المهديّون الاثنا عشر
مقام الرجعة للأئمّة الاثني عشر
تأليف: الشيخ محمّد السند
طبعة مزيدة ومنقحة
الطبعة الثانية: 1434هـ
الفهرست
الرجعة ونظام الإمامة..................3
رجعة الأئمّة من ذرّية النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعد النبيّ (المعارف وفقه متون الروايات)..................20
تحقيق في صناعة الدراية والحديث..................23
المقام المحمود في دولة الرجعة..................25
مفاهيم الرجعة في زيارة عاشوراء..................26
المهديّون الاثنا عشر هم الأئمّة الاثنا عشر في مقام الرجعة..................29
المغالطة في فهم الرواية..................31
الشاهد الأوّل..................33
الشاهد الثاني..................34
أوّل المهديّين واحد من الأئمّة الاثني عشر..................37
علي (عليه السلام) المهدي الأكبر من المهديّين الاثني عشر..................40
الشاهد الثالث..................43
تساؤل..................44
والجواب..................44
الشاهد الرابع..................45
الشاهد الخامس..................48
الشاهد السادس..................50
الشاهد السابع..................53
تنبيه على أمور لا بدَّ منها..................57
التنبيه الأوَّل..................57
التنبيه الثاني..................58
التنبيه الثالث..................59
التنبيه الرابع: قرعة الخيرة في العقائد استقسام بالأزلام والنصب الشيطانية..................60
الاعتماد على الرؤى في الدين كهانة شيطانية..................61
قاعدة نظام الإمامة في الرجعة..................63
مصادر التحقيق..................67
إنَّ كلّ إمام من الأئمّة الاثني عشر مهدي منتظر موعود في عقيدة مدرسة أهل البيت ويدعى بتعجيل فرجه وظهوره
إنَّ مقام المهدوية كما سيتبيَّن هو مقام لكلّ إمام من الأئمّة الاثني عشر عندما يقيمون دولة الحقّ والعدل وأنَّ موتهم ومكثهم في البرزخ (عليهم السلام) بمثابة غيبة مؤقَّتة لهم تنتهي برجوعهم إلى الدنيا وهو ظهورهم من بعد غيبة الموت، وسيأتي أنَّ المهديّين الاثني عشر هم الأئمّة الاثني عشر وهو مقام الرجعة لهم بإقامة الدولة المعلنة.
وقد ورد في آداب زيارة كلّ معصوم الدعاء له بتعجيل فرجه وظهوره لينجز الله له ما وعده من النصر وإقامة دولة العدل على يديه، وأنَّ كلّ واحد منهم (عليهم السلام) موعود ومنتظر ظهوره، وقد حصلت غفلة لدى غالب عامّة المؤمنين عن إتيان هذه الأدعية والآداب في زيارة كلّ معصوم وهو ما أوجب الغفلة عن تعاليم العقيدة بالرجعة والمعرفة بكلّ إمام بحقّ معرفته أي الغفلة عن المعرفة المستقبلية لكلّ إمام، فإنَّ الدعاء بتعجيل الفرج ليس خاصّاً بالإمام المهدي (عليه السلام) بل وارد في زيارة كلّ إمام معصوم، بل وارد في آداب زيارة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) أيضاً لأنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلم)
أيضاً موعود منتظر رجعته في آخر الرجعة ليقيم أكبر دولة على وجه الأرض ويكون الأئمّة الاثني عشر وزراء له، ومن تلك الموارد:
1 - روى الشيخ في مصباح المتهجّد عن جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: (من أراد أن يزور قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام) من بعيد فليقل...)، وساق الزيارة إلى قوله: (إِنِّي لَمِنَ القائِلِينَ بِفَضْلِكُمْ، مُقِرُّ بِرَجْعَتِكُمْ، لا أُنْكِرُ للهِ قُدْرَةً، وَلا أَزْعَمُ إِلَّا ما شاءَ الله)(1).
2 - وروى ابن قولويه في كامل الزيارات في المعتبر عن عمرو ابن أبي شعيب العقرقوفي، عمَّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (إذا أتيت عند قبر الحسين (عليه السلام) ويجزيك عند قبر كلّ إمام...)، وساق أدب الزيارة والدعاء فيها إلى قوله (عليه السلام): (اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْه آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيَارَةِ قَبْرِ ابْنِ نَبِيِّكَ، وَابْعَثْه مَقَاماً مَحْمُوداً تَنْتَصِر بِهِ لِدِينِكَ، وَتَقْتُلُ بِه عَدُوَّكَ، فَإِنَّكَ وَعَدْتَّه، وَأَنْتَ الرَّبُّ الَّذي لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وكذلك تقول عند قبور كلّ الأئمّة (عليهم السلام))(2).
وهذه الرواية والزيارة صريحة في أنَّ من المقام المحمود لكلّ إمام أن ينتصر الله به لدينه في الدنيا ويقتل به أعداء الله وأنَّ كلّ إمام موعود من الله بذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح المتهجّد: 289/ ح (399/11).
(2) كامل الزيارات: 526/ باب 104 زيارة لجميع الأئمّة (عليهم السلام)/ ح (804/2).
3 - وروى في إقبال الأعمال في أعمال شهر ذي الحجّة أنَّه يستحبّ أن يدعى في يوم دحو الأرض بهذا الدعاء...، وساقه إلى قوله: (وَابْعَثْنا فِي كَرَّتِهِ حَتَّى نَكُونَ فِي زَمانِهِ مِنْ أَعْوانِهِ)(3)، وهذا الدعاء في شأن أمير المؤمنين (عليه السلام) نظير الدعاء الوارد في الإمام الحجّة (عليه السلام).
4 - وروى السيّد ابن طاووس في مصباح الزائر زيارة طويلة للحسين (عليه السلام) وفي آخرها هذا الدعاء: (اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى سَيِّدِي وَمَوْلايَ صَلاةً تَرْفَعُ بِها ذِكْرَهُ، وَتُظْهِرُ بِها أَمْرَهُ، وَتُعَجِّلُ بِها نَصْرهُ، وَاخْصُصْهُ بِأَفْضَلِ قِسَمِ الفَضائِلِ يَوْمَ القِيامَةِ...) الحديث(4)، ومتن هذه الزيارة صريح في الدعاء بتعجيل نصر سيّد الشهداء (عليه السلام) بظهوره مرَّةً أُخرى برجعة من القبر إلى دار الدنيا، وأنَّ لفظ الدعاء بتعجيل نصره نظير الدعاء الوارد بتعجيل فرج المهدي (عليه السلام).
5 - ما رواه في كامل الزيارات من صحيح أبي حمزة الثمالي، عن الصادق (عليه السلام) في زيارة الحسين (عليه السلام): (ونصرتي لكم معدَّة حتَّى يحيكم الله لدينه ويبعثكم، وأشهد أنَّكم الحجّة وبكم ترجى الرحمة، فمعكم معكم لا مع عدوّكم، إنّي بإيابكم من المؤمنين، لا أنكر لله قدرة ولا أكذب منه بمشيئة). ثمّ قال: (اللّهمّ صلّ على أمير المؤمنين عبدك وأخي رسولك الذي انتجبته بعلمك، وجعلته هادياً لمن شئت من خلقك، والدليل على من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) إقبال الأعمال 2: 29.
(4) بحار الأنوار 98/ 225/ ح 34، نقلاً عن مصباح الزائر: 245.
بعثت برسالتك، وديّان الدين بعدلك، وفصل قضائك بين خلقك، والمهيمن على ذلك كلّه، والسلام عليه ورحمة وبركاته. اللّهمّ أتمم به كلماتك، وأنجز به وعدك، وأهلك به عدوّك، واكتبنا في أوليائه وأحبّائه. اللّهمّ اجعلنا شيعةً وأنصاراً وأعواناً على طاعتك وطاعة رسولك وما وكَّلت (وكَّلته) به واستخلفته عليه)(5). وهذا الدعاء قد ذكر في الزيارة بضمير الجمع أيضاً وعدَّ الصلاة على كلّ إمام إمام ممَّا يفيد أنَّ كلّ إمام من الائمّة الاثني عشر سينجز الله لكلّ واحد منهم دولة الحقّ وإقامة العدل التي وعد بها وقطع بها على نفسه في العديد من السور القرآنية.
6 - ما رواه شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي في المصباح الكبير - في ذكر قنوت الوتر - قال: ويستحبّ أن يزاد هذا الدعاء: (الحمد لله شكراً لنعمائه...) وذكر شكاية طويلة من أحوال الغيبة والدعاء لصاحب الزمان بتعجيل الفرج والخروج إلى أن قال: (اللّهمّ وشرِّف بما استقلَّ به من القيام بأمرك لدى مواقف الحساب مقامه، وسُرَّ نبيّك محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) برؤيته ومن تبعه على دعوته)، ثمّ قال: (ورُدَّ عنه من سهام المكائد ما يوجِّهه أهل الشنئان إليه وإلى شركائه في أمره، ومعاونيه على طاعة ربّه...) الدعاء(6). والتعبير في الدعاء: (وسُرَّ نبيّك محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) برؤيته...) دالٌّ على أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) لا زال يولي الاهتمام والرعاية والتدبير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) كامل الزيارات: 403 و404/ باب 79 الزيارات/ ح (639/23).
(6) مصباح المتهجّد: 156 - 161/ ح (250/46).
لمجريات وأحداث البشر في دار الدنيا، وأنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) يتابع تفاصيل الأُمور، كما أنَّ التعبير في الدعاء: (إلى شركائه في أمره) في مقابل (معاونيه) يظهر منه الإشارة الى بقيّة الأئمّة الاثني عشر وأنَّهم صلوات الله عليهم لا يزالون مساهمين في القيام بأمر الله.
7 - ما رواه الشيخ أيضاً في المصباح - في أدعية الصباح والمساء - في الدعاء الكامل المعروف بدعاء الحريق، يقول في آخره: (اللّهمّ صلِّ على محمّد وأهل بيته الطيّبين، وعجِّل فرجهم وفرجي، وفرِّج عن كلّ مهموم من المؤمنين والمؤمنات. اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد وارزقني نصرهم، وأشهدني أيّامهم، واجمع بيني وبينهم في الدنيا والآخرة، واجعل منك عليهم واقية حتَّى لا يخلص إليهم إلَّا بسبيل خير وعلى من معهم وعلى شيعتهم ومحبّيهم وعلى أوليائهم...) الدعاء(7). والتعبير في الدعاء: (وارزقني نصرهم، وأشهدني أيّامهم) دالٌّ على أنَّ لكلّ واحد من الأئمّة الاثني عشر دولة وأيّام نصر كتب الله له، كما أنَّ لهم في الآخرة ملكاً.
8 - وما رواه ابن قولويه أيضاً في كامل الزيارات (المزار) في زيارة للحسين بن علي (عليه السلام) بسنده عن سعدان بن مسلم قائد أبي بصير، قال: حدَّثني بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وذكر الزيارة للحسين (عليه السلام) يقول فيها بعد ذكر النبيّ والأئمّة (عليهم السلام): (وَحَبِّبْ إِلَيَّ مَشاهِدَهُمْ وَمُسْتَقَرَّهُمْ حَتَّى تُلْحِقَنِي بِهِمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) مصباح المتهجّد: 226/ ح (335/73).
وَتَجْعَلَهُمْ لِي فَرَطَاً وَتَجْعَلَنِي لَهُمْ تَبَعاً فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ)، قال: (ثمّ تقول: لبّيك داعي الله، إن كان لم يجبك بدني فقد أجابك قلبي وشعري وبشري ورأيي وهواي على التسليم لخلف النبيّ المرسل والسبط المنتجب، والدليل العالم...، فقلبي لكم مسلِّم، وأمري لكم متَّبع، ونصرتي لكم معدَّة حتَّى يحييكم الله لدينه ويبعثكم، فمعكم معكم لا مع عدوّكم، إنّي من المؤمنين برجعتكم، لا أنكر لله قدرة، ولا أُكذِّب له مشيئة، ولا أزعم أنَّ ما شاء الله لا يكون...) وذكر الزيارة(8). وفي الزيارة تنصيص على أنَّ الله يبعث الأئمّة من القبور رجوعاً إلى الدنيا ويُعلي أمره بهم ويُحيي بهم دينه.
9 - وما رواه الكليني أيضاً في الباب المذكور بالسند السابق يقول فيه أبو عبد الله (عليه السلام): (إذا أردت أن تودِّعه فقل: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، أَسْتَوْدِعُكَ الله...)، إلى أن قال: (اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْه آخِرَ الْعَهْدِ مِنَّا وَمِنْه، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَنْفَعَنَا بِحُبِّه، اللَّهُمَّ ابْعَثْه مَقَاماً مَحْمُوداً تَنْصُر بِه دِينَكَ، وَتَقْتُلُ بِه عَدُوَّكَ، وَتُبِيرُ بِه مَنْ نَصَبَ حَرْباً لآِلِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّكَ وَعَدْتَ ذَلِكَ وَأَنْتَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه. أَشْهَدُ أَنَّكُمْ شُهَدَاءُ نُجَبَاءُ جَاهَدْتُمْ فِي سَبِيلِ الله وَقُتِلْتُمْ عَلَى مِنْهَاجِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً)(9). وفي هذه الزيارة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) كامل الزيارات: 387 و388/ باب 79 الزيارات/ ح (633/17).
(9) الكافي 4: 572 - 575/ باب زيارة قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)/ ح 1.
تنصيص على بعث سيّد الشهداء بخصوصه من القبر راجعاً إلى الدنيا لينتصر الله به لدينه ويبيد به أعداءه بإقامة دولة العدل الإلهي، وهو أحد درجات المقام المحمود.
ثمّ إنَّ هذا المضمون قد ورد في كثير من زيارات الحسين (عليه السلام)، وكذلك في كثير من زيارات أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكذلك ورد في واحدة من زيارات كلّ إمام من بقيّة الأئمّة، أو أكثر من زيارة واحدة لكلّ منهم، وهذا ممَّا يدلِّل أنَّ من مقوّمات زيارتهم مع عرفان حقّهم هو حال زيارة الزائر العارف بأنَّهم (عليهم السلام) لا زالوا ولاة يلون أمر الله في الناس، وأنَّهم ينتظر عودهم إلى الدنيا ببعث الله إيّاهم من قبورهم، وأنَّ هذه القبور والمراقد الشريفة كما هي موطن غيبتهم فهي موطن ظهورهم وخروجهم مرَّةً أُخرى، وأنَّ الالتزام بزيارة تلك القبور والمراقد عبارة عن انتظار وترقّب لعودتهم وثبات على ولائهم وطاعتهم والانقياد لهم، فقد ورد في بعض زيارات أمير المؤمنين (عليه السلام) والتي أوردها المشهدي في مزاره الكبير قول الزائر في وسط الزيارة مخاطباً أمير المؤمنين (عليه السلام): (... مؤمن برجعتك، منتظر لأمرك، مترقّب لدولتك، آخذ بقولك، عامل بأمرك، مستجير بك، مفوّض أمري إليك، متوكّل فيه عليك، زائر لك، لائذ ببابك الذي فيه غبت ومنه تظهر، حتَّى تمكّن دينه الذي ارتضى، وتبدّل بعد الخوف أمناً، وتعبد المولى حقّاً، ولا تشرك به شيئاً، ويصير الدين كلّه لله، (وَأَشْرَقَتِ الْأَرضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ
وَقُضِي بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الزمر: 69)، والحمد لله ربّ العالمين)(10).
وفي الرواية جملة من الفوائد:
الأُولى: إنَّ مواضع قبورهم ومراقدهم أبواب للآخرة يتَّجه منها تجاه دار الآخرة، فهي مشاعر أُخروية في بقاع أرضية، كما قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (النور: 36)، وقد روى الفريقان في ذيل الآية أنَّ بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) من أفاضلها(11).
الثانية: أنَّ مراقدهم وقبورهم أبواب غُيِّبُوا فيها، ومنها سيبعثون تارةً أُخرى إلى دار الدنيا في الرجعة، فهي مواطن انتظار لرجعتهم، ومطالع ترقّب لأوبتهم، ومشارف آمال لكرَّتهم، فمن ثَمَّ كانت ملاذاً ومستجاراً ومعاذاً.
الثالثة: أنَّ مفاد هذه الزيارة أنَّ الحساب ووضع الكتاب والمجيء بالنبيّين والشهداء(12) بالمحاسبة هي في الرجعة أواخرها ويتمّ القضاء بالفصل بالحقّ.
الرابعة: إنَّ كمال ازدهار عمارة الأرض سيتمّ بظهور وسيطرة الدين على سائر أرجاء الأرض، وهو سيتحقَّق في الرجعة بدءاً من ظهور الصاحب وصعوداً وارتقاءاً وانتهاءاً في أواخر الرجعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) المزار لابن المشهدي: 308/ القسم 3/ الزيارة 15.
(11) راجع: تفسير القمّي 2: 104؛ تفسير الثعلبي 7: 107.
(12) الزمر: 69.
ويظهر ممَّا سبق من الروايات أنَّ كلّ الأئمّة موعودون بالرجعة، وأنَّ كلَّاً منهم منتظر ومهدي يقيم دولة العدل الإلهي، وقد ورد في زيارات الحسين، بل في عدَّة من زيارات الأئمّة (عليهم السلام) الدعاء: (تَنْتَصِر بِهِ لِدِينِكَ)، وهو إشارة إلى رجعة الحسين (عليه السلام) ورجعة بقيّة الأئمّة (عليهم السلام)، وهذا المفاد في هذا الدعاء شبيه مفاد دعاء: (اللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الحُجَّةِ...)، بل هذا الدعاء الأخير في الأصل ليس مخصوصاً بالإمام الثاني عشر (عليه السلام) بل عام لكلّ الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام).
وقد ورد في إحدى زيارات الحسين (عليه السلام) خطاب لأنصار الحسين (عليه السلام): (أَنَّ اللهَ مُنْجِزٌ لَكُمْ ما وَعَدَكُمْ)، بل وكذا في زيارة أبي الفضل العبّاس (عليه السلام)(13).
10 - ما ذكره الشيخ الطوسي في مصباح المتهجّد في أعمال يوم الجمعة، قال: ويستحب زيارة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام) في يوم الجمعة، وروي عن جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: (من أراد أن يزور قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقبر أمير المؤمنين (عليه السلام) وقبر فاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وقبور الحجج (عليهم السلام) وهو في بلده فليغتسل في يوم الجمعة...)، ثمّ ساق آداب مقدّمة الزيارة إلى أن قال: (ويقدّم صلاة الزيارة فإذا تشهَّد وسلَّم فليقم مستقبلاً القبلة وليقل: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها النَبِيُّ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ، السَّلامُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) مصباح المتهجّد: 725/ ح (814/83).
عَلَيْكَ أَيُّها النَبِيُّ المُرْسَلُ، وَالوَصِيُّ المُرْتَضَى، وَالسَّيِّدَةُ الكُبْرى، وَالسَّيِّدَةُ الزَّهْراءُ، وَالسِبْطانِ المُنْتَجَبانِ، وَالأَوْلادُ وَالأَعْلامُ، وَالأُمَناءُ المُنْتَجَبُونَ...، جِئْتُ انْقِطاعاً إِلَيْكُمْ وَإِلى آبائِكُمْ وَولدِكُمْ الخَلَفِ عَلى بَرَكَةِ الحَقِّ، فَقلْبِي لَكُمْ مُسْلِمٌ، وَنُصْرتِي لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بِدِينِهِ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لَا مَعَ عَدُوِّكُمْ، إِنِّي لَمِنَ القائِلِينَ بِفَضْلِكُمْ، مُقِرُّ بِرَجْعَتِكُمْ، لَا أُنْكِرُ للهِ قُدْرَةً، وَلَا أَزْعَمُ إِلَّا مَا شَاءَ الله، سُبْحانَ الله ذِي المُلْكِ وَالمَلَكُوتِ)(14).
وهذه الرواية لهذه الزيارة لهم (عليهم السلام) من بُعد ظاهرة في كون هذا من آداب الزيارة عند كلّ المعصومين (عليهم السلام)، وأنَّ كلّ واحد منهم (عليهم السلام) مترقَّب منتظر لرجعته للحكم في الأرض بأن يبعثه الله في الدنيا في الرجعة، وهذا شامل للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وفاطمة (عليها السلام) كما هو للأئمّة الاثني عشر.
11 - ما رواه في كامل الزيارات في زيارة الحسين (عليه السلام) في طريق معتبر عن أبي حمزة الثمالي، عن الصادق (عليه السلام)، وذكر (عليه السلام) آداب الزيارة والدعاء قبلها، ثمّ ذكر الزيارة، ثمّ قال (عليه السلام): (قل: لبيك داعي الله - سبعاً -، وقل: إن لم يجبك بدني عند استغاثتك فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري ورأيي وهواي على التسليم لخلف النبيّ المرسل، والسبط المنتجب، والدليل العالم، والأمين المستخزن، والمؤدّي المبلِّغ، والمظلوم المضطهد، جئتك انقطاعاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) مصباح المتهجّد: 289/ ح (399/11).
إليك وإلى جدّك وأبيك وولدك الخلف من بعدك، فقلبي لكم مسلِّم، ورأيي لكم متَّبع، ونصرتي لكم معدَّة، حتَّى يحكم الله بدينه ويبعثكم، وأُشهد الله أنَّكم الحجَّة، وبكم ترجى الرحمة، فمعكم معكم لا مع عدوّكم، إنّي بكم من المؤمنين، لا أنكر لله قدرة، ولا أُكذِّب منه بمشيئة)(15).
وقد تضمَّنت الزيارة بعد ذلك التسليم والصلاة على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، ثمّ واحد واحد من الأئمّة (عليهم السلام).
وورد في أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الزيارة: (اللّهمّ أتمم به كلماتك، وأنجز به وعدك، وأهلك به عدوّك، واكتبنا في أوليائه وأحبّائه. اللّهمّ اجعلنا له شيعةً وأنصاراً وأعواناً)، وفي الزيارة أيضاً بعد السلام والصلاة على واحد واحد من الأئمّة بأسمائهم وتقول: (اللّهمّ أتمم بهم كلماتك، وأنجز بهم وعدك، وأهلك بهم عدوّك وعدوّهم من الجنّ والإنس أجمعين...، اللّهمّ اجعلنا لهم شيعةً وأنصاراً وأعواناً على طاعتك وطاعة رسولك).
وهذا صريح في أنَّ كلّ واحد منهم موعود منتظر ينجز الله به وعده، وينتقم به من أعدائه، ويقيم به دينه ومواعيده في نصر الدين، وإعلاء الحقّ، وإذلال الباطل، وإقامة شرائعه وأحكامه وآيات كتابه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) كامل الزيارات: 403/ باب 79 الزيارات (639/23).
فكلّ ما ورد من تعاليم في المهدي المنتظر (عليه السلام) هو بعينه وارد في كلّ إمام إمام عندما يبعثه الله مرَّةً أُخرى في الدنيا رجعة.
12 - وقد ورد في دعاء مولد الحسين (عليه السلام): (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ الْموْلُودِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، الْموْعُودِ بِشَهَادَتِه قَبْلَ اسْتِهْلالِه...، الْممْدُودِ بِالنُّصْرةِ يَوْمَ الْكَرَّةِ، الْمعَوَّضِ مِنْ قَتْلِهِ أَنَّ الأَئِمَّةَ مِنْ نَسْلِهِ، وَالشِّفَاءَ فِي تُرْبَتِهِ، وَالْفَوْزَ مَعَه فِي أَوْبَتِهِ، وَالأَوْصِيَاءَ مِنْ عِتْرَتِهِ، بَعْدَ قَائِمِهِمْ وَغَيْبَتِهِ، حَتَّى يُدْرِكُوا الأَوْتَارَ، وَيَثْأَرُوا الثَّارَ، وَيُرْضُوا الْجَبَّارَ، وَيَكُونُوا خَيْرَ أَنْصَارٍ...، فَنَحْنُ عَائِذُونَ بِقَبْرِه، نَشْهَدُ تُرْبَتَه، وَنَنْتَظِرُ أَوْبَتَه)(16).
وقد رواه الشيخ في المصباح بطريقه عن القاسم بن علاء الهمداني وكيل العسكري (عليه السلام)، ومفاد الدعاء ظاهر بوضوح في أنَّ سيّد الشهداء (عليه السلام) موعود بمدد النصر يوم كرَّته (عليه السلام)، وكذلك الأوصياء من عترته، وأنَّ أوبتهم وكرَّتهم تقع بعد قائمهم وغيبته، وأنَّهم يدركون الأوتار، ويثأرون الثار، ويرضون الجبّار بتطهير الأرض من المفسدين العتاة، وآخر الدعاء تضمَّن أنَّ الحسين (عليه السلام) منتظرٌ أوبته ورجوعه.
13 - وقد روى الشيخ عن أبي حمزة الثمالي في مصباح المتهجّد في زيارة العبّاس (عليه السلام): (أَشْهَدُ أَنَّكَ قُتِلْتَ مَظْلُوماً، وَأَنَّ اللهَ مُنْجِزٌ لَكُمْ ما وَعَدَكُمْ. جِئْتُكَ يا بْنَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَقَلَبْيِ مُسَلِّمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16) مصباح المتهجّد: 826/ أعمال شهر شعبان/ ح (886/1)؛ إقبال الأعمال 3: 303 و304.
لَكُمْ، وَأَنا لَكُمْ تابِعٌ، وَنُصْرتِي لَكُمْ مُعَدَّةٌ، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الحاكِمِينَ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ، إِنِّي بِكُمْ وَبِإِيَّابِكُمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَبِمَنْ خالَفَكُمْ وَقَتَلَكُمْ مِنَ الكافِرِينَ)(17).
وفيها تصريح أنَّ جميعهم موعودون بالنصر في رجعتهم.
14 - ونظير هذه الزيارة ورد في زيارة مسلم بن عقيل (عليه السلام) التي رواها المشهدي في المزارالكبير، ورواها السيّد في مصباح الزائر(18).
15 - وفي زيارة لأمير المؤمنين (عليه السلام) رواها ابن المشهدي في المزار الكبير وقد تضمَّنت: (إنّي مقرٌّ بكم، معتصمٌ بحبلكم، متوقّعٌ لدولتكم، منتظرٌ لرجعتكم)(19).
16 - وفي زيارة أُخرى رواها ابن االمشهدي وهي الزيارة الرجبية للأمير المؤمنين (عليه السلام) بل لكلّ المعصومين (عليهم السلام) في ذلك الشهر، وفيها: (حَتَّى العَوْدِ إِلى حَضْرتِكُمْ، وَالفَوْزِ فِي كَرَّتِكُمْ، وَالحَشْر فِي زُمْرَتِكُمْ)(20).
17 - وروي في الكافي صحيح عبد الله بن جندب، قال: سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) عمَّا أقول في سجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال: (قل وأنت ساجد: اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(17) مصباح المتهجّد: 725/ ح (814/83).
(18) فضل الكوفة ومساجدها: 83، ولم نجده في المزار المطبوع؛ بحار الأنوار 97: 426.
(19) المزار لابن المشهدي: 250/ باب زيارات أمير المؤمنين (عليه السلام)/ الزيارة 8.
(20) المزار لابن المشهدي: 205/ زيارة لأمير المؤمنين (عليه السلام) في رجب/ الزيارة 3.
وَأُشْهِدُ مَلَائِكَتَكَ وَأَنْبِيَاءَكَ وَرُسُلَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ الله رَبِّي، وَالإِسْلَامَ دِينِي، وَمُحَمَّداً نَبِيِّي، وَعَلِيَّاً وَفُلَاناً وَفُلَاناً إِلَى آخِرِهِمْ أَئِمَّتِي، بِهِمْ أَتَوَلَّى، وَمِنْ عَدُوِّهِمْ أَتَبَرَّأُ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ دَمَ الْمظْلُومِ - ثَلَاثاً -. اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ بِإِيوَائِكَ عَلَى نَفْسِكَ لأَوْلِيَائِكَ لِتُظْفِرَنَّهُمْ بِعَدُوِّكَ وعَدُوِّهِمْ)(21).
فهذا دعاء يومي يؤتى به في كلّ سجدة شكر لكلّ صلاة فريضة، بل لكلّ صلاة نافلة أيضاً في اليوم عدَّة مرَّات، وفيها الدعاء والإلحاح بتعجيل الظفر والنصر لكلّ واحد واحد من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) والانتقام لدم سيّد الشهداء، وذلك بظهور قائمهم (عليه السلام) ورجعتهم بعده في سياق واحد.
ومنه يظهر أنَّ ما يدعو به المؤمنون من تعجيل فرج صاحب الأمر (عليه السلام) لا بدَّ من تتميمه بالدعاء بتعجيل رجعتهم (عليهم السلام)، وأنَّ رجوع كلّ إمام هو ظهور له بعد غيبته بالموت كما ورد ذلك في كثير من الزيارات، سواء أُريد من الظهور معنى البروز أو أُريد منه معنى السيطرة والسلطة، فإنَّ كلّ إمام يبرز برجوعه إلى الحياة الدنيا بعد غيابه بخفاء الموت، فلكلّ إمام ظهور بعد غيبة كما أنَّ له دولة في الرجعة بعد استضعاف في الحياة الأُولى.
18 - وروى الكليني عن محمّد بن عيسى بإسناده عن الصالحين (عليهم السلام)، قال: (تُكرِّر في ليلة ثلاث وعشرين هذا الدعاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) الكافي 3: 325/ باب السجود والتسبيح.../ ح 17.
ساجداً وقائماً وقاعداً وعلى كلّ حال وفي هذا الشهر كلّه وكيف أمكنك ومتى حضرك من دهرك، تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى والصلاة على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): اللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فِي هَذِه السَّاعَةِ وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ وَلِيَّاً وَحَافِظاً وَنَاصِراً وَدَلِيلاً وَقَاعِداً وَعَوْناً وَعَيْناً حَتَّى تُسْكِنَه أَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَه فِيهَا طَوِيلاً)(22).
ورواه الشيخ الطوسي بنفس الإسناد وبنفس المتن في مصباح المتهجِّد(23).
ورواه السيّد ابن طاووس في فلاح السائل وفي الإقبال مسنداً بنفس الإسناد إلَّا أنَّه استبدل فلان بن فلان: (لوليّك القائم بأمرك الحجَّة محمّد بن الحسن المهدي عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام)، لكنَّه في فلاح السائل أورد المتن (لوليّك فلان بن فلان)(24).
وأورده الكفعمي في البلد الأمين بنفس اللفظ الموجود في الكافي ومصباح الشيخ، لكنَّه في مصباحه أورده كما في إقبال ابن طاووس(25).
وفي البحار أورد هذا الدعاء ضمن دعاء طويل يُدعى به في يوم الجمعة في سياق الدعاء لمحمّد وآل محمّد (عليهم السلام)، وفي وسط الدعاء: (اللّهمّ احفظ محمّداً وآل محمّد)(26).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22) الكافي 4: 162/ باب الدعاء في العشر الأواخر من شهر رمضان/ ح 4.
(23) مصباح المتهجّد: 630 و631/ ح (709/85).
(24) أُنظر: فلاح السائل: 46؛ إقبال الأعمال 1: 191.
(25) أُنظر: البلد الأمين: 203؛ المصباح: 586.
(26) أُنظر: بحار الأنوار 86: 340.
وبعبارة أُخرى ممَّا يوجب الاشتباه ما رواه السيّد ابن طاووس في الإقبال من رواية محمّد بن عيسى بن عبيد بإسناده عن الصالحين (عليهم السلام): قال: (وكرِّر في ليلة ثلاثة وعشرين من شهررمضان: اللّهمّ كن لوليك القائم بأمرك الحجَّة محمّد بن الحسن المهدي عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام في هذه الساعة وفي كلّ ساعة وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً ومؤيِّداً حتَّى تسكنه أرضك طوعاً)(27).
19 - وروى ابن قولويه مصحَّح أبي حمزة الثمالي، قال: قال الصادق (عليه السلام): (إذا أردت المسير إلى الحسين (عليه السلام)...)، ثمّ ذكر آداب الزيارة وأورد زيارة طويلة يقول فيها: (وقد أتيتك زائراً قبر ابن بنت نبيّك فاجعل تحفتي فكاك رقبتي من النار...)، إلى أن قال: (واجعلني من أنصاره يا أرحم الراحمين)، ثمّ قال فيها: (جئتك انقطاعاً إليك، وإلى جدّك وأبيك وولدك الخلف من بعدك، فقلبي لكم مسلِّم، ورأيي لكم متَّبع، ونصرتي لكم معدَّة، حتَّى يحييكم الله لدينه ويبعثكم، وأُشهد الله أنَّكم الحجَّة، وبكم تُرجى الرحمة، فمعكم لا مع عدوّكم، إنّي بإيابكم من المؤمنين لا أنكر لله قدرة ولا أُكذِّب منه مشيئة).
ثمّ قال الشيخ: وتصلّي على الأئمّة كلّهم كما صلَّيت على الحسن والحسين (عليهما السلام)، ثمّ تقول: (اللّهمّ تمِّم بهم كلماتك، وأنجز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) إقبال الأعمال 1: 191.
بهم وعدك، وأهلك بهم عدوّك وعدوّهم من الجنّ والإنس أجمعين. اللّهمّ اجعلنا لهم شيعةً وأعواناً وأنصاراً على طاعتك وطاعة رسولك، وأحينا محياهم وأمتنا مماتهم، وأشهدنا مشاهدهم في الدنيا والآخرة...)، إلى أن قال: (اللّهمّ أدخلني في أوليائك وحبِّب إليَّ مشاهدهم وشهادتهم في الدنيا والآخرة إنَّك على كلّ شيء قدير)، ثمّ قال: (اللّهمّ اجعلني ممَّن ينصره وينتصر به لدينك في الدنيا والآخرة...)، إلى أن قال: (اللّهمّ اجعلني ممَّن له مع الحسين بن علي (عليه السلام) قدم ثابت، وأثبتني فيمن يستشهد معه)(28).
وهذه الزيارة فيما استعرضناه من المواضع فيها طافحة ظاهرة في كون كلّ إمام موعود أن ينصره الله، والمؤمنون مأمورون بإعداد العدَّة لنصر كلّ إمام من الاثني عشر عند ظهوره في الرجعة، فكلّ إمام لا بدَّ على المؤمنين من إعداد النصرة له في الوقت الراهن فضلاً عن الزمن اللاحق، وأنَّ غاية إعداد النصرة لكلّ إمام يمتدّ زمنا إلى أوان رجعته حيث يحييه الله لإقامة دينه بإقامة دولة العدل الالهي، وأنَّ الدعاء بـ (اجعلنا أعواناً وأنصاراً) بالإضافة إلى كلّ إمام إمام، وفي نهاية الزيارة: (اجعلني ممَّن ينصره وينتصر به في الدنيا والآخرة) أي ينصر الحسين (عليه السلام) في الدنيا في الوقت الراهن، وفي آخرة الدنيا أي الرجعة، ثمّ بعدها (وأثبتني فيمن يستشهد معه).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(28) كامل الزيارات: 393 - 424/ باب 79 الزيارات/ ح (639/23).
وهذه العبارة تحتمل وجهين:
الأوّل: أنَّه دعاء بالشهادة مع الحسين في الرجعة كما قد ورد في روايات الرجعة.
الثاني: أن يكتب له أجر من استشهد مع الحسين (عليه السلام)، والمعنى الأوّل أظهر لصيغة فعل المضارع في صلة الموصول (فيمن يستشهد معه).
20 - وفي معتبرة أبي الصباح الكناني، قال: نظر أبو جعفر (عليه السلام) إلى أبي عبدالله (عليه السلام) فقال: (ترى هذا؟ هذا من الذين قال الله (عزَّ وجلَّ): (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ))(1).
21 - وفي معتبرة عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (النور: 55)، قال: (هم الأئمة)(2).
رجعة الأئمّة من ذرّية النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعد النبيّ (المعارف وفقه متون الروايات):
23 - وروى السيّد ابن طاووس رحمه الله: (اللّهمّ كن لوليك القائم بأمرك الحجَّة محمّد بن الحسن المهدي عليه وعلى آبائه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 306/ باب الإشارة والنصّ على أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق صلوات الله عليهما/ ح 1.
(2) الكافي 1: 193 و194/ باب أنَّ الأئمّة (عليهم السلام) خلفاء الله (عزَّ وجلَّ) في أرضه.../ ح 3.
أفضل الصلاة والسلام في هذه الساعة وفي كلّ ساعة وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً ومؤيِّداً حتَّى تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طولاً وعرضاً وتجعله وذرّيته من الأئمّة الوارثين...) الحديث(29).
وظاهر نسخة هذه الرواية التي رواها ابن طاووس توهم أنَّ الأئمّة (عليهم السلام) بعد الثاني عشر المهدي (عليه السلام) هم من ذرّيته. وهذا وهم من أحد الرواة أو النسّاخ لهذا الدعاء بشهادة:
1 - أنَّ المجلسي رحمه الله روى هذا الدعاء باللفظ الذي ذكره ابن طاووس في ضمن أدعية يوم الجمعة ولكن في سياق الدعاء لمحمّد وآل محمّد، فروى في وسط ذلك الدعاء قوله (عليه السلام): (اللّهمّ احفظ محمداً وآل محمّد وأتباعهم وأوليائهم بالليل والنهار من أهل الجحود والإنكار، واكفهم حسد كلّ حاسد متكبّر جبّار، وسلّطهم على كلّ ناكث ختّار، حتَّى يقضوا من عدوّك الأوطار، واجعل عدوّهم مع الأذلّين والأشرار، وكبّهم ربّي على وجوههم في النار، إنَّك الواحد القهّار. اللّهمّ كن لوليّك في خلقك وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً حتَّى تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه منها طولاً، وتجعله وذرّيته فيها الأئمّة الوارثين، واجمع له شمله، وأكمل له أمره، وأصلح له رعيَّته، وثبِّت ركنه، وأفرغ الصبر منك عليه، حتَّى ينتقم فيتشفّى ويشفي حزازة قلوب نغلة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29) إقبال الأعمال 1: 191.
وحرارة صدور وغرة، وحسرات أنفس ترحة، من دماء مسفوكة، وأرحام مقطوعة، و(طاعة) مجهولة، قد أحسنت إليه البلاء، ووسَّعت عليه الآلاء، وأتممت عليه النعماء، في حسن الحفظ منك له. اللّهمّ اكفه هول عدوّه، وأنسهم ذكره، وأرد من أراده، وكد من كاده، وامكر بمن مكر به، واجعل دائرة السوء عليهم. اللّهمّ فضَّ جمعهم، وفل حدّهم...) الحديث(30)، فإنَّ ضمير (ذرّيته) يعود إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) كما هو واضح من سياق الرواية.
2 - وقد وردت روايات مستفيضة بل متواترة برجعة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في أواخر الرجعة، وأنَّ الدولة التي سيقيمها هي أكبر دولة الرجعة، ويكون فيها الأئمّة الاثنا عشر وزراء للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأعواناً، وأنَّ الانتقام الذي يحصل من الأعداء في دولة الرجعة أعظم من الانتقام الذي يحصل في دولة الظهور للإمام المهدي (عليه السلام) من الأعداء بأضعاف مضاعفة، وأنَّ كلّ إمام من الأئمّة الاثني عشر يرجع ويقيم دولته وينتقم من قاتليه، وذلك حيث يرجعهم الله إلى الحياة مع رجوعه.
3 - ومن ذلك يتبيَّن تنصيص هذه الرواية أنَّ أوّل مَنْ يُدعى لهم بهذا الدعاء: (اللّهمّ كن لوليّك) هو النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فيُدعى بتعجيل رجعته وإقامة دولته، ومن ثَمَّ كان التعبير: (كن لوليّك في خلقك) لا في أرضك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) بحار الأنوار 86: 340/ باب 4 من أبواب يوم الجمعة وآدابه/ ح 8.
كما يُدعى بهذا الدعاء لعلي (عليه السلام) أيضاً، والحسن والحسين (عليهما السلام)، ولبقيّة أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) كلّ واحد منهم باسمه واسم أبيه.
4 - ومن ثَمَّ ورد لفظ الحديث في عدَّة من الروايات المتقدّمة: (اللّهمّ كن لوليّك فلان بن فلان) إشارة إلى عموم هذا الحديث للمعصومين الأربعة عشر لا خصوص الإمام الثاني عشر (عليه السلام)، وقد نبَّه على ذلك غير واحد من المحدِّثين الكبار، أي نبَّه على عموم الدعاء لكلّ المعصومين (عليهم السلام)، ولكن هذه التعاليم غائبة عن أذهان كثير من المؤمنين كلّ ذلك بسبب غياب المعرفة بالرجعة، والغفلة عن هذا الباب العظيم في المعرفة، الموجب لكمال المعرفة بالله وقدرته ومشيئته، والمعرفة بمقامات النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) الآتية، ومقامات أمير المؤمنين والأئمّة المستقبلية.
تحقيق في صناعة الدراية والحديث:
واعلم أنَّ جماعة من فحول الفقهاء وأكابر المحدّثين المتبحّرين قد أشاروا إلى أنَّ المتن الروائي ومتن الرواية الواحدة قد يختلف صورته وألفاظه من راوٍ إلى آخر، سواء الراوي المباشر أو من سلسلة الرواة في الطريق عن الراوي المباشر، وذلك لأسباب عديدة:
الأوّل: الاقتضاب والإيجاز، فقد يكون الراوي المباشر يروي المتن تارةً باقتضاب وإيجاز، وتارةً أُخرى بتفصيل وبسط، وهاتان الحالتان يختلف بحسبهما متن الرواية ضبطاً وإتقاناً ووضوحاً وإبهاماً، وذلك
بحسب ما يتمتَّع به الراوي المباشر من ضبط علمي وإتقان في النقل والتصوير وقوَّة الحافظة والالتفات والتركيز، وكذلك الحال يسري في سلسلة الرواة في الطريق عن الراوي المباشر.
وهذا يوجب تعدّد المتون في الحديث الواحد كثيراً، ويتوهَّم غير الخبير بالدراية أنَّ هذه أحاديث متعدّدة أو ينساق إلى متن واحد ويعكف عليه ويغفل عن استقصاء المتون الأُخرى المنقولة مع كونها بالغة الأهمّية في الوقوف على حقيقة المضمون، لأنَّ هذه المتون المختلفة إمَّا بمثابة ألبسة أو وجوه وزوايا لحقيقة واحدة، فمن ثَمَّ كان الاغترار والاسترسال بمتن مروي واحد يوجب وقوع الفقيه أو المفسِّر أو المتكلِّم بعيداً عن حقيقة المدلول الأصلي الصحيح للرواية، لاسيّما إذا كان المبحث عقائدياً والبحث في مسألة اعتقادية فإنَّه لا يعوِّل على إيهام نقل آحاد وخبر منفرد من دون وصوله إلى استفاضة متواترة في الدلالة لا من جهة خصوص أصل الصدور فحسب كما عرفت، بل الأهمّ من ذلك أيضاً هو الوصول إلى ضبط المتن الحقيقي بتمام كلماته وفقراته وألفاظه، وحينها يكون صورة المتن تامّة كاملة.
هذا مضافاً إلى الأسباب الأُخرى لاختلاف المتن الآتي ذكرها الموجبة للتفاوت في درجة الضبط والإتقان في المضمون الحقيقي للروايات.
الثاني: الدرجة العلمية أو المستوى العلمي للراوي، فإنَّه لا يخفى تأثيره في درجة الضبط، وله بالغ التأثير، سواء الراوي المباشر أو الرواة عنه أو صاحب الكتاب الذي أودع متن وطريق الرواية.
الثالث: قوَّة الحافظة للراوي أو الرواة، ولا يخفى تأثيرها البالغ أيضاً.
الرابع: نسخ الكتب المودعة التي تخرج الرواية، أو الكتب المستخرج منها الرواية، فإنَّ الكتب الحديثية المتأخّرة كابن طاووس في القرن السابع أو البحار والحرّ العاملي أو السيّد هاشم البحراني في القرن الحادي عشر، بل والصدوق والشيخ الطوسي في القرن الرابع والخامس، وغيرهم ممَّن هم في طبقاتهم فإنَّهم يستخرجون الروايات من كتب متقدّمة عليهم، وتختلف تلك الكتب وما قبلها (مترامياً) في النسخ والضبط والإتقان. إلى غير ذلك من العوامل الكثيرة التي ذكرها علماء الدراية والحديث.
وهذا الاستقصاء بمثابة قرائن مصيرية مؤثِّرة على استحصال الظهور والمراد الحقيقي لأيّ رواية، وهذا هو أحد الأسباب المهمّة المبرِّرة لعدم اعتماد القدماء على خبر منقول بطريق الآحاد، واشترطوا احتفاف الخبر بقرائن تفيد العلم أو الاطمئنان، فإنَّ هذا السبب كما عرفت لا يرتبط بأصل الصدور.
المقام المحمود في دولة الرجعة:
روى ابن قولويه في كامل الزيارات(31)، بسند معتبر فيه إرسال خفيف عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: (تقول إذا أتيت قبر الحسين بن علي (عليه السلام)، ويجزيك عند قبر كلّ إمام (عليه السلام)...)، ثمّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(31) كامل الزيارات: 523 - 526/ باب 104 زيارة لجميع الأئمّة (عليهم السلام)/ ح (804/2).
ساق الزيارة إلى أن قال في آخر الزيارة أن يقول الزائر: (اللَّهُمَّ لا تجعله آخر العهد من زيارة قبر ابن نبيّك، وابعثه مقاماً محموداً، تنتصر به لدينك، وتقتل به عدوّك، فإنَّك وعدته ذلك، وأنت الرب الذي لا تخلف الميعاد)، ثمّ قال (عليه السلام): (وكذلك تقول عند قبور كلّ الأئمّة (عليهم السلام)).
ومفاد هذه الزيارة التي ذكرها ابن قولويه أنَّ المقام المحمود لهم (عليهم السلام) من مصاديقه البارزة مقام دولتهم في الرجعة، فلكلّ إمام مقام محمود بدولة عزيزة باهرة ظاهرة، وأنَّ كلّ إمام موعود بهذا المقام ينتصر الله به لدينه، فكلّ إمام منتظر موعود يُدعى له بالفرج وتعجيل ذلك له، وأن يبعثه الله من قبره لذلك الوعد والميعاد لقيادة دولة الحقّ والعدل، وأنَّ دعاء الفرج عامّ لكلٍّ من الأئمّة (عليهم السلام)، وهو ليس من مختصّات الإمام المهدي (عليه السلام) بل قد نصَّ في ذلك الدعاء على عموم كلّ الأئمّة (عليهم السلام)، كما يتَّضح من ذلك أنَّ زيارة كلّ واحد منهم (عليهم السلام) هي لتجديد العهد والبيعة مع الإمام المزور لأجل النصرة والإعداد لدولة الرجعة: (ونصرتي لكم معدَّة حتَّى يحيي الله دينه بكم).
مفاهيم الرجعة في زيارة عاشوراء:
وذلك في مواضع:
أحدها: (أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ).
الثاني: (وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِكُم مَعَ إِمامِ هُدىً ظاهِرٍ ناطِقٍ بِالحَقِّ مِنْكُمْ).
وطلب ثارهم والانتقام له لا ينطلق من ردَّة فعل نفساني وغيض غرائزي، بل معنى الانتقام في منطق الوحي وأهل البيت (عليهم السلام) هو إزالة الباطل وما تولَّد منه من فروع وتداعيات في البلاد والعباد حصداً بجذوره وأشجاره، أي تطهير البلاد والعباد من أشخاص الرجس والأنجاس.
وفي الموضع الأوَّل لم يُحصر طلب الثار بمعيّة الإمام الثاني عشر (عليه السلام)، ولم يقصر عليه (عليه السلام) بل عُمِّم إلى كلّ إمام من الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام)، كما أنَّ الحال كذلك في الموضع الثاني مع تعميم الثار إلى طلب ثار كلّ ظلامة ومظلمة وحقّ لهم، وكذلك تعميم الإمام الذي يطلب الثار معه، والتوصيف بالمنصور أو الظاهر والناطق بالحقّ، إشارة إلى إقامة الدولة الظاهرة وبتوسّطها يمكن إنجاز ذلك، وأمَّا المقام المحمود فقد مرَّ أنَّ من أوائل مصاديقه إقامة الدولة لهم فضلاً عن بقيّة مصاديقه من مقاماتهم في القيامة والآخرة.
وإنَّ من غايات الزيارة لهم (عليهم السلام) الحظوة بالكرَّة معهم، فقد وَرَدَ في زيارة طويلة لسيّد الشهداء (عليه السلام) أوردها ابن قولويه، حيث وَرَدَ في الدعاء بعد صلاة الزيارة: (وأُؤمِّل في قربكم النجاة، وأرجو في إتيانكم الكرَّة، وأطمع في النظر إليكم وإلى مكانكم غداً في جنان ربّي مع آبائكم الماضين)(32).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(32) كامل الزيارات: 419/ باب 79 الزيارات/ ح (639/23).
وكذا وَرَدَ في موضع آخر في الزيارة نفسها: (جئتك انقطاعاً إليك وإلى جدّك وأبيك وولدك الخلف من بعدك، فقلبي لكم مسلِّم، ورأيي لكم متَّبع، ونصرتي لكم معدَّة، حتَّى يحكم الله بدينه ويبعثكم، وأُشهد الله أنَّكم الحجَّة، وبكم ترجى الرحمة، فمعكم معكم لا مع عدوّكم، إنّي بكم من المؤمنين، لا أنكر لله قدرة، ولا أُكذِّب منه بمشيئة)(33).
وكذلك: (ونصرتي لكم معدَّة حتَّى يحيكم الله لدينه ويبعثكم)، و(وَنُصْرتِي لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بِدِينِهِ)، و(ويردّكم في أيّامه، ويظهركم لعدله، ويمكّنكم في أرضه)، وهذا المقطع من الزيارة قد وَرَدَ مضمونه مكرَّراً في الزيارات العديدة، ومفاده أخذ الاستعداد والإعداد بالتهيّئ والتمدّد في القوَّة والقدرة إعداداً لإقامة دولتهم عند رجوعهم إلى دار الدنيا مرَّةً أُخرى، فالتطلّع والطموح والإعداد لا يقتصر على دولة ظهور المهدي الحجَّة بن الحسن العسكري (عليه السلام) بل يعمُّ إقامة دولة دائمة لمحمّد وآل محمَّد من آبائه (عليهم السلام) لا تزول إلى يوم القيامة، وهو مشروع ضخم فيحتاج إلى إعداد واستعداد وتنمية للقدرات على كلّ الأصعدة يتناسب مع حجم وضخامة هذا المشروع.
فوظيفة الاستعداد والانتظار لا تقتصر على ظهور الإمام الثاني عشر (عليه السلام) فحسب، بل تشمل انتظار رجعة كلّ إمام منهم (عليهم السلام) وأنَّ من غايات الزيارة توطيد هذا المعنى والارتباط.
فالمراد من بعثهم بعثهم من القبور في الرجعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(33) المصدر السابق.
المهديّون الاثنا عشر هم الأئمّة الاثنا عشر في مقام الرجعة:
وقد وردت الإشارة في عدَّة من الروايات إلى رجعة الأئمّة الاثني عشر بلسان غير عنوان الرجعة وغير لفظة الكرَّة والأوبة وغير بقيّة عناوين وأسماء الرجعة.
وهذه الإشارة بعنوان المهديّين الاثني عشر بعد الأئمّة الاثني عشر، ويراد من عدَّة الاثني عشر من المهديين هم نفس الأئمّة الاثنا عشر بلحاظ رجوعهم وكرَّتهم بعد الموت إلى الدنيا لإقامة دولة محمّد وآل محمّد.
وإنَّما اعتمد أهل البيت (عليهم السلام) هذا العنوان لعدَّة حِكَم ومغازي، منها: اعتماد التعبير الكنائي عن الرجعة حيث إنَّ عقيدة الرجعة تعني مشروع إقامة الدولة لدى أهل البيت (عليهم السلام) وإبراز هذا المشروع تصريحاً بمكان من الخطورة السياسية والأمنية وليس هو عقيدة تجريدية بحتة.
ومنها: أنَّه إشارة إلى أنَّ هذا المقام من المقامات التي يصل إليها أئمّة أهل البيت، وهم موعودون بها من قِبَل الله تعالى.
في حين أنَّ هذه العقيدة والمعرفة بالرجعة بهذا الشكل قد التبس على جماعة لتقمّص أدعياء أرادوا بالمؤمنين إضلالاً عن صراط الحقّ وعن التمسّك بالأئمّة الاثني عشر لأهل البيت (عليهم السلام) إلى أنداد وشركاء يُشركون بهم في الولاية الإلهية ليزيلوا الحقّ عن مقرّه ويصرفوا الناس عن الأئمّة الاثني عشر تلبيساً عليهم باسم الاتّصال بالإمام المهدي (عليه السلام) الإمام الثاني عشر،
بل ربَّما تمادى الغيّ عندهم إلى تهميش الإمام الثاني عشر ودفعه عن مقامه ومرتبته التي رتَّبه الله فيها، وأنَّه ليس هو المهدي وليس هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، تمنّيهم أنفسهم وشياطينهم إلى طاعة الشيطان والأبالسة مع استخدام للسحر والشعبذة ليغووا ضعفة العقول والقلوب ومرضى النفوس، الذين لم يتفقَّهوا في الدين ولم يلجأوا إلى علم وركن ركين.
فقد روى الشيخ الطوسي في الغيبة، وكذا في مختصر بصائر الدرجات أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) - في الليلة التي كانت فيها وفاته - لعلي (عليه السلام): يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وصيَّته حتَّى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنَّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهديّاً، فأنت يا علي أوّل الاثني عشر إماماً، سمَّاك الله تعالى في سمائه: عليّاً المرتضى، وأمير المؤمنين، والصدّيق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصحُّ هذه الأسماء لأحد غيرك، يا علي أنت وصيّي على أهل بيتي حيّهم وميّتهم، وعلى نسائي، فمن ثبَّتَّها لقيتْني غداً، ومن طلَّقْتَها فأنا بريء منها، لم ترَني ولم أرَها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي
على أُمَّتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البرّ الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيّد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد المستحفَظ من آل محمّد (عليهم السلام)، فذلك اثنا عشر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهديّاً، (فإذا حضرته الوفاة) فليسلّمها إلى ابنه أوّل المقرَّبين(34)، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوّل المؤمنين)(35).
المغالطة في فهم الرواية:
توهّم:
إنَّ هذه الرواية دالّة على أنَّ الإمام الثاني عشر يسلِّم الوصيّة إلى ابنٍ له ثلاثة أسماء، فيكون قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في هذه الفقرة: (فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أوّل المهديّين) بإرجاع الضمير في: (إذا حضرته) إلى الإمام الثاني عشر،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(34) في مختصر بصائر الدرجات: (أوّل المهديّين) بدل (أوّل المقرَّبين).
(35) الغيبة: 150 و151/ ح 111؛ مختصر بصائر الدرجات: 39 و40 بتفاوت يسير.
وكذلك ضمير: (ابنه) إلى الإمام الثاني عشر (عليه السلام)، وأنَّ هذه الثلاثة أسماء هي أسماء لابن الإمام الثاني عشر.
دفع التوهّم:
1 - وهذا الإرجاع للضمير إلى الإمام الثاني عشر خطأ فاحش في تركيب عبارات الجمل وسياقاتها، فإنَّ الصحيح أنَّ الضمير يرجع إلى الإمام الحادي عشر، الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، أي إذا حضرت الإمام العسكري (عليه السلام) الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الإمام الثاني عشر (عليه السلام) الذي له ثلاثة أسماء وهو الإمام الثاني عشر أوّل المهديّين، والإمام الثاني عشر له ثلاثة أسماء: اسم كاسم النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، والاسم الآخر عبد الله وأحمد، والثالث وهو اللقب المهدي، وهو الإمام الثاني عشر أوّل المؤمنين، وفي بعض النسخ: (اسم كاسمي واسم أبيه وهو عبد الله)، وعلى هذه النسخة يكون اسم من أسماء الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عبد الله، وسنبيّن وجه كون الإمام الثاني عشر أوّل المهديّين وأوّل المؤمنين.
وأنَّ معنى ووصف ومنصب عنوان المهدي لكلّ من الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) كمقام خاصّ لمن يقيم دولة محمّد وآل محمّد في الإعلان الظاهر وبنحو تبقى مستمرّة إلى يوم القيامة، كما أنَّ هناك مقام المنتصر أو المنصور للأئمّة الاثني عشر، كما أُشير إلى ذلك في زيارة عاشور الإمام المنصور والإمام المهدي (عليه السلام)، ولنذكر الشواهد على هذا التفسير:
الشاهد الأوّل:
ما ورد في عدَّة روايات من الفريقين أنَّ الذي له أسماء ثلاثة هو نفس الإمام الثاني عشر (عليه السلام):
1 - فقد روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الفضل بن شاذان، عن إسماعيل بن عيّاش، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وذكر المهدي فقال: (إنَّه يبايع بين الركن والمقام، اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها)(36).
2 - وقد روي أيضاً أنَّه (عليه السلام) له اسمان: اسم يخفى واسم يُعلن، فقد روى الصدوق في كمال الدين بسند قوي أو حسن، قال: حدَّثنا علي بن أحمد بن موسى رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدَّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدَّثنا إسماعيل بن مالك، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر، عن جدّه (عليهم السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو على المنبر: (يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، له اسمان: اسم يخفى واسم يُعلن، فأمَّا الذي يخفى فأحمد، وأمَّا الذي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(36) الغيبة للطوسي: 454/ ح 463.
يعلن فمحمّد، إذا هزَّ رايته أضاء له ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلَّا صار قلبه أشدّ من زبر الحديد...)(37).
الشاهد الثاني:
أنَّ عنوان المهدي والمهديّين له تفسير مستفيض بل متواتر في روايات أهل البيت (عليهم السلام) هو كالأصل في معناه ويراد به الإمام من الأئمّة الاثني عشر عندما يقيم الدولة الظاهرة الممكِّنة لدولة آل محمّد (عليهم السلام)، ومن المستفيض في رواياتهم (عليهم السلام) أنَّ كلّ الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام) يرجعون كما هو مقتضى عقيدة الرجعة بل لكلّ إمام رجعات وأكثرهم رجوعاً وكروراً أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ويقيمون دولة آل محمّد (عليهم السلام) واحداً بعد آخر، وهو مقتضى قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (القصص: 5).
وهذا الخطاب عامّ لكلّ الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام) حتَّى أن الإمام الثاني عشر أيضاً تكون له رجعة وأنَّ لهم من الله منَّ بوعدين المنّ الإلهي الأوّل المتقدِّم هو بأصل الإمامة والمنّ الإلهي الثاني المتأخّر هو بجعلهم يملكون تراث الدولة في الأرض. ولا يخفى أنَّ الآية إنَّما هي وعد للذين مضى عليهم حالة استضعاف وقهر في حياتهم السابقة الأُولى من الدنيا وهو مقتضى دلالة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(37) كمال الدين: 653/ باب 57/ ح 17؛ ورواه الراوندي في الخرائج والجرائح 3: 1149 و1150/ باب العلامات الكائنة قبل خروج المهدي ومعه (عليه السلام)/ ح 58.
(اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ) فعل ماضٍ أي جرى عليهم فيما مضى من حياتهم الأُولى من الدنيا في الأرض استضعاف، فهولاء وعدهم الله بجعلهم الوارثين، ومقتضى مفاد (الوارثين) أنَّهم يكونون مرَّة أُخرى في عاقبة وآخرة الحياة في الأرض فيرثون ملك الأرض، ولا يخفى أنَّ في الآية وعدين: وعد بأصل الإمامة ووعد بجعلهم الوارثين، والوعد الثاني هو بجعلهم ملوكاً يملكون إدارة الدولة في الأرض، وهو مقام وعنوان ووصف المهدوية.
فالمراد بالمهديّين الاثني عشر هم الأئمّة الاثني عشر أنفسهم في حال الرجعة وإقامة الدولة الظاهرة، فلهم مقام المهدوية بعد تسنّمهم أصل مقام الإمامة من دون دولة ظاهرة معلنة، والحال ذلك أي مقام الامامة وصف ونعت للإمام الثاني عشر منذ الوصية والإمامة من أبيه الحسن العسكري (عليه السلام) إلى يوم ظهوره، وحين ظهوره وبدء إقامته للدولة الظاهرة يتحقَّق له الوصف الفعلي لمقام المهدي، وإلى هذا المفاد أي تعدّد الحال في الإمام الثاني عشر وأنَّه تمرُّ به مرحلتان يشير قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الرواية المزبورة: (فذلك اثنا عشر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهدياً) أي بعد إمامة الإمام الثاني عشر وامتدادها في عصر الغيبة يتحقَّق بدء إقامة دولة محمّد وآل محمّد (عليهم السلام)، وأوّل من يقيمها هو الإمام الثاني عشر، ومن ثَمَّ يكون الإمام الثاني عشر هو أوّل المهديّين بعد أن كان له أصل مقام الإمامة طيلة
فترة الغيبة، فالإمام الثاني عشر متميّز في الأئمّة الاثني عشر باتّصال مقام إمامته بمقام مهدويته.
وهذا هو سرّ تكرار قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في ذيل الرواية: (فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد المستحفظ من آل محمّد (عليهم السلام)، فذلك اثنى عشر إماماً، ثمّ يكون من بعدي اثنى عشر مهديّاً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أوّل المقرَّبين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي، واسم أبي وهو عبد الله، وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أوّل المؤمنين)، فكرَّر (صلّى الله عليه وآله وسلم) قوله: (فإذا حضرته الوفاة - أي الحسن العسكري (عليه السلام) - فليسلّمها إلى ابنه - أي محمّد -، إذ في المرَّة الثانية أيضاً صرَّح (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّ الابن اسمه محمّد، كما قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): (اسم كاسمي) فسر هذا التكرار بحضور وفاة الحسن العسكري (عليه السلام) أنَّه يسلّمها إلى ابنه محمّد أنَّ الإمام الثاني عشر له مقامان متّصلان زماناً الأوّل أصل الإمامة والثاني مقام المهدوية، فمن ثَمَّ كرَّر التعبير فيه دون بقيّة الأئمّة الاثني عشر لانفكاك زمان إمامتهم عن زمان مقام المهدوية لهم، وهو أوّل المؤمنين زمناً لا رتبةً، والمخاطبين أيضاً في آية الوعد الإلهي في سورتي النور والقصص من الأئمّة الاثني عشر الذين وعدهم الله أن يستخلفهم في الأرض بدولة معلنة ويمكِّن لهم إقامة الدين حيث يبدلهم بعد الخوف أمناً كما هو نصّ قوله تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) (النور: 55).
ويتَّضح هذا التفسير بشكل مفهوم جلي من الروايات الواردة في بيان هذا المعنى لعنوان ووصف المهدي:
أوّل المهديّين واحد من الأئمّة الاثني عشر:
1 - روى في تحف العقول وصيّة الصادق (عليه السلام) لمؤمن الطاق أبي جعفر محمّد بن النعمان الأحول في وصيّة طويلة بمراعاة التقيّة والكتمان وعدم الإذاعة: (فلا تعجلوا، فوَالله قد قرب هذا الأمر ثلاث مرَّات فأذعتموه فأخَّره الله)(38).
ومراده (عليه السلام) من هذا الأمر أي قيام دولة آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) التي تبقى إلى يوم القيامة.
وروى الشيخ الطوسي في الغيبة بإسناده إلى أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قوله: (يا ثابت، إنَّ الله تعالى كان وقَّت هذا الأمر في السبعين، فلمَّا قُتِلَ الحسين (عليه السلام) اشتدَّ غضب الله على أهل الأرض، فأخَّره إلى أربعين ومائة سنة، فحدَّثناكم فأذعتم الحديث وكشفتم قناع السر، فأخَّره الله ولم يجعل له بعد ذلك عندنا وقتاً...)(39).
وروى في مختصر بصائر الدرجات بسند صحيح عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال: (إنَّ أصحاب محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(38) تحف العقول: 310.
(39) الغيبة للطوسي: 428/ ح 417، ورواه النعماني في الغيبة: 304/ باب 16/ ح 10؛ والكليني في الكافي 1: 368/ باب كراهية التوقيت/ ح 1؛ والراوندي في الخرائج والجرائح 1: 178 و179/ ح 11.
وعدوا سنة السبعين فلمَّا قُتِلَ الحسين (عليه السلام) غضب الله (عزَّ وجلَّ) على أهل الأرض فأضعف عليهم العذاب، وإنَّ أمرنا كان قد دنى فأذعتموه فأخَّره الله (عزَّ وجلَّ)...) الحديث(40).
وروى النعماني في الغيبة بسند موثَّق عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: ما لهذا الأمر أمد ينتهي إليه ويريح أبداننا؟ قال: (بلى، ولكنَّكم أذعتم فأخَّره الله)(41).
وروى النعماني أيضاً بسنده عن إسحاق بن عمّار الصيرفي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (قد كان لهذا الأمر وقت وكان في سنة أربعين ومائة، فحدَّثتم به وأذعتموه فأخَّره الله (عزَّ وجلَّ))(42).
وروى في الموثَّق عن إسحاق بن عمّار، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): (يا أبا إسحاق، إنَّ هذا الأمر قد أُخِّرَ مرَّتين)(43).
وروى الشيخ الطوسي بسنده عن عثمان النوى، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (كان هذا الأمر فيَّ فأخَّره الله، ويفعل بعد ذلك في ذرّيتي ما يشاء)(44).
والمراد من الأمر في هذه الروايات المستفيضة التي كان قد وُقِّتَ من قِبَل الله تعالى هو ظهور وقيام دولة آل محمّد (عليهم السلام)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(40) مختصر بصائر الدرجات: 102.
(41) الغيبة للنعماني: 299/ باب 16/ ح 1؛ ورواه الطوسي في الغيبة: 427 و428/ ح 416 بتفاوت يسير.
(42) الغيبة للنعماني: 303/ باب 16/ ح 8.
(43) الغيبة للنعماني: 303/ باب 16/ ح 9.
(44) الغيبة للطوسي: 428 و429/ ح 418.
الدولة الموعود باستمرارها إلى يوم القيامة يتعاقب الأئمّة الاثنا عشر عليها، ويصطلح في روايات أهل البيت على الإمام الذي يتمّ على يديه بدء إنشاء إقامة هذه الدولة أنَّه المهدي من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وإلى هذا تشير الرواية الأخيرة، وهذه الطائفة من الروايات أنَّ مقام المهدي من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد قدَّره الله (عزَّ وجلَّ) في السبعين أي إقامة هذه الدولة المستمرّة على يد سيّد الشهداء، فلمَّا فرَّط المؤمنون والمسلمون في القيام بالمسؤولية وقُتِلَ الحسين (عليه السلام) اشتدَّ غضب الله على أهل الأرض فأخَّره الله من باب (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (الرعد: 39)، لأنَّه لم يكن ذلك التقدير تقدير جبر وإنَّما أمر بين أمرين لسُنَّة الله المشار إليها في قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11)، فقدَّر الله أن يكون مهدي آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) هو الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، فحصل التفريط مرَّة أُخرى فقدَّره الله في الإمام موسى بن جعفر، فوقع التفريط ثالثة فأخَّره الله إلى ما يشاء، ومن ثَمَّ أشارت هذه الطائفة من الروايات أنَّ هذا الأمر قد وقَّته الله ثلاث مرَّات ولعلَّ الثلاث إلى زمن الصادق (عليه السلام) والتقدير في زمن موسى بن جعفر (عليه السلام) يكون رابعاً.
وهذا أي التغيير من باب (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) لا يتنافى مع علم الله الحتمي بمقادير الأُمور وأقدارها وحتم إبرامها، ومن ثَمَّ لا تتنافى هذه الروايات مع الروايات الأُخرى أنَّ مهدي آل محمّد هو الإمام الثاني عشر.
والحاصل أنَّ هذه الطائفة تُعزِّز أنَّ المهدوية مقام لأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) الاثني عشر هو بلحاظ قيامهم بالدولة المعلنة التي تستمرّ إلى يوم القيامة.
وإلى ذلك يشير قول الأمير (عليه السلام) فيما رواه الكليني في الكافي بإسناده عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (... والمهدي (عليه السلام) يجعله الله من شاء منّا أهل البيت)(45).
علي (عليه السلام) المهدي الأكبر من المهديّين الاثني عشر:
2 - ما رواه في مختصر بصائر الدرجات عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت على علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: (ألَا أُحدِّثك ثلاثاً قبل أن يدخل عليَّ وعليك داخل؟)، قلت: بلى! فقال: (أنا عبد الله، أنا دابّة الأرض صدقها وعدلها وأخو نبيّها، وأنا عبد الله. ألَا أُخبرك بأنف المهدي وعينه؟)، قال: قلت: نعم، فضرب بيده إلى صدره فقال: (أنا)(46).
وروى أيضاً عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت على علي (عليه السلام) فقال: (أُحدّثك بسبعة أحاديث إلَّا أن يدخل علينا داخل)، قال: قلت: افعل جُعلت فداك، قال: (أتعرف أنف المهدي وعينه؟)، قال: قلت: أنت يا أمير المؤمنين...(47).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(45) الكافي 1: 450/ باب مولد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ووفاته/ ح 34.
(46) مختصر بصائر الدرجات: 207.
(47) المصدر السابق.
وقد وردت روايات مستفيضة بأنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو صاحب الكرّات والرجعات ودولة الدول، ومن ثَمَّ يكون هو المهدي الأكبر من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) كما هو مفاد هاتين الروايتين وروايات أُخرى أنَّه عين المهدي وأنفه حيث تضمَّن تشبيه المهدي بأعضاء جسم بعضها رئيسي مركزي وهو العين والأنف، وأنَّ مقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بين الأئمّة الاثني عشر في الاتّصاف بوصف المهدي هو موقع العين، وهذا يبيِّن أنَّ صدق عنوان المهدي على الأئمّة الاثني عشر هو بتفاوت.
3 - ما رواه في بصائر الدرجات عن عبد الله، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: أخبرنا إسماعيل بن يسار، حدَّثني علي بن جعفر الحضرمي، عن سليم الشامي أنَّه سمع علياً (عليه السلام) يقول: (إنّي وأوصيائي من ولدي مهديّون كلّنا محدَّثون)، فقلت: يا أمير المؤمنين من هم؟ قال: (الحسن والحسين (عليهما السلام)، ثمّ ابني علي بن الحسين (عليه السلام))، قال: وعلي يومئذٍ رضيع، (ثمّ ثمانية من بعده واحداً بعد واحد، وهم الذين أقسم الله بهم فقال: (وَوالِدٍ وَما وَلَدَ) (البلد: 3)، أمَّا الوالد فرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وما ولد يعني هؤلاء الأوصياء...) الحديث(48).
وكون الأوصياء الاثني عشر أولاد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) مع أنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(48) بصائر الدرجات: 392/ باب 1/ ح 16.
علياً ابن عمّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأخيه من باب التغليب، أو أنَّ علياً ابن الرسول روحاً ونوراً كما هو مفاد صريح هذه الرواية، وأُطلق في هذه الرواية المهدي على كلّ الأئمّة.
4 - ما رواه الصدوق في الصحيح عن أبان بن أبي عيّاش، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت سلمان الفارسي رضي الله عنه يقول: كنت جالساً بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في مرضته التي قبض فيها، فدخلت فاطمة (عليها السلام)...، إلى أن قال: (وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة، كلّهم هادون مهديّون، وأوَّل الأوصياء بعدي أخي علي، ثمّ حسن، ثمّ حسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين في درجتي، وليس في الجنَّة درجة أقرب إلى الله من درجتي...) الحديث. ورواه سليم بن قيس في كتابه مع تفاوت يسير في الألفاظ(49).
5 - وروى ابن أبي زينب النعماني في كتاب الغيبة عن ابن عقدة وغيره بإسنادهم عن عبد الرزّاق بن همّام، عن معمّر بن راشد، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس، عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في حديث: (... أيّها الناس، ليبلِّغ مقالتي شاهدكم غائبكم، اللّهمّ اشهد عليهم، ثمّ إنَّ الله نظر نظرة ثالثة فاختار من أهل بيتي بعدي، وهم خيار أُمّتي أحد عشر إماماً بعد أخي واحداً بعد واحد، كلَّما هلك واحد قام واحد،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(49) كمال الدين: 262 و263/ باب 24/ ح 10؛ كتاب سليم بن قيس: 133.
مثلهم في أهل بيتي كمثل نجوم السماء، كلَّما غاب نجم طلع نجم، إنَّهم أئمّة هداة مهديّون...)(50). وهذا الحديث طريقه موثَّق، ولاحظ قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فوصف الاثني عشر أوّلاً بمقام الإمامة وثانياً بمقام (المهديّون)، وهو مطابق لتفسير قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّ الأئمّة الاثني عشر من بعدهم اثني عشر مهدياً بالضرورة لأنَّه دور ثانٍ لهم كمجموعة وعدَّة يرجعون فيقومون به لاسيّما وأنَّ الترتيب الزماني لرجوعهم ليس بترتيب مراتبهم وتفسيره برجعة الأئمّة الاثني عشر، وأنَّ المهديّين الاثني عشر مقام الرجعة للأئمّة الاثني عشر وإقامتهم لدولة العدل وقد مرَّ أنَّ الوعد الإلهي في آية القصص وآية النور يقتضي أنَّ الموعود بالاستخلاف لوراثة الأرض وإقامة الدولة الإلهية هم نفس الأئمّة الاثني عشر الذين استضعفوا في الأرض سابقاً.
وورد كثيراً إطلاق المهدي والمهديّين على الأئمّة (عليهم السلام) في الروايات.
الشاهد الثالث:
وممَّا يشهد لإرادة الأئمّة الاثني عشر من المهديّين الاثني عشر من هذه الرواية أي رواية الوصيّة وتسليمها من كلّ إمام إلى الإمام الذي بعده أنَّ نفس هذه الرواية التي رواها الشيخ الطوسي في الغيبة ورواها عنه في مختصر بصائر الدرجات قد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(50) الغيبة للنعماني: 85 و86/ باب 4/ ح 12؛ كتاب سليم بن قيس: 236.
اشتملت على كون اسم المهدي من أسماء علي (عليه السلام) التي قد سمّاه الله بها والتي لا تصحُّ لأحد غيره، فالصحيح المتعيَّن الذي لا لبس فيه ولا زيغ يعتريه ولا ريب يمتريه أنَّ المراد من المهديّين الاثني عشر بعد الأئمّة الاثني عشر هم نفس الأئمّة (عليهم السلام) بلحاظ دور الرجعة لهم (عليهم السلام). فهم المهديّون، ولذلك ذكر في بعض نسخ الرواية أنَّ الإمام الثاني عشر أوَّل المؤمنين وأوَّل المهديّين، وقد مرَّ أنَّ ذلك إشارة في الآية الواعدة بالرجعة.
تساؤل:
ولعلَّك تسأل: فلماذا غاير النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في التعبير بين الأئمّة الاثني عشر والمهديّين الاثني عشر، وكأنَّ المجموعة الأُولى أئمّة اثنا عشر، وأنَّ هناك مجموعة ثانية عددها أيضاً اثنا عشر كلّهم مهديّون.
والجواب:
إنَّ التعبير وإنَّ أوهم المغايرة للوهلة الأُولى إلاَّ أنَّ اتّحاد المراد مألوف في استعمال الروايات نظير ما رواه الشيخ في الغيبة من موثَّق جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (والله ليملكنَّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة يزداد تسعاً)، قلت: متى يكون ذلك؟ قال: (بعد القائم)، قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال: (تسع عشرة سنة، ثمّ يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين (عليه السلام) ودماء أصحابه، فيقتل ويسبي حتَّى يخرج السفّاح)(51).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(51) الغيبة للطوسي: 478 و479/ ح 505.
فالناظر في هذه الرواية في المتبادر الأوّل يتوهَّم أنَّ هذا الرجل من أهل البيت الذي يملك بعد القائم أو المنتصر الذي يخرج بعد القائم والذي يطلب بثأر وبدم الحسين (عليه السلام) ودماء أصحابه هو غير الحسين (عليه السلام) بمقتضى تعدّد التعبير مع أنَّه قد استفاضت الروايات أنَّ المنتصر هو الحسين (عليه السلام)، ففي روايات رواها المفيد في الاختصاص عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث: (وهل تدري من المنتصر والسفّاح؟ يا جابر، المنتصر الحسين بن علي، والسفّاح علي بن أبي طالب (عليهما السلام))(52).
6 - وروى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: (منّا اثنا عشر مهدياً، مضى ستّة وبقي ستّة، ويصنع الله في السادس ما أحبّ)(53).
الشاهد الرابع:
ما ورد من روايات مستفيضة أنَّ الذي يلي الوصيّة ويلي مقاليد الإمام الثاني عشر ويلي الخاتم هو الحسين (عليه السلام)، حيث يدفع إليه القائم (عليه السلام) كلّ ذلك:
1 - فقد روى في مختصر بصائر الدرجات عن أبي عبد الله (عليه السلام): (ويقبل الحسين (عليه السلام) في أصحابه الذين قُتلوا معه، ومعه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(52) الاختصاص: 258.
(53) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 69/ ح 37.
سبعون نبيّاً كما بُعثوا مع موسى بن عمران (عليه السلام)، فيدفع إليه القائم (عليه السلام) الخاتم، فيكون الحسين (عليه السلام) هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواري به في حفرته)(54).
2 - ما رواه في الكافي بسنده إلى عبد الله بن القاسم البطل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: (... (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) خروج القائم (عليه السلام)، (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) (الإسراء: 5 و6)، خروج الحسين (عليه السلام) في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهَّب لكلّ بيضة وجهان، (يؤذن المؤذنون) المؤدّون إلى الناس أنَّ هذا الحسين قد خرج حتَّى لا يشكُّ المؤمنون فيه، وأنَّه ليس بدجّال ولا شيطان، والحجَّة القائم بين أظهرهم، فإذا استقرَّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنَّه الحسين (عليه السلام) جاء الحجَّة الموت، فيكون الذي يغسّله ويكفّنه ويحنّطه ويلحّده في حفرته الحسين بن علي (عليهما السلام)، ولا يلي الوصيّ إلاَّ الوصيّ)(55).
ورواها العيّاشي في تفسيره ولكن مع اختلاف يسير في الألفاظ، ففي ذيل الرواية: (المؤدّي إلى الناس - أنَّ الحسين قد خرج في أصحابه حتَّى لا يشكُّ فيه المؤمنون وأنَّه ليس بدجّال ولا شيطان -، الإمام الذي بين أظهر الناس يومئذٍ، فإذا استقرَّ عند المؤمن أنَّه الحسين لا يشكّون فيه، وبلغ عن الحسين الحجَّة القائم بين أظهر الناس وصدَّقه المؤمنون بذلك، جاء الحجَّة الموت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(54) مختصر بصائر الدرجات: 48 و49؛ بحار الأنوار 53: 103/ ذيل (ح 130).
(55) الكافي 8 : 206/ ح 250.
فيكون الذي غسَّله، وكفَّنه، وحنَّطه، وإيلاجه في حفرته الحسين، ولا يلي الوصيّ إلاَّ الوصيّ)، وزاد إبراهيم في حديثه: (ثمّ يملكهم الحسين حتَّى يقع حاجباه على عينيه)(56).
3 - ما تقدَّم من رواية الشيخ الطوسي في الغيبة، من أنَّه يملك بعد القائم رجل من أهل البيت ثلاثمائة سنة ويزداد تسعة، وهو المنتصر وهو المنصور ويطلب بدمه وبدماء أصحابه(57)، وقد رواها المفيد في الاختصاص ببسط في الرواية عن جابر، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (والله ليملكنَّ رجل منّا أهل البيت بعد موته ثلاث مائة سنة ويزداد تسعاً)، قال: فقلت: فمتى يكون ذلك؟ قال: فقال: (بعدموت القائم)، قلت له: وكم يقوم القائم في عالمه حتَّى يموت؟ قال: فقال: (تسعة عشر سنة من يوم قيامه إلى يوم موته...) وذكر بقيّة الحديث(58).
4 - بسنده عن عقبة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه سُئل عن الرجعة أحقّ هي؟ قال: (نعم)، فقيل له: من أوّل من يخرج؟ قال: قال: (الحسين يخرج على إثر القائم (عليه السلام))، قلت: ومعه الناس كلّهم؟ قال: (لا بل كما ذكر الله تعالى في كتابه: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) (النبأ: 18) قوم بعد قوم)(59).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(56) تفسير العيّاشي 2: 281/ ح 20.
(57) أُنظر: الغيبة للطوسي: 478 و479/ ح 505؛ ورواه في مختصر بصائر الدرجات: 49، عن مصدر آخر.
(58) الاختصاص: 257 و258.
(59) مختصر بصائر الدرجات: 48.
الشاهد الخامس:
ما تواتر من عقيدة رجعة الأئمّة الاثني عشر لأهل البيت إلى الدنيا، ورجوع الموتى ممَّن محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً، ورجوع أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، وأنَّ أوَّل من يرجع من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) هو الحسين بن علي (عليه السلام) في زمن الحجَّة (عليه السلام)، فيكون هو الإمام بعده، ثمّ يرجع بعد الحسين (عليه السلام) علي بن أبي طالب (عليه السلام):
وروايات رجعة الأئمّة الاثني عشر إلى الدنيا بعد موت الإمام الثاني عشر قد بلغت مئات الروايات، فمجرَّد ما رواه الحرّ العاملي في كتاب (الإيقاظ من الهجعة) ما يزيد على ستّة مائة رواية فضلاً عمَّا رواه المجلسي وتلميذه صاحب العوالم والأسترآبادي وغيرهم كثيرون، فضلاً عمَّا رواه العامّة من رواياتها بلفظ يرادف الرجعة معنىً وإن لم يكن مرادفاً لغوياً لكنَّهم رووها وهم لا يشعرون بحقيقة معانيها.
والإحصائية الدقيقة لتلك الروايات قد تزيد على الألف بكثير فضلاً عن مجموع روايات عموم الرجعه عند الفريقين فإنَّ العدد يتضاعف على ذلك أضعافاً.
ومن الواضح أنَّ عقيدة رجعة الأئمّة الاثني عشر بعد الإمام الثاني عشر تبطل توهّم أنَّ المهديّين هم غير الأئمّة الاثني عشر.
ويتناقض مع توهّم التعدّد بين الأئمّة الاثني عشر والمهديّون الاثني عشر جملة من الروايات:
1 - ما رواه في مختصر بصائر الدرجات عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن رجل، عن جميل بن درّاج، عن المعلّى بن خنيس وزيد الشحّام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قالا: سمعناه يقول: (إنَّ أوَّل من يكرُّ في الرجعة الحسين بن علي (عليهما السلام)، ويمكث في الأرض أربعين سنة حتَّى يسقط حاجباه على عينيه)(60).
2 - ما رواه في مختصر بصائر الدرجات أيضاً عن أيّوب بن نوح والحسين بن علي بن عبد الله بن المغيرة، عن العبّاس بن العامر القصباني، عن سعيد، عن داود بن راشد، عن حمران بن أعين، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): (إنَّ أوَّل من يرجع لجاركم الحسين بن علي (عليه السلام)، فيملك حتَّى تقع حاجباه على عينيه من الكبر)(61).
3 - ما روي في مختصر بصائر الدرجات أيضاً من صحيح المعلّى بن خنيس، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): (أوّل من يرجع إلى الدنيا الحسين بن علي (عليهما السلام)، فيملك حتَّى يسقط حاجباه على عينيه من الكبر...)، ثمّ ذكر (عليه السلام) رجعة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)(62).
4 - ما رواه في مختصر بصائر الدرجات عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (والله ليملكنَّ منّا أهل البيت رجلاً بعد موته ثلاث مئة سنه ويزاد تسعاً)، قلت: متى يكون ذلك؟ قال: (بعد القائم (عليه السلام))، قلت: وكم يقوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(60) مختصر بصائر الدرجات: 18.
(61) مختصر بصائر الدرجات: 27 و28.
(62) مختصر بصائر الدرجات: 29.
القائم في عالمه؟ قال: (تسعة عشر سنة، ثمّ يخرج المنتصر إلى الدنيا وهو الحسين، فيطلب بدمه ودم أصحابه، فيقتل ويسبي حتَّى يخرج السفّاح وهو أمير المومنين علي بن أبي طالب (عليه السلام))(63)، والسفّاح في اللغة المعطاء والفصيح والقادر على الكلام.
5 - ما رواه في مختصر بصائر الدرجات بسنده عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (قال الحسين (عليه السلام) لأصحابه قبل أن يُقتل...)، وذكر (عليه السلام) أنَّه يستشهد ومن معه، وقال الحسين (عليه السلام): (ثمّ أمكث ما شاء الله فأكون أوّل من تنشقّ الأرض عنه فأخرج خرجة توافق خرجة أمير المومنين (عليه السلام) وقيام قائمنا...) الحديث(64).
6 - ما ورد مستفيضاً أنَّ الحسين (عليه السلام) عندما يخرج إلى الدنيا في أواخر حياة الإمام الثاني عشر حيث لا يكون للإمام الثاني عشر عَقِباً من ولدِه حيّاً حينئذٍ كي لا ينازع سيّد الشهداء في انتقال الوصيّة والإمامة إليه.
الشاهد السادس:
1 - ما رواه الشيخ الطوسي في الغيبة بسندٍ حسنٍ عن الحسن بن علي الخزّاز، قال: دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال له: أنت إمام؟ قال: (نعم)، فقال له: إنّي سمعت جدّك جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول: (لا يكون الإمام إلاَّ وله عقب)؟ فقال: (أنسيت يا شيخ أم تناسيت؟ ليس هكذا قال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جعفر، إنَّما قال جعفر: لا يكون الإمام إلَّا وله عقب إلَّا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنَّه لا عقب له)، فقال له: صدقت جُعلت فداك هكذا سمعت جدّك يقول(65).
ورواه الطبري في دلائل الإمامه بطريق آخر إلَّا أنَّ لفظه في وسط الحديث: (لا يكون الإمام إلَّا وله ولد إلَّا الإمام الذي يخرج عليه الحسين (عليه السلام))...(66).
وتفسير هذه الطائفة من الروايات والآتي عدَّة أُخرى منها من أنَّ الإمام الثاني عشر لا يكون له عقب عند خروج جدّه سيّد الشهداء (عليه السلام) إلى الدنيا في الرجعة, والسر فيه هو لأجل أن يدفع الإمام الثاني عشر الوصيّة ومقاليد الإمامة والأمانة الإلهية إلى جدّه الحسين، فلا يكون هناك مانع من انتقال الوصيّة الإلهية والملكوتية ومقاليد الإمامة من الإمام الثاني عشر إلى جدّه الحسين (عليه السلام) عند ذلك من قبيل ولدٍ من صلبه مباشر يتقرَّر له استحقاق الوراثة فيمانع من انتقال الإمامة إلى الجدّ وهو سيّد الشهداء.
فالرواية في هذه الطائفة ليست نافية للولد والعقب للإمام الثاني عشر مطلقاً، بل في ظرف أواخر حياته الشريفة.
2 - وروى الكشّي بسنده عن محمّد بن مسعود، قال: حدَّثنا جعفر بن أحمد، عن أحمد بن سليمان، عن منصور بن العبّاس البغدادي، قال: حدَّثنا إسماعيل بن سهل، قال: حدَّثني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(65) الغيبة للطوسي: 224/ ح 188.
(66) دلائل الإمامة: 435 و436/ ح (405/9).
بعض أصحابنا وسألني أن أكتم اسمه، قال: كنت عند الرضا (عليه السلام) فدخل عليه علي بن أبي حمزه...، قال له علي: إنّا روينا عن آبائك أنَّ الإمام لا يلي أمره إلَّا إمام مثله؟ فقال له أبو الحسن (عليه السلام): (فأخبرني عن الحسين بن علي (عليهما السلام) كان إماماً أو كان غير إمام؟)، قال: كان إماماً، قال: (فمن ولي أمره؟)، قال: علي بن الحسين، قال: (وأين كان علي بن الحسين (عليهما السلام)؟)، قال: كان محبوساً بالكوفة في يد عبيد الله بن زياد، قال: (خرج وهم لا يعلمون حتَّى ولي أمر أبيه ثمّ انصرف).
فقال له أبو الحسن (عليه السلام): (إنَّ هذا أمكن علي بن الحسين (عليه السلام) أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه، فهو يمكّن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثمّ ينصرف وليس في حبس ولا في إسار).
قال له علي: إنّا روينا أنَّ الإمام لا يمضي حتَّى يري عقبه؟ قال: فقال أبو الحسن (عليه السلام): (أمَا رويتم في هذا الحديث غير هذا؟)، قال: لا، قال: (بلى والله، لقد رويتم فيه إلَّا القائم وأنتم لا تدرون ما معناه ولِمَ قيل).
قال له علي: بلى والله إنَّ هذا لفي الحديث، قال له أبو الحسن (عليه السلام): (ويلك كيف اجترأت عليَّ بشيء تدع بعضه؟)، ثمّ قال: (يا شيخ، اتَّق الله ولا تكن من الصادّين عن دين الله تعالى)(67).
وفي رواية المسعودي في إثبات الوصيّة عن الحميري، عن سهل بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(67) اختيار معرفة الرجال للطوسي 2: 763 و764/ ح 883.
زياد، عن منصور بن العبّاس، عن إسماعيل بن سهل، عن بعض أصحابه، قال: كنت عند الرضا (عليه السلام)... وروى مثله مع اختلاف في بعض الألفاظ، وفي ذيله: فقال له الرضا: (ويحك تجرَّأت عليَّ أن تحتجّ عليَّ بشيء تدمج بعضه بعضاً)، ثمّ قال (عليه السلام): (إنَّ الله تعالى سيريني عقبي إن شاء الله)، ثمّ قال لعلي بن حمزة: (يا شيخ، اتَّق الله تعالى ولا تكن من الصدّادين عن دين الله)(68).
الشاهد السابع:
ما ورد في عدَّة روايات في المقام من التأكيد على أنَّ هؤلاء (المهديّون) ليسوا بأئمّة وراء الأئمّة الاثني عشر، فليس عدد الأئمّة يتغيَّر أو يزداد عن الأئمّة الاثني عشر، بل الاثنا عشر مهدياً عبارة عن إشارة إلى دولة الرجعة للائمّة الاثني عشر، فالاثنا عشر مهدياً عنوان آخر لعقيدة الرجعة يشار بها إلى دولتهم (عليهم السلام) في الرجعة.
1 - ما رواه الصدوق عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): يا ابن رسول الله، إنّي سمعت من أبيك (عليه السلام) أنَّه قال: (يكون من بعد القائم اثنا عشر مهدياً)، فقال: (إنَّما قال: اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: اثنا عشر إماماً، ولكنَّهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقّنا)(69)، ورواها في مختصر بصائر الدرجات(70).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(68) إثبات الوصيّة للمسعودي: 201.
(69) كمال الدين: 358/ باب 33/ ح 56.
(70) مختصر بصائر الدرجات: 211 و212.
فقوله (عليه السلام): (ولم يقل: اثنا عشر إماماً) النفي منصبٌّ على توهّم اثنا عشر إماماً كمجموعة ثانية غير الاثنا عشر الأُولى، فنفى ذلك (عليه السلام) لئلَّا يتوهَّم أنَّ مجموع الأئمّة أربعة وعشرون، بل هؤلاء الاثني عشر مهدياً هم نفس الأئمّة الاثني عشر، غاية الأمر أنَّ التعبير عن رجعتهم وكرَّتهم وأوبتهم وإقامتهم للدولة يعبَّر عنه بمقام الإمام المهدي، فهم مهديّون اثنا عشر.
وأمَّا قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية: (ولكنَّهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقّنا)، فتفسيره وتأويله محتمل لوجوه:
أ - ما ذكره صاحب مختصر بصائر الدرجات أنَّ المقصود بالمهديّين رجعة الأئمّة الاثني عشر، ولكن لعدم احتمال السائل عقيدة الرجعة لئلَّا ينكرها فيكفر، قال:
(اعلم هداك الله بهداه أنَّ علم آل محمّد ليس فيه اختلاف بل بعضه يصدِّق بعضاً، وقد روينا أحاديث عنهم صلوات الله عليهم جمَّة في رجعة الأئمّة الاثني عشر، فكأنَّه (عليه السلام) عرف من السائل الضعف عن احتمال هذا العلم الخاصّ الذي خصَّ الله سبحانه من شاء من خاصَّته وتكرَّم به على من أراد من بريَّته كما قال سبحانه وتعالى: (ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد: 21)، فأوَّله بتأويل حسن بحيث لا يصعب عليه فينكر قلبه فيكفر)(71).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(71) مختصر بصائر الدرجات: 212.
ويؤيّد استظهاره بأنَّ الإمام (عليه السلام) لم يرد أن يبرز للسائل وهو أبو بصير ولا أن يفصح له عن (الرجعة) كما يظهر من جملة من روايات الرجعة أنَّ الرجعة حيث تمثِّل عنواناً لإقامة دولة آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فكأنَّ الحديث عنها يكتنفه حذر وسرّية بالغة في دولة بني أُميّة وبني العبّاس حتَّى أنَّه قد ورد في رواية أنَّ زرارة كان يلحُّ في السؤال على الإمام الصادق (عليه السلام) عن الرجعة بنحو متخفٍ وبآخر ملتوي والإمام (عليه السلام) لا ينفتح معه في مداولة الحديث عن الرجعة، نعم استظهاره أنَّ الاثني عشر مهدياً عنوان لرجعة أهل البيت (عليهم السلام) متين في محلّه مطابق للشواهد التي مرَّت.
ب - أنَّ المراد بـ (قوم من شيعتنا) هم الأئمّة الأحد عشر، فإنَّهم شيعة لوالدهم سيّد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كما ورد في الأحاديث: أنَّ الحسن والحسين من شيعة علي (عليه السلام)(72)، فضلاً عن بقيّة الأئمّة التسعة، وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (ولايتي لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أحبُّ إليَّ من ولادتي منه، لأنَّ ولايتي لعلي بن أبي طالب فرض، وولادتي منه فضل)(73)، وورد عنه (عليه السلام) أيضاً: (ولايتي لآبائي أحبُّ إليَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(72) الاحتجاج 2: 237/ باب احتجاج الإمام الرضا (عليه السلام)؛ تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): 313/ ح 159.
(73) الروضة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لشاذان بن جبرئيل القمّي: 103/ ح 92؛ بحار الأنوار 39: 299/ ح 105.
من نسبي، ولايتي لهم تنفعني من غير نسب، ونسبي لا ينفعني بغير ولاية)(74)، وورد نظير هذا المضمون عن الباقر (عليه السلام) والكاظم (عليه السلام)، وتوصيف الاثني عشر جميعاً بأنَّهم شيعة من باب التغليب كما قد ورد في روايات أُخرى وصفهم لكونهم من ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، أو بلحاظ أنَّ جميع الأئمّة الاثني شيعة لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو سيّدهم وإمامهم كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أنا عبد من عبيد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم))(75).
2 - ما رواه الشيخ الطوسي في الغيبة بإسناده عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل أنَّه قال: (يا أبا حمزة، إنَّ منّا بعد القائم أحد عشر (اثنا عشر) مهدياً من ولد الحسين (عليه السلام))(76)، ورواه في مختصر بصائر الدرجات بطريق آخر(77).
وتوصيفهم (عليهم السلام) بكونهم من ولد الحسين من باب تغليب هذا الوصف الثابت للتسعة من الاثني عشر، كما ورد توصيف الأئمّة الاثني عشر بكونهم من ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الأحاديث الكثيرة، مع أنَّ الوصف ثابت للأحد عشر تغليباً، وكما ورد ذلك في الزيارة الجامعة: (وإِلَى جَدِّكُم بُعِثَ الرُّوحُ الأمِينُ)(78)، مع أنَّ المخاطب بالزيارة الجامعة هم الأئمّة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(74) مشكاة الأنوار: 575/ باب 9/ فصل 4.
(75) الكافي 1: 90/ باب الكون والمكان/ ح 5.
(76) الغيبة للطوسي: 478/ فصل 8/ ح 504.
(77) مختصر بصائر الدرجات: 38.
(78) المزار لابن المشهدي: 532.
الاثنا عشر، بل في بعض روايات الزيارة(79) المخاطب بالزيارة الجامعة حقيقة وتصريحاهم كلّ المعصومين الأربعة عشر، بل صرّح أنَّ أوّل المخاطبين هو الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) ثمّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ثمّ فاطمة (عليها السلام) ثمّ الحسنين (عليهما السلام) ثمّ التسعة (عليهم السلام).
تنبيه على أمور لا بدَّ منها:
التنبيه الأوَّل:
قد ورد متواتراً في روايات أهل البيت أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة، وأنَّ الحجَّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، وورد عنهم (عليهم السلام): (لو لم يبقَ إلَّا اثنان لكان أحدهما حجَّة على صاحبه)(80)، والحجَّة هو الإمام خليفة الله في الأرض، وهم حصراً الأئمّة الاثنا عشر، بل ورد متواتراً عند الفريقين الحديث النبوي: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)(81)، وكذلك الحديث النبوي المتواتر عند الفريقين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(79) المزار لابن المشهدي: باب 13/ الزيارة 8؛ بحار الأنوار 97: 345/ الزيارة 4.
(80) راجع: بصائر الدرجات: 507 - 509/ جزء 10/ باب 11 و12؛ الكافي 1: 178 و179/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة، و1: 179 و180/ باب أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلاَّ رجلان لكان أحدهما الحجّة.
(81) رواه الخاصّة والعامّة بألفاظ مختلفة، راجع: المحاسن للبرقي 1: 154/ ح 78؛ بصائر الدرجات: 279/ باب 15/ ح 5؛ الكافي 1: 377/ باب من مات وليس له إمام.../ ح 3؛ كمال الدين: 409/ باب 38/ ح 9؛ مسند أحمد 4: 96؛ مجمع الزوائد 5: 225؛ مسند أبي داود: 259؛ مسند أبي يعلى 13: 366/ ح 7375؛ وغيرها من المصادر الكثيرة.
(الخلفاء من بعدي اثنا عشر خليفة)(82)، وهو مفاد قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَر شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة: 36)، وقد بيَّنت جملة من الروايات دلالة ظاهر الآية على أنَّ قوام الدين القيّم منذ خلق الله السماوات والأرض بعدَّة الاثني عشر من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).
وكون عدَّة الأئمّة من أهل البيت اثني عشر من ضروريات المذهب، ومن ثَمَّ يستحيل بعد وفاة الإمام الثاني عشر أن تخلو الأرض من أئمّة آل محمّد (عليهم السلام)، ومن ثَمَّ كانت رجعتهم (عليهم السلام) متَّصلة بآخر حياة الإمام الثاني عشر (عليه السلام).
التنبيه الثاني:
قد روى الصدوق في كمال الدين بسنده عن محمّد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر (عليهما السلام) يقول في حديث... قال: قلت: يا ابن رسول الله، متى يخرج قائمكم؟ قال: (إذا تشبَّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال...، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) بين الركن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأنَّ الحقَّ فيه وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(82) رواه الخاصّة والعامّة بألفاظ مختلفة، راجع: أمالي الصدوق: 386/ ح (495/4)؛ الغيبة للنعماني: 104/ باب 4/ ح 31؛ مسند أحمد 5: 86؛ صحيح مسلم 6: 3؛ سنن أبي داود 2: 309/ ح 4279؛ وغيرها من المصادر الكثيرة.
شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً)(83).
وصريح هذه الرواية أنَّ خروج اليماني من أرض اليمن وخروج السفياني من أرض الشام، أي إنَّ انطلاق حركتهما وجيشيهما السفياني من أرض الشام ومقرّ انطلاقه، وكذلك اليماني وجيشه من أرض اليمن.
وقد روى ابن حماد في الملاحم عن سعيد أبي عثمان، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث عن السفياني واليماني وأنَّه بعد ظهور السفياني يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده وله فورة شديدة يستقبل الجاهلية من قبل الناس فيلتقي هو والأخوص (السفياني) وزيّاتهم صفر وثيابهم ملوَّنة، فيكون بينهما قتال شديد(84).
التنبيه الثالث:
لا بدَّ من الالتفات إلى أنَّ الاثني عشر مهدياً لو فُسِّرت بغير المعنى الصحيح الذي مرَّ فدور الاثنا عشر مهدياً إنَّما يكون بعد نهاية دولة الإمام الثاني عشر أي بعد وفاته لا حين حياة الإمام الثاني عشر وفي دولته فضلاً عن أن يكون لهم دور في غيبته، وهذا ممَّا يقطع الطريق على الأدعياء في الغيبة الكبرى من تقمّص هذا المنصب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(83) كمال الدين: 330 و331/ باب 32/ ح 16.
(84) الملاحم والفتن لابن حماد: 78.
التنبيه الرابع: قرعة الخيرة في العقائد استقسام بالأزلام والنصب الشيطانية
إنَّ من الاستخفاف بالعقل بمكان الاستناد في أصول العقائد إلى القرعة والخيرة وهذه مهزلة فكرية لم نجد لها نظيراً إلَّا عند المهلوسين، فإنَّ من ضروريات فقه الإمامية وفقه المسلمين أجمع أنَّ القرعة آخر الأدلَّة والضوابط في المسائل الفرعية فضلاً عن أن يتقحَّم بها في المسائل العقائدية فضلاً عن أن يقتحَّم بها في أصول العقائد.
فالاستناد إليها مصداق لقوله تعالى: (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (يونس: 36)، بل هو من الاستقسام بالأزلام والنصب التي هي كهانة الشياطين لأنَّ الاقتراع بالقرعة في غير موردها المقرَّر شرعاً في دين الله غواية وإطاعة للجنّ والشياطين كما يشير إليه قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة: 90)، حيث إنَّ الأزلام كانت قرعة يقترع المشركون بها وكانوا إذا قصدوا فعلاً مبهماً مثل السفر ضربوا ثلاثة أقداح مكتوب على أحدها: (أمرني ربّي)، وعلى الآخر: (نهاني ربّي)، وعلى الثالث: (غفل لا كفاية عليه)، فإن خرج الأمر مضوا على ذلك، وإن خرج النهي تجنَّبوا عنه،
وإن خرج الغفل أجالوها ثانياً، حتَّى أنَّ بعض الفقهاء كالسيّد ابن طاووس حرَّم الاستخارة بالقرعة لعموم الآية الكريمة، واحتمله الأردبيلي في زبدة البيان.
والحاصل أنَّ القرعة في غير موردها الشرعي معصية لله تعالى وطاعة للشيطان والتجاء إلى إبليس اللعين ونوع وضرب من الكهانة والتكهّن ورجم الغيب بنفثات الشياطين، ومن ثَمَّ كان عبد المطَّلب لا يستقسم بالأزلام، وهو مفاد قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ...) إلى قوله: (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ) (المائدة: 3).
الاعتماد على الرؤى في الدين كهانة شيطانية:
ونظير هذا التوهّم الفاسد الاعتماد على الرؤيا والرؤى وكأنَّ الرؤيا يتوهَّم أنَّها قناة وطريق للوحي والنبوَّة يعتمد عليها كمصدر ومرجع ومنبع لاستكشاف الغيب والدين والصراط المستقيم والحقّ، فعلى هذا الوهم صار لكلّ إنسان لاقطة روحية هي نبوَّة في روح كلّ إنسان، وهذا المقال الباطل أشار إليه القرآن بقوله تعالى: (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرةً) (المدثّر: 52)، وهذا المقال الفاسد يجعل المدار على الرؤيا ولا يجعل المدار على الثقلين اللذين أمر النبيّ بالتمسّك بهما الكتاب والسُّنَّة المطهَّرة اللذان هما من نبوَّة خاتم الأنبياء (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأنَّه خاتم، وأنَّه لا نبيّ بعده. وهما اللذان قال في شأنهما: (لن تظلوا
بعدي ما إن تمسَّكتم بهما).
الشاهد الثامن:
اثنا عشر أماماً..
هم اثنا عشر مهديّاً..
هم اثنا عشر أمير..
هم اثنا عشر وصيّاً..
هم اثنا عشر خليفة..
هم اثنا عشر هادياً..
هم اثنا عشر وارثاً..
هذا ولا يخفى على اللبيب الفطن أنَّ الأئمّة الاثنا عشر (عليهم السلام) كما ورد تسميتهم بالأئمّة الاثني عشر وبالمهديّين الاثني عشر في روايات الفريقين المتواترة، أي في روايات أهل السُّنَّة أيضاً المتواترة أو المستفيضة ورد فيها أنَّ علياً (عليه السلام) وولده هم المهديّون الاثنا عشر بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، كذلك أيضاً ورد في روايات الفريقين أسماء أُخرى للاثني عشر، نظير اثنا عشر خليفة، واثنا عشر أمير بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، واثنا عشر وصيّاً، واثنا عشر هادياً، واثنا عشر وارثاً، وتغاير هذه السبعة عناوين والأوصاف وهذا التعدّد في أوصاف الاثني عشر لا يتوهَّم منه مجموعات متعدّدة كلّ منها اثني عشر بل هي تشير إلى مقامات متعدِّدة للمعصومين الاثني عشر علي والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين (عليهم السلام)، فانتبه والتفت إلى بيانات القرآن الكريم والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في وصفهم (عليهم السلام).
ولا بدَّ للقارئ من التدبّر والتمعّن والتكرار لقراءة هذه الشواهد والتنبيهات كي تتَّضح له جملة من الزوايا من معارف ومقامات أهل البيت (عليهم السلام) ولا تبقى مبهمة لديه.
قاعدة نظام الإمامة في الرجعة:
تساؤل:
قد يثار تساؤل عن كيفية رجعة الأئمّة (عليهم السلام) في زمان الإمام المهدي (عليه السلام) أو في زمان بعضهم البعض حيث يلزم إمَّا عزله أو تقديم المفضول على الفاضل.
وبعبارة أُخرى أنَّ الأدلَّة العقلية والنقلية الدالّة على امتناع خلو الأرض من إمام طرفة عين، وامتناع تقديم المفضول على الفاضل، مع الأحاديث الصريحة في حصر الأئمّة (عليهم السلام) في اثني عشر، وأنَّ الإمامة في ولد الحسين (عليه السلام) إلى يوم القيامة، وقولهم (عليهم السلام) في وصف الإمام: (الإمام واحد دهره، لا يدانيه عالم، ولا يوجد له مثل ولا نظير)، وما تقرَّر من أنَّ الإمامة رئاسة عامّة، وأنَّ المهدي (عليه السلام) خاتم الأوصياء والأئمّة فلا يجوز أن تكون الرجعة في زمان المهدي الحجَّة بن الحسن العسكري (عليه السلام) ولا بعده، لأنَّه يلزم إمَّا عزله (عليه السلام)، وقد ثبت استمرار إمامته إلى يوم القيامة، وإمَّا تقديم المفضول على الفاضل، أو زيادة الأئمّة على اثني عشر، أو عدم عموم رئاسة الإمام، وهذه من أقوى شبهات منكر الرجعة كما ذكر ذلك الحرّ العاملي في كتابه.
الجواب:
إنَّ نظام الإمامة وفق مراتب رتَّبها الباري (عزَّ وجلَّ)، وهذه المراتب رتَّبها الباري (عزَّ وجلَّ) لا تتبدَّل سواء اجتمعوا في دار الدنيا كاجتماع أهل الكساء، وزين العابدين (عليه السلام) والباقر (عليه السلام) أو اجتمعوا في دار الآخرة أو كان بعضهم في البرزخ والبعض الآخر في دار الدنيا، فإنَّ الأمر ينزل من الله تعالى أوّلاً على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ثمّ علي (عليه السلام) ثمّ الحسن والحسين (عليهما السلام) ثمّ بقيّة الأئمّة (عليهم السلام) بحسب مراتبهم إلى أن يصل وينزل إلى الإمام الحيّ الناطق، كما ورد ذلك في نصّ روايات الكافي.
وعلى ضوء ذلك فمراتب صلاحياتهم (عليهم السلام) هي تراتبية ضمن تسلسل رتبي، فتصدّي أحدهم (عليهم السلام) لا يخرجه عن موقع مرتبته، التي يهيمن عليها المرتبة الفوقية كما تهيمن مرتبته على من دونه من مراتب الأئمّة (عليهم السلام)، كما أنَّ الحال كذلك مع مرتبة فوقية ولاية الله تعالى، ففي حكومة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) الحاكمية في المرتبة الأُولى هي لله تعالى، كما في قوله تعالى: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (المائدة: 55).
وقوله تعالى: (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء: 59).
فإنَّ الخطاب: (أَطِيعُوا اللهَ)، أوّل من يخاطب به رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، كما أنَّ الخطاب بـ (أَطِيعُوا الرَّسُولَ) أوّل من يخاطب به الأئمّة (عليهم السلام).
وكذلك الإشارة في قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (لولا أنّا نزداد لأنفدنا)، فقال: قلت: تزدادون شيئاً لا يعلمه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: (أمَا إنَّه إذا كان ذلك عرض على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ثمّ على الأئمّة ثمّ انتهى الأمر إلينا)(85).
وهناك رواية أُخرى بهذا المضمون ما جاء في مصحَّح يونس بن عبد الرحمن، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: (ليس يخرج شيء من عند الله (عزَّ وجلَّ) حتَّى يبدأ برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ثمّ بأمير المؤمنين (عليه السلام) ثمّ بواحد بعد واحد لكي لا يكون آخرنا أعلم من أولنا)(86)، فالخطاب بالأمر بإطاعة الله متوجّه أوّلاً إلى رسول الله ثمّ من بعده الأئمّة ثمّ سائر الناس، كما أنَّ الخطاب بأطيعوا الرسول المخاطب به أوّلاً الأئمّة (عليهم السلام)، كما أنَّ المخاطب بـ أطيعوا أُولي الأمر منكم هم عموم الناس، فالآية تبيِّن نظام الطاعة والولاية، أنَّه بنحو المراتب المتسلسلة، وهذا النظام المتسلسل لا يتغيَّر عمَّا هو عليه، سواء اجتمع هؤلاء المعصومون (عليهم السلام) في دار الدنيا، أم كان بعضهم في البرزخ والبعض الآخر في دار الدنيا، وإن اختلف القائم بالأمر من الأربعة عشر معصوم (عليهم السلام) بحسب الأزمان والأجيال إلى يوم القيامة المباشر لتدبير أُمور الناس.
ونظيره قول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم): (الحسن والحسين إمامان قاما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(85) الكافي 1: 255/ باب لولا أنَّ الأئمّة (عليهم السلام) يزدادون لنفد ما عندهم/ ح 3.
(86) الكافي 1: 255/ باب لولا أنَّ الأئمّة (عليهم السلام) يزدادون لنفد ما عندهم/ ح 4.
أو قعدا)، فهما (عليهما السلام) إمامان في زمن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأمكن اجتماعهم مع أنَّ إمامتهم بالفعل فهي دولة إلهية ذات نظام متراتب لا تنقضي إلى يوم القيامة، ففي رواية الصادق (عليه السلام) يخاطب المهدي الحجَّة ابن الحسن العسكري (عليه السلام) بـ (سيّدي)، فهو يخاطب الحيّ الحجَّة بن الحسن العسكري (عليه السلام) في عالم الأظلَّة وعالم الذرّ، وكذلك الإمام الرضا (عليه السلام) يقوم ويضع يده على رأسه إجلالاً لابنه المهدي الحجَّة بن الحسن العسكري (عليه السلام)، فهو موجود قبل ولادته بتقدّم نشأة الروح على نشأة البدن.
* * *
القرآن الكريم.
الاحتجاج: الطبرسي/ ت محمّد باقر الخرسان/ دار النعمان/ 1386هـ.
الاختصاص: الشيخ المفيد/ ط 2/ 1414هـ/ دار المفيد/ بيروت.
اختيار معرفة الرجال: الطوسي/ قم/ مؤسّسة آل البيت/ 1404هـ.
إقبال الأعمال: ابن طاووس/ط1/1414هـ/مكتب الإعلام الإسلامي.
الأمالي: الشيخ الصدوق/ ط1/ 1417هـ/ مؤسّسة البعثة.
بحار الأنوار: المجلسي/ ط 2 / 1403هـ/ مؤسّسة الوفاء/ بيروت.
بصائر الدرجات: محمّد بن الحسن الصفّار/ ت كوجه باغي/ 1404هـ/ مط الأحمدي/ منشورات الأعلمي/ طهران.
البلد الأمين: الكفعمي/ 1383هـ/ مكتبة الصدوق/ طهران.
تحف العقول: ابن شعبة الحرّاني/ ت علي أكبر الغفاري/ ط 2/ 1404هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.
تفسير الثعلبي: الثعلبي/ ت أبي محمّد بن عاشور/ ط1/ 1422هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
تفسير العيّاشي: العيّاشي/ المكتبة العلمية الإسلاميّة/ طهران.
تفسير القمّي: علي بن إبراهيم القمّي/ ت طيّب الجزائري/ ط 3/ 1404هـ/ مؤسّسة دار الكتاب/ قم.
الخرائج والجرائح: قطب الدين الراوندي/ ط1 كاملة محقّقة/ 1409هـ/ مؤسّسة الإمام المهدي/ قم.
دلائل الإمامة: الطبري (الشيعي)/ ط1/ 1413هـ/ مؤسّسة البعثة.
الروضة في فضائل أمير المؤمنين: شاذان بن جبرئيل/ ط1/ 1423هـ.
سنن أبي داود: ابن الأشعث السجستاني/ ت محمّد اللحّام/ ط1/ 1410هـ/ دار الفكر/ بيروت.
صحيح مسلم: مسلم النيسابوري/ دار الفكر/ بيروت.
عيون أخبار الرضا: الصدوق/ 1404هـ/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت.
الغيبة: الشيخ الطوسي/ ت عبد الله الطهراني، علي أحمد ناصح/ ط1/ 1411هـ/ مط بهمن/ مؤسّسة المعارف الإسلاميّة/ قم.
الغيبة: النعماني/ ط 1/ 1422هـ/ مط مهر/ أنوار الهدى.
الفتن: نعيم بن حماد المروزي/ 1414هـ/ دار الفكر/ بيروت.
فضل الكوفة ومساجدها: ابن المشهدي/ دار المرتضى/ بيروت.
الكافي: الشيخ الكليني/ ت علي أكبر الغفاري/ ط5/ 1363ش/ مط حيدري/ دار الكتب الإسلاميّة/ طهران.
كامل الزيارات: ابن قولويه/ ت جواد القيّومي/ ط1/ 1417هـ/ مط مؤسّسة النشر الإسلامي/ مؤسّسة نشر الثقافة.
كمال الدين: الشيخ الصدوق/ ت علي أكبر الغفاري/ 1405هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.
مجمع الزوائد: الهيثمي/ 1408هـ/ دار الكتب العلمية/ بيروت.
مختصر بصائر الدرجات: الحسن بن سليمان الحلّي/ ط1/ 1370هـ/ منشورات المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف.
المزار: ابن المشهدي/ ت جواد القيّومي/ ط1/ 1419هـ/ مط مؤسّسة النشر الإسلامي/ نشر القيّوم/ قم.
مسند أبي داود: سليمان بن داود الطيالسي/ دار المعرفة/ بيروت.
مسند أبي يعلى: أبو يعلى الموصلي/ دار المأمون للتراث.
مسند أحمد: أحمد بن حنبل/ دار الصادر/ بيروت.
مشكاة الأنوار: علي الطبرسي/ ط1/ 1418هـ/ دار الحديث.
مصباح المتهجّد: الطوسي/ط1/1411هـ/مؤسّسة فقه الشيعة/ بيروت.
المصباح: الكفعمي/ ط3/ 1403هـ/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت.
* * *