعوتهم، فقلت: يا رسول الله سمهم له: فقال أبني هذا ووضع يده على رأس الحسن، ثم ابني هذا ووضع يده على رأس الحسين، ثم ابن أبني هذا ووضع يده على رأس الحسين، ثم ابن له على اسمي اسمه محمد، باقر علمي وخازن وحي الله، وسيولد علي في حياتكم يا أخي فأقراه مني السلام، ثم أقبل على الحسين فقال سيولد لك محمد بن علي في حياتك فأقراه مني

(١١٦)

السلام ثم تكملة الاثني عشر إماماً من ولدك يا أخي. فقلت يا نبي سمهم لي، فسماهم لي رجلاً رجلاً منهم والله - يا أخا بني هلال - مهدي هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. والله إني لأعرف جميع من يبايعه بين الركن والمقام واعرف أسماء الجميع وقبائلهم-.

(١١٧)

12- عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: - دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في بيت أم سلمه وقد نزلت هذه الآية: (اِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكمْ تَطْهِيراً) (الاحزاب:33)، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يا علي هذه الآية نزلت فيك وفي سبطي والأئمة من ولدك. فقلت: يا سول الله وكم الأئمة بعدك؟ قال: أنت يا علي ثم ابناك الحسن والحسين، وبعد الحسين علي ابنه، وبعد علي محمد ابنه، وبعد محمد جعفر ابنه، وبعد جعفر موسى ابنه، وبعد موسى علي ابنه، وبعد علي محمد ابنه، وبعد محمد علي ابنه، وبعد علي الحسن ابنه، والحجة من ولد الحسن، هكذا وجدت أساميهم مكتوبة على ساق العرش، فسألت الله تعالى عن ذلك، فقال: يا محمد: هم الأئمة بعدك مطهرون معصومون، وأعداؤهم ملعونون-
13- وأسند الحاجب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام): قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): - من سره أن يلقي الله وهو عنه راض فليتولك يا علي، ومن أحب أن يلقي الله مقبلاً عليه فليتول ابنك الحسن، ومن أحب أن يلقي الله لا خوف عليه فليتول ابنك الحسين، ومن أحب أن يلقاه وقد محص عنه ذنوبه فليتول علي بن الحسين، ومن أحب أن يلقاه وقد رفعت درجاته وبدلت بالحسنات سيئاته فليتول محمد بن علي، ومن أحب أن يلقي الله وهو قرير العين فليتول جعفر بن محمد، ومن أحب أن يلقي الله وهو مطهرّ فليتول ابنه موسى، ومن أحب أن يلقي الله وهو ضاحك فليتول ابنهِ علياً الرضا، ومن أحب أن يلقاه فيعطيه كتابه بيمنه فليتول ابنه محمداً، ومن أحب أن يلقاه فيحاسبه حساباً يسيراً ويدخل الجنة فليتول ابنه علياً، ومن أحب أن يلقاه وهو من الفائزين فليتول

(١١٨)

ابنه الحسن، ومن أحب أن يلقاه وقد كمل إيمانه فليتول ابنه المهدي المنتظر (عليه السلام)، فهؤلاء مصابيح الدجي وأئمة الهدي، من تولاهم كنت ضامناً له على الله الجنة .
14- وأسند أخطب خوارزم برجاله إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام): قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): - أنا واردكم على الحوض، وأنت يا علي الساقي، الحسن الذائد، والحسين الآمر، وعلي بن الحسين الفارس، ومحمد بن علي الناشر، وجعفر بن محمد السائق، وموسي بن جعفر محصي المحبين والمبغضين وقامع المنافقين، وعلي بن موسى معين، ومحمد بن علي منزل أهل الجنة في درجاتهم، وعلي بن محمد خطيب شيعته ومزوجهم الحور العين، والحسن بن علي سراج أهل الجنة، والمهدي شفيعهم يوم القيامة-.
15- عن محمد بن الحسين الكوفي، عن إسماعيل بن موسى، عن محمد بن سليمان، عن شريك، عن حكيم بن جبير، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس، قال: خطبنا أمير المؤمنين عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) على منبر الكوفة خطبة اللؤلؤة، فقال فيما قال: - إنه لعهد عهده إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً، تسعة من الحسين. ولقد قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): لما عرج بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش فإذا مكتوب عليه لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، أيدته بعلي ونصرته بعلي. ورأيت اثني عشر نوراً فقلت: يا رب أنوار من هذه؟ فنوديت يا محمد هذه أنوار الأئمة من ذريتك. قلت: يا رسول الله أفلا تسميهم لي؟ قال: نعم، أنت الإمام والخليفة بعدي تقضي ديني وتنجز عداتي وبعدك ابناك الحسن والحسين وبعد الحسين ابنه علي زين العابدين، وبعد علي ابنه محمد يدعي بالباقر، وبعد محمد ابنه جعفر يدعي بالصادق، وبعد جعفر ابنه موسى يدعي بالكاظم، وبعد موسى ابنه علي يدعي بالرضا، وبعد علي ابنه محمد يدعي بالزكي، وبعد محمد ابنه علي يدعي بالنقي، وبعده ابنه الحسن يدعي بالأمين، والقائم من ولد الحسن سميّي وأشبه الناس بي، يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً-.

(١١٩)

16- عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن عبد الله بن القاسم، عن حنان بن السراج، عن داود بن سليمان الكسائي عن أبي الطفيل قال: شهدت جنازة أبي بكر يوم مات وشهدت عمر حين بويع وعلي (عليه السلام) جالس ناحية فأقبل غلام يهودي جميل (الوجه) بهي، عليه ثياب حسان وهو من ولد هارون حتى قام على رأس عمر فقال: يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الأمة بكتابهم وأمر نبيهم؟ قال: فطأطأ عمر رأسه، فقال: إياك أعني وأعاد عليه القول. فقال له عمر: لم ذاك؟ قال: إني جئتك مرتاداً لنفسي، شاكاً في ديني. فقال: دونك هذا الشاب. قال: ومن هذا الشاب؟ قال: هذا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهذا أبو الحسن والحسين ابني رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهذا زوج فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم). فأقبل اليهودي على علي (عليه السلام) فقال: أكذاك أنت؟ قال: نعم. قال: إني أريد أن أسألك عن ثلاثة وثلاث وواحدة. قال: فتبسم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا هاروني ما منعك أن تقول سبعاً؟ قال: أسألك عن ثلاث فإن أجبتني سألت عما بعدهن وإن لم تعلمهن علمت أنه ليس فيكم عالم. قال علي (عليه السلام): - فإني أسألك بالإله الذي تعبده لئن أنا أجبتك في كل ما تريد لتدعن دينك ولتدخلن في ديني-؟ قال: ما جئت إلاّ لذلك. قال: فسل. قال: أخبرني عن أول قطرة دم قطرت على وجه الأرض، أي قطرة هي؟ وأول عين فاضت على وجه الأرض، أي عين هي؟ وأول شيء اهتز على الأرض، أي شيء هو؟ فأجابه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: أخبرني عن الثلاث الأخر، أخبرني عن محمد كم له من إمام عدل؟ وفي أي جنة يكون؟ ومن ساكنه معه في جنته؟ فقال: - يا هاروني إن لمحمد اثني عشر إمام عدل، لا يضرهم خذلان من خذلهم ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم وإنهم في الدين أرسب من الجبال الرواسي في الأرض، ومسكن محمد في جنته معه أولئك الإثني عشر الإمام العدل-. فقال: صدقت والله الذي لا إله إلا هو إني لأجدها في كتاب أبي هارون، كتبه بيده، وإملاء موسى عمي.

(١٢٠)

فهذه الروايات والعشرات من الأحاديث والآيات من أمثالها تؤكد وبشكل صريح على ضرورة الولاية لأهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وإن الموالي لهم هو معهم في الجنة عند مليك مقتدر وان المخالف لهم في نار جهنم بدون شك وريب. فقبول إمامتهم والإقتداء بهم هو قبول ولاية الله والرسول ورفض ولايتهم هو رفض لولاية الله والرسول لما نطق به الكتاب المجيد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكمْ) (النساء: 59). فليس من المعقول أن يأمر الله بإطاعة أولي الأمر من دون أن يُعيَّن ويحدّد مَن هم. بلي فقد حدد وبينه عبر لسان رسوله الأكرم وأهل بيته الأطهار وما ذكرناه من الروايات فهي نبذة من تلك الأحاديث المتواترة التي لا تقبل النقاش والتشكيك فما نص به القرآن وما تحدثت به الأحاديث على ولاية الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعلى ولاية الأئمة الأطهار (عليهما السلام) لم تدع لأحد شك في أن أُولي الأمر هم الأئمة الأطهار من آل البيت (صلّى الله عليه وآله وسلم)، حيث تجب طاعتهم والسير على نهجهم والتمسك بولايتهم والتبري من عدوهم. فالولاية شرط في قبول الأعمال والوصول إلى الدرجات الساميات في الجنان وهي أساس الإيمان والإسلام، والإمام المهدي - (عجل الله فرجه)- من أولي الأمر الذين أمر الله سبحانه بطاعتهم وولايتهم، وجزء من هذا الإيمان الولائي، وطاعته كطاعة الله والرسول وبقية الأئمة الأطهار، ورفضه رفض لولاية الله ورسوله والأئمة المعصومين الأبرار (عليهما السلام).
فهل بعد هذا البيان من شك؟!

(١٢١)

كيف نعرف الإمام
كيف يمكن معرفة الإمام المهدي (عليه السلام)؟ وما هي الطريقة الصحيحة للإطلاع على شخصيته المباركة؟
إن المنهج الصحيح في معرفة الإمام (عليه السلام) هو نفس المنهج المتبع في معرفة الأنبياء (عليهما السلام)، فكما أن الأنبياء والرسل يُعرفون بالآيات والبينات والمعاجز والكرامات، كذلك يُعرف الإمام (عليه السلام).
فمعرفة صدق مدّعي النبوة من كذبه هو مدى قدرته على الإتيان بالدليل القاطع من المعاجز والآيات للدلالة على ارتباطه بالسماء، وكذلك مدّعي الإمامة، فالذي يدعي أنه الإمام من قبل الله (عز وجل) لابد وأن يأتي بالبرهان على صحة مقالته، كالمعاجز والقدرات الخارقة للطبيعة، مما يعجز غيره عنها، ليدل على ارتباطه بخالق الكون وأنه الإمام الموصي به من قبل الرسول الأكرم. فإذا أتي بذلك كان هو الإمام الحق كإحياء الموتى وشفاء المرضي الذين يأس الأطباء من معالجتهم ويكفي في إحراز كونه إماماً أن يقوم بإحيائه ميتاً ولو كان

(١٢٣)

فرداً واحداً وإذا لم يستطع القيام بذلك فهو مدع كاذب لا دليل قاطع عنده على مدّعاه.
من هنا جاءت أحاديث أهل البيت (عليهما السلام) في تعريف الناس بالإمام المهدي (عليه السلام) وصفاته والعلامات المرسومة في جسده من جهة، ومعرفته من خلال ما عنده من المعاجز والقدرات التي لا تتأتي لأحد غيره، والتي تثبت للناس صحة ادّعائه للإمامة من جهة أخري، فقد جاء في الحديث الشريف عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق (عليه السلام): - إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين يرجع في إحداهما إلى أهله، والأخرى يقال: هلك في أي وادٍ سلك-. قلت كيف نصنع إذا كان ذلك؟ قال: - إن ادّعي مدّع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله-.
وفي رواية أخري بتفاوت يسير - لصاحب هذا الأمر غيبتان... كيف نصنع إذا كان كذلك.... فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله-..
وفي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) لمّا سُئل عن الحجة على من يدّعي هذا الأمر، قال: - يُسأل عن الحلال والحرام، ثم أقبل علي فقال: ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلاّ كان صاحب هذا الأمر: أن يكون أولي الناس بمن كان قبله، ويكون عنده السلاح، ويكون صاحب الوصية الظاهرة...-
وفي هذا الصدد بين القرآن الكريم كيفية التعرف على الإمام في هذه الآية المباركة (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِك إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكرِ إِن كنتُم لاَ تَعْلَمُونَ - بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) (النحل:43-44)
فالبينات هي المعاجز، والزبر هي الكتب السماوية والعلوم الربانية، فإذا أتي بالآيات والمعاجز دل على كونه مرتبطاً بالله (عز وجل)، وأنه حقاً المهدي المعني من

(١٢٤)

قبل السماء، وإذا أتي بما في الكتب السماوية من أحكام الله وبيناته دل على ارتباطه بالأنبياء والمرسلين منهجاً وسلوكاً، وقد جاء في الحديث الشريف على ضرورة مطالبة مدّعي الإمامة بالآيات والمعاجز، فإذا أتي بها فهو الإمام حقاً وصدقاً بما لا يترك بعدها لأحد مجالاً للإنكار، ومن يدعي أنه الإمام المهدي (عليه السلام) فلابد وأن يأتي بالمعاجز والبينات حتى يعرف الناس أنه المهدي المنتظر فإذا أتي بها كان عليهم إطاعته والتسليم لأوامره ولا يجوز لأحد إنكاره، لأن إنكاره إنكار للرسول وللأئمة السابقين، ولذا جاء في الحديث الشريف أن إنكار الإمام المهدي (عليه السلام) هو إنكار لجميع الأئمة الأطهار ولنبوة الرسول الأكرم، ومن يُصدِّق بالإمام ويؤمن به ويطيعه فهو حقاً مطيع لله والرسول الأكرم والأئمة الأطهار، وتكذيبه (عليه السلام) هو تكذيب لله والرسول والأئمة الأبرار ويوجب الخلود الأبدي في نار جهنم، وتصديقه يوجب الفوز بالجنة والرضوان.
الفرق بين المعجزة والسحر
من هذا المنطق وعلى ضوء هذا البيان نتساءل كيف يمكن لنا أن نعرف المعجزة؟ وكيف نستطيع أن نميز بين المعجزة والسحر؟ وبعبارة أخري؛ ما هو الفرق بين المعجزة والسحر حتى نعرف الحقيقة على وجهها؟
قبل الإجابة على هذا السؤال علينا الإجابة على السؤال التالي: هل المعجزة هو الإتيان بشيء يجذب الأنظار ويسحر العيون والأفكار؟! إذا كان الأمر هكذا فإن السحر يقوم بنفس هذا الدور كما قال الله (عز وجل) في القرآن الكريم عن سحرة فرعون: (قَالَ أَلْقُوا فَلَمّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) (الاعراف:116).
أم أن المعجزة أمر عظيم خارق للعادة وللطبيعة ولا يمكن أن يقاس بالسحر، والشعوذة وخطف الأبصار. فهما من واديان متفاوتان؟!

(١٢٥)

إنهما أمران مختلفان تماماً بل هما أمران متناقضان وذلك لأن المعجزة لها حقيقة وواقع بخلاف السحر والشعوذة حيث لا واقع لهما على أرض الحقيقة. صحيح إن السحر والشعوذة يسحران العقول والأبصار إلا أنهما لا ينطلقان من أرض الواقع والحقيقة بل يقومان بتسخير العقول بطريقة الاستيلاء على تخيلات الناس وتصوراتهم كما يقول (عز وجل): (قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعَى) (طه:66). ولكن على أرض الواقع ليست هناك حركة ذاتية للحبال والعصي بل هناك تخيل للحركة بواسطة الاستفادة من الزيوت والزئبق وأشعة الشمس في إظهار شكلية للحركة والسعي، هذا أولاً.
وثانياً: إن المعجزة تحقيق أمر في الخارج بقوة إلهية خارقة للعادة بحيث لا يستطيع أحد من البشر القيام بها من دون المشيئة الإلهية كإعطاء الروح لهيكل طير مصنوع من الطين ثم جعله يطير في الهواء كبقية الطيور من دون اختلاف معها في واقع الطيران والحياة وهذا ما يحدثنا به القرآن الكريم عن معجزة النبي عيسى (عليه السلام) حينما صنع من الطين كهيئة الطير فنفخ فيه فكان طيراً بإذن الله تقول الآية الكريمة: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكونَ طَيْراً بِإِذْنِي) (المائدة:110)
وقد تكون المعجزة بأعظم من هذا حيث أستخرج النبي صالح (عليه السلام) من الصخور والأحجار المتراصة بعضها على بعض ناقة عظيمة لها الحياة والحركة تعطي لأهل المدينة اللبن ما يكفيهم ليوم واحد في مقابل ما تأخذ منهم شرب ماء ليوم واحد.
فهل يمكن للسحرة والمشعوذين القيام بهذه المهمة العظيمة التي تفوق جميع قدرات السحرة من ذلك اليوم وإلي قيام الساعة؟ وهذه الحقيقة يستعرضها الكتاب المجيد في الآيات التالية: (وإِلَي ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا لَكمْ مِن إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكمْ ءَايَةً فَذَرُوهَا تَأْكلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الاعراف:73)

(١٢٦)

وفي سورة الشعراء يتحدث القرآن عن الكافرين حيث قالوا لنبيهم صالح (عليه السلام):
(قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ - مَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِايَةٍ إِنْ كنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ - قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (الشعراء 153-155).
(فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (الاعراف:77)
ثالثاً: إن المعجزة قد تتحقق في الخارج من دون أن يكون هناك عصا او طين أو جبل، بل تكون المعجزة من أمر لا وجود مادي كثيف له، بل المعجزة تستخرج من العدم إلى الوجود ومن لا شيء إلى شيء تماماً مثل ما أوجد الإمام الرضا (عليه السلام) أسدين مفترسين حين أمر بصورتهما المنقوشة على الجدار أن يفترسا ذلك المشعوذ الذي كان يسخر من الرضا (عليه السلام) على مائدة الطعام بخطف أقراص الخبز والطعام من أمام الإمام كلما قدم الإمام يده عليها في محاولة للاستهزاء به وبمقامه الرباني حتى أغضب الإمام، فأمر صورة الأسدين أن يخرجا إلى الواقع ويأكلا هذا المشعوذ الساخر، فخرجا أسدين مفترسين بإذن الله فأكلا المشعوذ عن بكرة أبيه حتى لحسا دمه من الأرض ثم ردهما الإمام إلى واقعهما بإذن الله كصورتين منقوشتين على الجدار.
فهذه المعجزة التي حققها الإمام، أمام جميع الحاضرين الذين بلغت قلوبهم الحناجر خوفاً ورعباً من مشاهدة الأسدين الضاريين يفترسان المشعوذ ويلحسان دمه ثم عودتهما كصورتين عاديتين، هذا المنظر بهتهم وأرعبهم بل خرّ البعض مغشياً عليه وظل البعض الآخر مدهوشاً أمام هذا المنظر الرهيب وبدأت الأسئلة تدور في مخيلتهم:
كيف تحولت الصورة إلى حقيقة وواقع؟! وكيف تحولت الحقيقة إلى صورة منقوشة مرة ثانية؟ وأين ذهب الأسدان الحقيقيان؟ وأين ذهبت أشلاء الرجل حينما رجع الأسدان على رسم الصورة؟ واللطيف في الأمر إنه عندما طلب المأمون العباسي من الإمام أن يرد الرجل المشعوذ إلى الحياة أجاب الإمام بما مضمونه أنه إذا

(١٢٧)

ردت عصي موسى حبال سحرة فرعون رد الأسدان الرجل إلى وضعه السابق في بيان صريح للإمام بأن القضية حقيقية وليست شعوذة كما يفعله المشعوذون والسحرة، حيث يخيلون للناس أفعالهم ثم يظهر إنها تصوير وشعوذة وتظهر الأمور كما كانت سابقاً ولكن المعجزة حقيقة وواقع لا تلاعب ولا تسخير للأعين والأبصار فيها، وبعبارة أخري من العدم إلى الوجود ومن الوجود إلى العدم.
فمعجزة النبي موسى (عليه السلام) كانت لها حقيقة وواقع كذلك أكل الأسدين للرجل له حقيقة وواقع. فالعصي والأسدان من واقع واحد ومن لباب الحقيقة فهما من مصدر واحد تحقق بإذن الله لأنهما من مشيئة الله جل جلاله تحققت أحدهما على يد نبي من أنبيائه والثانية على يد وصي نبي آخر الزمان محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهما معجزة إلهية وهذه المعجزة تتحقق كلما تعلقت بها المشيئة الإلهية في أي مكان وزمان لأن الله إذا أراد لشيءٍ أن يتحقق تحقق من دون أدني توقف (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كن فَيَكونُ) (يس:82).
ومن هنا نعرف الفرق بين الحقيقة والسحر وبين المعجزة والشعوذة. فالمعجزة أمر من أمر الله (عز وجل) تتحقق بإذنه جل جلاله.
رابعاً: إن المعجزة تبقى على تحديها إلى الأبد، فليس باستطاعة البشر القيام بمثلها إلى آخر لحظة من حياة الدنيا.
فالمعجزة هي ما تعجز البشرية جمعاء إلى آخر الدهر عن الإتيان بمثلها. فهل استطاع أحد أن يأتي بمثل ما أتي به النبي عيسى (عليه السلام) يخلق من الطين طيراً حقيقياً أو كالنبي صالح (عليه السلام) يستخرج ناقة من الجبل الأصم أو كالنبي موسى (عليه السلام) في تحويل العصي حية تسعي تأكل ما تشتهي أو كالإمام الرضا (عليه السلام) بإيجاد أسدين مفترسين من الصورة أو كالرسول العظيم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) بإتيان كتاب من الحروف العربية

(١٢٨)

المتداولة ما يعجز البلغاء والعظماء أن يأتوا بمثله من تلك الفترة إلى الان بل وإلي قيام الساعة؟؟
فالمعجزة إذن، إعجاز أبدي لكل البشر بخلاف السحر والشعوذة. فكل ما قام به السحرة في السابق ممكن الإتيان به في الوقت الراهن، بل وحتى التطور العلمي والتفوق التكنولوجي الذي وصل إليه البشر في عصر الذرة والصاروخ يمكن الإتيان بمثله لبقية الناس، في ما إذا تتبعوا الأسباب والمسببات وحصلوا على الإمكانيات والوسائل، فإذا أصبحت دولة كأمريكا مثلاً متطورة ومتفوقة على بقية الدول وصنعت ما صنعت من الطائرات والصواريخ والقنابل والمصانع إلاّ أنها تبقي في حالة يمكن أن تصل إليها بقية الدول بل استطاعت دولة محتلة من قبل أمريكا نفسها ان تتقدم في بعض الأمور عليها وان تصنع أجهزة أكثر تطوراً وأفضل كيفية وتعقيداً كاليابان.
إذاً، التقدم العلمي ليس بمعجزة يعجز الآخرون من الإتيان بمثله. ولو بعد حين، أما المعجزة فهي ما كانت تعجز الناس عن الإتيان بمثله والقيام على شاكلته.
خامساً: المعجزة تصرف في الكون وقهر للأسباب والمسببات يرفعها كيفما شاء وفي أي وقت شاء. أما التطور العلمي، والسحر، والشعوذة، فهذه الأمور هي في الحقيقة تجري وفق الأسباب والمسببات والاستفادة من السنن الكونية الموجودة. فالطيران هو استفادة من الهواء الموجود في الفضاء للتحليق واستعمال السنن في تطوير الأشياء وتسخيرها. أما المعجزة فهي قهر واضح للسنن فتحويل النار الملتهبة المحرقة إلى جنة خضراء عليلة الهواء بديعة الجمال قهر حقيقي للنار وتحويل قهري لها إلى برد وسلام، وسلب طبيعتها الحرارية الملهبة بجعلها تعطي البرودة والسلام، مع إنها لم تتغير حقيقتها النارية ومع ذلك فهي لا تحرق، ولا تلهب، بل تحتضن وتحافظ وتبرد وتنعش. وهذا أمر إعجازي لأنه قهر للحقيقة الملتهبة المحرقة وقهر للأسباب والمسببات فإذا كانت النار هي سبب في الإحراق كيف تتحول إلى سبب للبرودة والإنعاش، أليس هذا تصرف في حقيقة النار وقهر للأسباب والمسببات؟

(١٢٩)

أجل هكذا تكون المعجزة أنها قهر للأسباب والمسببات ويتحدث القرآن الكريم عن هذا القهر الإلهي للأسباب في قصة النبي إبراهيم (عليه السلام) حينما أمر سبحانه وتعالى النار أن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم (عليه السلام): (قُلْنَا يَا نَارُ كونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الأنبياء:69)
فالخطاب جاء من العلي الأعلى إلى النار أن تتحول إلى جنة خضراء وإلي برد وسلام من دون أن يسلب منها حقيقتهما الذاتية كنار مشتعلة.
فهذه خمسة علائم ممكن تقديمها لمعرفة المعجزة عن غيرها ونحن نستطيع أن نعرف الإمام المهدي (عليه السلام) حينما يأتي إلى الناس بما يأتي من المعاجز والآيات التي يعجز الناس أن يأتوا بمثلها، ولو ادعي البعض أن معاجزه (عليه السلام) سحر وشعوذة، مثلما ادعي فرعون أن معجزة النبي موسى سحر وكما ادعي الطواغيت أن معاجز الأنبياء هي السحر والشعوذة، وكما ادعت قريش أن معجزة الرسول الأكرم (القرآن الكريم) بأنها كلمات ساحر اكتتبها فهي تملي عليه بكرة وأصيلاً، أو اقتبس بعض آياتها من كتب اليهود والنصاري.. إلا أن الحقيقة تبقي ساطعة رغم أبواق الظالمين وتبقي المعجزة خالدة رغم صرخات المنافقين وتهريج المهرجين وافتراءات المكذبين.
ويبقي القرآن يتحدي البشرية والعرب بالخصوص على الإتيان بمثله منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة من نزوله.
وبقي السؤال الأخير: ما هي معجزة الإمام المهدي - (عجل الله فرجه)-؟ لأنه لاشك إن لكل نبي وإمام معجزة للدلالة على مدعاه بأنه مرسل من قبل الله فما هي معجزة الإمام المهدي (عليه السلام) أنه هو الإمام حقاً؟ إن للإمام معاجز كثيرة بل جاء في أحاديث عديدة أنه يأتي بمعاجز الأنبياء كلها لتثبت إمامته ورسالته وأنه الإمام المنتظر حقاً في محاولة واضحة لدحض أكاذيب الأعداء والمنافقين الذين ينكرون رسالته وزعامته إلا أن الظالمين يتهمونه بالسحر والشعوذة كلما أتي ببرهان وبمعجزة كما

(١٣٠)

اتهموا الأنبياء والمرسلين. ومعاجز الإمام المهدي الذي يأتي شاب ابن أربعين سنة كما جاء في أحاديث أهل البيت (عليه السلام) تلك المعاجز أكبر دليل على أنه الإمام رغم افتراءات علماء السوء عليه ورغم الأكاذيب والإفتراءات التي تطلق على شخصيته المقدسة من قبل الفساق والفجار وإن يكن البعض منهم على شاكلة رجال الدين فالإمام يحاربهم كما حارب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الخوارج. وقد جاء في أحاديث كثيرة عن أهل البيت (عليهما السلام): إن هناك خوارج في آخر الزمان تخرج على الإمام المهدي (عليه السلام) وبعضهم من وعاظ السلاطين الذين يفترون على الإمام بمختلف التهم والأكاذيب، ويسخرون منه كما سخروا من قبل بجده المصطفى وأبيه المرتضي، وبابائه الأئمة الأطهار (عليهما السلام).
إلاّ أنه - (عجل الله فرجه)- لا يعطي لهم مجالاً للإفساد وتضليل أفكار الناس فيسرع إلى مواجهتهم بالسيف بعد أن رفضوا منطق الحق والحقيقة فلا يعطيهم إلاّ السيف، ولن يكون هناك ملجأ لجاحد ولا منجي لمعاند، بل يقضي عليهم بشكل كامل فلا تقوم لهم بعد ذلك قائمة، وقد ورد ذكر هؤلاء الأعداء والخوارج في أحاديث أهل البيت (عليهما السلام) منها:
1- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... فبينا صاحب هذا الأمر قد حكم ببعض الأحكام وتكلم ببعض السنن، إذ خرجت خارجة من المسجد يريدون الخروج عليه، فيقول لأصحابه انطلقوا فيلحقوا بهم في التمارين فيأتونه بهم أسرى ليأمر بهم فيذبحون، وهي آخر خارجة تخرج على قائم آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) -.
2- وعنه أيضاً (عليه السلام): - إذا قام القائم (عليه السلام) سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر ألفاً يُدعون التبرئة عليهم السلاح فيقولون له: ارجع من حيث جئت (فلا حاجة) لنا

(١٣١)

في بني فاطمة، فيضع السيف فيهم حتى يأتي على أخرهم ثم يدخل الكوفة فيقتل فيها كل منافق مرتاب...-.
3- وعنه أيضاً (عليه السلام): - إذا قام القائم عرض الإيمان على كل ناصب فإن دخل فيه بحقيقة، وإلاّ ضرب عنقه أو يؤدي الجزية كما يؤديها اليوم أهل الذمة...-.
4- وعنه أيضاً (عليه السلام): -... ويأمر الله الفلك في زمانه فيبطئ في دوره حتى يكون اليوم في أيامه كعشرة من أيامكم والشهر كعشرة أشهر والسنة كعشر سنين من سنينكم، ثم لا يلبث قليلاً حتى يخرج عليه مارقة الموالي برميلة الدسكرة عشرة آلاف شعارهم: يا عثمان يا عثمان، فيدعو رجلاً من الموالي فيقلده سيفه فيخرج إليهم فيقتلهم حتى لا يبقي منهم أحد...-.
5- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)، لمّا مرَّ بأهل النهروان وهم صرعي، فقال: - لقد صرعكم من غركم. قيل من غرهم؟ قال: الشيطان وأنفس السوء. فقال أصحابه: قد قطع الله دابرهم إلى آخر الدهر. فقال: كلا والذي نفسي بيده، وإنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء، لا تخرج خارجة إلاّ خرجت بعدها مثلها، حتى تخرج خارجة بين الفرات ودجلة مع رجل يقال له الأشمط، يخرج إليه رجل منّا أهل البيت فيقتله، ولا تخرج بعدها خارجة إلى يوم القيامة-.
إذن هناك فئات من الناس من لا تذعن لدليل ولا لمعجزة فهم يرفضون الإمام - (عجل الله فرجه)- مهما كانت الحجج والمعاجز التي يقدمها لهم على أنه المهدي المنتظر، لذلك تؤكد عشرات الأحاديث الشريفة على شدة المهدي (عليه السلام) مع أعدائه وقتله الظلمة والمشركين والمنحرفين.

(١٣٢)

أما الأدلة والمعاجز التي عنده (عجل الله فرجه)، والتي لا تدع لأحد من الناس أي مجال للطعن والتشكيك في إمامته (عليه السلام)، فهي عديدة، أشارت إليها أحاديث أهل البيت (عليهما السلام)، وهذا لا يعني أنه - (عجل الله فرجه)- سيقدم المعجزة تلو الأخرى حسب أهواء الناس وطلبات هذا وذاك من الجهال والمعاندين، فمثل هذا الأمر لم يكن حتى مع الأنبياء والرسل، لأن المعاجز تتحقق بإذن الله تعالى لإلقاء الحجة على المعاندين حسب إرادة الباري (عز وجل) لا حسب ما يريد ويشتهي بعض الناس. وكثيراً ما جاء الأنبياء والرسل بمعاجز كثيرة، مثلما طلب أقوامهم، ولكن مع ذلك بقي أولئك الأقوام على كفرهم ورفضهم وتشكيكهم بتلك المعاجز واستهتارهم برسلهم بما أوجب نزول البلاء عليهم. أما ما يحدث للمعاندين والمستهزئين بالإمام فالعقاب الصارم من أنصار الإمام ومن ملائكة العذاب لا يتخطاهم لأن الحجة قد تمت عليهم بما ذكر من أوصاف الإمام (عليه السلام) وصفاته بشكل لا يمكن أن تجتمع تلك الأوصاف أو تكون في أحد غيره (عليه السلام). كما أنه لا يمكن لأحد أن يأتي بمثل ما يقدّم من المعاجز والبينات.
والأحاديث في هذا الصدد كثيرة نذكر جملة منها:
1- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلاّ ويُظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا لإتمام الحجة على الأعداء-.
2- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... وإنما سُمّيَ المهدي مهدياً لأنه يهدي إلى أمرٍ خفي، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله (عز وجل) من غار بأنطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل وبين أهل الزبور بالزبور وبين أهل القرآن بالقرآن...-.
3- عن الإمام الصادق (عليه السلام): لمّا سُئل عن الحجة على من يَدّعي هذا الأمر، فقال: - يُسأل عن الحلال والحرام -ثم قال-: ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلاّ كان

(١٣٣)

صاحب هذا الأمر: أن يكون أولي الناس بمن كان قبله، ويكون عنده السلاح، ويكون صاحب الوصية الظاهرة...-.
وبما أن الحجة - (عجل الله فرجه)- إمام معصوم وهو خليفة الله سبحانه فإنّه يكون له من العلم ما يُعجز العلماء والفقهاء وهو ملهم ومحَدَّث من الملائكة ومعه ميراث النبي وأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين ومواريث الأنبياء من الكتب المنزلة، وعن ذلك يقول الإمام الصادق (عليه السلام): - علمنا غابر ومزبور، ونكت في القلوب، ونقر في الأسماع، وإن عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة (عليها السلام)، وإن عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه. فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال: أما الغابر فالعلم بما يكون، وأما المزبور: فالعلم بما كان، وأما النكت في القلوب: فهو الإلهام، والنقر في الاسماع: حديث الملائكة نسمع كلامهم ولا نري أشخاصهم، وأما الجفر الأحمر: فوعاء فيه سلاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولن يخرج حتى يقوم قائمنا أهل البيت، وأما الجفر الأبيض، فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله الأولي، وأما مصحف فاطمة (عليها السلام): ففيه ما يكون من حادث وأسماء كل من يملك إلى أن تقوم الساعة، وأما الجامعة: فهي كتاب طوله سبعون ذراعاً أملاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، من فَلْقِ فيهِ وخط علي بن أبي طالب (عليه السلام) بيده، فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة، حتى أنَّ فيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة-.
4- عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق (عليه السلام): - إن لصاحب هذا الأمر غيبتان، إحداهما يرجع منها إلى أهله، والأخرى يقال: مات أو هلك في أي وادٍ سلك. قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: إن ادّعاها مدعٍ فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله-.

(١٣٤)

ومن المعاجز التي يعطيها الله سبحانه للقائم، تسخير قوي الطبيعة له (عليه السلام) كما جاء في الروايات:
5- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... يدعو الشمس والقمر فيجيبانه، وتطوي له الأرض، فيوحي الله إليه فيعمل بأمر الله-.
6- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - إن ذا القرنين كان عبداً صالحاً ناصح الله سبحانه فناصحه وسخّر له السحاب وطويت له الأرض وبُسط له في النور فكان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار، وأن أئمة الحق كلهم قد سخر الله تعالى لهم السحاب وكان يحملهم إلى المشرق والمغرب لصالح المسلمين ولإصلاح ذات البين، وعلى هذا حال المهدي (عليه السلام)، ولذلك يسمي (صاحب المرئي والمسمع) فله نور يري به الأشياء من بعيد كما يري من قريب ويسمع من بعيد كما يسمع من قريب، وأنه يسيح في الدنيا كلها على السحاب مرة وعلى الريح أخري وتطوي له الأرض مرة فيدفع البلايا عن العباد والبلاد شرقاً وغرباً-.
ومن مواريث الأنبياء التي يرثها الإمام (عجل الله فرجه)، بالإضافة إلى الكتب المقدسة، والتي ستكون من المعاجز التي يأتي بها (عليه السلام)، حجر وعصي موسى وخاتم سليمان.
7- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - كان (كانت) عصي موسى لآدم فصارت إلى شعيب ثم صارت إلى موسى بن عمران وإنها لعندنا وإن عهدي بها آنفاً وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرها وإنها لتنطق إذا استنطقت، أُعدّت لقائمنا ليصنع بها كما كان موسى يصنع بها، وإنها لتروّع وتلقف...-.

(١٣٥)

8- وعنه أيضاً (عليه السلام): - إذا قام القائم بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادي مناديه ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً، ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير، ولا ينزل منزلاً إلاّ انبعث عين منه فمن كان جائعاً شبع ومن كان ظمآن روي، فهو زادهم حتى نزلوا النجف من ظهر الكوفة-.

9- وفي رواية أخري عن الإمام الباقر (عليه السلام): - إذا ظهر القائم (عليه السلام) ظهر براية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وخاتم سليمان، وحجر موسى وعصاه... -.
10- وعن الإمام الصادق (عليه السلام): - عصا موسى قضيب آس من غرس الجنة أتاه بها جبرئيل (عليه السلام) لمّا توجه تلقاء مدين، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية، ولن يبليا ولن يتغيرا حتى يخرجهما القائم (عليه السلام) إذا قام-.
ومن المعاجز والقدرات العظيمة التي ستكون معه - (عجل الله فرجه)- ان الله يؤيده بالملائكة والجن الصالحين إضافة إلى أصحابه والمؤمنين به (عليه السلام)، ويؤيده بالرعب، حيث يخرج براية جده المصطفى صلوات الله عليه وآله وسلم، وكفي بها من معجزة حيث يكون النصر والإعجاز حليف هذه الراية المباركة التي تسمي (الراية المغلّبة) فلا يهوي بها إلى شيء إلاّ أهلكته.
11- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - إن الملائكة الذين نصروا محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد ولا يصعدون حتى ينصروا صاحب هذا الأمر وهم خمسة آلاف-.
12- عن الإمام السجاد (عليه السلام): -... كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله وإسرافيل

(١٣٦)

أمامه، معه راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، قد نشرها، لا يهوي بها إلى قوم إلاّ أهلكهم الله (عز وجل)-.
13- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - فكأني أنظر إليهم - يعني القائم (عليه السلام) وأصحابه- مصعدين من نجف الكوفة ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً كأن قلوبهم زبر الحديد، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، يسير الرعب أمامه شهراً وخلفه شهراً أمدّه الله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين...-.
14- وعنه أيضاً (عليه السلام): - أن القائم منا منصور بالرعب مؤيد بالنصر تطوي له الأرض وتظهر له الكنوز كلها...-.
15- وعنه أيضاً (عليه السلام): -... كأني بقائم أهل بيتي قد أشرف على نجفكم هذا -وأومأ بيده إلى ناحية الكوفة- فإذا أشرف على نجفكم نشر راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر. قلت: وما راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: عمودها من عمد عرش الله ورحمته وسايرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى شيء إلاّ أهلكته...-.
16- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): -... يأتيه الله ببقايا قوم موسى (عليه السلام) ويجيء له أصحاب الكهف ويؤيده الله بالملائكة والجنّ وشيعتنا المخلصين...-.
كما وأن للإمام الحجة (عليه السلام) معاجز وبراهين كثيرة غير ما أوردناه نذكر بعضها - على سبيل المثال لا الحصر- منها ما أشرنا إليه في مبحث (الإمام المهدي في القرآن) كمعجزة تجمع أصحابه (عليه السلام) على غير ميعاد لمبايعته وما يُعطون من القدرة والقوة العظيمة، وكذلك إعطاء الإمام (عليه السلام) وأصحابه نعمة التوسم، حيث يعرفون عدوهم من

(١٣٧)

أوليائهم، والصالح من الطالح والمؤمن من المشرك والمنافق، بما يعطيهم الله سبحانه من قدرة التوسم.
وكذلك أشرنا في المبحث ذاته إلى معجزة النداء باسم القائم (عليه السلام)، ولكون هذه العلامة من المعاجز الواضحة التي تشخص بوضوح أن القائم - (عجل الله فرجه)- هو الإمام المنتظر حقاً بشخصه الكريم، لا غيره من الناس أو المدّعين لهذا الأمر بحيث يكون النداء حجة دامغة على المعاندين المنحرفين وعلى الناس أجمعين، لذا نورد فيما يلي نماذج أخري من الأحاديث الشريفة حول موضوع النداء.
17- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... فيجمع الله عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ويجمعهم الله له على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف وهي يا جابر الآية التي ذكرها الله في كتابه (أَيْنَ مَا تَكونُوا يَأْتِ بِكمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:148). فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقد توارثته الأبناء عن الآباء، والقائم يا جابر رجل من ولد الحسين يصلح الله أمره في ليلة فما أشكل على الناس من ذلك يا جابر فلا يشكل عليهم ولادته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ووراثته العلماء عالماً بعد عالم فإن أشكل هذا كلّه عليهم فإنّ الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذا نودي باسمه واسم أبيه وأمّه-.
18- عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) -... إن قدام هذا الأمر خمس علامات أولهن النداء في شهر رمضان... ولا يخرج القائم حتى ينادي باسمه من جوف السماء في ليلة ثلاثٍ وعشرين (في شهر رمضان) ليلة جمعة. قلت بم ينادي؟ قال: باسمه واسم أبيه: ألا أن فلان بن فلان قائم آل محمد فاسمعوا له وأطيعوه، فلا يبقي شيء

(١٣٨)

خلق الله فيه الروح إلاّ يسمع الصيحة فتوقظ النائم ويخرج إلى صحن داره وتخرج العذراء من خدرها، ويخرج القائم ممّا يسمع وهي صيحة جبرئيل (عليه السلام) -.
وقد أكدت أحاديث أهل البيت (عليهما السلام) أن الآية الرابعة من سورة الشعراء هي في القائم - (عجل الله فرجه)- والنداء باسمه من السماء، وهي (إِن نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِنَ السَّمَاءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (الشعراء:4).
19- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - نزلت في قائم آل محمد صلوات الله عليهم ينادي باسمه من السماء-.
20- وعن الإمام الصادق (عليه السلام): - تخضع رقابهم يعني بني أمية وهي الصيحة من السماء باسم صاحب الأمر-.
21- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - أما إن النداء من السماء باسم القائم في كتاب لله لبين... إذا سمعوا الصوت أصبحوا وكأنما على رؤوسهم الطير-.
22- وعنه أيضاً (عليه السلام): - إن القائم لا يقوم حتى ينادي منادٍ من السماء يُسمع الفتاة في خدرها ويُسمع أهل المشرق والمغرب...-.
إذن المعاجز والآيات التي تكون للإمام المهدي (عليه السلام) عديدة وكثيرة وواضحة وبها تتم الحجة على الأعداء، وعلى جميع الناس. فمع آية النداء باسمه الشريف، وإتيانه بالكتب المقدسة التي أنزلها الله تعالى على الأنبياء والرسل، وعلمه الراسخ بها وبأحكامها، وحمله لمواريث الأنبياء والرسل وخاصة رسالة جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم)، بل والمعاجز التي كانت للأنبياء والأوصياء من قبل الله تعالي، كما مرّ في حديث آنف

(١٣٩)

الذكر، كل هذا وغيره تجعل من القدرات والمؤهلات والعلوم التي يحملها الإمام - (عجل الله فرجه)- شيئاً معجزاً وخارقاً لا يمكن أن يحملها إنسان غيره.
ولعل من هذا المنطلق يكون احتجاجه (عليه السلام) على الناس حين يعلن دعوته ويدعو إلى نفسه ويبين أحقيته في أمر الإمامة والدعوة إلى الهدى والحق والعدل، ومدي استعداده وقدرته الخارقة في الإجابة عن أي سؤال أو استفهام من أي شخص وتقديم الأدلة القانعة أو المفحمة إليه، لذا ورد في الأحاديث أنه (عليه السلام) حين يقوم يخاطب الناس بأولويته بالأنبياء عن غيره بما اصطفاه الله (عز وجل) شارحاً ومبيناً منزلته وشرفه وعلمه وإثباتاً لصدق خلافته للأنبياء والرسل والأوصياء وأنه هو الإمام المهدي الموعود حقاً وصدقاً، فيقول (عليه السلام): -... يا أيها الناس إنّا نستنصر الله فمن أجابنا من الناس؟ فإنّا أهل بيت نبيكم محمد ونحن أولي الناس بالله وبمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فمن حاجني في آدم فأنا أولي الناس بآدم ومن حاجني في نوح فأنا أولي الناس بنوح ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولي الناس بإبراهيم ومن حاجني في محمد (عليه السلام) فأنا أولي الناس بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ومن حاجني في النبيين فأنا أولي الناس بالنبيين، أليس الله يقول في محكم كتابه: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً وءَالَ إِبْرَاهِيمَ وءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ - ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (آل عمران:33-34)؟ فأنا بقية من آدم وذخيرة من نوح ومصطفى من إبراهيم وصفوة من محمد صلى الله عليهم أجمعين.
- ألا فمن حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، ألا ومن حاجني في سنّة رسول الله فأنا أولي الناس بسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)...-.

(١٤٠)

ولذلك وصفه الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) بأنه وارث كل علم والمحيط به وأنه المخبر عن الله والمنتقم من الظالمين وغيرها من الأوصاف والخصائص المعجزة التي لن تكون إلاّ في هذه الشخصية الربانية العظيمة، حيث يقول (صلّى الله عليه وآله وسلم):
- معاشر الناس؛ النورُ من الله (عز وجل) فيَّ مسلوك، ثم في علي، ثم في النسل منه إلى القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا، لأن الله (عز وجل) قد جعلنا حجّة على المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين. ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهدي، ألا إنه الظاهر على الدين. ألا إنه المنتقم من الظالمين. ألا إنه فاتح الحصون وهادمها. ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك. ألا إنه مدرك بكل ثار لأولياء الله. ألا إنه الناصر لدين الله. ألا إنه الغراف في بحر عميق. ألا إنه يسم كل ذي فضل بفضله، وكل ذي جهل بجهله. ألا إنه خيرة الله ومختاره. ألا إنه وارث كل علم والمحيط به. ألا إنه المخبر عن ربّه (عز وجل) والمنبه بأمر إيمانه. ألا إنه الرشيد السديد. ألا إنه المفوض إليه. ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه. ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده، ولا حق إلاّ معه، ولا نور إلاّ عنده. ألا إنه لا غالب له ولا منصور عليه. ألا إنه ولي الله في أرضه، وحكمه في خلقه، وأمينه في سره وعلانيته...-.
وبالمهدي من آل محمد والقائم من أهل بيت الرسول الأكرم وبالمعاجز التي يجريها الله (عز وجل) على يديه تتم الحجة على الناس، فمن آمن كان من الآمنين، ومن كفر كان من الهالكين فلا يبقي لأحد حجة بعد هذه الأدلة والمعاجز.
فهل هناك بعد هذا البيان من كلام؟ وهل هناك بعد هذه المعاجز من أعذار؟
وهل هناك بعد الهدى إلا الضلال؟ فماذا ينتظره المشككون؟ وماذا يعتذر به المكذبون؟!، وبأي وجه يقف المفترون عليه أمام الله والرسول يوم القيامة بعد هذا

(١٤١)

البيان والمعاجز والبراهين؟ وبأي كيفية يعتذر منه المنافقون والمكذبون يوم تنصب فيه الموازين بالقسط؟
فهل يقولون أنهم كانوا يشكون في شخصيته الرسالية لأن الإمام كان رجلاً عادياً يأكل مما يأكلون ويشرب مما يشربون ولم يتحققوا أنه الإمام المهدي حقاً رغم ما قدم من البراهين والأدلة؟!، أم تراهم يقولون أنهم كانوا في شك مما يدعوهم إليه؟ أو أنه جائهم بأمور لم يكونوا قد ألفوها وأعتادوا عليها من قبل؟ فهل ينفعهم بعد هذه الأدلة والمعاجز كل هذه الأقاويل والأعذار؟!

(١٤٢)

عظمة الإمام المهدي
بماذا تتحقق العظمة؟ هل تتحقق العظمة للإنسان بسيطرته على الحكم وأخذ زمام الأمور؟ أم بكثرة جمعه للأموال والثروات وحصوله على متاع الدنيا من الحرث والأنعام؟ أم أن العظمة تحصل للإنسان بقدر نيله للكمالات الروحية والفضائل الخلقية، وبكثرة تحقيقه للإنجازات الإصلاحية وتغيير أمته الفاسدة المتخلفة إلى أمة حضارية إيمانية متقدمة؟.
في الحقيقة إن الكمال الحقيقي للإنسان لا يكون إلاّ بالعلم والإيمان وبالأخلاق والإصلاح، ومن دون تحقيق ذلك يبقي النقص والتدهور ينخر بحياة الإنسان، فلا عظمة إلاّ بتحقيق تلك الكمالات وإيجاد تلك الخصائص والحصول على تلك الدرجات العالية ولكن هناك عظمة تفوق عظمة تلك الكمالات الأخلاقية والعلمية بدرجات عالية جداً، ألاّ وهي عظمة القرب من الله (عز وجل)، والحصول على مرضاته والوصول إلى المقامات والدرجات العظيمة عنده (عز وجل). وليست العظمة في الوصول إلى المناصب الدنيوية، بل وحتى الدينية وإن كانت تملأ عيون الناس، كما وليست العظمة في كسب الثروة والمال والحصول على متاع الدنيا من الحرث والأنعام.

(١٤٣)

إن العظمة الحقيقية في الحصول على الملاكات الروحية والقوة النفسية بحيث يستطيع المرء أن يقف أمام عنفوان شهواته وأهوائه، ويملك غضبه وسخطه، ولا يتعدي حدود الله جلا وعلا. فالقوي من غلب هواه كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام)، والشديد من ملك غضبه.
وبعبارة أخري إن العظمة في الوصول إلى المقامات الإيمانية، والدرجات العلمية والفضائل الخلقية، وكلما ارتقي المرء في درجات العلم والإيمان وتحلي بالأخلاق الرفيعة والملكات الروحية، ارتقت درجة عظمته وسمو نفسه وجلالة قدره.
وعلى ضوء هذا البيان نستطيع أن نعرف عظمة الرسول الأكرم وأهل بيته الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فالأنبياء العظام لما ارتقوا إلى معالي المقامات والدرجات السامية من العلم والإيمان، والزلفى عند العلي الأعلى كانت ترتفع درجة عظمتهم وتسموا مقاماتهم في أرقي درجات الكمال والسمو وفي أعلى درجات الجنان والعلو. ومن هنا نستطيع أن ندرك عظمة الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر (عليه السلام) بيد أنه لا يمكن الإحاطة بجميع أبعاد عظمة شخصية المباركة لأن ذلك يستلزم معرفة جميع خصائصه وصفاته كما ويستلزم معرفة أبعاد تلك المقامات ودرك سمو تلك المنازل. بيد أننا نستطيع أن نتحدث عن جوانب ثلاث في شخصيته المباركة، ألا وهي الجانب الأخلاقي، والجانب الإصلاحي، والجانب الرباني.
إن الإمام المهدي (عليه السلام) رغم عظمة شخصيته المباركة إلاّ أنه في منتهي التواضع لكسب المعارف والحكم، فقد جاء في الحديث الشريف عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان عظمة الإمام: - قد لبس للحكمة جُنتها وأخذها بجميع أدبها من الإقبال

(١٤٤)

عليها والمعرفة بها والتفرغ لها، وهي عند نفسه ضالته التي يطلبها وحاجته التي يسأل عنها فهو مغترب إذا اغترب الإسلام وضرب بعسيب ذنبه-.
أجل، إن الإمام (عليه السلام) رجل عظيم، تلبس للحكمة جُنّتها... فهو يبحث عن الحق والحقيقة وعن الحكمة، فهو يسأل عنها ليقتطفها ويسبق الآخرين في العمل بها، فالحكمة ضالته المنشودة، حيث يترصد لها كل شاردة وواردة، بعكس ما يفعله الجاهلون، فالحكمة وعلى الرغم من أهميتها إلاّ أنها مهملة لا يعير الغافلون لها بالاَّ، فهي كالدرر المتناثرة بين أيديهم لا يعرفون قيمتها غير أنها ثمينة جداً لدي العلماء العارفين.
والإمام المهدي (عليه السلام) رغم ما عنده من المعارف والعلوم لا يغفل عن الحِكم المودعة في الحياة وفي المخلوقات والمحكية على الألسن والأعمال، فهو الإمام الهادي والولي المرشد، ورغم ذلك فهو لا يري نفسه فوق السعي نحو الحكمة، والمعارف والحِكم الربانية، فهو الطالب لها والآخذ العامل بها، كما وهو المرشد لها والهادي إليها.
فالإمام هو النموذج المتكامل للحكم والمعارف، وهو الإمام المقتدي، فحياته وسلوكه وأقواله وأعماله وتصرفاته، كلها دروس للناس يتخذونها مشاعل للهداية ودساتير للسعادة. فإذا كان الإمام رغم ما لديه من المعارف الإلهية فهو أول الباحثين عن الحكمة والناشدين لها، فكيف يجب على بقية الناس أن يتعاملوا مع الحكم والمواعظ؟ وكيف يلزم عليهم أن ينشدوها ويبحثوا عنها ويأخذوا بها؟
وحينما يتحدث الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الإمام المهدي - (عجل الله فرجه)- أنه الباحث عن الحكمة بحيث تكون ضالته المنشودة رغم ما لدي الإمام من المقامات والكرامات والمعارف والعلوم، فهو في الحقيقة يرشدنا في نفس الوقت إلى الأهمية القصوى لهذه الجوهرة الثمينة، المهملة عند الجهّال والغالية الثمينة لدي الأئمة والعلماء العارفين، فما أعظم هذا الدرس وما أبلغ هذه الموعظة، حقاً لو

(١٤٥)

كانت الحكمة ضالة كل إنسان، ورجاء كل باحث، لكانت الحياة البشرية كلها حياة سعادة وأمن ورفاه. من هنا لم يكن حديث الله تعالى في القرآن إلاّ تأكيداً لهذا، حينما بيّنً عن أهمية الحكمة لمن ينالها في قوله تعالي: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكمَةَ فَقَدْ أوتِيَ خَيْراً كثِيراً) (البقرة:269).
وإلي جانب التواضع والبحث عن الحِكم فإن المقامات الأخلاقية السامية للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) تمثل امتداداً وتجسيداً حيّاً للخُلق المحمدي الرفيع، وقد تواترت الأحاديث الشريفة عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الأطهار (عليهما السلام)، بأن الإمام القائم - (عجل الله فرجه)- أشبه الناس بالرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) - خلقاً وخُلقاً...
1- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يخرج رجل من أمتي يواطئ اسمه اسمي وخلقه خلقي فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً-.
2- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): - ألا أنه أشبه الناس خلقاً وخلقاً وحُسناً برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)..-.
3- وعن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - القائم من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي وشمائله شمائلي...-.
4- وعن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً...-.
إتضح جلياً من خلال هذه الأحاديث الشريفة عن شمائل الإمام القائم - (عجل الله فرجه)- وأخلاقه السامية وسيرته المباركة. ولكي تتضح لنا أبعاد هذه الشخصية المباركة نقتطف بعضاً من مدي تأثير ذلك في مسيرة حركته المباركة والتفاف الناس

(١٤٦)

حوله لما يرون من عطفه وعدله وشجاعته وجوده ووقوفه بوجه الظالمين وشدته في تطبيق الحق وإقامة العدل، وبالتالي فهو القاسم بالسوية والعادل في الرعية والمحقق للناس الأمن والسعادة والرفاهية.
ومن تلك الأحاديث المثنية والكاشفة عن عطف الإمام (عليه السلام) وكرمه وعدله ورحمته وشجاعته وتواضعه وخشوعه لله تعالى وغيرها من الشمائل والأخلاق المحمدية السامية، هذه النماذج العطرة:
1- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - أبشركم بالمهدي يبعث في أمّتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضي عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً... بالسوية بين الناس... ويملأ قلوب أمة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) غني ويسعهم عدله...-.
2- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) - تأوي إليه أُمته كما تأوي النحلة (إلي) يعسوبها...-.
3- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): - المهدي كأنما يُلعقُ المساكين الزبد-.
4- وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلم): - علامة المهدي (عليه السلام) أن يكون شديداً على العمال، جواداً بالمال، رحيماً بالمساكين-.
5- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو ينسب الإمام المهدي - (عجل الله فرجه)- ويصفه: -... من بني هاشم، من ذروة طود العرب وبحر مغيضها إذا وردت، ومخفر أهلها إذا أتيت، ومعدن صفوتها إذا اكتدرت، لا يجبن إذا المنايا هكعت، ولا يخور إذا المنون

(١٤٧)

اكتنعت، ولا ينكل إذا الكماة اصطرعت، مشمر مغلولب، ظفر ضرغامه... أوسعكم كهفاً وأكثركم علماً وأوصلكم رحماً...-.
6- وعن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يبلغ من ردّ المهدي المظالم حتى لو كان تحت ضرس إنسان شيء انتزعه حتى يرده-.
7- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): - إذا قام قائمنا اضمحلت القطائع فلا قطائع-.
8- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)، في حديث طويل تضمن في جانب منه الخصال التي يشترطها الإمام (المهدي (عجل الله فرجه)) على أصحابه لقبول مبايعتهم له حيث يقول (عجل الله تعالى فرجه الشريف): -... إنّي لست قاطعاً أمراً حتى تبايعوني على ثلاثين خصلة تلزمكم لا تغيرون منها شيئاً، ولكم عليّ ثمان خصال... أنا معكم على أن لا تُولوا ولا تسرفوا ولا تزنوا ولا تقتلوا مُحرّماً ولا تأتوا فاحشة ولا تضربوا أحداً إلاّ بحقه ولا تكنزوا ذهباً ولا فضة ولا تبراً ولا شعيراً ولا تأكلوا مال اليتيم ولا تشهدوا بغير ما تعلمون ولا تخربوا مسجداً ولا تقبحوا مسلماً ولا تلعنوا مؤاجراً إلاّ بحقه، ولا تشربوا مسكراً، ولا تلبسوا الذهب ولا الحرير ولا الديباج، ولا تبيعوها ربا، ولا تسفكوا دماً حراماً ولا تغدروا بمستأمن ولا تبقوا على كافر ولا منافق وتلبسون الخشن من الثياب وتتوسدون التراب على الخدود وتجاهدون في الله حق جهاده، ولا تشتمون، وتكرهون النجاسة وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، فإذا فعلتم ذلك فعليّ أن لا أتخذ حاجباً ولا ألبس إلاّ كما تلبسون ولا أركب إلاّ كما تركبون وأرضى بالقليل وأملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وأعبد الله (عز وجل) حق عبادته وأوفي لكم وتفوا لي...-.

(١٤٨)

ولكي نطلع على جوانب أخرى من حياة الإمام - (عجل الله فرجه)- ودوره الفذ نلاحظ عظمة أخري تتلألأ في هذه الشخصية المباركة، ألا وهي المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه، وهي مهمة الإصلاح العالمي التي سيقوم بإنجازها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجود خصائص وصفات عالية وفريدة في هذه الشخصية النادرة التي مكنته من تحمل هذه المسؤولية الكبيرة، ولولا وجود هذه الخصائص والصفات السامية في شخصيته المباركة لما كانت هذه المهمة الصعبة توضع على عاتقه، حيث أن هذه المهمة صعبة وشاقة تتطلب شخصية عظيمة بقدرها، ولولا وجود مثل هذه الشخصية لمثل هذه المهمة الكبيرة لما استطاع أحد القيام بهذا الدور الكبير ولهَوت البشرية نحو السقوط الجهنمي والنهاية المأساوية الفجيعة والتي هي النتيجة الطبيعية للعالم الذي تحكمه الأهواء والمصالح المتضاربة للدول والأنظمة المتصارعة للسيطرة على المنابع والثروات. ولذا ادّخر الله وليه الأعظم لمثل ذلك اليوم العصيب قبل أن تدمّر الأسلحة الشاملة الفتاكة أرجاء المعمورة كلها لتخلص البشرية من النهاية المرعبة وتنقذ بقية المخلوقات والجمادات التي تنتظر الرحمة الإلهية من ذلك اليوم المروع الذي تسال الدماء في الشوارع والأزقة وتسقط الأشلاء على جوانبها ويتحرك الطاعون يوزع غازاته السامة القاتلة ليصطاد الأحياء، عند ذاك يوحي الله تعالى لوليه الأعظم بالقيام بالنهضة المباركة في أكبر مهمة إصلاحية، يقوم بها مصلح رباني عالمي لم يشهد التاريخ له مثيلاً من قبل إلاّ حينما بعث الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) قبل أربعة عشر قرناً.
فكما فتح الله تعالى لرسوله الأكرم حصون الشرك، يختتم سبحانه وتعالى بوليّه الأعظم (عجل الله فرجه)، معالم رسالته بتطهير العالم من آثار الشرك والفساد، وبهذا يتحقق مقالة الرسول الأكرم حينما قال: - بنا فتح الأمر، وبنا يختم، وبنا استنقذ الله

(١٤٩)

الناس في أول الزمان، وبنا يكون العدل في آخر الزمان، وبنا تملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ترد المظالم إلى أهلها برجل اسمه إسمي-
إذن فشخصية الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) شخصية عظيمة تقترن بدور خطير ومهمة إصلاحية عالمية ثقيلة الحمل والمسؤولية بهدف إعادة البشرية إلى جادة الحق والهدى والصواب، وإنقاذها من براثن الفتن والفساد ومن السقوط في الهاوية الحتمية التي تسير نحوها بسرعة هائلة مدفوعة بمطامع الأهواء والشهوات وزيغ الأفكار والنظريات.
ولتسليط الضوء على جوانب من هذه المهمة الكبيرة لهذه الشخصية المباركة نقتطف باقة عطرة من الأحاديث الشريفة لأهل البيت (عليهما السلام) بهذا الخصوص.
1- عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: قلت يا رسول الله المهدّي منا أئمة الهدى أم من غيرنا؟ قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): - بل منّا، بنا يختم الدين كما بنا فتح وبنا يستنقذون من ضلالة الفتنة كما استنقذوا من ضلالة الشرك وبنا يؤلف الله بين قلوبهم في الدين بعد عداوة الفتنة كما ألف الله بين قلوبهم ودينهم بعد عداوة الشرك-.
2- وعنه أيضاً (عليه السلام)، قال: - لما نزلت على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) (النصر:1) قال لي: يا علي إنه قد جاء نصر الله والفتح.. بل منّا، بنا يفتح الله وبنا يختم الله، وبنا ألف الله بين القلوب بعد الشرك وبنا يؤلف الله بين القلوب بعد الفتنة...-.
3- عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): - …... لو لم يبقي من الدنيا إلاّ يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً صالحاً من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً-

(١٥٠)

4- عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... ومنّا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة الذي يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً-.
5- عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً-.
6- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): - لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً. قال: ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً-.
7- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): -... يخرج في آخر الزمان يُقيم اعوجاج الحق..-.
8- عن الإمام الحسين (عليه السلام): - مِنّا اثنا عشر مهدياً أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأخرهم التاسع من ولدي وهو القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون...-.
9- عن الإمام الحسن (عليه السلام): -... يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها لا يبقي كافر إلاّ آمن به ولا طالح إلاّ صلح، وتصطلح في ملكه السباع وتخرج الأرض نبتها وتنزل السماء بركتها وتظهر له الكنوز...-.
10- عن الرسول الأكرم (عليه السلام): - الأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم أنت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله (عز وجل) على يديه مشارق الأرض ومغاربها-.

(١٥١)

11- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): - يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى ويعطف الرأي على القرآن إذا اعطفوا القرآن على الرأي... يأخذ الوالي من غيرها عمّالها على مساوئ أعمالها وتخرج له الأرض أفاليذ كبدها وتلقي إليه سلماً مقاليدها فيريكم كيف عدل السيرة ويحيي ميّت الكتاب والسنة-.
12- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمرٍ جديد كما دعا إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء-.
13- وعنه أيضاً (عليه السلام): - يهدم ما قبله كما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ويستأنف الإسلام جديداً-.
14- وعنه أيضا (عليه السلام) عندما سُئل عن القائم - (عجل الله فرجه)- بأي سيرة يسير، فقال: - بسيرة ما سار به رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حتى يظهر الإسلام... أبطل ما كان في الجاهلية واستقبل الناس بالعدل، وكذلك القائم (عليه السلام) إذا قام يُبطل ما كان في الهدنة مما كان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل-.
15- وعنه أيضاً (عليه السلام): -... يعمل بكتاب الله، لا يري فيكم مُنكراً إلاّ أنكره-.
16- عن الإمام الحسن (عليه السلام): - يُظهر الله قائمنا فينتقم من الظالمين..-.
17- عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم): - هو رجل من عترتي يقاتل على سنّتي كما قاتلت أنا على الوحي-.
18- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يقفو أثري لا يخطئ-.

(١٥٢)

من خلال هذه الأحاديث الشريفة يتضح أن الإمام القائم - (عجل الله فرجه)- شخصية فذة وعظيمة وفريدة في خصائصها ونادرة في صفاتها وقدراتها ليس لها مثيل من نوعها، لذلك أُنيطت مهمة إنقاذ البشرية والإصلاح على مستوى العالم أجمع بشخصيته المباركة كما وتتجلي عظمة منقذ البشرية في آخر الزمان ومكانته السامية عند الله سبحانه، فالإمام (عليه السلام) ليس مجرد شخصية إصلاحية منقذة للعالم وحسب، بل انه شخصية ربانية عظيمة عند الله تعالى يأتي لتحقيق الوعد الإلهي باعتباره يمثل خلاصة الرسالات السماوية ومجسد حي وواقعي لدين الله (عز وجل) ليعلي كلمة الله سبحانه في الأرض، ومحقق لهدف كل الأنبياء في إنقاذ الناس من الضلالات والفتن والمهالك والمفاسد ويوصلهم إلى شواطئ الأمن والسعادة والرفاه في ظل حكومة الحق والعدل.
ولعل هذه المنزلة والمكانة المقدسة التي نالتها هذه الشخصية الربانية الفذة لم ينلها أحد من الأولين والآخرين، حيث اجتمعت في شخصيته المباركة عظمة الدنيا والآخرة، وهذا ما لم يجتمع لأحد من العالمين في طول التاريخ من الرجال الربانيين ما عدي النبيَّين سليمان وذي القرنين، ومما لا شك فيه أن القائم - (عجل الله فرجه)- يعتبر أفضل وأسمي مقاماً منهما عند الله وإذا كانت عظمة الرسول الأكرم وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والسبطين والأئمة الأطهار (عليهم صلوات الله وسلامه) لم تنكشف في الدنيا لكل العالمين ولن تنكشف أبعادها الحقيقة إلاّ في الآخرة... إلاّ أن منزلة وعظمة الإمام المهدي - (عجل الله فرجه)- تظهر وتنكشف في الحياة الدنيا قبل عالم الآخرة، وهي ميزة تميز بها الإمام عن الأنبياء والرسل والأئمة الأطهار (عليهما السلام)، فتحقيق النصر الإلهي لدين الله سبحانه والوعد الإلهي باستخلاف المؤمنين والمستضعفين في الأرض وإتمام كلمة الله تعالى وإظهار دينه على الدين كله ولو كره المشركون وإقامة العدل والقسط... كل ذلك لم يتحقق بشكل كامل على يد أي نبي أو رسول أو إمام أو وصي... ولن يتحقق إلاّ على يد الإمام القائم - عجل الله

(١٥٣)

فرجه- لما خصه الله تعالى من جلالة القدر وعظيم الشأن إجلالاً للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وتكريماً لنسله المبارك من الأئمة الطاهرين وتتويجاً وتكريماً لجهوده الجبارة التي بذلها في سبيل إعلاء كلمته العليا، فهل هناك عظمة تتصور بأعلى من هذه العظمة بعد عظمة الرسول الأكرم وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والسبطين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟
ولكي نعرف جانباً من إبعاد هذه الشخصية الربانية الفريدة نفرد بعض الأحاديث الشريفة عن أهل البيت (عليهما السلام) حتى نعرف سبب أفضلية الإمام على باقي الأنبياء والأوصياء ما عدا الرسول الأكرم وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام.
1- فعن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - ليلة اسري بي السماء قال لي الجليل جل جلاله: آمن الرسول بما انزل إليه من ربه، قلت: والمؤمنون. قال: صدقت يا محمد. قال: من خلفت في امتك؟ قلت: خيرها. قال: علي بن أبي طالب. قلت: نعم يا رب. قال: يا محمد إني اطلعت على الأرض اطلاعة فاخترتك منها وشققت لك اسماً من أسمائي فلا اذكر في موضع إلاّ ذكرت معي فأنا المحمود وأنت محمد ثم اطلعت الثانية فاخترت منها علياً وشققت له اسماً من أسمائي فأنا الأعلى وهو علي. يا محمد إني خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من سنخ نوري وعرضت ولايتكم على أهل السموات أهل الأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ومن جحدها كان عندي من الكافرين. يا محمد لو أن عبداً من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم. يا محمد تحب أن تراهم. قلت: نعم يا رب. فقال لي: التفت عن يمين العرش فألتفت فإذا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسي بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور قياماً يصلون، وهو في وسطهم

(١٥٤)

(يعني المهدي) كأنه كوكب دري. وقال: يا محمد هؤلاء الحجج، وهو الثائر من عترتك وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي-.
2- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) -... واختار من الحسين حجة العالمين تاسعهم قائمهم أعلمهم أحكمهم-.
3- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن الله سبحانه وتعالي: -... وبالقائم منكم اعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي وبه أطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلي وكلمتي العليا وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي وله (وبه) أظهر الكنوز والذخائر بمشيتي وإيّاه أظهره على الأسرار والضمائر بإرادتي وأمدّه بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري وإعلان ديني، ذلك وليي حقاً ومهدي عبادي صدقاً-.
ان منزلة القائم - (عجل الله فرجه)- رفيعة وعظيمة لدرجة أن شخصية كبيرة مثل النبي موسى (عليه السلام) تتمني أن تكون لها هذه المنزلة وهذا الدور الرسالي العظيم فقد جاء في الحديث الشريف أنه - نظر موسى بن عمران في السفر الأول إلى ما يعطي قائم آل محمد من التمكين والفضل فقال موسى: رب اجعلني قائم آل محمد. فقيل له إن ذاك من ذرية أحمد. ثم نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك فقال مثله، فقيل له مثل ذلك. ثم نظر في السفر الثالث فرأي مثله فقال مثله، فقيل له مثله-.

(١٥٥)

فالإمام المهدي شخصية عظيمة مختارة من قبل الله (عز وجل) ليوم عظيم يجري الله على يديه العدالة الإسلامية بحذافيرها ولا يستطيع أحد أو جماعة أو أمة أن تحقق العدالة والإصلاح على وجه الكرة الأرضية بشكل شامل وكامل من دون تمييز وتفريق كما يقوم بها الإمام (عليه السلام). فالإمام المهدي شخصية فريدة ومنتخبة من قبل السماء وسيشاهد العالم عن قريب - إن شاء الله - هذا الإصلاح العالمي الكبير الشامل لكل نواحي الحياة الإصلاح يكون بكل ما تحمل كلمة الإصلاح والعدالة والسعادة من معني وهذا ما يتمناه كل المستضعفين في الأرض، وإلي ذلك اليوم فالجميع بانتظار الرحمة الإلهية والعدالة الربانية على يد المصلح العالمي الإمام المهدي القائم من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم).

(١٥٦)

اخذ الميثاق من الأنبياء للمهدي المنتظر
1- عن الإمام الباقر (عليه السلام) - إن الله تبارك وتعالى حين خلق الخلق، خلق ماءً عذباً وماءً مالحاً أجاجاً، فامتزج الماءان، فأخذ طيناً من أديم الأرض فعركه عركاً شديداً، فقال لأصحاب اليمين وهم فيهم كالذر يدبون إلى الجنة بسلام. وقال لأصحاب الشمال يدبون إلى النار ولا أبالي. ثم قال: ألست بربكم؟ قالوا: بلي شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين.
قال: ثم أخذ الميثاق على النبيين، فقال: ألست بربكم؟ ثم قال: وأن هذا محمد رسول الله، وأن هذا علي أمير المؤمنين. قالوا: بلي فثبتت لهم النبوة وأخذ الميثاق على أولي العزم ألا إني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي، وإن المهدي أنتصر به لديني، وأظهر به دولتي، وأنتقم به من أعدائي، وأعبد به طوعاً وكرهاً.
قالوا: أقررنا وشهدنا يا رب. ولم يجحد آدم ولم يقر، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي، ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به. وهو قوله (عز وجل): (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (طه:115).

(١٥٧)

قال: إنما يعني فترك. ثم أمر ناراً فأججت، فقال لأصحاب الشمال: ادخلوها فهابوها، وقال لأصحاب اليمين: ادخلوها فدخلوها فكانت عليهم برداً وسلاماً. فقال أصحاب الشمال: يا رب أقلنا، فقال: قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها، فهابوها، فثم ثبتت الطاعة والمعصية والولاية-.
فولاية الإمام المهدي جزء لا يتجزأ من الولاية المفروضة على العالمين فهو الإمام الذي يصلي خلفه وأحد من الأنبياء العظام من أولي العزم بعد الرسول الأكرم إلا وهو النبي عيسى (عليه السلام) كما جاءت أحاديث متواترة تتحدث عن هذه المسألة وعن مقامات الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) نذكر بعضها:
1- عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: - يا خيثمة سيأتي على الناس زمان لا يعرفون الله ما هو والتوحيد حتى يكون خروج الدجال، وحتى ينزل عيسى بن مريم من السماء ويقتل الدجال على يده ويصلي بهم رجل منّا أهل البيت، ألا تري أن عيسى يصلي خلفنا وهو نبي إلاّ ونحن أفضل منه-.
2- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - منّا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه-.

(١٥٨)

3- عن الإمام الصادق (عليه السلام): -.. ولو أدركته لخدمته أيام حياتي-.
4- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - الجنة تشتاق إلى أربعة من أهلي قد أحبهم الله وأمرني بحبهم: علي بن أبي طالب والحسن والحسين، والمهدي (صلي الله عليهم) الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم (عليه السلام) -.
5- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): - المهدي طاووس أهل الجنة-.
6- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - إن القائم منصور بالرعب مؤيد بالنصر تطوي له الأرض وتظهر له الكنوز كلها ويظهر الله تعالى به دينه على الدين كله ولو كره المشركون ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب ولا يبقي في الأرض خراب إلاّ عُمرِّ وينزل روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) فيصلي خلفه...-.
7- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... واخذ الميثاق على (أولي) العزم، ألا إنّي ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي، وأن المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي وأُعبَد به طوعاً وكرها؟ قالوا: أقررنا وشهدنا يارب، ولم يجحد آدم ولم يقر، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم عزم على الاقرار به وهو قوله (عز وجل): (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً).
8- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): -... فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض، فمنّا النجاء ومنّا مكنون العلم وإلينا مصير الأمور وبمهديّنا تنقطع الحجج، خاتمة الأئمة ومنقذ الأمة وغاية النور ومصدر الأمور...-.

(١٥٩)

9- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): -... وليكونن من أهل بيتي رجل يأمر بأمر الله قوي يحكم بحكم الله... ليستخلفن الله خليفة يثبت على الهدى ولا يأخذ على حكمه الرشا، إذا دعا بدعوات بعيدات المدى، دامغات المنافقين فارجات عن المؤمنين...-.
10- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهما السلام) فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً-.
11- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): -...تكون الملائكة بين يديه ويُظهر الإسلام-.
12- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... يَرُدّ الله به الدّين ويفتح له فتوح فلا يبقي على وجه الأرض إلاّ من يقول: لا إله إلاّ الله-
وأخيراً ولا آخراً نستطيع القول أن شخصية الإمام الكبيرة وجلالة قدره لا تتلخص في نهضته المباركة وفتحه حصون الكفر والشرك واقامته حكومة إسلامية عالمية، ولا تتجلي فقط في إنقاذ البشرية من الظلم والجور وتحقيق القسط والعدل في أرجاء المعمورة وحسب، بل ان عظمته نابعة من شخصيته الربانية المباركة ومن نفسه الطيبة الطاهرة وصفاته السامية الفاضلة وشمائل خلقياته الكريمة وروحيته السامية العالية. ولذلك أخذ الميثاق من الأنبياء له وذلك لبيان عظمته وعظمة دوره ومن هنا فالإمام فوق الألقاب والكلمات فلا تحدده الكلمات ولا تجسَّده العبارات، فعظمته الشخصية قبل عظمة إنجازاته الإصلاحية حيث أنه خُلق من نور عظمة الله جل جلاله مما جعل منه شخصية فريدة لدرجة كان الأنبياء يتمنون من الله سبحانه أن يجعل لهم الحظوة بهذه المكانة والمهمة التي ادخرت للإمام المهدي (عليه السلام)، مثلما تمني ذلك النبي موسى (عليه السلام) حينما رأي المقام الشامخ لهذه الشخصية، غير أن القرار الإلهي قد حسم الأمر من قبل فجعل هذه الشخصية المباركة من نسل

(١٦٠)

الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) ومن ولد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فهنيئاً للإمام هذه العظمة والقدسية وهنيئاً لمقامه الشامخ الذي خصه الله به دون العالمين، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من خيرة أنصاره المخلصين ومن أفضل المستشهدين بين يديه، ويجعلنا الله معه في الدنيا والآخرة، وفي درجاته العالية والمقامات السامية عنده تعالى وعند الرسول الأكرم وأهل بيته الطاهرين، وما ذلك على الله بعزيز آمين رب العالمين.

(١٦١)

أنصار الإمام شخصيات عظيمة
هل أصحاب الإمام من قومية معينة أم من قبيلة خاصة؟ وهل أنصاره من الرجال دون النساء؟
في الحقيقة ليس أصحاب الإمام من قبيلة معينة، ولا من قومية واحدة، بل أصحابه من مختلف القوميات كما وأنهم من طوائف متعددة، بل بعضهم غير مسلمين في البداية حيث يسلمون ويدخلون في دين الإسلام على يديه ويكونون من خيرة أنصاره. كما وأن أغلبهم شباب لا كهول فيهم إلا كالملح في الزاد والكحل في العين.ولا ينحصر أصحابه في الرجال بل للنساء نصيب وافر في مناصرة الإمام (عليه السلام) وتتصدر في القيادة النسائية خمسون امرأة مجاهدة لهن الدور الريادي في توجيه المجتمع والقيام بواجب المناصرة لأصحابه الكرام.
وبالرغم من أن أنصار الإمام أقلية بالنسبة لجميع الطوائف الإسلامية، إلا أن قلوبهم قوية كزبر الحديد لا يستوحشون من قلتهم، ولا ينثنون عن عزائمهم، ولا يتراجعون عن أهدافهم الربانية السامية. فهم الرجال الصادقون الأقوياء في الدين والعقيدة، والثابتون في القتال والمعارك، لم يسبقهم الأولون في ثبات عقيدتهم ولا

(١٦٣)

يلحقهم الآخرون في بطولة مواقفهم، يمضون بأمر الله أسوداً في النهار ورهباناً في الليل لا يخافون في الله لومة لائم ويفعلون ما يؤمرون.
مهامهم كبيرة ومسئولياتهم عظيمة، ألا وهي تطهير الأرض من براثن المجرمين فلا يدعون للظالمين من باقية. وقد وردت في شأنهم أحاديث كثيرة تمجد بمواقفهم وقلوبهم الممتلئة بالإيمان، المفعمة بالتقوى، والقوية في المجابهة، والمتمردة على الطغاة، والخاشعة لله، والمطيعة لولي الله، والصابرة في المواطن، والصادقة في الأفعال، المتصدية للأعداء، أعزة على الكافرين، أذلة للمؤمنين، يلبسون الخشن، ويأكلون الجشب، يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، هم الصابرون في المواطن، الزاهدون في الدنيا، الراغبون لثواب الآخرة، أجسادهم تتحرك على وجه البسيطة وقلوبهم لا تعرف غير الحقيقة، ولولا الأبدان لطارت أرواحهم نحو الجنان. هذه صفات أصحاب الإمام ولكي نعرف بشكل أوضح أبعاد صفاتهم السامية وخلقياتهم الرفيعة لا بد من إلقاء نظرة على الأحاديث الواردة في عظمة صفاتهم وجلالة شأنهم:
1- قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): - تجيء الرايات السود من قبل المشرق كأن قلوبهم زبر الحديد، فمن سمع بهم فليأتهم فيبايعهم ولو حبواً على الثلج-.
2- هيهات -ثم عقد بيده سبعاً- فقال: ذاك يخرج في آخر الزمان، إذا قال الرجل الله الله قتل، فيجمع الله تعالى له قوماً قزع كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون من أحد، ولا يفرحون بأحد يدخل فيهم، على عدة أصحاب بدر، لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون، وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر-.

(١٦٤)

3- عن عبد الله بن مسعود عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في حديث قال: - وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً حتى يأتي قوم من قبل المشرق ومعهم رايات سود يسألون الحق فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتى يدفعوا إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملؤها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج-.
4- وأخرج ابن جرير في تهذيب الآثار، وفيه - ووليكم الجابر خير أمتي ألحقوه بمكة فإنه المهدي يخرج إليه الأبدال من الشام وعصب أهل المشرق، وكأن قلوبهم زبر الحديد رهبان بالليل، ليوث بالنهار-.
طبعاُ هذه الرواية تختلف مع الرواية السابقة من جهة مبدأ انطلاقة الثورة المهدوية ولكنها تدعم بقية الروايات في بيان صفات أصحاب الإمام (عليه السلام) العظيمة.
5- وأخرج ابن أبي شيبة عن يعلى بن عبيد، عن الاجلح، عن عمار، عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن عمر قال: - يا أهل الكوفة أنتم أسعد الناس بالمهدي-.
وهذه إشارة واضحة لأهل العراق لأن العاصمة للدولة الإسلامية كانت الكوفة في أبان خلافة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فمن خلال هذه الرواية يظهر إن أغلب أنصار الإمام هم من أهل العراق، وهذه بشارة سارة للمؤمنين من أهل الرافدين كما وإن الرواية تتحدث عن عودة مركز الخلافة الإسلامية إلى الكوفة من جديد بقيادة الإمام المهدي (عليه السلام).

(١٦٥)

6- وأخرج أيضا عن أبي قبيل قال: - يكون بإفريقية أمير اثنا عشر سنة، ثم تكون بعده فتنة، ثم يملك رجل أسمر، يملأها عدلا، ثم يسير إلى المهدي فيؤدي إليه الطاعة ويقاتل عنه-.
7- وأخرج أيضاً عن الحسن - إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذكر بلاءً يلقاه أهل بيته، حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء، من نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله، حتى يأتوا رجلاً اسمه كاسمي فيوليه فيولونه، أمرهم، فيؤيده الله وينصره.
8- إذا انقطعت التجارات والطرق وكثرت الفتن خرج سبعة رجال علماء من أفق شتى على غير ميعاد، يبايع لكل رجل منهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، حتى يجتمعوا بمكة، فيلتقي السبعة فيقول بعضهم لبعض: ما جاء بكم؟ فيقولون: جئنا في طلب هذا الرجل الذي ينبغي أن تهدأ الفتن على يديه، هذه الفتن وتفتح على يديه القسطنطينية، قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأمه وحليته فيتفق السبعة على ذلك فيطلبونه فيصيبونه بمكة، فيقولون له: أنت فلان بن فلان؟ فيقول: لا بل أنا رجل من الأنصار، حتى يفلت منهم، فيصفونه لأهل الخبرة منهم والمعرفة به، فيقال: هو صاحبكم الذي تطلبونه وقد لحق بالمدينة، فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة فيطلبونه بمكة فيصيبونه فيقولون: أنت فلان بن فلان، وأمك فلانة بنت، وفيك آية كذا وكذا. وقد أفلت منا مرة فمد يدك نبايعك فيقول: لست بصاحبكم أنا فلان بن فلان الأنصاري مروا بنا حتى أدلكم على صاحبكم، حتى ينفلت منهم فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة، فيصيبونه بمكة عند الركن، فيقولون له: إثمنا عليك ودماؤنا في عنقك إن لم تمد يدك نبايعك، هذا عسكر السفياني قد توجه في طلبنا،

(١٦٦)

عليهم رجل من جرم - حرام- فيجلس بين الركن والمقام فيمد يده فيبايع له ويلقي الله محبته في صدور الناس، فيسير مع قوم أسد بالنهار ورهبان بالليل-.
وردت في هذه الروايات صفة أصحاب الإمام بالأسود الضارية في النهار، وبالرهبان الخاشعة في الليل وهي حالات متناقضة لا تجتمع إلا في قلوب المؤمنين المفعمة بالإيمان والتقوى المليئة بالمعرفة واليقين وهم نجباء مصر والشام الذي جعلهم الله مؤمنين عارفين في وسط مجتمعهم المنحرف بدلاً عن الكافرين الفاسقين في المجتمع الإسلامي وعصائب العراق وهم الذين تعصبوا للحق وللحقيقة لا يخافون في الله لومة لائم فلا يتهاونون ولا يجبنون ولا يترددون في تنفيذ الأوامر الربانية...
9- عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث بن حراث على مقدمته رجل يقال له منصور، يوطن أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وجب على كل مؤمن نصره، أو قال إجابته-.
10 إن أصحاب القائم شباب لا كهول فيهم إلا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد، وأقل الزاد الملح.
11- الأبدال بالشام، والنجباء بمصر، والعصائب بالعراق-.

(١٦٧)

يظهر من هذا الحديث الشريف إن أغلب المجتمعات البشرية في ذلك الزمن تغرق في المفاسد والمظالم إلا مجموعة قليلة منهم وهم النجباء والعصائب والأبدال المتمسكون بدينهم والمحافظون على شرفهم وطهارة نفوسهم وهم أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام).
12- إذا هلك الخاطب، وزاغ صاحب العصر، وبقيت قلوب تتقلب (ف) من مخصب ومجدب، هلك المتمنون، واضمحل المضمحلون، وبقي المؤمنون، قليل ما يكونون، ثلاثمائة أو يزيدون، تجاهد معهم عصابة جاهدت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر، لم تقتل ولم تمت-.
13- إذا قام قائم آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب، فيجتمعون كما يجتمع القزع الخريف، فأما الرفقاء فمن أهل الكوفة، وأما الأبدال فمن أهل الشام-.

(١٦٨)

وجاء في الأحاديث الشريفة أن أصحابه (عليه السلام) يجتمعون معه بعد الإذن الإلهي له بالخروج.
14- روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): - إذا أُذن الإمام دعا الله باسمه العبراني فأُتيحت له صحابته... فهم أصحاب الألوية منهم من يفتقد عن فراشه ليلاً... ومنهم من يُري يسير في السحاب نهاراً...-.
15- قال الإمام الباقر (عليه السلام): -..فمن كان ابتلي بالمسير وافي، ومن لم يبتل بالمسير فقد عن فراشه-.
16- وجاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) - ألا بأبي وأمي وهم من عدةٍ، أسماؤهم في السماء معروفة وفي الأرض مجهولة.
17- وعن إيمانهم وصفاتهم وتوحدهم قال الإمام علي (عليه السلام): -.. كأنهم ليوث قد خرجوا من غاب قلوبهم مثل الحديد لو أنهم هموا بإزالة الجبال الرواسي لأزالوها عن مواضعها، وهم الذين وحدوا الله حق توحيده، لهم في الليل أصوات كأصوات الثواكل من خشية الله تعالي، قيام في ليلهم وصوام في نهارهم كأنهم من أب واحد وأم واحدة، قلوبهم مجتمعة بالمحبة والنصيحة..-.
18- قال الإمام الباقر (عليه السلام): - يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدة أهل بدر فيهم النجباء من أهل مصر والأبدال من أهل الشام والأخيار من أهل العراق-.
19- وروي عن الإمام الرضا (عليه السلام): - والله أن لو قد قام قائمنا يجمع الله إليه شيعتنا من جميع البلدان-.

(١٦٩)

20- قال أبو بصير للإمام الصادق (عليه السلام): جعلت فداك ليس على الأرض يومئذ مؤمن غيرهم؟
قال: بلي، ولكن هذه (العدة) التي يخرج الله فيها القائم (عليه السلام) هم النجباء والقضاة والحكام والفقهاء في الدين..-.

21- وروي أن من بين هؤلاء الأصحاب يكون هناك عدد من النساء اللاتي تتحملن المسؤوليات الكبيرة في دولة المهدي (عليه السلام) تقول الرواية: يجيء والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة...- في دلائل الإمامة عن الإمام
الصادق (عليه السلام): - أن مع القائم (عليه السلام) ثلاث عشر امرأة، يداوين الجرحى ويُقِمْنَ على المرضى كما كان مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) -.
22- وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): - يقف بين الركن والمقام فيصرخ صرخة فيقول: يا معشر نقبائي وأهل خاصتي ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض ائتوني طائعين. فترد صيحته (عليه السلام) عليهم وهم على محاربيهم وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل فيجيئون نحوها-.
23- قال الإمام الباقر (عليه السلام): -... وهم والله الأمة المعدودة... يجتمعون في ساعة واحدة قزعاً كقزع الخريف... فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد توارثته الأبناء عن الآباء-.

(١٧٠)

24- وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً: - إن صاحب هذا الأمر محفوظ له أصحابه لو ذهب الناس جميعاً أتي الله له بأصحابه وهم الذين قال الله (عز وجل): (فإِن يَكفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكافِرِينَ) (الانعام:89).
25- وروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): - إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ، أو من خير فوارس على ظهر الأرض-.
26- قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في شأن البيعة وشروطها بين هؤلاء الأصحاب والقائم (عليه السلام): - يبايعون على أن لا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا ولا يهتكوا حريماً محرماً ولا يسبّوا مسلماً ولا يهجموا منزلاً ولا يضربوا أحداً إلا بالحق ولا يركبوا الخيل الهماليج ولا يتمنطقوا بالذهب ولا يلبسوا الخز ولا يلبسوا الحرير ولا يلبسوا النعال الصرارة ولا يُخربوا مسجداً ولا يقطعوا طريقاً ولا يظلموا يتيماً ويأكلون الشعير ويرضون بالقليل ويجاهدون في الله حق جهاده ويشمون الطيب ويكرهون النجاسة، ويشرط لهم على نفسه ألا يتخذ صاحباً ويمشي حيث يمشون ويكون من حيث يريدون يرضي بالقليل ويملأ الأرض بعون الله عدلاً كما ملئت جوراً، يعبد الله حق عبادته..-.
27- وروي عن الإمام الحسين (عليه السلام)، عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... يجمع الله (عز وجل) من أقاصي البلاد على عدد أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وصنائعهم وكلامهم وكناهم، كرّارون مجدّون في طاعته-. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
من خلال هذه الأحاديث اتضح إن أصحاب الإمام هم النخبة الطاهرة والفئة الخالصة والطليعة المجاهدة من المجتمع الإسلامي التي إمتلأت قلوبهم بالإيمان والتقوى وخلصت من الشرك وطهرت من النفاق وعرفت بالنجابة والشرف وسمت بالمعرفة

(١٧١)

والإخلاص وقويت بالتوكل على الله فهم الصفوة الطيبة الطاهرة والمجاهدة والمثابرة المستخلصة من الأمة الإسلامية التي لا تعرف للتعب من معني ولا للظالمين من قيمة ولا للمفاهيم الجاهلية من أهمية، فهم يثورون على كل طاغوت ويحاربون الظالمين وينهضون بكل ما أوتوا من قوة، فلا يهابون من شيء ولا يخافون من أحد ولا يجبنون رغم قلة عددهم وضئالة عتادهم وعلى الله يتوكلون ومنه يستمدون العون والمساعدة ويخوضون المعارك الضارية بكل شجاعة وبسالة كالأسود الضارية ولا يخافون في الله لومة لائم. هذه هي صفات أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) وهذه هي مناقبهم وأعمالهم وتواضعهم وجهادهم وعبادتهم وزهدهم، فهل تجد لهم نماذج على وجه البسيطة؟ وهل لهم أمثال مشابهة على ظهر الكرة الأرضية؟

(١٧٢)

كيف ننتظر الفرج؟
هل لانتظار الفرج هناك قيمة أساسية في الإسلام؟
وهل يشكل الانتظار عملاً مهماً في استمرارية الحركة الإسلامية؟
وهل له تأثير نفسي في روحية المجاهدين العاملين؟
إن الأحاديث التي تطرقت إلى موضوع الانتظار تشحن همم المجاهدين وترفع من معنويات المنتظرين، واليك بعضها:
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج-.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): - انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإن أحبّ الأعمال إلى الله (عز وجل) انتظار الفرج..-.
وعن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - سلوا الله من فضله فإن الله (عز وجل) يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج-.

(١٧٥)

على ضوء هذه الأحاديث نتساءل: كيف يكون انتظار الفرج من أفضل الأعمال؟ وكيف يكون من أحب الأعمال إلى الله تعالي؟ وكيف يكون من أفضل العبادة؟.
قبل الإجابة على هذه الأسئلة لابد لنا من معرفة معني (انتظار الفرج) وحقيقة الانتظار، فهل انتظار الفرج هو الوقوف أمام المشاكل والمآسي والمظالم مكتوفي الأيدي حتى يتحقق الفرج من قبل الله (عز وجل)؟ أم أن الانتظار له معني صحيحاً على خلاف ما تصوّره البعض خطأ؟
في الحقيقة إننا لا نستطيع أن نعرف معني الانتظار إلا من خلال التعامل والفهم العرفي لهذه الكلمة. فالناس حينما ينتظرون قدوم ضيف عزيز لهم يبادرون إلى تهيئة المكان وشراء أفضل المأكولات والمشروبات فرحة بقدومه، وتلبية لحاجاته.. وليس مجرد وضع اليد على الأخرى من دون تحريك ساكن. هذه هي حقيقة الانتظار عرفاً ومن هنا إذا رأينا الأحاديث تتحدث عن فضل الانتظار بأنه أحب الأعمال إلى الله سبحانه وأفضلها، فهي تعني الانتظار من باب الاستعداد وتهيئة الأرضية لاستقبال الإمام، وليس بمعني السكوت والجمود، والخمول، وذلك لأن الانتظار إذا كان بمعني السكوت والوقوف أمام المفاسد والمظالم في حالة من التفرج إلى أن تعم العالم كله.. فهذا لا يعتبر عملاً وحركة مباركة، بل هو استسلام للواقع المتردي، وتفرج على الوضع المأساوي، فكيف يكون هذا من أفضل الأعمال ومن أحبها إلى الله (عز وجل)؟! بل هو في الحقيقة ليس بعمل أصلاً حتى يكون (أفضل الأعمال)؟.
إن هذا الأمر لا يقبله العقل ولا يرتضيه الوجدان، فهل يكون مقبولاً لدي الشارع الإسلامي المقدس؟
هذا أمر مستحيل، بل هو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً لأنه كيف يكون مقبولاً في الإسلام، في الوقت الذي يحرّض فيه القرآن الكريم على الجهاد وقتال الأعداء، ويأمر

(١٧٦)

المسلمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضرورة القيام بالعمل الصالح (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة:105)..
بل كيف يرتضي الدين الإسلامي التفرج على ظلم الظالمين وجولات الفاسقين وطغيان الطواغيت... في حين أن الله سبحانه يبين في قرآنه الحكيم وعلى لسان نبيه الكريم حقيقة التمسك بحبل الله ألا وهو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، بحيث أصبح رفض الطاغوت مقدمة لحقيقة الإيمان بالله (عز وجل): (فَمَنْ يَكفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَك بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا) (البقرة:256) وهو الآمر في كتابه العزيز بوجوب القتال في سبيله والدفاع عن المستضعفين: (وَمَا لَكمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِن لَدُنْك وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَدُنك نَصِيراً) (النساء:75)
من خلال هذه الآيات المباركة الكثيرة من أمثالها في الكتاب العزيز يتضح كاملاً فساد العقلية التي تؤمن بأن معني الانتظار هو السكوت على الجرائم والمظالم والقبول بالواقع الفاسد واختيار الصمت المطلق تجاه جرائم المجرمين والمفسدين. فالانتظار عبارة عن تهيئة الظروف وترتيب الأمور بانتظار قدوم المولى.
فالانتظار لا يتحقق إلا إذا كان الفرد جاداً في إصلاح نفسه وتغير ذاته بما يحبه المولي حين قدومه إليه كما وأن الفرد لا يصدق عليه بأنه منتظر إلا إذا كان منهمكاً في إصلاح مجتمعه وأمته كما يريده الإمام (عليه السلام). فللانتظار معني أعلى وأسمى مما فهمه المتخاذلون والمتكاسلون، فالانتظار يعني انتظار نجاح العمل بعد البدء في مباشرته والاستمرار في مواصلته برغم المشاكل والمصاعب، والانتظار أيضاً هو الأمل في الفوز مع الاجتهاد في التضحية والفداء. وانتظار الفرج اسم على حقيقة القيام بالعمل الدؤوب بأمل انفراج الأزمات، وانكشاف الظلمات وانجلاء الكربات بالأعمال والتضحيات والإصرار على المواجهة، فلا تنفرج الأزمات إلاّ بالجد

(١٧٧)

والاجتهاد ولا تنجلي الأحزان والكربات إلاّ بمواصلة الاجتهاد في الدفاع عن حريم الإسلام، وأن الواقع المأساوي للأمة لا يتغير إلاّ أن تغير الأمة من واقعها المتخلف، وإرادة التغيير والإصرار في مواصلة المهمة والانطلاق للقيام بواجب الجهاد والعمل وترك التكاسل والإتكالية حتى يتحقق الأمل المنشود وقد صرّح القرآن الكريم بذلك قائلاً: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (الرعد:11).
ومن الطبيعي أن الفرج لا يأتي إلاّ بعد مصارعة الأهواء ومقاتلة الأعداء والعمل بجد واجتهاد، وعدم اليأس من نصر الله جل جلاله، ولذا يكون انتظار الفرج هو (أفضل الأعمال) لأنه يعطي الأمل للناس، ويدفع بالإنسان إلى القيام بأداء الواجبات والفرائض والوظائف على أحسن وجه بأمل الفوز والانتصار.
ولذا فالانتظار (عمل) وليس صمتاً، وهو جهاد وليس تفرجاً على المآسي، وإلاّ لكان في هذا المعني السلبي للانتظار عند البعض إحباط لمعنويات المجاهدين وتشجيع في التراجع عن القيام بالواجبات والفرائض وإفساح المجال لكل المجرمين والظالمين بارتكاب المفاسد والجرائم.
إذن فالانتظار ليس بمعني السكوت والتفرج بل هو انتظار للنتائج بعد أداء الأعمال والواجبات تماماً كما يقوم المزارع بالحرث والبذر والسقي والمحافظة على زراعته بانتظار بلوغ الثمار وحصد حاصل زرعه. وإذا ذَكرت في بعض الروايات بضرورة التقية وعدم القيام بحركة اليد والرجل فهو ليس بمعني عدم العمل والقيام بالفرائض والواجبات الإسلامية من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل مطلق وفي كل زمان ومكان، بل المراد من ذلك هو توقيف العمل العلني من الجهاد والدفاع عن المقدسات الإسلامية في تلك الحالات الخانقة بشكل مؤقّت حيث الظروف تقتضي التستر في القيام بالأعمال، من هنا نعرف أن النهي الذي جاء من قبل أهل البيت (عليهما السلام) بعدم القيام بالثورة والجهاد المسلح إنما هو حالة استثنائية في ظروف صعبة وحالات

(١٧٨)

خاصة، لأن لكل زمان ومكان متطلباته وواجباته الشرعية، فقد يتطلب في عصر من العصور القيام بالثورة والانتفاضة، وفي عصر آخر التقية والتستر في العمل والتحرك. وهذا لا يعني عدم العمل والقيام بالواجبات بشكل عام، بل المراد منه القيام بالمهام والواجبات بشكل سري في ظروف سيطرة الطغاة والظالمين حين بطشهم وفورة طغيانهم، وهذا أمر نستطيع أن نعرفه من حياة أهل البيت (عليهما السلام) وأصحابهم المخلصين حيث كانوا يؤدّون الأعمال بشكل علني ويقومون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصورة مكشوفة ويخوضون الصراع من أجل إعلاء كلمة الإسلام والقيام بالنهضة والثورة المسلحة في زمان مناسب كما في عهد سيد الخلق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وفي عهد سيدنا ومولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعصر الإمام الحسين (عليه السلام)... وفي زمان آخر كانت الظروف والأزمات الخانقة تفرض عليهم القيام بالواجبات الرسالية بشكل سرّي بعيداً عن أعين الظلمة وجواسيسهم، كما هو الملاحظ في الظروف التي كانت سائدة في عهد الإمام زين العابدين والإمام الكاظم والإمامين العسكريين (عليهما السلام). فأهل البيت (عليهما السلام) كانوا يمارسون أعمالهم بأحسن وجه ولكن في سرية مطلقة.
إذن فالتقية والانتظار ليس بمعني الكف عن العمل واختيار الصمت المطلق والسكوت المميت عن جرائم الظالمين والتراجع عن هداية الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع عن المستضعفين، فمن خلال تاريخ أهل البيت نلاحظ أنهم كانوا يقومون مع أتباعهم المخلصين بهذه الواجبات ولكن في غاية الخفاء والسرية التامة.
فالإنسان بحاجة إلى أمل النجاح، وانتظار الفرج حين القيام بالواجبات، وكلما ازدادت الظروف صعوبة والأزمات شدة، فعلى المرء أن يقاوم اليأس والقنوط الذين طالما يراودانه إذا طال الأمد، وعليه أن يربط انتظاره للفرج بالقيام بأداء الأعمال على أمل انفراج الأزمات، وتغير الظروف والأحوال، وبهذا الأمل يواصل المرء

(١٧٩)

مسيرته النضالية وتحركاته الرسالية ونشاطاته الإيمانية رغم كل الظروف والأحوال السيئة ورغم كثافة ونوعية المشاكل والأزمات.
فانتظار الفرج وعدم اليأس من تغير الأوضاع السيئة وانتظار التغيير وعدم القنوط من روح الله، هو في حد ذاته أكبر دافع للإنسان لمواصلة مسيرته الجهادية وتحركاته الإيمانية، وقد أمر الله (عز وجل) المؤمنين بمواصلة العمل حيث قال (عز وجل): (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة:105) وفي آية أخري في بيان الفائزين برضوان الله وبالجنان ويقول (عز وجل): (وَالْعَصْرِ - إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر1-3). فالعمل والنشاط والحركة لها نتائجها الحسنة في المجتمع حيث أن كل الأعمال بمرأي ومسمع من الله سبحانه والرسول الأكرم وأهل البيت الأطهار (عليهما السلام)، فهي تعطي نتائجها كل حين بإذن الله تعالي. وانفراج الأزمات تكون كلما اشتدت الأمور ضيقاً، وقد حذر الله سبحانه بشدة الذين ينتابهم اليأس من التغيير والقنوط من الانفراج، نتيجة تردي الأوضاع واشتداد الأزمات، واعتبر سبحانه الذين ييأسون من رحمته هم الكافرون، لأن اليأس لا يدخل في قلب المؤمن بالله وبرسوله. (إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكافِرُونَ) (يوسف:87).
والقنوط لا يقتحم إيمان المرء المسلم بالتغيير حتى لو أطبقت الدنيا عليه شدة وخناقاً وحتى لو احتشدت عليه عساكر الأعداء، فإيمان المسلم بالله وبنصره وبروحه أقوي من بطش الأعداء وأعلى من كل شدة، وانتظار التغيير والتبديل أمله الذي يحدو به إلى العمل والجد والنشاط وهو يعلم مسبقاً أن ليس عليه إلاّ العمل ومواصلة النضال في كل الظروف والأحوال أما سراً أو جهراً فالفرج من الله والنصر من عنده وما على المؤمنين إلاّ التوكل عليه سبحانه والجهاد في سبيله والتضحية والفداء لمرضاته.

(١٨٠)

ولهذا كان الانتظار أفضل الأعمال وأحبها إلى الله (عز وجل)، لأنه بانتظار الفرج يسهل للإنسان اقتطاف ثمار جهاده في الدنيا والسعادة في الآخرة لنيل ثواب أعماله وتضحياته. وهناك أمل عظيم يحدو بالإنسان المجاهد ألا وهو الفوز الحقيقي في آخر المطاف، حيث سيكون للمؤمنين نصر عظيم في الدنيا على جميع الظالمين والمجرمين وستكون لهم دولة كبيرة تحكم الكرة الأرضية بقيادة أعظم شخصية من آل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) ألا وهو الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) وليس عبثاً أن سمّي الإمام الغائب بالمنتظر لأنه (عليه السلام) يشارك المؤمنين بانتظار الفرج الإلهي أيضاً. فالكل بانتظار الرحمة السماوية والإذن الإلهي بما فيهم الإمام المعصوم (عليه السلام)، وهذا وعد رباني محتوم لا خلف فيه ولا تبديل، فالمنتظر لأمر الله وهو يقوم بأداء واجباته الشرعية كالمتشحط بدمه في سبيل الله لأنه في حالة أداء مهامه وفرائضه في أحلك الظروف وأصعب الحالات، وكما قال الإمام الصادق (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام): -... والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله-.
ومن هنا يُمتحن الشيعة في فترة الغيبة بمدي صبرهم وانتظارهم للفرج، ولذا سميت الفئة المناضلة المجاهدة في سبيل الله الصابرة على المصاعب والمشاكل المتحملة للشدائد والآلام، سميت في الروايات بالعصابة أو العصبة، لأنها حقاً متعصبة ومشدودة للعمل لا تصرفها المطامع والأهواء ولا تزحزحها المصاعب والأزمات بل تعتبر الفتن والمشاكل اختبارات وامتحانات، وعليهم أن يتحملوها لبناء أنفسهم أولاً ولنيل الدرجات في الآخرة ثانياً.
وفي حال تسلط الفجار والطغاة على المتقين المؤمنين، وسيطرتهم على الناس، فعلى الموحدين أن لا ييأسوا من تغير الظروف وتبدل الأحوال، وإن كانت الظلمات تعم الكرة الأرضية من الفجور والطغيان. فأمل حدوث تبدد الظلمات وتغير

(١٨١)

الحالات وحدوث الانقلابات في النفوس والقلوب أمر ممكن وقوعه في أي لحظة بإذن الله ما دام هناك جهاد ونضال وأمل في التغيير وانفراج للأوضاع بنصر من الله (عز وجل)، وهذا النصر سيأتي حتما والفرج سيحدث يقيناً بمشيئة الله سبحانه، وهذا وعد الهي لا تبديل فيه ولا خلف وان طال ليل الظلمات وحكومة الطغاة، ولكن على المؤمنين العمل الدؤوب والجهاد المتواصل بانتظار هذا الفرج العظيم كما بشرنا به القرآن الكريم (وَلَقَدْ كتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء:105). وبشرنا به أهل البيت المطهرون (عليهما السلام) في أحاديثهم الشريفة التي نورد فيما يلي بعضاً منها وهي تبين فضيلة انتظار الفرج وكيف أنها من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله سبحانه:
أفضل العبادة انتظار الفرج
1- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - سلوا الله من فضله فإن الله (عز وجل) يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج-.
2- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - انتظار الفرج عبادة-.
3- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): - انتظار الفرج بالصبر عبادة-.
4- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): - انتظار الفرج من الله عبادة-.
5- وعن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): - أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج-..

(١٨٢)

انتظار الفرج أفضل الجهاد وأفضل الأعمال
6- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - أفضل جهاد أمّتي انتظار الفرج-.
7- وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلم): - أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله (عز وجل)-.
8- عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: -... انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله، فإن أحبّ الأعمال إلى الله (عز وجل) انتظار الفرج، ما دام عليه العبد المؤمن والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله-.
9- وعنه أيضاً (عليه السلام) قال: - الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس، والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله-.
وهكذا تبين الأحاديث الشريفة فضل الانتظار وهو (عمل) بل هو من أفضل الأعمال. كما بينت الأحاديث الشريفة، فضل المنتظرين للفرج من الله سبحانه، وما لهم من عظيم الأجر ورفيع الدرجات إلى درجة يكون فيها المنتظر للقائم (عجل الله فرجه) كالشاهر سيفه بين يدي الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وكمن مات في فسطاط وعسكر الإمام المهدي (عليه السلام)، وله أجر الصائم القائم، وأن له أجر الشهيد إن مات قبل خروج المهدي (عجل الله فرجه)، بل هو كمن ضرب بسيفه مع القائم (عجل الله فرجه) بل بمنزلة من استشهد مع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وهذا ما تنطق به الأحاديث الشريفة عن أهل البيت (عليهما السلام)، والتي نقتطف بعضاً منها فيما يلي:
المنتظر للقائم كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله
1- عن الإمام الصادق (عليه السلام): -... المنتظر للثاني عشر (الشاهر سيفه بين يديه) كان كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يذب عنه...-.

(١٨٣)

للمنتظر اجر الصائم
2- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... واعلموا أن المنتظِرَ لهذا الأمر له مثل أجر الصائم القائم...-.
3- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - ما ضرّ من مات منتظراً لأمرنا إلاّ يموت في وسط فسطاط المهدي وعسكره-.
4- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... القائل منكم إن أدركت القائم من آل محمد نصرتهُ كالمقارع معه بسيفه...-.
5- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - إعرف إمامك فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك، تقدم هذا الأمر أو تأخر، ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره، لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه..-.
6- عن الإمام الصادق (عليه السلام): -... من آمن بنا وصدّق حديثنا وانتظر (أمرنا) كان كمن قتل تحت راية القائم، بل والله تحت راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) -.
7- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - من مات منكم على أمرنا هذا فهو بمنزلة من ضرب فسطاطه إلى رواق القائم (عليه السلام)، بل بمنزلة من يضرب معه بسيفه، بل بمنزلة من استشهد معه، بل بمنزلة من استشهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) -.
8- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - من مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن كان مع القائم في فسطاطه، بل كان كالضارب بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالسيف-.

(١٨٤)

9- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - من مات منكم على أمرنا هذا كان كمن استشهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) -.
10- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - كل مؤمن شهيد وإن مات على فراشه فهو شهيد وهو كمن مات في عسكر القائم-.
11- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - من عرف بهذا الأمر ثم مات قبل أن يقوم القائم كان له أجر مثل من قتل معه-.
12- عن الإمام الصادق (عليه السلام): -... أن الميت والله منكم على هذا الأمر لشهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله-.
اجر من يقاتل ويستشهد مع القائم
13- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... ومن أدرك قائمنا فخرج معه فَقَتَل عدوَّنا كان له مثل أجر عشرين شهيداً، ومن قُتِل مع قائمنا كان له أجر خمسة وعشرين شهيداً-.
14- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... القائل منكم إن أدركت القائم من آل محمد نصرته كالمقارع معه بسيفه، والشهيد معه له شهادتان-.
إذن إن انتظار القائم (عجل الله فرجه) من الدين الذي لا تقبل الأعمال إلاّ به.
15- عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال عندما دخل عليه رجل معه صحيفة: - هذه صحيفة مخاصم يسأل عن الدين الذي يُقبل فيه العمل. فقال: رحمك الله هذا الذي أريد. فقال الإمام الصادق (عليه السلام): شهادة أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأن محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) عبده ورسوله، وتقرّ بما جاء من عند الله، والولاية لنا أهل البيت، والبراءة

(١٨٥)

من عدونا والتسليم لأمرنا والورع والتواضع، وانتظار قائمنا، فإن لنا دولة إذا شاء الله جاء بها-.
المنتظرون هم أفضل أهل كل زمان
16- قال الإمام الصادق (عليه السلام): - طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا، فلم يزغ قلبه بعد الهداية. فقلت له: جعلت فداك وما طوبي؟ قال: شجرة في الجنة أصلها في دار علي بن أبي طالب (عليه السلام) وليس من مؤمن إلاّ وفي داره غصن من أغصانها وذلك قول الله (عز وجل): (طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) -. وبصدد بيان أهمية الاستقامة بانتظار الفرج وأجر الثابتين في زمن الغيبة قال الإمام الصادق (عليه السلام):
17- يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إن أدني ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جل جلاله فيقول: عبادي وإمائي آمنتم بسري وصدقتم بغيبي فابشروا بحسن الثواب مني فأنتم عبادي وإمائي حقاً منكم أتقبل وعنكم أعفو ولكم أغفر وبكم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي... -.
بل الإمام السجاد (عليه السلام) يمضي قدماً في بيان عظمة المتمسكين بإمامة المهدي المنتظر في عصر غيبته قائلاً:
18-... إن أهل زمان غيبته القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان...-.
من سرّه أن يكون مع أهل البيت (عليهما السلام) فعليه بالعمل وبالانتظار والصبر.

(١٨٦)

إذن فللانتظار فلسفته الإيجابية وأثره الفعّال في حياة الإنسان، وإذا كان انتظار الفرج له ذلك الأجر العظيم فان أهل البيت (عليهما السلام) بيّنوا أن هذا الانتظار هو عمل متواصل مشروط بالجد والكفاح والصبر والتسليم لأوامرهم وإرشاداتهم الرسالية، الأمر الذي يؤدي إلى حصد نتائج عظيمة، والتي تتمثل في قمتها الفوز بالدرجات السامية مع أهل البيت (عليهما السلام) في الآخرة مثلما بينته أحاديثهم الشريفة السابقة والتالية الذكر.
19- في حديث طويل مع أحد مواليه عن أحوال آخر الزمان، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): -.. ألا تعلم أن من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف هو غداً في زمرتنا....
20- الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله-.
جدوا وانتظروا... وهنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة
21- وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً -... من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه فجدّوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة-.
22- وعن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث طويل جاء في جانب منه: -... عليكم بالتسليم والرد إلينا وانتظار أمرنا وأمركم وفرجنا وفرجكم..-.
23- وفي حديث آخر للإمام الصادق (عليه السلام): -... من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه لانتظاره-.
24- عن الإمام السجاد (عليه السلام): - انتظار الفرج من أعظم الفرج-.

(١٨٧)

25- وفي بيان آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: - ليعن قويكم ضعيفكم وليعطف غنيكم على فقيركم ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه... وانظروا أمرنا وما جاءكم عنّا... وإذا كنتم كما أوصيناكم لم تعدوا إلى غيره فمات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيداً...-.
26- وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: - ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، أما سمعت قول الله (عز وجل) (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكمْ رَقِيبٌ) (هود:93)، وقوله (عز وجل) (فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ) (الأعراف:71). فعليكم بالصبر، فإنه إنما يجيء الفرج على اليأس..-.
27- وفي خبر الأعمش عن الإمام الصادق (عليه السلام): - ودينهم (دين الأئمة) الورع والعفة والصدق... إلى قوله: وانتظار الفرج بالصبر-.
نعم، إن انتظار الفرج يتطلب من الإنسان الصبر، فلا يمكن أن يكون الإنسان منتظراً ما لم يكن صابراً يتحمل المشاق والمصاعب وهو يري ما يكره، والجد في العمل على طريق الهدى والتمسك بالقيم الإسلامية مهما كانت الظروف المعاكسة والخطوط الضاغطة، وعلى الإنسان المؤمن المثابرة في العمل والاستقامة في الدين والصبر على البلاء والصبر على الطاعة والصبر على ترك المعصية في إطار العمل في سبيل الله بانتظار الفرج..كل ذلك من المعاني البارزة لانتظار الفرج.
أذن هذا هو المعني الحقيقي للإنتظار وفق ما جاء على لسان الأحاديث فهل بعد هذا البيان من تفسير آخر؟!

(١٨٨)

إرهاصات قيام الإمام
على الرغم من أن أيام خروج الإمام المهدي - (عجل الله فرجه)- مشحونة بالاضطرابات والحروب ومليئة بالمتاعب والآلام، فإنها في الوقت نفسه أيام تكسوها الروعة والجمال والابتهاج والعظمة، لأنها أيام تنهي فترة الانتظار المرير التي طالما عاشها المؤمنون طوال القرون والأعوام... وقد عانوا من المآسي والاضطهاد والقتل والتعذيب الكثير الكثير... أيام تمسح دموع الأرامل والأيتام وتبشّر بطلوع فجر الحرية والعدالة والسعادة والرفاه، أيام تعيد الابتسامة إلى شفاه المستضعفين، وتعيد الأمن والطمأنينة للقلوب المروّعة.
أيام تبشر بالنصر لكل المظلومين في العالم، أيام تجلو العمى عن القلوب والأبصار، وتهدي النفوس إلى الإيمان والاستبصار، وتبشر المؤمنين بالنصر والسعادة والرخاء... وكما يبزغ الفجر من ليل الظلمات، يبزغ فجر الإيمان من ظلمات الكفر والضلال.
والسؤال الذي يدور في الأذهان: هل هناك من تحديد فترة زمنية ولو بشكل تقريبي لأيام خروج الإمام المهدي؟
أجل جاء هذا التحديد الزمني عن الرسول الأكرم بصورة واضحة، ولكن من دون تعيين ساعة الصفر لها، لأن الأمر مرتبط بمشيئة الله (عز وجل) إلا أن هناك بيان

(١٩١)

تقريبي عن أيام النهضة المهدوية العظيمة التي تأتي بعد حكم الجبابرة حيث يقول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): - تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عضوضاً فيكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة علي منهاج النبوة).
وفي حديث آخر عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - سيكون من بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً...-.
بهذا التعيين التقريبي يمكن تحديد فترة (آخر الزمان) التي جاءت في الروايات الكثيرة حيث يكون خروج الإمام فيها. - يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً-.
وقد يستفاد أيضاً من روايات أخري عن أهل البيت (عليهما السلام) الذين ذكروا الفترة التي يرجي أن يكون خروج الإمام فيها وذلك عند حالة اليأس والقنوط التي تنتاب البعض من قيام الإمام وهم يعتقدون موت الإمام وانقطاع الأخبار عنه،.كما في هذه الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) - يا أبا الجارود، إذا دار الفلك وقالوا مات أو هلك، وبأي واد سلك، وقال الطالب له أني يكون ذلك، وقد بليت عظامه، فعند ذلك فارتجوه

(١٩٢)

وإذا سمعتم به فأتوا ولو حبواً على الثلج). وورد عنه أيضاً (عليه السلام): -... فخروجه إذا خرج يكون عند اليأس والقنوط من أن يروا فرجاً-.
ويستفاد أيضاً من بعض الروايات أن أيام خروج الإمام (عليه السلام) تكون أياماً تكسو الأرض الثلوج ويحكم الجو البرد القارص كما يظهر من الرواية السابقة والروايتين التاليتين وهما نموذج لروايات عديدة بهذا المعني: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من قبل خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة الله المهدي).
(الحسن بن سفيان، وأبو نعيم عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) تجيء الرايات السود من قبل المشرق كأن قلوبهم زبر الحديد، فمن سمع بهم فليأتهم فليبايعهم ولو حبوا على الثلج).
وهذا التعبير بالحبو على الثلج وعدم الاعتناء بالبرد في مناصره الرايات السود ربما يدل على أن زمن الخروج يكون في أيام الشتاء في وقت يغطي أراضي خراسان الثلج، حيث الوصول إلى الرايات السود يتطلب بذل الجهود في محاربة البرد والثلج وإلا لكان لسان التعبير الروائي مختلفاً إذا كان الخروج في أيام الصيف كان يقال مثلاً: (فمن سمع بهم فليأتهم ولو مشيًا على الرمضاء، ولو في حر الهجير)..
هذا وقد جاءت الأحاديث الشريفة عن أهل البيت (عليهما السلام)، تظهر صورة واضحة عن الأحداث والعلائم التي تسبق وتتخلل فترة الظهور المبارك للإمام الحجة (عليه السلام)، وتلك التي تحدث قبيل فترة أيام خروجه ونهضته المباركة. وهذه العلامات على نوعين: بعيدة وقريبة، ويمكن أن تقسمَّ على قسمين:

(١٩٣)

العلامات العامة: وهي التي تبين وتصف الوضع العام للمجتمعات البشرية وبالخصوص المجتمعات الإسلامية، وما يقع فيها من الفتن والحوادث والاضطرابات والظواهر والعلامات التي تقع على مدى سنوات طويلة وعقود متمادية من الزمن تسبق أيام ظهور القائم (عجل الله فرجه).
العلامات الخاصة: وهي الأحداث والظواهر والعلائم الخاصة والبارزة التي تقع في عصر الظهور وخاصة في فترة قصيرة وقريبة تسبق أيام خروج الإمام المنتظر - (عجل الله فرجه)-. بفترة وجيزة.
إن الأحاديث التي تطرقت إلى موضوع الانتظار تعطي انطباعاً مهماً في روحية المنتظرين، وإليك بعضها:
1- عن تفسير القمي في تفسير قوله تعالي: (...فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) (محمد، 18) عن ابن عباس في سفر حجة الوداع: ونظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلينا وقال: - ألا أخبركم بأشراطه السّاعة؟ وكان أدني الناس منه يومئذ سلمان رحمة الله عليه. فقال سلمان: بلي يا رسول الله. فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): - إنّ من أشراط القيامة، إضاعة الصلوات واتباع الشهوات والميل إلى الأهواء وتعظيم أصحاب المال وبيع الدين بالدنيا فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذاب الملح في الماء مما يري من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: أي والذي نفسي بيده يا سلمان، إنّ عندها يليهم أمراء جوره، ووزراء فسقه، وعرفاء ظلمه، وأمناء خونه.
فقال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال (صلّى الله عليه وآله وسلم)، إي والذي نفسي بيده يا سلمان، إنّ عندها يكون المنكر معروفاً والمعروف منكراً ويؤتَمن الخائن ويُخّون الأمين ويصدق الكاذب ويكذب الصادق.. فعندها تكون إمارة النساء ومشاورة الإماء وقعود

(١٩٤)

الصبيان على المنابر ويكون الكذب طرفاً والزكاة مغرماً والفئ مغنماً ويجفو الرجل والديه ويبر صديقه، ويطلع الكوكب المذنب.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: أي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة... فعندها يليهم أقوام إن تكلّموا قتلوهم وإن سكتوا استباحوا حقهم ليستأثرون بفيئهم وليطؤن حرمتهم وليسفكنّ دماءهم وليملأنّ قلوبهم دغلاً ورعباً فلا تراهم إلاّ وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين.
قال سلمان: إنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: أي والذي نفسي بيده، يا سلمان عندها يؤتي بشيء من المشرق وشيء من المغرب يلون أمتي، فالويل لضعفاء أمتي منهم والويل لهم من الله لا يرحمون صغيراً ولا يوقَرون كبيراً ولا يتجاوزون عن مسيء، جثتهم جثة الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: أي والذي نفسي بيده، يا سلمان يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها وتشبه الرِّجال بالنِّساء والنساء بالرجال ولتركبن ذوات الفروج السَروج فعليهن من أمتي لعنة الله.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: أي والذي نفسي بيده، يا سلمان إنّ عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع والكنائس وتحلي المصاحف وتطول المنارات وتكثر الصفوف بقلوب متباغضة وألسن مختلفة.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: أي والذي نفسي بيده، وعندها تحلّي ذكور أمتي بالذهب ويلبسون الحرير والديباج ويتخذون جلود النمور صفافاً.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: أي والذي نفسي بيده، يا سلمان وعندها يظهر الرَبا والرشا ويتعاملون بالعينة والرشي ويوضع الدين وترفع الدنيا... وعندها يكثر الطلاق فلا يقام لله حد ولن يضروا الله شيئاً.

(١٩٥)

قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: أي والذي نفسي بيده، يا سلمان وعندها تظهر القينات والعازف ويليهم أشرار أمتي.. وعندها تحج أغنياء أمتي للنَزهة وتحج أوساطها للتجارة وتحج فقراؤها للرِّياء والسّمعة وعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله ويتخذونه مزامير ويكون أقوام يتفقَهون لغير الله وتكثر أولاد الزنا ويتغنون بالقرآن.. عندها يتكلّم الرويبضة. فقال: وما الروبيضة يا رسول الله فداك أبي وأمي؟ قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): يتكلم في أمر العامة من لم يكن يتكلّم...الخ.
2- وجاء في عقائد الإمامة في أشراط الساعة عن حذيفة بن اليمان عن رسول
الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: - يا حذيفة قد ذهبت الدنيا كأنّك بالدنيا لم تكن. قلت فداك أبي وأمّي فهل من علامة نستدل بها على ذلك؟ قال: نعم ياحذيفة احفظ بقلبك وانظر بعينك وأعقد بيديك-. إذا ضيَعت أمتي الصلاة. وأتبَعت الشهوات، وكثرت الخيانات، وقلَت الأمانات، وشربوا القهوات، وخفيت الطرق، ورفضت القناعة، وساءت الظنون، وتلاشت السَنون، وكثرت الأشجار، وقلَت الثمار، وغلت الأسعار، وكثرت الرياح، وتبينَت الأشراط، وظهر اللواط، واستحسنوا الخلف، وضاقت المكاسب، وقلْت المطالب، واستمرءوا بالهوي، وتفاكهوا بشتم الآباء والأمهات، وأُكل الربَا، وفشا الزنا، وقتل الرضا، واستعملوا السّفهاء، وكثرت الخيانة، وقلَت الأمانة، وزكي كل أمرء نفسه وعمله، واشتهر كل جاهل بجهله، وزخرفت جدران الدور، ورفع بناء القصور، وصار الباطل حقاً، والكذب صدقاً، والصدق عجزاً، واللّؤم عقلاً، والضِّلال هديً، والبيان عمي، والصمت بلاهة، والعلم كهانة، وكثرت الآيات، وتتابعت العلامات، وتراجموا بالظنون، ودارت على الناس رحى المنون، وعميق البلوي، وغلب المنكر المعروف، وذهب التواصل، وكثرت التجارات، واستحسنوا بالمفضلات، وركبوا جلود النمور،

(١٩٦)

وأكلوا المأثور، ولبسوا الحبور، وأثروا الدنيا على الآخرة، وذهبت الرحمة من القلوب، وعمّ الفساد، واتخذوا كتاب الله لعباً ومال الله دولاً، واستحلوا الخمر بالنبيذ، والفحش بالزكاة، والربا بالبيع، والحكم بالرشا، وتكافأ الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وصارت المباهات في المعصية، والكبر في القلوب، والجور في السلاطين، والسفاهة في سائر الناس، فعند ذلك لا يسلم لذي دين دينه إلاّ من فرَّ بدينه من شاهق إلى شاهق ومن واد إلى واد. وذهب الإسلام حتى لا يبقي إلاّ اسمه، واندرس القرآن من القلوب حتى لا يبقي إلاّ رسمه. يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، لا يعملون بما فيه من وعد ربهم ووعيده وتحذيره وتنذيره وناسخه ومنسوخه فعند ذلك تكون مساجدهم عامرة، وقلوبهم خالية من الإيمان، علماؤهم شر خلق الله على وجه الأرض منهم بدأت الفتنة وإليهم تعود، ويذهب الخير وأهله، ويبقي الشرّ وأهله، ويصير الناس بحيث لا يعبأ الله بشيء من أعمالهم قد صبَ إليهم الدنيا، حتى أن الغني ليحدث نفسه بالفقر-.
3- عن كشكول البهائي (ص83) عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): - ليأتين على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلاّ من يفرّ من شاهق إلى شاهق ومن جحر إلى جحر كالثعلب بأشباله. قالوا: يا رسول الله متى ذلك الزمان؟ قال: إذا لم تنل المعيشة إلا لمعاصي الله (عز وجل) فعند ذلك حلَت العزوبة قالوا: يا رسول الله أما أمرتنا بالتزويج؟ قال: بلي ولكن إذ كان ذلك الزمان فهلاك الرجل على يد أبويه فإن لم يكن له أبوان فهلاكه على يد زوجته وولده فإن لم يكن له زوجة وولد فهلاكه على يد قرابته وجيرانه. قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: يعيرونه بضيق المعيشة ويكلّفونه ما لا يطيق حتى يردونه موارد الهلكة-.

(١٩٧)

4- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - سيكون من بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً...-.
5- وقال أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): - لينقضنَّ عُري الإسلام عروة عروة فكلما انتقصت عروة تشبث الناس بالتي تليها وأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة-.
6- وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلم): - لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبة ووزراء فجرة وأمناء خونة وقرّاء فسقه سمتهم سمت الرهبان وليس لهم رعية أو قال رِعَه فليلبسهم الله فتنة غبراء مظلمة يتهوكون فيها تهوك اليهود في الظلم-.
7- وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): - أيها السائل عن الساعة: تكون عند خبث الأمراء ومداهنة القرّاء ونفاق العلماء وإذا صدّقت أمتي بالنجوم وكذبت القدر ذلك حين يتخذون الأمانة مغنماً والصدقة مغرماً والفاحشة إباحة والعبادة تكبراً واستطالة على الناس-.
8- وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): - إن بين يدي الساعة فتن كأنها قطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع أقوام (فيها) خلاقهم بعرض من الدنيا قليل-.
9- وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): - سيأتي على أمتي زمان لا يبقي من القرآن إلاّ رسمه ولا من الإسلام إلاّ اسمه يُسمَّون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدي، فقهاءُ ذلك الزمان شرُّ فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة واليهم تعود-.

(١٩٨)

10- وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يأتي على الناس زمان بطونهم آلهتهم ونساؤهم قبلتهم ودنانيرهم دينهم، وشرفهم متاعهم لا يبقي من الإيمان إلاّ اسمه ومن الإسلام إلاّ رسمه ومن القرآن إلا درسه، مساجدهم معمورة وقلوبهم خراب من الهدي، علماؤهم أشرُّ خلق الله على وجه الأرض، حينئذٍ ابتلاهم الله بأربع خصال: جور من السلطان وقحطٍ من الزمان وظلم من الولاة والحكام. فتعجب الصحابة وقالوا: يا رسول الله أيعبدون الأصنام؟! قال: نعم، كل درهم عندهم صنم-.
11- وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): - سيجيء أقوام في آخر الزمن وجوههم وجوه الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين أمثال الذئاب الضواري ليس في قلوبهم شيء من الرحمة سفّاكون للدماء لا يرعوون عن قبيح، إن بايعتهم واربوك وإن تواريت عنهم اغتابوك وإن حدّثوك كذَبوك وإن إئتمنتهم خانوك، صبيّهم عارم وشابّهم شاطر وشيخهم لا يأمر بمعروف ولا ينهي عن منكر، الاعتزاز بهم ذل وطلب ما في أيديهم فقر، الحليم فيهم غاوٍ والآمر بالمعروف متّهم والمؤمن فيهم مستضعف والفاسق فيهم مُشرَّف، السنّة فيهم بدعة والبدعة فيهم سنّة، فعند ذلك يسلط الله عليهم شرارهم فيدعو خيارهم فلا يستجاب لهم-.
12- وذكر الحديث الآنف في جامع الأخبار بتفاوت، وفيه: -... لا يتناهون عن منكر فعلوه... وإن حدّثتهم كذَّبوك... والحليم بينهم غادر والغادر بينهم حليم... ونساؤهم شاطر... الالتجاء إليهم خزي والاعتداد بهم ذل... فعند ذلك يحرمهم الله قطر السماء في أوانه وينزله في غير أوانه، يسلط عليهم شِرارهم فيسومونهم سوء العذاب يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءَهم-.

(١٩٩)

13- وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): - ستكون بعدي فتن، منها فتنة الاحلاس يكون فيها حرب وهرب ثم بعدها فتن أشدَّ منها ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت حتى لا يبقي بيت إلاّ دخلته ولا مسلم إلاّ صكته، حتى يخرج رجل من عترتي-.
14- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يُسمع بلاء أشدَّ منه حتى تضيق عليهم الأرض الرحبة وحتى يملأ الأرض جوراً وظلماً لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث الله (عز وجل) رجلاً من عترتي...-.
15- وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم) في حديث مطول مع الصدّيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، جاء في جانب منه: -... والذي بعثني بالحق إن منهما الحسن والحسين مهدي هذه الأمة، إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن وتقطعت السبل وأغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً، فيبعث الله (عز وجل) عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمتُ به في أول الزمان ويملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً..-. وذكرت هذه الروايات في كفاية الأثر (ص62) وفيها: (... فيبعث الله عند ذلك مهدينا التاسع من صلب الحسين يفتح حصون...).
16- روي جابر بن عبد الله الأنصاري قال: حججت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حجة الوداع فلما قضي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما افترض عليه من الحج أتي مودعاً الكعبة فلزم حلقة الباب ونادي برفع صوته: أيها الناس، فاجتمع أهل المسجد وأهل السوق، فقال: اسمعوا إني قائل ما هو بعدي كائن فليبلغ شاهدكم غائبكم. ثم بكي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حتى بكي لبكائه الناس أجمعين، فلما سكت من بكائه قال: اعلموا رحمكم الله إن

(٢٠٠)

مثلكم في هذا اليوم كمثل ورق لا شوك فيه إلى أربعين ومائة سنة ثم يأتي من بعد ذلك شوك وورق إلى مائتي سنة ثم يأتي من بعد ذلك شوك لا ورق فيه حتى لا يري فيه إلا سلطان جائر أوغني بخيل أو عالم مراغب في المال أو فقير كذاب أو شيخ فاجر أو صبي وقح أو امرأة رعناء. ثم بكي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقام إليه سلمان الفارسي وقال: يا رسول الله اخبرنا متى يكون ذلك؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): يا سلمان إذا قلّت علمائكم وذهب قراؤكم وقطعتم زكاتكم وأظهرتم منكراتكم وعلت أصواتكم في مساجدكم وجعلتم الدنيا فوق رؤوسكم والعلم تحت أقدامكم والكذب حديثكم والغيبة فاكهتكم والحرام غنيمتكم ولا يرحم كبيركم صغيركم ولا يوقر صغيركم كبيركم فعند ذلك تنزل اللعنة عليكم ويجعل بأسكم بينكم وبقي الدين بينكم لفظاً بألسنتكم. فإذا أوتيتم هذه الخصال توقعوا الريح الحمراء أو مسخاً أو قذفاً بالحجارة وتصديق ذلك في كتاب الله (عز وجل) (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ على أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكمْ أَوْ يَلْبِسَكمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ). فقام إليه جماعة من الصحابة فقالوا: يا رسول الله أخبرنا متى يكون ذلك؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): عند تأخير الصلوات واتباع الشهوات وشرب القهوات وشتم الآباء والأمهات حتى ترون الحرام مغنماً والزكاة مغرماً وأطاع الرجل زوجته وجفا جاره وقطع رحمه وذهبت رحمة الأكابر وقل حياء الأصاغر وشيدوا البنيان وظلموا العبيد والإماء وشهدوا بالهوى وحكموا بالجور ويسب الرجل أباه ويحسد الرجل أخاه ويعامل الشركاء بالخيانة وقل الوفاء وشاع الزنا وتزين الرجال بثياب النساء وسلب عنهن قناع الحياء ودب الكبر في القلوب كدبيب السم في الأبدان وقل المعروف وظهرت الجرائم وهونت العظائم وطلبوا المدح بالمال وأنفقوا المال للغناء وشغلوا بالدنيا عن الآخرة وقل الورع وكثر الطمع والهرج والمرج واصبح المؤمن ذليلاً والمنافق عزيزاً مساجدهم معمورة بالأذان وقلوبهم خالية من الإيمان واستخفوا بالقرآن وبلغ المؤمن عنهم كل هوان. فعند ذلك

(٢٠١)

تري وجوههم وجوه الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين كلامهم أحلي من العسل وقلوبهم أمرّ من الحنظل فهم ذئاب وعليهم ثياب ما من يوم إلا يقول الله تبارك وتعالي: أفيَّ تغترون أم عليَّ تجترؤن؟ (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكمْ عَبَثًا وَأَنَّكمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ). فو عزتي وجلالي لولا من يعبدني مخلصاً ما أمهلت من يعصيني طرفة عين، ولولا ورع الوارعين من عبادي لما أنزلت من السماء قطرة ولا أنبت ورقة خضراء فوا عجباً لقوم آلهتهم أموالهم وطالت آمالهم وقصرت آجالهم وهم يطمعون في مجاورة مولاهم ولا يصلون إلى ذلك إلا بالعمل ولا يتم العمل إلا بالعقل.
17- ومما روي عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) خطبته المعروفة بخطبة البيان، وقد ذكر فيها ظواهر وعلامات بارزة ومهمة لما يكون عليه حال الأمة وأصناف الناس وطبائعهم وتصرفاتهم وأخلاقهم، وحال الدين والفقهاء...، وغير ذلك من الأمور العامة التي تكون في عصر غيبة الإمام القائم (عليه السلام)، هذا بالإضافة لذكره لبعض العلامات التي تحدث والأحداث التي تقع في بعض المناطق قبل خروج المهدي (عجل الله فرجه).
وبقدر ما يتعلق الأمر بالأحداث والعلامات ذات العلاقة بقضية الإمام المهدي (عليه السلام)، نورد هنا ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة، من قوله (عليه السلام): -... أنا أبو القائم في آخر الزمان، فقام إليه مالك الأشتر فقال: ومتي يقوم هذا القائم من ولدك يا أمير المؤمنين؟ فقال (عليه السلام): إذا زهق الزاهق وحققت الحقائق ولحق اللاحق وثقلت الظهور وتقاربت الأمور وحجب المنشور.. إلى أن قال: فيكدحون الحرائر ويتملكون الجزائر ويحدثون بكيان ويخربون خراسان ويصرفون الحليان ويهدمون الحصون ويظهرون اللصوص ويقتطنون النفوس ويفتحون العراق ويظهرون الشقاق بدم يراق فعند ذلك ترقبوا خروج صاحب الزمان. ثم إنه جلس على مرقاة ثم قال (عليه السلام) آه آه لتعريض الشفاه

(٢٠٢)

وذبول الأفواه ثم التفت يميناً وشمالاً ونظر إلى بطون العرب وسادات الكوفة ووجوه القبائل بين يديه وهم صامتون كأن على رؤوسهم الطير فتنفس الصعداء وأنَّ كمداً وتملّل حزنا وسكت حينئذ فقام إليه سويد بن نوفلة وهو كالمستهزأ وكان من سادات الخوارج وقال يا أمير المؤمنين أنت الحاضر ما ذكرت والعالم بما أخبرت؟ قال فالتفت إليه الإمام (عليه السلام) ورمقه رمقة الغضب فصاح سويد بن نوفل صيحة عظيمة من عظم ما نزل به فمات من وقته وساعته وتقطع أرباً أرباً وعجل الله بروحه إلى النار، فقال الإمام (عليه السلام): أبمثلي يستهزؤون أم عليّ يتعرض المتعرضون؟ أو يليق بمثلي بما لا يعلم ويدّعي ما ليس له بحق؟ هلك والله المبطلون لو شئت ما تركت على ظهرها من كافر بالله ومنافق برسوله ولا مكذباً بوصية (قَالَ إِنَّمَا أَشْكو بَثِّي وَحُزْنِي إلى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ). قال فقامت إليه العلماء والفضلاء يقبلون بواطن قدميه ويسألونه إتمام كلامه الذي انتهي، قالوا يا أمير المؤمنين نقسم عليك بحق ابن عمك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن تبين لنا ما يجري في طول الزمان بكلام يفهمه العاقل والجاهل. قال ثم ذكر الله وحمده واثني عليه وقال: أيها الناس أنني مخبركم بما يكون من بعد موتي إلى خروج القائم بالأمر من ذريتي وهم ذرية ولدي الحسين وإلي ما يكون إلى آخر الزمان حتى تكونون على حقيقة من البيان. قالوا ومتي يكون ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال إذا وقع الموت في الفقهاء ووضعت أمة محمد الصلوات واتبعوا الشهوات وقلت الأمانات وكثرت الخيانات وشربوا القهوات واستشعروا شتم الآباء والأمهات ورفعت الصلاة من المساجد بالخصومات وجعلوها مجلس الطعامات وأكثروا من السيئات وقللوا من الحسنات وعزت الديانات فحينئذ تكون السنة كالشهر والشهر كالأسبوع والأسبوع كاليوم واليوم كالساعة ويكون المطر فيضاً والولد غضباً ويكون أهل ذلك الزمان لهم وجوه جميلة وضمائر ردية من رآهم أعجبوه ومن عاملهم ظلموه، الوجوه ووجوه الآدميين والقلوب قلوب الشياطين فهم أمرُّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأنجس من الكلب وأروغ من الثعلب وأطمع من الأشعث والزق من الجرب ولا يتناهون عن

(٢٠٣)

منكر فعلوه إن حدثتهم كذبوك وإن ائتمنتهم خانوك وإن وليت عنهم اغتابوك وإن زادك الله مالاً حسدوك وإن بخلت عليهم هلكوك وإن وعظتهم شتموك، سماعون للكذب أكالون للسحت يستحلون الربا والخمر والمقالات والطرب والمعازف، الفقير بينهم ذليل حقير والمؤمن بينهم ضعيف صغير والعالم عندهم وضيع والفاسق عندهم مُكرّم والظالم عندهم مُعظّم والضعيف هالك والقوي عندهم مالك لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن منكر، الغني عندهم دولة والأمانة عندهم خولة والزكاة عندهم مغرماً ويطيع الرجل زوجته ويعصي والديه ويجفو أباه ويسعي في هلاك أخيه وترتفع أصوات الفجار ويحبون الزنا ويتعاملون السحت والربا ويغار على الغلمان ويكثر بينهم سفك الدماء وقضاتهم يقبلون الرشاة وتزف الرجال للرجال كما تزف المرأة لزوجها وتتزوج المرأة على المرأة وتزف كما تزف على بعلها وتظهر دولة الصبيان من كل مكان ويستحل القينان والمعازف وشرب الخمر ويكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء تركب الفروج السروج فتكون المرأة مستولية على زوجها في جميع الأشياء وتحج الناس لثلاث وجوه؛ الأغنياء للنزهة والمتوسطون للتجارة والفقراء للمسألة وتبطل الأحكام ويحبط الإسلام وتظهر دولة الأشرار ويحل الظلم في كل الأمصار فعند ذلك يكذب التاجر في تجارته والصانع في صناعته وصاحب كل صنعة في صنعته فتقل المكاسب وتضيق المطالب وتختلف المذاهب ويكثر الفساد ويقل الرشاد فعند ذلك يحكم عليهم كل سلطان جائر كلامهم أمرّ من الصبر وقلوبهم أنتن من الجيفة فإذا كان ذلك ماتت العلماء وقست القلوب وكثرت الذنوب وتُهجر المصاحف وتخرب المساجد وتطول الآمال وتقل الأعمال وتبني الأسوار في بلاد مغصوبة لرفع العظائم النازلات فعندها لو صلي أحد منهم يومه وليلته فلا يكتب له منها شيء ولا يقبل منه صلاة لان نيته وهو قائم يصلي كيف يظلم الناس وكيف يحتال على أموال المسلمين ويطلبون الرسالة للتفاخر وللمظالم ونقش مساجدهم المواكف ويحكم فيهم المتألف ويجور بعضهم على بعض ويقتل بعضهم بعضاً عداوة

(٢٠٤)

وبغضاً ويفتخرون بشرب الخمر ويضربون في المساجد العيدان والمزامر فلا ينكر عليهم أحد أولادهم العلوج يكونون في ذلك الزمان الأكابر ويرعي القوم سفهائهم ويملك المال من لا يكون أهله لكع من أولاد الكوع وتضع الرؤساء رؤوساً لا تستحقها كمنع ويضيع الذرع ويفسد الزرع وتظهر الفتن، كلامهم فحش وعلمهم وحش وفعلهم خبيث وهم ظلمة غشمة وكبارهم بخلة وفقهائهم يفتون بما يشتهون وقضاتهم يقولون ما لا يعلمون وأكثرهم بالزور يشهدون من كان عنده دراهم كان عندهم موقراً مرفوعاً ومن يعلمون أنه مقل فهو عندهم موضوع، القوي عندهم محبوب مخصوص ويكون الصالح فيها مذلول يكبرون كل نمام كاذب ينكس الله منهم الرؤوس ويصمي منهم الصدور أكلهم سمان الطيور والطياهيج وألبستهم الخز اليماني والحرير يستحلون الربا والشبهات ويتقارضون الشهادة يراؤون بالأعمال قصراء الآجال لا يمضي عندهم إلا من كان نماماً ويجعلون الحلال حراماً فعالهم المنكرات وقلوبهم مختلفات يتدارسون فيما بينهم بالباطل لا ينهون عن منكر فعلوه يخاف خيارهم شرارهم يتوازرون في غير الله يهتكون فيما بينهم المحارم لا يتعاطفون بل يتدابرون أن رأوا صالحاً اتهموه وإن رأوا نماماً استقبلوه ومن أساءهم عظموه ويكثر أولاد الزنا والآباء فرحين بما يرونه من أولادهم من القبائح ويري الرجل من زوجته القبح فلا ينهاها ولا يردها عنه ويأخذ ما تأتي به من كد فرجها ومن مفسد خدرها حتى لو نكحت طولاً وعرضاً لم ينهاها ولا يسمع ما وقع فيها من الكلام الردئ فذاك هو الديوث الذي لا يقبل الله له قولا ًولا عدلاً ولا عذراً فأكله حرام ونكحه حرام فالواجب قتله في شرع الإسلام وفضيحته بين الأنام ويصلي سعيراً في يوم القيامة وفي ذلك الزمان يعلنون شتم الآباء والأمهات وتذل السادات وتعلوا البنيان ويكثر الاختلاف فما أقل الأخوة في الله تعالى وتقل دراهم الحلال وترجع الناس إلى حال فعندها تدور دول الشياطين وتتواثب على اضعف المساكين كما يثوب الأسد على فريسته ويشح الغني بما في يديه ويبيع الفقير آخرته بدنياه فيا ويل الفقير وما يحل عليه

(٢٠٥)

من الخسران والذل والهوان في الزمان المستضعف بأهله ويطلبون ما لا يحل لهم فإذا فعلوا ذلك أقبلت عليهم الفتن لا قبل لهم بها إلا وأن أولهم البجر والرفض وآخرهم السفياني الشامي أنتم سبع طبقات أما الطبقة الأولي ففيها زهد وتقوى إلى سبعين سنة من الهجرة الطبقة الثانية فأهل تعاطف وتبادل إلى مائتين وثلاثين سنة الطبقة الثالثة فأهل تزاور وتقاطع إلى خمسمائة وثلاثين سنة الطبقة الرابعة فأهل تكاثر وتحاسد إلى سبعمائة من الهجرة الطبقة الخامسة فأهل تشامخ وبهتان إلى ثمان مائة وعشرين سنة من الهجرة الطبقة السادسة فأهل الفرج والسرج وتكالب وظهورها إلى تسعمائة وعشرين من الهجرة الطبقة السابعة فأهل الحيل والحرب والغدر والمكر والفسق والتدابر والتقاطع والتباغض والملاهي العظام والأمور المشكلات وارتكاب الشهوات وخراب المدائن والدور وانهدام العمارات والقصور وفيها يظهر من الوادي الميشوم وفيها انكشاف الستر والفروج وعلى ذلك إلى أن يظهر قائمنا المهدي.
إن ما يمكن أن نصفه بالعلامات العامة، ورد ذكرها بشكل كبير وواسع لا يمكننا أن نحيط بها كلها ونذكرها جميعاً في هذه العجالة، حيث نختم هذا الجانب (الظواهر والعلامات العامة) ببعض العلامات التي وردت أيضاً في أحاديث وخطب الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام).
18- سيأتي زمان على الناس لا يُنال الملك فيه إلاّ بالقتل والتجبر، ولا الغني إلاّ بالغصب والبخل، ولا المحبة إلاّ باستخراج الدين واتباع الهوي...-.
19- وبقي الدين بينكم لفظاً بألسنتكم-.

(٢٠٦)

20- تقسو القلوب وتمتلئ الأرض جوراً ويكثر القتل حتى تحزن ذوات الأولاد وتفرح العواقر، فبين يدي خروجه بلوي وأيّ بلوي للمقيمين على الباطل، وهو انتقام من الله تعالي-.

21- واستحلوا الكذب.. واتبعوا الأهواء.. واستُعلن الفجور وقول البهتان.. وصُدِّق الكاذب وأئتُمن الخائن.. وشهد شاهد من غير أن يُستشهد وشِهدَ لآخر قضاءً لذمامٍ بغير حق عرفه.. فعند ذلك الوحا الوحا، العجل العجل-.
22- سيأتي بعدي أقوام يأكلون طيّب الطعام وألوانها ويركبون الدواب ويتزينون بزينة المرأة لزوجها ويتبرجون تبرج النساء وزيّهم مثل زيّ ملوك جبابرة، هم منافقوا هذه الأمة في آخر الزمان، شاربوا القهوات لاعبون بالكعاب راكبون للشهوات تاركون للجماعات راقدون عن العتمات مفرطون بالغدوات مثلهم كمثل الدّفلي زهرتها حسنة وطعمها مرّ، كلامهم الحكمة وأعمالهم داءٌ لا يقبل الدواء-.
23-... ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان-.
24- إذا كنت في عشرين رجلاً أو أقل فتصفحت وجوههم فلم ترَ فيهم رجلاً يُهاب في الله فاعلم أن الأمر قد قرب-.
25- إذا تقارب الزمان أنتقي الموت خيار أمتي كما ينتقي أحدكم خيار الرطب من الطبق-.

(٢٠٧)

26- إذا صار لأهل الزمان وجوه جميلة وضمائر رديئة فمن راهم أعجبوه ومن عاملهم ظلموه-.
27- لا يأتي عليكم زمان إلاّ الذي بعده شرٌ منه-.
28-...ورأيت أصحاب الآيات يُحتقرون ويُحتقر من يحبهم-
29-... فإذا كان ذلك أقبلت عليهم فتن لا قبل لهم بها-.
30- فإذا استثارت عليكم الروم والترك وجهزت الجيوش.. ويتخالف الترك والروم وتكثر الحروب-
31- يشرع الترك على الفرات فكأني بذوات المعصفرات يصطفقن على نهر الفرات-.
32- إذا أقبلت فتنة من المشرق وفتنة من المغرب والتقوا فبطن الأرض يومئذ خير من ظهرها فإن لم تجدوا إلاّ جحر عقرب فادخلوا فيه فإنّه يكون شرّ طويل-.
33- لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس.. أما ترضون أن تكونوا في الثلث الباقي-.
34- يذهب ملك السنين ويصير ملك الشهور والأيام-.
35- وعند ذلك تخرج العجم على العرب ويملكون البصرة... ألا يا ويل لبصرة مما يحلّ بها من الطاعون ومن الفتن يتبع بعضها بعضاً، ألا يا ويل فلسطين وما يحلّ

(٢٠٨)

بها من الفتن التي لا تطاق، ألا يا ويل أهل الدنيا وما يحل بها من الفتن في ذلك الزمان وجميع البلدان: الغرب والشرق والجنوب والشمال ألا وإنّه تركب الناس بعضاً على بعض وتتواثب الحروب الدائمة وذلك بما قدمت أيديهم-.
36- تصبح طهران قصورها كقصور الجنة ونسوانها كالحور العين يتلبسن بلباس الكفار ويتزيّن بزيّ الجبابرة يركبن السروج ولا يتمكنّ لأزواجهن ولا تكفي مكاسب الأزواج لهن، فروا منها إلى قلة الجبال ومن الجحر كالثعلب بأشباله-.
37- تكون الزوراء محل عذاب الله وغضبه تخربها الفتن وتتركها جمّاء فالويل لها ولمن بها، كل الويل من الرايات الصفر ورايات المغرب ومن يُجلِبُ في الجزيرة ومن الرايات التي تسير إليها من قريب ومن بعيد...-.
38- لا تقوم الساعة حتى يملك الناس رجل من الموالي يقال له: جهجاه-.
39-... رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحق يجتمع معه قوم كزبر الحديد لا تزلهم الرياح العواصف ولا يملون من الحرب..-.
40- يزجر الناس قبل قيام القائم (عليه السلام) عن معاصيهم بنار تظهر في السماء وحمرة تجلل السماء وخسف ببغداد وخسف ببلدة البصرة... وشمول أهل العراق خوف لا يكون معه قرار-.
41- ما يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنف من الناس إلاّ وقد ولَّوا على الناس حتى لا يقول قائل: إنّا لو وُلّينا لعدلنا، ثم يقوم القائم بالحق والعدل-.

(٢٠٩)

42- لا يقوم القائم (عليه السلام) إلاّ على خوف شديد وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس وطاعون قبل ذلك وسيف قاطع بين العرب واختلاف شديد بين الناس وتشتت في دينهم وتغير في حالهم حتى يتمني المتمني الموت صباحاً ومساءً من عظم ما يري من كلب الناس وأكل بعضهم بعضاً، وخروجه إذا خرج عند اليأس والقنوط...-.
43- احذركم سبع فتن تكون بعدي فتنة تقبل من المدينة وفتنة بمكة وفتنة تقبل من اليمن وفتنة تقبل من الشام وفتنة تقبل من المشرق وفتنة من قبل المغرب وفتنة من بطن الشام وهي فتنة السفياني-.
45- يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتتل الناس عليه فيقتل من كل مئة تسعون أو قال: تسعة وتسعون كلهم يري أنه ينجو- وفي رواية: - ينجلي عراقكم عن جزيرة من ذهب فيقتتلون عليه...-.
46- عن الإمام علي (عليه السلام): - وذلك زمان لا ينجو فيه إلاّ مؤمن نُومَةَ إن شهد لم يُعرف وإن غاب لم يفتقد أولئك مصأبيح الهدى وأعلام السري-.
47- وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): - سيأتي عليكم زمان لا ينجو فيه من ذوي الدين إلا من ظنوا أنه أبله، وصبر نفسه على أن يقال إنه أبله لا عقل له-.
48- وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): - والله لا يكون ما تأملون حتى يهلك المبطلون.. وحتى تكونوا على الناس أهون من الميتة عند صاحبها فبينا أنتم كذلك إذ جاء نصر الله والفتح-.

(٢١٠)

49- عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يوشك أن تتداعي عليكم الأمم تداعي الأكلة على قصعتها وأنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السّيل ولينزعنَ الله من صدورهم المهابة منكم وليقذفنّ في قلوبكم الوهن من حبَ الدنيا وكراهية الموت-.
50- عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): - ستكون بعدي فتن منها فتنة الاحلاس يكون فيها حرب وهرب ثم بعدها فتن أشد منها ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت حتى لا يبقي بيت إلاّ دخلته ومسلم إلاّ صكته حتى يخرج رجل من عترتي-.
51-... وفتنة لا يكون بيت من العرب إلاّ دخلته وهدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر ثم يغدرونكم فيأتونكم تحت ثمانين راية تحت كل راية اثنا عشر ألفاً-. قد تكون هذه الرواية أشارة إلى هجوم أمريكا وأنكلترا والدول المساندة لهما على العراق في حرب الخليج وفي أحتلالهم الأخير للعراق.
إذن هنالك الكثير من الأحداث والعلامات العامة التي وردت في أحاديث أهل البيت (عليهما السلام)، بحيث تعطي صورة إجمالية للتطورات والوقائع التي تجري في العالم قبل وفي أثناء عصر الظهور وعلى فترات زمنية غير محددة بعدد من السنين أو العقود، وتلك التطورات والأحداث والتغييرات ترتبط بمختلف نواحي الحياة سواء كانت دولية أو محلية وسواءٌ كانت اقتصادية أو عسكرية أو اجتماعية، وكذا ما يرتبط منها بعلاقات الناس وأخلاقهم وقيمهم ودينهم سواء مع بعضهم البعض أو بين الحاكمين والمحكومين، أو بين الدول والجماعات والفرق... هذه هي العلامات العامة.
إلاّ أن هناك بعض العلامات الهامة التي وردت في أحاديث أهل البيت (عليهما السلام)، والتي يمكن أن نطلق عليها بالعلامات الخاصة، وذلك لأنها علامات بارزة جداً وورد التأكيد عليها في أحاديثهم (عليهما السلام)، وإنها تشكل أبرز وأقرب دليل على قرب ظهور الإمام القائم (عجل الله فرجه) الشريف، أو لا أقل إنها تعطي إشارات واضحة على أن

(٢١١)

العالم يعيش بالفعل سنوات -وربما شهور- حالة المخاض قبيل ظهور الإمام ومن ثم خروجه المبارك (عجل الله فرجه) الشريف.
وعلى ضوء ذلك نورد فيما يلي بعضاً من تلك العلامات المميزة التي جاءت في لسان الروايات عن أهل البيت (عليهما السلام)، والتي نري أنها تمثل علامات بارزة وخاصة تدل - متى ما حدثت- بإذن الله تعالى على قرب ظهور الإمام المنتظر (عجل الله فرجه) الشريف.
1- روي النعماني عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال، قلت له جعلت فداك متى خروج القائم (عليه السلام)؟ فقال: يا أبا محمد إنا أهل بيت لا نوقت وقد قال محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) كذب الوقاتون. يا أبا محمد إن قدام هذا الأمر خمس علامات أولهنَّ النداء في شهر رمضان وخروج السفياني وخروج الخراساني وقتل النفس الزكية وخسف بالبيداء. ثم قال: يا أبا محمد لابد أن يكون قدام ذلك الطاعونان؛ الطاعون الأبيض والطاعون الأحمر. قلت جعلت فداك وأي شيء هما؟ فقال: (أما) الطاعون الأبيض فالموت الجارف وأما الطاعون الأحمر فالسيف، ولا يخرج القائم حتى ينادي باسمه في جوف السماء في ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان) ليلة الجمعة. قلت بم ينادي؟ قال: باسمه واسم أبيه ألا أن فلان بن فلان قائم آل محمد فاسمعوا له وأطيعوه فلا يبقي شيء خلق الله فيه الروح إلاّ يسمع الصيحة فتوقظ النائم ويخرج إلى صحن داره وتخرج العذراء من خدرها ويخرج القائم مما يُسمَع وهي صيحة جبرئيل (عليه السلام).
2- وروي الصدوق عن محمد بن مسلم الثقفي عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: قلت يا بن رسول الله متى يخرج قائمكم؟ قال: -... وخروج السفياني من الشام واليماني من اليمن وخسف بالبيداء وقتل غلام من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) بين الركن والمقام

(٢١٢)

اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأن الحق فيه وفي شيعته فعند ذلك خروج قائمنا...-.
3- وروي الصدوق أيضاً ما يقرب من ذلك عن محمد بن مسلم الثقفي عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... وإن من علامات خروجه خروج السفياني من الشام وخروج اليماني (من اليمين) وصيحة من السماء في شهر رمضان ومنادٍ ينادي من السماء باسمه واسم أبيه-.
4- وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: -.. وتعمل القبة الغبراء ذات القلادة الحمراء، وفي عقبها قائم الحق يسفر عن وجهه بين أجنحة الأقاليم كالقمر المضئ بين الكواكب الدرية. ألا وإن لخروجه علامات عشرة، أولها طلوع الكوكب ذي الذنب، ويقارب من الحادي، ويقع فيه هرج ومرج وشغب، وتلك علامات الخصب، ومن العلامة إلى العلامة عجب، فإذا انقضت العلامات العشرة إذ ذاك يظهر منا القمر الأزهر، وتمت كلمة الإخلاص لله على التوحيد-.
5- وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): -... ولذلك آيات وعلامات أولهن إحصار الكوفة بالرصد والخندق وتخريق الرايات في سكك الكوفة وتعطيل المساجد أربعين ليلة وكشف الهيكل وخفق رايات ثلاثة حول المسجد الأكبر تهتز، القاتل والمقتول في النار، وقتل سريع وموت ذريع وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين والمذبوح بين الركن والمقام..-.
6- وفي خطبة طويلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) جاء في جانب منها: -... فإذا استدار الفلك، قلتم مات أو هلك بأي وادٍ سلك فيومئذ تأويل هذه الآية (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكمُ الْكرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكمْ أَكثَرَ نَفِيرًا). ولذلك آيات

(٢١٣)

وعلامات أولهن إحصار الكوفة بالرصد والخندق وتخريق الرايات في سكك الكوفة وتعطيل المساجد أربعين ليلة وكشف الهيكل وخفق رايات حول المسجد الأكبر تهتز، القاتل والمقتول في النار، وقتل سريع وموت ذريع وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين والمذبوح بين الركن والمقام وقتل الأسقع صبراً في بيعة الأصنام-.
7- روي الشيخ الطوسي في غيبته عن بشر بن غالب، قال: يقبل السفياني من بلاد الروم منتصراً في عنقه صليب، وهو صاحب القوم-.
8- روي المفيد في الإرشاد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: - ليس بين قيام القائم (عليه السلام) وقتل النفس الزكية اكثر من خمسة عشر ليلة-. وروي الصدوق في إكمال الدين عن الإمام الصادق (عليه السلام)، مثله.
9- وروي عن زرارة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: -... يا زرارة لابد من قتل غلام بالمدينة. قلت جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني؟ قال: لا ولكن يقتله جيش بني فلان فلا يخرج حتى يدخل المدينة، يدري الناس أي شيء دخل فيأخذ الغلام فيقتله فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لم يمهلهم الله (عز وجل)، فعند ذلك توقعوا الفرج-.
10- روي عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام): - من يضمن لي موت عبد الله اضمن له القائم. ثم قال: إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله ويذهب مُلك السنين ويصير مُلك الشهور والأيام. فقلت يطول ذلك؟ قال: كلا-.

(٢١٤)

11- وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): - بينا الناس وقوفاً بعرفات إذ أتاهم راكب على ناقلة ذعلبة يخبرهم بموت خليفة، عند موته فرج آل محمد (عليهما السلام) وفرج الناس جميعاً-.
12- وروي عن أبي الطفيل قال: سأل ابن الكواء أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الغضب فقال: - هيهات هيهات الغضب، موتات فيهن موتات، وراكب الذعلبة وما راكب الذعبلة مختلط جوفها بوضينها يخبرهم بخبر فيقتلونه، ثم الغضب عند ذلك-.
والمراد بالغضب هنا هو جيش الغضب وهم أصحاب الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، فقد روي النعماني في غيبته أن أحد الرجال ذكر جيش الغضب، فقال الإمام علي (عليه السلام): - أولئك قوم يأتون في آخر الزمان قزع كقزع الخريف... أما والله إني لأعرف أميرهم واسمه ومناخ ركابهم...-.
13- روي عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر (عليه السلام): - وأنيّ لكم بالسفياني حتى يخرج قبله الشيصباني يخرج من أرض كوفان ينبع كما ينبع الماء فيقتل وفدكم، فتوقعوا بعد ذلك السفياني وخروج القائم (عليه السلام) -.
14- روي عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام): - لابد أن يكون قدام القائم سنة تجوع فيها الناس ويصيبهم خوف شديد من القتل ونقص من الأموال والأنفس والثمرات فإن ذلك في كتاب الله لبيّن. ثم تلا هذه الآية: (وَلَنَبْلُوَنَّكمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ).

(٢١٥)

15- روي عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر (عليه السلام): - يا جابر لا يظهر القائم حتى يشمل (الناس ب) الشام فتنة يطلبون المخرج منها فلا يجدونه ويكون قتل بين الكوفة والحيرة قتلاهم على سواء، وينادي مناد من السماء-.
16- وروي عن محمد بن مسلم عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: - توقعوا الصوت يأتيكم بغتة من قبل دمشق فيه لكم فرج عظيم-.
17- روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): - إذا نادي مناد من السماء أن الحق في آل محمد فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس ويُشربون حبه ولا يكون لهم ذكرٌ غيره-.
18- وعن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام): - إذا رأيتم ناراً من (قبل) المشرق شبه الهردي العظيم، تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد (عليهما السلام) إن شاء الله-.
19- روي الطوسي عن بشر بن حذلم قال: قلت لعلي بن الحسين صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته؟ فقال: يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة ويكون مأواه في تكريت وقتله بمسجد دمشق...-.
20- وروي في مجمع النورين عن إثبات الهداة للحر العاملي، عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): - إذا علا نجفكم السيل والمطر وظهرت النار في الحجاز والمدن وملكت

(٢١٦)

بغداد الترك (وفي رواية: التتر) فتوقعوا ظهور القائم المنتظر-. قال وفي خبر آخر قال: - العلم من النجف وظهوره في بلدة يقال لها قم والرّي، دليل على ظهوره-.
21- روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): - سنة الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل في أزقة الكوفة-.
22- وروي عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام): - إن قدام القائم (عليه السلام) لسنة غيداقة يفسد فيها الثمار والتمر في النخل فلا تشكوا في ذلك-.
23- وروي عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: - إذا وقعت النار في حجازكم وجري الماء بنجفكم فتوقعوا ظهور قائمكم-.
24- وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام): - إذا ملأ هذا نجفكم السيل والمطر وظهرت النار في الحجارة والمدر وملكت بغداد التتر فتوقعوا ظهور القائم المنتظر-.
25- وروي عن خالد بن معدان قال: إنه ستبدوا آية عموداً من نار يطلع من قبل المشرق يراه أهل الأرض كلهم فمن أدرك ذلك فليعدَّ لأهله طعام سنة-.
26- روي عن يحيي بن سالم عن الإمام الباقر (عليه السلام): - صاحب هذا الأمر أصغرنا سناً وأجملنا شخصاً. قلت متى يكون ذلك؟ قال: إذا سارت الركبان ببيعة الغلام فعند ذلك يرفع كل ذي صيصية لواء، فانتظروا الفرج-.

(٢١٧)

27- وعن الإمام الصادق (عليه السلام): - خمس قبل قيام القائم (عليه السلام)؛ اليماني والسفياني والمنادي ينادي من السماء وخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية-.
ومن العلامات البارزة التي تقع قبل خروج القائم (عجل الله فرجه) الشريف، والتي جاء ذكرها في الروايات، خسوف القمر وكسوف الشمس في فترة قصيرة خلال أيام شهر رمضان المبارك وهي آية عجيبة جداً حسب أحاديث أهل البيت (عليهما السلام).
28- وعن الإمام الباقر (عليه السلام): - إن بين يدي هذا الأمر انكساف القمر لخمس تبقي والشمس لخمس عشرة وذلك في شهر رمضان، وعنده يسقط حساب المنجمين-.
29- وروي عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام): - علامة خروج المهدي كسوف الشمس في شهر رمضان في ثالث عشرة أو أربع عشرة منه-.
30- وروي ابن طاووس - قبل خروج المهدي تنكسف الشمس في شهر رمضان مرتين-.
31- وروي أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: - تنكسف الشمس لخمس مضين من شهر رمضان قبل قيام القائم (عليه السلام) -.
الكسوف والخسوف هما آيتان عظيمتان من جهة وقوعهما في فترة قصيرة في شهر رمضان المبارك والاختلاف في الروايات في زمن وقوعهما من شهر رمضان لا يضر بأهمية وقوع الحادثة في الفترة القصيرة التي قلَّما تحدث في الكون ويمكن أن

(٢١٨)

يكون من اشتباه الرواة وعدم دقة ضبطهم للوقت أو بسبب الاشتباه في النقل للحديث من راوٍ لآخر وهذا أمر ظاهر من كثرة الاختلاف في التوقيت والقدر المتيقن في أهمية الحديث هو وقوع الخسوف والكسوف في شهر رمضان في فترة قصيرة مما يربك حساب المنجمين والفلكيين وهذه من العلامات المهمة الدالة على قرب خروج الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) والتي تعطي إشارة واضحة على أن أمر الخروج لا تتعدى سنوات كثيرة إن شاء الله تعالي...
32- وروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): - ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلاّ جاش منها جانب حتى ينادي مناد من السماء أميركم فلان-.
33- وروي عنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): -. منعت العراق قفيزها ودرهمها ومنعت الشام مُدّها ودينارها ومنعت مصر اردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم-.
34- وروي عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق... فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي-.
35- وروي عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم): - في ذي القعدة تَحازُبُ القبائل وعامئذ يُنهب الحاج فتكون ملحمة بمني فيكثر فيها القتلى وتسفك فيها الدماء حتى تسيل دماؤهم على عقبة الجمرة...-.
36- وروي عن أم سلمة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يغزو جيش البيت حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم...-.

(٢١٩)

37- وروي عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... إذا سمعتم بجيش قد خسف به قريباً فقد أظلت الساعة-.
38- وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... اختلاف، وقتل أهل الحرمين، والرايات السود وخروج السفياني وافتتاح الكوفة وخسف بالبيداء...-.
39- روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): -... ألا أخبركم بآخر ملك بني فلان؟ قلنا: بلى يا أمير المؤمنين. قال: قتل النفس الحرام في يوم الحرام في بلد الحرام من قوم من قريش، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لهم ملك بعده غير خمس عشرة ليلة. قلنا: هل قبل هذا أو بعده من شيء؟ فقال: صيحة في شهر رمضان تفزع اليقظان وتوقظ النائم وتخرج الفتاة من خدرها-.
40- وروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): - إن المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية فإذا قتلت النفس الزكية، غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض فأتي الناس المهدي فزفوه كما تزف العروس إلى زوجها ليلة عرسها...-.
41- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): -... ثم يقع التدابر في (و) الاختلاف بين أمراء العرب والعجم فلا يزالون يختلفون إلى أن يصير الأمر إلى رجل من ولد أبي سفيان -إلي أن قال (عليه السلام) - ثم يظهر أمير الأمرة وقاتل الكفرة السلطان المأمول...-.
42- روي عن الإمام الباقر (عليه السلام)، في حديث طويل، ومما جاء فيه: - إذا رأيتم ناراً من (قبل) المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج

(٢٢٠)

آل محمد (عليهما السلام) إن شاء الله (عز وجل)، إن الله عزيز حكيم. ثم قال: الصيحة لا تكون إلاّ في شهر رمضان... ثم قال (عليه السلام): إذا اختلاف بنو فلان فيما بينهم، فعند ذلك فانتظروا الفرج، وليس فرجكم إلا في اختلاف بني فلان، فإذا اختلفوا فتوقعوا الصيحة في شهر رمضان وخروج القائم (عليه السلام) إن الله يفعل ما يشاء، ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبون حتى تختلف بنو فلان فيما بينهم فإذا كان ذلك طمع الناس فيهم واختلفت الكلمة، وخرج السفياني. وقال: لا بد لبني فلان من أن يملكوا، فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرق ملكهم وتشتت أمرهم حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني هذا من المشرق وهذا من المغرب يستبقان إلى الكوفة... ثم قال (عليه السلام): خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة في شهر واحد، في يوم واحد نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً... ثم قال لي: إن ذهاب ملك بني فلان كقطع الفخار وكرجل كانت في يده فخارة وهو يمشي إذا سقطت من يده وهو ساهٍ فأنكسر فقال حين سقطت: هاه -شبه الفزع- فذهاب ملكهم هكذا...-.
43- وروي عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في قوله تعالي: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (الشعراء:4) قال: - سيفعل الله ذلك بهم. قلت: ومن هم؟ قال بنو أمية وشيعتهم. قلت: وما الآية؟ قال: ركود الشمس ما بين زوال الشمس إلى وقت العصر وخروج صدر ووجهه في عين الشمس يُعرف بحسبه ونسبه، وذلك في زمان السفياني وعندها يكون بواره وبوار قومه-.
44- وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) عندما سُئل متى يكون خروج الإمام المهدي (عليه السلام)، فقال: -... أما إنه لم يوقت لنا فيه وقت ولكن إذا حدثناكم بشيء فكان كما نقول

(٢٢١)

فقولوا صدق الله ورسوله، وإن كان بخلاف ذلك فقولوا صدق الله ورسوله تؤجروا مرتين، ولكن إذا اشتدت الحاجة والفاقة وأنكر الناس بعضهم بعضاً فعند ذلك توقعوا هذا الأمر صباحاً ومساءً...-.
45- وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): - العام الذي فيه الصيحة قبله الآية في رجب... وجه يطلع في القمر ويد بارزة-.
46- روي محمد بن الصامت، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت ما من علامة بين يدي هذا الأمر؟ فقال - بلي. قلت وما هي؟ قال: هلاك العباسي وخروج السفياني وقتل النفس الزكية والخسف بالبيداء..-.
47- وعن الإمام الصادق (عليه السلام): -... هلاك الفلاني (اسم رجل من بني العباس) وخروج السفياني وقتل النفس وجيش الخسف والصوت... وبه يعرف صاحب هذا الأمر. ثم قال: الفرج كله هلاك الفلاني (من بني العباس)-.
48- وروي الطوسي عن الإمام الصادق (عليه السلام): - لا يخرج القائم حتى يخرج إثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه-.
49- وروي أن رجلاً سأل الإمام الصادق (عليه السلام)، متى يظهر قائمكم؟ فقال: - إذا كثرت الغواية وقلت الهداية (إلي أن قال:) فعند ذلك ينادي باسم القائم (عليه السلام) في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ويقوم في يوم عاشوراء-.

(٢٢٢)

50- وروي الطوسي عن الإمام الرضا (عليه السلام): - إن من علامات الفرج حدثا يكون بين الحرمين وقلت: وأي شيء (يكون) الحدث؟ فقال: عصبية تكون بين الحرمين ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشاً-.
51- وعن الإمام الهادي (عليه السلام): - إذا رفع عَلمكم من بين أظهركم فتوقعوا الفرج من تحت أقدامكم-.
وتذكر الروايات عن أهل البيت (عليهما السلام) أنه سيكون هناك فتنة وخلافات تكون في صفوف بعض الموالين وامتحان وغربلة وتمحيص شديد، وهي حسب الروايات تُعد من العلائم على قرب ظهور الإمام القائم (عجل الله فرجه) الشريف.
52- روي النعماني عن مالك بن ضمرة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال له: - يا مالك بن ضمرة كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض؟ فقلت: يا أمير المؤمنين ما عند ذلك من خير. قال: الخير كله، عند ذلك. يا مالك عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله وعلى رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيقتلهم، ثم يجمع الله على أمر واحد-.
53- وروي النعماني عن الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين (عليه السلام): -... فو الذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يسمي بعضكم بعضاً كذابين، وحتى لا يبقي منكم إلاّ كالكحل في العين وكالملح في الطعام وسأضرب لكم مثلاً، وهو مثل رجل كان له طعام فنقّاه وطيّبه ثم أدخله بيتاً وتركه فيه ما شاء الله ثم عاد غليه فإذا هو قد أصابه السوس فأخرجه ونقّاه وطيّبه ثم أعاده إلى البيت فتركه ما شاء الله ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابته طائفة من السوس فأخرجه ونقّاه وطيّبه وأعاده ولم يزل كذلك حتى بقيت منه رزمة كرزمة

(٢٢٣)

الأندر لا يضره السوس شيئاً. وكذلك أنتم تُميزون حتى لا يبقى منكم إلاّ عصابة لا تضرها الفتنة شيئاً-.
54- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): - كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هديً ولا عَلم يُري يبرأ بعضكم من بعض-.
55- وعن الإمام الحسين (عليه السلام): - لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتى يبرأ بعضكم من بعض ويتفل بعضكم في وجوه بعض ويشهد بعضكم على بعض بالكفر ويلعن بعضكم بعضاً... الخير كله في ذلك الزمان، يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله-. وروي مثله في عقد الدرر.
56- وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام): - إنما مثل شيعتنا مثل الأندر -يعني بيدراً فيه طعام- فأصابه آكل فنقي حتى بقي منه ما لا يضره الآكل، وكذلك شيعتنا يميزون ويمحصون حتى تبقي منهم عصابة لا يضرها الفتنة-.
57- وعن الإمام الباقر (عليه السلام): - هيهات هيهات لا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تمحّصوا، (هيهات) ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تغربلوا، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم إلاّ بعد إياس، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى يشقي من شقي ويسعد من سعد-.
58- وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً: - إن هذا الأمر لا يأتيكم إلاّ بعد يأس، لا والله (لا يأتيكم) حتى تميزوا، لا والله (لا يأتيكم) حتى تُمحّصوا، ولا والله (لا يأتيكم) حتى يشقي من شقي ويسعد من سعد-.

(٢٢٤)

59- وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال للمفضل بن عمر: - إياكم والتنويه والله ليغيبن سبتاً من الدهر وليحملن حتى يقال مات أو هلك بأي وادٍ سلك ولتفيضن عليه أعين المؤمنين وليكفأن كتكفئ السفينة في أمواج البحر حتى لا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه وكتب الإيمان في قلبه وأيّده بروح منه، ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يعرف أيّ من أيّ...-.
60- روي عن الإمام الرضا (عليه السلام): - لا يكون ما تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا وتُمحصّوا فلا يبقى منكم إلاّ القليل. ثم قرأ: (ألم - أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ)...-.
أجل نحن نعيش هذه الأيام في إمتحان عسير والاكثرية في غفلة من الإمتحان الإلهي فكثير من العلامات قد حدثت سواء من العلامات العامة أو الخاصة فهل نحافظ على ديننا وإسلامنا أم نلهث وراء الدينار والدرهم؟! وهل نعدّ أنفسنا ليوم خروج قائم آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) أم نركض وراء مصالحنا وأهوائنا؟! وهل نقرأ ونبحث عن إمامنا وسيدنا مولانا المهدي المنتظر وندعوا له من أعماق قلوبنا بالفرج والخروج لنكون من أنصاره وأعوانه أم نعتبر القضية مسألة ثانوية في حياتنا اليومية؟!
في الحقيقة لا نستطيع القول إلا ما قاله النبي يعقوب لأبنائه: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكافِرُونَ) (يوسف:87).

(٢٢٥)

الامام المهدي (عليه السلام) والرايات السود
ما هي العلاقة والرابطة بين الإمام والرايات السود؟
لقد تعدّد ذكر الرايات السود في كتب الحديث وفي مصادر الفريقين على حدّ التواتر، بيد أن الأحاديث والروايات التي ورد فيها ذكر الرايات السود فيها نوع من الغموض خاصة في مسألة العلاقة بين الإمام وهذه الرايات وزمان خروجها، فهل هي تخرج قبل قيام الإمام المهدي (عليه السلام) أم أن قيام الإمام يكون متزامناً مع خروج هذه الرايات؟
وهل هذه الرايات مهمتها تمهيد الطريق لخروج الإمام، أم أنها هي طلائع جيش الإمام (عجل الله فرجه)؟
يعتقد الكثيرون أن هذه الرايات هي عبارة عن مجموعات محاربة تدخل ساحات القتال من أجل التمهيد لخروج الإمام المهدي (عليه السلام) إلاّ أن الظاهر من نصوص الروايات والتعابير المدونة في الأحاديث أن هذه الرايات هي طلائع جيش الإمام (عليه السلام) بل هي العناصر المتقدمة في معسكر الإمام (عليه السلام).
وأن هذه الرايات لا تدخل في أي معركة إلاّ بتوجيه مباشر من الإمام الحجة (عجل الله فرجه)، بل الذي يظهر من الأحاديث أن الإمام هو القائد الميداني المباشر لأصحاب هذه الرايات بدليل الروايات النبوية التي تحرض المسلمين على الانضمام إليها

(٢٢٧)

ومساندتها والقتال معها ضد أعدائها وذلك لأن الإمام المهدي في طليعة هذا الجيش كما جاء في النصوص التالية:
1- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يقتتل عند كنزكم نفر ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير الملك إلى أحد منهم، ثم تقبل الرايات السود من قبل خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي-.
2- عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهما السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - لا تقوم الساعة حتى يقوم قائم للحق منّا وذلك حين يأذن الله (عز وجل) له، ومن تبعه نجا ومن تخلف عنه هلك. الله الله عباد الله فأتوه ولو على الثلج فإنه خليفة الله (عز وجل) وخليفتي-.
3- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى وأحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق... فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي-.
4- وجاء الحديث أعلاه في ملاحم ابن المنادي بصيغة أخري: - ليُقتلنَّ عند البيت مالكم هذا ثلاثة أبناء ملوك لا ينال أحدهم ما طلب، ثم يقتتلون حتى تكون بينهم الدماء ثم تأتي الرايات السود من المشرق فمن ادركهم فليأتهم ولو حبواً على ركبته ولو أن يخوض الثلج فإن المهدي والنصر معهم-.

(٢٢٨)

5- واخرج الداني الحديث ذاته بتفاوت في سنده ومتنه، وفيه: -... ثم تقبل الرايات السود من قبل خراسان فأتوها ولو حبواً على الركب فإن فيها خليفة الله المهدي-
6- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... حتى ترتفع رايات سود من قبل المشرق فيسألون الحق فلا يُعطونه ثم يسألونه فلا يعطونه ثم يسألونه فلا يعطونه فيقاتلون فيُنصرون فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبواً على الثلج...-.
7- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... حتى يفتح الله لهم راية من قبل المشرق فيها رجل منيّ اسمه كاسمي وخلقه كخلقي يؤوب الناس إليه...-.
وهناك روايات قد تشير إلى عكس هذا، وإن الرايات السود تخرج قبل خروج الإمام (عليه السلام) وأنها تكون ممهدة وموطئة له (عجل الله فرجه) وتبايعه وتكون تحت إمرته.
8- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي-.
9- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): - ذكر بلاءً يلقاه أهل بيته حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء من نصرها نصره الله ومن خذلها خذله الله حتى يأتوا رجلاً اسمه كاسمي فيوليه (فيولونه) أمرهم فيؤيده الله وينصره-.
10- وحتى لا يلتبس على أحد أمر الرايات السود الصغار للإمام المهدي (عليه السلام) مع تلك الرايات السود لبني العباس والتي خرجت بقيادة أبي مسلم الخراساني جاء التصريح النبوي موضحاً ذلك في هذه الرواية: - تخرج من المشرق رايات سود لبني

(٢٢٩)

العباس ثم يمكثون ما شاء الله ثم تخرج رايات سود صغار تقاتل رجلاً من ولد أبي سفيان وأصحابه، من قبل المشرق يؤدون الطاعة إلى المهدي-.
11- وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يخرج بالرّي رجل ربعة أسمر مولي لبني تميم، كوسج يقال له شعيب بن صالح في أربعة آلاف ثيابهم بيض وراياتهم سود، يكون على (مقدمته) المهدي، لا يلقاه أحد إلاّ فلّه-.
12- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... ثم يقبل الرجل التميمي شعيب بن صالح، سقي الله بلاد شعيب، بالراية السوداء المهدية بنصر الله وكلمته حتى يبايع المهدي بين الركن والمقام-.
13- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): - إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان، ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي، فيلتقي هو والهاشمي برايات سود على مقدمته شعيب بن صالح، فيلتقي هو وأصحاب السفياني بباب اصطخر فتكون بينهم ملحمة عظيمة، فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني فعند ذلك يتمني الناس المهدي ويطلبونه-.
14- وعنه أيضاً (عليه السلام): - والذي نفسي بيده لا يذهب الليل والنهار حتى تجيء الرايات السود من قبل خراسان حتى يوثقوا خيولهم بنخلات نيسان والفرات-.
15- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - يخرج شاب من بني هاشم بكفّه اليمني خال، من خراسان برايات سود بين يديه شعيب بن صالح يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم-.

(٢٣٠)

16- وعنه أيضاً (عليه السلام): - تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة فإذا ظهر المهدي بعثت إليه بالبيعة-.
17- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): - إذا هَزَمت الرايات السود خيل السفياني، التي فيها شعيب بن صالح تمني الناس المهدي فيطلبونه...-.
18- أخرج الحسن بن سفيان، وأبو يقم عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): - تجئ الرايات السود من قبل المشرق كأن قلوبهم زبر الحديد، فمن سمع بهم فليأتهم فيبايعهم ولو حبواً على الثلج-.
19- أخرج تقسيم ابن حماد عن علي (عليه السلام) قال: - تخرج رايات سود تقاتل السفياني فيهم شاب من بني هاشم، في كتفه اليسري خال وعلى مقدمته رجل من بني تميم يدعي شعيب بن صالح، فيهزم أصحابه-.
20- وفي إسعاف الراغبين بهامش ص127، نور الأبصار قال: وجاء في روايات أنه (عليه السلام) عند ظهوره ينادي فوق رأسه ملك هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه فتذعن له الناس ويشربون حبه، وأنه (عليه السلام) يملك الأرض شرقها وغربها وأن الذين يبايعونه أولاً بين الركن والمقام بعدد أهل بدر، ثم يأتيه أبدال الشام، ونجباء مصر وعصائب أهل المشرق وأشباههم ويبعث الله إليه جيشاً من خراسان برايات سود، ثم يتوجه إلى الشام وفي رواية إلى الكوفة والجمع ممكن، وأن الله تعالى يمده بثلاثة الآلاف من الملائكة وأن أهل الكهف من أعوانه (ثم قال) ابن الصبيان، وأن على مقدمة جيشه رجلاً من تميم خفيف اللحية يقال له شعيب بن صالح وأن جبرائيل على مقدمة جيشه وميكائيل على ساقته.

(٢٣١)

21- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): - تخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شئ حتى تنصب بأيليا-.
على ضوء هذه الروايات التي تنص على حضور الإمام في هذه الرايات كمثل هذه العبارات: فان فيها خليفة الله المهدي... فإنه خليفة الله... فليأت إمام أهل البيت... فيها رجل مني اسمه كاسمي وخلقه كخلقي... فيهم شاب من بني هاشم في كتفه اليسرى خال.. على ضوء ذلك يتضح جلياً أن الرايات السود هي طلائع جيشه وان الإمام هو القائد الفعلي لها.
إذن الأمر المؤكد الذي لا شك فيه هو أن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) يسند هذه الرايات إما مساندة حضورية وفعلية وإما مساندة غير مباشرة، وتأييداً معنوياً وشرعياً.
ولذا جاء في أحاديث كثيرة عن الرسول الأكرم بوجوب مساندة هذه الرايات ودعمها والدفاع عنها مهما كانت الظروف صعبة وقاسية، لدرجة أن الواجب الشرعي يُلزم الالتحاق بها ولو حبواً على الثلج، لأن هذه الرايات رايات هدي تساند الإمام (عليه السلام) وتدعم موقفه وتؤدي الطاعة والبيعة له وتقوى دعائم حكومته العالمية.
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا هو: متى يكون خروج هذه الرايات السوداء؟ ومتي يكون الفرج لأهل بيت الرسول الأكرم، ولمحبيهم ومواليهم، وللمسلمين، بل وللعالم أجمع؟!
هذا ما تكشفه الأيام وتحكيه الأحداث المقبلة، ولابد أن يكون الجميع على الاستعداد لمعرفة تلك الأيام ووقوع تلك الأحداث، حتى يبذلوا ما بوسعهم لنصرة الرايات السود والالتحاق بها وأداء الطاعة والبيعة للقائم (عجل الله فرجه) والجهاد والاستشهاد تحت لوائه المبارك إن شاء الله تعالي.

(٢٣٢)

يوم النهضة
النهضة المهدوية الإسلامية الكبري أمر محتوم لا شك فيه ولكن متى تكون هذه النهضة؟ هل هناك تحديد لقيامها؟...
إن ساعة قيام هذه النهضة غير معينة ولكن هناك تحديد تقريبي بقيام هذه النهضة حيث أنها لا تأتي إلا بعد أن يسيطر اليأس من حدوث تغيير في العالم على النفوس وتموت القلوب، ويتفشي الفساد والفجور في التجمعات البشرية، ويخيم الظلم على الناس ويزداد الجور والعدوان حتى يشمل الكرة الأرضية كلها. عند ذلك يأذن الله لوليه الأعظم بالخروج والقيام بالسيف ليطهر الأرض من الفساد ويملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
ولكن السؤال: في أي يوم يكون خروج الإمام القائم (عليه السلام)، هل في يوم الجمعة أم في يوم السبت؟
في الحقيقة وعلى الرغم من وجود اعتقاد بخروج الإمام في يوم الجمعة واختصاص هذا اليوم بالإمام المهدي (عليه السلام)، إلا أن هناك روايات كثيرة تتحدث عن خروج الإمام في يوم السبت يوم العاشر من المحرم الحرام وهو اليوم الذي استشهد فيه الإمام الحسين (عليه السلام)، وإليك طائفة منها:

(٢٣٣)

1- عن الفضل عن محمد بن علي عن محمد بن سنان عن حسن بن مروان عن علي بن مهزيار قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): - كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن والمقام بين يديه جبرائيل ينادي: البيعة لله، فيملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً-.
2- وعن ابن إدريس، عن أبيه، عن ابن عيسى، عن الأهوازي، عن البطائني، عن ابن بصير، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): - يخرج القائم (عليه السلام) يوم السبت يوم عاشوراء اليوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام) -.
3- وعن محمد بن علي عن محمد بن سنان عن حسن بن مروان عن علي بن مهران قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): - كأني بالقائم (عليه السلام) يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن والمقام، بين يديه جبرئيل ينادي: البيعة لله، فيملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً-
4- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - يخرج القائم (عليه السلام) يوم السبت يوم عاشوراء يوم قتل فيه الحسين (عليه السلام) -.

(٢٣٤)

ويؤيد هذه الروايات ما جاء في أحاديث عديدة من أن خروج الإمام يكون في يوم العاشر من محرم من دون تحديد ذلك اليوم، بيوم السبت أو الجمعة.
5- عن الفضل، عن محمد بن علي الكوفي، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): - إن القائم صلوات الله عليه ينادي باسمه ليلة ثلاث وعشرين ويقوم يوم عاشوراء يوم قتل فيه الحسين بن علي (عليه السلام) -.
6- عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إنه قال: -... وفي المحرّم ينادي منادٍ من السماء ألا إن صفوة الله من خلقه فلان فاسمعوا له وأطيعوا-.
7- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... والمحرّم أوله بلاء وآخره فرج...-.
8- وروي في ملاحم ابن المنادي: -...وفي المحرّم الفرج.
9- وروي في القول المختصر: -... ويُبايعُ في المحرّم بعد أن يسبقه فتن وحرب برمضان وما بعده إلى الحجة فينهب الحاج بمني-.
والمعروف تاريخياً أن استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) كان في يوم السبت وليس في يوم الجمعة. ولذا فهذه الروايات السابقة تكون مؤيدة وساندة للأحاديث التي تؤكد خروج الإمام في يوم السبت ولكن المهم أن الذي يحدد حقيقة يوم الخروج سواء كان يوم الجمعة أو يوم السبت هو الواقع الخارجي وهو ذلك اليوم الذي يخرج فيه الإمام عليه الصلاة والسلام.

(٢٣٥)

يوم النداء
كيف يكون النداء؟ سؤال مهم قد يراود المحققين عن حقيقة النداء باسم
الإمام (عليه السلام). كيف يتحقق النداء ومتي يكون النداء؟ ومن سيكون المنادي باسم الإمام المهدي (عليه السلام)؟ هل هو الملك العظيم جبرائيل (عليه السلام)؟ أم هو نداء من السماء يتردد بواسطة الأجهزة التي صنعها البشر؟ إذا كان المنادي هو سيدنا ومولانا جبرائيل (عليه السلام) فحينئذ لا يشكل على أحد لأن النداء يكون خارقاً للعادة. أما إذا كان المعني المنظور في الروايات هو مجرد مناداة من الفضاء كأن يكون عبر الأثير بواسطة الراديو أو التلفاز، ففي هذه الصورة يشكل على الناس خصوصاً مع وجود نداء وصوت معارض للنداء الأول يكون من قبل شياطين وأبالسة الجن والأنس يحاولون باستمرار الوقوف في وجه الحق والعدل مما يسبب إنكار الناس للإمام (عليه السلام) والروايات الواردة في هذا الباب عديدة وهي تؤكد إن هناك مناديين منادٍ من السماء ومنادٍ من الأرض. بيد أن بعضها تذكر المنادي في حين تسكت الأكثر منها عن البيان، وإليك طائفة من هذه الأخبار.
1- عن الفضل، عن ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: - خروج القائم (عليه السلام) من المحتوم.

(٢٣٧)

قلت: وكيف يكون النداء؟
قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن الحق مع علي وشيعته. ثم ينادي إبليس في آخر النهار: ألا إن الحق في عثمان وشيعته. فعند ذلك يرتاب المبطلون.-.
2- وعنه أيضاً (عليه السلام): - الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة، ليلة ثلاث وعشرين فلا تشكوا في ذلك واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت إبليس اللعين ينادي: ألا إن فلاناً قتل مظلوماً، ليشكك الناس ويفتنهم... وعلامة ذلك أن المنادي ينادي باسم القائم واسم أبيه حتى تسمعه العذراء في خدرها فتحرِّض أباها وأخاها على الخروج-.
3- وعنه أيضاً (عليه السلام): -... فإن أشكل هذا كله عليهم فإنّ الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذا نودي باسمه واسم أبيه وأمّه-.
4- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - ينادي مناد من السماء أول النهار ألا إن الحق في علي وشيعته، ثم ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار ألا إن الحق في السفياني وشيعته فيرتاب عند ذلك المبطلون-.
5- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - ينادي مناد من السماء ألا إن فلان بن فلان هو الإمام وينادي باسمه، وينادي إبليس - لعنه الله- من الأرض كما نودي برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ليلة العقبة-.
6- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): - وينادي منادٍ في شهر رمضان من ناحية المشرق عندما تطلع الشمس يا أهل الهدى اجتمعوا، وينادي من ناحية المغرب بعدما تغيب الشمس يا أهل الضلالة اجتمعوا-.

(٢٣٨)

7- عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... كأني بهم آيس من كانوا، ثم نودي بنداء يسمع من البعد كما يسمع من القرب، يكون رحمة على المؤمنين وعذاباً على المنافقين. قلت وما ذلك النداء؟ قال: ثلاثة أصوات في رجب، أولها ألا لعنة الله على الظالمين.. ينادي ألا إن الله بعث فلان بن فلان حتى ينسبه إلى علي - فأسمعوا له وأطيعوا- فيه هلاك الظالمين فعند ذلك يأتي الفرج...-.
ولكن السؤال متى يكون النداء، هل يكون في شهر رمضان المبارك من السنة التي يخرج فيه الإمام، أم يكون في شهر محرم الحرام؟
في الحقيقة إن وقت النداء غير معلوم بسبب وجود اختلاف في الروايات فمع توكيد بعض الروايات على أن النداء باسم القائم (عليه السلام) يكون في الثالث والعشرين من شهر رمضان، إلاّ أن هناك بعض الأحاديث وخاصة الواردة عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) تصرّح أن النداء يكون في شهر محرم الحرام، تماماً كما يوجد هذا الاختلاف في يوم خروجه هل سيكون في العاشر من محرم يوم الجمعة كما هو مشهور، أم يكون يوم السبت يوم استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) كما هو المحقق.
8- عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم): - وفي المحرم ينادي مناد من السماء: ألا إن صفوة الله من خلقه فلاناً فاسمعوا له وأطيعوا، في سنة الصوت والمعمعة-. وهذه الرواية لا تحدد من يكون المنادي.
9- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - العام الذي فيه الصيحة قبله الآية في رجب. قلت: وما هي؟ قال: وجه يطلع في القمر ويد بارزة-.

(٢٣٩)

وعلى كل حال فإن صوت القائم بالحق (عليه السلام) لن يكون أضعف من صوت إذاعات غيره من البشر. في الحقيقة تسطع في سماء العالم بنداء الحق فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ولكن نداء الحق هذه المرة من القوة بحيث يجعل الناس يخضعون لها كما يقول الإمام الباقر (عليه السلام): إذا سمعوا الصوت أصبحوا كأنما على رؤوسهم الطير!. أما لو كانت الصيحة خضعت له أعناق أعداء الله!. فإن أشكل عليهم من ذلك شيء، فإن الصوت لا يشكل عليهم إذا نودي باسمه واسم أبيه...
أجل إن ذلك ليس على الله بمستحيل ولكن هل إن ذلك يكون مباشرة من السماء؟ أم أن هناك وسيلة طبيعية جعلها الله في متناول يد البشر كأن يذاع نبأ ثورة الإمام المهدي المنتظر عبر الإذاعات والمحطات الفضائية وكل قوم يتحدثون عن هذا الأمر الجديد بلغتهم المتداولة وليس هناك حاجة ملحة بتدخل سماوي مباشر حتى نسوق الرواية إلى حالة إعجازية خارقة للطبيعة كما وأن شياطين الإنس يتحركون ضد الإمام ويستخدمون تلك الوسائل في تكذيبه والافتراء عليه.
إن المؤكد من هذه الأخبار أن النداء من السماء ولكن لا يُدري هل هو صوت ملك من ملائكة الله (عز وجل) أم هو عبر الأثير والإذاعات، وذلك باعتبار أن قيام القائم هو بأذن الله. فالنداء باسمه يكون من السماء بخلاف صوت الأعداء المخالف للإمام المهدي (عليه السلام) فندائهم من شياطين الجن ومن أهواء الإنس التي تخلد إلى الأرض فالنداء من قبلهم يكون للأرض والخلود فيها والتثاقل إليها.
وهذا احتمال يجب أن لا نغفل عنه خصوصاً وأن المعركة قائمة على قدم وساق بين الفريقين وأن النداءات تتلو بعضها البعض في كل أرجاء المعمورة. وقد جاءت روايات عديدة أخري حول النداء باسم القائم (عليه السلام) نشير فيما يلي إلى بعضٍ منها:
1- ما جاء بسند عن داود الرقي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك قد طال هذا الأمر علينا حتى ضاقت قلوبنا ومتنا كمداً، فقال: - إن هذا الأمر آيس ما

(٢٤٠)

يكون وأشد غماً، ينادي مناد من السماء باسم القائم واسم أبيه-. فقلت جعلت فداك ما اسمه؟ قال: - اسمه اسم نبي، واسم أبيه اسم وصي-.
2- ماجاء بسند عن الأصبغ بن نباته قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالكوفة فحمد الله تعالى وأثني عليه ثم قال -... ألا إن منا قائماً عفيفة أحسابه سادة أصحابه تنادوا عند اصطلام أعداء الله باسمه واسم أبيه في شهر رمضان ثلاثاً، بعد هرج وقتال... -.
3- ما جاء بسند عن جابر عن الإمام الباقر (عليه السلام): -.. والقائم رجل من ولد الحسين يصلح الله له أمره في ليلة فما أشكل على الناس من ذلك يا جابر فلا يشكل عليهم ولادته من رسول الله، ووراثته العلماء عالماً بعد عالم، فإن أشكل هذا كله عليهم فإن الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذا نودي باسمه واسم أبيه وأمه-.
4- أخرج النعماني في الغيبة بسنده عن زرارة عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: - ينادي باسم القائم، فيؤتي وهو خلف المقام فيقال له: قد نودي باسمك فما تنتظر؟ ثم يؤخذ بيده فيبايع..- الحديث.
5- أخرج النعماني أيضاً بسنده عن ناجية القطان عن الباقر (عليه السلام) أنه قال: - أن المنادي ينادي أن المهدي (من آل محمد) فلان بن فلان، باسمه واسم أبيه..-.
6- أخرج النعماني في الغيبة بسنده عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: - ينادي باسم القائم يا فلان بن فلان قم-.

(٢٤١)

7- أخرج النعماني في الغيبة عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: - ينادي باسمه في جوف السماء... باسمه واسم أبيه ألا إن فلان بن فلان قائم آل محمد فاسمعوا له وأطيعوه...-.
8- أخرج النعماني أيضاً بسنده عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام): - ينادي باسم صاحب هذا الأمر مناد من السماء ألا إن الأمر لفلان بن فلان ففيم القتال؟!!-.
9- أخرج أيضاً بسنده عن ابن سنان عن الصادق (عليه السلام): - لا يكون هذا الأمر الذي تمدون إليه أعناقكم حتى ينادي مناد من السماء ألا إن فلاناً صاحب الأمر، فعلام القتال؟-.
10- أخرج أيضاً بسنده عن ابن سنان عن الصادق (عليه السلام): - فينادي منادٍ صادق من شدة القتال، فيم القتل والقتال؟! صاحبكم فلان-
11- أخرج بسنده عن ابن أبي يعفور أنه سأل الصادق (عليه السلام)، وما الصوت، أهو المنادي؟ فقال (عليه السلام): - نعم، وبه يعرف صاحب هذا الأمر..-
12- أخرج الصدوق في إكمال الدين بسنده عن ميمون البان عن الباقر (عليه السلام) -.. ينادي منادٍ من السماء أن فلان بن فلان هو الإمام، باسمه...-.
وجاء عن الصادق (عليه السلام) قوله: إنها تكون صيحة تتبعها هدّه. (وجاء عنه:) إنها تكون ثلاثة أصوات في رجب:
الأول: ألا لعنة الله على الظالمين.

(٢٤٢)

والثاني: أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين.
والثالث: يري الناس بدناً بارزاً نحو عين الشمس - مع قرنها ينادي: ألا إن الله بعث فلاناً بن فلان. حتى ينسبه إلى علي (عليه السلام) فيه هلاك الظالمين، فاسمعوا له وأطيعوا. فعند ذلك يأتي الفرج ويذهب غيظ قلوبهم. (وورد عن الباقر (عليه السلام) قريب منه، وسيبهت الله المنكرين حين حدوث هذه الآيات، وسيتحقق ما عنته الآية الكريمة: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (الشعراء، 4) والتسلسل المذكور في الرواية لا يعني بالضرورة وقوع هذه العلامات بالترتيب بمعني وقوع هذه العلامة بعد تلك فما أكثر الروايات التي تحدثت بهذا الصورة كان فيه التقديم والتأخير وإنما المنظور تحقق هذه الأمور الثلاثة قبل خروج الإمام (عليه السلام) إلا إذا كان هناك تصريح بالتقديم لما جاء في هذه الرواية (العام الذي فيه الصيحة، قبله الآية في رجب. فقيل له: وما هي؟ قال وجه يطلع في القمر، ويد بارزة، وتطلع كف تشير. والنداء الذي من السماء يسمعه أهل الأرض: كل أهل لغة بلغتهم).
وصورة الوجه التي تظهر في القمر كآية وعلامة للخروج يختلف عن العلامة لرؤية بدن في عين الشمس. وقد علق على هذه الرواية صاحب كتاب يوم الخلاص قائلاَ: (وما أكثر الوجوه التي رأيناها ومعاصرونا في القمر من رواد الفضاء، وما أكثر الأيادي التي شوهدت تحفر سطحه لتحمل لنا من ترابه وصخوره؟! فلا غرو أن ننظر يداً وسلطاناً سماوياً بعد أن حقق العلماء من البشر انتصاراتهم المعروفة في غزو القمر وبقية الكواكب).
13- حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب قال حدثنا إسماعيل بن مهران قال حدثنا الحسين بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن شرحبيل

(٢٤٣)

قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) وقد سألته عن القائم (عليه السلام) فقال: إنه لا يكون حتى ينادي مناد من السماء يسمع أهل المشرق والمغرب حتى تسمعه الفتاة في خدرها-.
فلا شيء ممّا خلق الله (فيه) الروح إلا سمع الصيحة، ولا يبقى راقد إلا استيقظ، ولا قائم إلا قعد ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعا من ذلك الصوت، - هو صوت جبرائيل الأمين-. فرحم الله من سمع ذلك الصوت فأجاب. في هذه الرواية بيان عن النداء الذي يسمعه أهل المشرق والمغرب غير أن هذه الرواية تذكر الصيحة التي لا تدع راقداً إلا استيقظ ولا قائماً إلا قعد فزعاً من ذلك الصوت فهل النداء والصيحة هما أمر واحد أم هما أمران مختلفان نداء وصيحة فالصيحة توجب الفزع والخوف في الناس بخلاف النداء في الحقيقة الروايات السابقة لا تذكر شيئاً عن الصيحة إنما نتحدث عن النداء وحسب كما لا تذكر بعضها من المنادي فهل هناك أمران مختلفان أحدهما صيحة وهدّة وفزعة تروّع الناس كصوت الأنفجارات المهيبة التي تحدثها القنابل والصواريخ أم هما شيء واحد نداء على صورة صرخة مرعبة.
قد يكون هذا وذاك حيث أن هناك احتمال بحدوث خلط في بيان حدوثهما عند الراوي ولا يمكن الجزم بأحدهما إلا بما تكشفه أيام الخروج والله العالم. بيد أن النداء عام وشامل يسمعه جميع الناس كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً: - ولا يبقي ذو أذن من الخلائق إلا سمع ذلك النداء. وتقبل الخلائق من البدو والحضر والبر والبحر، يحدث بعضهم بعضاً، ويستفهم بعضهم ما سمعوا باذانهم-!. ثم وضع لموعدها علامة خاصة في قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): - في سنة كثيرة الزلازل والبرد-.

(٢٤٤)

وقد قيل للإمام الصادق (عليه السلام): فمن القائم (عليه السلام) وقد نودي باسمة؟ فقال: - لا يدعهم إبليس حتى ينادي في آخر الليل فيشكك الناس-.
وقيل له: إني لأعجب من القائم كيف يقاتل مع ما يرون من العجائب، من خسف البيداء بالجيش، ومن النداء الذي يكون من السماء؟ فقال: - إن الشيطان لا يدعهم حتى ينادي كما نادي برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم العقبة-.
إذا قلنا أن التدخل السماوي المباشر هو متحقق بأمر إلهي في نداء الملك جبرائيل الأمين (عليه السلام) فلا يعني ذلك أن إبليس باستطاعته أيضاً أن يخرق القوانين الإلهية وينادي مباشرةً ضد الإمام (عليه السلام) فربما يتحقق عبر تحريك شياطين الإنس ليذيعوا نداء إبليس عليه اللعنة والعذاب إلا إذا قلنا أن النداء السماوي باسم الإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً ليس بالضرورة أن يكون من قبل سيدنا ومولانا جبرائيل (عليه السلام) بل يتحقق عبر الوسائل الطبيعية بواسطة المذياع والتلفاز وعلى كلِّ فلابد إذن من هذين الصوتين، في بياض نهار وأحد، صوت من السماء وصوت من الأرض... وبما أنهما نداءان متميزان يفهمهما كل إنسان بلغته، وأن النداء الأول ينوه برجل من ولد أبي طالب ونسل فاطمة (عليها السلام) فإن ذلك يقطع كل شبهة عند العقلاء، ويجنبهم كل توهم. وقد سئل الصادق (عليه السلام): تكون إذاً صيحتان، فمن يؤمن بهذه، ومن يؤمن بهذه؟ فقال: - يصدق بها من صدَّق بها قبل- أي أنه يعرف الصيحة الصادقة من كان سمع بها من قبل أن تكون- أو يصدق بها من كان مؤمناً بها قبل أن تكون. ثم تلا الآية الكريمة: (أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَي فَمَا لَكمْ كيْفَ تَحْكمُونَ) (يونس:35).
وقال: صوت جبرائيل من السماء وصوت إبليس من الأرض فاتبعوا الصوت الأول، وإياكم والأخير أن تفتنوا به. النداء حق إي والله، حتى يسمعهم كل قوم

(٢٤٥)

بلسانهم. (أي بلغتهم) فلا يبقي شيء خلق الله فيه الروح إلا سمعها... فها هو ذا يعود فيكرر القول ويقسم على المناداة بمختلف اللغات ببداهة... فإنه لا بد أن يرد فيه اسم المهدي واسم أبيه. ومهما كان الحال فإن النداء يقطع جهيزة كل خطيب ومتحذلق، لصراحته ووضوحه... وما فتئ الأئمة (عليه السلام) يوضحون معالم الطريق حتى لا يبقي مجال للريب، ولينسد باب كل إبهام وإيهام عند سائر الأمم والطوائف، وعند مختلف الجنسيات والقوميات وأصحاب اللغات... وحذار أن يلتبس الأمر على ضعفاء الإيمان، مما يدور على لسان إبليس الذي يلقي يومها، آخر سهم في جعبته ليضل الناس، لأنه يوشك أن يدعي هو وحزبه وأتباعه، بعد ذلك اليوم، إلى العذاب الذي كذب به المكذبون، يوم يقوم الناس لرب العالمين، في يوم الحساب.

(٢٤٦)

يوم الخروج القيامة الصغرى
هل يعلن العالم البشري إسلامه حين قيام الإمام المهدي (عليه السلام)؟
وهل يرضخ الجميع لحكومته الربانية يوم نهضته الكبري؟
من السذاجة جداً أن يعتقد البعض أنه بمجرد أن يخرج الإمام المهدي (عليه السلام) ويعلن ثورته المباركة يخضع الجميع له طواعية ويسلم الناس زمام أمورهم إليه، وينقلب الكفار مؤمنين والمشركون موحدين بين عشية وضحاها وتنثر الورود وتفرش الرياحين أمام جيشه وعسكرة فلا حرب ولا إرهاب ولا عنف ولا قتال بل تسليم وإسلام وسلام.
فيا ليت أن يكون الأمر هكذا، ويا ليت أن يخضع الناس للإمام ويضع الكفار أسلحتهم على الأرض ويأتوا للإمام مذعنين طائعين مسلمين أو مستسلمين، ويا ليت ان المشركين ينزعون من أدمغتهم فكرة التثليث والشرك، ويطهر المنافقون قلوبهم من أدران النفاق والضغائن والأحقاد، ويرتدع الفساق عن فسقهم وفجورهم ويرجعوا إلى الإيمان والالتزام بمنهج الإسلام الحنيف، ويا ليت ان الظالمين والغاصبين يكفون أيديهم عن الظلم والاعتداء ويردَّون حقوق المظلومين من غير تعنت ومن غير هضم وتنقيص.
ويا ليت ان المجرمين يتوبون إلى الله ويرضون ضحاياهم بما شاءوا وأرادوا، ويا ليت الحكام والطواغيت الجبابرة الذين طالما حكموا الناس بقوة الحديد والنار

(٢٤٧)

يتنازلون عن مناصبهم ويذهبون إلى الكهوف والجبال مستغفرين تائبين إلى الله مما ارتكبوا من الجرائم بحق شعوبهم.. ويا ليت ان السرَّاق والناهبين يُعيدوا الأموال المسروقة إلى أصحابها الشرعيين..ويا ليت ويا ليت..
ولكن تبقي هذه الأمنيات ولا تجد لها مصاديق خارجية وقد قال الله تعالى في كتابه المجيد (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكنْ كذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كانُوا يَكسِبُونَ) (الأعراف:96) هيهات هيهات أن يستجيب الظالمون لنداء الحق، وهيهات هيهات أن يتنازل الحكام الجبابرة عن مناصبهم وعروشهم لأصحابها الشرعيين.
وهيهات هيهات أن يكف الظالمون عن ظلمهم ويعطوا حقوق المظلومين، بل الظلم -مع الأسف الشديد- يزاد يوماً بعد يوم وينتشر الفسق والفجور في العالم ويخيم على الناس الخوف والرعب من جراء تسلط الطواغيت والجبابرة. فالحروب تحصد النفوس والأرواح والدماء تسيل في الشوارع والأزقة، والأعراض تهتك علناً، والأموال تسرق سراً وجهراً والجرائم ترتكب بحق الأبرياء أمام الملأ من دون رادع. واليوم إذا دخلت مدينة أو قرية أو منزلاً فلا تشاهد إلا اثار الظلم والاعتداء موجودة في كل مكان، فالظلم والفجور والاعتداء قد دخل في كل مدينة ودار، والعالم يَئنُّ من وطئة ظلم الظالمين والفجار ومن حكم الجبابرة والطغاة، وصرخات الاستغاثة تملأ الفضاء من دون مغيث وناصر، ومصانع الأسلحة المدمرة تعمل ليلاً ونهاراً في خدمة المجرمين والحكام، وآلاف المليارات تصرف لتطوير الأسلحة الفتاكة في الوقت الذي يموت مئات الألوف من الناس من الجوع والفقر.هذا في العالم الغربي والشرقي.
وأما في البلدان الإسلامية فالوضع إن لم يكن بأسوء من غيرها فهي ليست بأحسن حالاً منها. فالفقر والعوز يفتك بالناس، والظلم والفسوق يمارس في كل مكان، والأوضاع الاقتصادية المتردية تخيم على الجميع، وحتى الأطفال والنساء

(٢٤٨)

يباعون في أسواق الرقيق، والوحوش البشرية تجول في المدن والقري والأرياف. وهي تفترس الأبرياء وتمتص دمائهم وأموالهم بقوة الحديد والنار، ووعاظ السلاطين يبررون جرائم الطغاة ويضفون عليها الشرعية، والناس صامتون يتفرجون على المذابح والجرائم يقتلهم الخوف والفزع.. فإلي من الملجأ اليوم وإلي أين الفرار؟ فمن يجيب صرخات المستضعفين، ومن يقطع أيادي السارقين، ويردع الظالمين ويرفع الظلم عن الجماهير، ومن يأخذ بحق الفقراء والمساكين، ومن يرد الحقوق المغتصبة إلى أهلها الشرعيين؟
ومن يقتل الطغاة والمجرمين وينتقم من الحكام الجبارين؟!، ومن يضرب أعناق المحتالين؟ ومن يكشف زيف المتلبسين بالدين ويفضح وعاظ السلاطين؟
فالإنسانية تعيش حالة الاحتضارٌ واليأس يلف الجميع من إمكانية تغير الأوضاع فيوماً بعد يوم الأمور إلى الأسوء بل الكل اليوم يشاهد الأوضاع تسير بسرعة فائقة نحو الإنحطاط يتدهور والعالم نحو الهاوية والجحيم، فهل لهذه المأساة من نهاية...وهل للعالم من مخلص ومنقذ؟ وهل لصرخات المستغيثين من مجيب، وهل لقطع دابر الظالمين من رجل عادل؟
أجل لقد ادخر الله سبحانه لعالم اليوم شخصية عظيمة من نسل الرسول الأكرم ليقوم بمهمة الإنقاذ واستخلاص البشرية من براثن الظلم والفقر والفساد ويطهر الأرض من الطغاة والظالمين ويقتل الجبابرة والمفسدين بلا رحمة كما لم يرحموا أحداً من العالمين.
إذن أين هذه الشخصية المنقذة ومتي يظهر؟
أين قاطع دابر المتكبرين؟
أين هادم أبنية الشرك والنفاق؟
أين مبيد أهل الفسوق والعصيان والطغيان؟
أين قاطع حبائل الكذب والافتراء؟
أين محيي معالم الدين وأهله؟

(٢٤٩)

أين قاصم شوكة المعتدين؟
أين السبب المتصل بين الأرض والسماء؟
أين صاحب يوم الفتح وناشر راية الهدي؟
أين مؤلف شمل الصلاح والرضي؟
أين الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء؟
أين الطالب بدم المقتول بكربلاء؟
أين ابن النبي المصطفى وابن علي المرتضي وابن خديجة الكبري وابن فاطمة الزهراء؟..
أجل ها هو الإمام العادل ينتظر بفارغ الصبر الإذن الإلهي بالخروج، فالأمر قريب وقريب جداً. إنها الساعة التي لا تأتيهم إلاّ بغتة فتبهتهم، وفي ذلك الوقت لا تقبل توبة أحد من الظالمين والمجرمين، لأن فترة التوبة قد انتهت ومدّة العودة قد انقضت.
فالإمام المهدي المنتظر القائم بالسيف لا يأتي من دون برنامج سماوي منظم بل عنده عهد مكتوب من رسول الإسلام أن لا يقبل توبة أحد إنما التوبة للذين يعملون السيئات ثم يتوبون من قريب ويستغفرون ويعودون إلى رشدهم قبل أن تأتيهم ساعة الصفر من قبل الباري أَلا وهو الموت أو قيام الحجة. فإذا انتهت المدة وجاء الأجل قضي الأمر وارتفعت مهلة الاستغفار فيجري فيهم الإمام حكم الله ويقضي على الظالمين الطغاة قضاء كاملاً ويبيدهم عن بكرة أبيهم ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولذا جاء في الأحاديث الشريفة أن خروج الإمام الحجة هو الساعة التي تأتي بغتة وهي تشبه إلى حد كبير ساعة القيامة. ولذا اشتبه على بعض المؤلفين في معرفة حقيقة المراد من الساعة المذكورة في بعض الآيات والروايات، هل تقصد ساعة الخروج أم ساعة القيامة. ولهؤلاء الحق في هذا الاشتباه والارتباك لأن كلمة الساعة تنطبق على ساعة الخروج وساعة القيامة معاً لأن المفاجئة والمباغتة موجودة

(٢٥٠)

في كلا الساعتين من جهة، وعدم قبول التوبة من الظالمين والمجرمين من جهة أخري. فالساعة عبارة عن انتهاء المهلة للظالمين وهي ساعة الصفر لبدء الانتقام ولذا فُسرت بعض الآيات الكريمة التي تتحدث عن الساعة بساعة قيام الإمام المهدي (عليه السلام) (حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا على مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ) (الأنعام:31). ولم تكن اعتباطاُ حينما أولت تلك الأحاديث التي تتحدث عن اليوم الموعود لقيام الإمام المهدي على أنه إنتهاء مهلة إبليس اللعين، بل هي الحقيقة والواقع فالروايات التي تتحدث عن الانتقام الإلهي من الظالمين والمنافقين والقاسطين ساعة خروج الإمام المهدي كثيرة نتطرق إلى بعضها كما يلي:
1- عن الحسين بن حمدان عن محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسني عن أبي شعيب (و) محمد بن نصر عن عمر ابن الفرات عن محمد بن المفضل عن المفضل بن عمر قال سألت سيدي الصادق (عليه السلام) هل للمأمور المنتظر المهدي (عليه السلام) من وقت موقت يعلمه الناس؟ فقال: حاش لله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا. قلت: يا سيدي ولم ذلك؟ قال: لأنه هو الساعة التي قال الله تعالى (يَسْئَلُونَك عَنِ السَّاعَةِ اَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماوَاتِ وَالاَرْض) (الاعراف:187) وهو الساعة التي قال الله تعالي: (يَسْئَلُونَك عَنِ السَّاعَةِ اَيَّانَ مُرْسَاهَا) وقال (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) (الزخرف:85) ولم يقل إنها عند أحد، وقال: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) (محمد:18) وقال (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) (القمَر:1) وقال: (وَمَا يُدْرِيك لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ - يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيد) (الشورى:17-18)...

(٢٥١)

2- وروي السيد علي بن عبد الحميد في كتاب الأنوار المضيئة بإسناده إلى أحمد بن محمّد الأيادي يرفعه إلى إسحاق بن عمّار قال: سألته - يعني زين العابدين (عليه السلام) - عن إنظار الله تعالى إبليس وقتاً معلوماً ذكره في كتابه، قال: (قَالَ فَإِنَّك مِنْ الْمُنْظَرِينَ - إلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (الحجر:37-38). قال: الوقت المعلوم يوم قيام القائم، فإذا بعثه الله كان في مسجد الكوفة وجاء إبليس حتى يجثو على ركبتيه، فيقول: يا ويلاه من هذا اليوم...
3- ذكر السيد ابن طاووس في كتاب (سعد السعود): - إني وجدت في صحف إدريس النبي (عليه السلام) عند ذكر سؤال إبليس وجواب الله له، قال ربي فأنظرني إلى يوم يبعثون. قال: لا ولكنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم، فإنه يوم قضيت وحتمت أن أطهر الأرض ذلك اليوم من الكفر والشرك والمعاصي، وانتخبت لذلك الوقت عباداً لي امتحنت قلوبهم للإيمان وحشوتها بالورع والإخلاص... ذلك وقت حجبته في علم غيبي ولابد أنه واقع، أبيدك يومئذ وخيلك ورجلك وجنودك أجمعين فأذهب فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم-.
4- روي محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (الصدوق) في المجلس الذي جري له مع ركن الدولة قال: روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ومثل القائم من ولدي مثل الساعة قال الله تعالي: (يَسْأَلونَك عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إنما عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكمْ إلا بَغْتَةً) (الأعراف:187)

(٢٥٢)

5- وروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): - مَثَلهُ مثلُ الساعة لا يجليها لوقتها إلاّ الله (عز وجل) لا تأتيكم إلاّ بغتة-.
6- عن دعبل الخزاعي عن الإمام الرضا (عليه السلام): حدثني أبي عن أبيه عن آبائه (عليهما السلام) أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك؟ فقال (عليه السلام): - مثله مثل الساعة التي لا يجليها لوقتها إلاّ هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلاّ بغتة-.
7- عن الإمام الصادق (عليه السلام)، في قوله تعالى (هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) قال: يغشاهم القائم بالسيف (تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً) قال تصلي نار الحرب في الدنيا على عهد القائم وفي الآخرة نار جهنم-.
8- وعن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالي: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَي دُونَ الْعَذَابِ الأَكبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) قال: - إن الأدني القحط والجدب، والأكبر خروج القائم المهدي (عليه السلام) بالسيف في آخر الزمان-.
9- وجاء في إلزام الناصب عن أمير المؤمنين (عليه السلام): - إن في قائمنا أهل البيت كفاية للمستبصرين وعبرة للمعتبرين ومحنة للمتكبرين لقوله تعالى (وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ) هو ظهور قائمنا المغيب لأنه عذاب على الكافرين وشفاء ورحمة للمؤمنين-.

10- عن الإمام الصادق (عليه السلام): -... إذا قام قائمنا انتقم لله ورسوله ولنا أجمعين-.

(٢٥٣)

11- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... وأما شبهه من جده المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم) فتجريده السيف وقتله أعداء الله وأعداء رسوله والجبارين والطواغيت، وأنه ينصر بالسيف وبالرعب وأنه لا ترد له راية-.
12- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): -... ثم يفرجها الله عنكم كتفريج الأديم بمن يسومهم خسفاً ويسوقهم عنفاً ويسقيهم بكأس مصبّرة لا يعطيهم إلاّ السيف ولا يحلسهم إلاّ الخوف... ويتوجه إلى الآفاق فلا تبقي مدينة وطئها ذو القرنين إلاّ حلّها وأصلحها ولا يبقي كافر إلاّ هلك على يديه ويشفي الله قلوب أهل الإسلام-.
13- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - يقتل القائم بين كربلاء والكوفة ستة عشر ألف فقيه فيقول الناس هذا ليس من نسل فاطمة-.
14- ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) للمفضل بن عمرو بعد ذكره خبر نزول القائم (عليه السلام) في الكوفة وإعطائه بعض المعاجز التي يطلبها منه الحسني وأصحابه: -... فيبايعه (الحسني) ويبايع سائر العسكر الذي مع الحسني إلاّ أربعين ألفاً أصحاب المصاحف المعروفون بالزيدية، فأنهم يقولون: ما هذا إلاّ سحر عظيم. فيختلط العسكران فيقبل المهدي (عليه السلام) على الطائفة المنحرفة، فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيام، فلا يزدادون إلاّ طغياناً وكفراً، فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعاً. ثم يقول لأصحابه: لا تأخذوا المصاحف، ودعوها تكون عليهم حسرة كما بدلوها وغيروها وحرفوها ولم يعملوا بما فيها-.
والأحاديث حول وجود من ينكره ويعارضه ويتأول عليه القرآن من المتلبسين بالدين كثيرة، نقدم ما أوردناه في مبحث سابق عن الإمام الباقر (عليه السلام) من أنه يخرج على الإمام من ظهر الكوفة بضعة عشر ألفاً يدّعون التبرئة منه ويقولون له ارجع من

(٢٥٤)

حيث أتيت فلا حاجة لنا في بني فاطمة فيقتلهم جميعاً، ويقتل كل مرتاب في الكوفة، كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أن القائم (عليه السلام) لا يلبث قليلاً حتى تخرج عليه خارجة من الموالي برميلة الدسكرة، وفي رواية أن عددهم عشرة آلاف، ويقتلهم جميعاً، وفي رواية أن القائم يحدّثكم حديثاً لا تحتملونه فتخرجون عليه برميلة الدسكرة فتقاتلونه فيقتلكم وهي آخر خارجة تكون، وفي رواية أخري أن صاحب الأمر حينما يحكم ببعض الأحكام ويتكلم ببعض السنن تخرج عليه خارجة من المسجد فيلحق بهم أصحابه في التمّارين ويأتون بهم أسري فيذبحون-.
15- كما ورد في الحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... ثم يحدث حدثاً فإذا فعل قالت قريش أخرجوا بنا إلى هذا الطاغية فو الله لو كان محمدياً ما فعل ولو كان علوياً ما فعل ولو كان فاطمياً ما فعل، فيمنحه الله أكتافهم فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية-.
16- عن الإمام الصادق (عليه السلام)، في تفسير قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كلِّهِ وَلَوْ كرِهَ الْمُشْرِكونَ) (التوبة:33) قال: - والله ما نزل تأويلها بعد ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم (عليه السلام) فإذا خرج القائم لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلاّ كره خروجه حتى لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فأكسرني فاقتله-.
17- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحبّ أكثرهم ألاّ يروه مما يقتل من الناس أما أنه لا يبدأ إلاّ بقريش فلا يأخذ منها إلاّ السيف ولا يعطيها إلاّ السيف حتى يقول كثير من الناس ليس هذا من آل محمد ولو كان من آل محمد لرحم-.

(٢٥٥)

18- عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)، في أحد أحاديث المعراج عن الله تعالى: -... وهذا القائم يُحلّ حلالي ويحرِّم حرامي وينتقم من أعدائي يا محمد أحببُهُ وأحببُ من يحبُّهُ-.
20- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - إذا قام القائم (عليه السلام) ذهبت دولة الباطل-.
21- وعنه أيضاً (عليه السلام): - إذا قام قائم أهل البيت قسّم بالسوية وعدل في الرعية فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصي الله...-.
22- قال الإمام الصادق (عليه السلام) - يا مفضل؛ ليس للمهدي وقت لأنه كالساعة إنما علمها عند ربي، إلى أن قال: لا يوقت لمهدينا وقت إلا من شارك الله في علمه وادعي أنه أظهره على سره-.
لم تدع هذه الروايات الواضحة والصريحة لأحد شكاً في أخذ الإمام بالثأر الإلهي من جميع الظالمين والمجرمين ومن المتلبسين بالدين الذين أعطوا الشرعية لجرائم الطغاة والذين سكتوا عن الظلم والفساد وذهبوا في ترتيب أوضاعهم المالية والاقتصادية بأموال المسلمين من دون أن يقوموا بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الوقت الذي أخذ الله على العلماء أن لا يقارُّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم كما قال مولانا أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام). ولكن نتساءل: هل الإمام الحجة (عليه السلام) حين قيامه بثورته الإصلاحية والقضاء علي الطغاة يغض الطرف عن علماء السوء لأنهم من قريش أو من الحسب والنسب الكذائي، أم يبدأ بهم أولاً قبل الآخرين ليكونوا درساً لغيرهم وعبرة للناس بأن الإمام لا يتهاون ولا يساوم مع أحد في إجراء العدالة الإلهية ولو كانوا من أقربائه وعشيرته؟.

(٢٥٦)

لاشك إن الإمام وكما قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يكون من الله على حذر لا يغتر بقرابته ولا يضع حجراً على حجر ولا يقرع أحداً في ولايته بسوط إلاّ في حدّ، ليمحوا الله به البدع كلها ويميت الفتن كلها-. فالإمام لا يظلم أحداً ولا يعتدي على أحدٍ ولا يقوم إلا بالحق فكل ما يقوم به من إبادة للظالمين وقتل المجرمين وتطهير الأرض من الفساد والمفسدين فهو بأمر من الله (عز وجل) وبعهد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولا تمنعه من إجراء العدالة المحسوبيات أو القرابة ولذا فهو يبدأ بقريش فلا يعطيهم إلا السيف ولا يأخذ منهم إلا السيف ولا تأخذه في الله لومة لائم، فهو كمولانا أمير المؤمنين يري القوي عنده ضعيفاً حتى يأخذ الحق منه والضعيف عنده قوياً حتى يأخذ الحق له. والإمام المهدي ليس مهمته الوعظ والإرشاد لأن زمن الموعظة والإرشاد قد انتهي، فمن كان يريد لنفسه الخير والصلاح لأصلح نفسه بآيات الذكر الحكيم وأحاديث الرسول الكريم وتوجيهات آله الطيبين الطاهرين.
بل إن مهمته الأساسية تطبيق الإسلام بحذافيره وبحدوده وقوانينه وإجراء القصاص والعقوبات بكل صرامة واجراء أحكام العدالة، فلا رحمة على الطغاة ولا شفقة على المجرمين ولا عفو عن السارقين ولا تغافل عن المعتدين، بل المقياس عند الإمام هو الحق والحقيقة بكل أبعادها والعدالة الكاملة بكل جوانبها إنما الرحمة في ذلك اليوم للفقراء والمساكين، والشفقة والعطف على المستضعفين والمحرومين إذا لم يكونوا متعاونين مع المجرمين، وكما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وعن جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فإن: - المهدي سمح بالمال، شديد على العمال، رحيم بالمساكين- و- المهدي كأنما يُلعق المساكين الزّبدَ- و- يبلغ من رد المهدي المظالم حتى لو كان تحت ضرس

(٢٥٧)

إنسان شيء انتزعه حتى يرده-. فالإمام هو المنقذ الحقيقي للبشرية من براثن الظلم والطغيان ومطبق للشريعة الحقة. فالإمام حينما ينهض لا يرفع راية اللاّعنف وراية المحبة والسلام لأعداء الله وأعداء الرسول، إنما يعمل بالآيات القرآنية التي تدعو إلى قتال المشركين كافة حتى لا تكون فتنة، وليجدوا في الإمام وأصحابه غلظة وشدة ويكون الإمام وأصحابه أشداء على الكفار رحماء بينهم. وإذا كانت هناك روايات وأحاديث تتحدث عن الإمام المهدي وأنه يسير بسيرة مولانا أمير المؤمنين بالمن والكف، فإن لهذه الروايات تطبيقات بعد الانتصار الساحق على الأعداء وبعد أن تضع الحرب أوزارها كما فعله أمير المؤمنين (عليه السلام)، أما في فترة القتال ومدة الحرب التي تستغرق ثمانية أشهر فضرب الأعناق وقتل الأعداء قائم على قدم وساق، وهذا ما تؤكده الأحاديث الواردة عن أهل البيت التي تتحدث عن القتال ووضع الإمام السيف على عاتقه لمدة ثمانية أشهر كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): - يفرّجُ الله الفتنَ برجلٍ منّا، يسومُهم خسفاً، لا يُعطيهم إلاّ السيف، يضعُ السيفَ على عاتقهِ ثمانية أشهرٍ هرجاً، حتى يقولوا: والله، ما هذا من ولد فاطمة ولو كان من ولد فاطمة لرحمنا. يغريه الله ببني العباس وبني أُميَّة-.
وكما قال الإمام الباقر (عليه السلام) وولده الإمام الصادق (عليه السلام) فان الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف): -... يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً حتى يرضي الله-.
هذا بالإضافة إلى أن سيرة أمير المؤمنين مع القاسطين والمارقين والناكثين لم تكن إلاّ بالسيف والقتال. فالمعارك الضارية والدامية التي جرت بين الإمام ومعاوية وبين الإمام والناكثين وعلى رأسهم طلحة والزبير وعائشة، وبين الإمام والمارقين (الخوارج) تشهد لها صفحات التاريخ على كثرة الضحايا والمقتولين. أجل سار بالمن

(٢٥٨)

والكف بعد الانتصار الساحق الذي حققه الإمام ضد أعداء الله. وهكذا تكون سيرة الإمام المهدي (عليه السلام).
فهو بعد أخذ الثائر من الظالمين وإراقة دماء الفجار والمجرمين وبعد تطهير الأرض من أئمة الكفر وأتباعهم يعفو عن بقية الناس المغفلين والجاهلين ويسير فيهم بالمن والكف بعد أن يضع الله الرحمة في قلبه (عليه السلام) كما سار سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) بأهل البصرة. هذا إذا سلكنا مسلك التوفيق بين رواية المن والكفّ والروايات التي تتحدث عن قيام الإمام بالسيف وقتل الظالمين بلا هوادة، أما إذا لم نرتضِ إلاّ برواية المن والكف في سيرة الإمام في الحروب فلابد من إلغاء الروايات الكثيرة المتواترة التي تصرح بسيرة الإمام بقتال المجرمين والظالمين وعدم المسامحة مع الطغاة والأخذ بثأر المظلومين وقتل الأعداء المحاربين. ومن الطبيعي عدم استطاعة رواية المن والكف مقاومة الروايات المتواترة بأخذ الإمام بثارات المظلومين والمضطهدين والشهداء، وعدم إمكانية تطهير الأرض من براثن الشرك والكفر والنفاق ما دامت تلك العناصر الضالة والمجاميع المنحرفة الحاقدة في المجتمع حيةٍ تسعي في ضرب الأهداف المقدسة للإمام (عليه السلام) وبذلك تتلاشي أهداف ثورته المباركة، بل لا يمكن لها من تحقيق طموحاتها السامية من إجراء العدالة الشاملة، هذا بالإضافة إلى ما يسبب حالة المن والكف إبقاء الحكومات الظالمة لسيطرتها الغاشمة على الشعوب المستضعفة لأن على الإمام إما أن يحارب الظلم والظالمين أو يعفو عنهم مناً وكفاً عن القتال وهذا مخالف للأهداف الربانية التي قام الإمام بثورته المباركة لأجلها بل نستطيع القول إن سياسة المنّ حتى لو استطاعت الإطاحة بالحكومات الفاسدة فهي لا تستطيع توفير الأمن والاستقرار للناس إذا ترك عناصرها المجرمة تسرح وتمرح في الأرض لأن هؤلاء المجرمين يلجؤون إلى التخريب والتفجير لزعزعة الأمن والاستقرار ولهذا فنحن نري أن الروايات التي تتحدث عن قتل المجرمين والظالمين والانتقام من المفسدين، هي الأصح والأقرب إلى تحقيق أهداف الإمام في استقرار الأمن والطمأنينة

(٢٥٩)

والسعادة للناس خصوصاً وأن هذه الروايات تذكر العلّة في سبب القضاء على الظالمين فالخير كل الخير تحت ظلال السيوف والخير كل الخير في بقية السيف كما جاء في الأحاديث الشريفة، والخير كل الخير تحت ظل العدالة الإلهية والخير كل الخير في حكومة الإمام المهدي (عليه السلام). فالسعادة تعمر القلوب والنفوس ابتهاجاً بعدالة الإمام وبمساواته بين الناس تطبيقاَ لحديث الرسول الأكرم - إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط، لا فضل للعربي على العجمي، ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى-. فالناس كلهم سواسية كأسنان المشط لا تمايز ولا تفاضل في الأنساب ولا بين القوميات والعرقيات. فخروج الإمام (عليه السلام) هو في الحقيقة القيامة الصغري. فكما أن في القيامة الكبري حساب وكتاب وموازين وعدالة ولا تأجيل للحساب ولا توبة بل ثواب وعقاب، كذلك في خروج الإمام القيامة الصغري لا توبة ولا تأجيل بل عدالة وكتاب وحساب وعقاب وثواب. فالمجرم يلاقي جزاءه والمحسن ينال أجره. المظلوم يأخذ حقه من ظالمه أينما كان. ويبدو أن المشيئة الإلهية اقتضت أن تكون هناك قيامة مصغّرة على وجه البسيطة قبل القيامة الكبري التي يجمع الله فيها الناس، ولكن القيامة الصغري يقيمها الله حين يأذن للإمام المهدي (عليه السلام) بالخروج والقضاء على المجرمين وإعطاء حقوق المظلومين وتحقيق العدالة الشاملة على الكرة الأرضية لإرساء قواعد الأمن والسعادة للبشرية جمعاء. فالعالم اليوم بانتظار صاحب العدالة والسعادة والمساواة، وإلي ذلك اليوم (يوم الخروج) الذي قال الله تعالي: (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِك يَوْمُ الْخُرُوجِ) (ق:42)

(٢٦٠)

الجميع بانتظاره، بانتظار تطبيق العدالة في العالمين، يوم يكون فيه توفير السعادة والرفاه لكل المستضعفين ولجميع الناس على حدّ سواء، ذلك يوم الحق، فهل نحن من المنتظرين لخروجه حقاً؟

(٢٦١)

من أين تنطلق نهضة الإمام؟
من أين ينطلق الإمام؟ هل من مكة المكرمة أم من الكوفة (العراق)؟ أم من المشرق؟ إن الشائع لدي الناس خروج الإمام من مكة المكرمة حسب بيان بعض الروايات ولكن هناك في المقابل روايات أخري عن أهل البيت (عليهما السلام) تتحدث عن الانطلاقة من المشرق ومن ثم الخروج من الكوفة أو إن الانطلاق من مكة المكرمة والخروج من الكوفة وقد ورد العديد من الروايات بهذا الخصوص وإليك بعضها:
1- كأني بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في البلاد-.
2- عن الصادق (عليه السلام) قال: - يا أبا حمزة، كأني بقائم أهل بيتي قد علا نجفكم، فإذا علا فوق نجفكم نشر راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر-.

(٢٦٥)

3- عن ابن مسعود عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتطريداً وتشريداً حتى يجيء قوم من ها هنا -وأشار بيده إلى المشرق- أصحاب رايات سود، يسألون الحق فلا يعطونه -حتي أعادها ثلاثاً- فيقاتلون فينصرون.. فمن أدركه منكم فليأته ولو حبواً على الثلج...-.
4- عن ثوبان عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم): - إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي-.
5- عن الإمام السجاد (عليه السلام): -... كأني بصاحبكم قد علا نجفكم بظهر كوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله وإسرافيل أمامه، مع راية رسول الله...-.
6- عن أبي بكر الحضرمي عن الإمام الباقر (عليه السلام)، في حديث يمتدح فيه الكوفة، وجاء في جانب منه: -... ومنها يظهر عدل الله وفيها يكون قائمه والقوّام من بعده...-.
7- وعن الإمام الباقر أيضاً (عليه السلام): - كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) قد ظهر على نجف الكوفة فإذا ظهر على النجف نشر راية رسول الله...-.

(٢٦٦)

8- عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث طويل: -... كأني انظر إلى القائم وأصحابه في نجف الكوفة...-.
9- وروي في يوم الخلاص: - ينزل القائم يوم الرجفة بسبع قباب من نور ولا يُعلم في أيها هو حتى ينزل الكوفة-.
10- وروي في الكافي خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، جاء في ختامها: -... وأعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم منهاج الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)...-.
ويري البعض أن هذه الروايات أقرب إلى الواقع من تلك التي تتحدث عن الخروج من مكة المكرمة، لأن أكثر الموالين لأهل البيت متواجدون في العراق وفي مشرق الحجاز والعراق وأكثرهم شوقاً وانتظاراً لخروجه المبارك بخلاف مكة المكرمة فأكثر المتواجدين فيها من المخالفين لمذهب أهل البيت (عليه السلام). وبما أن الإمام المهدي (عليه السلام) هو من الذرية الطاهرة من سلالة الرسول الأكرم فهو بلا شك أكثر ارتباطاً ومحبة لشيعتهم الأبرار.
وهذا لا يعني أن كل المنتمين لمذهب أهل البيت والذين يدّعون التشيَّع، بينما أعمال البعض منهم مخالفة للإسلام، وللرسول ولأهل البيت الأطهار يؤمنون بالإمام المهدي، بل قسم منهم يخالفون الإمام ويحاربونه ويتهمونه بالكذب، والافتراء وينفون عنه الإمامة والمهدوية، رغم ما يقدم الإمام لهم من المعاجز والآيات والبينات ولذا فالإمام يجرد سيفه ويقاتلهم ويقتل منهم عدداً كبيراً حسبما جاء في بعض الروايات.
ولكن على الرغم من هذه المخالفة والمحاربة من بعض المدعين للولاء إلا أن الذين تمسكوا بأهل البيت حقا وآمنوا بإمامتهم قولاً وفعلاً هم من الأوائل الذين يستجيبون

(٢٦٧)

لنداء الإمام المهدي (عليه السلام) ويسلمون الأمر إليه ويستجيبون لندائه وبالأخص من الشعب العراقي.
والمعروف لدي الجميع أن ولادة الإمام في أرض العراق فهو عراقي المولد والمنشأ وإن كان حجازي الأصل.. بل قد يكون عراقي اللهجة أيضاً وهذا بحد ذاته بشارة عظيمة لأهل العراق الذين عانوا أشد أنواع الاضطهاد والظلم من طواغيت عصرهم، لم يشهد بمثله شعب آخر في القرن العشرين، ولذا فإن الله (عز وجل) يسعفهم بأعظم شخصية ربانية على وجه الأرض ليحقق العدالة والمساواة على أرجاء المعمورة. وليس ببعيد أن يكون الشعب العراقي الذي عاني من التشريد، والغربة، في أنحاء العالم يكونون دعاة للإمام المهدي وفي يوم ظهوره يكونون سفرائه في مختلف الأقطار والبلدان. وليس قولنا هذا حصرُ للقضية المهدوية في خانة العراق، بقدر ما هو بيان عن حمل قسم من الشعب العراقي راية الإمام الحجة (عليه السلام) ومعرفة قدرهم، وهي مع ذلك مسؤولية عظيمة ملقات على عاتق جميع الشعوب الإسلامية المؤمنة بالإمام المهدي وبالأخص الشعب الإيراني المسلم والشعوب العربية والآسوية حيث جاء في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): - ليخرجن رجلٌ من ولدي، عند اقتراب الساعة، حتى تموت قلوب المؤمنين كما تموت الأبدان، لما لحقهم من الضر والشدِّة في الجُوع والقتل، وتواتُر الفتن والملاحم العظام، وإمَاتَةِ السُّنن، وإحياء البِدع، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيحيي الله (ب) المهدي السُّنن التي قدم أميتت، ويسر بعدله وبركته قلوب المؤمنين، وتتألف إليه عصب من العجم وقبائل من العرب...-.
كما أن هذا ليس بمعني أن جميع أفراد الشعب العراقي ينظوون تحت راية الإمام المهدي (عليه السلام) بل في داخل العراق فئات وجماعات حقودة وظالمة تخرج على الإمام

(٢٦٨)

وتحاربه تلبس مسوح الإيمان والتدين وتحارب الدين والإسلام الأصيل وهم الخوارج في آخر الزمان فقد جاء في الحديث الشريف عن أبي عبد الله (عليه السلام): - يا ابن أبي يعفور هل قرأت القُرآن؟ قال: قلت: نعم، هذه القراءة. قال: عنها سألتك ليس عن غيرها. قال: فقلت: نعم جعلت فداك، ولم؟ قال: لأن موسى (عليه السلام) حدث قومه بحديث لم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بمصر، فقاتلوه، فقاتلهم، فقتلهم؛ ولأن عيسى (عليه السلام) حدّث قومه بحديث فلم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بتكريت فقاتلوه، فقاتلهم، فقتلهم؛ وهو قول الله (عز وجل): (فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (الصف، 14)، وإن أول قائم يقوم منا أهل البيت يحدثكم بحديثٍ لا تحتملونه فتخرجون عليه برميلة الدسكرة فتقاتلونه، فيقاتلكم وهي آخر خارجة تكون-.
وروي المفيد في الإرشاد عن أبي الجارود عن الإمام الباقر (عليه السلام)، في حديث طويل: -... إذا قام القائم (عليه السلام) سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يدعون بالبترية (بالتبرئة) عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث أتيت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم ويدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب ويهدم قصورها ويقتل مقاتلها حتى يرضي الله (عز وجل)-.
وروي هذا الحديث في أصول الكافي بصيغة أخري، حيث جاء فيه: -... حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة فيخرج بها بضعة عشر ألفاً يدّعون التَّبرئة منه ويقولون: ارجع من حيث أتيت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم فيقتل كل مرتاب ويقتل مقاتليه، ثم ينزل النجف-.

(٢٦٩)

وهذا ليس مستغرباً، بل إن الروايات تشير إلى أن المخالفين للحجة (عليه السلام) يتأولون عليه القرآن ويحتجون به عليه.
وبالرغم من وجود الخوارج المعاندين للإمام المهدي (عليه السلام) في أرض الرافدين إلا أن الأكثرية الساحقة تنظوي تحت حكومته العادلة وتقاتل معه عساكر الكفر.
وقضية الإمام ليست قضية قومية أو قطرية أو طائفية، بل القضية أساساً إسلامية وعالمية فالذين يلتحقون بالإمام المهدي (عليه السلام) من أبدال الشام ونجباء مصر (وهم اليوم من أهل السنة) وأخيار العراق وعصائب الشرق (إيران وحواليها وهم اليوم من الشيعة) ومن ثم يذعن للإمام أهل المغرب والنصارى، وأهل المشرق - الصين والروس ومن لف حولهما- حتى ينتشر الإسلام الأصيل على جميع أرجاء الكرة الأرضية فلا تري قرية من قري العالم إلا وهناك مأذنة تكبر لله وتشهد الشهادتين.
وهذا لا يتحقق إلا بعد تطهير الأرض من براثن الكفر والإلحاد وبعد معارك دامية مع رؤوس الضلالة والشرك تستمر أكثر من ثمانية أشهر متواصلة، بيد أن هذه المدة ليست طويلة قياساً بتلك المعارك التي وقعت بين الدول والتي استغرقت أعواماً كثيرة تجاوز بعضها عشرين سنة ولم تحقق أي من أهداف المهاجمين هذا بالنسبة لاحتلال بلد معين فكيف بالسيطرة على أرجاء المعمورة كلها بهذه المدة القليلة - ثمان أشهر- تتم السيطرة على جميع الدول العربية ومن ثم بسنين معدودة يمتد سيطرة الإسلام وحكومته إلى أرجاء العالم كله.
أليست هذه بحد ذاتها معجزة إلهية وهداية ربانية، لم يكن بالإمكان تحقيقها إلا بمعونة غيبية وبإمداد سماوي من الملائكة المسومين؟
أجل لم يكن بالإمكان تحقيق مثل هذا الانتصار إلا بتدخل سماوي غيبي مباشر حيناً وغير مباشر حيناً آخر إلا أنه يبقي الافتخار لمن ينال قصب السبق في الإيمان بالإمام المهدي (عليه السلام) قبل الآخرين وحمل السيف والقيام بالجهاد والتضحية والفداء

(٢٧٠)

وهل يستوي الذين آمنوا قبل الفتح والذين آمنوا بعد الفتح؟ كلا فالقرآن الكريم يصرح بوضوح: (لاَ يَسْتَوِي مِنْكمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِك أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَي وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (الحديد:10).
تبقي هنا نقطة مهمة، لابد من الإشارة إليها، وهي إن ما ذكر من موارد وقوع الفتن التي جاءت في الروايات، ومن خروج الرايات من مناطق مختلفة ومن انطلاق الثورة المباركة من مكة أو المشرق أو من الكوفة تبقي كلها تحت المشيئة الإلهية. فما شاء الباري سبحانه منه كان وما لم يشأ منه لم يكن، يفعل الله ما يشاء بقدرته ويحكم ما يريد بعزته. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها، فلله (عز وجل) المشيئة والبداء، ذلك ما تحدث عنه أهل البيت (عليه السلام):
1- عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: - إن لله (عز وجل) علمين؛ علماً مخزوناً مكنوناً لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء، وعلماً علمه ملائكته ورسله، فالعلماء من أهل بيت نبينا يعلمونه...-
2- عن أبي جعفر (عليه السلام) يقول: - من الأمور أمور محتومة جائية لا محالة، ومن الأمور أمور موقوفة عند الله يقدم منها ما يشاء، ويمحو ما يشاء، ويثبت ما يشاء، لم يطلع على ذلك أحد - يعني الموقوفة - فأما ما جاءت به الرسل فهي كائنة لا يكذب نفسه، ولا نبيه، ولا ملائكته-.
3- وكما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في إحدي خطبه التي أوردها الكليني في الكافي: -... وليس لأحد على الله عز ذكره الخيرة بل لله الخيرة والأمر جميعاً...-.

(٢٧١)

4- وكما ورد عنه أيضاً (عليه السلام) في حديثه مع الأصبغ بن نباته عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) الشريف: -... ثم يفعل الله ما يشاء فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات-.
5- ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): -... فإذا حدثناكم الحديث فجاء على ما حدثناكم (به) فقولوا صدق الله وإذا حدثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به فقولوا صدق الله تؤجروا مرتين-.
ومعني هذا أنهم (عليهما السلام) لا يخبرون ويحدثون كذباً، حاشاهم بل يخبرون عن الله صدقاً، فإذا كان هناك تغيير فيما يقع أو تقديم أو تأخير، أو رفع وعدم وقوع لما أخبروا به، فإن ذلك يعود إلى المشيئة الربانية حيث (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكتَابِ) (الرعد:39)، وكما جاء في الأحاديث الشريفة فإنه لم يعبد الله ولم يعظم بشيء مثل البداء.
من هنا، فلا يحق لأحد أن يحتّم في على القضايا المتعلقة بالإمام بشكل نهائي، ويقول: إن القضية الفلانية تقع هكذا وفي المنطقة الكذائية. وإن كانت فيها أحاديث وروايات وحتى الحتميات فهي معلقة بالإرادة والمشيئة الإلهية، ما عدي أصل القضية وهي خروج الإمام (عليه السلام) فإن خروجه وعد الهي لرسوله الأكرم بتحقيق ذلك من دون أدني شك والله لا يخلف الميعاد. هكذا جاءتنا الأحاديث المؤكدة لهذه الحقيقة الحتمية والوعد الإلهي المبرم.
فقد ورد في أحاديث شريفة عن الأئمة الأطهار أنه قد يلحق البداء من الله سبحانه بالأخبار الغيبية حتى ببعض الحوادث والقضايا الحتمية المتعلقة بقضية الإمام المهدي (عليه السلام)، تماماً كما جاء في هذه الرواية التي أوردها النعماني عن داود بن القاسم

(٢٧٢)

الجعفري قال: كنّا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) فجري ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) هل يبدو لله في المحتوم؟ قال: نعم. قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم؟! فقال: إن القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد-.
وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) عندما سُئل عن قوله تعالى (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكتَابِ)، قال: - وهل يمحو إلاّ ما كان ثابتاً وهل يثبت إلاّ ما لم يكن-.
ولكن السؤال لماذا إذن ذكرت الأخبار هذه الوقائع التي ربما تحدث قبل وأثناء ظهور الإمام وثورته المباركة؟
في الحقيقة إن هذه الأمور والأحداث قد تقع بشكل كلي إجمالي لا بشكل تفصيلي دقيق وحتمي بل يمكن أن تتدخل المشيئة الإلهية لتغيير بعض الأحداث والوقائع وتقديم وتأخير الوقائع ومجريات الأمور أو إثبات أو محو ما يشاء منها سبحانه لأنه (عز وجل) يحكم ما يشاء بقدرته ويفعل ما يريد بعزته، فالمشيئة الإلهية هي الحاكمة على الأمور وليس العكس.
ونحن بانتظار نهضة الإمام لكي يتم والتغيير على يد رجل عظيم طالما انتظرته الأجيال المؤمنة بفارغ الصبر، فمتي يكون خروجه؟ وكيف يكون قيامه؟ ذلك كله راجع لحكمة الله ومشيئته وقد يكون الأمر أقرب مما نتصوره أليس كذلك؟. وما ذلك على الله بعزيز.

(٢٧٣)

كيف ينتصر الإمام؟
هل ينتصر الإمام على الأعداء بمجرد إعلان ثورته المباركة؟
وهل الناس يتسابقون إلى طاعته لحظة سماعهم بقيامه؟
وهل العالم يخضع لحكومته حينما يعلم بمجيء المصلح العالمي؟..
من السذاجة جداً أن نعتقد أن الإمام المهدي (عليه السلام) حينما يظهر تلبي الأمم دعوته وتتسابق إلى طاعته، ومن البساطة في التفكير أن نؤمن أن الإمام الحجة (عليه السلام) ينتصر في أول مواجهة عسكرية على الأعداء دون أن يقدم التضحيات والشهداء. فكما حدث للنبي الأعظم انتصارات وانتكاسات في حروبه ومعاركه كذلك يحدث للإمام (عليه السلام).
فالإمام المهدي (عليه السلام) ليس بأعظم مكانة عند الله من الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) بل الإمام الحجة (عليه السلام) يتحرك أولاً ضمن القوانين والموازين الربانية والسنن الكونية وثانياً إن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه لم يأتِ إلى العالم ليلغي الامتحان الإلهي للناس ويحكمها بقوة الاجبار والاكراه بشكل دائم، بل الإمام إنما يقوم بإذن الله ليؤدي دوره ضمن السنن الإلهية للكون في إصلاح العالم وفق قوانين الاختيار البشري في انتخاب الدين الإلهي أو رفضه فهو مطيع لأمر الله (عز وجل) وقد قال تعالي: (لا

(٢٧٥)

إِكرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَك بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256).
أجل إن الإمام لا يرضي ببقاء الأديان في قبال الإسلام بل يجعل الدين الإسلامي هو الدين العالمي لجميع الناس كما تقوله الآية الكريمة (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85). (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كلِّهِ وَلَوْ كرِهَ الْمُشْرِكونَ) (التوبة:33).
ولكن تعلقت إرادة الله تعالى في أمر الإمام المهدي أن الله ينصره على الأعداء في نهاية المطاف ويعطيه القوي الغيبية، والإذن في استخدامها ضد الأعداء الظالمين ويمدّه بالملائكة ويدعمه بنجباء الجن في تخويف الأعداء حيث ينصره الله تعالى بالرعب والملائكة والجن المؤمنين وأصحابه المخلصين، كما جاء في العديد من الأحاديث عن أهل البيت (عليهما السلام)، منها على سبيل المثال:
1- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... وإنه ينصر بالسيف والرعب وانه لا ترد له راية-.
2- وجاء في حديث المفضل بن عمر مع الإمام الصادق (عليه السلام) حول الإمام الحجة (عجل الله فرجه): -... يا سيدي وتظهر الملائكة والجن للناس؟ قال أي والله ما مفضل يخاطبونهم كما يكون الرجل مع حاشيته... يا مفضل ولينزلن أرض الهجرة ما بين الكوفة والنجف وعدد أصحابه حينئذ ستة وأربعون ألفاً من الملائكة وستة آلاف من الجن وفي رواية أخري: ومثلها من الجن بهم ينصره الله ويفتح على يديه.. قال المفضل: يا سيدي يقيم بمكة؟ قال لا يا مفضل بل يستخلف منها رجلاً من أهله فإذا سار منها وثبوا عليه فيقتلونه فيرجع إليهم فيبايعونه مهطعين مقنعي رؤوسهم يبكون ويتضرعون، ويقولون: يا مهدي آل محمد التوبة التوبة فيعظهم

(٢٧٦)

وينذرهم ويحذرهم ويستخلف عليهم منهم خليفة ويسير فيثبون عليه بعده فيقتلونه، فيرد إليهم أنصاره من الجن والنقباء ويقول لهم: ارجعوا فلا تبقوا منهم بشراً إلاّ من آمن...- وفي مقطع آخر يقول الإمام الصادق (عليه السلام) للمفضل: -... ثم يسير المهدي (عليه السلام) إلى الكوفة وينزل ما بين الكوفة والنجف وعنده أصحابه في ذلك اليوم ستة وأربعون ألفاً من الملائكة وستة آلاف من الجن، والنقباء ثلاثمائة وثلاثة عشر نفساً-.
3- ومما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) - كأني بالقائم (عليه السلام) على نجف الكوفة وقد سار إليها من مكة بخمسة آلاف من الملائكة: جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله والمؤمنون بين يديه وهو يفرق الجنود في البلاد-.
4- وعن مبايعته (عجل الله فرجه) الشريف روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: -... فيكون أول من يقبل يده جبرئيل (عليه السلام)، ثم يبايعه وتبايعه الملائكة ونجباء الجن ثم النقباء-.
وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: -.. أول من يبايعه جبرئيل ثم الثلاث مائة والثلاثة عشر..-
5- وعنه (عليه السلام): - القائم منا منصور بالرعب مؤيد بالنصر..-.
6- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - لو قد خرج قائم آل محمد (عليهما السلام) لنصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين يكون جبرائيل أمامه وميكائيل عن يمينه

(٢٧٧)

وإسرافيل عن يساره والرعب مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله والملائكة المقربون حذاه...-.
7- ومما روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) في بحار الأنوار، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في أحد أحاديث المعراج، عن الله سبحانه وتعالي: -... ولأطهرن الأرض بآخِرِهم من أعدائي ولأملكنه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح ولأذللن له السحاب الصعاب، ولأرقينه في الأسباب ولأنصرنه بجندي ولأمدّنّه بملائكتي حتى يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي ثم لأديمن ملكه ولأداولنّ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة-.
بيد أن هذا لا يعني أن الإمام عجل الله تعالى فرجه لا يحارب، ولا يعني هذا أن جيش الإمام ينتصر من دون تضحيات، كما لا يعني أنه عجل الله تعالى فرجه لا يتلقي الأذي من أحد، فحال الإمام المهدي (عليه السلام) ليس بأحسن من حال جده الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) إن لم يكن وضعه في بعض الحالات أصعب وأشد منه، فالأذى الذي يلاقيه من الأعداء والخصوم أشد مما لقي الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) كما يقول الحديث الشريف عن أهل البيت (عليهما السلام) - إن صاحب هذا الأمر لو قد ظهر لقي من الناس مثل ما لقي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأكثر-.
وكما قال الإمام الصادق (عليه السلام): - إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) من جهال الجاهلية. قلت: وكيف ذلك؟ قال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أتي الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوته، وإن قائمنا إذا قام أتي الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله، يحتج عليه به. ثم قال: أما والله ليدخُلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر-.

(٢٧٨)

ان مصائب الأنبياء السابقين تنصبّ على الإمام قبل خروجه وظهوره، كما أن التمرد عليه ولو لفترة قصيرة من المقربين له من أفراد جيشه عليه أيام خروجه كتمرّد الخوارج على الإمام علي (عليه السلام) أمر وارد في مسيرة حياته كما بينته الروايات.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): - كأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية وهم حكام الله في أرضه على خلقه، حتى يستخرج من قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب، عهد معهود من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيجفلون منه إجفال النعم البكم، فلا يبقي إلاّ الوزير وأحد عشر نقيباً، كما بقوا مع موسى بن عمران (عليه السلام) فيجولون في الأرض ولا يجدون عنه مذهبا، فيرجعون إليه، والله إني لأعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون-.
بل جاء في أحاديث كثيرة عن أهل البيت (عليهما السلام) إن الإمام يلقي الأذي والتهم من قبل بعض علماء السوء إلى درجة أنه لولا مشاهدتهم لقدراته وقوته لأفتوا بقتله (فلولا السيف بيده لأفتي اولئك الفقهاء بقتله) ومن هذه الروايات يبدو بوضوح مقدار ما يلاقيه القائم عجل الله تعالى فرجه من المعاناة والعداء والأذي من قبل علماء السوء وذوي الشأن والمصالح في المجتمع، وبالتالي من قبل الناس الذين هم تبع لأولئك الأسياد والمتنفذين في حياة الأمة، بل وحتى من قبل بعض مؤيديه عجل الله تعالى فرجه وذلك راجع كما يبدو لشدة ترسخ الأفكار والمفاهيم الباطلة في نفوسهم وعقولهم، والتي يحسبون أنها هي الحق والصواب، خاصة إذا كانت صادرة ممن يعتبرهم الناس حراس الشريعة وحماة الدين ومع شديد الأسف يقف الكثير منهم ضده عند إعلان ثورته ودعوته للإصلاح.
فالإمام (عليه السلام) يدعو إلى الدين الإسلامي الحقيقي الأصيل، ويزيل عنه التزييف والتضليل الذي جرى عليه طيلة القرون المتمادية وهو بذلك يضرب مصالح الكثيرين من المخادعين، والمتكبرين الذين أخذتهم العزة بالإثم، كما سيقوم بإجراءات ويحكم

(٢٧٩)

بأحكام، تخالف ما أَلِفوه من أحكام ومعتقدات إلى درجة يخرجون عليه بالسيف كما يقول الإمام الباقر (عليه السلام): - فبينا صاحب هذا الأمر قد حكم ببعض الأحكام وتكلم ببعض السنن، إذ خرجت خارجة من المسجد يريدون الخروج عليه... وهي آخر خارجة تخرج على قائم آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) -.
وقال الإمام الباقر أيضاً (عليه السلام): -... وإنه أول قائم يقوم منّا أهل البيت يحدثكم بحديث لا تحتملونه فتخرجون عليه برميلة الدسكرة فتقاتلونه فيقاتلكم، فيقتلكم، وهي أخر خارجه تكون-.
وجاء في بيان الأئمة ج3 ص99،.. - إذا خرج الإمام المهدي فليس له عدو مبين إلاّ الفقهاء خاصة، ولولا السيف بيده لأفتي الفقهاء بقتله-، وجاء في (يوم الخلاص ص279): - أعداءه الفقهاء المقلَّدون يدخلون تحت حكمه خوفاً من سيفه وسطوته ورغبة فيما لديه-.
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): - إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمرٍ جديد كما دعا إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء-.
وعن الإمام الباقر أيضاً (عليه السلام) قال: - يصنع كما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، يهدم ما كان قبله، كما هدم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام جديداً-.
وعنه أيضاً (عليه السلام) قال: -.. ثم يحدث حدثاً (أي يقوم بتغيير أو يأمر بأمر ما)، فإذا فعل ذلك قالت قريش: أخرجوا بنا إلى هذه الطاغية، فو الله لو كان محمدياً ما فعل، ولو كان علوياً ما فعل ولو كان فاطمياً ما فعل، فيمنحه الله أكتافهم، فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة فيبلغه أنهم قد قتلوا عاملة فيرجع إليهم

(٢٨٠)

فيقتلهم مقتلة ليس قتل الحرّة إليها بشيء ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه والولاية لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) والبراءة من عدوه، حتى إذا بلغ الثعلبية قام إليه رجل من صلب أبيه وهو أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ما خلا صاحب هذا الأمر، فيقول: يا هذا ما تصنع؟ فو الله إنك لتجفل الناس إجفال النعم، أفبعهدٍ من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أم بماذا؟..-.
وعن الباقر (عليه السلام) أيضاً، قال: -.. وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه-.

(٢٨١)

كيف إذا ينتصر الإمام؟
لاشك إن كل هذه الحوادث تقع إبان نهضته المباركة، بل الإمام حينما يخرج مع مجموعة قليلة من أنصاره يواجه أعداء كثيرون من المسلمين والكفار فأهل المشرق والمغرب تلعن رايته المباركة والروايات تذكر هذه الحقيقة بمرارة فعن أبان بن تغلب قال سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد يقول: إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل المشرق والمغرب، أتدري لم ذاك؟ قلت: لا. قال: للذي يلقي الناس من أهل بيته قبل خروجه.
يبدو أن خروج الإمام يكون مع هذه القلة من الأنصار الذين لا يتجاوز أعدادهم في بداية نهضته خمسة عشر ألف شخص، وهذا العدد يعتبر في العصر الراهن عدداً ضئيلاً في حساب الجيوش ومع ذلك يخوض الإمام معارك ضارية ضد الأعداء في جولات عديدة وأماكن مختلفة من بدء حركته من الشرق إلى أن يصل إلى النجف الأشرف وحينما يسيطر على هذه المنطقة يعلن للعالم رسالته الكونية التي جاء لأجلها ويراه أهل الشرق والغرب في آن واحد، لا يُدري أيكون ذلك عبر الأثير وأجهزة التلفاز أم عبر وسائل أخري. غير إن الإمام يبقي أمامه طريق طويل لتنفيذ رسالته فالأعداء يتربصون به من كل حدب وصوب حيث يواجه هجمات شرسة من قبل

(٢٨٣)

جنود الكفر والشرك ولابد من إرسال كتائب من جنوده وأنصاره لمواجهتم وقمع الظالمين والقضاء على المجرمين حيث يحتدم الصراع المرير بينه وبين قوي الكفر في أرض الشام فينتصر بإذن الله ويرسل جنوده إلى أرض الجزيرة العربية لفتحها وتخليص المؤمنين من براثن الطغمة الحاكمة فيكون النصر حليف الإمام بما أمده الله بملائكة مسومين وجنود من الأجنة الصالحين وبأبطال من المؤمنين المجاهدين.
وفي هذا الصدد تجتمع قوي الظلم والشرك لتشكيل قوة متحدَّة ضد الإمام
المهدي (عليه السلام) وتكون أعدادها كبيرة جداً تذكرنا بقوي الأحزاب التي اجتمعت ضد الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وليس ببعيد من أن يكونوا من أبناء أولئك الكفرة من بني أمية وأبي سفيان ليقفو أمام ابن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) كما وقف آباؤهم ضد النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولكن الله ينصره كما نصر رسوله في يوم الأحزاب بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وبإرساله ريح صرصرٍ عاتية فرقت كلمتهم ومزقت جمعهم فانهزموا وولوا الدبر.
كذلك ينصر الله أيضاً الإمام المهدي (عليه السلام) بالروح الأمين جبرائيل (عليه السلام) فيهلك الجيش الجرار بخسف البيداء ويكون ذلك أكبر انتصار للإمام المهدي (عليه السلام) وتنفتح أمامه أرض الجزيرة العربية كلها بعد معارك متواصلة تستمر ثمانية أشهر إلاّ أن معسكر الشرك يبقي موجوداً على أرض الشام ويحاول جمع الجنود من مختلف أنحاء دول الغرب وبأعداد كبيرة جداً في محاولة للقيام بهجمة واحدة للقضاء النهائي على جنود الإمام الذين يتخذون أرض الغوطة بالشام مقراً لهم بعد أن يخوض جيش الإمام معارك دامية ضد قوي الشرك في تركيا ويفتحوا أرض القسطنطينية (اسطنبول) بانتصار عظيم غير أنه يكون بثمن باهظ جداً حيث يقتل في ذلك قرابة ثلث جيش الإمام إلاّ أن هذه الانتصارات المتلاحقة رغم خسائرها الفادحة تشجع قوافل الإيمان بالالتحاق بجيش الإمام الذي يبدأ إعداد نفسه لمواجهة قوي الشرك وفي هذا الوقت يكون عدد جيش الإمام كبيراً جداً حيث يستعد لخوض المعركة المصيرية بكل ما أوتي من قوة وبينما

(٢٨٤)

يكون وقوع المعركة قاب قوسين أو أدني تنزل الرحمة الإلهية بنزول النبي عيسى (عليه السلام) من السماء الرابعة إلى الأرض متكئاً على ملكين عظيمين ليقوم بدور المصالحة بين المعسكرين بهداية الغرب إلى إمامة المهدي (عليه السلام) حيث يؤدي النبي عيسى (عليه السلام) صلاة الجماعة بإمامة المهدي المنتظر (عليه السلام) في المسجد الأقصي معلناً بذلك اعترافه بإمامة الإمام (عليه السلام) وبهذا الموقف العظيم من نبي الله عيسى (عليه السلام) يهتز جيش الشرك وتحدث البلبلة فيهم فتضطر قيادة الجيش بعقد هدنة مع الإمام المهدي ويقوم الإمام والنبي عيسى بهداية المشركين إلى الإسلام هذا الدين الإلهي المتكامل فتستجيب الشعوب لدعوة نبيها وهداية إمامها وتعلن الإسلام طواعية ويدخلون في دين الله أفواجاً أفواجاً وتستمر هذه الحالة مدة معينة إلا أن أصحاب النفوس المريضة والقلوب الحاقدة لا يروق لهم ذلك فيعلنون تمردهم وكفرهم بقيادة الدجّال.
وهنا تبدأ مرحلة جديدة من القتال ضد الدجال ولكن هذه المرة تكون بقيادة النبي عيسى (عليه السلام) ويكون الانتصار حليف الجيش الإسلامي الذي يقوده السيد المسيح وتستمر المعارك الواحدة تلو الأخرى ضد الشرك في كل بقاع العالم حتى يحكم الإسلام ربوع الكرة الأرضية كلها ويكون الدين كله لله وترتفع المآذن في كل بقاع الأرض لتعلن الشهادتين (أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله).
ولا يبقي هناك دين غير الإسلام الذي وعد الله رسوله ليظهره على الدين كله ومن قبل وعد الأنبياء والمرسلين باستقرار حكومة الإسلام ليكون الدين كله لله (عز وجل) كما جاء في كتابه المجيد (وَلَقَدْ كتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء:105).
وهكذا ينتصر الإمام الحجة المهدي المنتظر (عليه السلام) ويحكم العالم بأمر الله (عز وجل) بعد معارك مريرة وبعد التضحيات الجسيمة ويبدأ العالم يتنفس الصعداء في أجواء العدل والحق والعلم والإيمان والأمن والرفاه بعد أن خنقه الظلم والطغيان فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما كانت ترزح تحت نير الكفر والفساد والظلم والعدوان.

(٢٨٥)

يوم الانتصار
يوم الانتصار يوم عظيم، فالناس في سرور وابتهاج فالرضي يملأ قلوب المؤمنين والفرحة تعم قلوب المستضعفين والراحة والأمن والاستقرار تشمل الجميع.
ويتحقق ما كان الأنبياء والرسل من قبل يبشرون به ويتمنونه في ذلك اليوم.
انتصار أهل الحق على أهل الباطل.
انتصار العدالة على الظلم والجور.
انتصار الإيمان على الكفر والضلال.
انتصار الضعفاء على الجبابرة والمتكبرين.
انتصار المؤمنين على الكفار والفاسقين.
فهل هناك يوم أكبر فرحة وأعظم سروراً من انتصار الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) الشريف على جحافل الشرك والكفر...
عندما ينتصر الإمام على الأعداء يلقي خطاباً هاماً يبدأ بالآية الشريفة (فَفَرَرْتُ مِنْكمْ لَمَّا خِفْتُكمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكمًا وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:21).
مما يدل على إن الغيبة التي كانت للإمام حدثت نتيجة مطاردة وظلم الظالمين له مما دفع بالإمام إلى الهجرة خوفا من القتل.. ومن مصاديقه، أن فيه سنة من موسى،

(٢٨٧)

وإنه خائف يترقب، ما أخرجه النعماني بسنده عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق (عليه السلام) إنه قال: إذا قام القائم تلا هذه الآية: (فَفَرَرْتُ مِنْكمْ لَمَّا خِفْتُكمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكمًا وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:21).
والإمام لا يخرج إلا بعد وقوع الظلم والاضطهاد على أهل البيت (عليهما السلام) وشيعتهم، مما يدفع بالإمام بالخروج على الظالمين، وحمل السيف على رقابهم، فيقتل فيهم مقتلة عظيمة، تستمر ثمانية أشهر هرجاً (مرجاً) كما جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: - يفرج الله الفتن برجل منا، يسومهم خسفاً لا يعطيهم إلا السيف، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجا، حتى يقولوا: والله، ما هذا من ولد فاطمة، لو كان من ولدها لرحمنا-.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: -.. ولكن صاحب الأمر الطريد، الشريد، الموتور بأبيه، المكني بعمه، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر-.
وبعد أخذ الانتقام من الظالمين وضرب رقاب المفسدين، وقطع رؤوس أئمة الكفر والظالمين يهوي إليه المظلومون والمستضعفون ويلتم شمل القلوب المتنافرة للتآلف في محبة أهل البيت ومودتهم حيث جاءت الأحاديث تؤكد على أن القلوب المتنافرة تصبح منسجمة ومتحدة، الأمر الذي طالما انتظرته الأجيال بكل شغف وحب، تجتمع على محبة أهل البيت. وحينها تعلو كلمة أهل الحق واليقين ويأتي المخلصون من كل أنحاء العالم لتعلم علوم القرآن وتعاليم الإسلام الأصيل وأخذه من الإمام المعصوم (عليه السلام) وأصحابه وتعليمه للآخرين في مدرسة لا تعرف للعنصرية من معني فلا تمييز ولا تفاضل بين الأسود والأبيض وبين الغني والفقير فالكل سواسية كأسنان المشط،

(٢٨٨)

ويسيطرون على البلاد ويلقي الإمام خطابه المهم، ويبدأ الناس بتثقيف أنفسهم بثقافة الإيمان والقرآن وتعليم علوم الإسلام، كما جاء في الأحاديث التالية:
1- عن أبو علي بن عقبة: - إذا قام القائم (عليه السلام) حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها ورد كل حق إلى أهله ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان. أما سمعت الله سبحانه يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (آل عمران:83). وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها (وحينما يحكم الإسلام فالجميع في رفاهية العيش وسعادة الروح وغني النفس فلا يجد الغني فقيراً ليعطي زكاة ماله إليه) ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته ولبرّه لشمول الغني جميع الناس- ثم قال: (دولتنا آخر الدول).
2- قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في قصة المهدي (عليه السلام): - كأنه من رجال بني إسرائيل، يستخرج الكنوز، ويفتح مدائن الشرك-.
3- ومن حديث أبي الحسن الربعي المالكي، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في قصة المهدي (عليه السلام): - يبايع له الناس بين الركن والمقام، يرد الله به الدين، ويفتح له فتوح، فلا يبقى على وجه الأرض إلا من يقول: لا إله إلا الله-.
4- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: تجيش الروم، فيخرجون أهل الشام من منازلهم، حتى يستغيثونكم فتغيثونهم، ولا يتخلف عنهم مؤمن، فيقتلون فيكون بينهم قتلي كثيرة، ثم يهزمونهم إلى أسطوانة إني لأعلم مكانها، فيغنمون

(٢٨٩)

غنيمة عظيمة، حتى يكيلوا الدنانير بالتراس، فبينما هم كذلك، إذ جاءهم بريد، أن الدجال قد خرج، وأنه يحوش ذراريكم.
قال: فيلقون ما في أيديهم، ثم يأتونه.
5- فقال له جبرائيل: أبشرك يا رسول الله بالقائم من ولدك لا يظهر حتى يملك الكفار الخمسة الأنهر، فعند ذلك ينصر الله أهل بيتك على أهل الضلال ولم يرفع لهم راية أبداً إلى يوم القيامة. فسجد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) شكراً لله وأخبر المسلمين وقال لهم: بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريباً كما بدأ، فسئل عن ذلك فقال: هي الخمسة الأنهر التي جعلها الله لنا أهل البيت وهي: سيحون وجيحون والفراتان والنيل مصر، إذا ملكت الكفار خمسة الأنهر ملك الإسلام شرقاً وغرباً، وذلك الوقت ينصر الله أهل بيتي على أهل الضلال، ولم يرفع لهم راية أبداً إلى يوم القيامة-.
6- عن زيد بن وهب الجهني، عن الحسن بن علي بن أبي طالب، عن أبيه صلوات الله عليهما قال: يبعث الله رجلاً في آخر الزمان، وكلب من الدهر وجهل من الناس يؤيده الله بملائكته ويعصم أنصاره وينصره بآياته؛ ويظهره على الأرض، حتى يدينوا طوعاً وكرهاً يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً برهاناً يدين له عرض البلاد وطولها لا يبقي كافر إلا آمن، ولا طالح إلا صلح، وتصطلح في ملكة السباع، وتخرج الأرض نبتها، وتنزل السماء بركتها، وتظهر له الكنوز يملك ما بين الخافقين، أربعين عاماً؛ فطوبى لمن أدرك أيامه وسمع كلامه.

(٢٩٠)

7- أخرج الطبراني مرفوعاً: يلتفت المهدي وقد نزل عيسى (عليه السلام) كأنما يقطر من شعره الماء فيقول المهدي تقدم فصلّ بالناس، فيقول عيسى: إنما أقيمت الصلاة لك، فيصلي خلف رجل من ولدي.
8- روي أن جميع ملوك الدنيا كلها أربعة: مؤمنان وكافران؛ فالمؤمنان سليمان بن داود وإسكندر - ذو القرنين-، والكافران نمرود وبختنصر، وسيملكها من هذه الأمة خامس لقوله تعالي: (لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كلِّهِ) (التوبة:33). وهو المهدي.
9- يبعث ملك بيت المقدس (يعني المهدي (عليه السلام)) جيشاً إلى الهند فيفتحها فيطأ أرض الهند ويأخذ كنوزها فيصيره ذلك الملك حلية لبيت المقدس، ويقدم عليه ذلك الجيش بملوك الهند مغلَّلين، ويفتح له ما بين المشرق والمغرب-.
10- عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: - لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطينية وجبل الديلم، ولو لم يبق إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يفتحها-.
11- عن جراح عن أرطاة قال: - أول لواء يعقده المهدي، يبعثه إلى الترك فيهزمهم ويأخذ ما معهم من السبي والأموال ثم يسير إلى الشام فيفتحها ثم يعتق كل مملوك معه، ويعطي أصحابه قيمتهم-.
12- عن محمد بن علي الكوفي قال حدثنا عبد الله بن محمد الحجال عن علي بن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: كأني بشيعة علي في أيديهم المثاني يعلمون الناس (المستأنف).

(٢٩١)

13- أبو سليمان أحمد بن هوذة قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي قال حدثنا عبد الله بن حماد الأنصاري عن صباح المزني عن الحارث بن حضيرة عن الأصبغ بن نباته قال سمعت علياً (عليه السلام) يقول: - كأني بالعجم في فساطيط في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل-.
14- علي بن أحمد البندنيجي عن عبيد الله بن موسى العلوي عمن رواه عن جعفر بن يحيي عن أبيه عن أبي عبد الله جعفر بن محمد أنه قال: كيف أنتم لو ضرب أصحاب القائم (عليه السلام) الفساطيط في مسجد كوفان ثم يخرج إليهم المثال المستأنف، أمر جديد على العرب شديد.
15- جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: - إذا قام قائم آل محمد (عليه السلام) ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما أنزل الله جل جلاله، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنه يخاف فيه التأويل.

(٢٩٢)

القيام بالسيف
قال الإمام الصادق (عليه السلام): - كلنا قائم بأمر الله واحد بعد واحد حتى يجيء صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمرٍ غير الذي كان-.
السؤال الذي يدور في الأذهان هل يرفع الإمام المهدي -حين خروجه- راية الصلح والسلام، أم يقوم بالسيف ليطهر الأرض من الظالمين والفاسقين، ويحقق الحق والعدل على ربوع الكرة الأرضية ويأخذ بحقوق المظلومين من الظالمين ويعطي لكل ذي حق حقه؟
وهل ينتصر الإمام المهدي (عليه السلام) بالخطب والمواعظ الإرشادية أم ينتصر بقوة الحق والحجة مقرونة بقوة الحديد والنار؟
وهل يستخدم الإمام منطق النصح والإرشاد مع المجرمين والطغاة أم لغة السيف والنار والتي طالما تكلموا بها مع شعوبهم المستضعفة طوال عهود حكمهم الغاشم؟
وأخيراً وليس أخراً هل الإمام هو داعية الصلح والسلام مع الظالمين، أم داعية الجهاد والانتقام من الطغاة والظالمين؟

(٢٩٣)

إذا كان المجرمون لا يفهمون غير لغة القوة، وإذا كان الظالمون لا يكفون عن طغيانهم إلاّ بالرعب والقتل، وإذا كان الطغاة لا يتورعون من الاعتداء على حقوق الناس إلاّ إذا رأوا السيف على رؤوسهم. وإذا كان المجرمون لا يكفون عن القيام بجرائمهم اليومية بحق ضحاياهم إلاّ إذا شاهدوا قوة الحديد والقصاص ينال منهم نيلاً عظيماً خصوصاً إذا رأوا ولي الدم واقفاً على رؤوسهم وبيده السيف حينذاك لا يتجرأ أحد بالاعتداء على حقوق الأخرين.
إذا كانت الأرض مدنسة بالفساد وبمجون الفاسقين، فهل يمكن تطهيرها بأحاديث الوعظ والإرشاد وحسب؟ وماذا يمكن أن تفعل المواعظ وخطب الإرشاد في القلوب القاسية والنفوس المجرمة؟ وماذا يمكن أن تفعل كلمات الهداية في أناس استحوذت عليها الشياطين فأنستها ذكر الله (عز وجل)؟
لو كانت المواعظ تنفع وخطب الهداية تؤثر في القلوب القاسية والعقول المتحجرة والنفوس المريضة، ما كان الله يًنزل الحديد فيه بأس شديد، وما كان الله (عز وجل) يأمر بالجهاد ويًشرع القصاص، وما كان يأمر المؤمنين بإعداد أنفسهم وجمع كل ما اوتوا من قوة ومن رباط الخيل لإلقاء الرعب في قلوب الأعداء والكافرين، وما كان الله يأمر بالقتال والجهاد وسفك دماء المجرمين وضرب أعناقهم من دون هوادة (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كلَّ بَنَانٍ) (الأنفال:12).
وإذا كانت هناك روايات تشير إلى أن الإمام المهدي (عليه السلام) يسير بسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمن والكف مع الأعداء، أو الأخذ بسيرة جده الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) في ذلك فان ذلك ربما يأتي بعد الانتصارات الساحقة التي يحققها على أعداء الله والرسول وبعد استتباب الأمور له هذا أولاً، وثانياً إن مثل هذه الروايات بالإضافة إلى كونها قليلة جداً فهي تتعارض تماماً مع عشرات الروايات التي تظافرت بل ويصل بعضها إلى حدّ التواتر، والتي تبين بوضوح سيرة الإمام المهدي (عليه السلام) وكيفية

(٢٩٤)

مواجهته للأعداء حيث يخوض معارك ضارية ضد المجرمين وينتقم منهم اشد الانتقام لأن الأعداء لا يروق لهم ثورته العارمة ضد الظلم والطغيان، وأنه وأصحابه المخلصين يخوضون معارك ضارية ضد المجرمين، ويحملون السيف على عواتقهم ثمانية أشهر ويقاتلون بلا هواد، وبلا رحمة على أعداء الله والرسول وذلك بعهد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إليهم ولا يخافون في الله لومة لائم مؤيدين بنصر الله وملائكته سبحانه، حتى تستتب لهم الأمور وتستقر أركان الدولة المهدوية الربانية في جميع أنحاء العالم، وتعلو كلمة الله، ويظهر الإسلام على الدين كله ولو كره المشركون.
فالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) سار بالكف والمن في بعض معاركه لعلمه بأن أصحابه سيُسيَطر عليهم الأعداء من بعده، ولذا أراد حفظ أصحابه من أياديهم الغاشمة لئلا يتعرضوا للانتقام، والرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) سار بالمن والكف في مواطن معينة حيث كانت بداية الدعوة والانتشار للدين الإسلامي الحنيف فكان مأموراً بتأليف القلوب وهداية القبائل في عصر الجاهلية، إلاّ أن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ليس مقيداً بهذه المخاوف كما وأنه يعلم إنما جاء لتحقيق الوعد الإلهي بظهور الإسلام على الأديان كلها وأنه المسيطر والمهيمن على الأمور كلها وهو وعد وبشارة من الله والرسول وأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين. فهو القائم بالسيف والحق والمنتقم من الظالمين وهو (عليه السلام) يعلم أن الأعداء والطغاة زائلون بعد خروجه وثورته، وأنهم لن يسيطروا ثانية على شيعته فلابد من إقامة حكم الله في أعداء الله ولا بد من الانتقام من الظالمين والمجرمين، وهذا الانتقام من الظالمين مما وعده الله أنبيائه ورسله والمظلومين عبر العصور الغابرة كما تقوله الآيات المباركة: (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ) (السجدة:22) (وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ - وَنُمَكنَ لَهُمْ فِي الاَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص: 5-6)
هذا بالإضافة إلى ما تؤكد الأحاديث والأخبار:

(٢٩٥)

1- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - لما التقي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البصرة نشر الراية، راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فزُلزلت أقدامهم، فما اصفرت الشمس حتى قالوا: آمنّا يابن أبي طالب، فعند ذلك قال: لا تقتلوا الأسري ولا تجهزوا على الجرحى، ولا تتبعوا مُوليّا، ومن ألقي سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن، ولمّا كان يوم صفّين سألوه نشر الرّاية فأبي عليهم فتحمّلوا عليه بالحسن والحسين وعمار بن ياسر رضي الله عنه، فقال للحسين: يا بني إنّ للقوم مدّة يبلغونها وإنّ هذه راية لا ينشرها بعدي إلاّ القائم صلوات الله عليه-.
وهكذا كفّ ومَنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) في حرب الجمل وكفّ ومنّ أيضاً في صفين برفضه نشر الراية المغلبة وهي راية الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأعلن أن هذه الراية لن ينشرها بعده إلاّ الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، وهي الراية التي لا يهوي بها الإمام (عجل الله فرجه) على شيء إلاّ أهلكته كما سيتبين من الأحاديث الشريفة لاحقاً. إذن فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) أعلن أن ابنه القائم (عجل الله فرجه) لن يكف عن الأعداء بل سينشر الراية الظافرة العظيمة تلك، وسيهلك ويقتل الأعداء والطواغيت الظلمة وينتصر عليهم، بل الإمام أمير المؤمنين يعلن بصراحة في رواية أخري قائلاً: - كان لي أن أقتل المولّي وأُجهز على الجريح، ولكني تركت ذلك للعاقبة من أصحابي، إن جُرحوا لم يقتلوا، والقائم له أن يقتل المولّي ويجهز على الجريح-.
وهذا التصريح يبين سبب كفّه في القضاء على الأعداء وذلك لمصلحة أصحابه في المستقبل من بعده إذا ما تسلط الظلمة عليهم، ولكن ذلك لن يتكرر مع القائم الذي

(٢٩٦)

سوف يظهر الإسلام على جميع الأديان في آخر الزمان، فلن يتسلط الظلمة على أصحابه وشيعته كما كان في العصور الغابرة.
2- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -...إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) سار في أمته بالمنّ، كان يتألَّف الناس، والقائم يسير بالقتل، بذاك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً، ويل لمن ناواه-.
3- وتصريح أخر كما نقله المجلسي في البحار عن رفيد مولي أبي هبيرة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك يابن رسول الله، يسير القائم بسيرة علي بن أبي طالب (عليه السلام) في أهل السواد؟ فقال: - لا يا رفيد؛ إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) سار في أهل السواد بما في الجفر الأبيض وأن القائم يسير في العرب بما في الجفر الأحمر. قلت: جعلت فداك وما الجفر الأحمر؟
قال الراوي: فأمرَّ الإمام إصبعه على حلقه فقال: هكذا، يعني الذبح...-.
4- عن الحسين بن هارون بياع الإنماط قال: كنت عند أبي عبد الله الحسين بن علي جالساً، فسأله المعلي بن خنيس أيسير المهدي (عليه السلام) إذا خرج بخلاف سيرة علي (عليه السلام)؟ قال (عليه السلام): - نعم، وذلك أن علياً (عليه السلام) سار باللين والكفّ لأنه علم أن شيعته سَيُظهر عليهم من بعده وأن المهدي إذا خرج سار فيهم بالبسط والسبي وذلك لأنه يعلم أن شيعته لا يُظهر عليهم من بعده أبداً-.
يتضح جلياً من هذه الأحاديث أن الإمام القائم (عليه السلام) يقاتل قتالاً شديداً لا يرحم الظالمين والطغاة بل يقضي على اولئك قضاءً كاملاً، لأن الذي سار به الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) من المنّ والكفّ، وحصراً في بعض المواقع والأحداث إنما كان من أجل تأليف القلوب. أمّا بشكل عام فأن الرسول الأكرم أيضاً قام بالسيف وسار في

(٢٩٧)

الجهاد وقتال الأعداء والكفرة والإمام المهدي (عليه السلام) يقوم أيضاً بالسيف كجده الأكرم غير أنه لا يستتيب أحداً لأن الوقت ليس وقت تأليف القلوب، فهو لا يرحم الطغاة والمجرمين بل يقاتلهم حتى يقولوا لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا. وهذا ما تتحدث عنه الروايات الكثيرة والتي منها:
5- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - لا يخرج القائم (عليه السلام) حتى يكون تكملة الحلقة... عشرة آلاف، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ثم يهز الراية ويسير بها فلا يبقي أحد في المشرق ولا في المغرب إلاّ لعنها وهي راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، نزل بها جبرئيل يوم بدر.. نشرها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر ثم لفّها ودفعها إلى علي (عليه السلام)، فلم تزل عند علي (عليه السلام) حتى إذا كان يوم البصرة نشرها أمير المؤمنين (عليه السلام) ففتح الله عليه، ثم لفّها وهي عندنا هناك لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم، فإذا هو قام نشرها فلم يبق أحد في المشرق والمغرب إلاّ لعنها، ويسير الرعب قدامها شهراً ووراءَها شهراً وعن يمينها شهراً وعن يسارها شهراً.. إنه يخرج موتوراً غضبان أسفاً لغضب الله على هذا الخلق، يكون عليه قميص رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) الذي كان عليه يوم أحد وعمامته السحاب ودرعه (درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)) السابغة، وسيفه (سيف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)) ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً...-.
إن مضامين هذا الحديث الشريف والإشارة فيه إلى أن القائم (عليه السلام) - يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر- ويقتل أعدائه من الظلمة والمعاندين تكررت على لسان أهل البيت عليهم في أكثر من حديث، ومنها على سبيل المثال:
6- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): - يُفرّج الله الفتن برجل منّا، يسومهم خسفاً، لا يعطيهم إلاّ السيف، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً حتى يقولوا: والله

(٢٩٨)

ما هذا من ولد فاطمة، لو كان من ولدها لرحمنا، يغريه الله ببني العباس وبني أمية-.
7- وفي رواية أخري عنه أيضاً (عليه السلام): -... يسومهم خسفاً ويسقيهم كأساً مصبّرة ولا يعطيهم إلاّ السيف هرجاً، فعند ذلك تتمني فجرة قريش لو أن لها مفاداة من الدنيا وما فيها ليُغفر لها، لا يكف عنهم حتى يرضي الله-.
8- عن الإمام الحسين (عليه السلام): -... صاحب الأمر الطريد الشريد الموتور بأبيه، المكنّي بعمّه، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر-.
ومع تكرر الإشارة إلى أنه (عجل الله فرجه) يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر تؤكد الأحاديث الشريفة الآتية إلى ان الإمام القائم (عليه السلام) لا تأخذه في البداية الرحمة للظلمة والأعداء، بل يقتلهم حتى يرضي الله إلى ان يلقي الله في قلبه الرحمة، وكذلك تشير هذه الأحاديث إلى أنه يسير كجدّه الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) في أعدائه بالجهاد والقتل، والخروج والقيام بالسيف، وإن يكن الرسول الأكرم قد سار بالمنّ والكفّ فإنها كانت في مواضع معينة حينما إستتبت له الأمور ولا تشكل الصورة الكلية لسيرته ودعوته التي بعمومها كانت قياماً بالسيف والقتال.
9- عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: -.. إذا قام سار بسيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلاّ أنه يبين آثار محمدٍ ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً هرجاً حتى يرضي الله. قلت: فكيف يعلم رضا الله؟ قال: يلقي الله في قلبه الرحمة-. وفي رواية أخري: - في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء... وأما من محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)

(٢٩٩)

فالسيف-. وفي رواية: -... وسنّة من محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) في السيف يظهر به-. وفي رواية: -.. وأما شبهه من محمد فالسيف-.
10 - عن مفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالي:
(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَي دُونَ الْعَذَابِ الأَكبَرِ) (السجدة:21). قال: الأدني غلاء السعر، والأكبر المهدي بالسيف.
11- وروي في إلزام الناصب عن أمير المؤمنين (عليه السلام): - ألا إنّ في قائمنا أهل البيت كفاية للمستبصرين وعبرة للمعتبرين ومحنة للمتكبرين لقوله تعالى (وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ) (إبراهيم:44). هو ظهور قائمنا المغيب، لأنه عذاب على الكافرين وشفاء ورحمة للمؤمنين-.
12- عن عبد العظيم الحسني قال: قلت لمحمد بن علي بن موسى (عليهما السلام): إني لأرجو أن تكون القائم... فقال (عليه السلام): - يا أبا القاسم، ما منّا إلاّ وهو قائم بأمر الله (عز وجل)، وهادٍ إلى دين الله، ولكن القائم الذي يطهّر الله (عز وجل) به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها عدلاً وقسطاً، هو الذي تخفي على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته وهو سميّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وكنيّه والذي تطوي له الأرض ويذل له كل صعب (و) يجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وذلك قول الله (عز وجل) (أَيْنَ مَا تَكونُوا يَأْتِ بِكمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ على كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:148). فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج

(٣٠٠)

بإذن الله (عز وجل)، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضي الله (عز وجل). فقلت له: يا سيدي وكيف يعلم أن الله (عز وجل) رضي؟ قال: يلقي في قلبه الرحمة...-.
13- وروي المجلسي في البحار عن الإمام الصادق (عليه السلام): - يقتل القائم (عليه السلام) حتى يبلغ السوق. قال: فيقول له رجل من ولد أبيه: إنك لتجفل الناس إجفال النعم، فبعهد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أو بماذا؟ وليس في الناس رجل أشد منه بأساً، فيقوم إليه رجل من الموالي فيقول له: لتسكتن أو لأضربن عنقك. فعند ذلك يخرج القائم عهداً من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) -.
14- وقد جاء في أحاديث عديدة أخري تؤكد قيام الإمام بالسيف وقتل الظالمين والمجرمين ومن يقف معهم حتى لا تكون هناك فتنة وهذا ما أكده الإمام الباقر (عليه السلام) في تأويل الآية المباركة: (وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكونَ فِتْنَةٌ وَيَكونَ الدِّينُ كلُّهُ لِلَّهِ) (الأنفال:39). فقال (عليه السلام): - لم يجيء تأويل هذه الآية بعد، إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) رَخَّصَ لهم لحاجته وحاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها لم يُقبل منهم، لكنهم يُقتلون حتى يوحَّد الله (عز وجل) وحتى لا يكون شرك-.
15- عن محمد بن الحسن عن الصفار عن عباد بن سليمان عن محمد بن سليمان عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قول الله (عز وجل): (هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) (الغاشية:1). قال: يغشاهم القائم بالسيف... إلى أن قال: قلت: (تَصْلَي نَارًا حَامِيَةً) (الغاشية:4). قال: تصلي ناراً الحرب في الدنيا على عهد القائم (عليه السلام) وفي الآخرة نار جهنم.

(٣٠١)

16- الحسين بن محمد الأشعري عن معلي بن محمد عن الوشاء عن أحمد بن عايد عن أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سُئِلَ عن القائم، فقال: - كلنا قائم بأمر الله واحد بعد واحد حتى يجيء صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان-.
فلا تهاون ولا رحمة مع الظالمين الجاحدين، بل شدة وانتقام جزاءً بما اقترفوه من الطغيان والفساد، لذا فمن أسماء القائم - (عجل الله فرجه) - المنتقم، فهو ينتقم لله ولرسوله ولأهل بيته الطاهرين وللمستضعفين في الأرض، كما وهو المنتقم بشكل خاص لجدّه الإمام الحسين الشهيد المظلوم (عليه السلام).
17- عن الإمام الصادق (عليه السلام): -... ما لِمَنْ خالفنا في دولتنا من نصيب، إن الله قد أحلّ لنا دمِاءَهُم عند قيام قائمنا، فاليوم محرمٌ علينا وعليكم ذلك، فلا يغرنك أحد، إذا قام قائمنا انتقم لله ولرسوله ولنا أجمعين-.
18- عن الإمام الحسين (عليه السلام): - يُظهر الله قائمنا فينتقم من الظالمين...-.
19- روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): - إذا تمني أحدكم القائم فليتمنه في عافية فإن الله بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) رحمة ويبعث القائم نقمة-.
وقد جاء هذا المعني أيضاً في الأحاديث القدسية، وأن الله ادّخر الإمام المهدي (عليه السلام) للانتقام من أعدائه سبحانه وتطهير الأرض منهم.
20- عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث أخذ الله تعالى الميثاق من الأنبياء للمهدي (عجل الله فرجه): -... ألا أني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من

(٣٠٢)

بعده ولاة أمري وخزان علمي، وأن المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي...).
21- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... لمّا قُتل جدّي الحسين (عليه السلام) ضجت عليه الملائكة إلى الله تعالى بالبكاء والنحيب... فأوحي الله (عز وجل) إليهم: قِرّوا ملائكتي فو عزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين. ثم كشف الله (عز وجل) عن الأئمة من ولد الحسين (عليه السلام) للملائكة، فسُرّت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلي فقال الله (عز وجل): بذلك القائم أنتقم منهم-.
22- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن الله سبحانه: -... وبالقائم منكم أعمِّر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي، وبه أُطهّر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي وبه اجعل كلمة الذين كفروا بي السفلي وكلمتي العليا...-.
23- روي عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) في أحد أحاديث المعراج، عن الله سبحانه وتعالي: -.. ولأطهرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي ولأُمكننه مشارق الأرض ومغاربها ولأسخرن له الرياح ولأذللن له السحاب الصعاب ولأرقينه في الاسباب فلأنصرنه بجندي ولأمدنّه بملائكتي...-.
24- عن الإمام الصادق (عليه السلام)، في قوله تعالى (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) (الطارق:17) قال: - وأملهم رويداً لوقت بعث القائم (عليه السلام) فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش وبني أميّة وسائر الناس-.

(٣٠٣)

ولو أردنا أن ندلل أكثر على أن الإمام المهدي (عليه السلام) يقوم بالسيف، ويقتل أعداء الله ورسوله ويسوم الظالمين بالعذاب والذل، فإن هناك العشرات من الأدلة المتواترة على ذلك، منها إن الرعب يسير مع الإمام ورايته وجيشه، وأنه (عليه السلام) مؤيد بالنصر، منصور بالرعب وبالملائكة والجن وشيعته المخلصين.
25- روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... وأنّه ينصر بالسيف والرعب، وأنه لا ترد له راية...-.
26- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... لو قد خرج قائم آل محمد (عليهما السلام) لنصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين. يكون جبرئيل أمامه وميكائيل عن يمينه وإسرافيل عن يساره، والرعب يسير مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله... يقوم بأمر جديد وسنّة جديدة وقضاء جديد على العرب شديد، ليس شأنه إلاّ القتل ولا يستتيب أحداً ولا تأخذه في الله لومة لائم-.
27- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): -... ويؤيده الله بالملائكة والجنّ وشيعتنا المخلصين...-.
28- عن الإمام السجاد (عليه السلام): -... كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله وإسرافيل أمامه، معه راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد نشرها، لا يهوي بها إلى قوم إلا ّأهلكهم الله (عز وجل)-.

(٣٠٤)

29- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... وأما شبهه من جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله وأعداء رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، والجبّارين والطواغيت وأنّه يُنصر بالسيف والرعب، وأنّه لا تُردّ له راية-.
30- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... حتى تقوم عصابة شهدوا بدراً مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، لا يواري قتيلهم ولا يُرفع صريعهم ولا يداوي جريحهم، قلت: من هم؟ قال: الملائكة-.
31- وعنه أيضاً (عليه السلام): - إن الملائكة الذين نصروا محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد ولا يصعدون حتى ينصروا صاحب هذا الأمر وهم خمسة آلاف-.
32- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - إنّ القائم منّا منصور بالرعب مؤيد بالنصر...-.
إذن لن تكون المهمة للإمام سهلة ولا الطريق له مفروشاً بالورود كما يتصور البعض، ولن يكون عنده (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هناك تهاون وصفح عن الانحرافات والمظالم... بل عدل مطلق وقوة في تطبيق الحق دون محاباة أو خشية من أحد، يستخدم السيف ضد كل معاند جاحد ظالم، لذا يتفاجأ أولئك الناس ممن ألفوا وعاشوا ومارسوا الباطل والطغيان والفتنة وأماتوا روح الكتاب والسنة وأحيوا الضلالة والبدعة... ولشدة المفاجأة يقول أولئك عن الإمام القائم (عجل الله فرجه) لو كان من آل محمد لَرَحِمَ.
33- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحبّ أكثرهم ألاّ يروه، ممّا يقتل من الناس، أما إنّه لا يبدأ إلاّ بقريش فلا يأخذ منها إلاّ

(٣٠٥)

السيف ولا يعطيها إلاّ السيف، حتى يقول كثير من الناس ليس هذا من آل محمد ولو كان من آل محمدٍ لرحم-.
34- في خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، في نهج البلاغة: -... ليس فيها منار هديً ولا علم يُري، نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة، ثم يفرّجها الله عنكم كتفريج الأديم بمن يسومهم خسفاً ويسوقهم عنفاً ويسقيهم بكأس مُصبّرة، لا يعطيهم إلاّ السيف ولا يحلسهم إلاّ الخوف فعند ذلك تودّ قريش بالدنيا وما فيها لو يرونني مقاماً واحداً ولو قدر جَزرِ جزور لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطوني-.
على ضوء ما مرَّ من الأحاديث السابقة يتبيّن أن الإمام المهدي (عليه السلام) يقوم بالسيف والانتقام لله ورسوله والمؤمنين، وإقامة العدل والحق والانتقام من الظالمين واتباعهم، وما ذلك إلاّ عهد ووعد بشر به جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وعد وعهد من الله سبحانه، فكيف للإمام (عليه السلام)، إن يتخطي ذلك ويلغيه؟!
اذ لا يمكن له (عجل الله فرجه) أن يغض الطرف ويكف عن المجرمين والطغاة وأشياعهم المفسدين.. وهو مأمور بتطهير الأرض منهم وتصفيتهم والقضاء على كل وجود لهم في الدنيا.
والاّ فأين تذهب كل هذه الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن الانتقام والثأر من الظالمين والكفرة والمفسدين وإقامة العدل وإحياء ميت الكتاب والسنّة؟ وأين يذهب دعاء الأئمة والمؤمنين المستضعفين على مرّ العصور إلى الله تعالى بالفرج ومجيء المنقذ المنتقم لدم الحسين (عليه السلام) ولدماء الأنبياء وأبناء الأنبياء، الهادم لأبنية النفاق والشرك.

(٣٠٦)

الا تقرأ في دعاء الندبة: -...أين المُعدّ لقطع دابر الظلمة أين المنتظر لإقامة الأمت والعوج أين المُرتجي لإزالة الجور والعدوان أين المُدَّخر لتجديد الفرائض والسنن أين المُتخيّر لإعادة الملّة والشريعة أين المؤمّل لإحياء الكتاب وحدوده أين محيي معالم الدين وأهله أين قاصم شوكة المعتدين أين هادم أبنية الشرك والنفاق أين مبيد أهل الفسوق والعصيان والطغيان أين حاصد فروع الغيّ والشقاق أين طامس آثار الزيغ والأهواء...، أين الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء أين الطالب بدم المقتول بكربلا...-.

فإذا قيل إن الإمام (عليه السلام) ليست مهمته الحرب والقتل والانتقام، بل مهمته تحقيق العدل والسلام وإظهار الدين، نقول أجل إن الإمام يحمل راية الحق والهدى والعدل والسلام، ولكن السلام من دون إقامة العدل والحق إقرار للظلم على المظلومين وإجحاف بحق المستضعفين، فكيف يتحقق السلام والحق دون إجراء العدالة بين الناس والانتقام من المجرمين والظالمين وأشياعهم. فليس عصر الإمام عصر هدنة وسكوت على الطغاة والمفسدين، بل هو عصر تحقيق الوعد الإلهي بالانتقام منهم أجمعين، وإرجاع الحقوق لمن سلبت منهم، ونصر المستضعفين وإنصافهم، وجعلهم أئمة وارثين في الأرض تحقيقاً للوعد الإلهي لهم بذلك، والله تعالى لا يخلف الميعاد إذ بشر بذلك فقال (عز وجل): (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص:5).
وقال تعالي: (وَلَقَدْ كتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكرِ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء:105).
وفي تفسير هذه الآية المباركة يقول المفسرون: - الكتب كلها ذكر، وأن الأرض يرثها عبادي الصالحون. قال: القائم (عليه السلام) وأصحابه-.

(٣٠٧)

وفي تفسير الآية المباركة: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا..) يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): - هم آل محمد يبعث الله مهديهم بعد جهدهم، فيعزهم ويذل عدوهم-.
ولكي يرث الصالحون والمستضعفون الأرض، ويقيموا حكم كتاب الله وسنة نبيّه، وينشروا العدل والهدي، لا يمكن لهم ذلك إلاّ بمواجهة كل رموز الضلالة والجحود، وهدم أساس الجور والباطل والفساد، ويسترجعوا الحقوق لأصحابها من غاصبيها، ولن يكون ذلك إلاّ بالانتقام من المجرمين وإنزال الجزاء العادل بحق المنحرفين الطاغين، وهل نتوقع أن يتم كل ذلك الجهد العظيم وتتحقق هذه الأهداف المقدسة من دون جهاد وقتال ومواجهة صارمة تستأصل شأفة الطغاة والجبابرة المفسدين الجاحدين؟
ونختم هذا البحث بجواب عن هذا السؤال: كيف يتعامل الإمام مع الظالمين وكيف ينتصر على الأعداء؟ وهل تستتب له الأمور سلماً؟ بما قاله الإمام الباقر (عليه السلام) لبشير النبّال عندما قال للإمام (عليه السلام): إنهم يقولون إن المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفواً ولا يهريق محجمة دم؟ فقال (عليه السلام): - كلا والذي نفسي بيده، لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، حين أدميت رباعيّته وشبحَّ في وجهه. كلا والذي نفسي بيده، حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق، ثم مسح جبهته).
وإذا كان طريق الرسول شائكاً في سبيل هداية الناس إلى الإسلام، كيف لا يكون طريق الإمام صعباً وشائكاً في سبيل استقرار حكومة الإسلام؟ فإذا كان لابد من الجهاد والتعب والنصب حتى يهتدي الناس إلى الحق كيف لا تكون سيرة الإمام القيام بالسيف حتى يرغم أنوف الظالمين والمنحرفين والظالمين بالعمل بالحق والعدل؟

(٣٠٨)

أجل فكلا الطريقين شائك وكلا المهمتين صعب وخطير ولكن لا بد من بذل أقصي الجهود وتقديم المال والنفوس لكسب رضي المعبود والوصول إلى المقصود وإن استلزم إراقة العرق والعلق-.

(٣٠٩)

السعادة في ظل العدالة الشاملة
بماذا تتحقق السعادة؟ هل تتحقق السعادة للأمة، بالثروة والمال، أم بالأمن والرفاه، أم بالعدالة والتطور والكمال؟
من الواضح إن السعادة لا تتحقق لأي فرد أو أمّة بالمال والثروة ولا بالصحة والعافية فقط، ولا حتى بالأمن والرخاء وحسب، نعم لا تتحقق السعادة عبر كل تلك المفردات وإن كانت من الجوانب والوجوه المعبرة عنها، فهذه الجوانب الجزئية تعتبر نتائج مرتبطة كلياً بتحقيق هدف أساسي يسبق كل هذه الوجوه بل لا يمكن تحقيقها بشكل عام وشامل لجميع طبقات المجتمع من دون قيام هذا الركن الأساسي الذي يحقق السعادة الحقيقية الكاملة، ألا وهو العدالة الشاملة.
فالسعادة حقيقة لا يمكن الوصول إليها إلاّ بالعدالة الشاملة الكاملة مع التطلع نحو التقدم والكمال وذلك لأن تحقيق العدالة الشاملة يوجب الأمن والاستقرار في المجتمع، وبها توزع الثروات والمقدرات بشكل متساوٍ بين الناس مما يؤدي إلى الوفرة المالية والأمن الاقتصادي والاجتماعي والغني المطلوب لجميع الطبقات، وبذلك

(٣١٣)

يتحقق جانب أساسي من وجوه السعادة وبواسطتها يتحقق الرفاه والرخاء في المجتمع.
ولكن السؤال المهم هو: ما هي العدالة؟ هل العدالة أجراء الحدود بصرامتها على المتجاوزين على الفقراء والمساكين، أم العدالة إجراء الحدود على الجميع من دون تمييز وتطبيق الأحكام والشرع على أفراد المجتمع على حد سواء، وإعطاء الحقوق للناس وفرض الواجبات من دون تمييز بين الضعيف والقوي والغني والفقير ودون تمييز طبقي أو عرقي؟...
في الحقيقة إن العدالة حقيقة تتكامل بجميع أبعادها حينما تتحقق في المجتمع على أرض الواقع بما تحمل في طياتها من معان.
وهنا نتساءل: هل تحققت هذه العدالة المتكاملة الشاملة في المجتمعات البشرية في العصر الراهن؟ وهل استطاع أحد أو فئة أو دولة أن تطبقها في أمة من الأمم؟ أن الجواب يأتيك بسرعة بالنفي قطعاً. إذن متى تتحققت هذه العدالة؟ فهل هي أمنية يتغني بها المستضعفون في الأرض دون إمكانية الحصول عليها، أم أنها ستتحقق فعلاً في المجتمعات البشرية، ولكن متى؟.
إن العدالة الشاملة لا يمكن لأحد أن يقوم بتطبيقها من دون الهداية الإلهية المباشرة، لأن تطبيقها تستلزم التجرد من الهوى والشهوات النفسية والترفع عن الروابط العائلية والعشائرية والقومية فلا تأخذه هوي المحبة على أن يحكم لصالح قرابته أو عشيرته أو جماعته إنما الحق والعدل يكونان أساس حكومته وهذا لا يكون إلا باصطفاء إلهي لشخصية ربانية حتى تتحقق العدالة الشاملة على يده، وقد وَعَدَ الله تعالى البشرية بتحقق هذه العدالة عبر أعظم شخصية ربانية مصطفاة ألا وهو الإمام المهدي (عجل الله فرجه) حيث إن هذه العدالة ستتحقق بكامل أبعادها المختلفة

(٣١٤)

في عهد حكومته المثالية التي بشر بها الله سبحانه الأنبياء والمرسلين في العصور الغابرة.
وستحقق هذه العدالة الرفاهية والخير للجميع وتريح بالهم وتوفر لهم الأمن الروحي قبل الأمن الاجتماعي، وهذه العدالة الشاملة أصلها ثابت في الشريعة الإسلامية وفروعها تظلل على رؤوس البشرية كلها دون تمييز بين الأفراد أو المجتمعات ولا تقتصر في أجرائها على القضايا الجزئية أو على نطاق محدود بل ستكون في جميع المجالات وعلى كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية...، ولجميع القوميات والطوائف وأتباع الأديان المختلفة، ولن تستثني فرداً أو جماعة وما شابه على أسس طبقية أو عرقية وغير ذلك من المسميات الجاهلية الظالمة التي تسود المجتمعات البشرية اليوم.
فالعدالة في زمن الإمام المهدي (عليه السلام) كالهواء الطلق الذي يدخل كل رئة وكالحر والبرد اللذان يدخلان كل دار، كذلك تدخل عدالة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في كل بيت فلا يستثني أحداً ولن يفلت منها أحد، هذا ما أوضحته الأحاديث الشريفة التي نسردها لاحقاً بإذن الله.
من هنا يتضح أن العدالة حقيقة متكاملة لا يمكن تجزئتها، كما لا يمكن اختصاصها أو حكرها على أمة أو طائفة دون أخري، إذ أن العدالة بالمفهوم الضيق الذي عرفه البعض لا يُوفر الأمن والرفاه والسعادة للمجتمعات البشرية وأكبر دليل على ذلك ما نشاهده في عصرنا الحاضر من الظلم والفساد بل العدالة بكامل أبعادها هي التي تتضمن المعاني الإنسانية العليا التي توصل البشرية إلى شواطئ الأمن والاستقرار والرفاهية والتقدم والكمال... وتلك هي السعادة الحقيقية التامة. ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟ في الوقت الذي لا تجد أذناً صاغية للحق ولا عقولاً متفهمة للعدل، فهل يخترع الإمام أسلوباً يغير المقاييس ويبدَّل النفوس ويصلح العقول لكي تتهيأ وتستجيب لهذه الدعوة الربانية وتستقبل هذه العدالة الشاملة؟ أجل إن الأسلوب الذي يستخدمه

(٣١٥)

الإمام في أول عملية إصلاحية هي أن يضع يده على رؤوس الناس فتكتمل عقولهم. بمعني إن هذه العدالة الفريدة لا يمكن إجرائها إذا لم تتكامل العقول البشرية لتستوعب متطلبات وموجبات هذه العدالة وضرورتها، ولعل الأحاديث الشريفة التي تشير إلى هذا الأمر تعني أنه حينما يضع الإمام (عليه السلام) يده على عقول الناس فإنها تتكامل وتستجيب لنداء الحق والعدل وتتسارع في الخيرات وتجابه الشر والمنكرات فتحيي في رفاهية من العيش والأمن والسلام والسعادة، يقول الإمام (عليه السلام) في ذلك: - إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم-.
وهذه العبارة (بوضع اليد على الرؤوس) بيان عن السيطرة والسيادة والقدرة على الهداية والإرشاد بحيث تكون كلماته وتوجيهاته (عليه السلام) لها أكبر الأثر في تغيير النفوس وترقية العقول نحو التقدم والكمال في جميع الميادين يضحي الايمان والعدالة أمنية كل إنسان وهمة كل فرد.
وفيما يلي نستعرض جانباً من الروايات المُبشرِة بجنة العدالة الربانية التي ستعم الكرة الأرضية على يد الإمام المهدي بإذن الله تعالي.
1- فقد أكد الرسول الأكرم هذه الحقيقة حينما قال: - بنا فتح الأمر وبنا يختم، وبنا استنقذ الله الناس في أول الزمان، وبنا يكون العدل في آخر الزمان-.
2- كما وشدّد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) توكيد هذه الحقيقة مقسماً بلفظ الجلالة: - والله ليدخلن عدل المهدي جوف بيوت مقاتليه كما يدخل الحرّ والقرّ- وفي رواية أخرى -... أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحرّ والقرّ-.
3- وفي تأكيد آخر قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يخرج رجل من أمتي يواطئ اسمه اسمي وخلقه خلقي فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً-.

(٣١٦)

ولكي يكون ملكه وعدله شاملاً للبشرية جمعاء يرسل الله ملائكة مسومين في دعم الإمام القائم (عجل الله فرجه) لتثبيت أركان حكومته العالمية وبث العدل والرخاء في ربوع الكرة الأرضية.
4- عن الإمام الحسن (عليه السلام): -... حتى يبعث الله رجلاً في آخر الزمان وكلب من الدهر وجهل من الناس، يؤيده الله بملائكته ويعصم أنصاره وينصره بآياته ويظهره على الأرض حتى يدينوا طوعاً وكرهاً، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها لا يبقي كافر إلاّ آمن به ولا طالح إلاّ صلح، وتصطلح في ملكه السباع وتخرج الأرض نبتها وتنزل السماء بركتها وتظهر له الكنوز...-.
5- وعن الإمام الباقر (عليه السلام) -... إذا قام قائمنا فانه يقسم بالسوية ويعدل في خلق الرحمن البرّ منهم والفاجر فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصي الله...-.
6- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - أما أن قائمنا لو قد قام لقد أخذ بني شيبة وقطع أيديهم وطاف بهم وقال: هؤلاء سراق الله...- وفي رواية أخري - القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه ومسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى أساسه ويرد البيت إلى موضعه وأقامه على أساسه وقطع أيدي بني شيبة السراق وعلقها على الكعبة-.
6- وعنه أيضاً (عليه السلام)، وقد سئل يوماً عن المساجد المظللة، أتكره الصلاة فيها؟ فقال: - نعم ولكن لا تضركم الصلاة فيها ولو قد كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك، إذا نزل القائم الكوفة أمر بهدم المساجد الأربعة (الكوفة والسهلة وصعصعة وزيد) حتى يبلغ أساسها ويصيرها عريشاً كعريش موسى وتكون المساجد كلها جمّاء ولا شُرف لها كما كان على عهد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) ويوسع الطريق الأعظم (أي

(٣١٧)

الطرقات العامة) ويهدم كل مسجد على الطريق! ويكسر كل جناح (أي شرفة) ويسد كل كوّة (أي نافذة) إلى الطريق (لأنها تهتك ستر بيوت الجيران).. ويهدم كل جناح وكيفٍ وميزاب إلى الطريق...-.
8- وعن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يبلغ من ردّ المهدي المظالم حتى لو كانت تحت ضرس إنسان شيء أنتزعه حتى يردّه-.
بمثل هذه الإجراءات الصارمة تجري تطبيق العدالة التي لا تتساهل ولا تتغافل عن التجاوزات والمظالم مهما صغرت، وعلى كل فرد من كان ورائها من الجهات والشخصيات حيث ستأخذه يد العدالة أخذ عزيز مقتدر وتقطع تلك الأيادي السارقة دون مبالاة بمكانتها الاجتماعية والسياسية. فالعدالة فوق الجميع وستجري بشكل كامل ومتساوٍ على الجميع وفي كل مكان. فالإمام القائم (عجل الله فرجه) يمضي قدماً في إجراء العدالة وتحقيق الأمن والسلامة لكل أفراد المجتمع، حيث لا يعطي للميول والأهواء مجالاً في حكومته بحيث يعطف الهوى على موازين الحق والهدى ويضرب بيد من حديد على كل من يقف في طريقه يريد الدفاع عن أهوائه وآرائه، حتى لو أقام أمثال هؤلاء الحرب عليه (عجل الله فرجه) فهو لا يتراجع عن واجباته وأهدافه المقدسة، بل يقوم كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): - يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي... حتى تقوم الحرب بكم على ساق، بادياً نواجذها مملؤة أخلافها حلواً رضاعها علقماً عاقبتها، ألا وفي غد-وسيأتي غد بما لا تعرفون- يأخذ الوالي من غيرها عمّالها على مساوئ أعمالها وتخرج له الأرض أفاليذ كبدها

(٣١٨)

وتلقي إليه سلماً مقاليدها فيريكم كيف عدل السيرة ويحيي ميّت الكتاب والسنّة-.
9- وسُئل الإمام الباقر (عليه السلام): عن القائم (عجل الله فرجه) إذا قام بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال: - بسيرة ما سار به رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حتى يظهر الإسلام. قال الراوي: وما كانت سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: أبطل ما كان في الجاهلية واستقبل الناس بالعدل، وكذلك القائم (عليه السلام) إذا قام يبطل ما كان في الهدنة مما كان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل-.
10- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): -... يخرج في آخر الزمان يقيم اعوجاج الحق....
ولعل من مصاديق استقبال الناس للعدل سواء في الجاهلية الأولي، أو الجاهلية الحديثة (فترة الهدنة) كما يقول الحديث، محاربة الطبقية التي ابتليت بها المجتمعات قديماً وحديثاً، فالإقطاعيون المحتكرون وحواشيهم من المتنفذين الطبقيين لن يكون لهم دور أو نفوذ عند قيام الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، بل سيقضي على الطبقيات القائمة على الظلم، مثلما فعل جده الرسول الأكرم وجده أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهما حيث حرّما ومنعا تلك الممارسات الجاهلية الظالمة وهكذا سيفعل سليلهما العظيم الإمام القائم (عجل الله فرجه).
11- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - إذا قام قائمنا اضمحلت القطائع فلا قطائع-.
وهكذا تطال العدالة جميع أوجه الحياة ودقائقها، في محاربة الظلم وتجاوزات المتكبرين والمتنفذين، ومتبعي الأهواء والآراء الباطلة، وشيوع الباطل وعدم المساواة، والطبقيات... وما إلى ذلك من أحكام وتصرفات الجاهلية الظالمة. وتتسع يد العدالة لتشمل أيضاً

(٣١٩)

القضاء والأحكام والعلوم وانتشارها الواسع في المجتمع، حتى أن الإمام القائم (عجل الله فرجه) يقضي دون الحاجة إلى بينة، أو يمين فالحقائق والخفايا ظاهرة عنده ولا يحتاج إلى شهود وأدلة خارجية، بل الأمور مكشوفة لديه من قبل الله تعالي، فيحكم بحكم داود، لما أعطي من الإذن الإلهي له لتحقيق العدالة الكاملة ليبين الله بذلك للناس أن العدالة الشاملة لا يستطيع أحد من البشر تحقيقها إلاّ بإذنه سبحانه عبر شخصية ربانية عظيمة كالإمام المهدي (عليه السلام).
بل الإمام (عجل الله فرجه) يحكم بين أهل الأديان حكم الحق والعدل كل حسب دينه وكتابه، وهذا ربما ليبين لهم الحق فيما اختلفوا فيه بعد ما جاءتهم البينات من ربهم عبر رسلهم وكتبهم، أمّا المحصلة النهائية فإن الجميع يدينون بالإسلام والإقرار بنبوة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وإمامة الأئمة الأطهار (عليهما السلام)... وتتسع دائرة العدل والعلم إلى درجة أن المرأة لتقضي بكتاب الله وهي في بيتها.
12- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... ويستخرج التوراة وسائر كتب الله (عز وجل) من غار بأنطاكية ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل وبين أهل الزبور بالزبور وبين أهل القرآن بالقرآن-.
13- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - إذا قام قائم آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) حكم بين الناس بحكم داود (عليه السلام) لا يحتاج إلى بيّنة-.
14- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... يعمل بكتاب الله، لا يري فيكم منكراً إلاّ أنكره-.
15- وعنه أيضاً (عليه السلام): -... فيوحي الله إليه فيعمل بأمر الله-.

(٣٢٠)

16- وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: - دَمَان في الإسلام حلال من الله لا يقضي فيهما أحد حتى يبعث الله قائمنا أهل البيت فإذا بعث الله (عز وجل) قائمنا أهل البيت حكم فيهما بحكم الله لا يريد عليهما بينّة؛ الزاني المحصن يرجمه ومانع الزكاة يضرب عنقه-.
17- وقال (عليه السلام): - إذا قام قائم آل محمد (عليه السلام) حكم بحكم داود لا يحتاج إلى بينّة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه ويخبر كل قوم بما استبطنوه ويعرف وليّه من عدوه بالتوسم، قال الله سبحانه: (إِنَّ فِي ذَلِك لآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ - وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) (الحجر:75-76)..
وعن دقة قضائه وغاية عدله جاء في الحديث إن الإمام القائم (عجل الله فرجه) ينادي مناديه: - أن يسلم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف-.
وذلك هو الغاية في احترام وتطبيق أوامر وأحكام الشرع، والاهتمام بشؤون وحقوق الناس، حيث يقدم من يؤدي حجة الإسلام الواجبة على من يحج استحباباً وتقرباً إلى الله تعالي.
18- وعن الإمام الباقر (عليه السلام): -... وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) -.
19- وعنه أيضاً (عليه السلام): - إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفك فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك واعمل بما فيها..-.

(٣٢١)

20- عن الإمام الحسين (عليه السلام): - يُظهر الله قائمنا فينتقم من الظالمين...-.
21- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - يهدم ما كان قبله كما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ويستأنف الإسلام جديداً-.
هذا جانب من قضائه وأحكامه وشدته على الأعداء والظالمين، أمّا نتائج سيرته وعدله، (عجل الله فرجه)، فهي الرفاهية والأمن والسعادة التي قل نظيرها في الدنيا، والبركات العظيمة التي تنزلها السماء وتظهرها الأرض للعباد في أيام حكومته المباركة، وكما أشارت الأحاديث الشريفة عن ذلك حيث (تزيد المياه في دولته وتمد الأنهار وتضاعف الأرض أكلها لا تدخر شيئاً، وتذهب الشحناء من القلوب ويذهب الشر، ويبقي الخير)، فهل هناك نعيم وراحة أكبر من هذا؟ وهل هناك جنة أبهي من جنة المحبة والوفاق؟
طبعاً لا يحدث هذا إلاّ بعد أن يقضي الإمام (عليه السلام) على كل فتنة وفساد فيؤلف بين القلوب بعد عداوة الفتنة والضلال، فهو (عجل الله فرجه) كما يقول الحديث - المهدي محبوب في الخلائق يطفئ الله به الفتن الصماء-. كيف لا وهو يؤدي الحقوق إلى أصحابها مهما دقت ومهما بلغت، وكما جاء في الأخبار - أول ما يبتدئ المهدي (عليه السلام) أن ينادي في جميع العالم: ألا من له عند أحد من شيعتنا دين فليذكره، حتى يرد الثومة والخردلة، فضلاً عن القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والأملاك فيوفيه إياه-.
وبذلك يعم الأمن والسلام وتأمن الطرق والبلدان، وبذلك تحدّثت الروايات الشريفة: - حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلاّ على نبات وعلى

(٣٢٢)

رأسها زنبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه- وتأمن به الأرض حتى أن المرأة لتحج في خمس نسوة ما معهن رجل، لا يتقين شيئاً.
ولمعرفة مدى السعادة التي ينعم بها الناس، والرخاء والنعمة، في عصر إمام العدل والحق (عجل الله فرجه)، وفي ظل حكومته الربانية العادلة، يكفي أن نلقي نظرة على جانب من أحاديث أهل البيت (عليهما السلام) التي بشرت بذلك النعيم وتلك السعادة، وفيما يلي بعض من تلك الأحاديث الشريفة:
1- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - تنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط، ترسل السماء عليهم مدراراً ولا تدع الأرض شيئاً من النبات إلاّ أخرجته، والمال كدوس، يقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني، فيقول: خذ-.
2- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يتمني في زمن المهدي، الصغير أن يكون كبيراً، والكبير أن يكون صغيراً-. وذلك لكي يلتذّ ويستفيد من كل هذا النعيم الرباني أكثر فأكثر.
3- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): - يرضي عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلاّ صبته مدراراً، ولا تدع الأرض من مائها شيئاً إلاّ أخرجته، حتى يتمني الأحياء الأموات-. بالخروج من مراقدهم ليتنعموا بما يشاهدونه من الرفاهية والسعادة.
4- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... فيملأ الأرض عدلاً كما ملأها من كان قبله جوراً، وتخرج له الأرض أفلاذ كبدها ويحثوا المال حثواً ولا يعده عدّاً...-.

(٣٢٣)

5- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): - إذا خرج المهدي ألقي الله تعالى الغني في قلوب العباد حتى يقول المهدي: من يريد المال؟ فلا يأتيه أحد إلاّ واحد يقول أنا فيقول: أحث، فيحثي، فيحمل على ظهره، حتى إذا أتي اقصي الناس قال: ألا أراني شر من ها هنا، فيرجع فيرده إليه، فيقول: خذ مالك لا حاجة لي فيه-.
6- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): - تصدقوا فإنه يوشك أن يخرج الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها-.
7- وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): - علامة المهدي أن يكون شديداً على العمال جواداً بالمال رحيماً بالمساكين-.
8- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... إذا قام قائم أهل البيت قسم بالسوية وعدل في الرعية فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصي الله... وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء الحرام وركبتم فيه ما حرّم الله (عز وجل)، فيعطي شيئاً لم يعطه أحد كان قبله ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً كما ملئت ظلماً وجوراً وشراً-.
9- وعن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - المهدي كأنما يلعق المساكين الزبد- بيان عن مدي الخير والرفاهية التي تعم البشرية وبالأخص الفقراء والمساكين.
10- عن الإمام الصادق (عليه السلام): -...سبحان الله أما تحبون أن يظهر الله تبارك وتعالى الحق والعدل في البلاد ويجمع الله الكلمة ويؤلف الله بين قلوب مختلفة ولا يعصون الله (عز وجل) في أرضه وتقام حدوده في خلقه ويرد الله الحق إلى أهله...-.

(٣٢٤)

11- عن الإمام الحسن (عليه السلام): -... يملؤ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها لا يبقي كافر إلاّ آمن به وطالح إلاّ صلح، وتصطلح في ملكه السباع وتخرج الأرض نبتها وتنزل السماء بركتها وتظهر له الكنوز...-.
ولا تقتصر النعمة والسعادة في ظل حكم الإمام المهدي (عليه السلام) على كثرة الأموال والخيرات والنعم المادية فقط، بل تشمل جميع مناحي الحياة المادية والمعنوية أيضاً، فلا رعب يبقي في القلوب، ولا الأمراض تنهش في الأبدان حيث تذهب العاهات عن المؤمنين، ويدفع الله تعالى بالمهدي (عجل الله فرجه) البلايا عن العباد والبلاد، وتكمل عقولهم ويستتب الأمن والسلام والراحة في المجتمعات لكل الخلائق وليس للبشر وحسب.
12- عن الإمام السجاد (عليه السلام): - إذا قام القائم اذهب الله عن كل مؤمن العاهة وردّ إليه قوته-.
13- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - إن الله تعالى يلقي في قلوب شيعتنا الرعب، فإذا قام قائمنا وظهر مهديّنا كان الرجل أجرأ من ليث وأمضي من سنان-.
14- وعنه أيضاً (عليه السلام): -... فله نور يري به الأشياء من بعيد كما يري من قريب ويسمع من بعيد كما يسمع من قريب وأنه يسيح في الدنيا كلها... فيدفع البلايا عن العباد والبلاد شرقاً وغرباً-.
وهكذا يعم السلام وتشمل السعادة والطمأنينة الجميع بعد كفاح شاق، وجهاد مرير وجهود مضنية يبذلها الإمام (عليه السلام) وأصحابه وأعوانه المخلصون، ويتم تثبيت أركان الحكم في ظل عدالة القيادة الربانية للإمام المهدي (عليه السلام)، وعن ذلك يقول الرسول

(٣٢٥)

الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - تأوي إليه أمته كما تأوي النحلة (إلي) يعسوبها، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول، لا يوقظ نائماً ولا يهرق دماً-.
ولا عجب في ذلك، فالإمام المهدي (عليه السلام) قائد العدالة الشاملة التي طالما انتظرتها البشرية جمعاء على مرّ العصور والأزمان، وهذا فعل الحق والعدالة في الحياة إذا ما طبقت كما أرادها الله سبحانه، والإسلام هو دين المحبة وقمة العدالة، والإمام المهدي (عليه السلام) رائد العدالة وسلطانها الرّباني وحارسها الذي لا يغفل ولا يجور.
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: - الإسلام والسلطان العادل أخوان لا يصلح وأحد منهما إلاّ بصاحبه، الإسلام أُس، والسلطان العادل حارس، وما لا أُس له فمنهدم وما لا حارس له فضايع..-
فالشريعة الإسلامية هي دستور لحفظ الأمة من الانحراف عن جادة الحق والعدل وحفظها من السقوط في مستنقع الكفر والشرك، وأهل البيت (عليهما السلام) هم أمناء الله في الأرض على رسالته، فإذا استلم السلطة المهدي من آل محمد (عجل الله فرجه) كانت النتيجة واضحة ألا وهي السعادة الشاملة لكل الناس والأمن والخيرات في الأرجاء، فهل هناك سعادة وأمن وعدالة أفضل من حكومة الحق والعدل؟

(٣٢٦)

الامام والعودة إلى الأصالة
بماذا يدعو الإمام؟
هل يدعو إلى دين الإسلام، أم إلى دين آخر؟
وما هو الأمر الجديد عند الإمام، وما هي رسالته للعالمية؟ وهل يدعو عند قيامه بدين غير دين جده المصطفي؟
لا شك أنه (عجل الله فرجه) لا يدعو إلاّ إلى الإسلام، وهو هادٍ أمين في دعوته للعمل بالقرآن والسنة النبوية وتطبيقها بشكل كامل، والله سبحانه يقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ)، وإذا كانت دعوته إلى الإسلام، فلماذا إذن جاء في بعض أحاديث أهل البيت (عليهما السلام) أن القائم (عجل الله فرجه) يدعو إلى أمر جديد، وسنّة جديدة وقضاء جديد، وكتاب جديد وسلطان جديد؟
وهذا ما تصرح به الروايات والأحاديث التي نذكر بعضاً منها كالتالي:
1- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء-.

(٣٢٧)

2- وعنه أيضاً (عليه السلام): - يهدم ما قبله كما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ويستأنف الإسلام جديداً-.
3- وعنه أيضاً (عليه السلام): -... فو الله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس بأمرٍ جديد، وكتاب جديد، وسلطان جديد من السماء...-.
4- وعنه أيضاً (عليه السلام): -... إذا خرج يقوم بأمرٍ جديد وكتاب جديد وسنّة جديدة وقضاء جديد...-.
5- وعن الإمام الصادق (عليه السلام): - إذا قام القائم (عليه السلام) دعا الناس إلى الإسلام جديداً وهداهم إلى أمر قد دُثِرَ فَضُلَّ عنه الجمهور...-.
6- وعنه أيضاً (عليه السلام): - الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ... يستأنف الداعي منّا دعاءاً جديداً كما دعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) -.
إن هذه الروايات وأمثالها، تثير سؤالاً هاماً ألا وهو: هل إن الدين الذي يدعو إليه الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ويطبقه، يختلف عن الإسلام المعروف لدينا والموجود حالياً في أيدينا؟ فإذا لم يكن يختلف عنه فإن دعوته إذاً ليست دعوة جديدة، وليست أمراً جديداً، ودعاءً جديداً، واستئنافاً جديداً، وكتاباً جديداً... كما تشير إليه الأحاديث السابقة.
مما لا شك فيه ولا ريب إن الإمام المهدي (عليه السلام) يدعو إلى الإسلام والقرآن والسنة المحمدية السامية، ولكن دعوته إلى الإسلام الحقيقي والقرآن والسنة الصحيحة، بيد

(٣٢٨)

أن هذا الأمر يثير السؤال الثاني: هل الدين المتداول عند الناس في الوقت الراهن هو نفس الدين الإسلامي الذي جاء به الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟
إن الجواب يتضح جلياً على ضوء الأحاديث السالفة عن أهل البيت (عليهما السلام) إن الدين الإسلامي المعروف عندنا قد شوهت الكثير من معالمه طوال القرون الماضية بأفكار وآراء واجتهادات العلماء وبنظريات الفلاسفة والمتكلمين والمناطقة، بل إن الدين أضحى خليطاً بالأستحسانات والظنون، وأجرى البعض الآخر القياسات فيه والمصالح المرسلة والذرائع وأدخل البعض آرائه وأفكاره و...، لدرجة اختلط معها الحابل بالنابل، والحق بالباطل والغث بالسمين، وامتزجت الأفكار والآراء بدساتير السماء، والبلية الأعظم من هذا كله حينما بدأ التلاعب بهذا الدين من قبل المنافقين المتربصين وعلماء السوء من وعاظ السلاطين وحواشيهم.. ففسروا الدين السماوي بما اقتضت مصالحهم وفق مطامعهم وأهوائهم، وشكلوا فرق التزوير والكذب والاحتيال والتأويل، لوضع الأحاديث عن لسان الرسول الأمين، وحرّفوا الكلم عن مواضعه وبدلوا الحقائق بالأباطيل والنصوص بالأقاويل، وأقاموا البدع وأماتوا الكتاب والسنّة بعطفهم الهدى على الهوى والقرآن على الرأي، فأخرجوا للناس ديناً محرفاً باسم الإسلام.
لذا، فحينما يقوم الإمام المهدي (عجل الله فرجه) فإنه يأتي بالإسلام المحمدي الأصيل الخالي من الشوائب والدخائل... يهدم ما قبله من التقاليد والممارسات ويدعو إلى أمر جديد تماماً كجده الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأنه يهدم ما كان قبله من العادات الدخيلة على الدين ويستأنف الإسلام جديداً ويكون بذلك كأنّه قد أتي بدين جديد يختلف كثيراً عما هو اليوم في أيدي الناس، ولعل الإشارات في بعض الأحاديث الشريفة تعطينا ملامح واضحة عن هذا الأمر وترفع الغموض واللبس وتبين هذه الحقيقة.
7- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): - سيأتي على أمتي زمان لا يبقي من القرآن إلاّ رسمه ولا من الإسلام إلاّ اسمه، يُسمّون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة

(٣٢٩)

وهي خراب من الهدي، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود-.
8- وعن الإمام الصادق (عليه السلام): -... ولو قد قام قائمنا وتكلم متكلمنا ثم استأنف بكم تعليم القرآن وشرائع الدين والأحكام والفرائض كما أنزله الله على محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأنكر أهل البصائر فيكم ذلك اليوم إنكاراً شديداً ثم لم تستقيموا على دين الله وطريقه إلاّ من تحت حدّ السيف فوق رقابكم..-.
9- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): - كأني أنظر إلى شعيتنا بمسجد الكوفة قد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما أُنزل. أما إن قائمنا إذا قام كسره وسوّي قبلته-.
ولعل ذلك يكون في تبيان التفسير الحقيقي لآيات القرآن وأحكامه وتعاليمه غير ما هو متداول الآن في أيدينا، خاصة وأن الأحاديث توضح إن الإمام المهدي (عليه السلام) يعطف الرأي على القرآن بخلاف ما يفعل اليوم الكثيرون من عطفهم القرآن على الرأي، كما بينه الحديث الشريف. فالإمام يقوم بعملية تصحيح للمفاهيم والأفكار بحيث لو طرحت اليوم للناس لاعتبروها أنها خاطئة وغير شرعية، لكنها في الحقيقة هي عين السنّة الصحيحة ولكن الناس لم يألفوها لأن السنّة قد أميتت وعُمل بالبدع على مدى العصور الماضية.
10- ولأن الابتعاد عن الإسلام الحقيقي، ولبسه بالآراء والأهواء إماتة للكتاب والسنة، فان جهود الإمام (عليه السلام) تنصبّ على إزالة البدعة وإحياء الكتاب والسنّة، وهو يلاقي بذلك أذىً شديداً في الجاهلية الثانية في العصر الراهن أكثر مما لاقي جده

(٣٣٠)

المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الجاهلية الأولى، حيث قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): - بعثت بين جاهليتين لأخراهما شرٌ من أولاهما-.
11- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - إن صاحب هذا الأمر لو قد ظهر لقي من الناس مثل ما لقي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأكثر-.
12- وعنه أيضاً (عليه السلام): -... إن الدنيا لا تذهب حتى يبعث الله (عز وجل) رجلاً منّا أهل البيت يعمل بكتاب الله لا يري فيكم منكراً إلاّ أنكره-.
13- عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال في سيرة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... أبطل ما كان في الجاهلية واستقبل الناس بالعدل، وكذلك القائم (عليه السلام) إذا قام يُبطل ما كان في الهدنة مما كان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل-.
14- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... يقاتل على سنتي كما قاتلت انا على الوحي-.
15- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - إن العلم بكتاب الله (عز وجل) وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلم)، لتنبت في قلب مهدينا كما ينبت الزرع على أحسن نباته...-.
16- عن أمير المؤمنين (عليه السلام): - يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي...حتي تقوم الحرب بكم على ساق بادياً نواجذها مملوءة أخلافها حلواً رضاعها علقماً عاقبتها ألا وفي غدٍ - وسيأتي غد بما لا تعرفون- يأخذ الوالي من غيرها عمالها على مساوئ أعمالها وتخرج له الأرض أفاليذ كبدها وتلقي إليه سلماً مقاليدها، فيريكم كيف السيرة

(٣٣١)

ويحيي ميت الكتاب والسنّة-. فأحكام القرآن ودساتيره وقيم القرآن ومفاهيمه التي تُركت وأضحت ميتة بين الناس وهكذا السنة النبوية التي تغيرت أو تُركت واضمحلت بين البدع والأهواء يأتي الإمام ليحييها من جديد لأن الهدى هو اتباع أمر الله لا أمر الهوى والرأي، كما قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): -... يا علي إن الهدى هو اتباع أمر الله دون الهوى والرأي، وكأنك بقوم قد تأولوا القرآن وأخذوا بالشبهات واستحلوا الخمر بالنبيذ والبَخَس بالزكاة والسحت بالهدية... هم أهل فتنة يعمهون فيها حتى يدركهم العدل. فقلت: يا رسول الله العدل منّا أم من غيرنا؟ فقال: بل منّا، بنا يفتح الله وبنا يختم الله...-.
وكذلك يبين أمير المؤمنين (عليه السلام)، أيضاً ما هي السنّة الصحيحة قائلاً: -...وأما أهل السنّة فالمتمسكون بما سنّه الله ورسوله، لا العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا-.
لذا فعندما يدعو الإمام المهدي (عجل الله فرجه) إلى كتاب الله وسنّة رسوله ويبدأ بتعليم القرآن وشرائع الدين والأحكام والفرائض كما أنزلها الله، فإنه يُواجَه بالإنكار والمعارضة الشديدة، وخاصة من علماء السوء وأتباعهم ممن يخلطون الباطل بالحق والرأي بالقرآن والهوى بالهدي، لذلك لا يروق لهم دعوة الإمام إلى الإسلام الأصيل، حيث تكون هذه الدعوة أمراً جديداً، وكتاباً جديداً، واستئنافاً جديداً للإسلام كما قال أهل البيت (عليهما السلام). وهذه الدعوة الأصيلة الناصعة تخالف في جوانب كثيرة مظاهر الإسلام الفارغة من محتواه الذي عليه الناس في الوقت الراهن الذي لا يتفق مع روح الإسلام الأصيل الذي قال عنه الرسول عليه الصلاة والسلام فيما سبق أنه لا يبقي منه إلاّ اسمه، وذلك القرآن الذي لا يبقي منه إلاّ رسمه.

(٣٣٢)

17- عن الإمام الصادق (عليه السلام): -... ولوقد قام قائمنا وتكلم متكلمنا ثم استأنف بكم تعليم القرآن وشرائع الدين والأحكام والفرائض كما أنزله الله على محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، لأنكر أهل البصائر فيكم ذلك اليوم إنكاراً شديداً، ثم لم تستقيموا على دين الله وطريقه إلاّ من تحت حدّ السيف فوق رقابكم. ان الناس بعد نبي الله (عليه السلام) رَكبَ الله به (بهم) سنّة من كان قبلكم فغيروا وبدّلوا وحرّفوا وزادوا في دين الله ونقصوا منه، فما من شيء عليه الناس اليوم إلاّ وهو منحرف عمّا نزل به الوحي من عند الله، فأجب رحمك الله من حيث تدعي إلى حيث تُدعي حتى يأتي من يستأنف بكم دين الله استينافاً...-.
وقد يكون السبب الحقيقي كما تشير الأحاديث من أن علماء السوء وأتباعهم الذين لا يروق لهم هذا الدين الإسلامي الأصيل فيعارضون الإمام (عليه السلام) أشد المعارضة فيتأوّلون عليه كتاب الله، وكأنهم أعلم من الإمام (عليه السلام) بالقرآن. فالناس (كلهم يتأول عليه كتاب الله يحتج عليه به)! وذلك لأنهم يعتبرون الإمام المهدي (عليه السلام) شخصاً لا علم له بالتأويل وتفسير القرآن، جاهلاً بما عندهم من أفكار فلسفية دخيلة وقياسات المناطقة وآراء وعقليات علمائهم الأقدمون الذين نسجوا من أفكارهم وآرائهم مفاهيم ونظريات حملّوها على القرآن الحكيم وروايات الرسول الأكرم وأهل بيته الطاهرين، وعطفوا الهدى على أهوائهم فسقطوا في حبائل هذه الأفكار وقياسات هذه المفاهيم حتى آخر لحظة من حياتهم، فلم يستطيعوا الخروج منها إلى روح الإيمان واليقين والمعرفة والتسليم، فماتوا خنقاً بنسيج أفكارهم تماماً كما تموت دودة القز بنسيج خيوطها.
وهكذا لم يتمكن هؤلاء من الخروج من قوقعة القياسات المنطقية الزائفة التي اعتبرت عقلية بزعمهم، وكسر طوق القدسية لآراء وأفكار علمائهم السالفين فأولوا

(٣٣٣)

القرآن بآرائهم وساروا بسنّة السالفين منهم بدلاً من سنّة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الأطهار، حتى أصبح الإسلام الحقيقي الأصيل غريباً ودين الله وحيداً فريداً والقرآن مهجوراً، إلى درجة أصبح بنظرهم -ومع الأسف الشديد- المفسر للقرآن والمتدبر فيه رجلاً سطحياً بينما يُعدّ باحث آراء وأفكار الأصوليين والفلاسفة عالماً نحريراً ومحققاً كبيراً في معرفة وقائع العلوم وكشف حقائق الأمور. ومن هنا أضحي الإسلام والقرآن غريباً كما وصف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذلك قائلاً: - بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء-. ولمّا سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن معني ذلك قال: - إذا قام القائم (عليه السلام) استأنف دعاءً جديداً كما دعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) -.
فالإسلام عند هؤلاء المتأولين على القائم (عجل الله فرجه)، هو الذي يحمل في طياته أفكار وعقائد الفلاسفة، أو آراء واجتهادات السلف، لذا فليس غريباً أن يهب الكثير منهم ضد الإمام المهدي (عليه السلام) عندما يأتي بدين الله الأصيل، ويدعو مجدداً للإسلام الناصع كما أُنزل على قلب جده المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم). بيد إن ما يواجه الإمام (عجل الله فرجه) من هذه الفئات المفتونة التي أحدثت البدع والضلالات وأبعدت الأمة عن روح الإيمان والإسلام أكثر وأشد مما واجه رسول الله من جهال الجاهلية الأولي بصريح كلام الإمام. هذه الرواية في منتهي الخطورة في التصريح عن الانحراف الذي حدث في دين الإسلام منذ عهد الإمام الصادق (عليه السلام) فكيف يكون حال هذا الدين منذ ذلك العهد إلى هذا اليوم وقد لعبت به الاجتهادات والآراء حتى انكفأ الإسلام كما ينكفأ الإناء؟
18- عن الإمام الصادق (عليه السلام): حيث قال: - إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد ممّا استقبله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) من جهّال الجاهلية... إن رسول الله صلي عليه

(٣٣٤)

وآله أتي النّاس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخُشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتي الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله يحتج عليه به. أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحرّ والقرّ- وفي رواية أخري: -.. وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه-.
وأمام هذه الفئات الضالة كيف يتصرف الإمام، هل يسكت ويقف متفرجاً أم يجب عليه ان يهدي الناس ويقيم الحق والعدل وإن توقف الأمر على أن يقاتلهم ويواجههم بقوة الحق والسيف؟
19- عن الإمام الباقر (عليه السلام): -... إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) سار في أمته بالمن، كان يتألف الناس والقائم يسير بالقتل، بذلك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل، ولا يستتيب أحداً، ويل لمن ناواه-.
20- عن الإمام الباقر (عليه السلام): - لو قد قام قائمنا بدأ بالذين ينتحلون حبّنا فيضرب أعناقهم-.
21- وعن الإمام الصادق (عليه السلام): - لو قام قائمنا بدأ بكذابي الشيعة فقتلهم-.
إذن سيقوم الإمام المهدي (عليه السلام) بالدعوة إلى أمر جديد ويستأنف دعاءً جديداً - مثلما تذكر الروايات الشريفة- مثلما دعا جده الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) أي أنه (عجل الله فرجه) سيدعو إلى الإسلام جديداً وكأنه يعيد الإسلام الحقيقي إلى الحياة ثانية، هذا الإسلامي الذي لم يبق لدينا منه إلاّ اسمه، ويحيي ميت الكتاب والسنّة، ويزيل الفتنة والبدعة التي حلت محلهما عبر الأجيال والعصور وهو بذلك (عليه السلام) يهدي الناس

(٣٣٥)

إلى أمر مخبوء تحت تراكمات القرون والسنين ويزيل البدع والآراء والأهواء ويبين التحريف والتضليل الذي جرى على الدين الإسلامي، فضل الناس عن تلك الجوهرة المدثورة وهي جوهرة الإسلام النقي الأصيل كما أنزل على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم).
22- عن الإمام الصادق (عليه السلام): - إذا قام القائم (عليه السلام) دعا الناس إلى الإسلام جديداً وهداهم إلى أمر قد دُثِر فضلّ عنه الجمهور، وإنما سمي القائم مهدياً لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه، وسمي القائم لقيامه بالحق-.
علي ضوء هذه الأحاديث والبيانات الصادرة عن أهل البيت يتضح واجبنا في ذلك العصر، فليس لنا إلاّ اتباع منهج الإمام (عليه السلام)، ودعوته حين قيامه ونهضته ونترك ما تعودنا عليه إذا خالفنا فيه الإمام (عليه السلام)، لأن الهدى معه والحق مع أقواله وأفعاله يدور معه حيثما دار، فهو الهادي والمرشد إلى الدين الحقيقي الذي أنزل على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فأهل البيت أدري بما في البيت وأعلم بحدود الله من غيرهم. ولابد من ضرب كل الآراء الخاطئة التي اعتبرناها إسلامية وهي ليست كذلك، لابد من ضربها عرض الحائط والتمسك بالدين الإسلامي الأصيل الذي يأتي به الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) من قبل رب العالمين.
أما التشبث بالأفكار والرؤي الخاطئة عن الإسلام في قبال دعوة الإمام الحجة (عليه السلام) فهو عين الضلال، بل هو التمادي في الجهالة والضلالة، وهو الخسران المبين في الدين والآخرة.
فهل نكون مسلمين حقاً بما أنزل على قلب النبي المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأن كانت مخالفة لمعتقداتنا أم نكون كجهلة الجاهلية الأولي حينما: (قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) (الزخرف، 22)

(٣٣٦)

لماذا قلة الأنصار؟
ما هو السبب في قلة أنصار الإمام المهدي (عليه السلام) بالرغم من كثرة من يدعي أنه من أنصار الإمام ومحبيه؟
فالمسلمون اليوم بلغوا أكثر من مليار نسمة، وهم في الأغلب يؤمنون بالمهدي الموعود. ولكن بالرغم من هذه الكثرة الهائلة فأصحاب الألوية للإمام الحجة (عليه السلام)، من الضباط وقادة الفرق والمجموعات كلهم لا يتجاوزون ثلاثمأة وثلاثة عشر فرداً وجيشه ليس أكثر من خمسة عشر ألف جندي!! طبعاً هذا في بداية خروجه للقتال ضد الطغاة.
فعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: -... فيجمع الله عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاث عشر رجلاً-.
وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: -.. فيجمع الله قوماً كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلى أحد ولا يفرحون بأحد يدخل فيهم، على عدة

(٣٣٩)

أصحاب بدر، لم يسبقهم الأولون ولم يدركهم الآخرون، وعلي عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر-.
وأما عن جيشه فيقول أمير المؤمنين (عليه السلام): -.. يخرج رجل من أهل بيتي في ثلاث رايات، المكثر يقول: خمسه عشر ألفاً، والمقل يقول: إثنا عشر ألفاً..-.
وفي رواية أخري يقول (عليه السلام): - يخرج في اثني عشر ألفاً إن قلوا، أو وخمسة عشر ألفاً إن كثروا...-.
ولكن السؤال لماذا هذه القلة في الأعوان والأنصار؟!!
هذا سؤال كبير يحيّر الألباب، أليس الإمام صاحب المعاجز والكرامات؟
أليس الإمام شخصية ربانية ادخرها واعدّها الله لليوم الموعود؟
أليس الإمام شخصية عالمية تنتظرها البشرية منذ قديم الزمان؟ أليس الجميع يدعي أنه بانتظار قدومه وخروجه ليكون من أنصاره وأعوانه؟!
هذه الأسئلة تطرح نفسها بقوه كلما شاهدنا الروايات التي تتحدث عن قلة الأنصار والأعوان إلى درجة أن يترحم المؤمنون على أنصار الإمام الحجة ويعتقد بعضهم بشكل جازم أن هذه المجموعة من الأنصار وجلهم من الشباب سينتهون في أول مواجهة مع الأعداء المدججين بالسلاح والعتاد.
يحدثنا الإمام الباقر (عليه السلام) عن ذلك فيقول: - يبعث الله قائم آل محمد في عصبة لهم (أدق) في أعين الناس من الكحل، فإذا خرجوا بكي لهم الناس، لا يرون إلاّ أنهم يختطفون، يفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربها، ألا وهم المؤمنون حقاً، ألا إن خير الجهاد في أخر الزمان-.

(٣٤٠)

ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أصحاب القائم عجل الله تعالى فرجه: - إن أصحاب القائم شباب لا كهول فيهم إلاّ كالكحل في العين أو كالملح في الزاد، وأقل الزاد الملح-.
لماذا هذه القلة وما هي الأسباب؟!
يبدو أن السبب الحقيقي يتلخص في أمرين:
الأمر الأول: إن الإمام الحجّة (عليه السلام) يأتيهم بخلاف ما كانوا يتصورون عنه ويعتقدون به حيث إن تصوراتهم لا تنطبق مع حقيقة الإمام المهدي الواقعي الذي ادخّره الله لإصلاح العالم كما جاء في أكثر من مصدر عن الإمام الصادق (عليه السلام) - وإن من أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شاباً وهم يحسبونه شيخاً كبيراً-.
وقد أكد على ذلك أيضاً الإمام الحسين (عليه السلام) حيث جاء في الباب الثالث من عقد الدرر ص41-42 قوله (عليه السلام): - لو قام المهدي لأنكره الناس، لأنه يرجع إليهم شاباً موفقاً، وإن أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شاباً وهم يظنونه شيخاً كبيراً-.
لذا فهم يواجهون الشخصية الحقيقية مخالفة لتصوراتهم السابقة فيواجهونه بمختلف التهم والافتراءات ويكذبون مقالته بأنه هو الحجة القائم (عليه السلام) تماماً كما كذب المشركون واليهود رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وافتروا عليه وأهانوه وأثاروا الناس عليه إلى درجة أفرغوا كرشة الشاة على رأسه الشريف وهو ساجد يصلي في بيت الله الحرام ولم يؤمنوا به لأنه جاء على خلاف تصوراتهم واعتقاداتهم السابقة، بسبب التحريف والتزييف وقد يكون نكرانهم للإمام من جهة أخري حيث أنهم يرون أنفسهم أفضل جاهاً وأعلي مقاماً من هذا الذي يدعي الإمام فلماذا يستجيبون لندائه ويخضعون لأوامره وكأن التاريخ يعيد نفسه ألم يقل وجهاء مكة حينما شاهدوا النبي الكرم يتيماً من بني هاشم يدعي النبوة (لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ على رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) وهؤلاء

(٣٤١)

أيضاً يتكبرون على الإمام عندما يرون مجموعة قليلة من الشبّان يتبعونه وليس معه أحد غيرهم خصوصاً وأنه أتي بدين جديد لم يعهدوا به فيفترون عليه ويتهمونه بالكذب والدجل!! وهذا هو نفس الامتحان الإلهي الذي جرى على الأمم السابقة وسيجري على الأمة الإسلامية أيضاً وقد بين الله ذلك في محكم كتابه العزيز: (وَكذَلِك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاَءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكرِينَ) (الأنعام، 53).
الأمر الثاني: إن غالبية الناس ليسوا صادقين في أقوالهم، وادعاءاتهم، فهم يطلقون شعارات التضحية والفداء في سبيل مبادئهم وقيمهم ولكن عندما يرون أن القضية تتطلب بذل المال أو النفس فعلاً فسرعان ما يتراجعون ويتهربون.
فادعاء التدين والتمسك بالقيم أحاديث يتحدثون بها حينما تكون الأمور تسير على ما يرام، ولكن إذا ضاقت عليهم الحياة وتطلب الأمر الجهاد والصمود فلا تري أحداً في الميدان إلاّ القليل. وإلي هذه الحقيقة أشار الإمام الحسين (عليه السلام) قائلاً - الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلَّ الديانون-.
ومثلما تخلي الناس عن الإمام الحسين (عليه السلام) في واقعة كربلاء كذلك لا يستجيب أحد لدعوة الإمام الحجَّة عند نهضته المباركة إلا القليل من الذين أمنوا به في عالم الميثاق وذلك بسبب كثرة الأعداء والمكذبين له.
1- يقول الإمام الرضا (عليه السلام): - إن ممن يتخذ مودتنا أهل البيت، لمن هو أشد فتنة على شيعتنا من الدجّال-، حيث يكون علماء السوء هم أشد فتنة.
2- ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): -... وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه-.

(٣٤٢)

3- وجاء في (بشارة الإسلام) و(إلزام الناصب) و(يوم الخلاص) و(نور الأنوار) و(بيان الأئمة) و(ينابيع المودة) و(علائم الظهور) وغيرها من المصادر، أن -... أعداءه الفقهاء المقلَّدون، يدخلون تحت حكمه خوفاً من سيفه وسطوته ورغبة فيما لديه-.
4- وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: - إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد مما استقبله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) من جهالة الجاهلية. قلت: وكيف ذلك؟ قال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أتي الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوته، وإن قائمنا إذا قام أتي الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله، يحتج عليه به...-.
وواضح إن موقف الناس هذا تابع لموقف بعض ادعياء العلم من علماء السوء بدلالة (كلهم يتأول عليه القرآن). فالتأويل والاحتجاج بالقرآن على الإمام عجل الله تعالى فرجه لا يكون إلا من قبل أدعياء العلم أما عامة الناس فهم في الحقيقة تتبع موقف أدعياء العلم أولئك وهم يتصورون أن علمائهم يقولون الحقيقة والواقع. ومن هنا يكون موقف كثير من الناس معادياً للإمام تبعاً لاولئك، ولذا يكون عدد أصحابه وخواصه قليلاً جداً ومعظمهم من الشباب. وبما أن هذه القلة تكون معرضة للإبادة تتدخل السماء مباشرة حتى لا تتكرر واقعة كربلاء من جديد وتنزل الملائكة لنصرته مع الملائكة الذين نزلوا من قبل لنصرة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) في معركة بدر (هَذَا يُمْدِدْكمْ رَبُّكمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنْ الْمَلاَئِكةِ مُسَوِّمِينَ)، ويتسارع نجباء الجن والملائكة في تقديم العون والمساعدة للإمام (عليه السلام) وأصحابه، ويُقلبون الوضع على الأعداء، وبذلك ينتصر الإمام في أغلب المعارك التي يخوضها، حيث إن الله سبحانه ينصره بأصحابه القلة وجيشه الصغير وبالملائكة والرعب الذي يسير بين يديه (عجل الله تعالى فرجه) بشهر.

(٣٤٣)

جاء في الفصل الأول من الباب الرابع في الصفحة 65 من كتاب عقد الدرر، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، في ظهور القائم (عجل الله تعالى فرجه) ومبايعته بين الركن والمقام، قال (عليه السلام): - وجبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره-. وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: - يخرج في اثني عشر ألفاً إن قلوا أو خمسة عشر ألفاً إن كثروا، يسير الرعب بين يديه، لا يلقاه عدو إلا هزمهم بإذن الله، شعارهم أمت أمت، لا يبالون في الله لومة لائم...-.
وعنه أيضاً (عليه السلام) قال: - يفرج الله الفتن برجل منّا يسومهم خسفاً، لا يعطيهم إلا السيف، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً، حتى يقولوا: والله ما هذا من ولد فاطمة، لو كان من ولدها لرحمنا...-.
وعنه أيضاً (عليه السلام) قال: -... يمدّه الله بثلاثة آلاف من الملائكة، يضربون وجوه من خالفهم وأدبارهم، يبعث وهو ما بين الثلاثين والأربعين-.
وعن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: - فلو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يأتيهم رجل من أهل بيتي تكون الملائكة بين يديه ويظهر الإسلام-.
وهكذا ينتصر الإمام بعد جهاد مرير ومعاناة شديدة، وبعد أن يستتب الأمر له (عجل الله تعالى فرجه) يتسابق الناس إلى الإيمان به ويدخلون في دين الله أفواجاً، ويستوجب الشكر على الإمام وأنصاره كما استوجب الشكر على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأنصاره، حيث يقول (عز وجل): (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّابًا).

(٣٤٤)

إلا أن هذا الانتصار هو أعظم بكثير من أي انتصار آخر في التاريخ، إنه يوم عظيم من أيام الله بل هو اليوم الموعود الذي وعد الله به الرسول الأكرم والأنبياء السابقين وبذلك يفرح المؤمنون بنصر الله إنه الانتصار الكبير والفوز العظيم.

(٣٤٥)

موقف الناس من الإمام
هل كل المؤمنين بالإمام المهدي (عليه السلام) في هذا اليوم سيؤمنون به حين خروجه؟
قد يكون هذا السؤال غريباً، فكيف لا يؤمن بالإمام من كان بانتظار ظهوره وخروجه؟.
والجواب: إذا طالعنا الروايات التي تتحدث عن نهضة الإمام نجد أنها تتحدث عن خروج مجموعة كبيرة ممن يعتبرون أنفسهم من الموالين التابعين لمنهج الرسول وآله الأطهار، على الإمام المهدي (عليه السلام) حين قيامه وخروجه حيث يتهمونه بالكذب والسحر، ويقولون له: يا بن فاطمة ارجع من حيث أتيت فلا حاجة لنا فيك. فيجرد الإمام سيفه ويحمل عليهم ويبيدهم عن بكرة أبيهم.
كما وأن هناك طائفة من الروايات تتحدث عن خروج بعض أدعياء العلم على الإمام، حيث يكونون من ألدّ أعدائه ويفتون بقتله والبراءة منه، فيقفون في وجه

(٣٤٧)

الإمام رغم مشاهدتهم لمعاجزه وكراماته وبيِّنات إمامته فيفترون عليه ويكذبونه فيبدأ الإمام بهم أولاً قبل الآخرين كما تقول الأخبار: - يبدأ بقريش فلا يعطيهم إلاّ السيف ولا يأخذ منهم إلاّ السيف-.
وهنا نتساءل لماذا هذه الحملات العشوائية على الإمام، فهل هناك عداوات قديمة أم هناك أهواء وأطماع ومصالح أضحوا محرومين منها بسبب خروج الإمام مما يدفع بهم إلى القيام ضد الإمام وتكذيبه؟
ليس الأمر واضحاً، إلا أن هذا لا يعني أن كل المنتظرين للإمام يقفون ضده (عليه السلام) بل هناك قسم كبير من السادة والعلماء والفقهاء وعدد غفير من الموالين والمحبين يساندون الإمام (عليه السلام) ويدعمون موقفه ويكونون من أفضل أنصاره وأتباعه ومن أحسن المجاهدين بين يديه في قبال تلك المجموعة التي تدعي محبة أهل البيت والولاء لهم ولكنهم يقفون ضده ويؤذونه بشدة بحيث يلاقي الإمام منهم ومن غيرهم الأذي أكثر مما لقي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) من قومه حين الإعلان عن رسالته السماوية وذلك بما يؤولون على الإمام أمر الله وكتابه.
ولكن نتساءل هل يعقل أن يحدث ذلك؟
أجل إذا راجعنا التأريخ إبّان الدعوة المحمدية، نلاحظ أن قريش كانت ترفع راية العداء والمخاصمة ضد الرسول الأكرم، في حين كان من المفروض أن يكونوا أول المؤمنين به لأن الرسول كان منهم ومن نفس العشيرة إلا أنهم كفروا به وكذبوه بل كانوا من أشد المستهزئين به والمنكرين لدعوته والمفترين عليه بالكذب والسحر، وكان ما كان من أمر أحد أقرباء الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)، حيث نزلت في تقبيح أفعاله سورة

(٣٤٨)

كاملة بقول الله تعالي: (تَبَّتْ يَدَا أبي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَي عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ).
وإذا تصفحنا أوراق التاريخ لشاهدنا أن بعض الذين خرجوا لقتال الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء كانوا من المتجاهرين بمحبته ومن الذين أرسلوا الرسائل إلى الإمام قائلين له أقبل إلينا يابن فاطمة فإنما تقدم لك على جنود مجنّدة.
وكأن التأريخ يعيد نفسه من جديد وهذه المرة مع الإمام الحجة فالبعض ممن يكفرون بالإمام حين خروجه هم ممن كانوا ينتظرون قدومه من الذين كان متوقعاً أن يكونوا أول المدافعين عنه إلا أنهم يكونون أول المستهزئين به حين يدعوهم إلى الإيمان. ومما يحز في النفس أن يجد المرء هذا الموقف المخزي من هؤلاء ضد الإمام (عليه السلام)، بينما تجد أن من الناس الذين لا يعرف عنهم اليوم انهم من الموالين والمنتظرين يؤمنون به ومن عبدة الشمس والقمر يُسلِمون له حيث تصرح الروايات قائلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول - إذا خرج القائم (عليه السلام) خرج من هذا الأمر من كان يُري أنه من أهله ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر-.
أجل فكما آمن بالرسول أهل المدينة ودافعوا عنه ونصروه رغم أنهم لم يكونوا من أقربائه كذلك يؤمن بالإمام المهدي شبه عبدة الشمس والقمر.
ومثلما آمن بالإمام الحسين (عليه السلام) زهير بن القين وكان عثماني المذهب، ووهب وكان نصرانياً، والحر وكان من قادة الجيش المعادي، ودافعوا عنه حتى الشهادة. كذلك يؤمن بالإمام المهدي أناس من طوائف شتي بل وحتى ممن هم اليوم من الكفار والمشركين والمثل المعروف يقول: (ما عشت أراك الدهر عجباً).

(٣٤٩)

إن هذا لا يعني بالطبع أن كل المنتظرين لا يؤمنون بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وإنما تكون هناك مجموعات وفئات يدّعون الولاء لأهل البيت ولكنهم أبعد ما يكونون من الرسول وأهل بيته، فإن التظاهر بالولاء ليس دليلاً على حقيقة الإيمان بالرسول وأهل بيته، وإنما يجب أن يترجم إلى واقع عملي ليكون مصداقاً واقعياً في الإيمان بالرسول وأهل بيته وإلا فهو نفاق وفسوق وكثير من الناس تظهر حقائقهم عند مجيئ الإمام الحجة حيث انه أكبر امتحان للمدّعين بالانتظار والولاء لأهل البيت (عليهما السلام).
وقد يكون قسم كبير من هؤلاء هم ذراري بني أمية وأبناء أبي سفيان وآل زياد وآل مروان وهؤلاء في الحقيقة من أعداء الإمام الحجة حين خروجه ولذلك تبرز وتظهر مكامن حقائقهم فيعادون الإمام فيحاربهم الإمام الحجة ويبدأ بقتلهم والانتقام منهم ولا يشفع لهم التستر والتظاهر بالولاء لأهل البيت لأن الإمام الحجة عجّل الله فروجه يتعامل معهم وفق واقعهم وحقائقهم لا حسب إدعاءاتهم. وقد يكون كثير من أبناء بني أمية لا يعرفون نسبهم بسبب إخفاء آبائهم لنسبهم لأبي سفيان وبني أمية خوفاً من الانتقام منهم لما ارتكبوه من جرائم وحشية بحق آل الرسول الأكرم ولذا عشعشوا وتكاثروا في المجتمع دون أن تعرف أنسابهم الحقيقية ولكن روح المنابذة والمخالفة لآل الرسول الأكرم يعشعش في قلوبهم وضمائرهم وتبرز هذه الأحقاد والضغائن فيهم عندما ينهض الإمام الحجة (عليه السلام) فيكفرون به تحت عناوين كاذبة وهم قد كفروا أول مرة به في عالم الذر ولذا فإن الموالين المنتظرين حين خروج الإمام يميزون وينقسمون فمن سبقت له العناية الإلهية من قبل يؤمن بالإمام (عليه السلام) ومن كان في

(٣٥٠)

قلبه ذرة من الحقد والحسد والكبر يكون من الكافرين به وإن ادعي الولاء لآل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم).
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): -... وكذلك القائم فإنّه تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشي عليهم النفاق إذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمر المنتشر في عهد القائم (عليه السلام) -.
إذن فليس كل من ادعي الولاء والانتظار بخير، كما لا يمكن لأحد أن يجزم بأن كل طائفة من البشر أو أي فرد لا يعرف عنه اليوم الإيمان والولاء وادعاء الانتظار سيختم لهم بسوء المصير عند خروج القائم (عجل الله فرجه)، وساعة الخروج للإمام المهدي هي ساعة الامتحان الحقيقي للناس فمنهم من يؤمن ومنهم من يكفر ومن كفر فإنما يكفر بقيمه ومبادئه ومن ضل فإنما يضل على نفسه، وقديماً قيل: عند الامتحان يكرم المرء أو يهان.

(٣٥١)

الامتحان الإلهي في عصر الظهور
قال الله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت:2).
هل بإمكان أحد أن يتملص من الامتحان الإلهي؟
وهل شيعة آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) مستثنون من الامتحان؟
الجواب واضح وصريح، لا يمكن لأحد الفرار من الامتحان الرباني. فالجميع يخضعون للفتنة، بل كل الدنيا هي في الحقيقة قاعة الامتحان الإلهي يؤدون امتحاناتهم اليومية أمام ربهم، وبحضور من الملائكة الكرام الكاتبين، وبشهود من الزمان والمكان.
ولكن هناك امتحان رئيسي ونهائي بانتظار كثير من الناس ألا وهو يوم خروج الإمام المهدي (عليه السلام).

(٣٥٣)

فكم من أناس يتظاهرون اليوم بالإيمان والتقوى ولكن حين خروج الإمام يسقطون في الامتحان ويكفرون بالإمام!!.
وكم من أناس لم يكونوا مؤمنين قبل خروجه ولكنهم يؤمنون به إذا نهض (عليه السلام). جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): - إذا خرج القائم (عليه السلام) خرج من هذا الأمر من كان يُري أنه من أهله ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر-. وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على صعوبة الامتحان وشدته وعلي حدّ تعبير الإمام الحسين (عليه السلام) الذي وصف هذا الامتحان بأعظم البلية حين قال: - أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شاباً وهم يحسبونه شيخاً كبيراً-.
ولذا فالإنسان لا يستطيع أن يطمئن على حسن عاقبته بما هو عليه الآن بل لابد أن يجاهد نفسه دائماً حتى لا يسقط عند الامتحان.
من هنا نعرف أن الأمور مرهونة بخواتيمها، والامتحانات المصيرية بنهايتها، حيث تحدد مصير الإنسان. فلا تشفع للإنسان الادعاءات الفارغة أيام الانتظار، ولا تفيده الكلمات المعسولة قبل أيام الخروج، وإنما الإيمان بالإمام المهدي (عليه السلام) والمواقف البطولية معه تبشره بالفوز والانتصار. وأي تردد أو شك بشخصية الإمام الربانية تؤدي به إلى السقوط ومن ثم لجأت الجحيم. بيد أن الامتحان النهائي المكلل بالنجاح له هو ما يقوم به من الأعمال الصالحة والمواقف الإيمانية الخالصة لله (عز وجل)، التي يجب على الإنسان القيام بها قبل ذلك، حتى يحقق لنفسه الفوز والنجاح.
ولكن السؤال ما هي تلك الأعمال؟ وما هي تلك المقدمات؟

(٣٥٤)

في الحقيقة نستطيع أن نلخص ذلك في الأمور التالية:
1- ترسيخ الإيمان بأصول الدين وبالأخص بالإمامة والولاية لأهل البيت (عليهما السلام).
2- تطهير القلب من الأحقاد والضغائن، ومن حب الدنيا وحب الرئاسة.
3- ضبط النفس من الانزلاق في مستنقع الشهوات والأهواء
4 - التمسك بالمبادئ والقيم الربانية وعدم الانحراف عنها، رغبة في المصالح المادية التي تأتي على حساب الشرع المقدس.
5 - تربية النفس على قبول الحقائق والتسليم لأمر الله، والخضوع للحق والحقيقة وإن كان ذلك مخالفاً لمعتقداته المسبقة. وهذا من أهم النقاط الرئيسية في إيمان العبد فالتسليم لأمر الله مهما كان وإن كان مخالفاً لأهوائه ومعتقداته هو الإيمان بعينه، وكما قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في حقيقة الإسلام: - الإسلام هو التسليم-.
فالوقوف دائماً إلى جانب الحق والحقيقة يسهِّل للإنسان تلبية نداء الإمام (عليه السلام) يوم ظهوره وخروجه، وإلاّ يكون المرء في مهب التيارات المنحرفة ينجرف شيئاً فشيئاً ويبتعد عن المبادئ والقيم ويترك الحق ويتشبث بالباطل من أجل مصلحة معينة هنا، أو الحصول على منصب معين هناك، مما يجعله في دوامة المصالح والمكاسب غير المشروعة. وهذا هو الشغل الشاغل للكثيرين الذين تصرعهم المطامع المناصب ويسقطون في هذه المزالق، ويتركون المبادئ، إن لم يقفوا في وجهها ويحاربوا أصحابها وتبقي الأقلية المؤمنة التي لم تغرها المصالح الزائلة ولم تسقط في مستنقع المطامع، تبقي وفيّة مع القيم والمبادئ.

(٣٥٥)

فالفتن والابتلاءات في آخر الزمان تسوق الجميع إلى قاعات الامتحانات الإلهية. فكم يا تري من الناس يفوزون ويظلون أوفياء مع مبادئهم وقيمهم؟
إلي هذه الحقيقة تشير الروايات الواضحة عن وضع الشيعة أيام الغيبة حيث يدخلون في سلسلة من الامتحانات والفتن، ولا ينج منها إلا المؤمن الصابر، والمجاهد العابد، وهم الأقلون عدداً والأعظمون عند الله قدراً.
فلنتدبر في هذه الروايات بشكل أعمق وبدقة أكثر، حتى نعرف أين نحن في هذا الامتحان، هل نكون من الفائزين ومع الناجين أم نكون من الفاشلين والخاسرين (والعياذ بالله).
وقد أكد أهل البيت (عليهما السلام) على ضرورة التضرع إلى الله تعالى بطلب الاستقامة في دين الله (عز وجل) بتكرار قراءة هذا الدعاء المسمي بدعاء الغريق، الذي رواه محمد بن بابويه (ره) بإسناده في كتاب الغيبة عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): - سيصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يري ولا إمام هدي ولا ينجو إلا من دعا بدعاء الغريق. قلت: كيف دعاء الغريق؟ قال تقول: يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. فقلت: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك. فقال: إن الله (عز وجل) مقلب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول لك: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك- لعل معني نهي الإمام لصاحبه عن إضافة الأبصار لأن تقلب القلوب والأبصار لا يكون إلا في يوم القيامة من شدة أهواله، وفي الغيبة إنما يخاف من تقلب القلوب دون الأبصار.

(٣٥٦)

من هنا يظهر أن في آخر الزمان ومن شدة الأزمات والفتن تتقلب القلوب وتتغير النفوس وينجرف الناس نحو المفاسد والشهوات وإطاعة الطواغيت والجبابرة والهجوم على الدنيا وملذاتها والابتعاد عن القيم والمبادئ مما يسبب السقوط في الامتحانات الإلهية بأعداد غفيره ولا يكون خروج الإمام الحجة (عليه السلام) إلا بعد امتحان عسير حتى يتميز الخبيث من الطيب والقلوب المريضة عن القلوب الطيبة السليمة، وتجري هذه الامتحانات والابتلاءات على الجميع حتى تظل الفئة المؤمنة المخلصة القليلة المجاهدة تصارع المشاكل والأزمات بقلب مفعم بالإيمان وبصبر كالجبال الرواسي، لا تحركها العواصف، كما جاء في الحديث الشريف: - المؤمن كالجبل الأشم لا تحركه العواصف- وهي الصفوة الطاهرة التي تكون من أنصار الإمام المهدي (عليه السلام) وقد أشار أهل البيت (عليهما السلام) إلى ذلك الامتحان والتمحيص في العديد من أحاديثهم الشريفة واليك بعضها:
1- الحسين بن عبيد الله عن محمد بن سفياني البزوفري عن أحمد بن إدريس عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي نجران عن محمد بن منصور عن أبيه قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) جماعة نتحدث فقال لنا: - في أيَّ شيء أنتم؟ هيهات هيهات، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تغربلوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تمحصوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم إلا بعد اياس، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى يشقي من يشقي ويسعد من يسعد-.

(٣٥٧)

2- أحمد بن إدريس عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا وتمحصوا، حتى لا يبقي منكم إلا الأندر. ثم تلا: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران، 142).
3- وروي محمد بن جعفر الأسدي عن أبي سعيد الأدمي عن محمد بن الحسين عن محمد بن أبي عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم وأبي بصير قالا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلث الناس. فقيل له: إذا ذهب ثلث الناس فمن يبقي؟ فقال (عليه السلام): أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي.
4- وروي عن جابر الجعفي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): متى يكون فرجكم؟ فقال: - هيهات هيهات، لا يكون فرجنا حتى تغربلوا ثم تغربلوا ثم تغربلوا (يقولها ثلاثاً) حتى يذهب الله تعالى الكدر ويبقي الصفو-.
5- وروي جعفر بن محمد بن مالك الكوفي عن اسحاق بن محمد عن أبي هاشم عن فرات بن أحنف قال: قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وذكر القائم (عليه السلام) فقال: - وليغيبن عنهم تمييزاً لأهل الضلالة حتى يقول الجاهل: ما لله في آل محمد حاجة-.
6- ولكي نعرف شدة الامتحان وصعوبة التمحيص ومدي السقوط الكبير الهائل لكثير من الناس ضرب أهل البيت لذلك مثلاً لنا، حيث جاء في الحديث الشريف

(٣٥٨)

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): -... فو الذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يسمي بعضكم بعضاً كذابين وحتى لا يبقي منكم (أو قال من شيعتي) إلاّ كالكحل في العين أو كالملح في الطعام وسأضرب لكم مثلاً وهو مثل رجل كان له طعام فنقاه وطيبه، ثم أدخله بيتاً وتركه فيه ما شاء الله، ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابه السوس، فأخرجه ونقاه وطيبه، ثم أعاده إلى البيت فتركه ما شاء الله، ثم أعاده إليه فإذا هو قد أصابته طائفة من السوس فأخرجه ونقاه وطيبه وأعاده، ولم يزل كذلك حتى بقيت منه رزمة كرزمة الأندر لا يضره السوس شيئاً، وكذلك أنتم تميزون حتى لا يبقي منكم إلا عصابة لا تضرها الفتنة شيئاً-.
7- عبد الواحد بن عبد الله بن يونس قال حدثنا أحمد بن محمد بن رياح الزهري الكوفي قال حدثنا محمد بن العباس بن عيسى الحسيني عن الحسين بن علي البطائني عن أبيه عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر: - إنما مثل شيعتنا مثل الأندر -يعني بيدراً فيه طعام- حتى بقي منه ما لا يضره الأكل وكذلك شيعتنا يميزون ويمحصون حتى تبقي منهم عصابة لا تضرها الفتنة-.
8- حدثنا محمد بن يعقوب قال حدثنا علي بن إبراهيم عن عيسى عن يونس عن سليمان بن صالح رفعه إلى أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: - إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال (فانبذوه إليهم نبذاً) فمن أقر به فزيدوه ومن أنكره فذروه

(٣٥٩)

أنه لابد من أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة حتى يسقط فيها من يشق الشعرة (بشعرتين) حتى لا يبقي إلا نحن وشيعتنا-.
9- كأني بكم تجولون جولان الإبل تبتغون مرعي ولا تجدونها يا معشر الشيعة-.
10- والله لتكسرن تكسر الزجاج، وإن الزجاج ليعاد فيعود(كما كان) والله لتكسرن تكسر الفخار فإن الفخار ليتكسر فلا يعود كما كان والله لتغربلن، والله لتميزن، والله لتمحصن، حتى لا يبقي منكم إلا الأقل، وصعر كفه-.
قد يتساءل المرء لماذا هذا الامتحان؟ هل هو من أجل معرفة الناس أم أنه لاستخلاص المجموعة الطاهرة الطيبة المؤمنة من بين الفئات الفاسدة المنحرفة التي

(٣٦٠)

تدعي الولاء لأهل البيت، وهم بعيدون كل البعد عن منهج الرسول وآله الطيبين الطاهرين؟!
القضية ليست من أجل معرفة الناس، فأهل البيت يعرفون الناس بسيماهم وبعلائمهم الموجودة على جباههم والكتابة السرية المخطوطة على نواصيهم، إنما الأمر من أجل تمييز المؤمنين المخلصين من المدعين المنافقين المنتفعين وهذا لا يتم إلا بالامتحان بعد الامتحان والقيام بغربلة كاملة للجميع وليميز الخبيث من الطيب وتتواصل هذه المسيرة في سلسلة مراحل من الامتحانات العسيرة حتى يستخلص منها العصابة الطاهرة القوية في الإيمان والتقية في الأفعال والمخلصة في الأعمال لتقوم بواجب التضحية والفداء بين يدي ولي الله الأعظم الحجة بن الحسن العسكري عليهما الصلاة والسلام.
فما على المؤمنين المخلصين من الشيعة إلا الصبر والمثابرة والقيام بالواجبات والفرائض الإلهية والابتعاد عن المحرمات الإسلامية وتخليص نفوسهم من الضغائن وذواتهم من الكبر والتكبر والتسليم المطلق للحق والحقيقة بانتظار اليوم الموعود للقيام بواجب الجهاد والفداء بين يدي ولي الله الأعظم لنيل رضي الله (عز وجل) والفوز بالجنة (وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكبَرُ) (التوبة:72).

(٣٦١)